You are on page 1of 10

‫حقيقة الفأل وما ليس منه‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول هلل وبعد‪:‬‬
‫فهذا مقال يف بيان (حقيقة الفأل وما ليس منه) أسأل اهلل تعاىل أن ينفع به‪.‬‬
‫حقيقة الفأل‪:‬‬
‫الفأل‪ :‬ما يتفاءل به (‪.)1‬‬
‫ومعىن التفاؤل مثل أن يكون رجل مريض فيتفاءل مبا يسمع من كالم‪ ،‬فيسمع آخر يقول‪ :‬يا‬
‫سامل‪ ،‬أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول‪ :‬يا واجد‪ ،‬فيقع يف ظنه أنه يربأ من مرضه‪ ،‬وجيد‬
‫ضالته(‪.)2‬‬
‫وهكذا األمثلة األخرى‪ :‬كتاجر يسمع يا رازق‪ ،‬وغاز‪ :‬يا منصور‪ ،‬وحاج‪ :‬يا مربور‪ ،‬وزائر‪،‬‬
‫يا مقبول‪ ،‬وخارج إىل حاجة‪ :‬يا جنيح‪ ،‬وحنو ذلك(‪.)3‬‬
‫وقد فسر النيب ‪ ‬معىن الفأل‪.‬‬
‫ففي الص حيحني عن أنس بن مال ك رض ي اهلل عن ه عن الن يب ‪ ‬ق ال‪( :‬ال ع دوى(‪ ،)4‬وال‬
‫طرية(‪ ،)5‬ويعجبين الفأل‪ ،‬قالوا‪ :‬وما الفأل؟ قال‪ :‬كلمة طيبة)(‪ .)6‬ويف رواية للبخاري‪( :‬ويعجبين‬
‫الفأل الصاحل‪ :‬الكلمة احلسنة)(‪.)7‬‬

‫() معجم مقاييس اللغة البن فارس ‪.3/468‬‬ ‫‪1‬‬

‫() النهاية البن األثري ‪ ،3/406‬وانظر الصحاح ‪ ،5/1788‬القاموس احمليط ‪.3/441‬‬ ‫‪2‬‬

‫() مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح لعلي القاري ‪.9/2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() قال اخلطايب‪( :‬يريد أن شيئاً ال يعدي شيئاً حىت يكون الضرر من قبله‪ ،‬وإمنا هو تقدير اهلل عز وجل‪ ،‬وسابق قضائه فيه)‬ ‫‪4‬‬

‫معامل السنن ‪ ،4/231‬وانظر شرح النووي لصحيح مسلم ‪.214 ،14/213‬‬


‫() أخذت الطرية من اسم الطري‪ ،‬وذلك أن العرب كانت تتطري بربوح الطري وسنوحها‪ ،‬فينفرون الطيور‪ ،‬فإن أخذت ذات‬ ‫‪5‬‬

‫اليمني تربكوا به ومضوا يف سفرهم وحوائجهم‪ ،‬وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا هبا‪.‬‬
‫هذا هو األصل يف إطالق الطرية‪ ،‬مث استعملت يف كل ما يتشاءم به‪ .‬انظر التمهيد البن عبد الرب ‪ ،9/282‬شرح النووي‬
‫لصحيح مسلم ‪ ،14/218‬النهاية البن األثري ‪.3/152‬‬
‫() ص حيح البخ اري ‪ 7/32‬كت اب الطب‪ ،‬ب اب ال ع دوى‪ ،‬وص حيح مس لم ‪ 4/1746‬كت اب الس الم‪ ،‬ب اب الط رية‬ ‫‪6‬‬

‫والفأل‪.‬‬
‫() صحيح البخاري ‪ 7/27‬كتاب الطب‪ ،‬باب الفأل‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪1‬‬
‫ويف الص حيحني أيض اً عن أيب هري رة رض ي اهلل عن ه ق ال‪ :‬مسعت رس ول اهلل ‪ ‬يق ول‪( :‬ال‬
‫طرية‪ ،‬وخريها الفأل) قيل‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬وما الفأل؟ قال‪( :‬الكلمة الصاحلة يسمعها أحدكم)(‪.)8‬‬
‫فأعلم النيب ‪ ‬أن الفأل إمنا هو أن يسمع اإلنسان الكلمة احلسنة فيتفاءل هبا‪ ،‬ويتأوهلا على‬
‫املعىن الذي يطابق امسها (‪.)9‬‬
‫والف أل ال ذي حيب ه رس ول اهلل ‪ ‬ه و أن يفع ل أم راً أو يع زم علي ه مت وكالً على اهلل‪ ،‬فيس مع‬
‫الكلمة اليت تسره‪ ،‬مثل أن يسمع‪ :‬يا جنيح‪ ،‬يا مفلح‪ ،‬يا سعيد‪ ،‬يا منصور‪ ،‬وحنو ذلك (‪.)10‬‬
‫فإن (من شرط الفأل أال يعتمد عليه‪ ،‬وأال يكون مقصوداً‪ ،‬بل أن يتفق لإلنسان ذلك من غري‬
‫أن يكون له على بال)(‪.)11‬‬
‫فالفأل يُستأنس به فقط‪ ،‬ويرجى به اخلري‪ ،‬أما إذا قصده املتفائل‪ ،‬وجعله باعثاً على الفعل فهو‬
‫طرية‪ ،‬كما سيأيت‪.‬‬
‫فحقيقة الفأل إذن‪ :‬رجاء اخلري‪ ،‬واألمل يف حصول املراد عند مساع الكلمة احلسنة املناسبة‪،‬‬
‫دون قصد الفأل‪ ،‬وال اعتماد عليه‪.‬‬
‫حكم الفأل‪:‬‬
‫كان النيب ‪ ‬يستحب الفأل الصاحل‪.‬‬
‫دليل ذلك ما جاء يف صحيح مسلم عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪:‬‬
‫(ال عدوى‪ ...‬وأحب الفأل الصاحل)(‪.)12‬‬
‫وقوله ‪( :‬ويعجبين الفأل الصاحل‪ )...‬كما تقدم‪.‬‬
‫وما روي عن أنس بن مالك أن النيب ‪ ‬كان يعجبه إذا خرج حلاجة أن يسمع‪( :‬يا راشد يا‬

‫() صحيح البخاري ‪ ،7/27‬وصحيح مسلم ‪.4/1745‬‬ ‫‪8‬‬

‫() معامل السنن للخطايب ‪.4/234‬‬ ‫‪9‬‬

‫() جمموع فتاوى ابن تيمية ‪.3/66‬‬ ‫‪10‬‬

‫() معارج القبول للحكمي ‪ ،2/324‬وانظر فتح الباري ‪.10/215‬‬ ‫‪11‬‬

‫() صحيح مسلم ‪ 4/1746‬كتاب السالم‪ ،‬باب الطرية والفأل‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪2‬‬
‫جنيح)(‪.)13‬‬
‫وكان ‪ ‬حيب االسم احلسن‪ ،‬ويتفاءل به‪ ،‬ويستبشر بذكره‪.‬‬
‫ومن ذلك قوله عليه الصالة والسالم يوم احلديبية حني جاء سهيل بن عمرو رضي اهلل عنه‪:‬‬
‫(قد سهل لكم من أمركم)(‪.)14‬‬
‫وروي عن بريدة رضي اهلل عنه (أن النيب ‪ ‬كان ال يتطري من شيء‪ ،‬وكان إذا بعث عامالً‬
‫س أل عن امسه‪ :‬ف إذا أعجب ه امسه ف رح ب ه‪ ،‬ورؤي بش ر ذل ك يف وجه ه‪ ..‬وإذا دخ ل قري ة س أل عن‬
‫امسها‪ :‬فإن أعجبه امسها فرح ورؤي بشر ذلك يف وجهه)(‪.)15‬‬
‫وإمنا ك ان ‪ ‬حيب الف أل ويعجب ه ألن يف التف اؤل حس ن الظن باهلل تع اىل‪ ،‬ورج اء اخلري‬
‫واالستبشار به‪ ،‬واملؤمن مأمور حبسن الظن باهلل تعاىل على كل حال(‪.)16‬‬
‫وكان النيب ‪ ‬يغرّي االسم القبيح إىل االسم احلسن (‪.)17‬‬
‫فمن ذلك ما جاء يف صحيح البخاري عن سعيد بن املسيب أن جده حزنا جاء إىل النيب ‪‬‬
‫فق ال‪( :‬م ا امسك؟) ق ال‪ :‬ح زن‪ ،‬ق ال‪( :‬أنت س هل)(‪ )18‬ق ال‪ :‬ال أغرّي امسا مسانيه أيب‪ ،‬ق ال ابن‬

‫() أخرجه الرتمذي يف سننه ‪ 4/161‬كتاب السري‪ ،‬باب ما جاء يف الطرية‪ ،‬وقال حديث حسن غريب صحيح‪.‬‬ ‫‪13‬‬

‫() انظر صحيح البخاري ‪.3/181‬‬ ‫‪14‬‬

‫() أخرج ه أب و داود يف س ننه ‪ 4/236‬كت اب الطب‪ ،‬ب اب يف الط رية‪ ،‬وابن حب ان خمتص راً يف ص حيحه ‪ 7/530‬ب اب‬ ‫‪15‬‬

‫األمساء والك ىن‪ ،‬وأخرج ه اإلم ام أمحد يف مس نده ‪ ،5/347‬وق د ص ححه األلب اين‪ ،‬انظ ر سلس لة األح اديث الص حيحة م‬
‫‪.2/401‬‬
‫() انظر شرح السنة للبغوي ‪ ،12/175‬فتح الباري ‪.10/215‬‬ ‫‪16‬‬

‫() انظر سلسلة األحاديث الصحيحة لأللباين م‪ 2/26‬رقم احلديث (‪.)207‬‬ ‫‪17‬‬

‫() إمنا أراد عليه الصالة والسالم تغيري امسه من (حزن) إىل (سهل) ألن احلزن ما غلظ من األرض‪ ،‬وهو ضد السهل‪ ،‬كأنه‬ ‫‪18‬‬

‫خشي أن يتسرب شيء من معىن االسم إىل النفس‪ ،‬فيؤديها إىل الشدة والغلظة‪ ،‬ولقد صدق حدسه عليه الصالة والسالم‪،‬‬
‫بدليل قول سعيد بن املسيب (فما زالت احلزونة فينا بعد) من كتاب أدب التسمية يف البيان النبوي للدكتور السعيد السيد‬
‫عبادة ص‪ ،133‬باختصار‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫املسيب‪( :‬فما زالت احلزونة (‪ )19‬فينا بعد)(‪.)20‬‬
‫ويف ص حيح مس لم عن ابن عم ر رض ي اهلل عنهم ا أن ابن ة لعم ر ك انت يق ال هلا (عاص ية)‬
‫فسماها رسول اهلل ‪( ‬مجيلة)(‪.)21‬‬
‫إىل غري ذلك من األمثلة (‪.)22‬‬
‫ولع ل من أس باب التف اؤل باألمساء احلس نة‪ :‬االرتب اط والتناس ب الواق ع بني االس م واملس مى‬
‫غالباً‪ ،‬من ناحية احلسن والقبح‪ ،‬واخلفة والثقل‪ ،‬وحنو ذلك بتقدير اهلل عز وجل‪.‬‬
‫قال العالمة ابن القيم رمحه اهلل‪( :‬اعلم أن بني األمساء ومسمياهتا ارتباط اً ق ّدره العزيز القادر‪،‬‬
‫وأهلمه نفوس العباد‪ ،‬وجعله يف قلوهبم حبيث ال تنصرف عنه)‪.‬‬
‫مث ق ال موض حاً طبيع ة ه ذا االرتب اط‪( :‬وليس ه ذا االرتب اط ه و ارتب اط العل ة مبعلوهلا‪ ،‬وال‬
‫فقل أن ترى‬
‫ارتباط املقتضي املوجب ملقتضاه‪ ،‬بل ارتباط تناسب وتشاكل‪ ،‬اقتضته حكمة احلكيم‪ّ ،‬‬
‫امساً قبيحاً إال وبني مسماه وبينه رابط من القبح‪ ،‬وكذلك إذا تأملت االسم الثقيل‪ ،‬الذي تنفر عنه‬
‫األمساع‪ ،‬وتنبو عنه الطباع‪ ،‬فإنك جتد مسماه يقارب‪ ،‬أو يلم أن يطابق‪.)23()...‬‬
‫وق ال رمحه اهلل تع اىل يف موض ع آخ ر‪( :‬األخالق واألعم ال واألفع ال القبيح ة تس تدعي أمساء‬
‫تناسبها‪ ،‬وأضدادها تستدعي أمساء تناسبها‪ ،‬وكما أن ذلك ثابت يف أمساء األوصاف‪ ،‬فهو كذلك‬
‫يف أمساء األعالم‪ ،‬وم ا مسي رس ول اهلل ‪ ‬حمم داً وأمحد إال لك ثرة خص ال احلم د في ه‪ ..‬وهلذا أم ر‬
‫رس ول اهلل ‪ ‬بتحس ني األمساء‪ ،‬فق ال‪( :‬حس نوا أمساءكم)(‪ )24‬ف إن ص احب االس م احلس ن ق د‬
‫‪ )( 19‬احلزن‪ :‬املكان الغليظ اخلشن‪ ،‬واحلزونة‪ :‬اخلشونة (النهاية البن األثري ‪ .)1/380‬واملعىن‪ :‬الزالت الشدة واخلشونة يف‬
‫أخالقهم‪ ،‬إال أن ذلك أفضى بسعيد إىل الغضب يف اهلل‪ .‬من فتح الباري ‪.10/575‬‬
‫‪ )( 20‬صحيح البخاري ‪ 7/117‬كتاب األدب‪ ،‬باب اسم احلزن‪.‬‬
‫‪ )( 21‬صحيح مسلم ‪ 3/1687‬كتاب اآلداب‪ ،‬باب استحباب تغيري االسم القبيح إىل حسن‪.‬‬
‫‪ )( 22‬للمزي د انظ ر حتف ة املودود بأحك ام املول ود البن القيم ص‪ 102‬فم ا بع دها‪ ،‬ومفت اح دار الس عادة ‪ ،2/249‬وأدب‬
‫التسمية يف البيان النبوي‪ ،‬ص‪ 132‬فما بعدها‪.‬‬
‫‪ )( 23‬مفتاح دار السعادة ‪ ،2/259‬وانظر زاد املعاد ‪ 2/336‬فما بعدها‪.‬‬
‫‪ )( 24‬ج زء من ح ديث أخرج ه أب و داود يف س ننه ‪ 5/236‬كت اب األدب‪ ،‬ب اب يف تغي ري األمساء‪ ،‬واإلم ام أمحد يف مس نده‬
‫‪ 5/194‬وابن حبان يف صحيحه ‪ 7/528‬باب األمساء والكىن‪ ،‬عن أيب الدرداء رضي اهلل عنه‪.‬‬
‫وق ال ابن حج ر‪ :‬رجال ه ثق ات‪ ،‬إال أن يف س نده انقطاع اً (فتح الب اري ‪ .)10/577‬ومتام احلديث (إنكم ت دعون ي وم القيام ة‬

‫‪4‬‬
‫يس تحي من امسه‪ ،‬وقد حيمل ه امسه على فعل م ا يناسبه‪ ،‬وت رك م ا يضاده‪ ،‬وهلذا ترى أك ثر السفل‬
‫أمساؤهم تناسبهم‪ ،‬وأكثر العلية أمساؤهم تناسبهم)(‪.)25‬‬
‫ويف ه ذا يق ول اإلم ام البغ وي رمحه اهلل‪( :‬ينبغي لإلنس ان أن خيت ار لول ده وخدم ه األمساء‬
‫احلسنة‪ ،‬فإن األمساء املكروهة قد توافق القدر)(‪.)26‬‬
‫وجيدر التنبيه هنا على أنه إذا كان من شرط الفأل احلسن أال يعتمد عليه‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬فليس‬
‫يف حمبة الفأل واإلعجاب به شيء من الشرك‪ ،‬وال قدح يف اإلميان والتوحيد‪ ،‬وإمنا ذلك من طبيعة‬
‫النفس اإلنسانية السوية‪.‬‬
‫يق ول اإلم ام ابن القيم رمحه اهلل مبين ا ذل ك‪( :‬ليس يف اإلعج اب بالف أل وحمبت ه ش يء من‬
‫الش رك‪ ،‬ب ل ذل ك إبان ة عن مقتض ى الطبيع ة‪ ،‬وم وجب الفط رة اإلنس انية‪ ،‬ال يت متي ل إىل م ا يالئمه ا‬
‫ويوافقها مما ينفعها‪ ..‬واهلل سبحانه قد جعل يف غرائز الناس اإلعجاب بسماع االسم احلسن وحمبته‪،‬‬
‫ومي ل نفوس هم إلي ه‪ ،‬وك ذلك جع ل فيه ا االرتي اح واالستبش ار والس رور باس م الس الم‪ ،‬والفالح‬
‫والنج اح‪ ،‬والتهنئ ة والبش رى‪ ،‬والف وز والظف ر‪ ،‬والغنم وال ربح‪ ،‬والطيب‪ ،‬وني ل األمني ة‪ ،‬والف رح‪،‬‬
‫والغوث‪ ،‬والعز والغىن‪ ،‬وأمثاهلا‪ ،‬فإذا قرعت هذه األمساء األمساع استبشرت هبا النفس‪ ،‬وانشرح هلا‬
‫الصدر‪ ،‬وقوي هبا القلب)‪.‬‬
‫إىل أن قال‪( :‬وهذا الذي جعله اهلل سبحانه يف طباع الناس وغرائزهم‪ ،‬من اإلعجاب باألمساء‬
‫احلسنة‪ ،‬واأللفاظ احملبوبة‪ ،‬هو نظري ما جعل يف غرائزهم من اإلعجاب باملناظر األنيقة‪ ،‬والرياض‬
‫املنورة‪ ،‬واملياه الصافية‪ ،‬واأللوان احلسنة‪ ،‬والروائح الطيبة‪ ،‬واملطاعم املستلذة‪ ،‬وذلك أمر ال ميكن‬
‫َّ‬
‫وينش طها‪ ،‬وال يضرها يف إمياهنا‬
‫دفع ه‪ ،‬وال جيد القلب عنه انصرافاً‪ ،‬فهو ينفع املؤمن‪ ،‬ويسر نفسه ِّ‬
‫وتوحيدها)(‪.)27‬‬

‫بأمسائكم وأمساء آبائكم‪ ،‬فحسنوا أمساءكم)‪.‬‬


‫() حتفة الودود بأحكام املولود ص‪.116‬‬ ‫‪25‬‬

‫() شرح السنة ‪.12/177‬‬ ‫‪26‬‬

‫() مفتاح دار السعادة ‪.245 ،2/244‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪5‬‬
‫التسمية بأسماء األنبياء والصالحين‪:‬‬
‫جاء يف بعض السنن عن أيب وهب اجلشمي رضي اهلل عنه قال‪ ،‬قال رسول اهلل ‪( :‬تسموا‬
‫بأمساء األنبياء‪ )28()..‬احلديث‪.‬‬
‫(‪)29‬‬
‫قال اإلمام ابن القيم مبيناً سبب ندبه عليه الصالة والسالم أمته إىل التسمي بأمساء األنبياء‬
‫عليهم الصالة والسالم‪.‬‬
‫قال رمحه اهلل تعاىل‪( :‬ملا كان األنبياء سادات بين آدم‪ ،‬وأخالقهم أشرف األخالق‪ ،‬وأعماهلم‬
‫أصح األعمال‪ ،‬كانت أمساؤهم أشرف األمساء‪ ،‬فندب النيب ‪ ‬أمته إىل التسمي بأمسائهم)‪.‬‬
‫مث قال‪( :‬ولو مل يكن يف ذلك من املصاحل إال أن االسم يذكر مبسماه‪ ،‬ويقتضي التعلق مبعناه‪،‬‬
‫لكفى ب ه مص لحة‪ ،‬م ع م ا يف ذل ك من حف ظ أمساء األنبي اء وذكره ا‪ ،‬وأن ال تُنس ى‪ ،‬وأن ت ِّ‬
‫ذكر‬
‫أمساؤهم بأوصافهم وأحواهلم)(‪.)30‬‬
‫فلعل يف التسمية بأمسائهم تفاؤالً باالقتداء بأعماهلم‪ ،‬والتشبه بأخالقهم‪ ،‬وكذا التسمية بأمساء‬
‫الصاحلني‪.‬‬
‫وق د ج اء يف ص حيح مس لم من ح ديث املغ رية بن ش عبة رض ي اهلل عن ه قول ه ‪ ‬عن ب ين‬
‫إسرائيل‪( :‬أهنم كانوا يسمون بأنبيائهم والصاحلني من قبلهم)(‪.)31‬‬

‫ما ليس من الفأل الصالح‪:‬‬


‫بعد أن عرفنا حقيقة الفأل الصاحل وأدلته حيسن اآلن إيراد بعض املفاهيم والتصرفات اخلاطئة‬
‫اخلارجة عن املفهوم الصحيح للفأل الصاحل‪.‬‬

‫() أخرج ه أب و داود يف س ننه ‪ 5/236‬كت اب األدب‪ ،‬ب اب يف تغي ري األمساء‪ ،‬والنس ائي يف س ننه ‪ 6/218‬كت اب اخلي ل‪،‬‬ ‫‪28‬‬

‫واإلم ام أمحد يف مس نده ‪ ،4/345‬والبخ اري يف األدب املف رد ص‪ ،357‬وانظ ر تعلي ق ص احب كت اب أدب التس مية يف‬
‫البيان النبوي ص‪ ،43 ،42‬ه (‪.)1‬‬
‫() انظر ما جاء يف كالم العلماء حول هذه املسألة يف كتاب شرح النووي لصحيح مسلم ‪ ،113 ،14/112‬وكتاب‬ ‫‪29‬‬

‫حتفة املودود بأحكام املولود البن القيم ص‪.113-108 ،101 ،100‬‬


‫() زاد املعاد ‪.342 ،2/341‬‬ ‫‪30‬‬

‫() صحيح مسلم ‪ 3/1685‬كتاب اآلداب‪ ،‬باب النهي عن التكين بأيب القاسم‪ ،‬وبيان ما يستحب من األمساء‪.‬‬ ‫‪31‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ -1‬أن يكون الفأل باعثاً لصاحبه على الفعل‪.‬‬
‫ليس من الفأل املشروع الذي مساه الرسول ‪( ‬الفأل الصاحل) أن يفعل اإلنسان حاجته بعد‬
‫أن كان مرتدداً فيها حني مسع أو رأى ما بعثه على فعلها تيمناً وتفاؤالً‪.‬‬
‫ويطلق على مثل هذا (طرية) من باب اجملاز‪ ،‬وإحلاقاً بالطرية اليت ال خري فيها كلها‪.‬‬
‫يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل عن املسلك الشرعي للمسلم‪( :‬هو يف كل واحد من‬
‫حمبته للفأل‪ ،‬وكراهته للطرية إمنا يسلك مسلك االستخارة هلل والتوكل عليه‪ ،‬والعمل مبا شرع له‬
‫من األسباب‪ ،‬مل جيعل الفأل آمراً له وباعث اً له على الفعل‪ ،‬وال الطرية ناهية له عن الفعل‪ ،‬إمنا يأمتر‬
‫وينتهي عن مثل ذلك أهل اجلاهلية‪.)32()..‬‬
‫ومن املعلوم أن التطري هو التشاؤم من الشيء املرئي أو املسموع‪ ،‬وقد ميتنع بسبب ذلك عن‬
‫سفره‪ ،‬أو شيء من مصاحله‪ ،‬أو ميضي شيئاً منها أحيان اً‪ ،‬وهو تعلق بغري اهلل عبادة وتوكالً‪ ،‬فيفسد‬
‫إميانه‪ ،‬وتسوء أحواله‪ ،‬وتفسد معيشته‪ ،‬خبالف الفأل احلسن السار للقلوب‪ ،‬الفاتح باب الرجاء‪،‬‬
‫الباعث على االستعانة باهلل والتوكل عليه (‪.)33‬‬
‫‪ -2‬ترك األخذ باألسباب املشروعة حبجة الفأل وإحسان الظن باهلل تعاىل‪.‬‬
‫الفأل الصاحل هو كما تقدم يأيت بعد مباشرة اإلنسان للعمل فيسمع كلمة حسنة دون قصد‬
‫وال حبث‪.‬‬
‫فالبد للمؤمن من األخذ بأسباب النجاح والفالح املشروعة‪ ،‬فمن حيسن الظن بربه ويرجو‬
‫رمحته وهو مهمل لألسباب املشروعة فهذا الصنيع ليس من الفأل يف شيء‪ ،‬بل هو جهل باهلل تعاىل‬
‫ومبا شرعه‪.‬‬
‫قال ابن القيم رمحه اهلل‪( :‬الرجاء وحسن الظن إمنا يكون مع اإلتيان باألسباب اليت اقتضتها‬
‫حكمة اهلل يف شرعه وقدره وثوابه وكرامته‪ ،‬فيأيت العبد هبا مث حيسن ظنه بربه‪ ،‬ويرجوه أال يكله‬
‫إليها‪ ،‬وأن جيعلها موصلة إىل ما ينفعه)(‪.)34‬‬
‫() جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪.23/67‬‬ ‫‪32‬‬

‫() انظر مفتاح دار السعادة البن القيم ‪.2/246‬‬ ‫‪33‬‬

‫() اجلواب الكايف ملن سأل عن الدواء الشايف ص‪.24‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ -3‬أخذ الفأل من املصحف‪.‬‬
‫وهو أن يقوم أحدهم بفتح صفحة من القرآن الكرمي عشوائياً‪ ،‬مث يقع نظره يف هذه الصفحة‬
‫على آية حمددة تعطيه إشارة تؤثر على قراره‪.‬‬
‫وأخ ذ الف أل من املص حف هبذه الص يغة وحنوه ا أم ر مبت دع‪ ،‬ونص على حرمت ه مجاع ة من‬
‫العلماء ألنه من باب االستسقام باألزالم احملرم (‪.)35‬‬
‫وق ال الش يخ حاف ظ احلكمي رمحه اهلل‪( :‬من الب دع الذميم ة واحملدثات الوخيم ة مأخ ذ الف أل‬
‫من املصحف‪ ،‬فإنه من اختاذ آيات اهلل هزواً ولعباً وهلواً‪ ،‬ساء ما يعملون)‪.‬‬
‫مث قال‪( :‬وما أدري ما حال من فتح على قوله تعاىل‪ :‬ﮋ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ [املائدة‪:‬‬
‫‪ ]78‬وقوله‪ :‬ﮋ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮊ [النساء‪ ]93 :‬وأمثال هذه اآليات!)(‪.)36‬‬
‫‪ -4‬التسمي بأمساء األنبياء والصاحلني طلباً لربكة االسم‪.‬‬
‫تق دمت اإلش ارة إىل أن القص د من التس مية بأمساء األنبي اء والص احلني ه و التف اؤل باالقت داء‬
‫بأعماهلم‪ ،‬والتشبه بأخالقهم‪ ،‬وحنو ذلك‪.‬‬
‫فال يتج اوز ه ذا املقص د الش رعي عن د التس مية بأمسائهم‪ ،‬كاعتق اد التف اؤل حبص ول الربك ة‬
‫واخلري يف ال دنيا واآلخ رة عن د التس مي باس م الرس ول حمم د ‪ ‬أو غ ريه من األنبي اء‪ ،‬وق د رويت‬
‫أحاديث مكذوبة يف ذلك فال يُعتد هبا‪.‬‬
‫وإليك مناذج من تلك األحاديث‪:‬‬
‫حديث‪ :‬من ولد له مولود‪ ،‬فسماه حممداً تربكاً به‪ ،‬كان هو ومولوده يف اجلنة(‪.)37‬‬ ‫‪-‬‬
‫حديث‪ :‬ال يدخل الفقر بيتاً فيه امسي(‪.)38‬‬ ‫‪-‬‬
‫ح ديث‪ :‬م ا من مس لم دن ا من زوجت ه‪ ،‬وه و ين وي إن حبلت من ه أن يس ميه حمم داً – إال‬ ‫‪-‬‬
‫() انظر الفروق للقرايف ‪ ،4/240‬جمموع فتاوى ابن تيمية ‪.23/66‬‬ ‫‪35‬‬

‫() معارج القبول ‪.2/324‬‬ ‫‪36‬‬

‫() انظ ر املن ار املنيف يف الص حيح والض عيف البن القيم ص‪ ،61‬الفوائ د اجملموع ة يف األح اديث املوض وعة للش وكاين ص‬ ‫‪37‬‬

‫‪ ،1471‬سلسلة األحاديث الضعيفة واملوضوعة لأللباين ‪.1/207‬‬


‫() الفوائد اجملموعة للشوكاين ص‪.471‬‬ ‫‪38‬‬

‫‪8‬‬
‫رزقه اهلل ولداً ذكراً(‪.)39‬‬
‫ح ديث‪ :‬م ا من أه ل بيت فيهم اس م ن يب إال بعث اهلل تع اىل هلم ملك اً يقدس هم بالغ داة‬ ‫‪-‬‬
‫والعشي(‪.)40‬‬
‫حديث‪ :‬من بركة الطعام أن يكون عليه رجل امسه اسم نيب(‪.)41‬‬ ‫‪-‬‬
‫ولق د بل غ األم ر ببعض هم – ملا مسع ه ذه األخب ار – أن مسى أوالده كلهم حمم داً‪ ،‬وك انوا‬
‫كثريين‪ ،‬وما ّفرق بينهم إال بالكىن!(‪.)42‬‬
‫بل أصبح من العادات الشائعة لدى بعض اجملتمعات اإلسالمية يف العصر احلاضر إطالق اسم‬
‫(حممد) على كافة الذكور‪ ،‬مصاحباً لالسم األصلي!‪.‬‬
‫وصلى اهلل على نبينا حممد وآله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن عبدالرمحن اجلديع‬

‫() املنار املنيف البن القيم ص‪.61‬‬ ‫‪39‬‬

‫() الفوائد اجملموعة للشوكاين ص‪469‬‬ ‫‪40‬‬

‫() املرجع السابق ص‪.469‬‬ ‫‪41‬‬

‫() انظر هبجة النفوس أليب مجرة األندلسي ‪.4/182‬‬ ‫‪42‬‬

‫‪9‬‬

You might also like