You are on page 1of 15

‫تاريخ اإلرسال‪ - 2010/03/15 :‬تاريخ النشر‪2010/06/14 :‬‬

‫مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم‬

‫صقل موهبته بقراءة الشعراء واخلطباء الكالسيكيني خاصة اإلجنليز منهم‪ .‬خيربنا بأنه يف‬
‫السنوات الثالثة التالية لشهر مارس من عام ‪ ،1734‬قرأ معظم الكتب اليت اشتهرت بالالتينية‬
‫ً‬
‫مرتبطا فقط ببعض الفالسفة‬ ‫والفرنسية واإلجنليزية آنذاك‪ ،‬وعلى الرغم من أن تفكريه بدا‬
‫إال أنه قد عرف الكثري من املشهورين ‪ ،‬ويظهر أنه مل يكن‬‫من اخلط التجرييب الذي انتمى إليه‪ّ ،‬‬
‫هناك فيلسوف واحد قد اعتمد عليه ليزوده مبفتاح الفهم يف تفكريه الفلسفي ‪.‬‬

‫يف رسالة مؤرخة يوم ‪ 26‬أوت ‪ 1737‬كتب “هيوم» إىل زميله «مكاييل رمسي» (‪)M.Ramsay‬‬
‫يذكر فيها الروافد الفلسفية اليت تأثر بها و يذكر من خالهلا جمموعة من الفالسفة الذين أثروا‬
‫يف حياته الفكرية‪ ،‬وهم على التوالي‪“ :‬نيكوالس مالربانش»‪1638-( N. Malebranche,‬‬
‫‪ )1715‬و” باركلي” و»بيري بايل»(‪ )1647-1706( )P. Bayle‬و « رينيه ديكارت» ‪René‬‬
‫مت ذكرهم يأتي‬ ‫‪ .)2( )1596-1650( Descartes‬وحسب الرتتيب التارخيي للفالسفة الذين ّ‬
‫“ديكارت» يف املقام األول‪ ،‬ففي «التأمالت يف الفلسفة األوىل» قاوم “ديكارت” أنصار النزعة‬
‫عمليا بشك «ديكارت»‪ ،‬فشك يف مصادر املعرفة البشرية‪ ،‬على‬ ‫ً‬ ‫الشكية‪« .‬هيوم» قد تأثر‬
‫الرغم من أن الكتابات الفلسفية لـ «هيوم» كانت رد فعل ضد االعتقادات التأملية اليت أنشأها‬
‫مت ذكرهم يف الرسالة فهم شخصيات ذات مثار جدل‬ ‫«ديكارت»‪ .‬أما الفالسفة اآلخرون الذين ّ‬
‫عند صدور أعماهلم ألول وهلة‪ ،‬واتفقوا على أن الطبيعة احلقيقية للعامل ليست واضحة مثلما‬
‫مت من خالل اهلوة اليت رمسها هذا األخري بني املوضوعات‬ ‫نعتقد عادة‪ .‬فتأثري “مالربانش» رمبا ّ‬
‫اخلارجية و إدراكاتنا هلا‪ ،‬ولذلك كان من الصعوبة مبكان تفسري العالقة بني العنصرين‪...‬‬
‫لقد أصبح «هيوم» على وعي بصعوبة تفسري االرتباطات العلية(‪ .)3‬أما «بيري بايل»‪ ،‬الفيلسوف‬
‫ً‬ ‫الفرنسي الذي ّ‬
‫مجلة أنسنة للبحوث والدراسات‬

‫تشاؤما من حال قدراتنا‬ ‫الشكية لليونانيني القدامى فكان أكثر‬ ‫ّ‬ ‫تأثر بالتقاليد‬
‫العقلية‪ ،‬اشتهر مبعجمه النقدي والتارخيي الذي ألفه سنة ‪ .1692‬يف رسالة “هيوم” يذكر [‬
‫املواد األكثر ميتافيزيقية يف معجم بايل](‪ .)4‬أما الفيلسوف األخري الذي ذكره يف رسالته هو‬
‫«باركلي» يف رفضه للوجود املطلق لألشياء‪ ،‬ويتبنى «هيوم» الكثري من احلجج اليت أوردها‬
‫ً‬
‫دائما بالذات اإلهلية‪.‬‬ ‫“باركلي”‪ ،‬لكن خيالفه يف احللول النهائية اليت يربطها‬

‫هذه أهم التأثريات على املستوى الفلسفي؛ أما التأثري على املستوى العلمي فيقودنا إىل‬
‫‪2‬‬
‫‪- Fieser (James), David Hume, Metaphysical and Epistemological theories.,Univ of Tennessee at Martin.2004. From: The‬‬
‫‪Internet Encyclopedia of philosophy. p:2‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ibid. p:2‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ibid .p:3.‬‬
‫‪51‬‬ ‫العدد األول‪ :‬جوان ‪2010‬‬
‫مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم‬

‫احلديث عن مشروع هيوم الفلسفي اخلاص بتأسيس “علم الطبيعة البشري”ة”‪Science of H u‬‬
‫‪»man Nature‬أو «علم اإلنسان»‪.‬‬

‫‪ -2‬مركزية علم اإلنسان‪ :‬مشروع “هيوم” اخلاص بالطبيعة البشرية ال يتأسس ّ‬


‫إال على‬
‫املنهج الذي أقره العلماء والفالسفة اإلجنليز‪ ،‬ويذكر صاحب الفضل يف هذا املنهج “فرنسيس‬
‫جدية يف تطبيق املنهج التجرييب‬ ‫بيكون» ‪ ،]1561-1626[ F. Bacon‬لكن الذي أثر فيه بصورة ّ‬
‫على العلوم األخالقية هو بال شك العامل»نيوتن» ‪ .)1727 -1642( I. Newton‬وال بد من اإلشارة‬
‫هنا إىل أن يف اصطالح “هيوم” (‪ )5‬والفالسفة اإلجنليز العلوم األخالقية هي ما يتعارف عليها عادة‬
‫بالفلسفة‪ .‬وهي برأيه عبارة عن مناقشات عقيمة جدلية ال نهاية هلا‪ ،‬خالية من أي معنى يف أغلب‬
‫ثم هي علوم ال حيصل اإلنسان على نتائج موضوعية منها تكون حمل اتفاق الناس‬ ‫قضاياها‪ّ .‬‬
‫عليها مثلما هو حاصل يف العلوم األخرى أي علوم املادة‪ ،‬ويعود ذلك إىل سببني رئيسني‪ :‬أحدهما‬
‫قلة التحديد جملال‬‫يتعلق باملوضوع‪ ،‬واآلخر يتعلق باملنهج؛ أما فيما يتعلق باملوضوع فيتمثل يف ّ‬
‫ً‬
‫غالبا ما يتجاوز هذا اجملال حدود القدرات البشرية أو حدود الفهم البشري الذي حاول‬ ‫هذه العلوم إذ‬
‫هيوم دراسته‪ ،‬يف حني ّ‬
‫أن ما خيص املنهج فيتعلق بعدم االهتداء إىل منهج مالئم هلا(‪.)6‬‬

‫يف إحدى مراسالته يشري «هيوم» إىل أن الدافع والسبب للشروع يف مباحثه الفلسفية ويف‬
‫مشروعه الذي اقرتحه يرجع إىل اإلرث الذي تلقاه من الفالسفة القدامى عن تصورهم للفلسفة‪،‬‬
‫أو ما يعرف بالعلوم األخالقية الذي مل يكن حمل قبول‪ .‬يقول “هيوم”‪« :‬بدأت أعترب جبد كيف‬
‫ينبغي الشروع يف مباحثي الفلسفية‪ ،‬ووجدت أن الفلسفة األخالقية املنقولة إلينا منذ القديم‬
‫متاما‪ ،‬ومعتمدة أكثر على التلفيق منها على التجربة‪ ..‬بدون أي‬ ‫ً‬ ‫‪ ..‬قائمة على جمرد االفرتاض‬
‫مجلة أنسنة للبحوث والدراسات‬

‫قررت أن أجعل حبثي األساسي‪ ،‬واملصدر الذي تشتق منه كل‬ ‫اعتبار للطبيعة البشرية‪ ،‬وهلذا ّ‬
‫ً‬
‫أيضا بالنسبة للعلوم األخالقية»(‪. )7‬‬ ‫حقيقة يف النقد‪ ،‬واحلال‬

‫ويسجل يف مقدمة “الرسالة يف الطبيعة البشرية” مركزية علم الطبيعة البشرية بالنسبة جلميع‬
‫العلوم األخرى الواقعية منها والتجريدية‪ ،‬يقول‪ « :‬من الواضح أن مجيع العلوم هلا عالقة‬
‫ً‬
‫تقريبا‬ ‫بالطبيعة البشرية»(‪ ،)8‬وهذا واضح بالنسبة له‪ ،‬فهو يؤكد على أن‪ « :‬مجيع العلوم‬
‫‪5‬‬
‫‪-Hume (David) ,An Enquiry concerning Human Understanding , Sect 1., op.cit., p:1.‬‬
‫‪ -6‬عثمان أمين‪ ،‬شخصيات ومذاهب فلسفية‪ ،‬دار الكتاب العربي للطباعة والنشر‪،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.115 :‬‬
‫‪7‬‬
‫‪- Burton´ s life of Hume. In Henry Calder wood.(ed) David Hume. Famous Scots Series.,p:34..‬‬
‫‪8‬‬
‫‪- “ T´is evident, that all the sciences have a relation.. to human nature››.Hume (David) ,A Treatise of Human Nature., A.Selby-‬‬

‫العدد األول‪ :‬جوان ‪2010‬‬ ‫‪52‬‬


‫مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم‬

‫تفهم يف علم الطبيعة البشرية وتعتمد عليه‪ .‬والغاية الوحيدة للمنطق تتمثل يف شرح‬
‫مبادئ وعمليات العقل وقدراتنا االستداللية مع توضيح لطبيعة أفكارنا‪ ،‬يف حني يعاجل‬
‫علم األخالق والنقد أذواقنا وعواطفنا‪ ،‬والسياسة تدرس عالقة الفرد باجملتمع وتعترب‬
‫الناس كوحدة يف اجملتمع‪ ،‬وكل واحد يعتمد على اآلخر‪..‬هذه الرسالة يف الطبيعة‬
‫البشرية تظهر املقصود منها أنها نظام للعلوم»(‪.)9‬ويضيف‪ «:‬حتى الرياضيات‪ ،‬والفلسفة‬
‫الطبيعية‪ ،‬والدين الطبيعي‪ ،‬على الرغم من أنها تبدو أنها ال تتعلق باإلنسان بل بفروع‬
‫أخرى‪ ،‬إال أنها معروفة من طرف اإلنسان‪ ،‬وهو الوحيد من يقرر احلكم بصحة أو خبطأ هذه‬
‫ً‬
‫أيضا‬ ‫الفروع من املعرفة[‪ً ]...‬‬
‫مثال الدين الطبيعي ال يتعلق ببحث طبيعة الدين يف ذاته‪ ،‬بل‬
‫يف التنظيم اإلهلي جتاهنا وواجباتنا جتاهه»(‪ .)10‬وعلى أية حال فإن التطلع إىل إقامة علم‬
‫لإلنسان أدى بـ”هيوم” إىل البحث يف الطبيعة البشرية بوجه عام‪ .‬وكانت نقطة بدايته‬
‫يف ذلك هي البحث يف نطاق الفهم البشري ويف قدرات اإلنسان الذهنية واحلدود اليت ال‬
‫تتعداها(‪ .)11‬لكن ما املنهج املناسب لدراسة هذا العلم اخلاص بالطبيعة البشرية؟‬

‫ً‬
‫استنباطيا‪ ،‬وحيث‬ ‫ً‬
‫استقرائيا ال‬ ‫‪ - 3‬منهج علم اإلنسان‪ :‬املنهج باختصار جيب أن يكون‬
‫ً‬
‫علما لن‬ ‫التجارب هلذا النوع كانت مرتابطة ومقارنة حبكمة‪ ،‬فإننا نأمل أن نؤسس عليها‬
‫أقل قيمة من حيث اليقني‪ ،‬وسيكون أعلى ً‬
‫شأنا وفائدة من أي فهم بشري آخر(‪.)12‬‬ ‫يكون ّ‬
‫وبالنسبة لـ”هيوم” املنهج التجرييب والسيكولوجي كالهما مالئم للتطبيق على مجيع‬
‫األسئلة املتعلقة باحلقيقة أو وقائع التجربة‪ .‬إن التفسري السيكولوجي هو التفسري الوحيد‬
‫املمكن‪ :‬والعنوان الفرعي لـ”الرسالة يف الطبيعة البشري” يعرب بوضوح عن هذا املنحى‪،‬‬
‫مجلة أنسنة للبحوث والدراسات‬

‫إذ يعتربه مبثابة حماولة تقديم املنهج التجرييب لالستدالل يف املوضوعات األخالقية‪ ،‬وبهذا‬
‫يريد “هيوم” أن يستعري منهج العلوم الطبيعية لتطبيقه على العلوم األخالقية‪ ،‬أو باألحرى‬
‫فهو يقصد توسيع مناهج العلم النيوتوني‪ ،‬إىل أبعد حد ميكن‪ ،‬إىل الطبيعة البشرية ذاتها‪،‬‬
‫ويذهب بذلك بعيد ًا بالعمل الذي بدأه «لوك»و «هاتشنستون» ‪-1694(Hutchinson‬‬
‫عدت هذه احملاولة من أهم االنقالبات‬‫‪ )1746‬و «باتلر»(‪ ،)13( )1692-1752( )Butler‬وربمّ ا ّ‬

‫‪Bigge, M.A Oxford. At the Clarendon presses. Introduction. Op.cit p : xix.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪-Hume (David) .An Abstract of A treatise of H.N. op. cit .p:248.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪-Hume (David) ,A Treatise of Human Nature,. Introduction. p : xix.‬‬
‫‪ - 11‬رسل (برتراند)‪ ،‬حكمة الغرب‪ ،‬ص‪.99:‬‬
‫‪12‬‬
‫‪- Copleston. F, A History of Philosophy.,V:5. Pt: II. Berkeley to Hume.,op.cit,.P:66.‬‬
‫‪13‬‬
‫‪- loc.cit..‬‬

‫‪53‬‬ ‫العدد األول‪ :‬جوان ‪2010‬‬


‫مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم‬

‫اإلبيستمولوجية يف ذلك العصر‪ .‬يريد “هيوم” إذن ‪،‬أن يقيم العلوم اخللقية أو الفلسفة على‬
‫ً‬
‫مكتفيا‬ ‫غرار العلوم الوضعية‪ ،‬وسيتخلى بذلك عن املبادئ واملشاكل اليت تتجاوز التجربة‪،‬‬
‫مبالحظة الظواهر وحتليلها والبحث عن قوانينها(‪ .)14‬هذا األمر راجع إىل إعجاب الكثري‬
‫باكتشافات «نيوتن» وبراهينه يف جمال امليكانيكا السماوية ّ‬
‫مما أدى بهم إىل حماوالت‬
‫كثرية يف حماكاة هذه النظرة من طرف العلماء والفالسفة ومنهم «هيوم» الذي أراد إدخال‬
‫حققوه‬ ‫ً‬
‫مقتفيا يف ذلك أثر علماء الطبيعة وما ّ‬ ‫املنهج التجرييب لالستدالل يف العلوم الفلسفية‬
‫من نتائج باستخدامهم له بشرط يذكره «‪ ..‬فلو أننا اختذنا االحتياطات الالزمة وطبقنا على‬
‫العلوم األخرى املنهج الذي استخدمه «نيوتن» يف الفلسفة الطبيعية‪ ،‬أفال نستطيع هنا أن‬
‫نصل إىل أوثق النتائج وأنفعها لإلنسانية؟!» (‪.)15‬‬

‫مادام علم الطبيعة البشرية‪ ،‬إذن‪ ،‬هو مركز العلوم‪ ،‬فمن األهمية إذن أن ينشأ علم اإلنسان‪،‬‬
‫ولكن كيف يتسنى لنا ذلك؟ وفق رؤية «هيوم» ال يتم ذلك ّ‬
‫إال على أساس املنهج التجرييب‪.‬‬
‫يقول يف كتابه «الطبيعة البشرية» ‪ ..« :‬وملّا كان علم اإلنسان هو األساس الوحيد الصلب‬
‫لبقية العلوم األخرى‪ ،‬فإن كذلك البد أن يكون األساس الوحيد الصلب الذي نستطيع أن نقيم‬
‫عليه علم اإلنسان هو املالحظة والتجربة»(‪ .)16‬ال جند حقيقة األساس املوثوق واألكيد للفلسفة‬
‫إال يف التجربة‪ ،‬وكل معارفنا جيب أن تبدأ بالتجربة‪ ،‬وكل معرفتنا جيب أن تكون داخل‬ ‫ّ‬
‫نظاما ً‬
‫تاما للعلوم‬ ‫ً‬ ‫التجربة(‪ّ .)17‬‬
‫واإلدعاء بتفسري مبادئ الطبيعة البشرية يتطلب يف حقيقة األمر‬
‫ً‬
‫مؤسسا على قاعدة‪ ،‬يف احلقيقة‪ ،‬جديدة‪ .‬هذه القاعدة اجلديدة هي املنهج التجرييب الذي جنح‬
‫ً‬
‫أيضا يف دراسة اإلنسان‪ .‬وهذا يعين القول إنه‬ ‫يف تطبيقه العلم الطبيعي‪ ،‬وينبغي أن يطبق‬ ‫مجلة أنسنة للبحوث والدراسات‬
‫ينبغي البدء مبالحظة حمكمة لعمليات اإلنسان السيكولوجية ولسلوكه األخالقي‪،‬‬
‫أن شروط‬ ‫لكننا قد نتكلم عن بساطة التجربة مع ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪)18‬‬
‫وحماولة التحقق من أسبابها ونتائجها‬
‫معرفتنا ليست بالبسيطة أو سهلة التفسري‪ ،‬فاحلقيقة إذا كانت يف متناول القدرة البشرية فإن‬
‫أن تفسري مبادئ الطبيعة‬ ‫جدا وعويصة‪ .‬هكذا يرتاءى بالنسبة لـ”هيوم” ّ‬ ‫من األكيد ّأنها عميقة ً‬
‫البشرية يستلزم اختبار الذهن الكتشاف ينابيعه ومبادئه اخلفية‪ .‬وعلى الرغم من ّ‬
‫أن هذه املبادئ‬
‫‪ - 14‬عثمان أمين‪ ،‬شخصيات ومذاهب فلسفية‪ ،‬دار الكتاب العربي للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪.‬ص‪.115-116 :‬‬
‫‪ً - 15‬‬
‫نقال عن المرجع السابق‪،.‬ص‪.116 :‬‬
‫‪16‬‬
‫‪-” And as the science of the man is the only solid foundation for the other sciences, so the only solid foundation we can‬‬
‫ ‪give to the science itself must be laid on experience and observation’’.Hume (David) ,A Treatise of Human Nature., .Introduc‬‬
‫‪tion. op.cit., p : xx.‬‬
‫‪17‬‬
‫‪- Burton’ s life of Hume. In Henry Calder wood.(ed) David Hume.op.cit, p:35.‬‬
‫‪18‬‬
‫‪- Copleston. F, A History of Philosophy, op.cit,PP, PP:66.‬‬

‫العدد األول‪ :‬جوان ‪2010‬‬ ‫‪54‬‬


‫مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم‬

‫قد تكون عميقة ً‬


‫جدا‪ ،‬إال أن املنهج اجلديد الذي أراده‪ ،‬وهو املنهج الذي حاول استعارته من العلماء‬
‫يف تطبيقاتهم له يف علوم املادة على هذا العلم اجلديد املتعلق بالطبيعة البشرية‪ ،‬وبرأيه يكون‬
‫كفيال باكتشاف ذلك‪ .‬آمال “هيوم” يف مستوى هذا التطلع اجلريء عريضة يف تأسيسه هلذا‬
‫ً‬
‫مفتاحا لكل العلوم األخرى‪ ،‬أو باألحرى لكل املعرفة‪ ،‬ونستطيع‬ ‫العلم اجلديد ألنه ميثل له‬
‫بفضله اكتشاف الينابيع العميقة واملبادئ اخلفية اليت حترك عمليات العقل البشري(‪ .)19‬وهو‬
‫بديل بالطبع عن األنظمة املتوهمة اليت سادت الفلسفات القدمية‪.‬‬

‫واحلقيقة أن التجريبية هي جزء من فلسفة سابقيه «لوك» و «باركلي»‪ ،‬أما اجلزء اآلخر‬
‫يف فلسفتهما فهو شكل عقالني أو مثالي‪ .‬فلسفة “لوك” كانت حمددة حبل مشكلة أصل‬
‫عناصر ومواد املعرفة‪ ،‬أما املعرفة ذاتها فلم تكن جتريبية خالصة عدا تفكريه بالسؤال املتعلق‬
‫أن املنهج النفسي التجرييب قد‬ ‫تأملنا أعمال “لوك” و”باركلي” ّ‬
‫فإننا نالحظ ّ‬ ‫بأصل املعرفة‪ .‬وإذا ّ‬
‫استعمله “لوك” فقط يف الكتاب الثاني من “الفهم البشري”‪ ،‬ومل يكن منهج الكتاب الرابع‪،‬‬
‫أي الكتاب الوحيد الذي عرض فيه “لوك” احلل للمشكلة احلقيقية لطبيعة وحدود املعرفة‬
‫أيضا املنهج ذاته فقط يف حل مشكلة طبيعة تلك التجربة‬ ‫ً‬ ‫البشرية‪ ،‬أما “باركلي” فقد طبّق‬
‫ً‬
‫مناسبا‬ ‫اليت نعرب بها عن األفكار اجملردة مثل معرفة العامل اخلارجي‪ ،‬لكنه مل ير ذلك املنهج‬
‫يف حل مشكلة أعقد تتعلق بطبيعة احلقيقة الروحية اإلنسانية منها واإلهلية(‪ .)20‬وهكذا‬
‫إذا كان “لوك” قد رأى أن مجيع أفكارنا تنشأ من التجربة‪ ،‬لكنه ومع ذلك‪ ،‬قد اعتقد بوجود‬
‫أفكار ال تؤيدها التجربة من قبيل فكرة اجلوهر املادي واستقالل العامل املادي عن اإلدراك‪ ،‬فإن‬
‫“باركلي” على الرغم من أنه ذهب بالتجريبية أبعد من “لوك”‪ ،‬وذلك برفض ما يعرف بتصور‬
‫اجلوهر املادي وبرفض الوجود املطلق لألشياء‪ ،‬إال أنه استخدم التجريبية يف خدمة الفلسفة‬
‫مجلة أنسنة للبحوث والدراسات‬

‫امليتافيزيقية الروحية على حد تعبري الفيلسوف اإلجنليزي “كوبلستون» ‪،)22(21 Copleston‬‬


‫قدم الدور‬‫وذلك باعرتافه باجلوهر الروحي وبالعلة اإلهلية‪ّ .‬أما “هيوم”‪ ،‬الفيلسوف التجرييب‪ ،‬فهو من ّ‬
‫مت اخلربة التجريبية‪ ،‬ومن ث ّم قدّم النقيض العتيد للعقالنية‪ .‬و حرص «هيوم» أن يذكر‬ ‫الذي أ ّ‬
‫يف أغلب كتاباته هذا املبدأ ألهميته‪ ،‬ومعظم األعمال املذكورة له(‪)23‬وعلى خمتلف تفرعاتها‬
‫‪19‬‬
‫‪-Hume (David) ,An Enquiry concerning Human Understanding. ,op.cit., pp:10-11.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪- Seth James, English Philosophers and Schools of philosophy, London: J.M.Dent &Sons. LTD.,1912., P: 150.‬‬
‫‪ - ∗21‬كوبلستون فريدريك ‪ .1907-1994‬فيلسوف إجنليزي وعامل الهوت ‪ .‬درس يف كلية مارلبورو ثم يف كلية القديس يوحنا جبامعة أكسفورد لينتظم بعد‬
‫زائرا باجلامعات األمريكية‪..‬كتب عدة‬‫أستاذا ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أستاذا لتاريخ الفلسفة من سنة ‪ 1939‬حتى سنة ‪ .1970‬ثم‬ ‫ذلك يف سلك الكنيسة الكاثوليكية ويصبح بعدها‬
‫مؤلفات عن “ نيتشه”‪ .‬أما مشروعه الضخم فتمثل يف موسوعته الكربى عن تاريخ الفلسفة الغربية ابتدا ًء من سنة ‪ 1946‬إىل غاية ‪ .1975‬من تاريخ الفلسفة‪ ،‬اجمللد‬
‫األول( اليونان والرومان)‪ ،‬ترمجة وتقديم إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة ط‪.2002 .1‬‬
‫‪22‬‬
‫‪- Copleston. F., A History of Philosophy, op.cit,PP:20-21.‬‬
‫‪ ∗23‬تتضمن هذه األعمال حسب ترتيبها التارخيي ما يلي‪:‬‬

‫‪55‬‬ ‫العدد األول‪ :‬جوان ‪2010‬‬


‫مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم‬

‫اليت متتد إىل سلسلة واسعة من املواضيع املعاجلة واملتباعدة‪ ،‬الفلسفية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والعلمية‪،‬‬
‫والتارخيية‪ ،‬والسياسية تشرتك يف خاصية أساسية واحدة وهي أن مؤلفها تع ّهد باستخدام املنهج‬
‫التجرييب‪ ،‬أو نادى بشكل من التجريبية اليت ترى من الفوائد ومن الضرورة االعتماد على املالحظة‬
‫تزودنا باإلجابة عن األسئلة الفكرية لكل هذه األصناف من املوضوعات(‪.)24‬‬ ‫والتجربة لكي ّ‬
‫يف مقدمة كتابه املبكر “ رسالة يف الطبيعة البشرية” يرجع “هيوم” بدايات استعمال املنهج‬
‫التجرييب يف العلوم الطبيعية إىل “فرنسيس بيكون” وإىل فالسفة إجنليز يف العصر احلديث‬
‫ً‬
‫خصوصا علم الطبيعة البشرية‬ ‫(‪ .)25‬الفلسفة أو العلوم األخالقية حسب عرف الفالسفة اإلجنليز‪،‬‬
‫األساسي الذي اقرتح إنشا َءه هو اآلخر جيب أن يؤسس على هذا املنهج‪ .‬ويف صفحة الحقة منه‬
‫يؤكد “هيوم” على ضرورة إرجاع كل مبادئنا ما أمكن ذلك بتطبيق التجارب إىل أقصى ما‬
‫ميكن‪ ،‬وتفسري النتائج بأبسط األسباب وأقلها‪ « .‬فمن األكيد أننا ال نتجاوز حدود التجربة»(‪.)26‬‬
‫اال‪ ،‬وله القدرة على ربط األفكار‬ ‫فع ً‬
‫وحتى يف تكوين األفكار املركبة اليت يبدو فيها العقل ّ‬
‫ً‬
‫أفكارا مركبة ال نظري هلا يف الواقع‬ ‫ّ‬
‫فيكون منها‬ ‫البسيطة بعضها ببعض على حنو ما يشاء‪،‬‬
‫كجبل من ذهب‪..‬وأفعوان وغري ذلك‪ ،‬فإن قدرته هذه حمدودة وال تتعدى مجع ونقل وزيادة أو‬
‫نقصان املواد اليت تقدمها إلينا احلواس والتجربة(‪..،)27‬وعند تتبع هذا جند كل فكرة نتفحصها‬
‫هي نسخة من انطباع مماثل‪ .‬ثم يتحدى أي شخص يرفض هذا املبدأ أن يأتي بفكرة واحدة‬
‫غري مشتقة من هذا األصل(‪ .)28‬أما يف اخلالصة اليت وضعها للفصل األول والثاني للرسالة يعد‬
‫“هيوم” بأن ال يضع خالصات‪ ،‬فقط حيث تكون موجهة بالتجربة(‪ .)29‬أ ّما يف كتاب “ مبحث يف‬
‫الفهم البشري” فريى ّأنه على الرغم من أن العقل البشري يظهر ّأنه أكثر حرية من أي شيء آخر‪،‬‬
‫وال حتويه حدود الطبيعة والواقع‪ ،‬فهو يسرح يف فضاء ال متناهي بواسطة قدراته‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫مجلة أنسنة للبحوث والدراسات‬
‫من كل هذا‪ ،‬فإن قدرته ال تزيد على قدرة الرتكيب والنقل والزيادة والنقصان للمواد اليت‬
‫ ‪-‬الرسالة يف الطبيعة البشرية يف ثالثة أجزاء (‪)1739-1740‬‬
‫ ‪-‬اخلالصة للجزء األول والثاني من الرسالة يف الطبيعة البشرية ‪.1740‬‬
‫ ‪-‬مقاالت أخالقية وسياسية وأدبية (‪.)1740-1752‬‬
‫ ‪-‬مبحث يف الفهم البشري ‪.1748‬‬
‫ ‪-‬مبحث يف مبادئ األخالق‪.1751.‬‬
‫ ‪-‬التاريخ الطبيعي للدين‪.1757.‬‬
‫ ‪-‬تاريخ اجنلرتا يف ستة أجزاء من العصر الروماني حتى سنة ‪ .1688‬بني (‪.)1754-1762‬‬
‫ ‪-‬موجز السرية الذاتية [حياتي]‪.1777.‬‬
‫ ‪-‬حماورات يف الدين الطبيعي‪.1778.‬‬
‫‪24‬‬
‫‪- Norton (David. F), The Cambridge Companion to Hume. Introduction to his thought. ,op. cit., p: 3.‬‬
‫‪25‬‬
‫‪-Hume (David) ,A Treatise of Human Nature., Introduction.,Footnote.,Op. cit., p : xxi.‬‬
‫‪26‬‬
‫‪- Ibid., p : xvii.‬‬
‫‪27‬‬
‫‪-Hume (David) ,A n Enquiry Concerning Human Understanding,., op.cit p:17.‬‬
‫‪28‬‬
‫‪- Ibid.,p:18.‬‬
‫‪29‬‬
‫‪-Hume (David) .An Abstract of A treatise of H.N., op.cit.,p:248.‬‬

‫العدد األول‪ :‬جوان ‪2010‬‬ ‫‪56‬‬


‫مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم‬

‫تزودنا بها اخلربة واحلواس(‪ .)30‬لينتهي يف خامتة كتابه إىل أن أي كتاب ال يتعلق باستدالالت‬
‫جتريدية ختص الكم والعدد‪ ،‬أو باستدالالت جتريبية عن أشياء واقعية حاصلة‪ ،‬فاألحرى بنا أن‬
‫‪..‬ألنه ال حيتوي على شيء سوى على السفسطة والوهم(‪ .)31‬لكن ليس قبل‬ ‫نرمه إىل ألسنة اللهب ّ‬
‫أن خُنضع االستدالل التجرييب ذاته إىل فحص جترييب‪ .‬ويف كتاب حبث “يف مبادئ األخالق” يعد‬
‫فيه “هيوم” بالكشف عن أساس األخالق‪ .‬وملا كان هذا [املبحث] يتعلق بسؤال الواقع ال بكونه‬
‫احلكم العامة‬ ‫ً‬
‫جمردا‪ّ ،‬‬ ‫ً‬
‫فإننا نتوقع النجاح فقط بإتباع املنهج التجرييب حسب رأيه‪ ،‬واستنتاج ِ‬ ‫علما‬
‫من مقارنة األمثلة اخلاصة يف أصل االتفاق(‪ .)32‬ويف مقالة نشرت أول مرة عن “أصل االتفاق” سنة‬
‫‪ ،1748‬خيربنا “هيوم”‪ «:‬أن درجة قليلة من التجربة واملالحظة كافية ّ‬
‫لتعلمنا أن اجملتمع ال‬
‫ميكن احملافظة عليه إال بسلطة احلكام»(‪ .)33‬وهكذا مل يشأ “هيوم” ّ‬
‫إال أن يدخل أسس املنهج‬
‫التجرييب يف كل املباحث الفلسفية واألخالقية والسياسية‪.‬‬

‫جدا لتأسيس علم للطبيعة‬ ‫‪ - 4‬أهم مبادئ الطبيعة البشرية‪ :‬مشروع «هيوم» هذا طموح ً‬
‫البشرية حياكي العلم الطبيعي يف منهجه ويف اقرتاب نتائجه من الدقة اليت بلغها‪ .‬يف كتابه‬
‫ً‬
‫البشرية»‪ ،‬يقدم «هيوم» األسس املعرفية و اإلبستيمولوجية لعلم‬ ‫املبكر» الرسالة يف الطبيعة‬
‫الطبيعة البشرية‪ ،‬كما عرضها بصورة مبسطة‪ ،‬برأيه‪ ،‬يف «املقاالت الفلسفية»« «‪Philos o‬‬
‫ً‬
‫الحقا «مبحث يف الفهم البشري»(‪ .)34‬يف القسم األول‬ ‫‪ ،»phical Essays‬أو كتابه الذي يسميه‬
‫من كتاب "الطبيعة البشرية»‪ ،‬اجلزء اخلاص منه بالفهم يقوم «هيوم» بتحليل خمتلف أنواع‬
‫ّ‬
‫ويقدم األساس القاعدي األول لنظامه الفلسفي هناك واملتمثل يف‪ « :‬أن‬ ‫هذه األحداث العقلية‬
‫مجيع أفكارنا مشتقة من انطباعات حسية سابقة عنها»‪ ،‬أما يف اجلزء الثالث من نفس الكتاب‬
‫مجلة أنسنة للبحوث والدراسات‬

‫فيقدم األساس الثاني املتمثل يف «مبدأ السببية»(‪ .)35‬يف حني تظهر هذه األسس على التوالي يف‬
‫كتاب «مبحث يف الفهم البشري» مرتبة يف القسم الثاني والقسم السابع على التوالي‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪- David ,An Enquiry Concerning Human Understanding, op.cit., p:17.‬‬
‫‪31‬‬
‫‪- Ibid., p:184.‬‬
‫‪32‬‬
‫‪-Hume (David) ,An Enquiry concerning the principles of morals, in Norton (David. F) (ed), The Cambridge Companion to‬‬
‫‪Hume. Introduction to his thought., op. cit. p :4.‬‬
‫‪33‬‬
‫‪- Norton (David. F) (ed), The Cambridge Companion to Hume. Introduction to his thought., op. cit. p :4.‬‬
‫‪ ∗34‬في رسالة رفض فيها هيوم عهده غير الناضج الذي كتب فيه الرسالة‪ ،‬كتبها لـ”جيلبارت إليوت» مؤرخة في ‪ .1751‬يقول فيها‪ :‬اعتقد أن المقاالت الفلسفية(بحث في‬
‫‪-‬الفهم البشري)‪ ،‬الذي ظهر سنة ‪ .1748‬يحتوي على كل شيء له عالقة بالفهم والذي تلتقي به في الرسالة‪ .‬وأقدم لك نصيحة بعدم قراءة هذه األخيرة‪ ،‬أي الرسالة‪.‬‬
‫‪Fieser (James), David Hume, Metaphysical and Epistemological theories, p:6.‬‬
‫‪ -35‬انظر بالتفصيل ما كتبه الفيلسوف ‪..Colkins.M.W,The persistent problems of Philosophy,op.cit,PP:150-170‬‬

‫‪57‬‬ ‫العدد األول‪ :‬جوان ‪2010‬‬


‫مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم‬

‫يقول الربوفسور «توماس هنري هكسلي»(‪ « :)36 ()Huxley‬كما يوجد علم تشريح‬
‫اجلسم يوجد علم تشريح الذهن إىل األحوال األولية للوعي» (‪« .)37‬هيوم» بهذا املنطق يقوم‬
‫بدور عامل التشريح‪ .‬احلاالت الفورية اخلاصة بالوعي‪ ،‬يعطيها «ديكارت» لفظ «تفكري»‪،‬‬
‫بينما يصطلح عليها بلفظ «فكرة» عند كل من «لوك» و «باركلي»(‪« .)38‬هيوم» يرى أن‬
‫لفظا ً‬
‫عاما وهو‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫استعماال آخر ويعطي هلا‬ ‫هذا االستعمال غري مالئم للفظ الفكرة ليقرتح هلا‬
‫اإلدراكات (‪ )Perceptions‬واليت يشري به إىل كل حاالت الوعي(‪ .)39‬و املقصود باإلدراكات‬
‫ً‬
‫حاضرا للذهن‪ ،‬إ ّما عندما نستعمل حواسنا‪ ،‬أو نشتغل بانفعاالتنا‪،‬‬ ‫هو» إدراك أي شيء يكون‬
‫حلل «هيوم» حاالت الوعي إىل عناصرها األولية وجد ّ‬
‫أن‬ ‫أو منارس التفكري والتأمل»(‪ ،)40‬عندما ّ‬
‫تنحل إىل االنطباعات واألفكار‪ .‬يقول‪ «:‬كل‬ ‫ّ‬ ‫العقل هو جمرد إدراكات متتابعة‪ ،‬و اإلدراكات‬
‫إدراكات العقل البشري تنحل إىل نوعني متميزين‪ ،‬والذي سأطلق عليهما لفظي انطباعات‬
‫تنحل بدورها إىل قسمني‬ ‫ّ‬ ‫وأفكار»(‪ ،)41‬املعرفة البشرية تعود عنده إىل هذه اإلدراكات‪ ،‬اليت‬
‫نقسم إدراكات الذهن إىل صنفني يتميزان باختالف درجة القوة‬ ‫رئيسني « أنه بإمكاننا إذن أن ّ‬
‫ً‬
‫أفكارا‪ ،)Ideas( ‬أما النوع الثاني‬ ‫واحليوية‪ ..‬فالنوع األول هو أقل قوة وأقل حيوية تسمى عادة‬
‫فيعتقد أن هذا النوع يفتقر إىل اسم يف اللغات األجنبية‪ ،‬مبا فيها اللغة اإلجنليزية‪ ،‬ويعطيها‬
‫اسم االنطباعات (‪)42( » )Impressions‬وختتلف فيما بينها من حيث درجة القوة واحليوية وحتى‬
‫األسبقية‪ ..‬أ ّما لفظ االنطباع فيعتقد أن هذا النوع يفتقر إىل اسم يف اللغات األجنبية‪ ،‬مبا فيها‬
‫اللغة اإلجنليزية‪ ،‬فيشري إىل كل ما هو أكثر حيوية يف إدراكاتنا‪ ،‬حني نسمع‪ ،‬ونرى‪،‬‬
‫ونلمس‪ ،‬وحنب‪ ،‬ونكره‪ ،‬ونرغب‪ ،‬ونريد اخل‪ ..‬وحتت لفظ االنطباع أفهم‪ ،‬يقول «هيوم»‪ ،‬كل‬
‫إحساساتنا‪ ،‬وانفعاالتنا‪ ،‬وعواطفنا كما يكون ظهورها ألول مرة يف النفس؛ أ ّما األفكار «‬ ‫مجلة أنسنة للبحوث والدراسات‬
‫فأقصد بها‪ ،‬يقول «هيوم»‪ ،‬الصور اخلافتة هلذه االنطباعات يف التفكري واالستدالل»(‪ .)43‬لكن‬
‫على الرغم من هذه االستعماالت‪ ،‬إالّ أنّه مل يعط ـ حسب الباحث «ساملون»(‪ )Salmon‬يف عمله‬

‫‪ ∗36‬هكسلي‪:‬توماس هنري عالم بيولوجي انجليزي تأثر بنظرية داروين في التطور‪ ،‬اهتم بالتاريخ والفلسفة ‪ ،‬كما درس عدة لغات ‪ .‬اهتمامه بالفلسفة كان نتيجة قراءته‬
‫لديكارت‪ ،‬وباركلي‪ ،‬و هيوم في كون معرفتنا األكيدة ال تتجاوز حاالت الوعي الفورية‪ .‬عبّر عن الكثير من آراءه الفلسفية في كتابه” هيوم” الذي كتبه في سلسلة رسائل‬
‫سنة ‪ .1838‬وقد أبدى في هذا الكتاب رأيه الموافق لهيوم والمخالف له أيضاً‪ ..‬من أهم أعماله‪.)Collected Essays(.‬‬
‫‪-.Borchert. (Donald M) (editor in chief) Encyclopedia of Philosophy. pp:530-533.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪- Professor Huxley. ,Hume ,London ,Macmillan and Co .1881.p:50.‬‬
‫‪38‬‬
‫‪- Ibid.,p:62.‬‬
‫‪39‬‬
‫‪- Ibid.,p:-63.‬‬
‫‪40‬‬
‫‪-Hume (David) .,An Abstract of A treatise of H.N., op. cit .,p:249.‬‬
‫‪41‬‬
‫»‪-« All the perceptions of the mind Hume resolve themselves into two distinct kinds, which I shall call impressions and ideas‬‬
‫‪David ,Hume (David), A Treatise concerning Human Nature,. BK .1.,Pt.1.,§ 1., p: 1‬‬
‫‪42‬‬
‫‪- Ibid .p:16.‬‬
‫‪43‬‬
‫‪-Hume (David), A Treatise concerning Human Nature,.BK .1.,Pt.1.,§1., op.cit .p:1.‬‬

‫العدد األول‪ :‬جوان ‪2010‬‬ ‫‪58‬‬


‫مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم‬

‫قدمه هو فقط‬ ‫ً‬


‫تعريفا ألي مفهوم منهما‪ ،‬و كل ما ّ‬ ‫«املشكلة املركزية يف فلسفة هيوم» ـ‬
‫ً‬
‫وأيضا لالختالفات بينهما عن طريق املقارنة(‪ .)44‬وهكذا‬ ‫وصف عام لالنطباعات واألفكار ‪،‬‬
‫أن «جغرافية العقل» عند «هيوم» حتتوي‬ ‫إذا استعملنا تعبريات الربوفسور «هكسلي «نقول ّ‬
‫أوال‪ ،‬االنطباعات اليت تتضمن ‪ :‬إحساسات الشم‪ ،‬والذوق‪ ،‬واللمس‪ ،‬والرؤية‪،‬‬ ‫على كل من‪ً :‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪،‬‬ ‫واملقاومة‪ .‬و اإلحساس باللذة واألمل‪ .‬والعالقات كالتتابع والتشابه والتالزم يف الوجود‪.‬‬
‫األفكار اليت هي إما نسخ من انطباعات سابقة‪ ،‬أو إعادتها عن طريق الذاكرة(‪.)45‬هذا التمييز‬
‫بني االنطباعات واألفكار هو اكتشاف هام أو باألحرى إعادة اكتشاف من طرف «هيوم»‪ ،‬فقد‬
‫سبقه يف ذلك «أرسطو»(‪.384-322( )Aristotle‬ق‪.‬م) حني ّ‬
‫ميز بني املوضوعات يف احلالة اليت‬
‫تكون فيها املوضوعات اخلارجية حاضرة «‪ ، »æsthemata‬ويف احلالة اليت نعتمد فيها على‬
‫اخليال عندما تكون هذه املوضوعات غائبة «‪« . »Phantasmata‬هيوم» أحيا التمييز القديم‬
‫بني «‪ »æsthema‬و « ‪ »Phantasma‬بأمساء جديدة وهي االنطباع والفكرة دون اللجوء يف‬
‫ذلك سواء إىل املادة أو اهلل (‪.)46‬‬

‫وبهذا يشري «هيوم» إىل ثالثة فروق أساسية بني األفكار واالنطباعات يف كتابه‪« :‬الطبيعة‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬حدوثها يكون هلا األسبقية‬ ‫البشرية»‪ً :‬‬
‫أوال‪ :‬االنطباعات أنشط وأكثر قوة و حيوية‪.‬‬
‫ً‬
‫األفكار‪.‬ثالثا‪ :‬الفرق الثالث يتعلق بإشكال املصدر‪ ،‬هل االنطباعات تشتق من األفكار‬ ‫على‬
‫أم العكس؟ ّ‬
‫وأيهما مصدر لآلخر؟ لإلجابة عن هذا التساؤل خيترب «هيوم» األسبقية يف الظهور‪.‬‬
‫فمن الواضح أن االنطباعات تسبق األفكار « الطفل ال ميكن أن تكون لديه فكرة عن‬
‫مثال أو حلوى معينة ما مل يكن لديه انطباع عن ذلك‪ ،‬وال ميكن أن حتدث‬ ‫ناطحة السحاب ً‬
‫مجلة أنسنة للبحوث والدراسات‬

‫ثم يقول ‪ « :‬كل أفكارنا البسيطة يف أول ظهورها‬ ‫لديه االنطباعات بواسطة األفكار»(‪ّ . )47‬‬
‫هي مشتقة من انطباعات بسيطة‪..‬واالقرتان الثابت إلدراكاتنا املتشابهة هو دليل مقنع على‬
‫مساو على أن االنطباعات هي‬ ‫علة اآلخر‪ ،‬وهذه األسبقية لالنطباعات هي دليل‬‫أن أحدهما ّ‬
‫ٍ‬
‫علة أفكارنا»(‪ .)48‬وخيلص يف نهاية القسم األول من الرسالة يف الطبيعة البشرية إىل تقرير‬
‫أن أسبقية االنطباعات على األفكار هو« أول مبدأ من مبادئ الطبيعة البشرية »(‪ .)49‬ويتحدى‬

‫‪44‬‬
‫‪- Salmon.C.V. , The central problem of David Hume philosophy., Halle a.d.s: Max Niemeyer Verlag.,1929.,p:49.‬‬
‫‪45‬‬
‫‪- Professor‬‬ ‫‪Huxley. ,Hume .,. op.cit., pp: 71-72.‬‬
‫‪46‬‬
‫‪-Case (Thomas),M.A. Physical Realism. Being An Analytical Philosophy. London. Longman green, And Co.1888.p : 259.‬‬
‫‪47‬‬
‫‪- Copleston. F, A History of Philosophy,Op.cit, P:70.‬‬
‫‪48‬‬
‫‪-.Hume (David), A Treatise concerning Human Nature., BK .1.,Pt.1.,§:1., op.cit., p:5.‬‬
‫‪49‬‬
‫‪- Ibid. .1.,Pt.1.,§ 1., p:7.‬‬
‫‪59‬‬ ‫العدد األول‪ :‬جوان ‪2010‬‬
‫مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم‬

‫«هيوم» أي شخص مبقدوره أن حيصل على فكرة ال تشتق من أحد هذين املصدرين‪،‬أي انطباع‬
‫اإلحساس والتأمل‪ .‬وخيلص إىل قضية عامة وهي‪ « :‬أن كل األفكار البسيطة يف أول ظهورها‬
‫هي مشتقة من انطباعات بسيطة اليت تالزمها‪ ،‬واليت متثلها بالتمام»(‪.)50‬‬

‫ّ‬
‫إن أهمية هذا املبدأ األول يف الطبيعة البشرية‪ ،‬أي أسبقية االنطباعات على األفكار عند‬
‫«هيوم»‪ ،‬متكننا من اختبار مجيع القضايا الفلسفية امليتافيزيقية اليت حتفل بها الفلسفات‬
‫السابقة عن التجريبية‪ ،‬إنه مبثابة معيار اختبار لألفكار الفلسفية على حد تعبري «كوبلستون»‬
‫وغريه‪.‬‬

‫ّأما املبدأ الثاني من مبادئ فلسفة هيوم فهو مبدأ السببية وبدون شك ّ‬
‫يعد مبثابة األساس‬
‫الذي يعتمد عليه اإلنسان يف الوجود احلقيقي واكتشاف العالقات بني األشياء خارج التجربة‬
‫اليت منلكها‪ ،‬وتعطينا معرفة جديدة بقضايا الواقع‪ ،‬إذ ّأننا ننتقل من شيء إىل معرفة شيء‬
‫آخر عن طريق هذا املبدأ‪ .‬وباعتقاد البعض أن مشكلة السببية مل تناقش بصورة جدية منذ‬
‫«أرسطو» سوى مع «هيوم» ألنه درس السببية بتمعن كما مثلت تلك املناقشة جز ًء ً‬
‫ثابتا ذا أهمية‬
‫أساسا بعالقة السبب والنتيجة(‪.)51‬يف عبارة مشهورة يقسم «هيوم» كل‬ ‫ً‬ ‫يف فلسفته‪ ،‬وقد اهتم‬
‫موضوعات املعرفة أو موضوعات الفهم البشري إىل قسمني رئيسني هما‪:‬عالقات األفكار« «‪rel a‬‬
‫‪ » tion of Ideas‬ووقائع التجربة «‪ ،)52(» Matters of fact ‬أما عالقات األفكار فهي حقائق‬
‫نكتشفها بواسطة احلدس أو الربهان‪ ،‬وهي واضحة بذاتها وال حتتاج يف صدقها إىل األشياء‬
‫الواقعية‪ ،‬كما أن نقيضها مستحيل ألنه ينطوي على تناقض؛ يف حني أن وقائع التجربة ليست‬ ‫مجلة أنسنة للبحوث والدراسات‬
‫واضحة بذاتها ونقيضها ممكن ألنه ال ينطوي على تناقض‪ ،‬أما صدقها فيعتمد على استقصاء‬
‫يرد «هيوم» مبدأ السببية إىل النوع الثاني من موضوعات العقل البشري‪ ،‬أي إىل عالقات‬ ‫الواقع‪ّ .‬‬
‫الواقع‪ ،‬وكل استدالل عن قضايا الواقع يستند إىل هذا املبدأ ‪ .‬يقول‪« :‬كل الرباهني اليت تتعلق‬
‫بالوجود تعتمد على عالقة السبب والنتيجة‪ ،‬وإدراكنا هلذه العالقة أي عالقة (السببية) تفهم‬
‫ً‬
‫دائما يف اختبار مثل هذه املبادئ هو‪ :‬من أي مصدر‬ ‫من التجربة»(‪ .)53‬واملعيار الذي يقدمه «هيوم»‬
‫‪50‬‬
‫‪That all our simple ideas in their first appearance are deriv´d from simple impressions, which‬‬
‫“‪-‬‬
‫‪are correspondent to them, and which they exactly represent”., .Hume David, A Treatise concerning Human‬‬
‫‪Nature,.BK .1.,Pt.1.,§:1. op.cit., p:4.‬‬
‫‪51‬‬
‫‪- Colkins.M.W,The, The persistent problems of Philosophy, op.cit, PP: 153.‬‬
‫‪52‬‬
‫‪-« All the object of human reason or enquiry may naturally be divided into two kinds, to wit, Re-‬‬
‫‪lation of ideas, and Matters of fact». An Enquiry Concerning Human Understanding, § ÍV. Part І. Op.cit.,p:24.‬‬
‫‪53‬‬
‫‪-Hume (David), An Abstract of A Human Nature,.op.cit. p:251- An Enquiry Concerning H. U, § ÍV. Part IІ.p:33.‬‬

‫العدد األول‪ :‬جوان ‪2010‬‬ ‫‪60‬‬


‫مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم‬

‫ً‬
‫تداوال يف اختبار القضايا الفلسفية عند «هيوم» وفق املبدأ األول‬ ‫ُيشتق هذا املبدأ؟ وبعبارة أكثر‬
‫هو‪ :‬ما االنطباع أو االنطباعات اليت تستمد منها فكرة السببية؟‪ ،‬و إذا مل يكن هناك انطباع قد‬
‫استمدت منه فكيف حصلنا عليها؟ يف املقام األول ال توجد أي خاصية مشرتكة لتلك األشياء‬
‫جذرا لفكرة السببية‪ ،‬كما ال نستطيع أن نكتشف‬ ‫«أسبابا» ميكن أن تكون ً‬ ‫ً‬ ‫اليت نسميها‬
‫أي خاصية مشرتكة ميكن أن تكون بينها ككل‪ « .‬إن فكرة السببية إذن جيب أن‬
‫(‪)54‬‬
‫تكون مشتقة من عالقة ما بني املوضوعات‪ ،‬وتلك العالقة هي اليت حناول أن نبحثها اآلن»‬

‫يبحث «هيوم عالقيت التجاور‪ )contiguity( ‬واألسبقية الزمنية(‪)Temporal priority‬أو‬


‫التعاقب (‪ )Succession‬ليخلص إىل ّأنهما ليس ضروريتني يف فكرة السببية(‪.)55‬العالقة األهم‪،‬‬
‫إذن‪ ،‬تتمثل يف الضرورة أو ما تعرف باالرتباط الضروري بني السبب والنتيجة (‪Necessary‬‬
‫‪ ،)56()connection‬واملقصود بهذه العالقة وجود قوة ـ حسب املثال الذي قدمه «هيوم» ـ يف «كرة‬
‫البيليارد» األوىل اليت تصدم الكرة الثانية وجتربها على احلركة‪ ،‬أي حركة الكرة الثانية‬
‫تتبع بالضرورة تلك احلركة املوجودة يف الكرة األوىل‪ ،‬ومن هنا يظهر أن عالقة السببية متلك‬
‫خاصيتني أساسيتني‪ً :‬‬
‫أوال أنها ارتباط ضروري بني السبب السابق والنتيجة الالحقة‪ .‬وما يرتتب‬
‫ً‬
‫ثانيا هو اعتبار السبب يف حد ذاته قوة(‪ .)57‬والسؤال املطروح هو ما مصدر هذه‬ ‫عن هذه اخلاصية‬
‫القوة والضرورة املزعومة؟ ليست هذه القوة مشتقة من األجسام‪ ،‬وموقفه من ذلك هو أن الضرورة‬
‫مفرتضة عن طريق العقل بواسطة اخليال فقط‪ ،‬وذلك نتيجة التعود‪ ،‬ويعتقد أنه «لكي نعرف‬
‫القوة أو فكرة االقرتان الضروري معرفة تامة علينا أن نفحص انطباعها‪ ،‬وعلينا أن نبحث عن‬
‫ً‬
‫يقينا لالنطباع [ الذي اشتقت منه‬ ‫االنطباع يف مجيع املصادر لكي يكون اكتشافنا أكثر‬
‫مجلة أنسنة للبحوث والدراسات‬

‫فكرة القوة»(‪.)58‬‬

‫ً‬
‫مطلقا بقوة ميكن اكتشافها يف املوضوع اخلارجي‪ ،‬إذ لو كنا نعي حقيقة وجود‬ ‫إنه ال ّ‬
‫يقر‬
‫مثل هذه القوة يف موضوع فيزيائي جتاه موضوع آخر‪ ،‬فإنه ينبغي أن يكون لدينا انطباع عن‬
‫هذه القوة‪ ،‬ويرفض إمكانية املالحظة املباشرة ملثل هذه القوة من أجل أن يدحض ويبطل‬

‫‪54‬‬
‫‪-Hume (David), A Treatise concerning Human Nature,.BK .1.,Pt.3.,§:2.op.cit. p: 75.‬‬
‫‪55‬‬
‫‪- Copleston. F, A History of Philosophy,V5. part ІІ. op.cit, P:83.‬‬
‫‪56‬‬
‫‪-Hume (David), A Treatise concerning Human Nature, Ibid., BK .1.,Pt.3.,§:2. p:77.‬‬
‫‪57‬‬
‫‪- Colkins.M.W,The., The persistent problems of Philosophy,op.cit,P: 154.‬‬
‫‪58‬‬
‫‪-Hume (David) ,An Enquiry Concerning Human Understanding, Sect: VII.,pt:I., op.cit p:67.‬‬
‫‪61‬‬ ‫العدد األول‪ :‬جوان ‪2010‬‬
‫مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم‬

‫ً‬
‫طبعا بالعني‬ ‫شرعية فكرتنا عن القوة اليت ننسبها إىل السبب اخلارجي(‪ ،)59‬وكل ما نالحظه‬
‫هو التتابع‪ ،‬أي أن تتبع النتيجة السبب الذي نفرتضه؛ كما ميكننا رؤية الكيفيات املختلفة‬
‫سواء كانت أولية أو ثانوية‪ ،‬مثل شكل و نوع واجتاه ولون املوضوع السبب‪ ،‬لكننا لن نرى‬
‫أي كيفية متميزة ميكننا أن نسميها كيفية القوة « عندما ننظر خارج‬ ‫يف كل األحوال ّ‬
‫أنفسنا‪ ،‬حنو األشياء اخلارجية‪ ،‬فإننا لن نكون قادرين إطالقا على أن نكتشف من حالة واحدة‬
‫ضروريا‪ ،‬أي ال جند كيفية تقرن النتيجة إىل السبب[‪ ]...‬وسنجد فقط ّ‬
‫أن الواحد‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اقرتانا‬ ‫قدرة أو‬
‫يلي اآلخر بالفعل‪...‬ذلك ما يظهر للحواس اخلارجية»(‪« .)60‬هيوم» يريد أن يبني أننا ال نعي بصورة‬
‫مباشرة تلك القوة بواسطة احلواس اخلارجية‪ .‬لكن هذا ال مينع ربمّ ا من أن تكون تلك القوة يف‬
‫املوضوعات اخلارجية أو األجسام مربرة يف وجودها عن طريق االستدالل‪ .‬يؤكد «هيوم» بعد ذلك‬
‫على ّأنه‪ « :‬ليس ثـمة أي جزء يف املادة يكشف خبصائصه [كيفياته] احلسية عن قوة أو قدرة‪..‬‬
‫إن الضرورة السببية تتعلق بالذات ال باملوضوع‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ً‬
‫متاما»(‪ّ )61‬‬ ‫إن القوة أو القدرة خمفية عنا‬
‫‪.‬‬

‫هي صفة لإلدراكات ال صفة لألجسام ‪ .‬يقول «هيوم»‪« :‬الضرورة شيء موجود يف العقل ال‬
‫إن صفيت الضرورة والقوة هما صفتان لإلدراك ال للموضوعات»(‪.)63‬‬ ‫ً‬
‫وأيضا‪ّ « :‬‬ ‫يف األجسام»(‪،)62‬‬
‫ال يريد هيوم بهذه املناقشة أن ينفي فكرة السببية ولكن يريد أن يبينّ أصلها التجرييب ال‬
‫وأنها عالقة ال تفهم ّ‬
‫إال من التجربة‪ ،‬وبالتالي فهي تنتمي إىل ما هو حمتمل ال ما هو يقيين‪،‬‬ ‫القبلي‪ّ ،‬‬
‫وينفي بذلك أن تكون هناك ضرورة أو قوة يف السبب مثلما يعتقد الناس والفالسفة‪ .‬جيد‬
‫«هيوم» أصل الضرورة السببية يف املخيلة‪ ،‬عن طريق تعودنا على تكرار انتظام االنطباعات‪،‬‬
‫حد تعبريه‪ ،‬والذي يفسر به‬‫ذلك الينبوع اهلام أو ذلك النوع من القدرة السحرية يف النفس‪ ،‬على ّ‬
‫العديد من القضايا الفلسفية األخرى‪.‬‬
‫مجلة أنسنة للبحوث والدراسات‬
‫يعرتف هيوم يف األخري بصعوبة حتقيق هذه اآلمال ويف تأسيس علم الطبيعة البشرية‪ ،‬كما‬
‫يعرتف بصعوبة تطبيق املنهج التجرييب يف جمال علم اإلنسان‪ ،‬لكن رغم ذلك فهو ّ‬
‫يلح على‬
‫استخدامه ولو مل يكن بنفس االعتبار يف علوم الطبيعة « لكننا يف الواقع‪ ،‬يقول «هيوم»‪،‬‬
‫ال نستطيع أن نقوم بالتجارب يف هذا اجملال بالدقة اليت نستعملها يف جمال العلوم الطبيعية‬
‫مثال منلك حمتوى املعطيات كما هو معطى من االستبطان‪ ،‬ومبالحظة‬ ‫ً‬ ‫كالكيمياء‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫‪- Colkins.M.W, The persistent problems of Philosophy,op.cit,PP: 164.‬‬
‫‪60‬‬
‫‪-Hume (David) ,An Enquiry Concerning Human Understanding . Sect: VII.,pt:I., p:67.-‬‬
‫‪61‬‬
‫‪-Ibid, Sect: VII.,pt:I., p:68.‬‬
‫‪62‬‬
‫‪-Hume (David), A Treatise concerning Human Nature,.BK .1.,Pt.3.,§:XIV.,pp:165-166.‬‬
‫‪63‬‬
‫‪- Loc. cit.‬‬

‫العدد األول‪ :‬جوان ‪2010‬‬ ‫‪62‬‬


‫مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم‬

‫ وليس حبدس‬،‫ لكن يف كل األحوال جيب أن نبدأ مبعطيات جتريبية‬.‫احلياة اإلنسانية والسلوك‬
ّ ‫ بهذه احملاولة‬.)64(»‫مزعوم ملاهية العقل اإلنساني‬
‫يعد هيوم من األوائل الذين أرادوا إعطاء األهمية‬
‫ كما تعد حماولته هذه‬،‫للطبيعة البشرية وتأسيس علم اإلنسان على منهج علوم الطبيعة‬
.‫سابقة يف احتذاء العلوم اإلنسانية بالعلوم الطبيعية‬

:‫ املصادر واملراجع املعتمدة‬-5

1. Borchert (Donald. M.) (editor in chief)., Encyclopedia of Philosophy,.. 2ⁿ₫.


Edition., Macmillan reference. USA

2. Henry Calder wood.(ed) David Hume. Famous Scots Series.

3. Colkins.M.W, The persistent problems of Philosophy, The Macmillan


Company, London: Macmillan & Co., Ltd 1907

4. Copleston. F, A History of Philosophy. V:5. Pt: II. Berkeley to Hume. Image


books. New. York.

5. Fieser (James), David Hume, Metaphysical and Epistemological


theories.,Univ of Tennessee at Martin.2004.
‫مجلة أنسنة للبحوث والدراسات‬

6. Hume (David) .An Abstract of A treatise of H.N.in Yalden-Thomson, D.C,


(ed), Hume theory of Knowledge. Thomas Nelson and Sons LTD .1951.

7. Hume (David) , A Treatise of Human Nature, A.Selby- Bigge, M.A Oxford.


At the Clarendon presses.

8. Hume (David), An Enquiry Concerning Human Understanding, The open


-Hume (David) ,A Treatise of Human Nature., Introduction. Op. cit., p : xxiii.
64

63 2010 ‫ جوان‬:‫العدد األول‬


‫مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم‬

‫‪court publishing company, chicago.Illinois.1958.‬‬

‫‪9. Professor Huxley. ,Hume ,London ,Macmillan and Co .1881‬‬

‫‪10. Salmon.C.V , The central problem of David Hume philosophy., Halle‬‬


‫‪a.d.s: Max Niemeyer Verlag.,1929.‬‬

‫‪11. Seth James, English Philosophers and Schools of philosophy, London:‬‬


‫‪J.M.Dent &Sons. LTD.,1912.‬‬

‫‪12. Norton (David. F), the Cambridge Companion to Hume. Introduction‬‬


‫‪to his thought. Cambridge university press.1993.‬‬

‫‪1313‬رسل (برتراند)‪ .‬حكمة الغرب‪ ،‬اجلزء الثاني‪ ،‬الفلسفة احلديثة واملعاصرة‪ ،‬ترمجة‪ :‬فؤاد‬
‫زكرياء‪ .‬عامل املعرفة‪.1983 ،‬‬

‫‪1414‬عثمان أمني‪ ،‬شخصيات ومذاهب فلسفية‪ ،‬دار الكتاب العربي للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‬

‫‪1515‬األهواني (أمحد فؤاد)‪ ،‬يف عامل الفلسفة‪ ،‬مكتبة النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬ ‫مجلة أنسنة للبحوث والدراسات‬

‫‪1616‬كوبلستون فريدريك ‪ ،‬تاريخ الفلسفة‪ ،‬اجمللد األول( اليونان والرومان)‪ ،‬ترمجة إمام عبد‬
‫الفتاح إمام‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة ط‪.2002 .1‬‬

‫العدد األول‪ :‬جوان ‪2010‬‬ ‫‪64‬‬

You might also like