Professional Documents
Culture Documents
مشروع علم الإنسان عند ديفيد هيوم
مشروع علم الإنسان عند ديفيد هيوم
صقل موهبته بقراءة الشعراء واخلطباء الكالسيكيني خاصة اإلجنليز منهم .خيربنا بأنه يف
السنوات الثالثة التالية لشهر مارس من عام ،1734قرأ معظم الكتب اليت اشتهرت بالالتينية
ً
مرتبطا فقط ببعض الفالسفة والفرنسية واإلجنليزية آنذاك ،وعلى الرغم من أن تفكريه بدا
إال أنه قد عرف الكثري من املشهورين ،ويظهر أنه مل يكنمن اخلط التجرييب الذي انتمى إليهّ ،
هناك فيلسوف واحد قد اعتمد عليه ليزوده مبفتاح الفهم يف تفكريه الفلسفي .
يف رسالة مؤرخة يوم 26أوت 1737كتب “هيوم» إىل زميله «مكاييل رمسي» ()M.Ramsay
يذكر فيها الروافد الفلسفية اليت تأثر بها و يذكر من خالهلا جمموعة من الفالسفة الذين أثروا
يف حياته الفكرية ،وهم على التوالي“ :نيكوالس مالربانش»1638-( N. Malebranche,
)1715و” باركلي” و»بيري بايل»( )1647-1706( )P. Bayleو « رينيه ديكارت» René
مت ذكرهم يأتي .)2( )1596-1650( Descartesوحسب الرتتيب التارخيي للفالسفة الذين ّ
“ديكارت» يف املقام األول ،ففي «التأمالت يف الفلسفة األوىل» قاوم “ديكارت” أنصار النزعة
عمليا بشك «ديكارت» ،فشك يف مصادر املعرفة البشرية ،على ً الشكية« .هيوم» قد تأثر
الرغم من أن الكتابات الفلسفية لـ «هيوم» كانت رد فعل ضد االعتقادات التأملية اليت أنشأها
مت ذكرهم يف الرسالة فهم شخصيات ذات مثار جدل «ديكارت» .أما الفالسفة اآلخرون الذين ّ
عند صدور أعماهلم ألول وهلة ،واتفقوا على أن الطبيعة احلقيقية للعامل ليست واضحة مثلما
مت من خالل اهلوة اليت رمسها هذا األخري بني املوضوعات نعتقد عادة .فتأثري “مالربانش» رمبا ّ
اخلارجية و إدراكاتنا هلا ،ولذلك كان من الصعوبة مبكان تفسري العالقة بني العنصرين...
لقد أصبح «هيوم» على وعي بصعوبة تفسري االرتباطات العلية( .)3أما «بيري بايل» ،الفيلسوف
ً الفرنسي الذي ّ
مجلة أنسنة للبحوث والدراسات
تشاؤما من حال قدراتنا الشكية لليونانيني القدامى فكان أكثر ّ تأثر بالتقاليد
العقلية ،اشتهر مبعجمه النقدي والتارخيي الذي ألفه سنة .1692يف رسالة “هيوم” يذكر [
املواد األكثر ميتافيزيقية يف معجم بايل]( .)4أما الفيلسوف األخري الذي ذكره يف رسالته هو
«باركلي» يف رفضه للوجود املطلق لألشياء ،ويتبنى «هيوم» الكثري من احلجج اليت أوردها
ً
دائما بالذات اإلهلية. “باركلي” ،لكن خيالفه يف احللول النهائية اليت يربطها
هذه أهم التأثريات على املستوى الفلسفي؛ أما التأثري على املستوى العلمي فيقودنا إىل
2
- Fieser (James), David Hume, Metaphysical and Epistemological theories.,Univ of Tennessee at Martin.2004. From: The
Internet Encyclopedia of philosophy. p:2
3
- Ibid. p:2
4
- Ibid .p:3.
51 العدد األول :جوان 2010
مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم
احلديث عن مشروع هيوم الفلسفي اخلاص بتأسيس “علم الطبيعة البشري”ة”Science of H u
»man Natureأو «علم اإلنسان».
يف إحدى مراسالته يشري «هيوم» إىل أن الدافع والسبب للشروع يف مباحثه الفلسفية ويف
مشروعه الذي اقرتحه يرجع إىل اإلرث الذي تلقاه من الفالسفة القدامى عن تصورهم للفلسفة،
أو ما يعرف بالعلوم األخالقية الذي مل يكن حمل قبول .يقول “هيوم”« :بدأت أعترب جبد كيف
ينبغي الشروع يف مباحثي الفلسفية ،ووجدت أن الفلسفة األخالقية املنقولة إلينا منذ القديم
متاما ،ومعتمدة أكثر على التلفيق منها على التجربة ..بدون أي ً ..قائمة على جمرد االفرتاض
مجلة أنسنة للبحوث والدراسات
قررت أن أجعل حبثي األساسي ،واملصدر الذي تشتق منه كل اعتبار للطبيعة البشرية ،وهلذا ّ
ً
أيضا بالنسبة للعلوم األخالقية»(. )7 حقيقة يف النقد ،واحلال
ويسجل يف مقدمة “الرسالة يف الطبيعة البشرية” مركزية علم الطبيعة البشرية بالنسبة جلميع
العلوم األخرى الواقعية منها والتجريدية ،يقول « :من الواضح أن مجيع العلوم هلا عالقة
ً
تقريبا بالطبيعة البشرية»( ،)8وهذا واضح بالنسبة له ،فهو يؤكد على أن « :مجيع العلوم
5
-Hume (David) ,An Enquiry concerning Human Understanding , Sect 1., op.cit., p:1.
-6عثمان أمين ،شخصيات ومذاهب فلسفية ،دار الكتاب العربي للطباعة والنشر،القاهرة ،ص.115 :
7
- Burton´ s life of Hume. In Henry Calder wood.(ed) David Hume. Famous Scots Series.,p:34..
8
- “ T´is evident, that all the sciences have a relation.. to human nature››.Hume (David) ,A Treatise of Human Nature., A.Selby-
تفهم يف علم الطبيعة البشرية وتعتمد عليه .والغاية الوحيدة للمنطق تتمثل يف شرح
مبادئ وعمليات العقل وقدراتنا االستداللية مع توضيح لطبيعة أفكارنا ،يف حني يعاجل
علم األخالق والنقد أذواقنا وعواطفنا ،والسياسة تدرس عالقة الفرد باجملتمع وتعترب
الناس كوحدة يف اجملتمع ،وكل واحد يعتمد على اآلخر..هذه الرسالة يف الطبيعة
البشرية تظهر املقصود منها أنها نظام للعلوم»(.)9ويضيف «:حتى الرياضيات ،والفلسفة
الطبيعية ،والدين الطبيعي ،على الرغم من أنها تبدو أنها ال تتعلق باإلنسان بل بفروع
أخرى ،إال أنها معروفة من طرف اإلنسان ،وهو الوحيد من يقرر احلكم بصحة أو خبطأ هذه
ً
أيضا الفروع من املعرفة[ً ]...
مثال الدين الطبيعي ال يتعلق ببحث طبيعة الدين يف ذاته ،بل
يف التنظيم اإلهلي جتاهنا وواجباتنا جتاهه»( .)10وعلى أية حال فإن التطلع إىل إقامة علم
لإلنسان أدى بـ”هيوم” إىل البحث يف الطبيعة البشرية بوجه عام .وكانت نقطة بدايته
يف ذلك هي البحث يف نطاق الفهم البشري ويف قدرات اإلنسان الذهنية واحلدود اليت ال
تتعداها( .)11لكن ما املنهج املناسب لدراسة هذا العلم اخلاص بالطبيعة البشرية؟
ً
استنباطيا ،وحيث ً
استقرائيا ال - 3منهج علم اإلنسان :املنهج باختصار جيب أن يكون
ً
علما لن التجارب هلذا النوع كانت مرتابطة ومقارنة حبكمة ،فإننا نأمل أن نؤسس عليها
أقل قيمة من حيث اليقني ،وسيكون أعلى ً
شأنا وفائدة من أي فهم بشري آخر(.)12 يكون ّ
وبالنسبة لـ”هيوم” املنهج التجرييب والسيكولوجي كالهما مالئم للتطبيق على مجيع
األسئلة املتعلقة باحلقيقة أو وقائع التجربة .إن التفسري السيكولوجي هو التفسري الوحيد
املمكن :والعنوان الفرعي لـ”الرسالة يف الطبيعة البشري” يعرب بوضوح عن هذا املنحى،
مجلة أنسنة للبحوث والدراسات
إذ يعتربه مبثابة حماولة تقديم املنهج التجرييب لالستدالل يف املوضوعات األخالقية ،وبهذا
يريد “هيوم” أن يستعري منهج العلوم الطبيعية لتطبيقه على العلوم األخالقية ،أو باألحرى
فهو يقصد توسيع مناهج العلم النيوتوني ،إىل أبعد حد ميكن ،إىل الطبيعة البشرية ذاتها،
ويذهب بذلك بعيد ًا بالعمل الذي بدأه «لوك»و «هاتشنستون» -1694(Hutchinson
عدت هذه احملاولة من أهم االنقالبات )1746و «باتلر»( ،)13( )1692-1752( )Butlerوربمّ ا ّ
Bigge, M.A Oxford. At the Clarendon presses. Introduction. Op.cit p : xix.
9
-Hume (David) .An Abstract of A treatise of H.N. op. cit .p:248.
10
-Hume (David) ,A Treatise of Human Nature,. Introduction. p : xix.
- 11رسل (برتراند) ،حكمة الغرب ،ص.99:
12
- Copleston. F, A History of Philosophy.,V:5. Pt: II. Berkeley to Hume.,op.cit,.P:66.
13
- loc.cit..
اإلبيستمولوجية يف ذلك العصر .يريد “هيوم” إذن ،أن يقيم العلوم اخللقية أو الفلسفة على
ً
مكتفيا غرار العلوم الوضعية ،وسيتخلى بذلك عن املبادئ واملشاكل اليت تتجاوز التجربة،
مبالحظة الظواهر وحتليلها والبحث عن قوانينها( .)14هذا األمر راجع إىل إعجاب الكثري
باكتشافات «نيوتن» وبراهينه يف جمال امليكانيكا السماوية ّ
مما أدى بهم إىل حماوالت
كثرية يف حماكاة هذه النظرة من طرف العلماء والفالسفة ومنهم «هيوم» الذي أراد إدخال
حققوه ً
مقتفيا يف ذلك أثر علماء الطبيعة وما ّ املنهج التجرييب لالستدالل يف العلوم الفلسفية
من نتائج باستخدامهم له بشرط يذكره « ..فلو أننا اختذنا االحتياطات الالزمة وطبقنا على
العلوم األخرى املنهج الذي استخدمه «نيوتن» يف الفلسفة الطبيعية ،أفال نستطيع هنا أن
نصل إىل أوثق النتائج وأنفعها لإلنسانية؟!» (.)15
مادام علم الطبيعة البشرية ،إذن ،هو مركز العلوم ،فمن األهمية إذن أن ينشأ علم اإلنسان،
ولكن كيف يتسنى لنا ذلك؟ وفق رؤية «هيوم» ال يتم ذلك ّ
إال على أساس املنهج التجرييب.
يقول يف كتابه «الطبيعة البشرية» ..« :وملّا كان علم اإلنسان هو األساس الوحيد الصلب
لبقية العلوم األخرى ،فإن كذلك البد أن يكون األساس الوحيد الصلب الذي نستطيع أن نقيم
عليه علم اإلنسان هو املالحظة والتجربة»( .)16ال جند حقيقة األساس املوثوق واألكيد للفلسفة
إال يف التجربة ،وكل معارفنا جيب أن تبدأ بالتجربة ،وكل معرفتنا جيب أن تكون داخل ّ
نظاما ً
تاما للعلوم ً التجربة(ّ .)17
واإلدعاء بتفسري مبادئ الطبيعة البشرية يتطلب يف حقيقة األمر
ً
مؤسسا على قاعدة ،يف احلقيقة ،جديدة .هذه القاعدة اجلديدة هي املنهج التجرييب الذي جنح
ً
أيضا يف دراسة اإلنسان .وهذا يعين القول إنه يف تطبيقه العلم الطبيعي ،وينبغي أن يطبق مجلة أنسنة للبحوث والدراسات
ينبغي البدء مبالحظة حمكمة لعمليات اإلنسان السيكولوجية ولسلوكه األخالقي،
أن شروط لكننا قد نتكلم عن بساطة التجربة مع ّ ّ ()18
وحماولة التحقق من أسبابها ونتائجها
معرفتنا ليست بالبسيطة أو سهلة التفسري ،فاحلقيقة إذا كانت يف متناول القدرة البشرية فإن
أن تفسري مبادئ الطبيعة جدا وعويصة .هكذا يرتاءى بالنسبة لـ”هيوم” ّ من األكيد ّأنها عميقة ً
البشرية يستلزم اختبار الذهن الكتشاف ينابيعه ومبادئه اخلفية .وعلى الرغم من ّ
أن هذه املبادئ
- 14عثمان أمين ،شخصيات ومذاهب فلسفية ،دار الكتاب العربي للطباعة والنشر ،القاهرة.ص.115-116 :
ً - 15
نقال عن المرجع السابق،.ص.116 :
16
-” And as the science of the man is the only solid foundation for the other sciences, so the only solid foundation we can
give to the science itself must be laid on experience and observation’’.Hume (David) ,A Treatise of Human Nature., .Introduc
tion. op.cit., p : xx.
17
- Burton’ s life of Hume. In Henry Calder wood.(ed) David Hume.op.cit, p:35.
18
- Copleston. F, A History of Philosophy, op.cit,PP, PP:66.
واحلقيقة أن التجريبية هي جزء من فلسفة سابقيه «لوك» و «باركلي» ،أما اجلزء اآلخر
يف فلسفتهما فهو شكل عقالني أو مثالي .فلسفة “لوك” كانت حمددة حبل مشكلة أصل
عناصر ومواد املعرفة ،أما املعرفة ذاتها فلم تكن جتريبية خالصة عدا تفكريه بالسؤال املتعلق
أن املنهج النفسي التجرييب قد تأملنا أعمال “لوك” و”باركلي” ّ
فإننا نالحظ ّ بأصل املعرفة .وإذا ّ
استعمله “لوك” فقط يف الكتاب الثاني من “الفهم البشري” ،ومل يكن منهج الكتاب الرابع،
أي الكتاب الوحيد الذي عرض فيه “لوك” احلل للمشكلة احلقيقية لطبيعة وحدود املعرفة
أيضا املنهج ذاته فقط يف حل مشكلة طبيعة تلك التجربة ً البشرية ،أما “باركلي” فقد طبّق
ً
مناسبا اليت نعرب بها عن األفكار اجملردة مثل معرفة العامل اخلارجي ،لكنه مل ير ذلك املنهج
يف حل مشكلة أعقد تتعلق بطبيعة احلقيقة الروحية اإلنسانية منها واإلهلية( .)20وهكذا
إذا كان “لوك” قد رأى أن مجيع أفكارنا تنشأ من التجربة ،لكنه ومع ذلك ،قد اعتقد بوجود
أفكار ال تؤيدها التجربة من قبيل فكرة اجلوهر املادي واستقالل العامل املادي عن اإلدراك ،فإن
“باركلي” على الرغم من أنه ذهب بالتجريبية أبعد من “لوك” ،وذلك برفض ما يعرف بتصور
اجلوهر املادي وبرفض الوجود املطلق لألشياء ،إال أنه استخدم التجريبية يف خدمة الفلسفة
مجلة أنسنة للبحوث والدراسات
اليت متتد إىل سلسلة واسعة من املواضيع املعاجلة واملتباعدة ،الفلسفية ،والدينية ،والعلمية،
والتارخيية ،والسياسية تشرتك يف خاصية أساسية واحدة وهي أن مؤلفها تع ّهد باستخدام املنهج
التجرييب ،أو نادى بشكل من التجريبية اليت ترى من الفوائد ومن الضرورة االعتماد على املالحظة
تزودنا باإلجابة عن األسئلة الفكرية لكل هذه األصناف من املوضوعات(.)24 والتجربة لكي ّ
يف مقدمة كتابه املبكر “ رسالة يف الطبيعة البشرية” يرجع “هيوم” بدايات استعمال املنهج
التجرييب يف العلوم الطبيعية إىل “فرنسيس بيكون” وإىل فالسفة إجنليز يف العصر احلديث
ً
خصوصا علم الطبيعة البشرية ( .)25الفلسفة أو العلوم األخالقية حسب عرف الفالسفة اإلجنليز،
األساسي الذي اقرتح إنشا َءه هو اآلخر جيب أن يؤسس على هذا املنهج .ويف صفحة الحقة منه
يؤكد “هيوم” على ضرورة إرجاع كل مبادئنا ما أمكن ذلك بتطبيق التجارب إىل أقصى ما
ميكن ،وتفسري النتائج بأبسط األسباب وأقلها « .فمن األكيد أننا ال نتجاوز حدود التجربة»(.)26
اال ،وله القدرة على ربط األفكار فع ً
وحتى يف تكوين األفكار املركبة اليت يبدو فيها العقل ّ
ً
أفكارا مركبة ال نظري هلا يف الواقع ّ
فيكون منها البسيطة بعضها ببعض على حنو ما يشاء،
كجبل من ذهب..وأفعوان وغري ذلك ،فإن قدرته هذه حمدودة وال تتعدى مجع ونقل وزيادة أو
نقصان املواد اليت تقدمها إلينا احلواس والتجربة(..،)27وعند تتبع هذا جند كل فكرة نتفحصها
هي نسخة من انطباع مماثل .ثم يتحدى أي شخص يرفض هذا املبدأ أن يأتي بفكرة واحدة
غري مشتقة من هذا األصل( .)28أما يف اخلالصة اليت وضعها للفصل األول والثاني للرسالة يعد
“هيوم” بأن ال يضع خالصات ،فقط حيث تكون موجهة بالتجربة( .)29أ ّما يف كتاب “ مبحث يف
الفهم البشري” فريى ّأنه على الرغم من أن العقل البشري يظهر ّأنه أكثر حرية من أي شيء آخر،
وال حتويه حدود الطبيعة والواقع ،فهو يسرح يف فضاء ال متناهي بواسطة قدراته ،وعلى الرغم مجلة أنسنة للبحوث والدراسات
من كل هذا ،فإن قدرته ال تزيد على قدرة الرتكيب والنقل والزيادة والنقصان للمواد اليت
-الرسالة يف الطبيعة البشرية يف ثالثة أجزاء ()1739-1740
-اخلالصة للجزء األول والثاني من الرسالة يف الطبيعة البشرية .1740
-مقاالت أخالقية وسياسية وأدبية (.)1740-1752
-مبحث يف الفهم البشري .1748
-مبحث يف مبادئ األخالق.1751.
-التاريخ الطبيعي للدين.1757.
-تاريخ اجنلرتا يف ستة أجزاء من العصر الروماني حتى سنة .1688بني (.)1754-1762
-موجز السرية الذاتية [حياتي].1777.
-حماورات يف الدين الطبيعي.1778.
24
- Norton (David. F), The Cambridge Companion to Hume. Introduction to his thought. ,op. cit., p: 3.
25
-Hume (David) ,A Treatise of Human Nature., Introduction.,Footnote.,Op. cit., p : xxi.
26
- Ibid., p : xvii.
27
-Hume (David) ,A n Enquiry Concerning Human Understanding,., op.cit p:17.
28
- Ibid.,p:18.
29
-Hume (David) .An Abstract of A treatise of H.N., op.cit.,p:248.
تزودنا بها اخلربة واحلواس( .)30لينتهي يف خامتة كتابه إىل أن أي كتاب ال يتعلق باستدالالت
جتريدية ختص الكم والعدد ،أو باستدالالت جتريبية عن أشياء واقعية حاصلة ،فاألحرى بنا أن
..ألنه ال حيتوي على شيء سوى على السفسطة والوهم( .)31لكن ليس قبل نرمه إىل ألسنة اللهب ّ
أن خُنضع االستدالل التجرييب ذاته إىل فحص جترييب .ويف كتاب حبث “يف مبادئ األخالق” يعد
فيه “هيوم” بالكشف عن أساس األخالق .وملا كان هذا [املبحث] يتعلق بسؤال الواقع ال بكونه
احلكم العامة ً
جمرداّ ، ً
فإننا نتوقع النجاح فقط بإتباع املنهج التجرييب حسب رأيه ،واستنتاج ِ علما
من مقارنة األمثلة اخلاصة يف أصل االتفاق( .)32ويف مقالة نشرت أول مرة عن “أصل االتفاق” سنة
،1748خيربنا “هيوم” «:أن درجة قليلة من التجربة واملالحظة كافية ّ
لتعلمنا أن اجملتمع ال
ميكن احملافظة عليه إال بسلطة احلكام»( .)33وهكذا مل يشأ “هيوم” ّ
إال أن يدخل أسس املنهج
التجرييب يف كل املباحث الفلسفية واألخالقية والسياسية.
جدا لتأسيس علم للطبيعة - 4أهم مبادئ الطبيعة البشرية :مشروع «هيوم» هذا طموح ً
البشرية حياكي العلم الطبيعي يف منهجه ويف اقرتاب نتائجه من الدقة اليت بلغها .يف كتابه
ً
البشرية» ،يقدم «هيوم» األسس املعرفية و اإلبستيمولوجية لعلم املبكر» الرسالة يف الطبيعة
الطبيعة البشرية ،كما عرضها بصورة مبسطة ،برأيه ،يف «املقاالت الفلسفية»« «Philos o
ً
الحقا «مبحث يف الفهم البشري»( .)34يف القسم األول ،»phical Essaysأو كتابه الذي يسميه
من كتاب "الطبيعة البشرية» ،اجلزء اخلاص منه بالفهم يقوم «هيوم» بتحليل خمتلف أنواع
ّ
ويقدم األساس القاعدي األول لنظامه الفلسفي هناك واملتمثل يف « :أن هذه األحداث العقلية
مجيع أفكارنا مشتقة من انطباعات حسية سابقة عنها» ،أما يف اجلزء الثالث من نفس الكتاب
مجلة أنسنة للبحوث والدراسات
فيقدم األساس الثاني املتمثل يف «مبدأ السببية»( .)35يف حني تظهر هذه األسس على التوالي يف
كتاب «مبحث يف الفهم البشري» مرتبة يف القسم الثاني والقسم السابع على التوالي.
30
- David ,An Enquiry Concerning Human Understanding, op.cit., p:17.
31
- Ibid., p:184.
32
-Hume (David) ,An Enquiry concerning the principles of morals, in Norton (David. F) (ed), The Cambridge Companion to
Hume. Introduction to his thought., op. cit. p :4.
33
- Norton (David. F) (ed), The Cambridge Companion to Hume. Introduction to his thought., op. cit. p :4.
∗34في رسالة رفض فيها هيوم عهده غير الناضج الذي كتب فيه الرسالة ،كتبها لـ”جيلبارت إليوت» مؤرخة في .1751يقول فيها :اعتقد أن المقاالت الفلسفية(بحث في
-الفهم البشري) ،الذي ظهر سنة .1748يحتوي على كل شيء له عالقة بالفهم والذي تلتقي به في الرسالة .وأقدم لك نصيحة بعدم قراءة هذه األخيرة ،أي الرسالة.
Fieser (James), David Hume, Metaphysical and Epistemological theories, p:6.
-35انظر بالتفصيل ما كتبه الفيلسوف ..Colkins.M.W,The persistent problems of Philosophy,op.cit,PP:150-170
يقول الربوفسور «توماس هنري هكسلي»( « :)36 ()Huxleyكما يوجد علم تشريح
اجلسم يوجد علم تشريح الذهن إىل األحوال األولية للوعي» (« .)37هيوم» بهذا املنطق يقوم
بدور عامل التشريح .احلاالت الفورية اخلاصة بالوعي ،يعطيها «ديكارت» لفظ «تفكري»،
بينما يصطلح عليها بلفظ «فكرة» عند كل من «لوك» و «باركلي»(« .)38هيوم» يرى أن
لفظا ً
عاما وهو ً ً
استعماال آخر ويعطي هلا هذا االستعمال غري مالئم للفظ الفكرة ليقرتح هلا
اإلدراكات ( )Perceptionsواليت يشري به إىل كل حاالت الوعي( .)39و املقصود باإلدراكات
ً
حاضرا للذهن ،إ ّما عندما نستعمل حواسنا ،أو نشتغل بانفعاالتنا، هو» إدراك أي شيء يكون
حلل «هيوم» حاالت الوعي إىل عناصرها األولية وجد ّ
أن أو منارس التفكري والتأمل»( ،)40عندما ّ
تنحل إىل االنطباعات واألفكار .يقول «:كل ّ العقل هو جمرد إدراكات متتابعة ،و اإلدراكات
إدراكات العقل البشري تنحل إىل نوعني متميزين ،والذي سأطلق عليهما لفظي انطباعات
تنحل بدورها إىل قسمني ّ وأفكار»( ،)41املعرفة البشرية تعود عنده إىل هذه اإلدراكات ،اليت
نقسم إدراكات الذهن إىل صنفني يتميزان باختالف درجة القوة رئيسني « أنه بإمكاننا إذن أن ّ
ً
أفكارا ،)Ideas( أما النوع الثاني واحليوية ..فالنوع األول هو أقل قوة وأقل حيوية تسمى عادة
فيعتقد أن هذا النوع يفتقر إىل اسم يف اللغات األجنبية ،مبا فيها اللغة اإلجنليزية ،ويعطيها
اسم االنطباعات ()42( » )Impressionsوختتلف فيما بينها من حيث درجة القوة واحليوية وحتى
األسبقية ..أ ّما لفظ االنطباع فيعتقد أن هذا النوع يفتقر إىل اسم يف اللغات األجنبية ،مبا فيها
اللغة اإلجنليزية ،فيشري إىل كل ما هو أكثر حيوية يف إدراكاتنا ،حني نسمع ،ونرى،
ونلمس ،وحنب ،ونكره ،ونرغب ،ونريد اخل ..وحتت لفظ االنطباع أفهم ،يقول «هيوم» ،كل
إحساساتنا ،وانفعاالتنا ،وعواطفنا كما يكون ظهورها ألول مرة يف النفس؛ أ ّما األفكار « مجلة أنسنة للبحوث والدراسات
فأقصد بها ،يقول «هيوم» ،الصور اخلافتة هلذه االنطباعات يف التفكري واالستدالل»( .)43لكن
على الرغم من هذه االستعماالت ،إالّ أنّه مل يعط ـ حسب الباحث «ساملون»( )Salmonيف عمله
∗36هكسلي:توماس هنري عالم بيولوجي انجليزي تأثر بنظرية داروين في التطور ،اهتم بالتاريخ والفلسفة ،كما درس عدة لغات .اهتمامه بالفلسفة كان نتيجة قراءته
لديكارت ،وباركلي ،و هيوم في كون معرفتنا األكيدة ال تتجاوز حاالت الوعي الفورية .عبّر عن الكثير من آراءه الفلسفية في كتابه” هيوم” الذي كتبه في سلسلة رسائل
سنة .1838وقد أبدى في هذا الكتاب رأيه الموافق لهيوم والمخالف له أيضاً ..من أهم أعماله.)Collected Essays(.
-.Borchert. (Donald M) (editor in chief) Encyclopedia of Philosophy. pp:530-533.
37
- Professor Huxley. ,Hume ,London ,Macmillan and Co .1881.p:50.
38
- Ibid.,p:62.
39
- Ibid.,p:-63.
40
-Hume (David) .,An Abstract of A treatise of H.N., op. cit .,p:249.
41
»-« All the perceptions of the mind Hume resolve themselves into two distinct kinds, which I shall call impressions and ideas
David ,Hume (David), A Treatise concerning Human Nature,. BK .1.,Pt.1.,§ 1., p: 1
42
- Ibid .p:16.
43
-Hume (David), A Treatise concerning Human Nature,.BK .1.,Pt.1.,§1., op.cit .p:1.
وبهذا يشري «هيوم» إىل ثالثة فروق أساسية بني األفكار واالنطباعات يف كتابه« :الطبيعة
ً
ثانيا :حدوثها يكون هلا األسبقية البشرية»ً :
أوال :االنطباعات أنشط وأكثر قوة و حيوية.
ً
األفكار.ثالثا :الفرق الثالث يتعلق بإشكال املصدر ،هل االنطباعات تشتق من األفكار على
أم العكس؟ ّ
وأيهما مصدر لآلخر؟ لإلجابة عن هذا التساؤل خيترب «هيوم» األسبقية يف الظهور.
فمن الواضح أن االنطباعات تسبق األفكار « الطفل ال ميكن أن تكون لديه فكرة عن
مثال أو حلوى معينة ما مل يكن لديه انطباع عن ذلك ،وال ميكن أن حتدث ناطحة السحاب ً
مجلة أنسنة للبحوث والدراسات
ثم يقول « :كل أفكارنا البسيطة يف أول ظهورها لديه االنطباعات بواسطة األفكار»(ّ . )47
هي مشتقة من انطباعات بسيطة..واالقرتان الثابت إلدراكاتنا املتشابهة هو دليل مقنع على
مساو على أن االنطباعات هي علة اآلخر ،وهذه األسبقية لالنطباعات هي دليلأن أحدهما ّ
ٍ
علة أفكارنا»( .)48وخيلص يف نهاية القسم األول من الرسالة يف الطبيعة البشرية إىل تقرير
أن أسبقية االنطباعات على األفكار هو« أول مبدأ من مبادئ الطبيعة البشرية »( .)49ويتحدى
44
- Salmon.C.V. , The central problem of David Hume philosophy., Halle a.d.s: Max Niemeyer Verlag.,1929.,p:49.
45
- Professor Huxley. ,Hume .,. op.cit., pp: 71-72.
46
-Case (Thomas),M.A. Physical Realism. Being An Analytical Philosophy. London. Longman green, And Co.1888.p : 259.
47
- Copleston. F, A History of Philosophy,Op.cit, P:70.
48
-.Hume (David), A Treatise concerning Human Nature., BK .1.,Pt.1.,§:1., op.cit., p:5.
49
- Ibid. .1.,Pt.1.,§ 1., p:7.
59 العدد األول :جوان 2010
مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم
«هيوم» أي شخص مبقدوره أن حيصل على فكرة ال تشتق من أحد هذين املصدرين،أي انطباع
اإلحساس والتأمل .وخيلص إىل قضية عامة وهي « :أن كل األفكار البسيطة يف أول ظهورها
هي مشتقة من انطباعات بسيطة اليت تالزمها ،واليت متثلها بالتمام»(.)50
ّ
إن أهمية هذا املبدأ األول يف الطبيعة البشرية ،أي أسبقية االنطباعات على األفكار عند
«هيوم» ،متكننا من اختبار مجيع القضايا الفلسفية امليتافيزيقية اليت حتفل بها الفلسفات
السابقة عن التجريبية ،إنه مبثابة معيار اختبار لألفكار الفلسفية على حد تعبري «كوبلستون»
وغريه.
ّأما املبدأ الثاني من مبادئ فلسفة هيوم فهو مبدأ السببية وبدون شك ّ
يعد مبثابة األساس
الذي يعتمد عليه اإلنسان يف الوجود احلقيقي واكتشاف العالقات بني األشياء خارج التجربة
اليت منلكها ،وتعطينا معرفة جديدة بقضايا الواقع ،إذ ّأننا ننتقل من شيء إىل معرفة شيء
آخر عن طريق هذا املبدأ .وباعتقاد البعض أن مشكلة السببية مل تناقش بصورة جدية منذ
«أرسطو» سوى مع «هيوم» ألنه درس السببية بتمعن كما مثلت تلك املناقشة جز ًء ً
ثابتا ذا أهمية
أساسا بعالقة السبب والنتيجة(.)51يف عبارة مشهورة يقسم «هيوم» كل ً يف فلسفته ،وقد اهتم
موضوعات املعرفة أو موضوعات الفهم البشري إىل قسمني رئيسني هما:عالقات األفكار« «rel a
» tion of Ideasووقائع التجربة « ،)52(» Matters of fact أما عالقات األفكار فهي حقائق
نكتشفها بواسطة احلدس أو الربهان ،وهي واضحة بذاتها وال حتتاج يف صدقها إىل األشياء
الواقعية ،كما أن نقيضها مستحيل ألنه ينطوي على تناقض؛ يف حني أن وقائع التجربة ليست مجلة أنسنة للبحوث والدراسات
واضحة بذاتها ونقيضها ممكن ألنه ال ينطوي على تناقض ،أما صدقها فيعتمد على استقصاء
يرد «هيوم» مبدأ السببية إىل النوع الثاني من موضوعات العقل البشري ،أي إىل عالقات الواقعّ .
الواقع ،وكل استدالل عن قضايا الواقع يستند إىل هذا املبدأ .يقول« :كل الرباهني اليت تتعلق
بالوجود تعتمد على عالقة السبب والنتيجة ،وإدراكنا هلذه العالقة أي عالقة (السببية) تفهم
ً
دائما يف اختبار مثل هذه املبادئ هو :من أي مصدر من التجربة»( .)53واملعيار الذي يقدمه «هيوم»
50
That all our simple ideas in their first appearance are deriv´d from simple impressions, which
“-
are correspondent to them, and which they exactly represent”., .Hume David, A Treatise concerning Human
Nature,.BK .1.,Pt.1.,§:1. op.cit., p:4.
51
- Colkins.M.W,The, The persistent problems of Philosophy, op.cit, PP: 153.
52
-« All the object of human reason or enquiry may naturally be divided into two kinds, to wit, Re-
lation of ideas, and Matters of fact». An Enquiry Concerning Human Understanding, § ÍV. Part І. Op.cit.,p:24.
53
-Hume (David), An Abstract of A Human Nature,.op.cit. p:251- An Enquiry Concerning H. U, § ÍV. Part IІ.p:33.
ً
تداوال يف اختبار القضايا الفلسفية عند «هيوم» وفق املبدأ األول ُيشتق هذا املبدأ؟ وبعبارة أكثر
هو :ما االنطباع أو االنطباعات اليت تستمد منها فكرة السببية؟ ،و إذا مل يكن هناك انطباع قد
استمدت منه فكيف حصلنا عليها؟ يف املقام األول ال توجد أي خاصية مشرتكة لتلك األشياء
جذرا لفكرة السببية ،كما ال نستطيع أن نكتشف «أسبابا» ميكن أن تكون ً ً اليت نسميها
أي خاصية مشرتكة ميكن أن تكون بينها ككل « .إن فكرة السببية إذن جيب أن
()54
تكون مشتقة من عالقة ما بني املوضوعات ،وتلك العالقة هي اليت حناول أن نبحثها اآلن»
فكرة القوة»(.)58
ً
مطلقا بقوة ميكن اكتشافها يف املوضوع اخلارجي ،إذ لو كنا نعي حقيقة وجود إنه ال ّ
يقر
مثل هذه القوة يف موضوع فيزيائي جتاه موضوع آخر ،فإنه ينبغي أن يكون لدينا انطباع عن
هذه القوة ،ويرفض إمكانية املالحظة املباشرة ملثل هذه القوة من أجل أن يدحض ويبطل
54
-Hume (David), A Treatise concerning Human Nature,.BK .1.,Pt.3.,§:2.op.cit. p: 75.
55
- Copleston. F, A History of Philosophy,V5. part ІІ. op.cit, P:83.
56
-Hume (David), A Treatise concerning Human Nature, Ibid., BK .1.,Pt.3.,§:2. p:77.
57
- Colkins.M.W,The., The persistent problems of Philosophy,op.cit,P: 154.
58
-Hume (David) ,An Enquiry Concerning Human Understanding, Sect: VII.,pt:I., op.cit p:67.
61 العدد األول :جوان 2010
مشروع علم اإلنسان عند ديفيد هيوم
ً
طبعا بالعني شرعية فكرتنا عن القوة اليت ننسبها إىل السبب اخلارجي( ،)59وكل ما نالحظه
هو التتابع ،أي أن تتبع النتيجة السبب الذي نفرتضه؛ كما ميكننا رؤية الكيفيات املختلفة
سواء كانت أولية أو ثانوية ،مثل شكل و نوع واجتاه ولون املوضوع السبب ،لكننا لن نرى
أي كيفية متميزة ميكننا أن نسميها كيفية القوة « عندما ننظر خارج يف كل األحوال ّ
أنفسنا ،حنو األشياء اخلارجية ،فإننا لن نكون قادرين إطالقا على أن نكتشف من حالة واحدة
ضروريا ،أي ال جند كيفية تقرن النتيجة إىل السبب[ ]...وسنجد فقط ّ
أن الواحد ً ً
اقرتانا قدرة أو
يلي اآلخر بالفعل...ذلك ما يظهر للحواس اخلارجية»(« .)60هيوم» يريد أن يبني أننا ال نعي بصورة
مباشرة تلك القوة بواسطة احلواس اخلارجية .لكن هذا ال مينع ربمّ ا من أن تكون تلك القوة يف
املوضوعات اخلارجية أو األجسام مربرة يف وجودها عن طريق االستدالل .يؤكد «هيوم» بعد ذلك
على ّأنه « :ليس ثـمة أي جزء يف املادة يكشف خبصائصه [كيفياته] احلسية عن قوة أو قدرة..
إن الضرورة السببية تتعلق بالذات ال باملوضوع ،وبالتالي ً
متاما»(ّ )61 إن القوة أو القدرة خمفية عنا
.
هي صفة لإلدراكات ال صفة لألجسام .يقول «هيوم»« :الضرورة شيء موجود يف العقل ال
إن صفيت الضرورة والقوة هما صفتان لإلدراك ال للموضوعات»(.)63 ً
وأيضاّ « : يف األجسام»(،)62
ال يريد هيوم بهذه املناقشة أن ينفي فكرة السببية ولكن يريد أن يبينّ أصلها التجرييب ال
وأنها عالقة ال تفهم ّ
إال من التجربة ،وبالتالي فهي تنتمي إىل ما هو حمتمل ال ما هو يقيين، القبليّ ،
وينفي بذلك أن تكون هناك ضرورة أو قوة يف السبب مثلما يعتقد الناس والفالسفة .جيد
«هيوم» أصل الضرورة السببية يف املخيلة ،عن طريق تعودنا على تكرار انتظام االنطباعات،
حد تعبريه ،والذي يفسر بهذلك الينبوع اهلام أو ذلك النوع من القدرة السحرية يف النفس ،على ّ
العديد من القضايا الفلسفية األخرى.
مجلة أنسنة للبحوث والدراسات
يعرتف هيوم يف األخري بصعوبة حتقيق هذه اآلمال ويف تأسيس علم الطبيعة البشرية ،كما
يعرتف بصعوبة تطبيق املنهج التجرييب يف جمال علم اإلنسان ،لكن رغم ذلك فهو ّ
يلح على
استخدامه ولو مل يكن بنفس االعتبار يف علوم الطبيعة « لكننا يف الواقع ،يقول «هيوم»،
ال نستطيع أن نقوم بالتجارب يف هذا اجملال بالدقة اليت نستعملها يف جمال العلوم الطبيعية
مثال منلك حمتوى املعطيات كما هو معطى من االستبطان ،ومبالحظة ً كالكيمياء.
59
- Colkins.M.W, The persistent problems of Philosophy,op.cit,PP: 164.
60
-Hume (David) ,An Enquiry Concerning Human Understanding . Sect: VII.,pt:I., p:67.-
61
-Ibid, Sect: VII.,pt:I., p:68.
62
-Hume (David), A Treatise concerning Human Nature,.BK .1.,Pt.3.,§:XIV.,pp:165-166.
63
- Loc. cit.
وليس حبدس، لكن يف كل األحوال جيب أن نبدأ مبعطيات جتريبية.احلياة اإلنسانية والسلوك
ّ بهذه احملاولة.)64(»مزعوم ملاهية العقل اإلنساني
يعد هيوم من األوائل الذين أرادوا إعطاء األهمية
كما تعد حماولته هذه،للطبيعة البشرية وتأسيس علم اإلنسان على منهج علوم الطبيعة
.سابقة يف احتذاء العلوم اإلنسانية بالعلوم الطبيعية
1313رسل (برتراند) .حكمة الغرب ،اجلزء الثاني ،الفلسفة احلديثة واملعاصرة ،ترمجة :فؤاد
زكرياء .عامل املعرفة.1983 ،
1414عثمان أمني ،شخصيات ومذاهب فلسفية ،دار الكتاب العربي للطباعة والنشر ،القاهرة
1515األهواني (أمحد فؤاد) ،يف عامل الفلسفة ،مكتبة النهضة املصرية ،القاهرة. مجلة أنسنة للبحوث والدراسات
1616كوبلستون فريدريك ،تاريخ الفلسفة ،اجمللد األول( اليونان والرومان) ،ترمجة إمام عبد
الفتاح إمام ،اجمللس األعلى للثقافة ط.2002 .1