You are on page 1of 108

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫جامعة العربي التبسي ـ تبسة‬
‫كلية اآلداب واللغات األجنبية‬
‫قسم اللغة واألدب العربي‬

‫التضافر المنهجي في النقد الثقافي‬


‫قراءة في كتاب صورة اآلخر في شعر المتنبي ‪ -‬نقد ثقافي‪)-‬‬

‫مكملة لنيل شهادة الماستر ل‪.‬م‪.‬د في اللغة و األدب العربي‬


‫مذكرة ّ‬
‫تخصص‪ :‬خطاب نقدي معاصر‬

‫إشراف األستاذة‪:‬‬ ‫إعداد الطالبتين‪:‬‬


‫آمال كبير‬ ‫أمينة طواهرية‬
‫روميسة يونسي‬

‫اللجنة المناقشة‬
‫الصفة‬ ‫الجامعة األصلية‬ ‫الرتبة‬ ‫األستاذ(ة)‬

‫رئيسا‬ ‫جامعة تبسة‬ ‫أستاذ مساعد – أ ‪-‬‬ ‫تامن كوثر‬

‫مشرفا و مقررا‬ ‫جامعة تبسة‬ ‫أستاذ مساعد – أ ‪-‬‬ ‫آمال كبير‬

‫عضوا مناقشا‬ ‫جامعة تبسة‬ ‫أستاذ مساعد – أ ‪-‬‬ ‫عبان عبداهلل‬

‫السنة الجامعية ‪1027 / 1026‬‬


‫م ــقدمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫إن االمي ا ن عدّااان اج ا ال قاياا‪ ،‬و إن ك ا ن ال ققاان االم ااع يف اجّااج اج ع اي أث ا ع لية اا‪،‬‬
‫ال قااا ا عضاع عّااا ال ق ا ن الّااجن اجّ أ اجيي إال أمااق يد ا ع ااج ل ا م ااا و إذ أن الشخص ا ‪،‬‬
‫إ‬ ‫اارا ضا ا ع لاض اا‪ ،‬ا‬ ‫الّجع اا‪ ،‬جّع اا‪ ،‬عااراض ااج ا الدّااان مااق ماج ا مقص ا ن لة ي ا‬
‫االخدالط اجف م الدصوضات عني ج و نيين لقاي عني ج و لةيي ج عي ‪.‬‬
‫يةحظ اجدد لة ثري جي الاضاس ت اليت لت قامي ال قا الثق لةقا ض الّاجي أّنا ال ا ن لةاو‬
‫جي حم ل‪ ،‬ض ط لةّال ت الايت اجعط ال قاا الثقا جا ناري جاي اج ا ال قايا‪ ،‬ال ويا‪ ،‬جا ة ا جا‬
‫عّا احلااث ‪.،‬‬
‫كااون ال قااا الثق ا ليااا إ ف ااا اجضاايجات ال ااق ‪ ،‬لة صااوح ال ح اث اج ي ا‬
‫اجاعة‬ ‫اجغَّ و إث ضة جميول‪ ،‬جي القض ي ا سئة‪ ،‬اجلال ‪ ،‬ا سا ط الثق ا‪ ،‬الّجع ا‪ ،‬او ج ا‬
‫ا نن ا الفااي عصااف‪ ،‬ل جاا‪ ،‬وجا أ اااي مقةاا‪ ،‬مول اا‪ ،‬الف ااج ا ني ال قاااي ل ااا الّاجنو قااا كا ن‬
‫لااز ا اجج ّ ا ت ال وياا‪ ،‬الدف اا‪ ،‬و نري ا جااي اج ا ال قاياا‪ ،‬احلايثاا‪ ،‬الاايت ال ضاادم ع د ا نات‬
‫ال قاي اا‪ ،‬اي ض اا‪ ،‬لةا ا ح و ذل ااا جج ة اا‪ ،‬جا ا عّ ااا احلااث اا‪ ،‬الش ا ا ن الواس ا ا ال ااري متخض ا ات ل ااق‬
‫الاضاس ت الثق ‪ ،‬اجدواأة‪ ،‬ل ا عج ا لان جاي الد ا ضات ال قايا‪ ،‬و أ ضا ا عاج ا ا ض ال قاا الثقا و‬
‫اج نياا‪ ،‬الثق اا‪،‬و لقااا اض ي ا أن ي ااون جوضااوو ث ا اارا ااو صــة اآلخر ـ آل ـ آل ـع آلخلمتنبـ آل–آل‬
‫ال قاياا‪ ،‬جا ا احلااث ا‪ ،‬و ج وما ت جا عّااا ااثاا‪،‬‬ ‫نقــدآلاقـ ‪ )-‬وإطا ضا لاضاسا‪ ،‬اازا لال اا‪ ،‬اج ا‬
‫‪ ،‬ج ع ‪ ،‬ل نة دح ال ح لة ع ق الثق ا‪ ،‬عّاا أن أنةقداق‬ ‫وكون االلدي ن لة ال قا الثق‬
‫نضاسادق اجدضاي ‪ ،‬ال ااط طاج ال ا ا‬ ‫محمدآلخلخبّـ "‬
‫الةغوي‪ ،‬ا سةوع ‪،‬و و ج أ جق " ّ‬ ‫اج‬
‫ال قاي (خألن ‪/‬آلخر )آل نضاس‪ ،‬ثق ‪ ،‬و ضكز لةا اجل ما الثا موي و اي أ ام أسا ن اخد ضما‬
‫م ا أن‬ ‫هلاارا اجوضااوو كااون الاضاس ا ت ال قاياا‪ ،‬ااو اجد اا" ا دياات عا ا اا" ا م ا " ك ااة ‪ ،‬لة ا و ا‬
‫ا ع سدف ضاا‪ ،‬الساادعالع‬ ‫ااّج "خلمتنب ـ " ا ايااوه‬ ‫محمــدآلخلخبّ ـ " أث ا ض جف ض اا‪،‬‬ ‫ال ااا " ّ‬
‫ق ق‪ ،‬الصوضة الد ضخي ‪ ،‬جدّةق ضا ع ل قاا الثقا ال شا لاي جااط قا‪ ،‬لةيا اجد ا وع ضا ‪،‬‬
‫و الاا‬ ‫إ ا امد الق ض الّجي إ ا لي ال قاي‪ ،‬و الش لج الفر حم ل‪ ،‬الغوح‬
‫ا م لدو حنو ر الاضاس‪ ،‬و إ أي جاط اسد و اي ا إعجاا الّال ‪ ،‬ال ق ‪ ،‬عني الرات‬
‫اآلخ ا ا ااج ؟ ك ا ا ا ا مت ا ا ااي ج ا ا ااي الدوأ ا ا ا ا ا الاضاس ا ا اا‪ ،‬الثق ا ا ا اا‪ ،‬ا ا ا ا الدي ا ا ا ا ن لة ا ا ا ا اج ا ا ا ا‬

‫أ‬
‫م ــقدمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫اال دي ا لي و لة ش ا لااي اجضاايجات الااخة اا‪ ،‬لثم ا الثق اا‪ ،‬ا اج ا ال قاياا‪ ،‬ا خااجط ؟‬
‫ال ّا جتجع‪ ،‬ال قا الثق ل ا "اي ا" جت ألي اجد " ع جلاياة و جا ا ك ن الش ل ا ا ا ا اج ال اقي‬
‫ا الري ا دم ال قا ن الّاجن ع لي لاق وأعجا ا ةاا الايت أ ج ا "ل اا ا الغاراجي" الايت سا ت‬
‫ع ع جشج لق ال قاي و نضاس‪ " ،‬ني الق أا"‬
‫ال خيف ا لة ا ك ا ع ااث ناضو ااون أااّوع ت اي جوضااوو ثااي و جااي الّوائاان الاايت‬
‫ا د اجن ا ث را وكثجة اج نة اجّج ‪ ،‬أّوع‪ ،‬صاج وا ما امفدا ال حاث لةا لااة‬
‫اجت ا ا ت مقاي اا‪،‬و ضا ا ن الو اات ال ااري ا ا ع ا ا ع ااني اجزي ااا ج ااي ال ح ااث الد ااا نو ل ااي اار‬
‫الصّوع ت مل ق ل ئق أج يف إمت ج هلرا ال حث‪.‬‬
‫را لة اجصاض الري ج لق ع لاضاس‪ ،‬و كد ن صة اآلخر آل آل‬ ‫ث‬ ‫ا الديام‬
‫محمــدآلخلخبّ ـ " و ع الض ا ‪ ،‬ا لاااة ججا ا أعجا ا كد ا ن خلنّقــدآلخلاّقـ ـ‬
‫ــع آلخلمتنبـ ـ آل) لة ااا " ّ‬
‫تمهيــدآلمب ـدآل )آلر ا ـ آلآيزب ج ـ و ال قااا الثق ا ) لا ا ا ا ا اا"حســياآلخلق صــد " و كد ا ن ه ـ هآله ـ آل‬
‫ارا ال حاث‬ ‫الاضاسا‪ ،‬الدحة ا‬ ‫اي اججا ا الايت سا لا‬ ‫خألغالل) ل اا" عبـدآلخ آلخلقيـيم "و‬
‫جّدياايي لةا اجا اجوضاولي الااري أ ااج احلي ااا ج عا ج سا ل قاا ال قااا ن ن نااري وجّديااايي‬
‫ا اجل ما‬ ‫إ جاعات الدحة الوأ و عا ع ارا ال حاث جااخ مااجيو ثالثا‪ ،‬صاو نجا‬
‫ال اااجي الد قااي و ااو جا نلاات ال ااق ط ّاا‪ ،‬اجوضااوو أجا اجاااخ قااا ج ا ااق ا ااوض ماجياا‪،‬‬
‫ااث ام ةق ا جااي جج ةاا‪ ،‬احلااثاا‪ ،‬ج عّااا احلااثاا‪ ،‬ك ضض ا ‪ ،‬ع اات لة ا اج ا ال قاياا‪،‬‬ ‫ال ق اا الثق ا‬
‫جي مث الاضاس ت الثق ‪ ،‬ك م جج ّ ‪ ،‬جي جج ّ ت ال قا الثق ‪.‬‬
‫أجا الفصااو قااا ا كا صا ثااالي ل ا يي ضاام كا صا ثااالي ل ا يي جل اا‪ ،‬ا ع ا‬
‫حتت ل وم‪" ،‬ج دوي ت ا دغ ال قا الثقا " ل ا اق أ ام اج ادوي ت الايت ضكازت لة ا الاضاسا ت‬
‫اارا اجوضااوو خصصا ج ا الّجع اا‪ ،‬وججالا ة ل ّاا‪ ،‬اجوضااوو وأجا الفصا الثا الااري ه ا ع ا اا"‬
‫ال قاي‪ ،‬ال عق‪ ،‬لق‬ ‫الدّ لن ال قاي كد ن حميا اي ا " جي خال خمدة جدّةق ق ع ج‬ ‫أ‬
‫م ا الد قاي اجج ا‪ ،‬ع ج ا ال ا ‪ ،‬جا ةات لة اق نضاسا‪ ،‬ال اا‬ ‫ا عت عشا جوسا‬
‫جي إج يف هبرا اجل م و أج الفص الث لث خصص لا اةحايث ج وما ت جا عّاا احلااثا‪ ،‬اي جاي‬
‫أ م ّ ت ال قا الثق و امد خب مت‪ ،‬ا دوت لة ال د ئ احملصة‪ ،‬جي خال ث راو إنضاج‬

‫ب‬
‫م ــقدمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫لق ئي‪ ،‬اجص نض اججا اليت جل م ال جّ جل‪ ،‬جوضوو ال حث و أجة ا خري أن يةق را ال حاث‬
‫اال دي يف جاي القاجاع مج او جاي ا لاز ا أن يو ق ا لاو ةا ال القا ع الضاوع لةا ا ايا جاةيا‪،‬‬
‫ال قااا الثق ا الّااجي و ا خااري ك ا الش ا ج لثسااد ذة اجشااج ‪ ،‬لة ا اارا ال ح اث حل ااي مص ا ئح‬
‫و ض ‪.‬‬

‫ج‬
‫مهاد نظري لتطور نظرية النّقد الثقافي‬
‫‪ -1‬الحداثة وما بعد الحداثة وأثرهما تحديد معالم النّقد الثقافي‬

‫‪ -2‬مرجعيات النّقد الثقافي‬

‫‪ -3‬ال ّدراسات الثقافية و االنطالق نحو النّقد الثقافي‬

‫‪ -4‬النقد الثقافي تحت األنظار‪:‬‬

‫‪ 1-4‬عند الغرب‬

‫‪ 2-4‬عند العرب‬

‫‪ -5‬أسس بناء النقد الثقافي‬

‫‪ -6‬وظيفة النقد الثقافي‬


‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫مهاد نظري لتطور نظرية النقد الثقافي‬


‫فقةةد الباض ةي لةةرقبت‬ ‫تعددا دااد ددع ديع ددع « محاولةةة لحثحةةش فةةي لةةرقبة البعةةتقثف د الةةد‬
‫التاريخبة في قالم توحده الر سبالبة الغرابة االقوة ويهببن قحب الغرب »(‪[ ، )1‬ح ث ال تسدععد‬
‫إالّ وصددا د كلولددوود لي يد د سددعهاد يااد حل يثددد لر دااد ددع دي ددع ت ددو ل دا ديقضددد د إادحددد‬
‫ل ب ديق د ر ديع د ق ي قدكعددر ك ددايو حواددد كدداأ يد ددض ي اددد ل ّ ددد و ددو ديسددد ع ديددايد دياقدك ددع‬
‫يدياو ع دملعدص ة‬
‫‪ -1‬الحداثة وماالد الحداثة و ثرهبا في تحديد ملالم النقد الثقافي ‪:‬‬
‫ثد لر د ق " الحداثة " ي"ما الةد الحداثةة" تعدا اددة ة ز دل دياقدكدع دأملول و دع يدأيوي دع‬
‫ديقد ر ديع د ق دملقدددو دأيأ إذ ل ّ ددد تد ت ب قدداو ددق ديعدتددد دملع د ة علد دياقدكددع حددق تعقدداو‬
‫دأيىل حنددو ديعقدداو يدإنددليد لو دددر داضدددوة دي ددع مددا دالف د ة ه د ددد تعدوك دت ل ددر دملعدددح‬
‫يدملعدوض دياا ع](‪ ، )2‬كدااد د د ددع دي د د ع نع دددج يدت د ددض خيعل د د ددق داد دداد ع ديع ع ‪ ،‬ك ذه دأفد د د ة دييت‬
‫تعد د دددين ق دز يدك د د ع دإنعد دداد ‪ ،‬أر ص ح ديعدمل داا ث دملاد ‪ ،‬لي ال ق حل ااد ي ار حدودكل يةدو‬
‫د ال عين لناد لص حاد زد د ك ر ‪ ،‬ك ي إذر وكض يلودتض دياقد ي دإكعاد ي يديس د ي ديع يب‬
‫ي نظ ة إىل دأ دو ي دملسعق إ د ة ذي دملد ي ي حمدييع إ د ديوك ددو دياق ددد ي ق ةادد كد د د د د د« إ‬
‫التوج الحداثي كبةهه هةو إنطةمن مةن رفةا الواثة حبةش إنة لةم ي ةن ثبةة مةا يلةون انتشةار‬
‫الحداثة كبهه فني محا‪ /.../‬قحى جبب ثطار اللالم اللراي»(‪ ، )3‬يةودذد لصد حت دااد دع‬
‫ق اة كا ع ياى دياخ ع دملاقاع ي دب دياق ديعدمل ديع يب يتا ختعل صاد ةذه دياخ ع ق دمل‬
‫ددي يدحددا لد دأتد يةددو دداو دي ددعوو داددد ديسددقو ديعد يب ‪ ،‬ي هلةددد‬ ‫آلفد ييوا ددد ت دديء‬
‫دملطلددع ددق دا ددع دياد لددع ‪ ،‬ةددذه داديددع ددق دإح ددد تدداكض يل حددث ددق د ددد يةوددذد ل ددحت‬
‫دااد ع خم كد ق حديع ديض د دملع ش ‪ ،‬يلكدز ةذه داديع حظوو دي ا ديدذي كودق يلاهعاعدد‬
‫‪1‬ديعاس ر لال يةي وكع د عا دااد ع‬

‫‪ -1‬اظ ‪ :‬ا ديعل ل محّو ة ‪ ،‬دمل د د دحمل ّا ع" ق دي ا و ع دىل ديعاو و ع " ‪ ،1 ،‬دمل دملع كع ‪،‬دجمللس دأ ل يلاقدكع‬
‫يدإ اد ‪ ،‬ديوو ت ‪،‬ص‪.22‬‬
‫‪ -2‬اظ ‪ :‬ي ي ‪ ،‬دااد ع ي د عا دااد ع ‪: ،‬كد صاوو ‪ ، 1 ،‬ا وود دجملاض دياقد ‪،‬ص‪ .22‬عصّ‬
‫‪ -3‬عبد العزيز حمّودة ‪ ،‬المرايا المحدبة ‪ ،‬ص‪.33-33‬‬

‫‪7‬‬
‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫د عخاو صطلح د عا دااد ع ط ق يل دي ب خمعلاع ي عاو ع حىت ل د د عحديت إىل‬


‫عىن اا عض دياقد ديذ ق ل اي ل ل د ا ديعاو ‪ ،‬يذي د كع حتا ا د‬ ‫ي‬
‫عا دااد ع صع د ‪ ،‬ل دي غحل ق يكو لكودو ع اع ت ت ب هبد دوت دطد ي قد ‪.‬‬
‫دي عض دآلف لر « مصطحح ما الد الحداثة هو انتقال ثقافتنا إلى طور جديد ويجاوز ما‬ ‫ي‬
‫دحع‬ ‫طحق قحب الحداثة »(‪ ، )1‬يةو د كع ا وو د عا دااد ع إ ودي د حد د د عا دو ل‬
‫ديص د ق دأكودو دملعادتضع ‪ « ،‬وااقتثار ما الد الحداثة تف ب ا لحتقالبد وااليديولوجبات‬
‫العائدة واهها ثبرت الش وك حول افتراضات سبادة الرجف حول ال با البركزي اللبمن د‬
‫وثد ساقدت التقنبات والنظريات ما الد الحداثبة قحى إلقاء الضوء قحى كف ما هو هامشي‬
‫ومثني ال صوت ل د فإ ي توج الد حداثي نقدي يحتقي في تناول لححبمت والحركات التي‬
‫تلنى اقضبة واحدة اناءا قحى ف ار ما الد الثنبوية » (‪. )2‬‬
‫يتا دنعح كاّدنو د عا دااد ع عضد ق مسد دااد ع ق ديااور إىل دياوكع دييت ع د س‬
‫دياص يديعا ل ق دا عق عض دادال ك عض ديساد دملععلقع ثد عا دااد ع لمه د ‪-:‬‬
‫_ [ طاس يحمو دااي ق دياق يدا دة يإزديع ديعسلس ق ديودتعي يدجلادة ي دياقدكع‬
‫يزدزج ديا د ‪ ،‬ي ديع وحل يديسخ ع يدالأ يدمللدح يدالحعاد دملظ د دوكي يلاقدكع دييت ال‬
‫دياين ي دإ ّ د أر دياق ال سعر إالّ لر وور جم‬
‫اع اد يدحنادو دأصديع ديع ق ع يلااعج ّ‬
‫تو دو ‪ ،‬دإ دكع إىل لر دمل كوار لر ادتش دااد ع ي د عا دااد ع ثاظوو لي ض ق ديااور‬
‫دييت ت ا دياقدكع و ‪ ،‬يديعدتع دييت توحا ق دياظدو دإتعصد ي يدياظدو ديس د ي ‪ ،‬يتا‬
‫ت ّا ت ادة حل ق اظوو خمعل عض دي ي ق د عا دااد ع دحادةد ل د دنود ي ودت‬
‫يل دي ب عادزكع ي عودي ع دملودت يدادال دمللدك ع ‪ ،‬يدملسعو د دياقدك ع ل ل ّ د تسحب‬
‫(‪)3‬‬
‫دي سد ق حتت تا د اا إا دو ديو ي دي ّذديت داد ط عع ديعا دمل ب ‪].../‬‬
‫‪2‬‬

‫‪ -1‬آو د ل كدو ‪،‬دياّقا دياّقد (ز ا ا ي) ‪،‬ت ‪:‬يكد د دة حل يو ضدر طدي س‪ ،1 ،‬دجمللس دأ ل يلاقدكع يديااور يدإ اد ‪،‬‬
‫ديوو ت ‪ ،2000 ،‬ص‪.31‬‬
‫‪ -2‬ي ي ‪ ،‬دااد ع ي د عا دااد ع ‪،‬ص ‪.33‬‬
‫‪ -3‬آو ل ل كدو ‪ ،‬دياّقا دياقد ‪ ،‬ص‪.33‬‬

‫‪8‬‬
‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫كدملد عا دااد ي سعاعض ديلعب ل ديسطح ي سعخ ديلّعب ل ديعاع ق ح ث ونر جمّ‬
‫حاق إىل دملد ي (‪،)1‬ييع ّ ةذد كاح عىن ملد عا دااد ع ييوق ال عوت اا ذي كديقد اع طو لع ‪،‬‬
‫يزد ديعخلص ق دأ د ديلد اة ق دادكع « وفي هها الجو من اإلخفان الحداثي من جهة‬
‫وان شاف الهوامش الباالد حداثبة من جهة خرى جاءت الهويات وهي ملنى ثقافي جديد‬
‫‪[ ،‬يثد لر‬ ‫(‪)2‬‬
‫كبصطحح وملنى يب ن حعثان قحى ما الد الحداثة كأحد سباتها األساسبة »‬
‫ووء د عا دااد ق حوأ دمل ي دااد ي تا لكضت إىل أزق كو ي ي الي يمل عا ةلال‬
‫ل تاد ع أر ديذي مت إمدزه حاد د ةو ديض يوة صح ح يحق قي يمج ي لفدتي يةذد د كع‬
‫عض دملاو ق قوأ أر ةادء ل د د يعاو دياقع دااد ع ي د ّ د د د دأفدت ع ي ل ّ سد د دملع ك ع‬
‫يتأي د د ديعا قع حىت ل ّر "توو ق" ذةب يلقوأ ( إ ّر دااد ع مل تعُا توة يلعّح ييواّ د صدو‬
‫صاود يإل عع د يدإ ط د يديقاض) ‪ ،‬ي ا ةذد داس دإنعقد ي تأيت ديععا ع دياقدك ع يعض ب‬
‫ودك ع‬ ‫ديوكدةع دي د خع ق ح ث ل ّ د قدكع ذ وو ع ضد غ ع‬ ‫ل دمل ل ع دياقدك ع ذد‬
‫دمل ااع يدملعهدةلع يآلف ‪ ،‬يدأف ى تأيت يلعع ّا ع دياقدك ع يعط ح تض ع دياّقدكع وصا د‬ ‫ديساد‬
‫ّ‬
‫ع دأف ى دييت ي ست ذ وو ع يمل توق‬ ‫ديس ‪ ،‬يديعادص دي‬
‫ذد توو اد خمعلاع دياّسو ع ‪ ،‬ي ّ‬
‫ديعّدّدو دملل ّ سديت ديّمسي ](‪ ، )3‬ك ذه ديصلع ديو قع ق د ةو نقاي ي د ةو قد تد اع ال نسعط ض‬
‫ديعدتع ال تعين ديض يوة لر‬ ‫سعح د ‪ ،‬يوق تل‬ ‫هبد إر مل وق ذي‬ ‫كو د لي او دإ يد‬
‫د ةو نقاي قد يديعوس وّثد ال وور صح ح ‪ .‬يةذد د لت ر ديا عوو " ّسدو تطّوس"‬ ‫وور‬
‫توير ل ّر « النقد الثقافي صرقة من صرقات الف ر الغراي في جري ولهائ البعتبر نحو‬
‫تجاوز الحداثة وما الد الحداثة وينظر إلب اوصف مظف واسلة تضم تحتها اإلتجاهات الغرابة‬
‫(‪)2‬‬
‫‪3‬كالتاريخانبة الجديدة د والبادية الثقافبة د وما الد ال ولونبالبة و النقد النعوي »‬

‫‪-1‬آو ل ل كدو ‪ ،‬ص‪.33‬‬


‫‪ -2‬و ر ‪،‬ص ‪.33‬‬
‫د عا دااد ع‪،2 ،‬دمل ل دياقد ديع يب‪،‬ديادو دي ضد ‪،‬دمل ب ‪ ،2002‬ص‪.23‬‬ ‫‪ -3‬ا دهلل دي ّذد ي ‪ ،‬ديق لع يديق د ل ع لي ةو د‬
‫دأنسدق دياقدك ع ‪، 3 ،‬دمل ل دياقد ديع يب ‪ ،‬ديادو دي ضد ‪،‬دمل ب‪،2002 ،‬ص‪.31‬‬ ‫‪ -2‬اظ ‪ :‬ا دهلل دي ذد ي ‪ ،‬ت د ة‬

‫‪9‬‬
‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫‪ -2‬مرجلبات النقد الثقافي ‪:‬‬


‫إذد دنددت دملادددةج دياقا ددع تععددر دأ ب ادددة ة يسدددن ع تدددوة ‪ ،‬يادددة ة مجدي ددع و ط ق ددع كا ددع‬
‫تدوة لف ى ‪ ،‬كقا در ق ديظ يوي ا وو ا نقاي ا هي كا ا سع ا ديعا دأ يب ةدذد‬
‫ُ ارَ ديعا ك اد ضا ه يال ار يتدا زاد ذيد‬ ‫دالجتده ة ي د لف ى ض اد كا ا و‬
‫دياقددا دياقددد ‪ ،‬ت عددد يعدداة ادددةج ي ود ددد ددد قع يددر ‪[ ،‬كاددد لمسددده دملاظّد ير يدياّقدد ديعد ب ديد ّذد ة‬
‫دإصددطدح ع يلاّقددا دياّقددد ي ل د ول د حل " ددا دهلل دي د ّذد ي "يديددذي ل ّ ددا ا د د ل د دالةدداد ديدديت‬
‫دأيأ ددر ‪ ،‬ييوددور دياّقددا‬
‫عوفدةددد ددق دياّقددا دياّقددد ‪ ،‬ييواّددر ل عددا ددد وددور ددق دإ ّ ددد أندّدر دمل د ّ‬
‫ّ‬
‫دياّقد ال ق ا ع ك حل ديعا دأ يب ‪ ،‬يةذه ديو ا دع ديديت دّ سلسدلع عودصدلع دق ديعصدوود ‪،‬‬
‫اد ددع د د د د د د د "و ع دددو ز" د يود د دد" ويالر دددو " ‪ ،‬يصددوال إىل "كو ددو "ح ددث لصد حت دملادو ددع دياقا ددع‬
‫حق ع‬ ‫تطوو دال‬
‫ا إىل تأ س ي ي نظ ي نقا د طد د دياقدك ع ي دالنسدق ديذةا ع ‪ ،‬مث ّ‬
‫دملد عا د ( د عا دااد ع ‪ ،‬د عدا دال دععادو ) ‪،‬إىل ودةدق دياقدكدع ح دث ديعدوخيدن دع دجلا داة يدياقدا‬
‫(‪)1‬‬
‫دياقد ‪ ،‬ي ق فدأ ةذه دملس ة دييت د ع تت عظحل ديق ر ديع ق ]‬
‫ح ث د ى لغلدب اظد ي دياقدا دياقدد اد يوة د د يج ددياص دق وندر ي قدع مجدي دع لي ل ّ سددت ع‬
‫إىل ديعددو ة إىل ديدداص يدإكددد ة اددر ‪ ،‬د ع دددوه ادددة ة قدك ددع يةدو جتددديز يلاا ددوو ديعقل دداي يلدداص ددق‬
‫فدددأ ود دددتر ديس د ع ‪ ،‬يدال ددودي د دإ ا ويوك ددع يجت دداه ا ددد يذي د ال وددور إال ددق فدددأ‬
‫دياقا دياقدد دي دياود دع دياقدك دع ديعا قدع يلداّص‪ [ ،‬كددياص يد س دي د دع ديقصدوى يل ّاود دد دياّقدك دع ‪،‬‬
‫دمند غد عر دمل ا ع دالنظاع ديذدت ع ي كعل ددالكعاد ي دي زو ض در ‪ ،‬ح دث ال قعصد دأ د لد‬
‫ت د ة دياص ا فلا عر ديعدوخي ع ذد دالمند دملصطلح غل د كدياص ي ديعدو خ اسدوكدر ي داجمدر‬
‫ًعد هدل دق ال دع يدحداة ‪،‬يدي ّاود دد دياقدك دع ت ّ دل لد لمه دع دياقدكدع ‪ ،‬يتدأيت دق حق قدع ل ّر ةدذه‬
‫(‪)2‬‬
‫دأف ة تعق ل ت ّو يتاا ب ديعّدو خ ]‬

‫‪4‬‬

‫‪ -1‬اظ ‪ ،‬حسق ديسادة هي يآف ير‪ ،‬ا دهلل دي ذد ي يدملادو ع دياقا ع يدياقدك ع ‪،1 ،‬ديادو دي ضد ‪،‬دمل ب ‪،2003،‬ص‪ ،20‬عص‬
‫‪ -2‬اظ ‪ :‬و ر ‪،‬ص ‪ ،21‬عص‬

‫‪10‬‬
‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫« تثحورت ملالم الدراسات الثقافبة في قةا ‪ 1691‬قنةدما تأسعة( رمركةز ارمن هةا لحدراسةات‬
‫الثقافبةةة البلاصةةرة ذ د وهةةهه الحقثةةة كانةة( حثحةةى اضةةروب متنوقةةة مةةن التبةةرد قح ةى األنعةةان‬
‫الشةةائلة فةةي الثقافةةة الغرابةةة د فعةةرقا مةةا تصةةدل الةةد سةةنوات الفهةةم التقحبةةدي الةةهي لةةاقت‬
‫البنةةاها الش ة حبة والثنبويةةة ل ة دب د اةةف ّةةن الثنبويةةة نفعةةها تشةةقق( اظه ةور مةةا يصةةطحح قحب ة‬
‫اة ة ة ةةةررالثنبوية الت وينبةةة ذذ د وقلةةت ثثةةف تةأز مةةر النعةةق البغحةةق ويتفجةةر قةةن جبحةةة مةةن ةةروب‬
‫التححبةةف النقةةدي والثقةةافي د كاإلتجاهةةات العةةبببوطبقبة د والتف ب بةةة والتأويحبةةة د ورافةةق قلةةت‬
‫(‪)1‬‬
‫اإلزدهار االنعثة لحدراسات الخاصة االتحقي »‬
‫‪ -3‬الدراسات الثقافبة و اإلنطمثة نحو النقد الثقافي ‪:‬‬
‫دي ّاود د دياقدك ع أ د أر غ ةد ق تضد د دياو يدملع كع ي ست كا اة ي يع ّ ق مسد د‬
‫خصصد ي ط در ديص ع ديعاظ ع ل د يت ظ د حقوأ لي قدكد عاّتع ي دي اوض‬ ‫ر ديعّ ّ‬
‫ديذي عيي دةعاد د د ي ادةه د ةذد قو دمل أر لاح ك د ل دال يدت ه د دييت لك ز د‬
‫دملادو د دياقا ع دأف ى ا ( دي ا وي ‪ ،‬ي د عا دي ا وي ‪ ،‬ي دياقا دياسوي يديعحل ديااسي‪،‬‬
‫توور ادة ة نادي ع إذ تسعاا يكو ةد ق‬
‫دتد د ةذه تود ّ‬ ‫ي ود ع دجلاو ع‪ . )/.../‬يةي‬
‫غ ةد يتع و حق فدص ق فدأ ةذد دإ عاد دملسعا (‪. )2‬‬
‫« وثد تثن( الدراسات الثقافبة دور معاءلة اللحو البنتببة إلى الحقف اإلجتباقي د وقحو‬
‫اإلنعا واستجوا( مبارسات النقد األداي والببارسات التقحبدية وللث( فبها دورا حاسبا‬
‫وهها ما يجلحها افرازا لحنظرية الثنبوية وما الدها وتجعبدا لبا يب ن ا تفضي الب في الحباة‬
‫في صورتها التقويضبة ألسثاب منهجبة تتلارض جهريا م طرحها د ول ن الدراسات الثقافبة‬
‫(‪)3‬‬
‫‪5‬تثثت واقتثرت وازل ثوتها وداف نشاطها»‬

‫‪ -1‬حسق ديسادة هي‪ ،‬ا دهلل دي ّذد ي يدملادو ع دياقا ع يدياقدك ع ‪،‬ص‪20‬‬
‫‪ -2‬هدر دي ي لي ي عا دي دز ي ‪ ،‬ي ديادتا دأ يب ‪ ،3 ،‬دمل ل دياقد ديع يب ‪،‬ديادو دي ضد ‪،‬دمل ب‪ ،2002 ،‬ص ‪120‬‬
‫‪ -3‬ط د ديو سي ‪ ،‬ادف دياقا دال يب ‪ ،1 ،‬دو دي دزيوي ديعلا ع يلا يديعوز ض ‪ ،‬ادر‪ ،‬دالو ر ‪ ،2002،‬ص ‪23‬‬

‫‪11‬‬
‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫‪6‬‬
‫ي دي عض دىل ا ة الال صطلح ( قدكع ) ي د وعاار ق غاوض حىت د عىن دياقدكع‬
‫حي ّا يكقد ملصدحل تط ع يي س ي ض لاي ‪ ،‬ي عا دملا وو ديذي ت ّا ر "د يدو تد لوو" ق لةحل يلتاو‬
‫عد ر (دياقدكع دي اد ع ) دو ‪ 1281‬يةو « الثقافة هي ال ف البلقد الهي يضم‬ ‫ديعع اد‬
‫البلرفة والبلتقدات والفن واألخمن والقانو و التقالبد وكف االم انات االخرى التي‬
‫ي تعثها االنعا كة ةةلضو في البجتب »(‪. )1‬‬
‫دوء‬ ‫د ق أنر در‬ ‫ي ق فدأ دملا وو ديذي تا ر كوااد ديقوأ ل ّر دياقدكع جتاض‬
‫تأ س ديا يدجملعاض ق فدأ ل ر ي لفدتر ي مج ض لن طعر ‪.‬‬
‫ل ّد دجملاض ديا نسي كع ك د « تطحق كحبة الثقافة االبلنى البجرد قحى اللالم ابقااف كحبة طثبلبة د‬
‫(‪)2‬‬
‫فهي اللثقرية االنعانبة مضافة الى الطثبلة اغبة تحوير قطاءاتها وانبائها وتنببتها »‬
‫مفردتبن‬ ‫عد ر دملو وو (دياقدكع) « ا الثقافة لبع( فقط حد صل‬ ‫ي ى "ويحبامز ريبوند"‬
‫الى القول اأ الببارسة الثقافبة واالنتاج قنصرا اساسبا في‬ ‫في الحغة االنجحبزية اف قه‬
‫(‪)3‬‬
‫ت وين النظا وانبت »‬
‫ادص ةد ي ا ع د يدمند ةي‬ ‫[ كدياقدكع ي ست اونع فدوك ع تد اع ذد د يال تقض فدوج تأ د‬
‫تاد ا ز جماو ع ق ديعادص يةي د و دياقدكع ‪.‬‬
‫ياذد ذةب ي ل د ل د ضد دىل ديقوأ در دياقدكع نظدو اليل اضي حعاد دياظدو دإكعاد ي دملعق‬
‫(‪)2‬‬
‫إىل حعا ع ديع د أ دإتصديل ق لك د ه يحعا ع إ د ة إنعدكر ي عد عر يد عو دكر]‬

‫دياقا دأ يب‪،‬ص‪23‬‬ ‫‪ -1‬ط د ديو سي‪ ،‬ادف‬


‫‪ -2‬دمل كض ناسر ‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪ -3‬هدر دي ي لي ي عا دي دز ي ‪ ،‬ي ديادتا دأ يب ‪ ،‬ص ‪120‬‬
‫‪ -2‬اظ ‪ :‬و ر ‪،‬ص ‪121‬‬

‫‪12‬‬
‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫ينظر البها قحى نهةا‬ ‫كد اد لدي « الثقافة ابلناها الواس يب ن‬ ‫ل ّد دي ونسوو كاص ديعع‬
‫جبب ة العةةبات الروحبةةة والباديةةة الف ريةةة واللاطفبةةة التةةي تببةةز مجبلةةا ملبنةةا و فئةةة اجتباقبةةة‬
‫البنها وهي تشبف الفنو واآلداب وطرائق الحباة كبا تشةبف الحقةون األساسةبة لإلنعةا ونظةم‬
‫القة ة ةةبم والتقالبة ة ةةد واالبلتقة ة ةةدات »(‪ ،)1‬كاصد د ددطلح دي ّاود د د ددد دياقدك د د ددع ي د د د س صد د ددطلحد كا د د دداد‬
‫« حبش لرق مركز الدراسات الثقافبة البلاصرة قا ‪ 1691‬في نشر صحبفة وران وثد قبةف‬
‫في الدراسةات الثقافبةة والتةي تناولة( وسةائف اإلقةم والثقافةة الشةلثبة والثقافةة الةدنبا والبعةائف‬
‫االيديولوجبةةة واألدب»(‪ ،)2‬يةددذد حي لاددد لد ل ّر دياقدكددع ةددي ذيد ديعاد د ددق دأ ددخدص يحدددال حل‬
‫دإكعاد ع دييت ت حل ياد دي ؤ ع دياقدك ع جملعاض د‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫‪ -1‬ط د ديو سي ‪ :‬ادف إىل دياقا دأ يب ‪ ،‬ص ‪23‬‬


‫‪ -2‬آو د ل كدو‪ :‬دياقا دياقد (ز ا ا ي) ‪ ،‬ص‪31‬‬

‫‪13‬‬
‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫‪ -1‬النقد الثقافي تح( األنظار‬


‫دمل ا ديعدملي يلاقا د دصطلح ل ر دياّقا دياّقد ديذي لياله دي ّادو ور دةعاد د‬ ‫ا‬
‫فصص ير ا ا ديوعب دي ّاود ع‬ ‫د ‪ ،‬يةذد د اعر دي ّاود د دياقا ع دملعدص ة ح ث ّ‬
‫يديعّحل ‪ ،‬اد متّ تط قر ل ديوا ق دياصوص ي عهديز ذي إىل نصوص كا اة ‪ ،‬دنع ه د‬
‫ص دإتصدال يدملعلو د اقدكع ون ع ي فضحل ذي ت ّا ر لصحد ر يل طوه ديعا ا ق‬
‫دملادة حل ونر جمدال نقا د كا اد مل حت ّا عدملر ديود حع عاح ث مت وصا ل زةد ‪:‬‬
‫د اد وك ع نظ د ور دياقد اعس ور إىل‬ ‫‪ 1-1‬قند الغرب ‪ :‬ت ب دياقا دياقد‬
‫وكع ق ديععلّحل يذي ما دياقا دياقد عدين غاو د‬ ‫د خمعلاع يخيدط ور دند د ل‬
‫فصوصد ك اد ععلع ثادة ار ي صطلحدتر كاها " آرثر آيزارجار" ع كر ل دنّر « نشاط‬
‫ولبس مجاال ملرفبا خاصا اهات د فالنقد الثقافي هو مهبة متداخحة مترااطة متجاوزة‬
‫متلددة د كبا ا نقاد الثقافة ياتو من مجمت ويعتخدمو ف ارا ومفاهبم متنوقة‬
‫يشبف نظرية األدب والجبال والنقد وايضا التف بر الفحعفس‬ ‫وابقدور النقد الثقافي‬
‫وتححبف الوسائط وابقدوره ايضا تفعبر نظريات و مجاالت قحم اللممات ونظرية التححبف‬
‫النفعي والنظرية الباركعبة واالجتباقبة ‪ /.../‬والثحش في وسائف اإلقم وفي الوسائف‬
‫األخرى البتنوقة االتي تببز البجتب والثقافة البلاصرة وّبر البلاصرة »(‪ ، )1‬ي ععر دياقا‬
‫عخصصد‬
‫دياقد ق فدأ ديعو ة إىل ةذد دملا وو ن دطد ع ك د ااعحد ل مجلع ق دي ّ‬
‫ي ر دياقاي‬ ‫سا د‬ ‫دأف ى دجملديوة يأل ب ‪ -‬اد ط ح " لبتش" صطلح دياقا دياقد‬
‫هبذد دال حل حتا اد يجيعلر « رديفا لبصطححي ما الد الحداثة وما الد الثنبوية حبش نشأ‬
‫االهتبا االخطاب ابا ن خطاب وهها لبس تغببرا في مادة الثحش فحع ول ن يضا تغبر‬
‫في منها التححبف يعتخد البلطبات النظرية والبنهجبة في العوسبولوجبا والتاريخ والعباسة‬
‫والبؤسعاتبة من دو ا يتخحى من مناها النقد األداي » (‪،)2‬يةذد د و حر دياقا دياقد‬

‫‪8‬‬

‫‪ -1‬دياقا دياقد ‪،‬ص‪1- 31‬‬


‫دأنسدق دياقدك ع ديع ع "‪ ،‬ص‪.31‬‬ ‫‪ -2‬ا دهلل دي ذد ي ‪،‬دياقا دياقد "ت د ة‬

‫‪14‬‬
‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫تل دياد عع ق ادةج تدنّقا دال يب ديذي قوو اا ي عش ل دث فصد ص ةي ‪:‬‬


‫ااعح ل جمدأ‬ ‫‪-‬ال لطّ دياقا كعلر حتت إطدو ديعصا دملل ّ سديت يلاص دجلاديل ‪،‬‬
‫ض ق دإيعاد دىل د ةو غ حمسوب حسدب دملل سع يإىل د ةو غ مجديل‬
‫دملل سع ‪ ،‬ود در فطد د لي ادة ة ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬ق اق ةذد دياّقا لر سعا ا ق ادةج ديعحل ديع ك ع ا تأي دياّصوص ي ود ع‬
‫د لا ع ديعدوخي ع ‪ ،‬إ دكع إىل إكد تر ق دملوت دياقد دياّقاي يديعّحل دملل ّ سديت(‪ ،)1‬يةذد د‬
‫لك زتر فطد د د عا دااد ع دإطدو دياقاي دملعدص ق فدأ تعا دملادةج يدفعدك د‬
‫ت د ة دياص ديودحا يتأي لر يديذي اضي يلعا ا ق دياود د ‪.‬‬
‫ج‪ -‬إ ّر ديذي ك ل دياقا دياقد دملد عا ا وي ةو ت له دجلوة ي ل لنظاع د طدب ي لنظاع‬
‫دإكصدح دياصوصي اد ةي ياى دو ي و اد يكو و ‪ ،‬فدصع قويع و اد لر ال ي‬
‫فدوج دياص ‪ ،‬يةي قويع صا د ي عش أ ّ د ثاد ع ديريتو وأ يلاّقا دياّقد دملد عا ا وي ‪ ،‬ي ع د‬
‫ادت ح ديع ح دياصوصي اد دو ‪ ،‬يت عد يذي كإ ّر ي عش قيح ا وو ( دأنظاع ديعقل ع‬
‫ديسلطع) ق لنظاع داق قع ‪ ،‬يةو دملا وو‬ ‫طوود ر د ل دو إي ر كو و عد ر (داق قع ي ّ‬
‫ديد قل ع ) ّ‬
‫يّ‬
‫ديذي مل عطر كو و دةعاد د دك د ‪ ،‬ل ل ّر ي عش ق ّاو ا و ر ق دأنظاع ديعقل ع يديد قل ع‬
‫إىل‬ ‫د ع يصدو‬ ‫ا ملصطلح دإ ا ويوك د ‪ ،‬ذي دملصطلح ديذي ك ى حتا لر حباوال‬
‫الال ععدو ع ‪ ،‬ةد كد ق يود ذي كعح د ودند لي ض يلاّقا دياّقد دملد عا ا وي تاديير‬
‫ديولي لي دياّاسي يلاّص لي ديظّدة ة ي ت حير اد ‪ ،‬يةذد ق لحا دمدزد دي ا و ع (‪[ ،)2‬يتأيت‬
‫ديصادوة ةاد تضد د دإفعد يدآلف يدملعدو ع ض ديذد ق ح ث د د ذد د يزاّل د ملد ةادء‬ ‫ّ‬
‫اعدي ع دياقا‬
‫ح ث داد ش ديذي ك ر عودكا دملخعل ض دمل اق ودك ع صدو ع " ييع ّ ديو ي ّ‬
‫دياّقد كع " ستبفا كولبنبي منح الدا مفهومبا يدل قحى التحرك من مجبوقة اللبف الفني‬
‫(‪)3‬‬
‫‪9‬والف ري نحو الخارج"‬

‫دالنسدق دياقدك ع )‪ ،‬ص ‪32‬‬ ‫‪ -1‬ا دهلل دي ّذد ي ‪ ،‬دياقا دياقد (ت د ة‬


‫‪ -2‬دمل كض ناسر ‪ ،‬ص ‪32‬‬
‫اا دي ب ‪ ،‬جملّع كد عع د ‪ ،‬دجمللّا ‪،22‬ديعا ‪ ، 01‬ديع دق ‪،2012،‬ص‪123‬‬ ‫يوة دياقا دياقد‬ ‫‪ -3‬اظ ‪ ،‬ا دهلل ح ب ديعّا اي‪،‬‬

‫‪15‬‬
‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫ا ديساود دأف ة ا وو د دصطلح ل ر دياقا دياقد يديذي دنع‬ ‫قند اللرب ‪:‬‬
‫ل نطدق يد ض ق ديادو ق ديع ب ‪ ،‬ح ث د عق لوه دياود ع يديعّحل دنطدتد ق ا و ر ‪ ،‬ي‬
‫ةذد دأف سعا ي يوة ديوتو ل ر اا عض دياقد ديع ب ‪:‬‬
‫ع ّا دياّدتا "قثد اهلل الغهامي" ق ل ز ديذ ق ل لاود و ددياّقا دأ يب ‪ ،‬يإحدأ دياقا‬
‫دياقد ودنر ‪ ،‬يتا ل دو إىل ذي فدأ ناية ق دي ع يدييت قا (‪ )1228-02-22‬ي ّو ذي‬
‫قدأ ير ك اة دا دة (ل عو ‪ « ، ) 1222‬عع ار ل لنّر ك ق ك ي دياّقا دياّصوصي ديعدو‬
‫ي ق مثّ ك و لحا لوو ديل ع يحقوأ (دأيسا ع) ‪ ،‬عىن اقا دأنسدق دملضا ة دييت اطوي ل د‬
‫د طدب دياقد و جتلّ دتر يص ر ‪ ،‬د ةو غ ومسي يغ ل ّ سديت ‪ ،‬ي د ةو ذي ود ً سود‬
‫ديدّمجديل ‪،‬‬ ‫ا اد حسدب دملسع ل دياقد دجلاعي ‪ ،‬يةو يذد َ عين و‬ ‫ق ح ث يو‬
‫دملخ و ق حتت لتاعع دي دغي دجلاديل ي اد د ّر‬ ‫اد ةو دي أر دياّقا دأ يب ‪ ،‬يدّمند مهّر‬
‫ديق ح د ‪ ،‬ال ثعىن دي حث ق مجدي د‬ ‫دجلادي د كإر دملطلوب دجيد نظ د‬ ‫يا اد نظ د‬
‫(‪)1‬‬
‫ديق ح ممد ةو إ د ة ص دغع يإ د ة تو س يلاا وو دي دغي تا ق دجلاديل يتعل له»‪.‬‬
‫دملخ و ‪ ،‬لي يكب ل د طدب‬ ‫يلةحل د جيذ اد تع دي ّذد ي قويع دياسع دملضا ي‬
‫ز دياع دملضد ق فدأ ح ع دأنسدق دي ّادفل ع ‪.‬‬
‫عوف لوغ‬‫اد عّكر دياّدتا "محعن جاسم البوسوي" ل لنّر « كعدي ع ‪ ،‬ال ك د ع ك د كإنّر ّ‬
‫دملعدو دأف ى ر د عخادو يد ض يلاظ ّد يدملادة حل دييت تع ح ديق ب ق كع دياقدكع‬
‫دجملعاعد ‪ ،‬يإ ضدح مسع ةذه دياعدي ع ‪ ،‬يد ععدنع د أصحدب دياظ ّد يدملادة حل ق ىت داقوأ‬
‫تد د ‪ « :‬ن ال يب ن التحدث قن النقد الثقافي ادو ملرفة واسلة‬ ‫يدملعدو »(‪، )2‬ي ض‬
‫االببادين والبلارف والنظريات االدابة واالقممبة والثقافبة البقارنة والبدارس واالتجاهات‬
‫هورها و نعان نبوها وان بالها داخف الخطااات ‪.)3(»/.../‬‬ ‫واالف ار د وسباثات‬

‫‪10‬‬

‫‪ -1‬ا دهلل دي ذد ي ‪ ،‬دياقا دياقد " ت د ة دأنسدق دياقدك ع ديع ع" ‪ ،‬ص ‪02‬‬
‫‪ -2‬دياظ ع يدياقا دياقد ‪ ،1 ،‬دملل سع ديع ع يلا ‪،‬ديع دق ‪ ،2003،‬ص‪13‬‬
‫‪ -3‬و ر‪ ،‬ص‪12‬‬

‫‪16‬‬
‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫وتر حق ند ى ثد دصطلح ل ت مجعر دياقا دملاين يةو‬ ‫ل ّد " ادوارد سلبد" كقا تو ّ ب تل د‬
‫نقا عو ّ ب دملسدكع ق دياّقا ثا و ر ديعّقل اي «الهي طحق قحب رتجاوزاذ لحنقد البؤسعاتي وابن‬
‫الثقافة التي تتحدى الفلف النقدي وتض العؤال النقدي في معاءلة تش ب بة دائبة د فإ‬
‫الا دقاة النقد الثقافي ثد ّالو في تصوير النقد الثقافي اوصف اديم موضوقبا لحنقد‬
‫البؤسعاتي فدقوة سلبد الى البزج ابن النقد ابفهوم التقحبدي والثقافة ابفهومها األلبف من‬
‫خمل الببارسة النقدية د قثر استلداد الناثد لبعاءلة الخطاب النقدي قات ما هي اال دقوة‬
‫قحى االنفتاح قحى النصوص وال تااات التي ُهبش(د ثصد ادماجها في البتن الثقافي د واغبة‬
‫كعر الحدود القومبة واللرفبة د وتحقبق خطاب قالبي انعاني»‪ ، )1‬هبذد دملعىن كإ ّر ةذه وة‬
‫" و اد" ق فدأ‬ ‫عا يدحا ‪ ،‬يةذد د اعر لط يحد‬ ‫ص حيع يص دأ يب دجلاديل ي دياقد‬
‫ديا وة ملادةضع دمل ل ع ديعقل ع لي ديعا ل حوأ ديعق ‪ ،‬ل ّد دياّس ع يل ّا عوو "محبد قثد البطح "‬
‫تصوود د د ق دملادة حل دييت قت يذي ق فدأ دملا وو ديذي ت ّا ر ‪ « :‬النقد الثقافي‬ ‫ك ق ّاو ّ‬
‫ادءا من مادة النص البحعوس وصوال الى‬
‫يتلامف م النص اوصف نعقا من الرموز واألف ار ً‬
‫طثبلت الت وينبة ثم ثره التنفبهي دو فصف ابن الثمثبة م راطها االواث الخارجي وحركت‬
‫الدائبة التي تح بها واهر اإلندفال واإلنفلال حبنًا وتظهر حبنا »(‪. )2‬‬
‫ي ى "قثد اللزيز حبودة " ‪ « :‬إ النقد الثقافي يبثف مشروقا نقديا جديدا يبثف‬
‫افتنانا جديدا ابشرول نقدي ّراي دحظت األحداث داخف الثقافة و الثقافات التي نتجت‬
‫»(‪ ،)3‬يوّثد وور ةذد د يد ص ح ق ا ديعل ل محو ة د ّر دياّقا دياقد ةو تل دملوكع ديقد ع‬
‫‪11‬يدييت لفذ د دياقدكد ديع ع ير د ع إنذدو ‪.‬‬

‫‪ّ -1‬سدو تطّوس‪ ،‬دملاف دىل ادةج دياقا دياقد ‪ ،‬دو ديوكد يان د ديط د ع يدياّ ‪،‬دال وااو ع ‪ ،‬ص ‪ ،2013،‬ص ‪230‬‬
‫حماا ا دملطلب ‪ ،‬دياقا دال يب ‪، 1 ،‬دا ئع دملعدص ة يقصوو دياقدكع ‪ ،‬ديقدة ة ‪ ،2003 ،‬ص‪20‬‬ ‫‪ّ -2‬‬
‫‪ -3‬ا ديعل ل محو ة ‪ ،‬د يج ق ديع ر ‪ ،3 ،‬دمل دملع كع ‪،‬دجمللس دأ ل يلاقدكع يديااور يدآل دب‪ ،‬ديوو ت ‪ ،‬ص ‪332‬‬

‫‪17‬‬
‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫اد لنّر (نو ق ديعل ) اد ذةب يذي لة صطلح داا ث ‪ ،‬يةو « ااةحل ديعلحل ديذي‬
‫ديساا ‪ ،‬ممّد جيعلر ممدو ع نقا ع‬
‫ّ‬ ‫دملنت لي‬ ‫ق قطد‬ ‫وب د طدب‪ ،‬ي و‬ ‫حث‬
‫ل د طدب عطلّب ا هد تد ود ل ت ح دياّصوص‬ ‫عطووة ي ت قع يصدو ع إ ّر دي حث‬
‫ّ‬
‫يد عخ دج دأنسدق دملضا ة يوصا ح ع د »(‪.)1‬‬
‫‪ -3‬سس اناء النقد الثقافي ‪:‬‬
‫‪ 8‬ادصد‬ ‫ح ّا ا دهلل دي ّذد ي ود دتر حوأ دياّقدا دياّقدد ل دس ادد ةدذد دأفد‬
‫ديسدد ض‬
‫ديسدد س ي ّ‬
‫عد ر "دي ّذد ي يدملادو ع دياقا ع يدياقدك ع" مخس ادصد ل ّدد ديعاصد ق ّ‬ ‫يو‬
‫ك اد إمجد ملد كد ديعادص ديسد قع ي ةي ديعديل ‪:‬‬
‫‪ -1‬عح ّا دياّسع ر يا اعر يي س ر يكو ه دجملدّ ‪ ،‬يةدو ةادد عحد ّاث دق ودصداد‬
‫ديوا اع دياسق ع ك ى ك د لو عع ل د ‪:‬‬
‫‪ -‬ل ّ د ال حتاث إالّ ح ااد ععددوض نسدقدر لي نظد ددر دق لنظادع د طددب لحدامهد اددة‬
‫ي دآلف ضا ‪.‬‬
‫ب‪ -‬لر وددور دملضددا ندتضددد يند ددخد يلظّدددة ‪ ،‬يةددذد ال وددور إال نددص يدحددا لي‬
‫(حوحل دياّص ديودحا )‪.‬‬
‫ج‪ -‬ي دياص لر وور مجدي د يوي زّو دياّقدكع ق فدأ لنسدت د ‪.‬‬
‫ددوب‬ ‫د‪ -‬اددد ُ ددي ديدداّص لر وددور مجدة ددد ذي د أ ّر دإتّسدددق كعددد او ددد‬
‫دي ّذةق دإكعاد ي يدياّقد ‪.‬‬
‫‪ُ -2‬ق د ل ديدداص يدياسددع ديددذي ةددذه صدداعر وصددار (حديددع قدك ددع ) لي حد ددع قدك دع ‪ ،‬يثددد ل ّر دأ د‬
‫يديعأي ‪.‬‬ ‫ذي كإ ّر دي ّااليع و توو ي دأص دياّظ ي يلو‬
‫د ط دددب‬ ‫‪ -3‬ثددد ل ّر دياّس ددع الي ددع ض ددا ة كددإ ّر مل ص ددا د ليّ د ييو ددق يصدداع د دياقدك ددع ي ع ع ددد‬
‫يغ ع د يد ّد دملسع لوور ك حل مجدة ديل ع ق عّدب يتّد ‪.‬‬
‫‪ -1‬دياّسع ذي ط عع ع إنّر فاي ي سعخاو لتاعع ا ة ‪ ،‬يلمهّ د تاد دجلادي ع ديل و ع(‪.)2‬‬
‫‪12‬‬

‫‪ -1‬ا دهلل دي ذد ي ‪ ،‬ت د ة دأنسدق دياقدك ع ديع ع ‪ ،‬ص‪22‬‬


‫‪ -2‬اظ حسق ديسادة هي يآف ير ‪ ،‬ا دهلل دي ّذد ي يديعه ع دياقا ع يدياقدك ع‪ ،‬ص‪12‬‬

‫‪18‬‬
‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫‪ -5‬دأنسدق دياقدك ع لنسدق تدوخي ع يلزي ع ود خع ياد دي ل دع د ادد يكودق ديقدوأ ل ّر د ع دد‬
‫(‪)1‬‬
‫ةي دناكد دجلا وو دىل د ع دء دملاعوج دياقد دملاطوي ل ةذد دياو ق دأنسدق‪.‬‬
‫ي ق فدأ ةذه ديعادص دييت لمج ك د دي ذد ي ل س اد دياقا دياقد ندحظ دوت دط دد إحداى‬
‫زيد دةد ثا ج ق ادةج دياقا دال يب‪ ،‬كدياقا دياقد مل ويا ق ك دغ ي دندت يدر دوت دطدد ي قدع عد ّاة‬
‫ود ددد ي ادددةج د قعر دود نسددق ع لي د دت ع فصوصددد دملععلقددع ديعدددو خ ا ددد ‪ .‬يال زل د دياقدكددع‬
‫دي خص ع ديذدت ع ديود ع يلقاوة ل إي د اعوأ دياسع أنّر ضا دق ك دع يأنّدر دعاوق ي ع دّس‬
‫اذ ديقامي ي ار حيعدج دىل ك ا نقاي عودص ي واّ ‪ « ،‬فالنقد الثقافي هب كشة البخثةوء‬
‫من تح( ثنلة الجبالي ولها فإ البطحوب إيجاد وال ش قن حركة االنعان وفلحها البضاد‬
‫لحوقي والحس النقدي »(‪.)2‬‬
‫يةذد دجل ا دياقاي ةو نقا يلانت دياّقد يدا دياّسدق ع ديديت تعو ّ د هبدد دياّقدكدع يععل دل ت ا دد دي ّاالي دع‬
‫ي ق ظدة ةد د لي ‪-:‬‬
‫‪ « -1‬تغبب اللقف وتغحبة الوجةدا د وهةهه خطةر الحبةف الثمّبةة والشةلرية د وجةرى قثرهةا‬
‫تبريةةر لةةباء كثبةةرة لبصةةححة التف بةةر المققمنةةي فةةي الثقافةةة د وفةةي تغحب ة الجان ة اإلنفلةةالي‬
‫اللاطفي »(‪ ،)2‬ي ذي حظوو يلهدنب ديااسي ‪ ،‬يةو د دةعات ر ادةج نقا ع لفد ى ت د دياقدا‬
‫دياقددد ‪ ،‬فصوصددد كددية ددد ت د دي ا و ددع ‪ ،‬دالةعادددو دجلدنددب ديس د دتي يلدداص ‪ ،‬يةددو ددد ت اددده‬
‫دادال ديااس ع دملصدح ع يلعا دال اد ي يدييت د د دمل ا ‪.‬‬ ‫دملا ج ديااسي ك ي‬
‫‪ - 2‬لأ ديل وي ق دياو ي ض إ طد دجلاديل ت اع تععدىل ق ديعقلي ‪ ،‬ي س دي ع كحسب‬
‫‪ ،‬د إر ذيد صد ش دي خصد ع دياقدك ددع يأل ّددع ديدديت الااددد نصددا د زنصد ي ع ددد دي ّ ددد ة يدي ددد ع‬
‫يت ء دي دتي ل دياسع ي اع كعلر ديضا داضدوي ‪.‬‬
‫توأ ع ي ي خص ع ع ع إىل لنر مت غ س لمند ق ديق حل دييت‬ ‫‪ - 3‬ك ى دياقدكع تر‬
‫(‪)3‬‬
‫حىت لييئ دملوصوكور‬
‫الّت ز غ اقو ة ممد اح د كو ع ية ااع ح ع ‪،‬يا ّ اعه د ّ‬
‫‪13‬‬

‫‪ -1‬حسق ديسادة هي يآف ير‪ ،‬ا دهلل دي ذد ي يديعه ع دياقا ع يدياقدك ع ‪ ،‬ص‪12‬‬
‫‪ -2‬ا دهلل دي ذد ي ‪ ،‬دياقا دياقد ‪،‬ص ‪21‬‬
‫‪ -3‬اظ ‪ ،‬و ر‪،‬ص‪23‬‬

‫‪19‬‬
‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫ديعّاو يديعّحا ث يال هب لر قوأ دي عض ل ّر دااد ع ديع ع الّت ع ع كحسب يمل تلّ ل‬
‫لمند د طد د دأف ى دياو يديس د ع يدالتعصد (‪.)1‬‬
‫ي ل غ دو د در ل ر دياقا دأ يب ‪ ،‬ي ق لةحل د ز ل ر دياّقا دياقد ق ةذد دأف قويع‬
‫ق اظو ع دصدح ع حوأ ديعوو ع‬ ‫‪ ،‬ي د قعض ر ذي‬ ‫(النعق البضبر) دييت كد هبد دياّقا دياقد‬
‫ين ل ل س‬ ‫دياقدك ع ‪ ،‬يدجلالع دياقدك ع يديعاص دياّسقي دملعوور ق ادص دالتّصدأ ‪ ،‬ذي‬
‫د ةو قد‬ ‫ع ك ع ي ينظ ع ي ا ه ع جتع دمل ي نظد د ديعاو ي دياقا يي س جمّ تاو‬
‫سا ةذد دياّقا ي ق ديض يوي ةاد ديعا ل ق دياقا ق (نقد الثقافة )‬
‫يةذد كدوق كوة ي عقّو ر ّ‬
‫‪ ،‬ي صطلح (دياّقا دياقد ) ‪ ،‬يحتت صطلح دياقا دياّقد ا ل ادأ ا ة ي دى اى ديق ر‬
‫ديع ق لّر غ ل ّر دياقا دياقد اظ ع ي ا ج ي اقويع دأنسدق ي ديعا يدياّظ دي ر ق ةذه‬
‫ديلدي ع (‪. )2‬‬
‫ّ‬
‫توىل ا ةذه ديقضد د د د د د د « الثحش في البضبرات النعقبة التي تشتغف من‬
‫كدياّقا دياّقد ّ‬
‫داخف الخطااات دو وقبها ومن ارز األصول النعقبة في ثقافتنا اللرابة رنعق الشخصبة‬
‫الشلرية ذ د ههه الصفة التي الزلنا نتثاهى اها وننجهب إلبها احق و صدن ااإلضافة الى‬
‫و بفت األساسبة هي الوثوف ضد هببنة النبوقج الوافد د الضد النبوقج قات »(‪ ،)3‬لي إ طد‬
‫ديصح ح دحيد ر يتل دملودنع ديود حع يعأ ع ديوا اع دالكعاد ع يدأ ع ‪.‬‬ ‫ديااوذج ديع يب دأص‬
‫« وال نقصد هنا الو بفة البغحوطة التي جحثتها زمة الركود والجبود اللراي د كبا ال نقصد‬
‫الو ائ البزيفة التي جحثتها زمة تفريغ الهاكرة اللرابة من هويتها »(‪.)2‬‬
‫إطدو حمدييع ديقضد ل ةذد ديعقا س دي يب ي قدكع دآلف ديذي ّدختذ‬ ‫ذي اف‬
‫ار ديع ب ديااوذج دملعود ديذي لصدب ديودتض ديع يب ااد ا حل د ّر دي ود ع ديود عع يإلنطدق حنو‬
‫ديعدمل ع ‪ ،‬ق فدأ ةذه دياقدكع دملضد ة ‪.‬‬
‫‪14‬‬

‫‪ -1‬ا دهلل دي ذد ي‪ ،‬دياّقا دياقد ‪ :‬ص ‪23‬‬


‫‪-2‬حسق ديسادة هي يآف ير ‪ ،‬حماا دي ذد ي يدملادو ع دياقا ع يدياقدك ع ‪ ،‬ص ‪11‬‬
‫‪ -3‬ا دهلل دي ّذد ي ‪ ،‬دياّقا دياّقد "ت د ة دأنسدق دياقدك ع ديع ع" ‪ ،‬ص‪23‬‬
‫‪ -2‬حماا ا دملطلب ‪ ،‬دياقا دأ يب ‪ ،‬ص ‪22‬‬

‫‪20‬‬
‫مدخل ‪ :‬مهاد نظري لتطورنظرية النقد الثقافي‬

‫‪15‬‬
‫‪ -9‬و بفة النقد الثقافي ‪:‬‬
‫دذيق ي اع ددي‬
‫دأص د ك دداد كو دد ي قدك دد ي قل دد يتأ ّل دد دىن ل د ديعّد ّ‬ ‫ععددر دياقددا دياقددد‬
‫ديعحل يديععل يدملادو دع دياقا دع يةدي ممدو دع قدك دع د ممدو دع أوتد ل دودأ دياقدكدع « فةإقا كةا‬
‫الشاقر حع إلبوت خمصة لححضارة فإ الناثد خمصة الخمصة لههه الحضارة »(‪.)1‬‬
‫كدياّقددا يدياّقددد ي ددذي دملادددةج دياقا ددع زدددوس كعددد قدك ددد ددور « النقةةد اصةةم ه ةو فلةةف ثقةةافي ومةةا‬
‫الحاجةةة الةةى تقببةةده مةةرة خةةرى إقا كةةا الفلةةف الثقةةافي مبتةةدا إلةةى ثقافةةات منطقبةةة وفحعةةفبة‬
‫وجبالبة وه ها دوالبت حع ما جاءت ا ملارف قصر كف واحد منهم »(‪.)2‬‬
‫« فةةإقا كانةة( و بفةةة النقةةد األداةةي الثحةةش فةةي الجبالبةةات و التةةهون وإارازهةةا فو بفةةة النقةةد‬
‫الثقافي تأتي من كون نظرية في نقد البعتَهحَت الثقةافي »(‪ )3‬؛ يةدذد دد ال ُقصدا در نقدا دياقدكدع دي‬
‫ود ع د يحتل اودة ةد يوصا خمعلد جتل د دد ‪ ،‬د كدية ةدذد دياعد اظدع دإ دع دء ‪ ،‬لي د دعق داد‬
‫دجلادة ي يت واد ‪.‬‬
‫دإ دددكع إىل « تفعة ةةبر نظرية ةةات ومجة ةةال قحة ةةم اللممة ةةات ونظرية ةةة التححبة ةةف النفعة ةةي والنظرية ةةة‬
‫الباركع ةةبة واإلجتباقب ةةة واالنثرواولوجبة ةا دودراس ةةات االتص ةةالد والثح ةةش ف ةةي وس ةةائف االق ةةم‬
‫والوسائف األخرى البتنوقة التي تببةز البجتبة والثقافةة البلاصةرة وحتةى ّبةر البلاصةرة »(‪، )2‬‬
‫كاهدأ دياّقا دياقد حتوار دلة ديعو دض يدإناعددح لد ق دع دملاددةج دياقا دع دأفد ى ح دث ال ا لدع‬
‫ل د ذدتددر دياود ددد دود تعلّدع دأ د ددديعاظ لي ديعط ددع ‪ ،‬كددد ختلددو حب دوث دجلدنددب دياقدداي‬
‫يلاقدكع إالّ يحظ إحاى دملادةج ‪.‬‬

‫‪ّ -1‬سدو تطّوس ‪ ،‬دملاف إىل ادةج دياّقا دملعدص ‪ ،‬ص‪222‬‬


‫‪ -2‬و ر‪ ،‬ص ‪222‬‬
‫‪ -3‬حسق ديسادة هي يآف ير ‪ ،‬ا دهلل دي ّذد ي يدملادو ع دياّقا ع يدياّقدك ع ‪ ،‬ص ‪13‬‬
‫‪ -2‬آو آ ل كدو ‪ ،‬دياّقا دياقد ‪ ،‬ص‪.31‬‬

‫‪21‬‬
‫مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬
‫‪ -1‬المستوى ال ّديني‬
‫‪ -2‬المستوى اللّغوي‬
‫‪ -3‬المستوى الواقعي‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫إذا كان اآلخر خيتلف من شخص آلخر فإن هذا املصطلح يبقى فضفاضا يف الدراسات األدبية‬
‫والفلسفية بصفة عامة والنقدية بصفة خاصة‪ ،‬و تأخذ جانبا متعمقا ومن هذه األنواع اآلخر‬
‫املختلف يف الدين ‪ ،‬ورغم كل ذلك فهو غري موجود إل نادرا جدا وبالتايل ل ميكن إستخالص تصور‬
‫تام عنه يف شعر املتنيب فضال عن بروز اجلانب الديين فيما تبقى بصورة لفتة ‪ ،‬وهو من أشد ما لفت‬
‫إنتباه النقاد يف أعماله ‪ ،‬ويربز ذلك كمستوى مستقل من دراسة " محمد الخباز " ويظهر جليا يف‬
‫دراساته للمتنيب عرب املستويات التالية ‪:‬‬
‫‪ -1‬المستوى الديني‪:‬‬
‫ربط حممد اخلباز صورة "أنا" املتنيب الشاعر بالتاريخ وأبرز ذلك من خالل الدراسات اليت‬
‫تناولت أعماله بالرتمجة واإلستقراء هذه األخرية اليت ركزت جلها على األنا اليت كونت هذا النسق‬
‫الديين ‪ ،‬أبرزته كركيزة أساسية يف بناء عمود شخصية املتنيب ‪ ،‬خصوصا إدعاؤه النبوة وذلك ما أدى‬
‫إىل تلقيبه هكذا ‪ « ،‬ومن كالمه الذي كان يزعم أنّه قرآن أنزل عليه ‪ /.../‬وسئل عن النبي صلى‬
‫اهلل عليه وسلم فقال‪ :‬أُخبر بنبوتي حيث قال انا ال نبي بعدي وانا اسمي (ال)» (‪.)1‬‬
‫لكن يف حبثه قلب الكفة مرة أخرى إىل اجلانب الثاين مبينًا أن املتنيب مل يدع النبوة بل كان زعما‬
‫من أعدائه مثله مثل مسألة ضعف نسبه ‪ ،‬ورّبا كان بروز "أنا" املتنيب بكثرة هو ما أدى إىل تسليط‬
‫الضوء على اآلخر فال حتضر صورة األول إل إذا جتلى الثاين ‪ « ،‬فالمتنبي يمارس سلطة الشعر على‬
‫السلطة»(‪ ،)2‬واخلباز جعل من أنا املتنيب مضمرا ل يربز إل إذا ظهر اآلخر وت التعرف عليه ‪ ،‬وقد‬
‫كان هذا اإلعرتاف من الناقد يف سياق احلديث عن األنا املتفردة اليت صنعها املتنيب لنفسه رافضا أن‬
‫يكون بشرا كسائر من عاصروه أو حىت سبقوه وقد ركز جل نقاد الجتاه ومها ادعاؤه النبوة وتضخيم‬
‫صورة املمدوح إىل أعلى من باقي البشر ‪ ،‬وكيفية حتريك هذين الفكرتني على النسق الداخلي ‪،‬‬

‫‪1‬‬

‫‪ -1‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب (نقد ثقايف) يليه مرايا املتنيب (وجه شعري لكائن فلسفي)‪،‬ط‪ ، 1‬املؤسسة‬
‫العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بريوت (لبنان) ‪ ،‬ص‪11‬‬
‫‪ -2‬م ن‪ ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪23‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫لكن قبل كل ذلك علينا التعريج ّبسألة ضعف نسبه ‪ ،‬وقد وضحها الناقد إنطالقا من ‪2‬‬
‫املنهج التارخيي ‪،‬اإلجتماعي والنفسي ‪ ،‬وذلك عرب أنساق اخلطاب الشعري‪.‬‬
‫فمسألة ضعف نسب املتنيب مصدرها العداوات وإن استطعنا اخلروج من هذه الدائرة على‬
‫أسس قدمها الناقد واعتبار املتنيب شاعرا فذا ذو لغة صنعت له أعداءا فإنه يف سياقات أخرى‬
‫من شعره أبان عن شخصية متفردة بعيدة كل البعد عن الروح السالمية فقد كانت أشعاره‬
‫قريبة إىل اجلاهلية منها إىل اإلسالم ‪.‬‬
‫ويضيف الناقد يف مسألة ضعف نسب املتنيب مشريا اىل أكاذيب من نعتوه بذلك ‪:‬‬
‫فال اع ـ ـ ــاتبه صفحـ ـ ــا وإه ـ ــوان ــا‬ ‫بالسوء يذك ـ ـ ـ ـ ــرني‬
‫أبدو فيسجد من ّ‬
‫غن النّفيس غريب حيثما كانا‬
‫ّ‬ ‫وهكذا كنت في أهلي وفي وطـ ـ ـ ــني‬
‫(‪)1‬‬
‫الكمي ويلقاني إذا ح ــانا‬‫ّ‬ ‫ألقى‬ ‫محسد الفضل مكذوب على أثري‬ ‫ّ‬
‫﴿إن أَ ْكـ َـرَم ُك ْم ْع ْنـ َد اللَّـ ْـه‬
‫ومتابعااة وراء اخلباااز حتيلنااا إىل مااا ورد يف الاانص القااروين يف قولااه تعاااىل َّ‬
‫‪ ، )11‬ف ا ا ا ااخرية البشاار ليس اات بالنسااب ول باألصااول ‪،‬وإن كااان يف دراس ااته‬ ‫(الحج ــرا‬
‫أَتْـ َق ــا ُك ْم ﴾‬
‫تااداخل بااني اجلانااب الثقااايف ‪ ،‬والدراسااة التارخييااة فقااد ذكاار الكثااري وأمهاال األكثاار ‪ ،‬فاااملتنيب ماان‬
‫خالل الفخار بنسابه واملاديح بنفساه ساقط يف جاب إحتقاار اآلخار ‪ ،‬و إمهاال منزلتاه املوازياة يف‬
‫احلياة ‪ ،‬ويذكر الغذامي قائال « بإزاء اإلثبا يـأتي التأكيـد بـأ ّن النسـب وان كـر لـيس هـو‬
‫األصــل القيمــي لألعمــال وال لألفضــلية التاريخيــة والســلوكية »(‪ )2‬وهااو ال ارأي األقاارب اىل‬
‫الصا اواب ف اإذا كان اات الدراس ااة تن اادرج ض اامن أحب ااال النق ااد الثق ااايف مبني ااة عل ااى ذلا اك اجلان ااب‬
‫الت ا ا ا ااارخيي فإن ا ا ا ااه م ا ا ا اان األرج ا ا ا ااح تغلي ا ا ا ااب املكان ا ا ا ااة ال ا ا ا اايت ح ا ا ا اااز عليه ا ا ا ااا املتن ا ا ا اايب ول يا ا ا ا ازال ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -1‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪.16‬‬


‫‪ -2‬عبد اهلل الغذامي ‪ ،‬القبيلة والقبائلية ‪ ،‬ط‪، 2‬املركز الثقايف العريب ‪ ،‬الدار البيضاء ‪،‬املغرب ‪ ،2002 ،‬ص ‪.16‬‬

‫‪24‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫أما عن مكانة "املتنيب" فريى الناقد أنه ل جيد من يساويه يف املكانة ‪:‬‬
‫على شغفي بها شروى نقير‬ ‫فقل في حاجة لم أقض منها‬
‫(‪)1‬‬
‫وعين ال تُدار على نظيـ ـ ـ ـ ـ ــر‬ ‫ونفس ال تجيب الى خسيس‬
‫ويوعز ذلك إىل كونه يقول مامل يكن عليه ‪ ،‬وقد عاش بشخصيات متعددة ‪ ،‬وهذه‬
‫حال العريب قدميا فقد كان من يف القبيلة يعيش بشخصية الفارس املغوار يف املعركة ‪ ،‬لكننا‬
‫نستطيع إرجاع ذلك إىل كون أنا املتنيب املتسلطة واليت نرى من خالهلا فرطا يف الثقة بالنفس‬
‫حىت إّنا ولت يف معظم الحيان إن مل نقل أغلبها اىل اإلرتقاء اىل مرتبة الكمال ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فما أح ٌد فوقي وال أح ٌد مثلي‬ ‫أمط عنك تشبيهي بما وكأنّه‬
‫اربا وعلا ا ااوا ‪ ،‬وإن كا ا ااان أغلا ا ااب‬
‫أيا ا اان ها ا ااو ال ا ا اوازع الا ا ااديين ‪ ،‬فا ا ا ا اا"اخلباز" يا ا اارى أن يف ذلا ا ااك كا ا ا ً‬
‫الشا ااعراء مل يعن ا اوا بإثب ا ااات خ ا اواطرهم الديني ا ااة ‪ ،‬لك ا اان م ا ااا يس ا ااتدعي النظ ا اار يف أش ا ااعار املتن ا اايب‬
‫وال ا ا ايت مل يشا ا اار اليه ا ا اا الناقا ا ااد ‪ ،‬ها ا ااو ما ا ااا نقلتا ا ااه لنا ا ااا األنسا ا اااق‪ ،‬تلا ا ااك اإلشا ا ااارات الواضا ا ااحة‬
‫واجللي ا اة عا اان ضا ااعف ووها اان العقيا اادة أشا ااعار املتنا اايب ‪ ،‬ولسا اانا يف ها ااذا الص ا ادد نتحا اادل عا اان‬
‫غ ااري األبي ااات ال اايت مل ي ااذكرها "اخلبا ااز" ب اال ع اان تل ااك ال اايت جع اال منه ااا إثبات ااا لك اارب الش اااعر‬
‫واسا ا ا ااتعالئه ففيها ا ا ااا شا ا ا اايء ما ا ا اان روح الش ا ا ا ااعور بالكما ا ا ااال وأنا ا ا ااه بل ا ا ا ا الا ا ا اادرجات الع ا ا ا ااال ‪:‬‬

‫اي عظيم اتقي‬ ‫محل أرتق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬


‫ّ‬ ‫ي‬
‫أّ‬
‫ـ ــه وما لم يخلق‬ ‫وك ـ ـ ـ ـ ـل ما قد خلق اللـ ـ ـ‬
‫(‪)1‬‬
‫كشعرة في مفرقي‬ ‫محتقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر في همـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتي‬
‫متتبعا لتاريخ الشاعر من أجل نقده ‪ ،‬وسريته الثقافية ‪ ،‬مل يكن جديرا به أن‬
‫فإن كان الناقد ً‬
‫يزيا ا ا اح عن الشاعر تطرفه يف التفكري الديين ‪ ،‬وإن كان على غري ذلك ففي هذه األبيات يتضح‬
‫للقارئ وكأن املتنيب سرح بفكره فلم جيد شيئا جديرا بالتقدير ‪ ،‬أو اإلرتقاء غريه‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪ -1‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪.61‬‬


‫‪ -2‬م ن ‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫‪ -6‬م ن ‪ ،‬ص‪.61‬‬

‫‪25‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫فدراسة الناقد لصورة "أنا" املتنيب واليت تربز على أساس من القوة واجلربوت إىل حد ما قادم تصاورا عان‬
‫ثقافة اجملتمع العريب القدمي وكيفية تعاملاه ماع اآلخار ونظرتاه إلياه وحاد الساقف الاذي وصالت إلياه تلاك‬
‫الثقافة ‪ ،‬ومع تتبع سرية "املتنيب" أقام "اخلباز" دراسة شبيهة بتلك اليت تبناها علماء الجت ا ا اماع‬
‫إنطالقا من نسبه مرورا حبب الذات انتهاءًا إىل التفاخر بنفساه و طلاب العاال رافضاا أن يتشابه بأحاد ‪،‬‬
‫أو أن تتساااوى أناااه مااع اآلخاار‪ ،‬ونالح ا إش ارتاجم وموعااة ماان املناااهج النقديااة يف الفصاال األول ماان‬
‫دراسته ‪ ،‬ركز فيها على السياقية ألّنا ختدم موضوع حبثه يف هذا اجملال‪.‬‬
‫فقد كان البناء السياقي للنص هو من حيتكم اليها اخلباز ‪« :‬و قارئ التاريخ يعلم أ ّن المتنبي عاش‬
‫مترديا »(‪.)1‬‬
‫في عصر ضعفت فيه الخالفة ‪ ، /.../‬وكان حال المسلمين ّ‬
‫يا أمة ضحكت من جهلها األمم‬ ‫أغاية الدين أن حتفا اوا شواربكم‬
‫(‪)2‬‬
‫وسادة املسل ا اامني األعب ا ا ا ا ااد القااََزم‬ ‫ُناس من نفوسهم‬ ‫سادات كل أ ٍ‬
‫فاخلبااز يف هااذا السااياق نقاال لنااا صااورة املتناايب شاااعر األنااا ‪ ،‬ويف سااياق وخاار ااد "عبااد اهلل القصاايمي"‬
‫يقاول « ّلونت الثقافة التي ما زلنا منذ ألـ سـنة تقريبـا نطعـم علـى ما ـدتها بهـذ األلـوان ال ّداكنـة‬
‫فمــن رأي الثّقافــة ‪ -‬وهــو الـ ّـرأي الــذي ال رأي لهــا ســوا ‪ -‬أ ّن االنســان مــا خلــق ليكــون يومــا مــا‬
‫عظيمــا بــل خلــق ضــعيفا فــي عقلــه وجســمه ولــيس لــه مفــر مــن هــذا الضــع »(‪ )6‬وباادل ماان شاارح‬
‫األنسااق املختبئاة وراء أنااا املتنايب اختاذ الناقاد ماان الساياقات التارخيياة الوساايلة الوحيادة للكشااف عاا عاان‬
‫احلق ااائق والتوص اال إىل نت ااائج ت اادخل يف ب اااب التحلي اال النفس ااي أكث اار م اان دخوهل ااا يف أبا اواب كش ااف‬
‫األنس ا ا ا ا ا ا ا اااق املهيمن ا ا ا ا ا ا ا ااة ال ا ا ا ا ا ا ا اايت تعم ا ا ا ا ا ا ا اال عل ا ا ا ا ا ا ا ااى تش ا ا ا ا ا ا ا ااكيل الا ا ا ا ا ا ا ا اانص يف مض ا ا ا ا ا ا ا ااهره النها ا ا ا ا ا ا ا ااائي‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪ -1‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪.16‬‬


‫‪ -2‬م ن‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫‪ -6‬عبد اهلل القصيمي ‪ ،‬هذي هي األغالل ‪ ،‬منشورات اجلمل ‪ ،‬كولونيا ‪،‬أملانيا ‪ ،2000 ،‬ص ‪.66‬‬

‫‪26‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫يشري الناقاد يف انطالقاة حديثاه املقتضاب عان حقيقاة إدعااء النباوة مساتنبطا أفكااره مان التااريخ‬
‫ادعى النب ّـوة‬
‫أول من خالل أنساقه الشعرية ‪ ،‬حيث يقول «يروي إبن العديم أنّه قيل ‪ :‬أنّه ّ‬
‫في حداثتـه ‪ ،)1(» /.../‬فاخلبااز مل يشار إىل ذلاك وأعطاى حكماا مان خاالل الصاورة التارخيياة‬
‫فقط أو التتبع التارخيي لكنه عاد اىل األنساق الداخلية من خالل قول الشاعر‪:‬‬
‫أي عظي ـ ـ ـ ـ ـ ــم أتّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقي‬
‫ّ‬ ‫ـل أرتـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫أي محـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫وم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لم يُخـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ــق‬
‫ـ ـ ـ ــه َ‬ ‫كل مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا قَد خ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق اللّ ـ ـ‬
‫ّ‬
‫وإذا كااان اخلباااز هنااا يااربر النسااق اللغااوي كمااا يباادو لنااا تربي ارا سااطحيا ل حفريااا وذلااك‬
‫بإرجاااع الشاااعر إىل موقااع املتسااائل عاان القيمااة الاايت يبحااث عاان اإلرتقاااء ‪ ،‬يف حااني يف موضااع‬
‫وخاار« يعلّــق األســتاذ أدهــم علــى هــذ االبيــا (يمتــزم الطّمــو المتطـ ّـر وف ـرط الثّقــة‬
‫بالنّفس باحتقار الخليقة بأسرها وهـي تـروي عـن شـعور رجـل أجـال بصـر فلـم يجـد غيـر‬
‫جـ ــديرا بإجاللـ ــه »(‪ ، )6‬وك ااأن الدراس ااات التارخيي ااة ه ااا هن ااا غ ااري كافي ااة باإلض ااافة إىل ع اادم‬
‫اإلكتمال دون التطرق إىل النسق املضمر‪ ،‬ويف ذلك رفض من قبل العديد من النقاد والباحثني‬
‫أب اارزهم "مص ااطفى أم ااني الرف اااعي" م اان خ ااالل نقل ااه م ااا قال ااه ش ااوقي يف رثائ ااه ري اااض باش ااا ‪:‬‬

‫على قلبي الضغينة والشما‬ ‫خلقت كأنّني عيسى حرا‬


‫ادعاها »(‪ ،)6‬وإىل حاد اآلن فماا قدماه‬
‫النبوة ولم يقل أحد أ ّن شوقي ّ‬
‫بادعاء ّ‬
‫« فلم نص شوقي ّ‬
‫اخلباز ل يعد بالكايف يف رسم صورة مكتملة عن حقيقة ما ذكره التاريخ أو األنساق املشاركة يف ذلاك‬
‫حي ااث س اارعان م ااا نكتش ااف م اان خ ااالل الت اااريخ أن الف اارتة التارخيي ااة ال اايت عايش ااها املتن اايب ف اارتة مليئ ااة‬
‫بالصراعات والنزاعات السياسية ‪ ،‬والجتماعية واليت تنعكس على األنساق اللغوية ‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫‪ -1‬حممد اخلباز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪،‬ص ‪111‬‬


‫‪ -2‬م ن ‪ ،‬ص‪111‬‬
‫‪ -6‬عبد اهلل الغذامي ‪ ،‬النقد الثقايف ‪ ،‬ص‪100‬‬
‫‪ -6‬مصطفى أمني الرفاعي ‪ ،‬املتنيب وشوقي ‪،‬ص ‪21‬‬

‫‪27‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫احا أقاام ا اه مان خاالل املادح ووضاع لنفساه مكاناة اعتالهاا بأنااه غاري الايت‬
‫ااعرا ماد ً‬
‫وباعتباار املتنايب ش ً‬
‫عايشها ‪ ،‬فإنه ميكننا القول أن تداخل األنساق الثقافية يف شعره تنصاهر كاي تتبلاور يف "نساق لغاوي "‬
‫مهاايمن خضااعت لااه كاال األنساااق املضاامرة األخاارى أو أدت إليااه ‪ ،‬باإلضااافة إىل محاال جانااب تفضاايل‬
‫املمدوحني على ساائر البشار حاىت إن املتنايب أعطااهم مان القيماة أكثار اا هام عليهاا بعاد أن مانح هاذا‬
‫الرقي والكمال لنفسه‪ ،‬عن املكانة اليت سريقى إليها بعد كل هذا بعد أن أصبح يرى كال شايء دوناه ‪،‬‬
‫فإما أن يكون الشاعر بذلك حيظى على مكانة يف ذلك العصر ‪ ،‬أم إنه يسعى إىل تضاخيم هاذه األناا‬
‫إىل غري مكانتها ‪ ،‬على الرغم من كاون «العربـي بطبيعتـه متكبّـر يـرى نفسـه فـي منزلـة سـامية ‪ ،‬فهـو‬
‫ـل َلع َربـي‬
‫ضَ‬ ‫الذي حمل رسالة االسال ونشرها» ‪ ،‬باالرغم مان رفاض الساالم هاذا التفضايل {الَ فَ ْ‬
‫(‪)1‬‬

‫علَى َع َج ْمي إْالَّ بْالتَّـ ْق َوى }(الحديث مـن الصـحيحين)‪ ،‬وهاذا ماامل يشار إلياه الناقاد يف دراساته فتتباع املساتوى‬
‫الااديين يف النقااد الثقااايف أقامااه بااالعودة إىل مااا قياال حااول الشاااعر يف هااذا اجلانااب لكنااه مل يضااف شاايئا‬
‫خصوصاا هنااا ‪ ،‬علاى الاارغم ماان كاون دراسااة إذا كاناات تتبعاا إجتماعيااا كااان تساتلزم التطاارق للمسااتوى‬
‫الديين بشكل موسع ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من كون الناقد أصبح وكأنه يبحث عن تربيرات للجانب الديين الذي ظهر جليا يف‬
‫شعر املتنيب ‪ ،‬إل أن هذا املوقف كان موافقا للعديد من وراء النقاد ‪ ،‬حيث يبني الناقد أن ضعف‬
‫نسب املتنيب كان حتامال عليه من قبل احلاقدين عليه ذلك راجع للفرتة السياسية اليت عايشها واليت‬
‫كثرت فيها النزاعات السياسية والجتماعية « فثورة المتنبي كما بيّنا كانت ثورة سياسية ولم تكن‬
‫عاءا للنبوة كما قال االستاذ الع ّقاد ومعظم النّـ ّقاد كما أ ّن المتنبي كان ال يقبل‬
‫اد ً‬‫فتنة دينيةّ أو ّ‬
‫أن يوص بهذا االسم وكان يرفضه وال يطيقه »(‪.)2‬‬
‫وعلى الرغم من التتبع التارخيي واإلجتماعي حلياة املتنيب ‪ ،‬وتأثريها على ثقافته فالناقد أشار اىل‬
‫األنساق اليت أبانت عن مضمرات ثقافية إنطالقا من نصوص املتنيب بالتفسري أكثر منها اىل احلفر إل‬
‫أنه مل يشر اىل كون املتنيب مل يكن متدينا ‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫‪ -1‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪61‬‬


‫‪ -2‬مصطفى أمني الرفاعي ‪ ،‬املتنيب وشوقي ‪،‬ص ‪66‬‬

‫‪28‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫و ااد الناقااد يف كاال جانااب حياااول إب اراز اإلنطااالق ماان الاانص ل ماان خااالل التاااريخ ‪ ،‬لكنااه يعااود إىل‬
‫اجملتمع فهو هنا يهتم باملضمر الثقايف أكثر من اهتمامه بالدوال اللغوية ‪ ،‬وهذا راجع اىل متكن الشاعر‬
‫أكثر شيء من اللغة ‪.‬‬
‫ويف اجلانب املقابل من هذه "األناا" املتضاخمة أخاذ الشااعر جاناب املادح بصاورة مفرطاة عناد "املتنايب"‬
‫لكنه مل يشري إىل كونه تسامى ّبمدوحيه إىل مكانة عليا حىت إنه ارتفع عم إىل مرتبة األلوهياة وهاذا ماا‬
‫جعاال "مصااطفى أمااني الرفاااعي" يقااول بااأن املتناايب ينسااى نفسااه عناادما مياادح وخياارج عاان اإلميااان بساابب‬
‫مبالغته يف املدح‬
‫في النّاس ما بعث االله رسوال‬ ‫ـسمـ ـ ـ ـ ــا‬
‫لو كان علم ــك باآلله مـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ن والتّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوراة واالنجـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال‬ ‫لو كان لفظك فيهم ما انزل الفرق ـ ـ ـا‬
‫حىت إنه يواصل قوله بأنه يف العديد مان املواضاع ياتهكم علاى األنبيااء وعلاى ماا أتاو باه مان معجازات ‪،‬‬
‫ول يتورع يف أن جيعل حصان يتهكم على سيدنا ودم‬
‫أعن هذا يسار الى الط ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعان‬ ‫يقول مذهب ّبوان حصاني‬
‫(‪)2‬‬
‫وعلّمك ـ ـ ـ ــم مفارقة الجـ ـ ـ ـ ـ ــنان‬ ‫أبوكم آد من المعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاصي‬
‫ويتهكم على معجزات سيدنا عيسى وسيدنا موسى‬
‫في يـ ـ ـ ـ ــو معركة ألعـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــا عيسى‬ ‫لوكان صــاد رأس عازر سيفه‬
‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا انش ّق حتى جاز فيه موسى‬
‫(‪)1‬‬
‫لج البـ ـ ــحر مـ ـ ــثل يم ـ ــينه‬
‫أو كان ّ‬
‫ففي هاذه البياات ل يظهار أبادا أن "املتنايب" ادعاى النباوة ‪،‬فكياف لشااعر يضاعف إمياناه اىل هاذا احلاد‬
‫أن يدعي النبوة وهذا ما يؤاخذ عليه الناقد يف هذا البحث حيث أناه مل يشار أبادا إىل ذلاك يف دراساته‬
‫و كأن اه أقامهااا علااى أبيااات ةتااارة ماان شااعره دون اآلخاار ‪ ،‬ل تااربز األنساااق الاايت تااربز فاعليااة النسااق‬
‫الثقايف والديين غري حمتكم يف شعر املتنيب ‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫‪ -1‬مصطفى أمني الرفاعي ‪ ،‬املتنيب وشوقي ‪،‬ص ‪.00‬‬


‫‪ -2‬م ن‪،‬ص ‪.00‬‬
‫‪ -6‬م ن‪ ،‬ص‪.01‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫ول يشااري الناقااد يف هااذا الجتاااه ضااعف إمي اان "املتناايب"‪ ،‬علااى الاارغم ماان كونااه «لــم يــنظم شــعرا فــي‬
‫ال ّدعوة االسالمية ولكن جاء في بعض قصـا د أبيـا بهـا أفكـار إسـالمية وال أعتقـد أ ّن المتنبـي‬
‫يرددها اي مسلم في بقاع األرض في أي‬
‫قصدها ولكنّها اتت من جذور االسالمية التي ّ‬
‫مناسبة »(‪ ، )1‬على خالف ما ذكره يف حديثه عن الرعية وأرجع "اخلباز" ذلك لكون الثقافة العربية يف‬
‫هذه الفرتة التارخيية تعترب احلاكم أو السلطان الهاً ومتنحه هذه املكانة ‪ ،‬وهذا ما سب اجلانب املدحي‬
‫ماان أشااعار "املتناايب"‪ ،‬باإلضااافة إىل املفارقااة بااني الطبقااات اإلجتماعيااة وهااذا الساالم السياسااي ‪ ،‬الااذي‬
‫جعل من "املتنيب" يشبه البشر باحليوانات بعد أن كان باملديح يرقيهم إىل مكانة الله ‪.‬‬
‫وكأن الكشف عن املعاين اخلفية املختبئة وراء مضمرات الشاعر النسقية ليس باليسري فهو يتقلب من‬
‫دوح ملمدوح تارة ‪ ،‬ويعلي من شأنه ‪ ،‬وحيط من القيمة اإلنسانية تارة أخرى ‪:‬‬
‫وع ـ ـ ـ ــمر مثل ما ت ــهب اللئا ُ‬ ‫الم ـ ـ ـ ــدا‬
‫فـ ـ ــؤاد ما تس ـ ـ ـ ـل ـّيه ُ‬
‫وان كانت لهم جثث ضخا‬ ‫ودهـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـر ن ـ ـ ــاسه ناس صغار‬
‫ولكـ ـ ــن ْ‬
‫معدن َّ‬
‫الرغا ُ‬
‫الذهب َّ‬ ‫وما أنا منهم بالعي ـ ـش فيهم‬
‫(‪)2‬‬
‫ـح ـ ـ ـ ـ ـةٌ عيـ ــونهــم ني ـ ــا‬
‫ُمفتَّ ـ ـ َ‬ ‫أَرانب غ ــير أنَّـ ُه ـ ـ ـ ــم مل ـ ـ ـ ــوك‬
‫فالرعية اليت أباّنا الناقد من خالل البناء النصاي لشااعر املتنايب جعلات مان العالقاة باني الشاعب الاذي‬
‫أخرجه من اإلنسانية حني دفعه لألسفل وشبهه بالبهاائم ‪ ،‬وامللاك الاذي رفعاه إىل مرتباة اإللاه ‪ ،‬وأرجاع‬
‫"اخلباز" ذلك اىل كون "املتنيب" متأثرا بالثقافة السلطانية ووداعا من خالل قوله‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تي ّقنت أ ّن ال ّدهر للنّاس ناقد‬ ‫ولما رأيت النّاس دون محلّه‬ ‫ّ‬
‫والدهر يف نظر "املتنيب" هاو الاذي ياتحكم يف تقسايم البشار و املساألة ليسات متعلقاة هناا بأحاد وهاذا‬
‫مااا وضااحه الناقااد ‪ ،‬فاألنساااق وحاادها ل تبااني خصوصااا يف اجلانااب الااديين ‪ ،‬يف سااياقات أخاارى أباارز‬
‫الباحث عالقة "املتنيب" باملوت هذه األخرية اليت جعل منها مسخرة لإلله هي والزمن واأليام والدهر ‪.‬‬
‫‪9‬‬

‫‪ -1‬مصطفى أمني الرفاعي ‪،‬املتنيب وشوقي ‪ ،‬ص‪01‬‬


‫‪ -2‬م ن‪ ،‬ص‪01‬‬
‫‪ -6‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪112‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫باإلضااافة إىل كااون ضااعف ال اوازع الااديين والااذي أرجعااه الناقااد لثقافااة املتناايب تبقااى الصااورة الدينيااة يف‬
‫أشعاره غري واضحة ذلك كونه يعلي من شأن املمدوحني ويعطيهم مرتباة األلوهياة باإلضاافة إىل التعاايل‬
‫بنفسااه إىل مراتااب لاايس لإلنسااان العااادي القاادرة علااى اعتالئهااا ‪ ،‬هااذا حسااب تصااور الباحااث وتقدميااه‬
‫محمــد اب ـراهيم ســليم" أن أثاار‬
‫الصااورة النصااية و مقارنتهااا بنظرياااا التااارخيي ‪ ،‬لكاان يااذكر السااتاذ " ّ‬
‫الثقافة السالمية يتجلى يف شعر املتنيب يف مثل قوله‬
‫كنقص القادرين على التمام‬ ‫ومل َأر يف عيوب الناس عيبًا‬
‫عمل‬
‫يحب إذَا َ‬ ‫إن اللَّهَ ُّ‬
‫ويقال أن املتنيب أخذ ذلك متأثرا بقول الرسول عليه الصالة والسالم ‪َّ { :‬‬
‫أَح ُد ُك ْم َع َمالً أ ْن يُ ْتقنَه} (صحيح الجامع)‪.‬‬
‫وي ارفض يف نفااس السااياق الاادكتور "مصااطفى أمااني الرفاااعي" رأي األسااتاذ سااليم ‪ ،‬باعتبااار‬
‫الرسـول وإذا فرضـنا‬ ‫بيت املتنيب «حكمة سا رة يقولها الناس ‪ ،‬وال أعتقد أنّه اقتبسها من حديث ّ‬
‫ـدل هــذا علــى أثــر الثّقافــة‬
‫جــدال انّــه اقتبســها فقــد أخــذها حكمــة وليســت كحــديث نبــوي وال يـ ّ‬
‫االسالمية في شعر المتنبي »(‪.)2‬‬
‫ويف اجلهااة املقابلااة للماادح والاايت مل حيظااى الشاااعر بالدراسااة فيهااا أو حااىت التطاارق هلااا وهااي اهلجاااء فلاام‬
‫يكاان "املتناايب" هجاااءا حااىت إنااه يف بعااض املواضااع ماان أبيااات شااعره يهجااو أحااد امل اوايل بقولااه عنااه أنااه‬
‫ليقيم فرائض الدين ‪:‬‬
‫(‪)6‬‬
‫الح َّجام في الحر‬
‫ويستحل د ُ‬
‫ّ‬ ‫الصلوا الخمس نافلة‬ ‫شيخ يرى ّ‬
‫لكن " اخلباز" مل يشر اىل هذه النقاط على الرغم من نسقيتها وإمكانية التعرض هلا يف الثقافة العربية‬
‫ومتابعتها تارخييا وفق املنهج اإلجتماعي‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫‪ -1‬مصطفى أمني الرفاعي ‪ ،‬املتنيب وشوقي ‪،‬ص‪01‬‬


‫‪ -2‬م ن‪،‬ص‪06‬‬
‫‪ -6‬م ن ‪ ،‬ص‪06‬‬

‫‪31‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫« فقـد ّلونــت الثقافــة التــي مازلنــا منــذ الـ ســنة تقريبــا نطعــم علــى ما ــدتها بهــذ االلــوان ال ّداكنــة‬
‫فمــن رأي الثقافــة –وهــو الـ ّـرأي الــذي ال رأي لهــا ســوا ‪ -‬أ ّن االنســان مــا خلــق ليكــون يومــا مــا‬
‫(‪)1‬‬
‫عظيما بل إنّه خلق ضعيفا في عقله وجسمه وليس له مفر من هذا الضع »‬
‫أما عن اجلانب اآلخر الذي قال الناقد أن التطابق فيه بني الصورة النصاية والصاورة التارخيياة‬
‫مرفااوض هااو جانااب عاادم اخلااوف ماان املااوت واإلقبااال عليهااا يف اجتاااه الصااورة النصااية الاايت تاادل علااى‬
‫اخلوف من املوت‪،‬وهو الرأي الذي ل تتفق فيه الصورتان ورفض "اخلباز" كون النسق تعبريا عن الواقع‪.‬‬
‫لكن الدكتور مصطفى أمني الرفااعي ‪،‬يارى أن "املتنايب" ل ياؤمن بالبعاث أو اخللاود فاريى أن‬
‫املوت الذي فرضه اهلل سبحانه وتعاىل على عباده (ضرب من القتل )‬
‫حي ـ ـ ــاة وأن يشتـ ـ ــاق فيه الى النسل‬ ‫وما ال ّدهر أهل ان تؤمل عند‬
‫(‪)2‬‬
‫تي ّقنت أ ّن المو ضرب من القتل‬ ‫الزمـ ـ ـ ــان وصـ ــرفه‬
‫تأمل ـ ــت ّ‬
‫إذا ّ‬
‫فكاال هااذه البُااص النصااية نسااتطلعها وهااي مااا اتكااأ عليااه الناقااد يف تبيااان هااذا التضاااد ولكنااه أشااار كااون‬
‫ذلك ليس بغريب بعد ما عرضه عن العداوات اليت أحيطت به ‪.‬‬
‫أماا عاان عاادم اهتمامااه باملااال وزينااة احلياااة كماا ذكاار "اخلباااز" فاإن "مصااطفى أمااني الرفاااعي" يااذهب إىل‬
‫ـل مجـد ‪ ،‬لك ّـن النّقـاد أجمعـو أنـه بلـ‬
‫ـل مالـه وال مـال فـي الـ ّدنيا لمـن ق ّ‬
‫القول «فال مجد لمن ق ّ‬
‫م ــن الش ــعر مرتب ــة أغن ــى عنه ــا فح ــول الش ــعراء »(‪ ، )6‬وه ااذا مايرس اام اجمل ااازات اللغوي ااة ال اايت تص اانع‬
‫املضمرات النسقية اليت تصنع صعوبة فهم اخلطاب الشعري‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل القصيمي‪ ،‬هذي هي األغالل ‪ ،‬ص‪66‬‬


‫‪ -2‬مصطفى أمني الرفاعي ‪ ،‬املتنيب وشوقي ‪ ،‬ص ‪06‬‬
‫‪ -6‬م ن ‪ ،‬ص ‪120‬‬

‫‪32‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫‪ -2‬المستوى اللغوي ‪:‬‬


‫مل يعاين شاعر مثلما عاا املتنايب بسابب شااعريته الفاذة ‪ ،‬لرّباا حتولات هاذه النقطاة‬
‫مان إجيابياة إىل ساالبية وماأزق أسااقطه يف دائارة النقااد « إضـافة إلــى مــأزق اللغـة الــذي يجعــل‬
‫منهــا مراوغــة ومنزاحــة عــن الواقــع دا مــا »(‪ ، )1‬وذلااك مااا جعاال" اخلباااز" يقااول أنااه شاااعر‬
‫استخدم لغة مراوغة لريسم عا صورة غري اليت هو عليها أصال ‪ ،‬ولكن ميكننا العثور على بااقي‬
‫شخصاايتة الاايت مل تظهاار يف هااذا النسااق النصااي بالبحااث يف املفاااتيح الاايت أعطانااا اياهااا‪ ،‬وكااأن‬
‫املتنيب وضع لغته كحد السيف الذي ينتقد به ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫بابل‬
‫سمعت بسحري ُ‬ ‫شعري َوالَ َ‬ ‫الجاهليَّة كلُّ َهم‬
‫اهل َ‬
‫نال ُ‬‫َما َ‬
‫فجودة شعره وقيمة لغته مسألة مل تكن مقتصرة على معاصريه بل أن املسألة سارية‬
‫على أهل اجلاهلية أيضا ‪.‬‬
‫وقد اعتمد الباحث على األقنعة اللغوية و اللغة الرمزية ليتخذها أساسا يضيء من خ االله حبثه‬
‫فكانت األنساق املضمرة جلها مقرتنة بلغة النص الشعري ‪ ،‬وأعاب على "املتنيب" عدم مترغه‬
‫هزئ به مثلما كان يفعل قبال فا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا «األنا‬
‫يف الذات حتت ظل أحد دوحيه لو أهني أو استُ َ‬
‫(‪)6‬‬
‫الرمزي وهي بنية مصطنعة وزا فة »‬
‫ينتمي إلى المستوى ّ‬
‫وقد اعترب الباحث كل صورة قدمها املتنيب نتيجة حتمية لصورة تارخيية مصاحبة هلا أو عايشها ‪،‬ومن‬
‫خالل ذلك وضع مفارقة بني الصور التارخيية اليت أوردها والصورة النصية يف شعره ‪ ،‬فشرف النسب‬
‫كصورة نصية مصاحبة لصورة تارخيية نفهمها من خالل النسق وهي ضعف النسب ‪ ،‬وعدم الهتمام‬
‫باملعايل ‪ ،‬لدللة نصية وهي البخل وطلب التكسب والقبال على املوت ونسقها املضمر وهو اخلوف‬
‫ذوق شعر‬
‫يكونها ت ّ‬
‫من املوت ‪ ،‬وقد ذكر ان هذا « تناقض ظاهر بين شخصية المتنبي التي ّ‬
‫وبين الشخصية التي يدل عليه تذوق أخبار » (‪.)6‬‬
‫‪12‬‬

‫‪ - 1‬حممد اخلباز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪66‬‬


‫‪ -2‬م ن‪ ،‬ص ‪62‬‬
‫‪ -6‬جون سرتوجم ‪ ،‬البنيوية وما بعدها ‪ ،‬تر ‪ :‬حممد عصفور‪ ،‬ولة عامل املعرفة ‪،‬العدد ‪ ،201‬فرباير ‪ ،1221‬ص‪16‬‬
‫‪ -6‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪06‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫وكااأن دراسااات "اخلباااز" حااول أشااعار "املتناايب" صااارت تاادور يف جانااب السااياق ل النسااق ‪،‬‬
‫لكونه اختذ من الدراسة التارخيية ‪ ،‬احليز الكباري يف دراساته ‪ ،‬خصوصاا يف تلاك املفارقاة الايت أقامهاا باني‬
‫التاريخ والنص‪ ،‬فيما يذهب "حسني القاصد" إىل رأي غري الذي يراه "اخلباز" من خالل قولاه «كان‬
‫ـحاذا عظيمـا » (‪ ،)1‬وهاذا ماا عاارض مان‬
‫المتنبي يمارس سلطة الشـعر علـى السـلطة ولـم يكـن ش ّ‬
‫خاللاه الغاذامي واخلبااز‪ ،‬فباني رأي هاذا وذالاك شايء مان الخاتالف فاان كاان رأي الناقاد أن "املتنايب"‬
‫أبدا خلف هاذا الساتار بال زادتاه شادة‬‫يتخذ من اللغة غطاءًا لنَسق مضمر يكبح فيه حقيقة مل تتوارى ً‬
‫اوحا ‪ ،‬لكان نارى رأي "حساني القاصاد" أشاد اقرتابااا مان احلقيقاة فقاوة اللغااة تتجااوز اهلادف الااذي‬ ‫ووض ً‬
‫تنشااده خصوصااا إذا كااان الناقااد مل يتناسااى الفاارتة التارخييااة الاايت قيلاات فيهااا هااذه األشااعار ‪ ،‬وهاو الااذي‬
‫أقام دراساته انطالقا من جانب تارخيي ‪.‬‬
‫ول بااد أن نتفااق علااى أن الاانص يصاادر عاان ثقافااة وإذا مااا كااان الشااعر هااو ديواننااا أي سااجلنا الثقااايف‬
‫واحلضاااري فاإن هااذا ياادفع إىل متثاال ساايئاته مثلمااا نتمثاال حسااناته للخاروج بنقااد منهجااي ‪ ،‬هااذا األخااري‬
‫هو رأي من وراء الناقد السعودي "عبد اهلل الغذامي"‪ ،‬فقد كان "املتنيب" عارفا باللغاة «يقـول عنـه ابـن‬
‫العديم أنّه كان عارفا باللغة»(‪ ،)2‬فإن كان هذا املستوى لفت إنتباه" اخلباز" من خاالل هاذه الدراساة‬
‫ـدل علــى‬
‫وممــا يـ ّ‬
‫فااإن اإلشااارة إليااه جاااءت يف العديااد ماان املواضااع ماان دراسااات الناقاااد والباااحثني « ّ‬
‫تم ّكنه من قواعد اللغة أ ّن الشيخ (أبا علي الفـارس) صـاحب االيضـا سـأله كـم لنـا مـن الجمـوع‬
‫على وزن فعلى فقال له المتنبي (حجلى ‪،‬وضربى) فقال الشيخ فطالعت كتـب اللغـة ثـالي ليـال‬
‫على أن أجد لهذين الجمعين ثالث فلم أجـد »(‪ ، )6‬فكياف هلاذا العاامل الفاذ باللغاة أن ل جيعال مان‬
‫لغته وال للنقد‪ ،‬خصوصا كون هذه اللغة منزاحة ومراوغة دائما على الواقع وذلاك مان خاالل اساتقراء‬
‫‪13‬‬
‫نصوصه الشعرية ‪ ،‬فاألنساق الشعرية تتحرجم دوما يف إطار اللغة ‪.‬‬

‫‪ -1‬حسني القاصد ‪،‬النقد الثقايف ‪ ،‬ط‪،1‬التجليات للنشر ‪ ، 2016،‬القاهرة ‪،‬مصر‪ ،‬ص‪21‬‬


‫‪ -2‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب‪ ،‬ص ‪62‬‬
‫‪ -6‬مصطفى أمني الرفاعي ‪ ،‬املتنيب و شوقي ‪ ،‬ص ‪11‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫ويارتبط املسااتوى اللغااوى اال الدراسااات املتعلقااة بالشااعر العااريب لرتبااط هااذا الخااري يف فاارتة ماان‬
‫الفرتات بالبالغة العربية ‪ ،‬وانتقاله مع النقد الثقايف اىل اجلانب النسقي الذي يسعى دوما للكشف عن‬
‫دواخلهااا ‪ ،‬فضاامري املااتكلم الااذي طااال ذكااره يف الدراسااات املتعلقااة باااملتنيب أشااار اليااه الباحااث حااىت يف‬
‫هذه الدراسة كون الشاعر أكثر اىل الشارة اىل نفسه عذا الضمري ‪ ،‬باألضافة اىل الساتعارات واجملااز ‪،‬‬
‫وهي اليت ترسم نسقية الشاعر ‪.‬‬
‫يتط اارق الباح ااث اىل ك ااون املتن اايب الش اااعر ال ااذي جياري ااه أح ااد ح ااىت أه اال اجلاهلي ااة وه اام أه اال البالغ ااة‬
‫والفصاحة ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫شعري وال سمعت بسحري بابل‬ ‫ما نال أهل الجاه ـ ــلية كلهم‬
‫ويشري هنا من خالل الضمري (هم) اىل مجاعة الغاائبني وهام أهال اجلاهلياة ‪ ،‬وهاو حامال لنساق تاارخيي‬
‫أول وقبل كل شيء ‪ ،‬حييلنا علاى نساق ثقاايف اجتمااعي خفاي ‪ ،‬فاإن فااق الشااعر باعرتافاه منزلاة شاعره‬
‫ول حازو مكانة لغته فمن حقه التغين بأناه ‪ ،‬وهذا ما دفع الناقد إىل إقامة مفارقة واضحة باني الصاورة‬
‫التارخيية والصورة النصية لشعر املتنيب ‪.‬‬
‫وباعتبااار النقااد الثقااايف يقااوم علااى وموعااة ماان املرتكازات والثواباات فقااد كاناات إحادى هااذه املرتكازات‬
‫الوظيفاة النساقية الايت حتيلناا علاى (دللاة نساقية)‪ ،‬بالضاافة اىل اجملااز الكلاي ‪ ،‬والنساق املضامر والتوريااة‬
‫الثقافيااة ‪ ،‬هااذه املرتك ازات هااي أهاام مااا وضااحه "الغااذامي" يف الثواباات الاايت حتياال علااى مفاااهيم نظريااة‬
‫وتطبيقية وواكانت انطالقته يف مقاربة النصوص واخلطابات وجلها تتعلق باملساتوى اللغاوي ‪ ،‬خصوصاا‬
‫اجملاز الكلي وقد ربط" الغذامي" العالقة بني اجملاز واإلنسان « قراءة االنسان بوصفه لغـةكي يجيـب‬
‫على سؤال المشكل الحضـاري العربـي ‪ ،‬وقـراءة االنسـان ال يسـتوفيها علـم واحـد»(‪ ، )2‬وهاذا ماا‬
‫أشار إليه الناقد يف بداية تطرقه لدراسة املضمرات النسقية ل اا"ملتنيب" ‪ ،‬واليت ختتبئ وراء اجملاز ‪ ،‬فما هي‬
‫العالقااة الاايت ت اربط بااني الصااورة النصااية الاايت قاادمها الباحااث وبااني اجملاااز ‪ ،‬والنس اق الظاااهر يف اخلطاااب‬
‫‪14‬الشعري للمتنيب؟‬

‫‪ -1‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪62‬‬


‫‪ -2‬عبد اهلل الغذامي ‪ ،‬النقد الثقايف ‪ ،‬ص ‪216‬‬

‫‪35‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫شعر أكثر خدعة‬


‫احا ومراوغاً عن الواقع دائما « إ ّن ال ّ‬
‫وكما سبق وأن أشرنا كون الشعر منز ً‬
‫محتالــة وخلعــة مختــال‪ ،‬جـ ّد تمويــه وتخييــل وهزلــه تدليلــه وتضــليل »(‪ ،)1‬وهااذه إشااارة واضااحة يف‬
‫مقدماة الكتااب (صاورة اآلخار يف شاعر املتنايب) عان ختييلياة الشاعر ورّباا كاان هاذا هاو السابب يف رفااض‬
‫الناقد للصورة النصية اليت برزت يف أشعار املتنيب وهاذا ماا جعال صاعوبة اإلمسااجم بواقاع أناا" املتنايب"‪،‬‬
‫فا ا ا ا ا ا ا ا« الخط ــورة الت ــي يلعبه ــا المج ــاز ف ــي ص ــياغة االنس ــان وص ــياغة أفك ــار وتص ـ ّـوراته وثقافت ــه‬
‫ومجتمعه فراحت تعمل جهدها في تفكيكه من أجل فهمه واستيعابه ‪ ،‬لتتم ّكن من الح ّد بتالعبه‬
‫بحياة االنسان ‪،‬ولتوجيـه خدمـة تخدمـه وترتقـي بإنسـانيته »(‪ ، )2‬فاجملااز حساب الغاذامي هومشاروع‬
‫إنسااين وهااذه العنايااة هاي عنايااة اال العلااوم اإلنساانية ‪ ،‬وهااي أحااد أباارز مرتكازات النقاد الثقااايف ‪ ،‬وهنااا‬
‫تسااعى املناااهج لبناااء التحلياال املنطقااي والكلااي يف اخلطاااب ماان خااالل الكشااف والتحلياال عاان املضاامر‬
‫اخلفااي املهمااش ‪ ،‬واجملاااز يف النقااد الثقااايف يتجلااى ماان خااالل مسااتويني ‪ ،‬األول بوصاافه أداة أو نظريااة‬
‫ق اراءة ‪ ،‬والثاااين بوصاافه وليااة إنتاااج خطابيااة « والمعنــى العــا الــذي يعطيــه (ابــن قتيبــة) للمجــازا ‪،‬‬
‫يحيلنا مباشرة الى ما قاله ابن جنّي الى أ ّن اللغة كلّها مجاز‪ ،‬فما مـن قـول ينطقـه المـتكلّم يخلـو‬
‫سمها ابن قتيبى( االستعارة‪ ،‬القلب ‪ ،‬التأخير ‪...‬الخ) ولكل من هذ طريقة‬
‫من هذ الطّرق التي ّ‬
‫من هذ الطّرق المجازية أصـل ترتـ ّد اليـه »(‪ ، )6‬ومجيعهاا تعاود اىل البالغاة العربياة واملتعاارف علياه يف‬
‫الثقافة العريب أن أهل اجلاهلية عند العرب هم أهل الفصاحة والبيان ويف اشارة من الباحاث يف دراساته‬
‫إىل كون املتنيب أشار أن أشعاره ولغته فاقت لغتهم كما أشرنا سابقا‪.‬‬
‫ويف تتبع من الناقد للقاموس اللغوي يتبني لنا إلتفاته للفظة املعايل وأخذها بالدرس والتفصيل دون‬
‫تتكرر بشكل الفت في شعر المتنبي ‪،‬إنّه‬
‫غريها « تمثّل لفظة المعالي أو ما اشت ّق منها المة ّ‬
‫يصر دا ما أنّها هدفه الذي يسعى إليه ‪ ،‬إنّه ليس كباقي النّاس الذين يبحثون عن المعاش إنّه‬
‫ّ‬
‫(‪)6‬‬
‫‪15‬نوع مختل وذو أهدا مختلفة »‬

‫‪ -1‬حسني السماهيجي ووخرون ‪ ،‬عبد اهلل الغذامي واملمارسة النقدية ‪ ،‬ص‪221‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪221‬‬
‫‪ -6‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪222‬‬
‫‪ -6‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪66‬‬

‫‪36‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫وإن كانت لفظة املعايل يف صوراا الواضحة والصرحية حتيلنا على العلو والرفعاة ‪ ،‬ففاي املخفاي املضامر‬
‫كما وضاح الناقاد هاي ختتلاف بااختالف األهاداف الايت يساعى الشااعر إليصااهلا فتاارة اادف للرفعاة ‪،‬‬
‫وأخرى إىل العلم ‪ ،‬وأخرى ملكانة املمدوحني ‪ ،‬ويف كثاري مان األحياان لتحقياق هدفاه األ اى ‪ ،‬فالنساق‬
‫املضمر املختبائ وراء اجملاازات الايت تارد عقاب لفظاة املعاايل هاي مان أعطتهاا قيمتهاا النصاية ‪ ،‬و"اخلبااز"‬
‫يف ه ا ا ا ااذه األبي ا ا ا ااات ي ا ا ا ااربز ذل ا ا ا ااك إس ا ا ا ااتنادا عل ا ا ا ااى الت ا ا ا اااريخ ول ا ا ا اايس اجلان ا ا ا ااب اللغ ا ا ا ااوي والنص ا ا ا ااي ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫وسار سواي يف طل ا ااب املعاش‬ ‫فس ا اارت اليك يف طلب امل ا ااعايل‬
‫وقوله ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ببيع الشعر يف س ا ااوق الكساد‬ ‫وشغل النفس عن طلب املعايل‬

‫باإلضافة إىل املطارح اآلتية اليت وردت فيها لفظة املعايل ‪:‬‬
‫فصااعب (العلااى) يف الصااعب والسااهل يف السااهل‬ ‫ذريا ا ا ا ا ااين أنا ا ا اال مااا ل ين ا ا ا ااال ماان (العلااى)‬
‫(‪)6‬‬ ‫ول با ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ااد دون الشا ا ا ا ا ا ِ‬
‫اتهد من إبر الن ا ا ا ا ا ا ا احاال‬ ‫تريدين لقيااان (املع ا ااايل) رخيا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ااصة‬
‫وكما أ اها الناقد باملعايل اليت تقصد األهاداف الصاعبة ‪ ،‬مقارناة بلفظاة املعاايل يف مواضاع أخارى فلغاة‬
‫النسق تتكلم خلف اللغة الظااهرة ‪ ،‬وكاأن النساق النصاي هناا يتضاافر ماع اآلخار التاارخيي ‪ ،‬لصانع هاذا‬
‫اجملاز اللغوي الذي أشار له الناقد ‪.‬‬
‫وأبرز ما يظهر يف هذه الدراسة اجلانب اللغوي «وتع ّد الثقافة الجذع المشترك لجميع‬
‫أشكال الثقافة بل هي كيان الثقافة بال ّذا فاالنسان يتميز عن سا ر الكا نا الحيّة بالوظيفة‬
‫(‪)6‬‬
‫الراقي»‬
‫الرمزية التي تشكل اللغة نموذجها ّ‬
‫ّ‬
‫‪16‬‬

‫‪ -1‬حممد اخلباز‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪62‬‬


‫‪ -2‬م ن‪ ،‬ص‪00‬‬
‫‪ – 6‬م ن‪ ،‬ص ‪01‬‬
‫‪ -6‬ناهضة ستارعبيد ‪،‬أثر األنساق الثقافية يف تشكيل اخلطاب السردي ‪ ،‬ولة القادسية ‪،‬مج ‪ ،11‬الع‪،6‬األردن ‪،‬ص‪116‬‬

‫‪37‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫«يطلق ابـن قتيبـة علـى أشـكال القـول إسـما نسـقيا هـو المجـاز‪ ،‬ويضـم فـي نسـقيته مجموعـة مـن‬
‫االســماء التفصــيلية ‪ /.../‬وهــو المعنــى الــذي يجعــل مــن المجــاز مقــابال للحقيقــة »(‪ ، )1‬حااىت إن‬
‫"عبد اهلل الغذامي" طالب بدراسة األنساق املضمرة وإضافة الوظيفة النسقية إىل وموعة الوظائف الايت‬
‫وضعها "رومان جاكبسون" ‪ ،‬وتعتارب الدللاة الرمزياة إحادى الادللت الاثالل الايت يساتند عليهاا النقاد‬
‫الثقااايف ‪ ،‬وهااو ماجعاال الناقااد يقاار بكااون لفا املعااايل يف شااعر املتناايب اختااذ دللااة عائمااة كونااه مل حيااتف‬
‫بالدللااة الواضااحة ‪،‬وهااذا أماار ضااروري كااون اجملاااز حيتاااج إىل مثاال هااذه األنساااق وهااي هاادف الكشااف‬
‫والتحليل يف النقد الثقايف ‪.‬‬
‫أمااا فيمااا خيااص الصااورة النصااية الاايت اهااتم الناقااد بااالرتكيز عليهااا طااول صاافحات كتابااه ‪ ،‬والاايت أقاار يف‬
‫النهايااة أّنااا ل تتطااابق مااع نظرياااا التارخييااة ‪ ،‬بااالعودة إىل كوّنااا مل تطااابق األنااا احلقيقيااة للواقعيااة ماان‬
‫وجـه أغلـب التص ّـورا التراثيـة‬ ‫خالل التاريخ ومن خالل الشعر ‪ ،‬ولكون « المفردة تمثـل مركـزا‪ّ ،‬‬
‫المتعلقة بالمجاز و هو خروم ال يتجاوز حـدود الجملـة النّحويـة »(‪ ،)2‬واجملااز هناا يف لفظاة املعاايل‬
‫وهي املفردة اليت طاملا اختفى وراءها النسق املضمر يف خطاب"املتنيب" الشعري ‪.‬‬
‫وكم ا ا ا ا ااا ذكرن ا ا ا ا ااا س ا ا ا ا ااابقا ص ا ا ا ا ااوص املفارق ا ا ا ا ااة ال ا ا ا ا اايت أقامه ا ا ا ا ااا " اخلب ا ا ا ا اااز" ب ا ا ا ا ااني الصا ا ا ا ا اورة التارخيي ا ا ا ا ااة‬
‫الس ـ ـ ــلطة ول ـ ـ ــم يك ـ ـ ــن‬
‫والنص ا ا ااية ف ا ا ا ا ا ا ا ا «ق ـ ـ ــد ك ـ ـ ــان المتنب ـ ـ ــي يم ـ ـ ــارس س ـ ـ ــلطة الش ـ ـ ــعر عل ـ ـ ــى ّ‬
‫ـحاذا عظيمـ ـ ـ ـ ــا »(‪ ، )6‬ويف ذلا ا ا ا ااك سا ا ا ا ااار مسا ا ا ا ااارا غا ا ا ا ااري الا ا ا ا ااذي سا ا ا ا االكه" الغا ا ا ا ااذامي" حا ا ا ا ااىت‬
‫شـ ـ ـ ـ ـ ّ‬
‫إنا ا ا ا ااه يف ها ا ا ا ااذه النقطا ا ا ا ااة خيالفا ا ا ا ااه ال ا ا ا ا ارأي ‪ ،‬فاللغا ا ا ا ااة واخلطا ا ا ا اااب الشا ا ا ا ااعري عاما ا ا ا ااة ها ا ا ا ااو األسا ا ا ا اااس‬
‫الا ا ا ااذي تتح ا ا اارجم في ا ا ااه األنسا ا ا اااق الثقافيا ا ا ااة ح ا ا ااىت أن "الغا ا ا ااذامي" عنا ا ا اادما دع ا ا ا اى ملا ا ا ااا أ ا ا اااه النظريا ا ا ااة‬
‫النقا ا ا ااد الثقا ا ا ااايف‪ «،‬قصـ ـ ـ ــر النقـ ـ ـ ــد علـ ـ ـ ــى القـ ـ ـ ــراءة االحاديـ ـ ـ ــة وسـ ـ ـ ــم فيهـ ـ ـ ــا الثقافـ ـ ـ ــة العربيـ ـ ـ ــة‬
‫شعرنة)»(‪.)0‬‬
‫والنّتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام الشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعري العربـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي كلّـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ(ال ّ‬
‫‪17‬‬

‫‪ -1‬حسني السماهيجي ووخرون ‪ ،‬عبد اهلل الغذامي واملمارسة النقدية ‪،‬ص‪226‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪226‬‬
‫‪ -6‬حسني القاصد ‪ ،‬النقد الثقايف ‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫‪ -6‬بسام قطوس ‪،‬املدخل اىل مناهج النقد الديب‪،‬ص‪261‬‬

‫‪38‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫‪ -1‬المستوى الواقعي ‪:‬‬


‫يربز املستوى الواقعي بشاكل لفات يف دراساة الناقاد ويعاد هاذا أمار طبيعاي باعتبااره تطارق للمانهج‬
‫اإلجتماعي يف خضم حبثه ويعترب هذا األخري والواقعياة يشارتكان يف األخاذ عان املدرساة املاركساية ‪ ،‬أماا‬
‫وعلى الرغم من بروز هذا املستوى أكثر يف اآلداب النثرية إل أناه يكشاف عناه مان خاالل األنسااق يف‬
‫الشااعر‪ ،‬وتااربز يف النقااد الثقااايف بشااكل ملفاات فالثقافااة « إنعكــاس للعمــل االجتمــاعي الــذي يبذلــه‬
‫متشـابكة‬ ‫يتظمنـه هـذا العمـل مـن عالقـا‬
‫شعب من الشعوب بكافّـة فئاتـه وطوا فـه ومظهـر لمـا ّ‬
‫»(‪ ، )1‬ويعتاارب هااذا مفهااوم إجتماااعي للثقافااة ‪ ،‬وماان هااذا املنطلااق ميكاان القااول أن الدراسااات الثقافيااة‬
‫وجب أن تتم يف إطار إجتماعي وهو ما أشار إليه الناقد ‪ ،‬لكن" اخلباز" وبواسطة هذه الدراسة رفض‬
‫تطااابق األنااا الشااعرية للمتناايب واألنااا الواقعيااة « أشـرنا ســابقا الــى صــعوبة االمســاك ب ـ ـ (أنــا ) الحقيقيـة‬
‫شــعر ‪ ،‬وأنّنــا ســنقو بتكــوين صــورة مقنعــة ومتوافقــة‬
‫والواقعيــة مــن خــالل التــاريخ أو مــن خــالل ال ّ‬
‫ضــرورة أنّهــا تكــون مطابقــة للحقيقــة»(‪ ،)2‬وقاد إختااار أداتااه النقدياة انطالقااا ماان‬
‫لهـذ األنــا ولــيس بال ّ‬
‫اجملتمع ‪ ،‬وبرفضه تطابق الصورتني يتبني وكاأنه كان يريد أن جيد انعكاسا للواقع من قبال املتنايب ‪ ،‬وهاذا‬
‫أماار يفقااد الشااعر أدبيتااه ‪ ،‬ف ا ااالتخييل واجملاااز مكونااان أساساايان يف الشااعر ‪.‬والباحاث يف هااذه النقطااة مل‬
‫يعتمد على النساق املضمرة يف شعره ‪ ،‬بل أستمد رأيه هذا من التاريخ فهاو يقصاد بعادم التطاابق ماع‬
‫الواقع ما يتعلق بقضية شرف النسب والشجاعة ‪ ،‬والبخل وطلب املال ‪ ،‬أماا عان طلاب املاال فهاذا ماا‬
‫أملته عليه احلياة واجملتمع فهو من جوهر الواقع ‪ ،‬فالبيئة اليت نشأ فيها أصرت عليه أن يقول مدحيا وأن‬
‫ميدح يف هذا و يهجو يف ذاجم ‪ ،‬ويف هذا تضارب يف وراء اخلباز فقاد باني هاذه النقطاة يف ّناياة دراساته‬
‫مع أنه رفض لتطابق الصورتني التارخيية والجتماعية لعدم تطابقهما مع الواقع ‪ " ،‬قارئ التّـاريخ يعلـم‬
‫أ ّن المتنبي عاش في عصر ضعفت فيه الخالفة ‪ /.../‬وكان المتنبي رافضا لهذا الوضع راغبا في‬
‫تغيي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر "(‪ ،)6‬وه ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ااي إح ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا اادى وراء اخلب ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا اااز ال ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا اايت ت ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ااربز واقعي ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ااة املتن ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا اايب ‪.‬‬
‫‪18‬‬

‫‪ -1‬سامي سليمان أمحد ‪ ،‬املؤسسة النقدية والستجابة لتغري الواقع ‪ ،‬ولة فصول ‪ ،‬ولة النقد األديب ‪ ،‬اهليئة املصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬املج ‪ ،11‬ع ‪ ،1‬القاهرة ‪،‬مصر‪ ،‬ص ‪01‬‬
‫‪ -2‬حممد اخلباز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪02‬‬
‫‪ -6‬املصدر نفسه ‪ :‬ص ‪.16‬‬

‫‪39‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫‪ 19‬و كاال ماقدمااه علااى حااد قااول الناقااد طمااوح سياسااي وهااو مااا ظهاار أيضااا يف أشااعاره وقااد تكلاام‬
‫"طه حسني" عن هذه الفرتة كثريا ووضع العرب ونذاجم ‪ ،‬وهذا الوضع هو ما جعل من "املتنايب" مادعيا‬
‫للنبوة وخارجا عن الدين وضعيف نسب فأناه برزت من واقع اجتماعي ‪ ،‬وما قدمه" اخلباز" يؤكد لناا‬
‫وجهااة نظاار" حممااد مناادور" يف شااأن أن مااا يااتم تقدميااه ماان قباال الفاارد هااو نتيجااة إجتماعيااة ‪،‬سياسااية‬
‫شكل والتّشكيل والسياقا ما قبـل الـنّص ومـا بعـد الـنّص‬ ‫نفسية و ثقافية « يعني أ ّن كل وجو ال ّ‬
‫تنوعــا داخــل وحــدة ‪ ،‬هــي وحــدة الــنّص ووحــدة حــدس المبــدع فــي داخــل ســياق اجتمــاعي‬
‫تمثّــل ّ‬
‫وفني وبالتّالي سياسي وثقـافي»(‪ ،)1‬وقاد أقاام الناقاد تقسايم مراحال حيااة" املتنايب" إنطالقاا مان مرحلاة‬
‫ميالده إىل مرحلة طلبه امللك ‪ ،‬ورأى يف هذه املراحل أثرا كبريا للثقافاة الغربياة علاى الثقافاة العربياة وهاي‬
‫املرحلة اليت جاء فيها شعر املتنيب منافيا لإلنسانية يرى السالطان شايء أساطوري يف حاني يارى الشاعب‬
‫أف اراد ل قيمااة هلاام وحيطهاام واارد عااائم ‪،‬وذلااك كلااه كااان لزامااا ماان فاارتة تارخييااة و ثقافااة وتمااع و هااو‬
‫الساابب الااذي أدى إىل تواشااج األنساااق النصااية والاايت تضاامر احلقيقااة وتبااني اجملاااز وهااذا األخااري هااو مااا‬
‫يتطلبه النموذج الشعري ويصنع اإلختالف ‪ ،‬وقد ظهر بشكل جلي يف أشعار املتنيب وجعل منه الناقاد‬
‫سببا يف اختفاء الصورة الواقعياة ‪ ،‬ومان وجهاة نظرناا بعيادا عان وراء "اخلبااز" هاذا هاو ماا يصانع العالقاة‬
‫بني اإلجتماعي واألديب فا ا ا ا ا ا ا ا « الكتابة األدبيـة تـنهض علـى مسـتوى المتخيـل ‪ ،‬الكاتـب فيهـا ال‬
‫يتعامل مع الواقع مباشرة وإنّما يرتسم في ذهنه ‪ ،‬وبذلك تخيـل الـ ّدالال علـى المـدلوال غيـر‬
‫مطابقة لمرجعيتها الواقعيـة »(‪ ، )2‬فنقال الواقاع بصاورة كلياة يرفاع األدبياة وحياط مان قيماة الانص األديب‬
‫إىل اإلنعكاااس اإلجتماااعي ‪،‬ومتتبااع النقااد هاهنااا يصاابح ّبثابااة عااامل اإلجتماااع ل الناقااد األديب‪ ،‬ورّبااا‬
‫يصاانع ماان خاللااه الناقااد يف وااال النقااد الثقااايف الت ازاوج إىل جانااب املناااهج النقديااة األخاارى حلاادول‬
‫التاوازن والكشااف عاان املخبااوء وراء عباااءة هااذا اجلمااايل ‪ ،‬واألنااا املتضااخمة عنااد "املتناايب" أو هااذه األنااا‬
‫اليت ل تعترب وجاود اآلخار كينوناة تاماة هوحباد ذاتاه ناابع مان واقاع ومضامر يف خطااب وراء أنسااق هاي‬
‫من سامهت يف رسم هذه النسقية‪.‬‬

‫‪ -1‬حممود أمني العامل ‪ ،‬حممد مندور والنقد الثقايف ‪ ،‬ولة فصول ‪،‬ولة النقد األديب ‪ ،‬اهليئة العامة للكتاب ‪ ،‬املج ‪ ،11‬العدد‪،1‬‬
‫ص‪.666‬‬
‫‪ -2‬الد فرعون ‪،‬احلقول الدللية" مقاربة دللية"‪ ،‬ولة النقد والدراسات األدبية ‪ ،‬مكتبة الرشاد‪،‬ع‪ ،01‬اجلزائر ‪ ، 2000،‬ص‬
‫‪160‬‬

‫‪40‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫وإذا كان اخلباز أعاب على الشاعر احلط من قيمة النسان إىل أسفل الدرجات ‪ ،‬فقد بني يف موضع‬
‫وخر كون الشعور بالذات واإلحساس بالفوارق حيال اآلخر هو ما يصنع هذه الصورة ومن هنا يتأكاد‬
‫لنا أنه ولو عظُمت قيمة اجملاز يف أشعار الشاعر فإّنا دللة على التجسيد للواقاع ‪ ،‬لخاتالف الساياق‬
‫الصادق والثقة‬
‫الصحيح والحس ّ‬
‫النصي « الموق االنساني بذاته حيال الواقع إذا اعتمد النّظر ّ‬
‫باالنسان وبالقوى الناميـة الـى أبعـد حـدود الثقـة ‪،‬كـان مبعـث االلهـا واللهـب الوجـداني فـي مـا‬
‫يصنع الكاتب»(‪ ، )1‬هاذا هاو أحاد وراء الكتااب الاواقعيني ورّباا حييلناا اىل غاري ماا أخاذنا إلياه "اخلبااز"‬
‫فاإلهلام احلق يتأتى من الشعور اإلنساين باالواقع ‪ ،‬واملتنايب صانع اإلخاتالف دون شاعراء عصاره وإن دل‬
‫ذاجم على شيء فإنه يدل على واقعية الشاعر‪.‬‬
‫وإن كان الكتاب الذي بني أيدينا يناقش أحد أسئلة النقد الثقايف و هذا اإلختالف بني األنا واآلخر‬
‫وما تر ه هذه الثنائية ‪،‬وما ر ته الثقافة العربية يف تقديس املركز واميش اآلخر هو حبد ذاته واقع‬
‫عايشة الكاتب كما عايشه الشاعر قبال ‪ ،‬ولكن الواقع اإلجتماعي العريب يقدم نفسه دوما ثال‬
‫البوابة الرئيسة لكل مشروع حبثي وهذا ما حلظناه يف هذه الدراسة ‪ ،‬واعتبار صورة اآلخر بالنسبة‬
‫يتحرك في الواقع‬‫ش َّك ٌل في المتخيل وفي الخطاب ‪ّ ،‬أما اآلخر فهو الكا ن الذي ّ‬ ‫للناقد « م َ‬
‫»(‪ ،)2‬وّبا أن املتخيل يف حد ذاته نسق هو اآلخر وكون الناقد يرى أنه " جزء مدغم في الواقع‬
‫وبعد مكون لميدان الممارسة إلى درجة يصعب فيها التمييز بينهما فكثير من الثقافا تعيش‬
‫في الواقع بواسطة المتخيّل وأخرى تعيش في المتخيل الذي يعاش كواقع أو هو الواقع‬
‫المتخيّل "(‪ ،)6‬فما قدمه "املتنيب" ولو مل يطابق الواقع مطابقة كلية إل أنه شكل نوعا من املراوغة‬
‫الواضحة على مستوى الدللة الثقافية ‪ ،‬وتشكيل صورة الفرد اآلخر عذه الصورة بالنسبة للباحث من‬
‫خالل ما قدمه املتنيب هي صورة واقعية كوّنا ارتسمت كصورة موازية هلذه األنا الفردية و اآلخر خيتلف‬
‫من ذات ألخرى ‪ ،‬وهو ما أدى إىل تغليب املتخيل يف الشعر على حساب الواقع ‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫‪ -1‬حسن مروة ‪ ،‬دراسات نقدية يف ضوء املنهج الواقعي ‪ ،‬مكتبة املعارف ‪ ،‬بريوت‪،‬لبنان‪ ،1266،‬ص‪116‬‬
‫‪ -2‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪20‬‬
‫‪ -6‬م ن‪ ،‬ص ‪20‬‬

‫‪41‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬مستويات اشتغال النّقد الثّقافي‬

‫فهذه اجملاوزة للواقع و اليت حاول الناقد من خالهلا إبراز اإلختالف بني الصورتني النصية والتارخيية‬
‫الواقعية هي حبد ذااا من متطلبات هذا الواقع خصوصا من قبل املبدع و ل ميكننا تفويت هذا‬
‫الالتناسق بني الفرتة التارخيية اليت قيل فيها هذا وبني فرتة أقيم فيها هذا النقد‪ ،‬فاملرحلة اإلجتماعية‬
‫هي اليت تسفر على أي خصوصية أدبية "فالكاتب ذاكرة أخرى تقيم المسافة مع هذا المتخيّل ‪،‬‬
‫‪ ،‬وبين‬ ‫تكونه وللكتابة زمنها المختل‬
‫تتعامل معه ‪ ،‬ترى فيه ‪ ،‬تكتب منه ‪،‬لهذا المتخيّل زمن ّ‬
‫المادي من حيث هو حضور فيه في نظا العالقة فيه ‪ ،‬أي‬
‫الزمنين تستمر عالقة الفرد بالواقع ّ‬
‫ّ‬
‫فيما يح ّدد له موقعا يحكمه ويتجاوز كفرد "(‪ ،)1‬ونعترب ما قالته "ميص العيد" تأكيدا ملا توجه إليه‬
‫الناقد حينما ربط املرحلة اإلجتماعية بالصورة الشعرية ‪ ،‬على غرار الصورة التارخيية اليت تقدمت يف‬
‫العديد من صفحات الكتاب واليت جعل منها الكاتب مرادفة للواقع ‪.‬‬
‫واستدلل ّبقولة أليب متام على األرجح أن يكون "اخلباز" موافقا له الرأي يف احلديث عن صورة "أنا"‬
‫املتنيب بني التاريخ والواقع ‪:‬‬
‫غرر في أوجـ ـ ـ ـ ـ ــه ومواسـ ـ ـ ــم‬
‫ل ـ ـ ـ ــه ٌ‬ ‫وما هو إالّ القول يسري فتغتدي‬
‫(‪)2‬‬
‫ويُقضى بما يقضي به وهو ظالم‬ ‫يرى حكمة ما فيه وهو ف ـ ـ ـ ـ ـ ــكاهة‬
‫فهذه موافقة من قبل الناقد على سحرية الشعر ‪ ،‬وعدم مطابقته للواقع ‪ ،‬ويبني أيضا أنه منذ سالف‬
‫ُخر أيضا فما قدمه "املتنيب" يف شعره وما نُقد من خالله‬
‫زمن على رفع أقوام واحلط من قيمة أقوام أ َ‬
‫أقامه العديد من الشعراء قبله و ختييلية الشعر هو ما تكشفه املضمرات النسقية وتضافر عدة مناهج‬
‫هو ما يصنع اإلرتباط مع الواقع ‪،‬وهذا ما حاول الناقد الرتكاز عليه يف حبثه هذا ‪ ،‬خصوصا من‬
‫خالل املنهج اإلجتماعي والنفسي ألن ربط األدب واألديب بالواقع حيصل انطالقا من نفسية األديب‬
‫وبيئته اإلجتماعية بصفة خاصة وهو ما ركز عليه الناقد يف دراسته وما حاولنا التوسع من خالله لفهم‬
‫‪21‬معطيات كتاب صورة اآلخر لا ا اا"حممد اخلباز"‪.‬‬

‫‪ -1‬ميص العيد ‪ :‬يف معرفة النص ‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات دار اآلفاق اجلديدة ‪،‬بريوت(لبنان) ‪ ،1266 ،‬ص ‪60‬‬
‫‪ -2‬حممد اخلباز ‪ :‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪61‬‬

‫‪42‬‬
‫محمد الخبّاز‬
‫أشكال التعالق النقدي في كتاب ّ‬
‫‪ -1‬عالقة النقد الثقافي بالنقد السياقي‬
‫‪ 1/1‬عالقة النقد الثقايف باملنهج التارخيي‬

‫‪ 2/1‬الطرح االجتماعي يف النقد الثقايف‬

‫‪ 3/1‬صورة اآلخر بني النقد الثقايف و النقد األيديولوجي‬

‫‪ -2‬عالقة النقد الثقافي بالنقد النّسقي‬


‫‪ 1/2‬البنيوية وعالقتها بالنقد الثقايف‬

‫‪ 2/2‬النقد الثقايف وعلم العالمات‬

‫‪ 3/2‬األنا واآلخر بني النقد الثقايف و علم األسلوب‬

‫‪ -3‬عالقة النّقد الثقافي بالنّقد األيديولوجي‬


‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫يبدو من خالل طرح "فنيست ليتش" ملصطلح النقد الثقايف أ ّن النّقد الثقايف « ‪ /.../‬ليس‬
‫تغييرا في مادة البحث فحسب ولكنه أيضا تغير في منهج التحليل ‪ ،‬يستخدم المعطيات‬
‫النظرية والمنهجية في السوسيولوجيا والتاريخ والسياسة من دون أن يتخلى عن مناهج التحليل‬
‫األدبي والنقدي »(‪ ، )1‬وهذا ما يربز ارتباط النقد الثقايف مع غريه من النظريات واملناهج األخرى‬
‫وذلك نابع من كونه ذا مهمة متداخلة مرتابطة ومتع ّددة ‪ ،‬وقد اختلفت املناهج النقدية اليت ظهرت‬
‫تباعا قبل ظهور النقد الثقايف بني نسقية تبحث يف النص وسياقية تبحث يف ظروف ومالبسات‬
‫كتابة النص‪ ،‬وقد أقام النقد الثقايف عالقات واضحة مع النقد السياقي تظهر جليا بصورة أو بأخرى‬
‫يف خمتلف دراسات النقد الثقايف ‪.‬‬
‫‪ -1‬عالقة النقد الثقافي بالنقد السياقي ‪:‬‬
‫ومبا اننا ال نعين بالنقد الثقايف نقدا للثقافة وامنا هو قراءة للثقافة للبحث يف االمناط املضمرة واشكال‬
‫التعالق النّقدي اليت ختتبئ حتت عباءة اجلمايل يف النقد االديب ‪ ،‬فالنقد الثقايف يعتمد على أدوات‬
‫النقد األديب ‪ ،‬وهذا األخري الذي تندرج ضمنه جمموعة من املناهج املهتمة بالسياق العام لكتابة‬
‫النص و« الظروف التي ظهر فيها العمل الفني وتأثيراته في المجتمع وهي تشمل جميع‬
‫العالقات المتبادلة بين العمل وبين األشياء أخرى » (‪،)2‬وتقوم هذه النظرية بدراسة وتقييم‬
‫األعمال األدبية و الفنية للفنان إنطالقا من سياق أعماله أي ال ّدافع العام لكتابة العمل األديب ‪.‬‬
‫النقد السياقي إذن هو ذلك النوع من النقد « الذي يبحث في السياق التاريخي واإلجتماعي‬
‫والنفسي لألدب ‪ ،‬ويعد ظهور وتطور النقد السياقي أبرز تطورا في تاريخ النقد منذ منتصف‬
‫القرن التاسع عشر ويقوم هذا النقد على دراسة الفن من خالل سياقه التاريخي أو اإلجتماعي‬
‫أو النفسي‪،‬على اعتبار أن بعض األعمال الفنية نواتج إجتماعية وتجسيدا لمعتقدات‬
‫حضارية » (‪.)3‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل الغذامي ‪ ،‬النقد الثقايف " قراءة يف االنساق الثقافية العربية" ‪،‬ص ‪31‬‬
‫‪-2‬م ن‪ ،‬ص ‪11‬‬
‫‪ -3‬ينظر م ن ‪،‬ص ‪22‬‬

‫‪44‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫السياق التاريخي في النقد الثقافي ‪:‬‬ ‫‪1-1‬‬

‫بالعودة اىل كتاب "صورة اآلخر يف شعر املتنيب" حييلنا العنوان إىل صورة نقلها لنا التاريخ‬
‫باإلضافة إىل أشعار "املتنيب" فقد وصلتنا من تاريخ عريق رمسته العالمة الفارقة يف الشعر العريب‬
‫الرتاثي ‪ ،‬أ ّما عن اآلخر فريمسه" األنا "‪ ،‬هذه األخرية اليت طاملا تغىن هبا "املتنيب" يف أشعاره ويستلهم‬
‫تصورا هلذا "اآلخر" من خالل "أنا" "املتنيب" ‪ ،‬وهذا ما جنده يتماشى مع ما‬ ‫الناقد يف دراسته هذه ّ‬
‫بتطور التاريخ‪.‬‬
‫أقره "هيغل" أيضا يف دراساته يف املنهج التارخيي وذلك عن طريق ربط وعي اإلنسان ّ‬ ‫ّ‬

‫ويعد املنهج التارخيي من بني أبرز املناهج اليت انفتح عليها النقد الثقايف ‪ ،‬ذلك الرتباطه الوثيق‬
‫بالتطور األساسي للفكر اإلنساين وانتقاله من مرحلة العصور الوسطى إىل العصر احلديث وهذا‬ ‫ّ‬
‫التطور الذي يتمثّل على وجه اخلصوص يف بروز الوعي التارخيي ‪،‬هو ما ميثل السمة األساسية الفارقة‬
‫ّ‬
‫بني العصر احلديث والعصور الوسطى « وفيما يتصل باجملال النّقدي على وجه اخلصوص جند اإلطار‬
‫الفكري انبثق داخله الوعي التارخيي»(‪ ، )1‬وهذا ما جنده يف متابعة الناقد لإلطار الفكري التارخيي‬
‫للمتنيب وجند التاريخ يف دراسته اخليط الوحيد الذي يربط أغلب صفحات هذه الدراسة ‪ ،‬ولكن‬
‫يبقى هدفها األول ثقايف ال أديب وهذا ما يربر إدراجها يف هذه الدراسة ‪ ،‬وهذا ما حييلنا إىل ما ذكرناه‬
‫سابقا يف ما هتدف إليه التارخيانية اجلديدة يف « فهم العمل أو األثر األديب ضمن سياقه التارخيي مع‬
‫الرتكيز على التاريخ األديب والثقايف واالنفتاح أيضا على تاريخ األفكار » (‪ ، )2‬وأول ما يلفت النّظر يف‬
‫هذه الدراسة هو اإلنطالقة ‪ ،‬فـ ـ ـ ـ "صورة اآلخر " و هي إحدى أهم األسئلة اليت طرحها النقد الثقايف‬
‫باإلضافة إىل اجلدل بني اآلخر واألنا هذه األخرية اليت غلبت على روح" املتنيب" حيث يقر الناقد أنّه‬
‫الصعب فصل اآلخر كمفهوم يف تعريفه عن مفهوم ال ّذات ذاك ّأّنما دائرتان متداخلتان‬ ‫« من ّ‬
‫‪23‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ج ّدا »‬

‫‪ -1‬صالح فضل ‪ ،‬مناهج النقد املعاصر ‪،‬ط‪ ،1‬دار سريت ‪ ،‬القاهرة ‪،‬مصر ‪ ، 2222،‬ص ‪22‬‬
‫‪ -2‬مجيل محداوي ‪ ،‬نظريات النقد األديب ‪ ،‬شبكة االلوكة ‪ ،‬املغرب ‪،‬ص ‪191‬‬
‫‪ -3‬حممد اخلبّاز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪21‬‬

‫‪45‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫أي أن هذه الصورة املتداخلة بني األنـا واآلخـر متّـ ّذرة يف التـاريخ ‪ ،‬وصـنعت العالمـة الفارقـة يف النقـد‬
‫الثقــايف ‪ ،‬واجلــدير بالــذكر أ ّن الناقــد أعلــن يف بدايــة دراســته أن "املتنــيب" ختلّــى عــن فردانيتــه لتحـ ّـل حملّهــا‬
‫اجلماعة والتاريخ هو ما يكشف ذلك « واآلخر ليس مفهوما فرديا فقط إنّهه مفههوم جمعهي أيضها ‪،‬‬
‫تصوراته عن اآلخر بناءا علهى تص ّهورل لذاتهه ‪ ،‬فهان المجتمهع ذهذلي يكهون‬
‫فكما أ ّن الفرد يش ّكل ّ‬
‫تصورا عن اآلخر بنهاء علهى تص ّهورل لهذاتـه » (‪ ،)1‬وإذا كـان الناقـد يـرى أ ّن « تـالزم مفهـوم (صـورة‬
‫له ّ‬
‫الذات) ومفهوم ( صورة اآلخر) فاستخدام إحدامها أو ذكره يسـتدعي تلقائيـا اآلخـر»(‪،)2‬وهـذا مـا تـراه‬
‫التارخيانية اجلديدة وتسعى للوصول إليه فهي ترى أ ّن اجملـال الثقـايف منطقـة نـزاع تتـداول قـوى متعـ ّددة ‪،‬‬
‫يوضــح لنـا الناقـد العالقـة التكامليــة بـني األنــا واآلخــر والـيت تــأ حاملـة لنســق ثقـايف يــربز مــن‬
‫وبعـد أن ّ‬
‫خالل السياق التارخيي للنّص األديب وهذه إحدى الوظائف اليت يبحث فيها النقد الثقايف ‪ ،‬فاإلهتمام‬
‫باألنســاق املضــمرة هـي املطلوبـة واخلطابــات حاملــة لعالمــات ثقافيــة ‪،‬وكــان لزامــا التّعامــل معهــا بــالفهم‬
‫تتوسله الدراسة النّقدية فإ ّن الناقد حـاول البحـث يف هـذه‬ ‫والتفسري ‪ ،‬وملّا كانت هذه األنساق هي ما ّ‬
‫املؤرخون والنّقـاد « فقهدرة الشهعر قهديما علهى رفهع منللهة أقهوام و خفهض منللهة‬ ‫دونه ّ‬ ‫األنساق يف ما ّ‬
‫أخههرى » ‪ّ ،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أسســت الزدهــار ف ـرتات تارخييــة بازدهــار شــعرائها وســقوط أخــرى ومــن ال يعلــم قضــية‬
‫اإلحتفــال بشــاعر جديــد يف القبيلــة والتغــين بــه أمــام بــاقي القبائــل فكــان التــاريخ العــريب تــاريخ شــعر ‪،‬‬
‫ضـر لــه العــريب ال يف الزمــان وال املكــان ‪،‬‬
‫والزال العــرب يتغنّــون بشــعرائهم يف اجلاهليــة وكــل ذلــك حي ّ‬
‫وال حيظى بـنف األمهيـة الثقافيـة علـى الـرغم مـن اخـتالف الطبقـات اإلجتماعيـة ‪ ،‬وصـلنا هـذا الـرتا‬
‫العريب األصيل وكان للتّاريخ ال ّدور األكرب « والمنهج التاريخي في النّقد مفيهد مهن حيهث أن يأخهذ‬
‫نفسه و ال يمكن أن يكتفي بدراسة المؤلّف األدبي الذي أمامه ‪ ،‬بل ال بهد مهن أن يحهيط بكافهة‬
‫(‪))4‬‬
‫م ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه هها ألّه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ههف الكات ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ههب ليك ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ههون حكم ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ههه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ههحيحا ش ه ه ه ه ه ه ه ه ه ه ههامال»‬
‫‪3‬‬

‫‪ -1‬حممد اخلبّاز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪،‬ص ‪23‬‬


‫‪ -2‬م ن‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪-3‬م ن ‪ ،‬ص ‪31‬‬
‫‪ -4‬صالح فضل ‪ ،‬مناهج النقد املعاصر ‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪4‬‬

‫‪46‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫وال يعد" اخلباز" من النّقاد األوائل الذين وظّفوا املنهج التارخيي ضمن دراساهتم الثقافية ف ــ"جابر‬
‫عصفور" أشار إىل أ ّن املنهج التارخيي « يستخدم في قراءته للنصوص التراثية باعتبارها نسقا‬
‫واحدا غير خاضع للتراذم العشوائي وغير قابل لفعل انتقائي ال يعكس سوى إيديولوجية‬
‫التطور الوحيد »(‪ ،)1‬وهذا ما أقام الناقد‬
‫مفروضة على النسق إنما هذا النسق الواحد يحكمه ّ‬
‫على أساسه هذه الدراسة « وبما أنّا هنا نريد أن نستجلي واقع أنا المتنبي فمن حقنا أن نتساءل‬
‫إذا ذنّا نستطيع اإلمساك بهذا الواقع من خالل الشعر لطبيعة المراوغة و اللئبقية فهل‬
‫سيمكننا ذلي من خالل التاريخ » ‪ ،‬وذلك ال يتم إالّ من خالل رصد حيل الثقافة اليت ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫تتمرد‬
‫عرب أنساق النّصوص واخلطابات ‪ ،‬والناقد هنا ال يقصد بالزئبقية واملراوغة املصاحبة لشخص" املتنيب"‬
‫بل الشعر « فالشعر بطبيعته التخييلية مراوغ ومنلاح عن الواقع »(‪ ، )3‬ويقيم "اخلبّاز" يف هذا‬
‫املقام تتبّعا بطيئا حول السياق التارخيي لإلمساك بالواقع الذي عاشه" املتنيب" للوصول اىل املضمرات‬
‫الرغم من اعرتافة بكون التاريخ يف هذه الفرتة يكن أحسن حاال من الواقع‬ ‫النسقية الثقافية ‪ ،‬على ّ‬
‫املؤرخ األديب هنا تفسي التغريات اليت تظهر يف نسق‬ ‫« وحتت تأثري التطور العام للثقافة واجملتمع ودور ّ‬
‫املعايري األدبية »(‪ ، )4‬وال ميكن الوصول إىل هذه التغريات اال من خالل فهم األحدا وهذه األخرية‬
‫التعرف عليهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا إال من خالل وسيط هو يف الغالب النص التارخيي ‪ ،‬الذي يقرتب‬ ‫اليت ال ميكننا ّ‬
‫صحة احلواد اليت يؤّرخها التاريخ‬ ‫الصدد ضعف ّ‬ ‫من النصوص األدبيـ ـ ـة وال خيفي الناقد يف هذا ّ‬
‫ويعتربها املشكلة األكرب اليت تعرتض دراسته مستدال على ذلك بقول أليب العالء ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫واقرتهتا للم ــكس ـ ـ ـ ــب القدماء‬ ‫غريتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــها رواة‬
‫وأح ـ ــاديث ّ‬

‫‪4‬‬

‫‪ -1‬مهدي بندق ‪ ،‬حداثتنا املعاصرة ‪ ،‬ملتقى صور االزبكية ‪ ،‬اهليئة العامة لقصور الثقافة ‪ ،‬األردن ‪،‬فرباير ‪ ،2223‬ص ‪119‬‬
‫‪ -2‬حممد اخلباز‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪32‬‬
‫‪ -3‬م ن‪ ،‬ص ‪32‬‬
‫‪ -4‬عبد اهلل القصيمي ‪ ،‬هذي هي األغالل ‪ ،‬ص ‪43‬‬
‫‪ -2‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪33‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫‪5‬‬
‫وانطالقا من ذلك واصل حديثه رافضا صعوبة اإلمساك بواقع ( أنا )" املتنيب" وأنّه ال يضعها هدفا‬
‫هلوإمنا يسعى لوضع صورة مقنعة من خالل إقامة مقارنة بني الصورة التارخيية والنصية ‪ ،‬وكل ذلك‬
‫إنطالقا مبا ذكره التاريخ وما جاء على ألسنة النقاد‪.‬‬
‫دل ذلك على شيء فإنّه يدل‬ ‫يعنون الناقد فصله األول ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ( صورة املتنيب بني شعره والتاريخ ) ‪ ،‬وإن ّ‬
‫على عدم التطابق بني تاريخ" املتنيب" وشعره ‪ ،‬حيث علينا االشارة هنا قبل التعرف على الصورة‬
‫عرب هبا "املتنيب" واليت تتبّعها" اخلبّاز" إىل املرحلة التارخيية وموقف "املتنيب" املتكون من‬ ‫النصية اليت ّ‬
‫اجملتمع املعاصر ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ « حينما تدفعنا خطانا إلى البحث في األنساق الثقافية سنكتشف أنّنا نقرا‬
‫التاريخ البشري والسيرة البشرية » ‪ ،‬وهو ما ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫وضحه "اخلباز" أيضا « باستقراء ترمجات املتنيب‬
‫القدمية واليت كونت شخصية املتنيب يف أذهان األجيال التالية ‪ ،‬كوّنا النصوص التأسيسية » (‪،)2‬‬
‫الرافضة‬
‫فالنسق الثقايف الذي يسعى للحفر من خالله للوصول إىل هذه األنا الفردانية املتعالية ّ‬
‫للمّتمع كان يف احلقيقة قراءة يف التاريخ وحبثا يف السرية البشرية ‪.‬‬
‫اعتربها‬
‫لطاملا نُعت "املتنيب" بشاعر الفردانية واألنا املتعالية ‪ ،‬وأشارت له أقالم النقاد واملفكرين و ر‬
‫مكونات شخصية الشاعر ‪ ،‬وقد استقاها من النصوص الرتاثية وأمهّها مسألة ضعف‬ ‫"اخلباز" من ّ‬
‫النبوة ‪ ،‬لكن جتدر اإلشارة إىل أ ّن هذين العنصرين من صنع التاريخ وهذا ما يندرج‬ ‫النسب و ّادعاؤه ّ‬
‫ضمن دراسات النقد السياقي‪ ،‬هذا األخري الذي من خالل تتبعه يستطيع الناقد فهم األعمال ‪،‬‬
‫فالبعد التارخيي الذي أقامه من خالل كرونولوجيا حياة الشاعر رغم سياقيته يبقى ذا أمهية يف البناء‬
‫الداخلي للعمل األديب وهذا ما يؤكد ضرورة االرتباط بني الصورة النسقية والتارخيية ‪ ،‬وهذا ما دفع‬
‫بالناقد إلقامة مفارقة بينهما ورفض اخلبّاز كون الصورة النصية مطابقة لنظريهتا التارخيية فهي ليست‬
‫كل احلقيقة ‪.‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل الغذامي ‪ ،‬القبيلة والقبائلية ‪ ،‬ص ‪14‬‬


‫‪ -2‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪،‬ص ‪44‬‬

‫‪48‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫« ّإّنا صورة ملا يريده الكاتب أن تكون أو ّإّنا صورة ملا يتوهم الكاتب أنّه احلقيقة لكن قد ال تكون‬
‫احلقيقة بعيدة ألنّه ال يعرف ذاته جيدا بعـ ـ ــده » (‪ ،)1‬فه ـ ـ ــذا اعـ ـ ـ ـرتاف واضح وصريح من الن ـ ــاقد ع ـ ــلى‬
‫تضارب صحة ما ورد يف أشعار املتنيب حني مطابقتها لواقعه التارخيي ‪ ،‬ولكن الدكتور "مصطفى أمني‬
‫الرفاعي "يرى أ ّن « القصيدة اليت قاهلا املتنيب يف حياة دولة اخلدم تعرب عن جتربة الثورة يف نفسه وهي‬
‫تعك صورة األفكار الثورية األوىل ‪ /.../‬وكان هدف" املتنيب" بعث الـ ـ ـدولة العـ ـ ـربية و إعـ ـ ـ ـ ـادة أجماد‬
‫اإلمرباطورية اإلسالمية » (‪ ، )2‬فشرف النسب هي صورة نصية يراها "اخلبّاز" كثريا يف شعر "املتنيب"‬
‫بل وجدها بقبيلته ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ف أن تسكن اللَّحم والعظر رما‬ ‫هبا أرنر ٌ‬ ‫وإنـّي مل ــن قوم كأ ّن نفوس ـ ـ ــهم‬
‫هذا لي باألمر الكايف للحكم على املتنيب بضعف نسبه ‪ ،‬ذلك أنّه يف كثري من أشعاره أعلن تساميه‬
‫وترفّعه عن احلياة العادية ‪ ،‬حىت أنّه عاب عليه شعره الذي ي ّدعي فيه عدم االهتمام باملال من ناحية‬
‫صورها و يعاشها فهو طالب للمعايل ال طالب للمال وحىت مدحه وتقّربه طموح ‪:‬‬ ‫أ ّن املتنيب ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫ومســعاي منها يف شدوق األراق ـ ــم‬ ‫ومايل ولل ّدنيا طاليب جن ـ ـ ـ ــومها‬
‫فالناقد ح ّدد مالمح شخصية الشاعر من خالل الصورة التارخيية اليت ح ّددهتا املفارقة اليت أقامها ‪ ،‬ال‬
‫من خالل الصورة النصية فأصبح رافضا للمطابقة بينهما ‪ ،‬فضعف النسب والبخل وطلب املال‬
‫واخلوف من املوت هي ما استخلصه "اخلباز" يف طيات دراسته ال ما ق ّدمه الشاعر من خالل الصورة‬
‫النصيه ‪ ،‬فهذه الصورة التارخيية كشفت عن مضمرات نسقيه كانت حتول إىل صعوبة اإلمساك ب ـ ـ ــ"أنا‬
‫" احلقيقة الواقعية « ‪ /.../‬وأنّنا سنقوم بتكوين صورة مقنعة ومتوافقة ولي بالضرورة أن تكون مطابقة‬
‫‪6‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫للواقع »‬

‫‪-1‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ -2‬مصطفى أمني الرفاعي ‪ ،‬املتنيب وشوقي ‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪ -3‬حممد اخلباز‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪24‬‬
‫‪ – 4‬م ن‪ ،‬ص ‪24‬‬
‫‪ -2‬م ن ‪،‬ص‪29‬‬

‫‪49‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫إقامة املفارقة بني الصورة النّصية والتارخيية ليست مشروطة إن تتقابل الصورتني‪ ،‬وهو ما ذهب‬
‫إليه الشكالنيون الروس « إ ّن النسق األديب مقابل للنسق التارخيي يتميز باستقاللية معينة أل ّّنا ار‬
‫األشكال واملعايري الثقافية املختلفة » (‪.)1‬‬
‫وهذا أقرب إىل الصواب خصوصا وأن "املتنيب" ف ّذ بفصاحته‪ ،‬و هذا األمر كذلك نقله لنا التاريخ ورّمبا‬
‫يوضحها النّاقد كالتايل ‪:‬‬
‫تدخل يف املفارقة ع ّدة نقاط أخرى ّ‬
‫تكونا من خالل‬ ‫‪ -‬مسألة النسب والنّ ّبوة فلم خيض فيهما النّاقد وذلك لكوّنما أمرين ّ‬
‫العداوات اليت تبعت الشاعر ‪،‬وذاك كون« املتنيب قد مين يف حياته وبعد موته بضروب من العداوات‬
‫الرجل مزلّة ال تشت عليها قدم وال يهتدي فيها إال بصري متثبت ‪ ،‬ولو نظرت إىل‬ ‫قد جعلت تاريخ ّ‬
‫أقوال األصفهاين صاحب (إيضاح املشكل) وما رواه يف مق ّدمة كتابه ممن كان يتحامل على أيب‬
‫بالسوء »(‪ ، )2‬وهذا هو السبب الذي جعل الناقد خيرج مسأليت ضعف النسب و‬ ‫الطيب ويذكره ّ‬
‫النبوة من معاجلته ‪ ،‬مستفيدا من األنساق الداخلية ‪ ،‬للنصوص الشعرية والتتبع التارخيي للظروف‬ ‫ّ‬
‫احمليطة بإنشاء النصوص الشعرية اخلاصة بالشاعر ‪.‬‬
‫ّأما فيما خيص بعض القضايا اليت تناوهلا" اخلبّاز" بال ّدرس واملسؤولة على تشكل أنا "املتنيب"‬
‫قضية (طلب املعايل)‪ ،‬فصورهتا التارخيية هي (البخل وطلب املال ) وهو ها هنا يذ ّكرنا برأي‬
‫بالشحاذ والك ّذاب ‪ ، /.../‬وهو أيضا يوافق "الغ ّذامي" يف هذا‬ ‫الشاعر ّ‬‫"الغذامي" حينما نعت ّ‬
‫التعرب عن‬
‫أي خلل ‪،‬ولكنّه يرفض الصورة النّصية كوّنا ّ‬ ‫اجلانب‪ ،‬فالصورة التارخيية ال يوجد فيها ّ‬
‫الواقع‪ ،‬فاألنساق احلاضرة ال توازي الواقع يف شيء‪ «7‬لن يكون األمر غريبا لألسف أن حيظى املتنيب‬
‫بإعّابنا املفرد مذ كان هو الشاعر األكثر نسقية ‪ ،‬ولي إعّابنا به إالّ استّابة نسقية غري واعية‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬وهو ما استنتّناه من خالل‬ ‫حيرك ذائقتن ـ ـ ـ ـ ـا »‬
‫منّا ‪ ،‬إذ أنّنا واقعون حتت تأثري النّسق الذي ّ‬
‫دراسة الناقد أيضا ‪ ،‬وما كشفته الدراسات التارخيية ‪...‬ز‬

‫(‪ -)1‬يوسف عليمات ‪ ،‬مجاليات التحليل الثقايف ‪،‬ط‪ ،1‬دار فارس ‪،‬بريوت ‪،‬لبنان‪ ،2224 ،‬ص‪.42‬‬
‫‪ -)2(7‬حممد اخلباز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪29‬‬
‫(‪ -)3‬عبد اهلل الغ ّذامي ‪ ،‬النّقد الثقايف ‪131 ،‬‬

‫‪50‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫‪ .‬ويس ـ ـ ـتدل الناقد على جمموعة من املظاهر السياسية واالجتماعية بإمكان القارئ للتاريخ أن يعلمها‬
‫فعصر "املتنيب" عصر ضعفت فيه اخلالفة وتعاظم شأن من ال شأن هلم ورّمبا كان ذلك سبب رفض‬
‫املتنيب لذلك الوضع ‪.‬‬
‫إ ّن التّمــايز بــني الصــورتني النســقية والتارخييــة يف رؤيــة الشــاعر أو حماولــة إظهارهــا يف الصــورة النصــية‬
‫إظهــارا واعيــا قصــديا وهــي املفــاتيح الــيت اســتطاع مــن خاللــه الناقــد إب ـراز هــذا التضــاد ‪ ،‬وبعــد تقدمي ـه‬
‫تعرض هلا "املتنيب" ش ّكك حىت يف كون الشاعر ( خبيـال أو جبانا)‬ ‫جملموعة من الفنت واملزالق اليت ّ‬
‫ذلك أن يكون من تلفيق الرواة ‪ ،‬ولكن ذلك ال يعين إبطال ما قيل‪ ،‬بل على العك واصل‬
‫"اخلبّاز" إقامة املفارقة (بالعودة إىل الصورة النصية) باعتبارها الصورة النسقية املتكاملة وكأ ّن" املتنيب"‬
‫بذلك يعيد الناقد إىل اإلعرتاف بتطابق التاريخ مع النص ويكشف ذلك من خالل النّسق وهذا ما‬
‫يعيدنا إىل قول" الغ ّذامي" بأ ّن "املتنيب" « شاعر مكتمل النّسقيّة »(‪. )1‬‬
‫بصحة إحدى اخلصلتني ( البخل أو اجلنب ) هدما للص ـ ـورة النصيـ ـ ـ ـة بأكملهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا ذلك‬ ‫ويعترب التسليم ّ‬
‫لعدم توافقها مع الواقع ‪ ،‬ورّمبا كان االمر األجنح أن جند الدك ـ ـ ـ ـتور" ي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوسف عليمات" يقول «‬
‫(‪)2‬‬
‫يصبح النص الشعري يف أمسى جتلّياته حماولة للمعاجلة مع ال ـ ـ ـواقع بكيفية أو بأخ ـ ـ ــرى ‪»/.../‬‬

‫‪8‬‬

‫‪ -1‬يوسف عليمات ‪ ،‬مجاليات التحليل الثقايف ‪ ،‬ص‪41‬‬


‫‪ -3‬م ن ‪،‬ص‪41‬‬

‫‪8‬‬

‫‪51‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫فالصورة اليت نقلها "املتنيب" ال متثل الواقع أي أّنا ال تطابقه حىت وإن كانت على عالقة به فالظروف‬
‫التارخيية اليت نُقلت تقر بذلك ‪ ،‬لكن النسق يرسم غري هذه الصورة فعلينا تقبلّها ‪.‬‬
‫قسم الناقدحياة املتنيب إىل مراحل مجيعها ترتبط باملبحث التارخيي ‪ ،‬أبرز ما يش ّدنا فيها هو فكرة‬ ‫وقد ّ‬
‫الس ـ ـعي لت ـ ـحقيق‬
‫هذه اجلماعة اليت سرعان ما تتالشى يف الفرتات الالحقة لنّـ ـ ـ ـده يوضح ال ـ ـوحدة و ّ‬
‫املطالب الذاتية ‪ ،‬ويف خمتلف األبيات اليت ق ّدمها الناقد إتّضح أ ّن هذه الفردانية والذاتية املفرطـ ـ ـ ـة عند‬
‫الشاعر هي نتيّة فعلية ملا فعلته املكائد يف التاريخ وما بدى تأثريه واضحا يف أنساق شعره ‪ ،‬وت ـ ـ ـعترب‬
‫هذه من إحـ ـ ـدى أه ـ ـم ال ّدالالت النسقية اليت أشار إليها "الغ ّذامي" يف مجلته الثقافية وهي « تحقي ه هر‬
‫اآلخر واعتبارل مثابة الخصهم الذي الب ههد من سحق ههه » (‪، )1‬وهذه األنسـ ــاق اليت تظهر يف الصـ ــورة‬
‫التارخيية ختتفي يف اخلطاب الشعري للمتنيب‪ ،‬قد ص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــار لزامـ ـ ـ ـ ـ ـا على الق ـ ـ ـ ـ ـارئ أن يتّخذ من ال ـ ـقـ ـراءة‬
‫الثقاف ـ ـ ـ ـية الوجهة لكشف مضـ ـ ـ ـمر القبح والزيف فيها ‪ ،‬وهذه هي املرحلة اليت اعتربها الناقد انطالقة‬
‫عزته وكرامته وشعره لتـ ـ ـ ـحقيق ح ـ ـ ـلمه ‪ ،‬وق ـ ـد علّ ـ ـق" الغ ّذامي" على‬ ‫"املتنيب" إىل املديح ونعته مبن ب ـ ـاع ّ‬
‫الذم من تحت الثناء وإن ذان األمر‬
‫مدائحه قائال « فال شي في نسقيتها من حيث أنّها تضمه ه هر ّ‬
‫مكشوفا في قصائدل لكافور ‪.)2(» /.../‬‬

‫أقر به الناقد أيضا معتربا "املتنيب" هّا تلميحا وتصرحيا على عك ما جنده يف قول "حس ـ ـ ـني‬
‫وهو ما ّ‬
‫القاصد" « بأ ّن الشعراء في ذلي العصر موظفين يؤيّدون ما تريدل السلطة » (‪ ،)3‬حىت بلغ ح ّدا‬
‫غـري معقول يف العصرين العبّاسي واألموي ‪ ،‬وهكذا صارت (صورة اآلخر ) اليت رمسها التاريخ حاضرة‬
‫دوما من خ ـ ـ ـالل حديثه عن (األنا) ‪ ،‬فهـ ـ ـذا املضم ـ ـ ـر النسقي ال ـ ـ ـ ـ ـذي أراد عدم التصريـ ـ ـح به أبـ ـ ـانت‬
‫عن ـ ـ ـه املالبسات التارخيية ‪ ،‬والعك صحيح ‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫‪ – 1‬عبد اهلل الغ ّذامي ‪ ،‬النقد الثقايف ‪ ،‬ص ‪111‬‬


‫‪ -2‬م ن‪ ،‬ص‪.139‬‬
‫‪ -3‬حسني القاصد ‪ ،‬النقد الثقايف ‪ ،‬ص ‪21‬‬

‫‪52‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫حيث أ ّن "ميشال فوكو" « يشير إلى ذيفية بناء الذات التي يمكن تحديدها من خالل ض ّدها أو‬
‫المؤسساتي ومن خالل‬
‫ّ‬ ‫يسمى به ه ه ه ه ه ه ه (اآلخر) ‪ ،‬ويؤّذد أ ّن سالمة العقل تح ّدد عبر العمل‬
‫ما ّ‬
‫تعريف الحماقة ‪ ،‬مثلما أ ّن الحريّة تؤسس بحضور النّقيض ‪ /‬السجن » ‪ ،‬وهذا ما يؤّكد ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫صحة‬
‫تعرض له" املتنيب" هو ما كان سببا يف بناء هذه األنا ‪ ،‬وطبيعي‬
‫ما ذهب إليه الناقد حني قال بأ ّن ما ّ‬
‫أن تتضافر الصورة النصية هنا مع التّاريخ ‪ ،‬فالتغري يف األوضاع اإلجتماعية أجرب " املتنيب" على التغري‬
‫تحول المدح‬
‫الصدق هذل في المديح إذ ّ‬
‫النّسقي« غير أ ّن هناك تغيرا قد حدث بالنسبة لمسألة ّ‬
‫إلى تكسب بالشعر ودخلت المنفعة المادية في الموضوع فأ بح الشاعر يمدح ألجل‬
‫المال»(‪.)2‬‬

‫يوضحه التاريخ من أ ّن حب املال يكن أبدا من أولويات "املتنيب "فذلك كان من‬ ‫وهذا ما ّ‬
‫أحد تبعات الفرتة التارخيية اليت عايشها ‪،‬وهذا ما أفرزه العصر الذي عايشه مثله مثل باقي شعراء‬
‫عصره و قد ق ّدم النّاقد أمثلة عن ذلك « ال ترى الشاعر إالّ قائما بين يدي خليفة أو وزير أو‬
‫أمير باسط اليد ‪ ،‬ممدود الكف يستعطف طالبا ويسترحم سائال ‪ ،‬هذا مع الذلّة والهوان ‪،‬‬
‫‪ ،‬وقد ربط حىت يف هذه القضية بني صورة املمدوح واملهّو‬ ‫(‪)3‬‬
‫والخوف من الخيبة والحرمان»‬
‫عائدا إىل قضية النسب رابطا ذلك بقضية تارخيية كون املدح يف أشعار "املتنيب" ترتبط بصورة مباشرة‬
‫مع الكرم‪ ،‬هذه الصفة العربية االصيلة ال تكون اال من ابن كرمي وهذه هي القاعدة اليت استخلصها‬
‫‪10‬‬
‫الناقد من خالل الكثري من املواضع اليت ذكرت يف شعر "املتنيب" ‪:‬‬
‫ج ـ ّدي اخلصيب عرفنا العرق بالغصن‬ ‫أفعـ ــاله نســب لو يق ـ ـ ــل مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــعها‬
‫(‪)4‬‬
‫ن العاض اهلنت ابـ ـ ـ ـ ــن الع ـ ـ ـ ــارض اهلنت‬ ‫العارض اهلنت اِبن العارض اهلنت اِب ـ ـ‬

‫‪ -1‬يوسف عليمات ‪ ،‬مجاليات التحليل الثقايف ‪،‬ص‪31‬‬


‫‪ -2‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪،‬ص‪91‬‬
‫‪ -3‬م ن ‪،‬ص‪91‬‬
‫‪ -4‬م ن ‪ ،‬ص‪141‬‬

‫‪53‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫ويقلب الصورة يف صـ ــورة املهّو ‪ ،‬ليصبــح ابن ال ّدينء دني ـئ ــا وهي صورة نصية استخلص من خالهلا‬
‫"اخلبّاز" هذه الصورة التارخيية ‪ ،‬وجتدر اإلشارة هنا إىل أ ّن الناقد ربط قضية النسب يف اإلحالة بني‬
‫صورة املمدوح واملهّو وربطها بالصورة التارخيية ‪ ،‬ولكن النسب هن ــا ال خيص "املتنـ ـ ــيب" بل خيـ ـ ـ ــص‬
‫شخصيات أشعاره ‪ « ،‬ومن هنا نستنتج أ ّن المتنبي ال يمكه ه ههن أن يكون وضيع نسب ‪ ،‬ألنّه‬
‫يذذر هه ه ه ههذل الق ه ههاعدة وترذههيلل عههليها سههواء بشك ههل مباشر في مدحههه أو بشكل عكههسي في‬
‫هجائه ‪ ،‬فإنّه إنّما يهجي نفسه » (‪ ،)1‬فاآلخر املمدوح واملهّو عند "املتنيب" حيمالن صورة ضدية‬
‫كما بني الناقد وكل هذه الصور استقاها اخلبّاز من التاريخ ‪.‬‬
‫الصدد جند‬‫باإلضافة إىل كون التاريخ هو املتحكم الوحيد يف احلكم على املهّو أو املمدوح ويف هذا ّ‬
‫"حسني القاصد "يقول‪ « :‬نسمع و نقـ ـ ـ ـ ـرأ يوم ـ ـ ـ ـا أن حـ ـ ـاسب أحد املتنيب يوم هّ ـ ـ ـا املمـ ـ ـ ـالك‬
‫الع ـ ـ ـربية واألعّمية دون استثناء من خالل قوله ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫تفلح عرب ملوكها عّم »‬ ‫وإّمنا النّاس بامللوك أالّ‬
‫‪ 11‬وإذا توقفنا عند (متنيب اخلبّاز ) فإنّنا جنده يستشهد بع ّدة آراء عن احلضارات اإلسالمية و الشرقي ـة‬
‫رسخت فكر "املتنيب" مقيما يف هذا السياق هرما يرسم من خالله صورة‬ ‫حماوال إجياد الثقافة اليت ّ‬
‫اآلخر الطبقي واملرأة والطفل ‪ ،‬باإلضافة إىل صورة اآلخر غري العريب وهو العبد ‪ ،‬هذه الصور املستقاة‬
‫من شعر املتنيب باحثا عن الصورة النسقية املنشودة ‪ ،‬وخيلص من خالل دراسته اىل كون مراتب هذا‬
‫اهلرم الطبقي يرسم صورة تارخيية يتص ّدرها امللك فهو األعلى دوما وذلك من خالل الرتا اليوناين ‪.‬‬

‫‪11‬‬

‫حممد اخلبّاز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪،‬ص‪149‬‬


‫‪ّ -2‬‬
‫‪ -3‬حسني القاصد ‪ ،‬النقد الثقايف ‪،‬ص‪21‬‬

‫‪54‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫« وهذا ما يفسر النظرة المتعالية واالزدرائية للشعب في شعر المتنبي » (‪ ،)1‬فالناقد يرتك‬
‫أدىن صورة نسقية يف دراسته اال وأقام هلا دراسة تارخيية وتتبعا لظروف كتابتها ‪ ،‬فهو يرى أ ّن‬
‫املضمرات النسقية على ال ّدوام حتمل صورة تارخيية صار لزاما على ال ّدارس للنقد الثقايف تتبّعها لكشف‬
‫ما يضمره الكاتب ‪.‬‬
‫حتوله‬
‫مشريا إىل كون هذه الرتاتبية اليت جندها يف شعره (التحد باسم اجلماعة‪ ،‬حبديثه عن األنا‪ّ ،‬‬
‫للهّاء ‪ ،‬السياسة والسلطة‪ ) /.../‬هو التاريخ بعينه يف شكل خطاب نسقي « أي أ ّن المسألة‬
‫غن المسألة أمر حتمي ومق ّدر من قبل ال ّدهر »(‪. )2‬‬
‫ليست متعلّقة بارادة أحد من الناس ‪ّ ،‬‬
‫يوضحه الناقد من خالل أ ّن هذه الفرتة سقط‬ ‫الشعر مع تغري التاريخ ‪ ،‬وهذا ما ّ‬ ‫فقد تغريت أهداف ّ‬
‫فيها الشعر وارتفعت منزلة اخلطابة ‪ ،‬لسبب وحيد وهو اختاذ الشعر املكسب الوحيد ‪ ،‬وهو ما يؤّكد‬
‫ما أشرنا إليه سابقا كون الصورة النصية تطابق الصورة التارخيية حىت ولو كانت ال ختتلف معها‬
‫السخاء‬
‫‪.‬ويوضح يف موضع آخر صفات املمدوحني يف شعر "املتنيب" و أبرزها الشّاعة والكرم و ّ‬ ‫ّ‬
‫حيث ربط الشّاعة بساحة املعركة وربط الكرم باملاء ‪ ،‬ويبني أ ّن هذه التشبيهات نابعة يف التاريخ من‬
‫بيئة عربية وتتصل اتصاال مباشرا بالشخصية العربية املثالية ‪ ،‬فالطبيعة تشكل البنية الثقافية هنا ‪.‬‬
‫ّأما عن اآلخر الطبقي ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ« للبشر تاريخ أزلي مع الطبقية الذاتية ولقد أشار برتراند راسل إلى‬
‫فات ثالث ظلت مطلبا غريليا لالنسان وهي فات المجد والسلطة والتنافس»(‪ ،)3‬فحب‬
‫السلطة والتعايل متّ ّذر يف التاريخ العريب وغريه ونابع من ثقافات الشعوب و أضمرته أنساق الشاعر‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪12‬‬

‫‪ -1‬حممد اخلباز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪139،‬‬


‫‪ -2‬م ن‪،‬ص‪141‬‬
‫‪ -3‬عبد اهلل الغ ّذامي ‪ ،‬القبيلة والقبائلية ‪ ،‬ص ‪11‬‬

‫‪55‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫وال ميكن للناقد اخلروج من هذه ال ّدراسة إالّ وقد حت ّد عن ذلك اجلانب املهمش والذي أعطاه‬
‫النقد الثقايف املكانة املستحقة أال وهو صورة املرأة ‪ ،‬وال نعلم أن عيب على الناقد عنونته هلذا املبحث‬
‫وتعمق أطلق هذه العنونة ورآها مناسبة ‪.‬‬
‫حتت اسم (اآلخر اجلنسي ) ‪ ،‬أم أنّه بعد دراسة ّ‬
‫ورة المرأة ‪ :‬اآلخر املهمش أو النسق الثقايف املضمر وذلك لكون التاريخ وكاتب الرتا هو رجل‬
‫صاغته ثقافة ذكورية سلطوية ‪ ،‬فاملرأة شيء هامشي يف هذه احلياة مدلّال على ذلك مبا كتبه التاريـ ـ ـ ـ ـخ‬
‫« حيث اقترن العقل بو فه أسمى لكل ما هو ذذوري بينما ارتبط الجسد بما هو أدنى وبكل‬
‫ما هو أنثوي » (‪.)1‬‬
‫ويرجع" اخلبّاز" عدم شيوع املرأة يف شعر" املتنيب "كونه ير إالّ مخ نساء واضعا‬
‫الرجال وجعل منها املرأة املرثية ‪ ،‬وهاهو‬‫لـ ــ"خولة" النصيب األعظم حىت أنه جعلها تتحلّى بصفات ّ‬
‫مرة أخرى ليقيم صورتني بينهما تضاد واضح على حد قوله بني الصورة النسقية والتارخيية‬ ‫الناقد يعود ّ‬
‫اليت حظيت هبا املرأة العربية يف تلك الفرتة ‪ ،‬و هذا ما يؤاخذ عليه "اخلبّاز" فالفرتة التارخيية اليت‬
‫عايشها "املتنيب" هي فرتة حكمتها الطبقية وكثرت فيها اإلماء واجلواري فل ّما رفض يف فصل سابق‬
‫عدم التطابق فهي املضمرات اليت يبني هبا أ ّن الفرتة التارخيية املعاشة هي الطاغية على منط اخلطاب‬
‫الشعري ‪.‬‬
‫فالقراءة النقدية هي اليت يوصل إىل املعىن النّهائي « وتشكل مرجعا أخيرا وحكما مختلال‬
‫فهي تنتبه إلى ذل جديد يظهر وتسهم في إظهارل في التاريخ والتأريخ وفي معرفة القبليه ه هات‬
‫(‪)2‬‬
‫ومختلف زمنيات التاريخ والعالقات الصعبة بين األنا والتاريخ »‬

‫‪13‬‬

‫‪ -1‬حممد اخلبّاز‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪.194‬‬


‫‪ -2‬عفت الشرقاوي ‪ ،‬مدخل اىل مناهج النقد االديب ‪ ،‬جملّة عا املعرفة ‪،‬ع ‪ ،221‬الكويت ‪ ،1992 ،‬ص ‪131‬‬

‫‪56‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫‪ 2-1‬الطرح االجتماعي في النقد الثقافي ‪:‬‬


‫يعد املن ـ ـ ـ ـهج االجتمـ ـ ـ ـاعي املقام النقدي الثاين بعد املنهج التارخيي « وللنقد االجتماعي ميلة تحريي‬
‫حساس و خاص ‪ /.../‬ويشير النقد االجتمه هاعي إذن إلى‬
‫ودفع الفكر المه ه هارذسي ضه همن مج هال ّ‬
‫قراءة ما هو تاريخي واجتماعي وايديولوجي وثقافي ‪.)1( » /.../‬‬
‫ويشري الناقد يف إنطالقة هذه الدراس ـ ـ ـة على استخدامه املنهج اإلجتماعي يف األدب باعتب ـ ـ ـاره هو مـ ـا‬
‫يربط بني النص واجملتمع الذي أنتج فـ ـ ـيه ‪ ،‬مشريا إىل استخدام هذا املنهج وإدراجه يف النقد الثقايف ال‬
‫ضمن الدراسات األدبية االجتماعـ ـ ـ ـية ذلك ألنّه « ال يمكن للقراءة النقدية اإلجتماعية أن تك ه ه هون‬
‫و فة تو ل إلى معنى نهائي ‪ ،‬وتشه ه هكل مرجعا أخيرا أو حكما مختلال » (‪،)2‬فهذه الدراسـ ـة اليت‬
‫تدور حول اآلخر الذي اعتربه "اخلبّاز" مصطلحا ثقافيا على ح ـ ـ ـ ـ ّد قوله ذا أبعاد متشعبة وعـ ـ ـميقة ‪،‬‬
‫هلا عالقة بعلم االجتماع وعلم النف والفلسفة و األدب املقارن ‪،‬وباعتب ـ ـ ـ ـار هذا اآلخر كما أشرنا يف‬
‫صف ـ ـ ـ ـحات سابقة ال يقوم وال يوجد إال إذا وجود "األنا" يف اجلانب املقابل فهذا اآلخر هو ما‬
‫يصطنع وجود األنا ويرسـ ـ ـ ـم مالمح تش ّكلها « وأل ّن األنا دوما إجتماعي ‪ ،‬وألنّه ايضا ال يخ ه هتلل‬
‫الكم ه ه هي فالن ه هقد اإلجتماعي هو إلتلام في البحث عن نقاط االلتقاء وعن التّناقضه هات‬
‫إالّ بعه ه ه هدل ّ‬
‫»(‪ ،)3‬باإلض ـ ـ ـ ـافة إىل صعوبة الفصل بني اآلخر ومفهوم الذات ‪،‬و هذا ما استتنّناه من دراسة الناقد‬
‫‪«،‬و لهذا ال يصنع النقد االجتماعي أبدا نقطة النهاية التي تجعل من النص نتاجا نهائيا»(‪.)4‬‬
‫ورمبا كان هذا سبب اختيار "اخلباز" للمنهج اإلجتماعي يف دراسته ‪،‬خصوصا و أ ّن النقد‬
‫الثقايف ال يرفض اإلنغالق على الذات و قبول املناهج النقدية األخرى سواء كانت سياقية أو نسقية‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫‪ -1‬عفت الشرقاوي ‪ ،‬مدخل اىل مناهج النقد االديب ‪ ،‬ص‪132‬‬


‫‪ -2‬م ن ‪ ،‬ص ‪131‬‬
‫‪-3‬م ن ‪ ،‬ص ‪131‬‬
‫‪ -4‬م ن‪ ،‬ص ‪131‬‬

‫‪57‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫و يف هذا الصدد يقول "عبد اهلل الغذامي" ‪ «:‬ليس القصد هو الغهاء المنجهل النقهدي األدبهي وإنمها‬
‫الهدف هو تحويل األداة النقدية من أداة قراءة الجمالي الخالص وتبريرل وتسويقه ‪ ،‬بغض النظر‬
‫عن عيوبه النسقية إلى أداة في نقد الخطاب و ذشف أنساقه وهذا يقتضي إجراءات تحويل في‬
‫المنظومة المصطلحية ‪ ،‬وأل ّن المنهج اإلجتماعي مصدر انبعاثهه ههو الفلسهفة المثاليهة التهي تهرى‬
‫فههي األدب تعبيههرا فرديهها وتشههكل ر يههة األديههب وموقفههه مههن مجتمعههه »(‪ ،)1‬فــالوجود اإلجتمــاعي‬
‫لألفـراد" هههو الههذي يح ه ّدد وعهيهم ‪ /.../‬ومههن هنهها وجههدنا النقههاد اإلجتمههاعيين يؤّذههدون أ ّن الوضههع‬
‫الطّبقي لألديب يحتم عليه ه ه ههه أن يحمل أفكار طبقته فيعبر عن همومها ومواق ه ههفههها » (‪،)2‬‬
‫وهذا ما وجدناه بني طيات دراسة الناقد عند املتنيب خصوصا وأ ّن مصطلح اآلخـر أخـذ احليـز الالّبـأس‬
‫بـه يف دراسـات العديـد مـن الفالسـفة وعلمـاء االجتمــاع ‪،‬ومـن خـالل النمـاذج الـيت قـ ّدمها الناقـد ميكــن‬
‫القول إ ّن العناصر النسقية اليت حيملها شعر "املتنيب" مرتبطة ارتباطـا وثيقـا باجلانـب االجتمـاعي ولـذلك‬
‫كـان لزامـا عليــه يف جمـال النقــد الثقـايف الغــوص يف أعمـاق اخلطــاب الـذي يــؤثّر يف األمنـاط اإلجتماعيــة‬
‫وخمزوناته اخلفية اليت تكمن وراءه‪.‬‬
‫ويشري "حممد اخلباز" إىل أ ّن صورة اآلخر ختتلف من جمتمـع آلخـر بطرائـق شـىت « فهالنص ههو حامهل‬
‫األنساق الثقافية التي تحكم المجتمع» (‪.)3‬‬
‫وغالبــا مــا تكــون املضــمرات النســقية مندرجــة ضــمن القبحيــات ‪ ،‬و مــا نستشــفه مــن خــالل هــذا‬
‫البحــث أ ّن " اخلبّــاز" رّكــز علــى هــذا اجلانــب خصوصــا يف مــا تعلّــق باملالبســات التارخييــة واالجتماعيــة‬
‫احمليطــة حبيــاة "املتنــيب" ‪،‬فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ‪ « :‬البنيههة االجتماعيههة هههي التههي تشههكل الشخصههية » (‪ ،)4‬وهــذا هــو‬
‫األمــر احملتــوم علــى كــل كاتــب وشــاعر‪ ،‬فالكاتــب يكتــب واجملتمــع يكتبــه وهــذا مــا حــد للمتنــيب ‪ ،‬ومــا‬
‫كان خيفيه خلف اخلطاب كانت تكشفه األنساق‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل الغذامي ‪ ،‬النقد الثقايف (قراءة يف االنساق الثقافية) ‪ ،‬ص‪21‬‬


‫بسام قطّوس ‪ ،‬املدخل اىل مناهج النقد املعاصر‪ ،‬ص ‪32‬‬ ‫‪ّ -2‬‬
‫‪ -3‬حممد اخلبّاز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪.143‬‬
‫‪ -4‬منذر عياشي ‪ ،‬النقد األديب ‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات بيلفون ‪ ،‬باري (فرنسا) ‪ ،1911،‬ص ‪143‬‬

‫‪58‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫ويف إشارة إىل «وجود نسقين متضادين متالزمين في النصوص األدبية أحدهما نسق ظاهر و‬
‫اآلخر مضمر في نسقية النص»(‪ , )1‬جاءت بالدراسات الثقافية يف إطار النقد الثقايف مبا هو موجود‬
‫يف املنهج اإلجتماعي‪ ،‬فهذا األخري طالب بضرورة النظر إىل اجملتمات و العودة إىل السياق اخلارجي‬
‫و ظروف إنشاء األدب ‪،‬أما النقد الثقايف فسعى للبحث يف ذلك النسق اخلفي املضمر‪ ,‬فاجملتمع‬
‫بالنسبة للفرد املبدع أو النص هو ذلك النسق اخلفي الذي من خالله يتم فحص العمل األديب و فهم‬
‫كْنه النص أو النسق الظاهر خصوصا إذا كان هذا املبدع بشاعرية املتنيب ‪.‬‬
‫األنا‪/‬اآلخر هذا احلضور املقرون حبرف العطف « ذفيل بخلق بنية ملدوجة تؤدي إلى حضور‬
‫اآلخر مباشرة في الوعي في أعلى حاالت تفردهما ذأنهما نوعان مختلفان»‬
‫(‪)2‬‬

‫و يرى الناقد أن الصعوبة ناجتة من أن تشكيل صورة اآلخر هي دائما صورة مراوغة للواقع ‪ ,‬فداللة‬
‫األنا يف اجملتمع تضع صورة اآلخر باختالل دوما‪ ,‬فهل هذا ما سنّده عند "املتنيب" ؟ ‪،‬‬
‫أو بتعبري أدق هل هذا هو ما إكتشفه اخلبّاز من خالل دراسته ألنا "املتنيب" «بحيث أن الذات و‬
‫هي تح ّدد آخرها ترى نفسها هي األساس الذي تصدر عنه المعايير التي من خاللها تحديد من‬
‫هو اآلخر و ذذلي موقعه »(‪ ،)3‬وتعد دراسات الناقد حول سياقني متعلقني باجلانب املعريف وعلى‬
‫ضوئه يبدو اآلخر مفهوما تكوينيا أساسيا للهوية ‪ّ ،‬أما الثاين فسياق قيمي أخالقي يكتسب اآلخر‬
‫تضمنته‬
‫توخاه الناقد يف دراسته لبيان اخللل الثقايف الذي ّ‬
‫من خالله مقبوال أو مرفوضا ‪ ،‬وذلك ما ّ‬
‫صورة اآلخر يف الثقافة العربية متمثّلة يف "املتنيب" ومبا أنّه « وعى ا ّن ما باختالفها هو بداية المعرفة‬
‫القوة وحين تدرك األنا اختالفها وتملي معرفتها بهذا االختالف‬ ‫التي تمثّل نوعا خا ّا من أنواع ّ‬
‫بالتحول إلى أنا سياسية‬
‫ّ‬ ‫للقوة التي تفرزها ‪ ،‬أي أنها تبدأ‬
‫توطن هذل المعرفة وتمارس مظاهرا ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫‪»/.../‬‬
‫‪16‬‬

‫‪ -1‬يوسف عليمات ‪،‬مجاليات النقد الثقايف ‪،‬ص‪221‬‬


‫‪ -2‬عالء عبد اهلادي ‪،‬شعرية اهلوية ونقض فكرة األصل بوصفها أنا أخرى ‪،‬جملة عا الفكر‪ ،‬م‪، 33‬الع ‪ ،21‬سبتمرب ‪، 2221‬‬
‫الكويت ‪ ،‬ص ‪212‬‬
‫‪ -3‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪23‬‬
‫‪ -4‬م ن‪ ،‬ص ‪23‬‬

‫‪59‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫وضحه" اخلبّاز" لكن احلكم على أنا املتنيب إذا كانت الدراسة قائمة على أساس املنهج‬ ‫وهذا ما ّ‬
‫متخضت‬ ‫اإلجتماعي حىت ولو كانت يف اجتاه النقد الثقايف ‪،‬كان من األجدر مراعاة تلك الفرتة اليت ّ‬
‫عن ميالد هذا الشاعر املطالب مبّاراة فرتته خصوصا وأّنا مرحلة النزاعات السياسية ‪ ،‬والثقافة وليدة‬
‫جمتمع ‪،‬واألدب هو ما تفرزه هذه الثقافة ‪.‬‬
‫وإذا كان الناقد ق ّدم تلك املفارقة بني الصورة التارخيية و الصورة النصية رافضا التطابق بينهما فالثانية‬
‫تعرب عن األوىل وهذا رأي نستطيع قبوله بعض الشيء كون املتنيب شاعر النسقية لكن نتحفظ‬
‫باملوقف القائل بعدم املطابقة بينهما كون التاريخ أيضا ال يق ّدم كل احلقيقة‪ ،‬فالزيف ها هنا هو رمز و‬
‫عدم التطابـ ـق بني شخـ ـ ـوص الشع ـ ـ ـراء وال ـ ـ ـواقع هو ما رمسته الثقـ ـ ـافة ذاهتا وما ج ـ ـ ّذرته اجملتمعـ ـ ـات فقد‬
‫« علّمنا العالم أن نستعير سمات ال تمثل هوياتنا بالضرورة ونتقمص بالمعنى الثقافي سمات‬
‫التصرف ضروريا لجعل اآلخر نظيرا »(‪ ،)1‬فرّمبا كانت هذه األنا يف فرتة سابقة‬ ‫ّ‬ ‫اآلخر ‪ ،‬وذان هذا‬
‫هلا مقبولية عند اآلخر ويف ثقافة دون األخرى ‪ ،‬فاملالمح اليت أقام على أساسها الناقد املفارقة اليت‬
‫غين‬
‫أقر عدم تطابقهما جند أّنما متّ ّذرتان يف البيئة العربية فـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ(التّ ّ‬
‫عقدها بني النص والتاريخ سابقا و ّ‬
‫بشرف النسب ‪ ،‬الثّقة والشّاعة وحب الذات والظهور والفحولة ) لطاملا رّكز عليها شعراء العرب‬
‫لكن الناقد يرّكز على جانب النسق بل على اجلانب اإلجتماعي والتأريخ هلا‪ ،‬ووجود عالمة ظاهرة‬
‫هلا يف حياة الشاعر فالتاريخ بالنسبة له يرسم الواقع والشعر يرسم الصورة النسقية ‪ ،‬وهذه األخرية عند‬
‫"املتنيب" أضمرت العديد من احلقائق ‪،‬فالعصر الذي عايشه "املتنيب "عصر شك واضطراب اشت ّد فيه‬
‫النّزاع بني الطّوائف وضعفت فيه العقيدة « أل ّن المحتمع العباسي يمثّل في التاريخ العربي‬
‫مجتمعا متميلا من حيث اختالط االجناس واختالط الثقافات»(‪ ،)2‬ورّمبا كان هذا هو السبب‬
‫وضحها "اخلباز"‬
‫الذي جعل الصورتني ختتلفان ولكن بينهما شيء من االقرتاب فصورة املمدوح اليت ّ‬
‫يف دراسته ترتبط بقيم اجملتمع العريب آنذاك يف املرحلة اليت عاش فيها "املتنيب" وباحلياة اإلنسانية‪.‬‬
‫‪17‬‬

‫‪ -1‬املصدر السابق ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪122‬‬


‫‪ -2‬املصدر نفسه ‪،‬ص ‪139‬‬

‫‪60‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫« حيث ذان نقد العالمات االجتماعية الذي أنجلل ذارل مارذس يقوم على افتراض القيم‬
‫الثقافية نفسها إنما تكون أذثر فهما و أش ّد تأثيرا من خالل العالقة بفكرة الطبيعة اإلجتماعية‬
‫(‪)1‬‬
‫للحياة اإلنسانية »‬
‫يتوسله النّقد الثقايف لنقد ما يف األدب من أشياء غري أدبية وقد ربط الناقد قصيدة‬
‫وذاك ما ّ‬
‫املديح باجملتمع العريب وذلك من خالل املمدوح اليت ق ّدمها "املتنيب" يف أشعاره باإلضافة إىل كون‬
‫اجملتمع العريب هو جمتمع قبلي عاش الوجود مع بعضه البعض ذلك لروح القبلية اليت كان يعيشها‬
‫اجملتمع آنذاك فالقبيلة األقوى يدنيا واألشّع ‪ ,‬هي من تضمن البقاء وال ّدميومة «إ ّن أدب أي‬
‫السائدة فيه »(‪ ،)2‬والفرتة اليت عايشها الشاعر‬
‫مجتمع يجب أن ينسجم مع المعتقدات السياسية ّ‬
‫حضيت بالعديد من الصراعات والنزاعات السياسية على كل األصعدة وقصيدة املديح إحدى تبعات‬
‫هذه الفرتة ‪.‬‬
‫ومن خالل السياق العام الشعري للمتنيب حاول الناقد إظهار النّسق‪ ,‬وقد ع ّد يف هذه السياقات‬
‫األول يف املتنيب شاعر‬
‫حامال لنسق مضمر ‪ ،‬اشرتك فيه رأي اخلبّاز مع رأي "الغ ّذامي" حيث يرى ّ‬
‫املديح والظروف االجتماعية السائدة املختبئة وراء األنساق و يرى الثاين أنّه شاعر النسقية بامتياز‬
‫ويف كليهما نظرة دونية لآلخر وحتقري ويف هذا السياق يقول الغ ّذامي « تحقير اآلخر واعتبارل دائما‬
‫حل‬
‫بمثابة خصم البد من سحقه وهذل دالالت نسقية تكونت مع الخطاب المدائحي منذ ّ‬
‫ذنموذج ابداعي سيطر على الخيال الثقافي»(‪.)3‬‬

‫‪18‬‬

‫‪ -1‬مصطفى الضبع ‪ ،‬أسئلة النقد الثقايف ‪ ،‬مؤمتر أدباء مصر يف األقاليم ‪ ،‬املنيا‪،‬مصر ‪23-23 ،‬ديسمرب ‪ ،2223 ،‬ص‪1_3‬‬
‫‪ -2‬حممد حافظ دياب ‪ ،‬النقد االديب والعلوم االنسانية ‪ ،‬جملّة فصول ‪ ،‬جملّة النّقد األديب ‪،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة‬
‫مصر‪ ،‬املج ‪ ،4‬ديسمرب ‪ ،1913‬ص ‪.31‬‬
‫‪ -3‬عبد اهلل الغ ّذامي‪ ،‬النقد الثقايف(قراءة يف االنساق الثقافية ) ‪ ،‬ص ‪113‬‬

‫‪61‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫جره السياق اإلجتماعي آنذاك يف ثقافة املتنيب كفكر سلطوي ال يقبل اآلخر ويعرب عن األنا‬
‫وهذا ما ّ‬
‫من خالله ‪ ،‬وذلك من خالل قوله « ّأما القصائد التي قيلت في ممدوحين عابرين فأذثرها إذا لم‬
‫ذل مدحه مدحا‬
‫شعراء فليس ّ‬
‫يكن ذلّها تتّسم بالعمومية ‪ ،‬اذ أ ّن المتنبي حاله حال سابقيه من ال ّ‬
‫ادقا »(‪.)1‬‬
‫فما حظر يف شعر" املتنيب" من خالل وجهة نظر الناقد من مالمح شخصيات ممدوحيه هي‬
‫صفات مستقاة من اجملتمع العريب تن ـ ــم عن الشخــصية املـثالية «و هي من الصفات االساسية التي‬
‫ألنساق‬
‫ر‬ ‫ذذرها قدامة بن جعفر في تقسيمه »(‪ ،)2‬واليت وجدت يف سياقات شعر" املتنيب" حاملة‬
‫ثقافية استعرضها "اخلبّاز" من خالل البيئة االجتماعية‪ ،‬فبعد رفض الناقد لتطابق الصورة التارخيية مع‬
‫النصية هاهو اآلن يكتفي بالقول أ ّن صورة املهّو هي صورة ضدية لصورة املمدوح وتتداخل معها‬
‫صورة الراعي‪.‬‬
‫هذه الشبكة اليت أقامها الناقد حول شخصيات شعر املتنيب املرتابطة رغم اخـتالف النسـق ‪ ،‬فالرتاتـب‬
‫الطّبقــي الــذي أقامــه أملتــه البيئــة االجتماعيــة آنــذاك وأغفلهــا التــاريخ وأضــمرهتا األنســاق وكشــفت عنهــا‬
‫خمتلف الدراسات املتعلّقـة هبـذا اجملـال ‪ ،‬فهـذه هـي السـيطرة الواضـحة ملكانـة اجملتمـع والظـروف املسـامهة‬
‫يف بناء األنساق يف النقد الثقايف اليت وجب على ال ّدارس يف اجملال الثقايف االهتمـام هبـا ‪ .‬لكـن للمتنـيب‬
‫رأي آخر نعرفه من سياق شعره من خالل قوله ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫تي ّقنت أ ّن ال ّدهر للنّاس ناقد‬ ‫وملـ ــا رأيت الناس دون حملّه‬
‫َّ‬
‫الشـاعر أمـر‬
‫فاملسؤول عن الرتاتبية يف نظـر املتنـيب هـو الـ ّدهر ‪ ،‬وقـد أبـرز الناقـد أ ّن املسـألة هاهنـا عنـد ّ‬
‫حتمي ومق ّدر من قبل ال ّدهرّ ‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫‪ -1‬حممد اخلبّاز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪111‬‬


‫‪ -2‬م ن‪ ،‬ص ‪112‬‬
‫حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪،‬ص ‪139‬‬
‫‪ّ -3‬‬
‫‪1‬‬

‫‪62‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫وضح من خالهلا الناقد أ ّن "املتنيب "صانعا هلذه الطبيعة الشعرية تعد بطريقة أو‬
‫والصورة اليت ّ‬
‫بأخرى نتاجا لظروف اجتماعية أرغمت الشعراء على املدح و اهلّاء لنفسه ‪ُ ،‬مواريا كل ذلك‬
‫اإلجتماعي وراء أنساق مجالية ‪ ،‬وعُ ّد ذلك من أهداف النّقد الثقايف «من منهجيات النّقد الثقافي‬
‫آلية نشأ فيها تحليلية للكشف عن هذل األنساق لما يتيحه هذا المنهج من إمكانيات قراءة‬
‫المضمر من الوجول الجمالية للنص ناطقا عن سياقات لنتاجه المؤثرة والدالة ألمر يصوغ‬
‫(‪)1‬‬
‫خصو ية ذل إنتاج أدبي باختالف المحاضن والسياقات التي نشأ فيها »‬
‫هذا هو الوجه اآلخر الذي صنعته الطبقية والفرتة التاررخيية واجملتمع ‪ ،‬وما أراد الناقد إبرازه يف‬
‫السلطوي متخليا عن التحليل‬ ‫جانب دراسته الثقافية ومتعلّقاته كاشفا عن أنساق الشاعر بفكره ّ‬
‫الثقايف مبعزل عن املنهج االجتماعي من خالل ذلك يوصلنا "اخلبّاز" اىل استخالص ضروري من‬
‫خالل السياق « ما تستفيدل من هذا هو أنّه لو ذان المتنبي وضيع النسب فعال ذما يقولون أي‬
‫أنّه من طبقة الشعب فإنّه هنا يحتقر نفسه باحتقارل الشعب »‬
‫(‪) 2‬‬

‫فالناقد يرفض كون "املتنيب "وضيع نسب ‪ ،‬ولكن مما يؤاخذ عليه يف هذه النقطة رفضه يف مقاربته‬
‫بني الصورتني النصية و التارخيية التطابق بينهما ‪ ،‬وهو هاهنا يقر ما جاءت به الصورة النصية وال‬
‫يتتبع أحكام الصورة التارخيية ‪.‬‬
‫بتطور الوعي ‪ ،‬فإ ّن الناقد يالحظ أ ّن وعي املتنيب‬
‫تطور التاريخ ّ‬
‫ففي كوكبة من التناقضات ربط ّ‬
‫ال يلتقط حضور اآلخرين فهو مشغول حبضور األنا ومن مثّ كانت الطبقة العليا يف اجملتمع هي ما‬
‫تضمن السلطة واملوقعية واخضاع اآلخر هلا ‪.‬‬
‫‪20‬‬

‫‪ -1‬ناهضة عبد الستار عبيد ‪ ،‬ص‪133‬‬


‫‪ -2‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪،‬ص‪192‬‬

‫‪63‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫كل هذه السياقات تقابلها أنساق بني حضور اآلخرين ووعي الذات تقابلها سلطوية الرجل ‪،‬‬
‫وفوقيته كمركزية الذات الذكورية وهتميش األنثوي منها « وهذا ماجعل الرجل يستغل‬
‫‪،‬هذا‬ ‫(‪)1‬‬
‫الفر ة لتكوين إيديولوجية المجتمع ذما يشار وذما يضمن له موقعه الفوقي »‬
‫الفحل القابع يف نسق املتنيب والذي ق ّدمه الناقد من خالل تقدميه صورة العريب ‪ ،‬وقد كان‬
‫تقسيمه للبحث يف األساس إجتماعيا فّعل من اآلخر عربيا (امرأة ‪ ،‬طفال أو عبدا) أو غري‬
‫عريب ‪ ،‬هذا الفحل القابع يف نسق املتنيب والذي ق ّدمه الناقد من خالل تقدميه صورة العريب ‪،‬‬
‫وقد كان تقسيمه للبحث يف االساس إجتماعي فّعل من اآلخر عربيا (امرأة ‪ ،‬طفال أو‬
‫عبدا) أو غري عريب ‪ ،‬صورة لنسق لغوي يرمسها لنا الناقد بصورة خمتلفة عن بعضها البعض‪،‬‬
‫لكن جند فيها إختالفا كون الغلبة فيها كانت للذكوري الفحل‪ ،‬حيث أسهب يف احلديث‬
‫عنه باعتباره أ ّن هذه الصورة ال تكتمل أالّ بانتقاص صورة اآلخر ورّمبا إلغاؤه و إعالن وحدانية‬
‫ال ّذات وهذه هي الصورة األخرى للنسق الثقايف اليت ق ّدمها "اخلبّاز" ‪ ،‬وهذا ما يكشف‬
‫العيوب النسقية الكامنة يف الوجه الثقايف ‪ ،‬ألنّنا نرى اجلميل ‪ ،‬أي يف اآلخر وعلينا هنا أن‬
‫نكتشف (العمى الثقايف ) هذا األخري الذي جيعلنا نعّب بالعيب ونسوقه كما قال‬
‫الغ ّذامي‪ ،‬ويف حماولة من الباحث لربط النسق الثقايف بنظريه التارخيي ربط اخلبّاز بني النسق‬
‫الفحويل واآلخر اجلنسي ورّمبا تكون هذه إشارة من النّاقد إىل كسر هذا النسق أو لكون هذا‬
‫الشعور ال يكتمل إالّ إذا كانت هناك يف اجلهة املقابلة شعورا سلطويا وهذه االخرية ال‬
‫تكتسب إالّ من خالل األنثوي املهمش خصزصا و أ ّن اجملتمع يف هذه الفرتة ربط املرأة‬
‫باجلسد وهو النسق الذي يربطها دوما الدونية اليت تضاعف شعور الرجل بالعقل التام «‬
‫فعقل المرأة في طرف ثوبها مادامت جالسة فهو معها لكن يكفي أن تنهض حتى‬
‫األرض»(‪.)2‬‬ ‫على‬ ‫ويسقط‬ ‫عقلها‬ ‫يتدحرج‬

‫‪21‬‬

‫‪ -1‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪192‬‬


‫‪ -2‬م ن‪ ،‬ص‪194‬‬

‫‪64‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫هذا التقسيم الذي أقامه الناقد كان للغ ّذامي السبق إليه يف إطار مشروعه النقدي «ذما أ ّن فة‬
‫اآلخرين المتعالي عليهم تشمل ذل من هو خارج الطبقة وأدنى الجميع هو األنثى ودائما تحقير‬
‫األنوثة وهو معنى نسقي جوهري » (‪ ،)1‬فتحقري األنثى هو نسق ثقايف و عيب نسقي كشف عنه‬
‫الناقدان من خالل اجملتمع العريب يف مرحلة من املراحل ‪ ،‬ويضيف « ويأتي الفحل على رأس الهرم‬
‫الطبقي ويبدأ الفحل باذتساب فات عبر خلق سمات خا ّ ة به حيث يحتكم لنفسه حق‬
‫و ف الذات » ‪ ،‬وقد احتل "املتنيب" ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الصدارة يف اخلطاب النسقي كما أشار "املتنيب" إىل ذلك يف‬
‫العديد من املواضع ‪.‬‬
‫ّأما ما ق ّدمه عن " ورة المرأة " فقد اعتربه اخلبّاز عني الثقافة الفحولية ‪ ،‬فاملرأة هلا زاويتا نظر فال‬
‫الصورة‬
‫تتساوى مكانة املرأة يف الثقافة العربية ‪ ،‬وهنا جتاوز للنسق الفحويل من قبل الناقد أو رّمبا هي ّ‬
‫السائد آنذاك ‪ ،‬وهذا‬ ‫مربرا ذلك كون هذه الصورة اليت ختتلف يف البيئة واجملتمع ّ‬‫الشاعر ‪ّ ،‬‬ ‫اليت ق ّدمها ّ‬
‫احلرة عند "املتنيب"‬
‫اليربر أبدا كون املرأة حتتل الطبقة ال ّدونية من اهلرم كون الناقد أشار إىل أ ّن املرأة ّ‬
‫ّ‬
‫الرجل الفحل ‪ ،‬وذلك من خالل قوله « أحب أن أشير إلى ازدواجية في ورة‬ ‫تأخذ صفات ّ‬
‫الرجل‬
‫المرأة في التراث العربي حيث هناك فرق شاسع بين ورة المرأة ال ّداخلة ضمن سلطة ّ‬
‫وعرضه ‪ ،‬وحريمه وبين المرأة التي تقع خارج هذل ال ّدائرة »(‪.)3‬‬

‫‪22‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل الغ ّذامي ‪ ،‬النقد الثقايف (قراءة يف األنساق الثقافية) ‪ ،‬ص ‪123‬‬
‫‪-2‬م ن ‪ ،‬ص ‪123‬‬
‫‪ -3‬حممد اخلبّاز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪193‬‬

‫‪65‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫قسم النساء يف اجملتمع العريب آنذاك إىل صنفني صنف احلرائر العربيات واإلماء واجلواري‬
‫وهذا ما ما ّ‬
‫واستند يف ذلك للتاريخ الذي ال خيفي عدد اإلماء واجلواري يف هذه الفرتة وهذا الكم كان له تأثريه‬
‫الواضح يف الثقافة العربية وظهر يف األدب « وهذا ما ساهم في انتشار ثقافة الجسد في المجتمع‬
‫العربي»(‪. )1‬‬
‫وجند "اخلبّاز" يف كل جانب من حبثه يقيم مفارقة بني صورتني متضادتني وهونف األمر الذي أقامه‬
‫الرغم‬
‫هاهنا حيث رسم صورة للمرأة يف العصر العباسي ‪،‬وأسباب هذا االزدواج يف النّظر إليها على ّ‬
‫من بقائها يف صورة اآلخر الضعيف وهذا ما يؤّكده من خالل أبيات "املتنيب" اليت ينعت فيها املرأة‬
‫للرجل ‪ ،‬فالفحل هنا هو النسق املهيمن وهو نتيّة مباشرة لواقع أفرزته‬
‫بالرجل النّاقص والتبعية التامة ّ‬
‫ّ‬
‫السياقات اإلجتماعية وهذا ما اهتم به النقد اإلجتماعي وما طالب به النقد الثقايف « وما دام‬
‫الفن شكال من أشكال البنية الفكرية للمجتمع »(‪ ،)2‬ومما‬
‫المجتمع يشهد راعا طبقيا يو ف ّ‬
‫الرعية يف مرتبة ال ّدونية‬
‫نلحظه يف هذا اجلانب وما يشر اليه الناقد يف دراسته كون "املتنيب "يرى بقية ّ‬
‫لكنّه يف اآلن نفسه يريد جمتمعا فاضال بأخالق كاملة‪.‬‬
‫ّأما عن اآلخر غري العريب ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ " إ ّن ما يربط العربي باآلخر األسود اللّون عبر الثقافة العربية هو‬
‫(‪)3‬‬
‫رابطة العبد بالسيّد ‪ ،‬فهذا االسود في المجتمع العربي هو موقع دوني يقع في األسفل "‬

‫‪23‬‬

‫‪ -1‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪،‬ص‪191‬‬


‫الروائي وااليديولوجيا ‪،‬ط‪ ،1‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪،‬لبنان ‪،1992 ،‬ص ‪23‬‬
‫‪ -2‬محيد احلميداين ‪ ،‬النّقد ّ‬
‫‪ -3‬حممد اخلبّاز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪233‬‬

‫‪66‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫وأل ّن « حالة التصادم بين الطبقات االجتماعية ذما تبدو في ال ّدراسات الثقافية تسهم‬
‫ذالصراع‬
‫دون شي في والدة عدد من المفاهيم ذات المرجعيات واالشكال السلطوية ّ‬
‫بين المرذلي والهامشي ( األنا واآلخر) وال ّذذوري واألنثوي »(‪ ،)1‬فتقسيم الطّبقات‬
‫اإلجتماعية يف إطار تارخيي واجتماعي تسمح إىل حد كبري يف الكشف عن املضمرات‬
‫الصراع بينه وبني‬
‫النسقية من خالل املرجعيات الثقافية ‪ ،‬إنطالقا من املهمش لكشف أصل ّ‬
‫املركز وإن كانت أنا املتنيب هي ما رّكز عليه النّقاد والباحثني فهناك ضرورة قصوى ملعرفة‬
‫أسباب نفي اآلخر عنده ‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫‪ -1‬يوسف عليمات ‪ ،‬مجاليات النقد الثقايف ‪ ،‬ص‪31‬‬

‫‪67‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫ورة اآلخر بين المنهج النّفسي والنّقد الثّقافي ‪:‬‬ ‫‪-3‬‬


‫المحرذة‬
‫ّ‬ ‫يذهب "ذارل روجرز" إىل أ ّن ‪ « :‬منشأ اإلبداع يبدو أنّه هو نفسه منشأ النلعة‬
‫مما به من اضطراب إنّها نلعة اإلنسان لكي يحقق ذاته‬‫شخص في العالج النفسي لكي يبرأ ّ‬ ‫لل ّ‬
‫لكي تتطابق مع إمكاناته »(‪.)1‬‬
‫وصورة اآلخر متّ ّذرة يف الثقافة الغربية قبل العربية من خالل الفلسفة ‪ ،‬وترتبط يف خمتلف الثقافات‬
‫باألسباب النفسية الشخصية اليت تعيشها األنا ‪ ،‬واليت تساهم يف تشكل الشخصية الذاتية و تساهم‬
‫يف بناء اجلانب اخلفي من احلياة النفسية ‪ ،‬وتعترب مظاهر احلياة االجتماعية والسياسية واالقتصادية‬
‫اخلاصة بالفرد جتاه نفسه وجتاه اآلخر ‪.‬‬
‫التصرفات ّ‬
‫املربر الوحيد للكالم و ّ‬
‫األول هبذا البناء ‪ ،‬و ّ‬
‫املتكفل ّ‬
‫الشعراء خاصة املقصد من قبل خرباء النف واالجتماع ‪ ،‬فمالمح صورة األنا‬ ‫عامة و ّ‬
‫يعترب األدباء ّ‬
‫لدى "املتنيب" من خالل شعره ستحتاج لتلك الصورة " اليت تتعلّق بالصورة الشخصية للمتنيب" (‪، )2‬‬
‫فّل البحو احلديثة وال ّدراسات‬‫وتطور الوعي ‪ّ ،‬‬
‫وكما ذكرنا سابقا يف متعلّقات العالقة بني التاريخ ّ‬
‫السابقة تناولت أنا "املتنيب" الفريدة وكانت مشغولة بشعره ‪ ،‬ذلك كونه العالمة الفارقة يف الشعر‬
‫الصعوبة بمكان أن يتش ّكل أدب دون أن‬
‫العريب الرتاثي مبا يكتنزه من مجاليات هائلة و " لعلّه من ّ‬
‫أقل تقدير ‪،‬‬
‫يكون هذا األدب جلءا أو بعضا من نفس احبه أو من إحساسه بما حوله على ّ‬
‫‪25‬‬

‫وهذا يعني ببساطة أ ّن اإلنتاج األدبي هو ّأوال وقبل ذل شيء إنتاج نفس بشرية لها نوازعها‬
‫ورغباتها ووعيها وال وعيها " ‪ ،‬وأل ّن الناقد ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫أقر بكون هذه ال ّدراسة تندرج ضمن إطار النقد‬
‫التطرق إىل‬
‫الرغم من تبنيه املنهج االجتماعي إىل جانب املنهج النفسي اذ ال ميكن ّ‬ ‫الثقايف وعلى ّ‬
‫صورة اآلخر دون اللّوء إىل املنهج النفسي ‪ ،‬هذا النسق املهمش الذي تناوله وهو إحدى أهم أسئلة‬
‫النقد الثقايف و اجلانب الثاين من الثنائية‬

‫(‪ -)1‬فرج أمحد فرج ‪ ,‬مناهج النّقد األديب ‪ ،‬جملّة فصول ‪،‬جملّة النقد األديب ‪،‬اهليئة العامة للكتاب‪ ،‬مصر اجمللّد ‪ ،1‬ع‪، 1911 ،2‬‬
‫ص‪.42‬‬
‫(‪-)2‬‬
‫حممد اخلبّاز ‪ ,‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ,‬ص ‪.11‬‬‫ّ‬
‫(‪-)3‬‬
‫بسام قطّوس ‪ ,‬املدخل اىل مناهج النّقد املعاصر ‪ ،‬دار الوفاء ‪ ،‬االسكندرية ‪,‬مصر ‪ ،2213 ،‬ص‪.22‬‬ ‫ّ‬

‫‪68‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫تطرح العديد من األسئلة الثقافية ‪ ،‬إمكانية الكشف عنها بفك هذه املضمرات النسقية "من‬
‫هنا نفهم أ ّن مفهوم اآلخر يبدأ بالتّش ّكل تدريجيا لدى االنسان سواء على مستوى (الوعي) أو‬
‫عرف على ذاته "(‪ ، )1‬فاآلخر لي مفهوما فرديا فقط ‪ ،‬إنّه‬ ‫(الالّوعي) منذ أن يبدأ اإلنسان بالتّ ّ‬
‫تصوره لذاته وطفولته يش ّكل وعيه باآلخر ‪ ،‬وهذا التّصور‬
‫مفهوم مجعي أيضا فالفرد كما يشكل ّ‬
‫لآلخر املختلف يتش ّكل ضمن ثقافة حم ّددة و خيتلف هذا اآلخر باختالف البيئة واجملتمع أي أ ّن‬
‫هناك تالزما بني (صورة ال ّذات) و (صورة اآلخر) ‪،‬فهما صورتان من نف البيئة «وهذا التالزم بين‬
‫الصورتين قد أبرزته أعمال النفسيين واالجتماعيين الذين اهتموا بالقضايا المتصلة بالذات أو‬
‫ّ‬
‫باآلخر »(‪.)2‬‬
‫يف حبثنا هاذا سننطلق من فصل الناقد الثاين كون دراسته انصبت على جانب (األنا) يف‬
‫الفصل األول إىل حني دخوله يف تفصيل صورة اآلخر ماذا لو أردنا اإلجتاه عكسيا ‪ ،‬من خالل‬
‫تقدميه صورة اآلخر الطفل اليت تناوهلا "املتنيب" ‪ ،‬ففي علم النف احلديث وال ّدراسات املتبعة من‬
‫طرف املنهج النّفسي تعترب احلياة النفسية للمبدع وهو طفل املسؤولة عن كل دوافعه ورغباته يف كربه ‪،‬‬
‫فإىل أي مدى إستطاع الناقد التوفيق بني الكشف عن املضمرات النسقية و احلفر يف صورة هذا‬
‫اآلخر وهوطفل ‪.‬‬
‫الطفولة بمفهومها‬ ‫ّأول ما يثري االنتباه يف هذه الدراسة انطالقة الناقد بقوله ‪ « :‬لم تكن‬
‫والحرية موجودة عند العرب ‪ ،‬ذما أنّها لم تكن مرحلة عمرية تحظى‬
‫ّ‬ ‫الدال على البراءة والنّقاد‬
‫بأي اهتمام » ‪ ،‬كأ ّن الناقد يعطي ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫طرق ملا ق ّدمه يف أشعاره بإرجاعه كع ّدة‬‫املربر للشاعر قبل التّ ّ‬
‫تكون" األنا"‬
‫قضايا سبقت إىل حالة اجتماعية وفرتة تارخيية ‪،‬رّمبا هذه احلالة نفسها هي السبب يف ّ‬
‫اليت حظي هبا "املتنيب" ورمسها لنفسه وبإمكاننا اجلزم يف هذه املرحلة بأ ّن تلك األنا الشعورية‬
‫يعايشها الشاعر ‪.‬‬
‫‪26‬‬

‫‪ -1‬حممد اخلباز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪22‬‬


‫‪ -2‬م ن‪ ،‬ص‪23‬‬
‫‪ -3‬م ن‪،‬ص‪23‬‬

‫‪69‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫ومادام علم التّحليل النّفسي يعد األنا « جلءا من الجهاز العقلي والذي يعد الوسيط بين‬
‫شخص والواقع وتع ّد وظيفته األولى هي استيعاب الواقع والتكيف معه»(‪ ،)1‬فنحن إىل ح ّد اآلن‬ ‫ال ّ‬
‫يتطرق له عدا رفضه التطابق‬
‫علينا القبول بأنا الشاعر وعدم رفضها ‪ ،‬وهو ما أثار حفيظة الناقد و ّ‬
‫بني الصورة التارخيية والصورة النصية لكن هاهنا يربز جليا أ ّن األنا تتطابق كليا مع الواقع ‪ ،‬و يطل‬
‫حديث الناقد هنا لكنّه أشار إىل كون "املتنيب" عاش يتيما يف صغره بالقول «هذا العامل البد أن‬
‫يكون له تأثير على شخصية المتنبي »(‪ ، )2‬كما عرفنا سابقا يف حديث املتنيب عن ج ّدته اليت‬
‫بامكاّنا القيام مقام األم لكن فقدانه األب هو مايش ّكل واقعا خطريا على حياته « بحيث ينشأ‬
‫ونمول بشكل سوي وتحديد‬
‫تطورل ّ‬ ‫لتتم عمليّة ّ‬
‫غياب الصورة ال ّذذورية التي يفرض حضورها ّ‬
‫فهذا نسق مضمر مكبوت‬ ‫(‪)3‬‬
‫الطفل ال ّذذر حيث أنّه بحاجة للتباهي بشخص من الجنس نفسه»‬
‫يف أشعار" املتنيب" رسم األنا العليا ويقر أيضا أ ّن ما كشفته ال ّدراسات التارخيية والسابقة حلياة املتنيب‬
‫الرجل ‪.‬‬
‫تشري إىل أ ّن الطفل يف هذه املرحلة يعامل معاملة ّ‬
‫الشعوري ال حيظى باملعاملة النفسية هلذه األنا الطفولية كان‬ ‫النمو ّ‬
‫فلما كان الطفل اجلديد ّ‬ ‫ّ‬
‫لزاما أن يقوم ذلك مقام الالوعي ‪ ،‬وهو ما أنتج هذه اجلمهورية الفاضلة اليت أراد الشاعر رمسها لنفسه‬
‫من خالل رفض اآلخر وتغليب أناه فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ« امتداح الذات أو حب ال ّذات ذمكافأة على األفكار‬
‫الفاضلة أو المرغوبة وعلى خالف المعنى العادي للضمير فإنّنا ندرك منها أ ّن وظائف األنا‬
‫العليا عادة ما تكون أذبر و لها إدراذية »(‪، )4‬ويف نف السياق ومتابعة ملا الحظناه يف ضرورة‬
‫العودة إىل احلياة اإلجتماعية لفهم وتربير األنساق الثقافية ‪ ،‬فإنّنا جنزم من خالل هذه الفكرة كون‬
‫احلياة النفسية أو املنهج النفسي عامل آخر يف ال ّدراسة الثقافية وهو ما يربط هنا هذا الثالو الثقايف‬
‫‪27‬‬
‫النفسي‪ ,‬واالجتماعي‪.‬‬

‫‪-1‬آرثر آيزبرجار ‪ ،‬النقد الثقايف ‪،‬ص ‪124‬‬


‫‪-2‬حممد اخلباز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪،‬ص‪221‬‬
‫‪ -3‬م ن‪ ،‬ص‪221‬‬
‫‪ -4‬آرثر آيزبرجار ‪ ،‬ص‪122‬‬

‫‪70‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫يشري "برنر" هنا إىل كون « األنا العليا لدينا ترتبط أساسا باالنا العليا السالفنا فهم المسؤولون‬
‫عن تكوين األنا العليا ألبنائنا والذين بدورهم و هم يدربوننا األحاسيس األخالقية والمعنوية ‪،‬‬
‫ويضيف أ ّن ح ّدة األنا العليا لدينا ليست مرتبطة بح ّدة التّدريب الذي ق ّدمه لنا والدانا بل‬
‫األسلوب الذي نتعامل به مع عقيدتهم األوديبية » (‪.)1‬‬
‫الرغم من أ ّن الناقد يشر إىل األنا أو اآلخر يف املنهج النفسي أو مجلة ال ّدراسات النفسية إال‬
‫على ّ‬
‫أ ّن هناك إشارات ع ّدة لتبنيه هذا املنهج إىل جانب املنهج اإلجتماعي كون طفولة "املتنيب" ّأدت إىل‬
‫العلو‪ ،‬وما صنع هذه الصورة الطاغية هي تلك الثقافة‬‫للرفعة و ّ‬
‫ظهور هذه الرتكيبية النفسية اليت تسعى ّ‬
‫النسقية اليت خلقت هذا األنا املتّربة كما يرى "الغ ّذامي" ولكنّه هنا حيسب حساب لآلخر‬
‫فضاعة الطاغية كما ترى ال ّدكتورة بشرى موسى صاحل « ذانت نتاجا لليف الخطاب »(‪ ، )2‬إ ّن‬
‫صورة املمدوح اليت ق ّدمها الناقد ارتبطت باملنظومة اإلجتماعية للشاعر ويراجع ذلك من خالل متابعته‬
‫حىت‬
‫يوضح ‪ّ ،‬‬ ‫السداء ‪ ،‬والغرض منها اهلّاء كما ّ‬‫لصورة املمدوح والصورة الواقعية وهي صورة القبيلة ّ‬
‫صار هذا املديح من منظور النّقد الثّقايف قيمة سالبة مثله مثل الكرم والفحولة الذان سنّتهما ثقافة‬
‫املدائح ‪ ،‬هذه اخلفايا النسقية اليت ختتبئ خلف ( األنا) رسم هلا الناقد صورة اآلخر يف اجلانب املقابل‬
‫هلا ‪ ،‬فاخلبّاز ينظر إىل "املتنيب" ذلك املريض « الذي ال يريد منا أن نرى تلي األجلاء من شخصيته‬
‫ويريدنا أن نكمل باقي أجلاء الصورة بأنفسنا واالستعانة بالمفاتيح التي أعطانا إيّاها »(‪ ، )3‬ومن‬
‫خالل استخدامه مصطلح (أجزاء الشخصية)يقصد الظاهر واخلفي ‪،‬أي املضمر ‪ ،‬إىل جانب‬
‫الالشعور فاجلزء غري الظاهر من الشخصية يف وجهها الغائب شعريا ‪ ،‬وكأنّه هنا يريد إعادة هذا‬
‫الغائب إىل الواجهة املعلنة ‪ «،‬وعلى وفق النسق المهيمن والنّسق ذان الهجاء هو النّسق‬
‫المضمر‪ /.../‬و أ ّن قصيدة المديح تنطوي على الهجاء ذمضمر نصو ي»(‪.)4‬‬
‫‪28‬‬

‫‪ -1‬آرثر آيزبرجار ‪،‬النقد الثقايف "متهيد مبدئي"‪ ،‬ص ‪123‬‬


‫‪ -2‬بشرى موسى صاحل ‪ ،‬بويطقا الثقافة ‪،‬ط‪ ،1‬دار الشؤون الثقافية العامة ‪،‬بغداد ‪ ،‬العراق ‪ ، 2212 ،‬ص ‪31‬‬
‫‪-3‬حممد اخلبّاز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫‪ -4‬بشرى موسى صاحل ‪ ،‬بويطقا الثقافة ‪ ،‬ص‪31‬‬

‫‪71‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫ميكن االستنتاج من خالل صورة الصراع الطبقي اليت ترصدها الدراسات الثقافية بشكل و ٍاع « أ ّن‬
‫مفهوم الخطاب يرتبط إلى ح ّد به ه هه(السلطة) وبالمعنى نفسه الذي يشير فيه الخطاب الى شكل‬
‫أو يغة اللغة المنظّمة اجتماعيا» ‪ّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فالصورة النصية اليت دعا الناقد إىل رفضها لعدم التطابق‬
‫الشاعر ال‬
‫بينها وبني الصورة التارخيية كون "املتنيب" رّكز على أمور معينة دون أخرى تعود إىل أ ّن ّ‬
‫يقر بأ ّن الذات اإلنسانية ال‬
‫وضحها من خالل شعره ‪ ،‬فهو هنا ّ‬ ‫يعرف من ذاته إالّ هذه املالمح اليت ّ‬
‫عرف على اآلخر ‪ ،‬أو بصورة أخرى "املتنيب" أراد إيصال هذه الفكرة دون سواها إ ّّنا ترسم‬ ‫ميكن التّ ّ‬
‫وضحه الناقد هو ذلك املضمر اخلفي الذي اكتشفه من خالل‬ ‫اجلانب الظّاهر من حياته النّفسية وما ّ‬
‫البنية النصية وعندما كانت اللغة تشكل هذا النسق االجتماعي أصبحت الصورتان متطابقتان عند‬
‫الدارس حىت و يعرتف "اخلبّاز" بذلك يف ال ّدراسة‪.‬‬
‫« ويمكن تحديد أقكار فوذو حول ذيفية بناء الذات ض ّدها الذي هو أجنبي أو ما يس ّمى‬
‫به هه(اآلخر)»(‪، )2‬وهذا ما أقامته دراسات النقد الثقايف من خالل ما وجدنا "اخلبّاز" يتابعه يف دراسته‬
‫ليصل إىل صورة (األنا) من خالل اآلخر املختلف‪ ،‬وهذا ما يسمى يف علم النف احلديث ببناء‬
‫الذات من خالل ض ّدها‪ ،‬يذ ّكرنا هذا مبا أقامه علماء اإلجتماع قبال من خالل أ ّن مبدأ التناقض هو‬
‫ما يساهم يف بناء أي وحدة متكاملة فاألضداد تعرف هبا األشياء « فالقراءة الثقافية الفاحصة‬
‫للنصوص المدحية واالعتلازية تثبت بما لم يدع مجاال للشي ان الصيغ الجمالية التي تنظم‬
‫شاعر الفنّان »(‪، )3‬‬‫فيها هذل القصائد ما هي إالّ تشكيالت زخرفية خارجة و خادعة يتبنّاها ال ّ‬
‫وهذا رأي خمالف لرأي الناقد ‪ ،‬فالصورة التارخيية هي اليت استدعت حضور الصورة النصية هبذا اخلداع‬
‫والزيف ‪ ،‬فالشاعر " يق ّدم لنا ورة النسق المضاد الذي يرفض محاوالت السلطة في جعله‬
‫عبدا يوظّف قدراته اإلبداعية وأدواته الفكرية من أجل امتداحها وتليين قبحياتها وتجاوزها‬
‫‪29‬‬
‫"(‪.)4‬‬

‫‪ -1‬يوسف عليمات ‪،‬جملّة عا الفكر ‪ ،‬ص‪31‬‬


‫‪ -2‬م ن‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫‪ -3‬م ن‪ ،‬ص‪.39‬‬
‫‪ -4‬م ن ‪،‬ص‪96‬‬

‫‪29‬‬

‫‪72‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫تصرفاته فهو‬
‫« لكل إنسان هدفه في هذل الحياة فهدفه األسمى الذي يحكم ويوجه جميع ّ‬
‫يتقلّب في هذل الحياة على الوجهة التي يتطلبها هدفه ‪ ،‬قد يضحي بكل شيء ألجل الهدف ‪،‬‬
‫وينسى ذل شيء من أجله»(‪ ،)1‬فالناقد هنا يربط كل أشعار" املتنيب" هبدفه (طلب املعايل ‪ ،‬نيل رضا‬
‫يضحي الشاعر الجل‬‫املمدوحني) فهذا اهلدف كان يسري عليه الشاعر وما يلفتنا يف هذه العبارة (قد ّ‬
‫الشاعر يف كنف املمدوحني لطلب املعايل ‪ ،‬فذاك‬
‫مترغ ّ‬
‫اهلدف وينسى كل شيء) ‪ ،‬هنا يوضح سبب ّ‬
‫يوضحه املنهج النّفسي‪ ،‬وهذه عالمة فارقة عند‬
‫مربر من وجهة نظر ال ّدراسة ونف األمر ّ‬ ‫األمر ّ‬
‫االنسان بصفة عامة والفرد املبدع بصفة خاصة " ما يبني أ ّن « الخصائص النفسية الفارقة‬
‫(‪) 2‬‬
‫للمبدعين وما يتسمون به من رهافة حس ‪ ،‬وقدرته على االستجابة للواقع بحساسية مفرطة »‬
‫حىت ولو كانت‬ ‫فما أقامه الناقد هوصورة واقعية تتداخل معها االستّابة احلسية من طرف الشاعر ‪ّ ،‬‬
‫بالقوة ‪ ،‬ولكنّها تتّسم برهافة احل ّ ‪،‬ترسم ما أراده‬
‫هذه السياقات التارخيية تنم عن حالة نفسية توحي ّ‬
‫الواقع أش ّد ممّا هو عليه ‪.‬‬
‫وبعد ذلك يواصل الناقد حديثه متسائال عن السبب الذي جعل "املتنيب" يعيش حياة مستقلّة من‬
‫ممدوح ملمدوح ؟ ومن مكان ملكان ؟ ‪ ،‬تساؤل من شأنه أن يزيح اللثام عن جزء من (األنا) ويق ّدم لنا‬
‫تفسريا لي باملنطقي فاملتنيب شاعر يريد املعايل و يكن بإمكانه طلب املعايل وهو يف كنف األسرة‬
‫لكنّنا نستطيع إرجاع هذا األمر حسب رؤية أخرى إىل أ ّن الشاعر يعايش حياة هادئة فقد ألف‬
‫الشعور باالكتمال النفسي ‪ ،‬وذلك هوسبب رفضه لآلخر حىت ولو كان‬ ‫الرتحال ‪،‬و يكن لديه ذلك ّ‬
‫وحىت احلبيبة ‪ ،‬وهذا ما يربزه الناقد‬
‫ّ‬ ‫ضمن حياته اخلاصة و ّاختذ من العناصر غري البشرية الرفيق واألني‬
‫من خالل ذكر جانب أنسنة الفرس وعناصر الطبيعية البدوية ويف ذلك شعوٌر داخلي باخلذالن ‪،‬‬
‫والشعر صورة طبيعية لذلك كون « النّقد القائم على نلعة التّحليل النفسي يتّخذ من اللغة وسيلة‬
‫من أجل التو ّل بها إلى النتائج »(‪ ،)4‬وهو ما أقامه اخلبّاز من خالل حتليالته النفسية ألشعار‬
‫املتنيب ‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫‪ -1‬حممد اخلبّاز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪49‬‬


‫بسام قطّوس ‪ ،‬املدخل اىل مناهج النقد االديب ‪ ،‬ص‪23‬‬‫‪ّ -2‬‬
‫‪ -3‬حممد اخلبّاز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪49‬‬
‫‪ -4‬عمر بن طرية ‪ ،‬عبد املالك مرتاض من خالل كتابه يف"نظرية النّقد" ‪ ،‬جملّة األثر ‪،‬الع‪ ، 2229 ،1‬ص‪192‬‬

‫‪73‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫‪ – 2‬عالقة النّقد الثّقافي بالنّقد النّسقي ‪:‬‬


‫تأ هذه الورقة البحثية لتطرح عالقة النقد الثقايف بالنّقد النسقي الذي يتضمن املناهج‬
‫النّصانية حىت ولو تكن العالقة واضحة متّلّية يف الكتاب الذي بني أيدينا مثلما كانت عليه‬
‫العالقة بينه وبني النقد السياقي ‪ ،‬ونالحظ يف كتاب (صورة اآلخر يف شعر املتنيب) اجتماع ع ّدة‬
‫مناهج ‪ ،‬وذلك راجع إىل قصور املنهج الوحيد وابتعاده عن مراميه ‪ ،‬وتعد املناهج النصانية من بني‬
‫هذه املناهج وأبرزها البنيوية و السيميائية ‪.‬‬
‫الرغم من أ ّن البنيوية ال تعترب علما ولكنّها متلك مفردات ولغة مع ّقدة بعض الشيء وهو‬‫على ّ‬
‫ما جيعل منها مفرتقا بني املناهج ‪ ،‬وكوّنا « تتجاهل التاريخ فهي وإن ذانت إجرائية فاعلة جيّدة‬
‫اللمانية »(‪)1‬وهذا ما يلفت‬
‫في تو يفها ما هو ثابت قار ‪ ،‬االّ أنّها تفشل في معالجتها للظاهرة ّ‬
‫فأي عالقة ميكن أن تقوم بني‬
‫االنتباه كون النّقد الثقايف يستدعي حضور التاريخ بشكل ال إرادي ّ‬
‫أي مدى ستظهر‬ ‫أقر يف مق ّدمة كتابه استخدامه املنهج االجتماعي ‪ ،‬فاىل ّ‬
‫االجتاهني ‪ ،‬وباعتبار الناقد ّ‬
‫تطرقنا إليها سابقا واملوضحة لعالقة النص‬
‫البنيوية أو املعاجلة ال ّداخلية للنّص‪ ،‬غري تلك العالقة اليت ّ‬
‫النصاين عليه احلضور إذا‬
‫باجملتمع ‪ ،‬وتلك املفارقة اليت أقامها الناقد هي خري دليل على أ ّن النسق ّ‬
‫حضر اخلطاب التّام ‪ ،‬كون البنيوية تشتق حضورها الكلي والتام من البنية لكنّها ترفض االنفتاح‬
‫تاما‪ ،‬وتعرب عن ذلك بالبنية املغلقة ‪،‬و« يجري استخدام النسق ذثيرا في الخطاب العام‬
‫رفضا ّ‬
‫تشول داللتها وتبدأ بسيطة ذأن تعني ما ذان على‬
‫والخاص وتشيع في الكتابات الى درجة قد ّ‬
‫نظام واحد »(‪ )2‬وهذا ما يأ مرادفا ملعىن البنية عند سوسري ‪ ،‬وأل ّن نظرته للبنية نابعة من افكار‬
‫جاكبسون خصوصا فيما تعلّق بوظائف التواصل ‪ ،‬وتلك املتعلّقة بالشعرية اليت أبانت عن اجملازات وال‬
‫خترج على إطار التخييل والوظيفة األدبية احل ّقة ‪ ،‬وال يقوم جانب من جوانب النّقد األديب إالّ و قد‬
‫حىت النّقد الثقايف أخذ من‬
‫ّنل الكثري من دراسات "سوسري" و "جاكبسون " ‪ ،‬ولي ذلك فقط بل ّ‬
‫ذلك فنرى "الغ ّذامي" يطالب بوظيفة إىل جانب الوظائف اللغوية وأمساها بالنسقية كما أشرنا إىل‬
‫ذلك يف صفحات سابقة ‪.‬‬
‫‪31‬‬

‫‪ -1‬ميّان الرويلي وسعد البازعي ‪،‬دليل الناقد األديب ‪ ،‬ط‪ ،2222 ،3‬املركز الثقايف العريب ‪ ،‬ص ‪12‬‬
‫‪ -2‬عبد اهلل الغ ّذامي‪ ،‬النقد الثقايف ‪ ،‬ص ‪11‬‬

‫‪74‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫تتحرك يف حلقة تارخيية مرتبطة بالسياق اخلارجي‬


‫وكون النقد الثقايف وهذه ال ّدراسة اليت بني أيدينا ّ‬
‫أكثر من ال ّداخلي علينا اإلشارة إىل أن البنيوية تكن إالّ تتوجيا جلهود أل ُسنية سابقة‪ ،‬تأ على‬
‫رأسها جهود املدرسة السوسريية وهذا األخري أقام هّرا لل ّدراسات اللغويّة التارخيية « ومعنال علل‬
‫النص عن احبه ومحيطه التاريخي واالجتماعي ويرون النص مدينا لألنساق اللغوية السابقة‬
‫‪،‬فهي التي تغ ّذي النص الجديد وترفدل‪ ،‬وهي منبع النص وخالقته ‪،‬وج ّدل األعلى ّأما المؤلّف‬
‫(‪)1‬‬
‫فيتم نفيه لحساب النص عند البنيويين »‬
‫حممد اخلبّاز خيرج عن إطار البنية‬
‫وانطالقا ممّا سبق نستطيع القول أ ّن امللمح البنيوي يف دراسة ّ‬
‫تاما فقد رّكز على البنية االجتماعية ورأى يف هذا االنقسام‬
‫اإلجتماعية وهو ما ال يعترب ملمحا ّ‬
‫حىت‬
‫السلطانية ملمحا بنيويا ثابتا يف مجيع أنساق املتنيب ‪ ،‬وهذه األخرية ّ‬
‫الطبقي واهلرمي يف اآلداب ّ‬
‫ولوكانت مضمرة فإ ّن الظاهر منها هو مايبينها ‪ ،‬فـ ـ ـ ــالقيمة الداللية للنّسق يتّخذها «عبر وظيفته‬
‫المجرد والوظيفة النسقية ال تحدث اال في وضع مح ّدد ومقيّد وذذا يكون‬ ‫ّ‬ ‫وليس عبر وجودل‬
‫حينما يتعارض نسقان أو نظامان من انظمة الخطاب أحدهما ظاهر واآلخر مضمر ويكون‬
‫المضمر ناقصا وناسخا للظّاهر ويكون ذلي في نص واحد أو في ما هو حكم النص الواحد‬
‫ويشترط في النص أن يكون جماليا»(‪ ،)2‬فالنسق اللغوي اآلين الذي تبحث فيه البنيوية هو اجلانب‬
‫اآلخر من النسق اخلارجي الذي حبثت فيه ال ّدراسات الثقافية ورّمبا كانت هذه هي املركزية اليت طالب‬
‫النّقد الثقايف بتهشيمها والبحث يف املهمش وهو ما أشار اليه الناقد يف انطالق حديثه عن البنية‬
‫الطبقية يف الثقافة السلطانية واليت ّاختذ من خالهلا السبيل لفهم اجلانب االجتماعي عند "املتنيب"‪،‬‬
‫وكون البنيوية قامت « على أنقاض الفلسفة الظاهراتية ‪ ،‬والتي تذهب إلى عالم المعرفة وعالم‬
‫العواطف واالنفعاالت إنّما تتش ّكل من خالل الشعور وعمليات القصد واإلرادة الخالقة للمعاني ّأما‬
‫(‪)3‬‬
‫لقوة أذبر »‬
‫البنيوية فتنطلق من مبدأ ا ّن الشعور ليس هو مرذل الوجود وبؤرته بل هو انعكاس ّ‬ ‫‪32‬‬

‫حممد سالّم زغلول ‪ ،‬النقد االديب املعاصر‪،‬ج‪ ،2‬منشأة املعارف ‪ ،2221 ،‬ص ‪.32‬‬ ‫‪ّ -1‬‬
‫‪ -2‬عبد اهلل الغ ّذامي ‪ ،‬النقد الثقايف (قراءة يف االنساق الثقافية)‪ ،‬ص ‪11‬‬
‫‪ -3‬زكي جنيب حممود‪ ،‬الفلسفة والنّقد االديب ‪ ،‬جملّة فصول‪ ،‬مج‪ ،4‬ع‪ ،1‬ص ‪11‬‬

‫‪75‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫حترك وانبثاق األنساق لصورة الالّشعور‬


‫ووجودها الفعلي ال حتكمه األنساق الظاهرة وإّمنا من خالل ّ‬
‫توصل إليه الناقد من خالل احلفر يف النسق اإلجتماعي من خالل األنا الالشعوري و اآلخر‬‫و هو ما ّ‬
‫ختيلي بواسطة لغة جمازية تضمر أكثر من أن تبني‪.‬‬
‫الذي رّكز عليه يف دراسته ‪ ،‬وذلك مت يف إطار ّ‬
‫فإذا كان النص ضمن املنظور البنيوي بنية مغلقة ‪ ،‬متعلّقة مبا يربطها داخليا ‪ ،‬فقد ارتبطت بالنّقد‬
‫الثقايف يف إطارها الثاين الذي يتداخل فيه مع اجملتمع ‪،‬وهو ما عاجلته " البنيوية التكوينية " ّ‬
‫الختاذ‬
‫هذه االخرية من اجملتمع السبيل األوثق لربط املكون النسقي ال ّداخلي باملكون االجتماعي اخلارجي و‬
‫حممد سالم‬
‫رمست للبنية االجتماعية وجودا يشابه ذلك النّصاين ‪ ،‬وبذلك نستطيع االتفاق مع " ّ‬
‫يتكون أو ينهض وينبني في مجال‬
‫زغلول" حينما قال « إ ّن النص األدبي على تميلل واستقالله ّ‬
‫ثقافي هو نفسه _أي المجال الثقافي _ موجود في مجال اجتماعي وأن ما هو داخل النص‬
‫األدبي هو وفي معانيه خارج ذما أ ّن ما هو خارج هو أيضا وفي معنى من معانيه داخل »(‪،)2‬‬
‫فالنص األديب حيوي العديد من الدالالت واليت يسعى املنهج البنيوي للوصول إليها ولكن هذه‬
‫الدالالت تبقى غامضة نسقيا حىت يزاح اللثام عن معانيها اخلارجية ‪ ،‬وهذه هي الرؤية للخارج أي‬
‫النسق الثقايف واالجتماعي ‪ ،‬وهو ما طالب النقد الثقايف باحلفر فيه واستكناه النسق الثقايف فالكاتب‬
‫جتسد يف أشعار"املتنيب"‬ ‫كما اشار "محمد سالم زغلول " كثريا ما ّ‬
‫يتمرد على اللغة ‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫وكشفه "اخلبّاز" من خالل هذه ال ّدراسة يف احلفر يف املضمرات الثقافية‬
‫ومن هذا املنطلق نستطيع االتفاق مع "عبد الحميد هيمه" يف قوله « إن البنيوية في معناها‬
‫وهي فكرة "جوناثان‬ ‫(‪)3‬‬
‫األخص هي محاولة نقل النموذج اللغوي إلى حقول ثقافية أخرى »‬
‫ذولر" على اعتقادين‪.‬‬
‫‪33‬‬

‫‪ -1‬حممد سالم زغلول ‪ ،‬النقد األديب املعاصر (البنيوية وما بعدها)‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬منشأة املعارف‪ ،‬االسكندرية‪،‬مصر)‪،2221،‬‬
‫ص ‪.39‬‬
‫‪ -2‬عبد احلميد هيمه ‪ ،‬النص الشعري بني النقد السياقي والنقد النسقي ‪،‬امللتقى الدويل األول يف املصطلح النقدي ‪،‬جامعة‬
‫قاصدي مرباح‪،‬ورقلة ‪ ،‬اجلزائر‪12-29 ،‬مارس‪ ،2211‬ص ‪.324‬‬

‫‪33‬‬

‫‪76‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫مجرد موضوعات او احداث ذات معنى‬ ‫أ ّوهلما كون « الظواهر االجتماعية والثقافية ليست ّ‬
‫وبالتالي فهي اشارات »(‪ ، )1‬وهذا ما جيعل النقد الثقايف يقيم عالقة مع النقد النسقي كون النقدان‬
‫يشرتكان يف القراءة الداخلية وما رفض البنيوية للمؤلف والعالقة مع العا اخلارجي أالّ محل يف ثناياها‬
‫لبذور فنائها ‪ ،‬وما هو ّإال موت جمازي يسمح بتوالد املعىن للنص األديب ‪ ،‬وهو ما حلظناه يف ما‬
‫تسعى إليه دراسات النقد الثقايف من خالل املطالبة باحلفر يف األنساق الداخلية املضمرة ‪ ،‬وهو متاما‬
‫يشابه تشتيت البنية و تفكيكها‪.‬‬
‫ويف اجلانب املقابل وضعت السميائية العالمة موضوعها الوحيد ‪،‬فإن سوسري أقر‬
‫كون علم العالمات هو دراسة حلياة العالمة ضمن احلياة اإلجتماعية ‪،‬فاذا كانت متعلقات العلوم‬
‫اللغوية جلّها تنطلق من النص فها هي السيمياء هتتم بكوّنا تتغلغل يف دراسة ضمن اجملتمع ‪،‬ويعد‬
‫املنهج السيميائي من أكثر املناهج النقدية احلديثة قابلية ألن تنتشر يف دوائر األدب والفن والثقافة يف‬
‫إطارها الكلي الشامل وما يعنينا هو الرتكيز على تلك العالقة القائمة بني النقد الثقايف و‬
‫السيميولوجيا‪ ،‬وكون هذه الدراسة قامت على منهج خارجي إلبراز املضمرات النسقية الداخلية‬
‫فكيف أن تقوم له عالقة مع السيمياء ؟‬
‫ويشري " الح قنصوة " إىل كون املوصوف يف النقد الثقايف هو النقد والصفة هي الثقافة‪ ،‬ففكرة‬
‫ختتلف فهي موجودة ‪ ،‬مشريا من خالل قوله « وهناك نقطتان أساسيتان أرى أن‬ ‫النقد وآلياته‬
‫النقد الثقافي يعتمد عليهما وهما علم العالمات أوال وعلم النفس ثانيا »(‪ ،)2‬فالنقد الثقايف من‬
‫خالل هذا املنظور هو معطى يرتكز على منهّني نقديني‪ ،‬األول سياقي خارجي‪ ،‬والثاين نسقي‪،‬‬
‫البشرية « ومن ثم فإن النقد‬ ‫الرمزية وتفاعالها مع النف‬
‫داخلي ‪ ،‬يرتبط بالدالالت اإلحيائية ّ‬
‫الرملية بين مكونات ثقافية بعينها تشكلت عالقتها على نحو تاريخي‬
‫مسعى لتأويل التفاعالت ّ‬
‫»(‪ ، )3‬ومن خالل دراسة اخلبّاز نعثر على اجلانب السيميائي بشكل مباشر ‪.‬‬
‫‪34‬‬

‫‪ -1‬عبد احلميد هيمه ‪،‬النص الشعري بني النقد السياقي والنقد النسقي ‪،‬ص ‪324‬‬
‫‪ -2‬صالح قنصوة ‪ ،‬النقد الثقايف ‪ ،‬جملّة فصول ‪ ،‬جملّة النقد األديب ‪،‬اهليئة العامة للكتاب ‪،‬القاهرة ‪،‬مصر ‪،‬ع ‪،33‬شتاء وربيع‬
‫‪ ،2224‬ص‪119‬‬
‫‪ -3‬م ن‪ ،‬ص ‪119‬‬

‫‪77‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫غري أ ّن اجلانب العالما جنده يف كل ناحية من هذه ال ّدراسة خصوصا تلك املتعلقة باحلياة والقبيلة‬
‫كونه ‪ «:‬ال يمكن أن يقال عن العالم أنّه إنساني ‪ ،‬إال اذا ذان يدل ‪،‬فما دام العالم اإلنساني‬
‫الرملي الحافلين بمختلف أنواع ال ّدالالت‬
‫قائما في أساسه على التوا ل اللغوي والتفاهم ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫اللغوية والعالمات غير اللغوية »‬
‫وهذا ما نعثر عليه يف أشعار "املتنيب"‪ ،‬خصوصا عندما يؤول األمر إىل تلك الدالالت املدحية اليت‬
‫ختدم القصيدة وترفعها يف ميزان الصنعة ‪ ،‬وتزيد من خصوصيتها يف خضم هذا الكم اهلائل من‬
‫وضح الناقد ‪.‬‬
‫الرمزيّات كما ّ‬
‫يوضح "اخلبّاز" يف‬
‫فكانت حقيقة احلياة اإلجتماعية والطبقية املتتبعة لآلداب السلطانية آنذاك وكما ّ‬
‫دراسته هي ما حيكم الصورة النصية للشعر عند "املتنيب" وهذا ما يؤخذ على الناقد كونه رفض التطابق‬
‫بني الصورتني النصية والتارخيية ‪ ،‬على الرغم من كون املنهج اإلجتماعي الذي ّاختذه سبيال يف دراسته‬
‫يعك النسق اإلجتماعي املعاش‪ ،‬وكون النقد الثقايف كما ذكرنا يف مرحلة سابقة يقوم على اجلانب‬
‫النفسي واجلانب السيميائي وهلذين االثنني االرتباط الوثيق ‪،‬وهو ما يبينه الناقد‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫والسيف والرمح والقرطاس والقلم‬ ‫اللي هل والخي هل والبيداء تع هرفني‬
‫فال ّدالالت الرمزية اإلحيائية يف أشعار "املتنيب" طغت على املعاين املباشرة ‪،‬يف حني أ ّن الصورة النصية‬
‫تتحرك فيها جل األنساق الثقافية‪ ،‬وما تتبينه ال ّدراسة هو‬
‫اختذت من الرمزية الداللية البوتقة اليت ّ‬
‫عدم إبراز الفرق بني النسق الثقايف الذي تبنيه األنظمة االجتماعية ‪ ،‬والنسق النصي الذي تبنيه‬
‫األنظمة الداللية من خالل اإلحياءات الرمزية‪.‬‬
‫فإبراز "اخلبّاز" صورة األنا ال تنبين إالّ بوجود هذا اآلخر املخالف هو ما يذ ّكرنا يف مقولة "آلرثر‬
‫آيلبرجر "وما يطابق هذا السياق يف خضم ضوضاء العالمة « فمن خالل العالمة تبدأ المناقشة‬
‫الرموز والعالمات فيبين أنّه يمكن‬
‫عن السيميوطيقا والنقد الثقافي ‪ ،‬ويشرح المؤلف ذيف تعمل ّ‬
‫‪35‬‬‫(‪)3‬‬
‫الرمل بأنّها أي شيء يمكن استخدامه للوقوف على شيء آخر »‬
‫تعريف العالمة أو ّ‬
‫‪ -1‬نزار التّدبيت ‪ ،‬السيميائيات السردية‪ ،‬جملّة عا الفكر ‪ ،‬الع‪ ،21‬اجمللد‪ ،34‬يوليو ‪ ، 2222‬ص ‪149‬‬
‫‪ -2‬حممد اخلبّاز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪42‬‬
‫‪ -3‬آرثر آيزبرجر ‪ ،‬النقد الثقايف (متهيد مبدئي للمفاهيم االساسية) ‪،‬ص‪11‬‬

‫‪78‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫يربر وجود‬
‫فالعالمة اللغوية حتكمها العالمة املقابلة والنسق الثقايف الذي يرسم األنا الفردية االجتماعية ّ‬
‫اآلخر‪ ،‬وهذا ما جيعل املصطلح فضفاضا ‪،‬على غرار ما ورد يف الكتاب وما جعل الصورة النسقية هلذا‬
‫اآلخر ختتلف باختالف النسق الثقايف الذي يرسم رمزية إحيائية غري اليت هي عليها ‪.‬‬
‫‪ - 3‬عالقة النقد الثقافي بالنقد االيديولوجي ‪:‬‬
‫مبا أ ّن لفظة "أيديولوجيا" دخيلة على اللغة العربية وهي « مؤلفة من جلءين (أيديو)‬
‫ومعناها فكرة و (لوجيا) معناها علم ومن هنا جاء معناها الذي هو علم األفكار‪ /.../‬ولو ذنّا‬
‫لنختار لها اسما عربيا فأنسب ما أرال هو ذلمة (مذهبية) على أنني وجدت الفيلسوف‬
‫اإلسالمي "الفارابي "فيما قرأته له يستخدم ذلمة الملة لهذا المعنى‪ ،‬فالملّة هي مجموع األفكار‬
‫هذا التصدير‬ ‫(‪)1‬‬
‫والمعتقدات التي يلتف حولها فئة معينة من النّاس ينا رونها ويلتلمونها »‬
‫التطرق للنّقد األيديولوجي وعالقته املباشرة بالنّقد‬
‫الغرض منه إبراز داللة لفظة أيديولوجيا قبيل ّ‬
‫الثقايف‪ ،‬وجتدر اإلشارة إىل كون املنهج األيديولوجي « هو منهج ال يريد أن يسلب األدب أو‬
‫الفنّان حريّته وذل ما يرجول هو أن يستجيب األديب والفنّان لحاجات عصرل وقيم مجتمعه‬
‫بطريقة تلقائية »(‪ ،)2‬ومن خالل النقطتني األوىل والثانية نستطيع القول أن املنهج األيديولوجي أقرب‬
‫إىل املنهج اإلجتماعي منه إىل املناهج النقدية األخرى ‪ ،‬واهتمام الناقد هبذا املنهج وتتبعه طوال‬
‫صفحات دراسته يوضح تسرب املنهج االيديولوجي إىل هذه ال ّدراسة خصوصا وأ ّن الفرتة اليت اهتم‬
‫الكاتب بدراستها حتوز على متغريات عديدة يف اجملتمع آنذاك ‪ ،‬وقد كان هناك تداخل واضح بني‬
‫وضحناه يف املستوى الواقعي يربز ذلك ‪ ،‬فالنقد االيديولوجي كما‬ ‫املنهج الواقعي وااليديولوجي وما ّ‬
‫يوضح حممد مندور هو « الموقف النفسي والشعوري إلى وحدة الموضوع الدرامي في القصيدة‬
‫ّ‬
‫فن أدبي وهو الجمال ‪،‬‬
‫القصصية الحديثة أو الدرامية ‪ ،‬مع الحفاظ على األساسيات في ذل ّ‬
‫ويتمثّل في الشعر بالحفاظ على التقاليد الشعرية والموسيقى االيقاعية المتمثّلة في العروض‬
‫ووحدة التفعيلة »(‪،)3‬‬‫‪36‬‬

‫(‪ -)1‬زكي جنيب حممود ‪ ،‬األدب وااليديولوجيا ‪ ،‬جملّة فصول ‪ ،‬املج ‪ ،22‬الع‪،24‬اجلزء الثاين ‪ ،‬يوليو ‪،1912‬ص‪21‬‬
‫(‪-)2‬‬
‫حممد مندور ‪ ،‬النقد والنقاد املعاصرون ‪ّ ،‬نضة مصر للطباعة والنشر ‪ ،1991 ،‬ص ‪191‬‬ ‫ّ‬
‫(‪-)3‬‬
‫حممد زغلول سالّم ‪ ،‬النقد االديب املعاصر‪ ،‬اجلزء ‪،1‬منشأة املعارف ‪ ،‬االسكندرية ‪،‬مصر ‪ ،2221،‬ص‪32‬‬‫ّ‬
‫‪36‬‬

‫‪79‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫تعترب إقامة اخلبّاز املفارقة بني الصورة التارخيية والصورة النصية للمتنيب ورفض التطابق بينهما مفارقة‬
‫غري عادلة ‪ ،‬وذاك بالعودة إىل الواقع الفكري حلظة اإلبداع الفين للشاعر « وقارئ التاريخ يعلم أ ّن‬
‫المتنبي عاش في فترة ضعفت فيها الخالفة العباسية واستولى على االمارات األعاجم ‪/.../‬‬
‫وذان المتنبي رافضا لهذا الوضع وراغبا في تغييرل»(‪ ،)1‬فاهتام "املتنيب" بقول غري ما هو عليه قيل‬
‫يصور‬
‫يصور المتنبي وأ ّن شعر الشعراء ّ‬ ‫فيه الكثري من قبل الن ّقاد « وهو أ ّن شعر المتنبي ال ّ‬
‫شعراء تصويرا ذامال ادقا يمكننا من أن نأخذهم منه أخذذا مهما ‪ /.../‬إ ّن ديوان المتنبي أن‬‫ال ّ‬
‫يصور لحضات من حياته ‪ ...‬قد شغل فيها بلحضات من حياة الشاعر أو‬ ‫ّور شيئا فهو ّ‬
‫األديب الذي عني بدراسته »(‪،)2‬ويف بقية عرضه يبني الناقد « أ ّن هذا الطموح السياسي ذان‬
‫موجودا عند المتنبي من شبابه ‪ ،‬وقد ذان يريد تغيير الوضع السياسي في الكوفة ‪ ،‬وتم ّون هذا‬
‫(‪)3‬‬
‫الطّموح راجع الى علّة اجتماعية سياسية إذا ذان الوضع في الكوفة هو وضع األ ّمة العربية »‬
‫وهذا هو األصح وما أبانه معظم النقاد يف دراساهتم حول "املتنيب" قد أوعز الناقد كل القضايا‬
‫األخرى اليت لفقت للمتنيب إىل القضية السياسية ‪ ،‬خصوصا وأ ّّنا فرتة مليئة باملكائد ‪ ،‬واملطامح‬
‫السياسية ‪ ،‬وهذا ما جعل اخلبّاز يقيم دراسته بناءا على تغليب املنهج الوحيد وهو املنهج اإلجتماعي‬
‫‪ ،‬لكنّه يف الوقت نفسه أبقى على تساؤالت عديدة يف هذا اجلانب كون الدارس يف هذا اجملال يكون‬
‫أشد اقرتابا إىل االنثروبولوجيا أو املنهج الواقعي وااليديولوجي عن النقد الثقايف‪ .‬ومبا أ ّن األيديولوجيات‬
‫وتؤسس أهدافا جمعية‬
‫يف األصل هي « أنظمة اعتقاد متكاملة تكفل تفسيرات للواقع السياسي ّ‬
‫ذكل في حالة االيديولوجية المسيطرة ‪ ،‬ولهذل األنظمة عنصر‬
‫لطبقة أو جماعة ‪ ،‬أو للمجتمع ّ‬
‫تقييمي الذي فيه تربط األيديولوجيات األحكام السلبية أو االيجابية وتصلها بأحوال المجتمع‬
‫أو األهداف السياسية »(‪ ،)4‬وهذا الواقع السياسي هو ما جعل "املتنيب"ينحو إىل مسار دون غريه و‬
‫ألزم "اخلبّاز" بضرورة التعرض له يف دراسته فربز لنا النقد األيديولوجي ‪.‬‬
‫‪37‬‬

‫حممد اخلبّاز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪،‬ص‪.31‬‬‫‪ّ -1‬‬


‫العامة لقصور الثقافة‪،‬القاهرة ‪،‬مصر‪،2221 ،‬ص‪.124‬‬
‫‪ -2‬حسن البنا عزالدين ‪،‬قراءة اآلخر وقراءة األنا ‪،‬ط‪،1‬اهليئة ّ‬
‫‪ -3‬حممد اخلبّاز ‪ ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ -4‬آرثر آيزبرجار‪ ،‬النقد الثقايف ‪ ،‬ص ‪.123‬‬

‫‪80‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أشكال التّعالق النّقدي في كتاب الخبّاز‬

‫الرأي ‪ ،‬يوافقه صورة‬


‫فاملالحظ على دراسة الناقد عدم ميله الجتاه معني يف نقده للمتنيب وبقي متقلب ّ‬
‫نصية ويرفض أخرى ‪،‬خصوصا يف جانبها السياسي الذي مينحه دائما دور الشفيع ‪ ،‬حيث أنّه ال‬
‫يرفض التطابق التام بني احلقيقة والواقع ولكنّه يقبل توافقهما يف كثري من األشياء ‪،‬فقبول الصورة‬
‫السياسي " و " العداوة" مرارا‬
‫ّ‬ ‫العدو‬
‫تكرر لفظة " ّ‬
‫النصية بأكملها ينسفها داخليا حيث نالحظ ّ‬
‫تأزمت‬
‫من طرف الناقد ويُرجع كل ما ق ّدمه اىل قرائن مؤّكدة و باعرتاف منه عن الفرتة التارخيية اليت ّ‬
‫فيها احلياة االجتماعية والسياسية كوّنا اكتسبت ضبابية « لكن هذل المساحة من حياة المتنبي‬
‫تمثل منطقة فراغ ال يمكن س ّدها بأشياء قطعية ‪ ،‬ولذلي فانّي حينما تقرأ ما ذتب عن المتنبي‬
‫ستجد فروضا ذثيرة مختلفة فرضها الباحثون لس ّد هذا الفراغ »(‪، )1‬وأل ّن االيديولوجيا ختدم‬
‫مصلحة اجلماعات احلاكمة وتثبت وضع اجملتمع سواء لنفسه او لآلخرين ولذلك يثبت احلالة على‬
‫ماهي عليه ‪،‬وأل ّن "اخلباز" ّبني أ ّن املتنيب هو شاعر أراد التغيري سياسيا واجتماعيا ‪،‬فهو بذلك جيعل‬
‫منه يوتوبيا حبتا ال ايديولوجيا وهذا ما نفهمه من خالل املقارنة اليت أقامها ماّنامي بني االيديولوجيني‬
‫واليوتوبيني « هؤالء الجماعات المضطهدة والذين ال يرون اال الجوانب السلبية لمجتمع معين‬
‫وينصرف اهتمامهم نحو التغيير الجذري للمجتمع أو تقويضه واليوتوبيون –مثلهم في ذلي مثل‬
‫االيديولوجيين –اليرون المجتمع في حدود واقعية ‪،‬فااليديولوجيون يريدون االبقاء على الوضع‬
‫القائم ّأما اليوتوبيون فإنّهم يف ّكرون في التغييرات الكبرى التي يأملون تحقيقها للمجتمع»(‪،)2‬‬
‫أقره أيضا "اخلبّاز" « وذان المتنبي رافضا لهذا الوضع راغبا في‬
‫وكأ ّن هذا قيل يف املتنيب وهو ما ّ‬
‫يلم‬
‫ّ‬ ‫تغييرل»(‪ ، )3‬وهذا ما يربّر حضور النقد األيديولوجي يف هذه الدراسة النقدية ‪ ،‬فاملنهج الوحيد‬
‫جبميع املراحل الشعرية والنسقية للشاعر ‪.‬‬
‫‪38‬‬

‫حممد اخلبّاز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪،‬ص‪32‬‬


‫‪ّ -1‬‬
‫‪ -2‬م ن‪ ،‬ص‪39‬‬
‫‪-3‬م ن ‪39،‬‬

‫‪81‬‬
‫مكونات مابعد الحداثة‬

‫‪ -1‬النقد النسوي‬

‫‪ -2‬الجنوسة‬

‫‪ -3‬جدلية المركز والهامش‬


‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫من املتعارف عليه نقديّا يف أدب ما بعد احلداثة ترحيل الفكر األحادي اىل فكر ماقبل احلداثة‬
‫بعد أُفول هذه املركزيات وفقداهنا شرعية االكتساح والظهور ‪،‬وذوباهنا يف الققافة االتتااعية والسيايية‬
‫وظهرت يف القاة القراءات املتع ّددة اليت ال تلغي اآلخر بل متنح الرأي املخالف ‪،‬كون النص الواحد‬
‫حامل ملعا ي متع ّددة وهذا ما قدمته املراحل النقدية ومكوناهتا يف مرحلة ما بعد احلداثة وهي عديدة‬
‫ً‬
‫أمهها‪:‬‬
‫‪ -1‬النّقد النّسوي‪:‬‬
‫من املعلو أ ّن النّقد النّسوي هو « شكل من أشكال النّقد يرّكز على المسائل النسوية وهو‬
‫عامة»‪ )1‬وهو من متعلّقات النقد الققايف‬‫اآلن منهج في تناول النصوص والتحليل الثقافي بصفة ّ‬
‫وال ختلو دراية نقدية من إبراز مكانة للارأة االتتااعية ‪ ،‬مقل هذه ال ّدراية اليت بني أيدينا وال يقف‬
‫العامة التي تهدف‬
‫النقد النسوي إىل هذا احلد بل « غالبا ما يختلط هذا النقد بالكتابة النسائية ّ‬
‫إلى تبيان وضعية المرأة االجتماعية واالقتصادية والنفسية وتحديد دورها في المجتمع»(‪. )2‬‬
‫تتأيس دراية "اخلبّاز" على خمزون ذهين حيتقر املرأة من خلل اجلسد املؤنّث ‪ ،‬ولكي يتضح املراد‬
‫يوف نقف على نقطتني مهاتني وردتا يف مطاوي النص ‪،‬تربزان قياة املرأة العربية يف الفةرة العبايية‬
‫وتصوراهتا يف إطار اجملتاع العريب آنذاك ‪،‬من خلل اقتصار زاوية الرؤية على اجلسد األنقوي ‪،‬وبالعودة‬
‫إىل صورة اآلخر تربز هذه النظرة الدونية من قبل الذكوري « وما يجمعه التراث الذكوري من احتقار‬
‫الرجل »(‪ )3‬وهذا ما ال يعقر عليه كقريا‬
‫مجرد جسد مخلوق لمتعة ّ‬
‫ل ـ األنثوي والمرأة في نظرهم ّ‬
‫احلرة واجلارية ‪ ،‬وهذه الصورة مستقاة من الفةرة التارخيية‬
‫يفرق بني املرأة ّ‬
‫يف أشعار "املتنيب" كونه ّ‬ ‫‪1‬‬

‫والسيايية ‪ ،‬لكن نرى "آرثر يقول" «ان أصحاب النقد النسوي يرّكزون على دور المرأة الذي‬
‫وتوسعها في الحياة اليومية ‪ ،‬واستغاللها بوصفها موضوعا جنسيا »(‪ ،)4‬وال‬
‫تلعبه في النصوص ّ‬
‫نستطيع احلكم على الناقد بتبنيه ذلك كونه أبرز أ ّن ذلك نابع من فةرة ييايية حتكاها الطبقية‬
‫ويطّرت هلذا النسق الققايف الذي ريم النسق النصي ‪.‬‬

‫‪ -1‬آرثرأيزابرتر‪ ،‬النقد الققايف ‪ ،‬ص‪66‬‬


‫‪ -2‬مجيل محداوي ‪ ،‬نظريات النقد األديب يف مرحلة ما بعد احلداثة ‪,‬دط‪،‬مكتبة املققف ‪،‬دت ‪ ،‬ص ‪152‬‬
‫حماد اخلبّاز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪193‬‬‫‪ّ -3‬‬
‫‪-4‬آرثر أيزبرتار ‪ ،‬النقد الققايف ‪،‬ص‪66‬‬

‫‪83‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫للرجال فقط» (‪)1‬كاا يلحظ أ ّن املتنيب‬


‫« والمرأة في هذه الثقافة جسد خال من العقل فالعقل ّ‬
‫هو األكقر كفاءة على التعبري عن النظرة اليت كانت للارأة يف عني الذكر أو الققافة الذكورية ‪ ،‬وكون‬
‫حرة ينكر أن ختطو خطوة واحدة خارج البيت ‪ ،‬والقانية‬ ‫اجملتاع العريب شهد ميلد امرأتني األوىل ّ‬
‫احلرة‬
‫املتاعن يف شعر املتنيب ميكنه اكتشاف ملمح املرأة العربية ‪،‬أو ّ‬
‫تارية أتنبية ال قيود عليها ‪ ،‬و ّ‬
‫كاا أطلق عليها النّاقد يف قصائد الشاعر ‪ ،‬ولتكن قصيدة "خولة "‪ ،‬وأبرز ما يلفتنا يف قصيدة املتنيب‬
‫أنّه يضع اخت ييف ال ّدولة يف أعلى مرتبة ميكن للارأة أن حتوزها يف ظل ثقافة ذكورية‪ ,‬ومن أبرز‬
‫للرتل ‪ ،‬حىت‬
‫احلرة الشريفة من خلل قراءتنا لقصيدة "املتنيب" يف "خولة" التبعية ّ‬
‫ملمح صورة املرأة ّ‬
‫حرة ‪ ،‬فالنسب هو ما مينحها هذه املنزلة ومل تكن لتحوزها لو مل تكن يف كنف‬
‫ولو كانت امرأة عربية ّ‬
‫رتويل يائد ‪ ،‬ويربز الناقد ذلك من خلل قوله ‪ «:‬فالمتنبي يبدأ قصيدته مخاطبا خولة بقوله يا‬
‫أخت خير أخ ويا ابنة خير اب »(‪ )2‬وهي كناية هباا عن أشرف النسب ‪ ،‬حيث جند اخلبّاز ضان‬
‫هذه األبيات يشري إىل كون املتنيب تعل موقع املرثية مضافا يف احلالتني ‪،‬فهي أخت خري أخ وبنت‬
‫خري أب ‪ ،‬اي ّأهنا مضافة ألخيها و أبيها ويف هذا املستوى اشارة اىل تبعية املرأة رغم شرفها ‪ ،‬فـ ـ ـ ـ ـ‬
‫«المجتمع الذكوري يرى المرأة قبل أن يراها ‪،‬يراها في وعيه التقليدي ‪،‬الذي يحذف الوجه‬
‫والجسد وتحيل المرأة إلى موضوع أو إشارة أو رمز أي تظل المرأة في وجودها الفعلي غائبة»‬
‫(‪ )3‬فاملرأة هي ذلك املهاش املسكوت عنه ‪،‬فاجملتاعات يف فةرة من الفةرات امتازت بأبوية حتوزها‬
‫تلك القوة الذكورية‪ ,‬اليت تصنع من صورة املرأة اآلخر الضعيف السلعي وتع ّد هذه الصورة مكتسبة من‬
‫تاريخ وخلفية حلركية ذكورية ‪ ،‬ترّكزت من خلل أنساق داخلية تكشفها ع ّدة يياقات ‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫البنية اجلسدية األنقوية واليت تفرض الرؤية العاطفية أو اجلنسية ‪ ،‬وكل هذه اخللفيات انطلقت من‬
‫تانب هتايش املرأة وتشييئها‬
‫‪2‬‬

‫حماد اخلبّاز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪206‬‬ ‫‪ّ -1‬‬


‫‪ -2‬ن‪ ،‬ص‪.206‬‬
‫‪ -3‬حسني املناصرة ‪ ،‬النسوية يف الققافة واالبداع ‪،‬ط‪ ،1‬عامل الكتب احلديث‪،‬األردن ‪ ،2002 ،‬ص‪13‬‬

‫‪84‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫إ ّن الذي ييسعى اليه الناقد من خلل تقدمي تصوراته عن املرأة أ ّن األياس يف الققافة الذكورية هي أ ّن‬
‫الرتل فاملتاعن يف قصيدة "املتنيب" اليت‬
‫الرتال أفضل من النّساء وبالرغم من إعةرافه أ ّن املرأة تقل عن ّ‬
‫ّ‬
‫يرثي هبا أ ييف ال ّدولة يرى أ ّن هلذه القصيدة شواذ ويفهم ذلك من خلل يياق قول املتنيب ‪:‬‬
‫الرجال‬
‫ضلت النّساء على ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫لف ّ‬ ‫ولو كان النساء كمن فقدنا‬
‫بكل تأكيد شكلت املرأة يف تاريخ الققافات البشرية موضوعا للجدل واالختلف وهذا ما نستكشفه‬
‫"محمد عبد المطلب «أ ّن االنوثة على مر التاريخ – باستثناءات محدودة زمنيا‬
‫ّ‬ ‫من خلل قول‬
‫ثم فإ ّن السيادة‬
‫ومكانيا‪ -‬كانت مهمشة بوصفها طرفا في ثنائية تفاضلية مع ال ّذكورة ‪ ،‬ومن ّ‬
‫كانت للثقافة االبوية على حساب الثقافة األموية »(‪)2‬وهذا ما تعلنا ننحو عكس ما ذهب اليه‬
‫الناقد اىل كون ثقافة املتنيب تنحين حنو الققافة اجلاهلية منهاعلى الققافة اإليلمية ‪ ،‬رغم التعاليم‬
‫االيلمية بتكرمي املرأة ‪ ،‬وايتار تقزميها وحتجيم دورها مسيطرا على الوعي البشري ‪.‬‬
‫ويربر الناقد هذا النسق االنقوي من خلل تفسريات نفسية من خلل قوله « والمرأة في‬
‫ّ‬
‫الرجل إنّما هي رجل‬
‫الثقافة الفحولية ال تملك من صفاتها االنثوية الخاصة بها ما يفصلها عن ّ‬
‫ورأي الناقد هذا مل يبىن من فراغ ولكن من خلل جتسيد "املتنيب"‬ ‫(‪)3‬‬
‫ناقص كما يشير فرويد »‬
‫الرتل وهي الصورة الوحيدة اليت‬‫تكون شخصية خمتلفة عن ّ‬ ‫لصورة "خولة" وصفاهتا األنقوية اليت ّ‬
‫ق ّدمت من طرف "اخلبّاز" واعتربها مستقلّة عن الصفات الذكورية وهو ما جيعله حيبها وحيةرمها ‪،‬‬
‫الرتولية « وال ذكرت جميال من صنائعها إالّ‬ ‫مرة أخرى لكوهنا تتحلّى بالصفات ّ‬ ‫ولكن بالعودة ّ‬
‫بكيت ‪ »/.../‬فاملرأة من خلل هذا النسق أفضل من ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫حىت إن الناقد يرى أ ّن املتنيب‬
‫الرتل ‪ّ ،‬‬
‫خياطب املرأة بضاري املذ ّكر من فرط احسايه برتولتها ولكن هذا ال يعطي املرأة صورة توهرية بقدر‬
‫ما جيعلها حاملة لصفات غريبة عنها‪,‬هي صفات الرتل آيايا‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ -1‬حماد اخلباز‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪،‬ص ‪202‬‬


‫حماد عبد املطلب ‪ ،‬ذاكرة النّقد األديب ‪،‬اط‪، 2‬جمللس األعلى للققافة ‪،‬القاهرة ‪ ،2002 ،‬ص‪93‬‬
‫‪ّ -2‬‬
‫حماد اخلبّاز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪202‬‬‫‪ّ -3‬‬
‫‪ -4‬ن‪ ،‬ص‪202‬‬

‫‪85‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫والرأي السابق للخبّاز جنده عند الناقد "عبد اهلل الغ ّذامي" أيضا أل ّن « المرأة تختلف عن الرجل‬
‫جسدا وشكال ‪،‬فهل تختلف عنه ايضا في عقليتها وفي فكرها ؟ تقل الثقافة نعم ولكن بالمعنى‬
‫فالرجل عقل والمرأة جسد ‪ ،‬هذا ما تعلن عنه كتابات الفحول مثل سقراط ‪ ،‬وأفالطون‬
‫السلبي ّ‬
‫‪،‬وداروين ‪...‬واختالفها عن الرجل يجعلها رجال ناقصا ألنّها ال تملك أداة الذكورة كما يقول‬
‫فرويد »(‪ )1‬وهذه النظرة ليست بغريبة عن الفرويدية ولكنّها األغرب إذا ما ايتحكم إليها من طرف‬
‫ناقد عريب ‪ ،‬ويواصل الناقد حديقة يف فصله االخري الذي عنون اجلزء القالث منه بـ ــ(اآلخر اجلنسي)‬
‫صورة املرأة ‪ ،‬فاملرأة مل جتد لنفسها حىت املكانة ضان اآلخر النسقي باإلضافة إىل تصدير هذا الفصل‬
‫ببيت من الشعر ‪:‬‬
‫فان تكن خلقت أنثى فقد خلقت‬
‫(‪)2‬‬
‫كريمة غير أنثى العقل والحسب‬
‫يهيء ال ّدارس إىل اإلنتهاء هلذا التصور واكتااله بالنسبة لصورة املرأة عند املتنيب ‪ ،‬وقد أ ّكد‬
‫وكأنّه ّ‬
‫الناقد يف معرض حديقه عن صورة اآلخر األنقوي أ ّن هذه الصورة النسقية مل تأت من فراغ ومل تتأيس‬
‫من ال شيء ‪،‬بل إ ّن الشاعر ايتنبط هذه الصورة من احلضارات السابقة أو على األرتح أ ّن الققافة‬
‫العربية والةراث آنذاك مل يكون أحسن حال من احلضارات السابقة ‪ ،‬وهذا ما نلاسه أيضا منذ الفكر‬
‫األريطي الذي بالغ يف تقييم الذكورة ‪ ،‬بل إ ّن أريطو يرى أ ّن املرأة أنقى بفضل ما تفتقر اليه من‬
‫خصائص ذكورية وهو ما جنده يف أفكار النّاقد أيضا ‪،‬وذلك حسب الفةرة التارخيية ومن وتهة نظرنا‬
‫هو أمر عادي بالنسبة لفةرة تارخيية اضحى فيها تعداد اإلماء واجلواري اليت ميتكها اخللفاء يفوق‬
‫احلرائر ‪,‬ويق ّد لنا الناقد جماوعة من الشروح يف هذا املوضوع وأكقر اتساعا‪،‬وتبت اإلشارة فقط إىل‬
‫ان املشكلة مل تكن أبدا ال يف اجلواري وال التعداد بل يف تاثريهن الققايف على اجملتاع العريب‪،‬مشريا‬
‫الناقد يف هذه النقطة إىل أن اإلنتصارات «غمرت البالد بالسبايا والجواري واألموال والخبرات‬
‫(‪)3‬‬
‫تسرب أخالق األعاجم الى العرب »‬
‫أدت إلى ّ‬
‫كما ّ‬
‫‪4‬‬

‫‪ -1‬عبد اهلل الغ ّذامي ‪ ،‬املرأة واللغة ‪,‬ط‪ ،3‬املركز الققايف العريب ‪ ،‬الدار البيضاء ‪,‬املغرب‪ ،2006،‬ص‪09‬‬
‫‪-2‬‬
‫حماد اخلبّاز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪139‬‬ ‫ّ‬
‫‪ -3‬ن‪ ،‬ص ‪192‬‬

‫‪86‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫وتهه "اخلبّاز" "للاتنيب "كون املرأة هي ذلك (اآلخر‬ ‫وال بأس هنا أن نقف عند النقد الذي ّ‬
‫اجلنسي) يف نفس اإلطار الزمين الذي نرى أ ّن الشاعر كان مقيّدا فيه نسقيا‪ ،‬وصورة املرأة هنا‬
‫ارتبطت جبزئية إتتااعية ومل ترتبط باملرأة العربية ‪ ،‬إن مل نقل أ ّهنا ارتبطت بصورة املرأة غري العربية اليت‬
‫ش ّكلت اجلزء اآلخر من اجملتاع العريب آنذاك وهي اجلواري ‪ ،‬فاالمتزاج الققايف واالتتااعي هو‬
‫وجيسد فةرة أخرى‪،‬‬‫السبب يف صبغ النسق الققايف فان غري املعقول ان يعيش الشاعر فةرة تارخيية ّ‬
‫وهذا ما يؤاخذ عليه الناقد فهذه الصورة النصية مطابقة متاما ما عايشه الشاعر‪ ,‬فاملرأة اجلارية تلبت‬
‫هذه الصورة النسقية حىت ولو كانت مرفوضة إىل ح ّد ما يف الققافة العربية « فإ ّن حضورهن في‬
‫شراب التي انتشرت انتشارا‬
‫والرقص وال ّ‬
‫المجتمع العربي مالزم لحضور مجالس اللهو ‪ ،‬والغناء ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫واسعا حتى في قصور الخلفاء وهذا ما ساهم في انتشار ثقافة الجسد في المجتمع العربي »‬
‫لذلك عرف العرب بوصف اجلسد األنقوي إىل درتة اهلوس الذكوري جبسد األنقى ‪ ،‬وقد ارتبطت‬
‫األنقى بالنقص وارتبط العقل بالذكوري الفحويل ‪ ،‬حىت ان «االنسانية تتعلّ بال ّذكر وليس باألنثى‬
‫الرجل هو الذي يعطي المرأة وجودها وماهيتها وهذا ما كان يقصده ميشليه حين وصف‬ ‫وأن ّ‬
‫الرجل »(‪ ،)2‬فاملرأة‬
‫المرأة بأنّها كائن نسبي أي أنه ال يمكن فهمها أو دراستها إال باشإشارة إلى ّ‬
‫اليت ش ّكلت النسق األنقوي يف مرحلة من املراحل ازحيت عنها صفة اإلنسانية وذلك لكوهنا ال تنتسب‬
‫تل هذه‬ ‫لكن ّ‬‫الرتل ‪ ،‬وهذا الوضع للارأة هو وضع تارخيي أزيل يف بعد عن التفسري ال ّديين و ّ‬ ‫اىل ّ‬
‫التفسريات هي تفسريات بيولوتية جندها حتكم على هذه النسق املهاش واملغيب بالنظر إىل بنيته‬
‫الرتل ‪ ،‬فاحلوار اجلسدي الذي يتّخذ‬ ‫الرغم من كوهنا املخفي املسيطر على غري عادة ّ‬ ‫اجلسدية على ّ‬
‫الريم ال ّدو ي للجسد األنقوي هو حب ّد ذاته انتصار للارأة ومركزية متوازنة‬
‫منه النّقاد جماال لل ّدراية و ّ‬
‫كل دراية نقدية ‪.‬‬
‫كوهنا من يسلّط عليه الضوء يف ّ‬ ‫‪5‬‬

‫حماد اخلبّاز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪192‬‬ ‫‪ّ -1‬‬
‫‪ -2‬أمحد أبو زيد ‪،‬املرأة واحلضارة ‪ ،‬جملّة عامل الفكر ‪،‬املج‪ ، 2‬الع‪،01‬أفريل‪ ،‬ماي‪ ،‬توان ‪،1926‬ص‪19‬‬

‫‪87‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫فاالختلف ها هنا ال ميكن أن يعين دوما التعايل واألفضلية بل يُعزى يف كقري من األحيان إىل الطبيعة‬
‫الرجولة تميل الى القوة‬
‫الرجال والنّساء ‪ ،‬وإ ّن ال ّذكورة أو ّ‬
‫ف ـ ـ ـ ـ « الطبيعة البشرية تختلف عند ّ‬
‫والسمو والعقالنية ‪ ،‬وإ ّن الطبيعة االنثوية تميل الى الضعف ونقصان العقل والدين واألخالق‬
‫»(‪ )1‬وهذا ما نلاسه عند النّاقد خبصوص ما أشار إليه عند "املتنيب" ‪،‬حىت إنّه نزع عنها صفة‬
‫يتوضح من خلل نقص ذكر املرأة هبذه‬ ‫العقلنية متاما غري االيتنقاص من قياة هذا العقل وهذا ما ّ‬
‫املرات اليت ذكرت فيها املرأة ‪ ،‬وأنّه مل‬
‫حىت إ ّن النّاقد أقا إحصائية ختص عدد ّ‬
‫التساية يف أشعاره ّ‬
‫يدل على تأكيد الققافة الذكورية "‬
‫دل ذلك على شيء حسب الناقد فإنّه ّ‬‫تتع ّدد النساء يف أبياته وإن ّ‬
‫الصفات التي تستح الوقوف عندها‬
‫«التي ال تعير المرأة اهتماما ذاك أ ّن المرأة ليس لديها من ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫كالرجل »‬
‫ّ‬
‫مبجرد انتقاهلا إىل مرحلة‬
‫ومل تكن إلمرأة املكانة العالية غري ت ّدته و برهن النّاقد على ذلك كون األنقى ّ‬
‫حترر ‪ ،‬اي أ ّن ذلك أمر طبيعي ‪ ،‬ومن هنا يتضح لنا أ ّن املتنيب‬
‫األمومة حتةر وتق ّدر وإذا كانت تارية ّ‬
‫مل يهتم باملرأة وّأ‪ ،‬ما ذكر يف أبياته هو األمر الطبيعي ‪،‬ومن خلل احلفر يف أنساق املرأة املغيبة يذكر‬
‫اخلبّاز أ ّن الشاعر لديه احنراف فحويل ناتم عن حضرة األمومة ‪،‬ويريم النّاقد لصورة املرأة عند املتنيب‬
‫املهاش غري‬ ‫صورة املرأة املخ ّدرة ‪ ،‬وهذا ما صنعته الققافة الذكورية وهي يف حكم امليتة إذ أ ّهنا هي ّ‬
‫مهم ‪,‬والفحل هو املركز الذي ميركز وتود ذاته ويصنع وتود هذا الشيء األنقوي الذي حيكم كينونته‬
‫اجلسد ال شيء غري ‪ ،‬ويف ظل هذا التغييب للارأة يف الشعر أو يف ال ّدرايات النقدية قامت درايات‬
‫حتررية تبنّتها احلركات النسائية وقد رّكزت هذه األخرية على مفهو "‬ ‫متحورت حول دعوات ّ‬
‫الجنوسة" ‪ ،‬وذلك لـ ـ ـ ـ« كشف الفرضيات المتحيّزة مسبقا في فكر الثقافة عموما والغريبة‬
‫خصوصا»(‪ )3‬وهذا ما ينحاول ايتكشافه من خلل البحث يف مفهو اجلنوية وحضورها يف النقد‬
‫مكونات مابعد احلداثة‪.‬‬
‫كاكون من ّ‬
‫الققايف ّ‬
‫‪6‬‬

‫‪ -1‬نوال السعداوي وهبة رؤوف عزت‪ ،‬املرأة والدين واالخلق ‪ ،‬ط‪ ,1‬دار الفكر ‪،‬دمشق ‪ ،2000 ،‬ص‪22‬‬
‫حماد اخلبّاز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪229‬‬‫‪ّ -2‬‬
‫‪ -3‬ميجان الرويلي و يعد البازعي ‪ ،‬دليل النّاقد األديب ‪ ،‬ص‪149‬‬

‫‪88‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫‪ -2‬الجنوسة ‪:‬‬
‫" يعود المفهوم في أصله الى مصطلح لغوي ألسني يشير الى تقسيم ضمني في النحو‬
‫السائدة اليوم مشت من المفردة الالتينية التي‬
‫القواعدي اللغوي ‪ ،‬إذ هو في اللغات الغربية ّ‬
‫تعني النّوع أو األصل)‪ (genus‬ثم تنحدر سالليا عبر اللغة الفرنسية في مفردة )‪(gendre‬‬
‫التي تعني أيضا النّوع أو الجنس ‪ ،‬ومن المفردة أصال جاءت األنواع األدبية أو األجناس الفنية‬
‫و ّاول ما يةراءى للناقد يف اللفظة إرتباطه مباشرة باجلنس البشري البيولوتي لإلنسان ‪ ،‬وهذا ما‬ ‫(‪)1‬‬
‫"‬
‫أ ّكد الباحقون أن ال علقة له بذلك «ففي بعض اللغات نجد التمييز الجنوسي قائما على الفرق‬
‫بين المذ ّكر والمؤنّث وحيادي الجنس ‪ ،‬لكنّنا نجد التمييز في لغات أخرى مرتكزا على الفرق‬
‫بين الحي وغير الحي واالنسان وغير االنسان ‪ ،‬وعلى الفرق بين العاقل وغير العاقل وعلى‬
‫الفرق بين الذكر االنسان وغير الذكر ‪ /.../‬لكن كل هذه االختالفات تؤدي في النهاية الى‬
‫وظيفة الفرق بين ال ّذكر واألنثى »(‪ )2‬وهذه الغختلفات ان كانت لتوتد يف دراية نقدية فغإ ّهنا‬
‫يتتوفّر يف جمال النّقد الققايف ويتربز بصورة مباشرة يف جمال النّقد النسوي ‪ ،‬هذا األخري الذي ذكرنا‬
‫يف صفحات يابقة أنّه مفهو تتاحور حوله ال ّدرايات النسائية يف كافّة اجملاالت "والواضح أ ّن‬
‫ال ّدرايني اختلفو يف حتديد مفهو اجلنوية ف ـ ـ ـ ـ ــ" أيلين شوالتر « انطلقت في تعريفها من كونها بنية‬
‫ثقافية اجتماعية وليست حقيقة طبيعية جسدية ‪ ،‬ولهذا فهي مصطلح يستوجب البنى‬
‫(‪)3‬‬
‫االجتماعية والثقافية والنفسية المفروضة على الفارق الجنسي (البيولوجي) »‬

‫‪7‬‬

‫‪ -1‬ميجان الرويلي ويعد البازعي ‪ ،‬دليل النّاقد األديب ‪ ،‬ص ‪150‬‬


‫‪ -2‬ن‪ ،‬ص ‪150‬‬
‫حماد محودي‪ ،‬إشكالية اجلنوية (النسوية)يف النقد الققايف ‪ ،‬جملّة مقاليد ‪،‬العدد ‪ ،02‬توان ‪ ،2015‬مستغامن ‪ ،‬اجلزائر‬
‫‪ّ -3‬‬
‫ص‪02‬‬

‫‪89‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫وكون ال ّدرايات النّسائية قامت «بدحض مصداقية الجبرية البيولوجية وأثبتت أ ّن التّكوين‬
‫ذرع‬
‫تعسفها سوى التّ ّ‬
‫يبرر ّ‬‫الجنسي ليس معيارا للقيم الثقافية ‪،‬بل إ ّن القيم الهرمية اسقاطات ال ّ‬
‫بالتّكوين الجنسي الذي ال يصمد أمام الدراسات المخبرية التجريبية ‪،‬كما انبرت دراسات‬
‫الرجل والمرأة اعتمادا على‬
‫لتتقصى عالقات البنى االجتماعية في تفريقها بين ّ‬
‫ّ‬ ‫نسائية أخرى‬
‫التبرر طبقية العالقة وال توزيع الفئدة واألعباء على المجتمع »(‪ ،)1‬وقد ظهرت‬‫الجنوسة التي ّ‬
‫ملمح من هذه ال ّدراية يف كتاب (صورة اآلخر في شعر المتنبي) حيث أزاح النّاقد اللّقا عن كون‬
‫الشاعر ّاختذ من اآلخر اجلنسي أيايا يف جتسيد صورة املرأة ‪ ،‬وقد كانت هذه األخرية العنونة جلزئه‬
‫الرجل‬
‫الةراث ال ّذكوري من احتقار لألنقوي «ألن كاتب هذا التّراث هو ّ‬
‫القالث من الكتاب ملا محله ّ‬
‫السلطوية المت ـ ـعالية التي تنظر للمرأة نظرة دونية‬
‫الذي صاغه وف ثقافته ال ّذكورية ‪ ،‬ثقافته ّ‬
‫فالمرأة شيء هامشي في الثقافة الفحولية » وكانت هذه الققافة ال ّذكوية متج ّذرة تبعا للطبيعة‬
‫االتتااعية اليت شاعت آنذاك ‪ ،‬وإضافة اىل ذلك فهذه الققافة نابعة من قانون املااليك ‪ ،‬مق ّدما‬
‫الرباهني واألدلّة ليصنع هذا النّسق الفحويل ‪.‬‬
‫املكونات‬
‫وهذا ما تعل من املرأة صورة تسد خال من أدىن املكونات الفكرية غري تلك ّ‬
‫اجلسدية اليت تصنع الققافة اجلنسية «بوصفها جسدا يحمل رأسا صغيرا فارغا ومعه أعضاء جنسية‬
‫متض ّخمة بصورة مبالغ فيها »(‪ )3‬وهذه الققافة دخيلة على اجملتاع العريب حيث أ ّن هذا التّجسيد‬
‫حاال‬
‫الةراث العريب مل تكن أحسن ً‬ ‫كان يف بداياته عن طريق متاحف فرنسية ‪ ،‬مربزا النّاقد ا ّن املرأة يف ّ‬
‫منها يف تراث احلضارات السابقة ‪ ،‬ولرّمبا هذا ّمّا ايؤاخذ عليه فإن كانت احلضارات السابقة ترى يف‬
‫املكون الققايف‬
‫املرأة صورة تنسية فكان لزاما على شاعر حتكاه ثقافة إيلمية أن يبتعد عن هذا ّ‬
‫يتطرق اليه اخلبّاز يف درايته حول صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪.‬‬ ‫ال ّدخيل ‪ ،‬وهو ما مل ّ‬
‫‪8‬‬

‫حماد اخلبّاز‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪،‬ص ‪193‬‬ ‫‪ّ -1‬‬
‫‪ -2‬ن ‪ ،‬ص ‪193‬‬
‫‪ -3‬ميجان الرويلي ويعد البازعي ‪ ،‬دليل النّاقد األديب ‪ ،‬ص‪151‬‬

‫‪90‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫الحمودي" ّأهنا حاولت "‬


‫محمد ّ‬
‫االجتاهات اليت يارت عليها درايات اجلنوية يذكر " ّ‬
‫وإذا تتبّعنا ّ‬
‫تحييد الهيمنة ال ّذكورية التي تعتمد على تكوين الجهاز التّناسلي ‪ ،‬وإقامة نوع من العدالة‬
‫والرجل فرعا "(‪، )1‬وهذا‬
‫االجتماعية والمحاولة في تقليب بنية التّضاد لتصبح األنثى أصال ّ‬
‫للرتل وهتايش األنقى وتغييبها‬ ‫هوإحدى اهتاامات املكونات املابعد حداثية برفض هذه املركزية ّ‬
‫‪،‬وهي إحدى النّقاط اليت ايتوقفت النّاقد يف هذه ال ّدراية ‪,‬وما ش ّد انتباهنا بإعتبار صورة اآلخر‬
‫الرتال‬
‫عند "املتنيب" غري مفهو املعامل إىل تانب هذه األنا التفوقية ‪ ،‬على باقي اجلنس املشةرك من ّ‬
‫ضاد بني‬
‫تبعا أللواهنم فكان اآلخر األيود هو املق ّد يف صورة العبد ‪ ،‬فاا بالنا بصورة املرأة ‪ ،‬فالتّ ّ‬
‫الرتل حاضرة يف الصورة النصية للشاعر ‪ ،‬ومتجلً يف مضاراته النّسقية « والذي‬
‫صورة املرأة وصورة ّ‬
‫ينبغي اشإشارة إليه أ ّن دراسات الجنوسة انصب إهتمامها على معاناة األنثى بحيث سعت ما‬
‫الرجل و المرأة ‪ ،‬وهذا جعلها تصل الى‬
‫أي شكل من أشكال التّمايز بين ّ‬
‫أمكنها إلى إلغاء ّ‬
‫سمو وأهميّة األنثى »(‪،)2‬والنّاقد حاول ذلك يف درايته مبيّنا أ ّن املرأة اليت ذكرت يف‬
‫مرحلة تأكيد ّ‬
‫أشعار "املتنيب" ليست احلّرة الغربية األصيلة بل تلك ال ّدخيلة على الققافة العربية واليت صنعت شيئا من‬
‫من الوهن والضعف الققايف يف اجملتاع آنذاك ومل يذكر النّاقد العديد من املقوالت يف إشارة منه لكون‬
‫(الرجل)‬
‫ليس املقوالت نفسها وإّّنا « ما تمثّله من نس ثقافي مختبئ فيها ‪ ،‬هدفه شرعنة سلطة ّ‬
‫على (المرأة) ‪ ،‬وتبرير سلب حقوقه»(‪ )3‬فهذا اإليتصغار لشخص املرأة حعل منها شيئا يرفض‬
‫املهاش ‪ ،‬و‬
‫املتنيب صورة املرأة اآلخر‪ ،‬وذلك ما ملسه النّاقد من خلل أبياته يف حضور حمتجب هلذا ّ‬
‫إن ريم هلا حضورا فيكون إلخضاعها لآلخر « فاخرا بال ّذكورة متعاليا بها في مقابل صفة األنوثة‬
‫‪9‬‬
‫و صغرها» (‪.)4‬‬

‫حماد محّودي ‪،‬اشكالية اجلنوية يف النّقد القّقايف ‪ ،‬ص‪02‬‬


‫‪ّ -1‬‬
‫‪ -2‬ن ‪ ،‬ص‪02‬‬
‫حماد اخلبّاز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص‪195‬‬‫‪ّ -3‬‬
‫‪ -4‬ن ‪ ،‬ص‪195‬‬

‫‪91‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫خصص تزءا لصورة اآلخر‬ ‫وما لوحظ يف دراية اخلبّاز عد مناقشته لقضيّة الفحل ‪ ،‬يف حني ّ‬
‫تطرقه لصورة االنا يف فصل كامل واإلشارة اىل نسقية الشاعر ‪ ،‬يف‬
‫الرغم من ّ‬
‫اجلنسي(املرأة) ‪ ،‬على ّ‬
‫تغييب صورة الفحل ‪ ،‬رّمبا يعود لطبيعة املنهج الذي تتبّعه النّاقد فـ ـ ـ ـ ــ" الضغط االجتماعي والثّقافي‬
‫يؤسس بنية الجنوسة ويجيز ال ّدور الذي يلعبه كل من الطّرفين وبهذا فإ ّن الثقافة وليست الطبيعة‬
‫ّ‬
‫والسلوك "(‪،)1‬‬
‫البيولوجية هي التي تضع قيودا ومح ّددات حتّى على طرق التّفكير واشإبداع ّ‬
‫متأزمة يياييا ‪،‬عرفت العديد من االختلفات الققافية على اجملتاع ‪،‬‬ ‫واملتنيب وليد فةرة اتتااعية ّ‬
‫خصوصا بعد موتة اإلختلط مع باقي الققافات غري العربية ‪ ،‬أبرزها تلك املتعلّقة باجلواري وكاا هو‬
‫معروف أ ّن ا"ملتنيب" عاش يف كنف ملوك ‪.‬‬
‫وكون البحوث يف جمال اجلنوية والنّقد النسوي يف النقد العريب املعاصر ّاختذت من اال ّجتاه‬
‫تل حتليلهتا على منطلقات غربية ‪ ،‬بعيدة عن ديننا ‪ ،‬كون ما رفعه اهلل‬ ‫الغريب الكقري ‪،‬وارتكزت يف ّ‬
‫وتل ال تسقطه أيدي الشعراء والنّـ ّقاد والقول يف ختا معرض احلديث عن إشكالية اجلنوية يف‬ ‫عز ّ‬ ‫ّ‬
‫النّقد الققايف ما قاله "املتنيب" ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫والَ التَّـ ـ ـ ـ ـ ــذكي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـر فَخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـر للهالل‬ ‫عيب‬
‫شمس ٌ‬
‫وما التّأنيث السم ال ّ‬

‫‪10‬‬

‫‪ -1‬ميجان الرويلي ويعد البازعي ‪ ،‬دليل النّاقد األديب ‪ ،‬ص‪151‬‬


‫حماد محّودي ‪ ،‬اشكالية اجلنوية يف النّقد القّقايف ‪ ،‬ص ‪09‬‬
‫‪ّ -2‬‬

‫‪92‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫‪ -3‬جدلية المركز والهامش ‪:‬‬


‫شهدت الساحة النقدية العربية يف أدب ما بعد احلداثة ‪ ،‬كسر كل ما جمّدته الفةرة احلداثية‬
‫وعادت إىل االهتاا مبا مهّشته هذه األخرية ‪ ،‬ومسيت هذه اجلدليّة القائاة باملركز واهلامش وهي‬
‫األول وتهمش وتلغي اآلخر و إذا بحثنا فإنّنا سنجد أ ّن هذه الثنائية تجمع‬
‫تكرس ّ‬
‫«ثنائية ضدية ّ‬
‫بالصراع األزلي بين ال ّذات واآلخر »‬
‫(‪)1‬‬
‫تكونت بينهما عالقة ضدية تنافرية شبيهة ّ‬ ‫بين شيئين ّ‬
‫وهذا ما حضر بقوة يف كتابات املتنيب وما ّأدى بالنقاد إىل إطلق العنان ألقلمهم لتقول قولتها يف‬
‫هذا االجتاه ‪،‬وهذا ما قا به "اخلبّاز" يف كتابه املويو بـ ـ ـ ـ ـ (صورة اآلخر في شعر المتنبي) لريم‬
‫الرغم من كون الشاعر مل يهتم باآلخر‬ ‫صورة اآلخر مبختلف حاالته وطبقاته عند املتنيب ‪ ،‬على ّ‬
‫حرك حتت وطأة األنا املتعالية واآلخر القاصر املهاش‬‫وعاش جتربة شعرية يف قوقعة ال ّذات ‪ ،‬بني التّ ّ‬
‫وقد تع ّددت ال ّدرايات اليت تعلت من ا"ألنا "عند "املتنيب" موضوعا هلا ‪ ،‬كون األنا املتعالية هي‬
‫املهاش ‪ ،‬وأل ّن هذه ال ّدراية اعتادت املنهج‬ ‫املركز يف ال ّدرايات النقدية وصورة اآلخر هي ّ‬
‫االتتااعي ‪ ،‬فقد كان من الضروري حضور املناهج النصانية واليت لديها طابع تارخيي ‪ّ ،‬أما عن‬
‫املوضوع فهو ما ايتدعى املنهج الققايف ‪ ،‬وكاا ذكرنا يف صفحات يابقة فاملتنيب هو الشاعر النسقي‬
‫أو هو األكقر نسقية ‪ ،‬وأل ّن «فصل اآلخر كمفهوم في تعريفه عن مغهوم الذات ‪ ،‬ذاك أنّهما‬
‫دائرتان متداخلتان ج ّدا وهذا التّداخل راجع أساسه إلى أ ّن المفهومين يساهمان في تكوين‬
‫بعضهما البعض ‪ ،‬أي أ ّن التّداخل ناتج من طبيعة التّخلّ لكل منهما ‪ ،‬إنّهما يلدان بعضهما‬
‫البعض ‪ )2(»/.../‬تصدير انطلق من خلله النّاقد من شأنه أن يبني عن تلك العلقة القائاة بني‬
‫األول فهو يولّد‬
‫حىت وإن كان االهتاا صوب ّ‬ ‫"األنا" و"اآلخر" حتيلنا غلى مفهو املركز واهلامش ‪ّ ،‬‬
‫اآلخر بصورة مباشرة غري مرئية ‪ ،‬أو على األرتح كان يف مرحلة ما غري معةرف به ‪.‬‬
‫‪11‬‬

‫‪ -1‬خليل يلياة ومشقوق هنية‪ ،‬األدب النسوي بني املركزية والتّهايش ‪،‬امللتقى الدويل يف املصطلح النّقدي ‪،‬تامعة قاصدي‬
‫مرباح ‪،‬ورقلة ‪،‬اجلزائر ‪،‬يومي ‪،2011-10-09‬ص ‪01‬‬
‫حماد اخلبّاز ‪ ،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪ّ -2‬‬

‫‪93‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫وكون ثنائية املركز واهلامش ‪ ،‬ال تع ّد موضوعا تدليّا فحسب بل هي إحدى أهم أيئلة النّقد الققايف‬
‫ويع ّد يؤال حيال يف طياته التّاثري والتّأثّر بني تانيب القنائية ‪ ،‬وأل ّن هذا االجتاه من النّقد يهتم بسؤال‬
‫النّسق كبديل عن يؤال النّص ‪ ،‬ويؤال املضار بديل عن يؤال ال ّدال ‪.‬‬

‫وهذا النص يضع القارئ منذ الوهلة األوىل اما ثياة الض ّد بني املركزية واهلامشية ‪،‬إذ يسعى‬
‫الرفعة وال ّدميومة النّسقية ‪ ،‬وتغييب اهلامشي الذي يكاد يغيب‬‫املركز(األنا) دائاا إىل التعايل وحتقيق ّ‬
‫كل شيء ‪ ،‬يصعب االمساك به‬ ‫ح ّقا بفعل عد احلضور ‪ ،‬ف ــ(اآلخر) هو مصطلح ثقايف ّاوال وقبل ّ‬
‫حيث «يؤول األمر في رسم صورة اآلخر ‪ ،‬وفي تعيين داللته ومعناه الى الثّقافة التي يكون اليها‬
‫فالرتل أو الذكر هو ما ميقّل‬
‫ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫انتماء (األنا) أو (ال ّذات) التي تتح ّدث عن الغير المخالف »‬
‫الرتل هنا تعل من الكتابة أداة قاع ضد املرأة وكأداة فكرية‬ ‫املهاش األنقوي ‪ ،‬وكأ ّن ّ‬
‫املتح ّدث عن ّ‬
‫لتهايشها ودحض مكانتها ‪ ،‬ويف اجلهة املقابلة هي أداة إلبراز ّقوته وهيانته السلطوية وييادته املطلقة‬
‫اليت مياريها ضد املرأة على حسب إحدى آراء "عبد اهلل الغ ّذامي" يف كتابه " المرأة واللغة" «‬
‫الرجل (الكتابة) ‪ ،‬واحتكرها لنفسه وترك للمرأة (الحكي)‪ ،‬وهذا‬
‫وهي القسمة التي أخذ فيها ّ‬
‫أدى الى إحكام السيطرة على الفكر اللغوي والثقافي على التّاريخ ‪ ،‬من خالل كتابة هذا‬ ‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫التّاريخ »‬
‫متمرد‬
‫فاملركز هاهنا هو املقال الذي حيتذى هو‪ّ ,‬أما « الهامش فيطل على كل أدب منبوذ ّ‬
‫ومتجاوز لسلطة المركز »(‪ )3‬وهو ما رّكز عليه الن ّقاد يف جمال النّقد الققايف ‪ ،‬واملناهج املابعدية ‪،‬‬
‫خصوصا تلك املتعلّقة باألدب والنّقد النّسوي ‪.‬‬

‫حماد اخلبّاز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪25‬‬ ‫(‪ّ -)1‬‬
‫(‪ -)2‬عبد اهلل الغ ّذامي ‪ ،‬املرأة واللغة ‪ ,‬ص‪01‬‬
‫(‪ -)3‬خليل يلياة ومشقوق هنية ‪ ،‬األدب النّسوي بني املركزية والتّهايش ‪،‬ص ‪161‬‬

‫‪94‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫وطاملا انطلق النّاقد من صورة ( اآلخر املرأة ) ‪ ،‬يف تكوين صورة امجالية عن املرأة يف شعر املتنيب فإ ّن‬
‫هذا اآلخر خيتلف عن األنا ومبا أ ّن أنا املتنيب هي تلك املتعالية فأ ّن صورة املرأة لديه تعكس خصوصية‬
‫دونية ‪ ،‬وهذا ما يربهنه قوله « ال يخفى على أحد ما يحمله التّراث (ال ّذكوري) من احتقار‬
‫الرجل الذي صاغه وف ثقافته ال ّذكورية ‪ ،‬ثقافته‬
‫ل ـ ــ(االنثوي ) ‪ ،‬أل ّن كاتب هذا التّراث هو ّ‬
‫السلطوية المتعالية التي تنظر للمرأة نظرة دونية ‪ ،‬فالمرأة شيء هامشي في هذه الحياة على‬
‫وكون اجلنسني جتاعهاا‬ ‫الرجل الفحل »‬
‫(‪)1‬‬
‫مجرد جسد مخلوق لمتعة ّ‬ ‫متن الفحولة ‪ ،‬والمرأة ّ‬
‫نفس البيئة ونفس الظروف اإلتتااعية ‪ ،‬وعليه فاالبداع والتاايز هاهنا خيص اإلبداع أي الفروق‬
‫نصا‬
‫الرجل أن يكتب ّ‬
‫الفردية ال اجلنس فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ" النص المؤنث ليس حكرا على المرأة إذ بإمكان ّ‬
‫يضره "(‪.)2‬‬
‫مؤنّثا ‪ ،‬ويرى أ ّن هذا التّصنيف ال يخدم األدب بقدر ما ّ‬
‫املهاش الذي ريم له النّاقد صورة يف شعر املتنيب « ليس مفهوما فرديا فقط‬
‫فاآلخر ّ‬
‫تصوره لذاته ‪ ،‬فإ ّن‬
‫بناءا على ّ‬ ‫تصوراته عن اآلخر ً‬
‫إنّما مفهوم جمعي أيضا فكما أ ّن الفرد يش ّكل ّ‬
‫املهاشة هي‬ ‫ّ‬ ‫ات‬‫ذ‬‫ّ‬ ‫ال‬
‫و‬ ‫(‪)3‬‬
‫تصوره لذاته »‬
‫بناءا على ّ‬
‫تصورا عن اآلخر َ‬‫يكون له ّ‬‫المجتمع كذلك ّ‬
‫ثم فإ ّن العالقة بينها وبين المهيمن على المركز ‪ ،‬ثقافة كانت او‬
‫«ذات مقصاة من المركز ومن ّ‬
‫الصراع ‪ ،‬ومن هنا تتراءى لنا الصلة وثيقة بين اشإقصاء‬ ‫اقتصاد أو سياسة عالقة قوامها ّ‬
‫والتّهميش ‪ ،‬فالمهيمن صاحب نس قيمي يتح ّدد وفقه ويح ّدد مواقع بقية ال ّذوات اشإجتماعية‬
‫(‪)4‬‬
‫األخرى منه »‬

‫‪12‬‬

‫حماد اخلبّاز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪193‬‬‫(‪ّ -)1‬‬


‫(‪ .-)2‬خليل يلياة ومشقوق هنية ‪ ،‬األدب النّسوي بني املركزية والتّهايش ‪،‬ص‪.162‬‬
‫حماد اخلبّاز ‪،‬صورة اآلخر يف شعر املتنيب ‪ ،‬ص ‪23‬‬
‫(‪ّ -)3‬‬
‫املهاشون يف املدينة العربية املعاصرة ‪،‬جملة عامل الفكر ‪,‬الع ‪, 04‬املج‪, 36‬الكويت‪ 2002‬ص‪123,‬‬
‫الزعفوري ‪ ,‬التّهايش و ّ‬
‫حماد ّ‬
‫‪ّ -4‬‬

‫‪12‬‬

‫‪95‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫واملهيان هنا هو صورة األنا اليت تدحض اآلخر وتغيبه ويظهر بصورة تليّة يف األنساق ال ّداخلية‬
‫للشاعر ‪،‬ويف أبيات ذكرناها يف ياب ًقا يقول املتنيب ‪:‬‬
‫أي عظيم أتَّقي ؟‬
‫ُّ‬ ‫محل أرتقي ؟‬
‫أي ّ‬‫ُّ‬
‫ـل مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا خل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ اهلل ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لم يُخـ ـ ـ ـ ـلَ‬
‫وك ـ ُّ‬
‫(‪)1‬‬
‫هم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتي كشعرة مـ ـ ـ ـ ـ ــرفـ ـ ـ ــقي‬
‫محتقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـر في َّ‬
‫تكرب وتعايل أنا املتنيب ‪ ،‬إحتقارا لصورة اآلخر ‪ ،‬واإلرتقاء بنفسه لدرتة‬
‫هي كاا أبرز النّاقد داللة على ّ‬
‫تردى فيها أكثر‬
‫ردة فعل ض ّد وضعية التّهميش التي ّ‬
‫حيث ال درتة بعدها ‪ ،‬ولكنّها يف « الحقيقة ّ‬
‫الرياء والنّفاق‬
‫شاعر استحال عليه التموقع في مجتمع حكمته قيم ّ‬
‫غرورا وكبرياء أل ّن هذا ال ّ‬
‫فأسس لنفسه قيما خاصة و أقام مملكة للفكر لمقارعة‬
‫والتّزلّف والتّمسح بأعتاب السالطين ّ‬
‫والسالطين في عصره»(‪ )2‬وهو نفس املفهو الذي ق ّدمه "اخلبّاز" أيضا يف إحالة منه‬
‫الساسة ّ‬
‫مملكة ّ‬
‫إىل أ ّن املكانة العالية ال يكسبها إال من كان أهل هلا ‪ ،‬ومن كان على غري ذلك فحتاا ييكون‬
‫مصريه االحتقار والتّهايش‪.‬‬
‫وتأز األوضاع السيايية و‬
‫الصراعات ّ‬
‫ومبا أ ّن الشاعر نشأ يف فةرة اتتااعية طالت فيها يد ّ‬
‫اإلتتااعية فالتاركز حول الظاهر وهتايش املختفي أمر قائم و « مادامت الحياة االجتماعية قائمة‬
‫الصراعات والنّزاعات »(‪ ،)3‬فظاهررة التّهايش أمر حتاي وال خيلو منه أي جمتاع ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫على منطل‬
‫وهذه الظاهرة حتكم أّناط جمتاعية خمتلفة ‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫املهاشون يف املدينة العربية املعاصرة ‪ ،‬ص ‪122‬‬


‫الزعفوري ‪ ,‬التّهايش و ّ‬
‫حماد ّ‬
‫‪ّ -1‬‬
‫‪ -2‬ن ‪ ،‬ص ‪122‬‬
‫‪ -3‬ن ‪ ،‬ص ‪122‬‬

‫‪96‬‬
‫الفصل الثالث ‪:‬مكونات ما بعد الحداثة‬

‫وأل ّن هيانة النّسق الققايف هو الذي يربط الرتولة باألنوثة ‪ ،‬فإن هذا ربط غري مباشر بني املركز‬
‫املهاش فـ ــالـ ـ ــنسق الذي يري ـ ـ ــم صورة املادوح قد ط ــغى على األعاال النقدية حول املتنيب لكن‬
‫و ّ‬
‫الزعفوري "‬
‫محمد ّ‬
‫هناك من النّقاد من يرى يف املتنيب شاعرا رفض التبعية وكونه شاعر بلط فيذكر " ّ‬
‫أ ّن المتنبي «عبّر ع ـن هامشية المث ّقف عندما رف ـض أن ي ـكون شاعر بالط ‪ ،‬حتّى إن تمس ـح‬
‫بأعتاب سيف ال ّدولة ‪ ،‬فألنّه قد رأى فيه المثل األعلى الذي يتوق الى تجسيده في ذاته فلقد‬
‫ذه ـب بعـ ـض النّقاد والمـ ـف ّكرون إلى أ ّن غرور المتنبي وتعالي ـ ـ ـ ـه هما اللذان كانا وراء تهـ ـميش ـه‬
‫ولكن المس ـألة أعم ـ من ذلك ‪ ،‬ألنّها م ـرتبطة بين رج ـل الفكر ورجل السي ـاس ـة إذ‬
‫كمث ّقف ‪ّ ،‬‬
‫األول عنه »(‪ )1‬وهذا حيال ما ال حياله رأي النّاقد ‪ ،‬الــذي يرــى من‬
‫يرفض هذا األخير استقالل ّ‬
‫وحىت‬
‫خاصا من درايته حتت عنونة اآلخر املادوح ‪ّ ،‬‬ ‫خصص له تزءا ّ‬ ‫حىت إنّه ّ‬
‫املتنيب شاعر املديح ‪ّ ،‬‬
‫ميرر من خــلله الشاعر أفكارا نســقية حتاــل داللة اهلجاء حتت‬
‫هذا األخري كـان ي ــرى منه النّاقد جماال ّ‬
‫عباءة املديح ‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫املهاشون يف املدينة العربية املعاصرة ‪ ،‬ص ‪122‬‬


‫الزعفوري ‪ ,‬التّهايش و ّ‬
‫حماد ّ‬
‫‪ّ -1‬‬

‫‪97‬‬
‫الخاتمة‬

‫وصلنا إىل توقيع صفحة النهاية بعد أوىل صفحاهتا مع بداية عرضنا ‪،‬حماولني تتويج ما خطّته‬
‫توصلنا إليه يف دراستنا نورده فيما يلي ‪:‬‬
‫أقالمنا يف منت هذا البحث بأهم ما ما ّ‬
‫النّقد العريب يعيش حالة من الفوضى واالضطراب وسط معرتك القلق املنهجي جتاه الوافد من الغرب ‪،‬‬
‫خبصوص الرتمجة و املصطلح ‪ ،‬والتطبيق‪.‬‬
‫‪ -)1‬أ ّن النّقد الثقايف مل يرفض قيامه إىل جانب املناهج النّقدية األخرى سواءًا كانت سياقية أم‬
‫نسقية‪.‬‬
‫‪ -)2‬تداخل كل اخلطابات يف النّقد الثقايف ‪ ،‬وعلى هذا األساس ميكن أن حيظر النقد األديب يف‬
‫األول ‪،‬كون النّقد الثقايف يضم‬‫حّت ولو كان أعلن ميالده على عتبات موت ّ‬ ‫ال ّدراسات الثقافية ّ‬
‫املعارف األدبية والفلسفية العديدة‪.‬‬
‫‪ -)3‬انتقال النّقد الثقايف من فرع اىل فرع ومن جمال إىل آخر ‪ ،‬خصوصا ذلك اجلانب‬
‫األيديولوجي وهذا ما جيعله أش ّد اقرتابا من الدراسات األنثروبولوجيا وااليديولوجيا ‪.‬‬
‫‪ -)4‬مال النّقد عند اخلبّاز إىل اجلانب األخالقي ‪،‬إذ قام بإخضاع الشعر إىل احلقيقة الواقعية ‪،‬‬
‫السمات اإلجتماعية من فرتة لفرتة أخرى‪.‬‬
‫غّي يف ّ‬
‫الرغم من التّ ّ‬
‫على ّ‬
‫‪ -)5‬مفهوم اآلخر الذي ق ّدم اخلبّاز صوره املتع ّددة ظل غامضا ‪،‬ألنّه خيتلف باختالف األنا عادة‬
‫و هذه األخّية ظلّت زئبقية عند املتنيب يصعب االمساك خبصائصها التمييزية‪.‬‬
‫‪ -)6‬النّقد الثّقايف والنّقد األديب وجهان لعملة نقديّة واحدة ‪ ،‬فإذا كان األول يبحث يف القبحيات‬
‫املتسرت وراء عباءة اجلمايل والبالغي ‪،‬فيما يبقى النّقد‬
‫رافضا البحث يف اجلمايل فإنّه يضل يبحث يف ّ‬
‫األديب حي ّدد القيمة اجلمالية والفنية فكالمها يبحثان يف اجلمايل ‪ ،‬وال ميكن جتريد النّصوص من‬
‫مجاليتها‪.‬‬
‫تعرض هلا بال ّدراسة ‪.‬‬
‫"حممد اخلبّاز" يف اإلنتقائية املفرطة جتاه األبيات اليت ّ‬
‫‪ -)7‬سقوط ّ‬
‫‪ -)8‬األنساق الثقافية اليت تعترب اليوم أساس البحوث يف جمال النّقد الثقايف واليت يُبحث عنها‬
‫باحلفر يف القبحيات ‪ ،‬على عكس ما كان عليه النقد األديب هي يف األصل أنساق خمتبئة من الظّهور‬
‫اإلجتماعي وال تنكشف حّت يف فرتات حدوثها وهو ما يتّضح من خالل خطابات املتنيب الشعرية ‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫الخاتمة‬

‫حممد اخلبّاز يف دراسته بعدم قبوله تطابق الصورة النّصية والتّارخيية نستطيع‬
‫‪ -)9‬على عكس ما أبرز ّ‬
‫القول أ ّن الصورة النصية للمتنيب رافقت ما عايشه ورمست بيئة ثقافية مبختلف جتلّياهتا عايشها الشاعر‬
‫ونقلت للقارئ واالختالفات يف طبيعة االستقبال وزمنه ‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ ‬القرآن الكرمي برواية ورش‬

‫قائمـ ـ ـ ـ ـ ـة المصـ ـ ـ ـ ـ ـ ـادر والم ـ ـ ـ ـراج ـ ـ ـع‪:‬‬


‫الكتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب‬
‫‪ -10‬آرثر آيزبرجار ‪ ،‬النّقد الثقايف (متهيد مبدئي) ‪ ،‬تر‪ :‬وفاء ابراهيم و رمضان سيطاويس ‪ ،‬ط‪0‬‬
‫اجمللس األعلى للثقافة ‪3112 ،‬‬
‫‪ ،‬ار ال ف ا ا ا ا ا اااء ل ا ا ا ا ا ااد يا الطباع ا ا ا ا ا ااة‬ ‫بس ا ا ا ا ا ااا طّا ا ا ا ا ا ا ‪ ،‬امل ا ا ا ا ا اادلن اد من ا ا ا ا ا اااه النّق ا ا ا ا ا ااد األ‬ ‫‪ّ -13‬‬
‫والنّشر ‪3102،‬‬
‫العام ا ا ا ا ا ااة‬
‫‪ -12‬بش ا ا ا ا ا اار م سا ا ا ا ا ا اى ص ا ا ا ا ا اااث ‪ ،‬ب يطيق ا ا ا ا ا ااا الثقاف ا ا ا ا ا ااة ‪ ،‬ط‪ ،0‬ار الشا ا ا ا ا ا ا ون الثقافي ا ا ا ا ا ااة ّ‬
‫‪3‬‬ ‫بغدا (العراق) ‪3103،‬‬
‫‪ -10‬بي ا ا ا ا ااحل برو ا ا ا ا ا ا ‪ ،‬ا داث ا ا ا ا ااة وم ا ا ا ا ااا بع ا ا ا ا ااد ا داث ا ا ا ا ااة ‪ ،‬تر‪:‬ج ا ا ا ا ااابر ع ا ا ا ا اف ر‪ ،‬ط‪ ، 0‬منش ا ا ا ا ا را‬
‫اجملمع الثقايف‬
‫ارول ‪ ،‬راسا ا ا ا ا ااا يف ا ا ا ا ا ا ء املا ا ا ا ا اانه ال ا ا ا ا ا ا ا عي ‪،‬مك با ا ا ا ا ااة املعا ا ا ا ا ااار ‪ ،‬ب ا ا ا ا ا ا و‬ ‫‪ -10‬حسا ا ا ا ا ااا ما ا ا ا ا ا ّ‬
‫لبنان ‪0811 ،‬‬
‫العاما ا ا ا ااة لق ا ا ا ا ا ر‬
‫‪ -12‬حسا ا ا ا ااا البنّا ا ا ا ااا عزالا ا ا ا ااديا ‪ ،‬ا ا ا ا اراءل ا لا ا ا ا اار و ا ا ا ا اراءل األ ا ا ا ا ااا ‪،‬ط‪ ،3‬اهليئا ا ا ا ااة ّ‬
‫الثّقافة القاهرل ‪3103 ،‬‬
‫‪ -10‬حسني املناصرل ‪ ،‬البني ية يف الثقافة واالبداع ‪ ،‬ط‪ ،0‬عامل الك ب ا ديث األر ن ‪3111 ،‬‬
‫‪ -11‬حس ا ا ا ا ا ا ا ا ااني القاص ا ا ا ا ا ا ا ا ااد ‪ ،‬النّق ا ا ا ا ا ا ا ا ااد الثق ا ا ا ا ا ا ا ا ااايف ‪،‬ط‪ ،0‬ال جلي ا ا ا ا ا ا ا ا ااا للنش ا ا ا ا ا ا ا ا اار ‪ ،‬الق ا ا ا ا ا ا ا ا اااهرل ‪،‬‬
‫‪3102‬‬
‫‪ -18‬حسني السماهيجي وآلرون ‪ ،‬عبد اهلل الغ ّذامي واملمارسة النّقدية والثقافية‪،‬ط‪ ، 0‬ال ّدار‬
‫البيضاء ‪3112‬‬ ‫ا‬
‫‪ -01‬محيا ا ا ا ا ااد ميا ا ا ا ا ااداين ‪ ،‬النقا ا ا ا ا ااد الروائا ا ا ا ا ااي وااليا ا ا ا ا اادي ل جيا ‪ ،‬ط‪،0‬املر ا ا ا ا ا ااز الثقا ا ا ا ا ااايف العا ا ا ا ا اار ‪،‬‬
‫ب و ‪0881 ،‬‬
‫‪ -00‬صالح فضن ‪ ،‬مناه النّقد املعاصر ‪،‬ط‪ ،0‬ار س ‪ ،‬القاهرل (م ر)‪3111 ،‬‬
‫‪ -03‬طا ا ا ا ا ا ا ارا الكبيس ا ا ا ا ا ا ااي ‪ ،‬م ا ا ا ا ا ا اادالن يف النّق ا ا ا ا ا ا ااد األ ‪ ،‬ار الي ا ا ا ا ا ا ااا ور العلمي ا ا ا ا ا ا ااة للنش ا ا ا ا ا ا اار ‪،‬‬
‫عمان(األر ن)‪3118 ،‬‬ ‫ع‬

‫‪- 201 -‬‬


‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ -02‬عبد اهلل الغ ّذامي ‪ ،‬ذا رل النّقد األ ‪،‬ط‪ ،3‬اجمللس األعلى للثقافة ‪ ،‬القاهرل ‪3111 ،‬‬
‫‪ -00‬عبد اهلل الغ ّذامي ‪ ،‬القبيلة والقبائلية أو ه يا مابع ا داثة ‪ ،‬ط‪،3‬املر ز الثقايف العر ‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬املغرب‪3118 ،‬‬ ‫ال‬
‫‪ -00‬عبد اهلل الغ ّذامي ‪ ،‬املرأل واللغة ‪ ،‬املر ز الثقايف العر ‪،‬ط‪ ،2‬ال ّدار البيضاء ‪3112 ،‬‬
‫‪ -02‬عبد اهلل الغ ّذامي ‪ ،‬النقد الثّقايف ( راءل يف األ ساق الثقافية العر )‪ ،‬ط‪ ،2‬املر ز الثقايف العر ‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪3110 ،‬‬
‫‪ -00‬عبد اهلل الق يمي ‪ ،‬هذ هي األغالل ‪،‬ط‪ ،0‬منش را اجلمن ‪ ،‬ل يا ‪ ،‬أملا يا ‪3111،‬‬
‫‪ -01‬عبد العزيز محّ ل ‪ ،‬اخلروج ما ال يه ‪،‬ط‪ ،0‬املر ز الثقايف ‪ ،‬الك يت ‪3111 ،‬‬
‫‪-08‬عب ا ا ا ا ااد العزي ا ا ا ا ااز محّا ا ا ا ا ا ل ‪ ،‬املراي ا ا ا ا ااا ا ّدب ا ا ا ا ااة" م ا ا ا ا ااا البني ي ا ا ا ا ااة إد ال فكيكي ا ا ا ا ااة " ‪ ،‬ط‪ ،0‬ع ا ا ا ا ااامل‬
‫املعرفة ‪،‬اجمللس األعلى للثقافة واإلبداع ‪ ،‬الك يت‬
‫‪- 31‬حمس ا ا ا ا ا ا ااا جاس ا ا ا ا ا ا اام امل سا ا ا ا ا ا ا ا ‪ ،‬النّ ري ا ا ا ا ا ا ااة والنّق ا ا ا ا ا ا ااد الثق ا ا ا ا ا ا ااايف ‪ ،‬ط‪،0‬امل ّسس ا ا ا ا ا ا ااة العربي ا ا ا ا ا ا ااة‬
‫لل ّدراسا والنّشر ‪3110،‬‬
‫العام ا ا ا ا ا ا ااة لق ا ا ا ا ا ا ا ا ر الثقاف ا ا ا ا ا ا ااة ‪،‬‬
‫حمم ا ا ا ا ا ا ااد عب ا ا ا ا ا ا ااد املطلّا ا ا ا ا ا ااب ‪ ،‬النّق ا ا ا ا ا ا ااد األ ‪ ،‬ط‪ ،0‬اهليئ ا ا ا ا ا ا ااة ّ‬ ‫‪ّ -30‬‬
‫‪3112‬‬ ‫القاهرل ‪،‬م ر‪3112 ،‬‬
‫حمما ا ا ااد اخلبّا ا ا ااا ‪،‬ص ا ا ا ا رل ا لا ا ا اار يف ا ا ا ااعر امل ن ا ا ا ا ( قا ا ا ااد ثقا ا ا ااايف) يليا ا ا ااه مرايا ا ا ااا امل ن ا ا ا ا وجا ا ا ااه‬ ‫‪ّ -33‬‬
‫ا ا ا ا ااعر لك ا ا ا ا ااائا فلس ا ا ا ا اافي‪،‬ط‪ ،0‬ار ف ا ا ا ا ااار للنش ا ا ا ا ار وال ي ا ا ا ا ااع‪ ،‬امل سس ا ا ا ا ااة العربي ا ا ا ا ااة لل ّدراس ا ا ا ا ااا‬
‫والنشر ‪،‬ب و ‪،‬لبنان‬
‫حممد مندور ‪ ،‬النّقد والنّقا املعاصرون ‪ ،‬ط‪،0‬هنضة م ر للطباعة والنّشر ‪0880 ،‬‬ ‫‪ّ -32‬‬
‫حممد سالّ غل ل ‪ ،‬النّقد األ املعاصر ( يف الن ف الثّاين ما القرن العشريا ‪ -‬النّقد اجلديد‬ ‫‪ّ -30‬‬
‫‪ -‬ال ا عية) اجلزء ‪ ، 0‬منشال املعار ‪ ،‬االسكندرية ‪،‬م ر‪3111 ،‬‬
‫حمم ا ا ا ا ااد سا ا ا ا ا االّ غلا ا ا ا ا ا ل ‪ ،‬النّق ا ا ا ا ااد األ املعاص ا ا ا ا اار (البني ي ا ا ا ا ااة وم ا ا ا ا ااا بع ا ا ا ا اادها )‪،‬ط‪،0‬اجلا ا ا ا ا ازء‬ ‫‪ّ -30‬‬
‫‪،3‬منشأل املعار ‪3111 ،‬‬
‫‪ -32‬م طفى أمني الرفاعي ‪ ،‬امل ن و ي ‪ ،‬منشأل املعار ‪ ،‬االسكندرية ‪ ،‬م ر ‪3113،‬‬
‫‪ -30‬منذر عيّا ي ‪ ،‬النّقد األ ‪ ،‬ط‪،0‬منش را بيلف ن ‪ ،‬باريس ‪0810 ،‬‬

‫‪- 201 -‬‬


‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ -31‬ميج ا ا ا ا ا ااان الرويل ا ا ا ا ا ااي وس ا ا ا ا ا ااعد الب ا ا ا ا ا ااا عي ‪ ،‬لي ا ا ا ا ا اان النّا ا ا ا ا ا ااد األ ‪،‬ط‪ ،2‬املر ا ا ا ا ا ااز الثق ا ا ا ا ا ااايف‬
‫‪3111‬‬ ‫العر ‪ ،‬ال ّدار البيضاء ‪3111،‬‬
‫‪ -38‬ميىن العيد ‪ ،‬يف معرفة النّص‪،‬ط‪،0‬منش را ار ا فاق اجلديدل ‪ ،‬ب و (لبنان) ‪0812 ،‬‬
‫السعداو ووهبة رؤو ‪ ،‬املرأل والديا واأللالق ‪ ،‬ار الفكر ‪3111‬‬ ‫‪ -21‬ال ّ‬
‫‪ -20‬ي سف عليما ‪ ،‬محاليا ال حلين الثقايف ‪،‬ط‪ ،0‬ار فار ‪ ،‬ب و ‪3110‬‬

‫قائمة المجالّت والدوريات‬


‫‪-10‬أمحد أب يد ‪ ،‬املرأل وا ضارل ‪ ،‬جملّة عامل الفكر ‪ ،‬امل ‪ ،10‬ع‪ ،10‬أفرين ما ‪-‬ج ان‬
‫‪0802‬‬
‫‪-13‬أمح ا ا ا ا ااد س ا ا ا ا ااامي س ا ا ا ا االيمان ‪ ،‬امل ّسس ا ا ا ا ااة النقدي ا ا ا ا ااة واالس ا ا ا ا ا جابة للم غ ا ا ا ا ا النّق ا ا ا ا ااد ‪ ،‬جملّا ا ا ا ااة‬
‫ف ل ‪ ،‬امل ‪،02‬ع‪3112 ،10‬‬
‫حممد ياب ‪ ،‬النّقد األ والعل اال سا ية ‪ ،‬جملّة ف ل ‪ ،‬امل ‪ ،10‬يسمرب‪0812‬‬ ‫‪-12‬حافظ ّ‬
‫‪ -10‬لالد فرع ن ‪ ،‬ا ق ل ال ّداللية (مقاربة اللية للحقن األسط ر ) " رواية مرايا م ش ية " ‪،‬‬
‫الر ا ‪ ،‬اجلزائر ‪ ،‬ع ‪،10‬‬ ‫جملّة النّقد وال ّدراسا األ بية واللغ ية ‪ ،‬مك بة ّ‬
‫‪3110‬‬ ‫‪311‬‬
‫‪ -10‬ي جنيب حمم ‪ ،‬األ ب واأليدي ل جيا ‪،‬اجلزء‪ ،13‬امل ‪ ،10‬ع‪ ،10‬ي لي ‪0810‬‬
‫‪ -12‬ي جنيب حمم ‪،‬الفلسفة والنّقد األ ‪ ،‬جملّة ف ل ‪ ،‬امل ‪ ،10‬ع ‪10‬‬
‫‪ -10‬ا ا ا ا ااي جني ا ا ا ا ااب حمما ا ا ا ا ا ‪ ،‬األ ب واالي ا ا ا ا اادي ل جيا ‪ ،‬جملّا ا ا ا ااة ف ا ا ا ا ا ا ل ‪ ،‬اجل ا ا ا ا اازء الث ا ا ا ا اااين‪ ،‬ال ا ا ا ا ااع‬
‫‪ ،10‬ي لي ‪.0810‬‬
‫‪-11‬عب ا ا ا ااد اهلل حبي ا ا ا ااب الّميم ا ا ا ااي ‪ ،‬س ا ا ا ا ا ورل النّق ا ا ا ااد الثق ا ا ا ااايف عنا ا ا ا ااد الغ ا ا ا ا ارب ‪ ،‬جملّ ا ا ا ااة جامع ا ا ا ااة‬
‫بابن ‪ ،‬امل ‪ ،،33‬ع‪3100 ،10‬‬
‫الشا ا ا ا ا اار او ‪ ،‬ما ا ا ا ا اادلن اد منا ا ا ا ا اااه النّقا ا ا ا ا ااد األ ‪ ،‬جملّا ا ا ا ا ااة عا ا ا ا ا ااامل املعرفا ا ا ا ا ااة ‪ ،‬ع‬ ‫‪-18‬ع ّفا ا ا ا ا اات ّ‬
‫‪ ،30‬الك يت ‪0881،‬‬
‫‪-01‬عا ا ا ا ااالء عبا ا ا ا ااد اهلا ا ا ا ااا ‪ ،‬ا ا ا ا ااعرية اهل يا ا ا ا ااة و ق ا ا ا ا ا فكا ا ا ا اارل األصا ا ا ا اان (األ ا ا ا ا ااا ب ص ا ا ا ا افها أ ا ا ا ا ااا‬
‫ألر )‪ ،‬جملّة عامل الفكر ‪،‬امل ‪ ،22‬ع ‪ ،10‬الك يت ‪،‬سب مرب ‪3110‬‬

‫‪- 201 -‬‬


‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪ -00‬عم ا ا ا اار ب ا ا ا ااا طري ا ا ا ااة ‪ ،‬عب ا ا ا ااد املال ا ا ا ا مرت ا ا ا ااا م ا ا ا ااا ل ا ا ا ااالل اب ا ا ا ااه يف " ري ا ا ا ااة النّق ا ا ا ااد" ‪،‬‬
‫جملّة األثر (اجلزائر) ‪ ،‬ع ‪3118 ،11‬‬
‫املهمش ا ا ا ا ا ا ا ن يف املدينا ا ا ا ا ا ااة العربيا ا ا ا ا ا ااة املعاصا ا ا ا ا ا اارل ‪ ،‬جملّا ا ا ا ا ا ااة‬
‫الزعف ا ا ا ا ا ا ا ر ‪ ،‬الّهما ا ا ا ا ا ااي و ّ‬
‫‪-03‬عما ا ا ا ا ا اار ّ‬
‫عامل الفكر ‪ ،‬ع ‪ ،10‬امل ‪ ، 22‬الك يت ‪3111‬‬
‫حمم ا ا ا ا ااد محّا ا ا ا ا ا ‪ ،‬ا ا ا ا ا ااكالية اجلن س ا ا ا ا ااة (النسا ا ا ا ا ا ية )يف النّق ا ا ا ا ااد الثق ا ا ا ا ااايف ‪ ،‬جملّا ا ا ا ااة مقالي ا ا ا ا ااد‬ ‫‪ّ -02‬‬
‫ع‪ ،11‬مس غامن (اجلزائر) ‪3100،‬‬
‫حممد سيم ‪ ،‬النّقد الثّقايف ‪ ،‬جملّة ف ل ‪ ،‬الع‪3110 ،22‬‬ ‫‪ّ -00‬‬
‫السا ا ا ا ا اار ‪،‬‬ ‫‪ -00‬اهضا ا ا ا ا ااة س ا ا ا ا ا ا ار عبيا ا ا ا ا ااد‪ ،‬أثا ا ا ا ا اار اال سا ا ا ا ا اااق الثقافيا ا ا ا ا ااة يف تشا ا ا ا ا ااكين اخلط ا ا ا ا ا ااب ّ‬
‫جملّة القا سية ‪ ،‬امل ‪،00‬الع ‪3111 ،10‬‬
‫الس ا ا ا ا اار يّة ‪ ،‬جملّا ا ا ا ااة ع ا ا ا ا ااامل الفك ا ا ا ا اار ‪ ،‬ال ا ا ا ا ااع ‪ ،10‬املا ا ا ا ا ا‬
‫ّ‬ ‫‪ -02‬ا ا ا ا ازار ال ج ا ا ا ا ااديي ‪ ،‬الس ا ا ا ا اايميائيا‬
‫‪ ،20‬ي لي ‪3110‬‬

‫المنتديات والملتقيات‬
‫‪ -10‬لليا ا ا ا ا اان سا ا ا ا ا االيمة وهنيا ا ا ا ا ااة مشا ا ا ا ا ااق ق ‪ ،‬األ ب النّس ا ا ا ا ا ا با ا ا ا ا ااني املر زيا ا ا ا ا ااة والّهما ا ا ا ا ااي ‪،‬‬
‫املا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ال قى ال ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ّدويل فيامل ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ااطل النّق ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا ا اد ‪،‬‬
‫جامعة اصد مرباح ‪،‬ي مي‪ 01-18‬مار ‪310‬‬
‫األول‬‫‪ -13‬عبد ا ميد هيمه ‪ ،‬النص الشعر بني النّقد السيا ي والنّقد النّسقي ‪ ،‬املل قى ال ّدويل ّ‬
‫يف امل طل النّقد ‪ ،‬جامعة اصد مرباح (ور لة)‪ ،‬ي مي‬
‫‪01-18‬مار ‪3100‬‬
‫‪ -12‬مه ا ا ا ا ااد بن ا ا ا ا اادق ‪ ،‬ح ا ا ا ا ااداث نا املعاص ا ا ا ا اارل ‪ ،‬من ا ا ا ا ااد صا ا ا ا ا ا ر األ بكي ا ا ا ا ااة ‪ ،‬اهليئ ا ا ا ا ااة العا ّم ا ا ا ا ااة‬
‫لق ر الثقافة ‪ ،‬فرباير‪3112‬‬
‫‪ -10‬م ا ا ا ا ا ااطفى الض ا ا ا ا ا اابع ‪ ،‬أس ا ا ا ا ا اائلة النّق ا ا ا ا ا ااد الثق ا ا ا ا ا ااايف ‪ ،‬ما ا ا ا ا ا ا متر أ ب ا ا ا ا ا اااء م ا ا ا ا ا ا ار ‪ ،‬املني ا ا ا ا ا ااا ‪،‬‬
‫‪ 32-32‬يسمرب ‪3112‬‬

‫‪- 201 -‬‬


‫الفـ ـه ـ ـ ــرس‬
‫الصفحة‬ ‫المحتويات‬
‫أ – ب‪-‬ج‬ ‫مقدم ــة‬
‫‪12_70‬‬ ‫مدخل‬
‫‪21_12‬‬ ‫الفصل االول ‪ :‬مستويات اشتغال النقد الثقافي‬
‫‪12‬‬ ‫‪ -1‬المستوى الديني‬
‫‪22‬‬ ‫‪ -2‬المستوى اللغوي‬
‫‪23‬‬ ‫‪ -3‬المستوى الواقعي‬
‫‪02_22‬‬ ‫محمد الخبّاز‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬أشكال التعالق النقدي في كتاب ّ‬
‫‪22‬‬ ‫‪ -1‬النقد الثقافي وعالقته بالنقد السياقي‬
‫‪24‬‬ ‫‪ 1/1‬المنهج التاريخي وعالقته بالنقد الثقافي‬
‫‪40‬‬ ‫‪ 2/1‬الطرح االجتماعي في النقد الثقافي‬
‫‪86‬‬ ‫‪ 3/1‬صورة اآلخر بين النقد الثقافي والمنهج النفسي‬
‫‪02‬‬ ‫‪ -2‬النقد الثقافي وعالقته بالنقد النسقي‬
‫‪02‬‬ ‫‪ 1/2‬البنيوية ومدى حضورها في النّقد الثقافي‬
‫‪03‬‬ ‫‪ 2/2‬السيميائية وعالقتها بالنقد الثقافي‬
‫‪03‬‬ ‫‪ -3‬النقد الثقافي وعالقته بالنّقد االيديولوجي‬
‫‪30_62‬‬ ‫الفصل الثالث‪ :‬مكونات ما بعد الحداثة‬
‫‪62‬‬ ‫‪ -1‬النقد النسوي‬
‫‪63‬‬ ‫‪ -2‬الجنوسة‬
‫‪32‬‬ ‫‪ -3‬جدلية المركز والهامش‬
‫‪277_33‬‬ ‫خاتمة‪.‬‬

‫‪271‬‬ ‫قائمة المصادر والمراجع‪.‬‬

‫الفهرس‪.‬‬

You might also like