You are on page 1of 312

‫األولى‪2020 ،‬‬ ‫ ‬
‫الطبعة‪:‬‬ ‫ ‬

‫زيد زمان حامد‬ ‫ ‬


‫الكاتب‪:‬‬ ‫ ‬

‫حذيفة فريد أحمد‬ ‫ ‬


‫ترجمة‪:‬‬ ‫ ‬

‫العنوان والتصميم الفوتوغرافي‪ :‬وقار أحمد صديقي‬ ‫ ‬

‫سميع اهلل بخاري‬ ‫التدقيق‪ :‬‬ ‫ ‬

‫سيد احتشام علي‬ ‫تجميع الصور‪ :‬‬ ‫ ‬

‫كل الحقوق محفوظة‪ ،‬ال يمكن إعادة نسخ أو تحرير أو تخزين أي جزء من هذا‬
‫الكتاب أو نقله بأي شكل ووسيلة دون أخذ إذن موثق من الناشر‪.‬‬

‫أغلب الصور في الكتاب مأخوذة من مجموعة الكاتب‪ ،‬باستثناء بعض الصور‬


‫والخرائط التي أخذت من مصادر خارجية لتستخدم بشكل أفضل‪.‬‬
‫‪AA‬‬
‫إىل �سيدي ومرشدي قرة العني حبييب‬
‫رسول هللا صىل هللا عليه وعىل آهل وحصبه وسمل‬
‫هذه هدية متواضعة من العبد الفقري إىل جنابمك املوقر‬
‫هدية حمبة وعشق ووالء وطاعة من مقام العبد‬
‫الفقري إىل مقام ال�سيد الكرمي‬
‫المحتوى‬

‫الجزء األول‬
‫‪2‬‬ ‫من بحر الزمان أتتنا لؤلؤة‬ ‫‪1‬‬

‫‪15‬‬ ‫فليتحد المسلمون لحراسة الحرم ‪15‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪27‬‬ ‫ما استعارت يد الحديقة لونا‬ ‫‪3‬‬

‫ح� صاغت شقائق النعمان‬ ‫ي ن‬


‫‪39‬‬ ‫إقبال كالبحر ال يدرى عمق مائه‬ ‫‪4‬‬

‫‪45‬‬ ‫إن أكمام شيوخ الحرم ليست اليد البيضاء لموىس‬ ‫‪5‬‬

‫‪59‬‬ ‫عليك أن تفكر بالوطن ألن المصائب قادمة‬ ‫‪6‬‬

‫الجزء الثاني‬
‫‪73‬‬ ‫غ� قابل ش‬
‫لل�اء أو اإلفساد‬ ‫ي‬ ‫‪7‬‬

‫ف‬ ‫ق‬
‫‪81‬‬ ‫وفيلسو�‬
‫ي‬ ‫صدي� ومرشدي‬
‫ي‬ ‫بالنسبة يل‪ :‬كان‬ ‫‪8‬‬

‫‪87‬‬ ‫صورة لما هو قادم‬ ‫‪9‬‬


‫‪93‬‬ ‫من محمد عىل جناح إىل القائد األعظم‬ ‫‪10‬‬

‫‪101‬‬ ‫تربية القائد األعظم عىل يد العالمة إقبال‬ ‫‪11‬‬

‫‪113‬‬ ‫انتخابات األقاليم عام ‪1937‬‬ ‫‪12‬‬

‫‪121‬‬ ‫إما باكستان أو الشهادة‬ ‫‪13‬‬

‫‪145‬‬ ‫عهد التضحية‬ ‫‪14‬‬

‫‪161‬‬ ‫طلوع فجر الحرية‬ ‫‪15‬‬

‫‪183‬‬ ‫أهال وسهال‪ ،‬وصلت للمكان المقصود‬ ‫‪16‬‬

‫‪211‬‬ ‫األخ�ة للقائد األعظم‬


‫ي‬ ‫اللحظات‬ ‫‪17‬‬

‫‪223‬‬ ‫األخ� للعالم‬


‫ي‬ ‫الوداع‬ ‫‪18‬‬

‫‪229‬‬ ‫برص حاد‪ ،‬ولسان عذب‪ ،‬وقلب رقيق‬ ‫‪19‬‬

‫‪235‬‬ ‫مذهب القائد‬ ‫‪20‬‬

‫‪241‬‬ ‫تقرير الحادي والعشرين من أغسطس عام ‪1947‬‬ ‫‪21‬‬

‫‪251‬‬ ‫أهداف ومقاصد الدستور‬ ‫‪22‬‬

‫‪263‬‬ ‫النشيد الوطني‬ ‫‪23‬‬

‫‪268‬‬ ‫تكملة بناء باكستان‬ ‫‪24‬‬


‫مقدمة‬

‫ف‬
‫تعد حركة باكستان أحد أجمل وأروع قصص األمة اإلسالمية ي� أعوامها األلف واألربعمائة‪ .‬تشارك‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫العواطف والتضحية الرحلة ي� صورة ال سابق لها ي� تاري ــخ اإلنسانية‪ .‬بنيت باكستان كالمدينة الثانية‬
‫ال� أقام رسول هللا صىل هللا عليه وسلم بنيانها وأسسها‪ .‬كانت األمة‬ ‫ت‬
‫المدينة المنورة األوىل ف ي‬
‫ن‬
‫عىل أسس‬
‫ال� سبقت باكستان‪ ،‬فرغم وجود الخالفة‬ ‫ت‬
‫تعا� عصورا من الظالم ي� الثالث مائة سنة ي‬ ‫المسلمة ي‬
‫العثمانية والدولة المغولية ف� األرجاء‪ ،‬إال أن أبواب التعليم والتحقيق واالجتهاد كانت مغلقة‪ ،‬وبعد ي ن‬
‫سن�‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫المسلم� فأصبحوا عبيدا ي� كل مكان‪ ،.‬لم تبق دولة مغولية‪ ،‬وال حكم‬ ‫ين‬ ‫من السبات نزل العقاب عىل‬
‫عثما�‪ ....‬أرغمت أنوف ملة علمت قيرص وكرسى درويا ال تنىس ف� ي ن‬
‫ط� الذلة والعبودية من نهر نيلهم‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫وح� كاشغر!‬ ‫ت‬

‫ف‬ ‫ف‬
‫كانت أول عالمة عىل نزول رحمة هللا وكرمه علينا ي� والدة إقبال ي� عصور الذلة والمهانة‪ ،‬كانت والدته‬
‫ين� بالغيث القريب‪ ،‬وبعدها أظهر لألمة صورا من الهمة والعظمة والجرأة والصدق‬ ‫كالهواء البارد الذي ب ئ‬
‫والتدين والشجاعة كما لم تصور من قبل‪---- .‬‬

‫لمح�ة ال تصدق‪ ،‬تقف دهشة لها‪ ،‬وتحرك القلوب أيضا‪ .‬ولكن من سوء الحظ أن‬ ‫ي‬ ‫إن هذه القصة‬
‫المناهج التعليمية لكتب المطالعة الباكستانية تقدم لنا القصة عديمة األلوان والطعم‪ ،‬فال يعرف الجيل‬
‫جديد شيئا عن عمقها وجمالها‪ .‬يحدد دور حركة ي‬
‫غ�ت التاري ــخ وقلبته رأسا عىل عقب بتذكر التواري ــخ‬
‫ت‬
‫ال�‬‫التعليم‪ .‬الملة ي‬
‫ف‬
‫فقط‪ .‬إن هذه لخيانة لدماء آالف الشهداء وغدر بأجيالنا القادمة من طرف نظام‬
‫ب�ت أنها ستؤم الدنيا ق‬
‫ح� أصبحنا ي� خطر نسيان دماء‬ ‫المح�ة والمذهلة ت‬‫ي‬ ‫تب� غافلة عن إنجازات إقبال‬ ‫ش‬
‫أبائنا وأجدادنا ‪...‬‬
‫ف‬
‫يهدف هذا الكتاب لتقديم الثورة الباكستانية العظيمة ي� شكل جديد للجيل الشاب‪ ،‬حيث يصور الكتاب‬
‫بالبص�ة الفذة والقلوب الطيبة والتضحية أنفس‬
‫ي‬ ‫روح الثورة الحقيقية وعواطفها الجياشة‪ ،‬لتتنفس‬
‫األجيال الجديدة‪.‬‬

‫ي�ح‬‫ويب� أسباب النهضة وزوالها تاريخيا‪ ،‬كما ش‬


‫يل� الكتاب الضوء عىل حركة باكستان بشكل جامع‪ ،‬ي ن‬ ‫ق‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫دورة األمة اإلسالمية ي� ذاك العرص باالضافة ألهمية حركة باكستان ووجودها‪ ،‬فال يسجل التاري ــخ بل‬
‫ي�ح لنا حكمه وحقائقه لنتعلم منها‪.‬‬ ‫ش‬
‫يتحدث القسم األول من الكتاب عن العالمة محمد إقبال وشخصه الفريد‪ .‬ذلك الرجل المجد الحديدي‬
‫مص� أمته ف ي� قبضته‪.‬‬
‫ي‬ ‫الذي يقاتل ألجل أمته‪ ،‬والذي يقع‬
‫ن‬
‫الثا� من الكتاب يف�وي لنا عن أعظم إنجازات إقبال المشهور باسم القائد األعظم‪ .‬بتعاون‬
‫أما الجزء ي‬
‫ين‬
‫االثن� قامت ثورة تاريخية فاتنة تعرف بحركة باكستان‪.‬‬ ‫هذين‬

‫اس‪ ،‬ليشبع فضول كل طالب علم وباحث عن‬ ‫األساس فالكتاب مناسب للمطالعة ككتاب در ي‬
‫ي‬ ‫من الجانب‬
‫الحقيقة ولذة الروح الباكستانية الحقيقية‪ ،‬سواء أكان طالب ثانوية أو طالبا جامعيا‪ .‬تعد األخبار والقطع‬
‫والمنشورات والمرفقات ف ي� هذا الكتاب جوهرة قيمة ألي طالب‪.‬‬

‫الكث� من الكتاب وسيجعلون من اسمه صفة يتحلون‬


‫ي‬ ‫إن شاء هللا‪ ،‬ستتعلم األجيال الباكستانية القادمة‬
‫بها‪.‬‬

‫ت‬
‫ال�‬
‫حام باكستان ونارصها‪ ،‬يقدم فريق براس تاكس هذا الكتاب دفاعا عن النظريات الروحانية ي‬ ‫هللا ي‬
‫أقامت هذه األرض المباركة‪ ،‬ونحن نقدم هذه التحفة للحفاظ عىل أمانة الرسول صىل هللا عليه وسلم‬
‫وخدمة ألمته‪ .‬ليتقبل هللا منا‪.‬‬

‫سيد زيد زمان حامد‬ ‫ ‬


‫‪ 14‬أغسطس ‪2020‬‬ ‫ ‬

‫____________________‬
‫الجزء األول‬
‫السير دكتور عالمة محمد اقبال‬
‫‪1877-1938‬‬
‫‪1‬‬

‫‪AA‬‬

‫من بحر الزمان أتتنا لؤلؤة‬

‫ســتكون هــذه األمــة تعيســة حــظ إن لــم تعــرف العالمــة محمــد إقبــال حــق المعرفــة‪ ،‬فإقبــال لــم يكــن مجــرد‬
‫شــاعر فقــط‪ .‬لــو أردتــم الحقيقــة‪ ،‬فــإن إقبــال هــو مجــدد العــر‪ ،‬حيــث لــم يكــن شــخصا عاديــا‪ ،‬ولــم يكــن مفكـرا‬
‫باكســتانيا فقــط‪ ،‬بــل كان حكيــم األمــة المســلمة‪ ،‬رجــا ذا بصـ يـرة وحكمــة‪ ،‬رجــا ب ـق ي صــداه حـ تـى اليــوم‪ ،‬بــل‬
‫وسـ ق‬
‫ـيب� حـ تـى أبــد الدهــر‪.‬‬

‫ـ� بهــار عــن العالمــة إقبــال‪ :‬ســيذكر التاري ـ ــخ عرصنــا هــذا تحــت مســى عــر محمــد‬ ‫قــال ملــك الشــعراء اإليرانيـ ي ن‬
‫ت‬ ‫ئ‬ ‫ت‬
‫ال�وفيســور أرنولــد والــذي كان معلمــا للعالمــة إقبــال‪ ،‬بــل ومــا فــى يذكــر إقبــال حــى آخــر أيــام‬ ‫إقبــال‪ ،‬وقــال ب‬
‫حياتــه إال ذكــره بــكل خـ يـر وأدب واحـ تـرام‪:‬‬

‫« إن إقبال هو رجل عصره‪ ،‬بل سابق لعصره‪ ،‬وهي حالة مواجهة لعصره الحاضر‪».‬‬
‫ف‬
‫سنتحدث ي� هذا الفصل من الكتاب عن العالمة إقبال‪ ،‬سنكشف أرساره المخفية ونتحدث عنها ونظهرها‬
‫للجيــل الشــاب‪ ،‬تعريــف بإقبــال لــم تعرفــه أمتنــا مــن قبــل‪.‬‬

‫كان إقبــال مفكـرا‪ ،‬فيلســوفا‪ ،‬ذا نظريــات‪ ،‬صاحــب بصـ يـرة‪ ،‬صوفيــا سياســيا وفــوق هــذا كلــه كان وليــا مــن أوليــاء‬
‫ف‬
‫هللا عز وجل‪ ،‬حيث كان ماهرا ي� الجغرافيا السياسية‪ ،‬وكان صاحب نظرية بناء باكستان‪ ،‬وكان يقوم بأعباء‬

‫‪2‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫عمله كعضو ي� الرابطة اإلســامية‪ ،‬اجتمعت هذه الصفات ي� شــخص نادر يســتحيل عىل الشــخص العادي‬
‫فهمهــا والوصــول لهــا‪.‬‬
‫ف‬
‫ظهــر ي� التاري ـ ــخ أنــاس كثـ يـر غـ يـروا مــن مجـراه‪ ،‬وبــا شــك وال ريــب فــإن مغـ يـر مجــرى تاريخنــا هــو العالمــة محمــد‬
‫إقبــال رحمــه هللا‪.‬‬

‫____________________‬

‫ـام الممتــد عــى مــدى أربعــة عـ شـر قــرن إىل أدوار ومراحــل مختلفــة‪ ،‬لرأينــا ترتيبــا‬ ‫لــو قســمنا التاريـ ـ ــخ اإلسـ ي‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫اســتثنائيا‪ .‬ظهــر العالمــة محمــد إقبــال ي� وقــت كانــت فيــه األمــة المســلمة بأكملهــا تقبــع ي� ظــام دامــس‪،‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫حيــث هــزم المســلمون ي� حــرب االســتقالل ي� عــام ‪1857‬م والـ ت يـى عــى إثرهــا انتهــت الســلطنة المغوليــة‪،‬‬
‫الع�يــن كانــت الخالفــة‬ ‫ـ�‪ .‬عــى أبــواب القــرن ش‬‫ال�يطانيـ ي ن‬
‫وتبعــا لذلــك وقعــت شــبه القــارة الهنديــة تحــت قبضــة ب‬
‫العثمانيــة عــى وشــك التفــكك واالنتهــاء‪ ،‬ومــع انتهــاء الحــرب العالميــة األوىل لــم تبــق دولــة مســلمة لــم تقــع‬
‫ـر� والوصايــة األجنبيــة ســوى مكــة والمدينــة وأجـزاء مــن أفغانســتان‪ ،‬وحـ تـى هــذه األماكــن‬ ‫تحــت االســتعمار الغـ ب ي‬
‫لــم تســلم مــن فســادهم ومكرهــم‪.‬‬

‫أصــاب اليــأس األمــة المســلمة بشــكل لــم يســبق لــه مثيــل مــن قبــل‪ ،‬انحطــاط تواصــل لمــدة ثالثمئــة عــام‪ ،‬فمــن‬
‫ف‬
‫ناحيــة انتهــت الخالفــة العثمانيــة‪ ،‬والـ ت يـى كانــت يطلــع عليهــا ي� القــرن التاســع عـ شـر « رجــل أوروبــا المريــض»‬
‫حيــث كانــت الخالفــة تتفــكك رويــدا رويــدا وتتجــه نحــو حتفهــا‪ ،‬وأخـ يـرا ومــع بدايــة القــرن ش‬
‫الع�يــن وانتهــاء‬
‫ف‬
‫الحــرب العالميــة األوىل تــم القضــاء عــى الخالفــة العثمانيــة‪ .‬ي� مثــل هكــذا وقــت مظلــم ظهــر العالمــة محمــد‬
‫إقبــال كنــور ي ـض ي ء لألمــة المســلمة بــل لإلنســانية جمعــاء طريقهــا وكأنــه هديــة مــن القــدر لهــم‪.‬‬

‫ســنكون أمــة خائبــة لــو أننــا لــم نــدرك فكــر العالمــة إقبــال‪ ،‬فــكل جغرافيتنــا السياســية وتاريخنــا بــل وحـ تـى نظريــة‬
‫بنــاء باكســتان كان يقــف خلفهــا إقبــال‪ ،‬ليــس فقــط شــبه القــارة الهنديــة مــن تأثــرت بفكــر إقبــال‪ ،‬بــل وال حـ تـى‬
‫ف‬
‫المتحدثــون باألورديــة والفارســية‪ ،‬ولكــن بلــغ تأثـ يـره األمــة المســلمة كلهــا ليجاوزهــا إىل العالــم أجمــع ي� تأثـ يـر ال‬
‫يمكــن تصديقــه بتاتــا‪.‬‬

‫____________________‬

‫ـر� والسياســة الغربيــة والفكــر‬


‫لــم يقــم شــخص فيلســوف أو مفكــر فأو ذو بصـ يـرة ورأي وفهــم بتعريــة النظــام الغـ ب ي‬
‫ـر� بــل وحـ تـى نظــام المعيشــة ي� الغــرب كمــا فعــل العالمــة محمــد إقبــال رحمــه هللا تعــاىل‪ ،‬حيــث أنــه‬ ‫الغـ ب ي‬
‫ف‬ ‫‪.‬‬ ‫ين‬
‫الغر�‬
‫بي‬ ‫المرص�‬
‫ي‬ ‫النظام‬ ‫عن‬ ‫إقبال‬ ‫تحدث‬ ‫بها‬ ‫المؤمن�‬ ‫رؤوس‬ ‫فوق‬ ‫الغربية‬ ‫الحضارة‬ ‫سقف‬ ‫هدم‬ ‫وبنظرياته‬
‫ف‬
‫القائــم عــى الربــا وهاجمــه بــكل ض�اوة‪ ،‬واســتغل موهبتــه الشــعرية ي� مهاجمــة الصهاينــة وفضــح مخططاتهــم‬
‫ف‬
‫ـ� باســم الديــن ي� الداخــل‪ ،‬واقتلــع االشـ تـراكية مــن جذورهــا‪ .‬فالنظــام‬ ‫خــارج المنطقــة وكشــف زيــف المتحدثـ ي ن‬
‫ن‬
‫اك كمــا وضــح العالمــة إقبــال ليــس إال مســتعبدا للخلــق‪ ،‬وهــذا خــاف للفطــرة الســوية‪ .‬بــى العالمــة‬ ‫ت‬
‫االشــر ي‬
‫ر�‬
‫إقبــال منهجــه وفكــره عــى القــرآن الكريــم ومحبــة النـ ب يـى صــى هللا عليــه وســلم وتعلقــه الشــديد بــه صلــوات ب ي‬
‫وســامه عليــه‪ .‬فلذلــك مــن الصعــب حجــب ضيــاء وســمعة المفكــر الفيلســوف إقبــال‪ ،‬فشــهرة الرجــل بلغــت‬
‫ـاص الـ شـرق والغــرب‪.‬‬
‫عنــان الســماء وغــى اســمه أقـ ي‬

‫‪3‬‬
‫االستعمار العالمي وتقسيمه للخالفة العثمانية‬

‫استقبال خائن األمة مير جعفر للورد‬ ‫صورة لبهادر شاه بعد نفيه‬ ‫بر صغير ووضع العلماء أمام فوهات المدافع‬
‫كاليف في بر صغير‬

‫‪4‬‬
‫ـ� مــن النــاس‬ ‫ال يهتــم االســتعمار الغــر� وال الصهاينــة بمئــات الماليـ ي ن‬
‫بي‬
‫وال حـ تـى بمئــات اآلالف مــن الجيــوش وال يحركــون مــن أجــل ذلــك‬
‫ســاكنا‪ ،‬حيــث أنهــم ال يشــكلون أي خطــر عليهــم‪ ،‬ولكــن مــا يبــث‬
‫ف‬
‫الرعــب ي� قلوب ـهــم ويزلــزل صياصيهــم‪ ،‬هــو وجــود مفكــر ذو رأي‬
‫ف‬
‫وبصـ يـرة‪ ،‬يمكنــه بعــث الــروح ي� أمــة ميتــة وإعــادة إحيائهــا مــن جديــد‪،‬‬
‫والــذي بفكــره وحكمتــه وحنكتــه قــد يتمكــن مــن كشــف النقــاب عــن‬
‫كل مخططاتهــم‪ .‬كان العالمــة إقبــال شــخصية تمثــل خط ـرا عــى‬
‫الكفــر والكفــار‪ ،‬واليــوم تصــدق األحــداث فكــر ومعرفــة العالمــة‬
‫ف‬ ‫ن‬
‫ـر� يعــرف جيــدا‬ ‫إقبــال‪ .‬بـ يـ� العالمــة إقبــال ي� شــعره أن النظــام الغـ ب ي‬
‫ـلم�‪ ،‬ولــن يجــد الغــرب مــن يقــف وجهــا‬ ‫أن المســتقبل ليــس إال للمسـ ي ن‬
‫لوجــه أمامهــم مثــل اإلســام‪ ،‬وألن العالمــة إقبــال وضــع نصــب عينيــه‬
‫كالم هللا جــل وعــا ومحبــة نبيــه صــى هللا عليــه وســلم وتعلقــه بــه‬
‫ف‬
‫فــكان هــذا واضحــا تمامــا لــه كوضــوح الشــمس ي� طالعــة النهــار‪ .‬ولــذا‬
‫حاولــوا محاربــة فكــره ومنــع نظرياتــه مــن الطـ يـران والتحليــق خوفــا‬
‫مــن انتشــارها‪ ،‬ولــم ينـ شـروا ســوى مــا تأ كــدوا مــن عــدم م�ض تــه عليهــم‬
‫مثــل قصيدتــه « أتمـ نـى أن تتحقــق أمنيـ ت يـى» وكذلــك « الجبــل والســنجاب» وأيضــا « ي‬
‫ال�قــة المضيئــة والبلبــل»‬
‫حيــث يتــم تدريســها لألطفــال‪ .‬إن كتابــه «‪ »Reconstruction of Religious Thought in Islam‬كان‬
‫ش‬
‫المعي�‬
‫ي‬ ‫ال� حلت عىل القوم‪ ،‬حيث شــن فكره الحرب وأعلنها رصاحة عىل االشـ تـراكية والنظام‬ ‫ت‬
‫كالصاعقة ي‬
‫ف‬
‫ـر�‪ ،‬والــذي يمنــح بــدوره األمــل لألمــة المســلمة‪ ،‬ويجعــل مــن أبنائهــا صقــورا محلقــة‪ ،‬يعلمهــم‬ ‫ـر� الغـ ب ي‬
‫ي‬ ‫والمـ‬
‫‪.‬‬
‫كيفيــة الوقــوف عــى أقدامهــم‪ ،‬يــزرع فيهــم عــزة النفــس والشــموخ واإلبــاء تــم محــو كل مــا ســبق مــن فكــر‬
‫العالمــة إقبــال واالقتصــار عــى قصائــده لألطفــال‪.‬‬

‫إن أول أهــداف هــذا الكتــاب هــو إحيــاء فكــر العالمــة محمــد إقبــال رحمــه هللا تعــاىل‪ ،‬وتقديمــه للجيــل الصاعــد‪،‬‬
‫وبيــان رســالته بشــكل عمـ يـ� وواضــح‪ .‬إذا أرادت األمــة المســلمة النهــوض مجــددا‪ ،‬وأن تعــرف معـ نـى العــزة‬
‫والكرامــة والشــموخ‪ ،‬فينب ـغ ي عليهــا أن ترجــع إىل فكــر العالمــة محمــد إقبــال‪.‬‬

‫____________________‬

‫لــو أننــا نظرنــا إىل تاريـ ـ ــخ األمــة المســلمة الممتــد أللــف وأربعمئــة عــام‪ ،‬فسـ نـرى أمامنــا ثالثــة مراحــل واضحــة‪:‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫المرحلــة األوىل وتتمثــل ي� القــرون األوىل حيــث أتــت الخالفــة الراشــدة متمثلــة ي� الخلفــاء األربعــة بعــد انتقــال‬
‫ف‬
‫النـ ب يـى صــى هللا عليــه وســلم إىل الرفيــق األعــى‪ ،‬والـ ت يـى نـ شـر فيهــا المســلمون الدعــوة ي� جميــع أصقــاع الدنيــا‪،‬‬
‫ـ� ش�قــا إىل المغــرب األقــى غربــا‪ ،‬بــل ووصــل‬ ‫ـت� عامــا دخــل اإلســام الصـ ي ن‬ ‫حيــث أنــه ف� خــال خمسـ ي ن‬
‫ـ� إىل سـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫ح� آسيا‬ ‫العباسي� أو األندلس أو ت‬
‫ين‬ ‫ب� أمية أو‬ ‫إىل أسبانيا‪ .‬ثم تلت ذلك الخالفات المتعاقبة سواء � عرص ن‬
‫ف‬ ‫ف ي‬ ‫ي‬
‫الوســى وكذلــك الخالفــة العثمانيــة أو الســلطنة المغوليــة ي� شــبه القــارة الهنديــة‪ ،‬حيــث كان اإلســام ي� أوج‬
‫�ء‪ ،‬ســواء مــن الناحيــة العســكرية‬ ‫ـلم� ف� كل ش‬‫قوتــه وحضارتــه وانتـ شـر ف� أرجــاء المعمــورة‪ .‬كانــت الغلبــة للمسـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫أو مــن ناحيــة الفكــر والنظريــات‪ ،‬وكانــت هــذه الغلبــة واضحــة للجميــع‪ ،‬يظهــر ذلــك ي� الناحيــة الحياتيــة‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫والعلميــة والهندســية والرياضيــة بــل وحـ تـى ي� العمــارة والبنيــان وإن شــئت فقــل ي� كل مجــال‪ .‬ي� هــذا الوقــت‬
‫ـلم� مــن كل مــكان‪ ،‬كانــت قرطبــة وغرناطــة‬ ‫كان اإلســام مرك ـزا للدنيــا‪ ،‬حيــث كان النــاس يأتــون لمــدن المسـ ي ن‬
‫وبغــداد ودمشــق مراكــز علميــة ونهضويــة وفكريــة‪ ،‬لينتـ شـر اإلســام حــى يبلــغ وســط آســيا وبخــارى ليصــل إىل‬
‫ت‬
‫ق‬
‫ـر� والنهضــة‪.‬‬ ‫ن‬
‫روســيا والصـ يـ�‪ ،‬كان هــذا هــو عــر الـ ي‬

‫‪5‬‬
‫بعــد هــذا العــر بقــرون أتــت المرحلــة الثانيــة والـ ت يـى‬
‫ـ�‪ ،‬لينتظــم‬ ‫توقــف فيهــا انتشــار اإلســام ولكنــه لــم ينتـ ي‬
‫ـلم�‪ ،‬كانــت هــذه‬ ‫الغــرب ويشــنوا حمــات عــى المسـ ي ن‬
‫مرحلــة الحــروب الصليبيــة‪ ،‬حيــث اســتمرت لعــدة قــرون‪،‬‬
‫ـ� وكذلــك صــاح الديــن‬ ‫ت‬
‫ف‬ ‫والـ يـى حــارب فيهــا نــور الديــن زنـ ي‬
‫ـو� وعــى غرارهــم ظهــر المجاهــدون ليســتمروا ي�‬ ‫األيـ ب ي‬
‫الحفــاظ عــى عــزة وكرامــة األمــة المســلمة‪.‬‬

‫ـلم� لــم يخرجــوا‬ ‫لــو تأملنــا هــذه المرحلــة لرأينــا أن المسـ ي ن‬


‫مــن حدودهــم ويجاهــدوا ضــد الممالــك األخــرى‪ ،‬بــل كان‬
‫ـلم�‪ ،‬ويقــوم المســلمون‬ ‫األعــداء هــم مــن يهاجــم المسـ ي ن‬
‫بالدفــاع فقــط‪ .‬كان هــذا وقــت دفاعنــا عــن عزتنــا‬
‫وكرامتنــا ونهضتنــا ولكــن دون األخــذ بزمــام المبــادرة‬
‫ف‬
‫بالهجــوم‪ .‬تعــرض المســلمون ي� هــذا الوقــت لخســائر‬
‫جســيمة‪ ،‬كمثــل ظهــور جنكـ ي زـر خــان وقومــه والذيــن‬
‫ـام‪ .‬كانــت‬ ‫قدمــوا مــن منغوليــا ليجتاحــوا العالــم اإلسـ ي‬
‫مأســاة بغــداد بغايــة الشــدة حيــث لــم تــوازي صدمتهــا‬
‫ـلم�‪ ،‬بغــداد‬ ‫ف� ذلــك الوقــت أي صدمــة تاريـ ـ ــخ المسـ ي ن‬
‫ي‬
‫الـ ت يـى كانــت دار الخالفــة تــم نهبهــا وتــم وضــع الخليفــة‬
‫ش‬ ‫ف‬
‫رم‬ ‫ـ� عليـ ُـه‪ ،‬ي‬ ‫ي� الســجاد وجعلـ فـوه تحــت األحصنــة تمـ ي‬
‫ـلم� ي� نهــر دجلــة بعــد أن ذبحــوا‪ ،‬وحرقــت‬ ‫آالف المسـ ي ن‬
‫ت‬
‫ـلم� ومكتباتهــم‪ .‬لــم تمــر فــرة طويلــة عــى‬ ‫كتــب المسـ ي ن‬
‫مــا ســبق حـ تـى نهــض المســلمون عــى أقدامهــم تدفعهــم‬
‫حماســتهم الدينيــة‪ ،‬ليتلــو ذلــك قيــام الخالفــة العثمانيــة‬
‫والـ ت يـى وصلــت ألوج حضارتهــا‪.‬‬

‫وه مرحلــة الــزوال‪ ،‬والـ ت يـى بــدأت قبــل‬ ‫المرحلــة الثالثــة ي‬


‫مــا يقــرب مــن مائـ ت يـى وخمسـ يـ� عــام وبعــد حــرب عــام‬
‫ن‬
‫ـاس والـ ت يـى استشــهد فيهــا نــواب‬ ‫‪1757‬م المســماة ببـ ي‬
‫ال�قية البنغال‬ ‫رساج الدولة‪ ،‬حيث احتلت ش�كة الهند ش‬
‫ن ف‬
‫ـلم� ي� شــبه القــارة الهنديــة‪،‬‬ ‫ليبــدأ بعدهــا زوال المسـ ي‬
‫ف‬ ‫واستشــهد بعــده بتســع وتسـ ي ن‬
‫ـع� ســنة تيبــو ســلطان ي�‬
‫حــرب االســتقالل عــام ‪1857‬م والـ ت يـى هــزم فيهــا‪ .‬كان هــذا‬
‫هــو وقــت ضعــف الخالفــة العثمانيــة والـ ت يـى انتهــت تمامــا‬
‫ف‬
‫عــام ‪1924‬م‪ ،‬ي� هــذه المرحلــة – مرحلــة الــزوال‪ -‬ولــد‬
‫ف‬
‫العالمــة محمــد إقبــال‪ .‬لــو نظرنــا ي� هــذه المراحــل الثــاث‬
‫وحـ تـى عرصنــا الحديــث لوجدنــا أنــه لــم توجــد فـ تـرة قاتمــة‬
‫ـاه تلــك المرحلــة الحرجــة‪ ،‬حيــث وقعــت جميــع‬ ‫تضـ ي‬
‫البلــدان اإلســامية تحــت يــد االســتعمار األجنـ ب يـى‪ ،‬وكانــت‬
‫أول مــرة يعيــش فيهــا المســلمون بــا خالفــة‪.‬‬

‫‪6‬‬
7
‫بعــد مــج ء إقبــال رحمــه هللا ظهــر عــر جديــد ومرحلــة جديــدة ونهضــة أخــرى‪ ،‬والـ تـى سـ ي ن‬
‫ـنب� تفاصيلهــا لكــم‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ف ي� القــادم مــن الصفحــات‪.‬‬

‫____________________‬

‫ول هللا‪ ،‬وعالمة إقبال رحمهم هللا جميعا شــخصيات‬ ‫ثا� – شــيخ أحمد رسهندي ‪ ، -‬شــاه‬ ‫كان مجدد ْألف ن‬
‫ق‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫ـر� بحيــث أنهــم غـ يـروا مــن مجــرى التاريـ ـ ــخ لألمــة‬
‫ـؤالء الثالثــة مــن العظمــة والـ ي‬ ‫عظيمــة ي� التاريـ ـ ــخ‪ ،‬كان هـ‬
‫ول‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ـا� مجــرد لقــب يعـ يـى المجــدد لأللفيــة الثانيــة مــن السـ تـنة‪ ،‬كان يليــه شــاه ي‬ ‫المســلمة‪ ،‬كان مجــدد ألــف ثـ ي‬
‫ـ� وأصحــاب رؤيــة‬ ‫ـ� مح�فـ ي ن‬
‫ـ� ومعماريـ ي ن‬‫ـ� وفالســفة وصوفيـ ي ن‬ ‫هللا ومــن ثــم عالمــة إقبــال‪ ،‬مفكريــن اجتماعيـ ي ن‬
‫وبصــرة‪ ،‬ولهــم مــن المكانــة مــا ســمح لهــم بالحفــاظ عــى وجــود األمــة المســلمة ف� شــبه القــارة الهنديــة‪ .‬أ�ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫ثالثتهــم ي� مراحــل مختلفــة طبقــا لمــا ذكرنــاه ســابقا‪.‬‬

‫ـا� الملــك أ كـ بـر بادشــاه‪ ،‬حيــث‬ ‫عــارص مجــدد ألــف ثـ ن‬


‫ف‬ ‫ي‬
‫ـول ي� طريقــه للوصــول ألوج‬ ‫كان الحكــم المغـ ي‬
‫ف‬
‫أك�كان ي� حالة من الغفلة إذ‬ ‫نهضته‪ ،‬ولكن الملك ب‬
‫ـ�‪ ،‬وبــدأ‬ ‫فأعلــن دينــا جديــدا تحــت مســى الديــن اإللـ ي‬
‫ي� إشــاعة الخرافــات باســم اإلســام‪ ،‬حيــث حــاول‬
‫ـام والديانــة الهندوســية‪ .‬كان‬ ‫ن‬
‫المــزج بـ يـ� الديــن اإلسـ ي‬
‫المســلمون قــد حكمــوا شــبه القــارة الهنديــة قبــل أ كـ بـر‬
‫بثمانيــة قــرون‬
‫ف‬ ‫ن‬
‫ـا� معــارصا أل كـ بـر بادشــاه‪ ،‬ي� ذلــك‬ ‫كان مجــدد ألــف ثـ ي‬
‫ـول يصعــد قمــم ذروتــه‬ ‫الوقــت كان الحكــم المغـ‬
‫ي ف‬
‫بينمــا بــات أ كـ بـر تائهــا ضائعــا ي� شــهواته؛ إذ دمــج‬
‫ف‬
‫اإلســام بالهندوســية ي� محاولــة لصنــع ديــن جديــد‬
‫ـ� وبــدأ نـ شـر الخرافــات تحــت رايــة‬ ‫ســماه الديــن اإللـ ي‬
‫ف‬
‫ـام ي� الهنــد قــد بلــغ‬ ‫اإلســام‪ .‬كان الحكــم اإلسـ ي‬
‫ثمانيــة قــرون قبــل أ كـ بـر‪ ،‬أ كـ بـر يليــه المغــول ارتقــوا‬
‫ـ� كان‬ ‫بعــد ذلــك‪ ،‬كان عمــل مجــدد وقتهــا مختلفــا حـ ي ن‬
‫ـام يتجــدد‬ ‫الحكـ نـم إســاميا‪ ،‬فقــدكان الحكــم اإلسـ ي‬
‫ـا� وســيلة أخــرى بــدل االنقــاب عــى الحكــم‪،‬‬ ‫ســنة بعــد األخــرى‪ ،‬فلمــا ضــل الحاكــم اســتخدم مجـ نـدد ألــف ثـ ي‬
‫وغ�هــم أن يوقفــوا‬ ‫ـلم� اآلخريــن والجــراالت والــوزراء والعلمــاء والفالســفة ي‬ ‫حيــث تحــدث مــع الحــكام المسـ ي ن‬
‫فتنــة الحاكــم‪.‬‬

‫ـ� تــوىل الحكــم بعــد وفــاة والــده فقــد ألـ غـى كل الفـ ت ن‬
‫ـ� الـ ت يـى بدأهــا‬ ‫ابــن اكـ بـر واســمه جهانغـ يـر قــام بأ كـ ثـر مــن ذلــك حـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫ـا� لــم يبــدأ انقالبــا لكنــه رىم بــه ي� الســجن ونــكل بــه هنــاك‪ ،‬ورغــم ذلــك‬ ‫ـه‪ �،‬حـ يـ� أن مجــدد ألــف ثـ ي‬ ‫والــده بيديـ ي‬
‫ف‬
‫ـ� ي� التاري ـ ــخ كلــه‪.‬‬
‫فــإن رســائله ومكتوباتــه للحــكام والــوزراء تركــت أثـرا غـ يـر طبيـ ي‬
‫ف‬
‫االنقــاب عــى الحكــم كان محرمــا ي� ذاك الزمــان‪ ،‬ويرجــع ذلــك إىل أنــه إن قــام انقــاب عــى الحكومــة صــارت‬
‫ـ� الهنــود والصلبيـ ي ن‬
‫ـ� والســيخ فــكان يمكنهــم ســحب حبــل‬ ‫ـلم� كانــوا أقليــة بـ ي ن‬
‫الكــرة بملعــب الهنــود؛ إذ أن المسـ ي ن‬

‫‪8‬‬
‫ن‬ ‫ف‬
‫ـا� عــى إصــاح القانــون والحكــم تحــت حكــم‬
‫ـام ي� أي فرصــة‪ ،‬لهــذا الســبب عمــل مجــدد ألــف ثـ ي‬ ‫الحكــم اإلسـ ي‬
‫كــذاك‪ ،‬فهــذا مــا تطلبــه الزمــان منــه آنــذاك‪.‬‬

‫ـ� عــام مــن عــر مجــدد‪ ،‬وبعــد‬ ‫إذا نظرنــا لعــر شــاه ول الديــن بالمقارنــة معــه‪ ،‬والــذي جــاء بعــد قــرن وخمسـ ي ن‬
‫ي‬
‫تن‬ ‫ش‬
‫ـول يلفــظ أنفاســه األخـ يـرة‬‫فعــر أورانــغ زيــب عالمغـ يـر‪ ،‬كان فزمنــا انتــرت وشــاعت فيــه الفــ�‪ .‬كان الحكــم المغـ ي‬
‫ـ� منضبطــا‪ .‬أخــذ الصليبيــون الفرصــة فقتلــوا وغــزوا حـ تـى وصلــوا‬ ‫ي� ذلــك الوقــت‪ ،‬لــم يكــن النظــام ي� مركــز دلـ ف ي‬
‫ـلم� وأموالهــم وعرضهــم وقوتهــم‬ ‫ن‬ ‫قريبــا مــن دهـ يـ�‪ ،‬كانــت القيــادةة الصليبيبــة ي� الجنــوب‪ ،‬لكــن أرواح المسـ ي‬
‫ف‬ ‫ت ف‬
‫ول هللا دوريــن‪ ،‬أحدهمــا كان تربيــة‬ ‫السياســة لــم تبــق بمأمــن حــى ي� شــمال الهنــد‪ .‬ي� ذلــك الوقــت لعــب شــاه ي‬
‫بص�تــه وأفــكاره السياســية‪.‬‬‫ـلم� وحكمهــم بنــاء عــى ي‬‫ـلم�‪ ،‬وثانيهمــا كان محاولتــه لحمايــة المسـ ي ن‬ ‫وتدريــس المسـ ي ن‬

‫ين‬
‫المسلم�‪.‬‬ ‫ين‬
‫اإلثن� كان األصعب واألظلم واألمر عىل‬ ‫بيد أن عرص إقبال مقارنة بعرصي هذين‬

‫____________________‬
‫ق‬
‫سنل� الضوء عىل عرصه أيضا‪:‬‬ ‫قبل أن نتحدث عن إقبال‬
‫ي‬
‫حال‪:‬‬ ‫ين‬ ‫ف‬
‫حس� ي‬ ‫حال الهند ي� ذاك العرص تحكيها حروف ألطاف‬

‫« تشتت المسلمون وتقطعت بهم األسباب‪ ،‬افتضح من كان منهم‬


‫لديه القدرة واالختيار‪ ،‬من كانوا عزيزين باتوا ذليلين‪ ،‬اندثر العلم‬
‫وأصبح الدين اسما يتسمى به الناس ال غير‪ ،------- ،‬الجهل‬
‫والضاللة تفشوا بين الناس كتفشي الوباء‪ ،‬األغنياء الذي علقت آمال‬
‫الشعب بهم غفلوا وعموا فلم يروا الواقع المر‪ ،‬العلماء الذين كانوا‬
‫يحيون ويجددون الدين أداروا ظهورهم لضروريات الشعب ونجاحه‪».‬‬

‫يدم العيون وتقشعر له األبدان‪:‬‬ ‫ف‬


‫حال هذه األحوال ي� شعر ي‬
‫وصف ي‬

‫وصل اإلسالم إلى حد‬

‫يصل‬
‫ِ‬ ‫من ذل قبال لم‬

‫حتى خلت العز عزيزا‬

‫أن يرجع يسعد مقلي‬

‫____________________‬

‫‪9‬‬
‫ف‬
‫ـام‪ ،‬إحداهــن كانــت « االعتداليــون « ألولئــك‬ ‫ي� هــذا العــر قامــت حـركات إســامية أخــرى حــول العالــم اإلسـ ي‬
‫الــذي رأوا أن األحــوال ســاءت فقــرروا التســامح والتصــادق مــع اإلنجلـ ي زـر عوضــا عــن قتالهــم واالنقــاب عــى‬
‫ن‬ ‫ف‬ ‫ض‬
‫ـا�‬
‫حكمهــم ويــرب بسـ يـر ســيد أحمــد خــان المثــل ي� ذلــك‪ ،‬مــن الجانــب اآلخــر كانــت فحركــة جمــال الديــن أفغـ ي‬
‫ـ� ي� ســبيل ارتقــاء األمــة مــن‬ ‫يز‬
‫اإلنجل�يـ ي ن‬ ‫ـلم� تحــت الرايــة العثمانيــة واالنقــاب ضــد‬ ‫الـ تـى هدفــت لجمــع المسـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫ـ�‪ .‬ال شــك أن لسـ يـر ســيد يــد كبـ يـرة ي� تعليــم‬ ‫ـ� الحركتـ ي ن‬
‫جديــد‪ ،‬لكــن الواقــع ومتطلبــات الزمــن تعارضــوا مــع هاتـ ي ن‬
‫ـلم� لكــن الحقيقــة أنــه لــم يســتطع إيجــاد حــل لينقــذ األمــة المســلمة المهانــة مــن الخطــر واالضمحــال‪،‬‬ ‫المسـ ي ن‬
‫ـا� فقــد ماتــت الحركــة بمــوت الخالفــة العثمانيــة‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫و� جانــب جمــال الديــن أفغـ ي‬ ‫ي‬

‫ـ� قامــت حركــة ثالثــة ذات تفكـ يـر مســتقل مؤسســها إقبــال‪ ،‬بفهمــه لحقيقــة األحــوال‬ ‫ـ� الحركتـ ي ن‬‫باإلضافــة لهاتـ ي ن‬
‫وبميلــه للواقعيــة وأسســه الروحانيــة والعقائديــة رســم صــورة رومانيــة لــم يرســمها أي مفكــر مــن قبــل‪ ،‬طبقــا‬
‫ـ� طالمــا لــم يتعرفــوا عــى‬ ‫إلقبــال فــإن المسـ ي ن‬
‫ـلم� لــن يتمكنــوا يومــا مــن التخطيــط وال السياســة وال التطــور العلـ ي‬
‫حقيقتهــم اإلنســانية‪ .‬ســى إقبــال نظريتــه الروحانيــة ب ـ الفلســفة الوحدانيــة‪ ،‬اســم لــم تعرفــه األمــة األســامية‬
‫مــن قبــل‪ .‬فباإلضافــة للمعرفــة والحفائــق كانــت هــذه النظريــة تجــاري متطلبــات الزمــن‪ ،‬نظريــة إعجازيــة جعلــت‬
‫مــن العلويــة واألردشـ يـرية واحــدا لتحـ ي يـى األمــت اإلســامية‪ ،‬كان هــذا تصــورا مثـ يـرا لإلعجــاب للحيــاة يناقــض‬
‫األلوهيــة‪ ،‬وفــوق ذلــك أن التاريـ ـ ــخ لــم يشــهد مثيــا لهــذه النظريــة الســاحرة والروحانيــة للحيــاة‪ ،‬ولهــذا يلقــب‬
‫إقبــال ب «رجــل االســتقبال»الرجل الــذي ضبــط العصــور القادمــة ف ي� كفيــه‪.‬‬
‫ن ف‬
‫المسلم� ي� الهند هو أننا تحررنا تقريبا من قيود ذاك‬ ‫ي‬ ‫اإلسالم وخصوصا تاري ــخ‬
‫ي‬ ‫السبب وراء العودة للتاري ــخ‬
‫ت ق‬
‫ر� إقبالــه علينــا‪ ،‬كان للزمــن الــذي‬
‫الزمــن بمــج ي ء إقبــال‪ ،‬فـ فـدون هــذه المقدمــة لــم نكــن لنعــرف إقبــال وال حــى ي‬
‫كـ بـر فيــه إقبــال أثــر كبـ يـر ي� بنــاء شــخصيته‪ ،‬الكــرب الــذي غمــر اإلنســانية عمومــا واألمــة المســلمة خصوصــا كان‬

‫السير سيد أحمد خان مع ابنه وأكابر المسلمين وأشرافهم‪ ،‬وهنا مع أصحابه‬

‫‪10‬‬
‫ف‬
‫كانفجــار بـركان هــز وجــود إقبــال وروحــه بشــدة‪ ،‬عانــت األمــة ي� تلــك األيــام الســوداء الذلــة والمهانــة والمســكنة‬
‫ف‬
‫أغرقــت إقبــال ي� بحــر مــن األحاســيس فأيقظــت أحاسيســه ووجدانــه‪ ،‬ممــا دىع إقبــاال ليبــر المعـ نـى األصـ يـ�‬
‫للدنيــا عــاوة عــى معناهــا المــادي ليحفــظ أرسار الــذات اإللهيــة‪.‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫إذا نظرنــا إلقبــال وارتقائــه الفكــري فســندرك أنــه كان عبقريــا مــذ كان ي� عنفــوان شــبابه وأنــه كان ماه ـرا ي�‬
‫ف‬
‫العلــوم الروحانيــة ومــا فــوق الطبيعيــة فــوق مهارتــه ي� العلــوم الماديــة‪ .‬العلــم الــذي حــازه إقبــال كان مجموعــة‬
‫ف‬
‫�ء ال ي� الـ شـرق وال الغــرب بــل ولــن يوجــد ثــان لــه غــدا‪.‬‬ ‫ش‬
‫ت‬ ‫مــن العلـ فـوم المتضــادة بشــكل مثـ يـر للحـ يـرة ليــس كمثلــه ي‬
‫الكمــال ي� إقبــال كان فطريــا ومبــاركا حـ تـى كان معــارصوه مــن المفكريــن يخفضــون رؤوســهم لرؤيتــه اح�امــا‪ .‬بيــد‬
‫ـأت بمثــل مــا كان عنــد إقبــال مــن علــم وروحانيــة‪.‬‬
‫أن الحقيقــة أن أحــدا لــم يـ ِ‬

‫____________________‬
‫ه�مان ي ز‬
‫ه� الحائز عىل جائزة نوبل وصف إقبال قائال‪:‬‬ ‫الشاعر والكاتب ي‬

‫« تنقسم أعمال إقبال الفكرية والروحانية في ثالث دوائر‪ :‬عمله في‬


‫الهند وعمله ألجل اإلسالم والفكر والفلسفة الغربيين‪».‬‬

‫____________________‬

‫ف‬
‫إذا كنــا ســنقيم مكانــة إقبــال ي� العلــم والروحانيــة فيمكننــا رؤيتــه يرتـق ي كفيلســوف ومفكــر منــذ شــبابه حـ تـى أنــه‬
‫ف‬
‫كتــب أرب ــع كتــب ي� ذلــك العــر‪ ،‬أحدهــم كان ش�حــا مختـرا لكتــاب «االنســان الكامــل» للمؤلــف عبــد الكريــم‬
‫ـر� الــذي كان محــط آراء الكتــاب والناقديــن‪ .‬يختــص كتــاب الجبيـ يـ�‬ ‫جبيـ يـ� تلميــذ الســيد محـ ي يـى الديــن ابــن عـ ب ي‬
‫ف‬
‫بوجــود أعــى وأجــود مــا قــد يجــد اإلنســان عــن التصــوف اإلسـ ي‬
‫ـام‪ ،‬ي� هــذا الكتــاب بحــر مــن الحقائــق والمعرفــة‬
‫‪.‬‬
‫الدقيقــة والمعقــدة بحيــث أن شــخصا نابغــا مــن كل عــر ســيجاهد ليفهــم روح هــذا الكتــاب العظيــم بينمــا‬

‫‪11‬‬
‫ف‬
‫اختــار أكابــر العلمــاء والمفكريــن الصمــت ي� منــارات بحــر المعرفــة هــذا اختــار إقبــال اإلبحــار فيــه‪ ،‬عندمــا بــدأ‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ـ� الديــن ابــن‬
‫� ذلــك العــر ي� أحاديثــه كان تلمــس طبعــات أثــر الســيد مـ ي‬ ‫إقبــال اإللقــاء عــن العلــم والواقــع في‬
‫ـر� والشــيخ عبــد الكريــم جبيـ يـ� ي� فكــره وكلماتــه ســهال واضحــا‪.‬‬‫عـ ب ي‬
‫ن ف‬ ‫ن‬
‫ـ� مقدمــة مبســطة عــن‬ ‫ـ� يعـ ي‬ ‫ال�يطانـ يـى ي� ذلــك العــر‪ ،‬لـ ي‬
‫ـياس ب‬
‫ـا� عــن التاريـ ـ ــخ السـ ي‬
‫كتــب إقبــال كتابــه الثـ ي‬
‫الثقافة الغربية لألمة المسلمة‪ .‬أما كتابه الثالث فكان عن الحال السياسيةكتب فيه عن الحاالت السياسية‬
‫ف‬
‫ي� ذاك الزمــن شــمل فيــه القانــون الجــاري والحقائــق االشـ تـراكية‪ ،‬وكان عنــوان كتابــه الرابــع علــم االقتصــاد‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫ش�ح فيــه إقبــال عــن نظرتــه عــن العملــة النقديــة ونفقاتهــا وحــال الروبيــة وأصــول تحديــد قيمــة األشــياء ي‬
‫وغ�هــا‬
‫ش‬
‫والع�يــن‬ ‫مــن األســس االقتصاديــة‪ .‬كان إلقبــال نصيــب مــن هــذا القــدر مــن العلــوم ف� عمــر ش‬
‫الع�يــن أو الثانيــة‬ ‫ي‬
‫جعــل منهــا درعــا وأصبحــوا ف� السـ ي ن‬
‫ـن� التاليــة ســاحه الــذي يقاتــل بــه ضــد الطغيــان‪ ،‬كمــا تســلح شــباب األمــة‬ ‫ي‬
‫األســامية بســيوف ودروع مــن هــذا النجــم الســاطع‪.‬‬
‫ق ف‬
‫ارت� ي� فكره بطريقة مشابهة الرتقاء إبراهيم عليه السالم‪ ،‬فكما تعرف‬ ‫إنها حقيق يشاد ذكرها أن إقباال قد‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ئ‬ ‫ف‬
‫ر� ألكونــن مــن الضالـ يـ�»‪ ،‬بهــذا‬ ‫ـد� ب ي‬
‫والشــمس وانتــى قائــا ف«لــ� لــم يهـ ي‬ ‫عــى ربــه بعــد تفكــره ي� النجــم والقمــر‬
‫ف‬
‫الشــكل ألـىق إقبــال الضــوء عــى الحــال ي� الهنــد شــيئا فشــيئا‪ .‬ي� ذلــك الوقــت كتــب نشــيده الهنــدي المشــهور‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫«الهنــد أفضــل مــن أي مــكان ي� الدنيــا»‪ .‬يعــد هــذا النشــيد كالنشــيد الوطـ ن يـى ي� الهنــد حـ تـى يومنــا هــذا‪ ،‬لكــن هــذه‬
‫المرحلــة الفكريــة إلقبــال كانــت مختــرة وانتهــت رسيعــا بميلــه لألمــة اإلســامية وحالهــا‪ .‬حـ تـى العــام ‪1905‬‬
‫ـلم�‪ ،‬وبعدهــا كتــب شــعره « الصـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫ـ� المسـ ي ن‬ ‫ـ� ســافر إقبــال إىل أوروبــا‪ .‬أصبــح إقبــال داعيــة االتحــاد بـ ي ن‬ ‫حـ ي ن‬
‫والعــرب لنــا‪ ،‬والهنــد لنــا وكل بلــد مســلم لنــا»‪ .‬حيــث خــرج فكــره عــن الهنــد ليشــمل اآلفــاق كلهــا‪ ،‬هــذا محــض‬
‫ـياس والفكــري ف ي� حيــاة إقبــال‪.‬‬
‫جزئيــة مــن االرتقــاء السـ ي‬

‫‪13‬‬
14
‫الفصل الثاني‬

‫‪AA‬‬

‫فليتحد المسلمون لحراسة الحرم‬

‫ن‬ ‫ف‬ ‫ف‬


‫ـا�‪ ،‬الــذي أغلــق‬‫ذكرنــا ي ف� الفصــل الســابق مجــددي الديــن ي� عصــور األمــة الثالثــة‪ ،‬أولهــم هــو مجــدد ألــف ثـ ي‬
‫ول هللا‪ ،‬الــذي فــرض تربيــة وتعليــم عامــة‬ ‫البــاب ي� وجــه تحاريــف أ كـ بـر للديــن اإلسـ ي‬
‫ـام‪ ،‬ثانيهــم هــو شــاه ي‬
‫ن‬
‫ـلم� مــن غفوتهــم‬ ‫النــاس‪ ،‬وترجــم القــرآن للفارســية‪ ،‬وأثــرى األمــة بعــدة كتــب ومقــاالت بكتابتــه‪ ،‬أيقــظ المسـ ي‬
‫ـ� ومــد المسـ ي ن‬
‫ـلم� بالقــوة‬ ‫بحركتــه للتبليــغ‪ ،‬وعــى الصعيــد الســياس دىع أحمــد شــاه أبــدال لقتــال الصليبيـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫والعزيمــة‪.‬‬
‫ف‬ ‫يـ ت‬
‫ول الديــن ي� العــر الثالــث‪ ،‬إذا قورنــت العصــور الثالثــة فقــد كان المســلمون‬ ‫ي‬ ‫ـأ� عالمــة إقبــال بعــد شــاه‬
‫ي‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ول الديــن الــذي حــاول‬
‫ي‬ ‫يعتمــرون القمــم ي� عــر مجــدد‪ ،‬وبــدأ رصحهــم المشــيد باالنهيــار ي� عــر شــاه‬
‫ف‬ ‫الحفــاظ عــى الــرح ف� مكانــه‪ ،‬أمــا عالمــة إقبــال فقــد جــاء عــره حـ ي ن‬
‫ـ� انهــار الــرح وغــرق المســلمون ي� بحــر‬ ‫ي‬
‫مــن غياهــب الظلمــات‪.‬‬

‫ورغــم أن الثالثــة قامــوا بالعمــل نفســه إال أن الحــاالت والوقائــع والزمــن كانــوا مختلفـ ي ن‬
‫ـ�‪ ،‬عندمــا بــدأ عالمــة إقبــال‬
‫دعوته دىع هللا ف ي� شعره‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫ملاذا أغلقت أبواهبا‬
‫احلاانت يف الهند‬
‫مضت هدرا ثالث قرون بعد سقوط رسهند‬
‫مضت هدرا ثالث قرون‬
‫يف حان هدمناها‬
‫ومل تتحمل الندمان‬
‫بعدك أهيا السايق‬
‫ـا� األمــل وغمــرت الدنيــا األرض وقلــوب النــاس‪،‬‬ ‫أي أنــه دىع هللا ألن الهنــد لــم تـ َـر النــور منــذ ثــاث قــرون‪ ،‬تـ ش‬
‫ممــا جعلــه يدعــو هللا أن يعطــف عــى عبــاده بكرمــه ورحمتــه‪ ،‬لهــذا الســبب جر� إقبــال أن ال يؤخــذ شــعره‬
‫ـ� مــا خلــف الســطور‪ ،‬ويقــف خلــف ظواهــر أحــرف التاريـ ـ ــخ‪ ،‬ومــا توصلــه كلماتــه الشــعرية‬ ‫بســطحية‪ ،‬فهــو يحـ ي‬
‫مــا ه إال رســائل تبشـ يـر للمسـ ي ن‬
‫ـلم�‪.‬‬ ‫ي‬

‫____________________‬

‫‪16‬‬
‫إذا نظرنــا للعصــور اإلســامية المختلفــة خــال األلــف واألربعمائــة عــام الماضيــة‪ ،‬فلــن تخ ـىف عــن نظرنــا‬
‫ف‬
‫قيــادة العــرب لألمــة اإلســامية ي� مطلعهــا‪ ،‬انتقلــت الخالفــة أليــدي األت ـراك تحــت علــم الدولــة العثمانيــة‪،‬‬
‫وظهــور إقبــال ف� أواخــر هــذا العــر كان بشــارة لمســلم الهنــد وخراســان وكل مــن ف� المنطقــة مــن اإليرانيـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ـ� ومــن ســكن آســيا الوســى فهــا هــم يســتلمون القيــادة أخـ يـرا‪ .‬كان حضــور إقبــال كمفكــر ونابغــة‬ ‫واألفغانيـ ي ن‬
‫ت‬
‫وحــده بركــة أحيــت األمــة اإلســامية مــن جديــد‪ ،‬كان مجيئــه بعــد فــرة طويلــة مــن رحيــل الســيدين مجــدد ألــف‬
‫ول هللا‪.‬‬ ‫ن‬
‫ـا� وشــاه ي‬ ‫ثـ ي‬
‫ف‬
‫بمقدورنا رؤية األثر الذي تركته كلمات إقبال ي� شــبه جزيرة الهند شــاملة باكســتان وإيران وأفغانســتان وآســيا‬
‫الوســى‪ ،‬غـ نـى إقبــال أشــعارا بديعــة ف ي� غايــة الجمــال عنهــم جميعــا‪ ،‬ومــن ذلــك أنــه ذكــر إيـران ي� شــعره‪:‬‬
‫ف‬

‫إن جنيوا للرشق طهران صارت‬


‫فلعل التبديل لألرض يقدر‬
‫ف‬
‫ه جنيــف الـ شـرق وقــادت األمــة اإلســامية العالــم‬
‫ـيتغ� إن كانــت طه ـران ي‬
‫قاصــدا ي� شــعره أن العالــم كلــه سـ ي‬
‫بــدال عــن األمــم المتحــدة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وذكر أفغانستان ف ي� شعره‪:‬‬

‫آ�سيا جسم ومن ماء وطني‬


‫قلهبا األفغان خفاق الوتني‬
‫ولها منه الفساد إن فسد‬
‫وانطالق منه ما نعم املدد‬
‫ئن‬ ‫ف‬
‫يطم�‬ ‫ه قلب قارة آســيا‪ ،‬فإذا فســد القلب فســدت الجســد كله‪ ،‬وما إن‬ ‫ومما ذكره ي� شــعره أن أفغانســتان ي‬
‫ف‬
‫ـ� تفـ شـى الفســاد ي� أفغانســتان عــام ‪1979‬م‬ ‫القلــب ويســكن ســاد األمــان كل الجســد‪ ،‬وكــذا يتجســد لنــا هــذا حـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫والــذي ثــارت مــن بعــده الحــروب والفــو�ض ي� باكســتان ي‬
‫وغ�هــا‪ .‬يبــدو األمــر كمــا لــو أن إقبــاال قــد تنبــأ ي� القــرن‬
‫ش‬
‫والع�يــن‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ش‬
‫الع�يــن مــا قــد يصيبنــا ي� القــرن الواحــد‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫قام انقالب ي� طاجاكستان عام ‪1992‬م‪ ،‬وتجمعت آالف الحكومات متعاركة هناك ي� صورة تحدث عنها‬
‫إقبال ف ي� شــعره‪:‬‬

‫اي من بىن احلرم الرشيف لــمرة‬


‫من نوممك هبوا وعودوا وارجعوا‬

‫ـار� المســجد الح ـرام‪ ،‬وطالبهــم أن يقومــوا‬ ‫ومــن تفسـ يـر شــعره أنــه نــادى بالمسـ ي ن‬
‫ـلم� تحــت مســى معمـف ي ي‬
‫ويســتيقظوا مــن أحــام يقظتهــم ليعمــروا العالــم مــن جديــد ي� هــذا الزمــان‪.‬‬

‫كلماتــه غـ يـر الطبيعيــة حكــت لنــا مــا جــرى عــام ‪1992‬م عندمــا ثــارت آســيا الوســى وقلبــت الدنيــا رأســا عــى‬
‫عقــب‪ ،‬وقبلهــا أوحــت لنــا هــذه الكلمــات عــن الثــورة ف ي� إي ـران‪.‬‬
‫ف‬ ‫ت‬
‫هــذه صــورة مبســطة للحكمــة الـ يـى يتمتــع بهــا إقبــال‪ ،‬تلعــب باكســتان دور الحصــن األخـ يـر ي� العالــم اإلسـ ي‬
‫ـام‬
‫ـ� الدولــة اإلســامية الوحيــدة الـ ت يـى تملــك مفاعــا نوويــا ممــا يجعلهــا الحصــن المنيــع لألمــة‪ ،‬ال قــدر‬
‫اليــوم‪ ،‬فـ ي‬
‫هللا؛ إذا حــل مكــروه بباكســتان يومــا فسـ ق‬
‫ـتب� األمــة اإلســامية دون دفــاع وحمايــة‪.‬‬
‫ف‬
‫اليــوم تفـ شـى الفســاد ي� أفغانســتان ومــرت إي ـران بعــر مــن المشــاكل‪ ،‬الـ شـرق األوســط قيــد التقســيم وآســيا‬
‫ف‬
‫الوســط تتغـ يـر‪ .‬آمــال العالــم تقبــع هنــا‪ ،‬واآلن أصبحــت باكســتان هدفــا ألعــداء األمــة اإلســامية‪ � ،‬حـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫يتشــبث مســتقبل األمــة اإلســامية بباكســتان‪ .‬مــاذا ســيحصل ي� العصــور القادمــة؟ وأي تغيـ يـرات ســتقع‬
‫علينــا؟ كيــف ســتجد األمــة طريقهــا للقمــة وســط كل ذلــك؟ وبيــد مــن ســتكون قيــادة األمــة اإلســامية؟ لقــد‬
‫أعــى إقبــال توقعاتــه مســبقا‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ ،1992‬طاجيكستان وخروج االنقالبيين إلى الشوارع ضد الحكومة‬

‫حيث كتب شعرا عن العصور القادمة‪:‬‬

‫ولتعد قراءة دروس الصدق والشجاعة والعدل‬


‫عندئذ سوف تكون قيادة العامل من همامك‬
‫غ� قابل للتصديق ف ي� شعره‪:‬‬ ‫ين‬
‫للمسلم� بشكل ي‬ ‫خ�ا‬ ‫ش‬
‫وتب� ي‬

‫إن اذلي تراه العني ال ميكن أن يظهر عىل الشفاه‬


‫وأان يف ذهول ادلهشة مما �سيحدث للعامل‬
‫و� شعر آخر‪:‬‬ ‫ف‬
‫ي‬

‫وافتح عينيك يف مرآة حدييث‬


‫وانظر إىل الصورة الباهتة للعهد القادم‬
‫ث‬ ‫ف‬
‫ـد� الهنديــة والفارســية‪ ،‬لتشــمل بركتــه آســيا الوســى‬
‫كان ي� مــج ي ء إقبــال خـ يـر لشــبه الجزيــرة الهنديــة ولمتحـ ي‬
‫يخ�نــا التاريـ ـ ــخ أن القيــادة اإلســامية ســتبدأ مــن هنــا وســيكون للمسـ ي ن‬
‫ـلم�‬ ‫وأفغانســتان وإي ـران كذلــك‪ .‬ب‬
‫الباكســتانيون دور كبـ يـر فيهــا‪.‬‬

‫____________________‬
‫ف‬ ‫كان العالمــة إقبــال يدعــو لوحــدة المسـ ي ن‬
‫ـلم�‪ ،‬ويشــهد العالــم عــى ذلــك‪ .‬غـ يـر إقبــال اســم المجتمــع اإلسـ ي‬
‫ـام ي�‬
‫ـام العــام عندمــا ذهــب كطالــب بل�يطانيــا عــام ‪1906‬م‪.‬‬ ‫كامـ بـردج إىل المجتمــع اإلسـ ي‬

‫‪19‬‬
‫مــن الواضــح أن إقبــال كان يرجــو ويســتميت للوحــدة اإلســامية منــذ األزل‪ ،‬فلــم يكــن يدعــو للوحــدة القوميــة‬
‫بــل لوحــدة األمــة اإلســامية جمعــاء‪ .‬صحيــح أنــه اســتفتح شــعري متحدثــا بســطحية عــن القوميــة الهنديــة‬
‫ـلم� دومــا‪ .‬كان يخـ شـى ويســتصعب زوال األمــة‬ ‫ـن�حها قريبــا‪ ،‬لكــن بــره كان يالحــق وحــدة المسـ ي ن‬ ‫وسـ ش‬
‫ن‬
‫اإلســامية‪ .‬لقــد شــاهد كيــف نافــق لورنــس العــرب بـ يـ� القبائــل العربيــة والدولــة العثمانيــة‪ ،‬وعـ بـر عــن صدمتــه‬
‫وأســفه لســقوطها الحقــا‪:‬‬

‫لقد مزق الرتيك اجلاهل عباءة اخلالفة‬


‫فانظر إىل سذاجة املسمل وانظر إىل شطارة الآخرين‬
‫ف� الوقــت الــذي اتحــد فيــه العــرب مــع اإلنجلـ ي زـر ليغــدروا ببقيــة المسـ ي ن‬
‫ـلم� تــى إقبــال شــعره الــذي أحــرق قلــوب‬ ‫ي‬
‫ـلم الهنــد‪:‬‬
‫مسـ ي‬

‫بيامن الهامشي يبيع انموس دين املصطفى‬


‫يف حني أن الرتيك املناضل يمترغ يف الرتاب وادلم‬
‫ـابق� خصيصــا عندمــا زار أوروبــا‪ ،‬طلــب إقبــال أن يصـ يـ�‬ ‫ـلم� السـ ي ن‬
‫توجــه إقبــال إلســبانيا لـ يـرى عظمــة المسـ ي ن‬
‫ن ف‬
‫ـياح منعــه ممــا هــز أركان إقبــال فعـ بـر عــن اســتيائه مذكـرا المرشــد‬
‫ركعتـ يـ� ي� مســجد قرطبــة لكــن المرشــد السـ ي‬
‫ـلم� حكمــوا لثمانمائــة عــام ولــم يمنعــوا المسـ ي ن‬
‫ـيحي� مــن العبــادة يومــا‪ .‬بهــت المرشــد بعــد‬ ‫الســياح أن المسـ ي ن‬
‫ي‬
‫ســماعه لكلماتــه‪ ،‬وطلــب منــه أن ينتظــر ليســتأذن مــن كبـ يـر الكهنــة‪ ،‬اســتغل إقبــال الفرصــة فــأذن وصــى‪.‬‬
‫للحادثــة صــورة أيضــا‪ ،‬وذكــر إقبــال قرطبــة وإســبانيا ف ي� أشــعاره بمشــاعر عميقــة‪.‬‬
‫ف‬
‫كانــت األمــة اإلسـ فـامية كلهــا محــط تفكـ يـر إقبــال‪ ،‬لربمــا يحــدد مجــال عملــه ي� الشــعر األوردي والفـ ي‬
‫ـارس‬
‫باإلضافــة لــدوره ي� سياســة الهنــد‪ ،‬بيــد أن آفــاق أفــكاره شــملت األمــة اإلســامية جمعــاء‪.‬‬

‫فليتحد املسلمون حلراسة احلرم‬


‫من ساحل النيل حىت تراب اكشغر‬
‫تحــدث إقبــال عــن إحيــاء الخالفــة العثمانيــة الـ ت يـى بــدأ المســلمون حركــة شــعبية إلنقاذهــا مــن الهنــد‪ .‬وقــد كتــب‬
‫ف‬
‫شــعرا بعنــوان « فاطمــة بنــت عبــد هللا « متحدثــا عــن الحــرب ي� طرابلــس‪ .‬كان ذلــك عــام ‪1912‬م عندمــا‬
‫ال�كيــون ببســالة‪ .‬كان إقبــال يشــعل نــار الحريــة‬ ‫أعلنــت إيطاليــا الحــرب عــى الدولــة العثمانيــة وقاتــل المســلمون ت‬
‫ـلم الهنــد مــع األتـراك ف ي� شــعره‪:‬‬ ‫ن ف‬
‫ـلم� ي� الهنــد آنــذاك وعـ بـر عــن تضامــن مسـ ي‬ ‫ألجــل المسـ ي‬

‫اي فاطمة أنت عزة هذه األمة املرحومة‬


‫ولك ذرة من ذرات ترابك معصومة من اخلطأ‬
‫ف‬
‫استشــهدت طفلــة بعمــر الثانيــة عـ شـر ي� حــرب طرابلــس كانــت تــروي المجاهديــن بالمــاء‪ .‬وكتــب عنهــا إقبــال‬
‫شــعرا أبــى الشــعب الهنــدي‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫العالمة إقبال يؤدي الصالة في جامع قرطبة‪1933 .‬‬ ‫‪21‬‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ـاه» ي� المراحــل األوىل لبــدء الحركــة السياســية اإلســامية ي� الهنــد‬ ‫ـ� «بادشـ ي‬ ‫عقــد اجتمــاع ي� المســجد الملـ ي‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ـ� ي� الهــور‬ ‫تطــرق فيــه إقبــال للوحــدة اإلســامية وبــدأت مسـ يـرته فيهــا مــن هنــاك‪ .‬وقـرأ شــعرا ي� المســجد الملـ ي‬
‫عــن حــرب طرابلــس‪:‬‬

‫تومض مهنا كرامة أمتك‬


‫وبداخلها دماء شهداء طرابلس‬
‫ـ� ذلــك اليــوم‬ ‫ض‬
‫وجــه إقبــال كلمــات شــعره للرســول صــى هللا عليــه وســلم‪ ،‬ويقــال أن كل مــن حــر للمســجد الملـ ي‬
‫قــد بــى تأثـرا‪ ،‬أصبحــوا ي�ض بــون بهــذا الشــعر األمثــال وتأججــت نــار مــن المشــاعر داخلهــم‪.‬‬

‫ـلم� تســافر تل�كيا لدعمهم‪ ،‬وباعت النســاء ذهبهم وحليهم‪ ،‬وضىح المســلمون‬ ‫بعدها بدأت وفود من المسـ ي ن‬
‫بأرواحهــم وآمالهــم وعزتهــم ليســاعدوا األت ـراك‪ ،‬واليــوم يتذكــر األت ـراك هــذه التضحيــات ويعـ بـرون عــن حبهــم‬
‫ف‬ ‫ألخوتهــم الباكسـ ي ن‬
‫ـتاني�‪ .‬مــن أشــعل محبــة الخالفــة العثمانيــة ي� قلــوب مسـ ي‬
‫ـلم شــبه جزيــرة الهنــد كان إقبــال‪،‬‬
‫كث�ة عىل شعبه‪،‬‬ ‫لقد ذال إقبال بنفسه ذات مرة إنه إذا أراد فسيشعل األمة نارا لكن هذه المشاعر ستكون ي‬
‫ولــن يكــون ذلــك خـ يـرا بــل إفشــاء للفتنــة والفســاد ولهــذا فإنــه يعمــل بحــذر‪.‬‬

‫____________________‬

‫‪22‬‬
‫الم�قيــة كان ملــك أفغانســتان أمــان هللا خــان معنونــا بهــا‪ ،‬تســاءل النــاس عــن‬ ‫عندمــا كتــب إقبــال رســالته ش‬
‫ف‬
‫ســبب عنونتــه للرســالة باســم أمــان هللا خــان‪ ،‬وكانــت إجابتــه أنــه كان رئيســا لقيــادة إســامية كبـ يـرة ي� ذلــك‬
‫ـلم مكــة والمدينــة مــن القبائــل‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫الوقــت‪ ،‬بينمــا بــات بقيــة المسـ ي ن‬
‫ـلم� حــول العالــم مهانـ يـ� وعبيــدا حــى أن مسـ ي‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫انقلبــوا عــى الخالفــة‪ .‬كان إقبــال يأمــل الكثـ يـر مــن الحــكام المسـ ي‬
‫ـلم�‪ ،‬وكان أملــه أ كـ بـر وأعمــق حـ يـ� يتعلــق األمــر‬
‫ف‬
‫ـ� ‪1918‬م و‪1920‬م أفـ ت يـى ي� الهجــرة ألفغانســتان‪ ،‬وبــدأت ح ـركات الحجــرة بأعــداد‬ ‫بحــكام أفغانســتان‪ .‬بـ ي ن‬
‫كبـ يـرة بالتحــرك ألفغانســتان‪ .‬تــرك الكثـ يـر منازلهــم وأعمالهــم ليهاجــروا‪ ،‬بــدأت هــذه الح ـركات بعــد االســتعمار‬
‫اإلنجل�ي لألرا�ض ي المسلمة كنتيجة للحرب العالمية األوىل‪ ،‬فسلبت منهم حرماتهم ومقدساتهم وتفككت‬ ‫يز‬
‫ـ� عــى البقــاء‬ ‫ت‬
‫ـلم� ألفغانســتان حزنــا وغضبــا مع�ضـ ي ن‬ ‫الدولــة العثمانيــة‪ ،‬ولهــذا فقــد هاجــر الكثـ يـر مــن المسـ ي ن‬
‫تحــت حكــم اإلنجلـ ي زـر‪.‬‬

‫الج�ال نادرشاه للسفر من أوروبا ألفغانستان‬ ‫ف� عام ‪1928‬م عندما تخىل أمان هللا خان عن عرشه واستعد ن‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫ليســتعيد حكومتــه‪ ،‬أرسع العالمــة إقبــال ليقابلــه ي� محطــة القطــار بالهــور‪ ،‬جامعــا مــا لديــه مــن مــال وكانــت‬
‫ـ� تكاليــف مهمتــه العســكرية‪ ،‬ورغــم أن نادرشــاه رفــض أخــذ النقــود‬ ‫ش‬
‫ف‬ ‫عــر آالف روبيــة ليعطيهــا لنادرشــاه ليغـ ي‬
‫لكنــه تأثــر بمؤاخــاة إقبــال ممــا دعــاه يل�كــز كامــل قــواه عــى عملــه ي� أفغانســتان‪ .‬تـراءى لــه الــدور الــذي ســتلعبه‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫أفغانســتان مســتقبال ي� األمــة اإلســامية‪ .‬شــاهد القـ بـر الــذي نصــب ألجــل إقبــال ي� أصلــه هديــة مــن الجـ نـرال‬
‫نادرشــاه‪.‬‬

‫____________________‬

‫ســار إقبــال طريقــا طويــل ليصبــح «إقبــال» ويســتحق لقــب «حكيــم األمــة»‪ .‬إذ شــخص األمـراض الـ ت يـى تعـ تـري‬
‫األمــة اإلســامية‪ ،‬وبنظرتــه االجتماعيــة الفيلســوفة والتخطيطيــة أجــاب عــن أســئلة كثـ يـرة وحــل مشــكالت‬
‫ـا� عالقتهــم بالقــرآن‬ ‫ش‬ ‫بــدت عويصــة كســبب انهيــار األمــة وزوال الروحانيــة مــن قلــوب المسـ ي ن‬
‫ـلم� وكيفيــة تـ ي‬
‫ـاالت ف‬
‫ي� الهنــد تحــت‬ ‫ومــن أيــن بــدأت أخالقهــم وسياســتهم وعالقاتهــم واقتصادهــم تنخســف‪ .‬بتحليلــه للحـ‬
‫ـي� والجماعــات المتفرقــة للمسـ ي ن‬
‫ـلم� تأ كــد أن ال حــل لألزمــة إال بقيــام دولــة إســامية‬ ‫ظــل اإلنجلـ ي زـر والهندوسـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫مســتقلة ي� الهند وإال فلن تفلح ي� القيادة وال المســاعدة ي� إحياء األمة اإلســامية واســتعادة عظمتها‪ .‬كانت‬
‫باكســتان ه أول محطــة ف� مسـ يـرته لتحقيــق رغبتــه ف� اتحــاد المسـ ي ن‬
‫ـلم� وقيــادة العالــم مــن جديــد‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫كتب إقبال كتابه « األرسار النفســية» عام ‪1914‬م‪ ،‬ويعد هذا الكتاب إحدى تحفه الفنية باللغة الفارســية‪.‬‬
‫ف‬
‫لــم يكــن المســلمون ي� الهنــد آنــذاك قــد فهمــوا فكرتــه تمامــا حـ تـى‪ ،‬بــل حـ تـى هــدف إقبــال آنــذاك كان إتقــان اللغــة‬
‫الفارســية وأدبهــا‪ .‬لقــد كتــب هــذا الكتــاب تحــت إرصار مــن والــده‪ ،‬لقــد انقلبــت الدنيــا رأســا عــى عقــب بعــد نـ شـر‬
‫يز‬
‫اإلنجل�يــة‪ ،‬فــرد عليــه إقبــال‬ ‫ـا� نيكلســون أن تي�جــم الكتــاب للغــة‬ ‫ن‬
‫ال�يطـ ي‬
‫ال�وفيســور ب‬ ‫هــذا الكتــاب‪ ،‬اســتأذن ب‬
‫ش‬ ‫ز‬
‫لإلنجل�يــة‪ ،‬انتــر‬
‫ي‬ ‫ن‬
‫أنــه كتــب الكتــاب ليقـرأه المســلمون لكنهــم أعرضــوا عنــه فأتمــى أن يســتفاد منــه إذا ترجــم‬
‫الكتــاب ف ي� أوروبــا تب�جمــات مختلفــة وقـرأه الحــكام ف ي� أوروبــا بشــغف‪.‬‬

‫____________________‬

‫بعــد كثـ يـر مــن التفكــر والتدبــر قــرر إقبــال بنــاء دولــة جديــدة ف� مجلــس إلــه آبــاد عــام ‪1930‬م‪ .‬واسـ ش‬
‫ـتب� إقبــال‬ ‫ي‬
‫بهــذا ف ي� شــعره‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ ،1933‬العالمة إقبال مع ملك أفغانستان شاه نادر خان‬

‫‪24‬‬
‫يقصد املبدع الغيور بالدا‬
‫ملعانيه غري لك البالد‬
‫ال إىل الكوفة اليت ما ا�ستطاعت‬
‫كرس �سيف وال إىل بغداد‬
‫قائــا بمــا معنــاه أن عينــاه ال تب ـران الكوفــة أو بغــداد ومــا حولهــا‪ ،‬بــل تب ـران أرضــا جديــدا‪ ،‬وأشــار إىل رغبــة‬
‫النــاس ف ي� بنــاء دولــة جديــدة ف ي� الهنــد‪ .‬وأل ـىق الضــوء عــى خطتهــم هــذه ف ي� شــعره‪:‬‬

‫وانظر إىل الصورة الباهتة للعهد القادم‬


‫توقــع إقبــال مــا ســيحصل مســتقبال لكــن هــذا العمــل احتــاج ش�طــا آخــر‪ ،‬فلمــا امتلــك إقبــال الفكــر والفلســفة‬
‫الالزمــة لكنهــم كانــوا بحاجــة لقائــد ســياس ليقــود المسـ ي ن‬
‫ـلم�‪ .‬ووقــع بــره عــى القائــد األعظــم ألجــل ذلــك‪ .‬كان‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫القائــد األعظــم قــد استســلم فعــا فلحــق بــه إقبــال لمؤتمــر طاولــة األهــداف ي� لنــدن‪ ،‬ليشــاركه أفــكاره وفلســفته‬
‫لســاعات طــوال ويدعــوه للعــودة للهنــد وســلمه القيــادة‪ .‬اســتخدم إقبــال ففلســفته وعلمــه لمســاندة القائــد‬
‫ن‬
‫ـا� مــن الكتــاب‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫األعظــم ي� حمايــة وتحقيــق هدفهــم األســى‪ .‬وســنذكر ذلــك بالتفصيــل ي� القســم الثـ ي‬
‫ف‬
‫أرســل مجلــس الشــيوخ والهندوســيون وفــودا ي� محاولــة لخــداع إقبــال وتضليلــه بعــرض القيــادة عليــه كونــه‬
‫يملــك كل هــذه المعرفــة والفلســفة‪ ،‬لكــن المعـ ن يـى استشــاط غضبــا قائــا أن القائــد هــو جنــاح وأنــه ليــس ســوى‬
‫م�لــة‪ .‬عندمــا انتـ شـر خـ بـر مــرض إقبــال عــام ‪1937‬م أرســل النــاس الكثـ يـر مــن الرســائل لــه داعـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫ن‬
‫األد� ن ز‬ ‫الفــارس‬
‫هللا أن يعافيــه ويعطيــه الصحــة ويطيــل بعمــره‪ ،‬بيــد أنــه رد عليهــم برســائل يطلبهــم فيهــا أن ال يدعــوا لــه بــل‬
‫يدعــوا لجنــاح ألنــه قائدهــم اآلن‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫صورة نادرة للعالمة إقبال أثناء طفولته‬

‫‪26‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫‪AA‬‬

‫ما استعارت يد الحديقة لونا‬


‫حين صاغت شقائق النعمان‬

‫اختــار هللا إلقبــال عائلــة مكرمــة ليولــد فيهــا‪ ،‬ليحصــل عــى ت‬


‫ال�بيــة والتعليــم المناســب للرســالة الـ ت يـى ســيحملها‬
‫مســتقبال‪:‬‬

‫ما ا�ستعارت يد احلديقة لوان‬


‫حني صاغت شقائق النعامن‬
‫إن الحــاالت والوقائــع المناســبة تت�تــب تلقائيــا‪ ،‬عندمــا يقــرر هللا شــيئا ألحــد عبــاده فإنــه يوفــر لــه األســباب‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ويمهــد لــه الطريــق بهــا فيجعــل مــن عبــد فقـ يـر أو معــدم جـ نـراال أو مجاهــدا ي� ســبيله‪ ،‬وهكــذا فقــد ولــد إقبــال ي�‬
‫مـ ن زـرل وعائلــة تل�بيــه ت‬
‫ال�بيــة وتلقيــه التعليــم المناسـ ي ن‬
‫ـب�‪.‬‬

‫____________________‬

‫‪27‬‬
‫والد العالمة إقبال‪ :‬شيخ نور محمد‪ .‬والدة العالمة إقبال‪ :‬إمام بي بي‬

‫ـم�ي رحمــه هللا‪ ،‬ويصــف إقبــال والــده أنــه كان رجــا فقـ يـرا وعبــدا هلل‬
‫كان والــد إقبــال هــو الشــيخ نــور محمــد كشـ ي‬
‫وذا بصـ يـرة‪ ،‬هــذا وصــف مفكــر نابغــة وفيلســوف جــاب أوروبــا لوالــده‪ ،‬ويعــود الكثـ يـر مــن الفضــل لنــور محمــد‬
‫فيمــا أصبــح عليــه إقبــال مســتقبال‪.‬‬
‫ف‬
‫يقــول والــد إقبــال أنــه رأى الكثـ يـر مــن البشــارات قبــل والدة ابنــه‪ ،‬فـرأى ي� منامــه طـ يـرا جميــل يلــف األرجــاء قبــل‬
‫ف‬
‫أن تمســكه يــد شــخص مــا وحالمــا وقــع الطـ يـر ي� حضنــه‪ ،‬فــر الحلــم عــى مــج ي ء شــخص بالـ بـركات لبيــت نــور‬
‫محمــد‪ ،‬هــذه القصــة حقيقيــة رواهــا إقبــال ف ي� كتبــه وحكاهــا ألصدقائــه‪.‬‬
‫ف‬
‫كانــت تعقــد مجالــس للصوفيــة والشــيوخ ي� مـ ن زـرل عائلــة إقبــال تتمحــور حــول القــرآن وتفسـ يـره والعلــم والحكــم‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ـر� إقبــال ي� هــذه المجالــس‪ ،‬وقــد قــص بنفســه حكايــة عــن طفولتــه أنــه كان يــرى ي� والــده نــورا‬ ‫والتصــوف‪ ،‬تـ ب‬
‫مــن العلــم والحكمــة‪ ،‬اســتيقظ إقبــال ذات مــرة وســأل عــن ذلــك فــكان مــن والــده أن ابتســم وأخـ بـره أنــه ســيذهب‬
‫لعــاج مريــض جــدا أحـ ضـره مســافرون صبــاح اليــوم‪.‬‬
‫ـ� ميــا خــارج المدينــة حـ تـى وصلــوا‪ ،‬وخيــل إلقبــال أن المريــض لــن يشـىف‬‫ســافر إقبــال مــع والــده مســافة ثالثـ ي ن‬
‫ز‬ ‫ن‬
‫يوما بحاله تلك‪ ،‬اهتم الشيخ نور محمد بالرجل وأعطاه بعض األدوية ثم عادوا للم�ل‪ ،‬لم يكن المسافرون‬
‫يعرفونــه ولــم يكــن هــو يعرفهــم‪ ،‬كان المســافرون قادمـ ي ن‬
‫ـ� مــن كابــل‪ ،‬وصلــوا إىل المدينــة بعــد عــدة أيــام وكان‬
‫مريضهــم قــد اســتصح بفضــل مــن هللا‪ ،‬أراد المســافرون شــكر الشــيخ ومكافأتــه لكنــه رفــض‪.‬‬
‫ف‬ ‫ض‬
‫و� حكايــة أخــرى كان إقبــال يقـرأ القــرآن‪ ،‬فمــر والــده مــن جانبــه وســأله‬ ‫حــى إقبــال هــذه القصــة لعطيــة فيـ ي ‪ ،‬ف ي‬
‫عمــا يقـرأ‪ ،‬أجــاب إقبــال أنــه يقـرأ القــرآن ي� قلبــه‪ .‬فجلــس إليــه والــده مخـ بـرا إيــاه أن يقـرأه وكأنمــا نــزل عليــه‪ ،‬ممــا‬
‫أثــار اســتفهام إقبــال فأوضــح لــه الشــيخ أن القــرآن نــزل عــى الرســول صــى هللا عليــه وســلم ووصــل إلينــا بقراءتــه‬
‫هــو عليــه الصــاة والســام‪ ،‬فاألفضــل أن نق ـرأه كمــا كان يقــرؤه حبيبنــا محمــد عليــه الصــاة والســام‪ ،‬فكلمــا‬
‫حاولــت اتبــاع قراءتــه ف ي� قراءتــك كلمــا تدبــرت وفهمــت القــرآن وكانــت قراءتــك أفضــل‪.‬‬

‫____________________‬
‫‪28‬‬
‫عمــل إقبــال عــى ثــاث نقــاط مهمــة‪ :‬أولهــم اتبــاع القــرآن‪ ،‬ثانيهــم اتبــاع الرســول صــى هللا عليــه وســلم ومحبتــه‬
‫وثالثهــم خدمــة الديــن‪ ،‬وقــد تعلــم ثالثتهــم مــن والــده‪.‬‬

‫ـ� كان إقبــال يكمــل تعليمــه‪ ،‬قــال لــه والــده أنــه دفــع الكثـ يـر واجتهــد ليـ شـرف عــى تعليمــه وتربيتــه‪،‬‬
‫ذات مــرة حـ ي ن‬
‫ـ�ء واحــد يجــب عليــه رده‪ ،‬ولمــا تســاءل إقبــال عــن ذلــك أجابــه أن يســتخدم علمــه ومعرفتــه‬ ‫ش‬
‫�ض‬ ‫فوأنــه مديــن لــه بـ ي‬
‫ي� خدمــة الديــن ويجعلهــا صدقــة لكســب ر هللا‪.‬‬
‫ف‬
‫رســخ نــور محمــد جــذور هــذه النقــاط الثالثــة ي� إقبــال منــذ صغــره فكـ بـر عليهــا‪ ،‬وكان إقبــال متعلقــا بالرســول‬
‫صــى اللهعليــه وســلم بشــدة منــذ طفولتــه‪.‬‬

‫ذات مــرة وقــف ســائل ليطلــب مــاال فنهــره إقبــال بقســوة‪ ،‬ممــا أغضــب والــده وأوصلــه حــد البــكاء فأخــذ يقــول‬
‫ـ� يجتمــع األنبيــاء والشــهداء والصديقــون والصالحــون‬ ‫لــه ســأقف خجــا أمــام هللا ورســوله‪ ،‬يــوم القيامــة حـ ي ن‬
‫ـأل� رســول هللا صــى هللا عليــه وســلم عــن ابـ نـى الــذي أعطــا�ن‬‫ن‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫والفســاق والفجــرة والكافــرون‪ ،‬ذلــك اليــوم سيسـ ي‬
‫إيــاه هللا ألعلمــه وأربيــه حـ تـى يخــدم الديــن‪ ،‬إذا كنــت ســتترصف هكــذا فســأقف خجــا أمامــه‪ ،‬تزلزلــت دواخــل‬
‫إقبــال بســماع ذلــك‪ ،‬عــرف كطفــل مــا يعنيــه أن تقــف أمــام هللا ورســوله وتغـ يـرت أهدافــه وحياتــه منــذ تلــك‬
‫اللحظــة‪.‬‬

‫____________________‬
‫ف‬
‫ال تخلــو مناظ ـرات إقبــال الشــعرية عــن تعبـ يـره عــن عــدم رغبتــه ي� مواجهــة الرســول صــى هللا عليــه وســلم‬
‫خجــا‪ ،‬وقــد كتــب عنــه هــذه األبيــات الجميلــة‪:‬‬

‫اللهم أنت غني عن العالمين‪ ،‬وأنا عبدك فقير وعاجز‪ ،‬فإذا كنت ستحاسبني يوم القيامة فلعلك‬
‫تحاسبني خفية عن الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫ف‬
‫رســخ والــد إقبــال صــورة الرســول صــى هللا عليهوســلمذ ي� عقــل الطفــل بعــد تلــك الحادثــة بقــوة حـ تـى غــرق‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫إقبــال ي� إحساســه بالضعــف والندامــة بقيــة حياتــه‪ .‬عندمــا شــكك معارضــو إقبــال ي� نياتــه متهمينــه بخدمــة‬
‫�ء آخــر خفيــة خلــف ســتار خدمتــه لإلســام تحداهــم إقبــال بتحــد لــم يعرضــه قبلــه أي عالــم أو فيلســوف‬ ‫ش‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫ولــم يســتطع أن يجيبــه عليــه أحــد مــن معارضيــه‪ ،‬دعــا إقبــال ي� حــق نفســه مخاطبــا الرســول صــى هللا عليــه‬
‫وســلم‪:‬‬

‫إذا كنت ابتغي شيئا خلف خدمتي للدين والقرآن فخذ بصيرتي عني‪ ،‬وارم شوكة مثلي عن حقلك‬
‫الجميل‪ ،‬وألبعث يوم القيامة ذليال مهانا وأحرم من تقبيل أقدامك‪.‬‬

‫كان هــذا تحديــا كبـ يـرا أخــرس معارضيــه‪ ،‬فمــن يكــون واثقــا مــن رســالته وخلوهــا مــن الشــوائب لهــذه الدرجــة‪ .‬لــم‬
‫ـ� إقبــال وتوكلــه عــى هللا ثــم رســوله صــى‬‫يســبقه أحــد مــن العلمــاء والمفكريــن ف� قــول ش�ء كهــذا‪ ،‬لكــن يقـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫هللا عليــه وســلم كان كبـ يـرا‪ ،‬وبأســس انتصبــت بعــد طلــب والــده ي� عــدم إحراجــه أمــام الرســول صــى هللا عليــه‬
‫وســلم‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫مس�ته‪:‬‬ ‫ف‬
‫وأصبح الرسول صىل هللا عليه وسلم منارة ترشد إقبال ي� ي‬

‫شعر‬

‫فيامن هب للمحبوب يدعو‬


‫وأيقظ صدق غريته الوفاء‬
‫سرتفع قدرك األقدار حىت‬
‫تشاهد أن ساعدك القضاء‬
‫وقيل كل احتمك دنيا وأخرى‬
‫وشأنك واخللود كام تشاء‬
‫ين‬
‫السياسي�»‪:‬‬ ‫ينصح إبليس قومه بقوله « ما يقوله إبليس هو اسم ابنائكم‬

‫وذلمك الصبور عىل الرزااي‬


‫ومن هو ابملنااي ال يبايل‬
‫فروح محمد منه اسلبوه‬
‫لتعمل فيه أحداث الليايل‬
‫ممــا يعنيــه إقبــال ف� شــعره هــو اإلخبــار أن آخــر حيلــة إلبليــس ســتكون بقطــع العالقــة بـ ي ن‬
‫ـ� المســلم والرســول‬ ‫ي‬
‫الكريــم صــى هللا عليــه وســلم‪.‬‬

‫ح� أنه وصل ف ي� أقواله إىل هذا الحد‪:‬‬


‫ت‬

‫عليك أن تصل بنفسك إىل النيب فإنه ادلين لكه‬


‫فإن مل تصل إليه فلك هذا يعد من أعامل أيب لهب‬
‫مــن أســس دينكــم أن تتقربــوا مــن الرســول صــى هللا عليــه وســلم‪ ،‬إذا لــم تســتطيعوا أن تنالــوا محبتــه بأعمالكــم‬
‫فمــا تفعلونــه محــض هـراء‪.‬‬

‫�ء مــا ليالحقــه‪،‬‬ ‫ش‬ ‫ن‬


‫ـا�‪ ،‬فحيــاة اإلنســان ومســؤولياته ومــا تعطيــه الدنيــا كلهــا تديــره خلــف ىق ي‬
‫لهــذا األمــر جانــب روحـ ي‬
‫وحيــاة المســلم أساســها اتبــاع هللا ورســوله صــى هللا عليــه وســلم وأن يتقــرب منهمــا فــا يب ـ بينهمــا وبينــه‬
‫ف‬
‫حجــاب‪ ،‬ولكــن مســؤولية كل شــخص ي� هــذه الحيــاة تختلــف‪ ،‬فأحدهــم يكــون نابغــة وآخــر يكــون جـ نـراال‬
‫وثالــث يكــون ملــكا‪ ،‬وقــد جعــل نــور محمــد مــن أســاس حيــاة ابنــه إقبــال روحــا لإلســام‪.‬‬

‫‪30‬‬
31
‫كانــت والــدة إقبــال ام ـرأة متصوفــة عاملــة‪ ،‬وكان مــن شــدة تصوفهــا أنهــا شــكت مــرة أن زوجهــا مالــه ح ـرام‪ ،‬إذ‬
‫ف‬
‫كان يعمــل ي� خياطــة المالبــس وتحــت ظــل العمــل مــع اإلنجلـ ي زـر فذلــك المــال مشــكوك بــه‪ ،‬كان إقبــال طفــا ال‬
‫يفقــه شــيئا آنــذاك‪ .‬توقفــت أمــه عــن إطعامــه مــن البيــت وفطمتــه وباعــت ذهبهــا لتشـ تـري ماعـزا فتسـق ي حليبهــا‬
‫ف‬
‫لطفلهــا حـ تـى ال يــأكل مــن مــال يشــك بــه‪ ،‬ثــم علمهــا والــده أن مالــه حــال ممــا جعــل أمــه ترتــاح واســتمرت ي�‬
‫إطعــام إقبــال مــن مــال والــده‪.‬‬

‫____________________‬
‫رأى إقبــال العالــم كلــه‪ ،‬وراقــب المجتمــع واألخــاق والثقافــة‪ ،‬ولكــن ت‬
‫ال�بيــة الـ ت يـى تلقاهــا كانــت ثابتــة راســخة‬
‫ف‬ ‫ت‬
‫ـر� ونظامــه ي� السياســة الجغرافيــة لذلــك الوقــت أو المعيشــة أو الحيــاة‬ ‫حــى لــم يتســمم يومــا بالمجتمــع الغـ ب ي‬
‫ـر� عــى الفطــرة منــذ أول‬‫االجتماعيــة؛ فعــاش حياتــه كلهــا يتحــدث بنعومــة ولباقــة وقلــب أبيــض وطهــور‪ ،‬إذ تـ ب ي‬
‫خطواتــه‪.‬‬
‫ف‬
‫كان إقبــال متعلقــا بالرســول صــى هللا عليــه وســلم بشــكل ال يمكــن تصــوره‪ ،‬فكانــت الدمــوع تتجمــع ي� مآقيــه‬
‫إذا ذكــر اســمه صــى هللا عليــه وســلم‪ ،‬عندمــا ذهــب ألوروبــا ليكمــل تعليمــه فلمــا مــر باليمــن تقابلــت عينــاه‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫بــاألرا�ض ي العربيــة‪ ،‬وقــد عـ بـر عــن مشــاعره المرهفــة ي� تلــك اللحظــة ي� كلمــات جميلــة الحقــا ممــا معناهــا ليــت‬
‫روح تكــون ف� تلــك ت‬
‫ال�بــة الـ ت يـى وطأتهــا قــدم رســولنا صــى هللا عليــه وســلم ذات مــرة‪ ،‬وتطـ يـر بهــا الريــاح‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬

‫____________________‬

‫مــن جعــل مــن إقبــال إقبــاال؟ لســنا نحــن مــن نتفــوه بهــذا الســؤال فقــط‪ ،‬بــل فكــر بــه بعــض النابغـ ي ن‬
‫ـ� مــن قبــل‪،‬‬
‫وقــد أجــاب أ كـ بـر عــن هــذا الســؤال فقــال‪:‬‬

‫ومن ادلليل عىل صالح الوادلي‬


‫ـــن وأهنم من معرش أبــــر ِار‬

‫أن أجنبوا من اكن لك مهومه‬


‫األخــــــــيار‬
‫ِ‬ ‫مه ألمة �سيد‬

‫قد اكن هذا ظاهرا يف حرفــــــــه‬


‫إن ما حتدث عامل األســــــرار‬

‫فأحبه لك اخلالئق حــــوهل‬


‫أحضوا هل أرسى بال إرص ِار‬
‫____________________‬
‫‪32‬‬
‫ال� كتبها إقبال مدحا وحبا ف ي� الرسول صىل هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫ت‬
‫ومن ضمن األشعار ي‬

‫هو �سيد األ�شياء‬


‫هو خامت الرسل‬
‫هو شعةل الساري‬
‫يف هذه ال�سبل‬
‫هو مركب من نور‬
‫مييش أمام الركب‬
‫أعطى جنون الطور‬
‫لغبار هذا ادلرب‬
‫هو أول امليدان‬
‫هو آخر ادلرب‬
‫يف أعني السكران‬
‫من نشوة احلب‬
‫هو رمحة القرآن‬
‫للناس أعطاها‬
‫هو �سيدي ايسني‬
‫هو ماليك طه‬
‫____________________‬

‫وصلــت محبــة إقبــال للرســول إىل درجــة كبـ يـرة‪ ،‬بحيــث أن رئيســا نــاداه ذات مــرة ليشــاوره‪ ،‬ولمــا وصــل إقبــال‬
‫لبيتــه أجلســه الرجــل ف� أجمــل غرفــة‪ ،‬ولمــا ذهــب إقبــال للنــوم فكــر أن مثــل هــذه النعمــة تعــى لنــا ف� حـ ي ن‬
‫ـ�‬
‫ف‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ي‬
‫قـ ضـى الرســول صــى هللا عليــه وســلم حياتــه ي� فقــر‪ ،‬ولمــا فكــر هكــذا غــادر النــوم إقبــاال ولــم يجــده ممكنــا ي�‬
‫تلــك الغرفــة‪ ،‬فأخــذ لحافــه وفراشــه للمغســلة وقـ ضـى ليلتــه هنــاك عــى األرض‪.‬‬
‫ف‬ ‫وقد ذكر إقبال ألصدقائه أنه ال ن‬
‫تو� الرسول‬
‫يعيش أطول مما عاش محمد صىل هللا عليه وسلم‪ ،‬ي‬ ‫يتم� أن‬
‫ف‬
‫وتو� إقبال بعمر يقارب ذلك‪.‬‬ ‫ين‬
‫ي‬ ‫وست� سنة‬ ‫صىل هللا عليه وسلم بثالث‬

‫‪33‬‬
‫ف‬
‫كان عشــق محمــد صــى هللا عليــه وســلم يجــري ي� دمــاء إقبــال‪ ،‬عــاش مــن‬
‫تطــاول عــى الرســول صــى هللا عليــه وســلم جحيمــا بســبب مجاهديــن‬
‫ـ� أحدهمــا عبــد القيــوم واآلخــر علــم ديــن شــهيد‪ ،‬وقــد كتــب إقبــال‬ ‫اثنـ ي ن‬
‫ف� بســالتهما بضــع أشــعار‪ ،‬جــاء النــاس إلقبــال يطالبونــه أن يقنــع االثنـ يـ�ن‬
‫ي‬
‫ـ� كانــا يســعيان‬ ‫بالعــودة عــن كالمهمــا‪ ،‬لكــن إقبــال منعهــم بحجــة أن االثنـ ي ن‬
‫نج�هم عىل الكذب لينجوا بحياتهم؟ قال المجاهد‬ ‫خلف الشهادة فلم ب‬
‫ن‬
‫علــم الديــن عــن الشــهيد بالبنجابيــة»‪ »-----‬ممــا يعـ يـى أن ابــن الخشــاب‬
‫ربـ ــح اللعبــة بينمــا جلســنا نحــن مشـ ي ن‬
‫ـغول� بالحديــث‪.‬‬

‫____________________‬
‫غازي علم دين شهيد‬
‫ـوح كان‬ ‫ز‬
‫نســأل بروفيســور إنجلـ يـري إقبــاال ذات مــرة إذا مــا كان يصــدق أن الـ ي‬
‫يـ زـرل عــى رســول هللا صــى هللا عليــه وســلم مذك ـرا إيــاه أنــه عالــم نابغــة‪،‬‬
‫ـوح عــى الرســول صــى هللا عليــه وســلم‪ ،‬عندمــا أفكــر‬ ‫وأجابــه إقبــال أن نعــم فكمــا اســتلهم الشــعر‪ ،‬أنــزل الـ ي‬
‫باألمــر وعندمــا أجــرب االســتلهام فــا ســبيل يل إال أن أصــدق أن القــرآن كان يـ ن زـرل عــى الرســول صــى هللا عليــه‬
‫ال�وفيســور مشــدوها‪.‬‬ ‫ف‬
‫وســلم بشــكل مشــابه‪ ،‬وليثبــت ذلــك قـرأ إقبــال شــعرا اســتلهمه ي� اللحظــة ذاتهــا‪ ،‬ووقــف ب‬

‫عندما سؤل عن سبب فعله لذلك أجاب باألبيات التالية‪:‬‬

‫صدى من هذا اذلي خرج عىل شفاه إقبال‬


‫وأوصل رساةل السكون أو جعل قلب احملفل قلقا؟‬
‫ف‬ ‫لوالــدي إقبــال والقــرآن والرســول صــى اللهعليــه وســلم وبيئتــه ن ز‬
‫الم�ليــة وأســاتذته أثــر كبـ يـر ي� تكويــن شــخصية‬
‫ف‬
‫إقبــال‪ ،‬كان مولــوي مـ يـر حســن أحــد أ كـ بـر األســماء المؤثــرة أيضــا‪ ،‬تبعــا للتقاليــد فقــد انضــم إقبــال ي� مكتــب‬
‫كبدايــة‪ ،‬لكــن مولــوي مـ يـر حســن أخــذه مــن هنــاك وأرســله لمدرســته‪ ،‬قامــت عالقــة قويــة وحــب عميــق بـ ي ن‬
‫ـ�‬
‫إقبــال وأســتاذه عالــم الديــن المتصــوف بنيــت عــى التفقــه واألدب واالحـ تـرام‪ ،‬بعــد أن خــرج إقبــال إلكمــال‬
‫ف‬ ‫بف�ة طويلة‪ ،‬كان يوما ش‬ ‫تعليمه وغدا عالما وبروفيســورا ثم عاد لوطنه ت‬
‫ي�ب أرجيلته ي� الســوق ورأى مولوي‬
‫مـ يـر حســن يمــر مــن أمامــه‪ ،‬أرسع إقبــال آنــذاك لمســاعدته حـ تـى أنــه فقــد حذائــه بســبب عجلتــه ورآه الجميــع‬
‫يالحــق أســتاذه أينمــا ذهــب وأحــدى قدميــه عاريــة‪ ،‬أكمــل إقبــال سـ يـره مــع أســتاذه بهــذا الشــكل حـ تـى أوصلــه‬
‫لبيتــه‪.‬‬

‫إن األدب أول دليل من دالئل احملبة‬


‫ف‬
‫كان األدب هو العمود الراسخ ي� حياة إقبال‪ ،‬أدبه مع الرسول صىل هللا عليه وسلم ومع القرآن ومع والديه‬
‫اح�امه عزة نفسه وكرامته‪.‬‬ ‫وأساتذته ودينه وخصوصا ت‬

‫____________________‬

‫ـ� نفســه المريــد الهنــدي‬ ‫ـروم‪ ،‬فــكان إقبــال يسـ ي‬


‫وهنــاك أســماء أخــرى ذات تأثـ يـر كبـ يـر منهــا جــال الديــن الـ ي‬
‫ت‬ ‫ـ� االثنـ ي ن‬
‫ـ� عالقــة روحانيــة رغــم القــرون الـ يـى تفصلهمــا عــن‬ ‫ويســ� جــال الديــن بالمرشــد الــروم‪ .‬ربطــت بـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫‪34‬‬
‫معلم العالمة إقبال‪ ،‬مولوي مير حسن‬

‫ف‬
‫ـروم ي�‬
‫لعالمــة إقبــال بجانــب قـ بـر جــال الديــن الـ ي‬ ‫بعضهمــا البعــض‪ ،‬واليــوم يشــهد عــى ذلــك بنــاء قـ بـر رمــزي‬
‫اح�اما له بنينا له بق�ا هنا لعالقته الروحية بجالل‬ ‫ـتا�» ت‬ ‫ن‬
‫الق� « شــاعر الملة الباكسـ ي‬ ‫تركيا‪ ،‬وكتب عىل شــاهد ب‬
‫ـروم‪.‬‬
‫الديــن الـ ي‬
‫الروم‪:‬‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫ال� كتبها إقبال ي� مدح جالل الدين‬
‫من يب� األشعار ي‬

‫صري الرويم طيين جوهرا‬


‫من غباري شاد كوان آخرا‬
‫ممــا يعنيــه الشــعر أن مرشــد الــروم هــو نفــس حكيمــة طاهــرة عرفــت أرسار الحيــاة والمــوت‪ ،‬وتعلمــت الحقيقــة‬
‫ـاص الحيــاة وأدناهــا‪ ،‬جعــل هــذا المرشــد مــن طينـ ت يـى إكسـ يـرا‪.‬‬
‫خلــف أقـ ي‬

‫‪35‬‬
‫جعل إقبال تعلقه بجالل الدين واضحا للعيان‪.‬‬

‫الســبب خلــف تعلــق قلبــك ببعــض النــاس هــو لتشــابهكم‪ ،‬يقــول مثــل إنجلـ ي زـري‪ « :‬الطيــور المتشــابهة تحلــق‬
‫ســوية» ممــا يعـ نـى أن النــاس المتشـ ي ن‬
‫ـابه� ذوي التفكـ يـر نفســه تربطهــم رابطــة‪ ،‬وغالبــا مــا تكــون هــذه الرابطــة‬ ‫ي‬
‫علميــة أو روحانيــة‪.‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ـام‬
‫ولمجــدد األلــف الثانيــة أيضــا أثــر بــارز ي� حيــاة إقبــال وقــد ذكــره إقبــال ي� كالمــه ولقبــه بحافــظ الديــن وحـ ي‬
‫اإلســام‪ ،‬وقــد زار قـ بـره أيضــا برفقــة ابنــه وق ـرأ الفاتحــة عنــده‪.‬‬
‫ف‬
‫ويل ـىق الســيد نظــام الديــن أوليــاء حبــا مــن إقبــال وتذكــر بســالته وعقيدتــه ي� حديثــه كثـ يـرا‪ ،‬عندمــا هــم إقبــال‬
‫بمغــادرة البــاد إلكمــال تعليمــه فقــد زار قبــورا أشــخاص عديديــن كان قـ بـر نظــام الديــن أوليــاء مــن ضمنهــم‪ ،‬وقــد‬
‫وضــح إقبــال حبــه لنظــام الديــن أوليــاء ف ي� كلمــات جميلــة وبأســلوب غـ يـر متكلــف‪ ،‬وقــد قـرأ إقبــال عنــد قـ بـره‪:‬‬

‫وليكن مقايم سامقا بني زمالء سفري إىل هذا احلد‬


‫اذلي تعتربين القافةل مزنلها املقصود‬
‫المسلم�‪ ،‬وكتب ف ي� أثره‪:‬‬
‫ين‬ ‫ين‬
‫الصالح� تأثر إقبال بالسلطان تيبو من المجاهدين‬ ‫ين‬
‫وب� هؤالء‬

‫‪36‬‬
‫ال يليق الوجود هذا حبر‬
‫رسه ي�شتيك وجودك ذااك‬
‫مل جيد ها هنا من املوت بدا‬
‫أو مفرا من احلياة هناك‬
‫ـر� عــن قــرب‪ ،‬وجــاب أوروبــا كلهــا فـرأى ثقافتهــم وحضارتهــم ولكنــه آثــر البقــاء بعيــدا‬
‫المجتمــع الغـ ب ي‬ ‫راقــب إقبــال‬
‫ت‬ ‫ش‬ ‫ف‬
‫عــن الشــوائب ي� مجتمعهــم‪ ،‬فلــم يــرب الخمــر ولــم يقــرف جريمــة يومــا رغــم مكوثــه الطويــل تحــت ظلهــم‪،‬‬
‫ـ� الـ شـرق والغــرب وحللهــا كمــا قــد يفعــل شــخص خبـ يـر بفضــل مــن هللا‪ ،‬فبمشــاهدته الغــرب‬ ‫شــاهد الفــرق بـ ي ن‬
‫عــرف نقــاط ضعفــه وســار ليخطــر األمــة المســلمة ويوقظهــا مــن ســباتها‪.‬‬

‫‪37‬‬
38
‫الفصل الرابع‬

‫‪AA‬‬

‫إقبال كالبحر ال يدرى عمق مائه‬

‫ـلم� يواجهــون‬ ‫ـ� ذاك الزمــان والزمــن الــذي نعيشــه اآلن ف� بدايــة القــرن ش‬
‫الع�يــن‪ ،‬سـ نـرى أن المسـ ي ن‬ ‫إذا قارنــا بـ ي ن‬
‫ي‬
‫ش‬
‫مصاعــب بشــكل مشــابه لمــا ســبق‪ ،‬اليــوم يتلــون العالــم بألــوان جديــدة أيضــا‪ ،‬اليــوم يبـ نـى �ق أوســط عظيــم‬
‫أيضــا‪ ،‬ولباكســتان دور فيمــا يجــري‪ .‬كل الــدول اإلســامية مــن آســيا الوســى وحـ تـى الـ شـرق األوســط تتعــرض‬
‫لتغيـ يـرات هائلــة‪ ،‬بــدأ المســلمون يتناحــرون فيمــا بينهــم عــى أســس عصبيــة ولغويــة ومذهبيــة‪ ،‬اليــوم أيضــا‬
‫�ض‬ ‫ف‬
‫ـ�‪ ،‬وال يوجــد عالــم أو‬‫يفقــد المســلمون مــن يقودهــم‪ ،‬وسياســتهم ي� فــو وأراضيهــم مســتنقع حــرب ال تنتـ ي‬
‫فيلســوف ليخرجهــم مــن هــذه الحــال‪.‬‬

‫ه الحل‬ ‫ت‬ ‫�ض‬ ‫ث‬


‫ال� أوصلها إقبال قبل ‪ 20‬أو ‪ 30‬ســنة ي‬ ‫كلمات إقبال تعارصنا اآلن أك� من أي وقت م ‪ ،‬الرســالة ي‬
‫لشــباب اليــوم‪ .‬هنــاك حكايــة واقعيــة بمناســبة كالمنــا هــذا‪ ،‬إذ جــاء شــاب مــن مــر لمقابلــة إقبــال‪ ،‬فلمــا تعارفــا‬
‫ف‬
‫ضحــك إقبــال قائــا أن مســتقبل هــؤالء الشــباب ي� قبضــة يــده‪ ،‬كان إقبــال يتوقــع أن كلماتــه ســتكون مرشــدا‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫للشباب يوما ما‪ ،‬وستلعب دورا أساسيا ي� إحياء األمة من جديد‪ ،‬وطالما بقيت األمة غافلة ي� سباتها ظلت‬
‫مهمــة إقبــال غـ يـر مكتملــة‪ .‬إن شــاء هللا‪.‬‬

‫____________________‬

‫‪39‬‬
40
41
‫كلــف هللا القائــد األعظــم محمــد عـ يـ� جنــاح بمهمــة كبـ يـرة‪ ،‬ولهــذا فإنــه يصعــب تحــدي مصداقياتــه وأمانتــه‬
‫ـا� المســتقبل‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫ووقــاره‪ ،‬لــم يكــن منافقــا وال بائعــا لألمــة‪ ،‬وكان لعالمــة إقبــال أيضــا هــذه الصفــات الـ يـى يحتاجهــا بـ ي‬
‫النصائــح الـ ت يـى أعطاهــا إقبــال لقومــه والشــخصية الـ ت يـى أراد لقومــه رؤيتهــا تمثلــت فيــه أيضــا‪ ،‬عندمــا طلــب‬
‫ف‬
‫أحدهــم نصيحــة مــن إقبــال ذات مجلــس‪ ،‬قـرأ لــه إقبــال بضعــة أشــعار جميلــة يتلخــص مفهومهــا ي� أن الحيــاة‬
‫ف‬
‫ي� هــذا العالــم خيــار جميــل‪ ،‬وأن علينــا أن نعيشــها بمثاليــة حـ تـى إذا جــاء موتنــا كان ذلــك مبعثــة للغــم لمغــادرة‬
‫كب�ين ليقول هذا‪ ،‬وأن يح�ظ بإيمان عميق راســخ باهلل‪.‬‬ ‫ليق� ورجاء ي‬ ‫روح جميلة لهذا العالم‪ ،‬يحتاج المرء ي ن‬

‫ف‬
‫نؤمــر ي� هــذا الشــعر بالوصــول ألقــى مــا يمكــن مــن مثاليــة وكمــال لدرجــة أن يحبنــا العالــم كلــه‪ ،‬كان يقــال لنــا أن‬
‫نعيش الحياة بشــكل يجعل كل شــخص يرجو لقاءنا وإذا متنا بىك لفراقنا‪ ،‬هذا ملخص لحياة العالمة إقبال‪.‬‬

‫____________________‬

‫بت�يفــه بلقــب «سـ يـر»‪ ،‬اعـ تـرض بعــض مــن النــاس بحجــة أن هــذه‬ ‫عــام ‪23-1922‬م تل ـىق إقبــال خطابــا ش‬
‫بت�يفهــم كذلــك بلقــب «سـ يـر» مــن‬ ‫ـلم�‪ ،‬وهــم بنفســهم تلقــوا خطابــا ش‬
‫رســالة تبيــع حريــة وعــزة وكرامــة المسـ ي ن‬
‫ز‬ ‫ف‬
‫اإلنجلـ ي زـر‪ ،‬دىع أصدقــاء إقبــال ي� الهــور إقبــاال لالحتفــال‪ ،‬عندمــا وصــل إقبــال هنــاك وجــد أن العمــدة اإلنجلـ يـري‬
‫ت�يــف إقبــال بلقــب سـ يـر‪ ،‬وضــح إقبــال أن اللقــب لــن يمنعــه مــن قــول‬ ‫كان مدعــوا أيضــا‪ ،‬ف� ذلــك الوقــت تــم ش‬
‫ي‬
‫الحقيقــة ومــن ظــن ذلــك فهــذا ليــس خطــأه‪ .‬وإذا كانــت الحكومــة قــد ش�فتــه بهــذا اللقــب فذلــك بســبب خدماتــه‬
‫ف‬
‫العلميــة‪ ،‬وليــس ألنــه ســيصبح عامــا لهــم أو يقتــدي بهــم أو يرجــو رضاهــم‪ .‬ي� ذلــك المجلــس قـرأ إقبــال شــعره‬
‫ت�يفــه بلقــب سـ يـر‪ ،‬ســيكون‬ ‫ال�قيــة» والــذي ســندرجه هنــا‪ .‬وبق ـراءة شــعر كهــذا بعــد ش‬ ‫الجميــل « الرســالة ش‬
‫اتهامــه بالعمالــة لــدى اإلنجلـ ي زـري أو العمــل بنــاء عــى كالمهــم باطــا وظلمــا وبــهتانــا ومســتحيال‪.‬‬

‫إن خفوت ضوء النجوم دليل الصباح املنري‬


‫وطلوع الشمس من األفق‪ ،‬ومىض عهد النوم العميق‬
‫وجراين دماء احلياة يف عروق الرشق امليتة‬
‫فال ميكن البن سينا والفارايب فهم هذا الرس‬
‫قد جعل طوفان املغرب من املسمل مسلام حقيقيا‬
‫فتالطم موج البحر هو اذلي يروي اللؤلؤ‬
‫و�سمينح هللا املؤمن مرة أخرى‬
‫عز الرتيك والهندي وبيان العريب‬
‫ف� هــذا الشــعر الجميــل كجمــال الــروم اسـ ش‬
‫ـتب� إقبــال بمســتقبل جميــل للمسـ ي ن‬
‫ـلم� يســتعيدون فيــه كرامتهــم‬ ‫ي‬
‫وهيبتهــم كمــا كانــوا ذات يــوم‪.‬‬

‫____________________‬

‫‪42‬‬
‫ذات مــرة أرســل الســيد سـ يـر أ كـ بـر حيــدري الــذي كان ي ـرأس‬
‫حيــدر أبــاد شــيكا بقيمــة ألــف روبيــة إلقبــال‪ ،‬لكــن إقبــال فهــم‬
‫مــن رســالته أنــه يتحســن عليــه‪ ،‬فحفظــا لكرامتــه لــم يقبــل‬
‫الشــيك وأعــاده لصاحبــه‪ .‬كتــب إقبــال شــعرا عــن موقفــه‬
‫ذاك‪:‬‬

‫«كرامة الفقير ال تتحمل أن تعطى له صدقة أو‬


‫حسنة‪».‬‬

‫لم يكن إقبال يعرف الفقر بالحاجة والمال‪ ،‬بل كان يعرفها‬
‫ف‬
‫ـ� بصــورة روحانيــة شــاملة‪ ،‬بــل حـ تـى أنــه ذكــر ي�‬ ‫للمؤمنـ ي ن‬
‫إحــدى أشــعاره أنــه ال يــرى التصــوف انعدامــا‪ ،‬بــل التصــوف‬
‫هــو عــدم الحاجــة للعالــم‪ ،‬واإليفــاء بالوعــد‪ ،‬وحـ تـى إن جــاب‬
‫العالــم كلــه فإنــه ســيعيش حياتــه شــجاعا صامــدا تحــت كل‬
‫ف‬
‫ظــرف‪ ،‬ولكنــه لــن يعيــش حياتــه بــا معـ نـى‪ .‬ممــا يدخــل ي�‬
‫ال�بة وليست ألما للقلب» إذ أن إقباال‬ ‫القول « الدنيا مثل ت‬
‫ف‬
‫يــرى أن التصــوف يكمــن ي� ذاك الــذي يــرى الدنيــا تربــة وال‬
‫يـ تـرك لهــا أثـرا ف ي� قلبــه‪.‬‬

‫____________________‬
‫السر أكبر حيدري‬

‫‪43‬‬
44
‫الفصل اخلامس‬

‫‪AA‬‬

‫إن أكمام شيوخ الحرم ليست اليد البيضاء لموسى‬

‫ـمالي� لمائــة ســنة حـ تـى أوائــل القــرن ش‬


‫الع�يــن‪ ،‬اندثــرت‬ ‫اكي� والرأسـ ي ن‬‫ـو� تحــت ظــل االشـ تـر ي ن‬‫ت‬
‫ـتمر الح فكــم الطاغـ ي‬ ‫اسـ‬
‫ت‬
‫ـوفيي� وتدمــر بنهايــة الحــرب البــاردة‪.‬‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ـاد‬
‫ـ‬ ‫ح‬ ‫االت‬ ‫ـكك‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫وت‬ ‫ـن‬
‫ـ‬ ‫االشـ تـراكية � ختــام القــرن ش‬
‫الع�‬
‫ي‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ش‬ ‫ف‬
‫والع�يــن‪ ،‬لكنهــم ســيواجهون عــدة مشــاكل‬ ‫لقــد أرادوا بنــاء عــرش جديــد لهــم مــرة أخــرى ي� القــرن الواحــد‬
‫ف‬
‫بمواجهــة العالــم اآلن‪ ،‬فقــد قدمــوا االشـ تـراكية والرأســمالية للعالــم ي� صــورة نظريــات مــن قبــل والـ ت يـى كانــت‬
‫ـ� ال ديــن لهمــا لكنهمــا تتعارضــان مــع األخالقيــات‬ ‫تتعــارض مــع الحريــة و الجمهوريــة‪ ،‬كلتاهمــا كانــت فكرتـ ي ن‬
‫«العيســائية»‬

‫أمــا اآلن فمــا يهــدد الحكــم الجمهــوري المدعــوم مــن الصهاينــة هــو اإلســام بــدال عــن فكــرة ال ديــن لهــا كمــا كانــت‬
‫االشـ تـراكية‪ ،‬حيث أصبح لإلســام قوة عســكرية اآلن‪ ،‬فقد أصبحت باكســتان من الدول النووية ما قد يعرضهم‬
‫للخطــر إن اســتمدت الــدول اإلســامية األخــرى المســاعدة الباكســتانية إلنشــاء نــووي خــاص بهــم بدورهــم‪ .‬يعــد‬
‫ف‬
‫اإلســام الديــن األرسع واأل كـ ثـر انتشــارا ي� أمريــكا وأوروبــا أيضــا‪ ،‬كمــا أن لإلســام مفاهيــم روحانيــة وسياســية‬
‫ـاه المفاهيــم الجمهوريــة و ال ـرأس ماليــة والشــيوعية واالشـ تـراكية‪ ،‬ويثبــت تاريخنــا‬ ‫واجتماعيــة واقتصاديــة تضـ ي‬
‫ف‬ ‫ن‬
‫ـلم� امتلكــوا قــوى عســكرية جبــارة مــن قبــل‪ ،‬األمــر الــذي أثــار الرعــب ي�‬ ‫العريــق أللــف وأربعمائــة ســنة أن المسـ ي‬
‫ـو�؟ وكان الحــل الــذي‬ ‫قلــوب أعدائنــا‪ .‬إذا اتحــد المســلمون تحــت رايــة واحــدة فــإىل مـ تـى سيســتمر الحكــم الصهيـ ن‬
‫ي‬
‫ـلم� سياســيا وعســكريا وفكريــا لســد العاصفــة القادمــة مــن هــذا البــاب‪.‬‬ ‫وجــدوه هــو التضييــق عــى المسـ ي ن‬

‫‪45‬‬
‫وألنهم لن يســتطيعوا اإلتيان بمثل اإلســام فكرا‪ ،‬كان حلهم أن يجعلوا العالم كله تحت ســيطرة حكم واحد‪.‬‬
‫ف‬ ‫ويمثــل الحكــم العالــ� الجديــد حكومــة عالميــة واحــدة‪ ،‬فبعــد أن تـ ش‬
‫ـا� الفكــر المعــادي الــذي نشــأ ي� بدايــة‬ ‫ي‬
‫الع�يــن بـق ي اإلســام وحــده واقفــا ف ي� طريقهــم‪ ،‬ولهــذا الســبب يرونــه التهديــد األخطــر‪.‬‬
‫القــرن ش‬

‫ين‬
‫المسلم�‬ ‫الفعل‪ ،‬وقد أعطانا الحل لها أيضا‪ ،‬ونبه‬ ‫توقع إقبال انتشار هذه ت ن‬
‫الف� قبل مائة سنة من الحدث‬
‫ي‬
‫ين‬
‫أسمالي� سيتواجهون مستقبال‪.‬‬ ‫ين‬
‫الشيوعي� والر‬ ‫أن‬

‫____________________‬
‫ف‬ ‫تفـ شـى أثــر انقــاب الرأسـ ي ن‬
‫ـمالي� عــى الــروس ي� العالــم كلــه‪ ،‬وصــار النــاس يقولــون إذا أردت أن تعلــن انقالبــا‬
‫ف‬
‫فتعلــم مــن االنقــاب ي� روســيا‪ ،‬إذا قامــت مــن بعــده أنظمــة بقيــادة بيديهــا الوســائل لتنـ شـر المســاواة بــدال عــن‬
‫الرأســمالية‪.‬‬

‫شــاهد إقبــال هــذه العاصفــة بانتبــاه وتركـ ي زـر شــديدين‪ ،‬وخاطــب النــاس متأث ـرا بانقالبهــم فقــال حكمــا كثـ يـرة‪،‬‬
‫ـ� االشـ تـراكية والرأســمالية ف ي� األبيــات التاليــة‪:‬‬
‫وقــارن إقبــال بـ ي ن‬

‫إن سري القضاء جد جعيب‬


‫أي رس حوى مضري الزمان‬
‫ليس يألو الصليب رسا قبيل‬
‫اكن يرجو النجاة ابلصلبان‬
‫ش‬ ‫ش‬
‫الــرح‪ :‬تنشــأ بــاد وأفـ فـكار جديــدة كلمــا تقســم النــاس ألقــوام مختلفــة وينتــج عــن ذلــك تـ ي‬
‫ـا� واندثــار أقــوام‬
‫أخــرى‪ .‬ومــا ن ـراه اليــوم ي� الــروس ال بــد لــه مــن ســبب‪.‬‬

‫____________________‬

‫«إن اليوم الذي سيكشف لنا أسرار نشوء االشتراكية والرأسمالية يقترب شيئا فشيئا‪».‬‬
‫ف‬
‫ه نظــام الحكــم ي� العالــم ســابقا‪ ،‬ثــم ألبســوها رداء الجمهوريــة واليــوم ترتــدي الرأســمالية ثــوب‬
‫ـت الممالــك ي‬ ‫كانـ‬
‫ت‬
‫ـأ� ذلــك اليــوم‪.‬‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫االشــراكية‪ ،‬وتســتمر هــذه المرسحيــة لتقســيم العالــم بينهــم حــى يـ ي‬

‫____________________‬

‫ـ� االشـ تـراكية والرأســمالية والثــورة‬


‫يخاطــب إقبــال الرجــل المســلم فيقــول لــه‪ :‬انظــر! ال يغرنــك القتــال بـ ي ن‬
‫البلشــفية‪ ،‬تعلــم القــرآن وافهــم منــه‪ ،‬وتعلــم سـ يـرة الرســول صلعليــه وســلم وســنته‪ ،‬ليجعلكــم هللا أشــخاصا‬
‫مجتهديــن ويرزقكــم الفهــم والفراســة لتدركــوا الحقائــق‪.‬‬

‫____________________‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫يبـىق المــال بأيــدي محــدودة ي� الــدول الرأســمالية بينمــا يكــون المــال كلــه للحكومــة ي� الــدول االشـ تـراكية‪ ،‬بينمــا‬
‫ف‬
‫فيخ�نــا أنــا مالنــا لنــا نرصفــه ونقســمه أينمــا نشــاء‬
‫ب‬ ‫ينــص القــرآن قوانينــه االقتصاديــة ي� اآليــة « قــل العفــو»‬
‫‪46‬‬
‫ف ي� ســبيل هللا‪ ،‬يعطيــك اإلســام القــدرة عــى االحتفــاظ بمالــك ويحثــك عــى عــدم االسـ ت زـرادة عــن حاجتــك‪.‬‬
‫ـى للــذات‪ ،‬وال رأســماليا حيــث يجمــع النــاس خزائنــا كقــارون فــا‬ ‫هــذا الفكــر ليــس اشـ تـراكيا حيــث ال يوجــد شـ ي ئ‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫يرصفونهــا ي� ســبيل هللا‪ .‬ووضــح إقبــال ي� أبياتــه أن الوقــت قــد جــاء لينفــذ نظــام اإلســام االقتصــادي بــدال عــن‬
‫االشـ تـراكية والرأســمالية‪.‬‬

‫____________________‬

‫وإذا شئت نظام العامل‬


‫فليكن فوق األساس احملمك‬
‫ت‬ ‫ش‬
‫أسمال؟ وأي عقيدة ينص عليها؟‬
‫ي‬ ‫ال�ح‪ :‬عالم يستند حكمكم االش� ي‬
‫اك أو الر‬

‫____________________‬

‫ومن التارخي متحو لك ابب‬


‫فاقبس األنوار من أم الكتاب‬
‫الـ شـرح‪ :‬ابحــث بـ ي ن‬
‫ـ� الحكايــا القديمــة المتعفنــة فصــا فصــا‪ ،‬لكــن االنســان اســتلهم بهــذا الفكــر قبلهــا بقــرون‪.‬‬
‫عــد إىل «أم الكتــاب» إن أردت أن تعــرف الحقيقــة‪ ،‬وســينور فكــرك بكلماتــه‪.‬‬

‫ـروس بشــدة فجعــل منهمــا نكتــة‪ ،‬فقــال أنتــم تعلنــون انقالبــا‪،‬‬


‫ي‬ ‫ســخر إقبــال مــن الجمهوريــة الغربيــة واالنقــاب الـ‬
‫ف‬
‫لكنكــم ي� الحقيقــة تســتغلون النــاس وتخدعونهــم كمــا ألبســتم اســتبداد الحكومــات الغربيــة ثــوب الجمهوريــة‬
‫ـاط� الظلــم واالســتبداد للفـرار بجرائمهــم‪،‬‬ ‫وســميتم ذلــك حريــة‪ ،‬تحــدث إقبــال عــن ذلــك فقــال أن هــذه أحــد أسـ ي ن‬
‫ولكنكــم حم ـىق تظنــون الجمهوريــة جــاءت لتمنحكــم الحريــة‪ ،‬وتنبــه النــاس بعــد ذلــك أن الحربـ ي ن‬
‫ـ� العالميتـ ي ن‬
‫ـ�‬
‫خرجــت بعـ شـرة مليــون شــخص عــى األقــل يكســب مــن خلــف الجمهوريــة أو االشـ تـراكية وأصبــح بقيــة البـ شـر عبيــدا‪.‬‬

‫____________________‬

‫كتب إقبال بعد ذلك عن مجلس شورى إبليس لتجري مناقشة رهيبة ت ن‬
‫تف� العقول‪.‬‬

‫ـ� الجمهوريــة‬ ‫ذكــر االقتصــاد ف� مجلــس شــورى ابليــس‪ ،‬كانــوا قــد تحدثــوا عــن السياســة وبقيــت المقارنــة بـ ي ن‬
‫ت‬ ‫ي‬
‫ـ� االشــراكية‬‫ـ� بــدأ مستشــار االقتصــاد المقارنــة بـ ي ن‬ ‫والرأســمالية‪ ،‬ولهــذا كان مستشــار السياســة يتحــدث‪ .‬وحـ ي ن‬
‫ـ� أمــوال رباهــم‬ ‫اك منــذ نشــأته خوفــا أن تنتـ ي‬‫ي‬ ‫ـ� كان مستشــارو ابليــس يخشــون النظــام االشـ تـر‬ ‫والرأســمالية‪ ،‬وحـ ي ن‬
‫اكي� ال يشــكلون أي خطــر‬ ‫اكي�؛ أرص ابليــس أن االشـ تـر ي ن‬ ‫ن‬
‫ـو� بيــد االشـ تـر ي ن‬
‫ف‬ ‫وأرباحهــم تحــت ظــل النظــام الصهيـ ي‬
‫مص�هــم ي� الحقيقــة‪.‬‬‫ي‬ ‫عليهــم‪ ،‬ودعاهــم إىل التفكــر واالنتبــاه للنظــام والفكــر الــذي يهــدد‬

‫إن من كشف هل ابطن األايم يعرف‬


‫أن فتنة الغد ليست مزدكية لكهنا اإلسالم‬
‫الـ شـرح‪ :‬إبليــس الــذي عــرف األرض والســماء‪ ،‬وحقائــق األقــوام والعقائــد‪ ،‬ويعلــم أن االشـ تـراكية والشــيوعية‬

‫‪47‬‬
48
49
‫ـ�ء ولــن تذهــب بآخــر قــد ي�ض هــم‪ ،‬يخـ بـر مستشــاريه أن اإلســام هــو الخطــر األ كـ بـر فقــط‪.‬‬‫وغ�هــا لــن تـ ت ش‬
‫ـأ� بـ ي‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫كان هــذا ف� الثالثينيــات مــن القــرن المنــرم‪ ،‬حـ ي ن‬
‫ـ� تفككــت الدولــة العثمانيــة ليغــرق المســلمون ي� بحــر مــن‬ ‫ي‬
‫ن ف‬ ‫ت‬
‫اكي� ي� روســيا‪ ،‬حينهــا أعلــن إبليــس أن عــدو الرأســمالية الوحيــدة‬ ‫الضاللــة والظــام‪ ،‬يليهــا انقــاب االشــر ي‬
‫ـاس يتمثــل ف ي� اإلســام‪.‬‬
‫والخطــر األسـ ي‬
‫غطــت غمامــة مــن الحـ يـرة وجــوه مستشــاري إبليــس؛ فوضــح إبليــس ســبب قولــه لذلــك بإخبارهــم أن المسـ ي ن‬
‫ـلم�‬
‫سـ يـرتقون بسياســتهم ومجتمعهم ودينهم واقتصادهم من جديد ليشــكلوا تهديدا حقيقيا‪ ،‬وقد ســبق أن قدم‬
‫ـلم� ف ي� أبياتــه‪:‬‬
‫إقبــال صــورة تخيليــة لوصــف إبليــس للمسـ ي ن‬

‫أعرف أن هذه األمة ال حتمل القرآن‬


‫وأن الرأساملية يه دين العبد املؤمن‬
‫الـ شـرح‪ :‬إنـ ن يـى أملــك مــن العلــم مــا يدفعـ ن يـى للظــن أن القــرآن ليــس مــا يحــرك األمــة اآلن‪ ،‬إذ تحــذو هــذه األمــة حــذو‬
‫ـمال لتســيطر عــى اقتصادهــا أيضــا‪ ،‬وانشــغلت بجمــع المــال والـ ثـروات‪ ،‬وامتنعــت عــن إخ ـراج‬ ‫النظــام الرأسـ ي‬
‫ـو�‪ .‬ال يعتمــد‬‫ن‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫الـزكاة أو تقســيم الــورث بـ يـ� أصحابــه‪ ،‬بــل وحــى أنهــا تســتخدم ذات ورق النقــود والنظــام الصهيـ ي‬
‫المســلمون عــى مــال حقيـق ي هكــذا‪ ،‬فهــا هــو ذهبهــم يبــاع ليأخــذوا بــدال عنــه أوراقــا ال تغـ ن يـى وال تســمن مــن جــوع‪،‬‬
‫وقــد وضــح إبليــس أســباب ذلــك‪:‬‬

‫أعرف أنه يف ظلمة دىج ليل الرشق‬


‫فإن أكامم �شيوخ احلرم خالية من اليد البيضاء‬
‫نظـرا لحــال الـ شـرق حيــث عمــر اإلســام وانتـ شـر منــه‪ ،‬ال يســتطيع علمــاؤه وال نوابغــه صنــع المعجـزات كمــا فعــل‬
‫موىس بيده البيضاء‪ ،‬ولم يعودوا تي�نمون بحب رسول هللا صىل هللا عليه وسلم الذي كان يرشد حواسهم؛‬
‫فقــد خــر المســلمون روحانيتهــم ولكــن إبليــس يــر رغــم ذلــك أن اإلســام هــو الخطــر األ كـ بـر‪:‬‬

‫____________________‬

‫لكن اخلوف من مطالب العرص احلارض‬


‫أال يظهر رشع النيب‬
‫الـ شـرح‪ :‬اليــوم تشــكل التكنولوجيــا الحديثــة بوســائلها إضافــة للمكتبــات تهديــدا بمعلوماتهــا‪ ،‬فمــاذا إذا أفشــت‬
‫أرسار الرأســمالية واالشـ تـراكية‪ ،‬أو حقيقــة الحريــة الـ ت يـى ألصقوهــا بثــوب الجمهوريــة‪ ،‬أو إذا بــدأ المســلمون‬
‫ـ� ذلــك بتعميــم الـ شـرع؟‬
‫بمقارنــة هــذه األنظمــة بنصــوص القــرآن والســنة‪ ،‬ألــن ينتـ ي‬

‫____________________‬

‫‪50‬‬
‫احلذر احلذر مئة مرة من نظام الرسول فهو‬
‫حافظ لكرامة املرأة‪ ،‬وخمترب املرء وخيلق الرجال‬
‫ف‬
‫الـ شـرح‪ :‬يـ ضـرب إبليــس لقومــه األمثــال ي� احـ تـرام اإلســام للم ـرأة وحفظــه لعزتهــا وعفتهــا‪ ،‬وتعزيــزه للرجــل‬
‫وب�بيتــه يغــدو رجــا نبيــا‪ ،‬بينمــا نبيــع نحــن عــرض نســائنا وعفتهــم‪ ،‬ونجعــل مــن رجالنــا‬ ‫بالقــوة والهيبــة‪ ،‬ت‬
‫ـ� الضمـ يـر والـ شـرف‪ ،‬تهــدد وجودنــا ش�يعــة ألبســت نســاءها الحجــاب وربتهــن ليكـ بـرن بأكمــل الشــخصيات‬ ‫عديـ ي‬
‫وأفضلهــا‪ ،‬ليصبحــوا أمهــات ينجـ ب ن‬
‫ـ� رجــاال مثــل إقبــال وصــاح الديــن ومحمــود غزنــوي‪ ،‬تهددنــا هــذه الرســالة‪:‬‬

‫____________________‬

‫هذا النظام كرساةل املوت للك أنواع العبودية‬


‫ليس هناك فرق بني مكل الصني‪ ،‬أو فارس أو مسكني ذي مرتبة‬
‫إنه يطهر الرثوة وخيلهيا من لك قذارة‬
‫وجيعل األغنياء أمناء عىل املال والرثوة‬
‫غ�هــا مــن فكــر أو فلســفة‬ ‫ال�يعــة أنهــت كل أنــواع العبوديــة الـ ت يـى أنشــأها اإلنســان‪ ،‬فليــس ي‬ ‫الـ شـرح‪ :‬هــذه ش‬
‫ت‬
‫قــد يمنــح اإلنســان حريتــه وكمالــه‪ .‬ال يصبــح المــرء فيهــا عبــدا للجمهوريــة وال لالشــراكية وال للرأســمالية وال‬
‫للفاشــية‪ .‬ال يكــون فيهــا رئيــس وال ملــك وال فقـ يـر بــل الــكل فيهــا متســاوون‪ .‬تســود المســاواة والعــدل مجتمعهــم‬
‫ب� أصحابه ويعىط‬ ‫وتطهر أموالهم من أي شــائبة‪ ،‬تخرج الزكاة لمســتحقيها وتوزع الصدقات‪ ،‬يقســم اإلرث ي ن‬
‫ف‬
‫العـ شـر‪ ،‬وهــذا مــا جعــل مــن اإلســام أمينــا عــى أمــوال معتنقيــه ال مالــكا لــه‪ ،‬إن ي� هــذا الفكــر والفلســفة لكماليــة‬
‫تجعــل االنقــاب عليــه مســتحيال‪.‬‬

‫____________________‬

‫ال يوجد يف الفكر والعمل ثورة أعظم من‬


‫”هذه األرض هلل وليست للملوك“‬
‫اي حبذا لو يبقى هذا النظام خمفيا عن العامل‬
‫فهذا مغتمن أن يبقى املؤمن حمروما من اليقني‬
‫الـ شـرح‪ :‬أي ليعــرف المــرء أن هــذه األرض ليســت للملــوك بــل هلل وحــده‪ ،‬وليــدرك العالــم أن الفوقيــة ليســت‬
‫لل�لمــان بــل للقــرآن والســنة‪ ،‬وليفهــم العالــم أجمــع أن الملــوك ليســوا حــكام الزمــان واألرض بــل أن هللا هــو‬ ‫ب‬
‫ـ�‪ ،‬ليعــرف الخلــق أن هــذه األرض ملــك هلل‪ ،‬ليهاجــر المســلمون أينمــا أرادوا‪ ،‬والمفـ تـرض أن ال‬ ‫أحكــم الحاكمـ ي ن‬
‫ـلم�‪ .‬وال يصــح تقييــد المسـ ي ن‬
‫ـلم�‬ ‫ت�يـ ـ ــع الفـ ي زـرا واالعتمــاد عليهــا للمسـ ي ن‬
‫تلزمهــم الفـ ي زـرا أو جــواز الســفر‪ ،‬ال يصــح ش‬
‫ن‬
‫ـام كلــه مـ زـرال لــه وميدانــا لعملــه‪ .‬ال‬ ‫ف‬
‫بمناطــق جغرافيــة معينــة‪ ،‬إذ يك ـ ي المســلم إســامه ليكــون العالــم اإلسـ ي‬
‫يصنــف المســلمون بنــاء عــى لغتهــم أو جنســيتهم أو أصلهــم بــل بنــاء عــى إيمانهــم بــاهلل ورســوله‪ ،‬يحــذر إبليــس‬
‫ـينته قانونهــم وحكمهــم ويندثــر‪.‬‬ ‫ش‬
‫مــن تعميــم هــذا الــرع إذ سـ ي‬
‫ينصــح إبليــس بإخفــاء هــذا الـ شـرع ونصوصــه عــن العالــم أجمــع‪ ،‬بــل وينصــح بـ تـرك المسـ ي ن‬
‫ـلم� عميانــا ال يــرون‬
‫حقيقــة دينهــم‪ ،‬أسيتســاءلون إن كانــوا قادريــن عــى إنشــاء دولــة إســامية شــاملة بسياســة واقتصــاد ونظــام‬
‫ف‬
‫عســكري مجيــد مجــددا ي� هــذا الزمــن؟ هــل يمكــن أن تعــود المعامــات النقديــة بالذهــب والفضــة؟ هــل يمكــن‬

‫‪51‬‬
‫إنشــاء اقتصــاد مبـ ن يـى عــى النقــد الحقيـق ي ؟‬

‫ـلم� جهلــة بعقيدتهــم‪ ،‬وكيــف يمكــن‬ ‫واآلن يتســاءل مستشــارو إبليــس عــن خطوتهــم التاليــة لـ يـردوا المسـ ي ن‬
‫واالش�اكية واقتصادهم وبحكم الجمهورية والدكتاتورية؟‬ ‫ت‬ ‫ح� يقتنعوا بنظام الرأسمالية‬ ‫خداعهم بخرافات ت‬
‫ليعــرض عليهــم إبليــس أن يوقعوهــم بمســائل تبــدو علميــة بيــد أال دليــا عمليــا يثبتهــا‪.‬‬
‫ف‬ ‫يعــرف العالمــة إقبــال أمـراض األمــة اإلســامية إذ هــو حكيمهــا‪ ،‬ولهــذا يذكــر هــذه الفـ ت ن‬
‫ـ� عــى لســان إبليــس ي�‬
‫ـ� بهــذه الخرافــات‪.‬‬‫ـلم� غارقـ ي ن‬
‫أبياتــه‪ ،‬إذا نظرنــا حولنــا فســنجد المسـ ي ن‬

‫____________________‬

‫أمات ابن مرمي؟ أم هو يح ابق؟ هذه صفات ذات احلق‬


‫هل صفات اذلات منفصةل عنه أم عني اذلات؟‬
‫الـ شـرح‪ :‬هــل مــات عيــى عليــه الســام أم صعــد بــه إىل الســماء ليعيــش؟ هــل صفــات هللا مســتقلة عنــه أم أنهــا‬
‫موجــودة ف ي� ذاتــه؟ ال يســتخلص المســلمون أي فائــدة مــن كل هــذه التســاؤالت الفلســفية واألبحــاث العلميــة‪.‬‬

‫____________________‬

‫هل يقصدون ابلقادم امل�سيح ابن مرمي أم هو اجملدد‬


‫اذلي تمكن فيه صفات ابن مرمي‬
‫الـ شـرح‪ :‬أســيكون عيــى الــذي سـ ن ز‬
‫ـي�ل لــأرض مجــددا عيــى الحقي ـق ي نفســه أم مجــددا لإلســام بصفــات‬
‫تشــابه صفــات عيــى عليــه الســام؟‬

‫____________________‬

‫هل ألفاظ كتاب هللا قدمية أم حادثة‬


‫ويف أي عقيدة مهنا تمكن جناة األمة املرحومة‬
‫الـ شـرح‪ :‬هــل جمعــت ألفــاظ القــرآن صدفــة أم أنهــا تاريخيــة؟ أي هــل ألفــت آياتــه أم أنهــا دائمــة لــن تــزول؟ بــأي‬
‫ه الناجيــة‪ ،‬وأي فرقــة ســتقاد لجهنــم؟ اليــوم تكفــركل فرقــة غريمتهــا‪،‬‬ ‫عقيــدة وفرقــة ســتنجو األمــة؟ أي فرقــة ي‬
‫ـلم� وتضييعهــم بهــذه المســائل واألبحــاث لينشــغلوا عــن الميــدان ثــم يقــول لهــم‪:‬‬ ‫ينصــح إبليــس بخــداع المسـ ي ن‬

‫____________________‬

‫‪52‬‬
‫أال يكفي املسلمني يف هذه األايم‬
‫هذه األصنام املنحوتة من اإللهيات؟‬
‫ـلم� أصنامــا ليعبدوهــا كمــا عبــد ش‬
‫الم�كــون ثالثمائــة صنــم وزعوهــا حــول الكعبــة‬ ‫الـ شـرح‪ :‬اليــوم جهــزوا للمسـ ي ن‬
‫مــن قبــل‪ ،‬لينشــغلوا بأبحــاث تلهيهــم عــن الدنيــا واآلخــرة‪ ،‬تذكــروا أن محادثــات كهــذه قــد جــرت عندمــا ســارت‬
‫الخ�يــر إذا تأ�‬
‫ـغول� يتســاؤلون مــا إذا كان تنــاول ن ز‬
‫جيــوش هال كــو نحــو بغــداد‪ ،‬إذا كان علماؤهــم آنــذاك مشـ ي ن‬
‫ف‬
‫ي� صــورة ماعــز أصبــح حــاال أم حرامــا‪ ،‬عندمــا يصــل تفكـ يـر القــوم هــذه الدرجــة يدمرهــم هللا ويــدرأ اســمهم‬
‫ث‬
‫ط النســيان‪ ،‬ينصــح إبليــس عبيــده أ كــر‪:‬‬‫وذكراهــم ي‬

‫____________________‬

‫اجعلوه غريبا عن عامل العمل ليك‬


‫تهنزم مجيع قطعه الشطرجنية عىل بساط احلياة‬
‫ـلم� تبـ نـى وتســتقل‪ ،‬وال تعطوهــم الفرصــة ليصبحــوا مجاهديــن مؤمنـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫الـ شـرح‪ :‬ال تت�كــوا شــخصيات المسـ ي ن‬
‫وشــجعانا‪ ،‬أشــغلوهم عــن الدنيــا حـ تـى ال يجــدوا ف ي� أي مــكان ومجــال نجاحــا وال أمــا‪.‬‬

‫____________________‬

‫فهذا خري أن يبقى املؤمن عبدا حىت يوم القيامة‬


‫ويرتك هذه ادلنيا الفانية للآخرين‬
‫ف‬
‫ـلم� فشــلة ي� كل مجــال وفكــر ومســألة أمــر ض�وري‪ ،‬هــذه الدنيــا فانيــة ولــن تب ـىق ‪،‬‬ ‫الـ شـرح‪ :‬إن بقــاء المسـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ـلم� أرســلوا إليهــا ليــؤدوا فريضتهــم‪ ،‬لــذا‪ ،‬اتركوهــم غافلـ ي ن‬
‫لكــن المسـ ي ن‬
‫ـ� عنهــا وأغرقوهــم ي� بحــر مــن الخرافــات‬
‫األنظمــة المذهبيــة‪ ،‬اجعلوهــم زاهديــن وأشــغلوهم بالعبــادة عــن الحيــاة الحقيقيــة والميــدان‪.‬‬

‫____________________‬

‫الشعر والتصوف اللذان يغطيان عن عيونه منظر الحياة أحسن بالنسبة له‬

‫ال�ح‪ :‬فلينشغلوا بعقائد وصوفيات وشعر عن جهادهم ف ي� الحياة‪.‬‬


‫ش‬

‫____________________‬

‫إين أخاف مع لك نفس من يقظة األمة‬


‫حفقيقة ديهنا يه احتساب الاكئنات‬
‫الـ شـرح‪ :‬وكانــت أخــر ألفــاظ إبليــس ف ي� المجلــس‪ :‬إنـ ن يـى أتجــرع خــوف اســتيقاظ هــذه األمــة يومــا مــا كل لحظــة‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫ـ� ذعــره مــن اســتيقاظ األمــة وقيامهــا مــن جديــد حـ تـى يطالــب بإشــغالهم‬
‫وقــد كتبهــا إقبــال عــى لســان إبليــس ليبـ ي ن‬
‫ف‬
‫عــن الجهــاد والحيــاة والسياســة وتركهــم يغرقــون � عباداتهــم حـ تـى ال يلحظــوا أنهــم غــدوا عبيــدا ال مسـ ي ن‬
‫ـلم�‬ ‫ي‬
‫أحـرارا‪.‬‬

‫أسكروه واجعلوه ينتيش ابذلكر والتفكر يف األحسار‬


‫وأنضجوا فيه طبع اخلانقاهات‬
‫____________________‬

‫ين‬
‫بقوان� الدير وقال إن الفرق هو تهديدهم للكفر‪.‬‬ ‫قارن إقبال ي ن‬
‫ب� مجاهد مسلم حر وراهب مقيد‬

‫رمغ ما يوجد يف ركة شعري من عيوب‬


‫رمبا تبلغ يوما لكاميت للقلوب‬
‫ما عىل الشاعر لوم كيفام قال وعرب‬
‫أان يغنيين عن الشعر نداء هللا أكرب‬
‫أان تغنيين إذا أخفقت يف كشف النوااي‬
‫صلوات وتراتيل هباتيك الزوااي‬
‫معرش اجلانب هذا ديهنم ال ي�ستطاع‬
‫عرفوا النفس وملا نظروا يف هللا ضاعوا‬
‫وعباد اجلانب الآخر عامل منامج‬
‫مه عن الالهوت أغراب ويف البحث أعامج‬
‫فطبقــا لمقارنــة إقبــال‪ :‬رجــل مجاهــد وشــجاع‪ ،‬يأخــذ بمســؤوليته تجــاه الخلــق ويرفــع التكبـ يـر والتهليــل دون‬
‫�ء ممــا ال‬‫ش‬ ‫ن ض‬
‫توقــف‪ ،‬فحـ يـ� يم ـ ي هــذا الرجــل وقتــه مســبحا ومناجيــا ربــه باســتمرار‪ ،‬ال يفعــل الراهــب أي ي‬
‫يجعلــه مختلفــا الصخــور واألشــجار‪ .‬وهــذا مــا يمليــه مذهبــه عليــه أن يعيــش كمــا يعيــش الصخــر والشــجر‬
‫والنمــل‪.‬‬

‫ـلم� وحـ تـى‬ ‫ـ� الرأســمال الجمهــوري واالشـ تـراك الشــيوع واضحــة أمــام أعـ ي ن‬
‫ـ� المسـ ي ن‬ ‫وضــع إقبــال حقيقــة النظامـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ـمال‪.‬‬
‫أنــه نبههــم أنهــا أنظمــة أنشــأت مــن تخطيــط إبليــس‪ ،‬ويقــود فيهــا الصهاينــة واليهــود النظــام الرأسـ ي‬

‫‪54‬‬
55
‫وقــد ذم إقبــال الثقافــة الغربيــة أ كـ ثـر مــن مــرة فقــال أنهــا ثقافــة تدفعــك لالنتحــار بســكينك‪ ،‬ولــن تهتــم بــك بــل‬
‫ســتقيدك‪.‬‬

‫يف درب اوربة اليت تبدو منارا للحياة‬


‫واحلق أن النبع يف ظلامهتا نبع احلياة‬
‫تأثــر العالــم كلــه بالثقافــة الغربيــة‪ ،‬فبــات آالف المســلمون يغــادرون دور اإلســام ليعيشــوا بــدور الكفــر برضاهــم‬
‫ف‬
‫ـام‪ .‬خاطــر هــؤالء المســلمون بدينهــم وتركــوا بيوتهــم‬ ‫ألول مــرة بعــد ألــف وأربعمائــة ســنة ي� التاريـ ـ ــخ اإلسـ ي‬
‫وأعمالهــم ليعيشــوا ببــاد كافــرة‪ ،‬ثــم يغتمــون ويحتــارون إذا كـ بـر أبناؤهــم دون ديــن‪ ،‬ولكــن للغــرب فتنــة تســحر‬
‫الناظــر إليــه‪.‬‬

‫مــن أراد الذهــاب لتلـق ي العلــم فــا بــأس‪ ،‬لكــن الدنيــا هنــاك مظلمــة وجائــرة‪ ،‬وصلــت اإلنســانية هنــاك للدرجــة‬
‫ف‬ ‫الـ تـى ال مــكان فيهــا للعــزة والكرامــة وال حـ تـى للحيــاة ن ز‬
‫الم�ليــة و تدمــرت العالقــات العائليــة ي� ذلــك المجتمــع‪،‬‬ ‫ي‬
‫وصلــت اإلنســانية ف ي� لنظــام الــذي تسـ يـر بــه الحيــاة ف ي� الغــرب للحضيــض لتتســاوى مــع الحيوانــات‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫اتهت بأبنية املصارف فوق أبنية الكنائس‬
‫وأتت لهيلكها اجلديد بلك أنواع النفائس‬
‫ف‬
‫ـمال بعمارتــه وبنوكــه أ كـ ثـر مــن اعـ ت زـرازه بالمذهــب والديــن‪ ،‬أي أن األفضليــة ليســت ي�‬ ‫ي‬ ‫يعـ ت زـر النظــام الرأسـ‬
‫ن‬ ‫ث‬ ‫ف‬
‫ـا� وبنيانهــا مــا إذا كانــت موضــة‬
‫المذهــب اآلن بــل ي� أهميــة الــروة وجودتهــا‪ ،‬تثبــت أطــوال العمــارات والمبـ ي‬
‫العــر الماديــة أم الروحانيــة‪ ،‬اختــص األت ـراك ببنائهــم لمســاجد بديعــة‪ ،‬إذا كان لإلســام األهميــة الكـ بـرى‬
‫ـام بتخصيــص الجمــال واالبــداع والزخــارف للمســاجد بينمــا يــروج الغــرب لمعمــار‬
‫ف‬ ‫آنــذاك‪ ،‬يمتــاز المعمــار اإلسـ ي‬
‫ـ� ذات زمــن‪ ،‬وقــد دون إقبــال هــذ‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫بنوكهــم فالبديــع هــذه األيــام‪ ،‬حــى كان مبــى حبيــب بنــك هــو األطــول ي� كراتـ ي‬
‫النقــط � أوائــل القــرن ش‬
‫الع�يــن‪:‬‬ ‫ي‬

‫قالوا جتارات تدار ولك ما فهيا مقار‬


‫ومصادفات جتعل البدلان يف جيب الكبار‬
‫أي ال�سياسة واحلكومة والكنيسة والسامء‬
‫رفعوا مساواة تقال وأرشبوا حب ادلماء‬
‫ف‬
‫ـمال والصهاينــة مزحــة ونكتــة‪ ،‬واقتبــس مــن القــرآن ألفــاظ اليهــود ي� وصــف‬ ‫جعــل إقبــال مــن النظــام الرأسـ ي‬
‫الربــا كنــوع مــن التجــارة‪ ،‬وقــد أجــاب هللا عــى قولهــم فحلــل التجــارة وحــرم الربــا‪ ،‬وذم النظــام القائــم عــى الربــا‪،‬‬
‫ف‬
‫ومــا كان مــن إقبــال إال أن اقتبــس األلفــاظ ذاتهــا ي� شــعره‪ ،‬وفيمــا نتعلــم المســاواة وحقــوق اإلنســان والحريــة‬
‫ف‬
‫غ�هــم مــن خلــف ظهورنــا‪ � ،‬حـ ي ن‬ ‫الظاهريــة منهــم‪ ،‬تجدهــم ش‬
‫ـ� ينتفــع واحــد يتدمــر‬ ‫ي‬ ‫ي�بــون ويأكلــون مــن أمــوال ي‬
‫ش‬
‫اآلالف‪ ،‬وتدمــر أقــوام وعائــات ج ـراء ذلــك‪ ،‬بينمــا يــرب نظــام الربــا أمــوال النــاي يدرســهم عــن المســاواة‪.‬‬
‫ف‬ ‫مــا تحــدث عنــه إقبــال ف� أوائــل القــرن ش‬
‫الع�يــن يتكــرر ي� واقعنــا اآلن‪ ،‬تتحقــق كلمــات إقبــال مــن جديــد ألن‬ ‫ي‬
‫اإلســام صمــد فب ـق ي التهديــد الوحيــد لمخططــات إبليــس مــرة ثانيــة‪.‬‬

‫‪57‬‬
58
‫الفصل السادس‬

‫‪AA‬‬

‫عليك أن تفكر بالوطن ألن المصائب قادمة‬

‫كان لعالمــة إقبــال مــن العلــم والحكمــة مــا يــأرس االنســان؛ إذ اجتمــع فيــه العلــم بالفلســفة والروحانيــة مكونـ ي ن‬
‫ـ�‬
‫ف‬
‫شــخصية مــن األحــام‪ ،‬لــم يكــن إيقــاظ األمــة مــن ســباتها ي� خضــم أحــوال سياســية خانقــة أمـرا ممكنــا‪ ،‬ولكــن‬
‫ـ�‪.‬‬‫عالمــة إقبــال جعــل مــن المســتحيل واقعــا عاشــه الماليـ ي ن‬

‫ين‬
‫المسلم� بإرصار ليوقظهم من غفلتهم‪.‬‬ ‫هز إقبال‬

‫اي أهل الهند لو مل تدركوا ذكل فسوف متحون‪.‬‬


‫وقصتمك لن تكون حاكية تذكر بني القصص‬
‫ف‬ ‫ين‬ ‫ال�يطانية مع الهنود ن ز‬
‫المسلم� وإيقاعهم ي� حفرة ال قاع لها‪ ،‬بات األذان‬ ‫ل�ع التاج عن‬ ‫االم�اطورية ب‬‫تآمرت ب‬
‫ف‬
‫وإقامــة الصــاة مــن الممنوعــات ي� بلــد حكمهــا المســلمون ألــف ســنة‪ ،‬اغتــم إقبــال لتنبهــه لهــذا بفراســته‪ ،‬وقــد‬
‫تحــدث القائــد األعظــم محمــد عـ يـ� جنــاح عــن ألمــه تجــاه مــا كان يجــري ف ي� المجلــس الــذي عقــد بمــر‪.‬‬

‫أهيا الغافل! عليك أن تفكر ابلوطن ألن املصائب قادمة‬


‫وخطة الاتفاق عىل حتطميك حتاك يف السامء‬

‫‪59‬‬
‫ـي� جعــل المسـ ي ن‬
‫ـلم� عبيــدا للهنــود مــن بعــد‬ ‫ـ� الهندوسـ ي ن‬
‫ال�يطانيــة والمتطرفـ ي ن‬
‫االم�اطوريــة ب‬ ‫ب‬ ‫خطــط كل مــن‬
‫ن‬
‫ـلم� فإنهــم سـ يـردون ذلــة ألــف عــام مــن الحكــم‬‫اإلنجلـ ي زـر‪ ،‬إذا انتــر المتطرفــون الهندوســيون عــى المسـ ي‬
‫ز ف‬
‫ـام مضاعفــة‪ ،‬وذلــك بطــرح اســمهم وعزتهــم أرضــا فــا يعرفــون للنهــوض ســبيال‪ ،‬وشــارك االنجلـ يـر ي�‬ ‫اإلسـ ي‬
‫ت‬
‫هــذه المؤامــرة الـ يـى تنبــه إليهــا أقبــال قبــل الجميــع‪.‬‬

‫ـلم�‪ ،‬فيمــا اختــص جانبــه‬ ‫تمثــل الجانــب األول مــن مهمــة إقبــال ف� فضــح النظــام العالــ� الجديــد وتنبيــه المسـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ـلم� وجمعهــم بعــد تفرقهــم تحــت ظــل نظريــة مختلفــة وإيجــاد قائــد مناســب وتدريبــه‬ ‫الثـ نـا� ف� مناشــدة المسـ ي ن‬
‫ي ي‬
‫ـلم� ف� الموافقــة عــى اتحــاد الجمهوريــة الهنديــة بســبب الفـ ت ن‬
‫ـ� الـ ت يـى أشــاعها‬ ‫للــدور‪ ،‬حيــث بــدأ معظــم المسـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫مجلــس الشــيوخ الهنــدي‪ ،‬أثــارت هــذه المشــكلة حـ يـرة كثـ يـر مــن العلمــاء حـ تـى ي� وقتنــا هــذا‪ .‬فأقبــل يرشــدهم‬
‫بتذك�هــم بتاريخهــم ودينهــم ورصف نظرهــم لمســتقبلهم‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ويشــجعهم‬

‫ـا� المعتــم لنجــاح‬ ‫ف�جــم المــا�ض وحــول الحـ ض‬ ‫حقــق إقبــال بأفعالــه األلفــاظ الـ تـى نقرؤهــا ف� نشــيدنا الوطـ نـى‪ ،‬ت‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ـ� كان‬‫باهــر وتوقــع المســتقبل ليتــم التحضـ يـر لــه وأعــى لألمــة صــورة تخيليــة للمســتقبل‪ ،‬ودفعنــا لرؤيــة حلمـ ي ن‬
‫ـا� أننــا ســنجعله النقطــة الـ ت يـى ســيبدأ إحيــاء األمــة منهــا‪ ،‬ســتصبح تلــك الدولــة‬‫أحدهمــا نشــأة بلــد جديــدة والثـ ن‬
‫ي‬
‫حصنــا تدافــع عــن األمــة اإلســامية‪ .‬عندمــا ســئل عــن الســبب ف ي� اختيــاره للهنــد لذلــك أجــاب‪:‬‬

‫لو أن القومية اإلسالمية مرتبطة مباكن ما‬


‫لاكنت الهند أساسا لها ال فارس وال الشام‬
‫ف‬ ‫ـنج� عــى إنشــاء دولــة ( سـ ش‬
‫ـن�ح الســبب خلــف االجبــار الحقــا) فإنهــا ســتكون ي� الهنــد ال‬ ‫يقــول أننــا إذا كنــا سـ ب‬
‫ف ي� إيـران وال ف ي� الشــام‪ ،‬وأجــاب عــن الســبب ي� شــعره‪:‬‬
‫ف‬

‫فكيف ال يكون تراب هذه الروضة املقررة طاهرا‬


‫وهذه األرض يه خانقاه عظمة اإلسالم‬
‫____________________‬

‫حلــل إقبــال الصــورة قبــل إنشــاء نظريتــه وفلســفته ليوقــظ الشــعب بعــد ذلــك‪ ،‬ثــم بحــث عــن قائــد ليدربــه ودعــا‬
‫الشــعب إلطاعــة حكمــه‪ ،‬ولــم يســتطع القائــد األعظــم رد اإلحســان يومــا‪.‬‬

‫____________________‬

‫اليــوم نــرى العالــم يسـ يـر بشــكل مشــابه لمــا توقعــه إقبــال‪ ،‬اليــوم تتمتــع باكســتان الـ ت يـى كان وجودهــا ذات يــوم‬
‫مــن ســابع المســتحيالت بقــوى نوويــة‪ ،‬انتهــت االشـ تـراكية اليــوم وأثبتــت صحــة مــا قالــه إقبــال عــن مجلــس‬
‫ـتل� مصـ يـر منافســتها الســابقة عــى‬‫الشــيطان وأعوانــه فصــار اإلســام التهديــد الوحيــد عــى الرأســمالية الـ تـى سـ ق‬
‫ي‬
‫يــده‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫فرح ألن الرأسامل ينال منه جنون طوره‬
‫وألنه اكلساحر املفضوح بعد أداء دوره‬
‫وأضاف‪:‬‬

‫هو ذا عىل مرأى ومسع الكون يرقص يف املرااي‬


‫وجييش يف آلوند يلمع يف رؤوس اهلمالاي‬
‫ف‬
‫قــال إقبــال هــذا الــكالم عــام ‪1921-1920‬م ويبــدو كالمــه مســتحيال فقــد كانــوا يذيبــون الســكر ي� االفيــون‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ـ�‪ ،‬ورغــم ذلــك يقــول إقبــال ي� شــعره أن الســكر المــذاب ي� أحــام مــن‬ ‫آنــذاك ولــم يكــن يعــرف بشــكله الطبيـ ي‬
‫ش‬
‫ـتغل ينابيــع الهماليــا‪ ،‬مــا يقصــده أن شــعوب الــرق تســتيقظ اآلن لتواجــه الغــرب‬ ‫الغفلــة سيســتيقظ وسـ ي‬
‫مســتقبال‪ ،‬ونــرى اليــوم أيــن وصلــت الصـ ي ن‬
‫ـ� وكيــف تطــورت‪ ،‬توقــع هــذا الرجــل مــا قــد يقــع بعــد مائــة عــام مــن‬
‫اآلن‪ ،‬ولهــذا يقــال أن الشــعب الــذي لــم يجــد مــن فلســفة إقبــال رشــفة ظــل ظمآنــا بحــظ أســود‪.‬‬

‫نعلــم أن لغــة األوردو الـ ت يـى يســتخدمها إقبــال تصعــب عــى النــاس هــذه األيــام‪ ،‬ولكــن علينــا أن ندرســها بــذات‬
‫اللغــة‪ ،‬علينــا أن ندخــل موضــة اللغــة األورديــة‪ ،‬تشــكل العربيــة ألــف وأربعمائــة ســنة مــن تاريخنــا وثقافتنــا وديننــا‬
‫ف‬
‫وحضارتنــا وتركــت الفارســية أثرهــا ي� تاريخنــا بدورهــا‪ ،‬والمؤســف أننــا لــم نرتــق بــأي منهمــا‪ ،‬تعــد األورديــة اللغــة‬
‫اإلســامية الثالثــة بوجــود كميــة هائلــة مــن العلــم والفلســفة بكلماتهــا‪ ،‬إذا نســينا اللغــة األورديــة أيضــا فإننــا قــد‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫أضعنــا عزتنــا وفرصتنــا ي� اســتعادة تألقنــا ي� هــذا العالــم‪ ،‬يشــكل إحيــاء الحضــارة والثقافــة الـ ت يـى بناهمــا إقبــال‬
‫مســألة حيــاة أو مــوت‪.‬‬

‫الوطن يشء آخر بلغة ال�سياسة‬


‫والوطن يف احلديث النبوي أمر خمتلف‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫يعـ بـر الوطــن عــن العصبيــة القبليــة ي� الجغرافيــا السياســية والفلســفة و النظريــات السياســية ي� يومنــا هــذا‪ ،‬ي�‬
‫ف‬
‫ـ� يعـ بـر الوطــن عــن عضــو ضمــن جهــاز األمــة المتكامــل ي� الســنة تعـ نـى بــه هويــة االنســان فقــط‪ ،‬يســتخدم‬‫حـ ي ن‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫إقبــال لفــظ الوطــن قاصــدا بــه المعــى الديـ يـى الــذي يصنــف النــاس فيــه حســب هوياتهــم فحســب‪ ،‬وليــس‬
‫ـارس يعرفــون بأقوامهــم لكــن ليــس‬ ‫ش‬ ‫ن‬
‫ـ� وســلمان الفـ ي‬ ‫ـروم وبــال الحبـ ي‬
‫لتفضيــل أحــد عــى آخــر‪ ،‬فــرى صهيــب الـ ي‬
‫اســتنادا لعصبيــة قبليــة‪.‬‬

‫ْ‬
‫مهنجك‬ ‫ال تربطن بأي أرض‬
‫ال مرص ال مين وال حىت الفكلْ‬
‫ادلين جيمعنا وليس هوية‬
‫وطنية‪ ،‬هال وعيت األمر كلْ‬
‫يقــول العالمــة أن المسـ ي ن‬
‫ـلم� ال يمكــن تقييدهــم ضمــن منطقــة جغرافيــة معينــة وال يمكــن تقســيمهم بنــاء عــى‬

‫‪61‬‬
62
63
‫أصولهــم مهمــا كانــت‪.‬‬

‫ـ� الحــق‪،‬‬‫هاجــر المســلمون مــن مكــة ليقيمــوا ف� المدينــة‪ ،‬أحــب الرســول صــى هللا عليــه وســلم مكــة وذاك عـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫لكــن مهمتــه أوجبــت عليــه تركهــا وإقامــة خالفتــه ي� المدينــة‪ ،‬وامتــدت الخالفــة وتوســعت حـ تـى وصلــت أوروبــا‬
‫ف‬
‫وه ليســت عصبية قبلية كما ي� الغرب‪ ،‬بل‬ ‫من بعده‪ ،‬فاقامة خالفة وحبها وحمايتها ليس مخالفا لإلســام‪ ،‬ي‬
‫كالخالفــة ي� المدينــة الـ ت يـى قامــت عــى فكــرة ونظريــة معينــة‪ .‬تخيــل إقبــال نشــأة باكســتان‪ ،‬دولــة مســتقلة عــن‬
‫ـ� بهجرتهــم لباكســتان‬ ‫الهنــد تحتــوي مســلميها باســم االســام‪ ،‬وب ـهــذه الطريقــة تفــرق المســلمون عــن ش‬
‫الم�كـ ي ن‬
‫ـ� هاجــروا للمدينــة‪ ،‬حيــث ســيبنون أســس خالفــة جديــدة عــى منهــاج الرســول صــى‬ ‫كمــا فعــل المهاجــرون حـ ي ن‬
‫هللا عليــه وســلم إلحيــاء األمــة المســلمة‬

‫إن كرامتك الباقية اكنت رهنا الحتاد املةل‬


‫وعندما تفرق هذا الاحتاد نلت اخلزي يف ادلنيا‬
‫ـ� كانــوا متحديــن تحــت رايــة وخالفــة واحــدة‪ ،‬ومــا‬ ‫ـ� حـ ي ن‬
‫ـلم� وشــأنهم ظلــوا عالـ ي ن‬
‫وضــح إقبــال أن عــزة المسـ ي ن‬
‫ـ� بــدأت هــذه الخالفــة تنقســم لــدول صغـ يـرة بنــاء عــى قوميــة وأصــول النــاس‪.‬‬ ‫فتــأت تهــوي حـ ي ن‬

‫إن الفرد ينال القوة من خالل انتسابه لألمة وال حيصل علهيا منفردا‬
‫فاملوج يكون موجا يف الهنر وخارج الهنر ال يكون موجا‬
‫يعتمــد بقــاء أي فــرد أو دولــة مســلمة أو إســامية عــى بقــاء األمــة المســلمة وعزتهــا ووقارهــا‪ ،‬تعــود ن ز‬
‫م�لــة وفخــر‬
‫باكســتان إىل اإلســام ومــا باكســتان إال هويتنــا كمــا كانــت الحبشــة هويــة بــال‪.‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫وضــح إقبــال الكثـ يـر مــن المســائل القوميــة ي� كتابــه « إعــادة بنــاء أفــكار دينيــة ي� اإلســام»‪ ،‬وطبقــا لــه فــإن األمــة‬
‫كب�يــن‪ ،‬وســيتوجب علينــا مواجهــة حقائــق دنيويــة‬ ‫اإلســامية قســمت وسيســتغرق توحيدهــا وقتــا وجهــدا ي‬
‫غ�هــا ســواء كانــت خالفــة‬ ‫ي‬ ‫دون‬ ‫ـط‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ـية‬ ‫ـ‬ ‫ش‬‫قر‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ف‬ ‫لننفــذ هــذا‪ ،‬نـ ضـرب المثــل بالزمــن الــذي حكمــت فيــه خال‬
‫ف‬
‫أمويــة أو عباســية‪ ،‬وجــاء وقــت عجــزت فيــه قريــش عــن الحفــاظ عــى الخالفــة بأيديهــم‪ ،‬وأفـ تـى العلمــاء ي� ذلــك‬
‫الوقــت أن الخالفــة ال تلــزم قرشــيا ليحكمهــا ألجــل الحفــاظ عــى ديننــا وعزتنــا‪ ،‬وهكــذا أدار العثمانيــون عجلــة‬
‫القيــادة هــذه المــرة والذيــن كانــوا أت ـراكا ال أصــول قرشــية لهــم فحملــوا مســؤولية األمــة اإلســامية وحمايتهــا‪،‬‬
‫الع�يــن تفككــت األمــة لــدول متفرقــة‬ ‫اجتهــد العلمــاء ف� ش�ح اإلســام بمــا يناســب ذلــك الزمــان‪ ،‬اآلن ف� القــرن ش‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫وليــس بيدنــا القــوة وال الوســائل لتوحيدهــا تحــت رايــة خالفــة واحــدة‪ ،‬توجــب علينــا الوصــول ألعــى ن ز‬
‫م�لــة‬
‫ف‬
‫ممكنــة ي� السياســة والقتــال والتعليــم عــى األقــل‪ ،‬وســتجتمع كل هــذه الــدول المتفرقــة شــيئا فشــيئا لتكــون‬
‫خالفــة جديــدة مــرة ثانيــة‪.‬‬

‫فليتحد املسلمون حلراسة احلرم‬


‫من ساحل النيل حىت تراب اكشغر‬
‫ـلم� بغــض طرفهــم عــن القوميــة الـ ت يـى عرفهــا الغــرب لنــا والعــودة لألمــة والملــة‪ ،‬وقــد استســلم‬
‫نصــح إقبــال المسـ ي ن‬
‫ن‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ن‬
‫ـلم� باتــو يحتاجــون لفـ يـرا وجــواز ســفر ليتنقلــوا بـ يـ� بلــدان مســلمة‪ ،‬ي� حـ يـ� لــم يكــن هــذا‬
‫إقبــال لواقــع أن المسـ ي‬

‫‪64‬‬
‫فرضــا ذات زمــن بــل كان يكفيهــم إســامهم فيمكنهــم مــن التنقــل بحريــة ألجــل تجارتهــم وللســياحة والــزواج‬
‫والعيــش مــع عائلتهــم ف ي� مــكان جديــد‪.‬‬
‫ف‬
‫تسـ يـر دول اتحــاد أوروبــا عــى هــذا النهــج اآلن‪ ،‬ولكــن أرواحهــم تـ تـرك أجســادهم ي� اللحظــة الـ ت يـى يحــاول فيهــا‬
‫مســلم رفــع صوتــه بشــأن هــذه المســألةـ‪ ،‬ويعــود ذلــك لمعرفتهــم ببنــاء أمتنــا ويدركــون أننــا نملــك القــدرة لالتحــاد‬
‫واالســتغناء عــن الحــدود بيننــا والفـ ي زـرا وجــوازات الســفر فنعيــد إنشــاء الخالفــة الـ ت يـى يخشــونها‪ ،‬ولهــذا فإنهــم ال‬
‫زالــوا يخططــون لتقســيم األمــة اإلســامية لــدول أصغــر وأضــأل مــن ال‪ 57‬دولــة الموجــودة اآلن‪.‬‬

‫وإذا تحدثنــا عــن حــب باكســتان فنقصــد بذلــك حبــا مشــابها لحبنــا للمدينــة‪ ،‬قــد يكــون للملــة اإلســامية قيــادة‬
‫واحــدة لكــن أفكارنــا وفلســفتنا ال تقيــد بمنطقــة واحــدة‪ ،‬فيكــون لقيادتنــا حصــة مــن حبنــا للملــة كلهــا‪ ،‬تهــدف‬
‫ف‬
‫وتنــص مهمتنــا عــى تنظيــم أنفســنا بشــكل مســتقل‪ ،‬حـ تـى إذا مــا اجتمعنــا ي� أي مــكان نســتطيع المحافظــة عــى‬
‫ف‬
‫ـ� بحياتنــا وأموالنــا ي� ســبيل حمايتهــا كمــا ضــى المســلمون بفائــض‬ ‫تنظيمنــا كمــا نحافــظ عــى القيــادة‪ ،‬فنضـ ي‬
‫مــن األرواح واألمــوال لحمايــة المدينــة‪.‬‬

‫ـلم� جمــع المسـ ي ن‬


‫ـلم� وتوحيدهــم تحــت رايــة واحــدة هــذا‬ ‫وجــب عــى حــكام وعلمــاء ونوابــغ وشــيوخ المسـ ي ن‬
‫االورو� والواليات‬
‫بي‬ ‫اليوم‪ ،‬نص حلم إقبال ومهمتنا عىل إنشاء خالفة متحدة إسالمية كما حدث مع االتحاد‬
‫المتحــدة‪ ،‬فنجمــع الــدول المســلمة تحــت رايــة واحــدة ونعيــد إحيــاء الخالفــة اإلســامية‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫الجزء الثاني‬

‫‪66‬‬
)1948.1876(

67
68
69
‫شخصيات عظيمة وتأثرها بالقائد األعظم‬
‫محمد علي جناح‬

‫ال يمكن شراؤه وال حتى إفساده‬

‫قليل هم من غيروا مجرى التاريخ‪ ،‬وأقل منهم من غيروا الخارطة‪ ،‬وقلة‬


‫من هؤالء من تمكن من إنشاء دولة‪ ،‬القائد األعظم فعلها كلها‬

‫إن محمد علي جناح سيف لإلسالم‪ ،‬لكنه يظهر في ثوب داعية‪.‬‬

‫لن نكون مخطئين إن قلنا أن جناح صنع التاريخ‪ ،‬وال يمكن إنجاب مثله في‬
‫كل قرن إال مرة‪.‬‬

‫لم أر في الحياة شخصية عظيمة مثله‬

‫‪70‬‬
‫كان بإمكان الهند الحصول على استقاللها بدون غاندي‪ ،‬وكان يمكن لالنقالب الشيوعي أن يحصل في روسيا والصين‬
‫بدون لينين أو ماو‪ ،‬ولكن من المستحيل وجود باكستان في عام ‪ 1947‬بدون القائد األعظم محمد علي جناح‪.‬‬

‫لم أر في حياتي أوسم وال أقدر من جناح‪ ،‬كان يحمل من ناحية علم الغرب وشخصيته‬
‫وجانبه الجيد ومن ناحية أخرى يحمل أجمل صفات وأخالق أهل الشرق‪.‬‬

‫لم يحلم جناح بإنشاء دولة‪ ،‬بل أنشأها فعال‪ ،‬هو مهندس باكستان واألب ألكبر دولة‬
‫مسلمة‪ ،‬لم يحظ شخص بالمحبة والوفاء والتقدير الذي حظي به جناح من قبل بني قومه‪.‬‬

‫إن جناح يعتبر قدوة لكل أولئك المناهضين للتعصب القومي أو العرقي‪.‬‬

‫لو كان جناح سيخيا لعبدوه‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫ال يمكن شراؤه وال حتى إفساده‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫الفصل السابع‬

‫‪AA‬‬

‫غير قابل للشراء أو اإلفساد‬

‫يقــدم لنــا التاري ـ ــخ أمثلــة عديــدة لقــادة أو مجاهديــن اختـ يـروا مــن قبــل فالســفة ونابغـ ي ن‬
‫ـ� للدفــاع عــن األمــة‪ ،‬اختــار‬
‫الســيد معيــد الديــن جشـ ت يـى الســلطان شــهاب الديــن الغــوري وأيــده فدعــاه وشــجعه لفتــح شــبه جزيــرة الهنــد‪،‬‬
‫ف‬
‫ول‬
‫و� صــورة مشــابهة دافــع الســيد شــاه ي‬ ‫ـام أللــف ســنة‪ ،‬ي‬ ‫نتــج عــن ذلــك أن تقــع الهنــد تحــت الحكــم اإلسـ ي‬
‫ـول‬ ‫ن‬ ‫هللا عــن اإلســام والمسـ ي ن‬
‫ـدال ليتــم ذلــك حـ يـ� بــدأ الحكــم المغـ ي‬
‫ـلم� واختــار حاكــم ثأفغانســتان أحمــد شــاه أبـ ي‬
‫بال�عــزع‪ .‬ممــا ســاعد لثباتهــا لمائــة ســنة وأ كــر إضافيــة‪.‬‬‫تز‬

‫ن‬ ‫ف‬
‫ـا� بعــد الحــرب عــام ‪1857‬م‪ ،‬فانتشــلت الحكــم‬ ‫ال�يطـ ي‬ ‫وقعــت جزيــرة الهنــد ي� قبضــة اإلنجلـ ي زـر واالنتــداب ب‬
‫ف‬
‫ـام واســتبدلته فــورا بحكــم كافــر ألول مــرة ي� تاريـ ـ ــخ شــبه الجزيــرة بعــد ألــف عــام‪ ،‬ولــم تســقط القــوى‬ ‫اإلسـ ي‬
‫ـلم� فقــط بــل لحقتهــا تجارتهــم وصناعتهــم وحرفتهــم وتعليمهــم بشــكل كامــل‬ ‫السياســية والعســكرية عــن المسـ ي ن‬
‫ين‬
‫ـخص� ليغـ يـرا تلــك األيــام المظلمــة خــال العــام ‪1870‬م ويغـ يـرا‬ ‫�ء‪ .‬أرســل هللا شـ‬ ‫ش‬ ‫ت ش‬
‫حــى أ�افهــم فلــم يبــق لهــم ي‬
‫بذلــك مجــرى التاريـ ـ ــخ‪ ،‬كان أولهمــا محمــد إقبــال وثانيهمــا القائــد األعظــم محمــد عـ يـ� جنــاح‪.‬‬
‫ت‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ض‬
‫ـلم‬
‫قــى إقبــال الثلــث األول مــن القـ فـرن الع�يــن ي� تقديــم ال�بيــة السياســية والتعليميــة واألخالقيــة لمسـ ي‬
‫الهنــد واألمــة اإلســامية‪ ،‬وأصبــح � حاجــة لمجاهــد أو قائــد ليتــم المهمــة عمليــا كمــا فعــل كل مــن معـ ي ن‬
‫ـ� الديــن‬ ‫ي‬
‫ول هللا مــن قبلــه‪.‬‬ ‫ت‬
‫جشـ يـى وشــاه ي‬

‫‪73‬‬
‫وصلــت المعركــة السياســية والقانونيــة‬
‫ف‬
‫ي� الهنــد ذروتهــا وجــدت الحاجــة لقائــد‬
‫يقودهــا فيوحــد المسـ ي ن‬
‫ـلم� ويقــود حركــة‬
‫باكســتان ويتمتــع بالقــدرة عــى مواجهــة‬
‫ـي� حـ تـى‬‫مؤام ـرات اإلنجلـ ي زـر والهندوسـ ي ن‬
‫ـلم الهنــد لوجهتهــم األخـ يـرة‬ ‫يصــل بمسـ ي‬
‫وه نشــأة باكســتان‪.‬‬
‫أال ي‬
‫شــكل إيجــاد قائــد مثــال إلدارة المسـ ي ن‬
‫ـلم�‬ ‫ي‬
‫التحــدي األ كـ بـر إلقبــال بعــد إفصاحــه‬
‫ف‬
‫عــن فكــرة باكســتان‪ .‬وقــال إقبــال ي� ذلــك‬
‫الوقــت‪:‬‬

‫«إنني لست يائسا من مستقبل‬


‫المسلمين في الهند‪ ،‬بل إنني واثق‬
‫من أن قائدا مثاليا سيظهر في‬
‫الوسط قريبا»‬

‫كان إقبــال عــى علــم وثيــق أن األمــة اآلن‬


‫بحاجــة لشــخص كفــؤ لقيادتهــا‪ ،‬يتمتــع‬
‫بالفراســة والج ـرأة وبــه مــن الصــدق‬
‫يش�ى‪،‬‬ ‫يه� وال ت‬ ‫واألمانة ما يخوله أن ال ت ز‬
‫يحــب هللا ورســوله ويستســهل خــادع‬
‫اإلنجلـ ي زـر والهنــود كمــا يستســهل ش�ب‬
‫ويح�مــه المســلمون كقائــد‬‫ت‬ ‫المــاء ويتبعــه‬
‫ف‬
‫لهــم‪ .‬اختـ بـر إقبــال كل القــادة ي� الهنــد‬
‫وراقبهــم‪ ،‬فلــم يثبــت إال عــى شــخص‬
‫واحــد كان محمــد عـ يـ� جنــاح‪.‬‬

‫____________________‬

‫إنهــا لحقيقــة تاريخيــة أن إقبــال كان مــن‬


‫جعــل مــن محمــد عـ يـ� جنــاح القائــد‬
‫ـ� لعملــة‬‫األعظــم‪ ،‬كان االثنــان وجهـ ي ن‬
‫واحدة‪ ،‬فال يمكن أن يؤخذ إقبال وحده‬
‫عــن القائــد األعظــم وال يمكــن للعكــس‬
‫أن يحصــل‪ ،‬حيــث كان إقبــال صاحــب‬
‫الفكــر والبصـ يـرة والنظريــة‪ ،‬فيمــا كان‬
‫القائــد األعظــم العامــل عليهــا ومكملهــا‪،‬‬
‫ففكــرة األخـ يـر ال يقــارن بــاألول‪ ،‬وبإعطــاء‬

‫‪74‬‬
‫الفضــل كلــه للقائــد األعظــم ظلــم كبـ يـر للتأريـ ـ ــخ وتزييــف للحقيقــة‪.‬‬

‫عندما سئل إقبال عن سبب اختياره لجناح أجاب‪:‬‬

‫ال وسيلة إلفساده وال ش‬


‫ل�ائه‬

‫____________________‬

‫عندما تأ� مرض الموت إقباال‪ ،‬أقبل عليه وفد يدعون له بالصحة فقال لهم‪:‬‬

‫« أما أنا فقد أنهيت عملي ومهمتي هنا‪ ،‬فادعوا لجناح أن يتم مهمته بدل عن الدعاء لي»‬

‫____________________‬

‫وقد وضح العالمة سبب اختياره جناح ف ي� مناسبة أخرى‪:‬‬

‫« إن جناح سياسي ماهر بعقل قانوني‪ ،‬كما أنه يدرك جيدا مشكلة شبه جزيرة الهند وأي لعبة‬
‫تجري بين البريطانيين والهنود‪ ...‬شهد السيد جناح الوجه الحقيقي لالمبراطورية البريطانية‪،‬‬
‫ولديه القدرة لمجاراة مجلس الشيوخ وهزيمتهم‪».‬‬

‫ذات مــرة اســتغل قائــد الهنــود مجلــس نهــرو لمقابلــة إقبــال‪ ،‬خــال المقابلــة قــال ميــان افتخــار الديــن إلقبــال‪:‬‬
‫ن‬
‫ـا� كمــا‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ال�يطـ ي‬
‫ـ�ء‪ ،‬وهــم يعــادون االنتــداب ب‬ ‫يتمــى المســلمون وطنــا مســتقال لهــم كمــا يتمــى الهنــود نفــس الـ ي‬
‫يفعــل الهنــود‪ ،‬فلــم ال تعلــن هــذه الحقيقــة للمــأ؟ يســتمع المســلمون لــك‪ ،‬فمــن يســتمع لجنــاح؟‬
‫تز‬
‫اه� إقبال غضبا بسماع هذه الكلمات فجلس مقابال عينيه ن‬
‫بعي� ميان افتخار وقال‪:‬‬
‫ي‬

‫« سيد ميان‪ ،‬لربما تتفق معي أن المسلمين بحاجة للوحدة أكثر من أي شيء آخر‪ ،‬وقد بدأوا‬
‫يتحدون بقيادة جناح‪ ...‬بيد أن وحدتهم ال تخص الهنود قيد شعرة‪ ،‬أفنفكك وحدة المسلمين‬
‫لنرضيهم إذن؟»‬

‫____________________‬

‫ين‬
‫الداع� له بقوله‪:‬‬ ‫وعندما جاءه الموت نصح‬

‫« انتهى وقتي‪ ،‬ادعوا لجناح اآلن»‬

‫____________________‬

‫ن‬ ‫ف‬
‫ـام‪ ،‬كان شــغوفا‬ ‫ـى ســمعة جيــدة لنفســه كمحـ ي‬ ‫درس القائــد األعظــم القانــون ي� بريطانيــا قبــل أن يعــود للهنــد ليبـ في‬
‫ـلم� فقــط‬‫بالسياســة‪ ،‬لكــن أفــكاره السياســية كانــت تتمحــور حــول الحــال � الهنــد واتحــاد الهنــود والمسـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ف‬
‫ـياس ي� مجلــس الشــيوخ الهنــدي وأكمــل ســتة عـ شـر ســنة هنــاك‪ .‬فــكان يعــرف كأ كـ بـر‬ ‫آنــذاك‪ ،‬وابتــدأ عملــه السـ ي‬
‫‪75‬‬
76
‫‪ ،1917‬غاندي يخاطب الجماهير أثناء أهم تحركاته (ستياكرا – حركة ال للعنف)‬

‫داعيــة التحــاد الهنــود والمسـ ي ن‬


‫ـلم�‪ ،‬كان جنــاح يعتقــد أن جماعــة غانــدي ليســوا بدعــاة ســام وأنهــم ســيجنحون‬
‫ف‬
‫للفتنــة وإراقــة الدمــاء‪ ،‬وكان يرغــب ي� العمــل بطريقــة قانونيــة‪ ،‬ولكــن بســبب غانــدي وأفــكار غانــدي ضــد‬
‫المسـ ي ن‬
‫ـلم� تــرك جنــاح مجلــس الشــيوخ‪.‬‬

‫ـ� السياســية بعــد‪ .‬فــكان إقبــال‬ ‫ف� ذلــك الوقــت لــم يكــن إقبــال عــى معرفــة بجنــاح ولــم تنضــج أفــكار االثنـ ي ن‬
‫ـياس‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ك‬ ‫ي يبـ نـى مكانتــه ف� الهنــد كمفكــر فيلســوف نابغــة‪ ،‬ومــن الجانــب اآلخــر كان محمــد عــ� جنــاح يرت ـق‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ـلم� المســتمرة فانفصــل عنهــم لينضــم‬ ‫بــارع ومحــام ممتــاز‪ ،‬انزعــج جنــاح مــن عدائيــة مجلــس الشــيوخ للمسـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫ـلم الهند‪ ،‬كانت الجماعة منقســمة ألطراف آنذاك‪ ،‬وقد وقف كل من جناح والعالمة ي� أطراف‬ ‫لرابطة مسـ ي‬
‫معاديــة ف ي� وقــت مــا‪ ،‬بيــد أن إقبــال أبــر جوهــر جنــاح فأصبــح يســتند عــى تربيتــه فكريــا وروحانيــا‪.‬‬

‫ومن هذا الوقت نشأت عالقة خلف مسافات طويلة وتبادل للرسائل‪ ،‬فأرشد إقبال جناحا وعلمه عن حال‬
‫و�ح‬ ‫األمــة المســلمة ومســتقبلها ش‬
‫مشــاكلها لــه‪ ،‬كانــت الهنــد آنــذاك‬
‫مركـزا لالختالفــات والفــو�ض الفكريــة‬
‫ـلم�‪ ،‬إذ لــم يجــدوا عالمــا‬‫ـ� المسـ ي ن‬
‫بـ ي ن‬
‫يرشــدهم وال قائــدا ليتبعــوه فيبـ ن يـى‬
‫قــوة سياســية محكمــة‪ ،‬اســتنكرت‬
‫بعــض الجهــات كــدار العلــوم مســاندة‬
‫الهنــود‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى كانــت‬
‫ـا�‬ ‫ن‬ ‫جماعــة المسـ ي ن‬
‫ـلم� نفســها تعـ ي‬
‫مــن انقســامات ونزاعــات داخليــة‪.‬‬
‫اســتغل مجلــس الشــيوخ هــذا الوقــت‬
‫عدوا المسلمين في بر صغير‪ ،‬نهرو وغاندي‬ ‫ال�يطانيـ ي ن‬
‫ـ� وكســب‬ ‫للتخطيــط لطــرد ب‬
‫‪77‬‬
‫ـلم� ومخاوفهــم حيــال‬ ‫الســلطة عــى شــبه الجزيــرة الهنديــة كاملــة‪ ،‬وتســببت هــذه الحــال بزيــادة همــوم المسـ ي ن‬
‫ـا� تحــت ظــل أفكارهــم المتضــادة‪ ،‬كانــوا يشــكون‬ ‫ن‬
‫ال�يطـ ي‬
‫مــا ســيحل بهــم وبحكمهــم إذا مــا انتــى االنتــداب ب‬
‫ال�يطانيــون فــا ي ـزال تخيــل‬ ‫ال�يطانيـ ي ن‬
‫ـ� وفــوز الهنــد بحريتهــا مجــددا آنفــا‪ ،‬وإذا مــا خــرج ب‬ ‫باحتماليــة خــروج ب‬
‫ف‬
‫ـام حلمــا صعــب المنــال‪ ،‬فانغمــروا ي� خــوف وذعــر مــن انتقــام الهنــود منهــم بعــد ألــف عــام مــن حكــم‬‫حكــم إسـ ي‬
‫م�عزعــة حـ تـى عــام ‪1930‬م‪ ،‬إذ بــدا‬ ‫ـلم� عليهــم‪ .‬ظلــت جماعــة مســلم الهنــد ف� خــوف وشــك وثقــة ت ز‬ ‫المسـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫أن غمامــة مــن الظــام أمطــرت عليهــم ولــم يبــد لهــم أي خيــط مــن النــور بكســب حقوقهــم تحــت ظــل حكومــة‬
‫�ء مــن‬ ‫هنديــة أو بكســب حريتهــم‪ ،‬حيــث كانــوا بــا قاعــدة سياســية وال ماليــة تســندهم ولــم يكــن ليب ـىق ش‬
‫ي‬
‫ثقافتهــم وإنمــا ســتدمر أي عالمــة كانــت تــدل عــى وجودهــم أللــف ســنة‪ ،‬كان الوضــع كئيبــا يائســا اغتــم ألجلــه‬
‫القائــد األعظــم فـ تـرك الهنــد ليســتقر ف ي� لنــدن مستســلما عــام ‪1931‬م‪.‬‬

‫شــاهد العالمــة إقبــال هــذه األحــوال الفوضويــة باهتمــام حـ تـى وصــل لحــل أخـ يـر عــام ‪1930‬م ينــص عــى أن‬
‫الهنــد المتحــدة حلــم مســتحيل وأن األوان قــد آن لتقســم شــبه الجزيــرة الهنديــة لينشــأ المســلمون دولــة‬
‫جديــدة‪ .‬عــرض إقبــال فكرتــه الغريبــة المحـ يـرة والمســتحيلة ظاهريــا ف ي� خطبتــه ف ي� إلــه آبــاد عــام ‪1930‬م‪.‬‬
‫ف‬
‫ال�يطانيــون أي اهتمــام ولــم يصدقــه الهنــود أو‬ ‫وألنهــا كانــت تبــدو فكــرة مســتحيلة ي� ذلــك الوقــت لــم يعــره ب‬
‫المســلمون‪ ،‬حـ تـى أن القائــد األعظــم يئــس ف ي� الســنة الالحقــة فغــادر بل�يطانيــا متخليــا عــن السياســة الهنديــة‪.‬‬

‫اآلن يواجــه إقبــال تحــدي جديــد كبـ يـر‪ ،‬هــا قــد عــرض الفكــر والفلســفة وبـق ي عليــه أن يجــد قائــدا مناســبا ويوحــد‬
‫ـلم�‪ ،‬ثــم يديــر عجلــة القيــادة نحــو باكســتان‪ ،‬كانــت بدورهــا مهمــة مســتحيلة ظاهريــا!‬‫المسـ ي ن‬

‫‪78‬‬
‫‪ ،1931‬العالمة إقبال‪ ،‬محمد علي جوهر‪ ،‬سردار عبدالرب نشتر‪ ،‬إضافة إلى‬
‫مندوبين آخرين من الرابطة اإلسالمية في اجتماع الطاولة المستديرة الثاني‬

‫ـلم� (الرابطــة اإلســامية) حـ تـى تصبــح‬


‫قــرر إقبــال أنــه ال بــد مــن اســتعادة القائــد األعظــم وتســليمه قيــادة المسـ ي ن‬
‫ف‬ ‫باكســتان حقيقــة‪ ،‬فاســتمر بكتابــة الرســائل لــه لسـ ي ن‬
‫ـنت� قبــل أن يقابلــه ي� لنــدن أثنــاء مجلــس الطاولــة‪ ،‬اتخــذ‬
‫ـ� لــه عــن أفــكاره ويقنعــه بالعــودة للهنــد‪ ،‬فبــات عليــه أن يقــدم جنــاح قائــدا‬
‫إقبــال هــذه المقابلــة فرصــة ليحـ ي‬
‫ـلم� ليقودهــم اآلن بعــد أن وضــح فكرتــه عــن تقســيم الهنــد ووســيلة المسـ ي ن‬
‫ـلم� لكســب حريتهــم‪.‬‬ ‫للمسـ ي ن‬

‫ف‬
‫تقبــل القائــد األعظــم إقبــاال كمرشــده ومعلمــه ي� تلــك اللحظــات‪ ،‬هــو محمــد عـ يـ� جنــاح الــذي كان أحــد أ كـ بـر‬
‫ـلم الهنــد‪.‬‬ ‫ن‬ ‫ـلم� والهنــود‪ ،‬اآلن ســيبدأ رحلتــه كقائــد للمسـ ي ن‬
‫ـ� التحــاد المسـ ي ن‬
‫الداعـ ي ن‬
‫ـلم� داعيــا لباكســتان بـ يـ� مسـ ي‬
‫عــاد إقبــال للهنــد بنجاحــه ف� مهمتــه لينظــم صفــوف قيــادة المسـ ي ن‬
‫ـلم�‪ ،‬أصبــح محمــد عـ يـ� جنــاح القائــد األعظــم‬ ‫ي‬ ‫ن ف‬
‫ـلم� ي� ذلــك الوقــت‪ ،‬وغشــت الطمأنينــة والســكون قلــب إقبــال برؤيتــه مهمتــه مكتملــة وباكســتان تنشــأ‬ ‫للمسـ ي‬
‫تحــت ناظريــه‪ ،‬جــاء القائــد الــذي انتظــره إقبــال لســنوات ليقــود المسـ ي ن‬
‫ـلم� ويوحدهــم‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫بالنسبة لي‪ ،‬لقد كان الصديق والمرشد والفيلسوف‬

‫‪80‬‬
‫الفصل الثامن‬

‫‪AA‬‬

‫بالنسبة لي‪ :‬كان صديقي ومرشدي وفيلسوفي‬

‫عــاش محمــد عــ� جنــاح كرجــل حــر مــذ كان ف� عنفــوان شــبابه‪ ،‬لــم يكــن القائــد األعظــم يفكــر بقيــادة المسـ ي ن‬
‫ـلم�‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ي‬
‫ـلم الهنــد‪ ،‬وهــذا مــا احتاجــه لمرشــد يعلمــه بعــد النظــر وينـ يـر قلبــه‬ ‫ـا� تجــاه مسـ ي‬‫رغــم مشــاعره وعملــه المتفـ ي‬
‫وبص�تــه ويمــده بالشــجاعة والهمــة‪ ،‬وأخــذ العالمــة إقبــال صــورة ذلــك المرشــد‪ .‬تغـ يـر العالــم مــن حــول جنــاح‬ ‫ي‬
‫بعــد تعرفــه عــى إقبــال وتأثــره بــه‪ ،‬فجنــاح الــذي غــادر الهنــد يائســا ومستســلما عــام ‪1931‬م هــو نفســه الــذي‬
‫عــاد عــام ‪1932‬م مهووســا بتغيـ يـر خارطــة الهنــد لألبــد‪.‬‬

‫ال يمكــن فهــم واســتيعاب نظريــة باكســتان وال حركتهــا دون فهــم العالقــة العميقــة بـ ي ن‬
‫ـ� القائــد وإقبــال‪ ،‬وضحنــا‬
‫ف‬ ‫م�لــة القائــد ف� نظــر إقبــال‪ ،‬واآلن نــرى ســويا أي ن ز‬
‫مســبقا ن ز‬
‫م�لــة فــاز بهــا إقبــال ي� قلــب القائــد‪ ،‬كان محمــد عـ يـ�‬ ‫ي‬
‫جنــاح قائــد الشــعب األعظــم‪ ،‬فيمــا كان إقبــال قائــد جنــاح األعظــم‪ ،‬وقــد ذكــر جنــاح هــذه الحقيقــة مـرات عــدة‬
‫وأظهرهــا للعالــم دون خجــل‪.‬‬

‫____________________‬

‫‪81‬‬
‫« كان صديقا وخليال وفيلسوفا‪ ،‬وقف كالصخرة في مواجهة أكثر اللحظات ظلمة وبؤسا التي مرت‬
‫بها حركة المسلمين دون أن يرف له جفن‪ ،‬اتحدت حركة المسلمين نتيجة لعزمه وتصميمه‪،‬‬
‫واليوم أعلن بكل فخر أن مسلمي البنجاب يدعمون حركة مسلمي الهند بفضله وهذه هي ثمرة‬
‫جهوده‪ ،‬وال شك أنه يشعر برضا وسعادة كبيرين برؤية هذا‪ ،‬تعازي الحارة والصادقة لعائلته في‬
‫لحظاتهم المريرة بعد خسارته‪ ،‬وهذه خسارة للهند واألمة المسلمة جمعاء»‬

‫(‪ 21‬أبريل ‪ ،1938‬كلكتة)‬

‫____________________‬

‫«إنني مغتم جدا بسماع خبر موت السيد محمد إقبال‪ ،‬لقد كان شاعرا قديرا بشهرة عالمية‬
‫وستبقى أعماله خالدة لألبد‪ ،‬خدم حضرته الهند والمسلمين حول العالم بتفان جعله يضاهي‬
‫عظماء الهند‪ ،‬لقد كان الرئيس السابق لرابطة مسلمي الهند وترأس رابطة مسلمي البنجاب حتى‬
‫أجبره مرضه المفاجئ على التقاعد‪ ،‬لكنه كان سباقا وأكثر عزيمة واجتهادا من أي منا في الحركة‬
‫اإلسالمية‪».‬‬

‫(‪ 21‬أبريل‪1938 ،‬م)‬

‫____________________‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫كان القائــد األعظــم يــرى ي� إقبــال مــا لــم يــر ي� أي إنســان قبلــه وال حـ تـى بعــده‪ ،‬ليــس ي� عــره وال قبلــه وال حـ تـى‬
‫وت�جــم كلماتــه عالقتــه وحبــه إلقبال‪:‬‬ ‫بعــده‪ ،‬ت‬

‫«لن تستطيع الهند يوما التعويض عن خسارة شخص كالدكتور السير محمد إقبال‪ ،‬كان صديقا‬
‫مقربا لي وشاعرا قديرا‪ ،‬وطالما ظل اإلسالم حيا ظل إقبال حيا‪ ،‬عبر شعره عن مشاعر مسلمي‬
‫الهند‪ ،‬وسيظل شعره يلهمنا ويلهم األجيال القادمة بال شك‪».‬‬

‫( الجلسة السادسة والعشرين لرابطة مسلمي الهند‪ 26 ،‬دسمبر ‪1983‬م‪ -‬بتنا)‬

‫____________________‬

‫عــرض إقبــال فكرتــه عــن دولــة مســلمة مســتقلة بتقســيم الهنــد عــام ‪1930‬م‪ ،‬وقـ ضـى السـ ي ن‬
‫ـن� الثمانيــة التاليــة‬
‫يســى ليكمــل هــذه المهمــة‪ ،‬وبــدأ باختيــار القائــد األعظــم قائــدا لرســالته‪ .‬بــذل القائــد بــدوره كل جهــوده‬

‫‪82‬‬
‫ف‬
‫ليحقــق نظريــة باكســتان الـ ت يـى تعلمهــا مــن معلمــه‪ ،‬وقــد دعــاه العالمــة إقبــال بنفســه لجلســة الحركــة ي� الهــور‪،‬‬
‫ف‬
‫واســتجاب القائــد لذلــك فعقــد جلســة للحركــة ي� الهــور عــام ‪1940‬م بعــد وفــاة إقبــال‪ ،‬وتحــدث عــن معلمــه‬
‫ف ي� خطابــه فقــال‪:‬‬

‫«إذا عشت ألرى دولة تحكم اإلسالم بشكل مثالي وخيرت بعدها بين حكمها وبين أعمال إقبال‬
‫الخترت األخيرة»‬

‫(من خطبته في ذكرى إقبال‪ 25 ،‬مارس ‪ 1940‬بالهور)‬


‫ف‬
‫أعلــن قـرار باكســتان ي� تلــك الجلســة وأمــر بــه‪ ،‬ويحتفــل بهــذا اليــوم تحــت مســى يــوم قـرار باكســتان اآلن‪ ،‬زار‬
‫القائــد قـ بـر إقبــال فــورا بعــد الجلســة وقــال‪:‬‬

‫«إقبال ليس بيننا اليوم‪ ،‬لكنه كان ليسعد لو كان حيا اليوم برؤيتنا نجعل من حلمه حقيقة»‬

‫____________________‬
‫ت‬
‫واح�امــه إلقبــال مـرات عــدة بعــد وفــاة األخـ يـر‪ ،‬ولــم يخجــل يومــا مــن تقديــم فضــل‬ ‫تحــدث القائــد عــن محبتــه‬
‫ن‬ ‫ت‬
‫إنشــاء فكــرة حركــة باكســتان للشــاعر فغــدت حقيقــة واضحــة للعيــان‪ ،‬حــى أنــه بـ يـ� خدمــات إقبــال للعالــم‬
‫ـا� والمســتقبل‪ ،‬برؤيــة هــذا نبــر مكانــة إقبــال كمعلــم وصاحــب بصـ يـرة ومحــب للرســول‬ ‫اإلســام ف� الحـ ض‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ي ي‬
‫ـام أجمــع‪.‬‬
‫و� الهنــد والعالــم اإلسـ ي‬ ‫وفيلســوف ليــس ي� قلــب القائــد األعظــم فقــط‪ ،‬بــل ي‬
‫____________________‬

‫« امتدح الكثير من الناس إقباال كداعية سياسي فوق مدحهم ألعماله األدبية‪ ،‬فلم يكتف أثره‬
‫في رسم دولة مستقلة للمسلمين في الهند بل إن رسالته عبرت البحار لتصل ألقاصي العالم‪.‬‬
‫فكان القدوة األفضل في اإلسالم في العصر الحديث‪ .‬حظيت بالفرصة والشرف ألعمل بجانبه‪ ،‬ولم‬
‫أجد شخصا بصدقه ووالئه‪ ...‬سيحيى إقبال لألبد وستنظر األجيال القادمة لذكراه كأحد أفضل‬
‫المحسنين لإلسالم‪».‬‬

‫( من خطبته في ذكرى إقبال‪ 30 ،‬مارس ‪1941‬م)‬

‫« تحتاج كل حركة عظيمة فيلسوفا‪ ،‬وكان إقبال فيلسوف حركة إحياء مسلمي الهند القومية‪ .‬لقد ترك‬
‫خلفه ميراثا عظيما ومهما في أعماله باإلضافة إلى رسالة موجهة لشعوب العالم كلها بعد المسلمين‪.‬‬

‫أشعل إقبال بشعره قلوب المسلمين وحماستهم الستعادة مجد اإلسالم السابق رغم أنه لم‬
‫يعد معنا‪ .‬ستنمو ذكراه شيئا فشيئا مع نمو وتطور هند المسلمين‪ .‬يجب أن يقرأ كل مسلم‬
‫أعماله لنكون متحدين‪ ،‬وعلينا أن ننظم المسلمين حول الهند استنادا للحال االقتصادية‬
‫والتعليمية والمجتمعية والسياسية‪».‬‬

‫(رسالة كتبها في ذكرى إقبال‪ 9 ،‬أغسطس ‪ 1941‬بحيدرأباد)‬

‫____________________‬

‫‪83‬‬
‫تدل خطب القائد على رسوخ ذكرى إقبال في ذهنه‪ ،‬فتلونت أفكاره وفلسفته بألوان فلسفة إقبال‬
‫إبتداء من أفكاره السياسية وحتى فلسفته في الحياة‪ ،‬فقد رأى في إقبال معلما في جميع ميادين‬
‫الحياة‪ .‬وال يمكن أن يشرح أحدهم فلسفة إقبال وأفكاره أكثر ممن تبع ظله وتعليماته‪.‬‬

‫تلخص رسالة إقبال في جملة‪ »:‬عيشوا الحياة بجرأة»‪ ،‬فقد بنيت فلسفة إقبال على األمل والجد‬
‫واإليمان واالعتماد على الذات والجرأة‪ .‬ويرى إقبال أن هذه األعمدة هي األساس الذي يرفع الروح‬
‫وينقيها‪ .‬وكان يعتقد أن المصاعب في المسير تعطي الحياة أهميتها ومذاقها‪ ،‬بل إن التضحيات‬
‫والخسائر مهمة أثناء المسيرة تشكل األهمية والبنية التحتية ألي مجد وصرح بالحياة‪.‬‬

‫لم يؤمن إقبال بالفشل‪ ،‬لكنه آمن بأفضلية االنسان على بقية المخلوقات بل كان يرى أن االنسان‬
‫مكون من أفضل ما أوجده هللا‪ .‬واإلنسان وحده ال يدرك ذلك وعليه أن يبذل كل جهوده ليتعرف‬
‫على نفسه التي خلقها هللا ليصبح أقرب إلى هللا‪ .‬وقد قدم لنا اإلسالم أسهل الوسائل للوصول‬
‫لذاك المبتغى‪.‬‬

‫لم يكن إقبال فيلسوفا فقط بل سياسيا مجددا‪ ،‬كان من أوائل من عرضوا تقسيم الهند بناء على‬
‫حدود قومية كحل للنزاع فيها‪ ،‬فكان من أفضل وأقوى المؤسسين للنشأة السياسية لمسلمي‬
‫الهند‪.‬‬

‫يرفعه هذا درجة عن بقية الفالسفة إذ اختلطت فلسفته بالفكر والعمل‪ ،‬فقد جمع في نفسه حلم‬
‫شاعر وواقعية رجل ينظر لماهية األشياء‪ ،‬وهو يرى اإلسالم في ذلك‪ ،‬بل إنه ال يرى شيء سوى‬
‫اإلسالم‪ ،‬فشعاره في الحياة يتبع تعاليم اإلسالم ناصا على‪ « :‬تجرأ وعش‪».‬‬

‫( رسالته في ذكرى إقبال‪ 20 ،‬مارس ‪ 1943‬بالهور)‬

‫____________________‬
‫‪84‬‬
‫رغم أنه ليس بيننا اليوم‪ ،‬لكن ذكراه وكلماته الخالدة ستبقى معنا دوما لتلهمنا وتقودنا‪ .‬يوحي‬
‫لنا شعره فوق جماله ولغته الغنية بصورة تخيلية عما كان عقله وقلبه‪ ،‬ونستشعر بها حجم‬
‫تعلقه واجتهاده في اتباعه لتعاليم اإلسالم‪ .‬لقد كان تابعا مخلصا للرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬
‫مسلما في بدايته ومنتهاه‪ ،‬لقد كان ممثل اإلسالم وصوته‪.‬‬

‫لم يكن إقبال داعية وفيلسوفا فقط؛ لقد وقف بثبات وشجاعة ومعتمدا على ذاته وقبل كل هذا‬
‫مؤمنا باهلل ومخلصا لإلسالم‪ .‬اجتمع في شخصه حلم الشاعر وواقعية الرجل العامل المبصر‬
‫لكينونة األشياء والعالم‪ .‬استندت رسالته على إيمانه باهلل وجهده المتفاني‪ ،‬ليخرج من هذا‬
‫بصورة مثالية لإلسالم‪ .‬فكان إيمانه بمبادئ اإلسالم ال يتزعزع‪ ،‬ورأى النجاح في الحياة بالتعرف‬
‫على الذات‪ ،‬وشكل اإلسالم الوسيلة الوحيدة لتحقيق نجاحه‪ .‬كانت رسالته للبشرية تكمن في‬
‫معرفة ذواتنا والعمل‪.‬‬

‫أقدم كل االحترام والتقدير لذكرى شاعرنا إقبال العزيزة التي يحتفى بها في هذا اليوم إلحياء ذكرى‬
‫ذاك الشاعر الحكيم والفيلسوف والمفكر‪ .‬أدعو هللا أن يغمر روحه بالرحمة والسكينة‪ .‬آمين!‬

‫‪85‬‬
86
‫الفصل التاسع‬

‫‪AA‬‬

‫صورة لما هو قادم‬

‫ظــل مســتقبل مســلم الهنــد نهايــة مســدودة لــرواق مظلــم حـ تـى العــام ‪1930‬م؛ كانــت السياســة ف� فــو�ض‬
‫ي‬ ‫ف‬ ‫ي‬
‫عارمــة‪ ،‬لــم يكــن لديهــم قيــادة تديرهــم وال نظريــة ثابتــة ليتبعوهــا‪ . ----- .‬شــارك المســلمون ي� جميــع الحـركات‬
‫المناهضــة لالنتــداب بعــد الحــرب العالميــة األوىل‪ ،‬لكنهــم كانــوا يشــكلون أقليــة أمــام الهنــود‪ ،‬وكانــوا أقــل منهــم‬
‫ف‬ ‫نشــاطا أيضــا‪ ،‬حـ تـى كان غانــدي مــن يقــود حركــة الخالفــة‪ ،‬والــذي اســتعمل عواطــف المسـ ي ن‬
‫ـلم� وهيجانهــم ي�‬
‫اإلنجل� خارج الهند رغم أنه لم يكن يقبل بحصولهم عىل أي مصدر للقوة سياسيا‪.‬‬ ‫يز‬ ‫ف‬
‫صالحه ي� سبيل طرد‬

‫مرت ي ن‬
‫سن� عىل ترك جناح لمجلس الشيوخ لكن اليأس من الرابطة اإلسالمية بدأ يتغلغل داخله‪.‬‬

‫ـم� متضاديــن‬ ‫كانــت الرابطــة اإلســامية تعـ نـا� نزاعــات داخليــة حـ تـى العــام ‪1930‬م أيضــا‪ ،‬انقســمت لقسـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ي‬
‫تواجــه فيهــا كل مــن جنــاح وإقبــال إذ كان كل منهمــا ي� الجهــة األخــرى‪ .‬ي� ذلــك الوقــت حاربــت الرابطــة‬
‫ـلم� ف� الهنــد‪ ،‬ممــا يعنيــه أيضــا أنهــا كانــت تســى لحمايــة المسـ ي ن‬
‫ـلم� كأقليــة‪.‬‬ ‫ن‬
‫اإلســامية ألجــل حقــوق المسـ ي ي‬

‫اســتمتع اإلنجلـ ي زـر باســتعمار األرا�ض ي وإفســادها بعــد الحــرب العالميــة األوىل‪ ،‬وكانــت ســلطتهم عــى الهنــد‬
‫ـيج�ون يومــا عــى مغــادرة الهنــد‪.‬‬‫محكمــة‪ ،‬فلــم يخطــر عــى بــال أي فيلســوف أو مفكــر أو عالــم أن اإلنجلـ ي زـر سـ ب‬
‫ث‬
‫وكان تخيــل أنهــا ستقســم ليهنــأ المســلمون بواليــة جديــدة مســتقلة مســتحيال أ كــر‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫ف‬
‫وصــل المســلمون ي� فرقتهــم وضعــا ميؤوســا منــه حـ تـى استســلم محمــد عـ يـ� جنــاح مــن إمكانيــة إنقاذهــم‬
‫وقــرر تــرك الهنــد والذهــاب للنــدن‪ .‬سـ تـي�ك سياســة الهنــد تحــل وحدهــا وسـ تـي�ك الرابطــة اإلســامية وإجراءاتهــا‬
‫ويعيــش بقيــة حياتــه بهــدوء ف ي� لنــدن‪.‬‬

‫ين‬
‫المسلم�‬ ‫ت‬
‫ال� تحلقت حول‬ ‫ض‬
‫وعقل العالمة إقبال ليبدل ظلمات الحا� ي‬ ‫ف‬
‫أحسن هللا وأنعم عىل األمة بفكر‬
‫وهددت وجودهم ووجود اإلسالم ي� الهند‪.‬‬
‫ف‬
‫أقيمــت جلســة الرابطــة اإلســامية الســنوية ي� إلــه أبــاد‪ ،‬شــارك إقبــال فيهــا وقـرأ خطبتــه المشــهورة الـ ت يـى تســى‬
‫ـا� ألول مــرة عــن تقســيم شــبه جزيــرة الهنــد كحــل‬ ‫اليــوم بخطبــة إلــه أبــاد‪ .‬أعلــن إقبــال ف� خطبتــه بشــكل مبـ ش‬
‫ي‬
‫ض‬
‫الحا�يــن قابليــة الفكــرة الغريبــة‪،‬‬ ‫ـلم� حـ تـى يهنــؤوا بدولــة إســامية مســتقلة‪ .‬لــم يصــدق أي مــن‬‫أخـ يـر للمسـ ي ن‬
‫ـا�ون‬ ‫ث‬
‫وســخر الهنــود منهــا فقالــوا أنهــا حلــم ال أ كــر واســتهجنوا فكــرة تقســيم الهنــد بعنــف‪ .‬لــم يتقبــل الحـ ض‬
‫يز‬
‫باإلنجل�يــة ولــم يفهمهــا العامــة‪ ،‬إذ لــم يكــن مســلمو الهنــد قادريــن عــى اســتيعاب فلســفة‬ ‫الخطبــة الـ ت يـى تليــت‬
‫ف‬
‫إقبــال ذات المســتوى العــال � ذلــك الوقــت‪ ،‬بــل إنهــم توقعــوا أن إقبــال ســيقرأ عليهــم شــعرا جديــدا حـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫ي ي‬
‫وقــف ف� الجلســة‪ ،‬أجفــل الســامعون لــدى قـراءة إقبــال لخطبتــه دون الشــعر الــذي حـ ضـروا الخطبــة متشـ ي ن‬
‫ـوق�‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫لســماعه‪ ،‬قـرأ إقبــال خطبتــه تب�كـ ي زـر شــديد واجتمــع طــاب العلــم ليدعمــوه ي� الجلســة‪ .‬ســأل ســيد إقبــاال بعــد‬
‫انتهــاء الخطبــة عــن ســبب تضييعــه لوقتــه عــى هكــذا قــوم ال يســتطيعون حـ تـى ادراك فكــره فأجابــه إقبــال بثقــة‪:‬‬

‫«إن مصير أجيال هذا الشعب القادمة في قبضة يدي»‬


‫ف‬
‫ـلم الهنــد خصوصــا‪.‬‬ ‫ي‬ ‫تعــد خطبــة إلــه أبــاد مــن أ كـ ثـر الخطــب تأثـ يـرا وعظمــة ي� األمــة اإلســامية عمومــا ومسـ‬
‫وصــل فكــر إقبــال وفلســفته ذروتــه ف ي� ذلــك الوقــت حـ تـى أصبــح بيــده تغيـ يـر التاري ـ ــخ وقــد قالهــا إقبــال ف ي� خطبتــه‪:‬‬

‫‪ ،1930‬العالمة إقبال‬

‫‪88‬‬
‫« عشت معظم حياتي أقرأ عن اإلسالم والفقه والسياسة والثقافة والحضارة واألدب‪....‬‬

‫وخرجت بهذا بعد أن أبصرت الحقائق الدنيوية عن طريق اإلسالم‪»...‬‬


‫ف‬
‫تحــدث إقبــال عــن ثقافــة اإلســام وروحــه وحضارتــه وأســباب نهضتــه وســقوطها ي� خطبتــه‪ ،‬وقــدم تقريـرا عــن‬
‫ف‬
‫ـلم الهنــد ومســتقبل أجيالهــم سياســيا واقتصاديــا ودينيــا وثقافــة بشــكل شــامل لــم يــر مــن قبــل ي�‬
‫حمايــة مسـ ي‬
‫ـام‪.‬‬
‫التاري ـ ــخ اإلسـ ي‬

‫«‪ ...‬ليست مبالغة حين نقول أن الهند قد تكون البلد الوحيد التي أثبتت أن اإلسالم قوة إعجازية‬
‫أفضل من غيرها حول العالم‪ ،‬يعود أساس اإلسالم في المجتمع لقيامه على فكر أخالقي‪ ،‬فنرى‬
‫المجتمع اإلسالمي كبر ليصل إلى ما هو عليه من وحدة ال مثيل لها علي تحت ظل القوانين‬
‫واألحكام المنصوص عليهم في اإلسالم‪.‬‬

‫غيرت األفكار التي حررها األوروبيون حاضر جيل المسلمين في الهند وخارجها‪ ،‬والذي جعل شباب‬
‫أمتنا يتمنون تطبيقها في حياتهم‪ ،‬دون تحليل وتدبر ألساس هذه األفكار القادمة من الغرب‪.‬‬

‫‪..........‬‬

‫اإلسالم طاقة حياة تحرر اإلنسان من جلده‪ ،‬يؤمن أن للدين األهمية الكبرى في حياة األفراد كما‬
‫الوالية‪ ،‬وأخيرا من يؤمن أن اإلسالم مصير مستقل يغير األقدار‪.‬‬

‫‪..........‬‬

‫السؤال اآلن هو ما هي المسألة وما هي عواقبها؟ هل الدين مسألة خصوصية؟ أسنحب رؤية‬
‫اإلسالم كفكرة أخالقية سياسية‪ ،‬ليعيش مصير النصرانية في أوروبا؟ هل يمكن إعادة اإلسالم‬
‫لكونه فكرة أخالقية فقط دون كونها سياسية‪ ،‬لتفضيل السياسات العالمية التي ال تعطي للدين‬
‫أي أهمية؟‬
‫‪89‬‬
‫تتعلــق أســس الفكــرة الدينيــة لإلســام بالمنظومــة المجتمعيــة الـ ت يـى بنتهــا‪ ،‬رفــض‬
‫إحداهمــا ســيؤدي لرفــض األخــرى‪ .‬ولهــذا فــإن المســلم ال يقبــل أن تبـ نـى سياســة‬
‫ترفــض اإلســام وتســتثنيه وقواعــده‪.‬‬

‫‪..........‬‬

‫بشر إقبال المسلمين بكل ثقة وهدوء بإمكانية قيام والية‬


‫إسالمية في شمال غرب الهند‪ .‬لم يقل إقبال ذلك ليعطيهم‬
‫اإلذن بل ليلهم المسلمين ويرسم لهم أمال جديدا‪ ،‬ففي الحاالت‬
‫السياسية الصعبة بذلك الوقت وتحت ظل فرقة المسلمين‬
‫وقوة العدو تفادى إقبال اإلذن بقيام الوالية فورا لكي ال يتحمل‬
‫المسلمون عواقب ذلك من الحكومة والغالبية الهندية‪ .‬ولهذا‬
‫فقد أعطى بشارته بحرص واهتمام في الكلمات التالية‪:‬‬

‫« شخصيا‪ ،‬أتمنى أن يجتمع الشمال الغربي من البنجاب مع‬


‫السند وبلوشستان تحت علم والية واحدة مستقلة سواء‬
‫كانت ضمن االمبراطورية البريطانية أو ال‪ ،‬أنني ألرى أن إقامة‬
‫والية مستقلة للمسلمين في الشمال الغربي للهند هو‬
‫الحل األخير للمسلمين‪ ،‬لقد رفع االقتراح للجنة نيهرو‬
‫ورفض بحجة أنه إن نفذ فستنشأ دولة غير عملية‪ .‬إنهم‬
‫لعلى حق طالما كانت المساحة هي المسألة المطروحة‪،‬‬
‫أما إن وضع تعداد السكان كمعيار فإن الوالية المقترحة‬
‫ستكون أصغر بكثير من بعض المناطق الهندية‬
‫الحالية‪ .‬فباستثناء تقسيم األمباال وبعض المناطق‬
‫التي يغلب فيها غير المسلمون سيجعلها أقل وسعة‬
‫وأكثر احتواء للمسلمين‪ ،‬وبهذا يهنأ المسلمون‬
‫بحماية أفضل داخل هذه الوالية المستقلة‪ .‬ال حاجة‬
‫لتنبيه البريطانيين أو الهنود‪ ،‬الهند هي أفضل دولة‬
‫مسلمة في العالم‪ .‬تعتمد فكرة العيش في مجتمع‬
‫مؤسس إسالميا على تمركزها في منطقة محددة‪.‬‬

‫‪..........‬‬

‫يعد بناء نظام مستقل بناء على اللغة واألصل‬


‫والتاريخ والديانة والهوية االقتصادية الوسيلة‬
‫الوحيدة لتوفير هيكل آمن في الهند نظرا‬
‫لتنوع الهند في الجو واألصول واللغات‬
‫واالنتماءات والمنظومات المجتمعية‪.‬‬

‫____________________‬

‫‪90‬‬
‫ف‬
‫ال�يطانيــة أو ال بنــاء عــى المصالــح الظاهريــة ي�‬ ‫االم�اطوريــة ب‬‫ب‬ ‫لقــد تعمــد إقبــال قــول ســواء كانــت ضمــن‬
‫ف‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫ذلــك الوقــت‪ ،‬ظهــرت توقعــات إقبــال ي� وقــت الحــق بشــكل محـ يـر‪ ،‬حـ يـ� تحققــت أقوالــه ي� العــام ‪1974‬م‬
‫ال�يطانيــة‬ ‫لالم�اطوريــة ب‬
‫ب‬ ‫مص�هــم بالنســبة‬ ‫وانقســمت الهنــد‪ .‬أعطيــت كل مــن الهنــد وباكســتان الخيــار لتقريــر ي‬
‫ن‬ ‫ن‬ ‫ت‬
‫ـوم عــى كل مــن‬ ‫ال�يطانيــة تنص نيــب ماونــت بيــ� كجــرال حكـ ي‬ ‫وحصولهــم عــى ســلطة كاملــة‪ .‬أرادت الحكومــة ب‬
‫ج�الــه الحكــوم بنفســه‪ ،‬وأصبــح ماونــت بيـ تـ�ن‬ ‫باكســتان والهنــد‪ ،‬لكــن القائــد األعظــم رفــض بشــدة واختــار‬
‫ـ� نفســها تحــت الحكــم ال�يطـ ن‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ـا�‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫لتض‬ ‫ـار‬
‫ـ‬ ‫ي‬ ‫الخ‬ ‫ـت‬ ‫ـوم للهنــد وحدهــا‪ ،‬إذ أن باكســتان قــد أعطيـ‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫الجــرال الحكـ ي‬
‫ـا� بــأي شــكل‪ .‬خرجــت باكســتان عــن ســلطة‬ ‫ال�يطـ ي‬ ‫رفــض القائــد األعظــم إنشــاء باكســتان تحــت مظلــة التــاج ب‬
‫ش‬ ‫ف‬
‫والع�يــن مــن مــارس عــام ‪1956‬م كواليــة مســلمة‬ ‫ـ� منــذ اللحظــة الـ ت يـى أعلــن عنهــا ي� الثالــث‬
‫ال�يطانيـ ي ن‬
‫ب‬
‫مســتقلة وحــرة‪ .‬أثبتــت توقعــات إقبــال وفراســته مجــددا؛ فقــد رأى أن باكســتان قــد تضطــر للنشــأة تحــت‬
‫االنتــداب ف ي� بداياتهــا ثــم ســتخرج عنــه لتصبــح حــرة‪ ،‬لكــن هــذا مــا حــرر ف ي� التاريـ ـ ــخ‪....‬‬

‫‪91‬‬
92
‫الفصل العاشر‬

‫‪AA‬‬

‫من محمد على جناح إلى القائد األعظم‬

‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬


‫رسم إقبال صورة ضبابية للمستقبل ي� خطبته المشهورة ي� إله أباد عام ‪1930‬م‪ ،‬بيد أن حلفاءه ي� الرابطة‬
‫اإلســامية لــم يصدقــوه ولــم يثــق القائــد األعظــم بــه مــن جانــب آخــر؛ إذ كان يأمــل توحــد المسـ ي ن‬
‫ـلم� والهنــود‪،‬‬
‫غــادر الهنــد بعــد شــهر مــن الخطبــة ف ي� غمــرة مــن اليــأس فســافر إىل لنــدن عاقــدا العــزم عــى إكمــال حياتــه هنــاك‪.‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫وقــع إقبــال ي� محنــة جديــدة‪ ،‬فعندمــا كان القائــد ي� باكســتان لــم يملــك المســلمون دافعــا‪ ،‬ولمــا وجــدوا الدافــع‬
‫ف‬
‫لــم يجــدوا المرشــد المنشــود‪ .‬ولــم يــر إقبــال أفضــل مــن محمــد عـ يـ� جنــاح لتلــك المهمــة ي� شــبه جزيــرة الهنــد‪،‬‬
‫ـلم� ســتظل مكتوبــة عــى الــورق‬ ‫إن لــم يعــد القائــد األعظــم لباكســتان ليقــود المســلمون لــم تكــن دوافــع المسـ ي ن‬
‫ـلم� سيعيشــون مســتقبال مظلمــا وكئيبــا لألبــد‪ .‬فمــا كان أمــام إقبــال إال أن يقنــع القائــد‬ ‫فقــط‪ ،‬بــل إن المسـ ي ن‬
‫بنظريــة تقســيم الهنــد والعــودة بــه إىل الهنــد مــن بريطانيــا لتحويــل القيــادة لــه‪ .‬وســنحت الفرصــة إلقبــال لمالقــاة‬
‫القائــد ف ي� الخــارج رسيعــا‪.‬‬

‫ـ�‪ .‬قيــدت تحـركات الرابطــة اإلســامية بعــد‬ ‫ال�يطانيـ ي ن‬ ‫ـلم� أ كـ ثـر ف� أعـ ي ن‬
‫ـ� ب‬ ‫ـ� الهنــود والمسـ ي ن‬
‫تأججــت نــار المنافســة بـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫ال�يطانيــون‬ ‫ـلم� ظلــوا يقاومــون كأقليــة ي� الهنــد‪ ،‬ولــم يســتطع ب‬‫مغــادرة جنــاح فغــدت تهــوي سياســيا‪ ،‬لكــن المسـ ي ن‬
‫ـلم�‪ .‬حــددت ثالثــة أيــام‬‫ن‬ ‫رفــض كل مطالبهــم حـ تـى ال ترجــح كفــة الهنــود‪ ،‬باالضافــة لحاجتهــم لمشــاورة المسـ ي‬
‫األ�اف مــن مختلــف المذاهــب ف ي� الهنــد لمناقشــة األمــر‪.‬‬ ‫لجلســة الطاولــة ف� لنــدن لذلــك الســبب ودع كل ش‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫‪93‬‬
‫‪ ،1931‬العالمة إقبال والقائد األعظم محمد علي جناح في اجتماع الطاولة المستديرة الثاني‬

‫ف‬ ‫ف‬
‫عقدت جلسات الطاولة باألعوام ‪1932-1931-1930‬م ي� لندن‪ ،‬شارك كل من إقبال وجناح ي� الجلسات‪،‬‬
‫لــم تغـ يـر الجلســة مــن الحــال شــيئا لكنهــا أعطــت الفرصــة إلقبــال لمقابلــة جنــاح والتحــدث معــه مطــوال وإقناعــه‪.‬‬
‫ف�حهــا ووضحهــا‬ ‫ـلم� ف� بريطانيــا ش‬
‫ن‬ ‫كمــا أنــه شــارك أفــكاره ف� تقســيم الهنــد شأ�افــا مــن المسـ ي ن‬
‫ـلم� وطالبــا مسـ ي ي‬ ‫ي‬ ‫ث‬
‫أك�‪.‬‬
‫ف‬ ‫قابــل إقبــاال وفــدا مــن المسـ ي ن‬
‫ـلم� كان جــودري رحمــت عـ يـ� مــن ضمنهــم آنــذاك‪ ،‬والــذي كان يقيــم ي� بريطانيــا‬
‫بســبب التعليــم‪ ،‬تأثــر جــودري‬
‫رحمــت عـ يـ� بعــد نقــاش‬
‫مفصــل مــع إقبــال فقــد كان‬
‫شــابا شــغوفا‪ ،‬كتــب جــودري‬
‫عل مقالته «اآلن وإال‬ ‫رحمت ي‬
‫فــا» عــام ‪1933‬م ليســلط‬
‫مزيــدا مــن الضــوء عــى نظريــة‬
‫إقبــال‪ .‬فحلــل فيهــا المناطــق‬
‫باألك�يــة المســلمة يل�ســمها‬ ‫ث‬
‫ف‬
‫ي� خريطــة واحــدة ســماها‬
‫ـ� الحــروف‬ ‫باكســتان جمــع بـ ي ن‬
‫ـ� واألفغــان و‬ ‫األوىل للبنجابيـ ي ن‬
‫الســنود وأرفقهــا بلفــظ ســتان‬
‫مــن بلوشســتان مكونــا اللفــظ‬
‫باكســتان كنتيجــة‪ .‬وقــد توغــل‬
‫ف‬
‫ي� األمــر أ كـ ثـر فصــور بنــاء دول‬

‫‪94‬‬
‫‪ ،1932‬لندن‪ ،‬الشاب جوهدري رحمت علي مع السياسيين والعالمة إقبال‬

‫ف‬
‫مســلمة أخــرى ي� شــبه جزيــرة الهنــد‪ ،‬فجعــل حيــدر أبــاد ومــا حولهــا مــن المناطــق دولــة ســماها عثمانســتان‪،‬‬
‫ومناطــق البنغــال ســماها بانغســتان‪.‬‬

‫أفــادت مقالــة رحمــت عــ� ف� جعــل تقســيم الهنــد موضوعــا رئيســا ف� مناقشــات الهنــود والمسـ ي ن‬
‫ـلم� مــع‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬
‫ال�يطانيــون والهنــود األخبــار عــن المقالــة وخطبــة إلــه أبــاد حـ تـى توصلــوا لهــدف الرابطــة‬
‫ـ�‪ ،‬جمــع ب‬ ‫ال�يطانيـ ي ن‬
‫ب‬
‫ف‬
‫اإلســامية ي� إنشــاء باكســتان‪.‬‬

‫لــم تكــن الرابطــة اإلســامية قــد تقبلــت نظريــة تقســيم الهنــد بعــد‪ ،‬ولــم تكــن قيادتهــا تصــدق بهــا ولــم يكــن‬
‫ف‬ ‫وال�يطانيـ ي ن‬ ‫ف‬
‫ـ�‪ ،‬العمــل الــذي كان ســيأخذ وقتــا طويــا ي� الرابطــة‬ ‫للنظريــة وجــود ي� مذك ـرات وق ـرارات الهنــود ب‬
‫ال�يطانيــون والهنــود بأيديهــم؛ فقــد انفجــروا بذكــر الفكــرة حـ تـى بــدأ المســلمون يضعونهــا‬ ‫اإلســامية فعلــه ب‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫كاحتمــال ي� أذهانهــم‪ .‬وقــد ســى المســلمون والرابطــة اإلســامية ي� الهنــد دولتهــم بباكســتان عنــادا‪ ،‬وســخر‬
‫ف‬
‫القائــد األعظــم منهــم ي� خطابــه عــام ‪1943‬م فقــال‪:‬‬

‫« لم نستخدم كلمة باكستان حين شرعنا في قرار الهور‪ ،‬فمن بظنكم جاء بالكلمة؟ (صرخات‬
‫أجابت‪ :‬الهندوسيون) أخبركم أن هذا كان خطأهم فقد بدؤوا يناهضون القرار قائلين أنه إنشاء‬
‫باكستان‪ ،‬لقد كانوا جاهلين بما يدور في الرابطة اإلسالمية تماما‪ ،‬وأهدونا الكلمة على طبق من‬
‫ذهب‪ ....‬جميعنا على علم أن الكلمة «باكستان» ألصقت بنا وأطلقتها علينا الصحافة البريطانية‬
‫والهندوسية‪ ،‬واآلن يعرف قرارنا بقرار الهور المشهور بمسمى باكستان‪ ،‬فإلى متى نستخدم هذه‬
‫الجملة الطويلة؟‬

‫____________________‬

‫‪95‬‬
‫خريطة جوهدري رحمت علي لتقسيم الهند‬

‫‪96‬‬
‫اآلن أقول لرفاقنا الهنود والبريطانيين‪ :‬نشكركم على إهدائنا هذه‬
‫الكلمة‪ ( ،‬تصفيق وصرخات تنادي‪ :‬اسمعو‪ ،‬اسمعو‪ ).‬ما هو أساس‬
‫ومصدر الكلمة «باكستان»؟ لم تكن الرابطة اإلسالمية أو أنا من‬
‫صاغها‪ ،‬بل أحد الرفاق في لندن‪ ،‬الذي أراد أن يفرق شمال غرب الهند‬
‫عن بقيتها كان من صاغ االسم عام ‪30-1929‬م وسمى المنطقة‬
‫بباكستان‪ .‬فاختار الحرف ب من البنجاب و أ من األفغان إذ كان إقليم‬
‫الحدود الشمالية الغربية يسمى بأفغان حتى اليوم ( تعد ضمن‬
‫خيبر بختون خواه اليوم)‪ ،‬و ك من كشمير و س من السند و تان‬
‫من بلوشستان ليخرج باالسم باكستان‪».‬‬

‫(‪ 24‬أبريل ‪1943‬م خطاب الرابطة اإلسالمية الرئاسي)‬


‫ف‬
‫وهكــذا كان أول مــن أنطقــه هللا بكلمــة باكســتان هــو جــودري رحمــت عـ يـ� وإال فليــس لــه أي دور آخــر ي� حركــة‬
‫باكســتان‪ ،‬أمــا غـ يـر ذلــك فلــم تطــأ قدمــا جــودري رحمــت عـ يـ� األرا�ض ي الهنديــة قبــل إنشــاء باكســتان كمــا لــم‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ينضــم للرابطــة اإلســامية وال كانــت لــه عالقــة قويــة بالقائــد األعظــم أو العالمــة إقبــال‪ .‬ي� إحــدى اللقــاءات ي�‬
‫خ�تــه وصغــر ســنه رد عليــه القائــد األعظــم‪:‬‬
‫لنــدن عــام ‪1934‬م ضغــط عــى القائــد األعظــم كثـ يـرا قلقــا مــن قلــة ب‬

‫«أوالدي األعزاء‪ ،‬ال تتسرعوا‪ .‬دعوا المياه تجري في مجاريها»‬


‫ن‬
‫ـا� باكســتان بــل وحـ تـى قلــل مــن شــأنه‪،‬‬ ‫ق‬
‫وال بــد أنــه كان مــن ســوء حــظ جــودري رحمــت عـ يـ� أن بـ ي بعيــدا عــن بـ ي‬
‫فلــم يكــن بمقــودره فهــم هــذه المســائل بســبب صغــر ســنه وبعــده عــن السياســة الهنديــة بــل وحـ تـى أنــه لــم‬
‫ف‬
‫ال�يطانيــة والهنديــة‪ .‬فتحــت تلــك الظــروف لــم يكــن بنــاء‬ ‫يكــن مــكان القائــد األعظــم ي� مواجهــة المؤام ـرات ب‬

‫شاهد قبر جوهدري رحمت علي في لندن في مقبرة كامبريدج‬

‫‪97‬‬
98
‫عثمانســتان أو بانغســتان ممكنــا كمــا كان جــودري يتمـ نـى‪ ،‬ولهــذا انتقــد جــودري رحمــت عـ يـ� الرابطــة اإلســامية‬
‫ال�قيــة والغربيــة فقــط‪ ،‬حـ تـى أنــه وصــل لقبولــه العمــل كعميــل‬ ‫ـ� أنشــئت باكســتان ش‬ ‫والقائــدة األعظــم بشــدة حـ ي ن‬
‫بل�يطانيــا‪ .‬زار جــودري رحمــت عـ يـ� باكســتان مــرة واحــدة عــام ‪1948‬م لكــن رسعــان مــا عــاد للنــدن الختالفــه‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ـو� عــام ‪1951‬م ي� لنــدن‪ .‬كان لجــودري رحمــت‬ ‫الشــديد مــع الرابطــة اإلســامية وأكمــل بقيــة حياتــه هنــاك فتـ ي‬
‫سء غريــب فــكان مــن صــاغ كلمــة باكســتان لكنــه أصبــح ناقــدا ومخالفــا لبانيهــا ولــم ينعــم حـ تـى بالدفــن‬ ‫عـ يـ� حــظ ي‬
‫ف ي� تـراب الدولــة الـ ت يـى ســماها‪.‬‬

‫____________________‬

‫ـلم� عمومــا وعــى العالمــة إقبــال خصوصــا‪.‬‬ ‫مضــت األعــوام مــن ‪ 1930‬حـ تـى ‪1934‬م مريــرة صعبــة عــى المسـ ي ن‬
‫ـلم� لــم يهنئــوا بقائــد لهــم حـ تـى اآلن‬
‫عــرض إقبــال نظريتــه وصــاغ رحمــت عــ� االســم باكســتان لكــن المسـ ي ن‬
‫ي‬
‫ف‬
‫ليحــرك الثــورة ويجعــل حلــم باكســتان البعيــد قريبــا‪ .‬نجــح إقبــال ي� إقنــاع القائــد األعظــم عــام ‪1934‬م بفضــل‬
‫مــن هللا‪ .‬عــاد القائــد مقتنعــا ومصدقــا أن الحــل الوحيــد هــو تقســيم شــبه جزيــرة الهنــد لهنــد الهندوســية وهنــد‬
‫ف‬ ‫ـلم�‪ ،‬وقبلــت دعــوات إقبــال ف� تليـ ي ن‬
‫ـ� قلــب القائــد لـ تـرك قـراره ي� التخـ يـ� عنهــم وجعلــه يعــود للهنــد ليقــود‬ ‫ي‬
‫المسـ ي ن‬
‫ـلم�‪.‬ن‬
‫المسـ ي‬
‫ف‬
‫تــروى حكايــة مثـ يـرة أخــرى بمناســبة هــذا‪ ،‬أن الرســول صــى هللا عليــه وســلم زار القائــد ي� رؤيــاه فأمــره بإرشــاد‬
‫ف‬
‫ـلم� وبـ شـره بالنجــاح ي� هــذه المهمــة‪ ،‬فعــاد القائــد للهنــد وبيــده هــذه البشــارة ليجعــل مــن حلــم إقبــال‬
‫المسـ ي ن‬
‫بباكســتان حقيقــة‪.‬‬

‫المقرب� للقائد األعظم ف ي� جهلم قوله‪:‬‬


‫ين‬ ‫ونقتبس من أحد‬

‫« عندما عاد القائد األعظم من لندن كنت أول من وصل لمقابلته‪ ،‬كان صامتا يغوص في بحر‬
‫أفكاره فسألته عن السبب‪ ،‬أجابني أن سبب عودته من لندن كان حادثة غريبة واجهها في لندن‬
‫فقال‪ :‬كنت نائما في شقتي في لندن وأحسست من يحرك فراشي بخفة فلما جلست لم أر أحدا‪،‬‬
‫عدت للنوم وحصل نفس الشي مرة ثانية وفي الثالثة شد فراشي بعنف فقمت سريعا ووجدت‬
‫رائحة فاتنة غريبة تلف شقتي‪ ،‬وأحسست وجود شخص غير طبيعي في المكان‪ ،‬سألت بأدب‬
‫عمن كان فأجابني أنه رسولي صلى اله عليه وسلم ‪ ،‬فطأطأت رأسي وبدأته السالم فرد بصوت‬
‫جميل أن يا سيد جناح‪ ،‬مسلمو شبه جزيرة الهند في حاجتك‪ ،‬وأنا آمرك بإرشادهم وقيادتهم‪،‬‬
‫وما دمت تحبني ال حاجة لك أن تغتم فستنجح في مهمتك إن شاء هللا‪ ...‬فسلمت ألمره وأجبت‬
‫ندائه‪».‬‬

‫‪99‬‬
100
‫الفصل احلادي عشر‬

‫‪AA‬‬

‫تربية القائد األعظم على يد العالمة إقبال‬

‫وجــد العالمــة إقبــال القائــد األعظــم الــذي كان يبحــث عنــه لقيــادة العــر حـ ي ن‬
‫ـ� عــاد جنــاح مــن بريطانيــا‪ ،‬ولكــن‬
‫تحديــا أ كـ بـر ال زال يخيــم بظلــه عــى عملــه؛ فهــا هــو قــد صــاغ نظريتــه ووجــد مــن يحييهــا لكنــه يفتقــر التحــاد‬
‫ن‬ ‫المسـ ي ن‬
‫ـا� مســلمو الهنــد مــن الفقــر واليــأس والــذل بــا حقــوق مــن‬ ‫ـلم� ووقوفهــم دونهــا بقيــادة مــن اختــاره‪ .‬يعـ ي‬
‫ـلم� وحركاتهــم تشــتتا وتعارضــا شــديدين‪ ،‬وأبــدت الكثـ يـر مــن‬ ‫جانــب‪ ،‬ومــن الجانــب اآلخــر تشــهد فــرق المسـ ي ن‬
‫الجماعــات السياســية والدينيــة ازدراءهــم وكرههــم للحركــة اإلســامية والقائــد األعظــم ونظريــة باكســتان‪ ،‬ال‬
‫ـلم الهنــد تحــت ظــل الحركــة اإلســامية أمــر مســتحيل‪.‬‬ ‫شــك أن جمــع كل مسـ ي‬
‫انقسم مسلمو الهند ف ي� ذاك العرص لألقسام التالية‪:‬‬
‫ف‬
‫ـياس لجمعيــة علمــاء‬ ‫كان لــدار العلــوم ديوبنــد أثــر راســخ ي� نالهنــد كلهــا‪ ،‬ويعــود انتمــاء الــدار السـ ي‬ ‫• ‬
‫ـد�‪ ،‬كمــا أنهــا كانــت تتمتــع بحمايــة جماعــة مجلــس الشــيوخ‬ ‫ن‬
‫الهنــد بقيــادة مولــوي حسـ يـ� أحمــد المـ ي‬
‫ـ� للحركــة اإلســامية‪ ،‬فأخرجــوا فتــوى تفيــد‬ ‫الهنــدي القــوم وأحــد حلفــاء الهنــود وأشــد المناهضـ ي ن‬
‫ي‬
‫بكفــر القائــد األعظــم‪ ،‬ونصــوا بحرمــة إنشــاء باكســتان وناشــدوا أن األقــوام تبـ نـى بنــاء عــى أوطــان ال‬
‫ـ� أحمــد عــى ذلــك بحــدة حـ تـى وصــف أفعالهــم بأفعــال‬ ‫أديــان‪ .‬انتقــد العالمــة إقبــال ديوبنــد وحسـ ي ن‬
‫أبــو لهــب‪ ،‬ظلــت ديوبنــد تعــادي القائــد األعظــم والعالمــة إقبــال والحركــة الباكســتانية حـ تـى النهايــة‪،‬‬
‫ن ف‬
‫ـلم� ي� الهنــد حـ تـى اليــوم‪ ،‬ولذلــك قــال العالمــة محمــد إقبــال رحمــه هللا‬ ‫وه مــن ألــد أعــداء المسـ ي‬
‫ي‬
‫عــن هــذا‪:‬‬

‫‪101‬‬
102
‫ال يعرف العجم حىت الآن أرسار ادلين‬
‫وحسني أمحد ادليوبندي ما هذا العجب العجاب؟‬
‫وكانــت جماعــة مجلــس أح ـرار اإلســام بقيــادة عطــاء هللا البخــاري أيضــا تعــادي القائــد األعظــم‬ ‫• ‬
‫والحركــة اإلســامية وتعــارض سياســة إنشــاء باكســتان‪.‬‬
‫ق‬
‫وحركــة خاكســار جماعــة أخــرى يقودهــا العالمــة المـ شـر ي�‪ ،‬وكانــت تســتخدم القــوة لتلبيــة مطالبهــا‪،‬‬ ‫• ‬
‫كانــوا يرتــدون مالبــس الجيــش ويحملــون مجــارف حــادة قويــة عــى أكتافهــم ليســتخدموها كســاح‪،‬‬
‫وكانــوا أيضــا يعارضــون الحركــة الباكســتانية ويقــال أنهــم كانــوا ضمــن مدبــري حملــة قتــل القائــد‬
‫األعظــم ‪.‬‬

‫وقــاد عبــد الغفــار خــان حركــة خــدم هللا البشــتونية ف� رسحــد تحــت اســم البشــتون واالشـ تـر ي ن‬
‫اكي�‪،‬‬ ‫• ‬
‫ي‬
‫وكانــت عــى وفــاق مــع جماعــة مجلــس الشــيوخ حـ تـى أن عبــد الغفــار خــان خطــب خطبتــه المســماة‬
‫ـلم� والحركة اإلســامية والقائد األعظم‪ ،‬ووقعت‬ ‫مناهض� أشــداء للمسـ ي ن‬ ‫ين‬ ‫غانده الرسحدي‪ .‬كانوا‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫ـع� ي� شــملها مــع الهنــد أم‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ال‬ ‫ـتفتاء‬
‫ـ‬ ‫س‬‫اال‬ ‫ـت‬
‫ـ‬ ‫ح‬ ‫ت‬ ‫ة‬‫ـر‬
‫ي‬ ‫ـ‬ ‫ق‬ ‫الح‬ ‫ـم‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫محاوالت‬ ‫ـبب‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫منطقــة رسحــد وحدهــا ب‬
‫ف‬
‫باكســتان‪ .‬أردى مســلمو الهنــد والحركــة اإلســامية مخططاتهــم حطامــا بفــوز باكســتان ي� التصويــت‬
‫فأضحــت رسحــد جــزءا مــن باكســتان‪.‬‬

‫وه جماعــة علمانيــة تدعــم‬ ‫قــاد رسدار ســكندر حيــاة خــان تنظيمــا قوميــا مشــابها يســى االتحــاد‪ ،‬ي‬ ‫• ‬
‫ـ� والهنــود جيئــة وذهابــا لحمايــة أنفســهم‪ ،‬فلــم يكونــوا يحبــون المسـ ي ن‬
‫ـلم� وال‬ ‫ال�يطانيـ ي ن‬
‫وتوافــق ب‬
‫يهتمــون بانتصــار الهنــد وبقائهــا‪ ،‬لكنهــم شــكلوا الخطــر األ كـ بـر عــى الحركــة اإلســامية إذ أن قائــد‬
‫حركتهــم ظــل وزي ـرا ف ي� تلــك المنطقــة ألمــد طويــل‪.‬‬

‫ين‬
‫المنافس�‪.‬‬ ‫وقفت حلقة واحدة إىل جانب الحركة اإلسالمية تل�دع كل هؤالء‬

‫ـع� باحـ تـرام وحــب ال مثيــل لهمــا‪ ،‬فأعــزه‬‫ح ـظ أمـ يـر الملــة وقائــد الجماعــة عــ� شــاه عــن عمــر يناهــز التسـ ي ن‬
‫ي‬ ‫تي‬
‫عل شاه الشخصية‬ ‫الجماعة‬ ‫قائد‬ ‫كان‬ ‫‪.‬‬ ‫لألمة‬ ‫ا‬
‫أم�‬
‫ي‬ ‫به‬ ‫صدقوا‬ ‫ح�‬‫واح�مه كل األولياء والصوفيون ف� الهند ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫الدينيــة المشــهورة الوحيــدة الـ ت يـى أفتــت بحمايــة القائــد األعظــم والحركــة اإلســامية علنــا‪ ،‬فاجتمــع بفضلــه‬
‫و�بــت فتــواه بحمايــة القائــد‬ ‫ـلم� والعلمــاء والصوفيــون تحــت مظلــة الحركــة اإلســامية‪ ،‬ض‬ ‫آالف مــن المسـ ي ن‬
‫ف‬
‫األعظــم وحمايــة باكســتان علنــا إعصــارا بفتــوى ديوبنــد‪ ،‬ووصلــت الفتــوى أن أفتــت ي� عــدم جــواز دفــن مــن ال‬
‫ف‬ ‫يصــوت لباكســتان ف� مقابــر المسـ ي ن‬
‫ـلم�‪ .‬وقــال قائــد الجماعــة عـ يـ� شــاه علنــا أنــه يــرى ي� القائــد األعظــم صفــات‬ ‫ي‬
‫أوليــاء هللا وأشــاد أن القائــد يقــوم «بعملنــا»‪.‬‬

‫لس�ها ف ي� طريق العالمة إقبال‪:‬‬


‫بقيت خطوتان ي‬

‫عل جناح قائدا أعظم لهم وأمامهم‪.‬‬ ‫ين‬


‫المسلم� وتوحيدهم صفوفا وتتوي ــج محمد ي‬ ‫جمع‬ ‫• ‬
‫ف‬
‫إرشــاد القائــد األعظــم وتوجيهــه ي� تنظيــم الحركــة الباكســتانية حـ تـى تأخــذ شــكل ثــورة شــعبية كاملــة‬ ‫• ‬
‫تهــز األ كــوان‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫أمير الملة السيد جماعت علي شاه‬

‫‪104‬‬
‫دار العلوم ديوبند‪ ،‬الهند‬

‫موالنا حسين أحمد مدني‬

‫سيد عطاء اهلل شاه بخاري‬ ‫عالمة عناية اهلل خان المشرقي‬ ‫سردار إسكندر حيات خان‬

‫عبدالغفار خان مع نهرو وغاندي‬

‫‪105‬‬
‫ف‬
‫أقــام العالمــة عالقــة قويــة بالقائــد ي� ذلــك الوقــت عــن طريــق الرســائل والخطابــات‪ ،‬فاســتعمل إقبــال مكانتــه‬
‫ف‬
‫ومرتبتــه الـ تـى أنعــم عليــه هللا بهــا بالكامــل � إرشــاد المسـ ي ن‬
‫تفك�هــم وتقبلهــم للقائــد كمرشــد‬
‫ي‬ ‫ـلم� وتعزيــز‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫لهــم‪ ،‬وأنهــم ســيتوجهون لمعركــة الحريــة بقيادتــه‪ ،‬وجعــل إقبــال مــن دعــم القائــد وتشــجيعه دومــا أحــد أهــم‬
‫مســؤولياته‪.‬‬

‫فكتب ف ي� أحد رسائله للقائد األعظم‪:‬‬

‫«أعلم أنك رجل مشغول‪ ،‬بيد أنني أتمنى أن ال تمانع كتابتي لك من وقت آلخر‪ ،‬إذ أنني أراك‬
‫المسلم الوحيد في الهند المستحق لدور القدوة للمجتمع إلرشادهم في خضم العاصفة القادمة‬
‫لشمال غرب الهند وربما الهند كلها‪ .‬أخبرك أننا نعيش حالة من حرب أهلية ال شرطة وال عسكر‬
‫فيها لكنها ستغدو عالمية سريعا‪».‬‬

‫ســئل إقبــال عــن ســبب اختيــاره لجنــاح أ كـ ثـر مــن مــرة‪ ،‬ووجــد الشــعب المســلم إقبــال يخاطبهــم جميعــا أ كـ ثـر‬
‫مــن مــرة‪:‬‬

‫« في نظري أن هللا قد أنعم على السيد جناح بما ليس في أي مسلم اليوم» فسأله بعض من‬
‫الحاضرين عن هذه النعمة فأجاب باإلنجليزية‪ «:‬ال وسيلة إلفساده وال لشرائه»‬

‫« كل ما في األمر أن البريطانيين أقاموا حكومة في صورة البرلمان لثثبيت خيوط شبكة‬


‫عنكبوتهم في الحكم‪ ،‬وكان جناح شاهدا على كل محاولة لرمي الشبكة‪ ،‬ولكن كل ما قاله هو أنه‬
‫ال يريد للمسلمين أن يخسروا شيئا تحت هذه الحكومة‪ ،‬ولهذا يعد أفضل ببصيرته السياسية‬
‫الفذة‪».‬‬

‫« فتح باب قيادة السيد علي جناح على المسلمين آنذاك‪ ،‬وأعتمد كليا على أمانته‪».‬‬

‫____________________‬
‫ف‬
‫ـر� للهنــد حـ تـى ي� خطبــة إلــه آبــاد‪ ،‬يـض ي ء ترصفــه هــذا شــمعة جديــدة‬ ‫ركــز إقبــال كل جهــوده عــى الشــمال الغـ ب ي‬
‫ـواح‬ ‫ـ‬ ‫ض‬‫و‬ ‫ـال‬‫ـ‬ ‫غ‬ ‫البن‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـر‬‫ـ‬ ‫ظ‬ ‫الن‬ ‫ـال‬‫ـ‬ ‫ب‬ ‫إق‬ ‫ـض‬ ‫ـ‬ ‫غ‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫القاد‬ ‫تجــاه فراســته فهــذه األرا�ض ه غنائــم معركــة المسـ ي ن‬
‫ـلم�‬
‫ي‬ ‫ي ي‬
‫بص�تــه الفــذة‪.‬‬‫ـ� ي‬ ‫الهنــد ف� خطبتــه‪ ،‬وكان لترصفــه هــذا مصالــح سياســية تبـ ي ن‬
‫ي‬

‫«باحت لنا األحداث األخيرة بوضوح أن األفضل للحركة التركيز على تحركات المسلمين في‬
‫الشمال الغربي للهند‪ ،‬أخبر مكتب الحركة في دلهي السيد غالم رسول أن مواعيد جلسات الحركة‬
‫اإلسالمية لم تحدد بعد‪».‬‬

‫‪106‬‬
‫« اقترح بعض المسلمون في البنجاب إقامة مؤتمر لمسلمي شمال غرب الهند‪ ،‬والفكرة تنتشر‬
‫بسرعة‪ ،‬لكنني أوافقكم الرأي أن مجتمعنا ليس منظما ومعدا جيدا بعد ولربما إقامة مؤتمر كهذا‬
‫خطوة عجولة‪ ،‬ولكنني أرى أنه لمن األفضل لك أن تلمح في خطابك على األقل أن مسلمي الشمال‬
‫الغربي يبدون قبوال‪».‬‬

‫كتب إقبال رسالة للقائد األعظم في الثامن والعشرين من ماي ‪1937‬م‪:‬‬

‫« وصلت إلى أن نظام الشريعة إن فهم وطبق جيدا‪ ،‬فإن كل شخص سينعم بحقوقه أخيرا‪،‬‬
‫ولكن تطبيق الشريعة وتنفيذها في هذه الدولة مهمة مستحيل دون والية أو واليات مسلمة‬
‫مستقلة‪ .‬لقد كان هذا اعتقادي الصادق منذ سنين وال زلت أصدق أنها الطريقة الوحيدة لحل‬
‫أزمة جوع المسلمين ولتأمين هند مسالمة للجميع‪».‬‬

‫والع�يــن مــن جــون عــام ‪1937‬م ممـ ي زـرة بـ ي ن‬ ‫ش‬ ‫ف‬


‫ـ� رســائله مــن حيــث أهميــة أبحاثــه‪،‬‬ ‫تعــد رســالة إقبــال ي� الواحــد‬
‫ف‬ ‫فـف ذلــك الوقــت كـ ثـرت المشــاكل بـ ي ن‬
‫ـ� الهنــد والمسـ ي ن‬
‫ـلم�‪ ،‬ففــوق األقاليــم المســلمة قامــت نزاعــات ي� المناطــق‬ ‫ي‬
‫ـي� لهــذه ن ز‬
‫ال�عــات طبقــا إلقبــال‪ ،‬بــل‬ ‫ـ� الرئيسـ ي ن‬ ‫ث‬
‫األك�يــة المســلمة‪ ،‬لــم يكــن الديــن وال االقتصــاد المحركـ ي ن‬ ‫ذات‬
‫ال�اعــات للقائــد األعظــم ف ي� رســالته‪:‬‬ ‫كان يراهــا سياســية بحتــة‪ ،‬وكتــب بخصــوص تلــك ن ز‬

‫«إنني أخبرك أننا نعيش حالة من حرب أهلية ال شرطة وال عسكر فيها وقد تصبح عالمية في‬
‫أي لحظة‪ .‬قامت سلسلة من النزاعات بين الهنود والمسلمين في األشهر األخيرة‪ ...‬لقد حللت‬
‫الوضع كله وأرى أن السبب الحقيقي لهذه األحداث ليس دينيا وال اقتصادي؛ بل هو سياسي بحت‬
‫ناتج عن رغبة السيخ والهنودسيين في ترهيب المسلمين وقمعهم حتى في المناطق ذات‬
‫األكثرية المسلمة‪».‬‬

‫‪ ،1940‬في موقع قرار باكستان وصل القائد األعظم ولياقت علي خان إلى سكن نواب ممدوت‬

‫‪107‬‬
‫ـلم شــمال غــرب الهنــد مــن مختلــف األقاليــم‬ ‫ض‬
‫ف‬ ‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬كان إقبــال عــى علــم تــام بــرورة توحيــد مسـ ي‬
‫ـلم الهنــد جماعــة شــعبية‪ .‬ولتحقيــق ذلــك فــإن إقامــة جلســة للحركــة ي� الهــور خطــوة‬
‫لتصبــح حركــة مسـ ي‬
‫الزمــة‪.‬‬

‫ش‬
‫والع�ين من جون ‪1937‬م للقائد األعظم‪:‬‬ ‫ف‬
‫ي� رسالته بالواحد‬

‫«سيكون من األفضل إقامة جلسات الحركة اإلسالمية القادمة في البنجاب عوضا عن مناطق‬
‫األقليات لتحقيق ذلك‪ .‬شهر أغسطس ليس مناسبا لشدة الحر‪ ،‬أظن أن عليك التفكير مليا في‬
‫إقامة الجلسة القادمة في الهور في منتصف أكتوبر حين يكون الجو لطيفا ومناسبا في الهور‪ .‬إن‬
‫شعبية الحركة اإلسالمية تزدهر في البنجاب بسرعة مدهشة‪ ،‬وقد توقظ إقامة الجلسة القادمة‬
‫عقول مسلمي البنجاب على الحال السياسية باحتمال كبير‪».‬‬

‫ـلم الهنــد ومنهاجهــا‪.‬‬ ‫تــرف إقبــال بحكمــة شــديدة ليعالــج عــدم انقيــاد المسـ ي ن‬
‫ـلم� واتباعهــم لنظريــة حركــة مسـ ي‬
‫كانــت الحركــة حـ تـى ذلــك الوقــت مــن شأ�اف الهنــد‪ ،‬فــكان ال بــد مــن تغيـ يـر أهدافهــا وعالقتهــا بعامــة الشــعب‪،‬‬
‫وقــد وضــح إقبــال كل هــذه األمــور للقائــد األعظــم بشــكل مطــول ف ي� رســائله وخطاباتــه فنصحــه وأرشــده‪.‬‬

‫«أرى أنه ال بد من تغيير أهداف الحركة اإلسالمية لنقرب بين الحركة والناس من مسلمي الطبقة‬
‫المتوسطة الذين ال يحبون السياسيين‪ ،‬يشتكي مسلمو الطبقة المتوسطة ويتحججون أن‬
‫قادتهم مهتمون بذواتهم ومتاعهم الخاص ففي المحاكم الحكومية الخالية ال يوظف إال أقارب‬
‫وأصدقاء أفراد جماعة االتحاد‪ ،‬ولهذا ال يحب مسلمو الطبقة المتوسطة المعامالت السياسية‪.‬‬
‫إنني أؤمن أنك ستضع مشكلتهم في الحسبان أثناء تغييرك ألهداف الحركة بالشكل المناسب‬
‫حتى تحرك قلوب الناس وترفع توقعاتهم بحركة مسلمي الهند‪».‬‬

‫ش‬
‫والع�ين من ماي ‪1937‬م‪:‬‬ ‫ف‬
‫وكتب مجددا للقائد األعظم ي� الثامن‬

‫«جزيل الشكر لرسالتك التي وصلتني في موعدها‪ .‬يسعدني أنك ستفكر بما كتبته لك عن‬
‫التغيير في أهداف وأسس الحركة‪ .‬ليس لدي أدنى شك في أنك تدرك حساسية األمر حين‬
‫يتعلق األمر بالهند اإلسالمية‪ .‬على الحركة اإلسالمية تحديد موقفها في أن تظل ممثال ألشراف‬
‫مسلمي الهند أو جميع طبقات المسلمين الذين لم يعيروا الحركة اهتمام بحجج دامغة‪.‬‬
‫شخصيا‪ ،‬إنني ال أرى أن تنظيما ال يفي بوعوده للمسلمين العامة يملك فرصة للنجاح في جذب‬
‫جميع المسلمين‪ .‬تحث االستراتيجية الجديدة على إعطاء المراكز العالية ألبناء األشراف‪ ،‬بينما‬
‫تعطى المراكز األصغر ألصدقاء وأقارب الوزراء‪ .‬لم تفكر جماعاتنا السياسية البتة بتحسين حال‬
‫المسلمين عامة في مسائل مختلفة حتى‪ .‬إن مشكلة الجوع وكسب القوت تتفاقم يوما بعد آخر‪.‬‬
‫بدأ المسلم يرى أنه بدأ يهوي ببطء منذ مائتي سنة‪ ،‬وغالبا فإنه يظن أن تحكم الهنود بالمال أو‬
‫الرأسمالية هم السبب‪ ،‬فهو ال يفهم معنى المساواة بسبب الحكم األجنبي‪ ،‬ولكن جهله مؤقت‪.‬‬
‫لن تجد الشيوعية التي يدعو لها جوهر الل (نيهرو) أي ردة فعل من المسلمين‪ .‬ولهذا فإن‬
‫السؤال هو كيف نحل مشكلة الفقر عند المسلمين؟ يعتمد مستقبل الحركة اإلسالمية تماما‬
‫على تصرف الحركة لحل هذه المشكلة‪ ،‬إذا فشلت الحركة في إعطاء وعود كهذه فإنني متأكد أننا‬
‫لن نجد تفاعال من عامة المسلمين‪».‬‬

‫‪108‬‬
‫بناء على أوامر القائد األعظم‪ ،‬الجنود يشاركون في أندونيسيا ضد الجيش الهولندي‬

‫ليستش�ه‪ ،‬فقال إقبال له‪:‬‬


‫ي‬ ‫جاء القائد األعظم ذات رمة إلقبال بنفسه‬

‫«إذا أردت البحث عن كبار القوم وأشرافهم‪ ،‬فلن أتمكن من مساعدتك‪ ،‬أنا فقط أستطيع أن أعدك‬
‫بوقوف الشعب معك ودعمهم لك»‬

‫ويــروي الشــاهد عــى هــذا اللقــاء أن شــخصا غـ يـر عاطـف ي كالقائــد األعظــم تأثــر بشــدة بحديــث إقبــال فوقــف عــن‬
‫كرســيه وقــال بحـرارة‪:‬‬

‫« أنا هنا ألجل الشعب فقط»‬

‫____________________‬

‫ظــل القائــد األعظــم يتبــع تعاليــم وإرشــادات إقبــال حـ تـى بعــد وفاتــه عــام ‪1938‬م‪ ،‬فأقــام الجلســة الســنوية‬
‫ف‬ ‫ن ف‬
‫ـ�‬
‫ـلم� ي� مــارس ي� الهــور ودعــا فيهــا لتقســيم الهنــد وإنشــاء دولــة إســامية مســتقلة بشــكل رسـ ي‬
‫لحركــة المسـ ي‬
‫أخـ يـرا‪ ،‬وســميت الجلســة بــ» قـرار الهــور» لكنهــا عرفــت واشــتهرت باســم «قـرار باكســتان»‪ .‬زار القائــد األعظــم‬
‫ـكرت�ه مطلــوب الحســن ســيد أنهــم أنجــزوا اليــوم كل مــا نصحهــم بــه‬
‫قـ بـر إقبــال بعــد الجلســة فــورا وقــال لسـ ي‬
‫إقبــال مــن قبــل‪.‬‬

‫لقــد أرســل قبــل وفاتــه للقائــد األعظــم بالحــادي عـ شـر مــن أغســطس عــام ‪1938‬م بخصــوص الجلســة التاليــة‬
‫للحركــة اإلســامية‪ ،‬وممــا كتــب ف ي� رســالته‪:‬‬

‫« إنني أكرر طلبي في إقامة جلسة الحركة في الهور في منتصف أكتوبر‪ .‬تزداد الحركة شعبية في‬
‫البنجاب‪ ،‬وال أملك أدنى شك أن إقامة الجلسة في الهور ستصبح نقطة تحول محورية في تاريخ‬
‫الحركة وخطوة مهمة لعامة الشعب‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫‪ ،1931‬مشاركة العالمة إقبال في مؤتمر بالقدس لمناقشة مسألة فلسطين‬

‫‪110‬‬
‫‪ ،1931‬مشاركة العالمة إقبال في مؤتمر بالقدس لمناقشة مسألة فلسطين‬
‫سيتوجب عليك أن تعيد صياغة األهداف السياسية لمسلمي الهند بشكل نهائي لتمثل‬
‫وحدة سياسية مستقلة في البلد في المؤتمر‪ .‬إنه لمن الضروري أن نخبر العالم داخل الهند‬
‫وخارجها أن االقتصاد ليست المشكلة الوحيدة التي تعاني الهند منها‪ ،‬بل إن مشكلة الثقافة‬
‫تعد مشكلة أكثر حساسية وتأثيرا منها على مسلمي الهند من وجهة نظر المسلمين‪ ،‬وبأي‬
‫حال فإنها ليست أقل أهمية من المشكلة االقتصادية‪ .‬سيختبر إعالنك هذا في المؤتمر صحة‬
‫ادعاءات قادة المسلمين الذين نظموا جماعات تعارض أهداف وتطلعات كسلمي الهند‪ .‬كما أنه‬
‫سيكون صفعة لوجه الهندوس وخططهم‪ ،‬موضحا لهم أن أي نظام سياسي مهما كان لن ينجح‬
‫في صرف عين الرجل المسلم عن هويته الثقافية‪ .‬سآتي لدلهي في غضون أيام وأتمنى أن نتقابل‬
‫لنتناقش في هذه المسألة المهمة‪ .‬سأكون في القنصلية األفغانية إن أمكنك إعطائي لحظات‬
‫من وقتك فسنتقابل هناك‪ .‬أتمنى أن تجيبني بسطر على األقل في أسرع وقت ممكن‪».‬‬

‫____________________‬

‫ـلم الهنــد‪ ،‬فقــد كان إقبــال يحمــل ثقــل األمــة اإلســامية كلهــا عــى‬ ‫عــاوة عــى عملــه عــى حــل مشــاكل مسـ ي‬
‫ـلم‬ ‫ىق‬
‫كتفيــه‪ ،‬فــكان يناقــش مســائلها مــع القائــد أيضــا‪ ،‬وكان يثــق أن بصـ يـرة القائــد لــن تب ـ محــدودة تجــاه مسـ ي‬
‫ـلم�‪.‬‬‫الهنــد فقــط‪ ،‬وســتصبح الدولــة الجديــدة تحــت حكــم القائــد األعظــم مثــاال حيــا وقــدوة لجميــع المسـ ي ن‬
‫ـلم الهنــد عــى‬ ‫ـ� تتعلــم األمــة وجــوب وقوف فهــم لحقوقهــم والمحاربــة ألجلهــا كان الزمــا أن تقــف دولــة مسـ ي‬ ‫ولـ ي‬
‫ز‬
‫قدميهــا وبفضــل جهــود إقبــال ي� إرشــاده ‪ ،‬رفــع القائــد األعظــم صوتــه وناشــد اإلنجلـ يـر والعالــم أجمــع ألجــل‬ ‫‪.‬‬
‫ف‬
‫ـ� قاتــل مســلمو الهنــد ضــد االســتعمار ي� الحــرب األهليــة‪ ،‬كمــا قابــل مفـ ت يـى‬ ‫ـط� وحقوقهــا‪ ،‬ولــم يســكت حـ ي ن‬ ‫فلسـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ـط� ومــر وعلمــاء آخريــن � مــر � ســبيل توحيــد المسـ ي ن‬ ‫فلسـ ي ن‬
‫ـلم� وحذرهــم ممــا ســببه االســتعمار ي� الهنــد‬
‫ي‪ .‬ف‬ ‫ي‬
‫مشـ يـرا ألهميــة توحــد المسـ ي ن‬
‫و� زمــن الحــق أمــر القائــد األعظــم بخــروج مــا يقــارب خمســمئة‬ ‫ـلم� وتكاتفهــم ي‬
‫ف‬ ‫ز‬
‫جنــدي مســلم مــن الجيــش اإلنجلـ يـري للمشــاركة ي� تحريــر إندونيســيا واستشــهد كثـ يـر منهــم هنــاك‪ ،.‬ويتذكــر‬
‫النــاس هــؤالء الجنــود باســم «الخمســمائة الشــجعان» حـ تـى اليــوم‪ .‬عندمــا حلــق جهــاز الطـ يـران الهولنــدي‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫بأســلحته وعتــاده لوضــع حــد لحركــة التحريــر ي� أندونيســيا اضطــر للوقــوف ي� باكســتان فأمــر القائــد األعظــم‬
‫ف‬ ‫ن‬
‫ـا� مــن االســتعمار ذات وقــت ولــم تجــد مــن يعينهــا ي�‬ ‫بســحب أســلحتهم‪ ،‬متحججــا أن باكســتان كانــت ف تعـ ي‬
‫ف‬
‫حركــة التحريــر‪ .‬زرع إقبــال فكــرة األمــة اإلســامية ي� ذهــن القائــد فســار عليهــا‪ .‬وقــد كتــب إقبــال ي� الســابع مــن‬
‫أكتوبــر عــام ‪1937‬م للقائــد‪:‬‬

‫«إن مسألة فلسطين تثير مشاعر المسلمين؛ أننا نملك فرصة جيدة لتعزيز عالقتنا بالشعب‬
‫ألجل الحركة اإلسالمية‪ ،‬إنني واثق أن الحركة ستواجه قرارا كبيرا فيما يخص هذه المسألة ويفضل‬
‫أن يعقد مؤتمر خاص بين قادة الحركة لمناقشة التصرف اإليجابي األفضل الذي قد يتفق عليه‬
‫أغلبية الشعب‪ .‬هذا سيزيد من شعبية الحركة بشكل كبير كما قد يساعد أخوتنا الفلسطينيين‬
‫العرب‪ .‬أنا ال أمانع الدخول للسجن شخصيا في مسألة تتعلق باإلسالم والهند‪ ،‬وإنشاء قاعدة‬
‫غربية على بوابة الشرق خطر على االثنين‪».‬‬

‫‪111‬‬
‫‪112‬‬
‫في ‪ 1937‬في المسجد الملكي بالهور‬ ‫القائد األعظم أثناء جلسته الخطابية‬
‫الفصل الثاني عشر‬

‫‪AA‬‬

‫انتخابات األقاليم عام ‪1937‬‬

‫ف‬
‫بــدأت صحــة إقبــال تتــداىع ي� عــام ‪1937‬م‪ ،‬علــم أنــه ال يملــك مزيــدا مــن الوقــت بيــد أنــه اســتكمل مسـ يـرته‬
‫اق�حهــا قــد حــازت عــى‬ ‫ف� نصــح وإرشــاد القائــد األعظــم بــإرصار رغــم مرضــه‪ .‬كانــت نظريــة تقســيم الهنــد الـ تـى ت‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ال�يطانيــة والهنديــة كمــا السياســيون‬ ‫اســم باكســتان دون اختيــاره أو الرابطــة اإلســامية‪ ،‬بــل ألصقــت الصحافــة ب‬
‫المســى الــذي صاغــه جــودري رحمــت عـ يـ� بنظريــة تقســيم الهنــد‪ ،‬وظــل ال يملــك شــعبا ليحركهــم حـ تـى بعــد‬
‫ـ� بالنظريــة‪ ،‬كمــا لــم يكونــوا مقتنعـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫اختيــاره للقائــد األعظــم لتحقيــق نظريتــه‪ ،‬فلــم يكــن مســلمو الهنــد مولعـ ي ن‬
‫ـ� والهنــود‪ ،‬إىل هنــا وقفــت قــدرة‬ ‫ال�يطانيـ ي ن‬ ‫بقيــادة جنــاح‪ ،‬حـ تـى أنهــم لــم يتحــدوا ســويا ليواجهــوا ظلــم وعــدوان ب‬
‫إقبــال لتمهيــد الطريــق عاجــزة‪.‬‬
‫ف‬
‫ال�يطانيــون عــن إقامــة انتخابــات إقليميــة ي� شــبه جزيــرة الهنــد‪ ،‬ورفــع كل مــن مجلــس الشــيوخ الهنــدي‬ ‫أعلــن ب‬
‫ـلم�‪ ،‬وتواجــه االثنــان ألجــل أسســهم‪ ،‬فوقــف الطــرف األول ألجــل‬ ‫ن‬ ‫ـلم� دعواهــم لتمثيــل المسـ ي‬‫ن‬ ‫وحركــة المسـ ي‬
‫‪.‬‬
‫ـا� خلــف القوميــة اإلســامية شــملت االنتخابــات الهنــد كلهــا وفشــلت‬ ‫ن‬
‫القوميــة الهنديــة‪ ،‬ووقــف الطــرف الثـ ي‬
‫الرابطــة اإلســامية فشــا ذريعــا؛ فقــد صــوت أغلــب المســلمون للمجلــس رغــم وقــوف الحركــة كممثــل لهــم‪ ،‬كمــا‬
‫خــرت الحركــة االنتخابــات ف� البنجــاب أمــام جماعــة االتحــاد‪ .‬فــاز المجلــس بكثـ يـر مــن المناطــق ف� حـ ي ن‬
‫ـ� لــم‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫�ء‪.‬‬ ‫ش‬
‫تفــز الحركــة بــأي ي‬

‫ـلم� آنــذاك مــا قــد يفعلــه الهنــود بهــم بعــد خــروج اإلنجلـ ي زـر؛ فكانــوا يتوقعــون أنهــم‬
‫لــم يفهــم أغلــب المسـ ي ن‬
‫ف‬
‫ســيعودون للحيــاة ســويا كمــا كانــوا � األلفيــة الماضيــة‪ ،‬ولــم يخطــر ببالهــم أنهــم عاشــوا آمنـ ي ن‬
‫ـ� ســويا ألن الحكــم‬ ‫ي‬

‫‪113‬‬
‫كانت هذه أهم انتخابات في التحريك الباكستاني‬
‫كانت النتائج كالتالي‪:‬‬

‫حزب االتحاد البنجابي‬ ‫الكونغرس‬ ‫الرابطة اإلسالمية‬

‫‪101‬‬ ‫‪707‬‬ ‫‪106‬‬

‫كان إســاميا وأن الهنــود كبتــوا شــعورهم بالم ـرارة والــذل كل هــذا الوقــت‪ .‬اضطــر الفريقــان لتحمــل بعضهــم‬
‫األك�يــة الهنديــة ســتجعل حيــاة المسـ ي ن‬
‫ـلم� جحيمــا حــال‬ ‫ث‬ ‫ـ�ء تحــت ظــل الحكــم اإلنجلـ ي زـري‪ ،‬لكــن‬ ‫ش‬
‫بعــض الـ ق ي‬
‫ش‬
‫رحيلهــم‪ .‬بـ ي القائــد األعظــم والعالمــة إقبــال ي�حــون هــذا لســنوات‪ ،‬ولكــن شــيوخ جماعــة المجلــس واألحـرار‬
‫ـلم� بشــكل ناجــح‪ ،‬فــاآلن كشــف هللا حقيقــة الهنــود والــدم بأيديهــم‪ ،‬فمــا إن انتهــت‬ ‫وخاكســار فرقــوا المسـ ي ن‬
‫انتخابــات ال‪ 37‬حـ تـى عــاش مســلمو المناطــق الـ يـى فــاز بهــا المجلــس جحيمــا‪ ،‬فلــم يبــق لهــم مــال وال عــزة وال‬
‫ت‬
‫ـلم� الســبب وراء رغبــة العالمــة إقبــال‬ ‫كرامــة وال حـ تـى ســلمت أرواحهــم وإيمانهــم؛ لقــد أرى الهنــود المسـ ي ن‬
‫وجنــاح ف� تقســيم الهنــد رأي العـ ي ن‬
‫ـ�‪.‬‬ ‫ي‬

‫____________________‬

‫ش‬
‫فانت�ت‬ ‫ح� أعلن أن إدارة األنظمة الحكومية ستتم عن طريق موظفيه‪،‬‬ ‫ما إن جمع مجلس الشوخ قواته ت‬
‫ن‬ ‫الفــو�ض مــن خلــف هــذه السياســة؛ إذ أظهــرت ال�طــة والمحاكــم واألنظمــة عداوتهــا مــع المسـ ي‬
‫ـلم� بشــكل‬ ‫ش‬
‫ـلم� وصلــت ش�طــة المجلــس لتــذل المسـ ي ن‬
‫ـلم�‬ ‫ـ�‪ ،‬أينمــا قتــل الهنــود المسـ ي ن‬
‫تــام فــور اتباعهــا للهنــود المتعصبـ ي ن‬
‫بـ شـروط مهينــة حـ تـى يتصالحــوا مــع الهنــود‪.‬‬

‫وبقيــام حكومــة المجلــس أشــيعت البــدع وانتـ شـر التخريــب الديـ ن يـى‪ ،‬أدار الهنــود الجماعــات الهادفــة لمخالفــة‬
‫ن ف‬ ‫ـلم� وإيذائهــم ف� أرواحهــم ومالهــم ومجتمعهــم‪ ،‬فأوقعــوا بـ ي ن‬
‫المسـ ي ن‬
‫ـلم� ي� كل مناســبة دينيــة‬
‫ـ� الهنــود والمسـ ي‬ ‫ي‬
‫كعيــد األضــى وغـ يـره‪.‬‬
‫ت‬ ‫ن ف‬
‫اآل�‪ «:‬ففيــه تدعــو أم أرض‬
‫ـ� ي‬ ‫اختـ يـر «بنــدي ماتــرم» كنشــيد وطـ يـى ي� عهــد مجلــس الشــيوخ‪ ،‬وكان النشــيد يحـ ي‬
‫الهنــد أوالدهــا فتحييهــم وتطلبهــم أن يطهروهــا مــن أقــدام النجسـ ي ن‬
‫ـ�‪ ،‬فيعاهدهــا أبناؤهــا أنهــم ســيحققون ذلــك‬

‫‪114‬‬
‫أج� الطلبة المســلمون عىل إنشــاد النشــيد كل صباح‪ ،‬وأمر القائد األعظم المسـ ي ن‬
‫ـلم� بمحاربة هذا‬ ‫يوما ما‪ ».‬ب‬
‫ش‬
‫النشــيد قائــا‪ «:‬تفــوح منــه رائحــة الــرك‪».‬‬
‫ف‬ ‫ث‬
‫ـا� األلــوان ( علــم مجلــس الشــيوخ ذو األلــوان الثالثــة ) والتلويـ ـ ــح بــه‪ ،‬ي� إشــارة لوجــود‬
‫نــزل قـرار برفــع ع فلــم ثـ ي‬
‫ـ� فقــط � الهنــد‪ :‬مجلــس الشــيوخ واإلنجلـ ي زـر‪ ،‬متنكريــن بذلــك بوجــود المسـ ي ن‬
‫ـلم�‪.‬‬ ‫جماعتـ ي ن‬
‫ي‬
‫م�لــة ونجسـ ي ن‬‫ـلم� أقــل ن ز‬ ‫ق‬
‫وأر� مكانــة فيمــا يــرون المسـ ي ن‬ ‫كان الهنــود يــرون أنفســهم أرفــع ن ز‬
‫ـ�‪ ،‬ممــا جعلهــم‬ ‫م�لــة‬
‫يظنــون مقابلتهــم والذهــاب قرب ـهــم وحـ تـى األكل معهــم غـ يـر جائــز‪ ،‬فلــم يكونــوا يشـ تـرون منهــم وال يعملــون‬
‫ـ� األطفــال المسـ ي ن‬
‫ـلم�‬ ‫ـلم�‪ ،‬كمــا كانــوا يفرقــون بـ ي ن‬
‫معهــم‪ ،‬وجعــل بائعــو الحلــوى والعصـ يـر أوعيــة مخصصــة للمسـ ي ن‬

‫‪115‬‬
‫ال زال المسلمون يدرسون تحت إدارة وديا مندر عن منتر وأشلوك‬

‫تحت مسمى « عرض المالبس الفخمة» المدرسي‪ ،‬يجبر‬


‫المسلمون على لبس أزياء آلهة الهندوس‬

‫‪116‬‬
‫والهنــود ف ي� المــدارس‪ ،‬ومنــع المســلمون مــن دخــول المكاتــب العامــة والمكتبــات‪.‬‬
‫ث‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫األك�يــة الهنديــة وشــدد‬ ‫منعــت األضحيــة ( نحــر البقــر خصوصــا) ي� عهــد مجلــس الشــيوخ ي� المناطــق ذات‬
‫بذلــك ف� عيــد األضــى وهــدد بقتــل عائلــة مــن ينحــر بقــرة عــن بكــرة أبيهــا وإح ـراق ن ز‬
‫م�لــه‪ ،‬وقــد عــاث الهنــود‬ ‫ي‬
‫فســادا أ كـ ثـر مــن مــرة بحجــة نحــر البقــر‪.‬‬
‫ف‬
‫كمــا أعيــد تنظيــم جنــاح التعليــم ي� عــر المجلــس‪ ،‬فامتــأت الكتــب التعليميــة بقصــص هنديــة‪ ،‬ولــم يذكــر‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ح�‪ ،‬وأشاروا إىل اإلله بمسىم أشورا أو الرب ي� محاولة لعدم ذكر كلمة هللا ي� أي موقع‪.‬‬ ‫اسم مسلم واحد ت‬

‫ـ� ه بلــد مقســمة بـ ي ن‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫ف‬


‫ـ� خمســة‬ ‫ي� هــذه الفــرة انتــرت الكثـ يـر مــن المضحــكات‪ ،‬مــن ضمــن ذلــك أن األرجنتـ ي ي‬
‫ه أصــا‬ ‫ن‬
‫بـ يـ� إخــوة واتحــدت تحــت مســى أحــد اإلخــوة واســمه أرجــون (أحــد آلهــة الهنــود)‪ ،‬وأن جواتيمــاال ي‬
‫ن‬
‫صنــم مــاال حيــث أن أتباعــه ذهبــوا بالســبحة إىل هنــاك‪ ،‬وكذلــك بودابيســت‪ ،‬حيــث يعـ يـى أنــه قــدم مــن بــوذا‪،‬‬
‫ف‬
‫وه‬
‫وادعــوا كذلـ فـك أنهــم صنعــوا الطائـرات قبــل ‪ 4000‬ســنة‪ ،‬وأنهــم ي� حروب ـهــم كانــوا يســتعملون الصواريـ ـ ــخ ي‬
‫المنجنيــق � األصــل‪ ،‬وادىع أحــد الباحثـ ي ن‬
‫ـ� الهنــود أنــه (المنجنيــق) كان القنبلــة النوويــة‪.‬‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫ـاكال� بالعمــل عــى نظــام تعليــم وديــا منــد‪ ،‬ألــزم نظــام تعليــم وديــا منــد‬ ‫ش‬
‫أعلــن حاكــم المنطقــة الوســى �ي شـ ي‬
‫ـلم� بارتــداء لبــاس الهنــدي التقليــدي‪ ،‬كمــا أجـ بـروا عــى الوقــوف مــع الطــاب‬‫(معبــد العلــم) الطــاب المسـ ي ن‬
‫الهنــود أمــام أصــام ليدعوهــا ويحيــوا بعضهــم البعــض بالتحيــات الهندوســية عوضــا عــن الســام‪.‬‬

‫ســمح للهنــود بإقامــة المهرجانــات الدينيــة فيمــا منــع المســلمون عــن احتفاالتهــم الدينيــة‪ ،‬فمنعــت صــاة العيــد‬
‫وجلســات شــهر محــرم ويــوم ميــاد النـ ب يـى‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫ف‬ ‫رفعــت أصــوات األغـ نـا� وعزفــت الموسـ ق‬
‫ـي� أمــام المســاجد ي� عــر جماعــة مجلــس الشــيوخ‪ ،‬كمــا منــع رفــع‬ ‫ي‬
‫األذان مــن وقــت آلخــر‪ ،‬واســتوىل الهنــود عــى أوقــاف المسـ ي ن‬
‫ـلم� وممتلكاتهــم الخاصــة أيضــا‪.‬‬

‫ين‬
‫المسلم� عن طريق ذبول لغاتهم العربية واألوردية والفارسية‪.‬‬ ‫ف‬
‫روج للغة الهندية بإرصار ي� سبيل إذالل‬

‫ـنت� حـ تـى انخــرط المســلمون يســتغفرون هللا مــن الــذل‬ ‫ـلم� جحيمــا حيــا ف� غضــون سـ ي ن‬
‫أصبحــت حيــاة المسـ ي ن‬
‫ي‬
‫سنت� فسقط حكم جماعة‬ ‫ال� وقعوا فيها‪ ،‬وشاء هللا أن ينته ظلم وعدوان الهنود الذي استمر ي ن‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫والمهانة ي‬
‫المجلــس عــام ‪1939‬م أخـ يـرا‪ .‬وهــا قــد ســخن الحديــد إلعــادة تشــكيله‪ ،‬دعــا القائــد األعظــم المسـ ي ن‬
‫ـلم� لشــكر‬
‫ف‬
‫هللا وســماه «يــوم النجــاة»‪ ،‬فأقيمــت صــاة الشــكر عــى انتهــاء حكــم جماعــة المجلــس وزعــت الحلــوى ي�‬
‫الهنــد كلهــا‪ ،‬كمــا فهــم المســلمون أخـ يـرا أن فالحهــم ونجاتهــم ف ي� يــد القائــد أخـ يـرا‪.‬‬
‫ف‬
‫احتفــل المســلمون بنجاتهــم عــام ‪1939‬م‪ ،‬بعــد عــام مــن وفــاة العالمــة إقبــال ي� ‪1938‬م‪ ،‬شــهد اليــوم إكمالــه‬
‫لمهمتــه أخـ يـرا وحقــق هللا أمنيتــه األخـ يـرة الـ ت يـى رصف عمــره لبنــاء رصحهــا‪ ،‬فاليــوم صــدق مســلمو الهنــد بنظريتــه‬
‫واتبعــوا قائــده وأصبحــوا شــعبا بــإرادة واحــدة‪.‬‬
‫ف‬
‫أشــاد العالمــة بإقامــة مجلــس الرابطــة اإلســامية ي� الهــور ليحـ ضـره مســلمو الهنــد كلهــم ولتصبــح الحركــة‬
‫الجماعــة الوحيــدة الممثلــة للمسـ ي ن‬
‫ـلم� لتحــارب ألجــل قيــام وطنهــم الجديــد لكــن القائــد األعظــم لــم يتمكــن مــن‬
‫ف‬
‫إقامة الجلســة ي� الهور بســبب وفاة إقبال وحكم مجلس الشــيوخ باإلضافة النشــغاالت الحركة آنذاك‪ .‬لكن‬
‫يــوم النجــاة فتــح البــاب التحــاد المسـ ي ن‬
‫ـلم� ودعواهــم لبنــاء واليتهــم‪.‬‬

‫اتحــد المســلمون ضــد الهنــود مــن جانــب‪ ،‬ومــن اآلخــر أتيحــت لهــم الفرصــة ضــد اإلنجلـ ي زـر؛ فقــد بــدأت الحــرب‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫العالميــة الثانيــة ي� أوروبــا عــام ‪1939‬م‪ ،‬واشــتعلت النــار ي� كل مــكان‪ ،‬فوقفــت بريطانيــا للدفــاع ضــد هجمــات‬

‫‪118‬‬
‫ـا� خســائر فادحــة مــن كل‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫ألمانيــا‪ ،‬إذ كانــت لنــدن تتل ـىق الغــارات‬
‫يوميــا وأشــيع أن الجيــش اإلنجلـ يـري يعـ ي‬
‫الجهــات‪ .‬أرســل الجيــش الهنــدي وال�يطـ ن‬
‫ـا� ألوروبــا‪ ،‬تملكهــم الخــوف مــن احتماليــة غــزو األلمــان بل�يطانيــا‬ ‫ب‬
‫ف‬ ‫زي ف‬
‫اإلنجل�يــة ي� الهنــد تحــت ضغــط شــديد ي� نفــس الوقــت‪ ،‬فقــرر القائــد‬ ‫ي‬ ‫بســبب حمالتهــم‪ .‬كانــت الحكومــة‬
‫األعظــم االســتفادة مــن هــذه الفرصــة‪.‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫أعلــن القائــد األعظــم عــن إقامــة جلســة الحركــة القادمــة ي� الهــور ي� مــارس عــام ‪1940‬م‪ ،‬اآلن ســيكتب تاري ـ ــخ‬
‫جديــد ويبــدأ عــر جديــد؛ فهــا قــد اتحــد مســلمو الهنــد ليصبحــوا يــدا واحــدة وصوتــا واحــدا يطالــب بتقســيم‬
‫الهنــد‪.‬‬
‫ف‬ ‫ث‬
‫ال�وفيســور إنعــام الحــق كوثــر ليصبــح ذكــرى يحت ـىف بهــا ي� األيــام ‪ 24-23-22‬مــن‬ ‫ن�يكــم اليــوم بمقــال كتبــه ب‬
‫ش‬
‫والع�يــن كيــوم ق ـرار‬ ‫مــارس‪ .‬حذفــت هــذه التواريـ ـ ــخ مــن كتــب التاريـ ـ ــخ والكتــب التعليميــة‪ .‬يحت ـىف بالثالــث‬
‫باكســتان‪ ،‬لكن جيل الشــباب ال يفقه شــيئا عن حقيقته‪ .‬يجب علينا إظهار هذه الحقائق التاريخية وإحيائها‬
‫لتعليــم وتربيــة أجيالنــا القادمــة‪ ،‬بــل يجــب أن نذيقهــم جــزءا مــن تلــك األحاســيس وذاك الشــغف الــذي نــزف‬
‫ألجلــه أباؤنــا‪.‬‬

‫‪119‬‬
120
‫الفصل الثالث عشر‬

‫‪AA‬‬

‫إما باكستان أو الشهادة‬

‫تجهيزات جلسة مارس ‪1940‬م بالهور‪:‬‬

‫كانــت حديقــة إقبــال الـ ت يـى اشــتهرت باســم حديقــة منتــو ميدانــا كبـ يـرا مكونــا مــن حقــول عريقــة كالهــور نفســها‬
‫ـ� وحصــن الملــوك‪ ،‬يقــول الســيد أمـ يـر الديــن أنهــم نصبــوا مرسحــا جميــا عــام‬‫وتقــع بال فقــرب مــن المســجد الملـ ي‬
‫‪1940‬م ي� جهــة مرتفعــة مــن األرض عمــا حولهــا وهــو نفســه المــكان الــذي تقــف فيــه منــارة باكســتان شــامخة‬
‫اليــوم‪.‬‬

‫ـ� قــررت إقامــة الجلســة فيهــا‪ ،‬إذ كان هــذا مطلبهــم مــن زمــن طويــل‪ ،‬حيــث جــرت‬ ‫ســعد ســكان الهــور حـ ي ن‬
‫محــاوالت عــدة إلقامــة جلســة فيهــا لكــن الري ـ ــح أبــت أن تســاير الســفن‪ .‬كان إقبــال أول مــن حــاول ذلــك‪ ،‬فحــاول‬
‫ف‬
‫إقنــاع القائــد بإقامــة الجلســة ي� الهــور قبــل جلســة لكنــاو عــام ‪1937‬م وحـ تـى بعدهــا‪ .‬وعندمــا عــرض القائــد‬
‫ف‬ ‫إقامــة جلســة ش‬
‫الع�يــن مــن مــارس عــام ‪1938‬م ي� الهــور شــجعه إقبــال بحماســة وتمـ نـى لــه الخـ يـر والتوفيــق‪،‬‬
‫لكــن حكومــة البنجــاب آنــذاك كانــت جماعــة االتحــاد وي ـرأس وزراءهــا ســكندر حيــات‪ ،‬فأبــت‪ .‬كتــب حســن‬
‫رضــا أن تجهـ ي زـرات الجلســة جاريــة رغــم المصاعــب والعوائــق‪ ،‬ســهرت بضــع جماعــات إلنجــاح هــذه الجلســة‪،‬‬
‫ف‬
‫وســاهم مســلمو البنجــاب بالكثـ يـر لعقــد الجلســة فجمعــوا ‪ 20‬ألــف روبيــة رصفــت ‪ 11‬ألفــا منهــا فقــط ي�‬
‫الجلســة بينمــا ســلمت البقيــة لدعــم الرابطــة اإلســامية‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫حديقة منتو التاريخية‪ ،‬والتي تحولت إلى حديقة إقبال‪ ،‬ومنارة‬
‫باكستان التي تبعث الحنين إلى الماضي المجيد‪122‬‬
123
‫ف‬
‫عندمــا طلــب ترصي ـ ــح مــن الحكومــة الحاليــة بعقــد الجلســة ي� حديقــة منتــو‪ ،‬وصلــت رســالة مــن وزارة الزراعــة‬
‫للســيد شــاه نــواز خــان طولــب فيهــا بجمــع ثمانيــة آالف روبيــة غـ يـر قابلــة لإلعــادة‪ ،‬وقيــل أن الســبب هــو لدفــع‬
‫ثمــن أي ممتلــكات قــد تدمــر أثنــاء الجلســة‪ ،‬وكتبــت رســالة رسيعــا عــى لســان الســيد أمـ يـر الديــن تنــص عــى أن‬
‫الرابطــة اإلســامية ســتتوىل أمــر أي ض�ر أو خلــل أثنــاء الجلســة مــن مدخراتهــا الخاصــة‪ .‬لــم يصــل رد مــن الــوزارة‬
‫بعــد ذلــك فأقيمــت الجلســة وانتهــت دون حــوادث‪ ،‬وألنهــا كانــت أهــم جلســة لتصبــح الهنــد ســاحة عمــل حركــة‬
‫ـه� بهــا وبدوافعهــا كبـ يـرا جــدا‪ ،‬فكانــت األخبــار والشــائعات والترسيبــات تصــل العامــة‬ ‫ـلم الهنــد كان التشـ ي‬
‫مسـ ي‬
‫ش‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫ز‬
‫بوقتهــا مــن تجهـ يـر المــرح حــى النهايــة‪ ،‬نــر منشــور ي� أخبــار «زمينــدار» ي� الســادس عــر مــن مــارس‬
‫‪1940‬م بكلمــات كهــذه‪:‬‬

‫«جلسة حركة مسلمي الهند بالهور في تجهيزاتهم للفوز باالنتخابات القادمة‪ ،‬بأي طريق سيسير‬
‫الموكب المبجل‪».‬‬

‫دعا السيد أمير الدين في الرابع من مارس أشراف المدينة ومفكريها لينظموا األسواق والطريق‬
‫للموكب‪ ،‬وبعد مناقشتهم رتب الطريق اآلتي‪:‬‬

‫والع�يــن مــن مــارس مــن محطــة القطــار بالهــور باتجــاه طريــق برانــدرت‬ ‫ش‬ ‫ســيبدأ الموكــب مسـ يـرته يــوم الواحــد‬
‫ـاس ثــم ســوق حكيمــا فبوابــة‬
‫ي‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫األل‬ ‫ـد‬
‫ـ‬ ‫ح‬‫األ‬ ‫ـوق‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـا‬‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ومن‬ ‫ـاك‬
‫ـ‬ ‫س‬‫األ‬ ‫ـال‬
‫ـ‬ ‫م‬ ‫أع‬ ‫ـم‬
‫ـ� ثـ‬‫فســوق أ كـ بـري العريــق فبــاب دلـ ي‬
‫ت‬
‫كل ســتكون الســاعة الثالثــة مــن المســاء‬ ‫األخ والطريــق الدائــري وطريــق اإلســفلت وحــى يصلــون ســوق أنــار ي‬
‫ـتنته مسـ يـرة الموكــب عنــد مســجد نيالكنبــد‪ .‬زيــن طريــق الموكــب بمختلــف األعــام كمــا‬ ‫ي‬ ‫قــد شأ�فــت وسـ‬
‫ـيم� أصحــاب المحــال وأفـراد الجماعــات اإلســامية خلــف الموكــب لتشــييعه‪،‬‬ ‫زينــت األبــواب والنوافــذ‪ ،‬وسـ ش‬
‫ف‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫وعقــدت اآلمــال ي� ظهــور الموكــب شــامخا ومهيبــا‪ ،‬وتــم هــذا ي� حضــور الســيد جــودري عبــد الكريــم‪ ،‬المـ شـرف‬
‫والمســؤول عــن التنظيــم‪.‬‬

‫وتجه�اته ف ي� أخبار زميندار مجددا‪:‬‬


‫يز‬ ‫خ� عن سعة المكان‬ ‫كب�ة ش‬
‫ون� ب‬ ‫جهزت الحديقة بجهود ي‬

‫« جهز موقع جلسة حركة مسلمي الهند القادمة باهتمام كبير في حديقة منتو‪ ،‬ونظمت الموائد‬
‫والطاوالت لحضور يفوق السبعة آالف بشكل جيد وممتاز‪ ،‬خصصت كراس معينة ألركان‬
‫ومجالس استقبال الحاضرين‪ ،‬كما تم تجهيز أماكن للتغطية خلف المسرح بمقاعد للجلوس‪،‬‬
‫ورتبت مخيمات لمختلف المكاتب والمساعدين خارج الموقع‪ .‬وجهزت طاوالت بإشارات ألصحاب‬
‫الدكاكين لعرض بضاعتهم‪ ،‬نتمنى أن يجهز كل شيء حتى الخامس عشر من مارس‪».‬‬
‫ف‬ ‫ين‬
‫بيوم� أي ي� الـ‪ 19‬من مارس‪ ،‬كانت الهور تحت حكم‬ ‫بيد أن حادثة دموية هزت أركان الهور قبل الجلسة‬
‫ف‬
‫جماعــة االتحــاد يقودهــا الســيد ســكندر حيــاة وكانــت ش�ارة الحــرب العالميــة الثانيــة تتأجــج‪ ،‬وكانــت الهنــد ي�‬
‫طــور الدفــاع‪ ،‬وبنــاء عــى القانــون حظــر العســكر أي تنظيــم يمثلهــم (كالميليشــيا) ‪ ،‬ونفــذت حكومــة البنجــاب‬
‫ـ�‪ ،‬لكــن الخاكسـ ي ن‬
‫ـاري�‬ ‫األوامــر فمنعــت جماعــة العالمــة مـ شـر ق� خاكســار مــن الخــروج ومــن التعــدي عــى القوانـ ي ن‬
‫ي‬
‫ـ� تحديــدا فخرجــت عليهــم القــوات لردعهــم‪ ،‬قــاوم الخاكســاريون فأطلــق‬ ‫عصــوا األوامــر قبــل الجلســة بيومـ ي ن‬
‫العســكر النــار‪ ،‬وتفاقــم األمــر كلــه ف� النهايــة فتلونــت طــرق الهــور وأســواقها بدمــاء الخاكسـ ي ن‬
‫ـاري� هنــا وهنــاك‪.‬‬ ‫ي‬
‫استشــهد ‪ 30‬خاكســاريا وجــرح آخــرون طبقــا للحكومــة‪ .‬وقفــت الرابطــة اإلســامية الـ ت يـى جهــزت لجلســتها‬
‫ف‬
‫بحماســة مغمومــة ي� حـ يـرة مــن أمرهــا اآلن‪ ،‬إذ غمرتهــم الخشــية ممــا قــد يفعلــه الســيد ســكندر حيــاة بشــأن‬
‫�ء كهــذا مــرة أخــرى إذا عزمــوا عــى عقــد الجلســة‬ ‫ش‬
‫إقامــة الجلســة مــن عدمهــا اآلن‪ ،‬ومــن احتماليــة حــدوث ي‬

‫‪124‬‬
‫ف‬
‫ممــا قــد يؤجلهــا‪ ،‬وتحققــت مخاوفهــم فهــا هــو الســيد ســكندر حيــاة يشــاور القائــد األعظــم ي� تأجيــل الجلســة‬
‫بســبب الحــاالت العصيبــة ف ي� الهــور‪ ،‬ويقــول نــواب بهــادر يــار جنــك‪:‬‬

‫«استيقظت يوما على رجل البريد يحمل إلي خطابين‪ ،‬أحدهما من السيد القائد األعظم واآلخر‬
‫من العالمة مشرقي وكالهما آتيان من دلهي يطلبان حضوري‪ ،‬فهمت األمر من فوري فنفضت‬
‫سريري وسرت إلى القائد األعظم ألعمل على مشكلته‪ .‬سلمت عليه بيد أنه لم ينطق شيئا بل‬
‫رمى إلي ورقة‪ ،‬ونظرت فإذا هي رسالة‪ ...‬طلب فيها السيد سكندر حياة من القائد األعظم أن يؤجل‬
‫جلسة الهور‪ ،‬فلما قرأتها قال لي القائد األعظم أن هذه أهم جلسة‪ ،‬وسنتخذ فيها أهم القرارات‬
‫تقع نتيجتها في صالح المسلمين‪ ،‬وقد أعلن عن الجلسة وأرسلت الدعوات للمندوبين‪ ،‬لكن‬
‫الحال خطيرة وسيئة‪ ،‬وتظن بعض الفرق في الحركة أن الجلسة ستؤجل فيما يصر اآلخرون‬
‫على ضرورة عقدها‪ .‬وأنا أريد رأيك ألنك على عالقة بجماعتي الرابطة اإلسالمية وخاكسار‪ .‬اخترت‬
‫الصمت لدقيقتين قبل أن أعرض عليه‪ « :‬ستعقد جلسة الرابطة اإلسالمية في وقتها هذه‬
‫السنة في الهور‪ ،‬اذهب لالهور وأنا على خطاك‪ ،‬ومطلبي الوحيد هو أن ال يسير الموكب من محطة‬
‫القطار حول المدينة‪ ،‬وسأهتم بالباقي‪ ».‬انشرحت تقاسيم وجه القائد بسماعه لعرضي‪ ،‬واستمع‬
‫لمطالبي حرفيا‪ ،‬وذهب يبشر كل قائد ورئيس في الرابطة اإلسالمية أن الجلسة ستعقد في الهور‬
‫بوقتها كما خطط مسبقا‪ .‬وفي اليوم التالي سافر القائد األعظم وأنا بصحبته‪ ،‬استقبل القائد في‬
‫محطات مختلفة ببهجة عارمة‪ ،‬وبعد وصولنا الهور غادر القائد لوجهته من الباب الخلفي للمحطة‬
‫بينما خرجت أنا لساحتها‪ ،‬صدم الناس وبدؤوا البحث عن القائد هنا وهناك إذ أرادوا أخذه في‬
‫موكب‪ ،‬لكنهم لم يبرحوا ينشدون‪« :‬يعيش القائد األعظم‪ ،‬تعيش الرابطة اإلسالمية! أنا عدت‬
‫ألشرح للناس‪».‬‬

‫____________________‬
‫ف‬
‫طبقــا للســيد المحـ تـرم أبــو ســعيد الــذي كان أحــد أركان مجلــس االســتقبال لــم يقــف أحــد ي� الصالــة غـ يـر أركان‬
‫ـ� دخــول القائــد األعظــم لهــا‪ ،‬حمــل‬ ‫جماعــة االســتقبال باإلضافــة إىل الســيد المحـ تـرم رس ســكندر حيــاة خــان حـ ي ن‬
‫رس ســكندر إكليــا مــن الذهــب أراد مــن القائــد أن يلبســه‪ ،‬لكــن القائــد األعظــم رفــض ارتدائــه بــأدب فــور وقــوع‬
‫بــره عليــه ومــن ثــم ســار لمبيتــه برفقــة الســيد المحـ تـرم شــاه نــواز ممــدوت بهــدوء‪ .‬ارتــاح القائــد األعظــم هنــاك‬
‫لوقــت قبــل أن يـ ن زـرل لزيــارة جــرىح خاكســار ليتمـ نـى لهــم الخـ يـر‪ ،‬إذ تأثــر كثـ يـرا بمــا جــرى لهــم‪.‬‬

‫كان الزحــام شــديدا ف� المحطــة ممــا أحــال لقــاء الصحافــة بالقائــد مســتحيال هنــاك‪ ،‬لكنهــم تواجــدوا حـ ي ن‬
‫ـ� قابــل‬ ‫ي‬
‫القائــد األعظــم الســيد ممــدوت‪ ،‬وتحــدث القائــد معهــم فقــال‪:‬‬

‫‪125‬‬
126
‫الرجال وقوفا في انتظار القائد األعظم‬

‫«ستفتح جلسة الرابطة اإلسالمية هذه المرة بابا جديدا في التاريخ اإلسالمي في الهند‪ ،‬أمامنا‬
‫تحديان أو ثالثة لتحقيقي ذلك‪ ،‬لكنني واثق من نجاحنا ما إن تعاونا سويا‪ ،‬ال بد من بقاءنا‬
‫متبعين للقوانين ومحافظين على األمن‪ ،‬وكلي ثقة أن الصحافة لن تقصر في دورها إلنجاح‬
‫الجلسة‪ .‬اغتممت بسماعي إلصابة وخسارة الكثير في حادثة ال‪ 19‬من مارس‪ ،‬ولكن على هذا‬
‫أن يكون دافعا أقوى لنا لكي ال نتساهل‪ ،‬وأن نواجه المشاكل والمصاعب بدم بارد وال أشك أننا‬
‫سنتمكن من إيجاد حل‪».‬‬
‫ف‬
‫خــرج القائــد للحديــث ظهــر ال‪ 21‬مــن مــارس لرفــع العلــم وتجمعــت األمــم رسيعــا ي� الثانيــة ظه ـرا بعــد ذلــك‪،‬‬
‫ف‬
‫حظــت الجلســة بأ كـ بـر مســاحة ي� الحديقــة‪ ،‬كمــا علقــت لوحــة باســم بــاب جنــاح عــى بــاب الموقــع وثبتــت‬
‫ف‬
‫منارتان ي� طرفيه مما زاد من جمال البوابة وشهرتها‪ .‬كان المرسح واسعا ليسع مقاعد ما يزيد عن خمسمائة‬
‫فــرد وكان الجانــب األيمــن منطقــة خاصــة بينمــا دعــم الجانــب األيــر بالمقاعــد ومــن خلفهــم معــرض‪ ،‬وخلفــه‬
‫ـبع� ألــف ضيــف‪ .‬أمــا تذاكــر مقاعــد المــرح‬ ‫نظمــت مقاعــد لعامــة الحضــور‪ ،‬إذ نظمــت ك ـراس لخمــس وسـ ي ن‬
‫ي‬
‫ـوال ‪ 50‬بيســة فيمــا نظمــت مجالــس مغطــاة للنســاء‪.‬‬ ‫فكانــت بســعر مائــة روبيــة‪ ،‬ولــذوي الشــؤون الخاصــة حـ ي‬
‫حــدد موقــع آخــر لمجلــس الســجيكتس‪ ،‬كان مغلقــا مــن جمــع األطـراف‪ ،‬وحــدد موقــع لمقــى لتوفـ يـر الطعــام‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫والـ شـراب للحضــور‪ ،‬وفتــح مكتــب للحركــة اإلســامية ي� موقــع ي� المنتصــف‪ ،‬وفتــح مكتــب مجلــس االســتقبال‬
‫ـ� حيــث أتــت وفــود متطوعــة مــن مختلــف األماكــن مــن الهنــد‪ .‬تأ� أ كـ بـر‬ ‫ف� موقــع آخــر‪ .‬ونصبــت خيــام المتطوعـ ي ن‬
‫ي‬
‫ـ� فنصبــت لهــم‬ ‫الوفــود مــن رسحــد‪ ،‬أمــا اآلخريــن فكانــوا مــن البنغــال وب ـهــار وآســام وبومبــاي وأوتابراديــش ودلـ ي‬
‫خيــام مســتقلة كمــا تشــاركوا مــع المنظمـ ي ن‬
‫ـ�‪.‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫وجــب عــى القائــد األعظــم رفــع العلــم ي� الرابعــة ع ـرا ي� ال‪ 21‬مــن مــارس‪ ،‬أعــد قاعــدة ثبتــت عليهــا ســارية‬
‫ف‬
‫العلم ألجل ذلك‪ ،‬وصل القائد األعظم للموقع ي� تمام الساعة الرابعة‪ ،‬برفقة نواب رسشاه واز وأدىل القائد‬
‫برأيه‪:‬‬

‫‪127‬‬
‫شاه نواز ممدوت في استقبال القائد األعظم‬

‫«إنني عائد من زيارتي للمرضى والجرحى في مستشفى ميو‪ ،‬لقد كانت واقعة مؤلمة وتثر الحزن‬
‫ونحن نعلن عن تضامننا الكامل معهم‪ ،‬اليوم يعرف الجميع أن العدو الوحيد هو المسلمين‪ ،‬وأن‬
‫الرابطة اإلسالمية هي هدفهم»‪.‬‬

‫____________________‬

‫ـاري� تحتــدم‪ ،‬خــرج موكــب مــن ثمانيــة‬ ‫ـ� ش‬


‫ال�طــة والخاكسـ ي ن‬ ‫ف� حـ ي ن‬
‫ـ� كان العلــم يرفــع هنــا‪ ،‬كان المواجهــات بـ ي ن‬
‫ي‬
‫ـاري� خلــف كولونيــل ف� ســوق أنــاركل‪ ،‬غمــرت الدهشــة الســوق لحظــة ظهورهــم ثــم مــا فتــأت الدكاكـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫خاكسـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ال�طــة الموقــع وطالبــت قائــد المجموعــة أن ينفضــوا لكنــه بأ�‪ ،‬فرمــوا عليهــم قنابــل‬ ‫تغلــق أبوابهــا‪ ،‬وصلــت ش‬
‫الغــاز المســيل للدمــوع وحبــس قائــد المجموعــة‪.‬‬

‫ـ� مــن الرابطــة اإلســامية عــى القائــد األعظــم بعــد رفــع العلــم‪ ،‬وبعــد ذلــك ش�عــوا بتنظيــم‬
‫ســلم الحـراس الدوليـ ي ن‬
‫أعمالهــم المنوطــة بهــم‪.‬‬
‫ف‬
‫ازدحــم موقــع الجلســة ي� ال‪ 22‬مــن مــارس ‪ 1940‬واكتــض بأبنــاء التوحيــد‪ ،‬نبضــت قلــوب مئــة مليــون مســلم‬
‫ف� ترقــب لدخــول الرئيــس األعظــم والملــك غـ يـر المتــوج‪ ،‬ودخــل هــو الموقــع حـ ي ن‬
‫ـ� دقــت عقــارب الســاعة الثالثــة‬ ‫ي‬
‫ال�مــوا بالهــدوء‪ ،‬حيــاه الح ـراس الدوليــون‬ ‫الحا�يــن ت ز‬
‫ض‬ ‫ـ� دقيقــة‪ ....‬ض�بــت العاصفــة الجلســة لكــن‬ ‫والخمسـ ي ن‬
‫بــكل أنفــة‪ .‬ارتفعــت التكبـ يـرات والنــداءات واألناشــيد باســمه والحركــة‪ :‬هللا أ كـ بـر‪ ،‬يعيــش القائــد األعظــم‪ ،‬تعيــش‬
‫الرابطــة اإلســامية! واســتقبل رئيــس جماعــة االســتقبال القائــد األعظــم فألبســه إكليــل ورد‪ .‬وأمطــر النــاس عــى‬
‫القائــد األعظــم بالــورد والزهــر ف ي� طريقــه للمنصــة‪.‬‬

‫حـ ضـر قــادة الرابطــة اإلســامية وتحلقــوا حــول القائــد مــن كل جهــة‪ ،‬وبعــد تــاوة القــرآن قـرأت عــدة أناشــيد ومــن‬
‫بينهم أنشــد الســيد أنور غازي آبادي النشــيد المشــهور لميان بشـ يـر أحمد بصوت ســاحر‪:‬‬

‫____________________‬

‫‪128‬‬
‫إلى القائد األعظم محمد علي جناح‬

‫ـام األمــة وراعيهــا‪ ،‬ولــو أن لألمــة جســد فــإن‬ ‫حـ ي‬


‫روحهــا هــو القائــد األعظــم محمــد عـ يـ� جنــاح‪ ،‬هــو‬
‫ف‬
‫مــن قادهــا وكان رساجهــا ي� ظلمــة الســفر الطويــل‪،‬‬
‫ذو الفكــر والبصـ يـرة‪ ،‬حــاد الذهــن بعيــد النظــر‪،‬‬
‫ن ف‬
‫ـلم� ي� الهنــد‪ ،‬ذو العزيمــة والشــكيمة‪،‬‬ ‫قائــد المسـ ي‬
‫ف‬
‫صاحــب الوفــاء‪ ،‬ذو الــروح الحــرة األبيــة‪ ،‬ي� قلبــه‬
‫ف‬
‫عزيمــة وهمــة ‪ 90‬مليــون مســلم‪ ،‬ي� كل عــرق مــن‬
‫عروقــه يســمو حــب القــوم ويجــري‪ ،‬كأنــه القــوس إذ‬
‫تغــادر األســهم لتصيــب هدفهــا بــكل دقــة‪ ،‬بــث الــروح‬
‫ف‬
‫ي� األمــة بصوتــه وكأن القــدر اختــاره ليكــون صــوت‬
‫ف‬
‫أذانــه‪ ،‬تخافــه األعــداء وتصبــح جامــدة أمامــه‪ ،‬ي�‬
‫ـ� يهتــف كل مظلــوم باســمه‪ ،‬يجــب عــى القــوم‬ ‫حـ ي ن‬

‫احـ تـرام القائــد األعظــم ألنــه عالمــة مــن عالمــات‬


‫ف‬
‫اإلســام‪ ،‬كل مســلم دعــاءه أن يطيــل هللا ي� عمــر‬
‫القائــد األعظــم وســيد القــوم محمــد عـ يـ� جنــاح‬

‫‪129‬‬
‫وقف رئيس جماعة االستقبال نواب شاه نواز ممدوت لمساعدة القائد‪ ،‬وقد قال له‪:‬‬

‫سيفتح العمل الذي ستهم به الرابطة اإلسالمية لنهضة المسلمين واألقليات األخرى في الهند‬
‫بابا ذهبيا في تاريخ مسلمي الهند‪ ،‬فخطة العمل التي ستتبعها الحركة ال تفيد المسلمين‬
‫وحدهم بل إنها تفيد وتنهض باألقليات األخرى كذلك‪ ،‬وسيسعدهم أن يمدوا يد العون وأن‬
‫يقفوا إلى جانب الحركة‪.‬‬

‫لقد قالوا أنهم يريدون أن ينعم المسلمون بالهند فال يستطيع مجلس الشيوخ وال بريطانيا‬
‫لذلك تحويال‪ .‬إن الحركة تريد أن تعيش الهند حرة لكنها ال تريد أن تصبح األقليات عبيدا‬
‫لألكثرية‪ ،‬وسينتفض المسلمون ضد كل خطة وعمل يضر بالمسلمين‪.‬‬

‫(ثم قال ملمحا لقانون ‪1935‬م) ال يوافق المسلمون على حكومة غربية‪ ،‬وبعد تجربتهم مع‬
‫مجلس الشيوخ للسنة والنصف الماضية وما فعلوه بالمسلمين في المناطق ذات األكثرية‬
‫الهندوسية‪ ،‬فإنهم لن يتحملوا أن يقعوا تحت رحمة األكثرية ويكملوا حياتهم هكذا‪ .‬دين‬
‫األكثرية وثقافتهم وحضارتهم وتقاليدهم مختلفة تماما عن المسلمين‪ ،‬إنهم غير مستعدين‬
‫على القبول بسلطة أقوام أوروبا الذين لهم دين واحد ولغة واحدة وحضارتهم وثقافتهم واحدة‪،‬‬
‫فكيف يمكن أن يقبلوا بسلطة األكثرية؟ (في إشارة لأللمان)‬

‫نوقشت حلول لمشكلة الفرقتين أكثر من عشرين مرة خالل ربع القرن الماضي وجرت محاوالت‬
‫للتفاهم بين القومين لكن مجلس الشيوخ تدخل في كل مرة‪ ،‬إذ ظل يرفض مرارا وتكرارا أهمية‬
‫االعتراف بالمسلمين مما يعني أن المسلمين ال يملكون الحق لالختيار بأنفسهم‪.‬‬

‫ال بأس بالحكم الذاتي في المناطق‪ ،‬لكن يفترض أن تنصف الحكومة الديموقراطية بين األقلية‬
‫واألكثرية‪ ،‬بيد أن مجلس الشيوخ لم يساو بينهم في المناطق تحت حكمه‪ ،‬بينما حاولت‬
‫حكومتي البنجاب والبنغال فعل كل ما بيدها لتعيش األقليات بسكون واطمئنان في كنفها‪.‬‬
‫صرفت حكومة البنجاب في السنوات الثالث الماضية ‪ 20‬مليون و‪750‬ألفا على المناطق ذات‬
‫األكثرية غير المسلمة حين القحط حيث تواجد الهنود بأكثرية هناك أيضا‪.‬‬

‫إنني أقر أن بعض المسلمين تركوا جانب قومهم ودخلوا مجلس الشيوخ الذين ال يريدون حرية‬
‫الهند بل يبحثون عن انتصار األمة الهندية باألرض الهندية‪.‬‬

‫إن دعائي من هللا أيها الضيوف المحترمون وإخوتي الكرام‪:‬‬

‫‪130‬‬
‫أن يقرب قلوبكم من بعضها البعض ويغنيكم بأموال ال حصر لها ويعينكم في صرفها على‬
‫أعمال مكرمة كما جمعتموها على هذه المناسبة العظيمة‪ .‬ربنا ثبت أقدامنا وانصرنا على القوم‬
‫الكافرين!‬

‫اختم حديثي بتكرار شكري لكم لتكلفكم العناء والمجيء إلى هنا‪ ،‬كما أعدكم أن مجلس‬
‫االستقبال ليس على حق ما لم يؤد بحقه عليكم ولم ينعموا عليكم بهدايا الشكر لمن جد وجهد‬
‫ليحقق هذه الجلسة ومن مد يده إلى يدي والذين بغير تعاونهم ما كنت بقادر على السير خطوة‬
‫أخرى في هذا الطريق‪».‬‬

‫____________________‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ـ� ي� عــروس البــاد الهــور التاريخيــة العريقــة ليصبــح أعظــم مســجد ي�‬ ‫بــى أورنكزيــب عالمكـ يـر المســجد الملـ ي‬
‫ت‬ ‫ف‬
‫شــبه الجزيــرة الهنديــة‪ ،‬لمــا أشـ يـر لــر ســكندر حيــات ضمنــا ي� الجلســة ارتفعــت األصــوات تعــرض‪« :‬ال تذكــر‬
‫اســم ذاك القاتــل!» ثــم ارتفعــت النــداءات‪ :‬ســحقا للعبــة اإلنجلـ ي زـر ذلــك! ليمــت ســكندر حيــات!‬

‫االع�اضــات تلــك‬ ‫ت‬ ‫رأى ســكندر حيــات كل ذلــك يجــري أمــام عييــه بحضــوره للجلســة‪ ،‬وبرؤيتــه لعاصفــة‬
‫ف‬
‫انفــض هاربــا مــن المــكان‪ .‬انتـ شـرت الفــو�ض ي� خطبــة االســتقبال حـ تـى وقــف القائــد وأخــذ الميكرفــون بيــده‬
‫ف‬ ‫ن‬
‫فــدب الســكوت وعــم الصمــت‪ .‬كان القائــد يرتــدي آنــذاك شـ يـر ي‬
‫وا� أســود‪ ،‬قــال شــيئا باألورديــة ي� البدايــة ثــم‬
‫ـا�ون ينصتــون لــه بإمعــان رغــم قلــة‬ ‫ـ� دقيقــة تقريبــا‪ .‬وظــل الحـ ض‬ ‫يز‬
‫باإلنجل�يــة لســاعة وأربعـ ي ن‬ ‫طفــق يق ـرأ تقري ـرا‬
‫ز‬
‫ـ� انفعاالتــه وتغـ يـر قســمات وجهــه ومالمحــه‪ ،‬فـ يـرأركاألســد تــارة ويتحــدث بلطــف‬ ‫ـ� منهــا بينهــم متابعـ ي ن‬
‫المتمكنـ ي ن‬
‫ض‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ئ‬ ‫ف‬
‫ـا� حــرن‬ ‫تعاطفــه وامتنانــه للنســاء المســلمات الـ ي‬ ‫ـلم�‪ .‬أبــدى القائــد‬ ‫وخنــوع تــارة أخــرى ليــد� قلــوب المسـ ي‬
‫ف‬
‫بعــدد ضخــم ألول مــرة وجهــزت لهــن منطقــة خاصــة بتغطيــة ي� الموقــع لجهودهــن السياســية والقوميــة قبــل‬
‫أن يبدأ بتوضيح حال الدولة‪:‬‬

‫« ال زلنا مصرين على موقفنا ال نتزعزع‪ ،‬إن الحرية حق لشبه الجزيرة الهندية كلها‪ ،‬وليس لفئة‬
‫معينة فقط‪ ،‬ولن تجد الهند حريتها ونصرتها تحت قيادة مجلس الشيوخ الهندي الذي يهدف‬
‫لتعبيد المسلمين واألقليات األخرى‪ ،‬لم ر بأحالمنا يوما أن معاهدة كهذه ستجري بين الهندوس‬
‫والبريطانيين‪ ،‬لكنها جرت‪ ،‬كنا نصرخ ونستنجد ونقاوم بيد أن رجال السلطة اإلنجليزية بل وحتى‬
‫نائب الملك نفسه أداروا ظهورهم لمظالم الناس في مناطق سلطة المجلس‪.‬‬

‫يطالب مجلس الشيوخ بالحرية أوال ويضع قراره حيال الناس في المرتبة الثانية في األهمية‪.‬‬

‫(قال مشيرا إلى غاندي) إنه يشيع أن المسلمون ينكرون أي تشابه وصفات مشتركة بينهم‬
‫وبين الهندوس‪ ،‬ثم يقول أنه يقرأ القرآن كما يقرؤه المسلمون‪( .‬علت الضحكات في الجلسة)‬

‫‪131‬‬
132
‫( آثر القائد قول المزيد) حتى األعمى يمكنه أن يرى أن الرابطة اإلسالمية هي الممثل الوحيد‬
‫لمسلمي الهند‪ ،‬ولهذا تواجه بهذه المخططات غير القانونية‪ ،‬إذ تستمر بريطانيا بالترغيب في‬
‫سحق المسلمين‪ .‬إنني أعلن من مقامي هذا أنه ما من حل تسوية مؤقت أو قرار وإعالن ال يرضي‬
‫المسلمين إال ونحن مناهضون له بشدة‪ .‬ال يمكن أن تقبل الهند اإلسالمية بأي حكومة تعطي‬
‫السلطة لألكثرية الهندية‪ ،‬جمهورية كهذه هدفها الوحيد هو إعالء كلمة الحكم الهندوسي الذي‬
‫ينتهك حقوق األقليات والذي يوحد المسلمين والهندوس غصبا وجبرا‪ .‬ستكون الكلمة العليا‬
‫للمجلس في جمهورية كهذا حين ينبغي أن يكون ذلك لإلسالم‪ .‬لقد جربنا شخصيا ما قد يحدث‬
‫في مناطق بدستور كهذا في السنتين والنصف الماضية‪ .‬تسعى حكومة كهذه وراء مطلب وحيد‬
‫هو بناء جيش برتقالي (هندي) في ساحة المعركة هذه والذي ينظمه غاندي من السيخ‪ ،‬إنه‬
‫يدعي أنه سينقذهم من التشدد وإنه إذا ما قوبلت العين بالعين فسيتوجب عليه مغادرة البلد‬
‫لمكان آخر‪.‬‬

‫عكس ما يتوقع الكثيرون‪ ،‬المسلمون ليسو أقلية‪ ،‬كل ما علينا هو النظر حولنا من الجهات األربع‬
‫لنتأكد فقط‪.‬‬

‫اليوم وفقا للنهج البريطاني تعد أربع من إحدى عشر منطقة ذات أقليات مسلمة‪ ،‬لكن مجلس‬
‫الشيوخ الهندي ال يزال يصر على موقفه وعدم تعاونه‪ .‬يعد المسلمون قوما مستقلين اعتمادا‬
‫على أي تعريف للفظ «قوم» ويلزمهم وطن مستقل ومنطقة ومملكة مستقلة بناء على هذا‪.‬‬
‫نحن نبتغي الحياة آمنين سامرين بجانب جيراننا بحرية وباختيارنا المستقل لقوميتنا‪ .‬نحن‬
‫نبتغي الحياة متبعين روحانيتنا وثقافتنا ومجتمعنا واقتصادنا وسياستنا مستقلين لننهض‬
‫بهم لألعلى بالشكل الذي يناسبنا ويوافق أهدافنا‪ .‬إننا نقدس الفائدة التي يجنيها عشرات‬
‫الماليين من الناس‪ ،‬باإلضافة ألن الوصول لحل منصف وآمن أمانة على أعناقنا‪ .‬ولكن أمعنوا‬
‫النظر في أننا ال نبغي أن تحرفنا األناشيد الداعية للتشدد وال المصائب عن هدفنا‪ ،‬بل علينا أن‬
‫نكون جاهزين لمواجهة أي نوع من المشاكل والنتائج‪ ،‬ونستعد للتضحية بالكثير في سبيل‬
‫تحقيق مبتغانا السامي‪.‬‬

‫سيداتي وسادتي‪ ،‬هذا هو العمل الذي نصبوا إليه‪ .‬أخال أن تقريري قد طال وأنني أخذت مزيدا من‬
‫الوقت‪ ،‬لكن هناك بعض من األشياء التي أود إخباركم بها‪:‬‬

‫لقد أرسلت مطوية بها كل هذا بأي حال‪ ،‬ويمكن الحصول عليها سواء باللغة األوردية أو‬
‫اإلنجليزية من مكاتب الرابطة اإلسالمية‪ .‬وبمطالعتها ستتعرفون على أهداف الرابطة اإلسالمية‬
‫ومخططاتها وإعالناتها بشكل شامل‪.‬‬

‫وأنا أضع هذا العمل والفريضة أمامكم بتفاصيلها بأي حال‪ ،‬هل تستشعرون عظمة هذا العمل‬
‫وصعوبته؟ هل تستشعرون الحرية تغدو واقعا ال حلما؟‬

‫إنني أرجو المفكرين‪ ،‬إذ تنتفض حركات الحرية في كل مكان بالعالم بتشجيع وتدبير المفكرين‪.‬‬
‫إنني أسأل عم يفكر به مفكرو المسلمين حول العالم؟ إالم يعزمون؟ إنني أقول أنه ما دمت ال‬
‫تجعل هدفك يجري في دمائك‪ ،‬طالما لم تستعد للتضحية براحتك‪ ،‬ما زلت ال تقدر على التضحية‬
‫بكل ما تملك‪ ،‬ما دمت ال تستطيع إثبات كالمك للناس بأفعالك فال يمكنك يوما أن تستشعر‬

‫‪133‬‬
‫إحساسك وال أن تصل إلى أهدافك‪.‬‬

‫أصدقائي! لهذا أريد منكم أن تعزموا أمركم بشكل قطعي من اآلن‪ ،‬ثم خططوا ونظموا رجالكم‪،‬‬
‫اجمعوا قوة جماعتكم ووحدوا مسلمي الهند‪ .‬أرى أن الناس قد صحوا من غفلتهم‪ ،‬وكل ما‬
‫يحتاجونه هو قيادتكم وعملكم‪ .‬اخرجوا كرجال‪ ،‬وكونوا وقودا لإلسالم‪ ،‬تقدموا لألمام ونظموا حياة‬
‫قومكم ومجتمعهم وتعليمهم وسياستهم‪ .‬حينها سأتيقن أنكم ستغدون قوة ال حول ألحد إال‬
‫القبول بها والخضوع لرغباتها‪.‬‬
‫____________________‬

‫قرار باكستان‬

‫مسلم الهند بـ ‪ 22‬و ‪ 24‬من مارس عام ‪1940‬م)‬


‫ي‬ ‫( الجلسة المقررة لحركة‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫مسلم‬
‫ي‬ ‫تم اإلعالن عن قرار باكستان ي� ال‪ 23‬من مارس عام ‪1940‬م ي� فالجلسة السنوية المفتوحة لحركة‬
‫الهنــد والـ ت يـى اشــتهرت باســم ق ـرار الهــور‪ ،‬واتفــق عليــه بشــمولية ي� ال‪ 24‬مــن مــارس عــام ‪1940‬م‪ .‬والق ـرار‬
‫ت‬
‫اآل�‪:‬‬
‫يتضمــن ي‬
‫يوثــق ويؤيــد مجلــس العمــل ومجلــس الرابطــة اإلســامية عــى المســائل القادمــة الـ ت يـى تتضمنهــا‬ ‫‪ -1‬‬
‫ـبمت� وال‪ 22‬مــن أكتوبــر وال‪ 3‬مــن بف�ايــر لعــام ‪1940‬م‪ ،‬تكــرر‬ ‫ق ـرارات ال‪ 17‬وال‪ 18‬و ‪ 27‬تمــن سـ ب‬
‫اع�اضهــا ومناهضتهــا ضــد دســتور ‪ 1935‬للحكومــة الهنديــة بحجــة عــدم‬ ‫جلســة الرابطــة اإلســامية‬
‫توازنــه وال قابليتــه للعمــل ف ي� حــال الدولــة كمــا يعــارض الهنــد اإلســامية بشــكل تــام‪.‬‬

‫ـا� ب ـ ال‪ 18‬مــن أكتوبــر عــام ‪1939‬م‬ ‫ن‬


‫ال�يطـ ي‬ ‫ـ� تجــاه إعــان نائــب الملــك ب‬ ‫قــررت الجلســة رأيهــا الحتـ ي‬ ‫‪ -2‬‬
‫ـ� تقــره وتجــده مطمئنــا إىل حــد مــا مقارنــة بمــا ســلكته وأجرتــه الحكومــة الهنديــة بنــاء عــى‬ ‫فـ ي‬
‫ف‬
‫دســتور‪1935‬م‪ ،‬فقــد أعــاد األمــل لمشــاورة جميــع الجماعــات والفــرق ي� الهنــد باختالفهــا مجــددا‪،‬‬
‫لكــن الهنــد المســلمة لــن تأمــن حـ تـى يحقــق بمطالبهــا بعنايــة‪ ،‬كمــا ال نقبــل بــأي حــل أو قـرار للمسـ ي ن‬
‫ـلم�‬
‫ال يرضيهــم وال يناســب حالهــم‪.‬‬

‫ـلم� مــا دام ال يحقــق ش�وطهــم الجغرافيــة أي‬ ‫لــن تقبــل حركــة مســلم الهنــد أي قـرار يخــص المسـ ي ن‬
‫ي‬ ‫‪ -3‬‬
‫ث‬
‫ضمــن حــدود متصلــة (بدمــج المناطــق المناســبة) لتشــكل المناطــق ذات األك�يــة المســلمة مثــل‬
‫و�قهــا واليــة مســتقلة حــرة يكــون المســلمون أصحــاب الق ـرار فيهــا‪ ،‬كمــا ســتتم‬ ‫شــمال غــرب الهنــد ش‬
‫ف‬
‫مشــاورة األقليــات ي� تلــك المناطــق ليقــرروا مــا يناســبهم سياســيا وثقافيــا واقتصاديــا بوضــع حقوقهــم‬
‫ـ�ء ينطبــق عــى األقليــات المســلمة ف ي� المناطــق األخــرى‪.‬‬ ‫ش‬
‫قيــد االعتبــار‪ ،‬ونفــس الـ ي‬

‫ونزيدكــم علمــا‪ ،‬آثــر مجلــس العمــل عــى مناســبة الجلســة وتوافقهــا مــع هــذه الـ شـروط‪ ،‬وســتعىط المناطــق‬
‫ف‬
‫المذكــورة حقهــا ي� اختيــار موقفهــا مثــل الدفــاع ووزارة خارجيتهــا والمواصــات والمحاصيــل واألمــور ال�ض وريــة‬
‫األخــرى‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫مقرو ومؤيدو قرار باكستان‪:‬‬

‫اليو� مؤيدا لقرار باكستان‪:‬‬


‫بي‬ ‫قال السيد خليق الزمان قائد حزب تنظيم‬

‫وضع المسلمون في ظروف أجبرتهم على الوصول لهذا كحل أخير والمطالبة به‪ ،‬وأول من يتحمل‬
‫مسؤولية هذه الحال هي الحكومة البريطانية التي جعلت الهند دولة لشعب واحد‪ .‬وثاني‬
‫المسؤولين هم الهندوسيون ومجلس الشيوخ الذين أشعلوا نارا في مناطق حكمهم أحس‬
‫بسببها المسلمون بالخطر‪ ،‬أما ثالث المسؤولين فهم المسلمون الذين أداروا ظهورهم عن‬
‫قدسية توحدهم فطفقوا ينشؤون جماعات وفرق صغيرة مستقلة ومتنافرة ليس لها أي تأثير‬
‫ثم أضحوا أدوات وعبيدا للهندوس‪.‬‬

‫____________________‬

‫عل خان تأييده للقرار بطريقته الخاصة فقال‪:‬‬ ‫ين‬


‫وب� موالنا ظفر ي‬

‫«انتصر مجلس الشيوخ الهندي بسبب المسلمين‪ ،‬واآلن ينحدر بسبب‬


‫المسلمين كذلك‪ ،‬وصل المجلس للقمة بفضل المسلمين‪ ،‬وبفضلهم‬
‫يسقط في منحدر ال قاع له‪ .‬إنني داع التحاد المسلمين والهنود بقوة‪،‬‬
‫وواجهت العديد من المصاعب ألجله‪ ،‬لكن تجربتي عاما بعد عاما أثبتت‬
‫أن اتحاد المسلمين والهنود ليس إال حلما لن يتحقق يوما ولهذا نعلن‬
‫عن حكومتنا المستقلة ألنا نرجو أن نبني بيوتنا ونعيش حياتنا طبقا‬
‫لثقافتنا وحضارتنا‪.‬‬

‫__________________‬

‫‪135‬‬
‫قال قائد الحزب ف ي� تنظيم رسحد رسدار أورنكزيب‪:‬‬

‫«منطقة سرحد هي بوابة الهند وسيشعر المسلمون الذين يخاطرون بحياتهم لكسب حرية‬
‫الهند اإلسالمية بالفخر‪ .‬إنهم يقولون أن المسلمين شعب واحد ويلزمهم وطن واحد مستقل‬
‫ويعد هذا القرار عالمة تقر بذلك ألجلنا‪».‬‬

‫_________________‬

‫مسلم المناطق ذات األقليات المسلمة باإلضافة لتأييده للقرار‪:‬‬


‫ي‬ ‫أشار السيد عبد هللا بارون إىل‬

‫« إذا أصابهم شيء أو اغتموا سيتوجب على جميع المسلمين فعل شيء ألجلهم‪ ،‬كما فعلت‬
‫ألمانيا الغربية مع بولندا‪ ( ....‬تكبيرات)»‬

‫_________________‬

‫تأجلت الجلسة ت‬
‫ح� صباح يوم األحد (‪ 24‬مارس) بسبب وقت الصالة‪.‬‬

‫ال�لمان ف ي� إقليم بيهار) مؤيدا القرار‪:‬‬


‫قال إسماعيل خان ( عضو ب‬

‫«قررت المناطق ذات األقليات بدعم القرار رغم معرفتهم بما سيواجهونه‪ ،‬إننا على أتم االستعداد‬
‫على التضحية بأرواحنا وأموالنا لنحفظ حقوق المسلمين‪ ،‬إذا فرضنا أنا فشلنا رغم جهودنا‪ ،‬أما‬
‫صرنا نعرف ما علينا فعله؟»‬

‫‪136‬‬
‫وأيد رئيس الرابطة اإلسالمية ببلوشستان والقا�ض ي محمد عيىس القرار بدوره‪:‬‬

‫« قامت المناطق ذات األقلية بحماية القرار ودعمه بكل ما عندها‪ ،‬فهم يقولون أن الهنود لن‬
‫يتوانوا في التصرف بذات األسلوب في المناطق ذات الغالبية المسلمة كما فعلوا معهم في‬
‫المناطق ذات األقلية‪ .‬قال السيد سردار أورنكزيب خان باألمس أنه سيقف حارسا أمام المضيق‬
‫در بوالن «بلوشستان»‬‫در خيبر‪ ،‬وأنا أقول أننا سنقف حراسا في ّ‬
‫الجبلي ّ‬

‫____________________‬

‫ال�لمان ف ي� مدراس) ف ي� اجتماعهم‪:‬‬


‫قال قائد الحركة اإلسالمية عبد الحميد خان ( عضو ب‬

‫« تبذل الرابطة اإلسالمية جهدها ألجل حرية الجميع ونصرتهم‪ ،‬ال يستعبد المسلمون في أي‬
‫مكان في العالم عدا الهند‪ ،‬حين كان الهنود عبيدا لمائة وخمسين سنة ماضية‪ .‬ليس من شيم‬
‫المسلمين أن يستعبدوا فهذا يخالف دين اإلسالم»‪.‬‬

‫____________________‬

‫ف‬ ‫ف‬
‫أرص وكــرر إســماعيل إبراهيــم نائــب قائــد الرابطــة اإلســامية عــى حمايــة ودعــم الق ـرار ي� مجلــس الحركــة ي�‬
‫بومبــاي‪ ،‬فقــال‪:‬‬

‫«إن مخالفتنا لمنهاج مجلس الشيوخ الهندي ليس مفهوما خاطئا‪ ،‬بل هي حقيقة‪ .‬األصل أن‬
‫مجلس الشيوخ يسعى لمنهاج يحكم فيه المسلمين‪ ،‬وأخبر القائد األعظم الناس كل شيء من‬
‫أول حروف األبجدية حتى آخرها تماما كما علم موالنا محمد علي جوهر حروف األبجدية من قبل‪.‬‬
‫وأضاف‪ :‬يمسك القائد األعظم السيف بيده اليمنى وبيسراه يحمل رسالة األمان ودعاءه هللا أن‬
‫ينصرنا جميعا‪.‬‬
‫َ‬
‫مسلمين في أركان جمعية تحقيق راجكوت قائال أنه‬ ‫كيف لنا أن ننسى أن غاندي قد قبل بوجود‬
‫ال بد أن يقفوا في جانب الهندوس‪ ،‬بهذا نضرب المثال على ما يفعله مجلس الشيوخ في سبيل‬
‫حرية المسلمين‪ ،‬فماذا يتوقع المسلمون منهم؟»‬
‫‪137‬‬
138
‫أحد المناظر المجسمة لقرار باكستان‬

‫‪139‬‬
‫(يو�)‪:‬‬
‫عل ب ي‬
‫قال سيد ذاكر ي‬

‫«أثار مجلس الشيوخ الفوضى والجنون على مرأى من وزارات المناطق جميعا‪ ،‬وقد تمنوا من‬
‫المسلمين أن يبقوا على انضباط تام في الحاالت العصيبة ويبقوا متحدين متالحمين في ذات‬
‫الصفوف‪».‬‬
‫ت‬
‫المح�مة‪:‬‬ ‫محمدعل‬ ‫قالت زوجة موالنا‬
‫ي‬

‫« يسعدني أن تعمل النساء المسلمات في المجال السياسي بصورة كاملة وأقول أن الرجال ال‬
‫يمكنهم فعل شيء دون النساء‪ .‬كما أؤكد على تعاون الطرفين معا‪».‬‬

‫____________________‬

‫‪140‬‬
‫(يو�)‪:‬‬
‫قال موالنا عبد الحميد قادري ب ي‬

‫تعلن وتقر جميع الملة اإلسالمية بما أخبر عنه سيد القوم في الجلسة‪.‬‬

‫____________________‬

‫س ب ي� (المنطقة الوسىط)‪:‬‬ ‫ف‬


‫قال السيد سيد عبد الرؤوف شاه الذي يرأس الرابطة اإلسالمية ي� ي‬

‫«إنه يخص المناطق ذات األكثرية الهندية حيث سلطة وتعداد أفراد مجلس الشيوخ أكبر‪ ،‬حيث‬
‫ال حاجة للقلق بشأن المناطق ذات األكثرية المسلمة‪ ،‬سنبذل قصارى جهدنا ألجل حريتنا وجعل‬
‫هذا القرار واقعا لنفوز بوطننا المستقل أخيرا‪ ،‬نحتاج رضا هللا وعونه‪».‬‬

‫____________________‬

‫قال الدكتور محمد عالم الذي استقال من مجلس الشيوخ لينضم للحركة اإلسالمية‪:‬‬

‫«ال يسعى مجلس الشيوخ خلف الحرية‪ ،‬بل يبتغي كسب السلطة واختبأوا تحت مظلة‬
‫البريطانيين في سبيل ذلك‪ .‬اليوم يترك المسلمون مناصبهم في مجلس الشيوخ ألنهم‬
‫أصبحوا على دراية بمكره وغدره‪ ،‬فهم يسعون لتدمير المسلمين تحت مسمى سلطة الهنود‪».‬‬

‫____________________‬
‫ن‬
‫بدايو�‪:‬‬ ‫قال موالنا عبد الحامد‬
‫ي‬

‫«هناك شيئان يستحقان الذكر من جلسة الهور‪ :‬العواطف واإليثار الذي أبداه مسلمو المناطق‬
‫ذات األقلية ورغبتهم لدعم باكستان والمساعدة رغم علمهم أن مناطقهم لن تكون جزءا منها‬
‫يوما‪ ،‬واآلخر تقرير نواب بهادر يار جنك الذي ذكر فيه بالثورة في سبيل الفوز بباكستان‪».‬‬

‫____________________‬
‫ف‬ ‫ت‬ ‫ف‬
‫لــم يذكــر اســم باكســتان ي� القـرار بتاتــا‪ ،‬وأ� ذكــر االســم ضمنــا ي� التقريــر األول لزوجــة محمــد عـ يـ�‪ .‬وكانــت ي‬
‫ه‬
‫مــن ســمته بقـرار باكســتان مفتونــة أول مــرة‪.‬‬

‫أقــر بالقـرار باتفــاق الجميــع بمباركــة وتهنئــة مــن الحضــور! ســعد النــاس كثـ يـرا باإلقـرار بالقـرار‪ ،‬طمــع المســلمون‬
‫ف ي� هــدف يخصهــم ألول مــرة بعــد العــودة لحكوماتهــم‪ ،‬مطمــع كانــوا ســيبذلون قصــارى جدهــم ألجلــه‪.‬‬

‫تحــدث أب القــوم بعــد إق ـرار الق ـرار عــن دور مصــور باكســتان العالمــة محمــد إقبــال فقــال أنــه رغــم أن إقبــال‬
‫ـ� قصــارى جهودنــا ف ي� ســبيله‪.‬‬ ‫غـ يـر موجــود بيننــا‪ ،‬لكنــه لــو كان لرآنــا نضــع حلمــه نصــب أعيننــا ونســى لــه باذلـ ي ن‬

‫كانــت هــذه أول جلســة شــارك فيهــا بهادريــار جنــك وكانــت المــرة األوىل الـ ت يـى اســتمع فيهــا أهــل الهــور لفصاحتــه‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ض‬
‫ـا� للحركــة اإلســامية ي� موقــع الجلســة وقــدم‬ ‫وبالغــة لســانه‪ .‬حــر نــواب بهادريــار جنــك المؤتمــر الصحـ ي‬
‫‪141‬‬
142
‫تقريــره ألول مــرة‪ ،‬ومــن بعدهــا أصبــح تقريــره الزمــا ف ي� أي جلســة للحركــة‪.‬‬

‫قال القائد األعظم ف ي� فقرته الختامية‪:‬‬

‫«لقد رأى العالم اليوم أن المسلمين قادرون على تحمل كل أنواع المصائب والصدمات‪ ،‬كما رأوا‬
‫أننا قادرون على ضبط مجالسنا بحضور يزيد على اآلالف‪ ،‬وهذه من أعلى القيم التي تعطى ألي‬
‫شعب‪ .‬كان مصير الحركة يقع بين أيدي مسلمي البنجاب‪ ،‬ولهذا أبارك لمسلمي البنجاب من‬
‫أعماق قلبي‪ ،‬هذا يزيد همتي لدعمكم جميعا‪ ،‬ستغدو جلسة الهور عالمة في صفحات التاريخ‪،‬‬
‫لقد تحدث المسلمون عن مقامهم ووضحوه‪».‬‬
‫ف‬
‫أكد القائد للجميع أنه ســيبذل كل جهوده ي� ســبيل تحقيق هذا المقام‪ ،‬وقد قرر أمره بصدق وإخالص‪ ،‬كما‬
‫شــكر رئيــس مجلــس االســتقبال نــواب ممــدوت لجهــوده الـ ت يـى بذلهــا ليــل نهــار ألجــل نجــاح الجلســة وألداءه حــق‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ـلم البنجــاب أن ينظمــوا الرابطــة اإلســامية ي� البنجــاب‬ ‫الضيافــة دون نقــص‪ .‬ي� نهايــة حديثــه طلــب مــن مسـ ي‬
‫ويدعموهــا وأن يوصلــوا رســالتها لــكل قريــة وبيــت‪ ،‬ثــم طلــب مــن أفـراد الرابطــة اإلســامية أن يضبطــوا الحركــة‬
‫ف ي� كل منطقــة وينهضــوا بــكل شــارع وقريــة ومدينــة‪.‬‬

‫كمــا قــال أنــه كلمــا كان المســلمون أ كـ ثـر تنظيمــا كلمــا كان الحصــول عــى حقوقهــم أرسع وأســهل‪ ،‬وعــى الجميــع‬
‫ـ� و المفكريــن و أصحــاب األرا�ض ي وأهــل الـ ثـروات أن يتحــدوا لتحقيــق هــذه الغايــة‪.‬‬ ‫مــن العمــال والمزارعـ ي ن‬
‫ف‬
‫وهكــذا اختتمــت الجلســة بالتكبـ يـرات واألناشــيد المناديــة باســم القائــد األعظــم والرابطــة اإلســامية ي� الســاعة‬
‫الحاديــة عـ شـر ليــا‪.‬‬
‫ف‬
‫بـق ي القائــد األعظــم لثــاث أيــام أخــرى ي� الهــور بعــد تلــك الجلســة التاريخيــة‪ .‬فخطــب فيهــا بطــاب وطالبــات‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ـلم�‪ ،‬وشــاركت اآلنســة فاطمــة جنــاح ي� مجالــس النســاء‪ ،‬حـ ضـر جنــاح جلســة االجتمــاع ي�‬ ‫الهــور المسـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ش‬
‫والع�يــن مــن مــارس‪ ،‬أمــر الســيد غابــا بقيــام حركــة ضــد إطــاق النــار عــى الخاكســارين ي� نفــس‬ ‫الســادس‬
‫اليــوم‪.‬‬

‫الصحفي� ف ي� محطة القطار بالهور فقال‪:‬‬


‫ين‬ ‫و� ذات اليوم تحدث القائد األعظم مع‬
‫ي‬
‫ف‬

‫« الهنــد المتحــدة ليســت إال حلمــا‪ ،‬وكلمــا اســتيقظنا مبك ـرا مــن هــذا الحلــم كان أفضــل‪ .‬اليــوم أعلــن مســلمو‬
‫ف‬ ‫ش‬
‫�ء ي� ســبيل كســب ذاك الوطــن‪ ،‬ولهــذا فلــن تنــى تلــك‬ ‫ـيضح المســلمون بــكل ي‬ ‫ي‬ ‫الهنــد عــن وطنهــم‪ ،‬وسـ‬
‫الجلســة أبــدا‪.‬‬

‫‪143‬‬
144
‫الفصل الرابع عشر‬

‫‪AA‬‬

‫عهد التضحية‬

‫ف�ة حاسمة وفاصلة بذل فيها القائد األعظم والرابطة اإلسالمية‬ ‫العام� ‪1940‬م و‪1947‬م ت‬ ‫ين‬ ‫ب�‬ ‫كانت ت‬
‫الف�ة ي ن‬
‫والمســلمون أقــى جهودهــم ســعيا خلــف هدفهــم المنشــود‪ .‬توحــد مســلمو شــبه جزيــرة الهنــد خلــف القائــد‬
‫األعظــم بعــد إعــان ق ـرار باكســتان عــام ‪1940‬م وأصبــح هــم حركتهــم وحــدة تهــدف إىل تقســيم الهنــد‪ .‬لــم‬
‫ـلم� عنــد ذلــك بعــد‪ ،‬إذ ال زال حــزب ديوبنــد يتبــع مجلــس الشــيوخ‬ ‫ينتــه الغــدر والخيانــة ف� صفــوف المسـ ي ن‬
‫ن ف‬ ‫ي‬
‫و� الجانــب‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬‫ـلم�‬
‫ي‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫الم‬ ‫ـق‬‫ـ‬ ‫ي‬‫لتفر‬ ‫ـود‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫اله‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫ق‬ ‫رف‬ ‫ـوت‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫عنك‬ ‫ـباك‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـد‬‫ـ‬ ‫ح‬ ‫رس‬ ‫ـن‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـان‬‫ـ‬ ‫خ‬ ‫ـار‬‫ـ‬ ‫ف‬ ‫الغ‬ ‫فيمــا ينســج خــان عبــد‬
‫ز‬
‫مجلــس الشــيوخ مثــل أبــو الــكالم آزاد مقامهــم وكلمتهــم يل�رعــوا بــذور ســوء الظــن‬ ‫اآلخــر اســتغل مســلمون مــن ً‬
‫ف� مصداقيــة القائــد األعظــم‪ .‬أضحــت حركتــا خاكســار واألح ـرار مشــكلة للمسـ ي ن‬
‫ـلم� أيضــا‪ .‬وثــق الهنــود بقيــادة‬ ‫ي‬
‫ـلم�‪ ،‬لكــن غيمــة مــن االرتيــاب والخــوف والشــك أظلتهــم‬ ‫غانــدي ونهــرو ف� اســتحالة تقســيم الهنــد ألجــل المسـ ي ن‬
‫ي‬
‫ـلم� أ كـ ثـر شــدة وعنفــا‪ .‬بلغــت الحــرب العالميــة الثانيــة‬ ‫بعــد قـرار الهــور‪ ،‬فأصبحــت معامــات الهنــود ضــد المسـ ي ن‬
‫ـا� خــارج الهنــد إىل أوروبــا وأفريقيــا‪ ،‬ممــا أدى إىل‬ ‫ن‬
‫وال�يطـ ي‬ ‫ذروتهــا آنــذاك‪ ،‬أرســل آالف لدعــم الجيــش الهنــدي ب‬
‫ف‬ ‫قلــة أعــداد عســكر الجيــش ال�يطـ ن‬
‫ـا� والهنــدي ي� الهنــد نفســها‪ .‬فلــم يبــق جيــش ليدعــم نائــب الملــك مــا إذا قــام‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫ـا�‬‫ـلم� والهنــود‪ .‬كانــت هــذه الحــال نذيــر شــؤم للتــاج ال�يطـ نـا�‪ .‬رم آالف مــن الجيــش ال�يطـ ن‬ ‫ـ� المسـ ي ن‬ ‫رصاع بـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫ن‬ ‫ف‬
‫ـا� معداتــه الحربيــة والماليــة بشــكل كبـ يـر‪ ،‬أمــر رئيــس الــوزراء‬ ‫ي‬ ‫ال�يطـ‬ ‫ي� نــار الحــرب المســتعرة‪ ،‬وخــر التــاج ب‬
‫ف‬ ‫ال�يطـ نـا� ش‬
‫ت�شــل بجمــع المحاصيــل والذخائــر مــن كل مــكان ي� الهنــد إلكمــال النواقــص ممــا تســبب بمــوت‬ ‫ي‬ ‫ب‬
‫ال�يطانيــة الســفاحة تقتــل علنــا بــدم بــارد‪.‬‬ ‫ـ� مــن الجــوع‪ ،‬وخرجــت الحكومــة ب‬ ‫الماليـ ي ن‬

‫___________________‬

‫‪145‬‬
146
‫أراد كل مــن الرابطــة اإلســامية ومجلــس الشــيوخ االســتفادة‬
‫ال�يطانيــة بــكل مــا أوتــوا مــن قــوة‪،‬‬ ‫مــن موقــف الحكومــة ب‬
‫وأنشــأت حركــة تــدىع ســبهاش شــندربوس باإلضافــة لهاتـ ي ن‬
‫ـ�‬
‫ـ� لتشــارك ف ي� ثورتهــم‪.‬‬
‫الحركتـ ي ن‬

‫كانــت ســبهاش شــندربوس جماعــة هنديــة ذات قوميــة‬


‫ال�يطانيـ ي ن‬
‫ـ� مــن الهنــد عــن طريــق‬ ‫بنغاليــة‪ ،‬تهــدف إىل إخـراج ب‬
‫الثــورة المســلحة‪ ،‬كانــت عالقتهــا بالبنغــال عــن طريــق ضابــط‬
‫ف‬
‫ي� الخدمات الخاصة بالهنود بالبنغال‪ .‬فاز مجلس الشيوخ‬
‫ـ� بيــد أن االختالفــات الفكريــة بـ ي ن‬
‫ـ� غانــدي‬ ‫باالنتخابــات مرتـ ي ن‬
‫ف‬
‫ونهــرو تســببت بإعفائــه ي� كلتيهمــا‪.‬‬

‫بعــد تحريــره عــام ‪1927‬م‪ ،‬أصبــح ســبهاش شــندربوس‬


‫ـ� العــام لمجلــس ًالشــيوخ وأتيحــت لــه الفرصــة ليعمــل‬ ‫األمـ ي ن‬
‫ســويا مــع نهــرو‪ ،‬ثــم أصبــح عمــدة كلكتــا عــام ‪1930‬م‪،‬‬
‫ـن� زار أوروبــا‪ ،‬حيــث قابــل عــددا مــن السياسـ ي ن‬
‫ـي�‬ ‫وبعدهــا بسـ ي ن‬
‫ـولي�‪ .‬تعــرف‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ز‬
‫المم�يــن األوربيـ يـ� بمــا فيهــم موسـ ي‬‫ي‬ ‫والطلبــة‬
‫ش‬
‫أثنــاء ذلــك عــى الشــيوعية والفاشــية بصــورة مبــا�ة‪ ،‬قــرر‬
‫سبهاش تشندر بوس‬ ‫ف‬
‫ـ�‪ ،‬وكان‬ ‫ال�يطانيـ ي ن‬ ‫ي� ذلــك الوقــت إقامــة انقــاب بالقــوة ضــد ب‬
‫ســببه واضحــا؛ منافســة غانــدي الــذي كان معارضــا لســبهاش‬
‫ن‬
‫بنفســه‪ ،‬انقســم مجلــس الشــيوخ بهــذه الطريقــة رغــم أن ســبهاش أراد توحيــده لكــن غانــدي أخـ بـره أن يبـ يـى‬
‫ـ� نهــرو وســبهاش أيضــا‪ ،‬حمــل ســبهاش المريــض عــى‬ ‫كبينتــه المســتقلة‪ ،‬ولــدت اختالفــات ومعارضــات بـ ي ن‬
‫ف‬
‫النقالــة مــن اجتمــاع لمجلــس الشــيوخ عــام ‪1939‬م رغــم فــوزه باالنتخابــات عــى غانــدي‪ ،‬لكنــه أع ـ ي مــن‬
‫ـ� غانــدي بــكل الطــرق‪.‬‬ ‫ت‬
‫الصــدارة بســبب جماعــة العمــل الـ يـى كانــت تحـ ي‬

‫أنشــأ ســبهاش تحريــكا منظمــا ضــد بريطانيــا بعــد بــدء الحــرب العالميــة الثانيــة أل ـق ي بــه بســببها إىل الســجن‪،‬‬
‫إ�ابــه عــن الطعــام‪ ،‬بيــد أن بيتــه وقــع تحــت حراســة شــديدة‪ .‬ســافر ســبهاش‬ ‫مج�يــن بعــد ض‬
‫لكنهــم أخرجــوه ب‬
‫مــن الهنــد إىل أفغانســتان بعــد خداعــه لحراســه‪ ،‬ووصــل إىل أفغانســتان بمالبــس قبيلــة باشــندي‪ ،‬وتظاهــر‬
‫ف‬
‫بالبكــم خشــية أن تعــرف هويتــه مــن حديثــه‪ ،‬ســاعده حمــاة آغــا خــان ســوم ي� عبــور رسحــد‪ ،‬ســافر ســبهاش‬
‫ـال‪ ،‬ومــن هنــاك ذهــب إىل رومــا ثــم ألمانيــا‪ ،‬إذ أراد كســب الحمايــة‬‫مــن أفغانســتان إىل موســكو بجــواز ســفر إيطـ ي‬
‫ف‬
‫ال�يطانيــة‪ .‬لربمــا أراد ســبهاش اإلقامــة لمــدة أطــول ي� موســكو‪ ،‬لكنــه ســافر‬ ‫أثنــاء جهــوده لدحــض الســلطة ب‬
‫رسيعــا أللمانيــا بســبب أســلوب الحكومــة الســويدية‪ ،‬حيــث مــدح هنــاك بكـ ثـرة‪ .‬شــكل جيشــا مكونــا مــن أ{بعــة‬
‫ـا� ســماهم بجيــش تحريــر الهنــد‪ ،‬ووقــع هتلــر وبــوس‬ ‫ـج� مــن الجيــش ال�يطـ ن‬
‫آالف ونصــف جنــدي هنــدي سـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ب‬
‫ث‬
‫ـ� بعضهــم البعــض‪ ،‬فأصبــح نتيجــة لذلــك وفيــا لهتلــر أ كــر مــن والئــه للهنــد‪ .‬أراد ســبهاش أن يرســل‬ ‫حلفــا بـ ي ن‬
‫ـا�‪ ،‬لكــن االمكانيــة اضمحلــت بعــد‬ ‫ن‬
‫ال�يطـ ي‬
‫جيــش تحريــر الهنــد باتجــاه موســكو عــن طريــق ألمانيــا لقتــال الجيــش ب‬
‫ف‬
‫مهاجمــة التحالــف أللمانيــا‪ .‬تأ كــد لســبهاش ي� ذلــك الوقــت أن هتلــر ال يفكــر باســتخدام جيــش تحريــر الهنــد‬
‫ف‬
‫لتحريرهــا وإنمــا لمســاعيه الخاصــة‪ ،‬ولهــذا ســافر لليابــان خفيــة ي� بف�ايــر عــام ‪1943‬م تــاركا خلفــة جيــش تحريــر‬
‫الهنــد بــا حــول وال قــوة‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫‪ ،1938‬سبهاش تشندر بوس (رئيس حزب‬
‫الكونغرس) مع غاندي‬

‫‪ ،1943‬سبهاش تشندر بوس في خطابه في طوكيو‬ ‫‪ ،1943‬سبهاش تشندر بوس مع اليابانيين‬


‫في تنقلهم من ألمانيا إلى اليابان‬

‫‪ ،1943‬سبهاش تشندر بوس في خطابه في طوكيو‬

‫‪148‬‬
‫سبهاش تشندر بوس أثناء لقائه هتلر‬

‫ف‬ ‫ف‬
‫بـ نـى ســجناء الحــرب الهنديــون جيشــا دوليــا لنفســهم ي� اليابــان ي� سـ ب‬
‫ـبتم� عــام ‪1942‬م بيــد أنــه تفــكك بســبب‬
‫االختالفــات بعــد عــدة أشــهر‪ ،‬لكــن ســبهاش أعــاد تنظيــم الجيــش حـ ي ن‬
‫ـ� وصــل اليابــان ليصــل عــدد أف ـراده ‪85‬‬
‫ـدول ينشــأ مــن تحــت أرض الحكومــة‬ ‫ألــف مقاتــل‪ ،‬وكان تللنســاء وحــدة خاصــة أيضــا‪ .‬كان الجيــش الهنــدي الـ ي‬
‫وال� اع�فت بها اليابان وألمانيا وإيطاليا وكرواتيا‪ ،‬وأنشأت الحكومة االنتقالية عملتها و تذاكرها‬ ‫ت‬
‫االنتقالية‪ ،‬ي‬
‫ودواويــن ضباطهــا‪ .‬اســتولت اليابــان عــى أنديمــان ونيكوبــار عــام ‪1942‬م وبعــد تثبيــت جيــش تحريــر الهنــد‬
‫هنــاك كحكومــة انتقاليــة لســنة ســمت تلــك الجــزر بالشــهيد والـراج‪.‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫اختتمــت حيــاة ســبهاش بشــكل غامــض بعــد جهــوده ي� التحريــر‪ ،‬إذ مــات ي� حادثــة تحطــم طائــرة أثنــاء ســفره‬
‫ف‬
‫مــن اليابــان لتايــوان ي� ال‪ 18‬مــن أغســطس عــام ‪1945‬م‪ .‬ولكــن شــيئا لــم يثبــت بخصــوص الحادثــة ولحــد اآلن‬
‫تعــد هــذه حادثةكبـ يـرة لخســارة قائــد كبـ يـر بهــذا الشــكل أثنــاء الحــرب العالميــة‪.‬‬

‫___________________‬

‫جمعــت القائــد األعظــم وســبهاش شــندربوس عالقــة قويــة‪ ،‬ورغــم الســكوت عــن هــذه الحقيقــة التاريخيــة إال‬
‫ن‬
‫ـا�‪ ،‬كمــا‬
‫ال�يطـ ي‬ ‫أنــه يجــدر بنــا الذكــر أن القائــد كان يــرى االنقــاب المســلح لســببهاش ض�ورة لتدمـ يـر االنتــداب ب‬
‫ـ� بحركــة باكســتان الـ ت يـى تجــري‬‫ـلم� جاهلـ ي ن‬
‫يجــدر بالذكــر أن عــددا كبـ يـرا مــن أفـراد جيــش الهنــد الــدول كانــوا مسـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ف‬
‫ـدول تــرك أثـرا عميقــا بانقالبــه المســلح بخصــوص الجيــش الهنــدي ومقامــه‬ ‫ي‬ ‫ي� الهنــد‪ ،‬لكــن الجيــش الهنــدي الـ‬
‫ـدول‪.‬‬ ‫ن‬ ‫وقدارتــه‪ ،‬نتــج عــن ذلــك اشــتباكات مســلحة بـ ي ن‬
‫ـا� والجيــش الهنــدي الـ ي‬ ‫ال�يطـ ي‬‫ـ� الجيــش ب‬

‫___________________‬
‫ف‬
‫انشــغلت الرابطــة اإلســامية بإعــان قيــام باكســتان ي� النصــف األول مــن العــام ‪1940‬م‪ ،‬ولعظــم مــا قامــوا بــه‬
‫ضــد الهنــود واإلنجلـ ي زـر فإنهــم اضطــروا لمحاربــة الحم ـىق مــن المسـ ي ن‬
‫ـلم� أيضــا‪ .‬حــاول رفيــق صابــر مــن حركــة‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫خاكســار اغتيــال القائــد األعظــم بخنجــر ي� بومبــاي بشــهر جــوالي عــام ‪1943‬م ي� بيتــه‪ ،‬تــم ســجن المغتــال‬
‫ف‬
‫ونــىج القائــد بجــروح ســطحية ي� وجهــه ويديــه بفضــل مــن هللا ورحمــة منــه‪ ،‬ولــو أن صابــر رفيــق نجــح بترصفــه‬
‫‪149‬‬
‫القائد األعظم مع سبهاش تشندر بوس‬

‫ـلم� لعصــور مــن بعــد ذلــك‪ ،‬حيــث لــم يكــن للمسـ ي ن‬


‫ـلم� مرشــد‬ ‫األحمــق ف� اغتيــال القائــد‪ ،‬ألظلــم مســتقبل المسـ ي ن‬
‫ي‬
‫وال�يطانيــة‪.‬‬
‫ـ� شــباك الغــدر الهنديــة ب‬ ‫كالقائــد آنــذاك ممــن يســتطيع الخــروج بقلــب ســليم مــن بـ ي ن‬

‫ـاد� الرابطــة اإلســامية دون توقــف‪ ،‬استشــهد نــواب بهــادر يــار جنــك مســمما عــام‬ ‫اســتمرت محــاوالت قتــل قيـ ي ي‬
‫‪1944‬م وقــد كان صديقــا مقربــا وداعمــا كبـ يـرا للقائــد األعظــم‪ ،‬كان بهادريــار جنــك نقيبــا عــى حركــة باكســتان‪،‬‬
‫وكانــت خطبــه وتقاريــره تشــعل الــروح الثوريــة والرغبــة‬
‫ف‬
‫بالحريــة ي� قلــوب مســتمعيه‪ ،‬كمــا كان القائــد األعظــم‬
‫يراه صديقا مقربا ورفيقا طيبا وداعما‪ ،‬وكانت خسارته‬
‫ض�بــة موجعــة للقائــد األعظــم والرابطــة اإلســامية‬
‫والحركــة الباكســتانية كلهــا‪ ،‬كان بهادريــار جنــك هــو‬
‫أل� خطابا ســاحرا ذات مرة فقال‪:‬‬ ‫الرجل نفســه الذي ق‬

‫«أيها المسلمون! الحلول المستعجلة ال تدوم‪،‬‬


‫نحن ال نحتاج هؤالء الذين يرغبون بالتألق‬
‫كوردة بين أغصان الشجر ولسنا ممن يتمنى أن‬
‫يذوق الحلو من الطعام اليوم‪ ،‬نحن بحاجة لمن‬
‫يروينا لننمو في جذور األرض ونقويها‪ ،‬نحن‬
‫بحاجة لمن يصبح الماء والتربة لكي يساعدنا‬
‫حتى ننمو كأزهار‪ ،‬أولئك الذين يدمرون أنفسهم‬
‫ليجعلوا الفاكهة حلوة المذاق‪ ،‬لسنا بحاجة‬
‫للزينة لنبهر الناظر إلينا‪ ،‬بل نحن بحاجة لنصبح‬
‫حجار األساس المدفونة لألبد في سبيل تقوية‬
‫البناء وتسويته‪».‬‬ ‫القائد األعظم مع سبهاش تشندر بوس‬

‫‪150‬‬
‫___________________‬

‫غانــدي الــذي مــات وهــو يــردد نصائــح المحبــة والمــودة للعالــم كلــه‪ ،‬هــو نفســه انفجــر غضبــا مــن مطالــب‬
‫ف‬
‫ـبتم� عــام ‪1944‬م‪« :‬باكســتان تعـ ن يـى حربــا دمويــة‬ ‫الرابطــة اإلســامية بباكســتان حـ تـى علــق ي� ‪ 28‬مــن سـ ب‬
‫بالخناجــر»‪ ،‬ورد القائــد عــى هــذا االنفجــار الحاقــد فقــال‪ « :‬أمعنــوا النظــر‪ ،‬هــذا رســول الســلم يتهمنــا بحــل‬
‫ـ� ذكــرت باكســتان فقــال‪« :‬‬ ‫أمورنــا بالخنجــر»‪ ،‬وبنفــس الشــكل انفجــر غانــدي مجــددا أمــام نائــب الملــك حـ ي ن‬
‫ـلم� يســتحمون بدمائهــم ( إذا اســتمروا بمطالبهــم‬ ‫رغــم دعوانــا للســلم وعــدم العنــف‪ ،‬إال أننــا سـ تـن�ك المسـ ي ن‬
‫بباكســتان)‪».‬‬

‫هــذا كان الوجــه الحقيـق ي القــذر للرجــل الهنــدي المحبــوب بــرداء الســام والســكينة الــذي يختـف ي خلفــه‪ ،‬تأ كــد‬
‫القائــد األعظــم والمســلمون بصــورة واضحــة أنهــم سيسـ يـرون طريقــا مبهرجــة بالدمــاء عوضــا عــن الطريــق‬
‫السياســية المعهــودة باحتماليــة كبـ يـرة‪.‬‬

‫___________________‬

‫وال�قــب يخيــم عــى التــاج‬‫ـلم� والهنــود ف� الهنــد كان القلــق ت‬ ‫ـ� المسـ ي ن‬ ‫بينمــا كان الـراع والمشــاكل يتفاقمــان بـ ي ن‬
‫ي‬
‫ح� اآلن مع زوجاتهم وأطفالهم‪ ،‬وقلة من الجيش الهندي‬ ‫اإلنجل� ف� الهند ت‬ ‫يز‬ ‫يطا�‪ .‬يقيم آالف الضباط‬ ‫ال� ن‬
‫ب‬
‫و� حالــة اشــتدت االحتــكاكات حـ تـى تولــدت ش�ارة‪ ،‬فــإن الهنــد كلهــا سـ ت‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ي‬
‫وال�يطـ ن‬
‫ـتح�ق‬ ‫ـد‪،‬‬‫ـ‬ ‫ن‬ ‫اله‬ ‫�‬ ‫ـزون‬ ‫ـ‬ ‫ك‬
‫يتمر‬ ‫ـا�‬ ‫ب‬
‫ف‬
‫ـا� اســتحالة اســتمرارهم ي�‬ ‫ليب ـىق مـ يـن آالف اإلنجيلـ زـر وعائالت يهــم رمــاد ليــس إال‪ ،‬وأصبــح جليــا للتــاج ال�يطـ ن‬
‫ي‬ ‫ب‬ ‫ي‬
‫ف‬
‫االنتــداب عــى الهنــد‪ .‬وصلــت الحــرب العالميــة الثانيــة نهايتهــا ي� العــام ‪1945‬م‪ .‬خرجــت بريطانيــا مــع الفريــق‬
‫ف‬
‫المنتــر‪ ،‬بيــد أنهــا خرجــت تجــر وراءهــا أذيــال مــن االقتصــاد والجيــش المدمريــن حـ تـى بــات االســتمرار ي�‬
‫ـا� إخــاء الهنــد برسعــة بعــد الحــرب‪ ،‬لكــن مـ تـى؟‬ ‫ن‬
‫االنتــداب عــى بلــد صغـ يـرة كالهنــد أمـرا صعبــا‪ .‬قــرر التــاج ب‬
‫ال�يطـ ي‬
‫اإلنجل�يــة ف ي� لنــدن جوابــا لهــذا بعــد‪.‬‬
‫يز‬ ‫لــم تعــرف الحكومــة‬

‫___________________‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫بــدأت انتخابــات ي� جميــع مناطــق الهنــد بحلــول ‪1946‬م‪ ،‬وكانــت المعركــة حاميــة ي� تحديــد أي تنظيــم‬
‫ســيمثل المسـ ي ن‬
‫ـلم�‪ :‬مجلــس الشــيوخ أم الرابطــة اإلســامية‪ .‬كانــت هــذه معركــة حيــاة أو مــوت بالنســبة للقائــد‬
‫‪151‬‬
‫ف‬ ‫األعظــم والمسـ ي ن‬
‫ـلم�‪ .‬رصفــت الرابطــة اإلســامية كل وســائلها المتاحــة ي� االنتخابــات‪ ،‬واســتمرت دار العلــوم‬
‫ت ف‬ ‫ديوبنــد بالطعــن ف� ظهــور المسـ ي ن‬
‫ـلم� بمشــاركتها للهنــود حــى ي� وقــت حســاس كهــذا‪ ،‬لكــن هللا أنعــم عــى‬ ‫ي‬
‫القائــد األعظــم بوجــود أمـ يـر الملــة قائــد الجماعــة عـ يـ� شــاه ليحميــه‪ .‬كان قائــد الجماعــة عـ يـ� شــاه بعمــر يقــارب‬
‫ـ� أعلــن مفتــو مجلــس الشــيوخ وديوبنــد فتواهــم‬ ‫ـ�‪ ،‬ف ـف حـ ي ن‬
‫يح�مــه مســلمو الهنــد أجمعـ ي ن‬ ‫ـع� شــيخا ت‬ ‫التسـ ي ن‬
‫ي‬
‫بجعلهــم باكســتان ( أرض األطهــار) كافرســتان ( أرض الكفــار) ومــن القائــد األعظــم الكافــر األعظــم أنشــد قائــد‬
‫الجماعــة عـ يـ� شــاه « إن كنــت مســلما فتعــال للحركــة اإلســامية»‪،.‬كما أفـ تـى بحرمــة دفــن مــن لــم يصــوت‬
‫ف‬ ‫للحركــة اإلســامية ف� مقابــر المسـ ي ن‬
‫ـلم�‪ .‬انتـ شـر طــاب جامعــة عـ يـ� كــره ي� الهنــد كلهــا كفرســان للقائــد األعظــم‬ ‫ي‬
‫والرابطــة اإلســامية ليدعموهــم شــارعا شــارعا‪.‬‬

‫‪ ،1946 -‬البحرية الملكية البريطانية في الهند وتعرضها للتخريب‬

‫‪152‬‬
‫‪ ،1946‬القائد األعظم مع أعضاء الوفد البريطاني‬

‫زلزلــت عقــول اإلنجلـ ي زـر والهنــود وألجمــت ألســنتهم مدهوشـ ي ن‬


‫ـ� بنتائــج انتخابــات ‪1946‬م‪ .‬الرابطــة اإلســامية‬
‫ن ف‬ ‫الـ تـى لــم تفــز بــأي منطقــة ف� انتخابــات ‪1937‬م فــازت بتســع وتسـ ي ن‬
‫ـلم� ي�‬
‫ـع� بالمائــة مــن مناطــق المسـ ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫انتخابــات ‪1947‬م‪ .‬لــم تبــق مســاحة للمجادلــة ف� تمثيــل الرابطــة اإلســامية للمسـ ي ن‬
‫ـلم�‪ ،‬وأصبــح الزمــا عــى‬ ‫ي‬
‫اإلنجلـ ي زـر والهنــود مشــاركة طاولــة االجتماعــات نفســها معهــم‪.‬‬

‫___________________‬

‫رغمــت أنــوف اإلنجلـ ي زـر أ كـ ثـر بفــوز الرابطــة اإلســامية باالنتخابــات‪ ،‬إذ توجــب عليهــم االســتماع بجديــة‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫لمطالباتهم‪ ،‬وازدادت الحال سوءا ي ن‬
‫التال فورا‪ ،‬ورسعان‬
‫ح� قامت ثورة مسلحة ي� الجيش الهندي ي� الشهر ي‬
‫مــا تغلغلــت ف� األســطول البحــري حـ تـى وصلــت األســطول الجــوي ش‬
‫وال�طــة‪ .‬رأى اإلنجلـ ي زـر الهنــد تفلــت مــن‬ ‫ي‬
‫ـ� أيديهــم تمامــا‪ ،‬قــاوم الجيــش اإلنجلـ ي زـري بدعــم مــن وحــدات أخــرى مــن الجيــش الهنــدي الثــورة المســلحة‬ ‫بـ ي ن‬
‫ن‬
‫بصعوبــة شــديدة‪ ،‬وأعــدم عــدد كبـ يـر مــن الثــوار‪ ،‬ولكنهــم أدركــوا أن الثــورة لــم تعــد بـ يـ� العامــة واألط ـراف‬
‫األخ�يــن بــات إســقاط عــرش‬ ‫ي‬ ‫ال�طــة والجيــوش المســلحة‪ ،‬وبمســاعدة مــن‬ ‫السياســية‪ ،‬بــل امتــدت لتشــمل ش‬
‫اإلنجلـ ي زـر مســألة ف ي� غايــة الســهولة‪.‬‬
‫ن‬
‫ـا�‪ ،‬كان مجــرد التفكـ يـر بتســلميها والتخـ يـ� عنهــا عذابــا للحــكام اإلنجلـ ي زـر‪ .‬أرادوا‬
‫ال�يطـ ي‬
‫كانــت الهنــد جوهــرة التــاج ب‬
‫ت‬
‫أن تظــل الهنــد تحــت أيديهــم بطريقــة أو بأخــرى حــى وإن كان عليهــم منــح الهنــد اســتقالال محــدودا ألجــل‬
‫ـلم� والهنــود‬ ‫ـ� المسـ ي ن‬‫ال�يطـ نـا�‪ ،‬لكنهــم سيقســمون الهنــد بـ ي ن‬ ‫ذلــك‪ ،‬تمنــوا أن تظــل الهنــد تحــت مظلــة التــاج ب‬
‫ف‬ ‫ن ف‬ ‫ي‬
‫ـلم� ي� تحديــد مواقعهــم ي� شــهر مــارس مــن‬ ‫داخليــا‪ .‬أرســلت بريطانيــا فريقــا استشــاريا لمشــاورة الهنــود والمسـ ي‬
‫العــام ‪1946‬م‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫نتائج انتخابات ‪1946‬‬

‫المستقلون‬ ‫الكونغرس‬ ‫الرابطة اإلسالمية‬

‫‪237‬‬ ‫‪923‬‬ ‫‪425‬‬

‫‪154‬‬
‫ـ� المسـ ي ن‬
‫ـلم�‬ ‫كان القائــد ف� معمعــة معــارك متعــددة وكثـ يـرة وعــى مختلــف األصعــدة‪ ،‬إذ تفاقمــت الرصاعــات بـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ف ي‬
‫والهنــود ي� كل مــكان ي� الهنــد‪ .‬أراد الرئيــس اإلنجلـ ي زـري إيقــاف المطالبــة بباكســتان بــكل مــا لديــه مــن قــوة‪ ،‬فيمــا‬
‫كانــت صحــة القائــد تتهالــك شــيئا فشــيئا وبــات يــدرك أنــه ال يملــك المزيــد مــن الوقــت‪ ،‬ومــن جهــة رابعــة ال‬
‫ف‬ ‫يوجــد شــخص ف� الرابطــة اإلســامية أو أي تنظيــم مــن يمكنــه قيــادة المسـ ي ن‬
‫ـلم� وتنظيــم صفوفهــم ي� حــرب‬ ‫ي‬
‫ن ف‬
‫ـلم� ي� حياتــه فســيضيع جهــد حركــة باكســتان هبــاء‬ ‫عنيفــة كهــذه‪ .‬إذا لــم يســتطع القائــد حمايــة حقــوق المسـ ي‬
‫منثــورا وســيظلم مســتقبل األجيــال القادمــة بــا شــك‪ .‬كان القائــد تحــت ضغــط شــديد بســبب مــرض الســل‪،‬‬
‫فأخ ـىف القائــد أمــر مرضــه‪ .‬أقــر نائــب الملــك الحقــا أنــه لــو علــم أن القائــد ال يملــك فائضــا مــن الوقــت ألخــر‬
‫مطالــب باكســتان بــأي شــكل كان حـ تـى يمنــع تقســيم الهنــد‪ .‬علــق مــؤرخ أن اليــوم الــذي قــرر فيــه القائــد إخفــاء‬
‫مرضــه هــو اليــوم األ كـ ثـر أهميــة ف ي� تاريـ ـ ــخ الهنــد‪.‬‬

‫أمــل القائــد بالوصــول التفــاق نظ ـرا للحــال الراهنــة‪ ،‬واســتعد للقبــول بواليــة مهمــا كانــت حـ تـى يمكنــه إعــان‬
‫ـال‪:‬‬ ‫ز ش‬
‫اســتقاللها الحقــا‪ .‬وضــع اإلنجلـ يـر �وط مهمــة مجلــس االستشــارة كالتـ ي‬
‫تستقل الهند تحت سيطرة بريطانيا‪.‬‬ ‫‪ -1‬‬

‫‪155‬‬
‫ف‬ ‫ث‬
‫األك�يــة المســلمة ي� مجموعــة أخــرى منهــم البنجــاب والســند وبلوشســتان‬ ‫تنظــم المناطــق ذات‬ ‫‪ -2‬‬
‫ـر� رسحــد مــن الشــمال‪ .‬ومجموعــة أخــرى تشــمل البنغــال وآســام‪.‬‬ ‫وشــمال غـ ب ي‬
‫ث‬
‫األك�ية الهندية مجموعة أخرى‪.‬‬ ‫يكون للمنطقة الوسطة ذات‬ ‫‪ -3‬‬
‫ف‬
‫ـ� لتهتــم بمجمــل اإلدارة مــن الدفــاع لالقتصــاد واألور الخارجيــة‪ ،‬أمــا‬
‫تحــدد حكومــة مركزيــة ي� دلـ ي‬ ‫‪ -4‬‬
‫التدابـ يـر فســتكون بيــد مختلــف المجاميــع‪.‬‬ ‫ق‬
‫ـا�‬
‫بـ ي‬

‫‪158‬‬
‫بعــد مشــاورات ومباحثــات طويلــة أجـ بـر القائــد األعظــم عــى القبــول بالـ شـروط‪ .‬كانــت هــذه خطــوة صعبــة‬
‫ف‬
‫أجـ بـر المســلمون عــى القبــول بهــا خشــية إخضاعهــم للهنــود ي� حــال رفضــوا‪ ،‬لكــن هللا شــاء أن يرفــض مجلــس‬
‫الشــيوخ رفضــا قاطعــا للـ شـروط الـ تـى أجـ بـر المســلمون عــى القبــول بهــا كارهـ ي ن‬
‫ـ�‪ .‬كان هــذا تأييــدا مــن هللا حـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫ـلم� يك‬ ‫اجتهــدت الرابطــة اإلســامية اجتهــادا خاطئــا‪ ،‬وعــن طريــق مجلــس الشــيوخ أتــاح هللا الفرصــة للمسـ ي‬
‫ـ� بمطلبهــم الحقي ـق ي ‪ ،‬ســواء تطلــب ذلــك منهــم تضحيــات أو ال‪.‬‬ ‫يقفــوا مطالبـ ي ن‬

‫لــم يبــق بيــد المسـ ي ن‬


‫ـلم� أي طريــق سياســية لحــل األمــور‪ .‬لــن تفتــح بريطانيــا بــاب باكســتان‪ ،‬ويرفــض المســلمون‬
‫ن‬
‫ـلم� بــأي طريقــة‪ .‬رأى المســلمون أنهــم انتهــوا إىل طريــق مســدودة لــن يفــوز فيهــا‬
‫حمايــة وإعــاء حقــوق المسـ ي‬
‫المســلمون بواليــة حــرة وال واليــة مســتقلة‪ ،‬وليــس أمامهــم إال االســتعباد‪.‬‬

‫حــان الوقــت ليبــذل المســلمون الدمــاء تكفـ يـرا ألخطــاء الزمــان ودفاعــا عــن حقوقهــم ليظهــروا قوتهــم الحقيقيــة‬
‫ف‬
‫أمــام الهنــود‪ .‬أجــرى الجميــع قســم التضحيــة ي� الرابطــة اإلســامية‪ ،‬وأثــار دهشــة الجميــع أن أول مــن وقــع‬
‫ـام‪ .‬أغلــق اآلن بــاب الحــل‬
‫عــى الوثيقــة كان القائــد األعظــم متعهــدا بالتضحيــة بــأي كان للوصــول للهــدف السـ ي‬
‫ـياس وفتــح بــاب الثــورة المســلحة ألجــل باكســتان‪ ،‬ولــن يســمح ألي كان ف ي� تأخـ يـر الطريــق لباكســتان‪.‬‬
‫السـ ي‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ـ� المسـ ي ن‬ ‫حــان وقــت المواجهــة المســلحة‪ .‬بــدأت المعــارك تحتــدم بـ ي ن‬
‫ـلم� والهنــود ي� الشــوارع ي� الهنــد كلهــا‪،‬‬
‫ـا�ة‪ .‬خــرج المســلمون ف� مظاهـرات كبـ يـرة ضــد تــرف اإلنجلـ يـرز‬ ‫ويذكــر هــذا اليــوم باســم يــوم المواجهــة المبـ ش‬
‫ي‬
‫ـ�‪ ،‬وصــل األمــر أن خــرج الجيــش‬ ‫وحصلــت مواجهــات واحتــكاكات عديــدة مــع الهنــود‪ .‬مــات اآلالف مــن الجانبـ ي ن‬
‫لتعميــم حظــر تجــول ف� بعــض المــدن‪ .‬استشــهد آالف المســلمون لكــن الصدمــة شــلت الهنــود واإلنجلـ يـرز‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫ـ� عــى المــوت ي� ســبيل الفــوز بباكســتان‪ ،‬وبــذكاء القـرار الــذي قــرره القائــد األعظــم‬ ‫ـلم� عازمـ ي ن‬
‫برؤيتهــم للمسـ ي ن‬
‫ف‬
‫أجـ بـر اإلنجلـ ي زـر عــى التعهــد بتقســيم الهنــد خــال ســنة ي� الحــال‪.‬‬
‫ف‬
‫كان هــذا يــوم جمعــة مــن شــهر رمضــان المبــارك‪ ،‬رأى المســلمون ي� هــذا اليــوم تذكــرة لحــرب الحــق والباطــل‬
‫ف‬ ‫بـ ي ن‬
‫ـ� النـ ب يـى عليــه الصــاة والســام وكفــار قريــش يــوم فتــح مكــة‪ .‬حيــث كان ي� ذهــن القائــد األعظــم أم ـران‪ ،‬إمــا‬
‫نــر أو شــهادة‪ .‬اســتمرت الرصاعــات حـ تـى العــام ‪1947‬م‪.‬‬

‫ـلم� واســتعدادهم للشــهادة والوقــوف مــع الحــق بالتقــدم أوال حـ تـى خرجــت‬ ‫أشــعل القائــد عواطــف المسـ ي ن‬
‫ـ� القائــد األعظــم باألعظــم‪ ،‬ألنــه يتقــدم أوال ســواء‬ ‫ث‬
‫فاألقليــات تواجــه الهنــود رغــم كــرة عددهــم ضدهــم‪ ،‬لهــذا سـ ي‬
‫وال�كات عىل العالمة‬ ‫ومالي� من الرحمات ب‬ ‫ين‬ ‫ي� ميدان السياسة أو ميدان الحرب والكر والفر‪ .‬أنزل هللا آالفا‬
‫ـ� للرســول صىل هللا عليه وســلم‪ ،‬فصنعوا مدينة أخرى ألنفســهم‪.‬‬ ‫إقبال والقائد األعظم الذين أصبحا فارسـ ي ن‬

‫‪159‬‬
160
‫الفصل اخلامس عشر‬

‫‪AA‬‬

‫طلوع فجر الحرية‬

‫ن‬ ‫كان يــوم المواجهــة المبـ ش‬


‫ـا� والهنــود‬ ‫ال�يطـ ي‬ ‫ـا�ة خطــوة جريئــة عنيفــة مــن القائــد االعظــم‪ ،‬تركــت التــاج ب‬
‫ت‬
‫ـ� مــن هــول الصدمــة‪ .‬طالــب المســلمون بحقوقهــم عــن طريــق السياســة حــى ذلــك اليــوم‪،‬‬ ‫المتشــددين مكبلـ ي ن‬
‫ـلم� عــن المطالبــة‬ ‫وهــذا مــا دفــع اإلنجلـ ي زـ� والهنــود ليخالــوا أن الضغــط والشــدة ســيكفيان إليقــاف المسـ ي ن‬
‫ـا�ة يضحــون بحياتهــم ويواجهــون الهنــود ويثــورون‬ ‫ـلم� ف� يــوم المواجهــة المبـ ش‬
‫ن‬
‫ف‬ ‫بباكســتان‪ ،‬برؤيتهـ نـم للمسـ ي ي‬
‫�ء ولــن يرضــوا‬ ‫ش‬
‫ف‬ ‫ال�يطانيــة ي� إنهــم لــن يتوانــوا عــن فعــل أي ي‬ ‫ـا�‪ ،‬وصلــت رســالتهم للرئاســة ب‬ ‫ال�يطـ ي‬‫ضــد التــاج ب‬
‫ـ� االنقالبــات ي�‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ز‬ ‫‪.‬‬
‫بأقــل مــن تقســيم الهنــد وإنشــاء باكســتان كان اإلنجلـ يـ� مدركـ يـ� لســوء موقفهــم بعــد تفـ ي‬
‫ـلم� إلجبارهــم‬ ‫و�ورة تســليم الهنــد والتخــ� عنهــا‪ ،‬لكنهــم لــم يحســبوا حســابا لجـرأة المسـ ي ن‬ ‫الجيــش الهنــدي ض‬
‫ي‬
‫عــى تقســيم الهنــد بــأرسع مــا يمكــن‪ .‬قــرر اإلنجلـ ي زـ� تقســيم الهنــد بشــكل فــوري بعــد أن شــهدوا ثــورة الرابطــة‬
‫ـ� المسـ ي ن‬
‫ـلم� وغـ يـر‬ ‫ـ� ذات تعــداد متســاو بـ ي ن‬ ‫كب�تـ ي ن‬
‫ـ� ي‬‫ـلم� المســلحة‪ .‬كانــت هنــاك منطقتـ ي ن‬
‫اإلســامية والمسـ ي ن‬
‫األم�يــة باختيــار باكســتان أو الهنــد‬ ‫ـ� الخيــار للواليــات‬ ‫المسـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ـلم�‪ ،‬وكان تقســيمهما مشــكلة عويصــة‪ ،‬أعـ ي‬
‫ـام يــدىع ريدكليــف مــن بريطانيــا‬
‫ف‬ ‫دع محـ ي‬‫لاللتحــاق بمــن يشــاؤون‪ ،‬لكنهــم قــرروا تقســيم البنجــاب والبنغــال‪ .‬ي‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫ليعمــل عــى ذلــك‪ .‬مــن المفارقــة أنهــم أعطــوه مهلــة ثمانيــة أســابيع لتقســيم المناطــق ي� اإلقليمـ يـ� بـ يـ� الهنــد‬
‫�ء يتعلــق‬ ‫ش‬
‫وباكســتان بــأي شــكل كان‪ ،‬لــم يــزر ريدكليــف شــبه جزيــرة الهنــد يومــا‪ ،‬بــل ولــم يكــن عــى علــم بــأي ي‬
‫بهــا أو بســكانها أو باالختــاف بينهــم‪.‬‬

‫ـ� ف� احتــواء المسـ ي ن‬


‫ـلم� فشــا ذريعــا‪ .‬كان لنهــرو عالقــة وثيقــة‬ ‫اإلنجل�يــة بقيــادة ماونــت بيـ ت ن‬
‫يز‬ ‫فشــلت الحكومــة‬
‫ت‬ ‫ي‬ ‫ت‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫بزوجــة ماونــت بيــ�‪ ،‬وباســتخدامها كان يمكنــه التأثـ يـر عــى ق ـرارات ماونــت بيــ�‪ ،‬ونتيجــة لذلــك أعطيــت‬
‫‪161‬‬
‫‪ ،1946‬أثناء يوم التصادم‪ ،‬وبعد قيام الهندوس بقتل المسلمين‪ ،‬صور لجثث المسلمين في أزقة وشوارع كلكتا‬

‫‪162‬‬
163
‫خريطة لجنة اللورد رد كليف لتقسيم الهند‬

‫‪164‬‬
‫القائد مع العالم السيد مانكي شريف‬ ‫القائد مع السيد زكوري شريف‬

‫ن ف‬ ‫ث‬
‫ـلم� ي� المنطقــة‪ .‬كان لغــرداس بــور طريــق‬ ‫غــرداس بــور للهنــد قبــل تقســيم الهنــد بأيــام قليلــة رغــم أك�يــة المسـ ي‬
‫ف‬
‫ـم�‪ ،‬ولهــذا الســبب‬‫ـم�‪ ،‬والدولــة الـ ت يـى تملــك هــذه المنطقــة لديهــا اليــد العليــا ي� التأثـ يـر عــى كشـ ي‬
‫يــؤدي إىل كشـ ي‬
‫ف‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫ـم� بســبب‬
‫ـلم� ليومنــا هــذا ي� كشـ ي‬‫تغـ يـر القـرار ي� األيــام األخـ يـرة لتســلم غــرداس بــور للهنــد وتســفك دمــاء المسـ ي‬
‫فعلــة ريدكليــف‪.‬‬

‫األك�يــة المســلمة مــن الســند والبنجــاب إىل باكســتان بــأي حــال‪،‬‬ ‫ث‬ ‫مــن الجانــب اآلخــر تــم ضــم المناطــق ذات‬
‫ـع� بســبب خيانــة خــان عبــد الغفــار خــان لشــعبه مــع مجلــس الشــيوخ‪،‬‬ ‫أمــا رسحــد فقــد تقــرر عمــل اســتفتاء شـ ب ي‬
‫ـ� شــملهم مــع باكســتان أو الهنــد‪ ،‬كان الفــوز برسحــد مســألة حيــاة أو مــوت بالنســبة‬ ‫خـ يـر االســتفتاء الشــعب بـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ن ف‬
‫ـلم� ي� كل مــكان لدعــم باكســتان ي� التصويــت بــأي‬ ‫لباكســتان حديثــة النشــأة‪ .‬دعــت الرابطــة اإلســامية المسـ ي‬
‫ف‬ ‫ش‬
‫وســيلة‪ ،‬خــرج آالف مــن النــاس باالضافــة لطــاب جامعــة عـ يـ� كــره وانتــروا ي� رسحــد كمــا خــرج الكثـ يـر للقــرى‬
‫ف‬
‫ـ� الفتــات كتــب عليهــا بالبشــتونية «ضعــوا تصويتكــم ي� صناديــق الخـ ضـراء»‪ ،‬كمــا خرجــت‬ ‫قريــة قريــة حاملـ ي ن‬
‫مجاميــع مــن الصوفيــة لحمايــة باكســتان‪ .‬أمــر قائــد الجماعــة عـ يـ� شــاه أتباعــه بالتصويــت دعمــا وحمايــة‬
‫لباكســتان‪ .‬خــرج ســكان وادي ســوات لدعــم باكســتان علنــا كمــا جمعــوا أمــواال كبـ يـرة لدعمهــا وتــوىل ذلــك أمـ يـر‬
‫الــوادي‪ .‬كتــب القائــد األعظــم رســالة للــوادي ليقــر بصنــدوق المــال ذاك‪.‬‬

‫من الجانب اآلخر اتحد مجلس‬


‫الشــيوخ مــع رئيــس التنظيــم‬
‫ـيوع بقيــادة خــان‬‫ـدول الشـ ي‬‫الـ ي‬
‫عبــد الغفــار خــان ليوقعــوا‬
‫بالرابطــة اإلســامية وباكســتان‪.‬‬
‫جــاء نهــرو ليل ـق ي خطابــا عــى‬
‫القبائــل البشــتونية ذات مــرة‪،‬‬
‫هــم أحــد قــادة القبائــل بشــجاعة‬
‫ـ� حــاول‬‫عــى ض�ب نهــرو‪ ،‬وحـ ي ن‬
‫اإلنجلـ ي زـ� التدخــل انفجــرت‬

‫‪165‬‬
‫هرب نهرو إلى وزيرستان من أجل حياته‬

‫المسؤول السياسي رابن هيدسن يمنع السيد القبلي السردار مهردل‬ ‫نهرو يعاين سيارته بعد رميها بالحجارة‬
‫محسود من الهجوم على نهرو‬

‫القبائــل فهاجموهــم‪ ،‬حـ تـى رمــوا ســيارته بالحجــارة‪ ،‬اضطــر العمــاء السياســيون إلطــاق النــار لمنعهــم مــن‬
‫الوصــول إىل نهــرو‪ .‬لــم يحــاول نهــرو التواصــل مــع قبائــل رسحــد بعــد ذلــك وال أن يتدخــل ف ي� شــؤون باكســتان‪.‬‬
‫ن‬ ‫ف‬
‫ـا� مــن جــوالي عــام ‪١٩٤٧‬م قبــل إنشــاء باكســتان بشــهر ونصــف‪ .‬صــوت‬ ‫أعلنــت فنتيجــة االســتفتاء ي� الثـ ي‬
‫ـلم البشــتون لدعــم باكســتان وحمايتهــا‪ ،‬فغــدت رسحــد المنطقــة الشــمالية غربيــة‬‫‪ ٩٩.٩٩‬ي� المائــة مــن مسـ ي‬
‫مــن باكســتان‪.‬‬

‫____________________‬

‫‪166‬‬
‫القائد األعظم مع خان اف قالت‬

‫ـ� القائــد األعظــم وخــان القــات بخصــوص بلوشســتان‪ ،‬ونصــح القائــد الخــان‬ ‫جــرت جلســات نقــاش طويلــة بـ ي ن‬
‫عدة مرات شفهيا وبالرسائل أن يعلن عن انضمامه لباكستان‪ ،‬وذات مرة بعد مشاورته مع عائلته بخصوص‬
‫ف‬
‫االنضمــام لباكســتان أو إعــان اســتقالله‪ ،‬ش�ف خــان القــات بمقابلــة النـ ب يـى صــى هللا عليــه وســلم ي� نومــه‪،‬‬
‫ف‬
‫ودعــاه الرســول إلعــان بلوشســتان جــزء مــن باكســتان دون تأخـ يـر‪ ،‬خــرج حفيــد خــان القــات واســمه عمــر ي�‬
‫التلفــاز قاصــا الحكايــة ومعلنــا انضمــام بلوشســتان مــع باكســتان بأمــر مــن الرســول صــى هللا عليــه وســلم‪.‬‬

‫____________________‬

‫‪167‬‬
168
‫ـ� كان‬ ‫ـي� عــى علــم بتقســيم الهنــد بــأي حــال حـ تـى شــهر جــوالي عــام ‪1947‬م ‪ .‬ف� حـ ي ن‬ ‫خ‬
‫ي‬ ‫أصبــح كل هنــدي وسـ ي‬
‫ـل�‪ ،‬كانــت خســارة مخجلــة للهنــود والســيخ‪ .‬لــم ينجــح مجلــس الشــيوخ برفقــة‬ ‫هــذا نـرا عظيمــا بالنســبة للمسـ ي ن‬
‫ف‬
‫حلفائــه ديوبنــد والســيخ واإلنجلـ ي زـ� ي� إيقــاف والدة باكســتان‪ .‬لــم يســتطع الهنــود تقبــل باكســتان الـ ت يـى عنــت‬
‫ـ� مغموريــن بالمـرارة‪ ،‬الجيــش الهنــدي الــذي انتـ شـر‬ ‫تقســيم الهنــد بوالدتهــا فقــط‪ .‬بـق الجانبــان حانقـ ي ن‬
‫ـ� كارهـ ي ن‬
‫ي‬
‫حــول العالــم أثنــاء الحــرب العالميــة الثانيــة لــم يعــد مجــددا للوطــن‪ ،‬األصدقــاء الذيــن تمــت دعوتهــم كانــوا‬
‫ـلم� بحيــازة األســلحة‬‫جميعــا ســيخا أو هنــودا‪ ،‬أمــا المســلمون فبقــوا خــارج حــدود الهنــد‪ .‬لــم يكــن يســمح للمسـ ي ن‬
‫ـلم� بحيــازة أســلحة حكوميــة مــا لــم يكونــوا ذوي نفــوذ‬ ‫تحــت حكــم اإلنجلـ ي زـ�‪ ،‬ســمح لعــدد قليــل جــدا مــن المسـ ي ن‬
‫ف‬
‫األك�يــة للهنــود � ش‬ ‫ث‬ ‫أو إقطاعيـ ي ن‬
‫ال�طــة والجيــش‪ ،‬كمــا يحــوز الكثـ يـر مــن الهنــود‬ ‫ي‬ ‫ـ�‪ ،‬ومــن الجانــب اآلخــر كانــت‬
‫ـ� والتجــار عــى األســلحة‪ ،‬والســيخ يملكــون األســلحة كجــزء مــن دينهــم أصــا‪.‬‬ ‫اإلقطاعيـ ي ن‬

‫ـ� المسـ ي ن‬
‫ـلم� والهنــود خــال أيــام‪ .‬حــارص الهنــود والســيخ قــرى‬ ‫اشــتعلت ش�ارة احتــكاكات عنيفــة دمويــة بـ ي ن‬
‫ال�طــة والجيــش‪ ،‬ومــن طــرف آخــر هاجــر آالف المسـ ي ن‬
‫ـلم� إىل باكســتان‪،‬‬ ‫ـ� باألســلحة مــن ش‬
‫ـلم� مدعومـ ي ن‬
‫المسـ ي ن‬
‫ـلم�ن‬
‫لكــن الهنــود وضعــوا خططــا كاملــة للهجــوم عــى قوافــل المهاجريــن‪ ،‬وهكــذا ســالت دمــاء الكثـ يـر مــن المسـ ي‬

‫‪169‬‬
170
171
172
173
‫ـوال اثـ ن يـى عـ شـر مليــون مســلما باتجــاه باكســتان‪ ،‬لكــن عــددا أقــل مــن نصــف هــذا‬
‫الهنــود بــا رحمــة‪ .‬هاجــر حـ ي‬
‫ن‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫وصــل وجهتــه‪ .‬استشــهد ســبع ماليـ يـ� مســلم تقريبــا ي� الطريــق بـ يـ� باكســتان والهنــد‪ ،‬لــم يهاجــر هــذا العــدد‬
‫ف‬
‫الضخــم قبــا ي� التاريـ ـ ــخ‪ ،‬كمــا لــم تنتـ شـر فتنــة القتــل خــال أيــام قالئــل كمــا حصــل مــن قبــل‪ .‬اغتصــب الهنــود‬
‫ـ� طفــا مســلما ولــم يصلــوا باكســتان بعدهــا أبــدا‪ .‬كانــت القطــارات تخــرج‬ ‫ـ� وخمسـ ي ن‬
‫والســيخ مــا يقــارب مائتـ ي ن‬
‫ف‬ ‫واحــدا تلــو اآلخــر مــن محطــة قطــارات دلــ� ممتلئــة بالمسـ ي ن‬
‫ـلم� لكنهــم يقتلــون ي� الطريــق للبنجــاب عــى أيــدي‬ ‫ي‬
‫وه ال تحمل‬ ‫ي‬ ‫دله‬
‫ي‬ ‫من‬ ‫ات‬ ‫ر‬ ‫قطا‬ ‫عدة‬ ‫وصلت‬ ‫‪.‬‬ ‫ـاؤهم‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫أ‬ ‫إال‬ ‫الهور‬ ‫الهنود والســيخ فال يصل محطة قطارات‬
‫ناجيــا واحــدا حـ تـى‪.‬‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫أشــيع ي� الهند أن الهنود يقتلون ي� باكســتان بنفس الشــكل الذي أرهقت به دماء المســلمون ي� الهند‪ ،‬لكنها‬
‫كانــت إشــاعات مبنيــة عــى خرافــات وكــذب واه‪ ،‬كانــت القطــارات الـ ت يـى تخــرج مــن الهــور تحصــل عــى الحمايــة‬
‫ف‬
‫ـ�‪ .‬هاجــم بعــض‬ ‫فــورا بدخولهــا لرسحــد‪ ،‬لــم فيحصــل ي� التاريـ ـ ــخ أبــدا أن هوجــم قطــار خــارج مــن ال فهــور إىل دلـ ي‬
‫العاطفي� الهنود ي� باكســتان لينتقموا حالما ســمعوا ما حصل ألقرانهم ي� الهند‪ ،‬لكن القائد رسعان‬ ‫ين‬ ‫الرجال‬
‫ن ف‬
‫ـلم� ي�‬
‫ي‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫الم‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ـدة‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـه‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫فع‬ ‫ـا‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫باله‬ ‫ـفوكة‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫الم‬ ‫ـاء‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫الد‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ن‬
‫مقار‬ ‫ـكل‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ـأي‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ـن‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫يم‬ ‫وال‬ ‫ـم‪،‬‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫جماح‬ ‫ـح‬ ‫مــا كبـ‬
‫باكســتان‪ .‬خــرج الهنــود والســيخ مــن باكســتان بأموالهــم وذهبهــم ومتاعهــم دون نقــص‪ ،‬فيمــا وصلــت قوافــل‬
‫ن ف‬ ‫المسـ ي ن‬
‫ـتا� ي� الجيــش الهنــدي‪ ،‬وجعلــوا مــن حمايــة‬
‫ن‬ ‫ـلم� قطعــا وأشــاء‪ .‬كان عــدة أف ـراد مــن التنظيــم البلوشسـ ي‬
‫ـتا� وصلــت آمنــة‬ ‫المهاجريــن ومتاعهــم مســؤوليتهم‪ ،‬فــإذا مــا خــرج قطــار أو قافلــة يصحبهــا رجــل بلوشسـ ي‬
‫ســالمة لحــد مــا‪ ،‬لكــن مــا إن عــم القتــل وانتـ شـرت الفتنــة حـ تـى كانــت تســفك دمــاء النســاء واألطفــال مــع الرجــال‬
‫�ء‪.‬‬ ‫ق ش‬
‫العــزل دون اســتثناء فــا يبــى ي‬

‫المهاجرون الهندوس على ساحل كراتشي أثناء هجرتهم في أمن وأمان إلى مومباي‬

‫‪174‬‬
‫بــى القائــد األعظــم برؤيتــه لهــذه المذابــح‪ ،‬وقــد خطــب خطابــه التاري ـخ ي الــذي يمدنــا بالقــوة والعزيمــة اليــوم‬
‫لنفس السبب ف ي� ذلك الوقت العصيب‪.‬‬

‫”ما واجهناه من صعاب وآالم ال يوجد له في التاريخ مثال‪ .‬ولكننا سنضطر للتضحية أكثر ألجل‬
‫باكستان وتثبيت أسسها‪ .‬ال يغتم المسلم للمصائب‪( .‬أصوات مجتمعة متعاطفة) عزيمتنا‬
‫عالية‪( ،‬تكبيرات وهتافات عالية) إذا عملت الملة من أعماق قلبها بكل همة فستنتهي المصائب‬
‫بسرعة إن شاء هللا‪“.‬‬

‫____________________‬

‫‪175‬‬
‫ف‬
‫ـ� ي� يوليــو أن التقســيم ســيجرى‬ ‫تحــدد بشــكل حتـ ي‬
‫ف� منتصــف أغســطس‪ .‬لــم يعــد القــادة اإلنجلـ يـ�ز‬
‫ي‬
‫يطيقــون حياكــة المصائــد بعــد اآلن‪ ،‬وقــرروا بشــكل‬
‫لواليت�‪ ،‬الهند وباكستان‪،‬‬ ‫ين‬ ‫قانو� أن الهند ستقسم‬ ‫ن‬
‫لكنه يمــا ســتظالن حاليــا تحــت الحكــم ال�يطــا�ن‬
‫ي‬ ‫ب‬
‫ـ�‪ .‬أبــدى مجلــس الشــيوخ الهنــدي‬ ‫بقيــادة ماونــت بيـ ت ن‬
‫ـوم‪ ،‬أراد‬ ‫ن‬ ‫تن‬
‫الختيــار ماونــت ب نيــ� كجــرال حكـ ي‬ ‫رسوره‬
‫بي� أن يصبح ج�اال حكوميا عىل باكستان‬ ‫ماونت ت ن‬
‫أيضــا‪ ،‬لكــن القائــد األعظــم رفــض بشــدة‪ ،‬ولهــذا فقــد‬
‫ـا� عــى الــورق‬ ‫ن‬
‫ال�يطـ ي‬
‫كانــت باكســتان تحــت الحكــم ب‬
‫فقــط‪ ،‬لكــن الحكــم والخيــار كلــه كان بيــد القائــد‬
‫األعظــم والرابطــة اإلســامية إلدارة معامالتهــا‪.‬‬

‫حــاول ماونــت بيـ ت ن‬


‫ـ� اإليقــاع بباكســتان بمــا يخــص‬
‫العلــم‪ ،‬أرســل عــدة تصاميــم للعلــم مــن طــرف‬
‫ـوح بملكيــة بريطانيــا‬ ‫يز‬
‫ت‬ ‫اإلنجل�يــة لتـ ي‬ ‫الحكومــة‬
‫لباكســتان‪ ،‬رفــض القائــد كل األعــام المق�حــة‬
‫مــن اإلنجلـ ي زـ� وأمــر بتصميــم علــم الهــال األخـ ضـر‬
‫المشــابه لهــال الرابطــة اإلســامية لعلــم باكســتان‪.‬‬

‫صممــت الجماعــة المســؤولة عــن العلــم العلــم‬


‫المطلــوب مســتوحية فكرتــه مــن علــم الرابطــة‬
‫ف‬
‫اإلســامية‪ ،‬ونظــروا ي� عــدة تصاميــم مختلفــة‪،‬‬
‫ف‬
‫قــرروا ي� البدايــة أن يجعلــوا عــدد النجــوم مســاويا‬
‫لعــدد المناطــق‪ ،‬لكنهــم رأوهــا فكــرة غـ يـر مناســبة‬
‫بالنظــر لعــدد المناطــق غـ يـر المحــدد إذا مــا حصــل‬ ‫بناء على أوامر القائد األعظم‪ ،‬الماستر إلطاف حسين أثناء‬
‫ف‬
‫تغيـ يـر ي� المســتقبل‪ ،‬ولهــذا وضعــت نجمــة واحــدة‬ ‫حياكته لعلم باكستان في دلهي‬
‫لتمثــل جميــع المناطــق والواليــة بأكملهــا‪.‬‬

‫قال القائد بعد رؤيته لتصميم العلم (الذي أعيد تصميمه عدة مرات ت‬
‫ح� اصبح علم باكستان)‪:‬‬

‫”هذا ليس علما جديدا‪ ،‬بل هو عريق لعصور مضت ووديعة من الرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وما‬
‫بين تشتت المسلمين وسوء تنظيمهم نسي العلم‪ ،‬لكننا سنعيد التلويح به إعالنا باستيقاظ‬
‫المسلمين من غفلتهم أخيرا‪ .‬لقد قال عليه الصالة والسالم أنه ما من قوة في هذا الدنيا يمكنها‬
‫إسقاط هذا العلم‪“.‬‬

‫____________________‬

‫‪176‬‬
‫العلم الباكستاني حسب المفاوضات‬ ‫العلم الباكستاني حسب اللورد ماونت باتين‬

‫العلم الباكستاني حسب اختيار القائد األعظم والقادة‬

‫‪177‬‬
‫ش ف‬
‫ـ� ي� أغســطس ‪1947‬م‪ ،‬ب ـق ي هنــاك أليــام ألجــل نشــأة باكســتان‬ ‫حلــق القائــد بطائــرة مــن بومبــاي إىل كراتـ ي‬
‫ـ� كأول عاصمــة للواليــة‬ ‫وقبلهــا توجــب عليــه القــدوم ألداء الحلــف بصفتــه الجـ نـرال الحكــوم‪ .‬اختـ يـرت كراتـ ش‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ـا� األول ي� الحــادي عـ شـر مــن أغســطس عــام ‪١٩٤٧‬م حيــث‬ ‫ال�لمـ ي‬‫اإلســامية الجديــدة‪ .‬عقــد االجتمــاع ب‬
‫ـوم للواليــة الـ ت يـى ســتصبح حقيقــة بعــد ثــاث أيــام‪.‬‬ ‫ن‬
‫خطــب القائــد بصفتــه الجــرال الحكـ ي‬
‫ف‬
‫أصبــح الحلــم الــذي ســى ألجلــه المســلمون لقــرن حقيقــة أخـ يـرا ي� ال‪ ١٤‬مــن أغســطس عــام ‪١٩٤٧‬م والــذي‬
‫وافــق ليلــة القــدر مــن ال‪ ٢٧‬مــن رمضــان يــوم الجمعــة‪ ،‬الحلــم الــذي ضــى مئــات آالف المســلمون ألجلــه‬
‫ن ف‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫ـتا� ي�‬ ‫بأرواحهــم وأموالهــم وعزتهــم لينتــروا أخـ يـرا‪ .‬أعلــن صــوت مصطــى عـ يـ� حمـ ي‬
‫ـدا� عــى الراديــو الباكسـ ي‬
‫‪178‬‬
‫الرابــع عـ شـر مــن أغســطس‪:‬‬

‫«السالم عليكم‪ .‬خدمة الراديو الباكستانية‪ .‬نخاطبكم من الهور‪ ،‬بين‬


‫الثالث عشر والرابع عشر من أغسطس عام ‪١٩٤٧‬م ميالديا‪ ،‬الساعة‬
‫الثانية عشر فجرا‪ ،‬إشراقة فجر الحرية»‪.‬‬
‫ش‬
‫ات� بال‪ ١٤‬من أغسطس عام ‪١٩٤٧‬م‪.‬‬ ‫ف‬ ‫أدى القائد األعظم بصفته ن‬
‫الحكوم القسم ي� كر ي‬
‫ي‬ ‫الج�ال‬
‫ـ� لدهــ� بعــد أن شــهد عــى أداء القائــد لقســمه ليــؤدي القســم ف� الهنــد بصفتــه ن‬
‫ج�الهــا‬ ‫خــرج ماونــت بيـ ت ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ـ� حــدد ال‪١٥‬‬ ‫الحكــوم‪ .‬بهــذا الشــكل أصبــح ال‪ ١٤‬مــن أغســطس بالعــام ‪١٩٤٧‬م يــوم اســتقالل باكســتان حـ ي ن‬
‫ي‬
‫مــن أغســطس لنفــس الســنة كيــوم اســتقالل الهنــد‪ .‬انتـ شـرت أخبــار أداء القائــد للقســم باإلضافــة لقيــام باكســتان‬
‫ف ي� أخبــار اليــوم ‪ ١٥‬مــن أغســطس‪.‬‬

‫‪179‬‬
180
181
182
‫الفصل السادس عشر‬

‫‪AA‬‬

‫أهال وسهال‪ ،‬وصلت للمكان المقصود‬

‫خرجــت باكســتان بفضــل وكــرم مــن هللا عــى أمــة رســوله األ كــرم صــى هللا عليــه وســلم إىل النــور تحــت حكــم‬
‫القائــد األعظــم يــوم الجمعــة ليلــة ال‪ ٢٧‬مــن شــهر رمضــان المبــارك الــذي يوافــق ال‪ ١٤‬مــن أغســطس‪ .‬وال‬
‫ـلم� عدا المدينة المنورة‪ ،‬فما قامت والية تحت هذه األســس‬ ‫تشــابهها والية ف� ‪ ١٣٠٠‬ســنة من تاري ــخ المسـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫واألفــكار عــدا المدينــة المنــورة عــى يــد الرســول صــى هللا عليــه وســلم مــن قبــل‪ ،‬إذ طالــب المســلمون ي� الهنــد‬
‫ـ� لباكســتان‪ ،‬ضــى آالف‬ ‫ـ�‪ ،‬وهاجــروا مــن الهنــد أرض ش‬
‫الم�كـ ي ن‬ ‫بواليــة تخصهــم بنــاء عــى نظريــة القوميتـ ي ن‬
‫ف‬ ‫المسـ ي ن‬
‫ـلم� بحياتهــم ي� ســبيل حمايــة عقيدتهــم وأفكارهــم وحضارتهــم وثقافتهــم‪ ،‬ووصــل اآلالف إىل وجهتهــم‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫بشكل ما‪ .‬كانت هذه حادثة غريبة مذهلة ي� تاري ــخ اإلنسانية‪ ،‬لم ير منظر كهذا ي� تاري ــخ السياسة ي� العرص‬
‫الع�يــن‪ ،‬كان انشــاؤها‬ ‫الجديــد‪ ،‬ولــم يحلــم برؤيتــه أحــد قــط‪ .‬نشــأة باكســتان كانــت المعجــزة األ كـ بـر ف� القــرن ش‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫البشــارة األوىل عــى اســتيقاظ األمــة المســلمة مــن غيبوبتهــا‪ ،‬حيــث وقعــت األمــة المســلمة لثــاث مائــة عــام ي�‬
‫غمامــة مــن االســتعباد والخســارات المتكــررة مــن كاشــغر وحـ تـى النيــل‪ ،‬وكان ســقوط الــدول العثمانيــة ال�ض بــة‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫األخـ يـرة لتســقط األمــة ي� وحــل مــن اليــأس وفقــدان الحيلــة‪ .‬ي� ظــام الليــل الطويــل الــذي بــدى رسمديــا جعــل‬
‫ـلم الهنــد‪.‬‬ ‫ض‬
‫هللا مــن العالمــة إقبــال مصباحــا ليـ ي ء الطريــق لألمــة اإلســامية كلهــا وخصوصــا مسـ ي‬

‫قال إقبال‬

‫ولتعد قراءة دروس الصدق والشجاعة والعدل‬

‫عندئذ سوف تكون قيادة العامل من همامك‬

‫‪183‬‬
‫جهــز العالمــة إقبــال القافلــة‪ ،‬ثــم قادهــا القائــد األعظــم لوجهتهــا‪ ،‬وغــدت المهمــة الـ ت يـى أفـ نـى العالمــة الشــاعر‬
‫محمــد إقبــال عمــره عليهــا واقعــا يعيشــه المســلمون اآلن‪ .‬خرجــت واليــة إســامية جديــدة للنــور‪ ،‬وبنيــت أســس‬
‫ف‬
‫باكســتان‪ ،‬ولم يبق إال إنهاء البناء‪ .‬ال شــك أن القائد األعظم كان أعظم مرشــد ي� ذاك الزمان‪ ،‬كانت باكســتان‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ي� موقــف صعــب وخطـ يـر‪ ،‬لكنهــا كانــت بأيــد أمينــة ي� اآلن ذاتــه‪ ،‬تحميهــا العنايــة اإللهيــة مــن جهــة‪ ،‬وتنعــم‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫بأفضــل قيــادة ي� األمــة اإلســامية ي� زمنهــا‪ .‬لكــن القائــد كان عــى علــم أن الوقــت ينفــد منــه‪ ،‬كانــت صحتــه‬
‫ف‬
‫تســوء برسعــة شــديدة‪ ،‬كانــت باكســتان ي� موقــف خطــر للغايــة‪ ،‬كطفــل صغـ يـر مصــاب ومعــرض اللتهــاب‬
‫ف‬
‫جروحــه‪ .‬لــم يســتطع القائــد إيجــاد وقــت للراحــة ي� ظــل هــذه الظــروف‪.‬‬

‫أظهــر اإلنجلـ ي زـ� والهنــود وجههــم البشــع منــذ اليــوم األول لباكســتان‪ ،‬حيــث رفضــت حكومــة الهنــد إرســال‬
‫الوســائل والنقــود والمســاعدات المخصصــة لباكســتان‪ ،‬وأغــرق الجيــش األســلحة الموجــودة بباكســتان‪ ،‬وال‬
‫زالــت الجماعــات المســلمة مــن الجيــش الهنــدي مـ شـردة حـ تـى يومنــا هــذا‪ .‬لــم تملــك باكســتان العــدد المطلــوب‬
‫ـلم� ليقــودوا الجيــش‪ .‬كانــت أهــم المناصــب تحــت‬ ‫مــن العســكر وال األســلحة وال النقــود وال حـ تـى قــادة مسـ ي ن‬
‫إنجل�يــا‪ .‬كان آالف مــن المهاجريــن وجثثهــم يصلــون كل‬ ‫يز‬ ‫ســيطرة اإلنجلـ ي زـ�‪ ،‬حـ تـى كان قائــد الجيــش جـ نـراال‬
‫أســبوع لباكســتان‪ ،‬وأصبحــت إقامتهــم وإدارة شــؤونهم الهــدف األول للحكومــة‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫األخ�ة‪:‬‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫قال القائد األعظم عن المهاجرين ي� أيامه‬

‫«غمرني الغم لمشاكل المهاجرين بعد قيام باكستان‪ .‬توقعت أن الوضع سيكون أفضل بعد‬
‫تقسيم باكستان والهند‪ ،‬لكنني لم أخل أن يجبر المسلمون على ترك موطن آبائهم في بلد‬
‫واسعة كهذه‪ ،‬لم أحلم حتى بانتشار فتنة القتل في شرق البنجاب ودلهي وغرب يوبي‪ .‬لقد‬
‫حيكت الظروف بهذا الشكل من وراء ظهورنا‪ .‬لقد كنا دولة ال عسكر لنا وأسلحتنا في قبضة العدو‬
‫وخزائننا خالية كما يعاني أفرادنا من نقص بالخبرة والتجربة مما جعلنا في مشكلة صعبة‪.‬‬
‫لقد تأثرت برؤية إرادة وعزم المسلمين في أحوال كهذه‪ ،‬لقد أصابتني هذه الحوادث في مقتل‪.‬‬
‫لقد تأثرت صحتي سلبيا في ظل ابتالء المسلمين بهذه المصائب‪ .‬تعد مسألة إقامة ومساكن‬
‫المهاجرين أهم مشكلة لحلها في باكستان اآلن‪ ،‬وإنني ألثق بقدرة حكومة باكستان على ترتيب‬
‫وتجهيز أفضل وأنسب حل ممكن‪ .‬لن أنعم بالسكون ما دام كل معاجر واحدا واحدا لم يستقر‬
‫بعد»‪.‬‬

‫األخ�ة للقائد األعظم”‪)+‬‬


‫ي‬ ‫(المصدر‪ :‬كتاب ”األيام‬

‫‪185‬‬
‫ـلم� ‪ ١٧٨٢‬ضابطــا فقــط مــن أصــل أربعــة عـ شـر ألــف ضابــط‪ ،‬واختــار ‪ ٣٩٠‬منهــم‬‫كان عــدد الضبــاط المسـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫ـا� ي� حــال خطـ يـرة كتلــك‪ .‬لــم‬
‫فقــط الخدمــة ي� الحكومــة ف الباكســتانية‪ ،‬طلبــت خدمــات ‪ ٦٧٢‬ضابــط بريطـ ي‬
‫ـ� مصنــع مــن أصــل‬ ‫ـلم� � الجيــش منصــب العميــد بعــد‪ .‬حــازت باكســتان عــى خمسـ ي ن‬
‫ن‬
‫ف‬ ‫يتخــى أي مــن المسـ ي ي‬
‫ن‬
‫‪ ١٠٦٣‬كان أغلبهــم مغلقـ يـ� أصــا‪ .‬أقيمــت المكاتــب الحكوميــة ي� خيــام‪ ،‬لــم تكــن هنــاك دبابيــس لتدبيــس‬
‫األوراق معــا حـ تـى جمعــت األوراق معــا بقــص أغصــان الشــجر واســتخدامها بالشــكل الصحيــح‪.‬‬

‫مائ� مليون منها فقط‪ .‬لم يحصل موظفو الحكومة‬ ‫حددت ‪ ١4‬بليون روبية لباكســتان لكنها حصلت عىل ت‬
‫ي‬
‫ت‬
‫عــى راتــب لثالثــة أشــهر بعــد النشــأة‪ .‬جمعــت قيــادة حيــدر أبــاد مائـ يـى مليــون روبيــة كمــا جمعــت بت�عــات مــن‬
‫العــوام بنــاء عــى طلــب القائــد وصلــت ‪ ٧٥٠‬مليــون روبيــة ف ي� خزانــة الشــعب ألجــل ذلــك‪.‬‬

‫اإلنجل�يــة والهنديــة ض�بــة أخــرى مجــددا‪.‬‬ ‫يز‬ ‫ض�بــت الحكومتــان‬


‫ف‬ ‫ـم� ذا الوجهـ ي ن‬
‫ـ� مــع الحــكام الهنــود ي�‬ ‫تعاهــد حاكــم كشـ ي‬
‫ث‬
‫ـم� رغــم أك�يــة‬ ‫ـ� فطلــب دخــول الجيــش الهنــدي لكشـ ي‬ ‫دلـ ي‬
‫‪.‬‬
‫ـلم�‪ ،‬فيهــا والمطالبــة بتضمينهــا مــع باكســتان كان هــذا‬ ‫ن‬ ‫المسـ ي‬
‫إعــان حــرب وتعرضــا لحقــوق باكســتان بصــورة علنيــة‪ .‬دخــل‬
‫ف‬
‫القائــد األعظــم ي� مشــكلة عصيبــة اآلن‪ .‬وقــد قــال مــن قبــل‬
‫ه حبــل وريــد باكســتان»‪.‬‬ ‫ـم� ي‬ ‫عــن كشـ يـم�‪« :‬كشـ ي‬
‫ف‬
‫كان الجيــش الهنــدي يأخــذ مواقعــه ي� رسينغــار‪ ،‬أمــر القائــد‬
‫ن‬
‫ـم�‪،‬‬ ‫األعظــم الجــرال اإلنجلـ ي زـ�ي بإرســال قــوات الجيــش لكشـ ي‬
‫ش‬ ‫ن‬
‫�ء إال أن‬ ‫لكــن الجــرال رفــض‪ .‬لــم يبــق بيــد القائــد األعظــم ي‬
‫يتدخــل فأرســل لقبائــل رسحــد ليدخــل قــوات المجاهديــن‬
‫ـم�‪.‬‬ ‫ف‬
‫ـم�‪ ،‬وب ـهــذا أعلــن القائــد األعظــم عــن الجهــاد ي� كشـ ي‬ ‫لكشـ ي‬
‫ـم� وقامــوا بتحريــر‬ ‫دخــل آالف المجاهديــن البشــتونيون لكشـ ي‬
‫ـم� الحــرة برفقــة باكســتان‪.‬‬ ‫المنطقــة المعروفــة اليــوم بكشـ ي‬
‫كانــوا قــد وصلــوا لحــد رسينغــار لكــن الجيــش الهنــدي كان قــد‬
‫جنرل كريسي‬
‫وصــل قبلهــم‪ ،‬منــذ ذلــك الوقــت ولســنة ورب ــع حـ تـى فــارق القائــد‬
‫ف‬
‫ـم�‬ ‫ـ� ويمــد المجاهديــن ي� كشـ ي‬ ‫األعظــم الحيــاة‪ ،‬ظــل القائــد يحـ ي‬
‫ـم� كاملــة بســبب قــوة الجيــش الهنــدي‪ ،‬لكــن الهنــد قلقــت مــن‬ ‫بالعــون‪ .‬لــم يســتطع المجاهــدون الظفــر بكشـ ي‬
‫ـم� يي�ن‬ ‫الجهــاد حـ تـى شــكت المســألة لألمــم المتحــدة بعــد وفــاة القائــد األعظــم فــورا‪ ،‬كمــا وعــدت بســؤال الكشـ ي‬
‫ف‬
‫عمــا يريدونــه‪ .‬تدخلــت األمــم المتحــدة ي� المســألة فذمــت باكســتان ودعــت إليقــاف المجاهديــن وازاحتهــم‬
‫ت‬ ‫ف‬ ‫ت‬ ‫ت‬
‫ـو� آنــذاك وأجـ بـرت باكســتان عــى ال�اجــع‬ ‫ـم� وتأخــذ رأيهــم‪ .‬كان القائــد قــد تـ ي‬ ‫ـتف� الهنــد ســكان كشـ ي‬ ‫حــى تسـ ي‬
‫عــن الحــرب والرضــوخ لرغبــات األمــم المتحــدة‪ .‬أثبتــت األحــداث الالحقــة مكــر الهنــد وخداعهــا‪ ،‬إذ لــم تنــو‬
‫ف‬ ‫ـم� اليــوم بعــد سـ ي ن‬
‫ـبع� عــام عنــد الحــد الــذي كانــت عليــه ي� زمــن‬ ‫ـم� يومــا‪ .‬تقــف مســألة كشـ ي‬ ‫اســتفتاء ســكان كشـ ي‬
‫ـم�‪.‬‬ ‫ف‬
‫ي‬ ‫ـ‬ ‫ش‬ ‫ك‬ ‫�‬‫ي‬ ‫ـاد‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫بالج‬ ‫ـر‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫أ‬ ‫ـم‬ ‫ـ‬ ‫ظ‬ ‫األع‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ئ‬ ‫القا‬ ‫أن‬ ‫ـد‬ ‫ـ‬ ‫ب‬‫لأل‬ ‫ـنتذكر‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ـا‬ ‫القائــد األعظــم لكننـ‬

‫____________________‬

‫‪186‬‬
‫‪ ،1945‬قبيلة أفريدي يقدمون الخبز للقائد األعظم‬ ‫‪ ،1948‬قادة القبائل يهدون القائد األعظم رشاشا‬

‫‪ ،1948‬القائد األعظم أثناء حواره مع قادة اللوندي كوتل‬

‫‪187‬‬
‫‪ ،1948‬أول من شارك من قبائل وزيرستان في الحرب الباكستانية الهندية‬
‫ف‬
‫حصــل القائــد األعظــم عــى ثالثــة عـ شـر شــهرا عصيبــا لبنــاء الدولــة وقيادتهــا‪ ،‬لكنــه فعــل ي� هــذه الثالثــة عـ شـر‬
‫شــهر القليلــة مــا لــم تســتطع فعلــه جميــع الحكومــات الالحقــة مجتمعــة‪ .‬وضــع القائــد األعظــم أسســا قيمــة‬
‫وثابتــة لألجيــال القادمــة لبــدء بنــاء باكســتان‪ ،‬وكان مــن بينهــا أســس عقائديــة وعســكرية واقتصاديــة واجتماعيــة‬
‫أيضــا‪.‬‬

‫ومن بينهم يذكر التالي‪:‬‬


‫االسالم فكرا ودستورا‬
‫ث‬ ‫ف‬
‫ـام‬
‫وضــح القائــد ي� أ كــر مــن مائــة تقريــر قبــل وبعــد باكســتان أن باكســتان ســتقام عــى أســس ودســتور إسـ ي‬
‫بالرجــوع للقــرآن والســنة النبويــة وســتصبح باكســتان واليــة إســامية‪.‬‬

‫ش‬ ‫ف‬ ‫ف‬


‫ات� ليخطب رئيسا للوزراء‪ .‬وأشار‬
‫خرج القائد ي� ذكرى المولد فالنبوي ي� ال‪ ٢٥‬من يناير عام ‪ ١٩٤٨‬م لكر ي‬
‫القائــد لتلــك الطبقــة برصاحــة ي� خطابــه فقــال‪:‬‬

‫”ال يمكنني أن أفهم منطق أولئك الذين يشيعون عن عمد مخادعين الناس أن دستور باكستان‬
‫لن يبنى على أسس الشريعة اإلسالمية‪ .‬تتناسب القواعد اإلسالمية مع الحياة اليوم كما كانت‬
‫قبل ‪ ١٣٠٠‬سنة‪“.‬‬

‫وقال القائد ف ي� وقت آخر‪:‬‬

‫”قدم رسول هللا صلى هللا عليه وسلم دستورا قبل‪ ١٣٠٠‬سنة‪ ،‬وعلينا أن نتبعه وننفذه ببساطة‪،‬‬
‫وبناء على ذلك سنبني واليتنا على نظام الحكم اإلسالمي العظيم‪“.‬‬

‫___________________‬

‫ت‬
‫رفــض القائــد أي اقــراح آخــر غـ يـر اإلســام‪ ،‬لــم يتحــدث القائــد عــن مطابقــة النظــام اإلسـ ي‬
‫ـام للكتابــة والســنة‪،‬‬
‫بــل رفــض أي دســتور وجماعــة أخــرى بشــدة‪.‬‬

‫”أرى كما كان العالمة إقبال يقول‪ :‬أن المسلم ال يمكنه أن يتبع الرأسمالية أو الشيوعية سواء‬
‫كان شيخا أو مرشدا‪ ،‬ألن بناة الشيوعية والرأسمالية ذو أصل يهودي‪ .‬لتفهموا أن هاتين‬
‫الشعبتين سم للمسلمين وال ترياق له‪ ،‬فينبغي أن ال تنسوا أن اليهود واإلنجليز والشيوعيين‬
‫والرأسماليين والهنود يسعون جميعا لدحر المسلمين‪ .‬عليكم أن تبقوا حذرين‪“.‬‬

‫___________________‬

‫‪188‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫نوفم� عام ‪:١٩٤٦‬‬
‫ب‬ ‫قال القائد ي� مقابلة ي� ‪ ٢٦‬من‬

‫”الحكومة التي تبنى على أسس القرآن والسنة هي أفضل الحكومات وأمثلهم‪ .‬ستصبح هذه‬
‫الوالية قبرا للشيوعية والرأسمالية والماركسية‪ ،‬تماما كما كانت المدينة التي أسس سياستها‬
‫محمد صلى هللا عليوسلمتر قبرا لكل السياسات آنذاك‪ .‬إذا قام أحدهم بعمل يخالف اإلسالم‬
‫ألجل المعيشة في باكستان وفاتحا الباب لشعبة ودستور مختلف فلن يتحمله الشعب‬
‫الباكستاني الغيور‪ .‬إنني أؤمن أن االسالم نظام حياة‪ ،‬وال يمكن إيجاد حلول أفضل لمشاكل الدنيا‬
‫خارج اإلسالم‪“.‬‬

‫___________________‬

‫ألن باكســتان بنيــت تحــت االســتعمار اإلنجلـ ي زـ�ي‪ ،‬كان ينب ـغ ي تأكيــد أسســها كواليــة إســامية ليبـ نـى دســتورها‬
‫ف‬
‫عــى اإلســام‪ .‬أول إدارة أنشــأها القائــد األيــام بعــد أيــام مــن نشــأة باكســتان ي� أغســطس كانــت إدارة بنــاء الفكــر‬
‫ـام‪ .‬أعــى القائــد إدارة اإلدارة للعالمــة محمــد أســد‪.‬كان العالمــة أســد ألمانيــا مــن جهــة العالمــة إقبــال‪،‬‬ ‫اإلسـ ي‬
‫وكان يهوديــا تــرك اليهوديــة ليســلم‪ .‬كان أســد مصــدرا لشــهرة باكســتان وغــدا اآلن بدعمــه للقائــد األعظــم مديـرا‬
‫لهــذه اإلدارة ومنهــا قــدم ت‬
‫االق�احــات لبنــاء باكســتان عــى أســس إســامية‪.‬‬

‫‪ ،1948‬العالمة محمد أسد مع أعضاء إدارة بناء الفكر اإلسالمي‬

‫‪189‬‬
‫العالمة محمد أسد‬

‫‪190‬‬
‫العالمة محمد أسد‬

‫اإلسالم بأكمله‪:‬‬ ‫ت‬


‫ال� وقعت عىل هذه اإلدارة عىل بناء الرصح‬
‫ي‬ ‫تقف المسؤولية ي‬
‫يز‬
‫تجه� مسودة الدستور األول لباكستان‪.‬‬ ‫•‬

‫• تصميم هيكل النظام االقتصادي لباكستان‪.‬‬

‫التعليم ف ي� باكستان‪.‬‬
‫ي‬ ‫• إعداد قائمة للنظام‬

‫اإلسالم ف ي� باكستان‪.‬‬
‫ي‬
‫• تنظيم ت‬
‫االق�احات لبناء المجتمع‬

‫االق�احــات المناســبة لبنــاء باكســتان كواليــة إســامية‪ .‬نـ شـرت تقاريــره عــن‬ ‫عمــل العالمــة أســد بجــد لتنظيــم ت‬
‫ـ� واألســس الـ ت يـى أعلــن‬ ‫النظريــة اإلســامية وسياســة باكســتان ف� راديــو باكســتان بشــكل دوري‪ .‬كانــت القوانـ ي ن‬
‫ي‬
‫ه جــزء‬ ‫عنهــا رئيــس الــوزراء لياقــت عــ� خــان عــام ‪١٩٤٩‬م مــن بنــاء وعمــل العالمــة أســد‪ .‬اليــوم هــذه القوانـ ي ن‬
‫ـ�‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ـ� المذهلــة عــى أن مــا بــدأه القائــد األعظــم أكملــه بعــده العالمــة‬ ‫ـتا�‪ ،‬وتشــهد هــذه القوانـ ي ن‬
‫مــن الدســتور الباكسـ ي‬
‫أســد‪.‬‬
‫ف‬
‫لكــن وزيــر الخارجيــة ظفــر هللا خــان غـ يـر منصــب العالمــة بعــد وفــاة القائــد األعظــم فعينــه ي� وزارة الخارجيــة‪،‬‬
‫ـا�‪ .‬اختفــت كل التقاريــر‬ ‫ض‬
‫ولــم تســتطع هــذه اإلدارة الوقــوف عــى قدميهــا مــن بعــد ذلــك فغــدت قصــة مــن المـ ي‬
‫مــن اإلدارة بعــد شــهر واحــد مــن وفــاة القائــد األعظــم‪.‬‬

‫____________________‬

‫‪191‬‬
‫تنظيم الجيش‪:‬‬
‫ن ف‬
‫ـتا� ي� اآلن ذاتــه الــذي عمــل فيــه عــى الدســتور‬
‫ركــز القائــد األعظــم عــى تنظيــم وترتيــب الجيــش الباكسـ ي‬
‫ـام‪ .‬خطــط لتنظيــم القــوة العســكرية الباكســتانية بكفــاءة بعــد مراجعتــه ألفضــل الجيــوش البحريــة‬ ‫اإلسـ ي‬
‫والجويــة‪ .‬أمــر بإنشــاء اآلي إس آي ( المخاب ـرات) لمكافحــة الجواســيس والخطــط التخريبيــة‪ .‬تعــد اآلي إس‬
‫آي أفضــل جــدار دفــاع لباكســتان اليــوم باألســس الـ ت يـى بناهــا القائــد األعظــم‪.‬‬

‫ات� ف ي� ‪ ٢٣‬يناير عام ‪١٩٤٨‬م‪:‬‬


‫ش‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫قال القائد األعظم ي� خطابه يوم افتتاح السفينة الحربية ديالور ي� كر ي‬

‫” سيتوجب عليكم أن تغطوا على قلة عددكم بشجاعتكم ووالئكم الصادق لمهمتكم‪ ،‬إذ أن‬
‫الحياة ليست أهم من الشجاعة والعزم واإلرادة التي تبنيها»‪.‬‬

‫____________________‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫نوفم� ‪:١٩٤٧‬‬
‫ب‬ ‫وخطب القائد ي� جيوش باكستان ي� ‪٨‬‬

‫” أثق أننا سنتخطى هذه المشاكل واألخطار بنجاح‪ .‬أريد منكم جميعا أن تتحدوا وتتعاونوا في‬
‫مواجهة هذه األخطار التي تقترب منا‪“.‬‬

‫____________________‬

‫ش‬
‫ات� بال‪ ٢١‬من بف�اير ‪١٩٤٨‬م‪:‬‬ ‫ف‬
‫وخطب مجددا بجيوش باكستان ي� كر ي‬

‫” سيتوجب عليكم أن تقفوا حراسا على تطور وأمن الديموقراطية اإلسالمية والعدل في المجتمع‬
‫اإلسالمي والمساواة بين البشر‪ .‬ال شيء يستحيل أن تنجزوه ما دمتكم متمسكين بوالئكم‬
‫وإيمانكم وانضباطكم في مهمتكم‪“.‬‬

‫____________________‬

‫الباكستا� ف ي� خطابه لضباط كلية استاف ف ي� كويتة ف ي� ‪ ١4‬جون ‪١٩٤٨‬م‪:‬‬


‫ي‬
‫ن‬ ‫وقال مثنيا عىل الجيش‬

‫”إن قوات الدفاع أحد أكثر اإلدارات الباكستانية حساسية‪ ،‬وإنها لمسؤولية كبيرة وعبء ثقيلة‬
‫على أكتافكم‪ .‬ال أشك أبدا مما رأيته وأفهمه في روحكم القتالية الرائعة‪ .‬هممكم عالية‪ ،‬وما يرفع‬
‫اآلمال أكثر أن كل ضابط وجندي يعمل بجد كباكستاني حقيقي بغض النظر عن أصله ومجتمعه‪.‬‬
‫إذا تابعتم العمل بهذه الروح وعاملتم زمالءكم كباكستانيين حقيقيين بوفاء فال شيء تخشى‬
‫منه باكستان‪“.‬‬

‫____________________‬

‫‪192‬‬
‫القائد أثناء زيارته لكلية القيادة واألركان في كويتا‬

‫ـبتم� ‪١٩٤٨‬م بشــكل مبـ ش‬ ‫ف‬


‫ـا�‪ ،‬وكان يتعلــق بالجيــش‬ ‫كان آخــر عمــل أو أمــر قــام بــه القائــد ي� األول مــن سـ ب‬
‫ف‬
‫أيضــا‪ .‬والــذي تحــدث عنــه عقيــل عبــاس جعفــري ي� كتابــه ”محســوبية باكســتان“‪ .‬أرســلت الرســالة لرئيــس‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫ـ�‪ .‬كتــب القائــد األعظــم‪” :‬لقــد أرســلت مــع الرســالة مبلغــا ب‬
‫مت�عــا‬ ‫ـتا� الجــرال دوغــاس كريـ ي‬‫الجيــش الباكسـ ي‬
‫ش‬
‫بــه مــن القائــد األعظــم لنائــب الرئيــس‪ .‬وقــد خصصــت مــن المبلــغ ثالثمائــة ألــف لمــروع المهاجريــن‬
‫المجاهديــن‪“.‬‬

‫____________________‬

‫‪193‬‬
194
195
‫سالح الجو الباكستاني‪:‬‬
‫ن ف‬ ‫ف‬
‫ـتا� ي� ‪ ١٣‬مــن أبريــل عــام‬
‫قــال القائــد األعظــم الكلمــات التاليــة ي� أكاديميــة رســالبور لســاح الجــو الباكسـ ي‬
‫‪١٩٤٨‬م ‪:‬‬

‫”يسعدني كثيرا أن أزور للمرة األولى وحدة من وحدات سالح الجو الباكستاني الملكي‪ ،‬ال شك‬
‫أن أي دولة ليس لها سالح جو ستقع تحت رحمة الطغاة‪ .‬يتوجب على باكستان أن تبني قواتها‬
‫الجوية بأسرع ما يمكن‪ ،‬وعليه ينبغي أن يكون سالح جو كفؤا ال يسبقه أحد وأن يأخذ مكانه‬
‫الحق بجانب القوات البحرية في الحفاظ على أمن باكستان‪ .‬إنني على علم تام بالتطور الجوي في‬
‫الدول األخرى وحكومتي عازمة على أن ال تبقى في آخر القطار‪“.‬‬

‫____________________‬

‫كانــت حــال ســاح الجــو ســيئة آنــذاك‪ .‬لــم يكــن هنــاك مــن طيــار وال تقنيـ ي ن‬
‫ـ� ليعتنــوا بالطائ ـرات القادمــة مــن‬
‫ث‬ ‫الحــرب أو يدربــوا الباكسـ ي ن‬
‫ـتاني� عــى الطـ يـران‪ .‬لكــن القائــد خــرج بحــل عجيــب لهــذه المشــكلة‪ .‬كــر عــدد الضبــاط‬

‫‪196‬‬
197
‫تشكاللة‪ ،1954 ،‬الطيار تورووج و صوفيا تورووج مع الضباط والدارسين‬

‫الذيــن يفهمــون بمــا يختــص بســاح الجــو والطـ يـران دون عمــل بعــد نهايــة الحــرب العالميــة الثانيــة ف ي� أوروبــا‪.‬‬
‫ـ� وطياريــن‪ .‬ونتيجــة إلعالنــه‬ ‫نـ شـر القائــد ف� جرائــد وأخبــار أوروبــا عــن حاجــة الحكومــة الباكســتانية لمهندسـ ي ن‬
‫ي‬
‫قــدم ‪ ٤٥‬طيــار وتفنيــا مــن بولنــدا خدماتهــم‪ ،‬وجــاؤوا لباكســتان ليبنــوا ســاح الجــو تحــت عقــد يمتــد لثــاث‬
‫سـ ي ن‬
‫ـن�‪.‬‬

‫ـ� هــذه المجموعــة كان شــاب طيــار باســم والدي ســاف تــورووج‪ ،‬لــم يكتــف تــورووج ببنــاء ســاح الجــو‬ ‫ومــن بـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫ـتا� بــل جعلــه م�لــه الجديــد‪ .‬وكان برفقــة تــورووج طيــار اقتصــادي اســتقر بــدوره ي� باكســتان وزوج‬ ‫الباكسـ ي‬
‫ش‬ ‫ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ـ� عــام ‪٢٠١٢‬م‪ .‬أصبــح تــورووج‬ ‫ـو� ي� كراتـ ي‬
‫� فضائيــات ســباركو قبــل وفاتــه‪ ،‬تـ ي‬ ‫بناتــه مــن شــبانها‪ ،‬وكان عالمــا‬
‫ـتا� مــع الوقــت‪ ،‬ووافتــه المنيــة هنــاك عــام ‪١٩٨٠‬م‪.‬‬ ‫عميــدا ف� ســاح الجــو الباكسـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫وهذا مثال عىل فراسة القائد األعظم فقد أح�ض رجاال كفؤا من حول العالم واستفاد منهم‪.‬‬

‫عزم القائد عىل جعل باكستان قوة نووية ف ي� خطابه عام ‪١٩٤٨‬م‪.‬‬

‫____________________‬

‫‪198‬‬
‫والدي سالف تورووج‬

‫صوفيا تورووج‬

‫نصب تذكاري للطيار تورووج في متحف القوات‬


‫الجوية الباكستانية بكراتشي‬ ‫‪199‬‬
‫البحرية الباكستانية‪:‬‬
‫قال القائد األعظم ف ي� خطابه ف ي� أكاديمية نيول ف ي� مارس عام ‪١٩٤٨‬م‪:‬‬

‫”اليوم يوم تاريخي لباكستان‪ ،‬ويضاعف الشعور لرفاقنا في البحرية الباكستانية التي تولد اليوم‬
‫وبرفقتها البحرية الباكستانية الملكية‪ .‬إنني فخور لتعييني ألكون وأخدم معكم هذه المرة‪ .‬في‬
‫األشهر المقبلة ستكون مهمتي ومهمتكم أن نبني بحريتنا لتغدو قوة عظيمة وسعيدة‪“.‬‬

‫‪200‬‬
201
‫____________________‬

‫نهايــة نظــام اإلقطاعيــة‪ ،‬التقســيم العــادل للدولــة‪ ،‬نهايــة غربــة‬


‫المســلمين‪ ،‬قيــام واليــة إســامية ناجحــة‪:‬‬
‫ف‬ ‫نصــح العالمــة إقبــال القائــد األعظــم قبــل وفاتــه مؤكــدا أن عــاج غربــة المسـ ي ن‬
‫ـلم� ال يكمــن ي� نظــام حيــاة‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫الغــرب‪ ،‬بــل يكمــن ي� اتبــاع النظــام الناجــح المبـ ن يـى عــى القــرآن والســنة‪ .‬كتــب العالمــة إقبــال ي� أحــد رســائله‬
‫للقائــد األعظــم‪:‬‬

‫”السؤال هو كيف تحل مشكلة غربة المسلمين‪ ...‬الجيد باألمر أن قواعد اإلسالم تقدم حال وتحلل‬
‫أسباب المشكلة‪ .‬بعد مطالعة طويلة ومتأملة‪ ،‬وصلت للنتيجة التالية‪ :‬إذا ما اتبعنا القوانين‬
‫والقواعد اإلسالمية بحذافيرها وبالشكل الصحيح وعملنا بها سنغطي حقوق كل شخص‬
‫وضرورياته‪“.‬‬

‫____________________‬

‫علــم القائــد األعظــم جيــدا أنــه دون العمــل بمــا كتــب ف� ش‬


‫ال�يعــة فــإن الحيــاة بباكســتان لــن تســتمر‪ ،‬ولــن تبعــد‬ ‫ي‬
‫ـلم� ولــن تصبــح باكســتان واليــة ناجحــة حـ تـى‪ .‬عمــل القائــد بجهــد مضـ ن يـى مــن اليــوم األول إلقامــة‬
‫غربــة المسـ ي ن‬
‫ا� وإصالحهــا مــع عــدة مخططــات‬ ‫ض‬
‫ـام عــى الفــور‪ ،‬ولهــذا أنشــأ إدارات متخصصــة بــاألر ي‬ ‫نظــام اقتصــادي إسـ ي‬
‫أنــى بهــا نظــام اإلقطاعيــة وأقــام بهــا نظامــا اقتصاديــا إســاميا‪ ،‬ثــم أنشــأ البنــك المركــزي للدولــة كمــا أنــى‬
‫معامــات العملــة والنقــود بتفاصيلهــا‪.‬‬

‫ـاع‪ .‬لــم‬ ‫ض‬


‫ا� بعــد قيــام تباكســتان فــورا‪،‬ف والــذي كان عليــه إنهــاء النظــام اإلقطـ ي‬‫أنشــأ القائــد مجلــس إصالحــات األر ي‬
‫ـ� ومــا قــد ت�كــه مــن أثــر � باكســتان‪ .‬وخاطــب اإلقطاعيـ ي ن‬
‫ـ� ذات مــرة‬ ‫يعجــب القائــد بشــخصيات اإلقطاعيـ ي ن‬
‫ي‬
‫فقــال‪:‬‬

‫”اليوم أود تنبيه اإلقطاعيين والرأسماليين‪ ،‬إذ يسكب العامة دمهم في أعمالهم‪ .‬كما هم عالمون‬
‫بقواعد اإلسالم‪ .‬هل تظنون انه يمكن شراء ماليين الناس؟ ليمنعوا حتى من وقت تناول‬
‫طعامهم حتى مرة واحدة في اليوم‪ .‬إذا كان هذا خيالكم عن باكستان فإني أستسلم‪ ،‬وسأترك‬
‫باكستان‪ .‬إذا كان عاقال فسيكون مدركا لحقائق الحياة الجديدة‪ .‬إذا لم يكن يفعل هذا فليساعده‬
‫هللا حتى لو لم نساعده نحن‪“.‬‬

‫____________________‬

‫ـ� الماكريــن وبائــ� األقــوام ليقســمها بـ ي ن‬


‫ـ� العامــة مــن‬ ‫أراد القائــد األخــذ بحــق النــاس مــن أولئــك اإلقطاعيـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ت‬ ‫ـ�‪ .‬أعلــن مجلــس إصالحــات األر ض‬
‫ا� عــن اق�احاتــه قبــل وفــاة القائــد بأيــام‪ .‬لكنهــم لــم‬ ‫ـ� والفالحـ ي ن‬
‫المزارعـ ي ن‬
‫ت‬ ‫ي‬
‫يســتطيعوا البــدء بالعمــل عليهــا لســوء وخطــورة حالــة القائــد الطبيــة‪ .‬تجاهــل كبــار الــوزراء الالحقــون اق�احــات‬
‫المجلــس‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫‪ ،1948‬القائد يعاين أول عملة نقدية مصكوكة‬

‫لإلقطاعي� مجددا قبل وفاته ف ي� األول من مارس عام ‪١٩٤٨‬م فقال‪:‬‬


‫ين‬ ‫أظهر القائد األعظم كراهيته‬

‫”لقد أصبحت شيخا عجوزا‪ .‬أنعم هللا علي بالكثير ألهنأ بالسكون لكن لم أجعل من دمي ماء؟ لم‬
‫أركض بهذه المشقة؟ بالتأكيد ألجل الفقراء ال ألجل الرؤساء واألغنياء!“‬

‫____________________‬

‫ال�يطانيــة ولكــن بختــم باكســتان حـ تـى ال‪ ٣٠‬مــن جــون ‪١٩٤8‬م‪ .‬افتتــح‬ ‫كان يتــم التعامــل مــع أوراق نقــد الهنــد ب‬
‫ـوم‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ـل‬‫ـ‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫ـر‬
‫ـ‬ ‫خ‬ ‫آ‬ ‫ـذا‬
‫ـ‬ ‫ه‬ ‫كان‬ ‫‪.‬‬ ‫ـه‬
‫ـ‬ ‫ت‬ ‫وفا‬ ‫ـل‬
‫ـ‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ـتانية‬
‫ـ‬ ‫س‬ ‫الباك‬ ‫ـة‬‫ـ‬ ‫ل‬ ‫العم‬ ‫ـك‬
‫ـ‬ ‫ص‬‫و‬ ‫القائــد األعظــم البنــك المركــزي الباكسـ ن‬
‫ـتا�‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫للقائــد األعظــم‪ ،‬ورغــم أن صحتــه كانــت متهالكــة إال أنهــا لــم تمنعــه مــن حضــور افتتــاح البنــك مرتعشــا‪ ،‬حـ تـى‬
‫ـر� لحيــاة االنســان وأن األفضــل للنــاس اتبــاع تقاليــد‬ ‫ـن فيــه علنيــا عــن تخريــب االقتصــاد الغـ ب ي‬ ‫أنــه قـرأ تقريـرا أعلـ‬
‫ف‬
‫ـام للبنك وقال أيضا‬ ‫اإلســام �قوقواعده ي� نظامهم االقتصادي‪ .‬أعىط مســؤولية تحقيق نظام اقتصادي إسـ ي‬
‫أنــه ســيب ي عينيــه عــى البنــك حـ تـى يتأ كــد مــن تطبيقهــم لذلــك‪ .‬يعــد تقريــر القائــد شــمعة تنـ يـر طريــق األجيــال‬
‫الالحقــة‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫”صنع النظام االقتصادي للغرب مشاكل ال حل لها في البشرية‪ ،‬ويبدو ألغلبنا أننا سنحتاج معجزة‬
‫لنحمي البشرية من المصيبة القادمة للعالم‪ .‬فشل النظام الغربي في المساواة بين الرجل واآلخر‬
‫كما لم يستطع إزالة االحتكاكات السلبية في الميدان العالمي‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬لقد كان سببا‬
‫كبيرا من أسباب الحربين العالميتين في منتصف القرن الماضي‪ .‬يعيش العالم الغربي في حالة‬
‫من الفوضى لم يعشها قبال في التاريخ كله رغم استفادته من التطور والقدرات التقنية في يومنا‬
‫الحاضر‪ .‬إن اتباع النظرية الغربية االقتصادية وتطبيقها لن يساعدنا في هدفنا إلسعاد الناس‬
‫وإرضائهم‪ .‬علينا أن نشكل مصيرنا بطريقتنا الخاصة ونري العالم نظاما اقتصاديا مبنيا على‬
‫قواعد اإلسالم الصحيحة بالمساواة بين الناس والعدل بينهم‪ .‬سنؤدي مهمتنا للمسلمين على‬
‫أكمل وجه هكذا ونرسل رسالة سالم للبشرية‪ ،‬هذه الرسالة التي تكفي إلنقاذ البشرية وتأمن‬
‫مواردها وراحتها وسعادتها‪“.‬‬

‫____________________‬

‫‪204‬‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ـلم� ف� بنــاء بنــك المسـ ي ن‬
‫ن‬
‫ـلم� االقتصــادي بســعر ‪ ٣٠٠‬ألــف ي� جــوالي ‪١٩٤٧‬م ي�‬ ‫بــدأ تجــار ‪ -‬الميمــن ‪ -‬المسـ ي ي‬
‫كلكتــا بأمــر مــن القائــد األعظــم‪ .‬أقــام القائــد أول ش�كــة شــحن بحــري إســامية كذلــك باســم ش�كــة المحمــدي‬
‫المائيــة بأمــر منــه‪.‬‬

‫ال�كــة الجويــة‬ ‫كانــت كل الـ شـركات الجويــة ملــكا للهنــود ف� شــبه جزيــرة الهنــد‪ .‬أنشــأ القائــد ف� الواليــة الجديــدة ش‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫األوىل باســم خطــوط اورينــت الجويــة والـ ت يـى انضمــت لخطــوط باكســتان الجويــة الدوليــة الحقــا‪ .‬بــدأ القائــد‬
‫ال�كــة قبــل بنــاء باكســتان عــام ‪١٩٤٦‬م وقــال آنــذاك أنهــا ســتكون أول ش�كــة جويــة إســامية‪.‬‬ ‫العمــل عــى ش‬
‫ـلم� واألغنيــاء منهــم‪ ،‬وانتقلــت‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ش‬ ‫ت‬
‫واشــرى القائــد أســهما ب‪ ٢٥‬ألــف مــن ال�كــة لتشــجيع المهندسـ يـ� المسـ ي‬
‫ن ش ق‬ ‫ش‬
‫ـر� باكســتان بعــد‬ ‫ـ� بعــد تقســيم الهنــد‪ ،‬وكانــت هــذه نقطــة الربــط بـ يـ� � ي� وغـ ب ي‬ ‫رئاســتها مــن كلكتــا إىل كراتـ ي‬
‫نشــأتها‪.‬‬

‫____________________‬

‫طيارة خطوط أورنيت الجوية‬

‫‪205‬‬
‫التعليم واللغة األوردية‪:‬‬
‫بنيــت باكســتان بنــاء عــى نظريــة كان القائــد عالمــا بهــا بشــكل جيــد حـ تـى أدرك أنــه مــن الــازم تغيـ يـر نظــام‬
‫التعليــم كامــا لحمايــة نظريــة باكســتان والحفــاظ عليهــا‪ .‬ولهــذا كانــت مســؤولية إصــاح نظــام التعليــم إحــدى‬
‫ـ� تناســب واليــة إســامية جديــدة‬ ‫أهــم المســؤوليات الملقــاة عــى كاهــل هيئــة اإعــادة بنــاء الفكــر اإلسـ ي‬
‫ـام لـ ي‬
‫ناجحــة‪ ،‬حيــث تقــف اللغــة عمــودا يســتند لــه نظــام التعليــم معــززة الوطنيــة والعالقــات العنيبــة‪ .‬كان القائــد‬
‫مــدركا ألهميــة اللغــة األورديــة‪ ،‬وأظهــر موقفــه مــن جعلهــا لغــة باكســتان الرســمية بوضــوح أ كـ ثـر مــن مــرة قبــل‬
‫وبعــد نشــأة باكســتان‪.‬‬

‫المنافق� والغدارين ف ي� صفوفه‪:‬‬


‫ين‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫قال القائد ي� خطابه ي� دكا مراعيا وجود‬

‫” كل من يحاول إضاللكم عدو لباكستان‪ .‬ال يمكن ألي شعب التمسك ببعضهم والعمل سويا‬
‫دون لغة للوالية لتجمعهم‪ .‬اعتبروا من تاريخ الدول األخرى‪ .‬ستكون لغة باكستان هي األوردو‪،‬‬
‫ولكن كما قلت أننا سنعتاد مع الوقت‪ .‬أخبركم مجددا أن ال تقعوا في فخ أعداء باكستان‪ ،‬وآسف‬
‫أن أخبركم إنهم مسلمون يدعمون من الخارج‪“.‬‬

‫___________________‬

‫وقال ف ي� موقع آخر‪:‬‬

‫”دعوني أوضح رأ�يي عن لغة باكستان مجددا‪ ،‬يمكن للناس اختيار ما يشاؤونه من لغة‬
‫لالستخدام الرسمي في المقاطعة‪ ،‬وسيقرر ذلك تحديدا لما يناسب رغبات سكان المقاطعة‬
‫وحدهم‪ ،‬ليعبروا بحرية عن طريق ممثليهم المختارين في الوقت المناسب بعد تشاور كامل‪.‬‬
‫ورغم ذلك فإن لغة واحدة ستصبح اللغة الرسمية‪ ،‬وهي اللغة التي تستخدم للتواصل بين‬
‫مختلف نقاطعات الوالية‪ ،‬وتلك اللغة ستكون األوردو ال غيرها‪ .‬ولهذا ستصبح األوردو لغة الوالية‬
‫الرسمية التي يجيدها آالف الماليين من المسلمين في شبه الجزيرة‪ ،‬لغة نفهمها جميعا حول‬
‫باكستان‪ ،‬لغة تكتنف الثقافة اإلسالمية ومجتمعه أكثر من أي لغة في أي من المقاطعات كما‬
‫تشبه اللغات اإلسالمية األخرى‪“.‬‬

‫___________________‬

‫‪206‬‬
‫سياسة الخارجية‪:‬‬
‫اختــار القائــد سياســة خارجيــة ممتــازة مــن اليــوم األول‪ ،‬اختــار سياســة قويــة غـ يـر متوانيــة لباكســتان وجميــع‬
‫ـم� قويــا ثابتــا‪ .‬وبـ ي ن‬
‫ـ� آراء‬ ‫الــدول اإلســامية أيضــا‪ .‬كان أســلوبه مــع قضايــا فلسـ ي ن‬
‫ـط� وإي ـران وأندونيســيا وكشـ ي‬
‫واضحــة شــديدة ضــد قــوى االســتعمار‪ ،‬قــام بحمايــة حركــة تحريــر أندونيســيا علنيــا‪ ،‬حـ تـى أنــه أرســل خمســمائة‬
‫مســلم مــن الجيــش الهنــدي ألندونيســيا ليســاعدوا ضــد االســتعمار الهولنــدي حـ تـى ضحــوا بحياتهــم‪ .‬عندمــا‬
‫ش‬ ‫ف‬
‫ـ� أمــر القائــد بضبطهــم‪ .‬وكان موقفــه مــن إرسائيــل عنيفــا فيمــا يخــص‬ ‫وقــف ســاح الجــو الهولنــدي ي� كراتـ ي‬
‫قضيــة فلسـ ي ن‬
‫ـط�‪.‬‬

‫ـام هنــاك‪،‬‬ ‫زار القائــد األعظــم مــر قبــل نشــأة باكســتان أيضــا ليقابــل كبــار وأفاضــل القــوم مــن العالــم اإلسـ‬
‫يف‬ ‫وقــد حذرهــم مــن الســلطة الهنديــة وأظهــر رغبتــه ف� ضــم المسـ ي ن‬
‫ـلم� مــن أندونيســيا وحـ تـى أفريقيــا ي� جنــاح‬ ‫ي‬
‫ـام واحــد‪.‬‬
‫إسـ ي‬

‫________________‬

‫القائد األعظم أثناء قبوله تعيين سفير تركيا‬

‫‪207‬‬
‫القائد األعظم والسيدة فاطمة أثناء زيارتهم لألهرام‬

‫‪208‬‬
‫‪ ،1947‬القائد األعظم في حديث ودي باسم مع أحد الصحفيين المصريين‬

‫قال القائد‪:‬‬

‫”أخبرتهم عن األخطار التي ستشكلها اإلمبراطورية الهندية على الشرق األوسط وأكدت لهم‬
‫أن باكستان ستدعم أي شعب يقاوم ألجل حريته دون النظر في لونه أو أصله‪ ...‬إذا تحققت‬
‫اإلمبراطورية الهندية‪ ،‬سيعني ذلك نهاية اإلسالم في الهند‪ ،‬وحتى الدول المسلمة األخرى‪ .‬ال شك‬
‫في أن الروابط الروحية والدينية تربطنا بقوة بمصر‪ .‬إذا غرقنا فستغرق كل األمة المسلمة‪.‬‬

‫__________________‬
‫ف‬ ‫أجريــت معــه مقابلــة صحافيــة بواســطة أحــد مراســ� عــرب نيــوز ف� العــام ‪١٩٤٦‬م بـ ي ن‬
‫ـ� فيهــا رغبتــه ي� عقــد‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫جلســة إســامية ي� الهنــد‪ .‬بعــد مشــاكل نشــأة باكســتان ومحــاوالت القائــد لتقويــم الســلطة فيهــا لــم يســتطع أن‬
‫يقيــم الجلســة‪ ،‬لكنــه تحــدث عــن رغبتــه وعــن وقــوف باكســتان وعلــو صوتهــا خلــف كل دولــة إســامية‪ .‬وكان لــه‬
‫ـط� ف ي� األمــم المتحــدة‪.‬‬
‫ولباكســتان الموقــف األعنــف واأل كـ ثـر ثباتــا فيمــا يتعلــق بقضيــة فلسـ ي ن‬

‫‪209‬‬
210
‫الفصل السابع عشر‬

‫‪AA‬‬

‫اللحظات األخيرة للقائد األعظم‬

‫الزمــت اآلنســة فاطمــة جنــاح أخاهــا كمــاك حــارس لتخدمــه فيمــا يحتــاج‪ .‬كانــت أم الملــة كمــا كانــت أختــا‬
‫خ‬ ‫ف‬
‫”أ�“‪ .‬إننــا نتمـ نـى أن يعــرف‬
‫وصديقــا مخلصــا‪ .‬وقــد وضحــت تفاصيــل آخــر أيــام القائــد األعظــم ي� كتابهــا ي‬
‫جيلنــا وأجيالنــا القادمــة عــن ظــروف أيامــه األخــر مــن أختــه‪ ،‬لخصــت بضــع الســطور تلــك تاريخــا كامــا‪ ،‬كيــف‬
‫ـلم� عــى نفســه‪ ،‬كيــف كان جــل تفكـ يـره هــو حــال المسـ ي ن‬
‫ـلم� ليدعــو لهــم بينمــا يلفــظ أنفاســه‬ ‫آثــر القائــد المسـ ي ن‬
‫األخـ يـرة‪ ،‬إنــه كتــاب مفعــم بالمشــاعر والعواطــف الجياشــة‪.‬‬

‫____________________‬

‫تقول ح�ض تها‪:‬‬

‫أظهر القائد األعظم رضاه بشأن المشاركة في يوم افتتاح ما سيصبح البنك المركزي الباكستاني‬
‫في األول من يوليو ‪١٩٤٨‬م في كراتشي‪ .‬شككت في أن السفر قد يضر بصحته‪ ،‬وحاولت أن أشارك‬
‫أو أمثله في المناسبة‪ ،‬لكنه قال‪”:‬تعلمين أن مجلس الشيوخ والهنود يتغنون قائلين أن والية‬
‫باكستان ستكون هشة سهلة المنال‪ ،‬وأنهم ال يفقهون في الصناعة وال التجارة وال األجهزة‬
‫والضمانات شيئا‪ ،‬إن وجودي هناك ضروري‪ ،‬ال تقلقي‪ ،‬سنعود بعد أيام قالل لكويتا‪“.‬‬

‫‪211‬‬
‫ش ف‬
‫ـ� ي� غايــة الصعوبــة‪ ،‬كان يقــف بصعوبــة بالغــة يــوم االفتتــاح‪ ،‬بيــد أن ذلــك لــم‬ ‫كان الســفر جــوا مــن كويتــا لكراتـ ي‬
‫يمنعــه مــن الذهــاب لمبـ نـى البنــك ألجــل االفتتــاح‪ ....‬رآه النــاس واســتمعوا لتقريــره ومــا مــن شــك أنهــم الحظــوا‬
‫صحتــه المتهالكــة‪ ،‬كان صوتــه بالــكاد يســمع أثنــاء خطابــه وكان يتحــدث بضعــف ويســتقطع لحظــات يل�تــاح‪،‬‬
‫ـوم ســقط عــى رسيــره دون أن يخلــع حذائــه او بدلتــه‪.‬‬ ‫الحكـ ي‬ ‫يتوقــف ويســعل‪ ،‬عندمــا وصلنــا مـ ن زـ�ل الجـ نـرال‬
‫ت ف‬ ‫ف‬ ‫ف‬
‫ـاوال� ي� إلغــاء الدعــوة‬
‫ـ� ف ي� مســاء ذاك اليــوم‪ ،‬وبــاءت كل محـ ي‬ ‫ـف� األمريـ ي‬‫كان عليــه أن يشــارك ي� اســتقبال السـ ي‬
‫بالفشــل‪ ،‬لــم يــدع مجــاال لمالحظــة تعبــه وضعفــه ي� الحفــل فضحــك وابتســم للضيــوف‪ ،‬كان هــذا آخــر عمــل‬
‫شــارك بــه القائــد بــأي حــال‪.‬‬

‫ـ� جــوا‪ ،‬لــم يبــد متأثـرا بتعــب الســفر‪ ،‬لكــن آثــار التعــب رسعــان‬ ‫عدنــا لكويتــا بعــد عــدة أيــام مــن إقامتنــا ف� كراتـ ش‬
‫ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫ـال وغلبتــه الحــى‪ .‬بــدأت الدعــوات مــن مختلــف الشــخصيات المهمــة ي� كويتــا‬ ‫ي‬ ‫مــا بــدأت تظهــر ي� اليــوم التـ‬
‫تتــواىل‪ .‬نظـرا لحالــه كان االعتــذار هــو الــرد األنســب‪ ،‬بيــد أن القائــد فاجأنــا بتقريــره الذهــاب لمــكان يبعــد أ كـ ثـر‬
‫مــن ميــل عــن كويتــا باإلضافــة لكونــه أبــرد وأ كـ ثـر هــدوء يــدىع زيــارت‪.‬‬

‫ســكننا ف� مســكن الحكومــة‪ ،‬كانــت عمــارة قديمــة لكنهــا ممتــازة بطابقـ ي ن‬


‫ـ�‪ ،‬يبــدو مــن النظــر إليهــا أن‬ ‫ي‬
‫بسات� واسعة هناك‪ ،‬زادت الورود واألزهار والشجر من‬ ‫ين‬ ‫الحارس يقف فوق الجبل‪ ،‬كان هناك‬
‫جمــال المنطقــة‪ .‬أحبهــا القائــد مــن النظــرة األوىل‪.‬‬

‫____________________‬

‫‪212‬‬
‫أخ�تـ ن يـى الســيدة زوجــة مضيفنــا مفــوض المنطقــة والمســؤول عنهــا أن الطبيــب ريــاض عـ يـ� شــان المتخصــص‬ ‫ب‬
‫ف‬
‫ي� األم ـراض التتفســية قدجــاء لزيــارة أحــد مرضــاه‪ ،‬وعرضــت عـ يـ� أن يكشــف عــى القائــد األعظــم‪ .‬عرضــت‬
‫يعا� من ســوء بالهضم وسيتحســن‬ ‫يعا� من أي مرض خط�‪ ،‬وأنه ن‬ ‫األمر عىل أ�خ فرفض بشــدة قائال أنه ال ن‬
‫في‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫رسيعــا‪ ،‬لكنــه أظهــر رغبتــه ي� الدعــم الطـ ب يـى ألول مــرة بعــد أن فشــل ي� القيــام ي� األيــام القليلــة التاليــة‪ .‬حدثــت‬
‫ـ� يحجــز لنــا عنــد‬
‫ـؤول الســكرتارية تشــوودري محمــد عـ يـ� لـ ي‬ ‫ـكرت�ه الخــاص دون أي تأجيــل أن يتصــل بمسـ‬ ‫سـ ي‬
‫ـ� بخــش برسعــة‪ ،‬كان هــذا ف ي� ‪ ٢١‬يوليــو ‪١٩٤٨‬م‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـل‬
‫ـ‬ ‫ي‬ ‫الكولون‬ ‫ـب‬‫الطبيـ‬

‫جلســنا ننتظــر ردا مــن الطبيــب عــى أحــر مــن الجمــر بعــد إرســالنا للرســالة‪ ،‬كانــت صحــة القائــد األعظــم تتهالــك‬
‫ـم� ومشــاكل المهاجريــن‪،‬‬ ‫يومــا فيومــا‪ ،‬لكــن عقلــه ظــل نشــطا‪ ،‬فــكان يحدثـ ن يـى عــن الدســتور الجديــد ورصاع كشـ ي‬
‫وكان أ كـ ثـر مــا يغمــه ويحزنــه هــو قلــة الوقــت والقــوة الـ ت يـى يملكهــم رغــم كـ ثـرة العمــل الــذي ينتظــره‪.‬‬
‫ف‬
‫ـ� ي� الصبــاح للقائــد‬
‫ـ� بخــش يــوم الجمعــة ‪ ٢٣‬يوليــو‪ ،‬أخــذت الطبيــب مـ ي‬
‫وصلتتــا زيــارة مــن الكولونيــل إلـ ي‬
‫األعــى فســأله القائــد ‪”:‬أتمـ نـى أن ســفرك كان جيــدا أيهــا الطبيــب‪“.‬‬

‫�ء‬ ‫ش‬
‫أخـ بـره القائــد بعدهــا عــن أمراضــه وإرهاقــه منــذ ‪١٩٣٢‬م بشــكل مختــر‪ ،‬مذك ـرا أن كل ي‬
‫بخـ يـر عــدا معدتــه‪” .‬إن ـن ي أعمــل ‪ ١٤‬ســاعة يوميــا منــذ ‪ ١٤‬ســنة‪ ،‬لــم أمــرض قبلهــا أبــدا عــدا‬

‫‪213‬‬
‫مكان إقامة القائد األعظم (زيارت)‬
214
‫الكولونيل إلهي بخش‬ ‫طبيب القائد األعظم‪ ،‬الدكتور رياض علي شاه مع السيدة فاطمة جناح‬

‫�ء مــن الراحــة‪ ،‬لكــن‬‫ش‬ ‫ت‬ ‫ـا� ف� بضــع سـ ي ن‬


‫ن‬
‫ـت صحـ يـى تتحســن بأخــذ ي‬ ‫ف‬
‫ـن�‪ ،‬وكانـ‬ ‫عــن الحــى والســعال اللــذان الزمـ ي ي‬
‫الحــى والســعال طــاال هــذه المــرة‪ “ .‬وصــف القائــد حالــه ي� هــذه الجمــل القليــل ‪.‬‬

‫قــال لــه الكولونيــل بعــد أن عاينــه جيــدا‪ ”:‬ســيدي إن معدتــك بأحســن حــال‪ ،‬لكن ـن ي لســت متأ كــدا مــن‬
‫تنفســك ورئتيــك‪ ،‬وســأعاين بلغمــك ودمــك مــع الخـ بـراء‪ ،‬إنــك بحاجــة لتغذيــة أفضــل‪”....‬‬

‫ـ� عــن‬ ‫تأ� الطبيــب صديـق والطبيــب محمــود ف� اليــوم التــال ألخــذ العينــات لفحصهــا‪ ،‬وســمعت بعدهــا بيومـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ـا�‪ ،‬فهمــت أن الكولونيــل أوصــل الخـ بـر للقائــد بالشــكل الــذي يـراه مناســبا‪” ،‬فهمنــا مــن اختباراتنــا‬
‫خـ بـر هــز نكيـ ي‬
‫ف‬
‫ـا� مــن التهــاب ي� الرئــة‪ “.‬اســتمع القائــد لكالمــه بصمــت ثــم قــال ”أهــذا يعـن ي أنـن ي مصــاب بالســل“‪.‬‬‫أنــك تعـ ي‬

‫ـ� والعالــم المتخصــص باألشــعة الســينية وغــام‬ ‫وصــل األطبــاء ريــاض عـ يـ� شــاه المتخصــص بالجهــاز التنفـ ي‬
‫ـ� بخــش مــن الهــور‪ ،‬وصادقــوا بعد المعاينة‬ ‫ي‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ـل‬
‫محمــد الطبيــب المتخصــص باألعصــاب بدعــوة مــن الكولونيـ‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫عــى تشــخيص الكولونيــل‪ ،‬وانتهــوا إىل أن القائــد بحاجــة لممرضــة تالزمــه ي� حالتــه هــذه‪ ،‬رفــض القائــد ي�‬
‫البدايــة محتجــا بضيــاع النقــود‪ ،‬ثــم قبــل ألن فاطمــة تعبــت مــن العنايــة بــه ليــل نهــار‪.‬‬

‫أعطيــت خدمــات األخــت (فلــس) للقائــد األعظــم‪ .‬وقــد قامــت بعملهــا بجــد‪ ،‬وركــزت عــى صحــة القائــد‬
‫وتحســنت صحتــه‪.‬‬
‫ف‬
‫كان القائــد مشــغوال بكتابــة رســالته لشــعبه ي� ال‪ ٢٧‬مــن أغســطس والــذي وافــق عيــد الفطــر‪ .‬كانــت تلــك آخــر‬
‫ـ� شــعبه‪ ،‬كتــب ف ي� رســالته‪:‬‬
‫رســالة بينــه وبـ ي ن‬

‫” يمكننا تحويل باكستان إلى حقيقة عن طريق اتحادنا واإليمان بقدرتنا‪ ....‬اليوم عيد الفطر الذي‬
‫زارنا فورا بعد قيام باكستان‪ ،‬وقد ابتلعنا فرحتنا برؤيتنا بالمآسي في شرقي البنجاب‪ ،‬وكنتيجة‬
‫لحوادث هذه السنة ‪ ...‬أجبر اآلالف على ترك بيوتهم والهجرة‪ ،‬ووقفت مصيبة أكبر في طريقهم‪.‬‬
‫بذلنا جهودنا في إسكان الناس المشردين فقط‪ ،‬ووصلنا بوسائلنا ألقصى ما تتحمله‪ .‬تأثرنا‬
‫جميعا بشدة وقسوة هذا العمل‪ ،‬كما وقفت مياه السيل حتى بلغ السيل الزبى‪ .‬لم تكن ‪ ١٢‬شهرا‬

‫‪215‬‬
‫مدة كافية إلسكان كل مهاجر وتهيئة المنافع لهم‪ ،‬وتم بدء العمل ألجلهم مجددا‪ ،‬لكن تجهيزهم‬
‫بشكل شامل ال يزال تحت العمل‪ ،‬لن نسعد جميعا حتى ال يبقى أحد منا دون سطح فوقه‪ .‬إنني‬
‫واثق أنه بحلول العيد القادم ستكون المسألة قد حلت‪ ،‬وسيعيش كل المهاجرين في المدن‬
‫التي تفيدهم‪.‬‬

‫رسالتي ألخوتي المسلمين في مختلف الممالك هي التهنئة وتمني الخير‪ ،‬إننا نواجه زمنا‬
‫خطيرا‪ ،‬كان علينا أن نفتح أعيننا على دراما القوى السياسية التي تجري في فلسطين وكشمير‬
‫وأندونيسيا‪ ،‬ينبغي أن نتحد حتى يسمع صوتنا أصحاب القوى العظمى‪ ،‬ولهذا أتمنى منكم أن‬
‫تعطوا اللغات التي تشاؤون‪ ،‬لكن روح تقريري تقول‪”:‬يجب على كل مسلم أن يخدم باكستان‬
‫مخلصا وأمينا وبال مطامع‪“.‬‬

‫تهالكــت صحتــه مجــددا بأغســطس‪ ،‬وطفــق يقــول يل ‪”:‬فاطمــة! اآلن ال أريــد أن أعيــش أ كـ ثـر‪ ،‬كلمــا كان‬
‫ـ� أرسع كل مــا كان أفضــل‪“ .‬‬ ‫توقــف تنفـ ي‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ـبتم�‪ ،‬وقــال يل‪”:‬لقــد انتـ شـر المــرض ي� خاليــا الــدم عنــد‬
‫ـ� بخــش مكتئبــا ي� بدايــات سـ ب‬ ‫بــدا الكولونيــل إلـ ي‬
‫ـ� برسعــة‪ ،‬فمرتفعــات كويتــا ال تناســبه‪“.‬‬ ‫القائــد األعظــم‪ ،‬الحــق أن ـن مغمــوم‪ ،‬علينــا أخــذه لكراتـ ش‬
‫ي‬ ‫ي‬

‫‪216‬‬
‫طائرة القائد األعظم (فايكينغ) في متحف القوات الجوية الباكستانية في كراتشي‬

‫سيارة القائد األعظم الشخصية‬ ‫‪217‬‬


‫أخت القائد األعظم السيدة فاطمة جناح وابنته دينا أثناء تشييع القائد األعظم‬

‫ن‬ ‫�خ‬
‫توقــع األطبــاء أن نجاتــه معجــزة‪ ،‬عندمــا أخـ بـرت أ ي بب�نامجنــا الجديــد قــال‪”.. :‬حســنا مفهــوم‪ ،‬خـ ي‬
‫ـذو�‬
‫ـ�‪ ،‬ولــدت هنــاك وســأدفن هنــاك‪“ .‬‬ ‫ش‬
‫لكراتـ ي‬

‫أغمــض عينيــه بعــد قولــه ونــام‪ ،‬لكــن نومــه كان مضطربــا وغـ يـر مريـ ـ ــح‪ ،‬وكانــت تســمع منــه ألفــاظ وكلمــات مــن‬
‫ـم�‪ ..‬أعطوهم‪ ...‬حقوقهم‪ ... . .‬وأمدوهم‪ ...‬بكل ما لديكم‪ ...‬باكســتان‪“.‬‬ ‫وقت آلخر‪ .‬فكان يتمتم‪” :‬كشـ ي‬

‫وأخ�نــا األطبــاء أنننــا ســنصل كراتـ شـ� ف� غضــون سـ ي ن‬


‫ـاعت�‪ ،‬حـ ي ن‬
‫ـ� وضــع‬ ‫ـ� الطيــار األمــر بتجهـ ي زـ� الطائــرة فــورا ب‬
‫ي ي‬ ‫ف‬ ‫أعـ ي‬
‫عــى النقالــة وأخــذ لكبينــة الطائــرة وقــف الطيــار وطاقــم الطـ يـران ي� صــف ليــؤدوا التحيــة‪ ،‬أجابهــم بصــوت‬
‫ضعيــف هزيــل‪...‬‬

‫ـوال ‪ ٧‬آالف قــدم‪ ،‬وبعــد أن تخطينــا لجبــال بلوشســتان انخفضــت الطائــرة‬ ‫نبهنــا الطيــار لحاجتــه لالرتفــاع حـ ي‬
‫‪.‬‬
‫ـج� واألجهــزة عندمــا صعدنــا عــى مرتفعــات واي كان التنفــس‬ ‫ن‬ ‫ل‪ ٥‬آالف مــن هنــاك‪ .‬جهــزت أقنعــة االكسـ ي‬
‫ن‬
‫ـج� للحظــات قبــل أن يخلــع‬
‫صعبــا عــى القائــد األعظــم‪ ،‬فوضعــت لــه القنــاع عــى وجهــه‪ ،‬أخــذ يتنفــس األكسـ ي‬
‫القنــاع ويقــول أن كل مــا نفعلــه ال فائــدة تـر�ج منــه‪....‬‬
‫ف‬ ‫بعــد مــا يقــارب السـ ي ن‬
‫ـاعت� وصلنــا إىل مطــار مــاري بــور ي� الســاعة الرابعــة والنصــف‪ ،‬هنــا كان المــكان الــذي‬
‫صعــد فيــه القائــد للطائــرة قبــل ســنة متأمــا وعازمــا عــى أن تصبــح باكســتان مــن أفضــل الــدول‪ ،‬اســتقبله رجــال‬
‫ن‬ ‫ف‬
‫ـوم‬
‫ـكرت� العســكري للجــرال الحكـ ي‬ ‫الكبينــة والســفراء ي� الخــارج‪ ،‬لكنــه كان مرهقــا مــن الرحلــة الجويــة‪ ،‬كان السـ ي‬
‫ف‬
‫الكولونيل نولس موجودا هناك ليســاعدنا‪ ،‬فأح�ض نقالة للقائد وأرســلها ي� ســيارة إســعاف عســكرية لتوصلنا‬
‫ش‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ـ� ببــطء شــديد‪،‬‬ ‫ـوم‪ .‬كنــت واألخــت (دينهــم) ي� ســيارة اإلســعاف‪ ،‬كانــت الســيارة تمـ ي‬ ‫لبيــت الجــرال الحكـ ي‬
‫‪218‬‬
‫ـكرت�‬ ‫ت‬
‫ـ� بخــش والطبيــب مســري والسـ ي‬
‫كان أركان تنظيمنــا يســافرون ألماكــن أخــرى‪ ،‬ولحــق بنــا الكولونيــل إلـ ي‬
‫العســكري فقــط‪.‬‬

‫بعــد ســفر أرب ــع إىل خمــس أميــال توقفــت ســيارة اإلســعاف‪ ،‬خرجــت بعــد خمــس دقائــق ألعــرف أن ن ز‬
‫الب�يــن قــد‬
‫انتــى‪ .‬حــاول الســائق تشــغيلها مجــددا لكــن دونمــا فائــدة‪ .‬عندمــا دخلــت الســيارة مجــددا تحــرك القائــد االعظــم‬
‫أخ�تــه أن المحــرك توقــف عــن العمــل‪ ،‬فأغلــق عينيــه بصمــت‪.‬‬ ‫ونظــر يل نظــرة متســائلة‪ ،‬ب‬

‫ـ� ممــا خفــف الحـرارة علينــا عمومــا‪ .. .‬لكــن الريــاح توقفــت ذلــك اليــوم ولــم يكــن‬ ‫كانــت الريــاح تهــب ف� كراتـ ش‬
‫ف‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ممكنــا احتمــال الحـرارة ‪ ......‬تبادلنــا أنــا واالخــت دينهــم األدوار ي� تهويــة القائــدة األعظــم‪ ،‬وكنــا ننتظــر وصــول‬
‫ف‬
‫ســيارة اإلســعاف الثانيــة‪ ،‬لــم يكــن ممكنــا إيصالــه ي� الكدلــك لصغــر حجمهــا فــا يمكــن وضــع نقالــة بهــا‪ ،‬وكل‬
‫دقيقــة تمـض ي كانــت وكأنهــا لمحــة مــن لمحــات يــوم القيامــة‪.‬‬

‫ـغول� بأعمالهم‪ ،‬وال علم لهم أن القائد األعظم‬ ‫كان هناك مســاكن قريبة للمهاجرين ويمكن رؤية الناس مشـ ي ن‬
‫الــذي منحهــم وطنــا وســكنا ينــام بجوارهــم بــا حــول وال قــوة‪ ،‬كانــت الســيارات تسـ يـر مــن جانبنــا فيمــا تــدق لنــا‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫أصوات التنبيه‪ ،‬باإلضافة لإلزعاج الذي تســببه الباصات والشــاحنات ي� ذهابها وإيابها‪ ،‬ونحن هنا ي� ســيارة‬
‫الحــول لنــا وال قــدرة لنــا عــى الحركــة إذ رفضــت ســيارتنا الحركــة ولــو إنشــا واحــدا‪---- .‬‬
‫ت‬ ‫ف‬
‫ـا� كلهــا‪ ،‬جــاءت ســيارة االســعاف االخــرى‬ ‫اضطررنــا لالنتظــار لمــا فــوق الســاعة‪ ،‬كانــت أطــول وأمــر نســاعة ي� حيـ ي‬
‫ـوم‪ ،‬عندمــا أنــزل مــن النقالــة إىل رسيــره بعــد‬
‫ث‬ ‫أخـ يـرا‪ .‬نقلــت نقالتــه إليهــا وعدنــا نسـ يـر باتجــاه بيــت الجــرال الحكـ ي‬
‫ن‬
‫ـاعت� لزمتنــا لنصــل للبيــت مــن‬‫ـ� بخــش ألعلــم أن أ كــر مــن سـ ي‬ ‫وصولنــا للبيــت‪ ،‬نظــرت لســاعة الكولونيــل إلـ ي‬
‫مــاري بــور‪.‬‬

‫نــام فــور وصولــه للبيــت‪ ،‬وخــرج الطبيــب قائــا أنــه ســيعود بعــد قليــل‪ .‬بقيــت اآلن وحيــدة مــع أ�خ ي الــذي نــام‬
‫ف‬ ‫بــكل ســكون‪ ،‬ينــام بســكون لــم أره نــام مثلــه قبــا‪ ....‬ب ـق عــى حالــه لسـ ي ن‬
‫ـاعت�‪ ،‬ثــم فتــح عينيــه فجــأة ونظــر ي�‬ ‫ي‬
‫‪ ...‬ف‬ ‫‪:‬‬‫ل‬ ‫يهمس‬ ‫ـماعه‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ب‬ ‫ك�‬‫فاق�بت منه‪ ،.‬أراد أن يقول شــيئا‪ ،‬شــلت حر ت‬ ‫جه� وأشــار برأســه ت‬ ‫ت‬
‫”فاط ي� حفظ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫هللا ‪ ....‬ال إلــه إال هللا محمــد رســول هللا‪ “.‬وقــع رأســه للجانــب وأغمضــت عينيــه‪....‬‬

‫إنا هلل وإنا اليه راجعون‬

‫‪219‬‬
220
221
222
‫الفصل الثامن عشر‬

‫‪AA‬‬

‫الوداع األخير للعالم‬

‫ف‬
‫ـ� بخــش‬ ‫رافــق القائــد ي� أيامــه األخـ يـرة واحــد مــن ثالثــة‪ :‬إمــا أختــه فاطمــة جنــاح‪ ،‬أو طبيبــاه الكولونيــل إلـ ي‬
‫ـ� مذكراتهمــا أيضــا‪ .‬إن المحادثــات الـ ت يـى أجراهــا القائــد األعظــم‬
‫والدكتــور ريــاض عــ� شــاه‪ .‬كتــب كل مــن الطبيبـ ي ن‬
‫ي‬
‫ه مــا تجعــل منــه شــخصية عظيمــة مذهلــة‪ ،‬وليــس لعشــقه‬ ‫ي‬ ‫ـامية‬ ‫ـ‬ ‫س‬‫اإل‬ ‫ـة‬
‫ـ‬ ‫م‬‫واأل‬ ‫ـتان‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫باك‬ ‫ـوص‬ ‫مــع أطبائــه بخصـ‬
‫ن‬ ‫‪.‬‬
‫لباكســتان واإلســام مثيــل واجــه القائــد أطبائــه بقلبــه حـ يـ� زاروه وقــت مرضــه‪ ،‬لقــد أظهــر القائــد كل تلــك‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫المشــاعر والعواطــف والتعابـ يـر الـ ت يـى ال يمكــن إظهارهــا ي� الجلســات السياســية ي� تلــك البيئــة الـ ت يـى قــد يتكلــف‬
‫المــرء فيهــا‪ ،‬بيــد أن علمــه بقــدوم أجلــه ســاعده ليظهــر أفــكاره للعلــن‪ .‬ألي درجــة كان قائــدا عظيــم ومرشــدا قيمــا‬
‫ـ� ألجــل أجيالنــا‬ ‫لألمــة؟ لربمــا ال يعــرف قومــه الجــواب حـ تـى‪ .‬لقــد جمعــت بعــض المحادثــات مــن كتــا� الطبيبـ ي ن‬
‫بي‬
‫القادمــة هنــا‪ .‬ألي حــد آذى القائــد وأرهــق نفســه‪ ،‬وكيــف كان إحساســه بنعمــة هللا عليــه بباكســتان‪ ،‬هنــا لمحــة‬
‫مــن أفــكار القائــد األعظــم‪.‬‬

‫____________________‬

‫‪223‬‬
‫كانت ي ن‬
‫أع� القائد األعظم تلمع‪ ،‬واحمر وجهه‪ ،‬وكان صوته يرتفع شيئا فشيئا‪:‬‬

‫” ‪ . ----‬هذه العاصفة الروحانية التي بدأها رسول هللا صلى هللا عليه وسلم التي حاولت سلطة‬
‫مجلس الشيوخ والحكومة اإلنجليزية محوها بتحريف أحرفها وكلماتها‪ ،‬ينعم هؤالء القوم‬
‫بالحرية اليوم‪ ،‬لهم دولتهم الخاصة‪ ،‬وعلمهم الخاص‪ ،‬لهم حكومتهم وعملتهم ودستورهم‪،‬‬
‫هل من نعمة أكبر من ذلك؟ هذه الخالفة التي وعد هللا بها محمد صلى هللا عليه وسلم أن أبناء‬
‫أمته سيصبحون ملوك الدنيا إذا ما اختاروا الصراط المستقيم‪ .‬أصبحت حماية هذه النعمة‬
‫فرضا علينا اآلن‪ ،‬باكستان تحفة من تحف هللا‪ ،‬وحمايتها فرض على كل باكستاني رجال وطفال‬
‫وشيخا وشابا‪ .‬إذا ما جد المسلمون بأعمالهم الصالحة بإخالص ونية خالصة وأمانة وانضباط‬
‫فإن السيئات والنفاق و الطمع واألنانية لن يولدوا بمشيئة هللا‪ .‬كانوا يعدون من أكابر األقوام‬
‫لعدة سنين‪ ،‬ستعود دولتهم تكتنز األمن واألمان والثقافة والتمدن والحضارة والشرف‪ ،‬وستخرج‬
‫أشعة الرقي من حدودها لترشد آسيا كلها لتريها طريق الحضارة والرقي‪“.‬‬

‫____________________‬

‫” أصبحت باكستان حقيقية حية‪ ،‬حتى أجبرت صديقها وعدوها على االعتراف بوجودها‪ ،‬بنيت‬
‫باكستان‪ ،‬ومستقبلها يشع‪.‬‬

‫إن روحي هانئة‪ ،‬وقلبي مطمئن‪ ،‬أنه ما من مسلم يستعبد في أرض الهند‪ ،‬بل كلهم قوم ينعمون‬
‫بالحرية في دولة حرة‪ ،‬بيدهم اليوم مملكة وسائلها ال محدودة‪ ،‬لهم وطنهم الخاص اليوم‪ ،‬قوم‬
‫أحرار ووطن له حرية االختيار بميدان رقي واسع‪ ،‬بمستقبل نير‪ ،‬إن شاء هللا ستصبح باكستان‬

‫‪224‬‬
‫أعظم دولة في العالم في المستقبل القريب‪.‬‬

‫____________________‬

‫”أنعم هللا على باكستان بكل شيء‪ ،‬وسائل المعادن والزراعة المختلفة‪ ،‬وإمكانية التقدم‬
‫االقتصادي‪ ،‬وجود الوسائل للصناعة في الدولة‪ ،‬كل شيء موجود بباكستان‪ ،‬أنعم هللا عليها بكل‬
‫شيء‪ ،‬لكنهم بحاجة للجد و اإلخالص واألمانة‪ ،‬إذا ولدت هذه الصفات في المسلمين‪“.‬‬

‫أكمل بعد برهة من الصمت‪:‬‬

‫”إن شاء هللا تولد هذه الصفات في قومي‪ ،‬أنا لم أيأس من المسلمين يوما‪ ،‬وال وجود للفظ اليأس‬
‫في تعاليم اإلسالم‪ ،‬وال يجب أن ييأس الفرد من مشاكل القوم‪ ،‬ال يجب أن نغتم للمصائب واآلالم‬
‫وعواصف المشكالت ومخالفة األعداء‪ ،‬يختبر هللا القوم الذين سيحكمون األرض دوما‪ ،‬إنني أدرك‬
‫أننا في حاجة شديدة إليقاظ المسلمين من عبوديتهم التي وقعوا فيها منذ زمن ألنهم قوم أحرار‪،‬‬
‫وعليهم أن يشاركوا في بناء البلد الحرة‪ ،‬عندما يستيقظ شعور الحرية في قلوب المسلمين لن‬
‫يبقى هناك ما يؤخر باكستان عن غدوها دولة عظيمة‪“.‬‬

‫كانت باكستان حلم شاعر قبل عدة سنين‪ ،‬وسخر العالم منه‪ ،‬ظنوها مزحة سياسية‪ ،‬لكن الوقت‬
‫أثبت أن باكستان حقيقة‪ .‬لقد خرجت صوتا من قلوب الشعب لترتدي رداء الحقيقة‪ ،‬ال يوجد‬
‫في التاريخ مثال لما فعلته باكستان‪ ،‬لم يحصل أي شعب على حريتهم دون حرب وجدل يوما‬
‫كما فعلت باكستان‪ ،‬خروج باكستان للعالم في غضون ثمانية سنين بعد سلسلة من الجهود‬

‫‪225‬‬
‫والتضحيات هي حكاية تحكى في التاريخ أول مرة‪ .‬كانت نشيدا يتغنى به الناس حتى أصبحت‬
‫حقيقة لها خارطتها‪ ،‬أهناك من شعب أو دولة ليس لديهم ورق‪ ،‬وال أسلحة وال جيش وال خيار لهم‬
‫في قانونهم ونظامهم وال علم وال دولة لهم ثم يكسبون كل ذلك مع حريتهم‪ ،‬ليصبحوا أساس‬
‫مملكة عظيمة‪“.‬‬

‫” قد يضرب المثل بتركيا لكنهم كان لديهم الفرسان واألسلحة والعقول المنظمة والمخططة‬
‫ولديهم الخبرة في السلطة‪ ،‬وفتحوا المنطقة‪ ،‬فاستقروا فيها ومنها حاربوا قوى الطاغوت وأخرجوا‬
‫تركيا للنور‪ .‬أما نحن فلم نمتلك األرض لنستقر فيها‪ ،‬ما امتلكنا إال دين هللا الذي أنعم به على‬
‫مسلمي الهند‪ ،‬عدنا شعبا حرا بعد قرنين من العبودية‪ ،‬واليوم حماية حريتهم فرض عليهم‪،‬‬
‫عليهم أن يكونوا متعاونين متحدين ويدا واحدة‪ ،‬وعليهم أن يكونوا روحا واحدة‪ ،‬فيتسامحوا‬
‫ويصلحوا بين بعضهم البعض ويؤثروا بعضهم البعض‪ .‬إذا عمل المسلمون بجد وإيثار وإخالص‬
‫وأمانة وانضباط فال سبب في أن ال يصبحوا قوما عظاما في المستقبل ليصبحوا مرشدي آسيا‪“.‬‬

‫____________________‬

‫” لدى باكستان القدرة على إخراج أجيال بناءة‪ ،‬ليس هناك نقص في القلوب والعقول‪ ،‬لقد غبرت‬
‫األدمغة‪ ،‬فإذا أزيل الغبار فستصبح باكستان جاهزة بما تملكه من فراسة وسياسة وفهم وتنظير‬
‫واختراعات واكتشافات لتصبح أفضل حاال‪ .‬سيبقى المسلمون محكومون‪ ،‬لم يعط االنجليز‬
‫والهنود الفرصة للمسلمين ليتطوروا‪ ،‬بل حاولوا منعهم عن التقدم بكل الطرق فلم يستيطعوا‬
‫إظهار قدراتهم‪ .‬كانت خطة اإلنجليز أن ال يجعلوا المسلمين ينهضون بأي ميدان لقرنين‪ ،‬وظلت‬
‫كل مفاتيح النهضة عند الهنود‪ ،‬نقلت المكاتب الحكومية للهند كما حصلوا على أفضل الضباط‬
‫اإلنجليز وحمايتهم‪ .‬لم يعط هؤالء الهنود المسلمين أي مناصب عالية‪ ،‬ليتقدم المسلمون ألن‬
‫حبلهم قطعه الهنود واإلنجليز آنذاك‪ ،‬فلم يتقدموا بسبب نقص التعليم والدعم‪ .‬عطل األعداء‬
‫كل عضو لهم في أي ميدان‪ ،‬المسلمون الذين حكموا وحموا الهند أللف عام دون أي مساعدة‬
‫باتوا عبيدا‪ ،‬لكن القدر أعطاهم الفرصة اآلن‪ ،‬إنهم أحرار‪ ،‬ودولتهم حرة‪ ،‬ولهم حكومتهم الخاصة‪،‬‬
‫ولديهم كل الوسائل والدعائم‪ ،‬سيمكنهم أن ينهضوا إذا ما استفادوا منها‪ .‬اليوم تيسر لهم كل‬
‫شيء لكي يبنوا قوما أحرار في باكستان‪ ،‬يحتاج المسلمون أسباب دينية لتحركهم في التجارة‬
‫والصناعة‪ ،‬يريد الشباب تعلم االقتصاد والكيمياء والتمويل والعلوم‪ ،‬ويجب عليهم أن يرقوا في‬
‫ميدان العلوم أكثر وأكثر‪“.‬‬

‫____________________‬

‫تغي� منهج التعليم وطريقته‪:‬‬


‫أرص القائد عىل ي‬

‫” يحض منهج التعليم الحالي على العبودية‪ ،‬يجب تبديله تماما بما يطابق أفكار الدولة والشعب‬
‫ليوجه ويربي الشباب واألطفال من البداية كي تنضبط أذهانهم ألنهم صورة أخرى لبناء وتعمير‬
‫الدولة والملة‪“.‬‬

‫____________________‬

‫‪226‬‬
‫عال‪:‬‬
‫رفع القائد اصبعه للسماء ليقول بصوت ي‬

‫”يقدر هللا لإلنسان حاالت تبنيه بشكل يناسب الزمان الذي يعيشه‪“.‬‬

‫____________________‬
‫عي� القائد اللماعة وكان صوته ت ز‬
‫يه� ي ن‬
‫ح� قال‪:‬‬ ‫ن‬ ‫ف‬ ‫ت‬
‫كانت الدموع ت�قرق ي� ي‬

‫” ال تغتموا‪ ،‬وتوكلوا على هللا‪ .‬ال تميلوا في صفوفكم وال تجعلوا هذا الميالن ينتشر بينكم‪ .‬ال تتركوا‬
‫دينكم وال إخالصكم‪ ،‬ال ترجحوا أنفسكم ومطامعكم على الملة‪ .‬ان شاء هللا‪ ،‬سينعم هللا عليكم‬
‫بمن هو أفهم وأصلح مني ليحل مشاكل األمة وينصركم‪“.‬‬

‫____________________‬
‫ف‬
‫تجمعــت دمعــة كبـ يـرة ي� إحــدى عيـ ن يـى القائــد واغرورقــت عينــاه بغمامــة مــن الدمــوع‪ ،‬كان صوتــه يهـ ت زـ� بينمــا كان‬
‫يتكلــم بصــوت خفيــض‪:‬‬

‫”يا هللا! لقد أنعمت على المسلمين بالحرية وأنت حافظها لنا‪ .‬قومي يبدؤون خطواتهم‬
‫التمهيدية األولى اآلن‪ ،‬إنهم ضعاف‪ ،‬لم يولد ميالن في صفوفهم حتى اآلن‪ .‬أنت داعمهم وحاميهم‬
‫وناصرهم‪“.‬‬

‫‪227‬‬
228
‫الفصل التاسع عشر‬

‫‪AA‬‬

‫بصر حاد‪ ،‬ولسان عذب‪ ،‬وقلب رقيق‬

‫ـ� ســئل عــن اختيــار للقائــد األعظــم ليقــود األمــة قــال‪ :‬إنــه ال‬ ‫كمــا أســلفنا مــن قبــل أن العالمــة إقبــال أجــاب حـ ي ن‬
‫يفســد وال يشـ تـرى‪ ،‬قاصــدا أنــه ال يمكــن ش�اؤه ولــن يخــون المسـ ي ن‬
‫ـلم� يومــا‪ .‬مــن فراســة إقبــال أنــه اختــار الرجــل‬
‫الــذي اختــاره هللا ألجــل النــاس‪ ،‬شــخصية القائــد نفســها صــورة مــن الخلفــاء الراشــدين ومرشــدي القــرون‬
‫ف‬
‫و� عــر أصبحــت السياســة فيــه اســما آخــر للخيانــة والمســاوئ‪ ،‬تصبــح شــخصية القائــد‬ ‫األوىل‪ ،‬اليــوم ي‬
‫وأخالقــه منــارة ترشــدنا بعلوهــا تـض ي ء حـ تـى طريــق األجيــال القادمــة الـ ت يـى تلينــا‪ .‬ســنذكر هنــا عــدة أمثلــة تدعــو‬
‫ـلم� مســتقبال‪.‬‬‫للحـ يـرة وتعــ� صــورة واضحــة ومثاليــة لمــا يجــب أن يكــون عليــه القــدوة لقيــادة المسـ ي ن‬
‫ي‬

‫يجب أن يمتلك أي حاكم مسلم الجرأة والشجاعة والحمية أيضا باإلضافة للصدق واألمانة‪ ،‬عليه أن يكون‬
‫ف‬
‫قــادرا عــى الضبــط كمــا يســى لحمايــة الدولــة وحفــظ كرامــة القــوم‪ ،‬يجــب أن يقــف ي� وجــه القــوات الظالمــة‬
‫المتكـ بـرة وأن يهتــم لمــن لديــه مــن المسـ ي ن‬
‫ـاك� والفق ـراء واأليتــام‪ ،‬عليــه أن يعيــش حيــاة عاديــة ال يحنــق قومــه‬
‫عليــه‪ ،‬وعليــه أن ال يــرى خمدتــه لقومــه منــة عليهــم ‪،‬بــل براهــا خدمــة للرســول صــى هللا عليــه وســلم واإلســام‪.‬‬

‫____________________‬
‫ف‬
‫أصيــب القائــد بالســل‪ ،‬لكنــه لــم يعــط الفرصــة ألحــد ليشــك بذلــك‪ ،‬لــم يســعل ي� أي جلســة ح�ض هــا حـ تـى ال‬
‫ف‬
‫يثـ يـر الشــبهات بمرضــه‪ ،‬تقــول فاطمــة جنــاح أنــه كان مــا إن يغــادر الجلســة حـ تـى يســقط ي� الســيارة‪ ،‬كان جســم‬
‫القائــد يهــوي لكنــه كان يعيــش بقــوة إرادتــه فقــط‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫كانــت فاطمــة جنــاح تــر عــى القائــد بالراحــة تحــت ظــل ظروفــه الصحيــة المتهالكــة‪ ،‬فقــال القائــد معلقــا عــى‬
‫ذلك‪:‬‬

‫” أرأيت جنراال يجلس ليرتاح في ميدان الحرب ألفعل أنا؟“‬

‫____________________‬

‫أصيــب القائــد بالســل‪ ،‬ثبــت نظــام بت�يــد قديــم ف� بيــت الجـ نـرال الحكــوم ف� كراتـ شـ�‪ ،‬فنصــح القائــد بتحسـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫ي‬ ‫ي ي‬ ‫ي‬
‫ـ� زادت صحتــه ســوءا‪ ،‬لكــن القائــد رفــض قائــا أنــه حاكــم شــعب فقـ يـر فكيــف تتحمــل دولتــه‬ ‫الت�يــد حـ ي ن‬
‫نظــام ب‬
‫ذلــك‪.‬‬

‫____________________‬
‫ف‬ ‫رصف القائد األعظم محمد عل جناح ‪ ٥٠‬ألف روبية لبناء الحمام ي ن‬
‫ح� تزوج ي� العام ‪١٩٢٠‬م‪ .‬لكنه رفض‬ ‫ي‬
‫ن‬
‫ـوم قائــا أنــه ال يجــب عــى جــرال‬ ‫ن‬
‫أن فــاز بمنصــب الجــرال الحكـ ي‬ ‫ن‬
‫أن يــرف روبيــة ونصــف عــى خــف بعــد‬
‫ـا� دولتــه المســلمة مــن الفقــر‪.‬‬ ‫ن‬
‫ـوم أن يرتــدي شــيئا غاليــا كهــذا حـ يـ� تعـ ي‬
‫حكـ ي‬

‫____________________‬

‫�ج ي ء ذات مــرة بأثــاث بســعر ‪ ٣٧‬روبيــة الســتعماله حكوميــا‪ ،‬راجــع القائــد القائمــة فوجــد ســبع كـر ي‬
‫اس إضافيــة‪،‬‬
‫ه؟ فقيــل ألختــك فاطمــة جنــاح‪ ،‬فقطعهــا وأمــر بأخــذ نقودهــا مــن فاطمــة‪.‬‬ ‫فســأل لمــن ي‬

‫ـكرت� الخــاص بالقائــد مــا إذا يتوجــب عليهــم أن يقدمــوا‬


‫ذات مــرة كانــت ترتــب كبينــة الجلســة‪ ،‬فســأل السـ ي‬
‫الشــاي أم القهــوة؟‬

‫رفع القائد وجهه وأجاب بنظرات ثقيلة‪:‬‬

‫”من أراد من الوزراء شرب الشاي أو القهوة ليشربها في البيت ثم يأت رجاء‪ ،‬نقود القوم أمانة علينا‬
‫وليست متاعا للوزراء!!!“‬

‫____________________‬

‫ـف� بريطانيــا لــه ذات مــرة أن أخ الملــك قــادم وعليــه أن يأخــذه مــن المطــار‪ ،‬فـ شـرط القائــد أنــه إذا ذهــب‬ ‫قــال سـ ي‬
‫أخــوه إىل بريطانيــا فــإن عــى ملــك بريطانيــا أخــذ أخيــه مــن المطــار‪.‬‬

‫____________________‬

‫ـي� الذيــن رفضــوا اإلقـرار بدســتور الهنــد ‪١٩٣٥‬م حيــث يكــون القـرار بيــد مركــز الدولــة‪،‬‬ ‫كان القائــد مــن السياسـ ي ن‬
‫ف‬
‫دعــاه رئيــس وزراء بريطانيــا الســيد رمــزي مكدونالــد ليتحادثــا بشــأن ذلــك وقــال لــه � محاولــة ش‬
‫ل�ائــه‪:‬‬ ‫ي‬

‫‪230‬‬
‫”إذا كنت ستحصل على خطاب سنهاالرد فال أحد سيأخذه‪ “ .‬أي كان يعرض عليه بطمع أنه إن‬
‫توقف عن مخالفة سيد الحكومة فسيهدى لقب اللورد‪ ،‬وسيصبح رئيسا لمنطقة‪ ،‬وقف القائد‬
‫فور سماعه لذلك‪ ،‬مما أثار عجب رئيس وزراء بريطانيا‪ ،‬لكنه رافق القائد للباب حين قرر المغادرة‬
‫ولما رفع يده ليصافحه رفض القائد مصافحته‪ ،‬احمر رئيس وزراء بريطانيا خجال بسبب ذلك‪.‬‬

‫فسأل‪ ” :‬لم ؟“‬

‫واجاب القائد بجدية‪” :‬لن أقابلك بعد اآلن‪ .‬أنت تظنني أبحث عن المال‪“.‬‬

‫____________________‬

‫‪231‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫كان القائــد أمــام محطــة القطــار هامــا بصــاة العــر ي� مســجد أسـ تـراليا بالهــور ي� الثالــث مــن مــارس‪ ،‬فلمــا‬
‫ـ�‪ ،‬خــرج القائــد مــن ســيارته وســار مــن جانــب‬‫دخــل كان مــرزا عبــد الحميــد يقـرأ خطبتــه‪ ،‬امتــأ المســجد بالمصلـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ض ف‬
‫ـو� ي� االجتمــاع‪ ،‬لكنــه رسعــان مــا هدأهــم‪ ،‬ألنــه كان شــديدا ي� االنضبــاط‪ ،‬لمــا دخــل‬ ‫المســجد‪ ،‬ممــا أثــار الفـ‬
‫ـام مســتنكرا‪ ”:‬جئــت‬‫ـال فــورا‪ ،‬رفــض القائــد الذهــاب للصــف األمـ ي‬ ‫فالقائــد المســجد فتــح لــه الطريــق للصــف التـ ي‬
‫ي� النهايــة ولــذا ســأجلس هنــا“‬

‫____________________‬
‫ف‬
‫حصــل هــذا ي� ‪ ٢٥‬مــن اكتوبــر عــام ‪١٩٤٧‬م‪ ،‬قامــت االحتفــاالت بــأول عيــد أضــى بعــد قيــام باكســتان‪ .‬اختـ يـر‬
‫مســجد قصابــان بجانــب مــكان مولــوي مســافر ألداء صــاة العيــد‪ ،‬وكان عالــم الديــن المشــهور موالنــا ظهــور‬
‫الحســن فيــه‪ ،‬علــم القائــد عــن وقــت الصــاة‪ ،‬ولكنــه لــم يســتطع الوصــول لمــكان العيــد‪ ،‬أعلــم أحــد الكبــار موالنــا‬
‫ش‬ ‫ف‬
‫ـ�ء‬ ‫ظهــور الحســن أن القائــد ي� الطريــق وســيصل للمــكان قريبــا‪ ،‬وطلــب منــه أن يؤخــر وقــت الصــاة بعــض الـ ي‬
‫حـ تـى وصــول القائــد‪ ،‬فقــال موالنــا ظهــور الحســن‪”:‬أنا ام آت ألصـ يـ� للقائــد األعظــم بــل ألصـ يـ� هلل عــز وجــل‪“.‬‬
‫ـ� وصــل القائــد األعظــم لمــكان العيــد‪،‬‬ ‫ولهــذا نظــم الصفــوف وكـ بـر للصــاة‪ .‬كانــت الصــاة ف� ركعتهــا األوىل حـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫ـأصل‬
‫ـام‪ ،‬لكــن القائــد رفــض وقــال سـ ي‬ ‫فبــدأت الصــاة‪ ،‬طلــب أعــى الحــكام مــن القائــد أن يقــف ف ي� الصــف األمـ ي‬
‫ي� الصــف األخـ يـر حيــث أنــا‪ ،‬وهكــذا حصــل وصــى القائــد ي� الصفــوف األخـ يـرة‪ ،‬علــم المصلــون بعــد الصــاة أن‬
‫ف‬
‫مــن يقــف معهــم ي� الصــاة ليــس أي رجــل عــادي بــل كبـ يـر القــوم‪ .‬جــاء القائــد لإلمــام بعــد نهايــة الصــاة‪ ،‬فأثـ نـى‬
‫عــى جـرأة موالنــا ظهــور الحســن وقــال إن علماءنــا يجــب أن يكونــوا هكــذا‪.‬‬

‫____________________‬
‫ف‬
‫أمــرت إحــدى الممرضــات بتمريــض القائــد ي� مرضــه‪ ،‬فقــال لهــا أنــك خدمتـ ن يـى كثـ يـرا فمــاذا تريدينـ ن يـى أن أفعــل‬
‫فأخ�هــا أن هــذا عمــل وزارة الصحــة وليــس عملــه‪.‬‬ ‫ب‬ ‫فأخ�تــه أن ينقلهــا لمدينــة آبائهــا‬
‫ب‬ ‫ألجلــك؟‬

‫____________________‬

‫كان ذاهبــا لمــكان مــا ذات مــرة وأغلــق الطريــق‪ ،‬فخــرج ســائقه ليأمــر الحــارس أن يفتــح الطريــق للجـ نـرال‬
‫ـوم‪ ،.‬لكــن القائــد والمرشــد العظيــم قــال اتركــه مغلقــا‪ ،‬إذا كنــت ال أتبــع القانــون فمــن ســيتبعه؟‬
‫الحكـ ي‬

‫____________________‬

‫ـوم لــه وقــد شــارك‬ ‫ت‬ ‫ن‬


‫ـتا� قبــل وفاتــه بفــرة‪ ،‬كان هــذا آخــر إنجــاز حكـ ي‬ ‫افتتــح المؤســس البنــك المركــزي فالباكسـ ي‬
‫ـ�‬ ‫ت‬ ‫ش‬
‫فيــه أثنــاء مرضــه‪ ،‬وصــل للمناســبة ي� وقــت مناســب ورأى مقاعــد الــركاء خاليــة حــى اآلن‪ ،‬لكنــه أمــر منظـ ي‬
‫ن‬ ‫ش‬
‫اس الخاليــة كذلــك‪ .‬نفــذ أمــره واضطــر الــركاء لحضــور المناســبة واقفـ يـ� بعــد‬
‫ف‬ ‫ال�نامــج بالبــدء وأمــر بإبعــاد الكـر ي‬
‫ب‬
‫ن‬
‫ـ� الــوزراء والضبــاط الحكوميـ يـ� رئيــس الــوزراء ي� ذلــك الوقــت لياقــت عـ يـ� خــان‪ ،‬وقــد‬ ‫حضورهــم‪ ،‬وكان مــن بـ ي ن‬
‫خجــل جــدا ألن القائــد لــم يســامح ف ي� غلطــة صغـ يـرة منــه فعاقبــه فــورا ولــم ينــس ذلــك‪.‬‬

‫____________________‬

‫ـ�‪ ،‬وجــدت فيهــا فواتـ يـر بقيمــة النصــف روبيــة‬ ‫كانــت الملفــات والتقاريــر المخبــأة عنــد القائــد كافيــة لفتــح األعـ ي ن‬
‫قــد وقعهــا القائــد وأمــر بإيصالهــا‪ ،‬وهــذا الســبب ف ي� ثقــة العامــة بالقائــد وبأمانتــه‪.‬‬
‫‪232‬‬
‫ف‬
‫ـكرت� الخــاص بالقائــد‪ ،‬وقــد رافــق القائــد ي� آخــر أيامــه‪ ،‬أن القائــد كان يــأكل عــى‬
‫يقــول العميــد نــور حســن السـ ي‬
‫ز‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫طاولــة واحــدة مــع جميــع مرافقيــه ي� المــ�ل‪ ،‬يصــف العميــد المشــهد الــذي رآه فيقــول وألنــه كان كبـ يـر البيــت‬
‫فكان أول من يبدأ األكل‪ ،‬وكان يمأل صحنه أكال لكنه كان يأكل قليال‪ .‬سأل العميد فاطمة جناح عن السبب‪،‬‬
‫ف‬
‫فقالــت أنــه يفعــل ذلــك ألنــه إذا وضــع كميــة قليلــة ي� صحنــه فســيفعل الجميــع مثلــه‪ ،‬وهــو ال يرغــب أن يبـ قـى‬
‫شــخص جائعــا بســببه‪.‬‬

‫____________________‬
‫ف‬
‫كانــت هنــاك تقاليــد ال يتخــى القائــد عنهــا حـ تـى ي� المحامــاة‪ ،‬كان يأخــذ تعويضــا جائ ـزا‪ ،‬نـ ضـرب المثــل بتاجــر‬
‫تأ� بقضيــة‬

‫تحام ف ي� هذه القضية‪ ،‬سأحاسبك عليها‪.‬‬


‫ي‬ ‫الموكل‪ :‬أريدك أن‬

‫ت‬
‫ال� أخذها‪.‬‬
‫القائد األعظم‪ :‬أنا ال أحاسب بالقضية‪ ،‬بل بعدد األيام ي‬

‫الموكل‪ :‬كم؟‬

‫القائد األعظم‪ :‬خمسمائة روبية للمحكمة‪.‬‬

‫ت‬
‫قضي� بخمس آالف‪.‬‬ ‫مع خمس آالف روبية حاليا‪ .‬خذ‬
‫ي‬ ‫الموكل‪ :‬ي‬

‫أ� ال أســتطيع أخــذ القضيــة‪ ،‬مــن الممكــن أن تطــول القضيــة وال تك ـف ي األمــوال‪،‬‬ ‫القائــد األعظــم‪ :‬يؤسـ ن ن‬
‫ـف� ي‬ ‫ي‬
‫ـام آخــر ألنـ ن يـى آخــذ نقــودا عــى قــدر تعــدد الجلســات‪.‬‬
‫ي‬ ‫ـ‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫يفضــل أن تبحــث عــن‬
‫ف‬ ‫وهكــذا أخــذ القائــد القضيــة ش‬
‫ب�وطــه وفــاز بهــا ي� ثــاث جلســات ووصلــت الفاتــورة ألــف وخمــس مئــة روبيــة‬
‫فقــط‪ ،‬أراد التاجــر أن يدفــع الخمســة آالف كلهــا مــن فــرط ســعادته لكــن القائــد أجــاب‪” :‬لقــد أخــذت مــا‬
‫ا ســتحق“‬

‫‪233‬‬
234
‫الفصل العشرين‬

‫‪AA‬‬

‫مذهب القائد‬

‫ن ف‬ ‫ن ف‬ ‫ف‬
‫علما� ي� ثانية‪،‬‬
‫ي‬ ‫دي� ي� جهة‪ ،‬ويقال أنه‬ ‫رصنا هذا‪ ،‬فيقال أنه ال ي‬ ‫تهاجم شخصية القائد األعظم بعنف ي� ع‬
‫م�لتــه ف� اإلســام فيدخلونــه ف� الفرقــة بـ ي ن‬
‫ـ� الســنة والشــيعة مــن ثالثــة‪ ،‬ويشــيعون أنــه عميــل‬ ‫ويســقطونه عــن ن ز‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫إنجل�ي من رابعة‪ ،‬الهدف من كل هذه اإلشــاعات واحد؛ أال وهو مســح هوية جندي من جنود هللا ورســوله‬ ‫يز‬
‫صــى هللا عليــه وســلم‪ ،‬ممــن حــى األمــة اإلســامية واســتخدام ذلــك لتضليــل األجيــال القادمــة!‬

‫كان العالمــة إقبــال مرشــد القائــد األعظــم‪ ،‬حيــث جعــل صاحــب النظــر والبصـ يـرة ومحــب الرســول صــى هللا‬
‫عليــه وســلم وفيلســوف هــذا العــر مــن محمــد عـ يـ� جنــاح قائــدا أعظــم‪ ،‬وللقائــد األعظــم ذات العقيــدة الـ ت يـى‬
‫كان عليهــا إقبــال‪.‬‬

‫”كان لي صديقا‪ ،‬ومرشدا‪ ،‬وصاحب فكر ونظرية‪“.‬‬

‫”كان إقبال محبا للرسول صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وكان مدافعا عن اإلسالم وال يعرف غيره‪ .‬كان‬
‫صوته صوت اإلسالم باألصل“‬

‫”لقد حصلت على الفرصة للعمل معه ومرافقته‪ ،‬وأنا على حق حبن أقول أني لم أجد صديقا أصدق‬
‫وأكثر إخالصا منه‪“.‬‬

‫”سيظل إقبال حيا في الدنيا‪ ،‬سيتذكره مسلمو األجيال القادمة بصفته المحسن األكبر‪“.‬‬

‫‪235‬‬
‫ف‬
‫كان القائــد األعظــم أفضــل مــا أنجــزه العالمــة إقبــال‪ ،‬بصــورة رجــل مؤمــن يقبــل إمضــاء بقيــة حياتــه ي� خدمــة‬
‫رســول هللا صــى املــه عليــه وســل ‪ ،‬اختــاره هللا مــن بـ ي ن‬
‫ـ� الجميــع ليكــون جنديــا لرســوله صــى هللا عليــه وســلم‪،‬‬
‫ـ� األديــان‪.‬‬ ‫ثــم يتهــم بالالدينيــة والعلمانيــة لــزرع الفرقــة بـ ي ن‬

‫رفض القائد بشــدة أن يصنف ضمن الشــيعة أو الســنة‪ ،‬ســأله أحدهم ذات مرة إن كان شــيعيا أو ســنيا فوضح‬
‫القائــد عقيدتــه حـ تـى تبـ قـى جليــة ليــوم القيامــة‪ .‬وكان جوابــه للســؤال ســؤال‪:‬‬

‫”ماذا كان مذهب الرسول صلى هللا عليه وسلم؟ ليس أي منهما‪.‬‬

‫“ أجاب السائل‪”:‬لقد كان مسلما فقط‪“.‬‬

‫فأجاب القائد‪”:‬إذن أنا لست شيعيا وال سنيا‪ ،‬أنا مسلم فقط‪“.‬‬

‫كان والد القائد األعظم هنودسيا‪ ،‬وترك الهندوسية ليعتنق اإلسماعيلية‪.‬‬


‫ف‬
‫كان القائــد ح ـرا منــذ صغــره ي� التخيــل والتأمــل‬
‫والتفكــر‪ ،‬فطالــع اإلســام دون أن يقبــل بديــن أبيــه‬
‫أو جــده‪ ،‬فهــم اإلســام واتخــذه طريقــا‪ ،‬ال شــك‬
‫أن القائــد آمــن بــاهلل ورســوله وأحبهمــا كثـ يـرا‪ ،‬وكان‬
‫حساسا فيما يتعلق بالدين‪ ،‬ولهذا ش�ط عىل الفتاة‬
‫اإليرانيــة الـ ت يـى رغــب الــزواج منهــا أن تعتنــق اإلســام‪،‬‬
‫ر� بــاي مريــم جنــاح بعــد الــزواج مــن‬ ‫ت‬
‫وأصبحــت ي‬
‫القائــد األعظــم‪.‬‬

‫كان للقائــد األعظــم عالقــة بالكثـ يـر مــن الشــيوخ‬


‫ـلم� وحفــظ اإلســام‬ ‫والعلمــاء ألجــل سياســة المسـ ي ن‬
‫ف‬
‫ي� ذلــك الزمــن‪ ،‬وظلــت الرســائل واللقــاءات مســتمرة‬
‫بينهــم وبينهــم مثــل بـ يـر جماعــت عـ يـ� شــاه وبـ يـر اف‬
‫ـه�‬ ‫ـ� ش�يــف وبـ يـراف زكــوري ش�يــف والعالمــة شـ ي‬ ‫مانـ ي‬
‫ن‬
‫ـا� وأ�ف عـ يـ� تهانــوي‪ ،‬ولكــن بمعــى‬ ‫ش‬ ‫ن‬
‫أحمــد عثمـ ي‬
‫آخــر أن إقبــال لــون القائــد بألوانــه‪ ،‬ولهــذا أجــاب‬
‫ـ� ســئل عــن مذهبــه إن كان شــيعيا‬ ‫جوابــا رصيحــا حـ ي ن‬
‫مريم جناح‬
‫أو ســنيا‪.‬‬
‫‪236‬‬
‫وقد سألت فاطمة جناح ذات السؤال‪.‬‬
‫ت‬
‫المح�مة نفس جواب أخيها‪.‬‬ ‫وأعطت اآلنسة‬

‫”أنا لست شيعية وال سنية‪ ،‬إنني مسلمة فقط‪.‬‬

‫لقد علمنا الرسول صلى هللا عليه وسلم دين اإلسالم ال مذهبا مخصصا‪“.‬‬

‫أك� إيس أحمد‪ .‬ص‪)١٣‬‬


‫(كتاب باكستان والهوية اإلسالمية للكاتب ب‬

‫ومن هنا يتضح أن القائد كان مسلما بفكر وإيمان راسخ لم يتجه ألي مذهب‪.‬‬

‫____________________‬

‫يــر بعــض الشــيعة أن القائــد كان يتبــع فقــه الجعفريــة‪ ،‬ويدللــون ذلــك بأنــه غســل عــى طريقــة الشــيعة بعــد‬
‫ف‬
‫وفاتــه‪ ،‬مــن الواضــح إنــه دليــل ضعيــف‪ ،‬ألن المــرء بوفاتــه سيغســله أي شــخص موجــود ي� الوقــت ويدبــر‬
‫ن‬
‫ـا� وهــو عالــم سـ ن يـى حن ـف ي أم بصــاة‬ ‫ث‬
‫ترتيبــات دفنــه‪ ،‬ومــا يضعــف الدليــل أ كــر أن العالمــة شـ يـب� أحمــد عثمـ ي‬
‫جنازتــه‪ ،‬فيعتـ بـر القائــد ســنيا حنفيــا مــن وجهــة النظــر هــذه‪.‬‬

‫ولهــذا فإننــا نؤكــد بشــدة أن القائــد أثبــت أنــه ال عالقــة بــه بــأي مــن الفرقتـ ي ن‬
‫ـ� فيمــا يتعلــق بالمذاهــب‪ ،‬وأقــر القائــد‬
‫بنفســه أنــه يتبــع المذهــب أو العقيــدة الـ ت يـى كان عليهــا رســول هللا صــى هللا عليــه وســلم وخلفــاؤه الراشــدين‬
‫رضــوان هللا عليهــم‪.‬‬
‫ف‬
‫أظهر القائد رغبته ي� جعل باكســتان والية إســامية ناجحة عىل طرز الخالفة اإلســامية‪ ،‬كما أظهر أنه يريد‬
‫ض‬
‫ر� هللا عنــه‪.‬‬
‫تطبيــق نظــام عمــر ي‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫تحــدث القائــد عــن حقيقــة قيــام باكســتان ي� ألفــاظ مؤثــرة ي� أيامــه األخـ يـرة بعــد النشــأة‪ ،‬فقــد قــال لطبيبــه‬
‫الدكتــور ريــاض‪:‬‬

‫”هل تعلم كم تطمئن روحي عندما أستشعر أن باكستان قد أقيمت فعال‪ ،‬لم يكن ذلك سهال‬
‫ويستحيل علي إنهاؤه وحدي؟ إنني أؤمن أنها أوجدت ببركات من هللا ورسوله‪ ،‬واآلن فرض على‬

‫‪237‬‬
238
‫الباكستانيين أن يأخذو الخالفة الراشدة مثاال لهم حتى يفي هللا بوعده ويجعل من المسلمين‬
‫ملوكا‪.‬‬

‫(كعبة الوفاء‪ ،‬حسن محمود)‬

‫____________________‬

‫وقال القائد أيضا‪:‬‬

‫” ما أديت من خدمة للمسلمين وباكستان إال أديتها بصفتي جنديا وخادما لإلسالم‪ ،‬اآلن فرض‬
‫عليكم أن تبذلوا كل ما عندكم لترقوا بها وتصبحوا شعبا عظيما‪ ،‬إنها ألمنيتي أن أرى باكستان‬
‫تنهض بنفسها كوالية إسالمية‪ ،‬حتى يرى العالم صورة ثانية لعصر عمر الفاروق رضي هللا عنه‪.‬‬
‫أدعو هللا أن يحقق أمنيتي‪“.‬‬

‫(كتاب اإلسالم والقائد األعظم للكاتب محمد حنيف شاهد)‬

‫____________________‬
‫ف‬ ‫ف‬ ‫ولهــذا نقــول للداعـ ي ن‬
‫ـ� للفرقــة ي� باكســتان أن يدعــوا القائــد األعظــم وشــأنه‪ ،‬وأن ال يوقعــوه ي� خالفاتهــم‬
‫ف‬
‫المذهبيــة‪ ،‬كان ذلــك الرجــل مجاهــدا ح ـرا يكـ بـر هللا ولــم يكــن غارقــا � االختالفــات بـ ي ن‬
‫ـ� الفــرق‪.‬‬ ‫ي‬

‫الفقــه الــذي تتبعــه عائلــة القائــد األعظــم ليــس موضوعنــا‪ ،‬يمكــن أن يتبــع أفـراد العائلــة مذاهــب مختلفــة‪ ،‬كان‬
‫األخ الشــقيق للعالمــة إقبــال قاديانيــا‪ .‬لكــن هــذا ال يعـ ن يـى أنــه كان مذهــب العالمــة إقبــال‪ ،‬وكثـ يـر مــن أفـراد عائلــة‬
‫ع�يــة أو مــن أهــل الســنة‪ ،‬لكــن القائــد عــا عــى كل هــذه‬ ‫ـماعيلي� أو اثـ نـى ش‬
‫ين‬ ‫القائــد األعظــم وأخواتــه كانــوا إمــا إسـ‬
‫ي‬
‫ال�يعــة كمــا علمــه العالمــة إقبــال‪.‬‬ ‫ـ� ش‬ ‫االختالفــات واتبــع قوانـ ي ن‬

‫كانــت عقيــدة القائــد ذاتهــا عقيــدة الرســول صــى هللا عليــه وســلم وخلفــاؤه الراشــدين والـ ت يـى كانــت العقيــدة الـ ت يـى‬
‫كان عليهــا العالمــة إقبــال‪ ،‬وكان الفقــه الــذي يتبعــه بــكل الشــهود يوافــق فقــه العالمــة‪.‬‬

‫وهــذا كاف لنــا فيمــا يتعلــق ن ز‬


‫بم�لــة القائــد األعظــم إذ أقــر بنفســه أنــه جنــدي لإلســام ورســول اإلســام صــى هللا‬
‫عليــه وســلم‪.‬‬

‫والعلماني� فهم ن ز‬
‫م�لة القائد الروحانية وال عقيدته ومذهبه!‬ ‫ين‬ ‫ين‬
‫للمفرق�‬ ‫ال يمكن‬

‫*‬

‫‪239‬‬
240
‫الفصل الواحد والعشرين‬

‫‪AA‬‬

‫تقرير الحادي والعشرين من أغسطس عام ‪1947‬‬

‫اللي�اليــون والعلمانيــون خطــاب الحــادي عـ شـر مــن أغســطس ليدعــوا أنــه أراد بنــاء واليــة علمانيــة‪،‬‬
‫يســتغل ب‬
‫ولهــذا مــن الـ ضـروري أن نتحــدث عــن الخطــاب بشــكل مفصــل‪.‬‬

‫ـلم الهنــد فقــط بــل لألمــة اإلســامية جمعــاء والــذي‬ ‫لقــد فصلنــا ووضحنــا أن القائــد لــم يكــن مرشــدا لمسـ ي‬
‫دربــه وربــاه العالمــة إقبــال‪ ،‬إذا كان صاحــب الفكــر هــو العالمــة إقبــال فقــد كان القائــد األعظــم منفــذه‪ ،‬ال يجــوز‬
‫ـا� وأنــه أراد بنــاء رئاســة علمانيــة‪ ،‬هــذا كــذب وبـ ـهتــان‪ .‬تهاجــم روحانيــة ونظريــة‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫أن يتهــم بأنــه ال ديـ يـى أو علمـ ي‬
‫باكســتان بالشــكل نفســه الــذي هوجمــت بــه خارطــة باكســتان منــذ بنائهــا‪ ،‬لكــن علينــا أن نفهــم أن القائــد كان‬
‫العمــود الــذي يرفــع رصح باكســتان ونظريتهــا‪ ،‬وإذا هوجــم حجــر مــن حجــارة العمــود فســيهدم البنــاء‪ ،‬لهــذا‬
‫ف‬
‫اللي�اليــة والعلمانيــة عــى تحريــف الحقيقــة وتكــذب عــى القائــد باتهامــه برغبتــه ي� بنــاء‬ ‫الســبب تــر الطبقــة ب‬
‫ف‬ ‫ت‬ ‫ن‬
‫ـا�‪ ،‬ولكــن الحقيقــة أن القائــد لــم يعلــن لمــرة حــى باكســتان علمانيــة ي� أي مــن تقاريــره وخطاباتــه‪،‬‬ ‫رصح علمـ ي‬
‫وإنمــا أ كــد وأرص عــى أن باكســتان واليــة إســامية مســتقلة تتبــع نهــج القــرآن والســنة‪ ،‬وقــد تحدثنــا عــن إرادتــه‬
‫وإنجازاتــه بشــكل مفصــل بمــا يك ـف ي ‪.‬‬

‫ع� من أغســطس ‪١٩٤٧‬م لتعزز‬ ‫تقتبس الطبقة العلمانية والالدينية بعض المقتطفات من تقرير الحادي ش‬
‫ت‬
‫اتهاماتهــا‪ ،‬ويرفضــون االعــراف بــأي تقريــر وخطابــات يوضــح فيــه القائــد انتمــاءه اإلسـ ي‬
‫ـام ونظريــة باكســتان‪،‬‬
‫ولهــذا مــن الـ ضـروري أن نـ شـرح هــذه المقتطفــات ونــرد عــى مكــر هــؤالء عــن الرابطــة اإلســامية‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫ب ـق ي ثــاث أيــام عــى والدة باكســتان آنــذاك‪،‬‬
‫ـلم� تــرك منازلهــم والهجــرة‬ ‫وبــدأ آالف المسـ ي ن‬
‫لموطنهــم الجديــد‪ ،‬وكانــت الفتنــة تشــتد وتعــم‬
‫ف‬
‫بأولئــك المهاجريــن ي� نفــس الوقــت‪ ،‬سـ قـى‬
‫ـ� مســلم نباتــات المملكــة‬ ‫دم خمســة ماليـ ي ن‬
‫الجديــدة‪ ،‬ســافر مســلمو شــبه جزيــرة الهنــد‬
‫إىل المناطــق المحــددة لباكســتان والـ ت يـى أطلــق‬
‫وال�قيــة واآلن‬ ‫عليهــا الحقــا باكســتان الغربيــة ش‬
‫ف‬
‫أصبــح المســلمون الذيــن كانــوا أقويــاء ي� الهنــد‬
‫أقليــة صغـ يـرة ال حــول لهــا وال قــوة تعيــش‬
‫تحــت رحمــة الهنــدوس والســيخ‪ .‬اختلــف‬
‫ن ف‬
‫ـلم� ي� الهنــد كثـ يـرا‪ ،‬واأل كـ ثـر‬ ‫حــال المسـ ي‬
‫ـ� كانــت تجــري رصاعــات بـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫قســوة أنــه حـ ي ن‬
‫ن ف‬
‫ـلم� ي� الهنــد‪ ،‬كان الخــوف أن‬ ‫الهنــود والمسـ ي‬
‫ـلم� والســيخ‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫تضطــرب األحــوال بـ يـ� المسـ ي‬
‫ـ� تصــل أخبــار قتــل‬ ‫ف� باكســتان‪ ،‬خاصــة حـ ي ن‬
‫ن ف‬ ‫ي‬
‫ـلم� ي� ذاك المــكان‬ ‫وســفك دمــاء المسـ ي‬
‫لباكســتان يوميــا‪ .‬لــم تقمــع باكســتان أقلياتهــا‬
‫كمــا وقفــت لتمنــع كل مــن يحــاول ذلــك‪ ،‬لقــد‬
‫ف‬
‫كان هــذا تحديــا بــا شــك‪ .‬دب الخــوف ي�‬
‫ف‬
‫قلوب السيخ والهندوس ي� باكستان ورسعان‬
‫مــا بــدؤوا يهاجــرون للهنــد‪ ،‬ولهــذا كان مهمــا أن‬
‫ـ� باكســتان أقلياتهــا وتناقــش ترصفهــا مــع‬ ‫تطمـ ئ ن‬
‫األقليــات ف ي� العالــم كلــه ال الهنــد فقــط‪.‬‬

‫ولهــذا الســبب وضــح القائــد حــال األقليــات‬


‫ف‬
‫ي� باكســتان عــن طريــق خطاباتــه وتقاريــره‪،‬‬
‫خطــب القائــد بتقريريــن بينهمــا توقــف ثالثــة‬
‫ف‬
‫أيــام‪ .‬كان أولهمــا ي� ‪ ١١‬أغســطس ‪١٩٤٧‬‬
‫ف‬
‫واآلخــر ي� ‪ ١٤‬أغســطس ‪١٩٤٧‬م ‪ .‬كان‬
‫وي�حــان‬ ‫كالهمــا يتحدثــان عــن نفــس األشــياء ش‬
‫بعضهمــا اآلخــر‪ .‬ولهــذا ينظــر إليهمــا ك ـرأي‬
‫واحــد وال ـرأي الكامــل للقائــد األعظــم‪ ،‬إذ ال‬
‫يمكــن فهــم أحدهمــا دون اآلخــر‪ ،‬كمــا ال يمكــن‬
‫فصلهــم عــن حــال ذاك الوقــت لفهمهــم‪ ،‬حـ ي ن‬
‫ـ�‬
‫كانــت دولــة إســامية تواجــه تحديــا للحفــاظ‬
‫عــى أقلياتهــا وحمايتهــم‪.‬‬

‫ـ� اقتبســوا عــدة أســطر مــن‬ ‫لكــن العلمانيـ ي ن‬


‫ف‬ ‫الخطابـ ي ن‬
‫ـ� ليشــككوا ي� نوايــا القائــد بإقامــة‬

‫‪242‬‬
‫ـ� وغـ يـر المنطقيـ ي ن‬
‫ـ�‬ ‫باكســتان علمانيــة ال عالقــة لهــا بالديــن‪ ،‬وهــذه وجهــة نظــر أ كـ ثـر المغرضـ ي ن‬
‫ـ� والمنافقـ ي ن‬
‫لكلمــات خطابــه‪.‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ش�ح القائــد رأيــه بخصــوص أهــم المشــاكل ي� ذلــك الوقــت ي� الحقيقــة‪ ،‬ووضــح فيهــا حــوادث كبـ يـرة ال يناظرهــا‬
‫ف� التاري ـ ــخ ش�ء والـ تـى كانــت تعــاش ف� تلــك اللحظــات‪ ،‬لــم يقصــد القائــد هنــا ســن قوانـ ي ن‬
‫ـ� أو تغيـ يـر الدســتور‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫ن‬ ‫ف‬
‫�ء ي� اجتماعنــا اليــوم‪،‬‬ ‫وقــد تكلــم القائــد عــن ذلــك ي� بدايــة خطابــه حـ يـ� قــال‪ ”:‬ال يمكنـ يـى اإلعــان عــن أي ي‬
‫ولكنـ ن يـى أريــد أن أقــول بعــض األشــياء‪ “....‬ثــم بــدأ القائــد تقريــره والــذي لخصــت أهــم نقاطــه هنــا‪:‬‬

‫‪ -١‬يعيش مختلف الناس ف� شــبه جزيرة الهند بصورة ال يماثلها ش�ء ف� التاري ــخ‪ ،‬مما يجعل ي ن‬
‫تأم�‬ ‫ ‬
‫ي ي‬ ‫ي‬
‫حيــاة الجميــع ســببا لالرتقــاء‪.‬‬

‫‪ -٢‬ســأقول كالمــا نعرفــه منــذ األزل وال شــك أنكــم توافقونـ ن يـى فيــه أال وهــو أن إقامــة القانــون وتعميــم‬ ‫ ‬
‫األمــن فــرض عــى أي حكومــة‪ ،‬للحفــاظ عــى أرواح وأمــوال وأديــان المواطنـ ي ن‬
‫ـ�‪.‬‬
‫ف‬
‫ثم تحدث القائد عن أثر تقسيم شبه جزيرة الهند وأشار إىل مستقبل األقليات ي� الهند وباكستان‪،‬‬ ‫ ‬
‫ـ� الكراهيــة المضمــرة‬ ‫وقــال القائــد أن هــذا التحــدي هــو األول مــن نوعــه ف� التاري ـ ــخ‪ ،‬كمــا بـ ي ن‬
‫ـ� الفــرق بـ ي ن‬
‫ي‬
‫ـ�‪ ،‬ولهــذا فقــد أخـ بـر شــعبه أن ينســوا هــذه الكراهيــة ويركــزوا عــى‬ ‫ـلم� مــن الجانبـ ي ن‬
‫ـ� الهنــود والمسـ ي ن‬
‫بـ ي ن‬
‫بنــاء باكســتان اآلن‪ .‬لــم يقصــد القائــد طمأنــة األقليــات وحدهــم‪ ،‬بــل مختلــف القوميــات الـ ت يـى تأ� منهــا‬
‫مواطنــو باكســتان الذيــن يريــدون العيــش ســوية بســام‪ ،‬ولهــذا نصــح القــوم بوضــع الديــن واألصــل‬
‫واللغــة واألهــداف وكل مــا يختلفــون فيــه جانبــا‪ ،‬ولــو أننــا تأملنــا لالحظنــا أن القائــد كان يقــول هــذه‬
‫ـ� كانــت الفتنــة تعــم ف ي� الهنــد واألقليــات ف ي� باكســتان تعيــش ف ي� قلــق‪.‬‬ ‫الكلمــات حـ ي ن‬

‫وقــال القائــد‪ ...‬أعلــم أن الكثـ يـر ال يتفقــون مــع تقســيم البنغــال والبنجــاب‪ ،‬لقــد ســمعت الكثـ يـر ممــا‬ ‫ ‬
‫يقــال عــن ذلــك‪ ،‬لكــن بمــا أنــه قبــل بالتقســيم فــا بــد أن نتقبلــه ونســايره‪ ،‬كمــا قلــت‪ :‬غـ يـرت هــذه الثــورة‬
‫ـ� يكــون‬ ‫ـ� مفهــوم‪ ،‬خاصــة حـ ي ن‬ ‫شــبه جزيــرة الهنــد‪ ،‬ثــورة ال مثيــل لهــا ف� التاري ـ ــخ واالختــاف بـ ي ن‬
‫ـ� القومـ ي ن‬
‫ي‬ ‫أحدهــم ث‬
‫أك�يــة واآلخــر أقليــة‪.‬‬
‫ف‬
‫‪ -٣‬قــد ال تصــح النقطــة الـ ت يـى تنــص عــى قــدرة بعــض المناطــق ي� الهنــد المتحــدة عــى أن تصبــح‬ ‫ ‬
‫ـ� تحــت االســتعمار ألمكــن رفــع‬‫نقــاط رصاع‪ ،‬ولكــن الوقــت هــو مــا ســيقرر ذلــك‪ .‬إذا كانــت كال الدولتـ ي ن‬
‫مشــكلة األقليــات نوعــا مــا‪ ،‬ولكــن الحــل الوحيــد كان التقســيم‪ ،‬والســؤال اآلن هــو كيــف ســنترصف‬
‫ق‬
‫ـال؟ إذا أردنــا أن تــر� باكســتان لتصبــح دولــة عظيمــة فعلينــا أن نركــز عــى نجــاح‬ ‫مــع الوضــع الحـ ي‬
‫ـا� والــدوس‬ ‫ض‬
‫الشــعب وخصوصــا طبقــة الفق ـراء‪ ،‬إذا كنتــم مســتعدين للتعــاون ونســيان أحقــاد المـ ي‬
‫عــى االختالفــات بينكــم فســتنجحون‪.‬‬

‫إذا كنتــم ستنســون المـ ض‬


‫ـا� وتديــرون ظهركــم ألي اختــاف وعالقــة مــن لــون وأصــل ونســب وديــن‬ ‫ ‬
‫ت‬ ‫ي‬ ‫ت‬
‫ـال‪.‬‬
‫ل�كــزوا عــى نهضــة الرئاســة فســرقون لألعـ ي‬
‫‪ -٤‬مهمــا زدت ف� الحديــث عــن هــذا فـ نـإ� لــن أفيــه حقــه‪ ،‬علينــا أن نعمــل معــا كباكسـ ي ن‬
‫ـتاني� وب ـهــذا‬ ‫ ‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اختالفنــا ث‬
‫ـ� والشــيعة‬ ‫ـلم� أو حـ تـى بـ ي ن‬
‫ـ� البتهــان والبنجابيـ ي ن‬ ‫كأك�يــة وأقليــة أو هنــود ومسـ ي ن‬ ‫الشــكل فــإن‬

‫‪243‬‬
244
245
‫ـلم� والهمــن والويــش والكـ تـري و الهنــكال والمــدارس مــن الهنــود سـ ش‬
‫ـتتال� شــيئا‬ ‫والســنة مــن المسـ ي ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫فشــيئا ‪.‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫”أنتــم أح ـرار؛ أنتــم أح ـرار ي� الذهــاب لمعابدكــم‪ ،‬أنتــم أح ـرار ي� الذهــاب لمســاجدكم أو أي مــكان‬ ‫ ‬
‫للعبادة ف ي� والية باكستان‪ .‬لربما تنتمون ألي دين أو فريق أو جماعة‪ ،‬ال شأن لهذا بمسائل الوالية‪.‬‬
‫ه عليــه ف ي� الهنــد اليــوم‪.‬‬ ‫ف‬
‫كمــا تعرفــون‪ ،‬يشـ يـر التاريـ ـ ــخ إىل أن األحــوال ي� بريطانيــا كانــت أســوأ ن ممــا ي‬
‫ـا� مــن العنرصيــة والقمــع ضــد‬ ‫اســتهدف الكاثوليكيــون والمتظاهــرون بعضهــم‪ ،‬هنــاك واليــات تعـ ي‬
‫جماعــات معينــة حـ تـى يومنــا هــذا‪ .‬الحمــد هلل‪ ،‬نحــن لــم نبــدأ هــذه األيــام‪ ،‬إننــا نبــدأ أيامــا تخلــو مــن‬
‫ـ� فرقــة أو جماعــة واألخــرى‪ ،‬إننــا ننــص بهــذا‬ ‫ـ� مجتمــع وآخــر‪ ،‬ال عنرصيــة بـ ي ن‬ ‫العنرصيــة وال تفريــق بـ ي ن‬
‫ف‬
‫ـاس أننــا جميعــا مواطنــون متســاوون ي� نفــس الواليــة‪.‬‬ ‫المبــدأ األسـ ي‬
‫لــن يبـ قـى الهنــود هنــودا وال المســلمون مسـ ي ن‬
‫ـلم� مــع الوقــت‪ ،‬ليــس بالمعـ نـى الديـ ن يـى ألن ذلــك إيمــان‬ ‫ ‬
‫ـ� نفــس الواليــة‪“.‬‬‫الفــرد‪ ،‬بــل بالمعـ نـى الســياس حيــث نشــكل مواطنـ ي ن‬
‫ي‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫‪ -٥‬أنتــم أح ـرار؛ أنتــم أح ـرار ي� الذهــاب لمعابدكــم‪ ،‬أنتــم أح ـرار ي� الذهــاب لمســاجدكم أو أي مــكان‬ ‫ ‬
‫للعبادة ف ي� والية باكستان‪ .‬لربما تنتمون ألي دين أو فريق أو جماعة‪ ،‬ال شأن لهذا بمسائل الوالية‪.‬‬
‫ـاس أننــا جميعــا مواطنــون متســاوون ف ي� نفــس الواليــة‪.‬‬
‫أننــا نبــدأ بهــذا المبــدأ األسـ ي‬
‫لــن يبـ قـى الهنــود هنــودا وال المســلمون مسـ ي ن‬
‫ـلم� مــع الوقــت‪ .‬ليــس بالمعـ نـى الديـ ن يـى ألن ذلــك إيمــان الفــرد‪ .‬بــل‬
‫بالمعـ نـى الســياس حيــث نشــكل مواطنـ ي ن‬
‫ـ� نفــس الواليــة‪.‬‬ ‫ي‬
‫ن‬ ‫ن‬
‫ركــزوا اآلن‪ ،‬كيــف يم فكــن أن تعـ يـى النقطــة ‪ ٥‬أن باكســتان علمانيــة‪ .‬لــم يســتخدم فالقائــد لفــظ علمـ ي‬
‫ـا� طيلــة‬
‫ش‬ ‫ن‬
‫عمــره‪ ،‬بــل اســتخدم ي� تقاريــره قوانـ يـ� اإلســام وكلمــات القــرآن والســنة وال�يعــة ي� تنفيــذ دســتور باكســتان‪.‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫بعــد ثــاث أيــام مــن هــذا الخطــاب وضــح القائــد مجــددا رأيــه عــن األقليــات ي� واليــة إســامية ي� جلســة ح�ض هــا‬
‫ـ� أن يقــف القائــد كملــك عــى الرئاســة لكنهــم هــم مــن ســيتكفلون‬ ‫ـ�‪ .‬عــرض ماونــت بيـ ت ن‬ ‫اللــورد ماونــت بيـ ت ن‬
‫بــاإلدارة والتســامح بـ ي ن‬
‫ـ� المذاهــب‪.‬‬

‫بالمسلم� العظماء ورفع ن ز‬


‫م�لة قومه‪:‬‬ ‫ين‬ ‫فرد القائد مستشهدا بالسنة النبوية ض‬
‫و�ب األمثلة‬

‫”أتمنى أن أخبرك أننا نحترم خدمات الحكومة ومن يمثلونها وفي قواتهم المسلحة ممن تطوعوا‬
‫عن نية حسنة لخدمة باكستان‪ .‬كخادمي باكستان‪ ،‬علينا أن نجعلهم سعداء ونعاملهم بتساو‬
‫مع ذوي جنسيتنا‪ ،‬إن صبر وحسن نية األمبراطور العظيم أكبر مع غير المسلمين ليست جديدة‪،‬‬
‫بل تعود لما قبل ‪ ١٣٠٠‬سنة حين تعامل الرسول مع اليهود والمسيحيين بالعمل والكلمات‬
‫خيرا بعد أن غزاهم‪ ،‬لقد أظهر لهم احتراما ومساواة ال مثيل لها في دينهم وإيمانهم‪ ،‬يحكي تاريخ‬
‫المسلمين أينما حكموا عن إنسانيتهم ومبادئهم العظيمة التي يفترض أن تتبع وتنفذ من‬
‫قبلنا‪“.‬‬

‫__________________‬

‫‪246‬‬
‫ش‬
‫ات� عام ‪١٩٤٨‬م‪:‬‬ ‫ن ف‬ ‫ف‬
‫المحام� ي� كر ي‬
‫ي‬ ‫ورفض القائد العرض مجددا ي� نقابة‬

‫”(وفقا لدستور الشريعة اإلسالمية في باكستان) فإنني ال أفهم منطق هؤالء المغررين الذي‬
‫ينشرون الفساد واإلشاعات بأن باكستان لن تبنى على أي شريعة‪ ،‬يمكن أن تطبق قواعد‬
‫اإلسالم حتى في يومنا هذا كما كانت قبل ‪ ١٣٠٠‬سنة‪ .‬تعالوا‪ ،‬سنبني دستور باكستان وفقا لها‬
‫ونشهد العالم على ذلك‪“.‬‬

‫ين‬ ‫ف‬ ‫علما� بعدما قاله؟ ف� ي ن‬


‫ن‬
‫قوان� القرآن والسنة‬ ‫ح� أنه يرغب ي� تطبيق‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫كيف يمكن أن يطلق عىل القائد أنه‬
‫كما كانت قبل ‪ ١٣٠٠‬سنة؟‬
‫ف‬ ‫ـ� والعلمانيـ ي ن‬
‫اللي�الـ ي ن‬
‫ـ� بإشــاعة هــذه االتهامــات عــن تقريــر القائــد ي� ‪ ١١‬أغســطس وأنــه‬ ‫بــدأ بعــض المغرريــن مــن ب‬
‫ف‬ ‫ش‬ ‫ن‬
‫ـا� مجــددا اليــوم‪ ،‬لكــن القائــد تعامــل بقســوة مــع هــذه الجماعــة مــن قبــل بت�يـ ـ ــع إدارة ي� أخبــار داون‬ ‫علمـ ي‬
‫ف‬ ‫يز‬
‫اإلنجل�يــة وقــد بــدأت االدارة عملهــا ي� ‪ ٢٦‬اغســطس ‪١٩٤٧‬م‪ ،‬وقــد دفنــت هــذه اإلدارة أي محــاوالت التهــام‬
‫تقريــر القائــد بالعلمانيــة‪ .‬كان اســم اإلدارة ”الدعايــات غـ يـر الصحيحــة“ وقــد وضحــت أن مــن يحــرك معــان غـ يـر‬
‫حقيقيــة مــن تقريــر القائــد ينــوي نـ شـر الفســاد والتشــكيك كمــا يحــدث اليــوم‪.‬‬

‫‪247‬‬
248
‫كتبت داون تقريرها بهذا الشكل ف ي� ‪ ٢٦‬اغسس ‪١٩٤٧‬م‪:‬‬

‫”عندما أعلن جناح ذلك في الوقت‪ ،‬الهنود لن يعودوا هنودا والمسلمون لن يعودوا مسلمين‬
‫بعد اآلن‪ ،‬ليس بالمعنى الديني بل بالمعنى السياسي‪ ،‬لقد قصد أن الهنود وأي فئة ليست‬
‫مسلمة لن تمنع عن المشاركة في إدارة باكستان‪ ،‬كما لن تتعرض للعنصرية من القانون ولن‬
‫تعاني اقتصاديا كذلك‪“.‬‬
‫ف‬
‫يتضــح مــن تقريــر الفجــر أن البعــض اســتخدم تقريــر ‪ ١١‬اغســطس للقائــد باتهامــه وباكســتان بالعلمانيــة ي�‬
‫ف‬
‫خطــة للعــب بنظريــة باكســتان‪ ،‬وكمــا قيــل ي� الصفحــات ســابقا‪ ،‬فقــد أقــر القائــد ببنــاء باكســتان واليــة إســامية‬
‫ـ� كل تلــك التقاريــر أن تســتخدم عــدة أســطر‬ ‫ال�يعــة طبقــا للقــرآن والســنة ف� مئــات التقاريــر‪ ،‬ومــن بـ ي ن‬ ‫تتبــع ش‬
‫ف‬ ‫ي‬
‫وجمــل مــن تقريــر ‪ ١١‬أغســطس هــو بــا شــك خيانــة لألمانــة وتحويــر للحقائــق‪ .‬ال شــك ي� أن باكســتان بنيــت‬
‫ال�يعــة حقيقــة‪ ،‬وقــد تحدثنــا عــن‬ ‫ـ� ش‬ ‫ـ� ســعيا خلــف تنفيــذ قوانـ ي ن‬ ‫عــى أســس نظريــة باكســتان ونظريــة القوميتـ ي ن‬
‫ذلــك بالتفصيــل ف ي� األبــواب الســابقة‪.‬‬

‫‪249‬‬
250
‫الفصل الثاني والعشرين‬

‫‪AA‬‬

‫أهداف ومقاصد الدستور‬

‫أ فمــر القائــد األعظــم بمحكمــة إعــادة بنــاء الفكــر اإلسـ ي‬


‫ـام بقيــادة العالمــة محمــد أســد بعــد قيــام باكســتان فــورا‬
‫ي� ســبيل إنشــاء واليــة إســامية مســتقلة‪ .‬رســم العالمــة خطــة كاملــة وشــاملة بتفاصيلهــا لتحقيــق ذلــك‪،‬‬
‫وأخــذ رئيــس الــوزراء لياقــت عـ يـ� خــان مســؤولية المهمــة بعــد وفــاة القائــد ورسعــان مــا رشــح دســتورا إســاميا‬
‫ف‬
‫ي� المجلــس لمراجعتــه‪ .‬كان لياقــت عـ يـ� خــان تلميــذا للقائــد وحاميــا لنظريــة باكســتان‪ ،‬وكان يفهــم عــبء‬
‫ال� سيسـ يـر عليها شــباب‬ ‫ت‬ ‫يز‬
‫تجه� النظريات والعقائد ي‬ ‫المســؤولية وأهميتها كونه رئيس الوزراء األول وأن عليه‬
‫ن‬ ‫األجيــال القادمــة‪ ،‬ومــن جانــب آخــر حـ ي ن‬
‫ـ� دفــع اليهــود الماليـ يـ� لــه ليصــدق بوجــود إرسائيــل كان جوابــه جملــة‬
‫تاريخية شلت اليهود‪:‬‬

‫”أيها السادة المحترمون‪ ،‬أرواحنا ليست للبيع‪“.‬‬

‫‪251‬‬
‫ـام‬‫أصبحــت باكســتان العــدو األ كـ بـر بســبب رفــض لياقــت عـ يـ� خــان اإلق ـر فار بارسائيــل وتنفيــذه فلدســتور إسـ ي‬
‫بجعــل باكســتان دولــة إســامية‪ ،‬ولهــذا الســبب اغتيــل لياقــت عـ يـ� خــان ي� إحــدى الجلســات ي� راولبنــدي عــام‬
‫وا� الــذي كان يرتديــه بعــد شــهادته وجــدوه يرتــدي مالبــس متهالكــة تحتــه‪ ،‬كمــا‬ ‫‪١٩٥١‬م‪ .‬عندمــا فتــح الشــر ن‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫لــم يكــن يملــك كثـ يـرا مــن المــال ي� حســابه ي� البنــك حـ تـى يســتطيعوا غســله ودفنــه‪ ،‬فقــد رصف كل أموالــه عــى‬
‫باكســتان تمامــا مثــل القائــد األعظــم مــن قبلــه‪.‬‬

‫هــذه الق ـرارات والمــواد جــزء مــن دســتور باكســتان اليــوم‪ ،‬وســتب�ق باكســتان واليــة إســامية مســتقلة ليــوم‬
‫القيامــة ال تدنســها نظريــة ال دينيــة وال تحــاك ضــد قوانينهــا المبنيــة عــى القــرآن والســنة التغيـ يـرات‪.‬‬

‫___________________‬
‫ف‬
‫ال�لمان لصياغة الدستور ي� ‪ 12‬من مارس ‪1949‬‬
‫جلسة ب‬

‫القرارات والمواد‬

‫تعمل القرارات الباكستانية عىل هذه المبادئ‪:‬‬

‫• الحاكــم المطلــق عــى كل الكائنــات هــو اهــرس وحــده ومــن ثــم األحــكام الـ ت يـى أعطاهــا لباكســتان عــى‬ ‫ ‬
‫شــعبها ليمارســوها تكــون ضمــن حــدود حددهــا هــو‪.‬‬

‫• عىل مجلس الدستور أن يمثل الشعب‪ ،‬وينص دستورا يجعلها والية مستقلة حاكمة‪.‬‬ ‫ ‬

‫• ستمارس الوالية سلطتها وحكمها عن طريق رجال مختارين ليمثلوا الشعب‪.‬‬ ‫ ‬

‫والص� والعدل ي ن‬
‫ب� الناس بما يطابق اإلسالم‪.‬‬ ‫ب‬ ‫• ستتبع مبادئ الديموقراطية والحرية والمساواة‬ ‫ ‬

‫ـتقل� أو مجتمعـ ي ن‬
‫ـ� بمــا يوافــق تعاليــم‬ ‫• يجــب أن يعــى المســلمون الحريــة لتقريــر حياتهــم مسـ ي ن‬ ‫ ‬
‫اإلســام ومتطلباتــه مــن القــرآن والســنة‪.‬‬

‫• يجب أن تعىط األقليات الحرية ليمارسوا حياتهم ويتبعوا دينهم ومجتمعهم‪.‬‬ ‫ ‬

‫• ستكون باكستان اتحادا بوحدات مستقلة‪.‬‬ ‫ ‬


‫ف‬
‫• يجب أن تحفظ الحقوق‪ ،‬وتشمل مساواة الحال ي� الفرص وأمام القانون والمجتمع واالقتصاد‬ ‫ ‬
‫ـياس باإلضافــة لحريــة التفكـ يـر والتعبـ يـر واإليمــان والديــن والعبــادة واالنتمــاء‪.‬‬
‫والعــدل السـ ي‬
‫• يجب أن توفر الحماية لمطالب األقليات والفقراء والطبقات المنخفضة‪.‬‬ ‫ ‬

‫‪252‬‬
‫• يجب أن تب�ق المحاكم مستقلة‬ ‫ ‬

‫• بجــب أن يحافــظ عــى اتحــاد كل المناطــق المحكومــة واســتقاللها وحقوقهــا ممــا يشــمل حــق‬ ‫ ‬
‫الحكــم عــى األرض والبحــر ولجــو‪.‬‬

‫ـ� شــعوب العالــم وأن‬ ‫ن‬


‫ـتا� ان يحصلــوا عــى مكانتهــم الـ تـى يســتحقونها بـ ي ن‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫وذلــك حـ فـى يمكــن للشــعب الباكسـ ي‬
‫ش‬
‫ـ� ويزيــدوا مــن ســعادة الب�يــة‪.‬‬
‫يشــاركوا ي� األمــن العالـ ي‬

‫____________________‬

‫تقرير رئيس الوزراء لياقت علي خان بما يخص القرارات والمواد‬

‫ف‬
‫ناقــش لياقــت عـ يـ� خــان التقريــر قبــل اإلعــان عــن المــواد‪ ،‬ويعتـ بـر تقريــره مــن أهــم وأشــهر التقاريــر ي� تاريـ ـ ــخ‬
‫باكســتان أيضــا‪ ،‬لــم يقـرأ أحدهــم قـرارات دولتــه بالشــكل الجميــل الــذي وضــح فيــه رئيــس الــوزراء ذو الشــخصية‬
‫ف‬ ‫نز‬
‫والم�لــة وحـ تـى ي� التاري ـ ــخ اإلســامية كمــا فعــل لياقــت عـ يـ� خــان‪ .‬إن تقريــره جــزء مــن تاريخنــا ومثــال‬ ‫والحضــور‬
‫و�ح لحالنــا ومســتقبل جديــد!‬ ‫لثقافتنــا ومذكـرات عــن ماضينــا ش‬

‫ين‬
‫بمالي� األرواح لننعم بهذه األرض الطاهرة‪.‬‬ ‫ستعرف أجيالنا القادمة بقراءتهم لهذا التقرير سبب تضحيتنا‬

‫____________________‬

‫ال�لمان ف ي� ‪ ١٢‬مارس ‪١٩٤٩‬م‪:‬‬ ‫ف‬


‫عل خان ليتحدث عن القرارات والمواد ي� جلسة ب‬
‫التقرير الذي قرأه لياقت ي‬

‫أيها الرؤساء المحترمون! إنني أتخيل هذا الوقت المهم في حياة هذه الدولة‪ ،‬بل األهم بعد‬
‫حصول الدولة على حريتها‪ ،‬فبحصولنا على الحرية حصلنا على الفرص لنبني نظام حياتنا ودولتنا‬
‫بناء على ما نريده‪ .‬أذكر الحضور الكرام أن أب الشعب القائد األعظم قد أظهر أفكاره وتوقعاته‬
‫ورغباته في عدة مواقف كما وضح للشعب ما يتوقعه‪ ،‬بنيت باكستان حتى يستطيع المسلمون‬
‫في شبه جزيرة الهند أن يمارسوا حياتهم ودينهم وفقا لمعتقداتهم ألنهم يريدون أن يثبتوا‬
‫للعالم أن اإلسالم شفاء من أخبث األمراض التي تخيف اإلنسانية‪.‬‬

‫والحقيقة أن سبب هذه المشاكل هو النظرة المادية للحياة التي فشلنا في اتباعها‪ ،‬هذه النظرة‬
‫التي خلقت برفقة االختراعات العلمية‪ ،‬فهي ال تحاول تدمير الحياة االجتماعية فحسب‪ ،‬بل تعرض‬
‫بيئتنا المادية لألخطار‪ ،‬كما أنها حقيقة أخرى أن اإلنسان إذا غض بصره عن الحياة الروحانية‬
‫وضعف ايمانه باهلل فهذا أخطر بأضعاف عن سابقه‪ .‬االيمان باهلل هو المنفذ الوحيد لإلنسانية‪،‬‬
‫مما يعني أن القوة واالختيار المعطيان لإلنسان يلزم استخدامها في المجال االخالقي ومختلف‬
‫المذاهب‪ .‬كباكستانيين فإننا ندرك أن غالبيتنا مسلمين كما نصدق أننا على استطاعة أن نتبع‬
‫اعتقاداتنا الخاصة ونحسن الحياة عن طريقها‪ .‬أيها الرؤساء المحترمون! لهذا أنتم ترون أن أول‬

‫‪253‬‬
254
255
‫قرار يشير إلى الحقيقة غير المبهمة والمتفق عليها من كل طرف في ذات هللا‪ ،‬إنها لحقيقة أن هذا‬
‫القرار يعارض نظرة الميكافيليين الذين يرون إدارة الحكم ال عالقة له بالروحانية أو األخالق‪ ،‬ولهذا‬
‫يشاع عنهم أنهم يقولون أن السياسة جيدة وليست سيئة‪ .‬لكننا سكان باكستان نصدق أننا‬
‫نستطيع العيش والحياة متبعين تعاليم اإلسالم وقواعده حتى ال تستعمل السلطة بشكل‬
‫خاطئ‪ .‬إن هذه الخيارات مسؤولية من هللا نحملها على عاتقتا لنخدم االنسانية فال تصبح وسيلة‬
‫لالستبداد‪ ،‬ولهذا سأصرف نظركم الى هذه النقطة أنه ليس من حق الملك والحاكم أن يقرر‬
‫حياتكم‪ ،‬فطبقا لقراراتنا المتبعة لقواعد اإلسالم أنه يجب تقبل أن الشعب هو من يقرر خياراته‬
‫ومن سينفذ الخيار‪.‬‬

‫ولهذا ذكر في القرارات أن أيا ما ستفعله الوالية ومن سيفعله سيكون بانتخاب ورغبة الشعب‪،‬‬
‫هذه روح الجمهورية االصلية‪ ،‬إذ سيسلم الشعب پأي اختيار ولن يخشوا من استعمال هذه‬
‫الخيارات‪.‬‬

‫أيها السادة! لقد قلت للتو أن الشعب هم أصحاب القرار‪ ،‬إن هذا سينهي أي خصومة أو غضب على‬
‫حكم الكهنة (الثيوقراطية)‪ ،‬إنها لحقيقة أنها حكومة تعتي حكومة هللا‪ ،‬ولهذا فإن كل الكائنات‬
‫خاضعة لحكمه إذ ال حاكم عليهم غيره‪ ،‬أما بالمعنى االصطالحي فهي الحكم المسيحي وتنفيذ‬
‫القرارات اتباعا لدينهم‪ .‬ال حاجة ألن اقول أن هذا التصور جديد بالكامل في اإلسالم‪ ،‬ال يعترف‬
‫االسالم بالباباوية أو الحكم المسيحي‪ ،‬ولهذا ال يولد سؤال الحكم في اإلسالم‪ ،‬إذا كان بعض الناس‬
‫ال زالوا يقرنون مصطلح الحكم المسيحي بباكستان فإما هم مبتلون بسوء فهم شديد أو أنهم‬
‫مشغولون بحياكة الفخاخ الغادرة‪.‬‬

‫أيها السادة! ستالحظون أن القرارات تنص على الحرية والمساواة واالمانة والعدل وغيرها‬
‫ووضح في الدستور أنه سيكون وفقا لتعاليم االسالم‪ .‬ال بد من شرح هذه المصطلحات أكثر ألنها‬
‫تستخدم في مفاهيم معقدة‪ ،‬كمثال فإن الروس والغرب يدعون أن أنظمة حكوماتهم جمهورية‬
‫رغم االختالف الشديد بينهم‪ ،‬لهذا ال بد من شرح هذه المصطلحات‪ .‬عندما نستخدم كلمة‬
‫الجمهورية بالمعنى االسالمي فإننا نحيط بجميع ميادين حياتنا؛ فهي تتعلق بحياتنا االجتماعية‬
‫وحكومتنا في اآلن ذاته إلن اإلسالم ينص على المساواة بين الجميع‪ ،‬ال يفرق اإلسالم بين أحد‬
‫بناء على لونه أو أصله‪ ،‬حتى أنهه بقي طاهرا من هذه العصبية في وقت ذبوله رغم انتشارها بين‬
‫الناس في هذا الزمان‪ .‬لقد سجلنا رقما قياسي في تسامحنا في حين لم تهنأ أي أقلية حول العالم‬
‫في القرون الوسطى بالحرية كما يسر لها في الممالك االسالمية‪ .‬عندما اختلفت وجهات نظر‬
‫المسلمين والمسيحيين قام المسيحيون بجعل المسلمين مثاال ومنعوهم من بيوتهم كما‬
‫عوملوا كالحيوانات أو أحرقوا كالمجرمين‪ ،‬في حين ال يحرق المجرمون أصال عند المسلمين‪ .‬لقد‬
‫حذر االسالم من ضرب األمثلة في االنتقام أو اإلجبار على ترك البيوت‪ ،‬وإنها لحقيقة أنه حين طرد‬
‫اليهود من العديد من الدول استقبلتهم الدولة العثمانية‪ ،‬ومن األدلة على تسامح المسلمين‬
‫أنه ال وجود لملك يمنع األقليات في اتباع اديانهم وثقافاتهم‪ ،‬ومن األدلة أنه حين حرم المسلمون‬
‫من حقوقهم في شبه جزيرة الهند كانت حقوق األقليات األخرى بأمان‪ .‬أيها السادة! إنني أخبركم‬
‫أنها لنعمة على المسلمين معرفتهم للعديد من اللغات‪ .‬أصدقاؤنا من البنغال سيتذكرون أن‬
‫من منافع الحكام المسلمين ترجمة الكتب الدينية الى البنغالية‪ .‬هذا هو التسامح الذي يدعو‬
‫اإلسالم إليه‪ ،‬فال تؤذى األقليات بل تحترم وتعطى الفرصة لزيادة ثقافتها من كل جانب حتى‬
‫يساعدوا في رقي الشعب‪ .‬أيها السادة! سأخبركم عن دور اإلسالم في نشر العدل‪ ،‬يعطي االسالم‬

‫‪256‬‬
‫صورة اجتماعية ال يعني فيها العدل الصدقة أو‬
‫الخيرات من الناس وال ضبط المجتمع‪ ،‬بل عدله في‬
‫أن يعطى أي إنسان كامل الضمانة ليبقى غير محتاج‪.‬‬
‫وهكذا كنا قد شرحنا هذه النقاط الداخلة ضمن‬
‫الجمهورية كما قلنا من قبل‪.‬‬

‫ذكر في الشق التالي من القرارات أن يعطى المسلمون‬


‫الحرية للسير في حياتهم بحرية ما دامت توافق‬
‫القرآن والسنة‪ ،‬إذا كان المسلمون يعيشون حياتهم‬
‫طبقا لدينهم فلن يعترض أحد‪ .‬أيها الرؤساء الكرام!‬
‫ستالحظون أننا أيضا ال نريد أن يرى الدين سببا‬
‫للحصول على الدولة فقط حيث أن تصرفا كهذا غير‬
‫مقبول من الرئاسة حيث تفعل عكس ما طالبت‬
‫به لتبني صرحها على أسسه‪ .‬ال بد أنكم تعرفون أن‬
‫القائد والرابطة اإلسالمية وضحوا دائما أن المسلمين‬
‫على استعاد على حمل عبء االسالم إذا ما طالبوا به‪،‬‬
‫وقد أصروا على أن اإلسالم ليس عالقة بين الخالق‬
‫وعبده فقط‪ ،‬بحيث ال تؤثر على السياسة أبدا‪ ،‬بل‬
‫إنه خطة حياتية نعمل عليها طبقا لتعاليم ومسائل‬
‫اجتماعية نواجهها في حياتنا‪ ،‬اإلسالم ليس اعتقادات‬
‫وخطة عمل فقط‪ ،‬بل يتوقع من العاملين عليه أن‬
‫يعيشوا حياة مثالية مثل اليونان لكن الفرق أن‬
‫اإلسالم يعطينا حياة جيدا بناء على الروحانية‪ ،‬والبد‬
‫من استخدام هذه الروحانية في كتابة القوانين طبقا‬
‫لتعاليم االسالم ليقام نظام جديد ممتاز‪ .‬إنني أقول‬
‫هذه األمور للتوضيح فقط؛ ألنها ليست بمنزلة تعاليم‬
‫القرآن والسنة‪ ،‬ال يوجد مسلم ال يصدق بكالم هللا‬
‫ورسوله‪ ،‬فال يوجد مسلمون يشككون في ذلك وال‬
‫حتى فرق‪ ،‬لهذا ال يجب أن يساء فهم باكستان من أي‬
‫طرف كما قد يفعل أقلياتها‪ .‬إننا نهدف إلقامة رئاسة‬
‫ال تتأثر باختالف الرأي ولكن هذا ال يعني أن عليهم‬
‫اتباع آراء أي من فرق المسلمين‪ ،‬ال يحق ألي فرقة أن‬
‫تفرض أفكارها على األخرى وستعطى كل فرقة الحرية‬
‫في أفكارها ومعامالتها‪ .‬األصل أننا نتمنى من جميع‬
‫الفرق أن تعمل بحديث رسول هللا الذي ينص على أن‬
‫االختالف باعث على الرحمة‪ .‬اجعلوا من اختالفاتكم‬
‫مصدر قوة لباكستان وتقويتها وال تجعلوها سببا‬
‫إلضعاف اإلسالم فهذه مسؤوليتنا االن‪ .‬لطالما كانت‬
‫االختالفات سببا للرقي أكثر‪ ،‬لكن احذروا من جعل‬
‫االختالفات سببا لجهلكم بخدمات اإلسالم‪ ،‬إذ من‬
‫‪257‬‬
‫لياقت علي خان أثناء قراءته للفاتحة على قبر القائد األعظم‬

‫‪258‬‬
‫الواضح أن هذه كانت الفرصة التي واتت المسلمين ليتخلصوا من العبودية ليثبتوا للعالم أن‬
‫اإلنسان ليس قوة للرقي بل شفاء لكل األمراض التي ال عالج لها‪.‬‬

‫لم نتطرق لحقوق غير المسلمين حين كنا نتكلم عن الحقوق االسالمية ومن غير اإلسالمي أن‬
‫نفرض الحقوق على األقليات‪ .‬وهكذا فإننا نرتكب آثاما تنافي ديننا‪ .‬قوموا واعملوا على مذاهبكم‬
‫وثقافتكم فلن يمنعكم أحد‪ .‬يخبرنا تاريخنا أن االقليات كانوا يمارسون الحرية في اتباع اديانهم‬
‫وثقافاتهم‪ ،‬وهذه من أهم الصفات من ميراثنا العظيم لنعمل به‪ .‬إنني أؤكد لألقليات أننا نثق أننا‬
‫إذا تعاونا سويا فهذا سيكون سببا لرقي دولتنا‪ ،‬ولهذا ال نتوقع أن تمارس األقليات حريتها فقط‪،‬‬
‫بل أن تقر األكثرية بهذا كما حدث مع من قبلنا‪.‬‬

‫أيها السادة! ذكر في القرارات أن توضع خطة الحكومة بما يناسب الخريطة‪ .‬حين تفصل مسافة‬
‫ألف ميل بين جزئي دولتنا فال فائدة من التفكير بحكم واحد‪ .‬ولهذا أتمنى من أصحاب الدستور‬
‫أن يعملوا سويا حتى نظل قوما متحدين ويدا واحدة‪ .‬لقد أردت دوما أن أحمي إحساس المناطق‬
‫لكنني سأوضح أنني لست داعيا لقومية واحدة‪ .‬إنني أثق أن كل مناطق باكستان ستلعب دورا‬
‫في تلوين حياة شعبنا‪ ،‬وحتى أوضح أن أي شيء يضعف من اتحاد قومنا وتماسكه مرفوض‬
‫ولتنفذ مشار�يع لزيادة الرابطة بين شعبنا‪ .‬ولهذا فإن على أسياد مجلس الدستور أن يفكروا‬
‫ويتعاونوا بأفضل طريقة مع التقسيم ويزبدوا في توحدنا ‪.‬‬

‫أيها الرؤساء الكرام! لقد تحدثنا عن بعض الحقوق األساسية لكنني أؤكد لكم أننا لن نأخذ من‬
‫يد لنعطي األخرى‪ .‬لقد قلت الكثير ألظهر ذلك في كوننا نريد إنشاء حكومة حرة بالشكل الصحيح‬
‫يكون فيها كل فرد أكثر حرية‪ .‬قانونيا علينا أن نكون واحدا لكن هذا ال يعني أن تمنع كل فرقة من‬
‫اتباع دينها ومذهبها‪ .‬إننا نؤمن بالعدل والمساواة‪ ،‬هذا اعتقادنا األساسي وقد قلنا في كثير من‬
‫المواقف أننا لن ننحاز للطبقة الغنية مهما كان السبب‪ .‬إننا نريد بناء دولة طبقا لإلسالم حيث‬
‫تقسم الدولة والحاجة بما تنص عليه الضرورة‪ .‬ستكون باكستان خاتم كل سبب يؤدي لعرقلة‬
‫الحياة من الفقر والحاجة وغيرها‪ .‬يعاني غالب شعبنا من الفقر والحاجة في هذا الوقت‪ ،‬فعلينا أن‬
‫نخرجهم من ذلك الكهف ونخلع عنهم قيود الجهل‪ ،‬سيكون لكل فرد الحق إلبداء رأيه في المبادئ‬
‫ومعامالت الرئاسة واالنتخاب حتى يساعدوا في النهضة‪ .‬ملخص الكالم أننا نبغي بناء نظام على‬
‫أسس الحرية والرقي والعدل‪ .‬إننا نريد ازالة االمتيازات لكن ليس لنضر بكم أو نقيد فكركم وما‬
‫يجوز لكم قانونيا‪.‬‬

‫أيها السادة المحترمون! هناك حقوق وفوائد كثيرة حتى لألقليات المترددة‪ .‬هذا ما يؤكد عليه‬
‫القرار‪ ،‬ونخص أن الطبقة المنخفضة والفقيرة بأمس الحاجة لنا‪ .‬وكلنا على إدراك إنهم ليسوا‬
‫قادرين على تحمل أي خطأ في حقهم في هذه الحال‪ .‬كما أنها حقيقة أننا لسنا المسؤولين عن‬
‫حالهم الحالية‪ .‬ولكنهم اآلن جزء من شعبنا وواجب علينا أن نساعدهم ونبذل جهدنا في ذلك‬
‫حتى يصبحوا قادرين على حمل المسؤولية ومساعدتنا في الرقي بالدولة‪ .‬وعلى من هم أفضل‬
‫حاال أن يشاركونا في ذلك‪ .‬إننا على علم أن الرئاسة لن تترقى ما دام هناك طبقات تعاني فيها لذا ال‬
‫بد من النظر في مشاكلهم‪.‬‬

‫أيها الرؤساء الكرام! أقول في الختام إننا نؤمن بان األصول التي وضع الدستور طبقا لها ستمكن‬
‫باكستان من الرقي بنفسها وأن اليوم الذي تفخر فيه باكستان بشعبها دون تحيز ليس‬

‫‪259‬‬
‫‪260‬‬
‫قائد األمة لياقت علي خان أثناء خطابه األخير في راولبندي‬
‫ببعيد‪ .‬إننا نؤمن أن شعبنا يملكون القدرات المطلوبة‪ .‬فقد أبهروا العالم بحسن تنظيمهم‬
‫وانضباطهم‪ ،‬بتضحياتهم وانجازاتهم في خضم المصيبة الحقيقية‪ .‬إنني أثق أن شعبا كهذا ليس‬
‫له الحق في العيش حرا بعزة وكرامة فقط‪ ،‬بل إنهم قادرون على النجاح في الحياة‪ .‬وال شك أن‬
‫عليهم الحفاظ على روحهم المضحية وعزيمتهم وسيقدر لهم أن يسيروا في الحياة بوقار وتكتب‬
‫أسماؤهم في التاريخ فال تزول‪ .‬أيها السادة! إن هذا الشعب أمين على حكايات وانتصارات شتى؛‬
‫إن تاريخهم مملوء باإلنجازات؛ وستحكى الحكايا عن تنظيمهم الذي أدى لفوزهم؛ وليس لفنهم‬
‫في الشعر والعمارة والحس الجمالي مثيل‪ ،‬كما منزلتهم في الروحانية عظيمة‪ .‬هؤالء هم القوم‬
‫الذين قاموا ذات مرة فكسبوا مكانا يناسبهم وسجلوا رقما قياسيا جديدا في الفوز‪ .‬إن قراراتنا‬
‫تصب في مصلحة القوم إليقاظهم‪ .‬نحن الذين أنعم علينا بصفات مكنتنا مما ال يمكن عمله فلم‬
‫قد يكون مستحيال علينا في موقف جلس فيه أكابر القوم مستسلمين أن نتحرك‪ .‬تعالوا نتعلم‬
‫من هذه المواقف وال أشك للحظة أن محاوالتكم العظيمة وعزيمتكم التي أوصلتنا لباكستان‪،‬‬
‫ستنهال علينا البشائر بشكل ال نتوقعه‪ .‬ال تأتي الفرصة كل مرة للشعوب؛ كما ال يقف الشعب كل‬
‫مرة بنفسه؛ كما ال يحدث كل يوم أن يقف الضعفاء والعبيد لينعموا بمستقبل جميل كهذا‪ .‬هذا‬
‫خيط من الضوء نسلمه في شكل قراراتنا‪.‬‬

‫‪261‬‬
262
‫الفصل الثالث والعشرين‬

‫‪AA‬‬

‫النشيد الوطني‬

‫ف‬
‫للنشــيد الوطـ ن يـى أهميــة كبـ يـرة برفقــة العلــم ي� دول العــر الجديــد‪ .‬كان القائــد حساســا جــدا فيمــا يخــص هــذه‬
‫المســألة‪ ،‬فأمــر ح�ض تــه بتجهـ ي زـ� نشــيد وطـ ن يـى لباكســتان‪ ،‬لكــن المشــاكل الـ ت يـى خرجــت للنــور بعــد والدة باكســتان‬
‫لــم تبــق مكانــا للتفكـ يـر بالنشــيد الوطـ ن يـى لفـ تـرة‪ .‬عندمــا أوجــدت باكســتان لــم يكــن لهــا نشــيد وطـ ن يـى‪ ،‬ولهــذا رفعــت‬
‫ف‬ ‫ق‬
‫أصــوات تنــادي‪ :‬تعيــش باكســتان‪ ،‬تــر� باكســتان‪ ،‬بــدال عنــه‪ .‬وظــل الطــاب ي� المــدارس والجامعــات ينشــدون‬
‫ـ� لنــا والعــرب لنــا) ونشــيد الدعــاء لمــدة طويلــة بعــد إنشــاء‬ ‫النشــيد اإلســام المشــهور للعالمــة إقبــال (الصـ ي ن‬
‫ي‬
‫باكســتان‪.‬‬
‫ف‬
‫زار ملــك إيـران رضــا شــاه بهلــوي باكســتان بدعــوة مــن الحكومــة ي� أوائــل الخمســينات‪ ،‬وكان الزمــا ومــن األدب‬
‫ـر� اســتقبال الملــك بالنشــيد الوطـ ن يـى‪ ،‬ممــا عــزز الحاجــة للنشــيد الوطـ ن يـى ف ي� المياديــن الحكوميــة‪.‬‬
‫ق‬
‫والـ ي‬
‫ف‬
‫كان أحمــد غــام عـ يـ� جهاكلــه موســيقيا مشــهورا ي� باكســتان‪ ،‬ووضعــت عــى عاتقــه مســؤولية كتابــة النشــيد‬
‫ف‬
‫و� وقــت ضيــق ورغــم ســوء صحــة جهاكلــه فقــد عمــل بجــد ليــا ونهــارا عــى ‪ ١٥‬آلــة موســيقية لينظــم‬ ‫ي‬ ‫الوطـ ن يـى‪،‬‬
‫ف‬
‫نشــيد وطنيــا مناســبا لباكســتان ي� العــام ‪١٩٤٩‬م‪ ،‬واســتقبلت قــوات البحريــة الباكســتانية ملــك إي ـران منشــدة‬
‫ذاك النشــيد‪ ،‬والــذي تأثــر بــه الملــك بشــدة‪.‬‬

‫دع‬ ‫ن‬ ‫ت‬ ‫ن‬


‫ليكــن واضحــا أن أبيــات الشــعر للنشــيد الوطـ يـى لــم تكتــب حــى ذلــك الحـ يـ�‪ ،‬وإنمــا لحنــه‪ ،‬ومــن بعدهــا ي‬
‫شــعراء الوطــن كافــة لكتابــة شــعر يناســب اللحــن ونظمــت هيئــة الختيــار أفضــل شــعر بينهــا‪ ،‬وصلــت أشــعار‬

‫‪263‬‬
‫(كان حفيظ جالندهري شاعرا ذا طبيعة بسيطة‪ .‬ولربما أنعم هللا عليه‬
‫بالشرف وأعزه بكتابته للنشيد الوطني إلخالصه وتواضعه وخنوعه‪.‬‬
‫عندما صورت هذه الصورة‪ ،‬كان جالندهري يعمل مع رئيس باكستان‬
‫أيوب خان شخصيا‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫حفيظ جالندهري‬ ‫أحمد غالم علي جهاكله‬

‫حفيــظ جالندهــري وعــدة شــعراء آخريــن بهــذه المناســبة‪ ،‬جمعــت األشــعار أمــام الهيئــة وبعــد مناقشــة اتفــق‬
‫الجميــع عــى شــعر حفيــظ جالندهــري‪.‬‬
‫ف‬
‫تغي� أو تعديل‬
‫عقدت جلسة ي� ‪ ٤‬من أغسطس ‪ 1954‬أعلن فيها عن اختيار شعر حفيظ جالندهري دون ي‬
‫ن‬
‫الباكستا� يوم ‪ ١3‬اغسطس ‪١٩٥٤‬م‪.‬‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫ي‬ ‫الوط� ألول مرة ي� الراديو‬
‫ي‬ ‫فيه‪ ،‬وسمع النشيد‬

‫____________________‬
‫ف‬
‫غــادر أحمــد غــام عـ يـ� جهاكلــه دنيانــا إىل خالقــه ي� ‪ ٥‬بف�ايــر ‪١٩٥٣‬م‪ ،‬لكــن لحــن النشــيد الوطـ ن يـى أصبــح رســميا‬
‫ف‬
‫ي� ‪ ٤‬مــن أغســطس ‪١٩٥٤‬م‪ ،‬ولــم يســتطع حضــور هــذا اليــوم قبــل مماتــه‪ ،‬وقــد كافأتــه الحكومــة الباكســتانية‬
‫عــى جهــوده رغــم ذلــك‪.‬‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫ـم� ‪١٩٨٢‬م‪ ،‬كان يتمـ نـى أن يدفــن مــع العالمــة إقبــال‪ ،‬ولكــن لــم يكــن‬ ‫ـو� حفيــظ جالندهــري ي� ‪ ٢١‬ديسـ ب‬ ‫تـ ي‬
‫ف‬
‫ممكنــا تحقيــق أمنيتــه‪ ،‬بيــد أنــه مــن المبهــج أن اســمه كتــب ي� صفحــات التاري ـ ــخ لألبــد بكتابتــه للنشــيد الوطـ ن يـى‪.‬‬

‫ـتا� كتــب باللغــة الفارســية‪ ،‬واللفــظ األوردي الوحيــد هــو حــرف‬ ‫مــن المثــر للدهشــة أن النشــيد الوطـ نـى الباكسـ ن‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫ف‬ ‫ـى الباكسـ ن‬ ‫اإلضافــة «كا»‪ .‬يعتـ بـر النشــيد الوطـ ن‬
‫ـتا� اليــوم مــن أجمــل األناشــيد واأللحــان الوطنيــة كمــا يجــري ي�‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫ـتا�‪.‬‬
‫دم كل باكسـ ي‬

‫‪265‬‬
266
‫الفصل الرابع والعشرين‬

‫‪AA‬‬

‫تكملة بناء باكستان‬

‫(لم تتم هذه المهمة حتى اللحظة)‬

‫لقــد أنشــأت باكســتان واســتحكم أمرهــا بأمــر مــن هللا عــى يــد المجاهــد القائــد األعظــم محمــد عـ يـ� جنــاح‪،‬‬
‫لكنــه أنشــأ باكســتان لســبب مــا‪ ،‬ولــم يكتمــل هــذا الســبب لــآن‪ .‬ال ي ـزال إنهــاء عمــارة باكســتان مســتمرا ليومنــا‬
‫هــذا‪ ،‬وال بــد أن تصــل قوافــل األجيــال القادمــة للهــدف المنشــود‪ ،‬وقــد بـ شـر إقبــال عــن الهــدف بنفســه‪ .‬إنهــا‬
‫لمســؤولية األجيــال القادمــة أن ال يضيعــوا دمــاء وتضحيــة مئــات اآلالف مــن أجدادهــم وآبائهــم المسـ ي ن‬
‫ـلم�‬
‫ـ� بنيانهــا‪ ،‬قــال العالمــة إقبــال صاحــب نظريــة باكســتان‬ ‫ت‬
‫للفــوز بباكســتان‪ ،‬لــن تكتمــل حركــة باكســتان حـفـى ينتـ ي‬
‫والمفكــر والنابغــة أن مصـ يـر األجيــال القادمــة ي� كفــه‪.‬‬

‫ما هو دور األمة المسلمة ف ي� آسيا‪ ،‬ذكر إقبال نصيحة بشأن ذلك‪:‬‬

‫إن جناة املرشق مرتبط ابحتاد املةل البيضاء‬

‫والآ�سيويون جيهلون هذه الفكرة حىت الآن‬


‫إن بقــاء وســامة الثقافــة اآلســيوية‪ ،‬ســواء كانــت روســية أو هنديــة أو صينيــة أو يابانيــة يتعمــد عــى اســتيقاظ‬
‫ـ� الـ شـرق والغــرب‪ .‬إذا كان المســلمون‬ ‫األمــة المســلمة مــن غفلتهــا‪ .‬إذا نظرنــا فــإن الـ شـرق األوســط لــه دور مــا بـ ي ن‬
‫ف‬ ‫ش‬ ‫ين‬ ‫ف‬
‫المسلم� من باكستان والهند وخراسان ضعافا ال صوت لهم فسينت� الفساد ي� آسيا‪ ،‬تستطيع‬ ‫ي� مناطق‬
‫آســيا تنظيــم قــوات المسـ ي ن‬
‫ـلم�‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫ين‬
‫والباكستاني� خصوصا‪:‬‬ ‫حذر اقبال االمة‬

‫وسوف ميحى لك من ميزي بني اللون وادلم‬

‫سواء اكن تركيا صاحب اخلمية أو عربيا صاحب البيت‬


‫ـ� إىل اللغــات مــن‬‫ـي� وبتهانيـ ي ن‬‫ـتاني� وبلوشـ ي ن‬
‫ـلم� عــى األصــول مــن عــرب وأتـراك وباكسـ ي ن‬ ‫ـ� المسـ ي ن‬‫إن التفاضــل بـ ي ن‬
‫ـم�ية‪ ...‬وكل مــا يشــمل العصبيــة مــن لــون ودم ولغــة ممــا يغــرق‬ ‫متحـ ث‬
‫ـد� األورديــة والبنجابيــة والســندية والكشـ ي‬‫ي‬
‫ـ� األمــة ســيمحوه هللا مــن الوجــود‪ ،‬ألن هللا وعــد بنــرة أمتــه‪ ،‬وكل يقــف ف ي� طريقهــا سـ ي زـ�ال بإذنــه عــز وجــل‪.‬‬ ‫بـ ي ن‬

‫ش ف‬ ‫ابحثــوا بـ ي ن‬
‫ـينت� ي�‬ ‫ـ� صفحــات التاريـ ـ ــخ‪ ،‬قــرر هللا بعــد إرســاله للرســول صــى هللا عليــه وســلم أن اإلســام سـ‬
‫ف‬
‫سء‪ ،‬إذ وقفــوا ي�‬ ‫الدنيــا كلهــا‪ ،‬ولهــذا ســيضمحل كل مــا يعرضــه للخطــر‪ ،‬كان أبــو لهــب وأبــو جهــل ذا حــظ ي‬
‫الجانــب الخطــأ مــن التاريـ ـ ــخ مــا انتــى بخــروج فكــرة ثوريــة جديــدة للنــور‪ ،‬غــدا أبــو بكــر وعمــر وعثمــان وعـ يـ�‬
‫ومــن تبــع نبينــا مــن الصحابــة حمــاة لهــذا الفكــر ليفــوزوا بالدنيــا واآلخــرة‪.‬‬

‫لو تقدم عنرص العصبية عىل دين املسمل‬


‫فسوف يتطاير من ادلنيا كرتاب الطريق‬
‫ف‬ ‫ف‬
‫تقــام الحــروب اليــوم ي� العالــم اإلسـ ي‬
‫ـام بســبب التفرقــة ي� األصــل والمذاهــب‪ ،‬أفغانســتان وباكســتان والعـراق‬
‫والشام واليمن والبحرين‪ ....‬المفهوم أن كل هذه الدول دمرت بسبب التفرقة بناء عىل القومية والمذاهب‪.‬‬
‫ـ�‪:‬‬ ‫وقــد توقــع إقبــال هــذه الفـ ت ن‬

‫فانتبه اي من ال تعرف الفرق بني الظاهر والباطن‬


‫حفذار اي أسري أيب بكر وعيل ريض هللا عهنام‬
‫____________________‬

‫ـددا‪ ،‬وهــذا ش�ط‬ ‫ش‬


‫وضـ شـع إقبــال هدفــا لــه و ‪.‬هــو توحيــد األمــة مـ فـرة أخــرى بعــد أن رأى ت�ذمهــا‪ ،‬وإعــادة الخالفــة مجـ ف‬
‫من �وط إحياء األمة كان إقبال يرغب ي� إقام الخالفة‪ ،‬ولكنه كان يعلم أنه هدف يســتحيل ي� هذا الزمن‬
‫حيث ضعف المسلمون واستكانوا وأصابتهم الذلة والخنوع‬
‫‪ ،‬ولهــذا عمــل بجهــد عــى تربيــة األمــة وإرشــادها وتوجيههــا‪ .‬واليــوم كل تحــرك للمسـ ي ن‬
‫ـلم� وكل مقاومــة لهــم‬
‫ســببها هــو إقبــال وتربيتــه لهــم‪ ،‬حيــث أصبــح لديهــم التعليــم والمعرفــة ووجــود مــن يرشــدهم‪.‬‬

‫ومن أجل أن تقوى أسس اخلالفة يف ادلنيا اثنية‬

‫عليك أن جتهتد وتبذل قصارى هجدك اكألسالف‬


‫____________________‬

‫‪268‬‬
‫يــأس أ كـ بـر القــادة وأفضلهــم مــن نهضــة المســلمون بعــد رؤيتهــم لحالتهــم المزريــة والمناظــر المؤلمــة ألمــة‬
‫ت‬ ‫متهالكــة أمامهــم‪ ،‬فكيــف بعامــة المسـ ي ن‬
‫ـول الــذي‬‫ـلم� أمــام القــوة الهائلــة الـ يـى يملكهــا الكفــر‪ .‬يبــدو الرجــل والـ ي‬
‫ـلم� ســيقفون مجــددا ليســتعيدوا عزتهــم‪،‬‬ ‫تحــدث عنــه إقبــال محــض كالم ال أ كـ ثـر‪ ،‬لــم يتخيــل أحــد أن المسـ ي ن‬
‫بيــد أن إقبــال ظــل مؤمنــا بكالمــه ومواصــا تشــجيعه لألمــة دون هــوادة أن عزتهــم بيــد هللا وعليهــم أن يتقدمــوا‬
‫� ليســتحقوها‪ .‬يدعــو إقبــال كل مشــكك أن ينتظــر لـ يـرى كلمــات هــذا العبــد الخانــع تغــدو حقيقيــة‪.‬‬ ‫ش‬
‫رغــم كل ي‬

‫اكن النواح من رضورايت احلب فانهتت هذه العادة‬

‫فامتكل القلب قليال وانظر أثر النواح‬

‫فانظر أهيا املسمل اليوم إىل تفسري حمل احلرية العامة اليت رآها اإلسالم يف املنام‬

‫وافتح عينيك يف مرآة حدييث‬

‫وانظر إىل الصورة الباهتة للعهد القادم‬

‫توجد فكرة جمربة أخرى عند الفكل‬

‫فانظر إىل ذل التدبري أمام التقدير‬


‫إن هــذه لبشــارات ال يمكــن تخيلهــا حـ تـى‪ ،‬لكــن الحقيقــة أن هــذا قــدر األمــة‪ ،‬والــذي بــدأ بقيــام باكســتان‪ ،‬رد هللا‬
‫ف‬ ‫كيــد فـ ت ن‬
‫ـ� االعــداء وفخاخهــم وكيدهــم ي� نحورهــم عــى يــد حكمــة رجــال كالعالمــة إقبــال والقائــد األعظــم‪ ،‬وإن‬
‫شــاء هللا ســتصبح باكســتان المركز الذي تتحقق منه كلمات إقبال وتكتمل بشــائره منها وسـ نـرى ذلك بأعيننا‪.‬‬

‫أ كــد اقبــال لجميــع المسـ ي ن‬


‫ـلم� مــن ابتـ يـ� منهــم بالشــك ومــن ال زال مؤمنــا أن يتدبــروا آيــات هللا القرآنيــة مذكـرا‬
‫ـلم� أن يهبهــم خالفــة االرض إذا آمنــوا وعملــوا‬ ‫أن وعــد هللا محكــم وهللا ال يخلــف وعــوده‪ ،‬وعــد هللا المسـ ي ن‬
‫صالحــا‪.‬‬

‫ليكن قلبك أهيا املسمل عامرا ابألماين‬

‫ولتكن نصب عينيك لك وقت آية ”ال خيلف امليعاد“‬


‫ف‬
‫الشــك ي� وعــود هللا ورســوله وبشــائرهم حـرام‪ ،‬إن وعودهــم صادقــة‪ ،‬ســتفتح االمــة الهنــد مجــددا‪ ،‬وســتحدث‬
‫غــزة الهنــد‪ ،‬وســتقوم الخالفــة عــى منهــاج النبــوة مجــددا‪ ،‬وســتتحد األمــة مــن ســاحل النيــل حـ تـى أرض كاشــغر‪،‬‬
‫واآلن ســيأخذ الباكســتانيون بزمــام األمــور بفضــل مــن هللا‪ ،‬سيســعدون ألن مــن ال يشــك بهــذه البشــائر ســيغتم‬
‫منها‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫ولتعد قراءة دروس الصدق والشجاعة والعدل‬

‫عندئذ سوف تكون قيادة العامل من همامك‬


‫____________________‬
‫ف‬
‫تحقــق الكثـ يـر مــن كالم إقبــال وتوقعاتــه‪ ،‬وســتذكر بعضهــا هنــا‪ ،‬لنتذكــر أن كل هــذه البشــائر قيلــت ي� عــر‬
‫ـلم� اليائسـ ي ن‬
‫ـ�‪ ،‬هنــا تمثــل عبقريــة إقبــال وفكــره وإحســانه عــى األمــة الــذي‬ ‫أظلمــت فيــه الدنيــا عــى المسـ ي ن‬
‫ســيالحقها لألبــد‪.‬‬

‫إن خفوت ضوء النجوم دليل الصباح املنري‬

‫وطلوع الشمس من األفق‪ ،‬ومىض عهد النوم العميق‬


‫أك� دليل لبداية عرص جديد‪.‬‬ ‫المسلم�‪ ،‬ش‬
‫ست�ق شمس جديدة وهذا ب‬ ‫ين‬ ‫انتىه عرص غفلة‬

‫و�سمينح هللا املؤمن مرة أخرى‬

‫عز الرتيك والهندي وبيان العريب‬


‫ســيعىط مـ يـراث ‪ ١٤٠٠‬عــام لمســلم باكســتان اآلن‪ ،‬ســيجمع هللا كل خـ يـر ف� ثقافــة المسـ ي ن‬
‫ـلم� ويجعلــه ســببا‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫ق‬
‫ـلم الهنــد أو فصاحــة‬
‫ـلم باكســتان‪ ،‬أكانــت عظمــة الخالفــة العثمانيــة أو عقــل مسـ ي‬
‫ـر� األمــة عــى أيــدي مسـ ي‬
‫لـ ي‬
‫وبالغــة األعـراب‪.‬‬

‫ـلم� ســيتحدون مجــددا بعــد تفككهــم مــع ســقوط الدولــة العثمانيــة‪ ،‬كان إقبــال يقــول‬ ‫إن هــذه إشــارة ألن المسـ ي ن‬
‫هــذه البشــائر قبــل أن تتحــرر أي دولــة مســلمة حـ تـى‪ ،‬لكنــه كان يؤمــن فيمــا كتبــه هللا لنــا‪.‬‬

‫و�سيجمع �شتات كتاب املةل البيضاء اثنية‬

‫فقد آن الوقت ليورق هذا الغصن الهامشي ويمثر‬


‫ف‬ ‫كان إقبــال يتألــم ليــأس قيــادة المسـ ي ن‬
‫ـلم� ووقوعهــم ي� الشــك والوســاوس وحالــة مــن الضيــاع‪ .‬أ كــد إقبــال عــى‬
‫ف‬ ‫ش‬ ‫ف‬ ‫ن‬
‫�ء ي� الدنيــا فســيفعله عــن‬ ‫هــؤالء الشــباب الغافلـ يـ� بشــدة ليولــد اإليمــان ي� دواخلهــم أن هللا إذا أراد تغيـ يـر ي‬
‫طريــق أمتــه‪ .‬قــال هللا هــذا للمالئكــة أيضــا أن األســود والنمــور مــن أمــة رســوله هــم مــن ســيصنع هــذا‪ .‬أراد إقبــال‬
‫مص�هــم بأنفســهم‬ ‫ت‬
‫أن يــرك الشــباب شــكوكهم ويجــدوا بالمنــل ليغـ يـروا ي‬

‫أنت يد القدرة ادلامئة وأنت لسان هللا‬

‫فتيقن أهيا الغافل يف نفسك فإن الظن تغلب عليك‬

‫‪270‬‬
‫يقــول إقبــال مخاطبــا الشــباب‪ ،‬تقدمــوا واصنعــوا مســتقبال شــامخا‪ ،‬إذا كنتــم لــن تفعلــوا فــإن هللا سيســتبدلكم‬
‫ف‬
‫بمــن هــو خـ يـر منكــم‪ .‬سيبتســم القــدر ي� وجوهكــم إذا كنتــم جــزءا مــن هــذه المهمــة‪ ،‬بــل هــو إحســان كبـ يـر مــن‬
‫ن‬
‫الباكستا�‪ .‬ينصح‬ ‫هللا أن يقبلكم فيها‪ .‬تذكروا أن اقبال يتحدث باألوردية‪ ،‬وحديثه لشباب باكستان والقوم‬
‫ي‬ ‫ف‬
‫�ء مســتحيل‪ ،‬وأن مــا أخفــاه هللا مــن قــدرات ي� الكائنــات هــو الختبــار‬ ‫ش‬ ‫إقبــال أن فطــرة المسـ ي ن‬
‫ـلم� دليــل أال ي‬
‫المؤمنـ ي ن‬
‫ـ� وعليهــم أن يســتفيدوا منــه‪.‬‬

‫فطرتك أمينة عىل لك إماكنيات احلياة‬

‫وأنت امتحان جلوهر احلياة املضمر‬


‫____________________‬
‫المسلم� عن ن ز‬
‫الم�لة الروحانية‪ ،‬اذا أدركوها فسيكونون قادرين عىل الحصول عىل ما يشاؤون‪.‬‬ ‫ين‬ ‫ثم حدث‬

‫أنت الهدية اليت اصطحبهتا النبوة معها‬

‫وظهر من عامل املاء والطني عامل اخللود‬


‫ـال‪ ،‬يشـ يـر فيــه إقبــال لمع ـراج الرســول مخاطبــا الرجــل المؤمــن‪ .‬يقــول أنكــم أنتــم مــن ســتحملون‬
‫إنــه لشــعر مثـ ي‬
‫رســالة النبــوة مــن ســدرة المنتــى وحـ تـى الفنــاء‪ .‬اعلمــوا حقيقتكــم ومكانتكــم‪ .‬إن هــذا الشــعر لـ شـرح لحديــث‬
‫الرســول أن الصــاة معـراج المؤمــن‪ .‬يقــول إقبــال أن الرســول وهــب لنــا هــذا بعــد معراجــه‪ ،‬واآلن أنحــن قــادرون‬
‫عــى حملــه او ال‪.‬‬
‫ف‬
‫ـ� هــذه البشــائر متيقنــا بحقيقتهــا‪ .‬لقــد قــال هــذا ي�‬
‫افهمــوا هــذا جيــدا مـ فـن فكــر إقبــال‪ .‬ال شــك أن إقبــال يعـ ي‬
‫ـيث�‬‫م ـرات كثـ يـرة وتــردد ي� أخــرى خشــية أن ال يفهمــه النــاس‪ .‬ال شــك أن مــا يعرفــه إقبــال لكبـ يـر وصــادم وسـ ي‬
‫عاصفــة إن عــرف‪ .‬وقــد اعـ تـرف اقبــال بنفســه‪:‬‬

‫ُ‬
‫افيل من‬
‫ملا ا�شتىك هلل ارس‬

‫شكواي قال حبرقة وتهند ‪:‬‬

‫هذا الفىت قبل األوان يريد أن‬

‫يهن�ي الوجود بشعره املمترد‬


‫إن هذا هو المدهش ف ي� اقبال وما يجعله رجال غامضا‪.‬‬

‫____________________‬

‫‪271‬‬
‫اليــوم تغــرق باكســتان ف ي� بحــر مــن الغــم‪ .‬ينتـ شـر الفســاد مــن كل مــكان لكنــه الوقــت الــذي يســتيقظ فيــه حكامهــا‪.‬‬
‫ف‬
‫لقــد قــدر هللا لباكســتان مصـ يـرا شــامخا سـ ي زـ�يل كل مــا يقــف ي� طريقهــا‪ .‬اآلن آن وقــت إتمامنــا لوعدنــا هلل‪ .‬لقــد‬
‫وعدنــا هللا أنــه إذا أعطانــا أرضــا فإننــا ســنقيم خالفــة فيهــا عــى منهــاج النبــوة ونجعلهــا مرك ـزا لألمــة المســلمة‬
‫ونصبــح حمــاة لعــزة االمــة‪.‬‬
‫ف‬
‫لكــن حكامنــا ونوابغنــا ومبلغينــا يسـ يـرون ي� طريــق مــن الغفلــة اليــوم والــذي ســيؤدي لدمــار االمــة‪ .‬تذكــر أن‬
‫تعزيــر الفطــرة لشــديد‪ .‬إن عقــاب أخطــاء القــوم المجتمعــة لشــديد ويســتمر لألجيــال الـ تـى تليهــا‪ .‬إذا كنــا لــن نـف‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫بوعدنــا هلل بــل نقــف ي� طريقــه فإننــا سـ ن زـ�ال‪ ،‬وأيــا كان مــن يــؤذي باكســتان ســواء كان غانــدي أو الشــيخ مجيــب‬
‫ـي� أو الناكريــن أو الصحافــة أو القضــاء ســيعاقبون عقابــا وخيمــا‬ ‫ـ� أو السياسـ ي ن‬‫ـ� أو الخارجيـ ي ن‬
‫أو األعــداء الداخليـ ي ن‬
‫ف‬
‫ي� اآلخــرة‪ .‬إن مــن يقاتــل ضــد باكســتان اليــوم يقاتــل ضــد هللا ورســوله‪ .‬اليــوم باكســتان دليــل االيمــان والحجــة‬
‫والفرقــان‪.‬‬

‫جعــل هللا باكســتان مركــز عــروج األمــة وزينتهــا وســببها‪ .‬ال يجــب أن ييــأس أهــل باكســتان‪ ،‬إن هــذه الحــاالت‬
‫ف‬
‫وه لحجــة قاطعــة ضدهــم‪ ،.‬ســتصنع‬ ‫الســيئة والفتنــة فوالفســاد وم فصـ يـر هــؤالء النــاس كلــه ي� يــد باكســتان‪ ،‬ي‬
‫خالفة اسالمية ي� باكستان ي� العصور القادمة‪ ،‬ستقطع حبال من يقطع حبال باكستان اليوم إن شاء هللا‪.‬‬

‫إن كالم إقبــال لتصويــر جميــل للعصــور القادمــة‪ ،‬اليــوم فــرض علينــا وعــى قــوم باكســتان واألمــة المســلمة أن‬
‫يحملــوا المســؤولية‪ .‬إنهــا لمســؤولية األجيــال ليحملــوا رايــات هــذا الجيــل‪ ،‬صــور إقبــال جــزءا صغـ يـرا مــن العــزة‬
‫الـ ت يـى ســيهبها هللا ألمتــه بإمامتهــم للدنيــا‪.‬‬
‫ف‬ ‫ن‬
‫ـتا� الهنــد ي� غــزوة الهنــد‪ .‬لتصبــح‬
‫إن شــاء هللا ســتقرر باكســتان قريبــا مصـ يـر العالــم‪ .‬وســيفتح الجيــش الباكسـ ي‬
‫مركــز االمــة‪.‬‬

‫ـام كل مــن يقــف لحمايــة عــزة باكســتان وأهلهــا ويضحــون‬ ‫اجعــل نفســك جــزءا مــن هــذا المصـ يـر‪ .‬هللا نــارص وحـ ي‬
‫ت‬
‫تدم�هــا حــى لــو كانــوا‬‫ي‬ ‫ألجلهــا‪ ،‬وســيغرق هللا ســفن أعدائهــم ويدمرهــا‪ ،‬ممــن يخونــون باكســتان ويحاولــون‬
‫ـ�‪.‬‬‫ـ� مهانـ ي ن‬‫يحاولــون تقســيمها بنــاء عــى القوميــة والمناطــق والعصبيــة‪ .‬ســيغدوا هــؤالء النــاس ذليلـ ي ن‬

‫ض‬ ‫إن رســالتنا لرســالة جميلــة للباكسـ ي ن‬


‫ـتاني� واألمـ فـة اإلســامية‪ ،‬وســيدعم هللا مــن يدعمــه وســيحبه هللا‪ ،‬مـ فـن ي‬
‫ر�‬
‫عنــه هللا ض‬
‫ور� عنــه‪ .‬إن كانــت هــذه الســعادة ي� نصيبنــا فســيكون نصيبنــا خـ يـرا‪ .‬لندعــو هللا أن يشــملنا ي� هــذا‬
‫ي‬
‫النصيــب الخـ يـر‪ .‬آمـ يـ�‪.‬ن‬

‫اكن النواح من رضورايت احلب فانهتت هذه العادة‬

‫فامتكل القلب قليال وانظر أثر النواح‬

‫‪272‬‬
273
‫الليل والنهار في عين األيام‬

‫‪274‬‬
‫‪1857‬‬
‫بنى اإلنجليز شركة الهند الشرقية في العام‪١٦٠١‬م‪ ،‬وبحيلة ومكر شديد احتلوا الهند عن طريق‬
‫التجارة‪ ،.‬إن هذا أول مثال في التاريخ الحتالل شركة دولية لشبه جزيرة الهند بأكملها‪ .‬وقع نواب‬
‫سراج الدولة في العام ‪١٧٥٧‬م والسلطان تيبو في العام ‪١٧٩٩‬م شهيدين‪ .‬قام المسلمون بهجومهم‬
‫المسلح االخير بقيادة آخر ملك مغولي الملك بهادر شاه ظفر في العام ‪١١٨٥٧‬م لكنهم فشلوا‬
‫أيضا‪ .‬بعد ألف سنة من المقاومة غربت شمس المسلمين ووقعت الهند بقبضة التاج البريطاني‪.‬‬
‫تغير حكام الهند فقط‪ ،‬لكن المسلمين حرموا من عزة وكرامة وقوة عسكرية واقتصادية دامت‬
‫ألف سنة‪ .‬بدأ اإلنجليز بإزالة كل أثر مغلي وإسالمي في الهند دون رحمة‪ .‬أصبحت اإلنجليزية اللغة‬
‫الحكومية بدال عن األوردية والفارسية‪ ،‬وحرم أي مسلم ال يجيد االنجليزية عن العمل الحكومي‬
‫وصنف كجاهل‪ .‬أعدم مئات اآلالف من العلماء المسلمين واألشراف‪ ،‬استعبد وأذل المسلمون في‬
‫ليلة بعد ألف ليلة من العزة في الهند‪.‬‬
‫‪275‬‬
‫‪١٨٦٢‬‬

‫بهادر شاه ظفر الملك المغولي الوحيد الذي صورته الكاميرات‪ ،‬عندما أخرجوه‬
‫من الوطن إلى بورما ليلقى التعذيب واألذى حتى وافته المنية عام ‪١٨٦٢‬م‪.‬‬
‫سفك االنجليز دماء العائلة الملكية كلها أو أخرجوهم من الوطن‪ ،‬اليوم يجبر‬
‫أحفاد الملك بهادرشاه ظفر على عيش حياة مريعة في الهند‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫‪١٨٧٥‬‬

‫كان سر سيد أحمد خان أول مسلم فكر أن الرئاسة المسلمة خرجت عن السيطرة‬
‫وأن الوقت قد آن لسن تعليم جديد لفتح طريق جديدة‪ .‬وألن السلطة لإلنجليز‬
‫ولغتهم هي الدارجة فقد أنشأ كلية المحمديين اإلنجليزية لتعليم المسلمين على‬
‫النظام االنجليزي‪ ،‬والحقا سميت الكلية بجامعة علي كره واشتهرت بهذا االسم‪،‬‬
‫تخرج كبار الجنود من الجامعة ليصبحوا جنود القائد األعظم‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫‪١٨٨٥‬‬

‫في نهاية القرن التاسع عشر أقام اإلنجليزي ألين أوكتيفين هيوم جماعة‬
‫سياسية في مجلس الهنود الدولي‪ ،‬والذي كان يهدف تعليم الهنود االنضمام‬
‫للسياسة‪ ،‬وبهذا أنشئ مجلس الشيوخ الهندي لجميع الهنود‪ ،‬وسرعان ما‬
‫احتله الهندوسيون‪ .‬بقي القائد جزء من مجلس الشيوخ لوقت طويل من‬
‫حياته محاوال االتحاد مع مسلمي الهند‪ ،‬وبعد انزعاجه من طرق مجلس الشيوخ‬
‫المتعصبة خرج منه لينضم لحركة مسلمي الهند‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫‪١٩٠٦‬‬

‫وألن الهندوسيون استولوا على مجلس الشيوخ‪ ،‬أنشأ المسلمون حركة سياسية‬
‫منفصلة ألنفسهم‪ ،‬أنشئت الرابطة اإلسالمية عام ‪١٩٠٦‬م على يد وبجهد نواب‬
‫سليم اهلل والتي أصبحت الحقا الجماعة الوحيدة الممثلة لمسلمي الهند لتفوز‬
‫بباكستان‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫‪١٩١٤‬‬

‫قامت الحرب العالمية األولى عام ‪١٩١٤‬م‪ .‬ورغم أن الدول األوربية تقاتلت‪ ،‬إال‬
‫أن هدفها كان تدمير الخالفة العثمانية‪ ،‬وبنهاية عام ‪١٩١٨‬م سقطت الخالفة‬
‫العثمانية وأعلنت الحكومة اإلنجليزية وعد بلفور المشؤوم لتبشر اليهوديين‬
‫بإمكانية إقامة دولة يهودية في أرض الفلسطينيين‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫‪١٩١٩‬‬

‫أقام مسلمو الهند حركة الخالفة دفاعا عن الخالفة العثمانية‪ ،‬يحترم األتراك‬
‫مسلمي باكستان ليومنا هذا لوقوفهم ودعمهم لمسلمي تركيا‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫‪١٩٢٤‬‬

‫أنهى حاكم تركيا الجديد مصطفى كمال باشا الخالفة العثمانية بنفسه عام‬
‫‪١٩٢٤‬م‪ ،‬وأنشأ رئاسة علمانية ال دينية في تركيا‪ .‬نظم إقبال شعره الحزين ذما‬
‫بمصطفى كمال‪:‬‬

‫لقد مزق التركي الجاهل عباءة الخالفة‬

‫فانظر إلى سذاجة المسلم وانظر إلى شطارة اآلخرين‬

‫‪282‬‬
‫‪١٩٣٠‬‬

‫حتى العام ‪1930‬سقطت أكبر حكومات المسلمين‪ .‬أصبح المسلمون عبيدا وأذلة في كل مكان‬
‫من الشرق والغرب‪ ،‬سقطت الحكومة المغولية‪ ،‬وتدمرت الخالفة العثمانية المركز الروحاني‬
‫للمسلمين‪ ،‬ولم تبق في الدنيا سلطنة إسالمية واحدة‪ .‬خطب إقبال خطبة إله آباد المشهورة في‬
‫هذا الزمن المظلم ليعطي فكرة تقسيم شبه جزيرة الهند لتبنى والية إسالمية جديدة‪.‬‬

‫توفي إقبال في العام ‪١٩٣٨‬م‪ .‬بكت الدنيا كلها ألجله‪ ،‬أرسل اهلل إقباال ليبشر ويعطي حياة‬
‫جديدة للمسلمين‪ .‬يقول إقبال عن نفسه أنه طريق حي‪ ،‬يعني نجم بضوء سرمدي ال ينتهي‬
‫عطاؤه‪.‬‬
‫‪283‬‬
‫‪١٩٣٩‬‬

‫بدأت الحرب العالمية الثانية في أوروبا في العام ‪١٩٣٩‬م‪ ،‬ليهلك مئات اآلالف‬
‫مجددا فيها كسابقتها‪ ،‬لتفتح الطريق إلسرائيل من جهة‪ ،‬ويضعف التاج‬
‫البريطاني من جهة حتى أصبح استعماره للهند مستحيال‪ .‬استفاد المسلمون‬
‫من ضعف االنجليز للتعجيل بوالدة باكستان‪.‬‬

‫‪284‬‬
‫‪١٩٤٠‬‬

‫أثناء الحرب العالمية الثانية عام ‪١٩٤٠‬م‪ ،‬وفيما تخسر الحكومة االنجليز خسائر‬
‫كبيرة بدأ القائد األعظم والمسلمون يطالبون بباكستان‪ .‬والجلسة التي ستقام‬
‫في الهور قريبا ستشتهر باسم قرار باكستان‪ .‬وبعدها صرف مسلمو الهند كل‬
‫ما لديهم للفوز بباكستان‪ .‬ومن السحر في تاريخ باكستان أن األطفال كانوا‬
‫يجمعون مصروفهم ليتبرعوا به ألجل باكستان عوضا عن شراء طعامهم‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫‪١٩٤٧‬‬

‫انتهت الحرب العالمية الثانية عام ‪١٩٤٥‬م وفاز المسلمون بباكستان خالل‬
‫عامين من بعد ذلك‪ .‬ظلت باكستان تحت التاج البريطاني على الورق فقط‪،‬‬
‫ألن القائد رأسها كوالية إسالمية مستقلة وأظهرها للعالم عام ‪١٩٤٧‬م‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫‪١٩٤٧‬‬

‫أعلن القائد األعظم عن الجهاد في كشمير بعد إنشاء باكستان على الفور‪ .‬غدر‬
‫االنجليز بوهبهم لكشمير وحيدر اباد وجوناكره للهند‪ .‬وال تزال قضية هذه الواليات‬
‫الثالث محل نقاش في األمم المتحدة حتى اليوم‪ .‬ال تزال حركة تحرير كشمير‬
‫قائمة منذ العام ‪١٩٤٧‬م ولن يقبل الكشميريون باحتالل الهند مهما حصل‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫‪١٩٤٨‬‬

‫انشأت دولة اسرائيل غير الجائزة في العام ‪١٩٤٨‬م‪ .‬اكتمل وعد االنجليز الذي‬
‫وعدوه لليهود بعد الحرب العالمية االولى لتدمير الخالفة العثمانية بعد الحرب‬
‫العالمية الثانية‪ .‬وقد اعترض العالمة اقبال والقلئد االعظم من قبل على‬
‫دولة اسرائيل‪ .‬وال تسلم باكستان باسرائيل حتى اليوم‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫‪١٩٤٨‬‬

‫توفي أب القوم القائد األعظم في العام ‪١٩٤٨‬م‪ ،‬لكن باكستان بقيت بفضل‬
‫اهلل ثم استحكامه للسلطة فيها رغم كل المؤامرات والمكائد وستبقى رغم‬
‫أنوفهم ان شاء اهلل‪.‬‬

‫” ال يمكن ألي قوة في هذا العالم أن تسقط باكستان‪“.‬‬

‫(القائد األعظم محمد علي جناح)‬

‫‪289‬‬
‫‪١٩٤٩‬‬

‫قامت الصين في العام ‪١٩٤٩‬م‪ .‬وكانت باكستان اول ظولة تعترف بالصين‬
‫كوالية مستقلة‪ .‬وتعنقت العالقة بين الدولتين فلم تزل صداقتهما حتى‬
‫يومنا هذا فهما تتحالفان في كل ميدان وافق‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫‪١٩٤٩‬‬

‫أعلن لياقت علي خان عن القرارات في المجلس الوطني عام ‪١٩٤٩‬م والتي‬
‫ستجعل من باكستان والية اسالمية ناجحة‪ .‬اليوم هذه القرارات جزء من‬
‫الدستور‪ ،‬حيث تنص على منع أي قانون يبنى خالفا للقرآن والسنة‪.‬‬

‫استشهد لياقت علي خان في العام ‪١٩٥١‬م‪ .‬ومن بعدها انتشرت فوضى‬
‫سياسية في باكستان لفترة‪ .‬اذ تقوم حكومات ضعيفة من وقت الخر لتخرج‬
‫باكستان عن السيطرة من وقت آلخر‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫‪١٩٥٨‬‬

‫اشترت باكستان منطقة كوادر من عمان بخمس باليين ونصف بليون في‬
‫العام ‪١٩٥٨‬م‪ .‬كانت معظم األموال من طرف األمير كريم آغا خان‪ .‬رغم ان كوادر‬
‫كانت جزءا من بلوشستان أعطى االنجليزيون وصايتها لعمان‪ .‬اشترت الحكومة‬
‫الباكستانية المنطقة لتشملها بباكستان مجددا‪ .‬اليوم كوادر مركز لرقي‬
‫باكستان‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫‪١٩٥٨‬‬

‫سيطر الجيش الباكستاني بقيادة أيوب خان على الفوضى السياسية بباكستان‬
‫في العام ‪١٩٥٨‬م‪ .‬قامت باكستان بانجازات عدة في عصر أيوب خان‪ .‬وأنشأت‬
‫مدينة اسالم اباد في عصره‪ .‬وكان أيوب خان من بنى السدين تربيال و منكال‬
‫أيضا‪ .‬وانتقلت العاصمة من كراتشي السالم اباد‪.‬‬

‫‪293‬‬
‫‪١٩٦٥‬‬

‫قامت الحرب الباكستانية الهندية األولى في العام ‪١٩٦٥‬م‪ .‬هاجمت الهند الهور‬
‫وسيالكوت ردا على حركة تحرير كشمير الباكستانية‪ .‬وواجهت في سبعة عشر‬
‫يوم خسارة شنيعة ومهانة كبيرة‪ ،‬اذ لم تستطع االستيالء على اي منطقة‬
‫باكستانية وخسرت ضد الجيش الباكستاني رغم جيش بحري وجوي يفوقها‬
‫بثالثة أضعاف حتى تدخلت القوى العالمية لتجبرها على ايقاف الحرب‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫‪١٩٧١‬‬
‫اوقفت المخابرات والجيش الباكستاني مؤامرة في اكرتله في العام ‪١٩٧١‬م‪ .‬تآمر اكبر سياسي في باكستان الشرقية الشيخ‬
‫مجيب الرحمن مع الهند لبدء ثورة مسلحة ضد باكستان‪ .‬اعتقل مجيب الرحمن‪ ،‬واقيم فيه حد الخيانة‪ .‬لكن الجماعات‬
‫السياسية قاومت ضد الجيش الباكستاني بشدة في مظاهرات حتى ألغت محاكمتها واقيمت انتخابات في العام ‪١٩٧٠‬م‪.‬‬
‫وفاز بها الخائن مجيب الرحمن فأصبحت باكستان الشرقية مستقلة عن باكستان‪.‬‬

‫أصبحت باكستان الشرقية مستقلة عن باكستان نتيجة مؤامرة وخيانة في العام ‪١٩٧١‬م‪ .‬جهز مجيب الرحمن اآلالف من‬
‫جيشه مكتي بهني مع الجيش الهندي ليقوم بثورة في باكستان الشرقية‪ .‬قاتل الجيش الباكستاني ما يزيد عن ستمائة‬
‫ألف جندي من مكتي بهني والجيش الهند في جيش يقل عن خمسين ألف رجل وبعيدا بآالف األميال عن مركزه دون‬
‫مدافع وال أسلحة جوية‪.‬‬

‫احتل الجيش الهندي دهاكة في ‪ ١٦‬ديسمبر ‪١٩٧١‬م‪ .‬فاحتجز خمسة وأربعين ألفا من الجيش الباكستاني وأقارب مالزمي‬
‫الحكومة باالضافة للشرطة واالدارات السياسية‪ .‬استقلت باكستان الشرقية باسم البنغال‪ .‬وبعدها بسنين قامت ثورة‬
‫‪295‬عائلة مجيب الرحمن كلها‪.‬‬
‫مسلحة أخرى فيها وقتلت فيها‬
‫‪١٩٧٩‬‬

‫دخل الجيش الروسي افغانستان واحتلها عام ‪١٩٧٩‬م‪ .‬هاجر حوالي خمسين‬
‫الف افغاني لباكستان‪ .‬اعلن الجهاد في افغانستان للقتال‪ .‬اقتربت المدافع‬
‫الروسية من بيشاور بوصولها لحدود سرحد‪ .‬خرجت باكستان للدفاع عن‬
‫افغانستان ضد الروس بمساعدة الدول المتحدة واجبرت الروس على مغادرة‬
‫باكستان خالل العشر سنين الالحقة‪ .‬اندثر اتحاد السوفييتي كنتيجة‬
‫واستقلت عدة دول في اوروبا من سلطته‪ .‬سقط جدار برلين واصبح تواصل‬
‫باكستان مع دول اسيا الوسطى ممكنا‪.‬‬
‫‪296‬‬
‫‪١٩٩٨‬‬

‫ردت باكستان على المفاعل النووي الهندي بست مفاعالت نووية لتكون‬
‫اول دولة مسلمة نووية وسابع دولة نووية في العالم في ال‪ ٢٨‬من ماي عام‬
‫‪١٩٩٨‬م‪ .‬يعد نووي باكستان وصواريخه مصدر فخر للنسلمين اليوم كما هو‬
‫مدعاة للخوف والدهشة من االعداء‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫‪١٩٩٩‬‬

‫قامت حرب جديدة عنيفة بحدود كاركل بين الهند وباكستان مجددا في العام‬
‫‪١٩٩٩‬م‪ .‬دخل مجاهدو كشمير والجيش الباكستاني لطريق كاركل ليقبضوا على‬
‫اهم القمم‪ .‬وبعد عدد من المواجهات تحمل الجيش الهندي خسارات ضخمة‪.‬‬
‫تدخلت القوى العظمى في النهاية لتجبر باكستان على سحب قواتها‪ .‬تم منح‬
‫وسام حيدر (أعلى وسام للشجاعة) لـ‪ :‬الكابتن شير خان‪ ،‬وحوالدار اللك جان‪.‬‬

‫‪298‬‬
‫‪٢٠٠١‬‬

‫هاجمت أمريكا أفغانستان في العام ‪٢٠٠١‬م‪ .‬بعد ازالة الحكومة الطالبانية انشأت حكومة هندية‪.‬‬
‫استفادت الهند من طرق أفغانستان لبدء حرب جديدة طويلة المدى مع باكستان‪ .‬استشهد ما‬
‫يزيد عن مئة ألف باكستاني حتى اليوم منذ ‪٢٠٠١‬م‪ .‬وخسر ما يزيد عن مئة وخمسين ألفا من‬
‫الجيش الباكستاني في افغانستان‪ .‬سجلت أرقام قياسية في التضحية والجرأة‪ .‬قدم ضباط‬
‫الجيش وشبابه التضحيات واحدا واحدا بشكل أذهل العالم‪ .‬وال تزال هذه الحرب مستمرة حتى‬
‫اليوم‪ .‬أمريكا تسيطر على افغانستان وتدعم الهند ضد باكستان‪ .‬على الشعب الباكستاني ان‬
‫يواجهوا المصاعب‪ ،‬عليهم حمايتها من الخونة الداخليين واالعداء الخارجيين‪ ،‬وبفضل من اهلل‬
‫يستمر الشعب بدعم من الجيش بحماية باكستان‪.‬‬
‫‪299‬‬
302

You might also like