You are on page 1of 48

‫كلمة رئيس التحرير‬

‫حنن ال منلك كتاباً مقدساً‬ ‫‪2‬‬


‫نحن ال نملك كتاباً مقدساً‬ ‫سر من األشياء املتناسبة ‪ ..‬توما األكويين‬
‫هيئة التحرير‬
‫و ال منلك ماليني الشيوخ و الرهبان و رجال الدين و املبشرين‬ ‫إن احلواس لتُ ُ‬ ‫‪3‬‬
‫كثريا يف آخر بضعة آالف عام‬ ‫تطور البشر ً‬ ‫‪17‬‬ ‫أمين غوجل‬
‫ال منلك دوراً للعبادة‬
‫يف عصور حديثة نسبياً ‪ ..‬الرئيسيات تسود األرض‬ ‫‪19‬‬ ‫أخيل‬
‫و ال منلك مدارس و معاهد و جامعات لتدريس افكارنا‬
‫ماذا قدمت النساء للعلم؟؟‬ ‫‪23‬‬ ‫تيتان‬
‫مقابل مئات اآلالف لناشري األديان و معتنقيها‬
‫كيف تعمل شاشة اللمس؟‬ ‫‪26‬‬ ‫نور‬
‫حنن ال منلك قناة تلفزيونية أو اذاعية واحدة مقابل عشرات آالف القنوات الدعوية ملختلف االديان‬
‫نبضات بن باز ‪...‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪Hunger Mind‬‬
‫حنن ال منلك تدريس أفكارنا منذ الصغر يف املدارس مقابل عمليات غسيل االدمغة ألطفال معتنقي‬
‫حممد بني الدين و السياسة‬ ‫‪34‬‬ ‫دين‬
‫االديان‪ ،‬و لكن حنن باملقابل منلك ما ال ميلكونه جمتمعني‬
‫االسالم و التوراة والقرآن و عمر البشرية‬ ‫‪36‬‬ ‫تامبي‬
‫حنن منلك املنطق و العلم‬
‫عذرية مرمي يف اإلجنيل‬ ‫‪40‬‬ ‫كاترينا‬
‫و هلذا السبب جمموعة المتلك كل هذه الوسائل و ال تضخ هلا كل هذه املليارات و جييش هلا مئات‬
‫الكازانوفية املحمدية‬ ‫ ‬ ‫‪44‬‬ ‫بن باز عزيز‬
‫آالف الشيوخ و الرهبان و يتوفر هلا كل مستلزمات الضخ االعالمي و الثقايف و اجملتمعي و القانوين‬ ‫ُ‬
‫و السياسي ‪.‬‬ ‫هل كان رسوالً أم قواداً‬ ‫‪48‬‬ ‫رامي‬
‫تنتصر و تؤرق و حيسب هلا كل هذا احلساب‬ ‫عشر قصص قصرية جداً‪ ..‬من احلرب الطويلة جداً‬ ‫‪54‬‬
‫مقتطفات من كتاب فرعون يكتب سفر اخلروج‬ ‫‪62‬‬
‫ال بل مؤخراً أصبح هناك دورات و دراسات و مواقع و صفحات للرد علينا‬
‫زانا وناديا‬ ‫‪66‬‬
‫كم أنتم ضعفاء ‪ ...‬أنتم و اديانكم و كل آهلتكم‬
‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيداً من دون روحانية؟‬ ‫‪70‬‬
‫بعد كل هذا تعب الذين تتعبونه لتجهيل الشعوب ‪ ...‬و بعد كل هذه األموال‬
‫هل تكون عودة فرويد أشبه حبلم سيئ؟‬ ‫‪88‬‬
‫هناك بلدان بأكملها أصبح فيها املتدينون أقلية‬
‫هناك أجيال بأكملها رفضت ترهاتكم بعد أن مسعت أول مجلة منطقية‬
‫أنتم تتخبطون و تقاتلون و تذحبون و ترهبون و تدفعون املليارات‬
‫و حنن جنعل الناس حتتفل باملنطق جماناً‬
‫أنتم تسرفون بعبادة من تعتقدون أنه يف السماء و تسرفون أكثر بعبادة من هم على األرض‬
‫و حنن نسرف باالحتفال حبريتنا ‪ ...‬و شتان بني عبيد و أحرار‬

‫عيشوا سعداء أصدقائي‬


‫فاحلرية و السعادة شئ واحد‬

‫أمين غوجل‬ ‫‪i-think-magazine.blogspot.com‬‬


‫‪www.ithinkmag.net‬‬
‫رئيس حترير جملة أنا أفكر‬ ‫‪facebook.com/I.Think.Magazine‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬ ‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫تنحو الطبيعة باستم رار إىل خلق املزيد من النماذج املعقدة؛ لكنها حتافظ يف‬
‫الوقت نفسه على نسق أساسي‪ .‬فبلورات الثلج السداسية املنمقة يتجمع مث الً‬ ‫سر من األشياء املتناسبة ‪ ..‬توما األكويني‬
‫إن احلواس ل ُت ُ‬
‫بعضها إىل بعض لتشكل ندفة ثلجية هلا من التعقيد ما ال جيرؤ أي رياضي أن‬
‫يطلق عليه امس اً! وهذا ما يدعى يف الرياضيات بتضاعف التشعبات‪ .‬فأعقد البىن‬
‫تشع يب ‪ Fractals‬أساسية‪ .‬وهكذا‬ ‫الطبيعية ميكن إرجاعها إىل تضاعف وت راكب ّ‬ ‫هبذه العبارة البسيطة ع برّ توما األكويين عن إحساس اإلنسان بالعالقة القائمة‬
‫فإننا جند يف خضم الفوضى اليت جتنح الطبيعة إليها إشعاع اً ناظم اً من قوانني‬
‫بني الرياضيات والطبيعة واجلمال‪ .‬وقبله قال الفيثاغوريون إن «كل شيء مرتب‬
‫التناسب‪ .‬ولعل هذه الثنائية بني ظاهر الفوضى وباطن النظام هي اليت أدت إىل‬
‫وفق العدد»‪ .‬ومفهوم التناسب يف الفيثاغورية مشتق من مفهوم النظام يف تعريفه‬
‫تفتح الوعي‪ .‬والطبيعة وإن مل تكن لتقنع أب ��داً باألشكال البسيطة‪ ،‬إال أهن ��ا مل‬
‫الرقمي‪ .‬وهكذا فإن جوهر احلقيقة الفيزيائية مرتبط بالعدد‪ ،‬واجلمال قائم على‬
‫تعدِّل أبداً قوانينها األساسية البسيطة اليت تقوم على مفهومي الوحدة واالتساق‪.‬‬
‫ركائز حسابية‪.‬‬
‫ويدرك العلماء اليوم‪ ،‬أكثر من أي وقت مضى‪ ،‬أن كل شيء يف الطبيعة خاضع‬
‫لقوانني التناسق‪ .‬كذا فإن اإلنسان يشعر أن اجلمال يرتكز على قوانني التناسب‪،‬‬
‫وحيدس أن الطبيعة املتناسبة إمنا تفصح بتشكيالهتا عن مجال أعمق من اجلمال‬
‫الظاهري‪ ،‬أي عن مجال احلقيقة املكنونة يف تنوعاهتا كلها‪ .‬وال شك أن شعور‬
‫اإلن ��س ��ان ب ��اجل ��م ��ال يعكس بنية اإلن ��س ��ان نفسها القائمة على ق ��وان�ين التناسق‬
‫الطبيعية؛ وبالتايل فإن وعي اإلنسان هو يف جوهره فعل تناغم مع الطبيعة‪.‬‬
‫قصيمية حلزونية الشكل‪.‬‬

‫إن التنوعات اهلائلة للتصاميم الرياضية املعقدة ال�تي أبدعتها الطبيعة تفصح‬
‫مجيع اً عن عالقات رياضية بسيطة‪ .‬ونضرب مثاالً عليها احللزونات املتنوعة‪.‬‬
‫ففي قوقعة احللزون ذي احلج ريات ‪ – nautilus‬وهو حلزون ذو زوايا متساوية‪،‬‬
‫أي أنه حلزون لوغاريتمي – جند أن منحين احللزون يقطع األشعة املتجهة حنو‬
‫أربعة مناذج لبلورات ثلجية سداسية‪.‬‬
‫اخل ��ارج ب زاوية معينة ثابتة‪ .‬وتظهر هذه احللزونات اللوغاريتمية أيض اً يف احنناء‬
‫أنياب الفيل ويف قرون الكبش الربي ويف خمالب عصفور الكناري‪ .‬كما تشكل‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬
‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬ ‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫متعض يات من ت راكب دائري لألوجه الشكلية‪ .‬وهذا ما حيصل يف قلب زهر اللؤلؤ‬
‫ِّ‬ ‫الزه ريات الدقيقة اليت تؤلف لب زهرة األقحوان حلزونات على هيئة جمموعتني‬
‫أو البليس أو دوار الشمس والصنوبريات واألناناس وغريها‪.‬‬ ‫متعاكستني من ‪ 21‬و‪ 34‬حلزون اً‪ .‬وتوجد مماثِالت هلذه احللزونات يف أنواع كثرية‬
‫من النباتات‪ ،‬مثل األناناس والصنوبريات وأوراق األشجار وغريها‪ .‬وترتبط هذه‬
‫زهرة املخملية‪ :‬مؤلَّفة من ‪ 5‬بتالت‪.‬‬ ‫زهرة زنبق‪ :‬مؤلَّفة من مجلتني من ‪ 3‬بتالت‪.‬‬
‫ ‬ ‫عرف مبتتالية عمر اخليام أو فيبوناتشي‬‫احللزونات ارتباط اً وثيق اً مبتتالية رياضية تُ َ‬
‫‪.Fibonacci‬‬

‫خم طَّط لقلب زهرة ع بَّ اد الشمس‪.‬‬ ‫زه رات أقحوان أو زهر اللؤلؤ‪ :‬مؤلَّفة من ‪ 13‬بتلة‪ .‬‬

‫قوقعة احللزون ذي احلج ريات‪.‬‬

‫الحلزونات في الطبيعة‬
‫إن تعدد احللزونات الرياضية ال يقل عن تعدد األشكال احللزونية الطبيعية‪ .‬وميكن‬
‫حللقات احللزون أن تتباعد عن املركز بشكل حسايب (مثل حلزون أرمخيدس) أو‬
‫لوغاريتمي‪ .‬وينتج احللزون األول عن متتالية عددية‪ ،‬بينما ينتج احللزون الثاين‬
‫وميكن لنا مث الً مالحظة أن اإلبر الصغرية يف فرع جديد من شجرة صنوبر ِّ‬ ‫عن متتالية هندسية‪ .‬وميكن للخط احللزوين أن ميثل تضاعف اً أو منواً أو تغ رياً يف‬
‫تشك ل‬
‫حركة أو بنية طبيعية م ��ا‪ .‬وعندما خنتار شك الً ال على التعيني‪ ،‬ونكرره م رات‬
‫حلزونني يلتفان يساراً وميين اً وفق متتالية أعداد فيبوناتشي اليت تتجلى يف هذا‬
‫متتالية‪ ،‬فإن خمتلف نقاط الشكل الناتج ستمثل حلزونات لوغاريتمية‪ .‬وتكون‬
‫النطاق بأجلى مظاهرها‪ .‬فكما يف األشكال اللوغاريتمية النامجة عن التماثالت‬
‫املكرر نامج اً ببساطة عن تقسيم الشكل‬ ‫الظاهرة أوض ��ح عندما يكون الشكل َّ‬
‫امل ��ت ��ت ��ال ��ي ��ة (ك ��م ��ا يف املستطيل ال ��ذه �ب�ي)‪ ،‬ك ��ذل ��ك جن ��ده ��ا يف ك ��ل شبكة م ��زدوج ��ة‬
‫األصلي وفق صورته األصلية‪ .‬وهذا هو مثال املستطيل الذهيب أو املثلث الذهيب‪.‬‬
‫متداخلة من احللزونات‪ .‬ولدينا يف األناناس ‪ 5‬حلزونات مباشرة و‪ 8‬معاكسة‪،‬‬
‫ينطبق ذل ��ك على أن ��واع القواقع ال�تي تُبىن وف ��ق مسافات منتظمة‪ ،‬كما وعلى‬
‫ويف الصنوبريات ‪ ،3,18‬ويف زهرة اللؤلؤ والبابونج وأنواع الفصيلة األخرى ‪،34,21‬‬
‫األوراق النباتية امللتفة‪ .‬كذلك تظهر األشكال احللزونية املستعرضة عندما تُبىن‬
‫‪6‬‬ ‫‪5‬‬
‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬ ‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫ ‬ ‫ويف عبّ اد الشمس ‪ ،55,34‬وميكن أن تصل فيها إىل ‪.89,55‬‬


‫ترى ما سبب هذا النم ِو احللزوين؟ تنمو اخللية أو البنية احلية بإحدى طريقتني‪:‬‬
‫إما مبضاعفة حجمها أو بتكاثرها‪ .‬والنمو احلجمي حمدود بسبب تناسب احلجم‬
‫مع السطح املسؤول عن التبادالت بني املتعضية والبيئة‪ .‬وعندما يصل النمو إىل‬
‫هذا احلد تبدأ طريقة االنقسام اخللوي‪ .‬لكن هذا االنقسام الذي يتم وفق متتالية‬
‫هندسية ال ميكن له أن يستمر إال لعدد معني من األجيال يف املستعمرة العضوية‬
‫الواحدة‪ .‬ويتوقف األمر على مسألة النمو احلجمي العشوائي الذي يتعدى حدوداً‬
‫معينة إلمكانات سطح املستعمرة اخللوية على إحداث التبادالت مع البيئة‪ .‬إن‬
‫البنية اللولبية للـ‪.DNA‬‬
‫هذه احملدودية هي اليت تفرض نوع اً خاص اً من النمو‪ ،‬نوع اً يتطلب أقل تكلفة‬
‫وجهد بالنسبة إلمكانات النمو املثلى‪ .‬وميكن هلذا النمو أن يتم ضمن بُعدين‬
‫متثل هذه الثنائيات أرقام اً متتالية يف متتالية فيبوناتشي‪ ،‬ونسبتها الثابتة تتكرر‬
‫أو بُعد واحد‪ .‬ويتطلب النمو ثنائي البعد حام الً يصبح هو نفسه ُم ْش ِرط اً لنمو‬
‫يف الطبيعة بشكل ال ي ��وص ��ف‪ .‬فمن معديات األرج ��ل إىل ق ��رون امل ��ام ��وث‪ ،‬ومن‬
‫املتعضية‪ .‬أما النمو الوحيد االجتاه فيُ فرتض فيه نظري اً أن يكون خطي اً مستقيم اً؛‬
‫املوزعة لألوراق‬
‫حوالق الكرمة (األوراق املتحولة إىل خيوط) إىل احللزونات الورقية ِّ‬
‫وهذا يفرتض ناظم اً كام الً لالحن رافات البسيطة عن النقطة االبتدائية‪ ،‬أي لبداية‬
‫الس ري عند اإلنسان إىل أذنه الداخلية‪ ،‬ومن الفريوسات‬ ‫على الكأس‪ ،‬ومن احلبل ُّ‬
‫النمو‪ .‬غري أن امليل الطبيعي حنو العشوائية يف الطبيعة يعكس امليل إىل االلتفاف‬
‫إىل الـ‪ ،DNA‬ومن اإلعصار إىل اجملرة احللزونية‪ ،‬يبدو أن العامل احلي مبين من هذه‬
‫يف اجتاه ما‪ ،‬األمر الذي يؤدي إىل وجود دائري‪ .‬ويصري احتمال النمو وحيد االجتاه‬
‫احللزونات اللوغاريتمية‪.‬‬
‫يف شكل مستقيم ضئي الً جداً يف الف راغ‪ ،‬ويتحول النمو الدائري الناجم عن احن راف‬
‫الشروط البدئية إىل النمو احللزوين‪ ،‬بل وإىل النمو احللزوين امل رتاكب‪ .‬إنه قانون‬
‫طبيعي‪ ،‬إذن‪ ،‬ينشأ أص الً عن قانون امليل إىل الفوضى يف الطبيعة‪ ،‬وعدم القدرة‬
‫على احلفاظ على الشروط االبتدائية يف ناظم صارم‪ .‬لكن قانون الفوضى نفسه‪،‬‬
‫كما وجدنا‪ ،‬يؤدي إىل أشكال ناظمة غاية يف اإلش راق‪ .‬ترى هل ميثل الص راع بني‬
‫جوهر‬
‫َ‬ ‫امليل إىل الفوضى والبحث عن حل أمثل للحركة باجتاه االنتظام والوعي‬
‫اجلمال الذي نشعر به؟‬
‫جمرة حلزونية ‪63 M‬‬ ‫دوامية ‪ 51 M‬‬
‫جمرة َّ‬ ‫ ‬
‫إن ال تناظر البنية احللزونية يقودنا إىل التساؤل ح ��ول إذا م ��ا كانت األشكال‬
‫املتناظرة ميين اً ومشاالً موجودة أص الً يف الطبيعة‪ .‬واإلجابة ليست هبذه السهولة‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬
‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬ ‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫للنسبة اإلهلية‪ .‬فما هي النسبة اإلهلية اليت تُدعى بالذهبية أيض اً‪ ،‬وما عالقتها‬ ‫فقد رأي ��ن ��ا أن انكسار التناظر ب�ين احل ��ل ��زون ��ات املباشرة واملعاكسة وف ��ق متتالية‬
‫مبتتالية فيبوناتشي؟‬ ‫فيبوناتشي يكاد أن يكون قانون اً يف عامل النبات‪ .‬إن جمرد وجود بنية حلزونية يف‬
‫مبس ط هي الطريقة األكثر‬ ‫النسبة الذهبية ‪ ،Golden Section‬يف شكل َّ‬ ‫متعضية ما يعين عموم اً أهنا غري متناظرة‪ .‬وتلكم هي احلال بالنسبة للفريوسات‬
‫منطقية للقسمة بشكل غري متناظر‪ ،‬أي للقسمة إىل غري النصفني‪ .‬فإذا كان‬ ‫والبكرتيا‪ ،‬وص ��والً إىل العناصر العضوية يف الثدييات العليا‪ .‬ولعل أكثر األمثلة‬
‫لدينا طول قابل للقياس ‪ ،AC‬فالنسبة الذهبية متثل قسمته إىل طولني غري‬ ‫إده ��اش �اً على ذل ��ك جن ��ده ��ا يف ال ��رخ ��وي ��ات‪ .‬وم ��ع ذل ��ك ت ��وج ��د بعض االس ��ت ��ث ��ن ��اءات‪.‬‬
‫متساويني ‪ AB‬و‪ ،BC‬حبيث تكون نسبة اجل ��زء األك�بر إىل اجل ��زء األصغر‬ ‫فللقوقعة تناظر بالنسبة إىل مستوي متوسط يقطعها‪.‬‬
‫تساوي النسبة بني القطعة كلها ‪ AC‬وبني اجلزء األك�بر‪ ،‬أي ‪a/b = a +‬‬
‫‪.b/a‬‬

‫مقطع يف قوقعة‪ :‬لولب يف حلزون‪.‬‬

‫حلزون ذهيب تقرييب مرسوم يف متتالية مربعات‪ ،‬برسم ‬ ‫طريقة رسم املستطيل الذهيب انطالق اً من مربع‪ .‬‬
‫كل مربع‪.‬‬
‫وميكن لنا القول يف شكل عام إن انكسار التوازن يف البُ ىن الطبيعية �يُ َع د قانون اً‬
‫ربع دائرة يف ِّ‬ ‫ ‬
‫ناظم اً يف حد ذاته للصريورة الطبيعية‪ .‬فنمو الكائنات‪ ،‬كما وتطورها عرب األجيال‪،‬‬
‫خيضع باستم رار إىل إنشاء تشكيالت جديدة هي‪ ،‬يف معظم األحيان بعيدة عن‬
‫لكن ملاذا هذا التناسب بالذات دون غريه؟ يف احلقيقة ليس لدينا يف أبسط‬
‫التناظر‪ ،‬إمنا خاضعة يف النهاية لقانون أساسي هو قانون الطبيعة البسيط‪ :‬قانون‬
‫حاالت التناسب سواه‪ .‬وميكن احلصول عليه من أبسط تناسب ميكن تشكيله‪،‬‬
‫اجلهد األقل‪.‬‬
‫وفق مبدأ االقتصاد الذي وضعه وليم األوكامي ‪William of Occam‬‬
‫يف القرن ال رابع عشر بالشكل ‪( a/b = b/c‬حيث ‪ .)a + b = c‬وبشكل‬ ‫متتالية فيبوناتشي والنسبة الذهبية‬
‫أوضح‪ ،‬إذا حاولنا تشكيل كافة التناسبات املمكنة بني األطوال ‪ a‬و‪ b‬و‪،c‬‬ ‫يف العام ‪ 1509‬نشر األخ لوكا باتشيويل ‪ Fra Luca Pacioli‬اإليطايل‪ ،‬الذي‬
‫أي بني النِ َس ب ‪ ،a/b, a/c, b/a, b/c, c/a, c/b‬ألمكن اخت زاهلا كلها‬ ‫لُقب بال راهب الثمل باجلمال‪ ،‬مؤلف اً بعنوان النسبة اإلهلية‪ .‬وقد رسم صور هذا‬
‫يف النهاية إما إىل ‪( a = b‬وهي قسمة متناظرة) أو إىل التناسب غري املتناظر‬ ‫الكتاب ليوناردو دافنشي الذي مل يكن أقل من املؤلف سك راً باجلمال وعشق اً‬
‫‪10‬‬ ‫‪9‬‬
‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬ ‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫أننا خنتار شك الً قريب اً من املستطيل الذهيب يف معظم املواد االستهالكية املستطيلة‬ ‫‪ .a/b = c/a‬ويعطي هذا التناسب معادلة من الشكل (‪= 1 – a/b – 2 )a/b‬‬
‫الشكل اليت نتعامل معها‪ .‬فكتبنا ودفاترنا‪ ،‬وحىت قطع السكر أو الطوابع الربيدية‬ ‫‪0‬؛ وحلها هو العدد الذهيب ‪ φ‬ويساوي ‪.1,618‬‬
‫أو تقسيم حج رات أو نوافذ املنازل‪ ،‬كلها قريبة من النسبة الذهبية‪ .‬وقد أوىل‬
‫دافنتشي هذا املستطيل أمهية خاصة واعتمد عليه يف رسم الكثري من لوحاته‪.‬‬
‫النسبة الذهبية يف األشكال اهلندسية‬
‫املخم س املنتظم ويف املضلع ذي العشرة‬
‫توجد النسبة الذهبية يف شكل خاص يف َّ‬
‫العدد الذهيب يف احلياة‬ ‫خمم س املعرفة‪ ،‬وه ��و النجمة اخلماسية‬
‫واملخم س املنتظم ه ��و َّ‬
‫َّ‬ ‫أض�لاع املنتظم‪.‬‬
‫حتمل التفاحة – مثرة شجرة معرفة اخلري والشر – رمزية فائقة‪ .‬وقد اعتاد دارسو‬ ‫العزيزة على الفيثاغوريني؛ وكانت يف نظرهم رمز العلم الصغري ‪Microcosm‬‬
‫األساطري الكشف عن أحد وجهي رمزيتها من خالل جتزئتها إىل قسمني طولي اً‪،‬‬ ‫(اإلنسان – الكون الصغري)‪ .‬وقد حافظ على هذا الرمز فالسفة العصور الوسطى‬
‫حبيث تظهر رمزية امل رأة‪ ،‬القطب السالب‪ ،‬اجلاذبة لإلنسان إىل ثنائية اخلري والشر‪.‬‬ ‫وعصر النهضة‪ .‬ورسم دافنتشي شك الً شه رياً لإلنسان – الكون الصغري – ضمن‬
‫لكن قلة من ال ��دارس�ين قطعوا التفاحة عرضي اً وش ��اه ��دوا املضلعات الذهبية –‬ ‫خمم س‪ ،‬كما نادى به أغريبا نتشامي ‪ .A. Nettesheim‬وكان هذا الشكل رم زاً‬ ‫َّ‬
‫خمم س اً حيوي‬
‫الوجه اآلخر اإلجيايب‪ .‬وإذا متعنّ ا يف املضلع املرتسم أمامنا سنلحظ َّ‬ ‫للصحة واحلب‪ .‬ويع لِّ منا لوقيانوس أنه كان رمز االرتباط بالفيثاغوريني‪.‬‬
‫يسود مع جفاف التفاحة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫البذور‪ ،‬مث خممس اً آخر غري واضح كاألول‪ ،‬سرعان ما‬
‫ليشكل مع األول مضلع اً من عشرة وجوه‪ .‬ويف كل من هذه املضلعات الذهبية‬
‫نستطيع أن نستشف معىن جديداً لألسطورة القدمية!‬ ‫س ل ��ي ��ون ��اردو دافنتشي‪ ،‬مثله كمثل فيثاغوراس‪،‬‬
‫َد َر َ‬
‫اجلسم البشري دراسة متأنية‪،‬‬
‫مب يِ ن اً أن أج زائه املختلفة مرتبطة بالنسبة الذهبية‪.‬‬

‫مقطع عرضي يف تفاحة يب ينِّ املض لَّ عات الذهبية‪.‬‬ ‫وقد بينت التجارب اإلحصائية أن عرض جمموعة خمتلفة من املستطيالت‪ ،‬من بينها‬
‫املستطيل الذهيب‪ ،‬على أناس خمتلفني يؤدي‪ ،‬يف غالب األحيان‪ ،‬إىل اختيارهم له‬
‫والتفاحة ليست استثناء‪ .‬فكافة األزهار اخلماسية األج زاء حتقق هذه النسبة‪ .‬قد‬ ‫كأمجل املستطيالت وأكثرها تناسق اً‪ .‬ولو أمع نَّا النظر يف حياتنا اليومية لالحظنا‬
‫يعرتض بعضهم قائ الً إن أزهاراً أخرى رباعية أو سداسية أو سباعية األج زاء إخل ال‬
‫‪12‬‬ ‫‪11‬‬
‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬ ‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫اجملس م‪».‬‬
‫والنظ رات باجتاه قمة َّ‬ ‫متثل النسبة الذهبية‪ .‬لكن اإلجابة على هذا السؤال جاءت يف العام ‪1875‬‬
‫ ‬ ‫على يد فينر ‪ ،Wiener‬الذي وجد أن ال زاوية ‪ 137‬درجة و‪ 30‬دقيقة و‪28‬‬
‫وتلكم كانت طريقة دافنتشي التشكيلية‪ ،‬حيث كان يقسم اللوحة أوالً‬ ‫منو األوراق يف أثناء التباعد احللزوين الثابت لفروع‬ ‫ثانية اليت تظهر غالب اً يف ِّ‬
‫إىل تناسبات ذهبية‪ ،‬ويبين من بعد الظالل واألنوار وفقها‪ ،‬ويوجه احلركات‬ ‫التيجان – وه ��ي زاوي ��ة تنتج ع ��ن ح ��ل معادلة النسبة الذهبية‪ ،‬وت ��س ��اوي ‪،‬‬
‫والنظ رات مع تناسباهتا!‬ ‫وتوافق احلل الرياضي ملسألة التوزع األمثل (يكون األقصى يف املناخ املعتدل)‬
‫ل �ل�أوراق‪ ،‬حبيث يكون ال ��ض ��وء ال ��واص ��ل حم ��وري �اً أو ع ��م ��ودي �اً‪ .‬وق ��د ُدع ��ي ��ت هذه‬
‫ال زاوية بال زاوية املثلى‪ ،‬وتساوي ‪.‬‬

‫خم طَّط لـ»فينوس» بوتيتشيلي يبي‬ ‫ ‬


‫التناسب الطويل لإلنسان‪.‬‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫منو النبات‪ :‬منظر علوي‪.‬‬
‫ال زاوية املثلى يف ِّ‬ ‫منو النبات‪ :‬منظر جانيب‪ .‬‬
‫ال زاوية املثلى يف ِّ‬
‫التناس بات الذهبية يف قامتها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وجود‬ ‫ ‬
‫ول ��ك ��ن م ��اذا ع ��ن اجل ��س ��م اإلن ��س ��اين وع ��ن ح ��رك ��ت ��ه؟ ي ��ق ��ول رودل � ��ف الب ��ان ‪M.‬‬
‫ولعل النسبة الذهبية تربز أكثر ما تربز يف التناسب الطويل لإلنسان‪ .‬فنسبة‬ ‫‪ ،Rudolf Laban‬مدير إحدى أشهر مدارس الرقص اإليقاعي يف أملانيا‪:‬‬
‫ط ��ول اإلن ��س ��ان إىل ارت ��ف ��اع سرته عن األرض تساوي أو تقارب كث رياً النسبة‬ ‫�ؤدى يف شكل أمثل‬ ‫«إن ك ��ل ح ��رك ��ات اجل ��س ��م اإلن ��س ��اين يف األب ��ع ��اد ال ��ث�لاث ��ة تُ � َّ‬
‫ال ��ذه ��ب ��ي ��ة‪ .‬وق ��د بينَ ت ال ��د راس ��ات اإلح ��ص ��ائ ��ي ��ة صحة ه ��ذه النسبة يف معظم‬ ‫بانتقاالت زاوية تقدر بـ‪ 72‬درجة‪ ،‬وإن خمتلف االجتاهات يف الفضاء املوافقة‬
‫التماثيل اليونانية القدمية‪ .‬وم ��ن خ�لال دراس ��ة إحصائية لألجناس البشرية‬ ‫جمس م منتظم من عشرين وجه اً‪ ،‬حيث تشكل‬ ‫هلذه االنتقاالت تمُ ثَّل بأقطار َّ‬
‫تبني أن بعضها ميثل هذه النسبة متام اً‪ ،‬يف حني أن األجناس األخرى تقرتب‬ ‫املخم سة‪ ».‬ويقول مع لِّ م الرقص‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ال زاوية ‪ 72‬ال زاوية املركزية يف أحد وجوهه‬
‫منها‪ .‬ويف كل حاالت عدم حتقق النسبة‪ ،‬مل يقع خط النسبة الذهبية فوق‬ ‫«إن احلركات املتناغمة هي اليت تقود اخلطوات وحركات الذ راعني واليدين‬
‫السرة‪ ،‬بل حتتها‪ .‬فإذا أخذنا بعني االعتبار أن الطفل الوليد ال ينمو بتناسب‬
‫‪14‬‬ ‫‪13‬‬
‫النسبة الذهبية ‪ ..‬اجلماليات بني الرياضيات والطبيعة‬

‫ثابت يف كافة أعضائه بسبب قصر طرفيه السفليني‪ ،‬نستطيع االستنتاج أن‬
‫النمو اإلنساين يقرتب يف سن النضج من حتقيق النسبة الذهبية‪.‬‬
‫اجلمال واملعرفة‬
‫لقد جتاوزت الرياضيات اليوم جمرد كوهنا حق الً للقياس أو للتطبيق الفيزيائي‪،‬‬
‫وباتت طريق اً إىل املعرفة وموئ الً ملريديها‪ .‬واملعرفة‪ ،‬من هذا املنظور‪ ،‬تتجاوز‬
‫املنهج الذي يقوم على النظرية والربهان‪ :‬فهي تتأسس ببساطة على التناسق‬
‫الكامل يف البناء الشكلي البحت‪ .‬وإذا ك ��ان ه ��ذا التناسق كلي اً‪ ،‬فهو لن‬
‫يؤدي إىل نظريات خمتلفة‪ ،‬بل إىل صريورة معرفية موازية للصريورة التطورية‬
‫الطبيعية‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬فإن الشكل املعريف ليس هنائ يًّ ا‪ ،‬بل هو شكل متفتح‬
‫أخ اذ ال ينفك يتفلت من إسار الفرضيات ويغوص أكثر‬ ‫باستم رار عن مجال َّ‬
‫فأكثر يف وحدة الشكل واجلوهر‪.‬‬
‫إن ال ��ت ��أم ��ل يف ت ��ن ��وع مج ��ال الطبيعة‪ ،‬واجن ��ذاب ��ن ��ا لسحر أل ��واهن ��ا وت ��ن ��وع أشكاهلا‬
‫الالهنائية‪ ،‬يدل على أن اجلمال موجود بداخلنا‪ ،‬وأننا كائنات منسجمة مع‬
‫الطبيعة وننتمي هلا‪ ،‬ولعل املعرفة ليست يف جوهرها سوى جت لِّ ي اجلمال يف‬
‫أهبى مظهر له‪ ،‬أال وهو التوحد مع الطبيعة‪ ،‬ووعي الذات يف مجال الوجود‪.‬‬

‫‪16‬‬ ‫‪15‬‬
‫قدمت ال ّنساء للعلم؟‬
‫ماذا ّ‬ ‫ريا يف آخر بضعة آالف عام‬
‫تطور البشر كث ً‬

‫« ‹معظم الطف رات الىت اِكتُ ش َف ت ظهرت يف آخر ‪ 200‬جيل تقريبا‪ ،‬مل يكن هنالك‬
‫الدراسات اجلينية احلديثة تقول‬
‫وقت اً كافي اً للتغيري العشوائي أو التغيري احملدد من خالل االنتخاب الطبيعي› يقول‬ ‫ريا يف آخر بضعة آالف عام‬
‫بأن البشر تطوروا كث ً‬
‫ّ‬
‫(جوشوا أكاي) عامل اجلينات من جامعة واشنطن‪‹ ،‬فلدينا خمزون لكل هذا التنوع‬
‫اجل ��دي ��د ليستخدمه البشر ك ��رك ��ي ��زة‪ .‬على حن ��و م ��ا‪ ،‬حن ��ن نُعترب اآلن أك ��ث ��ر قابلية‬
‫يقول البعض بأن احلياة أصبحت يسرية اآلن‪ ،‬وبالتّ ايل مل نعد نتطور بسبب غياب‬
‫للتطور عن أي زمن مضى ىف تارخينا‪« ›.‬‬
‫الضغط البيئي‪ .‬فكما يُقال‪ ،‬معظم البشر يعيشون اآلن حياة طويلة وهلم فرصة‬
‫كبرية لتمرير جيناهتم‪ ،‬فمنذ أصبحنا ال نُ��ف�ترس م ��ن األس ��ود أو من ��وت بواسطة‬
‫معظم الزحيانات اجلينية اجلديدة يف غاية الندرة‪ ،‬ظاهرة فقط يف أج زاء صغرية من‬
‫األم �راض الىت متّ اكتشاف عالج هلا‪ ،‬أضعف هذا تأثري قوى االنتخاب الطبيعي‬
‫التجمعات البشرية‪ .‬ينظر الباحثون إىل ادراكهم اتساع نطاق التنوع اجليين ىف‬
‫على اجلنس البشري‪.‬‬
‫البشر من حيث ما قد تعنيه حملاولة فهم األساسيات اجلينية لعدد من األم راض‪،‬‬
‫أيض ا هو أنّه يف‬
‫أو فيما قد ختربنا عن تاريخ التطور البشري‪ .‬ولكن ما يعنيه هذا ً‬ ‫متام ا‪ ،‬فخالل اخلمسة إىل عشرة آالف عام املاضية‪،‬‬ ‫ولكن يبدو أ ّن الواقع خمتلف ً‬
‫ٍ‬
‫بشكل سريع لنتأقلم معها‪.‬‬ ‫فسنتطور‬
‫ّ‬ ‫حالة ظهور مرض جديد أو غريه‪،‬‬
‫كما نُشر يف اجمللة العلمية (نيتشر) (‪« ،)Nature‬انفجر» التنوع اجليين لدى‬
‫التجمعات البشرية مبعدل كبري‪ ،‬العملية الىت تعترب مبثابة اخلطوة األوىل يف عملية‬
‫ترمجة‪Abd Al-Rahmân :‬‬
‫التطور‪ .‬تقول (نيتشر)‪:‬‬
‫املصادر‪:‬‬
‫‪http://www.smithsonianmag.com/smart-news/‬‬
‫«لقد كان اجلنيوم البشري متواصل النشاط خالل الـ ‪ 5000‬عام املاضية‪ .‬منت‬
‫‪humans-have-been-evolving-like-crazy-over-the-‬‬
‫التجمعات البشرية بإط راد ملحوظ خالل هذه الفرتة‪ ،‬و ظهرت طف رات جينية‬
‫‪147494375-past-few-thousand-years‬‬
‫جديدة مع كل جيل‪ .‬ميتلك البشر اآلن وفرة من النسخ اجلينية النادرة ىف املناطق‬
‫‪years--000-5-http://www.nature.com/news/past‬‬
‫املنتجة للربوتني داخل اجلينوم‪».‬‬
‫‪1.11912-prolific-for-changes-to-human-genome‬‬
‫‪recent-human-/11/2012/http://www.wired.com‬‬
‫يكتب ب راندون كيم ‪ -‬الصحفي املتخصص ىف اجمل ��االت العلمية ‪ -‬على موقع‬
‫‪2-evolution‬‬
‫(‪« :)Wired‬حنن كنوع حيدث لنا طف رات على الدوام هي املادة اخلام للتطور»‪،‬‬
‫مضي ًف ا يف املقال قول أحد الباحثني‪:‬‬

‫‪18‬‬ ‫‪17‬‬
‫يف عصور حديثة نسبيًا ‪ ..‬الرئيسيات تسود األرض‬ ‫يف عصور حديثة نسبيًا ‪ ..‬الرئيسيات تسود األرض‬

‫لي الً‪ ،‬عن بقيّ ة النسناسيّ ات‪ ،‬وهو أول من قام بذلك‪.‬‬
‫منذ ‪ 55‬مليون عام‬
‫ان ��ق �راض العصرين الباليوسيين واإلي ��وس ��ي�ني‪ .‬ارت ��ف ��اع مفاجئ يف غ ��ازات الدفيئة‬
‫منذ ‪ 75‬مليون عام‬
‫(‪ )greenhouse gases‬جعلت درجات احل رارة يف الكوكب ُم ستَ عِ رة‪ ،‬قاضي ةً‬ ‫انفصلت أسالف الرئيسيات ‪ Primates‬احلديثة عن أسالف القوارض احلديثة‬
‫على العديد من األن ��واع يف أعماق البحار‪ ،‬مع اإلبقاء على األن ��واع املوجودة يف‬
‫واألرن ��ب ��يّ ��ات (األران ��ب واألران ��ب الوحشية والبيكا ‪ .)pikas‬مضت ال ��ق ��وارض يف‬
‫البحار الضحلة وعلى اليابسة‪.‬‬
‫طريقها بنجاح منقطع النظري‪ ،‬منتج ةً يف هناية املطاف ق رابة ‪ 40‬باملئة من أنواع‬
‫منذ ‪ 50‬مليون عام‬
‫الثدييات احلديثة‪.‬‬
‫ب ��دء تطور م ��زدوج ��ات األص ��اب ��ع (ذات الظلف)‪ ،‬وال�تي تبدو كجسر ب�ين الذئب‬
‫منذ‪ 70‬مليون عام‬
‫والتابري (‪ :tapir‬حيوان شبيه باخلنزير) إىل حيتان‪.‬‬
‫ت ��ط � ّ�ورت األع ��ش ��اب‪ ،‬على ال ��رغ ��م م ��ن ماليني األع ��وام الفاصلة ع ��ن ظهور امل راعي‬
‫منذ ‪ 48‬مليون عام‬
‫الشاسعة‪.‬‬
‫اإلندوهيوس سلف حمتمل آخر للحيتان و الدالفني‪ ،‬عاش يف اهلند‪.‬‬
‫منذ ‪ 65‬مليون عام‬
‫منذ ‪ 47‬مليون عام‬
‫القضاء على مساحات شاسعة من األنواع بسبب انق راض العصر الطباشريي الثالثي‪،‬‬
‫األحفورة املشهورة من الرئيسيات‪ ،‬اليت عرفت باسم «إيدا ‪ »Ida‬عاشت يف مشال‬
‫مبا فيها الزواحف العمالقة‪ :‬الديناصورات‪ ،‬بتريوساوروس‪ ،‬إيكتيوساوروس‪ ،‬و‬
‫املدعوة بروتوسيتيدس ‪ protocetids‬تعيش يف البحار‬ ‫ّ‬ ‫أوروبا‪ .‬احليتان البدائية‬
‫متحج رة)‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بليزيوساوروس‪ .‬كذلك انقرضت األمونيت ‪( ammonites‬أصداف‬
‫الضحلة‪ ،‬حيث تعود إىل اليابسة لتلد‪.‬‬
‫مه د هذا االنق راض الطريق للثدييات اليت ستسيطر على الكوكب قريب اً‪.‬‬ ‫ّ‬
‫منذ ‪ 40‬مليون عام‬
‫منذ ‪ 63‬مليون عام‬
‫قرود العامل اجلديد تصبح أول النسانيس ‪( simians‬رئيسيات عليا) اليت تبتعد‬
‫انقسمت الرئيسيات إىل جمموعتني‪ ،‬عُ رفت بالنسناسيّ ات ‪haplorrhines‬‬
‫عن بقية اجملموعة‪ ،‬وتستوطن أمريكا اجلنوبية‪.‬‬
‫(رئيسيات جافّة األنف) واهلباريات ‪( strepsirrhines‬رئيسيّ ات رطبة األنف)‪.‬‬
‫منذ ‪ 25‬مليون عام‬
‫تطورت اهلباريات يف هناية املطاف إىل الليمور (نوع من القرود البدائية) واآلي آي‬ ‫ّ‬
‫تنفصل السعادين عن قرود العامل القدمي‪.‬‬
‫تطورت النسناسيات إىل السعادين والقردة‬ ‫(خملوق ليلي يشبه الليمور)‪ ،‬يف حني ّ‬
‫منذ ‪ 18‬مليون عام‬
‫والبشر‪.‬‬
‫اجلبّ ون (قرد رشيق احلركة) يصبح أول سعدان ينفصل عن البقية‪.‬‬
‫منذ ‪ 58‬مليون عام‬
‫منذ ‪ 14‬مليون عام‬
‫انفصل الرتسري ‪ ،tarsier‬وهو حيوان رئيسي بعيون كبرية ملساعدته على الرؤية‬
‫(الس عالة أو حيوان ال ��غ ��اب‪ -‬حيوان ثديي من ال ��ق ��رود) من‬ ‫تتفرع األوران ��غ ��وت ��ان ِّ‬
‫ّ‬
‫‪20‬‬ ‫‪19‬‬
‫يف عصور حديثة نسبيًا ‪ ..‬الرئيسيات تسود األرض‬ ‫يف عصور حديثة نسبيًا ‪ ..‬الرئيسيات تسود األرض‬

‫القردة العليا األخ ��رى‪ ،‬منتشرًة عرب جنوب آسيا‪ ،‬يف حني أ ّن أبناء عمومتهم‬
‫بقوا يف إفريقيا‪.‬‬
‫منذ ‪ 7‬مليون عام‬
‫تتفرع الغوريال من القردة العليا األخرى‪.‬‬ ‫ّ‬
‫منذ ‪ 6‬مليون عام‬
‫يتفرع اإلنسان من أقرب أقربائه؛ الشمبانزي وقرد البونوبو‪ .‬بعد ذلك بوقت‬ ‫ّ‬
‫قصري يبدأ اهلومينني أو أشباه البشر ‪ hominins‬باملشي على قدمني‪.‬‬
‫منذ ‪ 2‬مليون عام‬
‫ي ��ع ��ي ��ش ق � ��ارض ب � ��وزن ‪ 700‬ك ��ي ��ل ��وغ �رام ي ��دع ��ى ج ��وزي ��ف ��ورت ��ي ��غ ��اس ��ي ��ا م ��ون ��ي ��س ��ي‬
‫‪ Josephoartigasia monesi‬يف أمريكا اجلنوبية‪ .‬يعترب أك�بر ق ��ارض‬
‫حيتل مكان حامل ال ��رق ��م القياسي ال ��ذي‬ ‫م ��ع ��روف على قيد احل ��ي ��اة‪ ،‬وب ��ذل ��ك ّ‬
‫سبقه‪ ،‬وهو خنزير غينيا الكبري‪.‬‬

‫املصدر ‪:‬‬
‫‪-http://www.newscientist.com/article/dn17453‬‬
‫‪timeline-the-evolution-of-life.html?full=true#.‬‬
‫‪U0qk3vmSxql‬‬

‫من موقع الباحثون السوريون‬


‫‪/http://syr-res.com‬‬

‫‪22‬‬ ‫‪21‬‬
‫قدمت ال ّنساء للعلم؟‬
‫ماذا ّ‬ ‫ماذا قدمت النساء للعلم؟؟‬

‫�ان ُح َرم ت‬ ‫هنريتا س ��وان ليفيت هي عاملة فلك أمريكي ة ول ��دت وعاشت يف زم � ٍ‬
‫ّ‬
‫�اص ��ة‪ ،‬أو ح�ّت�ىّ من إستخدام امل ��ق ��ارب (أو‬
‫فيه امل �رأة من إدارة أحباثها العلميّ ة اخل � ّ‬ ‫احللقة الثانية‪:‬‬
‫خترجها من كليّ ة رادكليف يف‬ ‫ٍ‬
‫التّ يليسكوبات) املتوفّ رة‪ .‬ولذلك‪ ،‬بعد عام على ّ‬
‫خترجها بفرتة وج ��ي ��زة‪ ،‬أن‬
‫الص مم بعد ّ‬‫سنة ‪ ،1892‬ق � ّ�ررت ليفيت‪ ،‬وق ��د أص ��اهب ��ا ّ‬
‫تنضم إىل ف ��ري � ٍ�ق م ��ن ال ��نّ ��س ��اء ال ��ل ��وايت ك � ّ�ن يعملن كحواسيب ب ��ش ��ريّ��ة يف املرصد‬
‫ّ‬ ‫عاملة الفلك‪ :‬هنريتا سوان ليفيت‬
‫انضم ت فيها ليفيت إىل الفريق‪،‬‬ ‫الفضائي التّ ابع جلامعة هارفارد‪ .‬يف الفرتة اليت ّ‬ ‫‪ -‬اجلنسية‪ :‬أمريكية‪.‬‬
‫كان إدوارد تشارلز بيكريينج‪ ،‬املسؤول عن املرصد‪ ،‬قد ك لّ ف النّ ساء العامالت يف‬
‫‪ -‬املؤسسة‪ :‬جامعة هارفارد‬
‫مرصده بقياس وبناء جداول متيّ ز النّ جوم بناءً على ملعاهنا كما ظهرت يف األلواح‬
‫‪ -‬التخصص‪ :‬علم الفلك‬
‫الفوتوغ رافيّ ة‪.‬‬
‫يوم ا كيف حي ّدد علماء الفلك البعد احلقيقي بني الكرة األرضيّ ة‬ ‫هل تسائلت ً‬
‫يف املرصد‪ُ ،‬ك لّ فت ليفيت بد راسة نوعيّ ة من النّ جوم اليت عُ رفَ ت بإسم النّ جوم‬
‫جمرة معيّ نة؟ هنالك يف حقيقة األمر العديد من األساليب احلسابيّ ة اليت‬ ‫ٍ‬
‫الزمن‪ .‬يف البداية‪ ،‬الحظت ليفيت‬ ‫املتغ يرّ ة‪ ،‬نسب ةً للحقيقة بأ ّن ملعاهنا يتغ يرّ عرب ّ‬ ‫وجن م أو ّ‬
‫استخدمت عرب التّ اريخ لتقدير البعد الذي يفصل األرض عن جن ٍم مع ينّ ‪ ،‬ولكن‬
‫أ ّن هنالك اآلالف من هذه النّ جوم يف سحابة ماج الّن‪ ،‬ولذلك ق � ّ�ررت أن ترّك ز‬
‫لكل من هذه األساليب حمدوديّتها وعيوهبا‪ .‬ح تىّ األعوام القليلة األوىل من القرن‬‫ّ‬
‫استمرت‬
‫ّ‬ ‫الس يفيديّة‪ .‬بعد دراس ��ة‬‫اهتمامها على فئة معيّ نة تُ��ع � َ�رف باملتغ يرّ ات ّ‬
‫ٍ‬ ‫العشرين‪ ،‬األسلوب األشهر الذي اعتمده العلماء كان أسلوب عمليّ ة التّ ثليث‪،‬‬
‫لسنوات عديدة‪ ،‬اكتشفت ليفيت منط وعالقة فيزيائيّ ة مذهلة‪ :‬أ ّن ملعان النّ جوم‬
‫مهارة رص ��د قدمية استخدمت ملسح األراض ��ي‪ ،‬امل�لاح ��ة‪ ،‬وغريها من التّ طبيقات‬
‫الزمنيّ ة (أو ال ّد ورة) اليت تفصل بني احلاالت‬
‫احلقيقي متناسب طرديًّا مع طول الفرتة ّ‬ ‫ّ‬ ‫العمليّ ة‪.‬‬
‫الس طوع الباهر‪.‬‬
‫مير فيها النّ جم املتغ يرّ ‪ ،‬من اخلفوت وإىل ّ‬ ‫املختلفة اليت ّ‬
‫ولكن املشكلة املركزيّة يف عمليّ ة التّ ثليث هو أ ّن طبيعة األسلوب اهلندسيّ ة متنع أو‬
‫حل إشكاالً أع ��اق تق ّدم علم الفلك لسنوات‪.‬‬
‫هذا اإلكتشاف كان ثوريًّا ألنّ��ه ّ‬
‫لقد ع ��رف الفيزيائي ون منذ ٍ‬ ‫تعيق من قدرتنا على حساب األبعاد اهلائلة يف الكون بدقّة عالية‪ ،‬ولذلك احنصر‬
‫ف�ترة طويلة أ ّن هنالك عالقة حسابيّ ة عكسيّ ة بني‬ ‫ّ‬ ‫استخدام هذا األسلوب يف حماولة تقدير البعد الذي يفصلنا عن النّ جوم القريبة‬
‫ألي جسم مضيء) وبني تربيع املسافة اليت تفصل‬ ‫ال لّ معان احلقيقي للنّ جم (أو ّ‬ ‫صم اء‪ ،‬مض طّدة بسبب جنسها‪ ،‬وبالكاد‬ ‫نسب يًّ ا‪ .‬ولكن أعمال واكتشافات ام رأة ّ‬
‫الس هل إستخدام‬ ‫الرصد عن اجلسم‪ .‬ولكن قبل إكتشاف ليفيت‪ ،‬مل يكن من ّ‬ ‫أداة ّ‬ ‫نسمع عنها أو عن إجنازاهتا أي شيء‪ ،‬وعدت أن تغ كل ذلك يف ٍ‬
‫فرتة وجيزة‪.‬‬ ‫يرّ ّ‬ ‫ّ‬
‫نفرق بني ال لّ معان‬
‫الص عب علينا أن ّ‬
‫هذه العالقة احلسابيّ ة البسيطة ألنّه كان من ّ‬
‫ٍ‬
‫بكلمات أخ ��رى‪ :‬مل يكن لدينا األدوات‬ ‫احلقيقي وال لّ معان ال ظّاهر للنّ جم‪ ،‬أو‬
‫ّ‬
‫‪24‬‬ ‫‪23‬‬
‫قدمت ال ّنساء للعلم؟‬
‫ماذا ّ‬

‫الض وء أو ألنّه بعيد‬


‫نقرر إذا كان النّ جم خافتً ا ألنّه ال يبعث الكثري من ّ‬
‫لنعرف أو ّ‬
‫جدًّا عن األرض‪.‬‬

‫مه دت ألعظم اإلكتشافات‬ ‫هذه العالقة احلسابيّ ة البسيطة اليت اكتشفتها ليفيت ّ‬
‫الش هري إدوي ��ن هابل أ ّن الكون‬
‫يف ال ��ق ��رن العشرين‪ ،‬مثل إكتشاف ع ��امل الفلك ّ‬
‫يتوس ع‪ .‬هابل نفسه أدرك أمهيّ ة‬
‫جمرة‪ ،‬ويف النّ هاية أ ّن الكون ّ‬‫حيتوي على أكثر من ّ‬
‫ولكن‬
‫ّ‬ ‫تستحق جائزة نوبل على أعماهلا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إسهامات ليفيت العلميّ ة واعتقد أنهّ ا‬
‫جهود اإلع ت�راف بفضلها على العلم والتق ّدم العلمي مل تنجح لألسف‪ ،‬فلقد‬
‫الس نوات األخرية من حياهتا‪ ..‬وتوفّ يت ليفيت يف العام‬ ‫الس رطان يف ّ‬ ‫باغتها مرض ّ‬
‫تستحق أن نتذ ّك رها ألجله‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ ،1921‬تارك ةً إرثًا‬

‫‪25‬‬
‫كيف تعمل شاشة اللمس؟‬ ‫كيف تعمل شاشة اللمس؟‬

‫اللمس على األجهزة احملمولة‪ ،‬اليد األخ ��رى ال�تي متسك اجلهاز كفيلة بإكمال‬
‫�ؤرض كهربائ يًّ ا‬
‫اخللفي للجهاز‪ ،‬وهو اجلانب امل � ّ‬
‫ّ‬ ‫ال ّدائرة الكهربائيّ ة ح تىّ اجلانب‬
‫وأم ا يف حالة وجود شاشة ال لّ مس يف أجهزة‬ ‫(‪ّ .)Electrically grounded‬‬ ‫مصم موا وصانعوا شاشات اللمس ع ّدة تقنيّ ات مخُ تلفة‬ ‫عرب العقدين األخريين‪ ،‬اعتمد ّ‬
‫اآليل‪ ،‬فإ ّن جزءً من جسدنا سيكو ُن يف غالب األحوال‬
‫الصراف ّ‬ ‫أكرب‪ ،‬مثل ماكينة ّ‬ ‫الض وئيّ ة‪،‬‬
‫الش اشة‪ ،‬من عند التقنيّ ات امليكانيكيّ ة‪ّ ،‬‬ ‫لتحديد مكان اإلصبع على ّ‬
‫يضمن أ ّن أصابعنا قادرة على إكمال ال ّدائرة الكهربائيّ ة‬
‫ُ‬ ‫ض ما‪ ،‬ممّا‬‫مبؤر ٍ‬
‫ُم تّ ص الً ّ‬ ‫والكهربائيّ ة‪ .‬شاشات اللمس التّ كاثفيّ ة (‪،)Capacitive Touchscreens‬‬
‫لعمل شاشة ال لّ مس التّ كاثفيّ ة‪.‬‬ ‫وهي التّ كنولوجيا األكثر إنتشارا ِ‬
‫هذه األيّام‪ ،‬أثبتت أنهّ ا األكثر مرونة وفاعليّ ة يف‬ ‫ً‬
‫استشعار ملسة اإلنسان‪.‬‬
‫مير عرب جسدك‪،‬‬ ‫وجدت فيما عرضنا دواعي للتنبّ ه واحلذر أل ّن التيّ ار الكهربائي ّ‬‫َّ‬ ‫إذا‬
‫يلتزم باملستويات ال طّبيعيّ ة‬
‫املرتدد يف شاشات ال لّ مس ُ‬ ‫فال تقلق‪ .‬التيّ ار الكهربائي ّ‬ ‫مكونات الدائرة‬ ‫املكثّف (أو كما يُعرف باإلجنليزيّة‪ )Capacitor :‬هو أحد ّ‬
‫تحص لة‬
‫الش حنات الكهربائيّ ة يف أجسامنا‪ .‬إ ّن الثّورة احلقيقيّ ة والفائدة املُ ّ‬ ‫لوصل ّ‬ ‫مادة عازلة‪.‬‬‫واملكون‪ ،‬بأبسط صو ِرِه ‪ ،‬من لوحني موصلني وتفصل بينهما ّ‬ ‫كهربائيّ ة‬
‫ّ‬
‫تكمن يف سرعة استجابتها‪ .‬هذه القدرة الفريدة تُعزى‬ ‫ُ‬ ‫لشاشات ال لّ مس احلديثة‬ ‫هذه الفجوة‬ ‫التي ار املباشر (‪ )Direct Current – DC‬ال يستطيع عبور ِ‬
‫ّ‬
‫سم ى باملتح ّك م ال ّدقيق (‪ .)Microcontroller‬وراء ُك ّل‬ ‫إىل قطعة إلكرتونيّ ة تُ ّ‬ ‫املرتدد (‪ ،)Alternating Current – AC‬على‬ ‫ولكن التيّ ار ّ‬ ‫بني ال لّ وحني‪،‬‬
‫ّ‬
‫لوح يف شبكة األل ��واح الكهربائيّ ة املوجودة على شاشة ال لّ مس هنالك متح ّك م‬ ‫الش حنات على التدفّق من جهة واحدة إىل‬ ‫حيث بعض ّ‬ ‫اجلهة األخرى‪ ،‬يستطيع أن ّ‬
‫دقيق يتم�يُّز بسرعة نبض (‪ )Clockspeed‬نانوثانويّة (أي أ ّن بإستطاعتِ ِه تزويد‬ ‫اجلهة األخرى‪ .‬سطح شاشة اللمس م غ طّ ى بشبكة من ِ‬
‫هذه األلواح الكهربائيّ ة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الس رعة الفريدة هي ما‬ ‫ق رابة املليار صعقة كهربائيّ ة بسيطة يف الثّانية)‪ .‬ه ��ذه ّ‬ ‫تكاثفي‪ ،‬والتيّ ار‬ ‫كهربائي‬ ‫وصل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الش اشة يتش ّك ل ٌ‬ ‫ولذلك أينما يقع اصبعنا على ّ‬
‫ميه ُد لسهولة ومرونة التّ فاعل بني اهلواتف الذكيّ ة العصريّة وملسة اإلنسان‪ ،‬وهذا‬ ‫ّ‬ ‫ساع ُد على‬‫املرتدد الذي يتولّد داخل اجلهاز حي ّف ز تي ارا مماث الً يف أجسامنا – ممّا ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ ًّ‬ ‫ّ‬
‫الس نوات‬‫كنولوجي هو الذي دفع اإلزدياد يف جاذبيّ ة شاشات ال لّ مس يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫التق ّدم التّ‬ ‫س ّد الفجوة وإكمال ال ّدائرة الكهربائيّ ة‪.‬‬
‫األخرية‪.‬‬
‫�ح نيل جريشينفيلد‪ ،‬مدير‬ ‫�وض � ُ‬
‫موصل جيّ د للكهرباء»‪ ،‬ي � ّ‬
‫ٌ‬ ‫«جسم اإلن ��س ��ان هو‬
‫املصادر‪:‬‬ ‫�ذرات (‪ )Center for Bits and Atoms‬ال ��تّ ��اب ��ع ملعهد‬ ‫مركز األرق ��ان وال � ّ‬
‫‪how-do--1439/http://engineering.mit.edu/live/news‬‬ ‫كنولوجي (‪ .)MIT‬ولذلك إستخدام أصابعنا إلكمال ال ّدائرة‬ ‫ماساتشوستس التّ‬
‫ّ‬
‫‪touchsensitive-screens-work‬‬ ‫كثريا رص ��د ملسة اإلنسان بدقّة عالية‪ .‬ح�ّت�ىّ يستشعر‬ ‫يسه ل علينا ً‬ ‫الكهربائيّ ة ّ‬
‫‪http://en.wikipedia.org/wiki/Touchscreen‬‬ ‫املرتدد‪« ،‬ال بُ ّد‬
‫مكا ٌن ما على شبكة األلواح اليت تغ طّي شاشة اجلهاز وجود التيّ ار ّ‬
‫من صفحة ‪I believe in Science‬‬ ‫الكهربائي‪ »،‬خيربنا جريشينفيلد‪ .‬يف حالة شاشات‬ ‫من وجود سبيل لعودة التيّ ار‬
‫ّ‬
‫‪27‬‬ ‫‪26‬‬
‫نبضات بن باز ‪...‬‬ ‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫اعود الوضح واقول ان اقوى هذه احلجج « العلمية – الفلسفية» ال يؤيد‬ ‫امل يثبت الفالسفة والعلماء وجود اهلل؟‬
‫دي ��ن معني او ال ��ه معني ولكنها من املمكن ان تشري إىل وج ��ود علة اوىل او‬ ‫اليس هناك مؤمنون اذكى منك؟‬
‫مصمم‪ .‬وبالطبع هذا ال شيء يف حبر االديان الضخم‪ .‬يعين ببساطه ان صدقنا‬
‫وجود عله اوىل فهذا اليعين اهنا علة ذكية او واعية‪ ،‬فما بالك بدين يقول اهنا‬
‫علة دمها خفيف ارسلت ابنها الوحيد ليموت من اجل خطايانا!!!!‬ ‫‪ -1‬الم يثبت الفالسفة والعلماء وجود اهلل؟‬
‫وه ��ذا اعتقاد شائع ب�ين املتدينني ان هناك حجج فلسفية دام ��غ ��ه ت ��دل على‬
‫وجود اهلل‪ ،‬ولكن ال يوجد حجج فلسفية «تثبت» وجود أي اله او انه جيب‬
‫ان يكون موجودا‪ .‬ولكن يف افضل حاالهتا «اعين هذه احلجج» جتعل وجود‬
‫نوع معني من االهله حمتمل‪ ،‬هذا لو افرتضنا ان هذه احلجج قوية‪ .‬يف احلقيقة‪،‬‬
‫ان افضل هذه احلجج اليت تدافع عن وج ��ود اهلل هي حجج مليئة باملشاكل‬
‫والثغ رات واالخطاء املنطقية‪ .‬بل ان اكثرها هو جملرد جعل املؤمنون يعتقدون‬
‫بعقالنية وعدل امياهنم‪ ،‬ي عين هذه احلجج ال تبين اساس لكيفية اعتناق اميان‬
‫ما ولكن هي فقط « تعقلن» هذه االعتقادات‪.‬‬

‫ه ��ذا بالطبع ال ياخذ يف احلسب ان ان هناك الكثري من احلجج االحلادية‬


‫ال�تي تستخدم لنفي وج ��ود اهلل او على االق ��ل جعل االمي ��ان ب ��ه غ�ير عقالين‪.‬‬
‫وللتوضيح فانه اليوجد حجج احلادية تنفي متاما احتمالية وجود أي نوع من‬
‫االهله‪ ،‬ولكن هناك حجج جيده جدا ضد وجود تلك االهله اليت نعرفها ويؤمن‬
‫هبا البعض مثل املذكورين يف اليهودية و املسيحية واالسالم‪.‬‬

‫فاذا كانت هناك حجج علمية او فلسفية تدعم وجود اهلل فاهنا ليست قوية‬
‫كفاية لتكون كافية لوحدها جلعل االمي ��ان عقالين وخاصتا اذا وضعنا يف‬
‫احلسبان قوة احلجج ضد فكره وجود اهلل‪ .‬ونعين هناان هذه احلجج خاصة‬

‫‪29‬‬ ‫‪28‬‬
‫نبضات بن باز ‪...‬‬ ‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫أكثر من اجدادنا‪،‬وقد ثبت ان هناك عالقة بني التعليم اجليد واالحلاد‪( .‬راجع‬
‫خرب جملة نيتشر)‪ .‬الفالسفة والعلماء القدماء اعتقدوا يف اشياء االن حنن‬
‫نعتربها خطأ ومل يعتقدوا باشياء ثبت صحتها االن‪ .‬واذا كنا سنعتمد على‬
‫اراء الناس فمن االفضل ان ننظر للبشر يف القرن احل ��ايل الذين هم افضال‬
‫تعلما من بشر القرون الوسطى مثال‪.‬‬

‫ضد تلك االهله الشهرية وجتعل االميان هبا غري عقالين‪.‬‬


‫الفالسفة ق ��ال ��وا ان ه ��ن ��اك خليط م ��ع�ين م ��ن ال ��ص ��ف ��ات ل ��و اجتمع ف ��ان وج ��ود‬
‫هذا االله غري مرجح او مستحيل‪ .‬اما اذا ازلنا بعض تلك الصفات او اعدنا‬
‫تعريفها فانه يؤيد وجود اله ما‪ .‬ولكن للتأكيد ليس ذلك اهلل الذي نعرفه‪.‬‬
‫(الصورة أعالة توضح نسب املؤمنني باله يف اوروبا‪ ،‬وكما نرى جند النسبه تت زايد يف الدول االسالمية‬
‫اذا لكي تؤمن باله عليك ان تتخلى عن املفهوم التقليدي له‪ .‬ولذلك يفضل‬
‫مثل تركيا او الدول الشرقية اليت هبا مسيحية ارثوذوكس وباملناسبه كلمة ارثوذوكس تعين السلفية‬ ‫ال ��ك ��ث�ير م ��ن ال ��ن ��اس ان ي ��ص ��ف ��وا نفسهم بامللحدين ب ��غ ��ض ال ��ن ��ظ ��ر ع ��ن اس ��ب ��اب‬
‫اي اهنا تلك الكنيسة اليت اتبعت املسيح دون تغ ريات وهي نفس الفكره اليت يؤمن هبا السلفيون)‬ ‫تشككهم‪.‬‬

‫ان كون احد ما اذكى منك آمن بشيء ما فهذا ليس دافعا لك لكي تقلده‪.‬‬ ‫‪ -2‬اليس هناك مؤمنون اذكى منك؟‬
‫وهذا ما يسمى يف املنطق مبغالطات حجج السلطة‪ .‬وهذه املغالطة شديدة‬ ‫صحيح ان هناك من هو اذكى مين ومن كثري من امللحدين آمن بدين ما ولكن‬
‫االنتشار وحمتواها هو لو ان الشخص الذكي هو سلطه فيما يعتقده فبالتايل‬ ‫ما املشكله؟ فهناك ايضا من هو اذكى منك ورفض دينك! سواء لدين اخر او‬
‫علينا اخلضوع ل رايه وقناعاته‪.‬‬ ‫لالحلاد جبميع االديان‪ .‬وهؤالء امللحدون االذكياء يعيشون حياة الدينية بشكل‬
‫هناك ايضا شيء انوه علينا مره اخرى وهو سوء فهم مصطلح االحلاد‪ .‬االحلاد‬ ‫كامل باسلوهبم اخلاص‪ .‬هل تظن انك اذكى منهم؟ هل لو كانوا اذكى منك‬
‫ليس رسالة دكتوراه عن صحة موقف ما او خطئه‪ .‬البعض يعتقد ان االحلاد‬ ‫فان هذا سيكون سبب كايف لك لرتك دينك؟ بالطبع ال!!‬
‫يكرس مفهوم ان هناك شخص م ��ا خطا وشخص م ��ا ص ��واب‪ .‬ال‪ ،‬احلقيقة‬ ‫ان عكس هذا السؤال جيعله اقوى الننا نعلم ان جيلنا البشري احلايل متعلم‬

‫‪31‬‬ ‫‪30‬‬
‫نبضات بن باز ‪...‬‬

‫االحلاد هو فقط غياب االميان باي اله بدون تقدمي كلمة صواب وخطأ‪.‬‬

‫ان اللفظ الدقيق سيكون االحلاد موقف أكثر مالءمه او عقالنية‪ .‬والحظ هذه‬
‫النقطه املهمه ال ��ق ��ادم ��ة‪ ،‬هناك بعض امللحدين مواقفهم غ�ير عقالنيه وغري‬
‫مالئمه‪ .‬بل واسباب احلادهم غري عقالنية‪ .‬وهذا صرت اراه كث ريا هذه االيام‪.‬‬
‫ع ��ن نفسي ف ��ان سبب ع ��دم امي ��اين ال ��ذي اراه عقالين ه ��و ان ��ه الي ��وج ��د اس ��اس‬
‫عقالين يقف عليه االميان‪.‬‬
‫بن باز‬

‫‪33‬‬ ‫‪32‬‬
‫حممد بني الدين و السياسة‬ ‫حممد بني الدين و السياسة‬

‫و من خالل متابعيت و ق رائيت جململ سرية حممد الرسول و النيب و السياسي‬


‫أعتقد أن حممد مل يكن رسوالً النه مل حيمل رسالة ‪.‬‬
‫و مل يكن نبي اً النه مل حيمل نبوءة ‪.‬‬ ‫الرسول ‪ :‬صاحب رسالة‬
‫حممد اب ��ن عبد اهلل اب ��ن عبد املطلب ك ��ان ق ��ائ ��داً سياسي اً ح ��ارب و قاتل و‬ ‫النيب‪ :‬صاحب نبوءة ‪.‬‬
‫سعى اىل اقامة وحدة بني القبائل العربية املتناحرة املتفرقة يف تلك الفرتة‬ ‫السياسي ‪:‬قائد قبلي‘ أو وطين ‪ ،‬أو قومي ‪ ،‬أو أممي‪ ،‬حزيب ‪...‬اخل‬
‫و كل تارخيه يؤكد ذلك من خالل حماولته االبقاء على التعاون بينه و بني‬ ‫بالطبع أنا عندما أقول أن حممد املذكور يف القرآن أربع م رات فقط‪ ،‬هو نفسه‬
‫اليهود وبينه و بني مشركي بين قريش و حروبه الالحقة و فرضه اجلزية على‬ ‫حممد ابن عبداهلل ابن عبد املطلب الوارد امسه الول مرة يف التاريخ يف سرية‬
‫من رفض الدخول يف االس�لام إضافة اىل اهتمامه ال زائد الغري مربر لنيب أو‬ ‫ابن اسحاق اليت نقلها لنا بعد التنقيح و االصالح ابن هشام‪ ،‬إمنا أفرتض‬
‫لرسول حبياته الشخصية و عالقاته الزوجية ‪.‬و متابعة خلفائه بضم املناطق‬ ‫صدقية اب ��ن هشام ع ��داك عن صدقية اب ��ن اسحاق و صدقية الذين نقلوا‬
‫و الدول الباقية اىل االم رباطورية االسالمية بغض النظر عن دخوهلم االسالم‬ ‫اىل ابن اسحاق هذه األخبار‪ ،‬و أفرتض أيض اً سالمتهم العقلية و النفسية‬
‫من عدمه و حروب الردة اليت قام هبا خليفته املباشر أبو بكر الصديق ‪.‬‬ ‫و اجلسدية عداك عن ذاك رهتم و مدى حيادية موقفهم و موضوعيتهم و‬
‫قرهبم أو ابتعادهم عن االميان باخل رافات و النجوم‪ ،‬و خاصة إذا علمنا أن‬
‫السرية النبوية كتبت بعد وفاة حممد ابن عبداهلل بن عبد املطلب مبا ال يقل‬
‫عن ‪ 120‬عام اً‪.‬‬
‫فلو فرضنا سالمة منطلقنا فإن التساؤل األول الذي يطرح نفسه مباشرة ‪.‬‬
‫ما هي الرسالة اليت قام اهلل بتوصيلها للبشر من خالل حممد‪ ،‬و هذه الرسالة‬
‫غري موجودة عناصرها يف كل من الديانتني اليهودية و املسيحية ‪..‬؟‬
‫ما هي النبوءآت اليت تنبأ هبا حممد و حتققت بالفعل ‪..‬؟‬
‫بل بالعكس نرى أن وجود حممد(كنيب) يعترب حتققا لنبوءآت الكثري من‬
‫الناس الذين مل يدعوا النبوة كالكاهنان شق و سطيح و ال راهب حبرية و‬
‫الرجل الصاحل فيميون و القائد السياسي سيف بن زيزن و غريهم ‪..‬الكثري‬
‫‪.‬‬
‫‪35‬‬ ‫‪34‬‬
‫االسالم و التوراة والقرآن و عمر البشرية‬ ‫االسالم و التوراة والقرآن و عمر البشرية‬

‫و االجنيل ‪.‬‬
‫و مع ذلك لنذهب معهم أن هذه التوراة و االجنيل حمرفان و أن كل التواريخ املوجودة‬
‫داخلها عبارة عن تواريخ م ��زورة و ال ميكن االعتماد عليها يف اثبات تارخيية القصص‬
‫القرآين‪.‬‬
‫فهل ميكن أن جند ق رائن أخرى تثبت تارخيية هذه القصص القرآنية ‪..‬؟‬
‫أعتقد أنه من نافل القول أن اليهود و املسيحيون أصبحوا كذلك يف نفس الوقت اليت‬
‫أنزل اهلل التوراة و االجنيل على االنبياء موسى و عيسى هبامش خطأ ‪ 25‬سنة زيادة و ليس‬ ‫ال ي زال املسلمون يدعون بان التوراة و االجنيل حمرفان معتمدين يف ذلك على بضعة آيات‬
‫نقصان النه ال ميكن أن تكون مسيحيا» قبل نزول االجنيل على عيسى كما أنه ال ميكن‬ ‫وردت يف القرآن تتحدث عن حتريف الكلم عن مواضعه *من الذين هادوا حيرفون الكلم‬
‫أن تكون يهوديا» قبل نزول التوراة على موسى وال حنيفيا» قبل نزول الصحف على‬ ‫عن مواضعه ويقولون مسعنا وعصينا وامسع غري مسمع وراعنا ليا بالسنتهم وطعنا يف‬
‫اب راهيم و هكذا ‪...‬اخل‬ ‫الدين ولو اهنم قالوا مسعنا واطعنا وامسع وانظرنا لكان خ ريا هلم واقوم ولكن لعنهم اهلل‬
‫و أيضا» ال ميكن أن تبىن الكعبة قبل نزول الصحف على اب راهيم و قبل والدة اب راهيم‬ ‫بكفرهم فال يؤمنون اال قليال* (النساء)‬
‫الن اآلية القرآنية*واذ يرفع اب راهيم القواعد من البيت وامساعيل ربنا تقبل منا انك انت‬ ‫*فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوهبم قاسية حيرفون الكلم عن مواضعه ونسوا‬
‫السميع العليم* (البقرة ) تشري اىل أن اب راهيم و امساعيل مها من بنيا الكعبة (البيت‬ ‫حظا مما ذكروا به وال ت زال تطلع على خائنة منهم اال قليال منهم فاعف عنهم واصفح‬
‫احل رام) و اعتقد أن علم التاريخ و اآلثار قد ميكنهما حتديد مىت بنيت الكعبة (البيت )‬ ‫ان اهلل حيب احملسنني*(املائدة)‬
‫احل رام و ليس هذا فحسب فأيضا» ال ميكن أن توجد الكعبة قبل أن يوجد اب راهيم و آدم‬ ‫*يا ايها الرسول ال حيزنك الذين يسارعون يف الكفر من الذين قالوا امنا بافواههم ومل‬
‫و البشرية و حسب جامعة ام القرى فان البشرية وجدت يف مكان الكعبة أي مبكه قبل‬ ‫تؤمن قلوهبم ومن الذين ه ��ادوا مساعون للكذب مساعون لقوم اخرين مل ياتوك حيرفون‬
‫‪ 200000‬عام و لنثبت هنا رأي علم االث ��ار حيث أنه قال أن أقرب نوع لالنسان احلايل‬ ‫الكلم من بعد مواضعه يقولون ان اوتيتم هذا فخذوه وان مل تؤتوه فاحذروا ومن يرد‬
‫وجد على هذه االرض قبل ‪ 36‬مليون عام ‪.‬و بالتايل الفرق بني االنسان االول و انسان‬ ‫اهلل فتنته فلن متلك له من اهلل شيئا اولئك الذين مل يرد اهلل ان يطهر قلوهبم هلم يف الدنيا‬
‫مكة هو ‪35800000= 200000-36000000‬عام‪.‬‬ ‫خزي وهلم يف االخرة عذاب عظيم*(املائدة)‬
‫أما االدلة األخرى فمتعلقة بالكنائس املسيحية و املعابد اليهودية فليس من املنطق أن‬ ‫فبالرغم من أن هذه االيات ال تتكلم ص راحة عن حتريف التوراة و االجنيل اال أن املسلمون‬
‫تبىن املعابد اليهودية قبل نزول التوراة على موسى و قبل والدة موسى و بالتايل من خالل‬ ‫قد اعتمدوا عليها م رارا» و تك رارا» يف وجهات نظرهم حول هذا التحريف ‪ ،‬معتمدين‬
‫اكتشاف أول معبد يهودي يف العامل نستطيع حتديد عمر اليهودية و حىت عمر موسى‬ ‫بذلك على أنه ال ميكن لإلجتاه اآلخر (اليهودي و املسيحي ) أن يثبتوا أن هذان الكتابان‬
‫هبامش خطأ بسيط ال يتجاوز اخلمسني عام وكذلك االمر بالنسبة للمسيح و املسيحية‬ ‫غري حمرفان و هذا ناجم عن استخدام املسلمون الحدى املغالطات املنطقية اليت تكلم‬
‫‪.‬‬ ‫عنها السيد بسام البغدادي و هي البينة على من ادعى فاملسلمون هم من يدعون بأن‬
‫و حسب التأريخ و املكتشفات االثرية فان أول معبد يهودي وهو هيكل سليمان بين يف‬ ‫التوراة حمرفة وعليهم هم إثبات ذلك بالدليل القطعي امل ��ادي و ذلك بأن حيضروا لنا‬
‫القدس قبل ‪ 1000‬عام من امليالد ‪.‬‬ ‫التوراة الغري حمرفة ‪ .‬و اال فان أي كالم آخر ال يكون دليال» قطعيا» على حتريف التوراة‬
‫‪37‬‬ ‫‪36‬‬
‫االسالم و التوراة والقرآن و عمر البشرية‬ ‫االسالم و التوراة والقرآن و عمر البشرية‬

‫ق ��ال عبد ال ��ق ��ادر احل ��وس ��ان رئيس «مركز رح ��اب للد راسات األث ��ري ��ة « يف األردن « لقد‬
‫كشفنا عما نعتقد أنه أول كنيسة يف العامل تعود لفرتة من ‪ 33‬إىل ‪ 70‬سنة للميالد‪.‬‬
‫و هذا يعين من خالل حساب السنوات اليت مرت فيها اليهودية و املسيحية و معبد‬
‫اب راهيم ال ��ذي هو الكعبة حسب كل االدي ��ان السماوية ف ��ان عمر اليهودية و التوراة‬
‫ال تتجاوز اآللف عام قبل امليالد هبامش خطأ بسيط و هذا يعين فيما يعنيه أن عمر‬
‫البشرية حسب القرآن و التوراة و علم اآلثار املصاحب هلما ال يتجاوز السبعة آالف‬
‫عام و هذا يعين أنه من الثابت أن اهلل خلق آدم قبل سبعة آالف عام على أكمل وجه‬
‫و أحسن صورة حسب القرآن و بالتايل فاننا جند تناقضا» صارخا» بني عمر البشرية‬
‫حسب االدي ��ان و عمر البشرية احلقيقي حسب علم االث ��ار و بالطبع ال ميكن لنا إال‬
‫أن نثق بعلم اآلثار الذي يثبت بالدليل القاطع أن البشرية ولدت قبل ‪ 36000000‬عام‬
‫و لنذهب بعيدا» مع السيد عز الدين ك زابر الذي اعتمد على املعادالت الرياضية و‬
‫احلسابات الدقيقة كما يقول لكي حيدد عمر البشرية من وقت خلق آدم اىل اآلن فقال ‪:‬‬

‫هكذا إذاً يكون عمر البشرية – بناءاً على التحليل السابق ‪ -‬قد وصل إىل ما ال يقل‬
‫عن ‪ 520,000‬سنة وأن الزمن قد يكون قد امتد ووصل إىل ‪ 2,700,000‬سنة (عمر البشرية‬
‫و منحى نقصان عمر االنسان)‪.‬‬
‫فاذا ما قارنا بني هذه االرق ��ام وحقيقة عمر البشرية حسب االكتشافات االخ�يرة لعلم‬
‫اآلثار فاننا جند أنه ما ي زال الفرق شاسعا» بني عمر البشرية حسب علم اآلثار و عمر‬
‫البشرية حسب حسابات االدي ��ان وه ��ذا ان دل على ش ��يء ف ��امن ��ا ي ��دل على أن ��ه توجد‬
‫مشكلة تارخيية يف القرآن و القصص القرآين لصاحل املشككني يف حقيقة نزول القرآن من‬
‫عند اهلل على نبيه حممد‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫‪38‬‬
‫عذرية مرمي يف اإلجنيل‬ ‫عذرية مرمي يف اإلجنيل‬

‫َح ِد الجِْ بَ ِال الَّ ِذي‬ ‫َص عِ ْدهُ ُه نَ َ‬


‫اك محُْ َرقَ ةً َع لَ ى أ َ‬ ‫ض الْ ُم ِريَّا‪َ ،‬وأ ْ‬‫ب إِلىَ أ َْر ِ‬‫اق‪َ ،‬وا ْذ َه ْ‬ ‫الَّ ِذي تحُِ بُّ هُ‪ ،‬إِ ْس َح َ‬
‫ك»‪( ].‬سفر التكوين ‪ .)2 :22‬وبناءً عليه يصبح األمر غريب اً بأن يستخدم كاتب‬ ‫ول لَ َ‬‫أَقُ ُ‬
‫إجنيل مىت كلمة بكر إال إذا كان حياول إيصال فكرة معينة من خالهلا‪ .‬وهذا األمر لطاملا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّوم‪َ ،‬ع ِم َل بمِ ا َأم َرهُ َم ُ‬ ‫[‪24‬مل ا قام يوسف ِم ن ال ن ِ‬
‫بام َرأت ه إىل بَيت ه‪ 25 ،‬ولك نَّهُ‬ ‫ب‪ .‬فَ جاءَ ْ‬ ‫الر ِّ‬
‫الك َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ َ‬
‫سبب إح راج اً للكنيسة فقامت يف بعض النسخ حبذف كلمة «بكر»! ‬ ‫ت ا�بْنَ ها الْ بِ ْك َر‪َ .‬و َد َع ا اسمَْ هُ يَسوع‪( ].‬مىت‪)25-24: 1‬‬ ‫ما ع رفَ ها حىت ولَ َد ِ‬
‫ََ‬
‫• هل هنالك من أدلة على وجود أخوة ليسوع يف الكتاب املقدس؟‬ ‫هذا املقطع من العهد اجلديد جاء يف سياق احلديث عما فعله يوسف خطيب مرمي بعد‬
‫يف احلقيقة‪ ،‬فإن إجنيل مىت خيربنا هبذه احلادثة اليت جيب التوقف عندها‪:‬‬ ‫علمه بأهنا حامل‪ ،‬وذلك تنفيذاً ألوامر الرب (حبسب اإلجنيل)‪ .‬وهنا إذ يسرتع انتباهي‬
‫ِج ال � ّدا ِر يَط لُ بو َن أن‬ ‫ت ُّأم ��هُ وإخ � َ�وتُ��هُ ووقَ ��ف ��وا يف خ ��ار ِ‬ ‫�وع‪ ،‬ج ��اءَ ْ‬‫[وبَينَ ما يَ��س ��وعُ يُك لِّ ُم اجلُ��م � َ‬ ‫ت ا�بْنَ ها الْ بِ ْك َر ]‪ ،‬وفيها ذكر غري مباشر إىل أن يوسف قد‬ ‫مجلة‪[ :‬ما ع رفَ ها حىت ولَ � َ�د ِ‬
‫فقال لَ ه أح ُد ِ‬ ‫ََ‬
‫خارج ال ّدا ِر يُريدو َن أ ْن‬‫ك واقفو َن يف ِ‬ ‫ك وإخوتُ َ‬ ‫رين‪» :‬أ ُُّم َ‬ ‫َ‬ ‫احلاض‬ ‫َ‬ ‫يُك لِّ موهُ‪َ 47 .‬‬ ‫«ع رفَ ها»‪ ،‬بعد والدة االبن البكر يسوع‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫تالميذ ِه‬ ‫ي ك لِّ موك«‪ 48.‬فأجاب ه ي سوع‪» :‬م ن هي أُم ي‪ ،‬وم ن ه م إخ ويت؟« ‪49‬وأشار ِ‬
‫بيد ِه إىل‬ ‫• إذاً‪ ،‬ما معىن كلمة َع َرف حبسب الكتاب املقدس؟ أقتبس‪:‬‬
‫َ‬ ‫َُ َ ُ َ ْ َ ّ َ ْ ُ ْ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫هو أخي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يعم ُل مبشيئة أيب الَّذي يف َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ت َر ُج �لاً ِم � ْ�ن ِع ْن ِد‬ ‫ِ‬
‫الس ماوات َ‬ ‫‪50‬ألن َم ْن َ‬ ‫وإخويت‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪:‬هؤالء ُه ْم أ ُّم ي‬
‫وقال» ُ‬ ‫َ‬ ‫ني‪َ .‬وقَ ��الَ ��ت‪« :‬ا�قْ�تَ�نَْي ُ‬ ‫ت قَ ايِ َ‬ ‫ت َوَولَ � َ�د ْ‬ ‫آد ُم َح � َّ�واءَ ْام � َ�رأَتَ��هُ فَ َح بِ لَ ْ‬
‫ف َ‬ ‫[ َو َع � َ�ر َ‬
‫وأُخيت وأ ُّم ي‪( ]«.‬مىت‪)50-46 :12‬‬ ‫ب»‪( ].‬التكوين‪)1 :4‬‬ ‫الر ِّ‬
‫َّ‬
‫إن احلجج اليت قد تُساق لتربير كلمة «أخ ��وة»‪ ،‬هي بأهنا وردت مبعىن «أخوة يف اإلميان‬ ‫اس � َ�م الْ َم ِدينَ ِة‬
‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫د‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬
‫ً‬ ‫ين‬
‫َ‬ ‫د‬‫وك‪ .‬و َك ��ا َن �ي ب نيِ م ِ‬
‫َْ َ‬ ‫ت َح نُ َ َ‬ ‫ت َوَولَ � َ�د ْ‬ ‫ني ْام � َ�رأَتَ��هُ فَ َح بِ لَ ْ‬ ‫ف قَ ايِ ُ‬ ‫[و َع � َ�ر َ‬
‫َ‬
‫والدعوة املسيحية»‪ ،‬أي من أتباع يسوع أو املقربني من والدته‪ ،‬خاصة وأهنم أتوا بصحبتها‪.‬‬ ‫وك‪( ].‬التكوين‪)27 :4‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ِم ابْ ن ه َح نُ َ‬ ‫َك ْ‬
‫ولو فرضنا جدالً صحة ذلك‪ ،‬فإن طرده هلم مؤشر على نوع من االنشقاق داخل مجاعة‬ ‫ف أَلْ َق انَةُ‬‫‪.‬و َع َر َ‬ ‫ب‪ ،‬ورج ع وا وج اء وا إِلىَ �ب ي تِ ِه م فيِ َّ ِ‬ ‫[وبَ َّك ُروا فيِ َّ‬
‫الر َام ة َ‬ ‫َْ ْ‬ ‫الر ِّ َ َ َ ُ َ َ ُ‬ ‫اح َو َس َج ُد وا أ ََم َام َّ‬ ‫الص بَ ِ‬ ‫َ‬
‫ي ��س ��وع‪ ،‬بشكل ال يقبل اجل ��دل‪ .‬ول ��و ص ��ح ذل ��ك‪ ،‬فلماذا ه ��ذا التغاضي م ��ن قبل كاتب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َوَولَ َدت ا�بْنً ا َو َد َع ت اسمَْ هُ‬ ‫َن َح نَّ ةَ َح بِ لَ ْ‬ ‫ب ذَ َك َر َه ا‪َ .‬و َك ا َن فيِ َم َدا ِر َّ‬
‫الس نَ ة أ َّ‬ ‫الر ُّ‬ ‫ْام َرأَتَهُ َح نَّ ةَ‪َ ،‬و َّ‬
‫اإلجنيل؟ لكن‪ ،‬حلظة‪ ،‬لنعيد صياغة القصة‪ :‬لقد كان يسوع يكلم اجلموع يف دار أحدهم‪،‬‬ ‫ب َس أَلْ تُ هُ»‪( ].‬صموئيل األوىل‪)20-19 :1‬‬ ‫يل قَ ائِلَ ةً‪« :‬ألَنيِّ ِم َن َّ‬
‫الر ِّ‬ ‫َُ َ‬
‫ص م وئِ‬
‫وإذا أردنا تقريب املوقف ليتناسب مع مصطلحات ومفاهيم عصرنا‪ ،‬فعلينا أن نتخيّ ل‬ ‫مصادر أخ ��رى‪( :‬التكوين ‪( ،)25 :4‬تكوين ‪( ،)26 :38‬قضاة ‪( ،)39 :11‬قضاة ‪:19‬‬
‫داعية من إح ��دى اجلماعات الدينية حديثة التشكل‪ ،‬جيتمع بأتباعه ومريديه يف أحد‬ ‫‪( ،)25‬ملوك األوىل ‪)4 :1‬‬
‫األقبية‪ ،‬وخيطب فيهم‪ ،‬ويعظهم‪ ،‬ويرشدهم إىل «الطريق الصحيح»‪ .‬وفيما هو منشغل‬ ‫ف» دليل على الفعل اجلنسي‪،‬‬ ‫«ع َر َ‬
‫وكما رأينا بالعودة إىل العهد القدمي جند أن كلمة َ‬
‫خبطبته‪ ،‬يدخل عليهم أحد أتباعه ليخربه أن «أمه وأخوته» يف اخل ��ارج يطلبونه‪ .‬وهنا‪،‬‬ ‫تقر به الكنيسة يف مجيع املواضع السابقة‪ .‬إال أهنا يف (م�تى‪ )25-24: 1‬تغض‬ ‫وهو ما ّ‬
‫ميكن اعتبار أن اجلماعة املوجودة داخل الدار هي أخوة الشيخ‪ ،‬باملعىن اجملازي (أي أخوة‬ ‫الطرف عن ذلك ملا فيه من إحياء‪ ،‬ونقض ملقولة «مرمي العذ راء البتول»‪.‬‬
‫يف اإلميان)‪ ،‬أما الذين يقفون يف اخلارج فمن غري املنطقي أن يكونوا من أتباعه‪ .‬ألهنم لو‬ ‫ت ا�بْنَ ها الْ بِ ْك َر‪.‬‬ ‫يف ذات املقطع هنالك ما يلفت النظر أيض اً؛ كلمة «البكر» يف [ولَ َد ِ‬
‫كانوا كذلك‪ ،‬لكان على الشيخ أن يطلب منهم الدخول ليعظهم‪ ،‬كما يفعل مع بقية‬ ‫َو َد َع ا اسمَْ هُ يَسوع‪ .].‬وهنا جيب التدقيق لغوي اً‪ ،‬فكلمة البكر تقتضي والدة أخوة ليسوع‬
‫«األخ ��وة»‪ .‬لكن أن يطردهم فهذا أمر مستغرب‪ ،‬إال يف حال كوهنم أخوة باملعىن احلريف‬ ‫بعده‪ ،‬وإال ك ��ان من املفرتض أن يستخدم الكاتب كلمة «ابنها الوحيد» عوض اً عن‬
‫للكلمة‪ ،‬خصوص اً أهنم أتوا برفقة مرمي (األم وأبناءها يأتون لرؤية ابنها‪/‬أخيهم يف مكان‬ ‫«البكر»‪ .‬وبالعودة إىل العهد القدمي‪ :‬كان اسحق هو االبن الوحيد الب راهيم وساراي‪،‬‬
‫ال‪ِ :‬‬
‫عمله)‪ .‬وإن مرور الكاتب على هذا احلدث هبذه الطريقة السريعة املواربة يثري الريبة‪.‬‬ ‫يد َك‪،‬‬ ‫ك َو ِح َ‬ ‫«خ ذ ا�بْنَ َ‬ ‫يضح ي بإسحق‪ ،‬قال له‪�[ :‬فَ َق َ ُ‬ ‫وعندما طلب اهلل من اب راهيم أن ّ‬
‫‪41‬‬ ‫‪40‬‬
‫عذرية مرمي يف اإلجنيل‬

‫إن طرد يسوع ألخوته وأمه يفرض تساؤالً من نوع آخر هو‪ :‬ملاذا يطردهم؟ رمبا قد جند‬
‫اإلج ��اب ��ة على ذل ��ك يف إح ��دى اجلمل ال�تي قاهلا يسوع فيما يعرف باسم املوعظة على‬
‫أهل بيتِ ِه‪( ].‬مىت‪ )36 :10‬لكن هذا ليس بدليل على‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫اجلبل‪36[ :‬ويكو ُن أعداءَ‬
‫العداوة بينه وبني أهله‪ .‬وهنا يسرد لنا الكاتب حادثة أخ ��رى الفتة وهي ع ��ودة يسوع‬
‫إىل مسقط رأسه الناصرة (حبسب املعتقد املسيحي‪ ،‬رغم أن قضيتا مسقط رأسه‪ ،‬واسم‬
‫املدينة الزاال موضع جدل)‪ ،‬حيث رفضه أهل الناصرة ومل يقبلوا دعوته‪ ،‬كما أبدى يسوع‬
‫سخطه على ذلك‪ .‬وميكننا تفسري هذه احلادثة باجتهاد تأويلي جلعل تسلسل األحداث‬
‫أكثر منطقية وهو أن املعتقد السائد يف الناصرة كان يهودي اً متشدداً‪ ،‬ومل يقبل األفكار‬
‫(ال بِ َدع) اجلديدة اليت حاول ابن املدينة نشرها‪ ،‬ورمبا ذلك ما سبب إح راج اً لعائلته (أبويه‬
‫وأخوته) فاضطروا إىل املفاضلة بني دينهم الذي يؤمنون به‪ ،‬وجمتمعهم من جهة‪ ،‬وبني‬
‫ابنهم وأفكاره من جهة أخرى‪ .‬مما دفعهم إىل التشبث بدينهم انسجام اً مع فرضية البيئة‬
‫اليهودية املتشددة‪ .‬وبغض النظر عن التأويالت السابقة‪ ،‬نالحظ يف ذات املقطع أيض اً أن‬
‫كاتب إجنيل مىت ذهب ألبعد من ذلك‪ ،‬فطالعنا بأمساء أخوة املسيح‪:‬‬
‫�وا‪»:‬م ��ن أَي ��ن لهِ � َذا ِ‬
‫هذ ِه‬ ‫[ولَ � َّ�م ��ا ج ��اء إِلىَ وطَ��نِ � ِ�ه َك ��ا َن �ي ع لِّ م ه م فيِ مجَْ م عِ ِه م ح �َّتَىَّ بهُِ تُ وا وقَ ��الُ� ِ‬
‫ْ َْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َُ ُ ُ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وب‬‫ت أ ُُّم ��هُ تُ ْد َع ى َم � ْ�ريمََ‪َ ،‬وإِ ْخ � َ�وتُ��هُ �يَ ْع ُق َ‬‫َّج ا ِر؟ أَلَ ْي َس ْ‬
‫س ه � َذا ابْ � َ�ن ال ن َّ‬‫َ‬ ‫ات؟ أَلَ ْي‬
‫الحْ ْك َم ةُ َوالْ � ُق � َّ�و ُ‬
‫وس ي وسمِ‬
‫َخ َواتُهُ جمَِ يعُ ُه َّن ِع ْن َدنَا؟] (مىت ‪)55 -54 :13‬‬ ‫أ‬ ‫ت‬
‫ََْ ْ َ‬ ‫س‬ ‫ي‬ ‫َ‬‫ل‬‫َو‬‫أ‬ ‫ا؟»‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫�ي‬‫و‬ ‫ن‬
‫َ‬
‫َ ْ َ َ َُ‬‫ا‬ ‫ع‬ ‫وي ِ‬
‫َُ‬
‫إن ما يفعله الدين‪ ،‬أي دين‪ ،‬هو تغييب العقل عن طريق تقديس النص والشخوص‪،‬‬
‫ذل ��ك ليستطيع االس ��ت ��م �رار‪ .‬وأن ��ا واث ��ق من أن معظم املسيحيني قد ق ��رؤوا ه ��ذه اآلي ��ات‪،‬‬
‫لكنهم مروا عليها مرور الك رام‪ ،‬رمبا كنوع من الرتديد‪ .‬ما فعله الدين هنا‪ ،‬هو تغييب‬
‫احلس النقدي والقدرة على التفكري احلر والتحليل واالستنباط‪ .‬إن النص الديين جيب‬
‫التعامل معه كأي نص ع ��ادي‪ ،‬بتحليله ونقده وتفكيك رم ��وزه والتعرف على منشأه‬
‫وأص ��ول األفكار ال ��واردة فيه‪ .‬وقد يبدو من غري املعقول بالنسبة إىل شخص يعيش يف‬
‫القرن احلادي والعشرين‪ ،‬أن يعيد تك رار النص نفسه مئات امل رات دون أن يفكر حلظة‬
‫بنقد ما يق رأه أو التعمق فيه بطريقة موضوعية علمية‪.‬‬
‫(مالحظة‪ :‬اعتمدت على الكتاب املقدس فقط ال غري‪ ،‬رغم وج ��ود مصادر أخ ��رى ‪-‬ال‬
‫تعرتف هبا الكنيسة‪ -‬تدعم ما ُس قته يف عرضي املوجز السابق)‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪42‬‬
‫ملحمدية‬
‫الكازانوفية ا ُ‬ ‫ملحمدية‬
‫الكازانوفية ا ُ‬

‫قومها وال تردي باعظم رجل من أمثال حممد واتباعه أن يكون جمرد خادم عندها‪،‬‬
‫تشاركنا الكاتبه يف التساؤال املنطقي‪ ,‬لكنها ال ترهق نفسها عادة املسلمني يف‬ ‫ضمن سلسلة أمهات المؤمنين – قراءة مغايرة‬
‫التحري والتوثيق وتكتفي فقط بعالمة التعجب‪.‬‬ ‫( أم المؤمنين صفية بنت حيي)‬
‫مما جيعلنا هنا نربهن وناكد علي كون صفية قد أصاهبا املس أو اللوثه‪ ,‬فصارت‬ ‫من صــــــــ‪ 288‬إلي صــــ‪289‬‬
‫من هول الصدمة م رأة غري اليت كانت‪ .‬ومل ال‪ ,‬فلمحمد وإيرة أروع األثر وأعظم‬
‫تم تقسيم النص إلي عدة مقاطع حتي يسهل علي القاريء متابعة النقد بدقة‬
‫التأثري‪.‬‬
‫املصدر الرئيسي ‪ :‬ت راجم سيدات بيت النبوه – (رضي اللع عنهن‪ -‬للــد كتوره‬
‫(‪ )3‬اإلصابة ‪ 126\8 :‬مع طبقات بن سعد ‪121\8‬‬
‫عائش عبدالرمحن – بنت الشاطيء)‬
‫تنويه ‪ :‬املصادر الداخليه املذكورة يف النص سيتم توضيحها ضمن التذييل ‪.‬‬
‫ونستكمل النص‬
‫ومثة أقيمت وليمة العرس ‪ :‬أصبح النيب فقال من كان عنده شيء فليجيء به‬
‫حتت عنوان « رؤيا العروس وذكرياهتا» ولن راعي ما بني األقواس»‬
‫‪ ,‬وبسط نطعا ‪( ،‬فجعل الرجل جييء بالتمر ‪ ،‬وجعل الرجل جييء بالسمن) ‪....‬‬
‫فكانت وليمة رسول اهلل (‪)4‬‬
‫وظهرت صفي عروسا جملوة‪ ،‬تأخذ العني بسحرها حيت لتقول أم سنان األسلمي‪:‬‬
‫إهنا مل تر بني النساء أضوأ منها (‪ ، )3‬ووراء جلو الفرح املرتقب ‪( ،‬غابت آثار‬
‫تذييل ‪-:‬‬
‫احلزن واألمل )‪ ( ،‬وكأن العروس نسيت املذحبة املروعة اليت ألقت بأهلها صرعي‬
‫نعود هنا إيل القول املأثور عن حممد نيب املسلمني بأن اهلل يطعمه ويسقيه‪ ,‬وان‬
‫جمندلني ‪ ،‬وأخرجتها من حصن القموص ‪ ،‬ذليلة أسرية ‪ ،‬تساق بني السبايا !)‬
‫جربيل لطاملا نزل علي رغباته‪ ,‬وأنه مل يكن اهلل ليرتكه يتلمس احلاجه من الغري‪,‬‬
‫ويطلب من الغريب ان يساعده يف اخص خصوصيات حياته‪ ...‬ونتسائل ‪ ,‬أين عز‬
‫تذييل ‪-:‬‬
‫بنو عبدمناف املزعوم‪ ,‬وأين وجاهة وث راء بين هاشم اليت ملئت هبا كتب السري‪,‬‬
‫بيان ٌم فصل جبمال صفية كا أنثي وإب �راز ما تشتمل عليه من مج ��ال فطري ‪،‬‬
‫مث أين ربه !!! فلماذا مل يرس له مائدة من السماء‪ ....‬أهو اعز عليه من عيسي‪ ,‬أم‬
‫وحسن آخاذ‪ ,‬بعدما قرر محُ مد أن يصطففيها لنفسه ويضمها إيل حرمية وكأننا‬
‫ت راه أحقر !!! ويبقي آخر سؤال يقف يف حلقي ‪ « ...‬هل كان رسوال أم شحاذا‬
‫يف مشهد من مشاهد مسلسل اجلريئة واجلميالت أو من مسلسل حرمي السلطان‪.‬‬
‫؟؟ «‬
‫تسوق الكاتبه إستغ راهبا‪ ,‬عن كيف نسيت صفية ما حدث هلا وألهلها بل ولكل‬
‫(‪ )4‬متفق عليه من حديث انس – اللؤلؤ واملرجان ك النكاح ‪ :‬ح ‪900‬‬
‫قومها علي أي ��دي حممد وأتباعه ‪ ،‬بعدم داه ��م حصنهم‪ ,‬ودم ��ر مدينتهم‪ ,‬وقتل‬
‫نستكمل النص‬
‫زوجها‪،‬عمها‪،‬اخيها‪ ،‬وأخذها أسرية من بني السبايا بعدما كنت يف عز ومنع من‬
‫دخل صوسلم علي صفية ‪ ،‬ويف نفسه شيء من موقفها األول ( حيث رفضت طلبه‬
‫‪45‬‬ ‫‪44‬‬
‫ملحمدية‬
‫الكازانوفية ا ُ‬ ‫ملحمدية‬
‫الكازانوفية ا ُ‬

‫حي ��اول أن يظهر حممد وكانه الشخص األيب العفيف‪ ،‬ال ��ذي يتحكم يف شهواته‬ ‫سابقا يف ان جيامعها‪ ...‬راجع االج �زاء السابقه من السلسله املباركة) وأقبلت‬
‫وغ رائزه ‪ ...‬فاول ما إقرتبت منه صفية ( وكأن جمرد اإلق رتاب منه هو إشارة منها‬ ‫عليه فقالت ‪ :‬إهنا يف ليلة عرسها بكنانة بن الربيع ‪ (،‬رأت يف املنام أن قم رأ وقع‬
‫له بان هلم ضاجعين ففرجي يف أمس احلاجه ملباركة إيرك الكرمي ) فإمتنع عنها‪,‬‬ ‫يف حجرها ‪ ،‬فلما صحت من نومها عرضت رؤيتها علي كنانة ‪ ،‬فقال غاضبا‬
‫وكأنه يود أن يدلل ويسوق لنا أنه يريد أن يطمئن باهنا تريده طواعية ال خوفا وال‬ ‫« ما هذا إال أنك تقمنني مللك احلجاز حممدا ! « (‪ )5‬ولطم وجهها لكمة ما‬
‫إستسالما !!! فسأهلا ‪ ( ....‬إيه اللي خملكيش تنامي معايا املرة اللي فاتت ) ‪.....‬‬ ‫ي زال ألثر منها فيه ‪).‬‬
‫وكان الرد العجيب منها‬ ‫ونظر صوسلم إيل أثر اإلخض رار يف عينها ‪ ،‬وقد سره ما مسع من حديثها ‪ (،‬وهم‬
‫بأن يقبل عليها ‪ ،‬لكنه امسك وسأل « ما محلك علي اإلمتناع أوال» أو قال ‪:‬‬
‫« خشيت عليك قرب اليهود « ‪ ....‬عن أي يهود تتحدث صفية‪ ,‬بعدما دك حممد‬ ‫ما محلك علي إبائك يف املنزل األول )‪.‬‬
‫حصوهنم‪ ,‬وسبا نسائهم‪ ,‬وساقهم مجيعا أسري ؟؟؟ ‪ ,‬مث أن حممد أخذها بعيدا‬ ‫خشيت عليك قرب اليهود» (‪ )6‬ف زال ما كان‬ ‫ُ‬ ‫واجابت العروس من فورها ‪«( :‬‬
‫عن حصن خيرب‪ ,‬وأعلن زواج ��ه منها يف مكانه ووسط أتباعه وحلفائه مبعين أن‬ ‫جيد يف نفسه من جفوة‪).‬‬
‫اخلوف منعدم وغري قائم ‪ ،‬واألغرب واالمر هو تعليق مقحمد نفسه‪ ,‬بانه صدقها‬
‫وزال ما كان يف نفسه من ناحيتها‪ .... ,‬اهذا نيب مرسل‪ ,‬ام طفل ساذج‪ ،‬أم رجل‬ ‫تذييل ‪-:‬‬
‫أخرق‪ ,‬أهو نيب صاحب عقل ورجاحه أم مأفون تنطلي عليه أبسط وأسذج احلجج‬ ‫ملاذا مل تٌفسر الرؤيا أو املنام علي إعتبار أهنا قد تلد نبيا أو رسوال ‪ ،‬مثلها مثل‬
‫‪ .... ،‬هل كانت صفية حبق ختشي عليه اليهود ‪ ,‬أم جمرد مربر ط را علي ذهنها‪.‬؟؟‬ ‫أم محٌ مد ؟‬
‫أم ت راها حبق كانت ٌم صابه بنوع من أنواع اللوث وفقدان العقل‪.‬‬ ‫م ��ن امل ��ع ��روف ع ��ن زوج ��ه ��ا كنانة ان ��ه ك ��ان م ��ن أش �راف ال ��ق ��وم ويعمل بالتجارة ‪،‬‬
‫الصناعة الوحيدة املتداوله إب ��ان عصرهم ويف زماهنم ‪ ....‬فكيف له أن يعرف‬
‫(‪ )5‬الرية ‪ ، 350\3‬تاريخ الطربي ‪ ، 94\3 :‬رواه الط رباين يف جممع الزوائد ‪125\9‬‬ ‫باألحالم وتفسريها؟؟‬
‫‪ ،‬السمط الثمني ‪120‬‬ ‫أت راه كان ٌم نجما‪ ,‬أم كان ميتهن هو اآلخر مهنة مسائية لتحسني الدخل أو ل رمبا‬
‫(‪ )6‬اإلصابة ‪26\1‬‬ ‫يود أن يشارك الرعيه العامة يف املشقة !!!!!!!‬
‫حاول حممد ان يٌكرم صفية بان يضع إيره الكرمي صاحب قوة األربعني بغال يف‬
‫فرجها‪ ,‬وأن ينهل من عسلها ومجاهلا‪ ،‬فهو معروف بإشتهائه وحبه للنساء‪..‬‬
‫لكنها مل تمٌ كنه منها – أت راها كانت حلظة اإلفاقه من اللوثة ‪ , -‬فكيف تمٌ كن‬
‫من قتل زوجها وأبوها وعمها من أن يضاجعها !!!! مما جيعلك تقف مشدوها‬
‫من مواقفها عد ذلك‪ ،‬ولكن ماذا نقول إنه السحر النبوي والكازانوفية احملمدية‬
‫‪47‬‬ ‫‪46‬‬
‫هل كان رسوال ً أم قوادًا‬ ‫هل كان رسوال ً أم قوادًا‬

‫تذييل ‪- :‬‬
‫بعد موقعة خيرب‪ ,‬سيقت السبايا والغنائم كاألغنام وكانت منهم سيدة‬ ‫( من سيرة أم المؤمنين‪ -‬صفيه بنت حيي)‬
‫قومهم – صفيية بنت حيي ومعها ابنة عمها‪ ,‬يقودهم بالل بن رباح ذلك‬
‫العبد األس ��ود‪ ,‬ال ��ذي مل تكن ل ��ه كينونة وال م ��ق ��ام قبل خ ��روج حممد بدينه‬
‫اجل ��دي ��د‪ ,‬ال ��ذي مل يشمل س ��وي السفهه وال ��دمه ��اء ودون ال ��ق ��وم وعلقنا علي‬
‫يقول‬
‫تللك النزعه السوداويه بداخله جتاه األسياد يف احللقة السابقة‪.‬‬
‫كلمة إصطفاها لنفسه‪ ,‬تدل علي الفحص والتدقيق واإلختيار ‪ ،‬فاإلصطفاء‬
‫« مث أمر بصفية فحيزت خلفه‪ ،‬وألقي عليهل رداءه‪ ،‬فكان ذلك إعالما بأنه‬
‫يتم م ��ن ب�ين متعدد‪ ,‬وه ��ذا حييلك إيل قضية إهتمام رس ��ول املسلمني بإيره‬
‫(صوسلم) قد اصطفاها لنفسه !!!‬
‫وشغفه الشغوف بالنساء ‪ ،‬السيما إن كانت علي حظ من مجال ونصيب‬
‫يف حديث عن أنس أن رسول اهلل (صوسلم) ملا أخذ صفية بنت حيي ‪ ،‬قال‬
‫من أنوثه‬
‫يف ؟ قالت ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ....‬قد كنت امتين ذلك يف الشرك ‪،‬‬‫هلا ( هل لك ً‬
‫( ألقي عليها ردواءة ‪ ....‬إصطفاها لنفسه )‬
‫فكيف إذا أمكنين اهلل منه يف اإلسالم ؟ ) قاعتقها (صوسلم) وتزوجها ‪ ،‬وكان‬
‫عتقها صداقها ودفعها (صوسلم) إيل أم سليم هتيئها ‪ ،‬وتعتد عندها‬
‫حني تٌعمل الفكر هبدوء يف تللك اجلمله‪ ،‬تستشعر مدي اإلحنطاط والوضاعه‬
‫يف فكر هذا الرجل – حممد بن عبداهلل‪ -‬وتتسائل ب�براءة عن من يتشدقون‬
‫املصادر جتنبا لتك رار املصدر ذكرته مره واحده ‪ ....‬وهو نصا من الكتاب‬
‫حب ��ب ��ه‪ ،‬ت ��ك ��رمي ��ه‪ ،‬ت ��ع ��زي ��زه ل ��ل ��م �راه‪ ...‬وع ��ل ��ي رأس ��ه ��م مؤلفة ال ��ك ��ت ��اب‪ ،‬د‪ /‬عائشه‬
‫• كتاب ت راجم سيدات بيت النبوة ( رضي اهلل عنهم) – طبعة مكتبة األسره‪-‬‬
‫عبدالرمحن – املعروفه‬
‫سلسلة سري وت راجم – عام ‪2013‬‬
‫كما يُعرج بنا‪ ,‬علي إنه مل تكن الغزوات وال الفتوحات من قبيل نشر الدعوه‪,‬‬
‫• ‪ :2‬تاريخ الطربي ‪ ،95\3‬السرية ‪ ، 351\3‬وانظر طبقات بن سعد ‪81\2‬‬
‫ولكن كانت الدعوه ستارا ليخفي ورائ ��ه احلقد‪،‬الكره‪،‬الغضب‪ ،‬الرغبه يف‬
‫‪ :3‬السري ‪ ،350\3‬اإلصابة ‪126\8‬‬
‫اإلنتقام – بالل بن رباح‪ -‬وكيف تعامل مع صفية وابنة عمها ‪ ،‬مبا يتخالف‬
‫• ‪ :4‬اإلستيعاب ‪ ،1782\2‬السمط الثمني ‪ ،120 :‬عيون األث ��ر ‪،307\2‬‬
‫الس نن والقواعد يف التعامل مع األس ��ري عموما ‪ ،‬والنساء خصوصا ‪/‬‬ ‫مع ُ‬ ‫الصحيحني – كتاب النكاح – باب فضيلة إعتاقه أمته مث يتزوجها \ اللؤلؤ‬
‫وكما يقول املثل الدارج « شبعه بعد جوعه»‬
‫واملرجان ‪ ،‬ح ‪900‬‬
‫• ‪ :5‬صحيح مسلم – كتاب النكاح ‪ :‬ح (‪)1365\86‬‬
‫املفرتض أن يكون الفرح األساسي فرح بسقوط خيرب‪ ,‬وان تكون سيدة املدينة‬
‫املهزومه تللك‪ ,‬يف اسوأ حاالهتا‪ ،‬بعد ما مر هبا وبقومها من ذل وهوان علي‬
‫‪49‬‬ ‫‪48‬‬
‫هل كان رسوال ً أم قوادًا‬ ‫هل كان رسوال ً أم قوادًا‬

‫هل كانت صفية تشتهي حممدا قبل أن ت �راه؟؟ إذن ما موقفها من الشرف‬ ‫يد أقوام‪ ,‬كانت يف األمس القريب تأنف من أن ختتارهم خدم هلا‪ ,‬فما بالك‬
‫والعفه !! علي إعتبار كوهنا كانت متزوجة من سيد قومها !!!!‪ ....‬أال تتفق‬ ‫مبقتل زوجها‪ ،‬أبيها‪ ،‬أخيها‪ ....‬وكيف يتصور العقل‪ ،‬الفطره – البشريه‪-‬‬
‫معي يا قارئي العزيز ‪ ..‬أن تصريح صفية يف حد ذات ��ه ككالم‪ ,‬فيه ضمنيا‬ ‫السليمة شخص يف هذه احلالة‪.‬‬
‫طعنا يف ٌخ لقها ويف شرفها‪ ،‬يصل حلد إهتماها باخليانة‬
‫سياق تارخيي وسرد لألحداث جيعلك تقف يف ذهول من كونه يضرب الفطره‬
‫أم هي بالفعل كانت علي عالقة مبحمد قبل غزو خيرب وتعرفه لدرجة أهنا‬ ‫البشريه يف الصميم‪ ,‬وجيعل املنطق يف حالة غياب ت ��ام‪ ,‬م ��ن ك ��ون إم �رأة –‬
‫تشتهييه وتريده ؟؟؟‬ ‫صفية بنت حيي‪ -‬تقبل أن تفكر يف الزواج أصال‪ ،‬ويف مثل هذه الظروف !!!‬
‫واألدهي واألمر أن يتم الزواج مع الرجل الذي بيده قتل أقرب األقرباء هلا ؟؟؟‬
‫كيف لرجل – حممد بن عبداهلل‪ -‬أن يقبل أن يتزوج من إم رأه كانت تشتهي‬ ‫مما جيعلنا نتسائل ب�براءة‪ ,‬هل كانت – صفيية بنت حيي‪ -‬عاقلة حب ��ق‪ ,‬يف‬
‫غري زوجها !!!!!!‬ ‫كامل ذهنيتها وإدراكها‪ ،‬أم من هول الصدمة أصابتها اللوثه ؟‬
‫هذا منطق يرفضة الرجل احلر‪ ،‬فما بالك برجل يدعي الرساله والنبوة وأيت‬ ‫أم حنن أمام تالعب وقح يف رواية األحداث ‪ ،‬ودعارة تارخيية قُحه‪ ,‬وتدليس يف‬
‫ليتمم مكارم االخالق!‬ ‫النصوص‪.‬‬
‫مث دع�ني أس ��ت ��درك معك‪ ,‬إن كانت هكذا معه يف ظ ��ل زواج ��ه ��ا ال ��ق ��دمي ‪...‬‬
‫فكيف يضمن حممد والئها له بعد أن يتزوجها!!!‬ ‫يف ‪) ....‬‬
‫يقول النص ( سأهلا هل لكي ً‬
‫يعين حتيب تتزوجيين‪ ,‬ال أريد أن أٌعلق بأكثر من أن هذه اجلملة هي القوادة حبق‪,‬‬
‫كما قلت دوما وسأظل أقول حنن لسنا أما رسول من قبل السماء ‪ ...‬بل حنن‬ ‫فكيف لرجل شريف\ حمرتم‪ ,‬يطلب الزواج من إم رأه يف مثل هذه الظروف‪,‬‬
‫أمام قواد الدهر وراعي الدعاره األول يف العامل‪.‬‬ ‫أي عقلية تللك اليت تتصور وتقدر علي أن تكون يدها ملطخه بدماء أقرب‬
‫األقرباء ويف منتهي التبجح ‪ ...‬يروادها عن نفسها) !!!!!! )‬
‫يقول ( أعتقها وتزوجها‪ ,‬وكان عتقها صداقها)‪.‬‬
‫أي تشبيه للم رأه‪ -‬يف صورة صفية بنت حيي ‪ -‬أحقر وأدين من ذلك‪ ،‬أين‬ ‫مث األغرب واألعجب هو موقف صفية نفسها‪ ,‬مما جيعلين أرجح أهنا إما أصابت‬
‫هو اخليار الفعلي ‪ ....‬مث هل املوقف يف األساس جيعل من صفية قادره علي‬ ‫باللوثه \ الفصام‪ ,‬فأصبحت شخصا غري الذي كان‪ ...‬كوهنا ترد عليه طلبه‬
‫اإلختيار ‪ « ....‬ما بني األسر وأن تكون زوجة – مع حتفظي علي اللفظ ‪– -‬‬ ‫بقوهلا ‪ « ....‬كنت أمت�ني ذل ��ك قبل اإلس �ل�ام‪ ،‬فكيف إذا أمكنين اهلل منه يف‬
‫للرجل الذي قتل بيده زوجها‪،‬ابوها‪،‬عمها‪.،‬‬ ‫اإلسالم‬

‫‪51‬‬ ‫‪50‬‬
‫هل كان رسوال ً أم قوادًا‬ ‫هل كان رسوال ً أم قوادًا‬

‫مث كيف تري موقف حممد بن عبدااهلل من كونه يقبل باملن – امل حرم بنص‬
‫تفضل‪ ،‬تكرم‬‫صريح يف القرآن ‪ ،‬حيث أن سياق الرواية جيعلك تتأكد من انه ٌ‬
‫عليها بق راره أن يضع إيره املبارك يف فرجها ‪ ،‬بديال عن إرتضائه بصريورهتا كا‬
‫امة ‪ ،‬أم ت راه استخسرها يف غري نفسه حلالوهتا !!!!!!!!‬
‫أي فوقية يف ذلك الرجل ؟ ‪ ,‬أي نطفة قذرةٌأٌلقيت يف رحم أم رأة أقذر لتٌ نجب‬
‫رجال علي هذه الشاكلة من التدين واإلحنطاط ‪!!! ....‬‬

‫يقول ( ودفعها إيل أم سليم هتيئها ‪ ،‬وتعتد عندها )‬


‫إستكماال لسيناريو إمتهان املرآه بالتشريع الرباين احلكيم‪ ,‬وضغارها بتصرفات‬
‫الرسول الكرمي‪ ...‬وكونه يهتم بالشكل ال باملخرب‪ ،‬وال يري يف امل رأه سوي اجلسد‬
‫البض‪ ،‬أو الفرج املمتع ‪ ،‬أو إمجاال ( أداة لإلستمتاع والرتفيه للرجل) أرسلها‬
‫ملن تٌدعي أم سليم ل تٌ جهزها له ‪ ...‬إنتظارا للتكرمي احلافل بأن يضع إيره يف‬
‫فرجها‪ ...‬ويخٌ تتم النص بكون حممد رجل فعال يتبع الش رائع فلن يغتصبها‪،‬‬
‫يستحلها‪ ،‬أو أقصد – يتزوجها – إال بعد شهور العدة‬
‫فعال ‪ :‬أكرم به من رسول ‪ ،‬واعظم به من دين‬

‫‪53‬‬ ‫‪52‬‬
‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬ ‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬

‫على اجلدار جمرد نافورة‪.‬‬


‫جندي داكن املالمح‪ ,‬منحين أسفل الصورة متام اً‪ ..‬بلل البول خوذته مث‬
‫ٌ‬ ‫مثة‬ ‫مصطفى تاج الدين الموسى‬
‫وجهه مث بزته مث مؤخرته‪.‬‬
‫لكنه مل ينتبه أبداً‪ ,‬فقد كان منهمك اً بفك تلك الساعات اجللدية املتواضعة‪,‬‬ ‫سندريال‬
‫عن معاصم األطفال‪ ,‬الذين قتلهم منذ قليل‪.‬‬ ‫وبوشاح يغطي كل وجهها باستثناء عينيها‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫على ٍ‬
‫عجل وحتت ستار الليل‪,‬‬
‫زقاق عتيق ملصقات معارضة‪ .‬من بعيد حملها‬ ‫كانت سندريال تلصق على جدار ٍ‬
‫مزهرية‪ ..‬من مجزرة‬ ‫جنود امللك‪ ,‬فطاردوها حبنق بني األزقة‪ ,‬لكنها اختفت فجأة‪ ,‬ومل يعثرواسوى‬
‫هطلت القذائف كمطر ٍغزير على ساحة القرية‪ ,‬حيث ك ��ان فيها حفل‬ ‫على فردة حذائها‪ .‬اخلرب وصل للملك فاستشاط غضب اً‪ ,‬مث أمر جيشه بالتوجه‬
‫زفاف ٍمتواضع‪.‬‬ ‫دس أرجلهم يف احلذاء‪ ..‬وقتل كل‬‫إىل كل مدن اململكة‪ ,‬وإجبار الناس على ّ‬
‫هرول والده خبوف إىل الساحة ليبحث عن أمه‪ ,‬فلحقه طفلهما الصغري‪.‬‬ ‫من يتطابق حجم رجله مع حجم احل ��ذاء‪ .‬خالل شهو ٍر قليلة اقتحم جنود‬
‫مل يعثر والده بني اجلثث اليت ذابت مالمح وجوه بعضها على والدته‪.‬‬ ‫امللك كل املدن والقرى‪ ,‬وارتكبوا هبا الكثري من اجملازر‪ ,‬ألن أرجل كل الناس‪..‬‬
‫أحد اجلرحى طمأنه بأنه قد حملها عن كثب تغادر احلفلة قبل القذائف ببضع‬ ‫رجاالً ونساءً‪ ..‬أطفاالً وشيوخ اً‪ ,‬كان حجمها يتطابق مع حجم هذا احلذاء‪.‬‬
‫دقائق‪.‬‬ ‫عندما انتهى الشعب رجع اجلنود إىل ملكهم‪ ,‬فقلدهم بغبطة أومسة النصر‪.‬‬
‫الطفل ك ��ان ـ �ـ وب ��س ��ع ��ادة ـ �ـ يلهو بالتقاط األي ��دي املقطوعة م ��ن ب�ين األش�لاء‬ ‫رغم ه ��ذا‪ ..‬ظلت سندريال تظهر لي الً يف زق � ٍ‬
‫�اق ما‪ ,‬كل بضعة أي ��ام‪ ..‬لتلصق‬
‫البشرية وهو يظنها دمى‪ ,‬فجمع عدة أيدي‪.‬‬ ‫على جداره ملصق اً معارض اً‪ .‬مث هترب‪ ,‬تارك ةً خلفها يف كل مرة‪ ..‬فردة حذاء‪.‬‬
‫صرخ عليه والده وهو يأمره بالرجوع حاالً للبيت‪ ,‬مث وعده بأنه سريجع إىل‬
‫البيت بعد قليل‪ ,‬وأمه معه‪.‬‬ ‫القديس‬
‫ركض الطفل وهو حيضن إىل صدره األيدي املقطوعة‪.‬‬ ‫ذلك القديس العجوز احملشور بكل ب راءته‪ ,‬مع ٍ‬
‫هالة من النور حول رأسه‪ ,‬بني‬
‫يف البيت‪ ,‬داخ ��ل غ ��رف ��ة اجل ��ل ��وس‪ ,‬التقط امل ��زه ��ري ��ة ع ��ن ال ��ط ��اول ��ة‪ ,‬ورم ��ى عنها‬ ‫قضبان صورته العتيقة‪ ,‬واملعلقة على هذا اجلدار‪.‬‬
‫ليدس هبا تلك األي ��دي‪ ,‬مث وضعها جانبه على األريكة وهو يتأملها‬ ‫ّ‬ ‫ال ��ورود‬ ‫كفكف دموعه وهو يرمق متأمل اً بعينيه احلزينتني هذا املنظر القاسي‪ ,‬الذي‬
‫ويبتسم ببالهة‪.‬‬ ‫أدمى له قلبه خالل دقائق‪.‬‬
‫تأخر والده ووالدته‪ ..‬شعر بالنعاس‪ ,‬تثاءب‪ ..‬مث غفا جانب املزهرية‪.‬‬ ‫مث ــ وبلحظة جنون ــ وكأنه فقد عقله‪ ,‬التقط بيديه ثوبه الطويل‪ ..‬وراح يرفعه‬
‫بعد أن نام‪ ..‬مثة ي ٌد من األيدي يف املزهرية‪ ,‬مالت إليه هبدوء‪ ,‬لتمسح حبنان‬ ‫حىت خصره‪ ,‬مث شرع بالتبول غضب اً من قماش صورته إىل اخلارج‪ ,‬وكأن صورته‬

‫‪55‬‬ ‫‪54‬‬
‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬ ‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬

‫جانب األسالك الشائكة‪.‬‬ ‫على شعره الناعم‪.‬‬


‫ابتسم ببالهة وهو ميعن نظره يف البعيد‪ ,‬منتظ راً قدوم أشالء والده‪ ,‬لتتحد مع‬
‫يده هذه فتعيد تشكيله‪.‬‬ ‫الطفل والحرب‬
‫متام اً‪ ..‬مثلما كان يتش ّك ل (غرندايزر ) يف ذلك املسلسل الكرتوين‪.‬‬ ‫بضع قذائف سقطت على الشارع الرئيسي يف السوق‪ ,‬بعد برهة‪ ..‬هنض هذا‬
‫الطفل من بني جثث القتلى وأجساد اجلرحى وهو يتأمل‪.‬‬
‫الزوجة‬ ‫مث انتبه إىل أن ي ��ده كانت مقطوعة‪ ,‬ف �راح يبحث عنها بني فوضى األش�لاء‬
‫آهبة لصدى الرصاص القادم من بعيد‪,‬‬ ‫كانت منحية تكنس أرض الغرفة‪ ,‬غري ٍ‬ ‫البشرية وهو يبكي مب رارة وأمل‪ ,‬ع لّ ه يعثر عليها‪.‬‬
‫أملٌ خاطف ملع يف ظهرها فوقفت وتآوهت بصمت‪.‬‬ ‫فجأ ًة‪ ..‬عثر على يد ٍأخرى مقطوعة‪ ,‬يبدو من شكلها أهنا جلثة رجل ٍمتقدم‬
‫صدفة ًوقعت عينها على ص ��ورة زوجها املتوىف منذ بضع أسابيع‪ ,‬واملعلقة‬ ‫ٍبالسن‪.‬‬
‫على اجلدار‪.‬‬ ‫التقطها الطفل مث وضعها على معصمه‪ ,‬وتأملها لثوان ببالهة‪.‬‬
‫بغموض غريب‪ ,‬تأملت صورته بكثري ٍمن االستغ راب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫خفق قلبها‬ ‫سرعان ما راح يقفز بسعادة بني اجلثث أمام اجلرحى‪ ,‬وهو يصرخ كمجنون‪:‬‬
‫رغ ��م أهن ��ا كل ي ��وم تتأملها لساعات‪ ..‬لكن يف ه ��ذه اللحظة أحست وكأن‬ ‫ـــ لقد كربت‪ ..‬لقد كربت‪ ..‬لقد كربت‪.‬‬
‫زوجها يبتسم‪ ,‬وليس أي ابتسامة‪.‬‬
‫إمنا هي ذاهتا تلك االبتسامة القدمية‪ ,‬اليت كانت ترتسم على وجهه قبل أن‬ ‫تش ّك ل‬
‫غفلة منها قبلة ًسريعة ورقيقة أيام خطوبتهما‪.‬‬ ‫ينحين إليها‪ ,‬ليسرق على ٍ‬ ‫قبل احلدود ببضع ٍ‬
‫تالل ومنحد رات‪ ,‬اهنمرت عليهم القذائف‪ ,‬فركض أولئك‬
‫أرادت الزوجة أن متعن النظر يف الصورة أكثر‪ ,‬وقد أعيتها الدهشة‪.‬‬ ‫النازحون بصخب ٍ وخوف‪.‬‬
‫فجأة ً‪ ..‬قنبلة تقتحم النافذة وتنفجر خلف الزوجة لتحوهلا إىل أشالء‪.‬‬ ‫أمسك األب يد طفله‪ ,‬وهروال مع العش رات يف هذه الفوضى البشرية‪.‬‬
‫بعد ب ��ره ��ة‪ ,‬وك ��ان دم ��ه ��ا ق ��د ختثر على ال ��ب�لاط‪ ,‬هنضت ومج ��ع ��ت أش�لاءه ��ا مث‬ ‫القذائف قتلت بعضهم وجرحت بعضهم اآلخر‪ ,‬لكن ال أحد انتبه ألحد يف‬
‫هبدوء إىل صورة زوجها‪ ,‬حيث دخلتها‪,‬‬ ‫صعدت ٍ‬
‫فوضى الرعب هذه‪.‬‬
‫حضنا بعضهما‪ ..‬وشرعا ٍ‬
‫بقبلة طويلة‪.‬‬ ‫بعد أن اجتازوا احلدود تنفسوا الصعداء‪ ..‬مث مشوا حنو ذلك املخيم‪.‬‬
‫باستثناء هذا الطفل الذي عندما ختطى احلدود نظر إىل ميينه‪ ,‬فلم يشاهد من‬
‫غبار على الخيال‬ ‫كل والده إال يده املمسك هبا‪.‬‬
‫كانت احل ��رب كعادهتا اليومية‪ ,‬مت ��ارس قذائفها ه ��ذه الليلة على مقربة ٍمن‬ ‫تأمل الطفل ي ��د وال ��ده املقطوعة‪ ,‬ضمها إىل ص ��دره‪ ,‬مث جلس على صخرٍة‬

‫‪57‬‬ ‫‪56‬‬
‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬ ‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬

‫حتطم كل زجاجها‪ ,‬وحتولت املرآة إىل فوهة فارغة‪.‬‬ ‫ظل لساعات يتأمل بال مباالة‬ ‫غرفته‪ .‬مل يأبه أبداً لضجيج االنفجارات‪ ,‬وإمنا ّ‬
‫فجأ ًة‪ ..‬قفز من هذه الفوهة املتظاهرون‪.‬‬ ‫هذا الغبار امل رتاكم منذ أشهر على أث ��اث غرفته‪ ,‬وهو يدخن بش راهة‪ .‬شعر‬
‫قتلوا امللكة‪ ,‬مث عثروا على امللك أسفل سريره فقتلوه أيض اً رغم توسالته‪ ,‬و‬ ‫بامللل فالتقط علبة سردين‪ ,‬فتحها والتهمها ببطء عن غري شهية‪ .‬عندما‬
‫أشعلوا النار يف كل الصاالت والغرف والستائر جبنوهنم اجلميل‪.‬‬ ‫وعب منها بعمق‪ .‬أثناء النصف األول من سيجارته‪,‬‬ ‫انتهى‪ ,‬أشعل سيجارة ّ‬
‫يف هبو القصر‪ ..‬الطفل بائع الكعك راح يعزف هلم على البيانو كيفما اتفق‪.‬‬ ‫كان يرمق بصمت علبة السردين الفارغة‪ ,‬على سطح طاولته‪ .‬ختيلها التابوت‬
‫لريقصوا بفرح كثنائيات منسجمة مع بعضها بثياهبم الرثة كما النبالء‪ ,‬غري‬ ‫امل ��ن ��اس ��ب جلثته‪ ,‬فابتسم ب ��ب�لاه ��ة‪ .‬أث ��ن ��اء النصف ال ��ث ��اين م ��ن س ��ي ��ج ��ارت ��ه‪ ,‬علبة‬
‫آهبني للن ريان اليت أشعلوها‪.‬‬ ‫السردين الفارغة تأملته بصمت‪ ,‬فتخيلته اجلثة املناسبة لف راغها الداخلي‪,‬‬
‫ٍ‬
‫لعقود مريرة‪.‬‬ ‫رقصوا رقصتهم املفضلة‪ ,‬تلك اليت حرموا منها‬ ‫عندئذ‪ ..‬هي أيض اً‪ ,‬ابتسمت ببالهة‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫الطفلة في هذا المساء الشتوي البارد‬ ‫الرجوع إلى الرقص‬


‫بعد أن سقطت حتت املطر عدة م رات على الرصيف‪.‬‬ ‫وقفت امللكة أمام مرآهتا وسألتها بغرور‪:‬‬
‫الطفلة ذات األع ��وام األربعة دخلت إىل الصيدلية بوجهها الشاحب‪ ,‬وهي‬ ‫ـــ هل هنالك من هي أمجل مين ؟‪..‬‬
‫ٍ‬
‫بغطاء رث‪ ..‬لترتك على بالط الصيدلية خلفها أثار‬ ‫تغطي جسدها الصغري‬ ‫شهقت متعجبة م ��ن ج ��واب م ��رآهت ��ا ال ��ذي تغري اآلن بعد أن ظ ��ل نفسه زمن اً‬
‫من طني‪.‬‬ ‫طوي الً‪.‬‬
‫عندما شاهدها الصيديل عرفها‪ ,‬فهي تسكن مع أمها ووالدها يف قبو جماور‬ ‫ـــ نعم‪ ..‬هنالك من هي أمجل منك يا سيديت‪..‬‬
‫لصيدليته بعد أن نزحوا من قريتهم البعيدة بسبب احلرب منذ أشهر‪.‬‬ ‫كادت أن تنفجر غيظ اً‪ ,‬فسألتها حبقد‪:‬‬
‫شهق وق ��د استغرب من والديها كيف يرسلوهنا إىل الصيدلية حافية ًحتت‬ ‫ـــ من هي ؟‪ ..‬أرين صورهتا‪..‬‬
‫املطر‪ ,‬فسأهلا بغضب‪:‬‬ ‫عندئذ‪ ..‬وكأن زجاجها شاشة تلفاز‪ ,‬راحت املرآة تبث هلا نق الً حي اً ملظاهرة‬ ‫ٍ‬
‫ــ أين والدك؟‪..‬‬ ‫حلشود من الفق راء وهم يف الشوارع‪ ,‬يشتمون كل شيء‪ ,‬يكسرون كل‬ ‫ٍ‬ ‫هائلة‬
‫أجابته متلعثمة‪:‬‬ ‫شيء‪ ,‬حيرقون كل شيء‪.‬‬
‫ــ خ ��رج يف الصباح ليجلب طعام اً و زجاجة م ��ازوت‪ ..‬لكنه مل يرجع حىت‬ ‫مهست هلا مرآهتا بثقة‪:‬‬
‫اآلن‪..‬‬ ‫ـــ هذه املظاهرة أمجل منك يا سيديت‪..‬‬
‫ــ وأين أمك؟‪.‬‬ ‫مل حتتمل امللكة وقاحة مرآهتا‪ ,‬فقذفتها بكأس ذهبية تشرب منها املاء‪.‬‬
‫ــ أمي مستلقية يف الغرفة‪..‬‬
‫‪59‬‬ ‫‪58‬‬
‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬ ‫عشر قصص قصرية جدًا‪ ..‬من احلرب الطويلة جدًا‬

‫هذه الليلة وإثر وعكة صحية غامضة‪ ,‬حتشرج الزعيم قلي الً يف سريره مث مات‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫عندئذ أخرجت الطفلة كفها من أسفل الغطاء‪ ,‬وفوق زجاج‬ ‫تنهد الصيديل‪..‬‬
‫انتشر خرب موته مهسا ً يف كل البالد‪ ,‬مل يصدق الناس اخلرب‪ ,‬فتسللوا حبذر‬ ‫طاولته سقطت منها قطع معدنية‪.‬‬
‫إىل امل رايا يف بيوهتم ليتأملوا وجوههم وهم يشهقون مندهشني‪.‬‬ ‫أجهشت فجأ ًة بالبكاء وهي تقول له‪:‬‬
‫بعضهم مسح بكفه زجاج مرآته غري مصدق‪ ,‬وبعضهم اآلخر مسح بكفه‬ ‫ــ أعطين دواءً يعيد أمي للحياة بأربع ل ريات ونصف‪.‬‬
‫على وجهه غري مصدق‪.‬‬
‫سرعان ما ابتسموا‪ ..‬نظروا طوي الً يف امل رايا وهم يكتشفون بفرح للمرة األوىل‬ ‫ليلة اختفاء الزعيم من كل المرايا‬
‫مالمح وجوههم‪.‬‬ ‫يف هذه البالد مثة شيءٌ غريب حيدث منذ عقود‪ ,‬حىت صار بالنسبة لسكاهنا‬
‫ٍ‬
‫لعقود مريرة‪.‬‬ ‫مالمح وجوههم اليت حرموا منها‬ ‫مع توايل األجيال شيئ اً اعتيادي اً‪.‬‬
‫زعيم البالد موجود يف كل امل رايا املنزلية الكبرية واملتوسطة‪ ,‬وأيض اً يف امل رايا‬
‫الصغرية داخل احلقائب‪.‬‬
‫كلما مشط أحدهم شعره أمام مرآته‪ ,‬يشاهد فيها الزعيم ميشط شعره وبذات‬
‫التسرحية‪.‬‬
‫آخر حيلق ذقنه فريى يف املرآة الزعيم حيلق ذقنه‪.‬‬
‫رجل ما يعقد ربطة عنقه‪ ,‬الزعيم كذلك و يف نفس املرآة يعقد ربطة عنقه‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫زوج ��ة تلون وجهها ب ��أل ��وان مكياجها‪ ,‬الزعيم يف مرآهتا يلون وجهه بألوان‬
‫مكياجها‪.‬‬
‫م راهقة وبطيش أنثوي تشد فستاهنا على جسدها‪ ,‬وتستدير حىت تتأكد من‬
‫أهنا مغرية‪ ,‬مث تتأمل أرداف الزعيم على زجاج مرآهتا‪.‬‬
‫م ��رة‪ ..‬ذبابة كانت حتلق أم ��ام امل ��رآة بسعادة‪ ,‬فلمحت الزعيم حيلق داخلها‬
‫بسعادة أيض اً‪.‬‬
‫شتاء ق ��دمي‪ ,‬أراد أح ��د املخمورين أن يقتل الزعيم‪ ,‬وق ��ف أم ��ام مرآته وهو‬ ‫يف ٍ‬
‫يرتنح مث أطلق النار على رأسه ليسقط ميت اً‪ ,‬الزعيم يف ذات املرآة أطلق النار‬
‫ظل حيّ اً يف بقية م رايا البالد‪.‬‬
‫على رأسه وسقط منها ميت اً‪ ..‬لكنّ ه ّ‬

‫‪61‬‬ ‫‪60‬‬
‫مقتطفات من كتاب فرعون يكتب سفر اخلروج‬ ‫مقتطفات من كتاب فرعون يكتب سفر اخلروج‬

‫ان هذه املقولة خطرية جدا فماهو الفرق بني احلب ورضا من حتب اذا كان‬
‫قوى ويسهل عليه سحقك‪ .‬هل ميكن أن خيلط عقلنا بني احلب ومتلق‬ ‫من باب «هل تستطيع أن حتب اإلله؟‬
‫احلبيب‪ ،‬متلق كربياءة وقوته‬
‫ويسأل القصيمي ايضا « هل يستطيع قلبك أن يكون ذليال أو نبيال‪،‬‬
‫متساحما أو غبيا لكى حيب كائنا الميكن ان يفهم أخالقه أو منطقه أو ما‬
‫«هل االله شئ ميكن ان حيب ؟ هل الذين يصلون له حيبونه؟ أم يتملقون‬
‫يصنع سروره و أح زانه «‬
‫اخالقه وحياولون ان خيدعوا قوته وكربيائه؟ اليست االلوهية شيئا يقتل‬
‫احلب؟ هل ميكن ان حتب من ختاف من كل اخلوف وتتوقع منه كل املخاطر‪،‬‬
‫ويسأل القصيمى القارىء «هل حتب كائنا مل يوجه اليك أحد من التحقري‬
‫ويصنع ويعد لك ويوقع بك كل اآلالم واألح زان واملخاوف والعاهات‬
‫ومن التهديد بالعقاب مثلما وجه اليك؟ هل ميكن ان حتب كائنا مل تره‬
‫والتشوهات واألم راض والضعف واهلوان واملوت والشيخوخة وأهوال اجلحيم‬
‫حىت وال صورته‪ ،‬ومل تسمعه‪ ،‬ومل تعرفه‪ ،‬ومل تفهمه‪ ،‬ومل تزره‪ ،‬كما مل يزرك‬
‫والعقاب؟‬
‫ومل يفعل ولو مرة واحدة ماتريده منه وتدعوه له مماهو جدير به‪ ،‬وقادر‬
‫هل ىف اعدائك من يوقع بك مثلما يوقع بك إهلك؟ هل ميكن ان حتب‬
‫عليه‪ ،‬ومنتظر منه؟ «‬
‫وحشا هو كل الوحوش وكل االف رتاس لكل الناس ولكل األشياء؟ وهل‬
‫«هل يستطيع اخلوف من اهلل أو الطموح اىل ج زائه أو اىل رؤيته أن يؤرق‬
‫ميكن ان حتب وحشا قد أكل آبائك وأباء ج ريانك قبل ان يأكلك أو بعد أن‬
‫نبيا أو قديسا مثلما يستطيع أى برغوث يبيت ىف ف راشه أن يؤرقه؟»‬
‫يأكلك؟‬
‫«إن البشر ىف تارخيهم الطويل احلزين مل حيبوا األقوياء أو املتفوقني أو‬
‫إن اإلنسان لو أحب اإلله الذى يفعل به وله كل هذا لكان هو أردأ حمبوب‪.‬‬
‫املنتصرين أو املتكربين عليهم‪ ،‬وامنا رهبوا واستسلموا هلم وأطاعوهم‪».‬‬
‫إنه حينئذ الفضيلة وال تقوى لإلنسان ىف ان يكون حمبا كما الجمد و‬
‫«إن اآلهله ستظل أبدا مهزومة ومهجورة ومنتظرة ىف مسواهتا احلزينة‬
‫التكرمي لإلله ىف ان يكون حمبوبا‪.‬‬
‫املوحشة دون زائر أو راغب ىف الزيارة مهما امتألت األرض باألنبياء‬
‫إن اجملد والتكرمي حينئذ ملن تصيبهم البغضاء‪ .‬إن احلب حينئذ هجاء ملن‬
‫وبالدعاة القادمني منها ليعلموا احلب هلا واألشواق إليها واخلوف منها‬
‫حيبون‪ .‬إننا حينئذ جيب ان نبحث عمن يبغضونا ال عمن حيبوننا‪ ..‬إن حب‬
‫واإلميان هبا‪ .‬ليعلموا الصعود إليها دون أن يوجد من يريد الصعود أو من‬
‫اإلله هو اقصى هجاء لذكاء االنسان ولك رامته وألخالق عواطفه ولقلبه وملن‬
‫يستطيعه أو من يعرف أساليبه مهما وجد من يتحدث هبا ويستمع إليها‪،‬‬
‫يهبه قلبه‪ .‬إنه هجاء لكل معاىن احلب وقيمه ىف األرض‪»...‬‬
‫بل مهما وجد من يعلمها ومن يتعلمها‪ .‬إن األرض هى كل اآلهلة واألنبياء‬
‫ويسأل القصيمي «هل الذين يصلون لإلله حيبونه أم يرضون ويتملقون قوته‬
‫واألديان واملذاهب وكل السموات ولكن اإلختالف ىف األمساء وىف التعمق ىف‬
‫وكربياءه؟‬
‫تفسري األشياء وىف معرفة جنسياهتا»‬
‫‪63‬‬ ‫‪62‬‬
65 64
‫زانا وناديا‬ ‫زانا وناديا‬

‫املستوى اإلنساين وعلى نفقة احلكومة‪ ،‬و نظ را لصحة عقد الزواج بالنسبة‬
‫للقوانني العامة اليمينية والتعاليم اإلسالمية اليت ترعى القوانني واألحوال‬ ‫‪Rama Farousi So‬‬
‫الشخصية‪ ،‬اليت تعطي لألب احلق بتزويج بناته بدون موافقتهن إذا كانتا‬
‫حتت سن الرشد ‪ ،‬وعلل والدمها ذلك بأنه يعرف ما األصلح هلما فهو رغم‬
‫قضائه سنني طويلة يف اململكة املتحدة عاشها مع ام رأة انكليزية اال انه ما‬
‫مل تكن زانا وناديا حمسن على عل ٍم باإلجازة املشئومة اليت تنظرمها يف صيف‬
‫زال حمتفظا بتلك العقلية الرجعية اليت تفرض تزويج البنت عند بلوغها‬
‫عام ‪ 1980‬واليت َس تُ غري حياهتما بوجه ُك لي‪ .‬زانا وناديا فتاتان من اململكة‬
‫قبل ان ترتكب ما قد جيلب العار للعائلة خصوصا وان بناته يعشن يف‬
‫املتحدة‪ ،‬حيملون اجلنسية الربيطانية من أب مسلم ميين وأم بريطانية األصل‪،‬‬
‫جمتمع غريب حر ال يعىن بعقله البايل فقد ال تسنح له الفرصة للسيطرة‬
‫قام والدمها باصطحاهبما معه عند بلوغهما ال رابعة عشر إىل اليمن حبجة‬
‫عليهما مستقبال فقرر القضاء على طفولتهما الغضة مبباركة اسالمية‪.‬‬
‫بلده األصلي‪ .‬لِتُ صعق الفتاتان وجتدا نفسيهما‬
‫قضاء اإلجازة الصيفية يف ِ‬
‫بعد أن استطاعت األم تسليط الضوء على قضية ابتنيها اليت هي أشبه‬
‫حمتجزتني بقرية طرفية يف الريف اليمين‪ ،‬محُ اصرتني بسالسل جبلة حادة‬
‫بقصص بيع الرقيق األبيض حتت مسمى عقد زواج إسالمي توصلت إىل‬
‫وممتدة حنو األفق‪ .‬مناطق جبلية تفتقر ألدىن مقومات احلياة اإلنسانية‬
‫اتفاق مع حكومة اليمن على ختيري زانا وناديا بني العيش يف تعز مع‬
‫احلديثة‪ ،‬وزوجتا من شابني ال تعرفان عنهما شيئا‪ ،‬بعقد زواج إسالمي‬
‫أزواجهما وأوالدمها أو العودة إىل بريطانيا مشروطة بعدم رؤية أوالدمها‬
‫عقدهُ والداهن بالنيابة الصرفة عنهن مقابل ما يُقارب األلف يورو عن كل‬
‫جمددا ‪ .‬أعلنت زانا موافقتها الفورية وتركت البالد مسرعة مع أمها بني ما‬
‫فتاة حتت ما يسمى املهر يف الطقسية اإلسالمية‪ .‬كان انتقاهلما املفاجئ‬
‫بقيت ناديا يف تعز مع زوجها ألهنا مل تقوى على مفارقة أوالدها قط‪ .‬زانا‬
‫من حياة احلرية يف بريطانيا إىل حياة حمكومة بتقاليد الصح راء والتعاليم‬
‫كانت األقوى مل تستطيع تلك السنوات من االضطهاد أن تقتل روحها‬
‫احملمدية صدمة كبرية هلن‪ .‬فقد حاولتا التأقلم بشىت الوسائل مدفوعتني‬
‫احلرة وحنينها الستعادة شخصيتها الكاملة مبنأى عن أي اضطهاد ذكوري‬
‫بأمل كبري يف أن تأيت أمهما لتأخذمها من طبيعة احلياة اليت ُوضعتا بهِ ا‪.‬‬
‫أو ديين فتخلت عن طفلها مقابل حريتها بينما ناديا اختارت أطفاهلا‬
‫فأج ربا على ارتداء اخلمار وأن تعمال هنارا يف نقل املاء‪ ،‬ومجيع أعمال البيت‪.‬‬
‫على حريتها معللة بذلك أهنا مل تستطيع على ترك جزء منها يف اليمن‬
‫ليال يتحولون ألدوات تفريخ لألطفال ألزواجهن القساة ‪ .‬كانت حياهتما‬
‫ومع ذلك يبدو أن تلك السنوات من االضطهاد والتلقني اإلجباري لتعاليم‬
‫عبارة عن جحيم كامل‪ ،‬مع استحالة اهلرب من ذلك السجن الصح راوي‪.‬‬
‫اإلسالمية قد مسحت شخصيتها كليا فبعد مرور عدة سنوات أبدت‬
‫تأخرت أمهما مخسة سنوات يف إجيادمها وبعد أن عرفت مكاهنما أتت‬
‫تعاطفها مع جالديها و بررت ألبيها فعلته وصفتها أختها بأهنا حتولت‬
‫بفريق صحفي إلثارة ال رأي العام حول قضيتهما‪ .‬بعد جهود مضنية من‬
‫إىل ام رأة فارغة بال روح ناديا اآلن حمتجزة مع زوجها بالسعودية ألسباب‬
‫األم وحماميها جنحت يف نقلهما إىل تعز إىل بيت يتمتع بوض ٍع أفضل على‬
‫جمهولة وأما زانا فلم ترى طفلها إال مرة واحدة بعد أن تركته وأصدرت‬
‫‪67‬‬ ‫‪66‬‬
‫زانا وناديا‬ ‫زانا وناديا‬

‫كتابني عن معاناهتا مع أختها بذلك السجن الصح راوي ومل يرتجم الكتابان‬
‫إىل العربية أبدا‪..........‬‬

‫معاناة زانا و ناديا يف كل بيت عريب فامل رأة هي املتضرر االكرب من التعاليم‬
‫الدينية الذكورية فاحلري هبا قبل ان تثور على الرجل لتخلص حقوقها ان‬
‫تثور على اله حممد و تعاليمه اليت تعطي احلق يف اضطهادها وجتريدها من‬
‫انسانيتها ‪.‬‬

‫‪96‬‬ ‫‪68‬‬
‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬ ‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫وح ��ت ��م ��ي ��ت ��ه ��ا امل ��ي ��ك ��ان ��ي ��ك ��ي ��ة‪ .‬ودخ ��ل‬ ‫ندري من أين أتت‪ ،‬مث مبوجب هذه‬
‫االنقطاع من الباب امللكي للتجربة‬ ‫ال ��ق ��وان�ين وه ��ذه امل ��ع ��ادالت احل ��رك ��ي ��ة‪،‬‬ ‫بس راب نيكوليسكو‬
‫ال ��ع ��ل ��م ��ي ��ة‪ .‬ف ��ح ��ل م ��ك ��ان ال ��س ��ب ��ب ��ي ��ة‬ ‫ي ��ص ��ب ��ح ب ��وس ��ع ��ن ��ا ال ��ت ��ن ��ب ��ؤ ب ��ك ��ل ش ��يء‬
‫امل ��وض ��ع ��ي ��ة م ��ف ��ه ��وم أك ��ث ��ر ن ��ع ��وم ��ة هو‬ ‫ب ��دق ��ة‪ ،‬ط ��امل ��ا أن ��ن ��ا ن ��س ��ت ��ط ��ي ��ع حت ��دي ��د‬
‫ال ��ع ��ل ��وم احل ��دي ��ث ��ة ال �ت�ي ‪ -‬ع ��ل ��ى أرض‬ ‫هل بوسع العلم أن يصبح دين اً؟‬
‫السببية الشاملة‪ .‬مما ولد هلع اً لدى‬ ‫الشروط األولية األساسية هلذا الشيء‪.‬‬
‫الواقع ‪ -‬تقدم العلم كدين جديد‪.‬‬ ‫إن غ �رائ ��زن ��ا وث ��ق ��اف ��ت ��ن ��ا وح �ت�ى ِح سنا‬
‫التبسيطيني من إمكانية عودة إحياء‬ ‫وهكذا أصبحت كل األشياء حمددة‬
‫مت ��ت ��د ج � ��ذور ال ��ع ��ل ��وم األس ��اس ��ي ��ة يف‬ ‫السليم ستقول لنا أن اإلجابة بنعم‬
‫امل ��ف ��ه ��وم ال ��ق ��دمي للغائية‪ .‬واس ��ت ��ب ��دال‬ ‫مسبق اً‪ .‬مما جعل فرضية األلوهة غري‬
‫أع ��م ��اق األرض اخلصبة للتساؤالت‬ ‫ع ��ل ��ى ه ��ذا ال ��س ��ؤال‪ ،‬وب ��ك ��ل بساطة‬
‫الشيء بالعالقة وبالتفاعل والتواصل‬ ‫ضرورية‪ .‬كما أصبح من غري املمكن‬
‫امل ��ش�ترك ��ة ب�ين مج ��ي ��ع جم ��االت املعرفة‬ ‫هذا اجلواب سخيف‪ .‬فهذا السؤال‬
‫املتبادل للظواهر الطبيعية‪ .‬وأخ�يراً‬ ‫جت ��اوز املسافة القائمة ب�ين «السيد‬
‫اإلنسانية‪:‬‬ ‫إذاً ب ��األص ��ل س ��ؤال خ ��اط ��ئ‪ .‬ول ��ك ��ن‬
‫استبدل الفهم الكالسيكي للمادة‬ ‫اإلله»‪ ،‬الذي ميكن يف أحسن األحوال‬
‫ما هو معىن احلياة؟ وما دور اإلنسان‬ ‫من بوسعه أن ينكر واق ��ع أن العلم‬
‫باملفهوم األك ��ث ��ر ره ��اف ��ة للجوهر –‬ ‫قبوله كمنطلق‪ ،‬وبني شؤون عاملنا‪.‬‬
‫يف العملية الكونية؟ وما دور الطبيعة‬ ‫احلديث قد قوض األساطري واكتسح‬
‫الطاقة – الزمكان – املعلومة‪ .‬مما‬ ‫مم ��ا ج ��ع ��ل م ��ن ال ��ص ��ع ��ب ح � ��دوث أي‬
‫يف ع ��م ��ل ��ي ��ة امل ��ع ��رف ��ة؟ وه ��ذا ي ��ع�ني أن‬ ‫واملعتقدات اليت أثّرت لقرون يف حياة‬
‫أدى إىل تدمري مفهوم اجلوهر الكلي‬ ‫ج ��دي ��د يف ه ��ذا ال ��ع ��امل ح ��ي ��ث احل ��ري ��ة‬
‫للعلوم األساسية نفس جذور الدين‬ ‫البشر؟ وم ��ن بوسعه أن ينفي واق ��ع‬
‫القدرة الذي كان يستند إليه دائم اً‬ ‫ك ��اذب ��ة (فكل ش ��يء مقدر مسبق اً)‪.‬‬
‫التبسيطيون‪ .‬فقد أض ��ح ��ى اجلوهر‬ ‫وأصبح العامل ال ��ذي ك ��ان يف املاضي‬ ‫أو الفن أو األساطري‪ .‬ولكن تدرجيي اً‬ ‫أن ال ��ع ��ل ��م‪ ،‬وب ��ال ��ت ��ايل ن ��ت ��اج ��ه األك ��ث ��ر‬
‫بدأ يُنظر إىل هذه التساؤالت على‬ ‫وض ��وح �اً – التكنولوجيا – ه ��و يف‬
‫بكل بساطة‪ ،‬وجه اً من وجوه املادة‪.‬‬ ‫ش ��اه ��داً ع ��ل ��ى ن ��ظ ��ام م ��ط ��ل ��ق ث ��اب ��ت ال‬
‫أهنا غري علمية‪ ،‬مما أدى إىل إلقائها‬ ‫طريقه ألن يغري حياتنا‪ ،‬تارك اً إيانا‬
‫وم ��ع بالنك وآينشتاين ب ��دأت ثورة‬ ‫ي ��ت ��غ�ير‪ ،‬م ��ل ��زم �اً ألن ي ��ت ��ح ��ول إىل تقين‬
‫يف ج ��ح ��ي ��م ال �ل�اع ��ق �ل�ان ��ي ��ة ال �ت��ي ه ��ي‬ ‫عزالً أمام معضلة رفاه ظاهر‪ ،‬ي رافقه‬ ‫ّ‬
‫ال مثيل هل ��ا يف املفاهيم س ��رع ��ان ما‬ ‫يقيس الكم‪.‬‬
‫جمال الشاعر والصويف والفيلسوف‪.‬‬ ‫نضوب (قد يصل إىل حد الفناء) يف‬
‫أدت إىل ظ ��ه ��ور م ��ن ��ظ ��وم ��ة ج ��دي ��دة‬ ‫لكن م ��ع ظ ��ه ��ور ال ��ف ��ي ��زي ��اء الكوانتية‬
‫وكان السبب األساسي‪ ،‬هلذا التحول‬ ‫حياتنا الداخلية؟‬
‫من القيم اليت أصبحت تتحكم يف‬ ‫يف م ��ط ��ل ��ع ال ��ق ��رن ال ��ع ��ش ��ري ��ن‪ ،‬تبينت‬
‫النمطي‪ ،‬االنتصار الذي ال يرقى إليه‬ ‫م ��ا ن ��ش ��ه ��ده ال ��ي ��وم ه ��و ب � ��روز إحل ��اد‬
‫حياتنا اليومية يف املدينة‪ .‬إالّ أن ما‬ ‫هشاشة هذا النموذج‪ .‬فقد أظهرت‬
‫الشك‪ ،‬من املنظور امل ��ادي املباشر‪،‬‬ ‫جديد‪ ،‬ال عالقة له باإلحلاد القدمي‪،‬‬
‫نالحظه اآلن‪ ،‬وق ��د مضى ق ��رن على‬ ‫ف ��ي ��زي ��اء اجل ��زي ��ئ ��ات ض ��ع ��ف األس � ��س‬
‫للتفكري التحليلي االخت زايل واآليل‪.‬‬ ‫سواء أكان وضعي اً أو مادي اً جدلي اً‪.‬‬
‫ظهور التصور الكوانيت للعامل‪ ،‬هو‬ ‫ال�تي يستند إليها اإلمي ��ان األعمى يف‬
‫فقد ك ��ان يكفي تطبيق ق ��وان�ين ال‬ ‫وهذا اإلحلاد اجلديد يأيت من منظومة‬
‫أن ش ��ي ��ئ �اً مل ي ��ت ��غ�ير‪ .‬ف ��ن ��ح ��ن م ��ا زل ��ن ��ا‬ ‫االستم رارية‪ ،‬ويف سببيتها املوضعية‪،‬‬
‫‪71‬‬ ‫‪70‬‬
‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬ ‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫ف ��ي ��ه مج ��ي ��ع اإلش � ��ارات‪ .‬وجن ��د أنفسنا‬ ‫مع طبيعتنا املزدوجة‪ ،‬منفصلني متام اً‬ ‫غري القابلة للنقاش للتقنية العلمية‬ ‫نتصرف‪ ،‬سواء عن وعي أو عن غري‬
‫أمام اهنيار جارف من التساؤالت‪.‬‬ ‫ألن االن ��ت ��ق ��ال م ��ن م ��س ��ت ��وى إىل آخ ��ر‬ ‫ال �ت�ي ب ��وس ��ع ��ه ��ا أن ت ��ف ��ع ��ل ف ��ع ��ل ��ه ��ا يف‬ ‫وعي‪ ،‬وفق املفاهيم القدمية للقرون‬
‫ما هي املوضوعية يف مقابل الذاتية‬ ‫منقطع بشكل كامل؟ ونتساءل من‬ ‫التطور املتناغم لإلنسان‪ .‬لكن الذي‬ ‫امل ��اض ��ي ��ة‪ .‬ون ��ت ��س ��اءل ع ��ن س ��ب ��ب ه ��ذا‬
‫امل ��ت ��ب ��ادل ��ة؟ وم � ��اذا ت ��ع�ني امل ��وض ��وع ��ي ��ة‬ ‫أي ��ن أت ��ى ي ��ا ت ��رى ه ��ذا ال ��ي ��ق�ين‪ ،‬ال ��ذي‬ ‫نتساءل عنه هو التوالد العشوائي‬ ‫االن ��ف ��ص ��ام ب �ي�ن ك ��ون ك ��وان �ت�ي وب�ين‬
‫وف ��ق م ��ن ��ط ��ق ال ��ث ��ال ��ث امل ��ش ��م ��ول؟ أال‬ ‫ي ��ؤك ��ده ك ��ل ي ��وم تقدم دراس ��ة قوانني‬ ‫(هل � ��ذه ال ��ت ��ق ��ن ��ي ��ة) ال � ��ذي ب ��ل ��غ ذروت ��ه‬ ‫إنسان ما زال يرزح حتت وطأة تصور‬
‫ي ��ع �ن�ي ه � ��ذا أن ال ��ع ��امل اخل ��ارج ��ي ق ��د‬ ‫ال ��ف ��ي ��زي ��اء امل ��ت ��ع ��ل ��ق ب ��ت ��م ��اث ��ل خم ��ت ��ل ��ف‬ ‫يف ال ��وس ��ائ ��ل ال ��ت ��دم�يري ��ة امل ��وج ��ودة يف‬ ‫�ال ل ��ل ��ع ��امل؟ م ��ا ه ��و ي ��ا ت ��رى سبب‬ ‫ب� ٍ‬
‫أص ��ب ��ح امل ��رج ��ع ��ي ��ة ال ��وح ��ي ��دة املمكنة‬ ‫م ��س ��ت ��وي ��ات امل ��ع ��رف ��ة؟ مث م ��اذا ت ��ع�ني يف‬ ‫عاملنا‪ ،‬واليت أصبحت تكفي لتدمريه‬ ‫جتاهل التساؤالت األساسية اليت ما‬
‫للموضوعية؟ ويف هذه احلال كيف‬ ‫احلقيقة معرفة الذات‪ ،‬كشكل ملح‬ ‫بالكامل ع ��دة م �رات‪ .‬وم ��ا نتساءل‬ ‫زال ��ت ت ��ع ��ت�بر وك ��أهن ��ا ت ��رف ال ف ��ائ ��دة‬
‫ال نضيع يف متاهة احلياة الداخلية؟‬ ‫ومؤرق وغري منطقي للمنطق العادي؟‬ ‫عنه أي ��ض �اً ه ��و اخل ��ل ��ط ال ��ش ��ائ ��ع ج ��داً‬ ‫منه؟ ملاذا ما زلنا نشاهد عاجزين‪،‬‬
‫كيف ميكن أن ال نغوص من جديد‬ ‫وكيف بوسع منظومة تتمتع بشيء‬ ‫بني التكنولوجيا والعلوم األساسية‪.‬‬ ‫ذل ��ك املشهد املقلق لتجزئ ي ��زداد‬
‫يف النفسانية ويف السوقية؟ مث ما هو‬ ‫من التعقيد‪ ،‬أن حتل بالكامل شيفرة‬ ‫ون ��ت ��ب �ي�ن يف ك � ��ل م ��ك ��ان م ��ؤش � �رات‬ ‫ت ��س ��ارع � �اً‪ ،‬ل ��ت ��دم �ي�ر ذايت ال ي ��ت ��ج �رأ‬
‫مؤشر احلدث املوضوعي؟ وهل بوسع‬ ‫منظومة أخرى ذات تعقيد مماثل؟‬ ‫ه ��ذه الرببرية اجل ��دي ��دة كما وصفها‬ ‫على اإلفصاح عن امس ��ه؟ مل ��اذا جيري‬
‫احل ��ي ��اة ال ��داخ ��ل ��ي ��ة أن ت ��ك ��ون مقياس اً‬ ‫وأخ �ي �راً ه ��ل ل ��ك ��ل ه ��ذه ال ��ت ��س ��اؤالت‪،‬‬ ‫ميشيل هنري‪ .‬ومنبعها كما يبدو‬ ‫جتاهل حكمة املنظومات الطبيعية‬
‫لتفاعل م ��ت ��ب ��ادل ب�ين ع ��وامل خمتلفة‪،‬‬ ‫من منظور العلم السائد يف أيامنا‪،‬‬ ‫لنا ه ��و ه ��ذا اخلليط املتفجر ال ��ذي‬ ‫مهرجني‬ ‫وتغييبها؟ أت �ران ��ا أصبحنا ّ‬
‫وب�ين منظومات خمتلفة؟ وك ��ي ��ف ال‬ ‫معىن م ��ن الناحية العلمية؟ أت �راه ال‬ ‫جيمع بني التفكري الثنائي‪ ،‬بني تقنية‬ ‫للمستحيل تسرينا قوة غري منطقية‬
‫ن ��ق ��ع يف ال ��ن ��ف ��ي امل ��ط ��ل ��ق؟ ك ��ي ��ف منيز‬ ‫يتوجب علينا االكتفاء بالنظر إىل‬ ‫الثالث املرفوع كنتاج عقلي صاف‪،‬‬ ‫أطلقناها بأنفسنا؟‬
‫بني املوضوعية وبني اليقني‪ ،‬اللذين‬ ‫ال ��ع ��ل ��م ك ��م ��ج ��م ��وع ��ة وص ��ف ��ات فاعلة‬ ‫وت ��ع ��ارض ��ه م ��ع امل ��ع ��ط ��ي ��ات األس ��اس ��ي ��ة‬ ‫وأص ��ب ��ح ال ��ع ��ل ��م ي ��ري ��د ت ��ق ��ل ��ي ��د ال ��دي ��ن‬
‫مل ي ��ع ��د أس ��اس ��ه ��م ��ا ال ��ن ��ف ��س ��ي حب ��اج ��ة‬ ‫ع ��ل ��ى ص ��ع ��ي ��د م ��ادي ��ت ��ن ��ا امل ��ب ��اش ��رة‪ ،‬وال‬ ‫للعلم امل ��ع ��اص ��ر وتقنية تفتقد ألي‬ ‫كما أصبح الدين يريد تقليد العلم‪.‬‬
‫إىل ب ��ره ��ان؟ وه ��ل ترتبط املوضوعية‬ ‫م ��ع�نى هل ��ا ع ��ل ��ى صعيد ال ��ك ��ائ ��ن؟ هل‬ ‫أفق أنساين‪.‬‬ ‫تسرع املواجهة بني اإلمربيالية‬ ‫حيث ِّ‬
‫بالتحول الفاعل‪ ،‬يف نفس الوقت‪،‬‬ ‫بوسعنا قبول التساؤل حول الكيف؟‬ ‫ون ��ت ��س ��اءل ه ��ل ب ��وس ��ع ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة أن‬ ‫العلمية واإلم�بري ��ال ��ي ��ة ال ��روح ��ان ��ي ��ة يف‬
‫يف العامل الداخلي والعامل اخلارجي؟‬ ‫ونسيان التساؤل حول اللماذا؟ هل‬ ‫خت �ب�رن � ��ا ش ��ي ��ئ � �اً ع � ��ن أن ��ف ��س ��ن ��ا؟ ه ��ل‬ ‫تشظية ح ��ي ��ات ��ن ��ا‪ .‬ون ��ت ��س ��اءل ه ��ل أن‬
‫وكيف نتجنب يف آن واحد رومانسية‬ ‫بوسعنا التعامل م ��ع ال ��ك ��ائ ��ن وكأنه‬ ‫ص ��ح ��ي ��ح أين ح �ي�ن أع � � ��رف ال ��ك ��ون‬ ‫التقارب احلايل بني العلم والدين هو‬
‫الصوفية وخيالء العلموية؟‬ ‫خ ��ارج نطاق العلم‪ .‬مما يعين بالتايل‬ ‫أع ��رف نفسي بشكل أفضل؟ أم أن‬ ‫داللة قوة أم داللة ضعف؟ طبع اً حنن‬
‫ون�لاح ��ظ يف مج ��ي ��ع األح � ��وال‪ ،‬ظهور‬ ‫الوقوع يف عامل فارغ ومنفصل تنعدم‬ ‫هذين املستويني‪ ،‬من معرفة تتوافق‬ ‫ال ننكر هنا إطالق اً القيمة اجلوهرية‬
‫‪73‬‬ ‫‪72‬‬
‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬ ‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫يف ف ��ي ��زي ��اء اجل ��زي ��ئ ��ات م ��ع �اً يف هنايته‪.‬‬ ‫متدرج اً وم ��وص ��والً‪ ،‬بل يتم باألحرى‬ ‫ِّ‬ ‫لتونا‪ .‬وعلى‬ ‫األخ ��رى ال�تي ذكرناها ِّ‬ ‫موضوعية ج ��دي ��دة م ��ن قلب العلم‬
‫امل ��ث ��ال األول م ��ع ��روف ن ��س ��ب ��ي �اً بينما‬ ‫ب ��ان ��ق ��ط ��اع ��ات م ��ب ��اغ ��ت ��ة وج ��ذري ��ة وغ�ير‬ ‫ك ��ل ح � ��ال ف � ��إن ك ��ل ��م ��ة «ط ��ب ��ي ��ع ��ة»‬ ‫احل ��دي ��ث‪ .‬م ��وض ��وع ��ي ��ة مل ت ��ع ��د فقط‬
‫�ش ��ر إىل امل ��ث ��ال ال ��ث ��اين ح�تى اآلن‪.‬‬ ‫مل يُ� َ‬ ‫موصولة‪ ،‬ح�تى إن م ��ن املمكن لعدة‬ ‫ن ��ف ��س ��ه ��ا آل � � ��ت إىل االخ � ��ت � ��ف � ��اء م ��ن‬ ‫م ��رت ��ب ��ط ��ة ب ��ال ��ش ��يء حب ��د ذات � � ��ه‪ ،‬إمن ��ا‬
‫ألن ن ��ظ ��ري ��ات ال ��ت ��وح ��ي ��د يف الفيزياء‬ ‫ن ��ظ �رات م ��ت ��ن ��اق ��ض ��ة أن ت ��ت ��ع ��اي ��ش‪ .‬إن‬ ‫املفردات العلمية‪.‬‬ ‫أصبحت مرتبطة بتفاعل الفاعل‬
‫تطمح إىل ص ��وغ م ��ق�ترب ت ��ام‪ ،‬قائم‬ ‫التنوع املذهل للنظ رات إىل الطبيعة‬ ‫يكف اإلنسان منذ فجر الزمان‬ ‫ّ‬ ‫مل‬ ‫مع الشيء‪ .‬ما يعين أنه بات يتوجب‬
‫على تفاعل أوحد من شأنه أن يتنبأ‬ ‫ي ��ف ��س ��ر مل ��اذا ال مي ��ك ��ن ��ن ��ا ال ��ك �ل�ام على‬ ‫ع ��ن ت ��ع ��دي ��ل ن ��ظ ��رت ��ه إىل ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة‪.‬‬ ‫خلق مفاهيم جديدة‪ .‬حبيث يصبح‬
‫بكل ما ميكن أن نرغب يف معرفته‬ ‫الطبيعة‪ ،‬إمنا فقط على طبيعة معينة‬ ‫�ؤرخ ��و ال ��ع ��ل ��وم على القول‬ ‫وجي ��م ��ع م � ِّ‬ ‫ب ��وس ��ع ��ن ��ا ال ��ت ��ح ��دث ع ��ن م ��وض ��وع ��ي ��ة‬
‫(م ��ن ه ��ن ��ا اس ��م «ن ��ظ ��ري ��ة ك ��ل ش ��يء»‬ ‫متوافقة مع اخليال يف العصر املعت برَ ‪.‬‬ ‫ب ��ع ��دم وج ��ود ط ��ب ��ي ��ع ��ة واح � ��دة ظلت‬ ‫فاعلية للعلم مقابل ذاتية موضوعية‬
‫‪.)a theory of everything‬‬ ‫الب ��د م ��ن ال ��ت ��ش ��دي ��د ع ��ل ��ى أن العالقة‬ ‫كما ه ��ي ع�بر األزم ��ن ��ة‪ ،‬على الرغم‬ ‫للمنقول‪ .‬ونتفكر كم حمظوظ هو‬
‫ومن الب ينِّ للغاية أنه إذا رأت نظرية‬ ‫املتميزة‪ ،‬إن مل نقل املانعة‪ ،‬بني الطبيعة‬ ‫من املظاهر‪ .‬فبماذا ميكن أن تشرتك‬ ‫ه ��ذا اإلن ��س ��ان احل ��دي ��ث ال ��ذي أصبح‬
‫كهذه النور يف املستقبل لكان معىن‬ ‫وال ��ع ��ل ��م ل ��ي ��س ��ت إال ح ��ك ��م �اً مسبق اً‬ ‫طبيعة اإلنسان املسمى «بدائي اً»‪،‬‬ ‫ب ��وس ��ع ��ه اجل ��م ��ع يف داخ ��ل ��ه‪ ،‬ويف آن‬
‫ذل ��ك هناية الفيزياء‪ ،‬ألن ��ه ل ��ن يبقى‬ ‫م ��ؤخ � �راً ت ��أس ��س ع ��ل ��ى اإلي ��دي ��ول ��وج ��ي ��ا‬ ‫م ��ع طبيعة اإلغ ��ري ��ق‪ ،‬وطبيعة عصر‬ ‫واح � ��د‪ ،‬ب �ي�ن ق ��ط�بي ذل ��ك ال ��ت ��ن ��اق ��ض‬
‫شيء يُبحث عنه‪ .‬ومن الطريف أن‬ ‫العلموية ‪ scientiste‬للقرن التاسع‬ ‫غاليليه‪ ،‬وطبيعة املركيز دو س ��اد‪،‬‬ ‫اخلصب‪.‬‬
‫نلحظ أن فكريت هناية التاريخ وهناية‬ ‫عشر‪ .‬أما الواقع التارخيي فهو أعقد‬ ‫وطبيعة البالس أو طبيعة نوفاليس؟‬
‫الفيزياء قد اتفق هلما أن تنبثقا يف‬ ‫منها بكثري‪ .‬فلقد كان لصورة الطبيعة‬ ‫احلقيقة ب�لا ش ��يء‪ ،‬م ��اع ��دا اإلنسان‬ ‫الطبيعة اليوم‬
‫الوقت نفسه من «النهاية ‪ -‬املتخ يَّ لة‬ ‫دوم اً فعل متعدد األشكال‪ ،‬إذ مل يؤثر‬ ‫ن ��ف ��س ��ه‪ .‬إن ال ��ن ��ظ ��رة إىل ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة‬ ‫ل � ��ل � ��ح � ��داث � ��ة حت � � ��دي � � ��داً وج � � ��ه مم � � � ِّ�وت‬
‫‪ -‬لقرننا»‪ .‬فهل هذا حمض مصادفة؟‬ ‫على العلم وحسب‪ ،‬بل وعلى الفن‬ ‫يف ع ��ص ��ر م ��ا ت ��ت ��وق ��ف ع ��ل ��ى اخل ��ي ��ال‬ ‫‪ ،mortifère‬ف ��ل ��ق ��د اب ��ت ��ك ��رت‬
‫ب ��ي ��د أن � ��ه‪ ،‬ع ��ل ��ى ال ��رغ ��م م ��ن ال ��ت ��ن ��وع‬ ‫وال ��دي ��ن واحل ��ي ��اة االج ��ت ��م ��اع ��ي ��ة أي ��ض �اً‪.‬‬ ‫السائد يف هذا العصر الذي يتوقف‬ ‫أنواع اً شىت من «املوت» و»النهاية»‪:‬‬
‫الغزير الفاتن لصور الطبيعة‪ ،‬ما زال‬ ‫�س ��ر ال ��ع ��دي ��د من‬ ‫وه � ��ذا األم � ��ر ق ��د ي ��ف � ّ‬ ‫ب � ��دوره ع ��ل ��ى ح ��ش ��د م ��ن ال ��ث ��واب ��ت‪:‬‬ ‫م � ��وت اهلل‪ ،‬م � ��وت اإلن � ��س � ��ان‪ ،‬هن ��اي ��ة‬
‫باإلمكان التمييز بني ثالث م راحل‬ ‫ال ��ت �زام ��ن ��ات العجيبة‪ .‬حسيب هنا أن‬ ‫مثل درجة تطور العلوم والتقنيات‪،‬‬ ‫اإليديولوجيات‪ ،‬هناية التاريخ‪ .‬بيد‬
‫كربى‪ :‬الطبيعة السحرية والطبيعة‬ ‫أورد مثالني‪ :‬ظهور الفن التجريدي‬ ‫التنظيم االجتماعي‪ ،‬الفن‪ ،‬الدين‪،‬‬ ‫أن مثة موت اً ق لّ ما جيري الكالم عليه‬
‫امليكانيكية وموت الطبيعة‪.‬‬ ‫وامليكانيكا الكوانتية يف آن واح ��د‬ ‫إخل‪ .‬وم�تى تشكلت ص ��ورة الطبيعة‬ ‫خ ��ج ل�اً أو ج ��ه �ل�اً‪ ،‬أال وه � ��و م ��وت‬
‫ألن ل ��ل ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة م ��ن م ��ن ��ظ ��ور ال ��ف ��ك ��ر‬ ‫يف مطلع ه ��ذا القرن‪ ،‬وظهور نظرية‬ ‫فإهنا تفعل يف ك ��ل جم ��االت املعرفة‪.‬‬ ‫الطبيعة‪ .‬وب �رأي ��ي أن م ��وت الطبيعة‬
‫السحري بنية حيّ ة تتح لّ ى بالفطنة‬ ‫هن ��اي ��ة ال ��ت ��اري ��خ ون ��ظ ��ري ��ات ال ��ت ��وح ��ي ��د‬ ‫وال ��ع ��ب ��ور م ��ن ن ��ظ ��رة إىل أخ ��رى ليس‬ ‫املموتة‬
‫هذا يف أصل كل التصورات ِّ‬
‫‪75‬‬ ‫‪74‬‬
‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬ ‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫كائن‪ .‬فالف راغ الكوانيت‪ ،‬من اجلزيئة‬ ‫الكوانيت املوضوعية الصارمة للفكر‬ ‫الطبيعة واختفاء مفهومها من احلقل‬ ‫وبالوعي‪ .‬واملس لَّ مة األساسية للفكر‬
‫إىل الكون‪ ،‬مليء بكل االحتماالت‪.‬‬ ‫الكالسيكي‪ .‬فالفصل الكامل بني‬ ‫العلمي‪ .‬لقد جتزأ مفهوم الطبيعة ‪-‬‬ ‫ال ��س ��ح ��ري ه ��ي م ��س �لَّ ��م ��ة ال ��ت ��واك ��ل‬
‫ل ��ذل ��ك‪ ،‬فإنه ح�ين ن ��زود ه ��ذا الف راغ‬ ‫امل �راق ��ب وب �ي�ن ال ��واق ��ع ال ��ذي نفرتضه‬ ‫اآللة لبداية النظرة امليكانيكية‪ ،‬مع‬ ‫ال ��ك �لّ ��ي‪ .‬ف ��م ��ن غ �ي�ر امل ��م ��ك ��ن ت ��ص ��ور‬
‫بالطاقة فإننا نساعده على جتسيد‬ ‫م ��س ��ت ��ق�لاً ع ��ن ��ه ب ��ال ��ك ��ام ��ل ي � ��ؤدي إىل‬ ‫إله كالساعة أو بدونه‪ ،‬إىل مجلة من‬ ‫ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة مب ��ع ��زل ع ��ن ع �ل�اق ��اهت ��ا مع‬
‫كمونياته‪ .‬وهذا بالضبط ما نفعل‬ ‫ت ��ن ��اق ��ض ��ات ال مي ��ك ��ن جت � ��اوزه � ��ا‪ .‬إن ��ه‬ ‫ومنذئذ انعدمت‬ ‫ٍ‬ ‫القطع َّ‬
‫املفك كة‪.‬‬ ‫اإلنسان‪ .‬كل شيء إشارة وأثر ومسة‬
‫حني نبين مسرعات للجزيئات‪.‬‬ ‫مفهوم أكثر نعومة مبوضوعيته‪ ،‬مييز‬ ‫احل ��اج ��ة إىل ك � ٍّ�ل م ��ت�لاح ��م‪ ،‬إىل بنية‬ ‫ورم ��ز‪ ،‬والعلم باملعىن احل ��دي ��ث هلذه‬
‫وأيض اً مل يعد مفهوم الف راغ والزمن‬ ‫العامل الكوانيت‪ .‬فـ»املوضوعية» تتعلق‬ ‫حيّ ة أو حىت إىل آلة حتتفظ رغم من‬ ‫الكلمة عدمي اجلدوى‪.‬‬
‫نفسه مفهوم اً ثابت اً‪ .‬فالف راغ والزمن‬ ‫مبستوى الواقع الذي ننظر إليه‪.‬‬ ‫كل شيء‪ ،‬ببعض من الغائية‪ .‬لقد‬ ‫ويف امل ��ق ��اب ��ل ي ��ت ��ص ��ور ال ��ف ��ك ��ر اآليل‬
‫الرباعي األبعاد الذي نعرف مل يعد‬ ‫وحي � � ��ل ال � � ��ف � � �راغ ال � � ��ف � � ��ارغ ل ��ل ��ف ��ي ��زي ��اء‬ ‫ماتت الطبيعة وبقي التعقيد‪ .‬وهو‬ ‫للقرن الثامن عشر‪ ،‬وباألخص للقرن‬
‫الوحيد الذي بوسعنا تصوره‪ ،‬فهو‬ ‫الكالسيكية م ��ك ��ان ال ��ف �راغ اململتئ‬ ‫تعقيد مذهل جيتاح إىل كل جماالت‬ ‫ال ��ت ��اس ��ع عشر (ال ��ذي م ��ازال س ��ائ � ً�دا‬
‫يبدو كمجرد تقريب‪ ،‬كـ»مقطع»‬ ‫ل ��ل ��ف ��ي ��زي ��اء ال ��ك ��وان ��ت ��ي ��ة‪ .‬ح ��ي ��ث أص ��غ ��ر‬ ‫امل ��ع ��رف ��ة‪ ،‬م ��ن الالمتناهية يف الصغر‬ ‫إىل ال ��ي ��وم)‪ ،‬ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة ل ��ي ��س كبنية‬
‫لف راغ زمين أغىن بكثري‪ ،‬ويولد ظواهر‬ ‫جزيء من الف راغ مفعم بنشاط غري‬ ‫إىل الالمتناهية يف الكرب‪ .‬بيد أن هذا‬ ‫ب ��ل ك ��آل ��ة ي ��ك ��ف ��ي تفكيكها قطعة‬
‫مم ��ك ��ن ��ة ل ��ي ��س ��ت أب ��ع ��اده ��ا اإلض ��اف ��ي ��ة‬ ‫ع ��ادي‪ ،‬ك ��دل ��ي ��ل ع ��ل ��ى ح ��رك ��ة دائ ��م ��ة‪.‬‬ ‫التعقيد يُنظر إليه كشيء ط ��ارئ‪،‬‬ ‫قطعة الم ��ت�لاك ناصيتها بالكلية‪.‬‬
‫نتيجة ختمني عقلي‪ .‬فهذه األبعاد‬ ‫وحت ��دد التموجات الكوانتية للف راغ‬ ‫ألنه يُعترب اإلنسان نفسه طارئ اً من‬ ‫فاملس لّ مة األساسية للفكر اآليل هي‬
‫ض ��روري ��ة ل ��ت ��أم�ين ال ��ت ��م ��اس ��ك ال ��ذايت‬ ‫الظهور املفاجىء ملزدوجات اف رتاضية‬ ‫ط ��وارئ التعقيد‪ .‬وه ��ي نظرة خميفة‬ ‫أنه ميكن معرفة الطبيعة والظفر هبا‬
‫للنظرية والستبعاد بعض اجل ��وان ��ب‬ ‫من اجلزيئات – واجلزيئات املضادة اليت‬ ‫تعيدنا إىل عاملنا كما نعيشه اليوم‪.‬‬ ‫املعرف‬ ‫عن طريق املنهجية العلمية َّ‬
‫غ�ير امل ��رغ ��وب ��ة م ��ن ج ��ه ��ة؛ وم ��ن جهة‬ ‫تبدد بعضها بعض اً خالل ف رتات زمنية‬ ‫إن م � ��وت ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة ال ي ��ت ��ف ��ق م ��ع‬ ‫بأهنا مستقلة بالكامل ع ��ن ماهية‬
‫أخ ��رى ه ��ي ليست شكلي ةً ص ��رف �ةً‪،‬‬ ‫متناهية يف الصغر‪ .‬وكأن جسيمات‬ ‫ال ��ت ��ف ��س�ير امل ��ت ��ج ��ان ��س ل ��ن ��ت ��ائ ��ج العلم‬ ‫اإلن ��س ��ان‪ .‬وه ��ذه ال ��رؤي ��ة االنتصارية‬
‫إمنا هلا على صعيدنا نتائج فيزيائية‪.‬‬ ‫امل � � ��ادة خت ��ل ��ق م ��ن ال ش � ��يء‪ .‬وب ��وس ��ع‬ ‫املعاصر‪ .‬وذل ��ك رغم إص �رار املوقف‬ ‫لـ»فتح الطبيعة» تضرب جبذورها‬
‫وخت ��ت ��ل ��ف درج � ��ة امل ��ادي ��ة ال ��ك ��وان ��ت ��ي ��ة‬ ‫امل ��اورائ ��ي هنا أن ي � ّدع ��ي ب ��أن ال ��ف �راغ‬ ‫االخت زايل اجلديد الذي يعطي أمهية‬ ‫يف الفعالية التقنية والتكنولوجية‬
‫ح ��ت ��م � �اً‪ ،‬ع � ��ن درج � � � ��ة امل � ��ادي � ��ة ال �ت�ي‬ ‫الكوانيت هو وجه من وجوه األلوهة‪.‬‬ ‫الكربى للمركبات األساسية للمادة‬ ‫املرعبة هلذه املس لَّ مة‪.‬‬
‫ت ��ع ��ت ��م ��ده ��ا ال ��ف ��ي ��زي ��اء ال ��ك�لاس ��ي ��ك ��ي ��ة‪.‬‬ ‫اهلل وح � ��ده‪ .‬ويف ك ��ل األح � ��وال يبقى‬ ‫ول ��ت ��ف ��اع�لاهت ��ا ال ��ف ��ي ��زي ��ائ ��ي ��ة امل ��ت ��ب ��ادل ��ة‬ ‫والنهاية املنطقية للنظرة امليكانيكية‬
‫وال ��ف ��ك ��رة امل ��ف ��ت ��اح مل ��ادي ��ة ال ��ك ��ون هي‬ ‫كل شيء يف الف راغ الكوانيت اهت زاز‪،‬‬ ‫واملعروفة‪.‬‬ ‫ال �ت�ي اك ��ت ��س ��ح ��ت ف ��ل ��س ��ف ��ة ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة‬
‫مفهوم مستويات الواقع‪.‬‬ ‫إن مل نقل مت ��وج ب�ين ال ��ك ��ائ ��ن وال�لا‪-‬‬ ‫ك ��م ��ا مل ت ��ع ��د م ��ق ��ب ��ول ��ة يف ال ��ع ��امل‬ ‫بوصفها اس ��ت ��ط �راداً ض ��االً ه ��و موت‬
‫‪77‬‬ ‫‪76‬‬
‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬ ‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫يعين ولد وهو يدل على فعل الوالدة‬ ‫الثالث للطبيعة‪ ،‬من خالل عالقاهتا‬ ‫ذاتيتها مشروطة بكون منهجيتها‬ ‫ل ��ق ��د ت ��غ�ير م ��ف ��ه ��وم ق ��وان �ي�ن الطبيعة‬
‫ك ��م ��ا ع ��ل ��ى أع ��ض ��اؤه ��ا األن ��ث ��وي ��ة‪ .‬ما‬ ‫امل ��ت ��ب ��ادل ��ة وص ��ل ��ت ��ه ��ا جب ��م ��ي ��ع م ��ظ ��اه ��ر‬ ‫هي املنهجية القدمية للكائن‪ ،‬تلك‬ ‫ب ��ال ��ك ��ام ��ل م ��ق ��ارن ��ة مب ��ا ك � ��ان ي ��ع ��رف ��ه‬
‫يعين ب ��أن الطبيعة احل ��ي ��ة ه ��ي منشأ‬ ‫ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة احل ��ي ��ة‪ .‬وت ��ت ��ط ��ل ��ب دراس � ��ة‬ ‫ال�تي خت ��رق مجيع املنقوالت واألدي ��ان‬ ‫املنظور الكالسيكي‪ .‬فقد تطورت‬
‫الوالدة الذاتية لإلنسان‪.‬‬ ‫الطبيعة احلية ميتودولوجيا جديدة‬ ‫يف عاملنا‪.‬‬ ‫ت �رات ��ب ��ي ��ة ال ��ق ��وان�ين م ��ع ت ��ط ��ور ال ��ك ��ون‬
‫لقد ختيل غاليليو الطبيعة كنص‬ ‫– هي امليتودولوجيا عرب املناهجية‪،‬‬ ‫‪ )3‬ال ��ع �ب�ر‪ -‬ط ��ب ��ي ��ع ��ة ال �ت��ي ت ��ؤم ��ن‬ ‫ن ��ف ��س ��ه‪ .‬أي مب ��ع�نى آخ ��ر‪ ،‬حن ��ن نشهد‬
‫رياضي يكفي أن نفك رموزه لكي‬ ‫اليت ختتلف عن ميتودولوجيا العلم‬ ‫وحدة الطبيعة املوضوعية والطبيعة‬ ‫والدة قوانني م رتافقة مع تطور الكون‪.‬‬
‫ن ��ت ��م ��ك ��ن م ��ن ق � �راءت ��ه‪ .‬وه ��و م ��ن ��ظ ��ور‬ ‫احلديث وميتودولوجيا العلم القدمي‬ ‫ال ��ف ��اع ��ل ��ي ��ة‪ .‬وه ��ي ت ��دخ ��ل يف ن ��ط ��اق‬ ‫وهي قوانني كانت موجودة بالقوة‬
‫استمر لقرون وكان مبنتهى الفعالية‪.‬‬ ‫للكائن‪.‬‬ ‫املقدس‪.‬‬ ‫منذ البداية‪ .‬لكن تطور الكون أدى‬
‫لكننا نعرف اليوم أن الوضع أكثر‬ ‫إن أوىل مهام العرب مناهجية كوسيط‬ ‫وه � ��ك � ��ذا‪ ،‬ب ��وس ��ع ��ن ��ا احل � ��دي � ��ث ع ��ن‬ ‫إىل تطورها وت راتبيتها‪.‬‬
‫تعقيداً بكثري‪ .‬حيث تبدو لنا كتاب‬ ‫مميز للحوار بني خمتلف ميادين املعرفة‬ ‫الطبيعة املزدوجة للطبيعة‪ :‬الطبيعة‬ ‫إن النموذج ع رباملناهجي للطبيعة‪،‬‬
‫ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة ك ��ن ��ص أويل‪ ،‬أي ك ��ن ��ص‬ ‫هو وضع فلسفة جديدة للطبيعة‪.‬‬ ‫ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ي ��ة ال �ت��ي ت ��ش ��م ��ل ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة‬ ‫ال ��ذي جي ��م ��ع ك ��ل اخل � ��واص اجل ��دي ��دة‬
‫يتوجب علينا كتابته ول ��ي ��س فقط‬ ‫اقرتح ه للطبيعة‬ ‫هلذا فإن التعريف الذي ُ‬ ‫امل ��وض ��وع ��ي ��ة وال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة ال ��ذات ��ي ��ة‪،‬‬ ‫ل ��ل ��ع ��امل ال ��ف ��ي ��زي ��ائ ��ي‪ ،‬مي ��ي ��ز ب �ي�ن ث�لاث‬
‫ق راءته‪.‬‬ ‫ال يعين العودة إىل الطبيعة السحرية‪،‬‬ ‫والطبيعة فوق الطبيعية‪ ،‬ونسميها‬ ‫مظاهر أساسية للطبيعة هي‪:‬‬
‫وامل ��ف ��ارق ��ة ه ��ي أن اإلحل � ��اد امل ��ع ��اص ��ر‬ ‫وال إىل الطبيعة امليكانيكية‪ ،‬إمنا هو‬ ‫ب � �ـ»ال � ��ع �ب��ر ط ��ب ��ي ��ع ��ة»‪ .‬ألن � � ��ه ي ��وج ��د‬ ‫‪ )1‬الطبيعة املوضوعية‪ ،‬اخلاضعة‬
‫ق ��د ول ��د م ��ن ه ��ذا املنظور ال ��ذي غري‬ ‫يستند إىل تعريف مزدوج يقول أنه‬ ‫ازدواج ��ي ��ة يف طبيعة الطبيعة‪ ،‬كما‬ ‫ملوضوعية فاعلة‪ .‬وهي فاعلة مبقدار‬
‫نظرتنا إىل العامل‪.‬‬ ‫‪ )1‬ب ��وس ��ع ال ��ك ��ائ ��ن اإلن ��س ��اين دراس ��ة‬ ‫يوجد ازدواجية يف طبيعة اإلنسان‪.‬‬ ‫م ��ا ت ��رت ��ب ��ط م ��س ��ت ��وي ��ات ال ��واق ��ع فيها‬
‫اإلحلاد املعاصر‬ ‫الطبيعة عن طريق العلم‪.‬‬ ‫أما الطبيعة عرب املناهجية فهي ذات‬ ‫مب ��س ��ت ��وي ��ات اإلدراك‪ .‬م ��ع ال ��ت ��أك ��ي ��د‬
‫ظ ��ه ��ر اإلحل ��اد امل ��ع ��اص ��ر إىل اجلمهور‬ ‫‪ )2‬ال ميكن ت ��ص ��ور الطبيعة مبعزل‬ ‫بنية ث�لاث ��ي ��ة (الطبيعة امل ��وض ��وع ��ي ��ة‪،‬‬ ‫ه ��ن ��ا ع ��ل ��ى امل ��وض ��وع ��ي ��ة‪ ،‬امل�تراف ��ق ��ة مع‬
‫م � ��ن خ �ل��ال ق ��ض ��ي ��ة ش ��ه �ي�رة ع ��رف ��ت‬ ‫عن عالقتها بالكائن اإلنساين‪.‬‬ ‫وال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة ال ��ذات ��ي ��ة‪ ،‬وال ��ع�بر طبيعة)‬ ‫منهجيتها العلمية‪.‬‬
‫ح ��ي ��ن ��ئ ��ذ ب � �ـ» ق ��ض ��ي ��ة س ��وك ��ال»‪ .‬وق ��د‬ ‫واحل ��ق ��ي ��ق ��ة أن ت ��ع ��ب�ير ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة احل ��ي ��ة‬ ‫تعرف الطبيعة احلية‪ .‬وهذه الطبيعة‬ ‫َّ‬ ‫‪ )2‬الطبيعة الفاعلية‪ ،‬اخلاضعة‬
‫ب ��دأت ه ��ذه ال ��ق ��ض ��ي ��ة خب ��دي ��ع ��ة‪ ،‬حني‬ ‫ه � � ��و ح � ��ش � ��و ك � �ل��ام � � ��ي‪ .‬ألن ك ��ل ��م ��ة‬ ‫حية ألن احلياة م ��وج ��ودة يف خمتلف‬ ‫ل ��ذات ��ي ��ة م ��وض ��وع ��ي ��ة‪ .‬وه ��ذه الفاعلية‬
‫أرس � ��ل ف ��ي ��زي ��ائ ��ي وأس ��ت ��اذ ري ��اض ��ي ��ات‬ ‫«طبيعة» ترتبط بشكل ال ينفصم‬ ‫درج � ��اهت � ��ا وألن دراس ��ت ��ه ��ا ت ��ف �ت�رض‬ ‫م � ��وض � ��وع � ��ي � ��ة مب � � ��ق � � ��دار م � � ��ا ت ��رت ��ب ��ط‬
‫م ��ن ج ��ام ��ع ��ة ن ��ي ��وي ��ورك ال ي ��ع ��رف ��ه إالّ‬ ‫بكلمة «والدة»‪ .‬ف ��اجل ��ذر الالتيين لـ‬ ‫ت ��ك ��ام ��ل جت ��رب ��ة م ��ع ��اش ��ة‪ .‬ك ��م ��ا أن ��ه‬ ‫مستويات اإلدراك فيها مبستويات‬
‫القليل م ��ن الفيزيائني ع ��ام ‪،1994‬‬ ‫‪(natura‬الطبيعة) الذي هو ‪nasci‬‬ ‫جي ��ب ال ��ن ��ظ ��ر ب ��آن واح ��د إىل األوج ��ه‬ ‫ال ��واق ��ع‪ .‬م ��ع ال ��ت ��أك ��ي ��د ه ��ن ��ا ع ��ل ��ى أن‬
‫‪79‬‬ ‫‪78‬‬
‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬ ‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫احل ��ائ ��ز على ج ��ائ ��زة ن ��وب ��ل للفيزياء‪،‬‬ ‫امل ��ع ��اص ��رة‪ ،‬أال وه ��ي ظ ��اه ��رة حت ��وي ��ل‬ ‫م � ��ن ق ��ب ��ل س � ��وك � ��ال ن ��ف ��س ��ه‪ ،‬ال � ��ذي‬ ‫مقالة حتمل عنوان اً ملفت اً للنظر هو‬
‫الذي حتدث يف مقالة طويلة نش رهتا‬ ‫ال ��ن ��س �ب�ي إىل م ��ط ��ل ��ق‪ .‬ح ��ي ��ث خي ��ت ��ب ��ئ‬ ‫أضحى شه رياً عن طريق االنرتنت‪.‬‬ ‫انتهاك احل ��دود‪ :‬حنو تفسري حتويلي‬
‫ل ��ه جم ��ل ��ة ن ��ي ��وي ��ورك مل �راج ��ع ��ة الكتب‬ ‫التطرف النسيب وراء مسعة لغة العلوم‬ ‫وض ح سوكال حوافزه الفكرية‬ ‫حني ّ‬ ‫للجاذبية الكوانتية (سوكال ‪)1996‬‬
‫(ف ��اي ��ن�برغ ‪ ،)1996‬ع ��ن وج ��ود «ه ��وة‬ ‫ال ��دق ��ي ��ق ��ة م ��ن خ �ل�ال ت ��س ��ري ��ب مبالغ‬ ‫والسياسية‪ .‬وخاصة على الصعيد‬ ‫إىل جم ��ل ��ة «ال � ��ن � ��ص االج ��ت ��م ��اع ��ي»‬
‫من عدم التفهم» بني العلماء وبني‬ ‫ومشوه‪ .‬فتنفصل اللغة عن سياقها‪،‬‬ ‫ال ��س ��ي ��اس ��ي ح �ي��ن أراد أن ي �ب�ره ��ن‬ ‫املعروفة بأهنا أح ��د املواقع املتقدمة‬
‫املثقفني اآلخ ��ري ��ن‪ .‬فحسب فاينربغ‬ ‫وي ��ص ��ب ��ح ب ��اإلم ��ك ��ان ال ��ت ��ع ��ام ��ل معها‬ ‫ألصدقائه من اليسار األمريكي أنه‬ ‫ملا بعد احلداثة‪ .‬وكان املقال حمشواً‬
‫كانت إحدى االش رتاطات األساسية‬ ‫ل ��ل ��ت ��ع ��ب�ير ع ��ن أي ش ��يء ول �ـ»ب ��ره ��ن ��ة»‬ ‫ال ميكن حتقيق أي حتول اجتماعي‬ ‫باستشهادات صحيحة لفيزيائيني‬
‫ال �ت�ي أدت إىل والدة وت ��ط ��ور ال ��ع ��ل ��م‬ ‫تساوي كل األشياء‪ .‬والضحية األوىل‬ ‫أو ثورة باالستناد إىل مفهوم احلقيقة‬ ‫كبور وهايزنبغ و لفالسفة‪ ،‬ولعلماء‬
‫احلديث هو الفصل بني عامل الفيزياء‬ ‫هل ��ذا ال ��ت ��ش ��وي ��ه ه ��و ال ��ع ��ل ��وم ال ��دق ��ي ��ق ��ة‬ ‫ك ��م ��ا ت ��ت ��ب ��ن ��اه ال ��ف ��ل ��س ��ف ��ة ال ��ن ��س ��ب ��ي ��ة‪.‬‬ ‫اجتماع‪ ،‬ومؤرخي علوم‪ ،‬أو حمللني‬
‫وع � ��امل ال ��ط ��ب ��ي ��ع ��ة‪ .‬وب ��ض ��رب ��ة واح � ��دة‪،‬‬ ‫نفسها‪ ،‬وال �ت�ي تصبح ك ��غ�يره ��ا جم ��رد‬ ‫ألهن ��ا فقط الفيزياء كما يتصورها‬ ‫نفسيني‪ ،‬ككوهن وفريبيند والتور‬
‫ي ��ك ��ن ��س ف ��اي ��ن �ب�رغ ك ��ت ��داخ �ل�ات غ�ير‬ ‫واض ��ع ��ة ل ��ب ��ن ��ي ��ان اج ��ت ��م ��اع ��ي‪ ،‬وت ��وض ��ع‬ ‫س ��وك ��ال‪ ،‬بوسعها لعب ه ��ذا ال ��دور‬ ‫والك ��ان ودول � ��وز وغ ��ات ��اري ودي ��ري ��دا‬
‫صاحلة‪ ،‬االعتبارات الفلسفية لآلباء‬ ‫بني أه لّ تني إل زامية التدقيق عن طريق‬ ‫كأساس فلسفي‪.‬‬ ‫ول ��ي ��وت ��ار وس�يري ��س أو ف�يري ��ل ��و‪ .‬وه ��ي‬
‫املؤسسني للميكانيكا الكوانتية‪،‬‬ ‫ال ��ت ��ج ��رب ��ة‪ .‬هل ��ذا ليس م ��ن ال ��غ ��ري ��ب أن‬ ‫وك � ��ان � ��ت ك ��ت ��اب ��ات م ��ت ��دف ��ق ��ة ع ��ل ��ى‬ ‫اس ��ت ��ش ��ه ��ادات ك ��ان ��ت ت ��ع ��ل ��ي ��ق ��ات‬
‫كفرنر هايزنربغ على سبيل املثال‪.‬‬ ‫يتحول س ��وك ��ال خ�لال بضعة أشهر‬ ‫االن �ت��رن � ��ت‪ ،‬وك � � ��ان ع � ��دد ك ��ب �ي�ر م ��ن‬ ‫سوكال عليها شبيهة بالتأكيدات‬
‫ون ��ت ��ف ��اج ��أ م ��ن ح ��ج ��ج ف ��اي ��ن �ب�رغ ال�تي‬ ‫إىل ب ��ط ��ل جل ��م ��اع ��ة ت ��ش ��ع ��ر ك ��ل ي ��وم‬ ‫الكتب وال ��ع ��دي ��د م ��ن امل ��ق ��االت اليت‬ ‫اهلاذية‪ .‬مما أعطى االنطباع أنه يتبىن‬
‫تبدو وكأهنا انعكاس لعلموية قرن‬ ‫ب ��ال ��ت ��ن ��اق ��ض ال ��ص ��ارخ ب �ي�ن مم ��ارس ��اهت ��ا‬ ‫ب ��ي ��ن ��ت حقيقة امل ��ش ��ك ��ل ��ة‪ .‬فالبعض‬ ‫بالكامل مفاهيم م ��ا بعد احل ��داث ��ة‪،‬‬
‫آخ � ��ر‪ :‬ح ��ي ��ث ي ��ع ��ود احل ��س ال ��س ��ل ��ي ��م‬ ‫ال ��ع ��م ��ل ��ي ��ة وت ��ص ��وراهت ��ا االج ��ت ��م ��اع ��ي ��ة‬ ‫اع ��ت�بر س ��وك ��ال ك ��رس ��ول أن ��وار ال ��ذي‬ ‫وخ ��اص ��ة منها مفاهيم ذل ��ك التيار‬
‫ليعلن واقعية ال ��ق ��وان�ين الفيزيائية‪،‬‬ ‫والثقافية‪.‬‬ ‫ي ��واج ��ه ظ�لام ��ي ��ي م ��ا ق ��ب ��ل احل ��داث ��ة‪.‬‬ ‫الذي يؤمن بالنسبية والذي كانت‬
‫واك ��ت ��ش ��اف ال ��ف ��ي ��زي ��اء ل ��ل ��ع ��امل «ك ��م ��ا‬ ‫لكن املفارقة‪ ،‬هي أن قضية سوكال‬ ‫ب ��ي ��ن ��م ��ا اع ��ت �ب�ره ال ��ب ��ع ��ض اآلخ � ��ر‪ ،‬جم ��رد‬ ‫تتبناه جملة «ال ��د راس ��ات الثقافية»‪.‬‬
‫ه � ��و»‪ ،‬أي ك ��ت ��ن ��اظ ��ر ث ��ن ��ائ ��ي ال ��وج ��ه‬ ‫ق ��د ب ��ي ��ن ��ت ب ��ش ��ك ��ل م ��ل ��ح ��وظ ت ��ط ��رف‬ ‫ش ��رط ��ي يتعاطى الفكر‪ ،‬إن مل نقل‬ ‫مم ��ا أدخ ��ل ال ��س ��رور إىل قلب حم ��رري‬
‫ب �ي�ن ال ��ق ��وان�ين ال ��ف ��ي ��زي ��ائ ��ي ��ة و»ال ��واق ��ع‬ ‫ج ��دي ��د ه ��و – ال ��ت ��ط ��رف ال ��ع ��ل ��م ��وي‪،‬‬ ‫جمرد دجال وجاهل‪.‬‬ ‫اجمللة بسبب تبين فيزيائي لقضيتهم‬
‫املوضوعي»‪ ،‬ما يؤكد على الصعيد‬ ‫كوجه آخر للتطرف الديين‪ .‬وقد لقي‬ ‫لكن قضية سوكال كان هلا الفضل‬ ‫م ��ا جعلهم ي ��ن ��ش ��رون ن ��ص ��ه مباشرة‬
‫ال ��ف ��ك ��ري هيمنة ال ��ع ��ل ��وم الطبيعية‪.‬‬ ‫م ��وق ��ف س ��وك ��ال يف ال ��واق ��ع دع ��م �اً ذو‬ ‫يف تسليط األضواء على ظاهرة يزداد‬ ‫ودون أي تدقيق‪.‬‬
‫ل ��ك ��ن ف ��اي ��ن �ب�رغ مل ي ��ك ��ن ال وض ��ع ��ي �اً‬ ‫وزن – من الفيزيائي ستيفن فاينربغ‬ ‫وج ��وده ��ا أك ��ث ��ر ف ��أك ��ث ��ر يف ال ��ث ��ق ��اف ��ة‬ ‫مث بعد فرتة وجيزة كشفت اخلديعة‬
‫‪81‬‬ ‫‪80‬‬
‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬ ‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫ال ��ك ��ت ��اب فنجده يف م ��ك ��ان آخ ��ر أال‬ ‫اليت فاجأت اجلميع بضحالتها واليت‬ ‫من ه ��ذا املنطلق كاملة وهنائية مع‬ ‫وال ميكانيكي اً‪ .‬إمن ��ا ه ��و أح ��د أمل ��ع‬
‫وه ��و التذييل (امللحق آ) للكتاب‪،‬‬ ‫ك ��ان صداها أق ��ل بكثري من النجاح‬ ‫الثقافة‪ .‬ألنه هناك واقع واحد – هو‬ ‫فيزيائي القرن العشرين‪ ،‬كما أنه يف‬
‫حتت عنوان «الدين كعلم زائف»‪.‬‬ ‫ال ��ط ��ن ��ان ل �ـ»م ��ق ��ال ��ة» س ��وك ��ال األوىل‪.‬‬ ‫الواقع املوضوعي للفيزياء‪ .‬وهذا ما‬ ‫نفس الوقت صاحب ثقافة قوية‪ .‬ما‬
‫م ��وض ��ح�ين أن ��ه يف ه ��ذا ال ��س ��ي ��اق‪ ،‬ال‬ ‫وك ��ان مجيع امل ��خ ��ادع ��ون ال ��ذي ��ن جرى‬ ‫جيعله يؤكد بال مواربة‪ ،‬أنه بالنسبة‬ ‫جيعل من املناسب دراسة ما يقدمه‬
‫يتعرض الكتاب إىل الدين لإلشارة‬ ‫التطرق إليهم فرنسيون أو يعيشون‬ ‫للثقافة أو الفلسفة‪ ،‬فإن الفرق بني‬ ‫من حجج‪.‬‬
‫إىل ال ��ط ��وائ ��ف واحل ��رك ��ات ال ��دي ��ن ��ي ��ة‬ ‫يف ف ��رن ��س ��ا‪ .‬وم ��ن امل ��م ��ل أن حن ��ل ��ل هنا‬ ‫امليكانيكا اجلسيمية وامليكانيكا‬ ‫تستند الفكرة األساسية لفاينربغ‪،‬‬
‫اجلديدة‪ ،‬إمنا للداللة على الديانات‬ ‫م ��اه ��ي ��ة ه � ��ذه «اخل ��دي ��ع ��ة»‪ .‬ف ��ط ��ري ��ق ��ة‬ ‫الكالسيكية أو بني ثقالة آينشتاين‬ ‫واليت يرددها كالتعويذة يف كتاباته‪،‬‬
‫ال ��ق ��ائ ��م ��ة – كاملسيحية وال ��ي ��ه ��ودي ��ة‬ ‫الفيزيائيني األمريكان والبلجيكيني‬ ‫وثقالة نيوتن أمر بال معىن‪.‬‬ ‫إىل وج � ��ود ق ��وان �ي�ن غ �ي�ر شخصانية‬
‫واإلسالم واهلندوسية‪ .‬وهذا ما جعل‬ ‫س ��ه ��ل ��ة‪ :‬ن ��أخ ��ذ مج ��ل ��ة‪ ،‬ون ��ف ��ص ��ل ��ه ��ا عن‬ ‫�ادا‬
‫وي � � � ��أيت اس ��ت ��ن ��ت ��اج ف � ��اي � ��ن �ب��رغ ح � � � ً‬ ‫اك ��ت ��ش ��ف ��ت ��ه ��ا ال ��ف ��ي ��زي ��اء‪ .‬ق ��وان �ي�ن غري‬
‫من غري املستغرب أن يشري بأصابع‬ ‫سياقها لنبني من مث ملاذا هي سخيفة‬ ‫كالسكني حني يقول‪:‬‬ ‫ش ��خ ��ص ��ان ��ي ��ة وأزل � ��ي � ��ة م ��ع � �اً ت ��ض ��م ��ن‬
‫االهت ��ام إىل ال ��ب ��اب ��ا حنا ب ��ول ��س الثاين‬ ‫وغري دقيقة على الصعيد الفيزيائي‬ ‫إنه ميكننا ربط اكتشافات الفيزياء‬ ‫«التقدم املوضوعي» للعلم وتفسر‬
‫ع ��ل ��ى أن � ��ه «أك �ب ��ر رئ ��ي ��س ع ��ل ��م ��وي‬ ‫أو الرياضي‪ .‬إن الطريقة املستعملة‬ ‫ب ��ال ��ف ��ل ��س ��ف ��ة وب ��ال ��ث ��ق ��اف ��ة ح �ي�ن يصبح‬ ‫اهل � ��وة ال �ت��ي ال مي ��ك ��ن جت ��اوزه ��ا ب ��ي ��ن ��ه‬
‫زائف»‪.‬‬ ‫من قبل الكتاب قد أقصته إىل حد‬ ‫مب � ��ق � ��دورن � ��ا م ��ع ��رف ��ة م ��ن ��ش ��أ ال ��ك ��ون‬ ‫وبني الثقافة‪ .‬ونغمة هذه احلجة ذو‬
‫وهذا البيان األخري هو بكل بساطة‬ ‫جعلنا نعتقد أن قضية س ��وك ��ال قد‬ ‫والقوانني النهائية للطبيعة‬ ‫ط ��اب ��ع ن ��ب ��وي واض � ��ح‪ ،‬وك ��أهن ��ا ينطق‬
‫من باب التشهري‪ .‬ورغم كل شيء‪،‬‬ ‫طويت‪.‬‬ ‫م ��ا ي ��ع�ني ب ��أن ه ��ذا ل ��ن ي ��ك ��ون ممكن اً‬ ‫بلسان دي ��ن من دون إل ��ه‪ .‬ما يغري‬
‫يبقى من املهم أن نعرف ملاذا يعترب‬ ‫وي � ��رت � ��د س � ��وك � ��ال‪ .‬ف ��ق ��د ن ��ش ��ر ق ��ب ��ل‬ ‫على اإلطالق!‬ ‫باالعتقاد أننا أصبحنا أمام مفهوم‬
‫س ��وك ��ال وب ��ري ��ك ��م ��ون ال ��دي ��ن ع ��ل ��م �اً‬ ‫ثالث سنوات‪ ،‬كتاب اً جديداً (كتبه‬ ‫يف ع ��ام ‪ ،1997‬ق ��رر س ��وك ��ال إع ��ادة‬ ‫ع ��ل ��م ��ي أض ��ح ��ى ك ��احل ��ب ��ل ب �ل�ا دن ��س‬
‫زائف اً‪ ،‬كالتنجيم؟‬ ‫بالتعاون مع ج ��ان بريكمون) حيمل‬ ‫كتابة مقالته الشهرية ال�تي نشرها‬ ‫(عند الكنيسة)‪ .‬مما جيعلنا من هذا‬
‫وي ��ب �ي�ن ال ��ك ��ت ��اب ب � �ب� �راءة ح ��ج ��ج ��ه ��م‬ ‫عنوان اً جذاب اً هو العلوم ال زائفة وما‬ ‫يف «ال ��ن ��ص االج ��ت ��م ��اع ��ي» ول ��ك ��ن‬ ‫املنطلق‪ ،‬نتفهم بأن قضية سوكال‬
‫ال ��رئ ��ي ��س ��ي ��ة‪ :‬ف ��ال ��دي ��ن ي ��ت ��ع ��اط ��ى م ��ع‬ ‫بعد احلداثة‪ :‬خصومة أم وفاق طريق‬ ‫ب ��امل ��ق ��ل ��وب‪ .‬أي مب ��ع �ن�ى آخ � � ��ر‪ ،‬ق ��رر‬ ‫بالنسبة لفاينربغ ه ��ي قضية حال‬
‫«ظ ��واه ��ر حقيقية أو م ��ف�ترض ��ة‪ ،‬أو‬ ‫(سوكال ‪.)2005‬‬ ‫التعبري ع ��م ��ا يعتقده حقيقة‪ .‬هل ��ذا‬ ‫احلقيقة وحال الواقع‪ .‬فبالنسبة له‬
‫م ��ع ع�لاق ��ات حقيقية أو مفرتضة‪،‬‬ ‫وهنا جيب االع�تراف بأن املقاربة بني‬ ‫ن �راه ككاتب يتخذ كمساعد له‪،‬‬ ‫م ��ن غ�ير املمكن أن ت ��ك ��ون احلقيقة‬
‫غ �ي��ر حم ��ت ��م ��ل ��ة م � ��ن م ��ن ��ظ ��ور ال ��ع ��ل ��م‬ ‫م ��ا بعد احل ��داث ��ة وال ��ع ��ل ��وم ال �زائ ��ف ��ة هو‬ ‫الفيزيائي البلجيكي جان برميون‪.‬‬ ‫ت ��اب ��ع ��ة ل ��ل ��ب ��ي ��ئ ��ة االج ��ت ��م ��اع ��ي ��ة ل ��ل ��ع ��امل‪.‬‬
‫احلديث»‪ .‬فهو «حياول دعم بياناته‬ ‫أمر ج ��ذاب‪ .‬أما اجلديد حق اً يف هذا‬ ‫وهكذا كان نشر «اخلدع الفكرية»‪.‬‬ ‫ف ��ال ��ع ��ل ��م مي ��ل ��ك احل ��ق ��ي ��ق ��ة‪ ،‬وق ��ط ��ي ��ع ��ت ��ه‬
‫‪83‬‬ ‫‪82‬‬
‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬ ‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫والغ ��ائ ��ي ��ة‪ ،‬ص ��دف ��ة وض � ��رورة‪ ،‬إخل ‪..‬‬ ‫ألن � � ��ه م ��ه ��م ��ا ك � � ��ان احل � � ��ذر اخل ��ط ��ايب‬ ‫فلينني كسوكال كان يؤمن بوجود‬ ‫حبجج أو ب رباهني ال تليب متطلبات‬
‫إخل‪ ،‬ه ��ي كلمات مستعملة ذابلة‪،‬‬ ‫ومهما كانت البهلوانيات اجلدلية‬ ‫مستوى واح ��د للواقع‪ .‬أو لنقل أنه‬ ‫ال ��ع ��ل ��م احل ��دي ��ث م ��ن ح ��ي ��ث امل ��ن ��ط ��ق‬
‫ف ��ق ��دت قيمتها وأص ��ب ��ح ��ت ع ��اه ��رة‪.‬‬ ‫للملحدين اجل ��دد امل ��ع ��اص ��ري ��ن‪ ،‬ف ��إن‬ ‫اعتمد هذا االعتقاد لكي يربر ثورته‪.‬‬ ‫وامل ��ص ��داق ��ي ��ة‪ .‬وه ��ن ��ا حت ��دي ��داً يكمن‬
‫فهي تستند إىل منظور كالسيكي‬ ‫ح ��ج ��ج ��ه ��م ت ��ق ��ودن ��ا إىل االس ��ت ��ن ��ت ��اج‬ ‫ون � ��ت � ��اب � ��ع ق ��ض ��ي ��ة س � ��وك � ��ال ب ��ش ��ك ��ل‬ ‫اخل ��ط ��أ اإلب ��ي ��س ��ت ��ي ��م ��ول ��وج ��ي (امل ��ع ��ريف)‬
‫ل ��ل ��واق ��ع‪ ،‬وه ��و م ��ن ��ظ ��ور ي ��ت ��ن ��اق ��ض مع‬ ‫ب � ��أن ال � ��ع � ��امل س ��خ ��ي ��ف‪ ،‬وه � ��و ح ��ك ��م‬ ‫ملفت يف كتاب ريتشارد داوكينز‬ ‫الواضح لسوكال ولربيكمون‪ ،‬فهما‬
‫الوقائع‪ .‬فهي كلمات ختلق ثنائياهتا‬ ‫إيديولوجي مسبق وغري علمي‪.‬‬ ‫ب ��ع ��ن ��وان وه � ��م اإلمي � � ��ان ب � ��اهلل ‪God‬‬ ‫ي ��ع ��ت ��م ��دان واق ��ع ��ي ��ة ال ��ع ��ل ��م احل ��دي ��ث‬
‫املتناقضة ع�بر خ�لاف ��ات ال تنتهي‪،‬‬ ‫استنتاجات‬ ‫‪ .Delusion‬وه ��و ك ��ت ��اب أصبح‬ ‫ك ��ح ��ك ��م وح � ��ي � ��د ل ��ل ��ح ��ق ��ي ��ق ��ة‪ .‬وال‬
‫وتفجر العواطف احلشوية‪ .‬وبوسعنا‬ ‫تُعلمنا جتربة العلوم أمهية التساؤل‬ ‫م � ��ن أف ��ض ��ل ال ��ك ��ت ��ب م ��ب ��ي ��ع �اً ع ��ل ��ى‬ ‫يعت ربان يف أية حلظة‪ ،‬أنه من املمكن‬
‫حول هذا املوضوع كتابة أطنان من‬ ‫املستمر‪ ،‬كما تعلمنا أمهية اإلع ��ادة‬ ‫الصعيد العاملي‪ .‬وتكفي بعض مجل‬ ‫وج ��ود م ��س ��ت ��وي ��ات م ��ت ��ع ��ددة ل ��ل ��واق ��ع‪،‬‬
‫الكتب اليت ال تقدم إىل املعرفة شيئ اً‪.‬‬ ‫ال ��دائ ��م ��ة ل ��ل ��ت ��س ��اؤل ح � ��ول أج ��وب ��ت ��ن ��ا‬ ‫م ��ن داوك ��ي ��ن ��ز لكي نفهم م ��ا يصبو‬ ‫م ��س ��ت ��وي ��ات ي ��رت ��ب ��ط ال ��ع ��ل ��م احل ��دي ��ث‬
‫ّأم ا خلق مفاهيم جديدة‪ ،‬فإنه يقودنا‬ ‫نفسها‪ .‬تُعلمنا إمكانية اخليار بني‬ ‫إليه اإلحل ��اد اجلديد املعاصر‪ .‬حيث‬ ‫ببعضها بينما يرتبط الدين ببعضها‬
‫دائ ��م �اً إىل دروب مليئة بالعث رات‪.‬‬ ‫كفاية العلم وفقر التساؤل املستمر‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫اآلخر؟ فبالنسبة هلم ال يوجد سوى‬
‫يعرضها ألبشع التشوهات‬ ‫وهذا ما ّ‬ ‫م ��ن أج ��ل ال ��ت ��ف ��ه ��م‪ .‬أمه ��ي ��ة ال ��س �ي�ر يف‬ ‫لنتخيل عامل اً بال دين وبال عمليات‬ ‫م ��س ��ت ��وى واح ��د م ��ن ال ��واق ��ع‪ ،‬وه ��ذه‬
‫وألسوأ اهلجمات الفارغة (السياسية‪،‬‬ ‫ه ��ذا ال ��ع ��امل كالبهلوان السائر على‬ ‫انتحارية‪ ،‬عامل بال ‪ 11‬إيلول‪ ،‬وبال‬ ‫فرضية معرفية ال ميكن الدفاع عنها‬
‫والعلموية‪ ،‬وحىت الباطنية)‪.‬‬ ‫حبل‪ ،‬رافض اً كل نظرية هنائية‪ ،‬وكل‬ ‫ح � ��روب ص ��ل ��ي ��ب ��ي ��ة‪ ،‬ب �ل�ا م�لاح ��ق ��ات‬ ‫اس ��ت ��ن ��اداً إىل م ��ا علمتنا إي ��اه العلوم‬
‫وأتصور كم من املفكرين املتسرعني‬ ‫بنيان كامل‪ ،‬وكل منظومة حصرية‬ ‫للسحرة‪ ،‬بال ح ��روب وال انفصال‪،‬‬ ‫احلديثة‪.‬‬
‫ج ��داً أو امل ��ه ��ت ��م�ين ج ��داً‪ ،‬سيعلنون‬ ‫ومنغلقة للفكر‪ .‬تُعلمنا أن نصبح‬ ‫ب �ل�ا ح ��رب إس �رائ ��ي ��ل ��ي ��ة فلسطينية‪،‬‬ ‫ويذكرنا موقف سوكال وبريكمون‬
‫بأن العقالنية اجلديدة ستقودنا إىل‬ ‫تساؤالً حبد ذاتنا فنشعر بعالقتنا مع‬ ‫وب �ل�ا جم ��ازر ب�ين ال ��ص ��رب وال ��ق ��رواط‬ ‫بشكل غ ��ري ��ب مب ��وق ��ف لينني ال ��ذي‬
‫سيطرة الالعقالنية‪ ،‬إىل اخللط بني‬ ‫أنفسنا وبعالقتنا م ��ع اآلخ ��ري ��ن‪ .‬إنه‬ ‫واإلس�لام‪ ،‬عامل بال طالبان يفجرون‬ ‫عرب عنه عام ‪ ،1908‬يف كتابه املادية‬
‫ال �رائ ��ع وال �ل�اع ��ق �ل�اين‪ ،‬وإىل ال ��ن ��ق ��اش‬ ‫مترين روح ��ي خطر رمب ��ا‪ ،‬لكنه يفتح‬ ‫التماثيل القدمية وبال إعدامات يف‬ ‫وال ��ن ��ق ��د ال ��ت ��ج ��ري �ب�ي‪ ،‬وال � ��ذي ه ��اج ��م‬
‫غري احملدد حول ما إذا كانت الروح‬ ‫أم ��ام ��ن ��ا ف ��ض ��اءً رح ��ب �اً م ��ن احل ��ري ��ة وم ��ن‬ ‫الساحات العامة ملن ينطقون كف راً‪،‬‬ ‫ف ��ي ��ه ال ��ن ��ظ ��ري ��ات الفيزيائية املتعلقة‬
‫ميينية أم يسارية؟ وأت ��ص ��ور كم من‬ ‫التسامح‪.‬‬ ‫ع ��امل متسامح بوسعه أن يستوعب‬ ‫باملسافة – ال ��زم ��ن املتعدد األب ��ع ��اد‪،‬‬
‫املفكرين املتسرعني جداً أو املهتمني‬ ‫إن ك ��ل ��م ��ات منطقي وغ �ي�ر منطقي‪،‬‬ ‫ع ��دم وج ��ود اإلل ��ه ب ��أي ش ��ك ��ل ك ��ان‬ ‫وأع ��ل ��ن أن � ��ه ل ��ي ��س ب ��وس ��ع ��ن ��ا ال ��ق ��ي ��ام‬
‫ج � � ��داً‪ ،‬س ��ي ��ع ��ل ��ن ��ون ب � ��أن ال ��ع ��ق�لان ��ي ��ة‬ ‫م � ��ادة ووع � � ��ي‪ ،‬م � ��ادة وروح‪ ،‬غ ��ائ ��ي ��ة‬ ‫وبالنسبة جلميع الديانات‪.‬‬ ‫بالثورة إالّ يف نطاق األبعاد األربعة‪.‬‬
‫‪85‬‬ ‫‪84‬‬
‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬ ‫هل بوسع اإلنسان أن يعيش سعيدًا من دون روحانية؟‬

‫لنا ه ��ذا العامل هو الشعور بأننا يف‬ ‫اجلديدة إمن ��ا تستبدل الديين بالعرب‬
‫بيتنا (هايزنربغ ‪.)1998‬‬ ‫دي�ني‪ ،‬وختلط بني املتعايل وما ميكن‬
‫حتم اً ستكون صعبة والدة العقالنية‬ ‫ال ��وص ��ول إل ��ي ��ه ع ��ن ط ��ري ��ق تصوراتنا‬
‫والروحانية اجلديدة اللتان حت ��اوران‬ ‫اإلن ��س ��ان ��ي ��ة اجل ��زئ ��ي ��ة ح ��ت ��م �اً‪ ،‬مث حبجة‬
‫سر كون الذي ال ميكن انتقاصه‪.‬‬ ‫احلفاظ على هويتنا الدينية تستبعد‬
‫م ��ا ه ��و ك ��وين يف اإلن ��س ��ان؟ أي اإلل ��ه‬
‫نفسه‪ .‬اهلل الواحد الذي هو الطبيعة‬
‫ال � ��واح � ��دة‪ .‬إن ال ��ع ��ق�لان ��ي ��ة اجل ��دي ��دة‬
‫تسمح ب ��ت ��ع ��اي ��ش ال ��وح ��دة وال ��ت ��ن ��وع‪.‬‬
‫ب ��ي ��ن ��م ��ا ال ��ع ��ق�لان ��ي ��ة ال ��ق ��دمي ��ة‪ ،‬ال �ت�ي ما‬
‫زالت سائدة يف كوكبنا‪ ،‬تدمر كل‬
‫واحدة األخرى‪.‬‬
‫وي ��ب ��دو يل أن ال ��ط ��ري ��ق ��ة ال ��وح ��ي ��دة‬
‫لتجنب ه ��ذه ال ��ت ��ش ��وه ��ات إمن ��ا هي‬
‫يف البحث عرب املناهجي احلقيقي‪،‬‬
‫البحث الصبور واملنفتح واملتسامح‬
‫وط ��وي ��ل ال ��ن ��ف ��س‪ ،‬ال ��ب ��ح ��ث امل ��ن ��ف ��ت ��ح‬
‫على أفضل االختصاصات واملستند‬
‫إىل الص رامة العلمية والروحية‪.‬‬
‫ألين‪ ،‬ك ��ه ��اي ��زن �ب�رغ‪ ،‬أمح � ��ل ال ��ق ��ن ��اع ��ة‬
‫العميقة اليت تقول بأن‬
‫االن ��ف ��ت ��اح ع ��ل ��ى ال ��ع ��امل ال ��ذي ه ��و يف‬
‫نفس ال ��وق ��ت «ع ��امل اهلل» يكمن يف‬
‫أن أقصى سعادة ميكن أن يقدمها‬
‫‪87‬‬ ‫‪86‬‬
‫هل تكون عودة فرويد أشبه بحلم سيئ؟‬ ‫هل تكون عودة فرويد أشبه بحلم سيئ؟‬

‫األس ��ل ��وب ال ��ع ��ق ��ي ��م ـ أس ��ل ��وب ال ��رب ��ط‬ ‫الغ رائزية ميكن أن تستحث تكوين‬
‫احلر‪ ،‬وهو األسلوب الذي يربط فيه‬ ‫احللم‪ .‬وبالفعل ف ��إن األدل ��ة تشري إىل‬ ‫موقع األوان‬
‫املرء أي شيء وكل شيء خيطر بباله‬ ‫أن تنشيط أج زاء من املنظومة احلوفية‬
‫ع ��ل ��ى أم ��ل ال ��ع ��ث ��ور ب ��امل ��ص ��ادف ��ة على‬ ‫‪( limbic system‬اليت تولد القلق‬
‫إذ تولد اآلليات الكيميائية يف جذع‬ ‫شكلت آراء ‪ S‬ف ��روي ��د ح ��ول معىن‬
‫صلة عميقة‪ .‬ولكن هذا اجلهد ليس‬ ‫والغضب والفرح) يؤدي إىل تشكيل‬
‫ال ��دم ��اغ ه ��ذه ال ��ت ��غ ي�رات‪ ،‬وتتسبب‬ ‫األح � �ل��ام ل ��ب ن ��ظ ��ري ��ت ��ه يف ال ��وظ ��ي ��ف ��ة‬
‫ض ��روري ��ا بسبب ع ��دم ح ��دوث مثل‬ ‫األحالم‪ .‬ولكن هذه التأث ريات ليست‬
‫تلك اآلليات أيضا يف تبديل نشاط‬ ‫ال ��ع ��ق ��ل ��ي ��ة‪ .‬وي ��ؤك ��د <‪ .M‬س ��ومل ��ز>‬
‫ه ��ذا اإلخ ��ف ��اء ‪.concealment‬‬ ‫«رغ ��ب ��ات» ‪ .wishes‬فتحليالت‬
‫مناطق خمتلفة من القشرة الدماغية‪.‬‬ ‫وآخ � � � � � ��رون أن دراس � � � � � ��ات ال � ��ص ��ور‬
‫ف ��م ��ا ت � �راه يف األح �ل�ام ه ��و م ��ا حتصل‬ ‫األحالم تبني أن االنفعاالت يف األحالم‬
‫وق ��د دل ��ت ع ��دة دراس � ��ات ع ��ل ��ى أن‬ ‫وال ��ت ��ه ��ت ��ك ��ات ال ��دم ��اغ ��ي ��ة ت ��ث ��ب ��ت اآلن‬
‫عليه‪ ،‬وحمتوى احللم يكون واضحا‬ ‫غالبا ما تكون سلبية بقدر ما تكون‬
‫ال ��ت ��غ�يرات الكيميائية حت ��دد نوعية‬ ‫صحة تصور <فرويد> عن العقل‪.‬‬
‫م ��ن ال ��ن ��اح ��ي ��ة االن ��ف ��ع ��ال ��ي ��ة‪ .‬وك ��ل ما‬ ‫إجي ��اب ��ي ��ة‪ ،‬وه ��ذا ي ��ع�ني أن ن ��ص ��ف ع ��دد‬
‫وك ��م ��ي ��ة رؤى األح �ل�ام واالن ��ف ��ع ��االت‬ ‫ول ��ك ��ن أحب ��اث ��ا ع ��ل ��م ��ي ��ة م ��ش ��اهب ��ة تبني‬
‫حي ��ت ��اج إل ��ي ��ه األم ��ر ه ��و ال ��ت ��دق ��ي ��ق عن‬ ‫رغباتنا ألنفسنا يكون سلبيا‪ .‬وكما‬
‫واألف � ��ك � ��ار‪ .‬ه � ��ذا وجي � ��ب ن ��ب ��ذ ف ��ك ��رة‬ ‫إم ��ك ��ان ��ي ��ة خ ��ط ��أ ن � ��واح رئ ��ي ��س ��ي ��ة من‬
‫ق ��رب ب ��احل ��امل وم ��ع ��اجل ��ي ��ه الستشفاف‬ ‫يعرف مجيع احلاملني‪ ،‬فإن االنفعاالت‬
‫<ف ��روي ��د> ع ��ن اإلخ ��ف ��اء وال ��رق ��اب ��ة‬ ‫تفكري <فرويد>‪.‬‬
‫املشاعر اليت يبدوهنا‪.‬‬ ‫يف األح �ل�ام قلما تخَ ��ف ��ى؛ فهي تدخل‬
‫‪،disguise and censorship‬‬
‫بوضوح يف حبكات األح�لام‪ ،‬وغالبا‬
‫فليس من أحد يعتقد بأن املقارعة‬ ‫ف ��ع ��ن ��د <ف ��روي ��د> ت ��ن ��ج ��م الطبيعة‬
‫يلمح <سوملز> وفرويديون آخرون‬ ‫م ��ا ت ��س ��ب ��ب ت ��أث �ي�رات ب ��غ ��ي ��ض ��ة‪ ،‬م ��ث ��ل‬
‫بني ال«أنا» وال«هي»‪ ،‬إن وجدت‪،‬‬ ‫الغريبة ل�لأح�لام ع ��ن جهد حثيث‬
‫إىل أن إرج ��اع األح �ل�ام إىل كيمياء‬ ‫ال ��ك ��واب ��ي ��س‪ .‬ومل يستطع <ف ��روي ��د>‬
‫تتحكم يف كيمياء الدماغ‪ .‬ومل يعد‬ ‫للعقل (عرب رقابة وإخفاء رمزيني) يف‬
‫ال ��دم ��اغ مي ��اث ��ل ال ��ق ��ول ب ��أن األح �ل�ام‬ ‫قط أن يفسر ملاذا يكون العديد من‬
‫معظم احملللني النفسيني يتمسكون‬ ‫إخفاء الرغبات الغ رائزية غري املقبولة‬
‫ال حت ��م ��ل رس ��ائ ��ل ان ��ف ��ع ��ال ��ي ��ة‪ .‬ول ��ك ��ن‬ ‫االنفعاالت سلبيا‪.‬‬
‫بصحة نظرية اإلخفاء والرقابة هذه‪.‬‬ ‫اليت تنبع من الالشعور حينما ختفف‬
‫ه ��ذي ��ن ال ��ن ��ص�ين ليسا م ��ت ��ع ��ادل�ين‪ ،‬إذ‬
‫األنا من هنيها لل«هي» أثناء النوم‪.‬‬
‫إن ن ��ظ ��ري ��ة ال ��ت ��ن ��ش ��ي ��ط ال ��ك ��ي ��م ��ي ��ائ ��ي‬ ‫ومث ��ة رك ��ن آخ ��ر ل ��ن ��م ��وذج <ف ��روي ��د>‬
‫وإذا م ��ا اس ��ت ��ب ��ع ��دت ف ��ك ��رة اإلخ ��ف ��اء‬ ‫ول ��ك ��ن م ��ع ��ظ ��م األدل � � ��ة ال ��ب ��ي ��ول ��وج ��ي ��ة‬
‫واص ��ط ��ن ��اع األح �ل ��ام ‪chemical‬‬ ‫ي ��ت ��م ��ث ��ل يف أن ��ه ب ��س ��ب ��ب ك ��ون امل ��ع�نى‬
‫وال � ��رق � ��اب � ��ة‪ ،‬ف ��م ��ا ال � � ��ذي ي ��ب ��ق ��ى م ��ن‬ ‫العصبية تؤيد ال �رأي البديل ال ��ذي‬
‫‪activation-synthesis‬‬ ‫احل ��ق ��ي ��ق ��ي ل � �ل��أح � �ل��ام خ � ��ف � ��ي � ��ا‪ ،‬ف � ��إن‬
‫ن ��ظ ��ري ��ة <ف ��روي ��د> يف األح �ل��ام؟ ال‬ ‫ي ��رى ب ��أن ش ��ذوذ األح �ل�ام إمن ��ا ينجم‬
‫‪ ،theory‬ال �ت��ي وض ��ع ��ه ��ا <‪.R‬‬ ‫االن � ��ف � ��ع � ��االت ال � �ت��ي ت ��ع ��ك ��س ��ه ��ا ه ��ذه‬
‫يتبقى الكثري فيما عدا أن الدوافع‬ ‫عن تغ ريات عادية يف حالة الدماغ‪،‬‬
‫م ّك اريل> [من كلية طب هارڤارد]‬ ‫األحالم ال ميكن إظهارها إال عرب اتباع‬
‫‪89‬‬ ‫‪88‬‬
‫هل تكون عودة فرويد أشبه بحلم سيئ؟‬

‫مشوليتها لن جت ��دي نفعا‪ .‬ويتلمس‬ ‫(ب � ��االش �ت �راك م ��ع ��ي) يف ع � ��ام ‪1977‬‬
‫العلماء امل ��ت ��ش ��ارك ��ون يف ه ��ذا ال �رأي‬ ‫تعترب أنه من اخلطأ تفسري التحليل‬
‫التوصل إىل مناذج بيولوجية أساسية‬ ‫ال ��ن ��ف ��س ��ي ل ��ش ��ذوذ األح �ل�ام ع ��ل ��ى أن ��ه‬
‫ل�لأح�لام واألم � �راض العقلية واخل�برة‬ ‫إخ ��ف ��اء ل ��ل ��م ��ع�نى‪ .‬ف ��ل ��ط ��امل ��ا ج ��ادل ��ن ��ا‬
‫الواعية السوية تكون أكثر استنادا‬ ‫ب ��أن األح �ل��ام ص ��رحي ��ة وذات م ��غ ��زى‬
‫إىل النواحي البيولوجية من تلك اليت‬ ‫من الناحية االنفعالية‪ .‬مث م ��اذا عن‬
‫تقدمها نظرية التحليل النفسي‪.‬‬ ‫ال ��ن ��وم ال � ّ�رمي ��ي ‪REM sleep‬؟ إن‬
‫الد راسات اجلديدة توضح أن األحالم‬
‫م � � ��ؤل � � ��ف امل � � � ��ق � � � ��ال‪J. Allan :‬‬ ‫ميكن أن حت ��دث خ ��ارج ف�ترات النوم‬
‫‪Hobson‬‬ ‫ال ��رمي ��ي‪ ،‬ول ��ك ��ن ال ش ��يء يف من ��وذج‬
‫التنشيط الكيميائي حيول دون هذه‬
‫أستاذ الطب النفسي يف كلية الطب‬ ‫احل ��ال ��ة؛ فتواتر األح�لام يكون أعلى‬
‫جبامعة ه ��ارڤ ��ارد‪ .‬له مؤلفات كثرية‬ ‫على حنو أسي ‪exponentially‬‬
‫يف جم ��ال األس � ��اس ال ��دم ��اغ ��ي للعقل‬ ‫أثناء النوم الرميي‪ ،‬ليس إال‪.‬‬
‫وم ��ض ��ام ��ي ��ن ��ه يف ال ��ط ��ب ال ��ن ��ف ��س ��ي‪.‬‬ ‫ي ��ك ��ت ��ن ��ف ال ��ت ��ح ��ل ��ي � َ�ل ال ��ن ��ف ��س ��ي م ��أزق‬
‫ولالست زادة‪ ،‬ميكن الرجوع إىل كتابه‬ ‫ك ��ب �ي�ر‪ ،‬وال ي ��س ��ت ��ط ��ي ��ع أي َك � � ٍّ�م م ��ن‬
‫«األح � �ل� ��ام‪ :‬م ��ق ��دم ��ة ل ��ع ��ل ��م ال ��ن ��وم»‬ ‫ال ��ت �ب�ري � �رات ال ��ب ��ي ��ول ��وج ��ي ��ة ال ��ع ��ص ��ب ��ي ��ة‬
‫(م ��ط ��ب ��ع ��ة ج ��ام ��ع ��ة أك ��س ��ف ��ورد ـ ع ��ام‬ ‫إخ راجه منه‪ .‬إننا حباجة إىل إصالح‬
‫‪2003‬‬ ‫ج � ��ذري‪ ،‬إىل درج ��ة أن ال ��ك ��ث�ير من‬
‫علماء األعصاب يفضلون البدء من‬
‫من صفحة‬ ‫ج ��دي ��د وإجي ��اد من ��وذج م ��ع ��ريف عصيب‬
‫جملة العلوم األمريكية ‪Scientific‬‬ ‫للعقل‪ .‬صحيح إن نظرية التحليل‬
‫‪American Magazine‬‬ ‫النفسي نظرية شاملة‪ ،‬ولكنها إن‬
‫كانت خاطئة بصورة فاحشة‪ ،‬فإن‬
‫‪91‬‬ ‫‪90‬‬
‫عيشوا سعداء‬...ً‫شكرا‬
‫لتحميل املجلة‬
issuu
www.issuu.com/i-think-magazine
Mediafire
www.mediafire.com/?odd3nd897q2ne
Box
www.box.com/s/zhvvajbeglqpq2enaqzp
facebook
www.facebook.com/I.Think.Magazine
Web
www.ithinkmag.net
www.i-think-magazine.blogspot.com

You might also like