Professional Documents
Culture Documents
قصة الإســـــراء والمعـــــــراج
قصة الإســـــراء والمعـــــــراج
ق سبحانه? :سبحان الذي أسرى بعبده ليالً من المسجد الحرام إلى المسجد أيها األحبة في هللا :يقول الح ُّ
األقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير? 00شاء هللا الذي ال را َّد لمشيئته سبحانه،
القادر الذي ال يعجزه شيء؛ أن يمنَّ على خليله ومصطفاه ^ برحلة مباركة ،هي اإلسراء والمعراج ،ويظن
كثير من المسلمين في العالم أن ليلة البارحة ليلة السابع والعشرين من رجب هي ليلة اإلسراء والمعراج!؟
فيحتفلون بتلك الليلة ،ويحدثون فيها البدع التي ما أنزل هللا بها من سلطان! فما هو اإلسراء والمعراج؟ وما
صفته؟ وماذا رأى النبي صلى هللا عليه وسلم ليلته؟ وما الدروس المستفادة منه؟
أما اإلسراء :فهي رحلة أرضية تمت بقدرة هللا عز وجل لرسوله صلى هللا عليه وسلم من مكة إلى بيت
المقدس.
أما المعراج :فهي رحلة سماوية علوية ،تجاوزت الزمان والمكان والمسافات ،ابتدأت من بيت المقدس إلى
السماوات ال ُع ال ،ثم إلى سدرة المنتهى ،ثم مكان سمع فيه النبي صلى هللا عليه وسلم فيه صريف األقالم ،ثم
كلَّمه الجبار.
وينبغي أن نعلم أيها الفضالء :أن اإلسراء والمعراج كان بالجسد والروح معه ،ال بالروح فقط كما يقول
البعض! واستدل العلماء على ذلك بقوله سبحانه? :سبحان الذي أسرى بعبده? .والتسبيح هو تنزيه هللا عن
النقص والعجز ،وهذه ال يتأتى إال بالعظائم ،ولو كان األمر مناما ً لما كان مستعظماً! ثم بقوله تعالى? :
بعبده?؛ والعبد عبارة عن مجموع الروح والجسد.
إن المؤمن صحيح اإليمان ال ينكر أبداً إمكانية اإلسراء ،وهو مؤمن بقدرة هللا القادر المقتدر? :إنما أمره إذا
أراد شيئا أن يقول له كن فيكون? ..المؤمن صحيح اإليمان ال ينكر أبداً إمكانية اإلسراء والمعراج وهو يقرأ
في كتاب؛ أن هللا تعالى أنزل عبدين من عباده من السماء إلى األرض ،ورفع عبداً من عبيده من األرض إلى
السماء ،أنزل آدم وزوجه? :قلنا اهبطوا منها جميعا? .ورفع عيسى عليه السالم? :إذ قال هللا يا عيسى إني
متوفيك ورافعك إل َّي?؛ فكيف نستكثر على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم أن يعرج به مواله إلى السماء؟ إن
من الحقائق العلمية الفيزيائية أن القوة تتناسب تناسبا ً عكسيا ً مع الزمن ،فكلما زادت القوة ق َّل الزمن؛ فكيف
إذا كانت القوة هنا هي قوة الحق سبحانه وتعالى؟! لذا جاء في بعض الروايات أن النبي صلى هللا عليه
وسلم أُسري به وعُرج ،وعاد وفراشه لم يزل دافئاً!
أما صفة اإلسراء والمعراج :فـآلة الركوب كانت البراق ،أتاه به جبريل فكانت تضع حافرها عند منتهى
طرفها 00صلَّى النبي صلى هللا عليه وسلمباألنبياء إماما ً في بيت المقدس 00ثم أُتي بالمعراج وهو ما يُشبه
سلَّم ،فصعد إلى السماوات العال! اطلع على أهل الجنة ،واطلع على أهل النار.
ال ُّ
اطلع على أهل الجنة فرأى رجاالً يزرعون يوما ً ويحصدون يوماً ،كلما حصدوا عاد الزرع كما كان! قال:
من هؤالء يا جبريل؟ قال :هؤالء المجاهدون في سبيل هللا ،يخلف هللا عليهم ما أنفقوا)? 00وما أنفقتم من
شيء فهو يخلفه?( 00ما من يوم يصبح العباد فيه إال ملكان ينزالن من السماء يقول أحدهما( :اللهم أعط
منفقا ً خلفاً) ،ويقول اآلخر( :اللهم أعط ممسكا ً تلفاً).
رأى النبي صلى هللا عليه وسلم رجاالً وأقواما ً ترضخ رؤوسهم بالحجارة! قال :من هؤالء يا جبريل؟ قال:
(هؤالء الذين تتثاقل رؤوسهم عن الصالة) ،العقول والرؤوس التي كانت تحترم كل موعد بشرى يزيد من
رصيدها ،تخرج مبكرةً ،وتعود في آخر ساعات الليل؛ ولكنها تنسى موعدها مع هللا في موقف بين يديه في
خمس صلوات! َمثَ ُل هذه الرؤوس الوزن لها والكرامة لها عند هللا وتستحق في اآلخرة الرمي بالحجارة!
(ورأى النبي صلى هللا عليه وسلم رجاالً يأكلون لحما ً نتنا ً خبيثاً؛ وبين أيديهم اللحم الطيب الناضج! قال :من
هؤالء يا جبريل؟ قال :هؤالء رجال من أمتك تكون عند أحدهم المرأةُ بالحالل فيدعها ويبيت عند امرأة خبيثة
حتى يصبح!) ..المؤمن ينأى بمائه أن يضعه إال في الموضع الكريم الطاهر.
أما النفس الهابطة ،أما النفوس العفنة فإنها ال تبالي أن يكون الفراش طاهراً أم نجساً!
ت من أثدائهن! قال :من هؤالء يا جبريل؟ قال :هؤالء اللواتي ( ورأى صلى هللا عليه وسلم نساءاً معلقا ٍ
يُدخلن على أزواجهن من ليس من أوالدهن) 00أجمل ما في الرجل غيرته ،وأجمل ما في المرأة حياؤها؛
ولكن من عالمات قرب الساعة زوال ذلك كما جاء في األثر( :إذا كان آخر الزمان رفع هللا أربعة أشياء من
األرض :رفع البركة من األرض ،والعدل من الحكام ،والحياء من النساء ،والغيرة من رؤوس الرجال) .
أعوذ باهلل ? :ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد.?.
الخطبة الثانية
أما الدروس المستفادة من حادثة اإلسراء والمعراج ،فهي كثيرة جداً ،سأقتصر على ذكر بعضها .
درس في النبوات :فإن صالة النبي صلى هللا عليه وسلم باألنبياء إماما ً له داللتان :أولها :وحدة
ٌـ -1أولها
األنبياء في دعوتهم ،فالك ُّل جاء بالتوحيد الخالص من عند هللا ،األنبياء إخوة ودينهم واحد? :وما أرسلنا
قبلك من رسول إال نوحي إليه أنه ال إله إال أنا فاعبدون? .وما جرى في اليهودية والنصرانية من االنحراف
إنما هو بفعل أيديهم 00والداللة الثانية :أن النبوة والرسالة قد انقطعت ،فال نبوة بعد رسول هللا صلى هللا
عليه وسلم وال رسالة? :ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول هللا وخاتم النبيين?.
درس للدعاة إلى هللا :عاد النبي صلى هللا عليه وسلم من رحلته الميمونة المباركة أرادـ أن يخرج للناس
ٌ -2
ِّ
حتى يبل غهم ،فتشبثت به أم هانيء بنت أبي طالب تقول له :يا رسول هللا! إني أخشى أن يكذبك قومك! فقالِّ
لها صلى هللا عليه وسلم( :وهللا ألحدثنَّهموه!) ،أي سأخبرهم وإن كذبوني! وفيه درس عظيم للدعاة إلى هللا
عز وجل أن يبلغوا أمانة هللا ،رضي الناس أم غضبوا! رسول هللا صلى هللا عليه وسلم يقول( :ومن التمس
رضا الناس بسخط هللا سخط هللا عليه وأسخط عليه الناس) .وإذا كان أنبياء هللا عز وجل يتهمون بالكذب
والسحر والجنون ،فليس في ذلك غرابة بعد ذلك أن يُتهم الدعاة إلى هللا في واقعنا بالتطرف واإلرهاب،
والرجعية والتأخر.
درس في بناء الرجال :والرجال ال يمكن بناؤهم إال من خالل المواقف! عندما تحدث النبي صلى ٌ -3وهناك
هللا عليه وسلم بأمر اإلسراء والمعراج طفق القوم ما بين مصفق وبين واضع يده على رأسه تعجباً .قال ابن
كثير( :وارتد ناس ممن آمن بالنبي صلى هللا عليه وسلم) .فاألمر يحتاج إلى يقين ،يقين بقدرة هللا ،ويقين
بصدق المصطفى صلى هللا عليه وسلم ،فالمحنة تفرز حقائق الرجال؛ أفرزت هذا النموذج الذي لم يستطع
أن يستوعب األمر لضعف إيمانه! وأفرزت رجاالً كأبي بكر الصديق رضي هللا( :جاءته قريش يقولون له:
انظر ما قاله صاحبك! إنه يدعي أنه أتى في بيت المقدس وعاد في ليلة! ونحن نضرب إليه أكباد اإلبل شهراً
ذهابا ً وشهراً إيابا ً! فقال أبو بكر :هو قال ذلك! قالوا :نعم ،قال :إن كان قد قال فقد صدق!) .إيمان ثابت،
إيمان ال تعبث به الدنيا ،وال تزلزله الجبال ،إيمان قد استقام على حقيقة منهج هللا عز وجل.
-4درس في معية هللا عز وجل ألنبيائه وأوليائه :طلبت قريش من النبي صلى هللا عليه وسلم أن يصف لها
بيت المقدس ،ورسول هللا ^ قد جاءه ليالً ،ولم يكن قد رآه من قبل! يقول صلى هللا عليه وسلم( :فأصابني
كرب لم أُ ْ
صب بمثله قطّ!) ،أي أن األمر سيَ ْف َ
ضح ،بمعنى أنه سيُتهم بالكذب! ولكن حاشا هلل أن يترك أولياءه
في مثل هذه المواقف؟! يقول صلى هللا عليه وسلم( :فجلى هللا لي بيت المقدس – أي كشفه ،-فصرت أنظر
إليه ،وأصفه لهم بابا ً باباً ،وموضعا ً موضعاً! ?إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم
األشهاد?.
درس لك ِّل صاحب هم ،لك ِّل صاحب قلب مكلوم أالَّ يلتفت قلبه إال إلى هللا! هذا رسول هللا صلى هللا عليه
ٌ هو
وسلم رجل واحد ،يحمل ه َّم الدنيا كلِّها ،رجل واحد يحمل أمانةً تنوء بها الجبال! ماتت زوجه خديجة التي
كان يأوي إليها عند تعبه! مات عمه أبو طالب الذي كان يحميه كان يبحث عن رجال صدق يعينونه في تبليغ
أمر الدعوة .ذهب إلى ثقيف ولكنها ردَّته رداً سيئاً ،وأغرت به السفهاء فضربوه بالحجارة حتى أدميت قدماه
الشريفتان! عقب ك ِّل ذلك يأتي حادث اإلسراء والمعراج إيناسا ً للنبي صلى هللا عليه وسلم وتثبيتاً.
– 6درس في الصحوة اإلسالمية :تأمل العلماء الربط بين إسراء النبي صلى هللا عليه وسلم من مكة البيت
الحرام إلى بيت المقدس فذكروا أن مكة هي رمز لإلسالم ،لدين هللا عز وجل ..وبيت المقدس هو رمز لحال
المسلمين ،فما يجري في تلك األرض هي عالمة صحوة المسلمين أو غفلتهم ،وجذوة الجهاد التي انطلقت
من هناك دليل على أن أمر الغيرة ما زال في األمة ،وأنه مازال فيها جيل ،وأنه مازالت فيها الرغبة في أن
تعود إلى هللا عز وجل ،وبيت المقدس ال يتحرر بمفاوضات عبثية مباشرة وال غير مباشرة! لن يتحرر إال
على أيدي متوضأة طاهرة كريمة .أما األيدي التي يحمل أصحابها أفكاراً منحرفةً ،وعقائد فاسدةً ،مثل هذه
األيدي ال يبارك هللا فيها ،وحاشى هلل أن يكتب لها النصر والتأييد ،مصداقا ً لقول البشير النذير( :لتقاتلن
اليهود فيختبأ اليهودي وراء الحجر أو الشجر ،فيقول الحجر والشجر :يا مسلم ،يا عبد هللا ،هذا يهودي
ورائي تعال فاقتله!).