You are on page 1of 28

‫الصيام لجام الشهوات األربع‬

‫الدكتور صالح سلطان‬


‫المستشار الشرعي للمجلس األعلى للشئون اإلسالمية‬
‫‪www.salahsoltan.com‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‬

‫الحمد هلل الذي بلغنا رمضان‪ ،‬شهر الرحمة والغفران‪ ،‬والعتق من النيران‪ ،‬والصالة والسالم على سيد‬

‫األنام ‪ ،‬سيدنا محمد وآل بيته‪ G‬والصحابة األعالم‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم العرض والميزان‪....،‬‬

‫وبعد‬

‫فإن لشهر رمضان صناعة ربانية‪ G‬للمسلم والمسلمة حيث ّ‬


‫يهذب الشهوات ‪ ،‬ويزكي األخالق‪ ،‬ويقوي‬

‫األبدان‪ ،‬ويشد اللجام على شهوات البطن والفرج والغضب والكالم‪ ،‬ليسعد بها اإلنسان في الدنيا ويوم‬

‫لقاء الرحمن‪ ،‬والحق أننا مع هذا البحث سوف نجد برنامجا عمليا ألصحاب اإليمان ‪ ،‬كي يغتنموا‪G‬‬

‫نفحات رمضان‪ ،‬وال نملك إال خالص الدعاء والتقدير لصاحب هذا الكتيب د صالح الين سلطان عسى‬

‫أن ينفع هللا به أهل اإلسالم في كل مكان ‪.‬‬

‫عبدهللا بن خالد آل خليفة‬


‫رئيس المجلس األعلى للشئون اإلسالمية‬
‫‪ 29‬شعبان ‪1428‬هـ‬
‫‪ 11‬سبتمبر ‪2007‬م‬

‫‪2‬‬
‫تمهيد‬

‫الحمد هلل الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لوال أن هدانا هللا‪ ،‬ونشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له‪ ,‬ربن‪%%‬ا علي‪%%‬ك توكلن‪%%‬ا‬
‫وإليك أنبنا وإليك المصير ربنا اغفر لنا ذنوبنا‪ %‬وإسرافنا‪ %‬في أمرنا وثبت أقدامنا‪ %‬وانصرنا على الق‪%%‬وم الك‪%%‬افرين ‪ ،‬اللهم آت‬
‫نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكها أنت وليها وموالها‪ ,%‬اللهم إنا نعوذ بك من شر نفوسنا ومن شر كل دابة أنت أخذ‬
‫بناصيتها‪ ،‬إن ربي على صراط‪ %‬مستقيم‪ ,‬اللهم إن‪%%‬ا نس‪%%‬ألك أن تس‪%%‬تعملنا لطاعتك‪ ،‬وأن تجن‪%%‬دنا لخدم‪%%‬ة دعوتك‪ ،‬وأن توفقن‪%‬ا‪%‬‬
‫برحمتك لما تحب وترضى‪ ,‬ونصلي‪ %‬ونسلم على خير الخلق وحبيب الحق س‪%%‬يدنا محمد‪ ,‬اللهم ص‪%%‬لي وس‪%%‬لم وب‪%%‬ارك‪ %‬علي‪%‬ه‬
‫وعلى آله وأصحابه األطهار األبرار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ثم أما بعد‪.....،‬‬
‫موضوعنا هنا هو الصيام لجام الشهوات األربع‪ :‬ش‪%%‬هوة البطن‪ ,‬ش‪%%‬هوة الجنس‪ ,‬ش‪%%‬هوة الغضب‪ ,‬ش‪%%‬هوة الكالم‪ ،‬فالص‪%%‬وم‪%‬‬
‫مدرسة لعالج هذه الشهوات الموجعة للفرد ولألسرة وللمجتمع وللدول‪%%‬ة ولألم‪%%‬ة وللع‪%%‬الم كله‪ .‬الص‪%%‬وم‪ %‬ه‪%%‬و ه‪%%‬ذه الكبس‪%%‬ولة‬
‫الربانية التي تعالج الشهوات النفسية‪ ،‬وتع‪%%‬الج أك‪%%‬بر ه‪%%‬ذه الش‪%%‬هوات في وقت واحد‪ .‬تخي‪%%‬ل كبس‪%%‬ولة أو حب‪%‬ة من األس‪%‬برين‬
‫تأخذها فتعالج لك أمراضا‪ %‬أربعة في وقت واحد‪ ,‬مرض القلب والضغط والسكر‪ %‬والتوتر العصبي‪ ,%‬كبسولة واح‪%%‬دة تع‪%%‬الج‬
‫هذه األمراض األربعة‪ ,‬ال إبرة موجعة وال شيء على اإلطالق‪ .‬هل يقبل عليها اإلنس‪%%‬ان أم ال؟! ذل‪%%‬ك ه‪%%‬و الص‪%%‬وم يع‪%%‬الج‬
‫هذه الشهوات األربع التي تفسد اإلنسان أو تصلحه ‪ ،‬تهلكه أو تحييه‪ ,‬ويعيش اإلنسان بها سعيداً إن ألزمها اللجام‪ ,‬اللج‪%‬ام‬
‫الرباني كما عبر عنه ابن القيم رحمه هللا‪" :‬الصيام لجام المتقين"‪ ،‬وقال‪ %‬الحسن البصري‪" :‬ما الدابة الجموح ب أحوج إلى‬
‫اللجام الشديد من نفسك التي بين جنبيك"‪ ،‬تخيل فرساً‪ %‬تركبه بال لجام البد أنك ستلقى مأساة قريبة ج‪%%‬داً في أول انطالق‪%%‬ة‬
‫لهذا الحصان سوف تنهار على األرض فتصيبك‪ %‬إصابات بالغة ال تستطيع عالجها‪ ،‬على حين يمكن للفارس المغ‪%%‬وار أن‬
‫ينطل‪%%‬ق بس‪%%‬رعة فائق‪%%‬ة على ص‪%%‬هوة ج‪%%‬واده ممس‪%%‬كا بلجام‪%%‬ه‪ .‬فالص‪%%‬يام لج‪%%‬ام المتقين لعالج ه‪%%‬ذه الش‪%%‬هوات األرب‪%%‬ع الغالب‪%%‬ة‬
‫المطاردة لكل نوازع الخير المدفونة في داخل اإلنسان وهي بداخلك وبداخلي وبداخلنا‪ %‬ال يغيرها اإلعالم وال يغيره‪%%‬ا أي‬
‫ق هَّللا ِ َذلِكَ الدِّينُ ْالقَيِّ ُم‬
‫يل لِ َخ ْل ِ‬ ‫شيء في عالم اليوم‪ ,‬ألنها فطرة هللا كما قال سبحانه ‪{:‬فِ ْ‬
‫ط َرةَ هَّللا ِ الَّتِي فَطَ َر النَّ َ‬
‫اس َعلَ ْيهَا اَل تَ ْب ِد َ‬
‫َولَ ِك َّن أَ ْكثَ َر النَّ ِ‬
‫اس اَل يَ ْعلَ ُمونَ } (الروم ‪ , )30 :‬فينا جميعا ً هذه المكونات الربانية‪.‬‬
‫اإلنسان عبارة عن ثالثة أشياء ‪ :‬أوال‪ :‬روح علوية ربانية أتت من الملك سبحانه وتعالى‪ %‬تعبر عن روحه عز وجل ‪ { :‬ثُ َّم‬
‫‪%‬واهُ }‬ ‫َس َّواهُ َونَفَخَ فِي ِه ِمن رُّ و ِح ِه } ( السجدة ‪ %، %)9 :‬ثانيا‪ :‬جسد من طين يهوي إلى األرض‪{ ,‬أَ ْخلَ َد إِلَى األَرْ ِ‬
‫ض َواتَّبَ‪َ %‬ع هَ‪َ %‬‬
‫(األعراف‪ %,)176 :‬وأخيرا‪ :‬عقل يختار ويصدر‪ %‬قرارات يومي‪%%‬ة لحظي‪%%‬ة ‪ ،‬ففي ك‪%%‬ل دقيق‪%‬ة نخت‪%%‬ار بالعق‪%‬ل ق‪%‬رارات توج‪%%‬ه‬
‫إلصالح الروح أو توجه إلصالح الجسد في إطار متوازن أو مختل‪ ،‬فإذا اختل العقل في اختياره أو اختار للروح أش‪%%‬ياء‬
‫كثيرة ونسى‪ %‬الجسد‪ ,‬حدث الضنك والشقاء وهذا غير مقبول شرعا‪ ,‬فالبد أن نعطي الجس‪%%‬د حق‪%%‬ه م‪%%‬ع ال‪%%‬روح ال أن نعطى‬

‫‪3‬‬
‫الجسد كل شيء طعاما ً وشراباً‪ %‬ومركبا ً وملبساً‪ %‬ومتعة‪ ،‬وننس‪%‬ى ح‪%%‬ق هللا‪ ،‬ننس‪%‬ى غ‪%%‬ذاء القلب و ال‪%%‬روح و الوج‪%%‬دان‪ ,‬يق‪%%‬ول‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫فأنت بالنفس ال بالجسم إنسان‬ ‫أقبل على النفس واستكمل فضائلها‪%‬‬

‫يوجه العقل إلى غذاء الروح أو غذاء الجسد أو كالهما معا ً‪ ,‬نحن نريد لهذا العقل أن يتلقى هذه البرامج الربانية؛ فيتح‪%%‬ول‬
‫اإلنسان كما خلقه هللا إلى إنسان يشبع الجسد والقلب والعقل مع‪%‬ا ً‪ ،‬ه‪%%‬ذا ه‪%%‬و اإلنس‪%%‬ان ال‪%‬ذي نري‪%%‬ده ‪ ،‬ال‪%‬ذي يس‪%‬عد في ال‪%%‬دنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬الذي يع ّمر وال يد ّمر األرض‪ ,‬اإلنسان غير األن‪%%‬اني ال‪%‬ذي يأخ‪%‬ذ ويعطي‪ ,%‬ال‪%‬ذي يص‪%‬فح وي‪%%‬رحم وليس يغض‪%%‬ب‬
‫ويثأر ويقتل ويظلم‪ ,‬هذا هو اإلنسان الذي نريده‪.‬‬
‫و لقد م ّكنت الحضارة المادية اليوم اإلنسان من كل شيء بالـ"األزرار"‪ ،‬فأنت في البيت تفتح السيارة وتغلقها بعد أن‬
‫تتركها بضغطة زر‪ ،‬تفتح التلفزيون وتتصفح فضائيات العالم كله بضغطة زر‪ ،‬تفتح التليفون وتكلم أي مكان في العالم‬
‫بضغطة زر‪ ،‬تستطيع أن تدخل على اإلنترنت وتدخل إلى أي حجرة في أي مكان في العالم بضغطة زر‪ ,‬لكن هل هناك‬
‫ضغطة زر للتحكم في النفس للسيطرة على هذه الشهوات األربع؟ شهوة البطن والفرج والغضب والكالم! هذه الشهوات‬
‫جعلها هللا لتعمير‪ %‬األرض إذا استخدمت بطريقة ربانية سليمة وصحيحة‪ ،‬أو تدمر األرض إذا استخدمت بطريقة شهوانية‬
‫عارمة ال لجام لها‪ .‬الصيام يصنع التقوى وهي لجام الهوى كما قال سبحانه في سورة البقرة‪{ :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُ ْ‬
‫وا ُكتِ َ‬
‫ب‬
‫ب َعلَى الَّ ِذينَ ِمن قَ ْبلِ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَتَّقُونَ } (البقرة ‪ ,)183 :‬يصنع هذا اإلطار‪ %‬اإليماني المفعم بحب هللا‬
‫صيَا ُم َك َما ُكتِ َ‬
‫َعلَ ْي ُك ُم ال ِّ‬
‫عز وجل والخوف‪ %‬منه سبحانه وتعالى‪ %‬عندما نصوم طواعية رغبة في هللا ورهبة منه سبحانه‪ ،‬فيفرح ربنا سبحانه‬
‫بعبده عندما يدع شهوته العارمة ‪ ،‬سراً وعالنية ابتغاء وجهه سبحانه ‪ ،‬عندما يراه كما خلقه‪ ,‬كما أراده‪ ,‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ضهُ لَ ُك ْم} (الزمر ‪ ,)7 :‬فيفرح ربنا سبحانه وتعالى بافتقار‪ %‬عبده إليه قال‬ ‫ضى‪ %‬لِ ِعبَا ِد ِه ْال ُك ْف َر َوإِن تَ ْش ُكرُوا يَرْ َ‬ ‫{ َواَل يَرْ َ‬
‫تعالى‪{ :‬يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُ ُم ْالفُقَ َراء إِلَى هَّللا ِ َوهَّللا ُ ه َُو ْال َغنِ ُّي ْال َح ِمي ُد } (فاطر‪.)17-15 %:‬‬
‫فالصيام‪ %‬إمساك المكلف بنية عن الطعام‪ %‬والشراب والجماع واالستمناء واالستقاء‪ ,‬من الفجر إلى المغرب فهو امتناع‬
‫مؤقت يعطينا عالمة واضحة أن في داخلنا قوة تستطيع‪ %‬أن تمتنع عن أي شيء ولو كان حالالً بكلمة هللا‪" ,‬هللا أكبر" في‬
‫الفجر ؛ فتحول الحالل إلى حرام‪ ,‬حرام مؤقت‪ ،‬و تحول الطعام والشراب اللذيذ الممتع إلى محرم حتى يؤذن ويقال مرة‬
‫ثانية" هللا أكبر" عند الغروب‪ ,‬تحول الغضب أن يتحول إلى غضبة هلل عز وجل‪ ,‬كما قال شوقي عن رسول هللا ‪:‬‬
‫ال ضغن وال شحناء‬ ‫فإذا غضبت فهي غضبة هلل‬

‫غضبة صافية هلل عز وجل ال غضبة للنفس‪ ,‬إذا جئنا إلى آثار هذه الشهوات األربع على الفرد واألسرة والمجتمع والعالم‬
‫اآلن سنجد أشياء مذهلة‪.‬‬
‫ولكي يقدر اإلنسان على شهواته البد له من الصيام الذي يصنع اللجام الرباني‪ %‬من خالل آثار ومقاصد‪ %‬الصيام هذا م ‪%‬ؤثر‬
‫في تزكية الروح واألخالق والعقل والجسد‪ %‬ليتحقق الت‪%%‬وازن في حي‪%%‬اة المس‪%%‬لم والمس‪%%‬لمة‪ ،‬ولن يتحق‪%%‬ق ذل‪%%‬ك إال من خالل‬

‫‪4‬‬
‫برامج عملية نحتاج إلى مجاهدة النفس بقوة لاللتزام بها ‪ ،‬وهذا ما سوف نقدمه بإذن هللا تعالى في الصفحات التالية‪ ،‬ف‪%%‬إن‬
‫أحسنت فالفضل كله هلل الواحد المنان ‪ ،‬وإن زللت فمني ومن الشيطان وأستغفر‪ %‬ربي الرحمن‪.‬‬

‫د‪ .‬صالح سلطان‬


‫المستشار الشرعي‬
‫للمجلس األعلى للشئون اإلسالمية‬
‫‪ 29‬شعبان ‪1428‬‬

‫‪5‬‬
‫المبحث األول‪:‬آثار الشهوات األربع‬

‫بدون لجام ‪:‬‬

‫األصل أن كل ش هوة في اإلنس ان ركبها اهلل فيه لتك ون س بباً في س عادته وعمارته األرض ‪ ،‬فش هوة الطع ام ت ؤدي إلى اس تمرار الحي اة ‪،‬‬
‫وتشغيل أجهزة الجسم بكفاءة عالية ‪ ،‬والروح ال تلبس الجسد البالي ‪ ،‬والعقل ال يعمل بدون تغذية كل خالياه ‪ ،‬والغذاء والماء هو سر حياة‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ون} (األنبياء ‪ ،)30 :‬وشهوة الجنس هي سبب استمرار بقاء النوع البشري إذا‬ ‫اإلنسان قال تعالى‪َ { :‬و َج َعْلَنا م َن اْل َماء ُك َّل َش ْيء َح ٍّي أَفَاَل ُي ْؤ ِمُن َ‬
‫الس عار الش هواني "ص ديق وص ديقة أو أص دقاء وص ديقات"‪ ،‬وش هوة الغضب‬ ‫ص رفت وفق اً للق انون الرب اني "زوج وزوجة وأوالد" وليس ُّ‬
‫عنصر تربوي كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫فليقس أحياناً على من يرحم‬ ‫قسا ليزدجروا ‪ ،‬ومن يك حازماً‬
‫الغضب في إطاره الصحيح يحمي المعروف ويمنع المنكر إذا كانت غضبة هلل وفي جانبه األعلى جهاد صادق في الميدان الحق دفاع اً عن‬
‫األرض والعرض والبلد والمقدسات ‪ ،‬لكن هذا الغضب يتحول إلى شقاق وطالق وحروب وقتل وسفك ونهب وسلب ‪ ،‬وظلم مركب للرجال‬
‫والنساء واألطفال ‪.‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ذا عفة فلعلة اليظلم‬ ‫والظلم من شيم النفوس فإن تجد‬
‫ص َدقَ ٍة أ َْو‬ ‫ير ِّمن َّنج و ِ َّ‬
‫وش هوة الكالم لألمر ب المعروف والنهي عن المنكر وإ ص الح ذات ال بين ق ال تع الى‪{ :‬الَّ َخْي َر ِفي َكثِ ٍ‬
‫َم َر بِ َ‬
‫اه ْم إال َم ْن أ َ‬
‫َْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ف ُنؤتِ ِ‬ ‫ك ْابتَ َغاء مر ِ ِ‬
‫اس َو َمن َي ْف َع ْل َذِل َ‬ ‫ٍ‬
‫يما} (النساء‪ ،)114 :‬والكلمة الطيبة صدقة وترفع‬ ‫َج ًرا َعظ ً‬
‫يه أ ْ‬ ‫ضات اللّه فَ َس ْو َ ْ‬
‫َْ َ‬ ‫الن ِ‬ ‫َم ْع ُروف أ َْو ِإ ْ‬
‫صالَ ٍح َب ْي َن َّ‬
‫اإلنس ان إلى أعلى درج ات الجن ان ‪ ،‬إن خ رجت إرض اء لل رحمن ‪ ،‬لكنها قد تتح ول إلى ك ذب وغيبة ونميمة وبهت ان ‪ ،‬ولغو ورفث وفس وق‬
‫وعصيان ‪ ،‬وشائعات وتلبيسات ‪ ،‬وإ ثارة للشهوات إذا خرجت بال لجام ‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬آثار شهوة الطعام بال لجام ‪-:‬‬

‫هناك آثار مدمرة لألسرة والمجتمع من انفالت شهوة الطعام بال لجام ومنها ما يلي ‪.:‬‬
‫‪ .1‬الس منة ذات آث ار ص حية خط يرة وكث يرة وتزيد عن خمسة وعش رين مرض اً عض االً منها جلط ات القلب وض غط ال دم ‪ ،‬والتهاب ات‬
‫المرارة والمفاصل والسرطان في القولون والمستقيم والبروستاتا والرحم والثدي والمرارة وأمراض النقرس ‪ ،‬والسكر ‪ ،‬والحساسية‬
‫والحكة وغيرها ‪.‬‬
‫‪ .2‬زي ادة الس منة عبء م ادي على الف رد والمجتمع كله حيث يض اف إلى أص حاب الس منة كل ع ام ‪ 103‬ملي ون ش اب ‪ ،‬ويمكن أن نالحظ‬
‫‪1‬‬
‫خطر هذه السمنة من خالل حجم اإلنفاق على التخسيس لتالفي أمراض السمنة من ذلك‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪http://www.inciraq.com/Al-Mutamar/Archive/980/051204_980_7.htm،‬‬
‫‪http://www.alriyadh.com/2007/06/30/article260878.html‬‬

‫‪6‬‬
‫في أمريكا ينف ق ‪ 36.5‬ملي ار دوالر لمش كالت ص حية ذات عالقة بالس منة في الق ترة من (‪: 1987‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪. )2002‬‬
‫في استراليا ينفق ‪ 414‬مليون دوالر إلنقاص وزن الفتيات فقط ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫في بريطانيا ينفق ‪ 3‬مليار دوالر سنويا إلنقاص وزن الفتيات البريطانيات ‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫في السعودية يكلف البدناء المملكة أكثر من ‪ 500‬مليون لاير سنويا ‪ ،‬وقد ارتفعت نسبة السمنة فيها إلى ‪30‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪ %‬في الس نوات العشر األخ يرة ‪ ،‬وهي في الخليج حسب تقرير ن دوة الس منة في العاص مة القطرية حيث ذكر الخب ير عص ام عبد‬
‫ربه أن نسبة السمنه بين النساء في الخليج ‪ % 70 : 50‬وبين الرجال من ‪ ، % 50 : 30‬وهي تكلف ميزانيات دولها الماليين‬
‫من الدوالرات سنويا ‪.‬‬
‫‪ .3‬السمنة تذهب الفطنة حيث يضطر اإلنسان الشره أن يوجه قلبه أكبر كمية من الدم إلى البطن لهضم الكميات الضخمة التي يلتهمها بال‬
‫داع وتبقى كميات محدودة من الدم ألدنى درجات التشغيل للعقل‪ ،‬فيبقى اإلنسان دائماً بليداً ‪ ،‬ضعيف العقل ‪ ،‬سقيم الفكر ‪.‬‬
‫‪ .4‬السمنة تؤدي إلى الكسل عن الحركة والعمل واإلنتاج والزيارات والتريض وفتح العالقات أو االحتفاظ بها ‪ ،‬حيث يفضل ذوو السمنة‬
‫اإليواء إلى الفراش والخلود إلى الراحة على الكراسي دون أن ينجز شيئاً ذا بال ‪.‬‬
‫‪ .5‬تزداد السمنة في األطفال بنسب رهيبة بسبب سوء تنظيم الرضاعة والتغذية الصحية ‪ ،‬مما يدمر ملكاتهم العقلية ‪ ،‬ويجعلهم مثل الفيلة‬
‫الص غار ‪ ،‬وتصل المس ألة ذروتها عن دما تش يع ثقافة تس مين البن ات في بعض األم اكن فى موريتانيا ح تى ي تزوجن مبك راً مثل تس مين‬
‫األوز حيث تك ره البنت على ش رب عش رين ل تراً من اللبن على خمس م رات يومي اً ‪ ،‬وإ ال تع اقب ح تى تص بح فيالً ص غيراً ض خماً‬
‫‪،‬وذكرت الفرنسيتان جوديو وبليتيه في كتابهما "النساء واإلسالم" أن هناك فتاة ‪ 14‬سنة وزنها مائة كيلو جراماً‪ ،‬وال يزال هناك اعتقاد‬
‫خاطئ لكنه راسخ في كثير من عقول الرجال أن سمنة المرأة يجعلها أكثر إثارة وجاذبية له في الفراش ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬آثار شهوة الجنس بال لجام ‪.‬‬

‫لقد سعى المفسدون في األرض أن يطلقوا سعار الجنس حتى يلتهم كل القيم الراقية في اإلنسان رجالً أو امرأة ‪ ،‬شاباً أو فتاة ‪ ،‬وقديماً قالت‬
‫العرب ‪:‬‬
‫ال بارك اهلل بعد العرض في المال‬ ‫أصون عرضي بمالي ال أد ّنسه‬
‫ولست للعرض إن أودى بمحتال‬ ‫المال إن أودى أحتال فأجمعه‬

‫وقالت العرب أيضاً‪ :‬تجوع الحرة وال تأكل بثديها ‪.‬‬


‫لكن عالم اليوم أطلق للشهوات العنان ‪ ،‬وأعطى لشهوة الجنس كل اهتمام ‪ ،‬فصارت شهوة تحرك أحط الغرائز في اإلغواء واإلغراء ‪،‬‬
‫واالغتصاب واإليذاء وهذه بعض آثار هذه الشهوة بال لجام ‪:‬‬
‫أكبر تجارة في العالم اآلن هي تجارة الجنس والمخدرات والسالح وهي تعبر عن بالء مستطير في إنفاق آالف المليارات‬ ‫‪.1‬‬
‫في العالم على الجنس والمخدرات ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ذكر تقرير المؤسسة البريطانية "أنقذوا األطفال" الذي أعد بتكليف من مفوضين األمم المتحدة العليا لشئون الالجئين أن‬ ‫‪.2‬‬
‫األطفال الالجئين في ليبيريا وغينيا وسيراليون يتم استغاللهم جنسياً مقابل الطعام وخاصة الفتيات من سن ‪ 18 : 13‬سنة ‪ ،‬ووجه‬
‫األطفال تهما ألكثر من ‪ 67‬فرداً من منظمات إغاثة األطفال بمقايضتهم الجنس مقابل الغذاء أو الموت جوعاً ‪.2‬‬
‫إذا كان اإليدز هو مرض العصر بسبب الزنا والفجور ‪ ،‬فإن الدول العربية صارت فيها إصابة بحالة إيدز جديدة كل عشر‬ ‫‪.3‬‬
‫دقائق ‪ ،‬و‪ 67‬ألف إصابة في العام حسبما كشفت التقارير التي طرحت في المنتدى اإلقليمي الثاني للقادة المدنيين للتجاوب مع‬
‫اإليدز الذي عقد في القاهرة يناير ‪ 2006‬بمشاركة أكثر من ‪ 300‬من القادة المدنيين و‪ 20‬دولة عربية‪.‬‬
‫وقف طبيب مسلم في قرية من قرى بالدنا اإلسالمية التي يعرف عنها العفة والمحافظة على األعراض ‪ ،‬والخوف الشديد‬ ‫‪.4‬‬
‫من فضائح العرض ‪ ،‬لكن الطبيب أعلن بعد صالة الجمعة تحذيراً لآلباء أن ينتبهوا ويحسنوا تربية أبنائهم وبناتهم ويراقبوا سلوكهم‬
‫حيث إنه عرضت عليه في شهر واحد ‪ 19‬حالة حمل من سفاح لبنات صغيرات في اإلعدادي والثانوي ‪.‬‬
‫يعول عليهم‬
‫من المآسي الكبرى التي تنشر دائماً حاالت هتك عرض وإ غواء واغتصاب من المدرسين للبنات وهم الذين ّ‬ ‫‪.5‬‬
‫تعليم بناتنا العفة والطهارة ‪.‬‬
‫ال تكاد تقرأ في الصحف واإلنترنت إال وتجد ظاهرة الخيانات الزوجية في عالمنا العربي واإلسالمي من األزواج‬ ‫‪.6‬‬
‫والزوجات ‪ ،‬بسبب هذا االنفالت من لجام الشهوات خاصة الجنس‪ ،‬حيث صار الدخول على اإلباحيات في الفضائيات واإلنترنت‬
‫سبباً في رفض الحالل ‪ ،‬واستحالل الحرام مما يشكل تهديداً كبيراً لألسرة والعفة في عالمنا العربي واإلسالمي ‪.‬‬
‫تشير آخر التقارير لمنظمة الصحة العالمية أن األمراض الجنسية هي أكثر األمراض نتشارا في العالم ‪ ،‬وأنها أهم وأخطر‬ ‫‪.7‬‬
‫المشاكل الصحية العاجلة التي تواجه دول الغرب ‪ ،‬فعدد اإلصابات في ارتفاع مستمر في كل األعمار خصوصا في مرحلة الشباب‬
‫يقول الدكتور جولد لقد حسب أن في كل ثانية يصاب أربعة أشخاص باألمراض الجنسية في العالم ‪ ،‬هذا وفق اإلحصائيات المسجلة‬
‫والتي يقول عنها الدكتور جورج كوس إن الحاالت المعلن عنها رسميا ال تتعدي ربع أو عشر العدد الحقيقي‪ .‬وأهم هذه األمراض‬
‫مرض االيدز الذي التهم أكثر من عشرين مليونا من المرضى ‪ ،‬وهو أكبر ممن قتلوا في الحرب العالمية ‪ .‬ويتصدر مرض السيالن‬
‫قائمة األمراض المعدية ‪ ،‬فهو أكثر األمراض الجنسية شيوعا في العالم إذ يتراوح الرقم المثبت في اإلحصائيات حوالي مائتين‬
‫عشر إلى ُربع‬
‫وخمسين مليون مصاب سنويا ‪ ،‬وهذا ال يمثل الحقيقة ألن عدد الحاالت المبلغ بها والواردة في اإلحصائيات تمثل من ُ‬
‫الرقم الحقيقي ‪ .‬وهكذا كل األمراض الجنسية الهربس ‪ ،‬القرحة ‪ ،‬الرخوة ‪ ،‬الورم البلغمي الحبيبي التناسلي ‪ ،‬الورم الحبيبي المغبني‬
‫‪ ،‬ثآليل التناسل ‪ ،‬المليساء المعدية ‪ ،‬التهاب الكبد الفيروسي ‪ ،‬إلى غير ذلك من فطريات وطفيليات الجهاز التناسلي التي تصيب‬
‫‪3‬‬
‫ماليين الناس ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬آثار شهوة الغضب بال لجام ‪.‬‬

‫الغضب جمرة من جمرات الشيطان يلقيها في نفس اإلنسان فال يدري ما يقول والما يفعل‪ .‬ومن آثار هذا الغضب بال لجام ما يأتي ‪.:‬‬
‫رأيت أم اً (األصل فيها الحن ان والرحم ة) تمسك ب رأس ول دها وتض ربه في الحائط ح تى ش جت رأسه‪ .‬وك اد أن يم وت‬ ‫‪.1‬‬
‫لوال أني أنقذته من يدها ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪http://www.amanjordan.org/arabic_news/wmview.php?ArtID=187‬‬

‫‪3‬‬
‫‪http://www.maknoon.com/e3jaz/new_page_109.htm‬‬

‫‪8‬‬
‫أب وأم يش تركان في لحظة غضب في قتل ول دهما ص احب الس نوات الخمس بس بب تبوله الالإرادي ‪ ،‬ف رغم أنه غ ير‬ ‫‪.2‬‬
‫مكلف لص غره ‪ ،‬وغ ير مؤاخذ لمرضه لكنهما قتاله بأي ديهما ‪ ،‬وآخر يقتل طفله الرض يع بس بب بكائه ‪ ،‬وزوج ات قطعن أزواجهن‬
‫بالسواطير ‪ ،‬ومزقن أجسادهم قطعاً وألقينهم في القمامة ‪.‬‬
‫هن اك خالف ات على أش ياء قليلة ج داً ص ارت س بباً في مج زرة للبشر مثلما نشر عن غض بة فالح ق ام بقتل ج اره ألنه‬ ‫‪.3‬‬
‫ضرب حماره ‪ ،‬عندما أكل شيئاً قليالً من حقله ‪،‬وأخذا بالثأر قُتل صاحب الحماروالجار ‪ ،‬وعاش الحمار ‪.‬‬
‫لو حققنا أك ثر ح االت الش قاق والطالق فس نجد أن الغضب بال لج ام هو ال ذي ح ول الحي اة الس عيدة إلى ن ار مس تعرة ثم‬ ‫‪.4‬‬
‫االنفصال ‪ ،‬وأحياناً االعتداء بشكل مريع على الزوجة أو من الزوج على زوجها ‪.‬‬
‫كون عندهم شعوراً عدوانياً عند‬
‫في أمريكا هناك ‪ 3.3‬مليون طفل يرون أمهاتهم يضربن من الزوج أو الصديق مما ّ‬ ‫‪.5‬‬
‫كبرهم ‪ ،‬و‪ % 27‬ممن يقتلون كل عام في أمريكا أطفال‪ ،‬و‪ % 90‬منهم تحت سن عشر سنوات ‪.‬‬
‫‪ % 33‬من نس اء أمريكا يتعرضن للض رب بس بب الغضب والس كر والخالف ات العائلية ‪ ،‬وه ذا رغم ح دة الق وانين في‬ ‫‪.6‬‬
‫عقوبة الرجل إذا ضرب المرأة ‪ ،‬وكل يوم يقتل ‪ 3‬من النساء‪ ،‬ففي عام ‪ 2001‬قتل {‪ }1247‬امرأة على يد الزوج أو الصديق ‪.‬‬
‫تشير اإلحصاءات إلى ارتفاع متزايد لمعدل العنف من الرجال األقوياء على النساء الضعيفات حيث تشير إلى أن ‪36‬‬ ‫‪.7‬‬
‫‪ %‬من النساء ضربن في كندا وهي قريبة من ذلك في فرنسا ‪ ،‬وجنوب أفريقيا ‪ ،‬و‪ % 56‬من نساء اليابان تعرضن للضرب العنيف‬
‫‪ ،‬وتصل ذروتها في الهند ح تى تق ترب من ‪ % 80‬من النس اء يتعرضن للض رب ‪ ،‬والمتوسط للعنف الن اتج عن الغضب هو ‪: 40‬‬
‫‪ % 70‬في كثير من دول العالم ‪ ،‬ومنها استراليا وإ سرائيل وجنوب أفريقيا والسويد ‪.‬‬
‫شهوة الغضب وراء هذا الظلم الهائل عالمي اً فاالتحاد السوفيتي قتل أكثر من ‪ 19‬مليون شخص اً لتأسيس اإلمبراطورية‬ ‫‪.8‬‬
‫الس وفيتية‪ ،‬والح رب العالمية األولى والثانية حص دت ما يزيد عن ‪ 20‬مليون اً ‪ ،‬وقتلت فرنسا في الجزائر أك ثر من ملي ون ونص ف‪،‬‬
‫والح رب على الع راق وأفغانس تان وفلس طين والص ومال والشيش ان وكش مير تحصد كل ع ام م اال يقل عن ملي ون من الض عفاء‬
‫واألبرياء خاصة األطفال والنساء‪ ،‬وهذا بسبب الغضب بال لجام الذي مأل عقل ووجدان أعداء اإلسالم من الصهاينة والشيوعيين‬
‫والصليبين والهندوس وغيرهم ‪.‬‬
‫ش هوة الغضب وراء ه ذا اإلنف اق الهائل على التس ليح الع ادي والن ووي حيث تنفق آالف الملي ارات من ال دوالرات على‬ ‫‪.9‬‬
‫حين ال يجد الماليين من البشر بعض اللقيمات حتى صار العالم اآلن كما قال عمر بن هند في الجاهلية ‪:‬‬
‫فنجهل فوق جهل الجاهلينا‬ ‫أحـد عـلينـا‬
‫أال يجهلن ٌ‬
‫ويشرب غيرنا كدراً وطينـا‬ ‫وأنا الشاربون الماء صفواً‬

‫المنطق ذاته الذي يحرك ذوي السلطة بال ضوابط أخالقية أو رحمة إنسانية ‪.‬‬

‫رابعاً ‪ :‬آثار شهوة الكالم بال لجام ‪.‬‬

‫يكفي في شهوة الكالم مارواه البخاري بسنده أن النبي ‪ ‬قال ‪ (:‬إن العبد ليتكلم بالكلمة ال يلقي لها باالً فيرفع بها في الجنة سبعين خريفاً‪،‬‬
‫وإ ن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط هللا ال يلقي لها باالً يهوي بها في جهنم)‪.4‬‬

‫‪4‬‬
‫صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الرقاق ‪ -‬باب حفظ اللسان وقول النبي من كان يؤمن باهلل ـ ـ‪( ,‬رقم ‪.)6113‬‬

‫‪9‬‬
‫ولذا نهى القرآن وأكدته السنة عن الكذب والغيبة والنميمة والبهتان واللغو والسب واللعن والطعن ‪ ،‬والبذاءة ‪ ،‬وجاء األمر بانتقاء أحسن‬
‫القول ‪ ،‬وأجمل الكلمات ‪ ،‬وأفضل العبارات ‪ ،‬واختيار الطيبات من األلفاظ والكلمات ‪ ،‬لكن شهوة الكالم بال لجام ذات آثار سلبية كثيرة‬
‫منها ما يلي ‪.:‬‬
‫كم أفسدت شهوة الكالم بال لجام صداقات حميمة ‪ ،‬وعالقات رصينة ‪ ،‬وعشرة قديمة ‪ ،‬وصحبة عتيقة ‪ ،‬فحولت الوئام‬ ‫‪.1‬‬
‫إلى خصام ‪ ،‬والتوافق إلى تشاقق ‪ ،‬والتقارب إلى تباعد ‪ ،‬وصلة األرحام إلى تنابذ وانقسام ‪ ،‬واإلحسان إلى الجيران إلى التربص‬
‫والهجران ‪ ،‬مما أثار األنانية واالنعزال‪.‬‬
‫شهوة الكالم وراء كثير من الخالفات الزوجية حتى صار الطالق مرضاً عضاالً يواجه مجتمعات العالم كله فإذا كان‬ ‫‪.2‬‬
‫يزيد عن ‪ %50‬في بالد الغرب ‪ ،‬فهو يقترب من الـ ‪ % 40‬في بالدنا اإلسالمية ‪ ،‬وكثيراً منه بسبب هذه الشهوات "الجنس‬
‫والغضب والكالم" ‪.‬‬
‫كم قامت حروب ‪ ،‬وظلمت شعوب ‪ ،‬واحتلت بالد بسبب الشائعات ومن ذلك مل يلي ‪.:‬‬ ‫‪.3‬‬
‫قام البابا أوربان الثاني في ‪ 27/11/1095‬من كليرمنت بفرنسا ثم في أوربا كلها بدعاية كاذبة حرك بها الحملة الصليبية‬ ‫‪)1‬‬
‫على بالد الشام وفلسطين بادعاء أن المسلمين (الكفار) قد هدموا قبر المسيح فكانت هذه األكذوبة سبباً في حروب ومظالم وقتل‬
‫وسفك ونهب ال حد له وهي كلها من الشائعات الباطلة ‪.‬‬
‫ظلت إسرائيل تشيع في العالم أنها مظلومة ممن رمتهم بوصمة "اإلرهاب" من أبناء فلسطين الذين احتلت أرضهم ‪ ،‬وهتكت‬ ‫‪)2‬‬
‫أعراضهم ‪ ،‬واغتصبت مقدساتهم ‪ ،‬وهدمت بيوتهم ‪ ،‬ثم تستخدم شهوة الكالم في تضليل الرأي العام من خالل قنوات اإلعالم التي‬
‫تمتد في شبكة رهيبة على مستوى العالم ‪ ،‬وال يزال هناك ماليين من البشر يعتقدون أن إسرائيل دولة معتدى عليها مظلومة وسط‬
‫األوباش من العرب والفلسطينيين اإلرهابيين ‪.‬‬
‫ظلت إسرائيل تقنع العالم من خالل أدواتها الكالمية في اإلعالم أنها الدولة التي ال تقهر وجيشها الذي ال يهزم وقد خاضت‬ ‫‪)3‬‬
‫مصر حرباً معها في العاشر من رمضان سنة ‪ 1393‬هـ ‪ ،‬وبددت هذه األكذوبة كما أن ما حدث في ‪1427‬هـ من االعتداء على‬
‫لبنان لقوا فيه درساً لن ينسوه‪ ،‬واعترفوا أخيراً بالهزيمة ألن المقاومة العملية كانت أكبر من كل خياالتهم الكالمية ‪.‬‬
‫قام الرئيس األمريكي جورج بوش باحتالل العراق وفقاً ألكاذيب روجت بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل ‪ ،‬واآلن يظهر‬ ‫‪)4‬‬
‫للكافة هذا الكذب التاريخي الذي حرك وراءه مئات اآلالف من الجنود ليعيثوا في األرض فساداً وقتالً وتخريباً‪ ،‬وتمزيقا وتفتيتاً‬
‫وإ ثارة للعصبية والمذهبية ‪ ،‬وتفجير السالم االجتماعي في المنطقة كلها سعياً وراء البترول‪ ،‬والسيطرة على مقدرات األمور‬
‫وتسيير العالم وفق منهج التحلل والعولمة ‪.‬‬
‫ال تزال تهمة اإلرهاب عالقة ظلما وعدوانا بالمسلمين‪ ،‬في الوقت الذي تمارس فيه أبشع أنواع اإلرهاب‪ ،‬والسبب كله هو‬ ‫‪)5‬‬
‫الكتاب أن الخبر هو اإلثارة وليس الحقيقة ‪ ،‬على طريقة أن اإلنسان قد عض‬
‫تدوير الكالم عكس الحقيقة ‪ ،‬تماما كما يعلمون َ‬
‫الكلب ‪.‬‬
‫هذا غيض من فيض اآلثار السلبية للشهوات بال لجام‪ ،‬وننتقل إلى اآلثار اإليجابية للصيام لعالج ووقاية اإلنسان من شهواته‬
‫الجامحة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬أثر الصيام في تهذيب شهوات المسلم والمسلمة ‪:‬‬

‫الصيام عامة وفي رمضان خاصة ذو أثر مباشر في تهذيب النفس روحيا وخلقيا وعقليا وبدنيا ليكون اللجام للنفس قويا أخذا بعنان المسلم‬
‫والمسلمة من جميع جوانب انفالت الهوى ‪ ،‬حتى يجعله عبداً ربانياً ‪ ،‬يحمل مكارم األخالق ويتحلى بعقل راجح ‪ ،‬وبنيان قوي‪ ،‬ولذا سأتناول‬
‫أثر الصيام في إصالح الفرد في جوانبه األربعة الروحية والخلقية والعقلية والجسدية ‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬أثر الصيام في إصالح الجانب الروحي ‪-:‬‬

‫الجانب الروحي في اإلنسان هو مصدر سعادة الفرد أو شقائه ‪ ،‬فقد يؤتى اإلنسان من نعيم الدنيا ما يشبع الجسد ‪ ،‬وقد يتعلم من فنون العلم ما‬
‫ض‬ ‫َع َر َ‬
‫يجعله في مصاف الحكماء والعلماء ‪ ،‬ولكن اإلنسان مع هذا يجد ضيقاً واختناقاً في قلبه وهو الضنك الذي ق ال اهلل تع الى فيه ‪َ { :‬و َم ْن أ ْ‬
‫آياتَُنا‬ ‫ص يرا * قَ َ ِ‬ ‫َعمى وقَ ْد ُك ُ ِ‬ ‫ال ر ِّب ِلم ح َ ِ‬ ‫ام ِة أ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َعن ِذ ْك ِري فَ ِإ َّن لَ ُه َم ِع َ‬
‫ال َك َذل َك أَتَتْ َك َ‬ ‫نت َب ً‬ ‫ش ْرتَني أ ْ َ َ‬ ‫َع َمى * قَ َ َ َ َ‬ ‫ش ُرهُ َي ْو َم ا ْلق َي َ‬
‫ض ن ًكا َو َن ْح ُ‬
‫يش ًة َ‬
‫نس ى} (ط ه‪ ) 126 -124 :‬والض نك هو انغالق في النفس وانقب اض في القلب ‪ ،‬وانطب اق في الص در‪ ،‬وإ ن أكل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َف َنس يتَ َها َو َك َذل َك ا ْل َي ْو َم تُ َ‬
‫اإلنسان ما أكل أو شرب ما شرب أو لبس ما لبس أو سكن ما سكن أو ركب ما ركب ‪.‬‬
‫ولكن انش راح الص در ‪ ،‬واطمئن ان القلب وه دوء النفس فال ي أتي إال بإص الح الج انب ال روحي وهو خصوص ية عالقة العبد بربه والمخل وق‬
‫بخالقه سبحانه وتعالى‪ ،‬وهو أكبر مساعد ومعين لإلنسان على كبح هواه حبا وخوفا من اهلل تعالى ‪ .‬وتتجلى صور إصالح الجانب الروحي‬
‫فيما يلي ‪:‬‬
‫ين ِمن قَ ْبِل ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم‬
‫ام َك َما ُك ِت َب َعلَى الَّ ِذ َ‬ ‫آم ُن واْ ُك ِت َب َعلَ ْي ُك ُم ِّ‬
‫الص َي ُ‬ ‫ُّها الَّ ِذ َ‬
‫ين َ‬ ‫‪ -1‬الص يام بآدابه وأركانه ي ؤدي إلى التق وى لقوله تع الى ‪َ {:‬يا أَي َ‬
‫ف َعلَ ْي ِه ْم َوالَ ُه ْم‬ ‫ون} (البق رة‪ )183 :‬والتق وى هي عم اد إص الح النفس ‪ ،‬ف إذا تحققت ف إن اهلل تع الى يق ول ‪{:‬فَ َم ِن اتَّقَى َوأ ْ‬
‫َص لَ َح فَالَ َخ ْو ٌ‬ ‫تَتَّقُ َ‬
‫ون} (األعراف‪ )35 :‬والمعلوم أن شقاء النفس وتفرق القلوب يكون إما خوف اً على المستقبل أو حزن اً على الماضي أو ما فات اإلنسان‬ ‫َي ْح َز ُن َ‬
‫الملم ات وينجو بها في النوائب واألزمات‬ ‫وهكذا تكون التقوى عاصمة من الخوف أو الحزن ‪ ،‬والتقوى تجعل لإلنسان بصيرة يهتدي بها ّ‬
‫س ِّي َئ ِات ُك ْم َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم } (األنف ال‪ )29 :‬ويق ول اهلل تع الى ‪َ { :‬و َمن‬ ‫ِّ‬
‫آم ُنواْ إَن تَتَّقُواْ اللّ َه َي ْج َعل لَّ ُك ْم فُْرقَاناً َو ُي َكف ْر َعن ُك ْم َ‬ ‫ين َ‬ ‫ُّها الَّ ِذ َ‬
‫لقوله تعالى ‪ِ {:‬يا أَي َ‬
‫ب} (الطالق‪ )3 - 2 :‬فهو ب التقوى يعمل وي وقن أن اهلل تع الى لن يدعه وح ده ألنه‬ ‫ِ‬ ‫ق اللَّ َه َي ْج َعل لَّ ُه َم ْخ َر ًجا * َو َي ْر ُز ْق ُه ِم ْن َح ْي ُ‬ ‫َيتَّ ِ‬
‫ث اَل َي ْحتَس ُ‬
‫ون} (النح ل‪ ، )128 :‬والمس لم ب التقوى يك ون ولي اً هلل تع الى ق ال س بحانه ‪{ :‬إِ ْن‬ ‫ين ُهم ُّم ْح ِس ُن َ‬ ‫ين اتَّقَ واْ َّوالَّ ِذ َ‬
‫س بحانه القائل ‪{:‬إِ َّن اللّ َه َم َع الَّ ِذ َ‬
‫ين ِفي َمقَ ٍام‬‫ون} (األنفال‪ )34 :‬أما في اآلخرة فيكفي الروح سموا ورقيا وهي تتلقى وعد اهلل لها في قوله تعالى ‪{:‬إِ َّن ا ْل ُمتَّ ِق َ‬ ‫آؤهُ إِالَّ ا ْل ُمتَّقُ َ‬
‫أ َْوِل َي ُ‬
‫آم ِن َ‬
‫ين * اَل‬ ‫اكه ٍة ِ‬ ‫ِ‬
‫يها ِب ُك ِّل فَ َ‬
‫ين * ي ْدع َ ِ‬
‫ون ف َ‬ ‫ور ع ٍ َ ُ‬
‫اهم ِبح ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين * َك َذل َك َو َز َّو ْج َن ُ ُ‬ ‫ق ُّمتَقَا ِبِل َ‬
‫ستَْب َر ٍ‬‫س َوإِ ْ‬ ‫ند ٍ‬ ‫سُ‬ ‫ون من ُ‬
‫ون * ي ْلبس َ ِ‬ ‫ٍ‬
‫ين * في َج َّنات َو ُع ُي ٍ َ َ ُ‬
‫َم ٍ ِ‬ ‫أِ‬
‫اب ا ْل َج ِح ِيم} (الدخان‪. )56-51 :‬‬ ‫اه ْم َع َذ َ‬ ‫يها ا ْل َم ْو َت إِاَّل ا ْل َم ْوتَ َة اأْل ُولَى َو َوقَ ُ‬ ‫ي ُذوقُ َ ِ‬
‫ون ف َ‬ ‫َ‬
‫فوت هذا الخير ‪ ،‬وغفل عنه حيث روى ابن حبان‬ ‫‪ -2‬من أجل هذا الفضل الكبير وأثره على النفس البشرية تجد في الحديث دعاء على من َّ‬
‫في صحيحة بسنده عن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده قال ‪ :‬صعد النبي ‪ ‬المن بر فلما رقي عتبة ق ال ‪ ":‬آمين ثم رقي أخرى‬
‫فقال ‪ :‬آمين ‪ ،‬ثم رقي عتبة ثالثة فق ال آمين ثم ق ال ‪ :‬أت اني جبريل فق ال يا محمد ‪ :‬من أدرك رمض ان فلم يغفر له فأبع ده اهلل فقلت أمين ‪،‬‬

‫‪11‬‬
‫ومن أدرك والديه ف دخل الن ار فأبع ده اهلل ‪ ،‬فقلت ‪ :‬آمين ومن ذك رت عن ده فلم يصل عليك فأبع ده اهلل فقلت آمين "(‪ ،)5‬وأي بالء من اإلبع اد‬
‫عن رحمة اهلل تعالى عندما يفوت شهر رمضان ولم يحظ فيه المسلم أو المسلمة بالتقوى والمغفرة والرحمة والعتق من النار ‪.‬‬
‫‪ -3‬المسلم الذي يحب اهلل تعالى يداوم على الصيام فهو ينتظر شهر رمضان ليغسل نفسه غسالً كامالًَ من الذنوب واآلثام ‪ ،‬ويطهر نفسه من‬
‫المعاصي وهذا يزيل الران على القلب وذلك لما رواه البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬ق ال ‪ ":‬من قام رمض ان‬
‫إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ‪ ،‬ومن صام رمضان إيمان اً واحتس اباً غفر له ما تق دم من ذنبه "(‪ .)6‬فإذا ما انتهى رمضان صار‬
‫الصوم له إلفا ومصدر سعادة قلبي ة‪ ،‬النشراحه برحمة اهلل وفضله فهو يصوم الست البيض من شوال ويصوم العشر األوائل من ذي الحجة‬
‫ويح رص على ص يام عرفة وال يفوته ص يام التاسع والعاشر من المح رم ( عاش وراء ) ‪ ،‬ويك ثر من الص يام في ش عبان ‪ ،‬ويح رص ط وال‬
‫الع ام على ص يام الاث نين والخميس ‪ .‬أو يص وم يوما ويفطر يوما إن ق در عليه ‪ ،‬وال يقل عن ص يام ثالثة أي ام كل ش هر ‪ ،‬وبه ذا يظل المس لم‬
‫والمس لمة في طه ارة من ال ذنوب دائمة ‪ ،‬ولعل ه ذا ما جعل اإلم ام مس لم ي ترجم في كت اب الص يام بابا بعن وان ‪ :‬ص يام الن بي ص لى اهلل عليه‬
‫يخلي شهراً عن صوم ‪ .‬ومعناه أن المسلم والمسلمة ال يستغنيان عن هذا اللجام الرباني"الصيام"‪ ،‬ويكفي المؤمن شرفا‬
‫وسلم واستحباب أال ِ‬
‫أن يصوم وهو يستحضر حديث النبي ‪ ‬فيما يرويه عن ربه ‪ ":‬الصوم لي وأنا أجزي به ‪ ،‬يدع شهوته وطعامه من أجلي ‪ ،‬للص ائم فرحت ان‬
‫‪ ،‬فرحه عند فطره ‪ ،‬وفرحه عند لقاء ربه "(‪ ،)7‬فهو صيام يختص به اهلل تعالى‪ ،‬ويعود فضله على العبد فرحة في الدنيا برحمة اهلل ‪ ،‬وفرحة‬
‫في اآلخ رة بنعيم اهلل تع الى ‪ ،‬والنج اة من الن ار لما رواه مس لم بس نده عن أبي س عيد الخ دري رضي اهلل عنه أن رس ول اهلل ‪ ‬ق ال ‪" :‬من صام‬
‫يوما في سبيل اهلل باعد اهلل وجهه عن النار سبعين خريفا" (‪.)8‬‬
‫‪ -4‬يجد المس لم نش اطاً روحيا خاصة في ش هر رمض ان وذلك ألن اهلل تع الى يقيد م ردة الش ياطين ‪ ،‬ويرسل مالئكته تن ادي يا ب اغي الخ ير‬
‫أقبل‪ ،‬ويا باغي الشر أدبر ‪ ،‬وشعور العبد أن الفريضة في رمضان تعدل سبعين فريضة فيما سواه ‪ ،‬وأن النافلة مثل ثواب الفريضة ‪ ،‬وأنه‬
‫شهر العتق من النار ‪ ،‬والعودة إلى اهلل ‪ ،‬وتحري ليلة القدر ‪ ،‬واالعتكاف في العشر األواخر ‪ ،‬هذا يمثل جرعة روحية كبيرة ال تكاد تعدلها‬
‫جرعة أخرى طوال العام اللهمّ إال جرعة الحج هلل تعالى ‪.‬‬
‫‪ -5‬إذا كان المسلم في رمضان يجد نشاطاً روحيا بالنهار ألنه يدع شهوته هلل تعالى ‪ ،‬فإنه بالليل ينعم أيض اً بهذا النشاط الروحي بقيام الليل‬
‫في ص الة ال تراويح كل ليلة ‪ ،‬ولعل القليل هو ال ذي يجد نش اطاً روحي اً ط وال الع ام ليق وم كل ليلة بثم اني ركع ات يطيل فيها الق راءة‪ ،‬ولكن‬
‫الكث ير ج داً يه رع إلى ص الة ال تراويح ‪ ،‬ومن فاته منها ش يء أكمله وح ده في مص اله أو مس جده وك ذا القي ام للس حور قبل الفجر وال دعاء هلل‬
‫تعالى ‪ ،‬حتى يحظى المسلم بدعاء اهلل والمالئكة له وهو يتسحر‪ ،‬وذلك للحديث الذي رواه أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي اهلل‬
‫(‪)9‬‬
‫عنه قال ‪" :‬السحور أكله بركة ‪ ،‬فال تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن اهلل ومالئكته يصلون على المتسحرين"‬
‫‪ -6‬اإلكثار من ذكر اهلل تعالى بأربع خصال ال إله إال اهلل واالستغفار وسؤال اهلل الجنة والتعوذ به سبحانه من النار ‪ ،‬هذا الذكر الدائم يبعث‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الطمأنينة والراحة في القلب لقوله تعالى ‪{:‬الَّ ِذ َ‬
‫وب} (الرعد‪.)28 :‬‬ ‫وب ُهم ِبذ ْك ِر اللّه أَالَ ِبذ ْك ِر اللّه تَ ْط َمئ ُّن ا ْل ُقلُ ُ‬
‫آم ُنواْ َوتَ ْط َمئ ُّن ُقلُ ُ‬
‫ين َ‬
‫‪ -7‬من المنح الروحية في الصيام أن له دعوة ما ترد وذلك لما رواه ابن ماجه بسنده عن عبد اهلل ابن عمر رضي اهلل عنهما أن النبي ‪ ‬قال‬
‫‪":‬إن للصائم عند فط ره ل دعوة ما ت رد" ‪ .‬ه ذه ال دعوة مفت اح خ ير إلى س عادة الم رء في ال دنيا واآلخ رة حيث يلحف في المس ألة هلل تع الى أن‬
‫يصلح له دنياه وينعم آخرته بالفردوس األعلى من الجنة ‪.‬‬

‫‪ ) (5‬الترغيبـ والترهيب ( ‪.) 66 /2‬‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ ) (6‬صحيح البخاري – كتاب الصومـ – باب من صام إيماناـ واحتساباـ (رقم ‪. ) 1901‬‬
‫‪7‬‬
‫( ) صحيح البخاري ‪ -‬كتاب التوحيد ‪ -‬باب قول هللا يريدون أن يبدلواـ كالم هللا إنه‪( ,‬رقم ‪.)7054‬‬
‫‪ ) (8‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب الصيام ‪ -‬باب فضل الصيام في سبيل هللا لمن يطيقه بال ضرر ـ ـ (رقم ‪.)1153‬‬
‫‪ ) (9‬المسند (‪. ) 44 / 3‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ -8‬يظل المس لم والمسلمة ينتقل من خير إلى خير ‪ ،‬ف يزداد تعلق القلب باهلل تع الى ‪ ،‬ويقل تعلقه بالدنيا؛ فيشعر أنه بحاجة إلى خل وة مع ربه‬
‫جل وعال فيلجأ إلى االعتك اف آخر الش هر في العشر األواخر ليزيد حب ال الم ودة بالرغبة والرهبة والخ وف والرج اء ‪ ،‬ويش دو اللس ان في‬
‫ويعمل فكرة في بديع خلق اهلل وكثرة نعمه على خلقه؛ فتبكي العين خوف اً وفرق اً‬
‫الليل والنهار بقراءة القرآن ‪ ،‬ويشنف اآلذان باالستماع إليه ‪ُ ،‬‬
‫من عذاب اهلل تعالى‪ ،‬ويطمئن الفؤاد طمعاً وأمالً في رحمة اهلل ‪ ،‬ويكثر القيام والقعود بين يدي رب الوجود سبحانه وتعالى فيفيض هذا على‬
‫رضا ‪ ،‬وعلي الجسم حيوية ‪ ،‬وعلي الخلق رقياً ‪ ،‬وكلما ذاق حالوة الوصال واصل التراويح بالتهجد والذكر بالدعاء‬
‫َ‬ ‫القلب رياَ وعلي النفس‬
‫‪ ،‬واالستغفار بالثناء ‪ ،‬والتضرع بالبكاء ‪ ،‬والحب بالخوف وحتى يصيب مراده عن غنيمة ليلة القدر ‪ ،‬ويتعرض لرحمات متالحقات في هذه‬
‫الليلة التي ال يحرم خيرها إال شقي ‪ ،‬وال يصيبها إال تقي ‪ ،‬فتشبع النفس من هذا الهدير الذي يمسح على القلب ‪ ،‬ويظل في بوتقة الحب حتى‬
‫إذا ج اء ي وم العيد ق ام إليه يتلقى جائزته ويص افح مالئكته ويخالط الخلق ب أخالق الحق ‪ ،‬يحنو على فق يرهم ‪ ،‬وي رحم ص غيرهم ‪ ،‬وي ؤازر‬
‫ضعيفهم ويناصر مظلومهم ‪ ،‬ويقبل من مسيئهم‪ ،‬ويستغفر لمذنبهم ‪ ،‬ويستحث مدبرهم‪ ،‬فيكون قد صنع على عين اهلل تعالى وحمل أخالق‬
‫اإلسالم وآدابه بعد هذه الخلوة التي تعيد اإلنسان إلى الفطرة السليمة ‪ ،‬وهكذا تبقى الروح في نضارتها وطهارتها فيسعد صاحبها في ال دارين‬
‫‪.‬‬

‫ثانياً ‪ -:‬أثر الصيام في إصالح الجانب الخلقي ‪-:‬‬


‫الصيام من أهم العبادات التي توصل المسلم أو المسلمة إلى مكارم األخالق ومعالي األمور وتباعد بينه وبين سفاسفها ويبدو ذلك مما يلي ‪-:‬‬
‫‪ -1‬الص يام هو إمس اك المكلف بنية عن المطعم والمش رب والجم اع واالس تمناء واالس تقاء من الفجر إلى المغ رب وه ذه تجمع الش هوات‬
‫الغالبة التي تهوي بالنفس إلى مستنقع الرذيلة ولذا يقول ابن القيم ‪ :‬المقصود من الصيام حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات‬
‫وتع ديل قوتها الش هوانية لتس تعد لطلب ما فيه غاية س عادتها ونعيمها ‪ .‬وقب ول ما تركز به مما فيه حياتها األبدية ‪ ،‬ويكسر الج وع والظمأ من‬
‫حدتها وسورتها‪ ،‬ويذكر بحال األكباد الجائعة من المساكين ‪ ،‬وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب وتحبس‬
‫قوى األعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يفيدها في معاشها ومعادها ‪ ،‬ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه ‪ ،‬وتلجم بلجامه ‪،‬‬
‫فهو لجام المتقين وجنة المحاربين ورياضة األبرار والمقربين ‪ ...‬وهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثاراً لمحبة اهلل ومرضاته ‪ ...‬وله‬
‫ت أثير عجيب في حفظ الج وارح الظ اهرة ‪ ،‬والقوى الباطنة وحميتها من التخليط الج الب لها الم واد الفاس دة ال تي إذا اس تولت عليها أفس دتها‬
‫‪. )10( .......‬‬
‫‪ -2‬الص يام يقيم س ياجاً قويا بين المس لم أو المس لمة وما ح رم اهلل تع الى ف إذا ك ان قد غلب نفسه ‪ ،‬وحرمها من الحالل الطيب في األصل في‬
‫وقت معين بنية وعزيمة واس تعانة باهلل تع الى ‪ ،‬فهو ال شك أق در على االمتن اع عن الح رام في كل وقت وحين ‪ ،‬وذلك ألن اإلنس ان بلغ في‬
‫الحرام نتيجة هوى مستحكم ‪ ،‬ونفس حائرة ‪ ،‬وشهوة غالب ة ‪ ،‬وهذه كلها يهذبها الصوم بهذا االمتناع المتالحق شهراً ثم في التنف ل به طوال‬
‫العام ‪.‬‬
‫‪ ،‬ويدلنا النبي ‪ ‬على أثر‬ ‫(‪)11‬‬
‫‪ -3‬من أجل هذا يقول النبي ‪ ": ‬من لم ي دع ق ول ال زور والعمل به فليس هلل حاجة أن ي دع طعامه وش رابه"‬
‫الصوم في تقويم أخالق المسلم أو المسلمة في حديث ابن ماجه عن أبي هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ ":‬إذا كان يوم صوم‬
‫أحدكم فال يرفث وال يجهل ‪ ،‬وإ ن جهل عليه أحد فليقل إني امرؤ صائم "‪.‬‬
‫ه ذا يع ني أن ني لك وني ص ائماً ال يليق بي أن يطيش ص وابي ويه رف لس اني ‪ ،‬ويعلو ص وتي ‪ ،‬ويقبح كالمي ‪ ،‬بل إن الص يام يحبس النفش‬
‫البشرية عن االسترسال مع الجهالة ‪ ،‬واالنطالق مع شهوات الفرج والبطن ‪ ،‬وهذا من أعظم وسائل تهذيب النفس ‪.‬‬

‫‪ ) (10‬زاد المعاد ( ‪. ) 211 /1‬‬


‫‪ ) (11‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الصوم ‪ -‬باب من لم يدع قول الزور والعملـ به في الصوم ‪( ,‬رقم ‪.)1804‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -4‬الص يام يح رر اإلنس ان من أسر الع ادة فمن اعت اد على الطع ام في س اعات مبك رة أو مت أخرة من النه ار‪ ،‬واعت اد على الغ ذاء بعد الظهر‬
‫بقليل أو كث ير‪ ،‬واعت اد أن يش رب المنبه ات من الش اي أو القه وة أو غيرهم ا ح تى إنه ليظن انه ال يس تطيع االس تغناء عن ه ذه الع ادات ي أتي‬
‫صيام رمضان أو النوافل ليقطع هذا االعتياد تحريراً لإلنسان من أسره وتكريم اً له ‪ ،‬أنه ليس بذاك الذي يهفو إلى مطعم أو مشرب يستولي‬
‫على ملكاته ويخيم على مشاعره ‪ ،‬بل يغير موعد اإلفطار ليكون سحوراً قبيل الفجر ‪ ،‬ويغير من نهمه على المطعومات والمشروبات طوال‬
‫اليوم ليكون ذلك بعد المغرب فيخرج المسلم من ذلك متحررا من العبودية ألي شيء إال لرب العزة سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫‪ -5‬ش فافية ال روح في الص يام ذات أثر مباشر في نق اء األخالق حيث يك ون المس لم أو المس لمة أش به ش يء بمالئكة اهلل تع الى ‪ ،‬فيص در في‬
‫أموره كلها عن معالي األمور ‪ ،‬يريد أن يتخلق بأخالق رب العزة سبحانه ويتصف بصفات المالئكة البررة‪.‬‬
‫ش َّح َن ْف ِس ِه فَأ ُْولَ ِئ َك ُه ُم‬
‫وق ُ‬
‫‪ -6‬الصيام يحرر المس لم أو المس لمة من داء الشح وهو م رض عضال ُيهلك أي إنسان يق ول اهلل تع الى ‪َ { :‬و َمن ُي َ‬
‫ون} (التغ ابن‪ :‬من اآلية ‪ )16‬وفيه ي روي مس لم بس نده عن ج ابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنه أن رس ول اهلل ‪ ‬ق ال ‪" :‬اتقوا الظلم ف إن‬ ‫ا ْل ُم ْفِل ُح َ‬
‫وروى أحمد‬ ‫(‪)12‬‬
‫الظلم ظلمات يوم القيامة‪ ,‬واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا مح ارمهم"‬
‫وروى أحمد الترم ذي بس ندهما‬ ‫(‪)13‬‬
‫بس نده عن أبي هري رة رضي اهلل عنه أن رس ول اهلل ‪ ‬ق ال ‪" :‬شر ما في الرجل شح ه الع وجبن خ الع"‬
‫وروى الطبراني بسنده عن ابن عب اس‬ ‫(‪)14‬‬
‫عن أبي بكر الصديق رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬قال ‪" :‬ال يدخل الجنة خب وبخيل وال منان"‬
‫رضي اهلل عنهما أن الن بي ‪ ‬ق ال ‪" :‬لما خلق اهلل جنة ع دن بي ده ودلي فيها ثمارها وشق فيها أنهارها ‪ ،‬ثم نظر إليها فق ال لها ‪ :‬تكلمي‬
‫وروى الترمذي بسند مرسل عن أبي هريرة رضي اهلل‬ ‫(‪)15‬‬
‫فق الت ‪ :‬قد أفلح المؤمن ون ‪ ،‬فق ال ‪ :‬وع زتي وجاللي ‪ ،‬ال يج اورني فيك بخيل"‬
‫عن أن الن بي ‪ ‬ق ال ‪ ":‬الس خي ق ريب من اهلل ق ريب من الجنة ‪ ،‬ق ريب من الن اس ‪ ،‬بعيد عن الن ار والبخيل بعيد عن اهلل ‪ ،‬بعيد من الجنة ‪،‬‬
‫‪ ،‬والصيام يعالج هذا المرض العضال بوسائل كثيرة منها‬ ‫(‪)16‬‬
‫بعيد من الناس قريب من النار ‪ ،‬ولجاهل س خي أحب إلى اهلل من عابد بخيل"‬
‫ما يلي ‪-:‬‬
‫أ‪ -‬حث المسلم على إفطار الص ائمين لح ديث س لمان ‪ ":‬من فطر صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتقا لرقبته من النار ‪ ،‬وك ان له مثل أج ره من‬
‫غير أن ينقص من أجره شيء ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ .‬ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم ‪ ،‬ق ال رس ول اهلل ‪ ": ‬يعطي هذا الثواب من فطر‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)17‬‬
‫صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن "‬
‫هذا الث وب الجزيل بهذا العط اء القليل يح رك في المس لم داعية الب ذل والج ود والس خاء ف إذا ك انت نفسه ال تج ود ب الكثير فبالقليل رويداً حتى‬
‫يجود بالكثير ‪ ،‬ولعل شفافية الروح تكون سبباً قوياً في التخلق بالجود ‪.‬‬
‫ب‪ -‬في هذا الشهر تصفد أبواب النيران وتفتح أبواب الجنان ‪ ،‬وتغل مردة الشياطين ‪ ،‬وينادى يا باغي الخير أقبل ‪ ،‬ويا باغي الشر أقصر ‪،‬‬
‫مما يساعد المسلم أن يغالب داء الشح والبخل فيبذل وهو في عافية من المثبطات للجود والسخاء ‪.‬‬
‫ج‪ -‬حب التأسي ب النبي ‪ ‬حيث ي روي البخ اري وغ يره بس ندهم عن ابن عب اس رضي اهلل عنه أن الن بي ‪" ‬ك ان أج ود الن اس ب الخير وك ان‬
‫(‪. )18‬‬
‫أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ‪ "...‬فإذا لقيه جبريل عليه السالم كان أجود بالخير من الريح المرسلة‬
‫د‪ -‬ص دقة الفطر في رمض ان ح تى قبيل ص الة العيد من أهم العب ادات في رمض ان ال تي تع الج داء الشح ألنها فرضت على الغ ني والفق ير‪،‬‬
‫والكب ير والص غير ‪ ،‬الرجل والم رأة ‪ ،‬الحر والعبد ‪ ،‬ح تى الوليد يولد قبل ص الة العيد فتجب على وليه ص دقة الفطر ‪ ،‬ه ذا يش يع عند الجميع‬

‫) صحيح مسلم – كتاب البر – باب تحريم الظلم (‪.)2578‬‬ ‫‪(12‬‬


‫) المسند ( ‪. ) 302 / 2‬‬ ‫‪(13‬‬
‫) المسند ( ‪ ) 1/7‬والترمذي – كتاب البر – باب ما جاء في البخلـ ( ‪. ) 2029‬‬ ‫‪(14‬‬
‫) الترغيبـ والترهيب للمنذري ( ‪. ) 347 / 3‬‬ ‫‪(15‬‬
‫) سنن الترمذي – كتاب البر – باب ما جاء في السخاء ( ‪. ) 2027‬‬ ‫‪(16‬‬
‫) الترغيبـ والترهيب للمنذري (‪.)2/67‬‬ ‫‪(17‬‬
‫) صحيح البخاري – كتاب الصومـ – باب أجود ما كان النبي صلي هللا عليه وسلم يكون في رمضان رقم ( ‪. ) 1902‬‬ ‫‪(18‬‬

‫‪14‬‬
‫روح الب ذل والعط اء ول ذا روى ابن ماجه بس نده عن ابن عب اس رضي اهلل عنهما أن الن بي ‪ ‬ف رض زك اة الفطر طه رة للص ائم من اللغو‬
‫وروى اإلم ام‬ ‫(‪)19‬‬
‫وال رفث وطعمة للمس اكين ‪ ،‬فمن أداها قبل الص الة فهي زك اة مقبولة ‪ ،‬ومن أداها بعد الص الة فهي ص دقة من الص دقات‪.‬‬
‫أحمد بسنده أن رسول اهلل ‪ ‬قال في زكاة الفطر ‪" :‬صاع من بر أو قمح على كل امرئ صغير أو كبير‪ ،‬حر أو عبد ‪ ،‬ذكر أو أنثي ‪ ،‬غ ني أو‬
‫‪ ،‬أيُّ سم ٍو أعظم من ه ذا ؟! أن يعطى الغ ني الفق ير ‪ ،‬وأن‬ ‫(‪)20‬‬
‫فق ير أما غ نيكم فيزكيه اهلل ‪ ،‬وأما فق يركم ف يرد اهلل عليه أك ثر مما أعطي"‬
‫يعطى الفقير الفقير ‪ ،‬وأن تتعلق فريضة الزكاة هنا بكل امرئ صغير أو كبير في األمة اإلسالمية‪ ،‬هذا أعظم أبواب السخاء ‪.‬‬
‫‪ -7‬الصيام يعود المسلم خلق العفة والطهارة ‪ ،‬ويحجب عنه هواجس النفس وثورات الشهوات ولهذا كان الصيام مستحبا لكسر الشهوة كما‬
‫س بق ‪ .‬ح تى ال تس تعبده ش هوة الف رج ‪ ،‬وبريق م اء وجهه في الس عي وراء المحرم ات ‪ ،‬وتنتهك ع رض العفيف ات فينقلهن إلى دائ رة الفحش‬
‫والرذيلة ‪ ،‬أو ينح از إلى نفسه ويغ رق في بحر االس تمناء مما يض عف مقاومته لش هوته ‪ ،‬ويض اعف آالمه النفس ية ‪ ،‬ويحرمه من الثقة في‬
‫نفسه ‪ ،‬ول ذا ذكر ابن حجر في ش رح ح ديث الن بي ص لي اهلل عليه وس لم ‪ ":‬يا معشر الش باب من اس تطاع منكم الب اءة فلي تزوج فإنه أغض‬
‫للبصر وأحصن للف رج ومن لم يس تطع فعليه بالص وم فإنه له وج اء "‪ .‬ق ال ابن حجر ‪ :‬األصل في الص وم كسر الش هوة ألن ك ثرة الطع ام‬
‫والشراب تستدعي طغيان الشهوة ‪ ،‬فكان الصوم وجاء أي قامعا لشهوة النكاح ‪ ،‬ويستدل بهذا الحديث على تحريم االستمناء ألن النبي صلي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)21‬‬
‫اهلل عليه وسلم أرشد عند العجز عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة ‪ ،‬فلو كان االستمناء مباحاً لكان اإلرشاد إليه أسهل‬
‫وإ ذا كان االستمناء من مفسدات الصوم فلو تعمده رجل أو امرأة أثم ولم يكفه صيام الدهر وإ ن صامه قضاء ‪ ،‬أما المتزوج فيهذب اإلسالم‬
‫نهمه على شهوة الجماع ليحرر الرجل أو المرأة من أسر شهوة الفرج فيحول بينهما في طول النهار ويحرم على المعتكف جماع زوجته ‪،‬‬
‫ومن ج امع في نه ار رمض ان فه ذا ال كف ارة له إال بمض اعفة حرمانه من زوجته ش هرين متت ابعين في نه ار ص ومه ‪ ،‬وإ ن لم يس تطع يطعم‬
‫س تين مس كينا كف ارة له ذا التع دي على حرمة ه ذا الش هر الك ريم وتغريم اً له أنه لم يس تطع أن يحبس ش هوته أو يملك زم ام نفسه ‪ ،‬وه ذا من‬
‫الوسائل الفعالة في ردع ومنع من لم يخش عذاب اهلل تعالى ‪.‬‬
‫‪ -8‬إذا ك انت عفة الم رء الباطنة في فرجه ف إن طه ارة اللس ان أيض اً من أم ارات عفته الظ اهرة‪ ،‬و يع الج الص يام آف ات اللس ان عند اإلنس ان‬
‫حتى إذا حصن فرجه وعف لسانه كان النبي صلي اهلل عليه وسلم ضامناً له الجنة ‪،‬لحديث اإلمام البخاري بسنده عبادة بن الصامت أن النبي‬
‫ولهذا فإن النبي صلي اهلل عليه وسلم يلفت أنظارنا إلى أن‬ ‫(‪)22‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم قال ‪":‬اض منوا لى س تا من أنفس كم أض من لكم الجنة‪"..‬‬
‫من لم ي دع ق ول ال زور والعمل به فليس هلل حاجة في أن ي دع طعامه وش رابه ‪ ،‬فالص يام في الحقيقة ص يام الج وارح كلها مما يغضب اهلل‬
‫تع الى‪ ،‬وك ذا يسن في االعتك اف في رمض ان أن يقل اإلنس ان من الكالم المب اح‪ .‬وه ذا أعظم ته ذيب آلف ات اللس ان ال تي تكب الن اس على‬
‫مناخيرهم في جهنم ‪ ،‬فإذا صام اإلنسان ثم أطلق لسانه في أعراض الناس أو الكذب أو المراء والجدال المذموم أو الحلف باأليمان الباطلة ‪،‬‬
‫وغيرها ف إن ص يامه يك ون هب اء منثوراً‪ ،‬وذلك لما رواه أبو داود بس نده عن أنس بن مالك ق ال ‪ :‬أمر الن بي ‪ ‬الن اس بص وم ي وم ‪ ،‬وق ال ‪ :‬ال‬
‫يفطرن أحدكم حتى آذن له ‪ :‬فصام الناس حتى إذا أمسوا فجعل الرجل يجئ فيقول‪ :‬يا رسول اهلل ظللت صائماً ف أذن لي ف أفطر ‪ :‬في أذن له‬
‫الرجل والرجل ‪ :‬حتى جاء رجل فقال ‪ :‬يا رسول اهلل ‪ ،‬فتاتان من أهلك ظلتا صائمتين ‪ ،‬وإ نهما تستحيان أن تأتياك ‪ ،‬ف آذن لهما فليفط را ‪،‬‬
‫فأعرض عنه ثم عاوده ف أعرض عنه ‪ ،‬ثم ع اوده ف أعرض عنه ثم ع اوده ف أعرض عنه فق ال إنهما لم تص وما ‪ ،‬وكيف من ظل ه ذا الي وم‬
‫يأكل لحوم الناس ‪ ،‬اذهب فمرهما‪ :‬إن كانتا صائمتين فليستقيئا‪ ،‬فرجع إليهما فأخبرهما‪ ،‬فاستقاءتا فق اءت كل واح دة علقة من دم ‪ ،‬فرجع‬
‫(‪.)23‬‬
‫إلى النبي صلي اهلل عليه وسلم فأخبره فقال ‪ :‬والذي نفسي بيده لو بقيتا في بطونهما ألكلتهما النار"‬

‫) سنن ابن ماجه – كتاب الزكاة – باب صدقة الفطر – رقم ( ‪. ) 1827‬‬ ‫‪(19‬‬
‫) الترغيبـ والترهيب للمنذري ( ‪. ) 100 /2‬‬ ‫‪(20‬‬
‫) فتح الباري ( ‪. ) 14 ، 9/12‬‬ ‫‪(21‬‬
‫) صحيح ابن حبان ‪ -‬كتاب البر واإلحسان ‪ -‬باب الصدق واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪( ,‬رقم ‪.)271‬‬ ‫‪(22‬‬
‫‪23‬‬
‫() الترغيب والترهيبـ للمنذري ( ‪.)4/10‬‬

‫‪15‬‬
‫ً‬
‫ولحما‬ ‫وقد جاء في رواية لإلمام أحمد أن إحداهما قاءت دما وصديداً ولحما حتى مألن نصف القدح‪ ،‬وأن األخرى قاءت قيئ اً ودم اً وصديداً‬
‫عبيطا ح تى مألت الق دح ‪ ،‬فق ال الن بي ‪": ‬هات ان ص امتا عما أحل اهلل ‪ ،‬وأفطرتا على ما ح رم اهلل عليهما ‪ ،‬جلست إح داهما إلى األخ رى‬
‫ً‬
‫فجعلتا تأكل من لحوم الناس" (‪.)24‬‬
‫وقد ش به ص احب المس تخلص في تزكية األنفس من يص وم عن الحالل وي رتكب الح رام كمن يب ني قص را ويه دم مص راً ‪ ،‬ومن يمتنع عن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)25‬‬
‫تناول الدواء ‪ ،‬ثم يعب من السم القاتل‬
‫‪ -9‬الصيام ينمي في المسلم أو المسلمة أعظم أخالق اإلسالم وهو الحياء ‪ .‬وذلك لما رواه مالك في الموطأ وابن ماجه في سننه بسندهما عن‬
‫والصيام من العبادات الخاصة التي ال يطلع‬ ‫(‪)26‬‬
‫زيد بن طلحة أن النبي صلي اهلل عليه وسلم قال ‪" :‬إن لكل دين خلقا وخلق اإلس الم الحي اء"‬
‫عليها إال اهلل تعالى فبوسع أي إنسان أن يخلو إلى نفسه فيفعل ما يشاء من طعام وشراب وخالفه ‪ ،‬ولكن المسلم يستحي من اهلل في خلوته أن‬
‫يفعل ذلك ‪ ،‬وال يزال يستحي من اهلل حتى يحقق أمر النبي صلي اهلل عليه وسلم اسحيوا من اهلل حق الحياء‪ .‬فإذا ما صار الحياء له خلق اً فلن‬
‫ي أتي إال بكل خ ير ‪ ،‬وهو من أعم دة اإليم ان ح تى يص ير باإليم ان والحي اء من أهل الجنة لما رواه احمد عن أبي هري رة رضي اهلل عنه أن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)27‬‬
‫رسول اهلل صلي اهلل عليه وسلم قال‪" :‬الحياء من اإليمان واإليمان في الجنة والبذاء من الجفاء ‪ ،‬والجفاء في النار"‬
‫‪ -10‬يع ود الص يام المس لم على اح ترام قيمة ال وقت ‪ ،‬ويربطه دائم اً بطاعة اهلل تع الى ‪ ،‬فلو ظل يأكل لقمة واح دة أو يس يغ ش ربة واح دة بعد‬
‫وقت آذان الفجر ك ان مفط راً وآثام اً إن تعم ده ‪ ،‬وإ ن أفطر قبيل المغ رب بلحظ ات أفطر وص ار آثما إن تعم ده ‪ ،‬ه ذا يجعل المس لم ي راعي‬
‫مواعي ده بدقة بالغة ‪ ،‬ال يس تعجل ش يئا قبل أوانه ‪ ،‬وال ي ؤخر ش يئاً عن وقته ‪ ،‬ف الموظف أو العامل ال يت أخر في عمله ‪ ،‬بل يتقي اهلل فيه ‪،‬‬
‫والطالب ال يؤخر مذاكرته حتى تضطرب أعصابه وينوء بعبء نفسي من كثرة ما تراكم عليه ‪ ،‬ولو راعينا اهلل في أوقاتنا كلها كما نراعيها‬
‫في العبادات كلها مثل الصالة لوقتها والزكاة لحوالن الحول ‪ ،‬وصدقة الفطر حتى قبل صالة العيد ‪ ،‬والصيام من الفجر الصادق إلى مغرب‬
‫الشمس ‪ ،‬والحج أشهر معلومات لكانت األمة شيئاً أخر غير ما هي عليه اليوم ‪.‬‬

‫ثالثاً‪ -:‬أثر الصيام في إصالح الجانب العقلي ‪-:‬‬

‫العقل هو من اط التكليف في اإلنس ان ‪ ،‬وبه وك رم عن غ يره من المخلوق ات وألجله تحمل األمانة ال تي أبت الس ماوات واألرض والجب ال أن‬
‫يحملنها ‪ ،‬والصيام ذو أثر مباشر في تقويم العقل وإ ذكائه ويبدو ذلك فيما يلي ‪-:‬‬
‫َّ‬
‫ون} (البقرة‪ :‬من اآلية‪ )21‬فإن هذه التقوى تفتح على المسلم‬ ‫‪ -1‬إذا كان الهدف من الصيام هو تحصيل التقوى كما قال اهلل تعالى‪{:‬لَ َعل ُك ْم تَتَّقُ َ‬
‫آفاق العلم والخير لقوله تعالى‪َ {:‬واتَّقُوْا اللّهَ َوُي َعلِّ ُم ُك ُم اللّ هُ} (البقرة‪ :‬من اآلية ‪ )282‬فقد يؤتي اإلنسان بها الحكمة لقوله تعالى‪ُ{:‬ي ؤتِي اْل ِح ْك َم ةَ‬
‫اب} (البقرة‪.)269 :‬‬ ‫ت اْل ِح ْكمةَ فَقَ ْد أُوتِي َخ ْيرا َكثِيرا وما َي َّذ َّكر ِإالَّ أُولُوْا األَْلَب ِ‬
‫َمن َي َشاء َو َمن ُي ْؤ َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ً ََ‬ ‫َ ً‬ ‫َ‬
‫‪ -2‬الصيام يجعل عقل اإلنسان أكثر نشاطاً وإ دراكاً ألن البطن إذا امتألت تذهب الفطنة كما جاء في األثر " البطنة تذهب الفطنة " ومن أكل‬
‫كثيراً نام كثيراً وحرم من خير كثير ‪ ،‬فمن أراد أن يحصل من أسباب العلم ما يوسع به مداركه فال يشبع ألن من مأل بطنه بالطعام سرعان‬
‫ما ت رتخي أعض اؤه ويميل إلى الكسل ويخلد إلى الن وم الطويل ‪ ،‬لكن ص يام رمض ان بآدابه من اإلقالل من الطع ام والش راب وص يام النوافل‬
‫يعود اإلنسان على االقتصاد في طعامه وشرابه بما يحفظ لعقله فاعليته ‪ ،‬ولنفسه القدرة على حدة التفكير ‪ ،‬وطول السهر تحصيالً للعلم‪.‬‬

‫) الترغيبـ والترهيب ( ‪ ) 298 / 3‬والمسندـ لإلمام أحمد ( ‪. ) 5/431‬‬ ‫‪(24‬‬


‫) المستخلص لسعيد حوي ( ‪. ) 63‬‬ ‫‪(25‬‬
‫) الموطأ – كتاب حسن الخلق – باب ما جاء في الحياء ( ‪. ) 905/ 2‬‬ ‫‪(26‬‬
‫) المسند ( ‪. ) 501/ 2‬‬ ‫‪(27‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ -3‬كثرة قراءة القرآن في هذا الشهر ‪ ،‬أو االستماع إليه في صالة التراويح أو غيرها مما يرسي أصول العلم لدى المسلم أو المسلمة ‪ ،‬ففي‬
‫القرآن أصول العلم التجريبي ‪ ،‬وأصول العقيدة الصحيحة وقواعد التشريع الكاملة ‪ ،‬وقصص السابقين من الطائعين والعاصين ‪ ،‬وهذا من‬
‫أكبر موارد النمو العقلي ‪.‬‬
‫‪ -4‬ال شك أن مفردات أحكام الصيام تؤثر تأثيراً قوياً في صياغة العقل اإلسالمي صياغة مرنة ويبدو ذلك مما يلي ‪-:‬‬
‫أ‪ -‬ال بد لإلنسان أن يزن األمور بميزان العقل ال العواطف فقط وفي هذا يقال " ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول "‪.‬‬
‫ولذا فإننا نرى نبينا ‪ ‬يوصي عبد اهلل بن عمرو وهو يريد أن يصوم كل يوم فأمره أال يزيد عن صيام يوم وإ فطار يوم يق ول ‪ :‬إنك ال تدري‬
‫(‪.)28‬‬
‫لعلك يطول بك عمر ‪ ،‬قال ‪ :‬فصرت إلى الذي قال النبي ‪ ‬فلما كبرت وددت لو كنت قبلت رخصة نبي اهلل ‪‬‬
‫ب‪ -‬نهي الن بي ‪ ‬عن الوص ال وفي ه ذا ي روي البخ اري بس نده أن الن بي ‪ ‬ق ال" إي اكم والوص ال ‪ ،‬م رتين ‪ ،‬قي ل‪ :‬إنك تواصل ق ال ‪" :‬إني‬
‫أبيت يطعمني ربي ويسقيني ‪ .‬فاكلفوا من األعمال ما تطيقون" (‪. )29‬‬
‫ف اللّ هُ َن ْف ًس ا ِإالَّ ُو ْس َعهَا } (البق رة‪)286 :‬‬
‫والحقيقة أن اإلنس ان يجب أن ي درك طاقته وال يكلف نفسه إال على ق در وس عه لقوله تع الى‪{:‬الَ ُي َكلِّ ُ‬
‫وهذا يقتضي المرونة في التعامل مع المواقف بما يحقق الهدف دون أن يذل اإلنسان نفسه بأن يحملها ما ال تطيق ثم يتضاعف عنده الشعور‬
‫بع دم الثقة في النفس في نهاية األمر ‪ ،‬ول ذا هن اك رواية لمس لم في نفس الب اب يق ول الن بي ‪ "‬لو تم ادى لي الش هر لواص لت وص االً ب دع‬
‫المتعمق ون تعمقهم" (‪ ،)30‬يريد النبي ‪ ‬أن يعود هؤالء الغالة إلى الواقع‪ ،‬وأال يبالغوا في تقدير طاقاتهم أو إمكاناتهم ‪ ،‬وأن يتعاملوا مع دين‬
‫اهلل تعالى بنفس درجات التيسير التي وردت به دون تعمق أو مغاالة‪.‬‬
‫جـ‪ -‬إذا تحققت ه ذه المرونة لم ير واحد لنفسه فضال على غ يره ألن اهلل تع الى هو أعلم بمن اتقى؛ ول ذا ي روي اإلم ام مس لم بس نده عن أبي‬
‫س عيد الخ دري أنه ق ال ‪" :‬غزونا مع رسول اهلل ‪ ‬لست عشرة مضت من رمضان ‪ ،‬فمنا من ص ام ‪ ،‬ومنا من أفطر ‪ ،‬فلم يعب الص ائم على‬
‫(‪.)31‬‬
‫المفطر ‪ ،‬وال المفطر على الصائم"‬
‫د‪ -‬ال شك أيض اً أن عقلية المس لم تك ون في غاية المرونة وهو يق رأ من أحك ام الص يام أن كل ما دخل الج وف مما يس تحيل التح رز منه ال‬
‫يفطر مثل رائحة ال دخان أو الطيب أو الم اء ال ذي يس بق إلى الج وف عند المضمضة مع ع دم المبالغة وما دخل عن طريق المس امع عند‬
‫ني بغ ير ش هوة فص ومه ص حيح ‪ ،‬ومن ذرعه القيء فال شئ عليه ‪ ،‬ومن أكل أو ش رب ناس ياً فليتم‬
‫العطس أو االس تحمام ومن خ رج منه م ٌ‬
‫صومه ‪ ،‬والقطر في العين لرمد ال يفطر الصائم‪ ،‬والحقن للتداوي ال تفطر ‪ ،‬هذه األحكام وأمثالها تصوغ العقل المسلم صياغة رائعة مرنة‬
‫قوية ‪ ،‬يضع الحدود ويقدر األعذار ويراعي الظروف واألحوال التي تخرج من طاقة كل إنسان فيقدرها بقدرها ‪.‬‬

‫رابعاً‪ -:‬أثر الصيام في إصالح الجسد ‪-:‬‬

‫قويا صلباً متماسكاً ينهض بالتكاليف ‪ ،‬ويخطو إلى اإلنتاج ‪ ،‬ويصلح للجهاد في سبيل‬
‫يحرص اإلسالم على بناء جسد المسلم أو المسلمة بناء ً‬
‫اهلل ‪ ،‬ويتقدم في شجاعة وبسالة نحو مجد أمته يحتمل الصعاب ‪ ،‬ويتغلب على قلة الزاد‪ ،‬وضعف المؤنة ألنه تدرب في مدرسة الصيام على‬
‫ذلك ‪ ،‬وتبدو أهم آثار الصيام في إصالح الجسد فيما يلي ‪-:‬‬

‫‪ ) (28‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب الصيام ‪ -‬باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به ـ ـ (رقم‪.)1159 :‬‬
‫‪ ) (29‬صحيح البخاري – كتاب الصومـ – باب التنكيل بمن أكثر الصيام (رقم ‪ ، )919660‬رواه مسلم – كتاب الصيام باب النهي عن الوصال في‬
‫الصوم ( ‪.) 445 / 1‬‬
‫‪ ) (30‬صحيح مسلم ‪ -‬كتاب الصيام ‪ -‬باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوت به ـ‪( .‬رقم‪. ) 1104 :‬‬
‫‪ ) (31‬صحيح مسلم – كتاب الصيام – باب جواز الفطر والصومـ في شهر رمضان للمسافر ( ‪. ) 453 / 1‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ -1‬جاء في الحديث عن النبي ‪ ‬قال ‪ " :‬صوموا تصحوا " (‪ .)32‬فالصوم صحة للجسد وقوة للبناء وفيه تعويد على خشونة العيش ‪ ،‬والحق‬
‫ويمرض جسده ‪ ،‬لكن الصيام يعطي للمعدة هدنة مؤقتة تعود إلى نشاطها مع المغرب فتكون الفائدة من‬
‫أن اإلنسان إذا لم يصم ُيرهق معدته ُ‬
‫فريق من الباحثين المسلمين ببحث علمي تجريبي انتهى إلى أن الصيام يزيد الصحة ‪ ،‬ويقوي جهاز المناعة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أتم وأوفى ‪ ،‬وقد قام‬
‫الطعام ّ‬
‫وقاموا بإجراء التجارب على الصائمين قبل الصيام وأثناءه وبعده وذلك في مدينة بنما سيتي والية فلوريدا بأمريكا ‪ ،‬وانتهوا في أبحاثهم‬
‫التي أجروها على أكثر من مائة حالة أن الصيام بالفعل يقوي جهاز المناعة الذي يقاوم بأمر اهلل تعالى كل األمراض التي يتعرض لها جسم‬
‫اإلنسان دائماً ‪ ،‬وهذا عكس ما يتصوره بعض عوام المسلمين أن الصيام يضعف الجسم وينهك الجسد‪.‬‬
‫‪ -2‬اس تحباب الس حور والحث عليه ح تى إن الن بي ‪ ‬ق ال ‪":‬السحور أكلة بركة ‪ ،‬فال ت دعوه ولم يج رع أن أح دكم جرعة من م اء ‪ ،‬ف إن اهلل‬
‫ويسن‬
‫ه ذا ي بين مدي ح رص اإلس الم على الص ائم أال يط ول عهده بالطع ام‪ُ ،‬‬ ‫" (‪.)33‬‬
‫ومالئكته يص لون على المتس حرين وهو الغ ذاء المب ارك‬
‫ت أخيره كما يُسن تعجيل الفطر على التمر أو ش ربة م اء حرص اً على ع ودة الجسد إلى حيويته ونض ارته‪ ،‬ويس ترد كامل قوته ‪ ،‬ولعل من‬
‫أعظم التخفيف أن يب اح الأكل والش رب من أول الليل ح تى مطلع الفجر ‪ ،‬ومن هنا نلحظ ه ذا الت وازن بين مط الب الجسد ومط الب ال روح‪،‬‬
‫ف إذا ك انت النفس تهفو إلى الوق وف بين ي دي اهلل تع الى في ص الة المغ رب‪ ،‬ف إن الس نة النبوية ت دعوه إلى إعط اء حق الجسد من الفطر على‬
‫التمر والماء بهما معا ‪ ،‬ثم يصلي فيعطي معدته فرصتها بالتدرج في العودة إلى طبيعتها‪ ،‬وبعد الصالة يع ود إلى طعامه فيأكل ما يسد رمقه‪،‬‬
‫ويقيم أوده ‪ ،‬وال يبالغ حتى يرهق معدته بعد صفائها ‪ ،‬ولذلك يذكر صاحب المستخلص أن كثرة الطعام بعد الصيام يزيد اإلنسان شراهة ‪،‬‬
‫اضطرابا ‪ ،‬عما لو أكل نفس الكمية دون صيام فترة طويلة من الوقت (‪. )34‬‬
‫ً‬ ‫تعبا والبطن‬
‫والمعدة ً‬
‫ومن هنا تبدو آثار الصيام ثم االقتصاد في الطعام والتدرج في تناوله فيزداد الجسد قوة وحيوية ‪.‬‬
‫‪ -3‬من أجل هذا عنون البخاري في صحيحه لباب من أبوابه باب حق الجسم في الصوم " وأورد حديثاً لعبد اهلل بن عمرو الذي أراد أن يقوم‬
‫الليل كله ويص وم ال دهر كله ولكن الن بي ‪ ‬عاد به إلى حالة االعت دال وقال له ‪ " :‬صم وأفطر ‪ ،‬وقم ونم ف إن لجس دك عليك حق اً وإ ن لعينيك‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)35‬‬
‫عليك حقاً ‪ ،‬وإ ن لزوجك عليك حقاً ‪ ،‬وإ ن لزورك عليك حقاً ‪"....‬‬
‫هنا نجد الن بي ‪ ‬يؤكد على حق الجسم عامة ‪ ،‬وحق العي نين خاصة ‪ ،‬فهل نجد في أي تش ريع حولنا تش ريعا ينص على حق العين على‬
‫صاحبها ‪ ،‬أو حق الجسد على صاحبه ‪.‬‬
‫‪ -4‬تحريم الوصال في اإلسالم وهو صيام الدهر ألن هذا يضعف الجسد والنبي ‪ ‬يقول ذلك في صراحة تعود باإلنسان إلى حد االعتدال في‬
‫التعبد هلل تعالى حيث يق ول لعبد اهلل بن عم رو أيض اً ‪ ":‬إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل ‪ ،‬فقلت نعم ‪ ،‬ق ال ‪ :‬إنك إن فعلت ذلك هجمت له العين‬
‫‪.‬‬ ‫" (‪)36‬‬
‫‪ ،‬ونفهت له النفس ‪ ،‬ال صام من صام الدهر ‪...‬‬
‫وتكل من العبادة‬
‫ّ‬ ‫فالنبي صلى اهلل عليه وسلم يخشى على كل مسلم أن تهجم العين إلى الداخل من طول القيام وكثرة الصيام ‪ ،‬ثم تتعب النفس‬
‫‪ ،‬وهو معنى قوله صلى اهلل عليه وسلم هجمت له العين ‪ ،‬ونفهت له النفس ‪ ،‬فهذا يدل على الحرص البالغ على صحة الجسد وبخاصة العين‬
‫‪.‬‬
‫‪ -5‬وقد راعى النبي ‪ ‬ذلك في نفوس أصحابه وفي هذا يروي ابن ماجه بسنده عن أبي مجيبة الباهلي عن أبيه أو عن عمه قال ‪ :‬أتيت الن بي‬
‫ص لي اهلل عليه وس لم فقلت ‪":‬يا ن بي اهلل أنا الرجل ال ذي أتيتك ع ام األول ‪ .‬ق ال ‪ :‬فم الي أرى جس مك ن احالً ‪ .‬ق ال ‪ :‬يا رس ول اهلل ما أكلت‬
‫(‪)37‬‬
‫تعذب نفسك ‪"....‬‬
‫طعاماً بالنهار ‪ ،‬ما أكلته إال بالليل فقال ‪ : ‬من أمرك أن ّ‬

‫‪ ) (32‬إ حياء علوم الدين للغزالي ‪ ،‬تخريج الحافظـ العراقي ‪. )3/108( ،‬‬
‫‪ ) (33‬مسند أحمد ‪ -‬مسند أبي سعيد الخدري رضي هللا تعالى عنه ‪ -‬مسند أبي سعيد الخدري رضي هللا تعالى عنه (رقم‪.)10702 :‬‬
‫‪ ) (34‬المستخلص ص ( ‪. ) 63‬‬
‫‪ ) (35‬صحيح البخاري – كتاب الصومـ – باب حق الجسم في الصوم (رقم ‪. ) 1975‬‬
‫‪ ) (36‬صحيح البخاري – كتاب الصومـ – باب صوم داود عليه السالم (رقم ‪. ) 1979‬‬
‫‪ ) (37‬سنن ابن ماجه – كتاب الصوم – باب صيام أشهر الحرم (رقم ‪. ) 1741 :‬‬

‫‪18‬‬
‫يشاد اإلنسان هذا الدين فيغلبه‪ ،‬بل يأخذ‬
‫هكذا يرد النبي ‪ ‬هؤالء المتعمقين المتشددين المغالين إلى سماحة اإلسالم ويسره‪ ،‬فال يصح أن ّ‬
‫بعزائم األمور ورخص الشريعة دون تحلل من التكاليف أو إزهاق للروح وإ رهاق للجسد بالزيادة منها‪.‬‬
‫‪ -6‬تخفيف الصيام في رمضان عن المسافر ويقضيه بعد ذلك حتى ال تجتمع على جسده مشقة عناء السفر وآالم الجوع والعطش ‪،‬‬
‫وتخفيف الصيام عن المجاهد حتى يفرغ للجهاد‪ ،‬ويقوى على النزال ‪ ،‬وتخفيفه عن الحامل والمرضع حتى ال يجتمع على الجسد بذل‬
‫خالصة الجسم للجنين أو الوليد ‪ ،‬وحرارة الجوع والعطش ‪ ،‬والفطر للحائض حتى ال تجتمع عليها آالم الطمث ‪ ،‬ونزول الدم ‪ ،‬مع آالم‬
‫الجوع ‪ ،‬أما المريض المزمن والشيخ الهرم فقد راعى اإلسالم حاجة الجسد لديهما إلى الغذاء والسقاء والدواء بشكل متتابع فوضع عنهما‬
‫الصيام وأحل مكانه الفدية ‪.‬‬
‫ه ذا ي دل على مدى مراع اة اإلس الم لق وة الب دن وحيوية الجسم في كل الظ روف ال تي يمر بها أي مس لم أو مس لمة ‪ .‬وه ذه بعض اآلث ار‬
‫والمقاصد ال تي تض منها تش ريع الص يام ال ذي يص نع اإلنس ان يحمل ص بغة اهلل في روحه وخلقه وعقله وبدن ه‪ .‬ون أتي إلى ال برامج العملية‬
‫لتحقيق اللجام الرباني والمقصد اإللهي من الصيام ‪.‬‬

‫هن اك وس ائل عشرة أرجو أن نعاهد اهلل عليها‪ ،‬وال تخشى أخى وأختي في اهلل تع الى من الب دء فى لبس اللج ام الرب اني ف إن اهلل س يعيننا‪ ،‬أال‬
‫نرى الكثير يلبس سنوات معادن على أسنانه إلعادة تقويمها وتحسين شكلها ‪ ،‬فهل يليق بالمسلم أو المسلمة أن يستنكف اللجام الرباني الذي‬
‫يعود عليه بخيري الدنيا واآلخرة ؟!!‬
‫في داخلنا بال شك فط ره تحب ه ذه ال برامج العش رة إذا أزلنا ص دأ المعاصي بالتوبة النص وح ‪ ،‬وجاه دنا أنفس نا في لُبس اللج ام الرب اني‬
‫‪،‬منتظ رين دائم اً ع ون اهلل سبحانه وتع الى ففي أعماقنا ق وة داخلي ة نحت اج إلى استثمارها ‪ ،‬كما ن رى كثيراً جداً من المدخنين‪ ،‬بل من الذين‬
‫يسكرون يمتنعون ويتوقفون في رمضان ‪ ،‬معناه فيهم خير‪ ،‬وفيك خير‪ ،‬في نا قوة تستطيع أن تمتنع عن الحرام‪ .‬ومن األمثلة الحية على ذلك‬
‫قصة ك انت في مكة المكرمة عن دما ركبت" تاكسي " ووج دت الس ائق ي دخن‪ ،‬فقلت له أخي الك ريم ‪ :‬أرجو مش كوراً م أجورا أن ت ؤخر‬
‫كنت مش كوراً وب أدب لطيف منك‬
‫الت دخين لأني أت أثر ص حيا جداً وقلبي ال يس تطيع أن يتحمل الت دخين‪ ،‬ق ال‪ :‬نعم‪ ،‬بكل س رور‪ ،‬فقلت له‪ :‬إذا َ‬
‫ت ركت الت دخين من أجلي بعض ال وقت ؛ أفال تتركه هلل كل ال وقت! واهلل ما اس تمر الح ديث عشر دق ائق ح تى وص لنا ف إذا ب األخ يضع علبة‬
‫نفس س يجاره تمنعك من‬
‫السجائر تحت قدميه‪ ،‬ويقول‪ :‬واهلل ال أشربها إلى يوم القيامة‪ ،‬قلت له‪ :‬أنت إنسان فيك خير وتحب اهلل‪ ،‬تخيل أن كل َ‬
‫تس بيحة‪ ،‬والتس بيحة ت زرع لك ش جرة في الجنة‪ ،‬والغ راس كب ير وظليل كما ج اء فى الح ديث عن س هل بن س عد عن رس ول اهلل ص لى اهلل‬
‫عليه وس لم ق ال ‪" :‬إن في الجنة لش جرة يس ير ال راكب الج واد المض مر الس ريع مائة ع ام ما يقطعها" (‪ ،)38‬كل نفَس في الت دخين تش ربه‬
‫نفس ‪ ،‬وفوق هذا كم من أموال‬
‫تضيع تسبيحه‪ ،‬تضيع شجرة في الجنة‪ ،‬سبحان اهلل وبحمده غراس الجنة‪ ،‬كل مرة تغرس شجرة في الجنة‪َ ،‬‬
‫أبي دت في الح رام ‪ ،‬وفي أم ور غ ير نافعة‪ ،‬ثم رائحة كريهة لمن تتعامل معه‪ ،‬ثم آث ار كريهة لألطف ال فل ذات أكب ادك أنت أول من تض رهم‬
‫ب أمراض خط يرة ج داً‪ ،‬س رطان الم ريء‪ ،‬الكبد‪ ،‬ويمكن أن يق ال "ه ذا عنده ع ادة"‪ ،‬والحق أن أفضل ع ادة أن ال تك ون لك ع ادة‪ .‬واآلن‬
‫نستعرض الجوانب العملية العشر التي تساعد على تهذيب الشهوات األربع وغيرها من األهواء الفتاكة بكرامة اإلنسان‪.‬‬

‫البرنامج األول‪ :‬اإلخالص‪-:‬‬

‫اإلخالص أن تح ول الع ادة إلى عب ادة خالصة هلل تع الى فع ادة الطعام والشراب‪ ،‬تك ون عب اده هلل عز وجل‪ ،‬نأكل هلل عند الغ روب ونمتنع عن‬
‫الطع ام هلل عند الفجر ‪ ،‬بعض المس لمين يص ومون ألن رمض ان أتى‪ ،‬وهيئة اإلفت اء أعلنت أن رمض ان غ داً‪ ،‬ونحن نص وم مع الن اس‪ ،‬لكن‬

‫‪ ) (38‬صحيح البخاري ‪ -‬كتاب الرقاق ‪ -‬باب صفة الجنة والنار وقال أبو سعيد قال النبي ـ ـ (رقم‪.)6186 :‬‬

‫‪19‬‬
‫األصل أن نص وم ل رب الن اس‪ ،‬لما ذك ره الن بي ‪ ‬فيما يرويه عن ربه‪" :‬الص وم لي وأنا أج زي به" (‪ ،)39‬ال تجعلها ع ادة أن تص وم‪ ،‬ألن كل‬
‫األح اديث في البخ اري ومس لم "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تق دم من ذنبه"‪" ،‬من ق ام رمض ان إيمان اً واحتس اباً غفر له ما‬
‫إذن اإلخالص‬ ‫(‪،)40‬‬
‫تق دم من ذنبه"‪" ،‬من ق ام ليلة الق در إيمان اً واحتس اباً غفر له ما تق دم من ذنبه"‪ ،‬كل مرة توجد عب ارة "إيمان اً واحتس اباُ"‬
‫يجعلك ال تص وم ع ادة وإ نما زلفى وق ربى وتوسل هلل تب ارك وتع الى ال ذي يحبنا‪ ،‬ويعلم أننا نخطئ فيق ول لنا أعطيت لكم فرصة الص يام‬
‫لتع ودوا إلى أتقي اء أنقي اء أص فياء‪ ،‬وليس فقط ص فاء من ال ذنوب وإ نما ارتق اء في الحس نات‪ ،‬جب ال من الحس نات تنتظرنا إن ك ان اإلخالص‬
‫سرا م دفوناً في قلوبنا ي دفعنا إلى العمل هلل عز وجل‪ ،‬اإلخالص ه ذا سر يقذفه اهلل في قلب من يش اء من أحب من عب ادة فيجعل العمل القليل‬
‫تسعر بهم النار ليسوا الظلمة‪ ،‬ليسوا الفسقة‪ ،‬ليسوا الزناة‪ ،‬ليسوا‬
‫جداً كبيراً جداً‪ ،‬أما العمل الكبير بال إخالص فال فائدة منه؛ تخيل أن أول من َ‬
‫أص حاب المخ درات‪ ،‬ليسوا ال ذين يقتل ون الن اس بغ ير الحق‪ ،‬وإ نما ثالثة‪ :‬رجل أنفق ليق ال‪ :‬ج واد‪ ،‬و رجل قاتل ليق ال ‪:‬ش جاع ‪ ،‬وع الم علّم‬
‫ومن هنا البد من اإلخالص عنوان ا لكل‬ ‫(‪.)41‬‬
‫عالم‪ ،‬هؤالء المراؤون أول من تسعر بهم النار‪ ،‬كما جاء في األحاديث الصحيحة‬
‫العلم ليقال‪ِ :‬‬
‫عمل‪.‬‬

‫البرنامج الثاني‪ :‬االقتصاد في الطعام والشراب ‪-:‬‬

‫ه ذا مفت اح مهم ج داً ألن من الممكن أن يك ون عن دك إخالص وال تأخذ ق رارا باالقتص اد في الس حور والفط ور‪ ،‬ومن رحم ات اهلل أن الن بي‬
‫ص لى اهلل عليه وس لم ق ال‪" :‬الس حور أكله بركة ‪ ،‬فال ت دعوه و لو أن يج رع أح دكم جرعة م اء ‪ ،‬ف إن اهلل و مالئكته يص لون على‬
‫المتس حرين" (‪ ،)42‬كي نطعم قلوبنا وجبة من الرحمة‪ ،‬من السعادة‪ ،‬من االنشراح‪ ،‬عندما نقوم في السحر نطعم أجس ادنا‪ ،‬لكن اهلل يطعمن ا في‬
‫قلوبنا وفي عقولنا ن وراً ورحمة ف إن اهلل ومالئكته يص لون على المتس حرين‪ ،‬واألصل أن يستحضر ك ٌّل منا ه ذا المع نى وال يملأ بطنه عند‬
‫السحور اعتقاداً بأن اليوم طويل‪ ،‬والعمل كثير‪ ،‬واإلجهاد شديد‪ ،‬استعن باهلل وال تعجز‪ ،‬هي مسألة تحتاج إلى عزم وإرادة‪ ،‬وفيك هذه اإلرادة‬
‫ج رب مرة واس تطعم ه ذه الخفة في جس دك‪ ،‬وس تجد أنك ص رت نش يطاً إلى ص الة الفجر في المس جد‪،‬‬
‫أن تق وم عن الطع ام قبل أن تش بع‪ِ ،‬‬
‫عجلت الفطر‪ ،‬ص ليت المغ رب ثم أكلت بعد ذلك دون أن تمتلئ‪ ،‬ت ذهب لص الة ال تراويح بخش وع وخض وع هلل‬
‫ص رت نش يطاً إذا أفط رت‪َ ،‬‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬تستلذ معاني القرآن‪ ،‬تستشعر كل آية تقرأ من كتاب اهلل عز وجل‪ ،‬لكن البطنة تذهب الفطنة‪ ،‬الدم الذي يجب أن يطلع للعقل‬
‫ي نزل إلى البطن ليهضم فال يق وى على قي ام وال على ق رآن وال على ش يء‪ ،‬فه ذا مفت اح ض روري ج داً تعاهد اهلل عليه‪ ،‬هن اك مس لمون ك ثر‬
‫يقول ون نحن نص وم وال نج وع ‪ ،‬وه ذا من الش ره ال ذي أص ابوه قبل الفجر وبعد المغ رب‪ .‬الن اس ؛ المحالت ممتلئة ب أنواع جدي دة وعدي دة‬
‫ومكس رات وأن واع ال تظهر إال في رمض ان! أق ول يا إخ واني إن الص يام يجعل اإلنس ان يحس ب آالم الفق راء آالم الج وعى‪ ،‬آالم المحت اجين‪،‬‬
‫نجوع يوماً فنذكر ربنا‪ ،‬ونشبع يوماً فنشكر ربنا‪ ،‬الذكر والشكر مطلوبان لكن اإلنسان يمتلئ ويفخر أنه ال يجوع طوال اليوم‪" .‬فمن أكثر من‬
‫اإلفطار بعد صيام طويل كمن بنى قصراً وهدم مصراً"‪ ،‬بنى قصرا وهدم بلدا بالكامل‪ ،‬بنيت قصراً طوال اليوم وتأتي المغرب وتري المائدة‬
‫مليئة فتهجم‪ ،‬اب دأ بتم رة‪،‬أو ش ربة م اء أو لبن ‪،‬ألن الن بي ‪ ‬يق ول‪" :‬من وجد تم را‪ ،‬فليفطر علي ه‪ ،‬ومن ال يجد فليفطر على الم اء‪ ،‬فإنه‬
‫طه ور" (‪ ،)43‬وه ذه م ادة س كرية تصل بس رعة إلى العين‪ ،‬وتعطى المخ إش ارة ب أن الس كريات الموج ودة في التمر كافية وخالي ة من ال دهون‬
‫وت ذهب إلى العقل تعطي إش ارة أن اإلنس ان أخذ قس طا كب يرا لم يعد جوع ان كما ك ان‪ ،‬ثم تص لي المغ رب و تع ود‪ ،‬تك ون المع دة قد هض مت‬

‫‪ )(39‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ )(40‬سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫() مستدرك الحاكم ‪ -‬كتاب العلم ‪ -‬كتاب العلم ‪( ,‬رقم‪.)365 :‬‬
‫‪ )(42‬مسند أحمد ‪ -‬مسند أبي سعيد الخدري رضي هللا تعالى عنه ‪ -‬مسند أبي سعيد الخدري رضي هللا تعالى عنه (رقم‪.)11003 :‬‬
‫‪ )(43‬صحيح ابن حبان ‪ -‬كتاب الصوم ‪ -‬باب اإلفطار وتعجيلهـ (رقم‪.)3514 :‬‬

‫‪20‬‬
‫التمرة مع جرعة الماء‪ ،‬ويرجى أن يتحقق ما جاء في الحديث "ذهب الظمأ وابتلت الع روق وثبت األجر إن ش اء اهلل" (‪ ،)44‬وليس كهذا الذي‬
‫َِّ‬
‫ون َك َما‬ ‫ين َكفَ ُروا َيتَ َمتَّ ُع َ‬
‫ون َوَي ْأ ُكلُ َ‬ ‫يرى أن الحياة شراب وطعام ولهو ومنام فإذا لم تنلها فعلى الدنيا السالم! ال! اهلل سبحانه وتعالى يقول‪َ { :‬والذ َ‬
‫الن ُار َمثْ ًوى لَّهُ ْم} (محم د‪ ،)12 :‬ولس نا ك ذلك نحن آدمي ون و نحن مس لمونلنا ص بغة خاصة كما ق ال ربنا س بحانه وتع الى‪:‬‬ ‫ام َو َّ‬‫تَْأ ُك ُل اأْل َْن َع ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫صْب َغةَ اللّ ِه َو َم ْن أ ْ‬
‫{ ِ‬
‫دون} (البقرة‪.)138 :‬‬‫َح َس ُن م َن اللّه ص ْب َغةً َوَن ْح ُن لَهُ َعابِ َ‬

‫البرنامج الثالث‪ :‬قراءة القرآن‪-:‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ما كُ رم شهر رمضان إال من أجل الق رآن‪،‬ق ال تع الى { َش هر رمض َِّ‬
‫آن} (البقرة‪ :‬من اآلية‪،)185‬وروى البهقي وأحمد‬‫ي أُن ِز َل فيه اْلقُ ْر ُ‬
‫ان الذ َ‬
‫ُْ َ َ َ َ‬
‫والحاكم بسندهم عن عبد اهلل بن عمرو رضي اهلل عنهما ‪ ( :‬أن رس ول اهلل ‪ ‬ق ال ‪ :‬الصيام و القرآن يشفعان للعبد يق ول الص يام ‪ :‬رب‬
‫(‪.)45‬‬
‫إني منعته الطعام و الشهوات بالنهار فشفعني فيه و يقول القرآن ‪ :‬منعته النوم بالليل فيشفعان)‪.‬‬
‫لو اقتص دنا في الطع ام‪،‬نس مع الق رآن غض اً طري اً كما أن زل‪ ،‬ن ذهب إلى ال بيت ونمسك بالمص حف‪ ،‬أريد من كل أخ وكل أخت أن يمسك‬
‫الق رآن ويع زم أن يختم الق رآن مرة في رمض ان إذا كنت تق ود الس يارة إلى عمل في مك ان بعيد ضع ش ريطاً في الس يارة واس تمع بإنص ات‪:‬‬
‫ون} (األع راف‪ ،)204 :‬مهم جداً أن تختم الق رآن في رمضان كما ك ان يفعل النبي ‪‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫{وإِ َذا قُ ِرئ اْلقُ رآن فَ ِ‬
‫اس تَم ُعوْا لَ هُ َوأَنص تُوْا لَ َعل ُك ْم تُْر َح ُم َ‬ ‫َ ْ ُ ْ‬ ‫َ‬
‫كان جبريل يراجعه الق رآن في كل عام‪ ،‬ال بد أن نسعى لهذا ألقصى ما نستطيع ألن الق رآن حقيقة هذا الن ور الذي بغيره ال نستطيع إال أن‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ون} (األنعام‪ ،)26 :‬وقد كان أحد الصحابة يقول‪:‬‬ ‫ون ِإال أَنفُ َسهُ ْم َو َما َي ْش ُع ُر َ‬
‫نكون أشقياء لقوله تعالى‪َ { :‬و ُه ْم َي ْنهَ ْو َن َع ْنهُ َوَي ْنأ َْو َن َع ْنهُ َوإِ ن ُي ْهل ُك َ‬
‫لي ختم ة كل أس بوع‪ ،‬وختم ة كل ش هر‪ ،‬وختم ة كل سنة‪ ،‬وختم ة ب دأتها منذ عش رين عام اً لم أنته منها إلى اآلن‪ .‬الي وم أريد من كل أخ وهو‬
‫يق رأ ورده الق رآني بالليل أو بعد الفجر أن يلتقط آية انفعلت بها مش اعره‪ ،‬ونبض لها قلب ه‪ ،‬والتفت إليها عقل ه‪ ،‬يرددها ط وال الي وم‪ ،‬يعيش‬
‫معها‪ ،‬ستصنعه من جديد‪ ،‬ستغير كثيراً جداً من العادات المركوزة في النفس‪ .‬ستنقل اإلنسان من األنشغال بأشياء تافهة حقيرة‪ ،‬إلى معالي‬
‫األمور‪" ,‬إن اهلل جميل يحب الجم ال ‪ ،‬ويحب مع الي األم ور ‪ ،‬ويك ره سفس افها" (‪ ،)46‬أريد أن نرتاد مقارئ القرآن بالمساجد‪ ،‬ونتعلم الترتيل‬
‫آن } (النمل‪ :‬من اآليتين‪ ، )92 ، 91‬والتالوة‬ ‫ِِ‬ ‫َن أَ ُك ِ‬ ‫{ورتِّ ِل اْلقُ رآن تَ رتِياًل } (‪ )4‬سورة المزمل‪{ ،‬وأ ِ‬
‫َن أ َْتلُ َو اْلقُ ْر َ‬
‫ين* َوأ ْ‬
‫ون م َن اْل ُم ْس لم َ‬
‫َ‬ ‫ت أْ‬
‫ُم ْر ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ََ‬
‫قراءة بنغم حتى تمتع العينين والقلب والعقل والوجدان فيتحول القرآن إلى جزء من كيانك جزء من حياتك ال تستطيع أن تأكل يوما ثم تهجر‬
‫الق رآن‪ ،‬ال تس تطيع أن تمتد بك األي ام دون أن تختم الق رآن من أوله إلى آخ ره‪ ،‬ح االً على أوله م رتحالً إلى آخ ره‪ ،‬ق راءة أواس تماعاًُ أو هما‬
‫معاً‪ ،‬ثم تدبر بالعقل‪ ،‬وتأثر بالقلب وتغير بالنفس في رمضان شهر القرآن‪.‬‬

‫البرنامج الرابع‪ :‬القيام‪-:‬‬

‫ال تعط موعداً وقت صالة التراويح حرره هلل تعالى ‪ ،‬واجعل موعدك مع اهلل في القيام في رمضان موعداً ثابت اً‪ ،‬هل هناك أحد عنده امتحان‬
‫يعطي موع داً في وقت االمتح ان؟‪ ،‬لم يح دث أح داً عن ده مقابل ة مع ش خص مس ئول أعطى موعدا آخر في نفس ال وقت‪ ،‬لم يح دث نحن في‬
‫موعد مع اهلل كل صالة ‪ ،‬وبخاصة صالة القيام ألن فيه أحاديث خاصة في الصحيحين "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من‬

‫‪ )(44‬مستدرك الحاكم ‪ -‬كتاب الصوم ‪ -‬كتاب الصوم (رقم‪.)1536 :‬‬


‫‪ )(45‬مستدرك الحاكم ‪ -‬كتاب فضائل القرآن ‪ -‬أخبار في فضائل القرآن جملة (رقم‪.)2036 :‬‬
‫‪46‬‬
‫() السلسلةـ الصحيحة ‪  - ‬لأللباني ( ‪.)1627‬‬

‫‪21‬‬
‫ذنبه وما ت أخر" (‪ )47‬و تخيل لو ص لينا ‪ 30‬ركعة كل ي وم ‪ 17‬فريضة‪ ،‬و‪ 13‬ركعة نافلة في ش هر من الش هور العادية تأخذ ث واب ‪300‬‬
‫كم هائل من الحسنات يفوتنا لو تركنا التراويح !!!‬
‫ركعة‪ ،‬إال في شهر رمضان تضاعف سبعين ضعفاً ‪ ،‬هذا ّ‬
‫قل لي يا أخي‪ :‬هل جلوسك أم ام التلف از أو جلوسك مع األص حاب أو في المق اهي أو في الس يارات أو في غيرها يمكن أن تن ال مثل ه ذا‬
‫صلها في البيت مع‬
‫األجر الوفير الكثير؟‪ ،‬يا أخي الكريم أوقف حياتك في هذه األوقات هلل تعالى‪ ،‬وإذا كنت مشغوالً في وقت صالة التراويح ِ‬
‫األهل‪ ،‬أو ص لها وح دك لكن ال تتركها تفوتك أب داً ‪ ،‬فهي غنيمة ب اردة غنيمة كب يرة تص نع في الف ؤاد ق وة هائلة ج داً‪ ،‬ه ذه هي ال تي تع الج‬
‫الشهوات األربع بعضها مع البعض تجعل اإلنسان يصعد في هذه النواحي األربعة معاً‪.‬‬

‫البرنامج الخامس‪ :‬األذكار‪-:‬‬

‫روى اإلم ام مس لم فى ص حيحه أن الن بي ‪ ‬ق ال‪" :‬س بق المف ردون‪ ،‬قلنا‪ :‬ومن المف ردون يا رس ول اهلل؟‪ ،‬ق ال‪ :‬ال ذاكرون اهلل كث يراً‬
‫‪ ،‬وش هر رمض ان فرص ة عظيمةلألذكار والحس نات‪ ،‬كما ق ال ‪ " : ‬اس تكثروا فيه من أربعة خص ال خص لتان ترض ون بهما‬ ‫"‪48‬‬
‫وال ذاكرات‬
‫ربكم‪ ،‬وخص لتان ال غن اء لكم عنهما‪ ،‬أما الل تين ترض ون بهما ربكم ال إله إال اهلل وتس تغفرونه‪ ،‬وأما اللت ان ال غ نى لكم عنهما فتس ألونه‬
‫الجنة وتس تعيذون به من الن ار"‪ ، 49‬األذك ارأنهر متدفقة من الخ ير‪ ،‬من ذلك الح ديث‪" :‬من ق ال حين يص بح وحين يمسي رض يت باهلل ربا‬
‫وباإلسالم ديناً وبس يدنا محمد ‪ ‬وس لم نبي اً ورس وال ‪،‬ك ان حق على اهلل أن يرض يه‪ "50‬ماذا تريد أكثر من رضا ربنا سبحانه وتعالى ‪،‬وهذه‬
‫التس تغرق أك ثر من‪ 5‬ث وان ؟؟! والح ديث "كلمت ان خفيفت ان على اللس ان ثقيلت ان في الم يزان حبيبت ان إلى ال رحمن س بحان اهلل وبحم ده‬
‫سبحان اهلل العظيم"‪ 51‬كم هائل جداً من الحسنات‪ .‬في صحيح مسلم‪" :52‬أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حس نة فس أله س ائل من جلس ائه‬
‫كيف يكسب أح دنا ألف حس نة ق ال يس بح مائة تس بيحة فيكتب له ألف حس نة أو يحط عنه ألف خطيئة "‪ ،‬ك نز أمامك اغ ترف منه ما ش ئت‪،‬‬
‫حاول أن تعمل لنفسك أوراد‪ ،‬تخيل وأنت خارج من باب بيتك حتى تشغل السيارة أو تمشي لمحطة األتوبيس أو تتنقل بين مكتب وآخر من‬
‫الممكن أنك تأخذ كنوزاً في الجنة ال حصر لها ترتفع مئات الدرجات عند اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وفي موطأ مالك‪" 53‬أفضل ما قلته أنا والنب يين‬
‫من قبلي ال إله إال اهلل" والحديث أيضا في البخاري ومسلم‪ ،‬كيف تفوتنا هذه الغنائم الكثيرة ونجلس نتحدث في أسعار لغو ال فائدة منه‪ ،‬واهلل‬
‫صالَ ٍح َب ْي َن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تعالى يقول {الَّ َخ ْي َر ِفي َك ِث ٍ‬
‫ير ِّمن َّن ْجو ُ ِ َّ‬
‫اس} (النساء ‪ ، )114 :‬كيف نعالج شهوة الكالم‬ ‫الن ِ‬ ‫ص َدقَة أ َْو َم ْع ُروف أ َْو إِ ْ‬
‫َم َر ِب َ‬
‫اه ْم إال َم ْن أ َ‬ ‫َ‬
‫فكر‪ ،‬ونظرك عبراً‪ ،‬كما قال صلى اهلل عليه وسلم فتغنم خيري الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫؟ الجواب ‪ :‬اجتهد أن تجعل كالمك ذكراً‪ ،‬وصمتك ً‬

‫البرنامج السادس‪ :‬الدعاء‪-:‬‬

‫ك ِعَب ِادي َعنِّي فَ ِإنِّي قَ ِر ٌ‬


‫يب} (البقرة ‪ ،)186:‬كلمة قل الموجودة في كل اآليات المماثلة‬ ‫قال اهلل سبحانه وتعالى في آيات الصيام ‪َ { :‬وإِ َذا َس أَلَ َ‬
‫غير موجودة هنا ليقول لنا ربنا أنا قريب جداً إليك‪ ،‬عندما ترفع التليفون تطلب أي مسئول أو صديق‪ ،‬أو تطلب زوجة زوجها أواالبن أباه‬
‫م رات يلق اه مش غوال‪ ،‬فس بحانه من ال يش غله ش يء عن ش يء‪ ،‬قل‪ :‬يا رب‪ ،‬يق ول‪ :‬لبيك عب دي وس عديك‪ ،‬ف إن قلت‪ :‬تبت إليك‪ ،‬يجيبك رب ك‪:‬‬

‫‪47‬‬
‫() سبق تخريجه‪.‬‬
‫‪ 48‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ‪،‬باب الحثـ على ذكر هللا ‪ ( ،‬رقم‪.)2676 :‬‬
‫‪ 49‬شعب اإليمان ‪ ،‬البابـ الثالثـ و العشرون من شعب اإليمان و هو ‪ :‬باب في الصيام ‪ ،‬فضائل شهر رمضان ‪ ( ،‬رقم‪,)3608 :‬‬
‫‪ 50‬سنن ابن ماجة ‪ ،‬كتاب الدعاء ‪ ،‬باب ما يدعو به الرجل إذا أصبح وإذا أمسى ‪ ( ،‬رقم‪.)3870 :‬‬
‫‪ 51‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب الدعوات ‪ ،‬باب فضل التسبيحـ ‪ ( ،‬رقم‪)6043 :‬‬
‫‪ 52‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار ‪ ،‬باب فضل التهليلـ والتسبيحـ والدعاء ‪ ( ،‬رقم‪.)2698 :‬‬
‫‪ 53‬موطأ مالك ‪ ،‬كتاب القرآن ‪ ،‬باب ما جاء في الدعاء ‪ ( ،‬رقم‪.)500 :‬‬

‫‪22‬‬
‫قبلت توبتك‪ ،‬فإن ألححت‪ :‬عدت إليك‪ ،‬يبادرك ربك‪ :‬فرحت بعودتك‪ ،‬لما ورد في صحيح مسلم‪ " :54‬اهلل أشد فرحا بتوبة عب ده حين يت وب‬
‫إليه من أح دكم ك ان على راحلته ب أرض فالة ‪ ،‬فأض جع تحت ظل ش جرة ينتظر الم وت فق ام من نومه فوج دها عند رأسه فق ال من ش دة‬
‫الفرح‪ :‬اللهم أنت عبدي وأنا ربك"‪ ،‬عكس الدعاء من شدة الفرح‪ ،‬واهلل أشد فرحٍاً من هذا العبد الذي وجد الناقة‪.‬‬
‫ك‬‫أقول يا إخواني اهلل سبحانه وتعالى في عليائ ه ترفع إليه يديك بالليل والنهار‪ ،‬في الصباح وفي المساء‪ ،‬يستجيب لك‪ ،‬قال تعالى { َوإِ َذا َس أَلَ َ‬
‫ون َجهََّن َم‬ ‫ب لَ ُكم ِإ َّن الَِّذين يس تَ ْكبِرون ع ْن ِعب َ ِ‬ ‫ِعَب ِادي َعنِّي فَ ِإنِّي قَ ِر ٌ‬
‫يب} (البقرة‪ ، )186 :‬وقال أيضا‪{ :‬وقَ ا َل رُّب ُكم ْاد ُع ونِي أ ْ ِ‬
‫ادتي َس َي ْد ُخلُ َ‬ ‫َ َْ ُ َ َ َ‬ ‫َس تَج ْ ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ين} (غ افر ‪،)60 :‬وق ال س يدنا الح بيب ص لى اهلل عليه وس لم‪" :‬ال دعاء مخ العب ادة" ‪" ،‬ال دعاء هو العب ادة"‪ .55‬نحن بحاجة إلى ه ذا‬ ‫َداخ ِر َ‬
‫التوسل‪ ،‬لكن يا أخواني ال نريد أن نتحول إلى دعاء المس ألة عند األزمات واالمتحانات فقط‪ ،‬ألن الدعاء نوعان‪ :‬دعاء عبادة‪ ،‬فى كل وقت‬
‫تعبداً ورقاً هلل تعالى‪ ،‬ودعاء مس ألة عند النوازل والحاجات‪ .‬نرى كثيرا من الطالب يأتون المساجد أيام االمتحانات هذا جيد‪ ،‬لكن نريد أن‬
‫ض َّر ُعوْا} (األنعام‪ ،)43 :‬كأن نقول ‪ :‬اللهم‬ ‫ْس َنا تَ َ‬ ‫نتحول جميعا إلى أصحاب عبادة‪ ،‬نتلذذ بالدعاء والتضرع‪،‬لقوله تعالى { َفلَ ْوال ِإ ْذ َج ُ‬
‫اءه ْم َبأ ُ‬
‫اج َعْلَنا‬ ‫اجَنا َو ُذ ِّريَّاتَِنا قُ َّرةَ أ ْ‬
‫َعُي ٍن َو ْ‬ ‫ب لََنا ِم ْن أ َْزو ِ‬
‫َ‬ ‫أني أسالك من فضلك العظيم وجاهك القديم أن تصلح أمري وأمر المسلمين أجمعين‪،‬أو { َربََّنا َه ْ‬
‫ِ‬ ‫وبَنا َوإِ ْس َرافََنا ِفي أ َْم ِرَنا َوثَب ْ‬ ‫ِلْلمتَِّقين ِإماما} (الفرقان‪ ، )74:‬أو{ربََّنا ْ ِ‬
‫ين} (آل عمران ‪، )147‬‬ ‫وانص ْرَنا َعلَى اْلقَ ْوِم اْل َك اف ِر َ‬
‫ُ‬ ‫امَنا‬
‫ِّت أَ ْق َد َ‬ ‫اغف ْر لََنا ُذُن َ‬ ‫ُ َ َ ً‬
‫ويروي اإلمام أحمد في مسنده دعاء ندياً "اللهم إني عب دك وابن عب دك وابن أمتك ناص يتي بي دك م اض في حكمك ع دل في قض ائك أس ألك‬ ‫‪56‬‬

‫بكل اسم هو لك أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو اس تأثرت به في علم الغيب عن دك أن تجعل الق رآن العظيم ربيع قل بي وذه اب‬
‫همي وجالء حزني"‪ ،‬ويقول في الحديث نفسه‪" :‬من دعا بهذه الكلمات أذهب اهلل همه وأطال فرحه"‪ ،‬فقال سيدنا أبو موسى األشعري رضي‬
‫اهلل عنه‪" :‬إن المغبون لمن غبن ه ذه الكلم ات"‪ ،‬يع ني أن الخس ران هونس يان أن نق ول ه ذه الكلم ات ‪ ،‬فق ال ‪" :r‬ق ولهن وعلم وهن‪ ،‬ف إن من‬
‫قالها أذهب اهلل همه وأطال فرحه"‪ ،‬نريد أن نشغل أنفسنا بالدعاء خاصة عند اإلفطارللحديث‪" :‬إن للصائم عند فطره لدعوة ما ت رد" ‪ ،‬عن دنا‬
‫فرصة هائلة "دعوة ما ترد" دعوا بها لانفسنا‪ ،‬وألهلنا‪ ،‬وإلخواننا‪ ،‬وللمسلمين في بقاع األرض‪ ،‬ولإلنسانية أن يخلصها اهلل من مظالم العباد‪،‬‬
‫من االستبداد‪ ،‬من الفساد‪ ،‬من القتل‪ ،‬من الظلم في فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان والصومال والشيشان وكشمير‪ ،‬ندعو اهلل لكل مظلوم‬
‫على ظهر األرض أن يرفع اهلل هذه المظالم‪.‬‬

‫البرنامج السابع‪ :‬االعتكاف‪-:‬‬

‫لم يصح حديث عن النبي ‪ r‬في فضل االعتكاف لكن يكفي أن الحبيب ‪ r‬فعله‪ ،‬فنحن أمام فرصة كلما دخلنا المسجد ننوي‬

‫االعتكافلمضاعفة الحسنات‪ ،‬أريد من كل أخ‪ ،‬من كل أخت‪ ،‬أن يدخل المسجد ويسلّم نفسه هلل تعالى ويشكو أمره إلى اهلل سبحانه‬

‫وتعالى فنحن نشكو من أمورنا وظروفنا والمرتبات والدخل واآلباء واألمهات واألزواج والزوجات والحكام والمحكومين والشرق‬

‫والغرب‪ ،‬فلنلجأ إلى اهلل سبحانه وتعالى من خالل عبادة االعتكاف‪ .‬االعتكاف معناه أنك تحبس نفسك عن الدنيا وتذهب إلى اهلل في‬

‫بيته تتوسل إليه‪ ،‬تجلس وحدك وتتعبد هلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وتسأل اهلل عز وجل مما تريد من خير الدنيا واآلخرة‪ ،‬إنو االعتكاف ساعة‬

‫من نهار‪ ،‬ساعة من ليل‪ ،‬لكن حاول أن تأخذ إجازه لتحري ليلة القدر في العشر األواخر بشكل خاص ألن االعتكاف فضله األكبر في‬

‫‪54‬‬
‫صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب التوبةـ ‪ ،‬باب في الحض على التوبة والفرح بها ‪ ( ،‬رقم‪.)2747 :‬‬
‫‪55‬‬
‫سنن الترمذي ‪ ،‬كتاب الدعواتـ عن رسول هللا ‪،‬باب ما جاء في فضل الدعاء ‪ ( ،‬رقم‪.)3371 :‬‬
‫‪56‬‬
‫مسند أحمد ‪ ،‬مسند عبد هللا بن مسعود رضي هللا تعالى عنه ‪ ( ،‬رقم‪.)3704 :‬‬

‫‪23‬‬
‫هذه المدة‪" ،‬فالتمسوها في الوتر من العشر األواخر من رمضان"‪ ،‬وهنا أسأل نفسى وإخواني سؤالا لعله أن يعيننا جميعاً على أخذ‬

‫قرار في قضية االعتكاف‪ :‬باهلل عليكم لو قرأ أحدنا إعالنا في عدد من المجالت في يوم واحد‪ ،‬وإ عالناً في عدد آخر من الفضائيات ‪،‬‬

‫اإلعالن (من يريد أن يأخذ راتبا كبيرا جداً يشتغل عشرة ليال فقط ويعطينا آخر شيك أخذه فإذا كان يتقاضى ‪ 1000‬دينار‪ ،‬أو دوالر‪،‬‬

‫أو يورو‪ ،‬لاير سيأخذ من عمل عشرة ليال فقط ألف ضعف‪،‬أي سيعطى مليوناً‪ ،‬باهلل عليكم هل سيتخلف أحد؟!!! هكذا يتضاعف األجر‬

‫ليلة القدر من اهلل تعالى مما نحتاج إلى التصديق واليقين التام بوعده تعالى‪ .‬لذلك قال الحبيب ‪" : r‬من حرم خيرها فقد حرم الخير‬

‫كله" ‪،‬أي تحرى وإ صابة ليلة القدر‪.‬‬

‫يا إخواني وياأخواتى‪ :‬أمتنا أعمارها بين الستين والسبعين‪ ،‬و يبلغ أحدنا بعد ‪ 12،13‬سنة تقريباً‪ ،‬يعني ‪ 50‬سنة في حياة اإلنسان المكلف ‪،‬‬
‫هل يمكن أن نحولها إلى ‪ 4150‬سنة تعبدي ة هلل عز وجل؟! أق ول‪ :‬نعم بإحي اء ليلة الق در‪ ،‬ألن ليلة الق در خ ير من ألف ش هر‪ ،‬لو عب دت اهلل‬
‫خمسين عاماً معناه أن عمر الخير بالنسبة لك أربعة آالف ‪ 4150‬سنه تعبدية‪.‬‬
‫ه ذه بحق ف رص ن ادرة تنقي اإلنس ان من ه ذه الش هوات األربع‪ :‬ش هوة الطع ام‪ ،‬والجنس‪ ،‬والغضب‪ ،‬والكالم‪ ،‬كل ه ذا ي ذوب عند عتب ات‬
‫الدعاء‪ ،‬والقنوط‪ ،‬واإلخبات‪ ،‬والتضرع‪ ،‬اإليمان الذي يعصم اإلنسان من الزلل ومن الخلل‪ .‬نحن نريد حقيقة أن نقبل على عبادة االعتكاف‬
‫وال حرج أن تخرج لطعامك وشرابك‪ ،‬أن تخرج لشراء شيئاً من أشيائك‪ ،‬أن تخرج لعيادة المريض دون أن تجلس بل لالطمئنان على األهل‬
‫وأنت واقف‪ ،‬كما قال على بن أبي طالب رضي اهلل عنه وأرضاه‪ ،‬و كثير من الفقهاء‪ ،‬إذن اعتكف واخرج إلى عملك ثم ارجع إليه إذا كنت‬
‫ال تستطيع أن تحصل على إجازة‪ ،‬لكن أرجوكم باهلل أن ال نحرم أنفسنا إخوة وأخوات من عبادة االعتكاف هلل تبارك وتعالى‪.‬‬

‫البرنامج الثامن‪ :‬الجود والكرم‪-:‬‬

‫كان صلى اهلل عليه وسلم جواداً وكان أجود ما يكون في رمضان كالريح المرسلة‪ ،‬وقد جاء في الحديث أن النبي ‪ ‬قال‪" :‬لما خلق اهلل جنة‬
‫عدن و غرس أشجارها بيده‪ ،‬ثم قال لها تكلمين‪ .‬فقالت قد أفلح المؤمنون فق ال س بحانه وتع الى وع زتي وجاللي اليج اورني فيك بخيل"‪،57‬‬
‫وق ال صلى اهلل عليه وس لم‪" :‬الس خي ق ريب من اهلل‪ ،‬ق ريب من الن اس‪ ،‬ق ريب من الجنة‪ ،‬بعيد من الن ار‪ ،‬والبخيل بعيد عن اهلل‪ ،‬بعيد عن‬
‫الن اس‪ ،‬بعيد عن الجنة‪ ،‬ق ريب من الن ار‪ ،‬والجاهل الس خي خ ير عند اهلل من عابد بخيل"‪ ،58‬هنا نتعلم الج ود والك رم‪" ،‬أنفق بالال وال تخش‬
‫من ذي الع رش إقالال"‪ .‬النفعل مثل ش خص عن دما يصل ال دوالر أو الجنيه إلى جيبه يق ول له اطمئن فقد اس ترحت من ن ار الت داول‪ ،‬الن اس‬
‫كانت تدوخك يمين وشمال‪ ،‬اطمئن أنا سأضعك في جيبي أو خزنة ولن تخرج منها إلى يوم الدين !‪.‬‬
‫ون} (التغ ابن‪، )16 :‬ويمكننا أن‬ ‫ِ‬ ‫وق ُش َّح َن ْف ِس ِه فَأ ُْولَئِ َ‬
‫ك ُه ُم اْل ُم ْفل ُح َ‬ ‫توجد ‪ 133‬آي ة في القرآن ت أمر بالب ذل والعط اء‪ ،‬بالس خاء والج ود { َو َمن ُي َ‬
‫ننوع العطاء لعدد من الجوانب كما تنوع فى القرآن والسنة‪:‬‬
‫‪ -1‬زكاة المال في رمضان ألن الدوالر‪ ،‬أوالجنيه‪ ،‬أوالين‪ ،‬أي’ عملة تضاعف إلى سبعين ضعفا فاجعل زكاتك كل عام في رمضان‪.‬‬
‫‪ -2‬زكاة الفطر فى رمضان لما رواه أبو داود في سننه‪"59‬صدقة الفطر طهرة للصائم طعمة للمسكين"‬

‫‪57‬‬
‫مستدرك الحاكمـ ‪ ،‬كتاب التفسير ‪ ،‬تفسير سورة المؤمنون‪ ( ،‬رقم‪.)3480 :‬‬
‫‪58‬‬
‫سنن الترمذي ‪ ،‬كتاب البر والصلة عن رسول هللا ‪ ،‬باب ما جاء في السخاء‪ ( ،‬رقم‪.)1961 :‬‬
‫‪59‬‬
‫سنن أبي داود ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب زكاة الفطر‪ ( ،‬رقم‪.)1609 :‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ -3‬إفط ار الص ائمين‪ ،‬للح ديث‪" :‬من فطر صائم ولو على شربة م اء أو مذقة لبن أو ش قة تمرة ك ان مغف رة لذنوبه وعتق لرقبته من‬
‫النار‪."60‬‬

‫‪ -4‬حقيبة رمض ان‪ ،‬وهو مش روع ن اجح وفع ال فى دول ع دة ‪ ،‬ب أن يجهز ذوو الفضل بعض الم واد الغذائية فى حقيبة ت وزع على‬
‫الفقراء‪.‬‬

‫ومن رغب في رضا اهلل والجنة فليجمع من كل بستان زهرة ‪ ،‬ومن كل قطف حبة وليبتكر وسائل جديدة لفعل الخير ونفع الغير‪.‬‬

‫البرنامج التاسع‪ :‬الحلم والصفح‪-:‬‬

‫يعالج الصيام شهوة الغضب‪ ,‬ونحن نتأسى بالنبي ‪ ‬كان أكثر الناس حلماً‪ ،‬فقد كان الرجل يأتيه ويشده من تالبيبه ويقول أعطني مما أعطاك‬
‫َج ُرهُ َعلَى اللَّ ِه} (الش ورى‪:‬‬
‫َص لَ َح فَ أ ْ‬
‫اهلل فليس الم ال مالك وال م ال أبيك ويحلم عنه الن بي ص لى اهلل عليه وس لم‪ ،‬كما ق ال تع الى‪{:‬فَ َم ْن َعفَا َوأ ْ‬
‫‪ ،)40‬اإلنسان يعطي للناس من قلبه‪ ،‬من سماحته‪ ،‬من غفرانه‪ ،‬اهلل أكرم مني ومنك‪ ،‬فإذا سامحت المخطئ سامحك الملك سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫إذا عف وت عن ظالمك عفا عنك ربك س بحانه وتع الى ‪ ،‬لكن إذا ك انت مظلمة هلل تغضب لها‪ .‬يق ول الش افعي‪" :‬من استغضب فلم يغضب فهو‬
‫حمار!"‪ ،61‬لكن ما غضب النبي صلى اهلل عليه وسلم لنفسه أبداً‪ ،‬فالحلم والصفح عن األخطاء الشخصية‪ ،‬إذا هوجم األشخاص احتسبنا‪ ،‬وإ ذا‬
‫هوجم اإلسالم انتفضنا‪.‬‬
‫نريد من المسلم أن يكون هذا شعاره‪" :‬إني صائم" مرتين"‪ ،‬ويمتنع عن ثورة الغضب‪ ،‬وتذكرنفسه بلجام الصيام‪ ،‬يعفو ويصفح عن الناس‬
‫فيعفو اهلل سبحانه وتعالى عن ذنوبه كلها‪ ،‬كما فعل الحبيب صلى اهلل عليه وسلم وعلمنا دروساً في الحلم والصفح‪ ،‬وأيضا نتعلم من سيدنا‬
‫على بن أبي طالب رضي اهلل عنه حيث كان يصارع رجالً من المشركين فبصق الرجل في وجهه فتركه وكان تحت قدميه فبصق الرجل‬
‫في وجهه فتركه لآخر ليكمل المبارزة فقيل له‪ :‬لم لم تقتله وقد كان تحت قدميك؟ قال‪ :‬كنت أقاتله في سبيل اهلل فلما بصق في وجهي خشيت‬
‫أن أقتله لحظ نفسي فال يوجد بها أجر‪.‬‬
‫الحلم والصفح يجعل البيوت في سالم وأمان واطمئنان واستقرار وراحة وطمأنينة بين األخ وأخيه‪ ،‬بين االبن وأبيه‪ ،‬بين الزوجة وزوجها‪،‬‬
‫بين الجيران بعضهم البعض‪ ،‬نريد أن نصنع سالماً اجتماعياً من خالل العفو والصفح والحلم مع الناس جميعاً‪ ،‬إال أن تكون غضبة هلل تبارك‬
‫تعالى‪ ،‬ولنبدأ ذلك فى رمضان‪.‬‬

‫البرنامج العاشر‪ :‬هو إصالح ذات البين‪-:‬‬

‫َّ َّ‬ ‫َصِل ُحوا َب ْي َن أ َ‬


‫ون} (الحجرات‪ ،)10 :‬هذهاآلية تستل سخيمة الغضب‬ ‫َخ َو ْي ُك ْم َواتَّقُوا اللهَ لَ َعل ُك ْم تُْر َح ُم َ‬ ‫ون ِإ ْخ َوةٌ فَأ ْ‬
‫قال اهلل تعالى ‪ِ{ :‬إَّن َما اْل ُم ْؤ ِمُن َ‬
‫‪62‬‬
‫وتستدعي الكالم الطيب مكان الكالم الخبيث‪ ،‬وتجعل الناس في وئام وفي سالم‪ ،‬فعن أبي الدرداء ‪ : ،‬عن النبي ‪ ‬قال ‪ :‬أال أنبئكم بدرجة‬
‫أفضل من الصالة والصيام والصدقة ؟ قالوا ‪ :‬بلى ‪ ،‬قال ‪ :‬صالح ذات البين ‪ ،‬وفساد ذات البين هي الحالقة "‪ ،‬أن يكون لدى اإلنسان‬
‫صالَ ًحا ُيوفِّ ِ‬
‫ق اللّهُ َب ْيَنهُ َما} (النساء‪،)35 :‬‬ ‫َ‬ ‫يدا ِإ ْ‬ ‫َهِلهَا ِإن ُي ِر َ‬‫َهِل ِه َو َح َك ًما ِّم ْن أ ْ‬
‫مبادرة إصالح بين زوجين لقوله تعالى ‪{:‬فَ ْاب َعثُوْا َح َك ًما ِّم ْن أ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اف ِمن ُّم ٍ‬
‫يم} (البقرة‪:‬‬ ‫َصلَ َح َب ْيَنهُ ْم فَالَ ِإثْ َم َعلَْيه ِإ َّن اللّهَ َغفُ ٌ‬
‫ور َّرح ٌ‬ ‫وص َجَنفًا أ َْو ِإثْ ًما فَأ ْ‬ ‫إصالح بين الشركاء في المال لقوله تعالى {فَ َم ْن َخ َ‬

‫‪60‬‬
‫شعب اإليمان ‪ ،‬الباب الثالث و العشرون من شعب اإليمان و هو ‪ :‬باب في الصيام‪ ،‬فضائل شهر رمضان ‪ ( ،‬رقم‪.)3608 :‬‬
‫‪61‬‬
‫شعب اإليمان ‪ ،‬لإلمام البيهقي ‪ ،‬الثاني والستون من شعب اإليمان ‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫األدب المفرد ‪ ،‬باب ‪ :‬إصالح ذات البين ‪ ،‬باب ‪ :‬إصالح ذات البين ‪ ( ،‬رقم‪.)396 :‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ ،)182‬اإلصالح بين األمم بعضها وبعض حتى يعم السالم والوئام القائم على الحق والعدل‪ ،‬هذا األمر يسعى له األبرار‪ ،‬يسعى له الكرام‪،‬‬
‫يسعى له ذو المروؤات الذين تخرجوا من مدرسة الصيام‪ ،‬ال يستعملون شهوات البطن والفرج والغضب والكالم إلفساد العالم‪ ،‬وإ نما‬
‫يستعملون هذه في إحياء النفس وإ سعاد العالم‪ ،‬وسيكون هؤالء سعداء الدنيا واآلخرة بإذن اهلل تبارك وتعالى‪.‬‬
‫إخواني وأخواتي في اهلل عز وجل إن تربوية مدرسة الصيام مدرسة ربانية‪ ،‬تنقل اإلنسان من البطنه إلى الفطنة والصحة‪ ،‬تنقل اإلنسان من‬
‫الخسة إلى العفة‪ ،‬تنقل اإلنسان من الثرثرة إلى الحكمة‪ ،‬تنقل اإلنسان من الغضب والعويل إلى الحلم والصفح الجميل‪ ،‬فهل نعاهد اهلل أن‬
‫يكون رمضان في كل عام سببا في أن نعالج هذه الشهوات األربع؟! شهوة الطعام‪ ،‬والجنس‪ ،‬والغضب‪ ،‬والكالم‪ ،‬حتى نتحول إلى هذه‬
‫المعاني اإليمانية‪ ،‬األخالقية‪ ،‬الجسدية‪ ،‬العقلية‪ ،‬االجتماعية‪ .‬اللهم نعم هذا عهد نأخذه بيننا وبين اهلل تبارك وتعالى‪ ،‬اللهم إنا نسألك بأنك أنت‬
‫اهلل الواحد األحد الفرد الصمد الذي لم يولد ولم يكن له كفواً أحد‪ ،‬يا رب السماوات وما أظللن‪ ،‬ورب الرياح وما ذرين‪ ،‬ورب البحار وما‬
‫حوين‪ ،‬ورب الشياطين وما أغوين‪ ،‬يا رب كل شيء ومليكه‪ ،‬نسألك بأسمائك الحسنى وبذاتك العليا أن تجعلنا من الذين يستمعون القول‬
‫فيتبعون أحسنه‪ ،‬اللهم اجعلنا من أهل القرآن‪ ،‬اللهم ارزقنا اإلخالص في القول والعمل‪ ،‬اللهم إنا نسألك االقتصاد في الفقر والغنى‪ ،‬اللهم إنا‬
‫نسألك الثبات على الخير والعزيمة على الرشد والسالمة من كل أثم والغنيمة من كل بر والفوز بالجنة والنجاة من النار‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫الفهرس‬
‫المقدمة‬
‫تمهيد‬
‫المبحث األول‪:‬آثار الشهوات األربع بدون لجام ‪:‬‬
‫أوال ‪ :‬آثار شهوة الطعام بال لجام ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬آثار شهوة الجنس بال لجام ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬آثار شهوة الغضب بال لجام ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬آثار شهوة الكالم بال لجام ‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬أثر الصيام في تهذيب شهوات المسلم والمسلمة ‪:‬‬


‫أوالً‪ -:‬أثر الصيام في إصالح الجانب الروحي ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ -:‬أثر الصيام في إصالح الجانب الخلقي ‪.‬‬
‫ثالثاً‪ -:‬أثر الصيام في إصالح الجانب العقلي ‪.‬‬
‫رابعاً‪ -:‬أثر الصيام في إصالح الجسد ‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪:‬البرامج العملية لتحصيل لجام الشهوات األربع‪:‬‬


‫البرنامج األول‪ :‬اإلخالص‪.‬‬
‫البرنامج الثاني‪ :‬االقتصاد في الطعام والشراب‪.‬‬
‫البرنامج الثالث‪ :‬قراءة القرآن‪.‬‬
‫البرنامج الرابع‪ :‬القيام‪.‬‬
‫البرنامج الخامس‪ :‬األذكار‪.‬‬
‫البرنامج السادس‪ :‬الدعاء‪.‬‬
‫البرنامج السابع‪ :‬االعتكاف‪.‬‬
‫البرنامج الثامن‪ :‬الجود والكرم‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫البرنامج التاسع‪ :‬الحلم والصفح‪.‬‬
‫البرنامج العاشر‪ :‬هو إصالح ذات البين‪.‬‬
‫الفهرس‬

‫‪28‬‬

You might also like