Professional Documents
Culture Documents
البحث
البحث
:دراسة في
شخصية األمير يوسف بن تاشفين
.تحت إشراف األستاد :عبد القادر أيت الغازي
.من إعداد +الطالب :ياسين البريشي
إهداء
2019-2020
2
ـ تأليف علي ابن أبي زرع الفاسي ،الكتاب":األنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك2
وتاريخ مدينة فاس" ،دار المنصور للطباعة والوراقةـ الرباط ،سنة .1972ص136:
3
ـ لمؤلف أندلسي من أهل القرن الثامن الهجري،تحقيق الدكتور:سهيل زكار واالستاد +:عبد القادر3
زمامة .الكتاب":الحلل الموشية في ذكر األخبار المراكشية" ط 1.سنة 1399ـ 1979نشر وتوزيع دار
الرشاد الحديثة.الدار البيضاء.ص24:
4
ـ مرجع سابق.ص424:
5
ـ مرجع سابق.ص5137:
.وعليه قد يكون يوسف بن تاشفين رحمة هللا عليه قد عاش قرنا كامال من الزمن
ويوسف بن تاشفين ينتمي إلى قبيلة لمتونة من قبائل صنهاجة اللتام ،وصنهاجة
هده إحدى قبائل البرانس من البربر وأنهم أعظم قبائلها بالمغرب ،حيث أن أي
مكان من األمكنة ال يكاد يخلوا من بطن من بطونهم سواء تعلق األمر بالجبال أو
السهول(األرض المنبسطة) ،وهم ثلث البربر ،كما تقدم بعض النسابين العرب إلى
كون صنهاجة وكتامة من حمير ،كما جاء في كتاب "اإلستقصا""،الخبر عن
الدولة الصنهاجية اللمتونية المرابطية وأوليتها" ،حيث ذكر الناصري (:قد تقدم لنا
عند الكالم على نسب البربر وشعوبها أن صنهاجة إحدى قبائل البرانس وأنهم
أعظم قبائلها بالمغرب ال يكاد قطر من أقطاره تخلو من بطن من بطونهم في جبل
أو بسط...وتقدم لنا أن النسابين العرب زعموا أن صنهاجة من كتامة من حمير)،6
كما أن هده القبيلة يتوقف نسبها إلى كنعان بن حام كسائر البربر ،وحام هو أحد
أبناء نوح عليه الصالة والسالم.
وتجدر اإلشارة إلى أن أرض فلسطين هي ديار البربر ببالد الشام ،وكان ملكهم
جالوت ،ولما قتل داوود جالوت +،فسارو إلى بالد المغرب وإفريقيا ،والبربر قبائل
متعددة وشعوب كثيرة ،ومنها خرجت قبيلة صنهاجة ،ذكر البكري في
كتابه"المسالك والممالك" (:وأما البربر فإن ديارهم كانت فلسطين من بالد الشام،
وكان ملكهم جالوت +،وهدا اإلسم سمة لملوكهم،إلى أن قتل داوود جالوت +،فسارو
إلى بالد المغرب...والبربر قبائل كثيرة وشعوب جمة،هوارة وزناتة و ضريسة
7 .ونفزة وكتامة ولواتة وغمارة ومصمودة....وصنهاجة)..
وإختلف في نسب البربر ،فالراجح من كنعان بن حام ،وقيل إن نسبهم من أوزاع
اليمن فتشتتوا فرقا عندما كان سيل العرم ما كان ،كما قيل أن أبرهة ذا المنار
خلفهم بالمغرب +،ومنهم من دهب إلى كونهم من قيس بن عيالن ،كما جاء عند
البكري(:وقد إختلف في نسبهم ،فزعم بعضهم أنهم من من ولد كنعان بن حام،
وقيل إنهم أوزاع من اليمن تفرقوا عندما كان سيل العرم ما كان ،وقيل إن أبرهة
.ذا المنار خلفهم بالمغرب ،ومنهم من رأى أنهم من قيس بن عيالن)...
6
ـ تأليف العالم العالمة:الشيخ بن أحمد بن خالد الناصري +السالوي"،االستقصا ألخبار دول المغرب6
األقصى" ،خقوق الطبع محفوظة للمؤلف.ص98:ـ99
7
ـ تأليف أبي عبيد عبدهللا بن عبد العزيز بن محمد البكري ،تحقيق :الدكتور:جمال طلبة".المسالك7
.والممالك"ج 1ط.1بيروت ـ لبنان .دار الكتب العلمية.ص249
وتكلم العالمة العظيم عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته الشهيرة على أن
صنهاجة كانت مجاال للملثمين ،8وهم شعوب كبيرة مابين كزولة ولمتونة ومسوفة
ولمطة ،وإمتد مجال نفود هده القبائل البربرية في الجانب األسفل منها صحراء+
(نيسر) متصلة من الغرب إلى الشرق ذات مفاوز تسلك فيها التجارة مابين بالد
المغرب وبالد السودان ،حيث ذكر(:وفي الجانب األسفل منها صحراء
"نيسر"متصلة إلى الغرب إلى الشرق ذات مفاوز تسلك فيها التجارة مابين بالد
9.المغرب وبالد السودان)...
و بهدا فنسب يوسف بن تاشفين كان نسبا عظيما ،شأنه في دلك شأن العديد من
.الشخصيات +البارزة في تاريخ اإلسالم والمسلمين
:ـ لقبه2
حينما فتح األمير يوسف بن تاشفين األندلس ،ولما قدمه للملوك الطوائف
من جميل ،وأدل هللا به ملوك الروم بايعوه في دلك اليوم ،حيث شهدوا معه تلك
الواقعة (الزالقة) ،حينها كان عددهم ثالثة عشر ملكا من الملوك الطوائف،
وسلموا عليه بأمير المسلمين ،وهو أول من تسمى بأمير المسلمين من ملوك
المغرب وتكلم عنه بن ابي زرع في "األنيس المطرب" فقال(:وكان يدعى
باألمير ،فلما فتح األندلس وصنع غزاة الزالقة وادل هللا بها ملوك الروم بايعه في
دلك اليوم ملوك األندلس وأمرائها الدين شهدوا معه تلك الغزاة ،وكانوا ثالثة عشر
ملكا ،وسلموا عليه بأمير المسلمين ،وهو أول من تسمى بأمير المسلمين من ملوك
المغرب،10)..وكان األمير يوسف بن تاشفين يحترم الخلفاء العباسيين
بالمشرق ،ولم يرضى بلقب أمير المؤمنين طاعة لهده الخالفة ،الموجودة ببغداد
رغم الضعف والهوان الذي كان ينخر الدولة العباسية ببغداد ،وقال أنا رجله
والقائم بأمره ببالد المغرب ،وعليه فإن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين كان
8
ـ الملثمين :أو أهل اللثام فهو إسم إختص به قسم +كبير من قبائل صنهاجة الصحراء ،الدين يكونون8
القسم االساسي من القبائل التي ناصرت دولة المرابطين بزعامة قبيلة لمتونة ،وفي هدا االسم حديث كثير
....سيأتي دكره الحقا
9
ـ9ـ تأليف عبد الرحمن ابن خلدون ،إعتنى به أبو صهيب الكرمي"،المقدمة تاريخ العالمة ابن خلون
كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبرفي أيام العرب والعجم والبربر"..مكتبة ودار المدينة المنورة للنشر
.والتوزيع ـ الدار التونسية 1984
10
.ـ مرجع سابق ص137:
رجل صالح وتفكيره في عدم التفرق والخالف والصدام مع العباسيين مادام أنهم
مسلمين ولكونهم ينتسبون من عمومة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،وإكتفى
فقط بلقب أمير المسلمين مراعاة للخليفة العباسي ،بالرغم من أنه كان أضعف
بكثير من يوسف بن تاشفين ،لكن هكذا كان أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ألنه
.بطبيعة الحال نشأة وترعرع في بيئة ووسط يقدر ويكن اإلحترام للطرف األخر
وكما هو معلوم ومدكور بمجموعة من بالمصادر والمراجع ،عندما تقوت الدولة
المرابطية بأرض المغرب وضخمت مملكة األمير يوسف بن تاشفين وإتسعت،
إجتمع تلة من الفقهاء +واألشياخ وأعيان القبائل ،في شأن إضافة لقب (المؤمنين)
إلى األمير ،ألنهم كانوا يدعونه بأنه هو خليفة هللا بأرض المغرب وناصر الدين
واإلسالم بها ،فإمتنع األمير يوسف بن تاشفين عن دلك ،للسبب الذي ذكر
سالفا،ألن خلفاء +بني العباس هم األحق واألجدر بدلك ،ألنهم من الساللة الكريمة
وملوك الحرمين(مكة ـ المدينة) ،وجاء في "الحلل الموشية" ما يلي( :ويوسف بن
تاشفين كان يدعى باألمير ،فلما ضخمت مملكته ،واتسعت عمالته ،اجتمع إليه
أشياخ قبيلته ،وأعيان دولته ،وقالوا له :أنت خليفة هللا في هدا المغرب ،وحقك
أكبر من أن تدعى باألمير ،بل ندعوك بأمير المؤمنين ،فقال لهم :حاش هللا أن
نتسمى بهدا اإلسم ،إنما يتسمى به خلفاء بني العباس لكونهم من تلك الساللة
الكريمة ،ألنهم ملوك الحرمين :مكة ،والمدينة ،وأنا رجلهم ،والقائم
بدعوتهم،فقالوا له البد من إسم تمتاز به ،وبعدها أجاب إلى" أمير المسلمين
11وناصر الدين").....
وتجدر اإلشارة إلى أمر مهم وهو اإلختالف الحاصل حول لقب أمير المسلمين،
هل كان قبل الجواز إلى األندلس أم بعد معركة الزالقة ،وبالتالي فهناك إختالف
.بين المؤرخين حول هده القضية
:المبحث الثاني :صفات +األمير يوسف بن تاشفين
أما عن صفات األمير يوسف بن تاشفين المرابطي ،فقد وصفه مجموعة من
المؤرخين واألعالم ،هدا الذهبي يقول عنه في "سير أعالم النبالء" (:كان ابن
11
.ـ مرجع سابق ص29:
تاشفين كثير العفو ،مقربا للعلماء +،وكان أسمر نحيفا،خفيف اللحية ،دقيق الصوت+،
12.سائسا،حازما،يخطب لخليفة العراق)
ووصفه ابن األثير في "الكامل" بقوله :كان حليما كريما ،دينا خيرا ،يحب أهل
العلم والدين ،ويحكمهم في بالده ،ويبالغ في إكرام العلماء +والوقوف عند إشارتهم،
وكان ادا وعضه احدهم خشع عند استماع الموعظة ،وألن قلبه لها ،وظهر دلك
)13.عليه ،وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام
وفي "األنيس المطرب" وصفه كما يلي(:صفته :أسمر اللون نقية ،معتدل القامة،
نحيف الجسم ،خفيف العارضين ،رقيق الصوت أكحل العنين ،أقنا األنف ،له وفرة
تبلغ شحمة أدنيه ،مقرون الحاجبين،جعد الشعر ،وكان رحمة هللا شجاعا حازما
مهابا ظابطا لحكمه ،منفقد الموالي من رعيته ،حافظا لبالده وثغوره ،مواظبا على
14.الجهاد ،مؤيدا منصورا ،جوادا كريما سخيا زاهدا في الدنيا)..
كان يوسف بن تاشفين يلبس الثياب من الصوف عكس األمراء السابقين ومن
عاصروه من أرض المشرق ،ولم يلبس قط غيرها ،وفي المأكل والمشرب ،كان
أكله الشعير ولحوم اإلبل وألبانها ،مقتصرا على دلك..إلى أن توفي رحمه هللا ،كما
ورد في "األنيس المطرب"( :لباسه الصوف....وأكله الشعير ولحوم اإلبل
.وألبانها)..
12
.ـ الذهبي ،سير أعالم النبالء ،ص19:ـ253
13
.ـ ابن األثير ،الكامل في التاريخ،ص9:ـ99
14
.ـ مرجع سابق.ص136 :
الفصل الثاني :األمير +يوسف بن تاشفين وتولي أمور
:السلطة
:تمهيد
تعتبر دولة المرابطين من أعظم الدول التي مرت بتاريخ المغرب ،لدلك فمن
الضروري اإلشارة لنشأتها حتى وفاة األمير يوسف بن تاشفين ـ رحمه هللا ـ عام
( )500ه ،وما لهده الدولة من أثر حميد في نشر عقيدة التوحيد الخالص هلل
تعالى ،وطمس كل معالم الشرك والجهل في البالد التي جاهدت فيها ،حتى أكرمها
هللا تعالى بتوحيدها في بالد المغرب العربي ،ومن تم بالد األندلس تلك البالد التي
كانت تعاني الشتات والتمزق والصراع الذي لم يشهد له مثيل ،وكانت الحياة
العامة بالعالم العربي أنداك ممزقة تقريبا ،إال أنها بالمغرب واألندلس كانت
ظاهرة للعيان ،بادية في كل مظاهر الحياة ،لم تغيرها المصائب +والنكبات التي
.كانت تقع على المسلمين بتلك البالد
إذن فما هي البدايات األولى لتكوين المرابطين؟
وما هي دعوتهم؟
وكيف وصل أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى سدة الحكم؟
وكيف برز في صفوف دعوة المرابطين؟
وكيف وحد المغرب وإستنقد األندلس من مخالب الصليبية؟
وما الدوافع وراء الجهاد باألندلس؟
إن اإلجابة عن هده السلسلة من التساؤالت ستظهر جلية وواضحة في طي هده
.الدارسة
:المبحث األول :البدايات األولى لدولة المرابطين
:ـ نشأة الدولة المرابطية1
بدأت قصة نشوء دولة المرابطين مع شخصية يرجع لها الفضل الكبير في تكوين
هذه اإلمبراطورية الحقا +،الشيخ والفقيه عبد هللا بن ياسين ،لكن قبل دلك .البد من
الوقوف عند المراحل التي طبعت هده النشأة وأخذ لمحة عامة عن الظروف التي
كانت عليها القبائل +البربرية خالل هده الفترة وبالد المغرب األقصى ،يقودنا هذا
إلى تساؤل عريض وهو :كيف وصل الدين الصحيح ببالد المغرب األقصى؟
في أعماق الصحراء بأقصى المغرب ،كان هناك قبائل صنهاجية تعيش على
البداوة وال تتقن الزارعة ،ومع إبتعادهم بالصحراء ،استمروا على جهالتهم
وبداوتهم ،وضاع دين اإلسالم منهم ،ثم اجتمعوا كلهم حول ملك واحد ،ثم مات
وخلفه حفيده ،ثم ابن حفيده الذي ثار عليه الصنهاجيون فقتلوه ،وإختلف أمرهم
وصاروا طوائف عديدة ،ثم إجتمعوا بعد فترة أخرى حول ملك أخر كان من
لمتونة ،وإسمه ابن تيفاوين اللمتوني .غير أنه لم يعمر طويال ،فقد مات في إحدى
المعارك ،فخلفه صهره يحيى بن إبراهيم الجدالي الذي كان ينتمي هو األخر إلى
.قبيلة كبيرة (جدالة) مثلها مثل لمتونة ،وصار هذا األخير رئيس صنهاجة
وكان يطبع هذا الزمن الجهل وإنتشار الفتن والفواحش العظيمة (كالزنا وزواج
األخ بأخته وزواج الرجل ما يشاء من النساء ،)....كما كانت هذه القبائل ال تعرف
من اإلسالم ال صالة وال زكاة وال شرائع ..إال الشهادتين فقط (اللهم الشهادتين
15فحسب)
ستبدأ بدرة التغيير حينما أراد يحيى بن إبراهيم الجدالي أن يحج ،وكان الحج في
هذا الزمان ـ أيضا ـ رحلة في طلب العلم ،فإستخلف إبنه إبراهيم وسار إلى
الشرق ،وأثناء عودته ذهب إلى القيروان ،هناك قابل أبا عمران موسى بن عيسى
الفاسي ،وهوشيخ المالكية في مدينة القيروان ،وكان الذهب المالكي هو المنتشر
بالشمال األفريقي وإلى عصرنا الحاضر +كما كان هو المذهب السائد باألندلس
كذلك أنداك ،وعند مقابلة هذا الشيخ الكبير ،أيقن يحيى الجدالي أن قومه يعيشون
في جاهلية كبرى ،وعليه فقد كان هو الزعيم الحريص عليهم ،لذلك أخبر يحيى
شيخه أبا عمران بأن قومه اليعرفون شيئا عن أمور دينهم ،فعامة الناس يعرفون
الشهادتين فقط ،إال قلة قليلة من تعرف بعض التعاليم ،وأن العلم لهم من العلوم
.وال مذهب لهم من المذاهب ،ألنهم منقطعون بالصحراء
فعرض الفقيه على طالبه أن يذهبوا مع يحيى فأبوا ،فأرسل إلى أحد الفقهاء +ببالد
المغرب يدعى وجاج بن ولو اللمطي ،وكان من طالب أبا عمران ،وقد تفقه
15
.ـ ابن أبي زرع .األنيس المطرب ص124 :
وجلس للتدريس ،فرحل إليه يحيى ،فأرسل معه الفقيه وجاج واحدا من ألمع
.وأذكى تالميذه وهو عبد هللا بن ياسين
وكان عبد هللا بن ياسين هو الزعيم األول للمرابطينن وجامع شملهم ،وصاحب
.الدعوة اإلصالحية فيهم (451ه ـ 1059م) ،ومن فقهاء المالكية
إتجه الشيخ عبد هللا بن ياسين صوب الصحراء +الكبرى ،مخترقا جنوب الجزائر
وشمال موريتانيا حتى وصل إلى الجنوب منها ،حيث قبيلة جدالة ،فوجد عليها
ناسا يرتكبون المنكرات أمام بعضهم البعض ،وبدأ عبد هللا بن ياسين بالدعوة
فيهم ،حيث يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ،لكن ثار عليه القوم وأصحاب+
المصالح ،وبدأ الناس يصدونه عما يفعله ،ولم يستطع يحيى الجدالي أن يحميه.
وحاول عبد هللا بن ياسين المرة تلو األخرى في دعوتهم ،إال أن هددوه بالطرد
.والقتل ،مرت األيام حتى طردوه بالفعل
بدأ الشيخ عبد هللا بن ياسين في التفكير في بناء النواة األولى لدولة المرابطين
كأساس لدعوته اإلصالحية ،بعد ذلك تعمق في الصحراء ناحية الجنوب بعيدا
داخل القارة اإلفريقية ،حتى وصل إلى جزيرة يرجح أنها تقع في منحنى نهر
النيجر على مقربة من مدينة (تونبكتو) .فمن هنا بدأ أمر المرابطين ،يصف ابن
خلدون هذه الجزيرة بقوله ( :يحيط بها النيل ،ضحضاحا في الصيف ،وغمرا في
الشتاء يعبر بالزوارق) .16هنا صنع عبد هللا بن ياسين خيمته البسيطة ،وكان من
الطبيعي أن يتواجد بعض الناس من جدالة ،فحين علموا أن شيخهم بمقره البعيد
نزلوا إليه من جنوب موريتانيا ،ولم يتجاوز عددهم في بادئ األمر سبعة نفر من
جدالة على رأسهم األمير يحيى بن إبراهيم الجدالي وتضيف المصادر إلى وفود
.يحيى بن عمر وأخوه أبو بكر أيضا
وكانت هذه النواة األولى لتشكيل دولة المرابطين والتربية على منهج الرسول
الكريم صلى هللا عليه وسلم حتى بدأت تتقوى وتزداد يوما بعد يوم وتشتد شوكتها،
إلى أن قسمها الشيخ عبد هللا بن ياسين إلى مجموعات صغيرة ،وهو منهج
الرسول صلى هللا عليه وسلم حينما قسم صحابته الكرام رضوان هللا عليهم خالل
بيعة العقبة الثانية إلى قسم اإلثنين والسبعين رجال من أهل المدينة المنورة إلى
16
.ـ ابن خلدون العبر ص183 :
إثنى عشر قسما حتى قامت دولة المسلمين.وروى ابن أبي زرع عن هذه المرحلة
من دولة المرابطين بقوله( :فدخالها (الجزيرة) ودخل معهم سبعة من نفر كدالة،
فإبتنيا بها رابطة ،وأقام بها مع أصحابه يعبدون هللا تعالى مدة من ثالثة أشهر،
فتسامح الناس بأخبارهم ،وأنهم يطلبون الجنة والنجاة من النار ،فكثر الوارد عليهم
والتوابون ،فأخذ عبد هللا بن ياسين يقرئهم القرآن ويستميلهم إلى األخرة....فجمع
أشياخ القبائل ورؤسائهم وقرأ عليهم حجة هللا ،ودعاهم إلى التوبة ،وخوفهم عقاب
هللا...في كل ذلك ال يلتفتون إلى قوله ،وال يزدادون إال فسادا ،فلما يأس منهم قال
ألصحابه :قد أبلغنا الحجة وأنذرنا ،وقد وجب علينا اآلن جهادهم ،فإغزوهم على
17بركة هللا تعالى)
ـ من هم المرابطون؟2
،المرابطون :من المرابطة و الرباط
17
ـ ابن أبي زرع روض القرطاس ص125: