You are on page 1of 20

‫‪ :‬بحث لنيل شهادة اإلجازة في التاريخ تحت عنوان‬

‫‪ :‬دراسة في‬
‫شخصية األمير يوسف بن تاشفين‬
‫‪.‬تحت إشراف األستاد‪ :‬عبد القادر أيت الغازي‬
‫‪.‬من إعداد‪ +‬الطالب‪ :‬ياسين البريشي‬
‫إهداء‬
‫‪2019-2020‬‬

‫إلى من كانت دعواتهما مسكا في أدني‪ ،‬وعطرا في حياتي‪،‬‬


‫إلى أمي وأبي الكريمين حفظهما هللا‪.‬‬
‫إلى إخوتي كلهم‪ ،‬إليكم هذا االعتراف بجميل صنعكم‪ ،‬إلى‬
‫من تحمل عناء قراءة هذا البحث المواضع‪.‬‬
‫إلى أساتذتي كلهم‪ ،‬إلى كل من دعمني و مد حبل العون لي‪،‬‬
‫وإلى كل االستاذة المناقشين الذين تحملوا عناء قراءة مشاريع‬
‫هذه البحوث إلى كل دكاترة التاريخ الدين درسوني‪.‬‬
‫إلى أستاذي الفاضل الدكتور‪ :‬عبدالقادر أيت الغازي‪.‬‬
‫إلى كل من ساهم في هذا العمل من قريب ومن بعيد‪.‬‬
‫شكرا لكم‪.‬‬
‫كلمة شكر‬

‫أتقدم بالشكر الجزيل لألستاذ الكريم‪ :‬عبد القادر أيت‬


‫الغازي‪ ،‬الذي أجد نفسي عاجزا عن شكره‪ .‬فجزاه هللا‬
‫عني خير الجزاء لما قدمه لي من نصيحة عالية وتوجيه‬
‫صائب لهذا البحث المتواضع‪.‬‬
‫أطال هللا عمره‪ ،‬وجعله مالذا لكل طالب علم‪.‬‬
‫‪:‬مقدمة‬
‫الفصل األول‪ :‬األمير‪ +‬يوسف بن تاشفين ( النسب‬
‫والصفات)‬
‫بالحديث عن أحد أهم الشخصيات‪ +‬تأثيرا في تاريخ المغرب والتاريخ‬
‫اإلسالمي ككل‪ ،‬البد أن نقف في البداية وقفة تأمل في شاب أسمر اللون ‪ ،‬معتدل‬
‫القامة ‪ ،‬تربى في الصحراء كسائر األبطال المسلمين‪ ،‬وأخذ منها عادات أهلها‬
‫وتقاليدهم‪ ،‬وأعرافهم وطقوسهم‪ ،‬وتلقى العلم في طفولته من أفواه الوعاظ‬
‫والمحدثين‪ ،‬ولم يتعمق في الدين نظرا لقلة المدارس بالصحراء ألنها لم تكن بيئة‬
‫مواتية لقدوم الفقهاء للتدريس‪ ،‬إنه أمير المسلمين المرابطي البربري يوسف بن‬
‫تاشفين الذي ينتمي لقبيلة كان لها الفضل األكبر في إنتشار المذهب المالكي‬
‫بالمغرب وإفريقيا واألندلس‪ ،‬قبيلة لمتونة من قبائل صنهاجة‪ ،‬حيث قال إبن الحزم‬
‫األندلسي رحمه هللا‪( :‬مذهبان انتشروا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان‪ ،‬الحنفي‬
‫‪1‬بالمشرق والمالكي باألندلس)‬
‫ولسبر أغوار هده الشخصية العظيمة البارزة في التاريخ‪ ،‬هده الشخصية التي‬
‫خلدت اسمها بأحرف من دهب فيه‪ ،‬وارتبطت ارتباطا وثيقا بالمعركة الخالدة‬
‫‪(.‬الزالقة سنة ‪ 479‬ه‪1086،‬م)‬
‫هده المعركة التي تقاس عظمتها بمعركة (اليرموك) في عظمتها‪ ،‬التي لقن من‬
‫خاللها يوسف بن تاشفين العدو الصليبي درسا لن ينسى في التاريخ وتاريخ‬
‫األندلس! والتي ذكرت في العديد من المصادر وأمهات الكتب‪ ،‬منها "اإلستقصا"‬
‫‪.‬ل (العالمة والشيخ الكبير الناصري)‪....‬وغيرها‬
‫ونصر هللا به اإلسالم والمسلمين في دلك الزمن‪ ،‬وبهدا البد أن نتحدث ونشير إلى‬
‫النسب الذي ينتمي إليه أمير المسلمين يوسف بن تاشفين والصفات التي ميزت‬
‫هده الشخصية الفريدة من نوعها في التاريخ‪ ،‬علما أن مولده كان سنة ‪ 400‬ه‬
‫وتوفي سنة ‪500‬ه‪ ،‬أي أنه عاش قرنا من الزمن ‪ ،‬وعاش في الشطر الغربي من‬
‫الصحراء الكبرى‪ ،‬ولم تتناول المصادر والكتب تاريخ طفولته وشبابه‪....‬متناولة‬
‫‪.‬فقط المرحلة التي تقوى وإشتد فيها عوده رحمة هللا عليه‬
‫‪ :‬المبحث األول‪ :‬النسب‬
‫‪:‬ـ اإلسم والنسب‪1‬‬
‫ـ إبن حزم األندلسي‪ ،‬تحقيق إحسان عباس ‪(،1987‬رسائل ابن حزم األندلسي)ج ‪ 2‬ط‪ 2‬بيروت لبنان‪1.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪.‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ +‬ص ‪229‬‬


‫تحدثت جملة من المصادر المهمة في تاريخ المغرب عن ذكر نسب األمير‬
‫يوسف بن تاشفين وإسمه وكنيته‪ ،‬منها ما ورد في كتاب "األنيس المطرب"‪( :‬هو‬
‫أمير المسلمين يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن نرقوت ابن ورتانطق بن منصور‬
‫بن مصالة بن أمية بن واتملي بن تليت الحميري الصنهاجي من ولد عبد الشمس‬
‫‪2‬بن وائل بن حمير)‬
‫وورد أيضا في كتاب "الحلل الموشية"‪(:‬هو يوسف بن تاشفين بن ابراهيم بن‬
‫تورقيت بن ورتاقطن بن منصور بن مصالة بن مالية بن ونمالي‪ ،‬الصنهاجي‬
‫الحميري‪ ،‬وفي ابراهيم يجتمع مع ابنى عمه األميرين اللذين كانا قبله‪ :‬أبى زكريا‪،‬‬
‫‪3‬وأبي بكر إبنى عمر بن إبراهيم بن تورقيت)‬
‫أما أمه فهي حرة لمتونية بنت عم أبيه‪ .‬وإسمها حسب "األنيس المطرب" حيث‬
‫‪.‬ورد‪ (.‬فاطمة بنت سير بن يحيى بن وجاج بن ورتانطق المدكور)‬
‫‪.‬وعن كنيته‪ ،‬في المصدر ذاته‪(:‬أبو يعقوب)‬
‫‪.‬وفي "الحلل الموشية"‪(:‬وكنيته‪ :‬أبو يعقوب)‬
‫بنوه‪:‬في "الحلل"‪ (:‬أبو بكر سير‪ ،‬وابراهيم‪ ،‬وعلي ـالملى بعده‪ ،‬وأبو الطاهر تميم‪،‬‬
‫‪4.‬والمعز)‬
‫‪.‬ووزراءه‪ :‬صهره سير بن أبي بكر‬
‫وكان مولده في سنة ‪400‬ه ببالد الصحراء‪ +،‬ووفاته في سنة ‪500‬ه‪ ،‬فكان كل‬
‫عمره ‪ 100‬سنة‪ ،‬حيث تحدث ابن ابي زرع الفاسي في "االنيس المطرب"‪:‬‬
‫‪(5.‬مولده في سنة أربعمائة ببالد الصحراء‪ ،‬ووفاته في سنة خمسمائة‪)....‬‬

‫‪2‬‬
‫ـ تأليف علي ابن أبي زرع الفاسي‪ ،‬الكتاب‪":‬األنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك‪2‬‬
‫وتاريخ مدينة فاس"‪ ،‬دار المنصور للطباعة والوراقةـ الرباط‪ ،‬سنة ‪ .1972‬ص‪136:‬‬
‫‪3‬‬
‫ـ لمؤلف أندلسي من أهل القرن الثامن الهجري‪،‬تحقيق الدكتور‪:‬سهيل زكار واالستاد‪ +:‬عبد القادر‪3‬‬
‫زمامة‪ .‬الكتاب‪":‬الحلل الموشية في ذكر األخبار المراكشية" ط‪ 1.‬سنة ‪1399‬ـ‪ 1979‬نشر وتوزيع دار‬
‫الرشاد الحديثة‪.‬الدار البيضاء‪.‬ص‪24:‬‬
‫‪4‬‬
‫ـ مرجع سابق‪.‬ص‪424:‬‬
‫‪5‬‬
‫ـ مرجع سابق‪.‬ص‪5137:‬‬
‫‪.‬وعليه قد يكون يوسف بن تاشفين رحمة هللا عليه قد عاش قرنا كامال من الزمن‬
‫ويوسف بن تاشفين ينتمي إلى قبيلة لمتونة من قبائل صنهاجة اللتام‪ ،‬وصنهاجة‬
‫هده إحدى قبائل البرانس من البربر وأنهم أعظم قبائلها بالمغرب‪ ،‬حيث أن أي‬
‫مكان من األمكنة ال يكاد يخلوا من بطن من بطونهم سواء تعلق األمر بالجبال أو‬
‫السهول(األرض المنبسطة)‪ ،‬وهم ثلث البربر‪ ،‬كما تقدم بعض النسابين العرب إلى‬
‫كون صنهاجة وكتامة من حمير‪ ،‬كما جاء في كتاب "اإلستقصا"‪"،‬الخبر عن‬
‫الدولة الصنهاجية اللمتونية المرابطية وأوليتها"‪ ،‬حيث ذكر الناصري‪ (:‬قد تقدم لنا‬
‫عند الكالم على نسب البربر وشعوبها أن صنهاجة إحدى قبائل البرانس وأنهم‬
‫أعظم قبائلها بالمغرب ال يكاد قطر من أقطاره تخلو من بطن من بطونهم في جبل‬
‫أو بسط‪...‬وتقدم لنا أن النسابين العرب زعموا أن صنهاجة من كتامة من حمير)‪،6‬‬
‫كما أن هده القبيلة يتوقف نسبها إلى كنعان بن حام كسائر البربر‪ ،‬وحام هو أحد‬
‫أبناء نوح عليه الصالة والسالم‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن أرض فلسطين هي ديار البربر ببالد الشام‪ ،‬وكان ملكهم‬
‫جالوت‪ ،‬ولما قتل داوود جالوت‪ +،‬فسارو إلى بالد المغرب وإفريقيا‪ ،‬والبربر قبائل‬
‫متعددة وشعوب كثيرة‪ ،‬ومنها خرجت قبيلة صنهاجة‪ ،‬ذكر البكري في‬
‫كتابه"المسالك والممالك"‪ (:‬وأما البربر فإن ديارهم كانت فلسطين من بالد الشام‪،‬‬
‫وكان ملكهم جالوت‪ +،‬وهدا اإلسم سمة لملوكهم‪،‬إلى أن قتل داوود جالوت‪ +،‬فسارو‬
‫إلى بالد المغرب‪...‬والبربر قبائل كثيرة وشعوب جمة‪،‬هوارة وزناتة و ضريسة‬
‫‪7 .‬ونفزة وكتامة ولواتة وغمارة ومصمودة‪....‬وصنهاجة‪)..‬‬
‫وإختلف في نسب البربر‪ ،‬فالراجح من كنعان بن حام‪ ،‬وقيل إن نسبهم من أوزاع‬
‫اليمن فتشتتوا فرقا عندما كان سيل العرم ما كان‪ ،‬كما قيل أن أبرهة ذا المنار‬
‫خلفهم بالمغرب‪ +،‬ومنهم من دهب إلى كونهم من قيس بن عيالن‪ ،‬كما جاء عند‬
‫البكري‪(:‬وقد إختلف في نسبهم‪ ،‬فزعم بعضهم أنهم من من ولد كنعان بن حام‪،‬‬
‫وقيل إنهم أوزاع من اليمن تفرقوا عندما كان سيل العرم ما كان‪ ،‬وقيل إن أبرهة‬
‫‪.‬ذا المنار خلفهم بالمغرب‪ ،‬ومنهم من رأى أنهم من قيس بن عيالن‪)...‬‬
‫‪6‬‬
‫ـ تأليف العالم العالمة‪:‬الشيخ بن أحمد بن خالد الناصري‪ +‬السالوي‪"،‬االستقصا ألخبار دول المغرب‪6‬‬
‫األقصى"‪ ،‬خقوق الطبع محفوظة للمؤلف‪.‬ص‪98:‬ـ‪99‬‬
‫‪7‬‬
‫ـ تأليف أبي عبيد عبدهللا بن عبد العزيز بن محمد البكري‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور‪:‬جمال طلبة‪".‬المسالك‪7‬‬
‫‪.‬والممالك"ج‪ 1‬ط‪.1‬بيروت ـ لبنان ‪.‬دار الكتب العلمية‪.‬ص‪249‬‬
‫وتكلم العالمة العظيم عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته الشهيرة على أن‬
‫صنهاجة كانت مجاال للملثمين‪ ،8‬وهم شعوب كبيرة مابين كزولة ولمتونة ومسوفة‬
‫ولمطة‪ ،‬وإمتد مجال نفود هده القبائل البربرية في الجانب األسفل منها صحراء‪+‬‬
‫(نيسر) متصلة من الغرب إلى الشرق ذات مفاوز تسلك فيها التجارة مابين بالد‬
‫المغرب وبالد السودان‪ ،‬حيث ذكر‪(:‬وفي الجانب األسفل منها صحراء‬
‫"نيسر"متصلة إلى الغرب إلى الشرق ذات مفاوز تسلك فيها التجارة مابين بالد‬
‫‪9.‬المغرب وبالد السودان‪)...‬‬
‫و بهدا فنسب يوسف بن تاشفين كان نسبا عظيما‪ ،‬شأنه في دلك شأن العديد من‬
‫‪.‬الشخصيات‪ +‬البارزة في تاريخ اإلسالم والمسلمين‬
‫‪ :‬ـ لقبه‪2‬‬
‫حينما فتح األمير يوسف بن تاشفين األندلس‪ ،‬ولما قدمه للملوك الطوائف‬
‫من جميل ‪ ،‬وأدل هللا به ملوك الروم بايعوه في دلك اليوم‪ ،‬حيث شهدوا معه تلك‬
‫الواقعة (الزالقة)‪ ،‬حينها كان عددهم ثالثة عشر ملكا من الملوك الطوائف‪،‬‬
‫وسلموا عليه بأمير المسلمين‪ ،‬وهو أول من تسمى بأمير المسلمين من ملوك‬
‫المغرب وتكلم عنه بن ابي زرع في "األنيس المطرب" فقال‪(:‬وكان يدعى‬
‫باألمير‪ ،‬فلما فتح األندلس وصنع غزاة الزالقة وادل هللا بها ملوك الروم بايعه في‬
‫دلك اليوم ملوك األندلس وأمرائها الدين شهدوا معه تلك الغزاة‪ ،‬وكانوا ثالثة عشر‬
‫ملكا‪ ،‬وسلموا عليه بأمير المسلمين‪ ،‬وهو أول من تسمى بأمير المسلمين من ملوك‬
‫المغرب‪،10)..‬وكان األمير يوسف بن تاشفين يحترم الخلفاء العباسيين‬
‫بالمشرق‪ ،‬ولم يرضى بلقب أمير المؤمنين طاعة لهده الخالفة‪ ،‬الموجودة ببغداد‬
‫رغم الضعف والهوان الذي كان ينخر الدولة العباسية ببغداد‪ ،‬وقال أنا رجله‬
‫والقائم بأمره ببالد المغرب‪ ،‬وعليه فإن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين كان‬

‫‪8‬‬
‫ـ الملثمين‪ :‬أو أهل اللثام فهو إسم إختص به قسم‪ +‬كبير من قبائل صنهاجة الصحراء‪ ،‬الدين يكونون‪8‬‬
‫القسم االساسي من القبائل التي ناصرت دولة المرابطين بزعامة قبيلة لمتونة‪ ،‬وفي هدا االسم حديث كثير‬
‫‪....‬سيأتي دكره الحقا‬
‫‪9‬‬
‫ـ‪9‬ـ تأليف عبد الرحمن ابن خلدون‪ ،‬إعتنى به أبو صهيب الكرمي‪"،‬المقدمة تاريخ العالمة ابن خلون‬
‫كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبرفي أيام العرب والعجم والبربر‪"..‬مكتبة ودار المدينة المنورة للنشر‬
‫‪.‬والتوزيع ـ الدار التونسية ‪1984‬‬
‫‪10‬‬
‫‪.‬ـ مرجع سابق ص‪137:‬‬
‫رجل صالح وتفكيره في عدم التفرق والخالف والصدام مع العباسيين مادام أنهم‬
‫مسلمين ولكونهم ينتسبون من عمومة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وإكتفى‬
‫فقط بلقب أمير المسلمين مراعاة للخليفة العباسي‪ ،‬بالرغم من أنه كان أضعف‬
‫بكثير من يوسف بن تاشفين‪ ،‬لكن هكذا كان أمير المسلمين يوسف بن تاشفين ألنه‬
‫‪.‬بطبيعة الحال نشأة وترعرع في بيئة ووسط يقدر ويكن اإلحترام للطرف األخر‬
‫وكما هو معلوم ومدكور بمجموعة من بالمصادر والمراجع‪ ،‬عندما تقوت الدولة‬
‫المرابطية بأرض المغرب وضخمت مملكة األمير يوسف بن تاشفين وإتسعت‪،‬‬
‫إجتمع تلة من الفقهاء‪ +‬واألشياخ وأعيان القبائل‪ ،‬في شأن إضافة لقب (المؤمنين)‬
‫إلى األمير‪ ،‬ألنهم كانوا يدعونه بأنه هو خليفة هللا بأرض المغرب وناصر الدين‬
‫واإلسالم بها‪ ،‬فإمتنع األمير يوسف بن تاشفين عن دلك‪ ،‬للسبب الذي ذكر‬
‫سالفا‪،‬ألن خلفاء‪ +‬بني العباس هم األحق واألجدر بدلك‪ ،‬ألنهم من الساللة الكريمة‬
‫وملوك الحرمين(مكة ـ المدينة)‪ ،‬وجاء في "الحلل الموشية" ما يلي‪( :‬ويوسف بن‬
‫تاشفين كان يدعى باألمير‪ ،‬فلما ضخمت مملكته‪ ،‬واتسعت عمالته‪ ،‬اجتمع إليه‬
‫أشياخ قبيلته‪ ،‬وأعيان دولته‪ ،‬وقالوا له‪ :‬أنت خليفة هللا في هدا المغرب‪ ،‬وحقك‬
‫أكبر من أن تدعى باألمير ‪ ،‬بل ندعوك بأمير المؤمنين‪ ،‬فقال لهم‪ :‬حاش هللا أن‬
‫نتسمى بهدا اإلسم‪ ،‬إنما يتسمى به خلفاء بني العباس لكونهم من تلك الساللة‬
‫الكريمة‪ ،‬ألنهم ملوك الحرمين‪ :‬مكة ‪،‬والمدينة ‪ ،‬وأنا رجلهم‪ ،‬والقائم‬
‫بدعوتهم‪،‬فقالوا له البد من إسم تمتاز به‪ ،‬وبعدها أجاب إلى" أمير المسلمين‬
‫‪11‬وناصر الدين"‪).....‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أمر مهم وهو اإلختالف الحاصل حول لقب أمير المسلمين‪،‬‬
‫هل كان قبل الجواز إلى األندلس أم بعد معركة الزالقة‪ ،‬وبالتالي فهناك إختالف‬
‫‪.‬بين المؤرخين حول هده القضية‬
‫‪:‬المبحث الثاني‪ :‬صفات‪ +‬األمير يوسف بن تاشفين‬
‫أما عن صفات األمير يوسف بن تاشفين المرابطي‪ ،‬فقد وصفه مجموعة من‬
‫المؤرخين واألعالم‪ ،‬هدا الذهبي يقول عنه في "سير أعالم النبالء"‪ (:‬كان ابن‬

‫‪11‬‬
‫‪.‬ـ مرجع سابق ص‪29:‬‬
‫تاشفين كثير العفو ‪،‬مقربا للعلماء‪ +،‬وكان أسمر نحيفا‪،‬خفيف اللحية‪ ،‬دقيق الصوت‪+،‬‬
‫‪12.‬سائسا‪،‬حازما‪،‬يخطب لخليفة العراق)‬
‫ووصفه ابن األثير في "الكامل" بقوله‪ :‬كان حليما كريما‪ ،‬دينا خيرا‪ ،‬يحب أهل‬
‫العلم والدين‪ ،‬ويحكمهم في بالده‪ ،‬ويبالغ في إكرام العلماء‪ +‬والوقوف عند إشارتهم‪،‬‬
‫وكان ادا وعضه احدهم خشع عند استماع الموعظة‪ ،‬وألن قلبه لها ‪ ،‬وظهر دلك‬
‫‪)13.‬عليه‪ ،‬وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام‬
‫وفي "األنيس المطرب" وصفه كما يلي‪(:‬صفته‪ :‬أسمر اللون نقية‪ ،‬معتدل القامة‪،‬‬
‫نحيف الجسم‪ ،‬خفيف العارضين‪ ،‬رقيق الصوت أكحل العنين‪ ،‬أقنا األنف‪ ،‬له وفرة‬
‫تبلغ شحمة أدنيه‪ ،‬مقرون الحاجبين‪،‬جعد الشعر‪ ،‬وكان رحمة هللا شجاعا حازما‬
‫مهابا ظابطا لحكمه‪ ،‬منفقد الموالي من رعيته‪ ،‬حافظا لبالده وثغوره‪ ،‬مواظبا على‬
‫‪14.‬الجهاد‪ ،‬مؤيدا منصورا‪ ،‬جوادا كريما سخيا زاهدا في الدنيا‪)..‬‬
‫كان يوسف بن تاشفين يلبس الثياب من الصوف عكس األمراء السابقين ومن‬
‫عاصروه من أرض المشرق‪ ،‬ولم يلبس قط غيرها‪ ،‬وفي المأكل والمشرب‪ ،‬كان‬
‫أكله الشعير ولحوم اإلبل وألبانها‪ ،‬مقتصرا على دلك‪..‬إلى أن توفي رحمه هللا‪ ،‬كما‬
‫ورد في "األنيس المطرب"‪( :‬لباسه الصوف‪....‬وأكله الشعير ولحوم اإلبل‬
‫‪.‬وألبانها‪)..‬‬

‫‪12‬‬
‫‪.‬ـ الذهبي‪ ،‬سير أعالم النبالء‪ ،‬ص‪19:‬ـ‪253‬‬
‫‪13‬‬
‫‪.‬ـ ابن األثير‪ ،‬الكامل في التاريخ‪،‬ص‪9:‬ـ‪99‬‬
‫‪14‬‬
‫‪.‬ـ مرجع سابق‪.‬ص‪136 :‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬األمير‪ +‬يوسف بن تاشفين وتولي أمور‬
‫‪:‬السلطة‬
‫‪:‬تمهيد‬
‫تعتبر دولة المرابطين من أعظم الدول التي مرت بتاريخ المغرب‪ ،‬لدلك فمن‬
‫الضروري اإلشارة لنشأتها حتى وفاة األمير يوسف بن تاشفين ـ رحمه هللا ـ عام‬
‫(‪ )500‬ه ‪ ،‬وما لهده الدولة من أثر حميد في نشر عقيدة التوحيد الخالص هلل‬
‫تعالى‪ ،‬وطمس كل معالم الشرك والجهل في البالد التي جاهدت فيها‪ ،‬حتى أكرمها‬
‫هللا تعالى بتوحيدها في بالد المغرب العربي‪ ،‬ومن تم بالد األندلس تلك البالد التي‬
‫كانت تعاني الشتات والتمزق والصراع الذي لم يشهد له مثيل‪ ،‬وكانت الحياة‬
‫العامة بالعالم العربي أنداك ممزقة تقريبا‪ ،‬إال أنها بالمغرب واألندلس كانت‬
‫ظاهرة للعيان‪ ،‬بادية في كل مظاهر الحياة‪ ،‬لم تغيرها المصائب‪ +‬والنكبات التي‬
‫‪.‬كانت تقع على المسلمين بتلك البالد‬
‫إذن فما هي البدايات األولى لتكوين المرابطين؟‬
‫وما هي دعوتهم؟‬
‫وكيف وصل أمير المسلمين يوسف بن تاشفين إلى سدة الحكم؟‬
‫وكيف برز في صفوف دعوة المرابطين؟‬
‫وكيف وحد المغرب وإستنقد األندلس من مخالب الصليبية؟‬
‫وما الدوافع وراء الجهاد باألندلس؟‬
‫إن اإلجابة عن هده السلسلة من التساؤالت ستظهر جلية وواضحة في طي هده‬
‫‪.‬الدارسة‬
‫‪:‬المبحث األول‪ :‬البدايات األولى لدولة المرابطين‬
‫‪ :‬ـ نشأة الدولة المرابطية‪1‬‬
‫بدأت قصة نشوء دولة المرابطين مع شخصية يرجع لها الفضل الكبير في تكوين‬
‫هذه اإلمبراطورية الحقا‪ +،‬الشيخ والفقيه عبد هللا بن ياسين ‪ ،‬لكن قبل دلك‪ .‬البد من‬
‫الوقوف عند المراحل التي طبعت هده النشأة وأخذ لمحة عامة عن الظروف التي‬
‫كانت عليها القبائل‪ +‬البربرية خالل هده الفترة وبالد المغرب األقصى‪ ،‬يقودنا هذا‬
‫إلى تساؤل عريض وهو‪ :‬كيف وصل الدين الصحيح ببالد المغرب األقصى؟‬
‫في أعماق الصحراء بأقصى المغرب‪ ،‬كان هناك قبائل صنهاجية تعيش على‬
‫البداوة وال تتقن الزارعة‪ ،‬ومع إبتعادهم بالصحراء‪ ،‬استمروا على جهالتهم‬
‫وبداوتهم‪ ،‬وضاع دين اإلسالم منهم‪ ،‬ثم اجتمعوا كلهم حول ملك واحد‪ ،‬ثم مات‬
‫وخلفه حفيده‪ ،‬ثم ابن حفيده الذي ثار عليه الصنهاجيون فقتلوه‪ ،‬وإختلف أمرهم‬
‫وصاروا طوائف عديدة‪ ،‬ثم إجتمعوا بعد فترة أخرى حول ملك أخر كان من‬
‫لمتونة‪ ،‬وإسمه ابن تيفاوين اللمتوني‪ .‬غير أنه لم يعمر طويال‪ ،‬فقد مات في إحدى‬
‫المعارك‪ ،‬فخلفه صهره يحيى بن إبراهيم الجدالي الذي كان ينتمي هو األخر إلى‬
‫‪.‬قبيلة كبيرة (جدالة) مثلها مثل لمتونة‪ ،‬وصار هذا األخير رئيس صنهاجة‬
‫وكان يطبع هذا الزمن الجهل وإنتشار الفتن والفواحش العظيمة (كالزنا وزواج‬
‫األخ بأخته وزواج الرجل ما يشاء من النساء‪ ،)....‬كما كانت هذه القبائل ال تعرف‬
‫من اإلسالم ال صالة وال زكاة وال شرائع‪ ..‬إال الشهادتين فقط (اللهم الشهادتين‬
‫‪15‬فحسب)‬
‫ستبدأ بدرة التغيير حينما أراد يحيى بن إبراهيم الجدالي أن يحج‪ ،‬وكان الحج في‬
‫هذا الزمان ـ أيضا ـ رحلة في طلب العلم‪ ،‬فإستخلف إبنه إبراهيم وسار إلى‬
‫الشرق‪ ،‬وأثناء عودته ذهب إلى القيروان‪ ،‬هناك قابل أبا عمران موسى بن عيسى‬
‫الفاسي‪ ،‬وهوشيخ المالكية في مدينة القيروان‪ ،‬وكان الذهب المالكي هو المنتشر‬
‫بالشمال األفريقي وإلى عصرنا الحاضر‪ +‬كما كان هو المذهب السائد باألندلس‬
‫كذلك أنداك‪ ،‬وعند مقابلة هذا الشيخ الكبير‪ ،‬أيقن يحيى الجدالي أن قومه يعيشون‬
‫في جاهلية كبرى‪ ،‬وعليه فقد كان هو الزعيم الحريص عليهم‪ ،‬لذلك أخبر يحيى‬
‫شيخه أبا عمران بأن قومه اليعرفون شيئا عن أمور دينهم‪ ،‬فعامة الناس يعرفون‬
‫الشهادتين فقط‪ ،‬إال قلة قليلة من تعرف بعض التعاليم‪ ،‬وأن العلم لهم من العلوم‬
‫‪.‬وال مذهب لهم من المذاهب‪ ،‬ألنهم منقطعون بالصحراء‬
‫فعرض الفقيه على طالبه أن يذهبوا مع يحيى فأبوا‪ ،‬فأرسل إلى أحد الفقهاء‪ +‬ببالد‬
‫المغرب يدعى وجاج بن ولو اللمطي‪ ،‬وكان من طالب أبا عمران‪ ،‬وقد تفقه‬
‫‪15‬‬
‫‪.‬ـ ابن أبي زرع‪ .‬األنيس المطرب ص‪124 :‬‬
‫وجلس للتدريس‪ ،‬فرحل إليه يحيى‪ ،‬فأرسل معه الفقيه وجاج واحدا من ألمع‬
‫‪.‬وأذكى تالميذه وهو عبد هللا بن ياسين‬
‫وكان عبد هللا بن ياسين هو الزعيم األول للمرابطينن وجامع شملهم‪ ،‬وصاحب‬
‫‪.‬الدعوة اإلصالحية فيهم (‪451‬ه ـ ‪1059‬م)‪ ،‬ومن فقهاء المالكية‬
‫إتجه الشيخ عبد هللا بن ياسين صوب الصحراء‪ +‬الكبرى‪ ،‬مخترقا جنوب الجزائر‬
‫وشمال موريتانيا حتى وصل إلى الجنوب منها‪ ،‬حيث قبيلة جدالة‪ ،‬فوجد عليها‬
‫ناسا يرتكبون المنكرات أمام بعضهم البعض‪ ،‬وبدأ عبد هللا بن ياسين بالدعوة‬
‫فيهم‪ ،‬حيث يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر‪ ،‬لكن ثار عليه القوم وأصحاب‪+‬‬
‫المصالح‪ ،‬وبدأ الناس يصدونه عما يفعله‪ ،‬ولم يستطع يحيى الجدالي أن يحميه‪.‬‬
‫وحاول عبد هللا بن ياسين المرة تلو األخرى في دعوتهم‪ ،‬إال أن هددوه بالطرد‬
‫‪.‬والقتل‪ ،‬مرت األيام حتى طردوه بالفعل‬
‫بدأ الشيخ عبد هللا بن ياسين في التفكير في بناء النواة األولى لدولة المرابطين‬
‫كأساس لدعوته اإلصالحية‪ ،‬بعد ذلك تعمق في الصحراء ناحية الجنوب بعيدا‬
‫داخل القارة اإلفريقية‪ ،‬حتى وصل إلى جزيرة يرجح أنها تقع في منحنى نهر‬
‫النيجر على مقربة من مدينة (تونبكتو)‪ .‬فمن هنا بدأ أمر المرابطين‪ ،‬يصف ابن‬
‫خلدون هذه الجزيرة بقوله‪ ( :‬يحيط بها النيل‪ ،‬ضحضاحا في الصيف‪ ،‬وغمرا في‬
‫الشتاء يعبر بالزوارق)‪ .16‬هنا صنع عبد هللا بن ياسين خيمته البسيطة‪ ،‬وكان من‬
‫الطبيعي أن يتواجد بعض الناس من جدالة‪ ،‬فحين علموا أن شيخهم بمقره البعيد‬
‫نزلوا إليه من جنوب موريتانيا‪ ،‬ولم يتجاوز عددهم في بادئ األمر سبعة نفر من‬
‫جدالة على رأسهم األمير يحيى بن إبراهيم الجدالي وتضيف المصادر إلى وفود‬
‫‪.‬يحيى بن عمر وأخوه أبو بكر أيضا‬
‫وكانت هذه النواة األولى لتشكيل دولة المرابطين والتربية على منهج الرسول‬
‫الكريم صلى هللا عليه وسلم حتى بدأت تتقوى وتزداد يوما بعد يوم وتشتد شوكتها‪،‬‬
‫إلى أن قسمها الشيخ عبد هللا بن ياسين إلى مجموعات صغيرة‪ ،‬وهو منهج‬
‫الرسول صلى هللا عليه وسلم حينما قسم صحابته الكرام رضوان هللا عليهم خالل‬
‫بيعة العقبة الثانية إلى قسم اإلثنين والسبعين رجال من أهل المدينة المنورة إلى‬
‫‪16‬‬
‫‪.‬ـ ابن خلدون العبر ص‪183 :‬‬
‫إثنى عشر قسما حتى قامت دولة المسلمين‪.‬وروى ابن أبي زرع عن هذه المرحلة‬
‫من دولة المرابطين بقوله‪( :‬فدخالها (الجزيرة) ودخل معهم سبعة من نفر كدالة‪،‬‬
‫فإبتنيا بها رابطة‪ ،‬وأقام بها مع أصحابه يعبدون هللا تعالى مدة من ثالثة أشهر‪،‬‬
‫فتسامح الناس بأخبارهم‪ ،‬وأنهم يطلبون الجنة والنجاة من النار‪ ،‬فكثر الوارد عليهم‬
‫والتوابون‪ ،‬فأخذ عبد هللا بن ياسين يقرئهم القرآن ويستميلهم إلى األخرة‪....‬فجمع‬
‫أشياخ القبائل ورؤسائهم وقرأ عليهم حجة هللا‪ ،‬ودعاهم إلى التوبة‪ ،‬وخوفهم عقاب‬
‫هللا‪...‬في كل ذلك ال يلتفتون إلى قوله‪ ،‬وال يزدادون إال فسادا‪ ،‬فلما يأس منهم قال‬
‫ألصحابه‪ :‬قد أبلغنا الحجة وأنذرنا‪ ،‬وقد وجب علينا اآلن جهادهم‪ ،‬فإغزوهم على‬
‫‪17‬بركة هللا تعالى)‬
‫ـ من هم المرابطون؟‪2‬‬
‫‪ ،‬المرابطون‪ :‬من المرابطة و الرباط‬

‫‪17‬‬
‫ـ ابن أبي زرع روض القرطاس ص‪125:‬‬

You might also like