You are on page 1of 9

‫بحث في استقبال القبلة في حق البعيد عن مكة ومقدار االنحراف الذي يخرجه عن استقبال القبلة‬

‫مصعب محمد عادل‬

‫‪1‬‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫‪ -‬ال خالف بين أهل العلم في أن استقبال القبلة شرط لصحة الصالة في الفريضة مع القدرة‪.‬‬
‫‪ -‬وأجمع العلماء على أن من ترك استقبال القبلة وهومعاين لها وعالم بجهتها فصالته غير صحيحة‪.‬‬
‫‪ -‬وأجمعوا أن على كل من غاب عنها أن يستقبل ناحيتها وشطرها‪.‬‬
‫‪ -‬واألصل في ذلك قوله تعالى "وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره" وقوله صلى اهلل عليه وسلم للصحابي‪" 5‬إذا قمت‬
‫إلى الصالة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر" رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ -‬لكن البحث هنا عن البعيد عن الكعبة الذي يجب عليه استقبال جهتها‪:‬‬
‫ما مقدار السعة في قبلته؟‬ ‫‪o‬‬
‫وما القدر الذي إذا انحرف به عن القبلة ال تصح صالته؟‬ ‫‪o‬‬
‫وهل يعفى عن االنحراف اليسير؟‬ ‫‪o‬‬
‫وما الحكم في المساجد التي تنحرف محاريبها‪ 5‬عن القبلة شيئا يسيرا؟ هل تصح الصالة فيها على حالها؟‬ ‫‪o‬‬
‫وهل يجب تغييرها‪ 5‬أم هو األولى واألفضل مع صحة الصالة فيه على حالها؟‬

‫‪2‬‬
‫جمهور العلماء على أن االنحراف‪ 5‬اليسير عن القبلة في حق البعيد عنها ال يؤثر في صحة الصالة إذا لم تتغير الجهة‬
‫تغيرا كليا كأن تكون القبلة في الشرق والمصلي‪ 5‬في الشمال أو الجنوب‪ ،‬وأنه إذا كانت قبلته في الشمال فكل ما بين المشرق‪5‬‬
‫والمغرب إذا كان وجهه إلى الشمال قبلة له وال يضره اإلنحراف‪ 5‬في ما بين هذا‪.‬‬

‫‪ -‬األدلة‪:‬‬
‫أوالً‪:‬‬
‫‪ -‬روى الترمذي‪ )314-313( 5‬عن أبي هريرة عن النبي صلى اهلل عليه وسلم قال (ما بين المشرق والمغرب قبلة) قال‬
‫أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح [وصححه األلباني]‪.‬‬

‫شرح الحديث‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن قدامة في المغني (‪" )2/273‬وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة"‪.‬‬
‫‪ -‬فتاوى اللجنة الدائمة الفتوى رقم ( ‪ ) 3534‬ص(‪ " )6/313‬وهذا خطاب ألهل المدينة ونحوهم ممن هو في‬
‫شمال الكعبة أو جنوبها‪ ،‬وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة‪ ،‬وأما من كان عن الكعبة غربا أو شرقا‪ 5‬فإن القبلة في حقه‬
‫ما بين الشمال والجنوب"‪.‬‬
‫‪ -‬قال الشيخ ابن عثيمين رحمه اهلل في مجموع فتاواه (‪" )12/341‬قال النبي صلى اهلل عليه وسلم ألهل المدينة ‪(( :‬‬
‫ما بين المشرق‪ 5‬والمغرب قبلة ))‪ ،‬ألن المدينة تقع شماالً عن مكة ‪ ،‬فإذا وقع الشمال عن مكة فإن جهة القبلة تكون ما‬
‫بين المشرق والمغرب ‪ ،‬وعلى هذا فلو انحرفت ولكنك لم تخرج عن مسامتة الجهة فإن ذلك ال يضر ‪ ،‬ألن الجهة‬
‫واسعة ‪ ،‬فإذا كان البلد يقع شرقاً‪ 5‬عن مكة فنقول ‪ :‬ما بين الشمال والجنوب قبلة ‪ ،‬وإ ذا كان يقع غرباً نقول ‪ :‬ما بين‬
‫الشمال والجنوب قبلة ‪ ،‬وهذا من تيسير اهلل ‪ ،‬ألن إصابة عين الكعبة مع البعد متعذر أو متعسر‪ ، 5‬وإ ذا كان متعذراً أو‬
‫متعسراً فإن اهلل قد يسر لعباده ‪ ،‬وجعل الواجب استقبال الجهة"‬
‫‪ -‬قال المباركفوري في تحفة األحوذي شرح جامع الترمذي (‪ )2/317‬قوله‪" :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‬
‫"ما بين المشرق والمغرب قبلة" قال البيهقي في الخالفيات‪ :‬المراد واهلل أعلم أهل المدينة ومن كانت قبلته على سمت‬
‫أهل المدينة انتهى‪.‬‬
‫‪ -‬قال ابن عبد البر المالكي في التمهيد (‪" )17/58‬السعة في القبلة ألهل اآلفاق‪ 5‬مبسوطة مسنونة وهذا معنى قول‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وقول‪ 5‬أصحابه‪" :‬ما بين المشرق‪ 5‬والمغرب قبلة" وعن أبي عبد اهلل يعني أحمد بن‬
‫حنبل قال هذا في كل البلدان قال وتفسيره أن هذا المشرق وأشار‪ 5‬بيساره وهذا المغرب وأشار‪ 5‬بيمينه قال وهذه القبلة‬
‫فيما بينهما وأشار تلقاء وجهه"‪.‬‬
‫‪ -‬قال الشوكاني في نيل األوطار (‪")3/253‬والحديث يدل على أن الفرض على من بعد عن الكعبة الجهة ال العين ‪،‬‬
‫وإ ليه ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد‪ ،‬وقد اختلف في معنى حديث الباب ‪ ،‬فقال العراقي ‪ :‬ليس عاما في سائر البالد ‪،‬‬
‫وإ نما هو بالنسبة إلى المدينة المشرفة وما وافق قبلتها ‪ ،‬وهكذا قال البيهقي في الخالفيات ‪ ،‬وهكذا قال أحمد بن‬
‫‪3‬‬
‫خالويه الوهبي‪ ،‬قال ‪ :‬ولسائر‪ 5‬البلدان من السعة في القبلة مثل ذلك بين الجنوب والشمال ونحو ذلك‪ ،‬قال ابن عبد‬
‫البر‪ :‬وهذا صحيح ال مدفع له وال خالف بين أهل العلم فيه"‬
‫‪ -‬قال الصنعاني في سبل السالم (‪" )1/143‬وقد ذهب إليه جماعة من العلماء لهذا الحديث ووجه االستدالل به على‬
‫ذلك أن المراد أن بين الجهتين قبلة لغير المعاين ومن في حكمه"‬
‫‪ -‬قال ابن عبد البر في االستذكار (‪ " )2/458‬البلدان كلها ألهلها من السعة في قبلتهم‪ 5‬مثل ما لمن كانت قبلته بالمدينة‬
‫الجنوب فيستقبلون جهتها ويتسعون يمينا وشماال فيها ما بين المشرق والمغرب يجعلون المغرب عن أيمانهم‬
‫والمشرق‪ 5‬عن يسارهم‪ ،‬وكذلك يكون ألهل اليمن من السعة في قبلتهم‪ 5‬مثل ما ألهل المدينة ما بين المشرق والمغرب‬
‫إذا توجهوا‪ 5‬أيضا قبل البيت إال أنهم يجعلون المشرق‪ 5‬عن أيمانهم والمغرب عن يسارهم‪ ،‬وكذلك أهل العراق‬
‫وخراسان لهم من السعة في استقبال القبلة ما بين الجنوب والشمال مثل ما كان ألهل المدينة من السعة فيما بين‬
‫المشرق والمغرب‪ ،‬وكذا هذا العراق على ضد ذلك أيضا‪ ،‬قال أحمد بن خالد‪ :‬قول عمر بن الخطاب ما بين المشرق‬
‫والمغرب قبلة قاله بالمدينة فمن كانت قبلته مثل قبلة المدينة فهو في سعة ما بين المشرق‪ 5‬والمغرب ولسائر البلدان‬
‫من السعة في القبلة مثل ذلك في الجنوب والشمال ونحو ذلك‪ .‬هذا معنى قوله وهو صحيح ال مدفع له وال خالف بين‬
‫أهل العلم فيه"‬

‫ثانياً‪ :‬اآلثار عن الصحابة بنفس المعنى‪:‬‬


‫‪ -‬قال الترمذي‪ 5‬وقال ابن عمر (إذا جعلت المغرب عن يمينك والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة إذا استقبلت‬
‫القبلة)‪.‬‬
‫‪ -‬روى مالك في الموطأ عن نافع أن عمر بن الخطاب قال (ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا ُتُوجِّه ِقَبَل البيت)‪.‬‬
‫‪ -‬روى ابن عبد البر في التمهيد (‪ )17/58‬بإسناده عن عثمان أنه قال (كيف يخطي الرجل الصالة و ما بين المشرق‬
‫و المغرب قبلة ما لم يتحر المشرق عمدا)‪.‬‬
‫‪ -‬روى ابن أبي شيبة بأسانيده عن عمر وابن عمر وعلي وابن عباس رضي‪ 5‬اهلل عنهم قولهم (ما بين المشرق‬
‫والمغرب قبلة)‪.‬‬

‫قال العلماء عن هذه اآلثار ‪:‬‬


‫‪ -‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية في شرح العمدة (‪ " )3/434‬وألن ذلك اجماع الصحابة رضي اهلل عنهم"‪.‬‬
‫‪ -‬ابن رجب في فتح الباري (‪ " )3/139‬وال يعرف عن صحابي خالف ذلك"‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬حديث آخر يعضد هذا المعنى‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫صلَّى اللَّهُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم قَا َل ‪( :‬‬
‫النبِ َّي َ‬
‫َن َّ‬ ‫‪ -‬روى البخاري‪ ) 144 ( 5‬ومسلم‪ ) 264 ( 5‬من حديث أبي أيوب رضي اهلل عنه أ َّ‬
‫وها ِب َب ْو ٍل َوال َغ ِائ ٍط ‪َ ،‬ولَ ِك ْن َ‬
‫شِّرقُوا أ َْو َغِّر ُبوا )‪.‬‬ ‫ستَ ْد ِب ُر َ‬ ‫ِ‬
‫ستَ ْق ِبلُوا ا ْلق ْبلَ َة َوال تَ ْ‬ ‫إِ َذا أَتَ ْيتُ ْم ا ْل َغ ِائ َ‬
‫ط فَال تَ ْ‬
‫‪ -‬قال شيخ اإلسالم رحمه اهلل في شرح العمدة (‪ ( : )3/434‬هذا بيان ألن ما سوى التشريق والتغريب‪ 5‬استقبال للقبلة‬
‫أو استدبار‪ 5‬لها ‪ ،‬و هذا خطاب ألهل المدينة ومن كان على سمتهم‪ ...‬ألن ذلك اجماع الصحابة رضي‪ 5‬اهلل عنهم)‪.‬‬

‫كالم أهل العلم في أن فرض المعاين للكعبة استقبال عينها وفرض البعيد استقبال جهتها وأن جهة القبلة متسعة في حق‬
‫البعيد وال يضره االنحراف اليسير‪:‬‬
‫‪ -‬قال ابن قدامة في المغني (‪" )2/273‬والواجب على من بعد من مكة طلب جهة الكعبة ‪ ،‬دون إصابة العين‪ ،‬قال‬
‫أحمد ‪ :‬ما بين المشرق والمغرب قبلة ‪ ،‬فإن انحرف عن القبلة قليال لم يعد ‪ ،‬ولكن يتحرى الوسط‪."5‬‬
‫‪ -‬قال ابن عبد البر في التمهيد (‪" )17/58‬وكذلك يشهد النظر لقول من قال في المنحرف‪ 5‬عن القبلة يمينا أو شماال‬
‫ولم يكن انحرافه ذلك فاحشا‪ 5‬فيشرق‪ 5‬أو يغرب أنه ال شيء عليه‪ ،‬ألن السعة في القبلة ألهل اآلفاق‪ 5‬مبسوطة مسنونة‬
‫وهذا معنى قول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وقول‪ 5‬أصحابه‪" :‬ما بين المشرق‪ 5‬والمغرب قبلة" ‪ -‬وذكر‪ 5‬بإسناده‬
‫الحديث واآلثار‪ 5‬عن الصحابة ‪ -‬وعن أبي عبد اهلل يعني أحمد بن حنبل قال (هذا في كل البلدان) قال وتفسيره أن هذا‬
‫المشرق وأشار‪ 5‬بيساره وهذا المغرب وأشار‪ 5‬بيمينه قال وهذه القبلة فيما بينهما وأشار تلقاء وجهه قال وهكذا في كل‬
‫البلدان إال بمكة عند البيت أال ترى أنه إذا استقبل الركن وزال عنه شيئا وإ ن قل فقد ترك القبلة قال وليس كذلك قبلة‬
‫البلدان‪ ،‬قيل ألبي عبد اهلل‪ :‬فإن صلى رجل فيما بين المشرق‪ 5‬والمغرب ترى صالته جائزة قال نعم صالته جائزة إال‬
‫أنه ينبغي له أن يتحرى‪ 5‬الوسط‪ ،‬قال أحمد بن خالد في قول عمر بن الخطاب ما بين المشرق والمغرب قبلة‪ ،‬في هذا‬
‫سعة للناس أجمعين قيل له أنتم تقولون إنه في أهل المدينة قال نحن وهم سواء والسعة في القبلة للناس كلهم"‬
‫‪ -‬قال ابن قدامة في المغني (‪ " :)1/267‬فأما إن كان أحدهما [يعني اإلمام والمأموم]‪ 5‬يميل يميناً ويميل اآلخر شماالً‬
‫مع اتفاقهما في الجهة فال يختلف المذهب في أن ألحدهما االئتمام بصاحبه‪ ،‬ألن الواجب استقبال الجهة وقد اتفقا‬
‫عليها"‪.‬‬
‫‪ -‬قال ابن رجب في فتح الباري (‪ )3/139‬بعد أن ذكر حديث (ما بين المشرق والمغرب قبلة) "وروي‪ 5‬هذا المعنى ‪-‬‬
‫أيضا ‪ -‬عن عثمان وعلي وابن عمر وابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ ، -‬وال يعرف عن صحابي‪ 5‬خالف ذلك‪ ،‬وقال‬
‫مجاهد فيمن مال عن القبلة‪ :‬ال يضره ما بين المشرق‪ 5‬والمغرب قبلة‪ ،‬وقال الحسن فيمن التفت في صالته‪ :‬إن‬
‫استدبر القبلة بطلت صالته ‪ ،‬وإن التفت عن يمينه أو شماله مضت صالته‪ ،‬ومذهب مالك ‪ :‬أنه إن علم في الصالة‬
‫أنه استدبر‪ 5‬القبلة أو شرق أو غرب قطع وأبتدأ الصالة ‪ ،‬وإن علم بذلك بعد الصالة أعاد في الوقت ‪ ،‬وإن علم أنه‬
‫انحرف يسيرا فلينحرف‪ 5‬الى القبلة ويبني‪ ،‬ومذهب أحمد ‪ :‬أن ما بين المشرق‪ 5‬والمغرب قبلة ‪ ،‬لم تختلف نصوصه‬
‫في ذلك ‪ ،‬ولم يذكر المتقدمون من أصحابه فيه خالفا ‪ ،‬قال أحمد في رواية جعفر بن محمد ‪ :‬بين المشرق والمغرب‬
‫قبلة‪ ،‬إذا صلى بينهما فصالته صحيحة جائزة ‪ ،‬إال أنا نستحب أن يتوسط‪ 5‬القبلة ‪ ،‬ويجعل المغرب عن يمينه‬
‫والمشرق‪ 5‬عن يساره ‪ ،‬يكون وسطا‪ 5‬بين ذلك ‪ ،‬وإن هو صلى فيما بينهما ‪ ،‬وكان إلى أحد الشقين أميل فصالته تامة‪،‬‬

‫‪5‬‬
‫سئل عن‬
‫إذا كان بين المشرق‪ 5‬والمغرب ‪ ،‬ولم يخرج بينهما‪ ،‬ونقل عنه جماعة كثيرون هذا المعنى‪ ،‬وروي عنه أنه ُ‬
‫قوله ‪ :‬مابين المشرق‪ 5‬والمغرب قبلة ‪ ،‬فأقام‪ 5‬وجهه نحو القبلة ‪ ،‬ونحا بيده اليمنى إلى الشفق ‪ ،‬واليسرى‪ 5‬إلى الفجر ‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬القبلة ما بين هذين‪ ،‬ويدل على ذلك ‪ :‬أن الصحابة ‪ -‬رضي‪ 5‬اهلل عنهم ‪ -‬لما فتحوا‪ 5‬األمصار وضعوا‪ 5‬قَِب َ‬
‫ل‬
‫كثير منها على الجهة ‪ ،‬بحيث ال يطابق‪ 5‬ذلك سمت العين على الوجه الذي يعرفه أهل الحساب ‪ ،‬وصلوا‪ 5‬إليها ‪،‬‬
‫وأجمع المسلمون بعدهم على الصالة إليها"‬
‫‪ -‬قال الصنعاني في سبل السالم (‪" )1/143‬والحديث دليل على أن الواجب استقبال الجهة ال العين في حق من‬
‫تعذرت عليه العين‪ ،‬وقد ذهب إليه جماعة من العلماء لهذا الحديث ووجه االستدالل به على ذلك أن المراد أن بين‬
‫الجهتين قبلة لغير المعاين ومن في حكمه"‬
‫‪ -‬قال الشوكاني في نيل األوطار (‪" )3/253‬والحديث يدل على أن الفرض على من بعد عن الكعبة الجهة ال العين ‪،‬‬
‫وإ ليه ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد"‬
‫‪ -‬فتاوى الشيخ ابن عثيمين (‪ " )12/353‬ولهذا قال العلماء ‪ :‬من أمكنه مشاهدة الكعبة فإن الواجب أن يستقبل عينها‬
‫‪ ،‬أما إذا كان اإلنسان بعيداً عن الكعبة ال يمكنه مشاهدتها‪ 5‬ولو في مكة فإن الواجب استقبال الجهة ‪ ،‬وال يضر‬
‫االنحراف اليسير"‪.‬‬
‫‪ -‬قال الشيخ ابن عثيمين رحمه اهلل في (الشرح الممتع ‪ ( :)2/273‬وبهذا نعرف أن األمر واسع ‪ ،‬فلو رأينا شخصا‬
‫يصلي منحرفا يسيرا عن مسامتة [ أي ‪ :‬محاذاة ] القبلة ‪ ،‬فإن ذلك ال يضر ‪ ،‬ألنه متجه إلى الجهة ‪ ،‬وهذا فرضه )‪.‬‬

‫قول الشافعي رحمه اهلل في أن فرض البعيد استقبال عين الكعبة والجواب عنه‪:‬‬
‫قال في المغني (‪")2/273‬وقال الشافعي ‪ :‬في أحد قوليه الفرض إصابة العين ؛ لقول اهلل تعالى ‪ { :‬وحيثما‪ 5‬كنتم فولوا‬
‫وجوهكم شطره } وألنه يجب عليه التوجه إلى الكعبة ‪ ،‬فلزمه التوجه إلى عينها ‪ ،‬كالمعاين"‬
‫الجواب عنه‪:‬‬
‫‪ -‬ما سبق ذكره من األدلة وأقوال الصحابة بغير خالف بينهم‪.‬‬
‫‪ -‬أنه لو فرض صف طويل عرضه أضعاف‪ 5‬عرض الكعبة وهو بعيد عنها وكلهم يصلون في اتجاه واحد فلو مد خط‬
‫مستقيم من كل واحد منهم باتجاه قبلته فال يمكن أن يكون كل واحد منهم مستقبال لعينها ألن الخطوط ستكون متوازية‬
‫والصف أعرض من الكعبة فجزء منه فقط سيكون مستقبال لعينها‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية في شرح العمدة (‪" )3/434‬وأيضا فانهم‪ 5‬اجمعوا على صحة صالة الصف‬ ‫‪o‬‬
‫المستطيل الزائد طوله على سمتة الكعبة مع استقامته بل على صحة صالة أهل البلد الذي فيه مساجد كثيرة‬
‫تصلى كلها إلى جهة واحدة مع انها يمتنع ان تكون قبلتها على خط مستقيم و هي كلها على سمت عين‬
‫الكعبة"‬
‫فتح الباري البن رجب (‪" )3/142‬وقد‪ 5‬اجتمعت األمة على صحة الصف المستطيل مع البعد عن الكعبة ‪،‬‬ ‫‪o‬‬
‫مع العلم بأنه ال يمكن أن يكون كل واحد منهم مستقبال لعينها بحيث أنه لو خرج من وسط وجهه خط مستقيم‬

‫‪6‬‬
‫لوصل إلى الكعبة على االستقامة ‪ ،‬فإن هذا ال يمكن إال مع التقوس ولو شيئا يسيرا ‪ ،‬وكلما كثر البعد قل هذا‬
‫التقوس لكن البد منه‪،‬وهو خالف عمل المسلمين في جميع األمصار‪ 5‬واألعصار"‬
‫قال القرطبي في تفسيره (‪" )2/160‬واختلفوا هل فرض الغائب استقبال العين أو الجهة‪ ،‬فمنهم من قال‬ ‫‪o‬‬
‫باألول‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهو ضعيف‪ ،‬ألنه تكليف لما ال يصل إليه‪ .‬ومنهم من قال بالجهة‪ ،‬وهو الصحيح‬
‫لثالثة أوجه‪ :‬األول‪ :‬أنه الممكن الذي يرتبط‪ 5‬به التكليف‪ .‬الثاني‪ :‬أنه المأمور به في القرآن‪ ،‬لقوله تعالى‪{ :‬‬
‫ث َما ُك ْنتُ ْم} يعني من األرض من شرق أو غرب {فَ َولُّوا‪ُ 5‬و ُج َ‬
‫وه ُك ْم‬ ‫ط َر اْل َم ْس ِج ِد اْل َح َر ِام َو َح ْي ُ‬ ‫فَ َو ِّل َو ْجهَ َ‬
‫ك َش ْ‬
‫ط َرهُ} الثالث‪ :‬أن العلماء احتجوا بالصف الطويل الذي يعلم قطعا‪ 5‬أنه أضعاف‪ 5‬عرض البيت"‪.‬‬ ‫َش ْ‬
‫‪ -‬وقد بحث شيخ اإلسالم ابن تيمية بحثاً في (استقبال القبلة وأنه ال نزاع بين العلماء في الواجب من ذلك وأن النزاع‬
‫بين القائلين بالجهة والعين ال حقيقة له) فمن أراد أن يراجعه (مجموع الفتاوى ‪)22/206‬‬

‫فتاوى للعلماء المعاصرين في المساجد اللتي تنحرف‪ 5‬محاريبها عن القبلة انحرافاً يسيراً‪:‬‬
‫‪ -1‬من موقع فضيلة الشيخ محمد بن صالح المنجد على األنترنت (اإلسالم سؤال وجواب)‪:‬‬
‫االنحراف عن القبلة بـ ‪ 45‬درجة‬
‫نحن نصلي في مسجد من مساجد مدينة جدة لكنه ينحرف‪ 5‬عن القبلة ما يقارب (‪ )45‬درجة وقد‪ 5‬عرفت ذلك عن طرق‬
‫برنامج ( قوقل‪ 5‬إيرث ) فما الحكم ؟ وهل يلزم العودة إلى القبلة الصحيحة أم ال ؟ علماً أن إمام المسجد يعلم باالنحراف‬
‫ويرى عدم وجوب العودة وال يريد أن يخبر المصلين بذلك تجنبا لكثرة الكالم ومحتجا بحديث الرسول صلى اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ ( :‬ما بين المشرق‪ 5‬والغرب قبلة )‬
‫الجواب‪:‬‬
‫الحمد هلل‬
‫إذا كان االنحراف‪ 5‬عن القبلة أقل من ‪ 45‬درجة ‪ ،‬فصالتكم صحيحة ‪ ،‬ألن الفرض في حقكم هو استقبال الجهة ‪ ،‬ال‬
‫استقبال الكعبة وال مكة ‪ ،‬وهذا االنحراف‪ 5‬ال يخرجكم عن استقبال الجهة ‪.‬‬
‫وقد نص الفقهاء على أن االنحراف‪ 5‬اليسير ال يضر ‪ ،‬وبينوا‪ 5‬أن االنحراف‪ 5‬الكثير هو االنحراف‪ 5‬عن الجهة ‪.‬‬
‫نص عليه في المدونة " انتهى‬
‫يغرب ‪ّ ،‬‬
‫قال الدردير‪ 5‬في الشرح الكبير (‪ " : )1/227‬واالنحراف الكثير أن يشرق أو ّ‬
‫وهذا في حق أهل المدينة ‪ ،‬ومن كان في شمال أو جنوب مكة فإنهم‪ 5‬إن شرقوا أو غربوا ‪ ،‬فقد انحرفوا عن القبلة ‪.‬‬
‫وأما من كان في الغرب كأهل جدة ‪ ،‬فإن جهة القبلة بالنسبة إليهم هي الشرق ‪ ،‬فإن انحرفوا‪ 5‬عنها إلى جهة الشمال أو‬
‫الجنوب ‪ ،‬أو استدبروها ‪ ،‬لم تصح صالتهم ‪.‬‬
‫واألصل في ذلك ‪ :‬ما رواه الترمذي‪ 5‬من حديث أبي هريرة رضي‪ 5‬اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫ق َواْل َم ْغ ِر ِب ِقْبلَةٌ ) وصححه األلباني ‪،‬‬
‫( َما َب ْي َن اْل َم ْش ِر ِ‪5‬‬
‫ومع هذا فاألفضل هو تعديل قبلة المسجد‬
‫وقد أحسن اإلمام في عدم إخبار المصلين ‪ ،‬منعا لالختالف وكثرة القيل والقال ‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫وعليكم برفع األمر إلى المسئولين ليعيدوا‪ 5‬النظر في جهة القبلة ‪.‬‬
‫وفق اهلل الجميع لما يحب ويرضى‪. 5‬‬
‫واهلل أعلم ‪.‬‬

‫‪ -2‬السؤال األول من الفتوى رقم ( ‪ )6/313( ) 3534‬فتاوى اللجنة الدائمة للفتوى بالمملكة العربيةالسعودية‪:‬‬
‫س‪ :‬في وطننا مساجد متعددة انحرفت محاريبها إلى اليمين‪...‬؟‬
‫ج‪ :‬الواجب على اإلمام والمأموم استقبال جهة الكعبة ‪،‬‬
‫ط َرهُ } (‪ )1‬ولقوله صلى اهلل عليه وسلم‪ « :‬ما بين المشرق‪5‬‬ ‫ث َما ُك ْنتُ ْم فَ َولُّوا‪ُ 5‬و ُج َ‬
‫وه ُك ْم َش ْ‬ ‫لقول اهلل سبحانه‪َ { :‬و َح ْي ُ‬
‫والمغرب قبلة » (‪ )2‬رواه الترمذي‪ 5‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫وهذا خطاب ألهل المدينة ونحوهم ممن هو في شمال الكعبة أو جنوبها‪ ،‬وظاهره أن جميع ما بينهما قبلة‪ ،‬وأما من كان‬
‫عن الكعبة غربا أو شرقا فإن القبلة في حقه ما بين الشمال والجنوب‬
‫اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪5‬‬
‫عضو ‪ ...‬عضو ‪ ...‬الرئيس‬
‫عبد اهلل بن قعود‪ ... 5‬عبد اهلل بن غديان ‪ ...‬عبد العزيز بن عبد اهلل بن باز‬

‫فتاوى الشيخ ابن عثيمين رحمه اهلل (‪:)12/236‬‬


‫وسئل فضيلته ‪ :‬عن مسجد تنحرف فيه القبلة عن اتجاهها الصحيح بجوالي ثالث درجات حسب البوصلة المعدة لتحديد‬
‫جهة الكعبة ‪ ،‬وقد‪ 5‬دأب الناس على الصالة حسب اتجاه المسجد لعدم علم الكثيرين منهم بانحراف‪ 5‬المسجد عن القبلة فهل‬
‫هذا األمر يؤثر‪ 5‬على الصحة للصالة ؟ وهل يجب تعديل المسجد ؟‬
‫فأجاب بقوله ‪ :‬إذا كان االنحراف‪ 5‬ال يخرج اإلنسان عن الجهة فإن ذلك ال يضر ‪ ،‬واالستقامة أولى بال ريب ‪ ،‬أما إذا كان‬
‫هذا االنحراف‪ 5‬يخرج اإلنسان عن جهة القبلة ‪ ،‬مثل أن يكون متجهاً إلى الجنوب ‪ ،‬والقبلة شرقاً‪ 5‬فال ريب أنه يجب تعديل‬
‫المسجد‪.‬‬

‫وأحب أن أنهي البحث بكلمة الشيخ ابن عثيمين رحمه اهلل "وبهذا نعرف أن األمر واسع ‪ ،‬فلو رأينا شخصا يصلي منحرفا‬
‫يسيرا عن مسامتة [ أي ‪ :‬محاذاة ] القبلة ‪ ،‬فإن ذلك ال يضر ‪ ،‬ألنه متجه إلى الجهة ‪ ،‬وهذا فرضه ) [ الشرح الممتع‬
‫‪]2/273‬‬

‫واهلل تعالى أعلم‬


‫‪8‬‬
‫وصلى‪ 5‬اهلل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا‬
‫وال تنسوا الكاتب من صالح الدعاء‬
‫جمع وترتيب‪ :‬مصعب محمد عادل‬
‫‪omarbalat@hotmail.com‬‬
‫مالحظة‪ :‬ترقيم الكتب حسب المكتبة الشاملة‬

‫‪9‬‬

You might also like