You are on page 1of 43

‫احلث على زيارة احلسني×‬

‫مع اخلوف‬
‫سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬

‫احلث على زيارة احلسني×‬


‫مع اخلوف‬

‫حبوث مساحة آية اهلل الشيخ مُحمَّد السند‬

‫بقلم‬
‫رياض املوسوي‬

‫من إصدارات مركز األمري× الثقايف‬


‫هوية الكتاب‬
‫×‬
‫املقدمة‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫رب العاملني‪ ،‬والصالة عىل حممد وآله الطاهرين‪.‬‬
‫احلمد هلل ّ‬
‫بعد النجاح الواضح لكتاب (الشعائر احلسينية بني األصالة‬
‫والتجديد)‪ ،‬الذي صدر قبل أعوام ‪..‬وإتساع رقعة إنتشاره‪ ،‬بحيث‬
‫ُطبع عدة مرات يف إيران ولبنان والعراق ‪...‬‬
‫واصلت البحث مع إستاذي اجلليل آية اهلل الشيخ حممد السند‬
‫ُ‬
‫(حفظه اهلل) يف موضوع الشعائر احلسينية ‪..‬وملدة عدة سنوات‬
‫إبتدا ًء من مشهد املقدسة‪ ،‬ثم قم وصوالً اىل النجف األرشف ‪..‬وال‬
‫زلت عاكف ًا عىل هذا املوضوع اإلسالمي املهم ‪ ..‬والذي يعترب من‬
‫أركان الدين احلنيف‪.‬‬
‫إرتأيت وبعد إستشارة ُأستاذي اجلليل سامحة الشيخ‬
‫ُ‬ ‫لذا‬
‫السند‪ ،‬أن تظهر هذه البحوث اإلسالمية خالل سلسلة وعنواهنا‬
‫بمحتواها ‪( ..‬سلسلة الشعائر احلسينية)‪ ،‬والتي سوف نصدرها‬
‫تباع ًا‪ ،‬إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪......................................................... 01‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫عسى أن نو ّفق بإبراز وإظهار هذا التحقيق العلمي اإلسالمي يف‬
‫موسوعة متكاملة بمعظم أبوابه وفصوله وقواعده وأركانه ‪..‬‬
‫وبني يدك أهيا القارئ الكريم الكتاب الثالث من هذه‬
‫السلسلة‪ ،‬وعنوانه‪( :‬احلث عىل زيارة× احلسني مع اخلوف)‪.‬‬
‫واهلل أسأل‪ :‬يتق ّبل منّا هذا العمل املتواضع بالقبول احلسن‪ ،‬وأن‬
‫جيعلنا ممن يذكر احلسني× ويزوره ويشيد معامله وأهدافه وشعائره‪.‬‬

‫رياض املوسوي‬
‫النجف األشرف‬
‫‪ /72‬حمرم احلرام‪0131 /‬هـ‬
‫رجحان الشعائر احلسينية ولو مع اخلوف على النفس‬
‫وردت روايات مستفيضة يف احلث عىل زيارة احلسني× ولو‬
‫مع اخلوف عىل النفس‪ ،‬وقد أشار الشيخ املجليس يف البحار إىل أن‬
‫األسانيد الواردة يف ذلك مجة‪ ،‬بل نجد يف تلك الروايات التحذير‬
‫من ترك زيارة احلسني× من أجل اخلوف( )‪.‬‬
‫وقد استفاد منها مجاعة من الفقهاء رجحان عموم الشعائر‬
‫عام دونه من األارار‪.‬‬ ‫احلسينية ولو مع اخلوف عىل النفس فض ً‬
‫ال ّ‬
‫ّ‬
‫شالل يف أبواب‬ ‫وقد ذهب إىل ذلك كل من الشيخ خرض بن‬
‫اجلنان( )‪ ،‬والشيخ حممد حسني كاشف الغطاء‪.‬‬
‫والروايات اآلتية ال تقترص عىل احلث عىل زيارة اإلمام احلسني×‬
‫عند اخلوف‪ ،‬بل تشدد ذلك وتوجب الزيارة إمجاالً كام سيظهر‪ ،‬بل‬
‫وال تكتفي بذلك‪ ،‬وإنام ترتقي إىل درجة رابعة وهي التحذير من‬
‫ترك الزيارة بسبب اخلوف‪.‬‬

‫( ) بحار األنوار‪ :‬ج‪. 1 :89‬‬


‫( ) وسيأيت نقل كالمه واملصدر‪.‬‬
‫‪......................................................... 07‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫وال خيفى مدى قوة هذه الداللة عىل تأكيد رجحان الزيارة‬
‫كأبرز مصداق يف طبيعة الشعائر احلسينية ولو مع اخلوف عىل‬
‫النفس من اهلالك؛ وأن مالك الرجحان يف الزيارة والشعائر‬
‫احلسينية ُتسرتخص فيه بذل النفس إلقامة وتشييد تلك األغراض‬
‫الرشعية يف الشعائر‪.‬‬

‫وكيف ال ُتسرتخص النفس يف زيارة احلسني× وإقامة شعائره‪،‬‬


‫اسرتخص بذل النفس يف فضيلة دون ذلك بكثري‪ .‬كالذي ورد‬ ‫وقد ُ‬
‫يف النص والفتوى املتفق عليهام عند املشهور أن من ُقتل دون ماله‬
‫فهو شهيد كام قال رسول اهلل’‪« :‬من ُقتل دون ماله فهو بمنزلة‬
‫الشهيد»( )‪ ،‬مع أن خطب الدفاع عن حرمة األموال وردع الغري‬
‫والعدوان عن األموال ال يضاهي وال يقايس بحرمة الوالية ألهل‬
‫البيت^‪.‬‬

‫ـ صحيحة معاوية بن وهب‪ ،‬بل هي قطعية الصدور عنه‬


‫لكثرة الطرق إىل معاوية بن وهب لكل من الكليني والصدوق‬
‫وابن قولويه‪ ،‬بل األخري بإنفراده له عدة طرق عن معاوية بن‬

‫( ) الكايف ج‪.5 :5‬‬


‫احلث على زيارة احلسني عليه السالم مع اخلوف ‪03...............................‬‬
‫وهب‪ .‬ومن الطرق ما اشتمل مجيع سلسلته عىل رؤساء املذهب؛‬
‫كطريق الصدوق عن أبيه عن سعد بن عبد اهلل عن يعقوب بن يزيد‬
‫عن ابن أيب عمري عن معاوية بن وهب قال‪ :‬عن أيب عبداهلل×‪:‬‬
‫قال يل‪« :‬يا معاوية‪ ,‬ال تدع زيارة قرب احلسني× خلوف‪ ,‬فإن من‬
‫ترك زيارته رأى من احلرسة ما يتمنّى أ ّن قربه كان عنده‪ ,‬أما ُُتب أن‬
‫شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول اهلل’ وعيل‬ ‫َ‬ ‫يرى اهلل‬
‫وفاطمة واألئمة»( )‪.‬‬

‫وقال الشيخ خرض بن شالل‪ :‬بعد ما ذكر أن األخبار الواردة يف‬


‫فضيلة زيارة احلسني×‪ ،‬فائقة حدّ اإلحصاء مذكورة يف مطوالت‬
‫األصحاب وأنه لكثرهتا ذكر والد الشيخ املجليس( ) أن االحتياط‬
‫لكل من زار احلسني أو جدّه أو أباه أو أحد األئمة^ يف أول مرة أن‬
‫ال يقصد االستحباب بل ينوي القربة املطلقة‪ ،‬أي حيطة للوجوب‪.‬‬
‫واستحسنه‪ ،‬ثم نقل عنه أنه محل األخبار الواردة يف زيارة‬
‫احلسني مع اخلوف والتقية عىل خصوص ما مل يبلغ من اخلوف‬
‫والتقية إىل مظنّة الرضر وعدم السالمة‪ ،‬أو خصوص ما ُخيشى منه‬

‫( ) الكايف ج‪ /59 :4‬؛ ثواب األعامل‪44 / 1 :‬؛ كامل الزيارات‪ /‬ابن‬


‫قولويه‪ /‬باب ‪ /41‬ح ‪ .7 ،6 ،5 ،4 ،3 ، ،‬باب ‪ /45‬ح‪.3‬‬
‫( ) الشيخ خرض شالل يف كتاب أبواب اجلنان‪ 58 :‬ـ ‪. 6‬‬
‫‪......................................................... 01‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫فوات العزة واجلاه وفوات املال‪ ،‬ال تلف النفس ِ‬
‫والعرض الذي قد‬
‫يكون أعظم من النفوس‪ ،‬وإن احتمل اجلواز أيض ًا‪ ،‬وخصوص ًا يف‬
‫ابتداء األمر الذي قد نقول بوجوب زيارة احلسني× فيه‪ ،‬ولو مع‬
‫العلم بتلف النفس؛ نظر ًا إىل أنه من باب حفظ بيضة اإلسالم الذي‬
‫الرس يف قدوم احلسني× وأصحابه عىل القتال‪ ،‬مع العلم‬ ‫قد كان ّ‬
‫بام يؤول إليه األمر الفظيع حفظ بيضته‪ ،‬وبيان ما قد خيفى عىل‬
‫بعض طغام املسلمني من فسادها) ( )‪.‬‬

‫ـ وقال املجليس بعد نقل الروايات الدالة عىل أفضيلة زيارة‬


‫احلسني×‪ ،‬والتي حتث عىل زيارته يف اخلوف‪ ،‬قال‪ّ ( :‬‬
‫لعل هذا‬
‫اجلمة حممول‬
‫اخلرب (يشري إىل خرب معاوية بن وهب) بتلك األسانيد ّ‬
‫عىل خوف ضعيف يكون مع ظن السالمة‪ ،‬أو عىل خوف فوات‬
‫العزة واجلاه وذهاب املال‪ ،‬ال تلف النفس والعرض‪ ،‬لعمومات‬ ‫ّ‬
‫التقية والنهي عن إلقاء النفس إىل التهلكة واهلل يعلم‪.‬‬
‫ثم اعلم أن ظاهر أكثر أخبار هذا الباب وكثري من أخبار‬
‫األبواب اآلتية وجوب زيارته×‪ ،‬بل كوهنا من أعظم الفرائض‬
‫مرة مع القدرة إليه كام‬
‫وآكدها‪ ،‬وال يبعد القول بوجوهبا يف العمر ّ‬

‫( ) أبواب اجلنان ص‪ 58‬ـ ‪. 6‬‬


‫احلث على زيارة احلسني عليه السالم مع اخلوف ‪01...............................‬‬
‫كان يميل الوالد العالمة ( ّنور اهلل ارحيه)‪ ،‬وسيأيت التفصيل يف‬
‫حدّها القريب والبعيد وال يبعد القول به أيض ًا‪ .‬واهلل يعلم)( )‪.‬‬
‫ـ وقد رشح هذه العبارة‪ ,‬الشيخ خرض بن شالل يف عبارته‬
‫قائالا‪:‬‬
‫وما قد َصدَ ر يف السقيفة التي قد أولدت فتنتها ما أولدته من‬
‫عزل الويص‪ ،‬املنصوص عليه من اهلل ورسوله‪ ،‬وغصب الزهراء‬
‫البتول÷‪ ،‬وحرب اجلمل‪ ،‬وصفني والنهروان‪ ،‬ووقفة الطف التي‬
‫هيون من أجلها انطباق السامء عىل األرض‪ ،‬وسائر املفاسد التي من‬
‫أق ّلها تقديم معادن األُ َبن واللؤم‪ ،‬عىل معادن العلم والكرم‪ ،‬فتد ّبر‬
‫يف ما قد يستفاد منه ُحسن ما ذكره املجليس من االحتياط‪.‬‬
‫ثم ذكر مجلة أخرى من الروايات إىل غري ذلك مما قد يستفاد منه‬
‫وجوب اإلستنابة عىل من مل يتمكن من زيارته يف العمر مرة‪ ،‬كام‬
‫ُيندب إليها يف سائر األوقات حتى ملن قد كان مصاحب ًا لنائبه الذي‬
‫لو كان متعدد ًا لكان أفضل‪ ،‬وخصوص ًا إذا كان من العلامء الذين‬
‫قد ال يرتاب ذو مسكة يف أن زيارة واحد من أتقيائهم خري من زيارة‬
‫عامل من غريهم( )‪.‬‬

‫( ) (بحار ‪ /) 1 :89‬باب‪ :‬زيارته× واجبة مفرتضة مأمور هبا وما ورد من‬
‫والتوعد عىل تركها‪ ،‬وأهنا ال ترتك من اخلوف)‪.‬‬
‫الذنب والتأنيب ّ‬
‫( ) أبواب اجلنان‪ /‬الباب الرابع‪ /‬الفصل الثاين‪ /‬بيان فضل زيارة احلسني×‪.) 61( :‬‬
‫‪......................................................... 01‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫ويف الصحيحة املتقدمة هذا املوضع أيض ًا من قول الصادق×‬
‫رش كل جبار عنيد‪,‬‬ ‫ِ‬
‫يف دعائه لزوار احلسني‪« :‬وأصحبهم‪ ,‬وأكفهم ّ‬
‫خلقك أو شديد‪ ,‬ومن رش شياطني اجلن‬ ‫ِ‬ ‫وكل ضعيف من‬
‫واإلنس» مما يشري إىل احتفاف زيارته× آنذاك بل غالب ًا ويف معظم‬
‫الزوار‪.‬‬
‫األزمان بمخاطر وخماوف هتدد ّ‬
‫ـ ما ورد من روايات مستفيضة بل متواترة عن الصادق×‪،‬‬
‫بل عن سائر أئمة أهل البيت^ يف احلث عىل زيارة احلسني× يف‬
‫عصورهم باإلضافة إىل احلث املطلق عىل ذلك؛ حث ًا أكيد ًا‪ ،‬بل‬
‫والتوبيخ الشديد عىل تركها‪ ،‬مع أن الزيارة يف عصورهم عليهم‬
‫السالم كانت حمفوفة باخلوف عىل النفس‪ ،‬واملخاطر واملالحقة من‬
‫بني أمية وبني العباس‪ ،‬بل إن الطريق إىل احلسني× كان خالل‬
‫بعض املناطق التي يسكنها النواصب‪.‬‬

‫احلث الشديد لرؤساء الشيعة‪ ،‬أمثال‬ ‫بل إن يف هذه الروايات ّ‬


‫زرارة‪ ،‬والفضيل بن يسار‪ ،‬وأبان بن تغلب‪ ،‬وأيب اجلارود‪ ،‬ومعاوية‬
‫بن وهب‪ ،‬وحممد بن مسلم‪ ،‬ويونس بن ظبيان‪ ،‬وعبداهلل بن بكري‪،‬‬
‫وعبدامللك بن حكيم اخلثعمي‪ ،‬وهؤالء رؤساء املذهب والشيعة‬
‫يزجهم اإلمام× لزيارة‬ ‫فرط هبم‪ ،‬ومع ذلك ّ‬ ‫وممن يظ ّن هبم وال ُي ّ‬
‫احلسني× مع املخاوف ويعاتبهم عتاب ًا شديد ًا‪:‬‬
‫احلث على زيارة احلسني عليه السالم مع اخلوف ‪02...............................‬‬
‫‪ 3‬ـ ما رواه ابن قولويه بسنده املتصل املُعترب عن زرارة قال‪،‬‬
‫قلت أليب جعفر×‪ :‬ما تقول يف من زار أباك عىل خوف‪ .‬قال×‪:‬‬
‫«يؤمنه اهلل يوم الفزع األكرب‪ ,‬وت ّلقاه املالئكة بالبشارة‪ ,‬ويقال له‪ :‬ال‬
‫ََتف وال ُتزن هذا يومك الذي فيه فوزُك»( )‪.‬‬

‫وال خيفى داللة هذه الرواية عىل جهات عديدة‪،‬‬


‫األوىل‪ :‬أن زيارة احلسني× يف زمن اإلمام الصادق× كانت‬
‫حمفوفة باخلوف واملخاطر‪ ،‬وسيأيت الداللة عىل ذلك يف روايات‬
‫عديدة‪ ،‬فقد كان احلال كذلك منذ شهادته× إىل عرص املتوكل‬
‫العبايس‪ ،‬وإىل زماننا هذا‪ .‬وسنذكر األدلة عىل هذه احلقيقة التارخيية‬
‫بجملة من الروايات اآلتية‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬حث اإلمام الباقر× لشخص زرارة عىل ذلك‪ ،‬مع أنه‬
‫من رؤوساء املذهب‪.‬‬
‫‪4‬ـ ويف صحيح آخر لزرارة وحممد بن مسلم (بل مقطوع‬
‫الصدور) عن أيب جعفر قال‪ :‬كم بينكم وبني قرب احلسني×‪ .‬قال‪:‬‬
‫ُقلت‪ :‬ستة عرش فرسخ ًا‪ ،‬أو سبعة عرش فرسخ ًا‪ ،‬قال‪ :‬ما تأتونه؟‬
‫قلت‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ :‬ما أجفاكم»( )‪.‬‬

‫( ) كامل الزيارات باب ‪ /4‬ح ‪.‬‬


‫( ) الوسائل‪ /‬أبواب املزار ب ‪ /39‬ح‪ 1 /‬؛ كامل الزيارات‪ :‬باب ‪ /87‬ح‪.7‬‬
‫‪......................................................... 01‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫‪ 5‬ـ وكذلك يف صحيح الفضيل بن يسار (بل هو مقطوع‬
‫الصدور)‪ :‬قال‪ :‬قال أبو عبد اهلل×‪« :‬ما أجفاكم‪ ....‬يا فضيل‪ ,‬ال‬
‫تزورون احلسني‪ ,‬أما علمتم أن أربعة آالف ملك شعثاا غرب اا يبكونه‬
‫إىل يوم القيامة»( )‪.‬‬
‫سمعت أبا عبداهلل× يقول‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ 6‬ـ ومعتربة سليامن بن خالد‪ ،‬قال‬
‫عجب ًا ألقوا ٍم يزعمون أهنم شيعة لنا ويقال (يقولون)‪ :‬إن أحدهم ّ‬
‫يمر‬
‫به دهر ًا ال يأيت قرب احلسني× جفا ًء منهم‪ ،‬وهتاون ًا وعجز ًا وكس ً‬
‫ال‪،‬‬
‫أما واهلل لو ُيعلم ما فيه من الفضل‪ ،‬ما هتاون وما كسل‪.‬‬
‫قلت‪ُ :‬جعلت فداك وما فيه من الفضل‪ ،‬قال×‪ٌ :‬‬
‫فضل وخري‬
‫كثري‪ ،‬أما ّأول ما يصيبه أن ُيغفر ما مىض من ذنوبه‪ ،‬و ُيقال له‪:‬‬
‫استأنف ال َعمل»( )‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ ما رواه‪ ،‬يف كامل الزيارات بعدة أسانيد عن حنّان بن‬
‫سدير‪ ،‬وفيها الصحيح‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن أيب عبداهلل×‪« :‬يا سدير‪,‬‬
‫تزور قرب احلسني× يف كل يوم‪ ,‬قلت‪ :‬جعلت فداك‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬ما‬
‫أجفاكم‪ ,‬فتزوره يف كل مجعة‪ ,‬قلت‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فتزوره يف كل شهر‪,‬‬
‫قلت‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فتزوره يف كل سنة‪ ,‬قلت‪ :‬قد يكون ذلك‪ .‬قال‪ :‬يا‬

‫( ) كامل الزيارات‪ /‬باب ‪ /87‬ح‪)9‬؛ الوسائل‪ /‬أبواب املزار‪ /‬باب‪ /39‬ح )‪.‬‬

‫( ) كامل الزيارات‪ /‬باب ‪ /87‬ح‪)9‬؛ (الوسائل‪ /‬أبواب املزار‪ /‬باب ‪ /39‬ح ‪.):‬‬
‫احلث على زيارة احلسني عليه السالم مع اخلوف ‪01...............................‬‬
‫سدير‪ ,‬ما أجفاكم باحلسني×‪ ,‬أما علمت أن هلل ألف ملك شعث اا‬
‫غرب اا‪ ,‬يبكونه‪ ,‬ويرثونه ال يفرتون‪ ,‬زوار اا لقرب احلسني×‪ ,‬وثواهبم‬
‫ملن زاره»‪ .‬مع أنَّه× يعلم أن سدير ًا قاطن يف الكوفة‪ ،‬والطريق‬
‫مرحلتان من الكوفة إىل كربالء ويستغرق آنذاك عىل الدواب يوم ًا‬
‫ومع ذلك فإنه حي ُّثه عىل الزيارة كل يوم من موضعه‪.‬‬
‫‪ - 9‬ويف طريق آخر‪ ...« :‬زره وال جتفه فإنه سيد الشهداء‪,‬‬
‫وسيد شباب أهل اجلنة»( )‪.‬‬
‫‪ - 8‬ويف طريق ثالث‪ ...« :‬إنك ملحروم من اخلري»‪.‬‬
‫ويف متن لطريق رابع‪ ،‬قال‪ :‬قال يل أبو عبداهلل‪ .‬يا سدير‪ُ ،‬تكثر‬
‫من زيارة قرب أيب عبداهلل‪ .‬قلت‪ :‬أنه من الشغل‪ .‬احلديث‪.‬‬
‫ـ ويف متن لطريق خامس‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو عبداهلل‪ :‬يا ُسدير‪ ،‬وما‬
‫عليك أن تزور قرب احلسني يف كل يوم مجعة مخس مرات‪ ،‬ويف كل يوم‬
‫مرة‪ .‬قلت‪ُ :‬جعلت فداك‪ ،‬إن بيننا وبينه فراسخ كثرية‪ .‬احلديث( )‪.‬‬
‫ويف متن لطريق سادس قال قال يل أبو عبداهلل يا سدير تكثر من‬
‫زيارة قرب أيب عبداهلل قلت انه من الشغل احلديث‪.‬‬

‫( ) كامل الزيارات‪/‬باب ‪) ،4 ،8/87‬؛ الوسائل‪/‬أبواب املزار‪/‬باب ‪/39‬‬


‫ح‪.) 7 ، 9‬‬
‫( ) كامل الزيارات‪ /‬باب ‪. /87‬‬
‫‪......................................................... 71‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫ويف متن لطريق سابع قال‪ ،‬قال أبو عبداهلل‪ :‬يا سدير وما عليك‬
‫أن تزور قرب احلسني يف كل مجعه مخس مرات‪ ،‬ويف كل يوم مرة‪،‬‬
‫قلت‪ُ :‬جعلت فداك‪ ،‬إن بيننا وبينه فراسخ كثرية( )‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ ما رواه يف كامل الزيارات بسنده عن أيب اجلارود قال‪ :‬كم‬
‫بينك وبني قرب احلسني×‪ ،‬قلت‪ :‬يوم للراكب‪ ،‬ويوم وبعض يوم‬
‫للاميش‪ .‬قال‪ :‬أفتأتيه كل مجعة‪ ،‬قلت‪ :‬ال‪ ،‬ما آتيه ّإال يف حني‪ ،‬قال‪ :‬ما‬
‫أجفاكم‪ .‬أما لو كان قريب ًا منا الختذناه هجرة‪ ،‬أي هناجر إليه( )‪.‬‬
‫‪ -‬ويف صحيح حممد بن مسلم‪ ،‬عن أيب جعفر× قال‪ :‬من‬
‫مل يأت قرب احلسني× من شيعتنا كان منتَقص اإليامن‪ ،‬منتقص‬
‫الدين( )‪( .‬وإن دخل اجلنة كان من دون املؤمنني يف اجلنة)‪.‬‬

‫‪ -‬يف مصحح هشام بن سامل ٌ عن أيب عبداهلل×‪ ،‬يف حديث‬


‫طويل‪ ،‬قال‪ :‬أتاه رجل فقال‪ :‬يا ابن رسول اهلل‪ ،‬هل ُيزار والدك‪،‬‬
‫صىل خلفه‪ ،‬وال ُيتقدم عليه‪...‬‬ ‫ويصىل عنده‪ ،‬و ُي ّ‬
‫ّ‬ ‫قال‪ :‬فقال‪ :‬نعم‪،‬‬
‫أتم به‪ ..‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فام ملن ُقتل‬
‫قال‪ :‬فام ملن أتاه؟ قال‪ :‬اجلنة إن كان ي ّ‬
‫عنده‪ ،‬جار عليه سلطان فقتله‪ .‬قال أول قطرة من دمه ُيغفر له هبا‬

‫( ) كامل الزيارات‪ /‬باب ‪ /79‬ح‪.‬‬


‫‪.‬‬ ‫( ) كامل الزيارات‪ /‬باب ‪ /87‬ح‪، 1‬‬
‫(‪ )3‬كامل الزيارات‪ /‬باب ‪ /86‬ح‪.5‬‬
‫احلث على زيارة احلسني عليه السالم مع اخلوف ‪70...............................‬‬
‫كل خطيئة‪ ،‬و ُتغسل طينته التي خلق منها املالئكة‪ ،‬حتى ختلص كام‬
‫خلصت األنبياء املخلصني‪ .‬ويذهب عنها ما كان خالطها من‬
‫أجناس أهل الكفر‪ ،‬و ُيغسل قلبه‪ ،‬و ُيرشح صدره و ُيمأل إيامن ًا‪،‬‬
‫فيلقى اهلل وهو خمُ لص من كل ما ختالطه األبدان والقلوب‪ ،‬ويكتب‬
‫له شفاعة يف أهل بيته وألف من إخوانه‪ّ ،‬‬
‫وتوىل الصالة عليه املالئكة‬
‫ويوسع‬‫مع جربئيل وملك املوت‪ .‬ويؤتى بكفنه وحنوطه من اجلنة‪ّ .‬‬
‫قربه عليه‪ ،‬ويوضع له مصابيح يف قربه‪ ،‬و ُيفتح له باب من اجلنة‪،‬‬
‫وتأتيه املالئكة بال ُط َرف من اجلنة‪ .‬و ُيرفع بعد ثامنية عرش يوم ًا إىل‬
‫حظرية ال ُقدس‪ ،‬فال يزال فيها مع أولياء اهلل‪ ،‬حتى تصيبه النفخة‬
‫التي ال ُتبقي شيئ ًا‪ ..‬فإذا كانت النفخة الثانية‪ ،‬وخرج من قربه كان‬
‫أول من يصافحه رسول اهلل× وأمري املؤمنني× واألوصياء‪،‬‬
‫إلزمنا‪ ،‬ويقيمونه عىل احلوض‪ ،‬فيرشب منه؛‬ ‫ويبرشونه‪ ،‬ويقولون له َ‬
‫ويسقي من أحب‪ .‬قال‪ :‬قلت‪ :‬فام ملن ُحبس يف إتيانه‪ .‬قال‪ :‬له بكل‬
‫يوم ُحيبس و ُيغتم فرحة إىل يوم القيامة‪ .‬فإن ُارب بعد احلبس يف‬
‫بكل اربة حوراء؛ وبكل وجع يدخل عىل بدنه‪،‬‬ ‫إتيانه‪ ،‬كان له ّ‬
‫ألف ألف حسنة‪ ،‬و ُيمحى عنه هبا ألف ألف سيئة‪ ،‬و ُيرفع له هبا‬
‫ألف ألف درجة‪ ،‬ويكون من حمدّثي رسول اهلل’‪ ،‬حتى يفرغ من‬
‫احلساب‪ ،‬فيصافحه محلة العرش‪ .‬و ُيقال له سل ما أحببت‪ ،‬ويؤتى‬
‫بضاربه للحساب‪ ،‬فال ُيسأل عن يشء‪ ،‬وال ُحيتسب بيشء؛ ويؤخذ‬
‫بضبعيه حتى ُينتهى به إىل َم َلك حيبوه و ُيتحفه برشبة من احلميم‪..‬‬
‫‪......................................................... 77‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫ورشبة من غسلني‪ ،‬ويوضع عىل مقال( ) من نار‪ ،‬فيُقال له ُذق بام‬
‫قدمت يداك‪ ،‬فيام أتيت إىل هذا الذي اربته‪ ،‬وهو وفد اهلل‪ ،‬ووفد‬
‫رسوله‪ ،‬ويؤتى باملرضوب إىل باب جهنّم‪ ،‬و ُيقال له أنظر إىل‬
‫ضاربك‪ ،‬وإىل ما قد لقى‪ ،‬فهل شفيت صدرك‪ ،‬وقد اقتص لك‬
‫منه؛ فيقول‪ :‬احلمد هلل الذي انترص يل ولولد رسوله منه( )‪.‬‬
‫ويظهر من سؤال هشام بن سامل‪ ،‬وهو من فقهاء أصحاب‬
‫الصادق والكاظم×‪ ،‬أن زيارة احلسني× آنذاك بحيث يتعرض‬
‫الزائر إىل القتل أو السجن أو التعذيب‪ ،‬وأن ذلك كان متعارف ًا‬
‫معهود ًا لدى الشيعة‪ ،‬وأن سريهتم بالزيارة للحسني× رغم هذه‬
‫املخاطر هي بدفع وحتريك من األئمة^‪ ،‬السيام الباقر والصادق‪،‬‬
‫ومع كوهنا يف معرض القتل أو احلبس‪ ،‬أو التعذيب والتنكيل‪،‬‬
‫مصحح احلسني بن بنت أيب محزة الثاميل‪ّ ،‬‬
‫الدال عىل ذلك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وسيأيت‬
‫‪ 3‬ـ وروى مثلها بنفس املضمون بطريق مصحح‪ ،‬صفوان‬
‫اجلامل عن أيب عبد اهلل( )‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ 4‬ـ ويف معتربة زرارة‪ ،‬قال‪ :‬قلت أليب جعفر×‪ :‬ما تقول فيمن‬
‫زار أباك عىل خوف؛ قال‪ :‬يؤمنه اهلل يوم الفزع األكرب‪ ،‬وتلقاه املالئكة‬

‫( ) قيل اليشء‪ :‬أنضجه وشواه حتى ينضج‪ ،‬واملقيل واملقالة اآللة‪ ،‬مجعها مقايل‪.‬‬
‫( ) كامل الزيارات‪ :‬باب ‪ /44‬ح ‪.‬‬
‫(‪ )3‬كامل الزيارات‪ :‬باب ‪ /69‬ح‪.3‬‬
‫احلث على زيارة احلسني عليه السالم مع اخلوف ‪73...............................‬‬
‫بالبشارة‪ ،‬ويقال له‪ :‬ال ختف وال حتزن هذا يومك الذي فيه فوزك( )‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ معتربة يونس بن ظبيان عن أيب عبد اهلل‪ ،‬قال‪ :‬قلت له‪،‬‬
‫ُجعلت فداك‪ ،‬زيارة قرب احلسني× يف حال التقية‪ .‬قال‪ :‬إذا أتيت‬
‫الفرات فاغتسل‪ ،‬ثم ألبس أثوابك الطاهرة‪ ،‬ثم متر بأزاء القرب وقل‪:‬‬
‫صىل اهلل عليك يا أبا عبداهلل‪ّ ,‬‬
‫صىل اهلل عليك يا أبا عبداهلل‪ ,‬صىل اهلل‬ ‫« ّ‬
‫عليك يا أبا عبداهلل‪ ,‬ثالث مرات‪ ,‬فقد متت زيارتك»( )‪.‬‬
‫ـ وظاهر هذه الرواية بوضوح احلث عىل زيارة احلسني× ولو‬
‫يف حالة التقية كام تدل عىل ابتالء الزوار باخلوف الشديد يف ذلك‬
‫ثم ع ّلمه× طريقة للزيارة‪ ،‬يواري فيها ّ‬
‫توجهه للقرب‬ ‫الزمان‪ ،‬ومن ّ‬
‫يمر بحذائه من دون أن يتجه إليه مبارشة‪.‬‬
‫الرشيف‪ ،‬بأن ّ‬
‫مع أن يونس بن ظبيان ممّن حيا َفظ ُ‬
‫وهيتم بسالمته من أصحاب‬
‫اإلمام×‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ روى حممد بن مسلم يف حديث طويل‪ ،‬قال‪ :‬قال يل أبو جعفر‬

‫( ) كامل الزيارات‪ :‬باب ‪ /45‬ح )‪.‬‬


‫( ) كامل الزيارات‪ :‬باب ‪/45‬ح‪4‬؛ ـ الفقيه ج ‪ 6 6/36 :‬؛ ـ التهذيب ج‪:6‬‬
‫‪ / 5‬ح ‪. 14‬‬
‫‪......................................................... 71‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫حممد بن عيل‘‪:‬‬
‫هل تأيت قرب احلسني× قلت‪ :‬نعم‪ ،‬عىل خوف ووجل؛ فقال‪ :‬ما‬
‫كان من هذا أشدّ فالثواب فيه عىل قدر اخلوف‪ ،‬ومن خاف يف إتيانه‪،‬‬
‫لرب العاملني‪ ،‬وانرصف‬‫آمن اهلل روعته يوم القيامة‪ .‬يوم يقوم الناس ّ‬
‫باملغفرة‪ ،‬وس ّلمت عليه املالئكة؛ وزاره النبي’‪ ،‬ودعا له‪ ،‬وانقلب‬
‫بنعمة من اهلل وفضل مل يمسسه سوء واتبع رضوان اهلل‪ ،‬ثم ذكر تتمة‬
‫احلديث( )‪.‬‬
‫ومفاد هذه الرواية إطالق رجحان الزيارة مع مطلق درجات‬
‫اخلوف‪ ،‬وإن بلغ ما َب َلغ‪ ،‬السيام مع ما تقدّ م من الروايات املستفيضة‬
‫أن اخلوف كان عىل النفس‪ ،‬وأهونه السجن والرضب واألذى‪،‬‬
‫فمعرضية اخلوف عىل النفس معتادة يف الزيارة آنذاك بكثرة‪ ،‬حتى‬
‫أن أكثر رؤساء الشيعة من أصحاب اإلمام الباقر والصادق×‬
‫كانوا ينقطعون عن الزيارة بسبب اخلوف عن النفس أو السجن‬
‫واملالحقة واإليذاء واالستهداف ألشخاصهم‪ ،‬وكذلك سائر الرواة‬
‫ذوي الفضيلة وكذلك عموم الشيعة؛ ومع ذلك ورد التأكيد‬
‫الشديد عىل خصوص رؤسائهم كزرارة وحممد بن مسلم وأبان بن‬
‫تغلب‪ ،‬وهشام بن سامل‪ ،‬وعبداهلل بن بكري ومعاوية بن وهب‪،‬‬
‫ويونس بن ظبيان‪ ،‬واحللبي‪ ،‬وعبداهلل بن سنان‪ ،‬واملفضل بن عمر‬

‫( ) كامل الزيارات‪ :‬باب ‪ /45‬ح‪.5‬‬


‫احلث على زيارة احلسني عليه السالم مع اخلوف ‪71...............................‬‬
‫وعبدامللك بن حكيم اخلثعمي‪ ،‬وغريهم من أكابر فقهاء الشيعة ‪،‬‬
‫ورد التأكيد بااللتزام بالزيارة رغم الظروف الصعبة‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن‬
‫عموم الفضالء وعموم الشيعة‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ معتربة عبدامللك اخلثعمي‪ ،‬عن أيب عبداهلل× قال‪ :‬قال‬
‫ومر أصحابك‬‫يل‪« :‬يا عبدامللك‪ ,‬ال تدع زيارة احلسني بن عيل×‪ُ ,‬‬
‫بذلك»‪.‬‬
‫ـ ورواها كل من‪ :‬ابن قولويه يف كامل الزيارات( )‪ .‬والصدوق‬
‫يف ثواب األعامل والفقيه( )‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ وروى ابن قولويه‪ ،‬والكليني يف الكايف بسند صحيح‬
‫أعالئي عن حممد بن مسلم عن أيب جعفر الباقر×‪ ،‬قال‪ُ « :‬مروا‬
‫شيعتنا بزيارة قرب احلسني» ثم ع ّلل× ذلك بأن إتيانه مفرتض عىل‬
‫يقر للحسني× باإلمامة من اهلل( )‪.‬‬
‫كل مؤمن ّ‬
‫وظاهر مفاد هذه الصحيحة القطعية الصدور‪ ،‬حيث أن رواهتا‬
‫ك ّلهم من زعامء الشيعة‪ .‬أن توصية اإلمام الباقر× ملحمد بن مسلم‬
‫الذي هو من فقهاء الشيعة ومراجعهم يف الكوفة‪ ،‬أن يتصدى حلث‬
‫عموم الشيعة بإقامة شعرية زيارة احلسني× رغم الظروف الصعبة‬

‫( ) باب ‪.6 /6‬‬


‫( ) ‪ 6‬ـ ج ‪.347 :‬‬
‫(‪ )3‬كامل الزيارات ‪ :‬باب ‪ /6‬ح ؛ الكايف‪ :‬ج‪.55 /4‬‬
‫‪......................................................... 71‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫والتعرض للمصاعب واملالحقة من‬ ‫ّ‬ ‫التي فيها املخاطرة يف األنفس‬
‫املسالح (نقاط عسكرية وأمنية للتفتيش) من الدولة الظاملة األموية‬
‫والعباسية‪ ،‬والتضييق يف املعيشة عىل من يعرف ويشتهر بذلك‪ ،‬كام‬
‫تقدمت روايات بذلك‪ ..‬فإن اإلمام الباقر× يع ّلل هذا األمر بأن‬
‫الزيارة فريضة‪ .‬وهذا ممّا يشري بوضوح أن درجة الوجوب يف‬
‫ال عن‬‫الشعائر املرتبطة باحلسني×‪ ،‬ـ ولو كان كفائي ًا‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن التعييني ـ يفوق مالك‬ ‫الوجوب العيني‪ ،‬والتخيريي فض ً‬
‫حكم حفظ النفس‪.‬‬
‫نظري باب اجلهاد بل هو من أعظم أبوابه‪ ،‬ألنه جهاد إلقامة‬
‫رصح اإليامن‪.‬‬
‫وال خيفى أنه مل خيتص هذه التوصية من اإلمام الباقر× ملحمد‬
‫مر توصيته× لعبد امللك بن حكيم‬ ‫بن مسلم الفقيه‪ ،‬بل قد ّ‬
‫اخلثعمي‪ ،‬وقد كان عين ًا وجيه ًا‪ .‬ذا موقعية يف الشيعة‪..‬‬

‫زيرةاحلسني()عيفحالةاخلوف‬

‫ويدل عىل رجحان الزيارة‪ ،‬زيارته× ولو كان هناك خوف‬


‫عام دوهنا‪ ،‬مجلة من الروايات‪.‬‬ ‫عىل النفس فض ً‬
‫ال ّ‬
‫وال خيفى أن مقتىض مفادها‪ ،‬ليس رجحان الزيارة ومرشوعيتها‬
‫يف هذه احلالة فحسب‪ ،‬بل يستفاد من هذه املادة الترشيعية مجلة من‬
‫احلث على زيارة احلسني عليه السالم مع اخلوف ‪72...............................‬‬
‫الترشيعات اهلامة يف باب الشعائر احلسينية‪ ،‬من قبيل درجة الرضر‬
‫واإلارار املرشوع حتمله يف باب الشعائر احلسينية‪ ،‬كام يستفاد من‬
‫داللتها درجة أمهية الشعائر احلسينية يف معامل الدين وأركانه ومجلة‬
‫أخرى من الفوائد الصناعية والفقهية واملعرفية التي سنشري إليها يف‬
‫مجلة من األبحاث‪.‬‬
‫حمسن‪ ،‬عن مسمع بن عبدامللك‬ ‫‪ 8‬ـ ما رواه ابن قولويه بسند ّ‬
‫كردين البرصي قال‪ :‬قال يل أبو عبداهلل×‪ :‬يا مسمع أنت من أهل‬
‫العراق؟ أما تأيت قرب احلسني×‪ ،‬قلت‪ :‬ال‪ ،‬أنا رجل مشهور عند‬
‫أهل البرصة‪ ،‬وعندنا من يتبع هوى هذا اخلليفة‪ ،‬وعدونا كثري من‬
‫النصاب وغريهم‪ ،‬ولست آمنهم أن يرفعوا حايل‬ ‫أهل القبائل من ّ‬
‫عند ِولد سليامن فيمثلون يب‪ ،‬قال يل‪ :‬أفام تذكر ما ُصنع به؟ قلت‪:‬‬
‫نعم‪ .‬قال‪ :‬فتجزع‪ .‬قلت‪ :‬إي واهلل واستعرب لذلك‪ .‬احلديث( )‪.‬‬
‫ـ وال خيفى أن مبادرته× ملسمع بحثّه عىل زيارة احلسني×‬
‫يف ظل ظروف حكم خلفاء بني مروان وسليامن بن عبد امللك‬
‫املرواين‪ ،‬ال ختفى عىل اإلمام× شدة وإرهاب السلطة لشيعة أهل‬
‫البيت‪ ،‬كام ال خيفى عليه وضع وظروف قبائل البرصة آنذاك‪ ،‬وال‬
‫تذرع به الراوي كسبب لعدم زيارة سيد‬‫خيفى عليه العذر الذي ّ‬
‫الشهداء×‪ ،‬ورغم ذلك يبادر× بالسؤال االستنكاري عىل‬

‫( ) كامل الزيارات‪ /‬باب ‪ /3‬ح‪.7‬‬


‫‪......................................................... 71‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫مسمع من تركه لزيارة احلسني×‪ .‬ويعاتبه عىل ذلك‪.‬‬
‫وأن هذه الظروف رغم قساوهتا وشدهتا‪ ،‬ليست عذر ًا يف ترك هذا‬
‫األمر املطلوب رشع ًا‪.‬‬

‫مع أن اإلمام الصادق× وسائر أئمة أهل البيت^ شدّ دوا‬


‫يف التزام التقية‪ ،‬وجتنّب االشتهار واإلذاعة واإلفشاء‪ ،‬ملا يوجب املخاطرة‬
‫كل ذلك يف باب التقية‪ّ ،‬إال أنَّه× مل ير‬‫بالنفس أو باملؤمنني‪ ،‬ورغم ّ‬
‫أن التقية مربر لرتك زيارة احلسني×‪ ،‬وال عذر يف ذلك‪ .‬ثم ملّا رأى‬
‫ضعف ًا وتردد ًا يف الراوي من القيام بالزيارة‪ ،‬مل يرتك املجال لالنقطاع‬
‫وترك االرتباط بشعائر سيد الشهداء فأخذ حيثه عىل طريقة وآلية‬
‫أخرى للشعائر احلسينية وهي إقامة العزاء واملأتم وذكر املُصاب ممّا‬
‫يبني مدى إرصار الرشيعة عىل الشعائر احلسينية‪ ،‬بل ومل يكتف×‬
‫بالدرجة النازلة من إقامة الشعائر‪ ،‬بل طالب الراوي باجلزع رغم‬
‫ظروف التقية‪.‬‬
‫ـ وهناك روايات كثرية دالة عىل‪ :‬أن احلالة آنذاك التي صدرت‬
‫فيها الروايات عن الباقر والصادق×‪ ،‬وقبلهام عن أمري املؤمنني×‪،‬‬
‫احلا ّثة عىل زيارة احلسني×‪ ،‬وكذا من مطلقات الروايات احلا ّثة عىل‬
‫ذلك؛ صدرت يف ظرف اخلوف والشدة‪.‬‬
‫احلث على زيارة احلسني عليه السالم مع اخلوف ‪71...............................‬‬
‫فبالتايل يكون ح ّثها‪ ،‬وإن مل يكن منحرص ًا بذلك الزمن‪ ،‬بل‬
‫بنحو القضية احلقيقية‪ّ ،‬إال أهنا واردة يف ذلك الظرف‪ .‬وهي موجهة‬
‫يف بادي األمر إىل زمن صدور النص؛ وعىل هذا األساس‪ ،‬فكل‬
‫عمومات الروايات املتواترة واملستفيضة اآلمرة بزيارة احلسني‪ ،‬بل‬
‫وكذا زيارة أيب احلسن موسى بن جعفر× هي ّ‬
‫حتث عىل الزيارة‬
‫يف ظرف اخلوف‪ ،‬وإن مل تشتمل ألفاظها عىل لفظ اخلوف رصحي ًا‪.‬‬
‫فتكون كافة هذه الروايات هي آمرة‪ ،‬ومشتملة عىل طلب‬
‫الزيارة يف حالة اخلوف‪ ،‬ومن تلك الروايات أيض ًا‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ما رواه بسنده إىل احللبي‪ ،‬وال يبعد اعتباره قال‪ :‬قال يل‬
‫أبو عبداهلل× يف حديث عن قتل احلسني×‪ ..‬فقال له احللبي‪:‬‬
‫ُجعلت فداك إىل متى أنتم ونحن يف هذا القتل واخلوف والشدة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬حتى يأيت سبعون فرج ًا أجواب‪ ،‬ويدخل وقت السبعني‬
‫فإذا دخل وقت السبعني‪ ،‬أقبلت الرايات ترتى كأهنا نظام‪ .‬فمن‬
‫أدرك ذلك الوقت ّقرت عينه‪ .‬احلديث( )‪.‬‬
‫ـ وأجواب‪ :‬مجع جوبة‪ ،‬واجلوب مجع قطعة ِ‬
‫القطع‪ ،‬واجلوبة‬
‫الفجوة بني البيوت والفرجة بني السحاب واجلبال‪ّ ،‬‬
‫ولعل مراده‪،‬‬
‫أي أن بني كل فرج وآخر انقطاع وختلل شدة‪ ،‬أو بني كل شدة‬

‫( ) كامل الزيارات‪ /‬باب ‪ / 19‬ح‪.5‬‬


‫‪......................................................... 31‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫وشدة انقطاع وفرج فال يتصل بعضه ببعض‪.‬‬
‫ـ ما رواه يف حمسنة عبداهلل بن محاد البرصي عن أيب‬
‫عبداهلل×‪ ،‬قال‪ :‬قال يل‪ :‬إن عندكم (أو قال‪ :‬يف قربكم) لفضيلة ما‬
‫أويت أحد مثلها‪ ،‬وما أحسبكم تعرفوهنا كنه معرفتها‪ ،‬وال حتافظون‬
‫عليها وال عىل القيام هبا‪ ،‬وإن هلا ألهالً خاصة قد ُس ّموا هلا‪،‬‬
‫حول منهم وال قوة‪ّ ،‬إال ما كان من صنع اهلل هلم‪،‬‬‫ٍ‬ ‫و ُأعطوها بال‬
‫وسعادة حباهم اهلل هبا ورمحة ورأفة وتقدّ م‪ .‬قلت‪ :‬جعلت فداك‪،‬‬
‫تسمه؟ قال‪ :‬زيارة جدّ ي احلسني بن‬ ‫وما هذا الذي وصفته ومل ّ‬
‫عيل‪ ....‬إىل أن قال×‪ :‬ال يأتيه ّإال من امتحن اهلل قلبه لإليامن‬
‫وعرفه حقنا‪ ،‬فقلت له‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬قد كنت آتيه حتى ُبليت‬ ‫ّ‬
‫بالسلطان ويف حفظ أمواهلم‪ ،‬وأنا عندهم مشهور‪ ،‬فرتكت للتقية‬
‫إتيانه وأنا أعرف ما يف إتيانه من اخلري‪ ،‬فقال‪ :‬هل تدري ما فضل من‬
‫أتاه‪ ،‬وما له عندنا من جزيل اخلري‪ ،‬فقلت‪ :‬ال‪ ،‬فقال‪ :‬أما الفضل‬
‫فالرتحم عليه كل صباح‬
‫ّ‬ ‫فيباهيه مالئكة السامء‪ ،‬وأما ما له عندنا‬
‫ومساء‪ .‬احلديث( )‪.‬‬

‫ثم قال×‪ :‬بلغني أن قوم ًا يأتونه من نواحي الكوفة وناس ًا من‬

‫( ) كامل الزيارات‪ /‬باب ‪ / 19‬ح ‪.‬‬


‫احلث على زيارة احلسني عليه السالم مع اخلوف ‪30...............................‬‬
‫غريهم‪ ،‬ونساء يندبنه‪ ،‬وذلك يف النصف من شعبان‪ ،‬فمن بني‬
‫قارئ يقرأ‪ ،‬وقاص يقص‪ ،‬ونادب يندب‪ ،‬وقائل يقول املراثي‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬نعم‪ُ ،‬جعلت فداك‪ ،‬قد شهدت بعض ما تصف‪ ،‬فقال×‪:‬‬
‫احلمد هلل الذي جعل يف الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا‪،‬‬
‫وجعل عدونا من يطعن عليهم من قرابتنا وغريهم ُهيدروهنم‪،‬‬
‫ويقبحون ما يصنعون‪ .‬احلديث( )‪.‬‬
‫‪ -‬أي هيدرون دما َءهم فهذا ترصيح منه× عىل ظرف الزائرين‬
‫للحسني× آنذاك ورغم ذلك فهو× حيث عىل الزيارة كشعرية‬
‫عظيمة من الشعائر احلسينية‪.‬‬
‫ـ ما رواه ابن قولويه بإسناده عن حممد بن سليامن‪ ،‬عن أيب‬
‫حج‬
‫جعفر اجلواد× يف حديث‪ ،‬سأل‪ :‬فأهيام أفضل‪ ،‬هذا الذي قد ّ‬
‫حجة اإلسالم يرجع فيحج أيض ًا‪ ،‬أو خيرج إىل خراسان‪ ،‬إىل أبيك‬
‫عيل بن موسى الرضا×‪ ،‬فيس ّلم عليه‪ ،‬قال‪ :‬بل يأيت خراسان‬
‫فيس ّلم عىل أيب احلسن أفضل‪ ،‬وليكن ذلك يف رجب‪ .‬ولكن ال‬
‫ينبغي أن تفعلوا هذا اليوم‪ ،‬فإن علينا وعليكم خوف ًا من السلطان‬
‫وشنعة( )‪.‬‬
‫ـ ومفاد هذا احلديث وإن كان يف زيارة اإلمام الرضا×‪ ،‬وأن‬

‫( ) باب ‪ / 19‬ح )‪.‬‬


‫( ) كامل الزيارات (باب ‪.)7 / 1‬‬
‫‪......................................................... 37‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫األوىل ترك الزيارة مع اخلوف؛ ّإال أن يف زيارة احلسني× األمر‬
‫عىل العكس‪ ،‬وهو شاهد عىل كون زياراهتم^ مشتملة عىل‬
‫اخلوف من بني أمية وبني العباس‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ وروى أيض ًا يف الصحيح إىل احلسني بن يسار الواسطي‪،‬‬


‫قال‪ :‬سألت أبا احلسن الرضا×‪ :‬ما ملن زار قرب أبيك×‪ :‬قال‪،‬‬
‫فقال×‪ :‬زوروه‪ .‬فقلت‪ :‬أي يشء فيه من الفضل‪ .‬قال‪ :‬له من‬
‫الفضل كمن زار والده يعني رسول اهلل’‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فإن خفت ومل يمكن يل الدخول داخله؛ قال‪ :‬س ّلم من‬
‫وراء اجلدار‪ .‬ويف نسخة بدل (من وراء احلائر)( )‪.‬‬
‫ـ وفيه داللة عىل أن زيارة موسى بن جعفر× يف بغداد كانت‬
‫عىل خوف وتقية‪ ،‬فكيف بزيارة احلسني×‪...‬‬
‫‪ 4‬ـ ويف رواية أخرى أيض ًا‪ ،‬يف طريق مصحح إىل احلسني بن يسار‬
‫الواسطي قال‪ :‬قلت للرضا×‪ :‬أزور قرب أيب احلسن×‪ :‬يف بغداد؟‬
‫قال‪« :‬إن كان ال بد منه فمن وراء احلجاب»( )‪ ،‬وهو أيضاً دال عىل‬

‫( ) كامل الزيارات‪ :‬باب ‪ :88‬ح‪6‬؛ الوسائل‪ /‬أبواب املزار‪ /‬باب ‪ /91‬ح‪4‬؛‬


‫التهذيب ج‪. 6 /9 :6‬‬
‫( ) كامل الزيارات‪ :‬باب ‪ /88‬ح‪ 3‬ـ الوسائل‪ /‬أبواب املزار‪ /‬باب ‪ /91‬ح‪.7‬‬
‫احلث على زيارة احلسني عليه السالم مع اخلوف ‪33...............................‬‬
‫وقوع اخلوف يف زيارة موسى بن جعفر× آنذاك‪.‬‬
‫وتوصيته× بالتح ّفظ بالتقية‪ ،‬هو عىل خالف ما ورد عنهم^‬
‫يف زيارة احلسني× يف احلث عىل الزيارة مع اخلوف من دون مراعاة‬
‫التحفظ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ مصحح احلسني بن بنت أيب محزة الثاميل‪ ،‬قال خرجت يف‬
‫آخر زمان بني مروان إىل زيارة َقرب احلسني× مستخفي ًا من أهل‬
‫الشام حتى انتهيت إىل كربالء فاختفيت يف ناحية القرية‪ ،‬حتى إذا‬
‫ذهب من الليل نصفه‪ ،‬أقبلت نحو القرب فلام دنوت منه‪ ،‬أقبل‬
‫فرجعت‬
‫ُ‬ ‫رجل فقال يل‪ :‬انرصف مأجور ًا فإنك ال تصل إليه‪،‬‬‫نحوي ٌ‬
‫أقبلت نحوه حتى إذا دنوت منه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫فزع ًا حتى إذا كان( ) يطلع الفجر‪،‬‬
‫خرج إ ّيل الرجل‪ ،‬فقال‪ :‬يا هذا‪ ،‬إنك ال تصل إليه؛ فقلت له‪ :‬عافاك‬
‫أقبلت من الكوفة أريد زيارته فال ُحتل بيني‬
‫ُ‬ ‫اهلل‪ .‬ومل ال أصل إليه‪ ،‬وقد‬
‫وبينه‪ ،‬وأنا أخاف أن ُأصبح فيقتلوين أهل الشام إن أدركوين ها هنا‪.‬‬
‫حيل بيني وبينه أحد‬‫أقبلت نحوه‪ ،‬فلم َ ُ‬
‫ُ‬ ‫فأقبلت حتى إذا طلع الفجر‪،‬‬
‫فدنوت من القرب‪ ،‬وس ّلمت عليه‪ ،‬ودعوت اهلل عىل َقتلته‪ ،‬وص ّل ُ‬
‫يت‬
‫وأقبلت مرسع ًا خمافة أهل الشام»( )‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الصبح‪،‬‬
‫‪ 6‬ـ معتربة عبداهلل بن بكري‪ ،‬عن أيب عبداهلل×‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬

‫( ) لعله النسخة األصح (كاد)‪.‬‬


‫( ) كامل الزيارات‪ :‬باب ‪ /39‬ح ‪ ،‬ح‪.6 ،5‬‬
‫‪......................................................... 31‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫خرجت‬
‫ُ‬ ‫إين أنزل األرجان( ) وقلبي ينازعني إىل قرب أبيك‪ ،‬فإذا‬
‫وجل مشفق حتى أرجع خوف ًا من السلطان والسعاة وأصحاب‬ ‫فقلبي ٌ‬
‫املسالح؛ وقال‪ :‬يا بن بكري‪ ،‬أما ُحتب أن يراك اهلل فينا خائف ًا‪ ،‬أما تعلم أنه‬
‫ظل عرشه؛ وكان حمدّثه احلسني×‬ ‫من خاف خلوفنا أظ ّله اهلل يف ّ‬
‫حتت العرش‪ ،‬وآمنه اهلل من أفزاع يوم القيامة‪ ،‬يفزع الناس وال‬
‫يفزع‪ ،‬فإن فزع و ّقرته املالئكة‪ ،‬وسكّنت قلبه بالبشارة»( )‪.‬‬
‫وقد تقدم معنى املسالح أهنا نقاط تفتيش عسكرية أمنية من‬
‫احلكم األموي والعبايس‪.‬‬
‫وهذه الرواية دالة عىل أن حكومة سلطان بني أمية وبني‬
‫العباس كانت متانع من زيارة احلسني× أشدّ ممانعة باإلرهاب‬
‫األمني والعسكري وكانت تقيم شبكات خمابرات ّية‪ ،‬لرصد ومراقبة‬
‫املعرب عنه بـ «السعاة» ـ‬
‫الطريق إىل الزيارة‪ ،‬واملوضع الرشيف‪ ،‬وهو ّ‬
‫كام أهنا كانت تقيم سيطرات عسكرية مسلحة عىل الطريق‪ .‬فهذه‬
‫الرواية تبني بوضوح أن زيارة احلسني× يف عهد الصادق×‬
‫كانت حمفوفة بكل هذه املخاطر‪ ،‬كام أشارت إليه بقية الروايات‬
‫السابقة‪ ،‬وتشري إىل أن الروايات املطلقة احلاثة عىل زيارة احلسني×‪،‬‬
‫هي صادر يف هذه الظروف الصعبة وهذا اجلو اململوء باملخاطر‪ .‬وال‬

‫( ) مدينة من بالد فارس ولعلها ما تسمى حالي ًا أرگان قرب األهواز‪.‬‬


‫( ) كامل الزيارات‪ :‬باب ‪ /45‬ح ‪.‬‬
‫احلث على زيارة احلسني عليه السالم مع اخلوف ‪31..............................‬‬
‫ريب أن تلك الروايات املطلقة الصادرة عن الباقر والصادق×‬
‫مستفيضة بل متواترة‪..‬‬
‫فيتم تقريب األمر بزيارة احلسني× مع اخلوف عىل النفس‪ ،‬فض ً‬
‫ال‬
‫عن اخلوف عىل البدن واألطراف واألعضاء واألموال والعرض‪.‬‬
‫ثم يظهر يف هذه الرواية أن ابن بكري بعد ما ذكر لإلمام×‬
‫ومن ّ‬
‫هذه احلالة يف زيارة احلسني× رغم اخلوف عىل النفس‪ ،‬والوجل‪،‬‬
‫واإلشفاق واالضطراب النفيس‪ ،‬مع كل ذلك حث اإلمام عىل‬
‫زيارة احلسني× ببالغ التأكيد والتشديد‪ ،‬وعظيم األجر اخلاص‬
‫الذي ال ُيرتقب من سائر الطاعات حتى من القتل يف سبيل اهلل يف‬
‫ساحات اجلهاد‪ ،‬بل اختص بزيارة احلسني× ومع أن مثل عبداهلل‬
‫بن بكري من فضالء وفقهاء الرواة وتالمذته× ممن يضن هبم‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ موثقة املفضل بن عمر‪ ،‬قال‪ :‬قال أبو عبداهلل×‪ ،‬يف‬
‫حديث عن ثواب زيارة احلسني×‪ ،‬وفيه‪ ....« :‬وكأين باملؤمنني‬
‫يزورونه ويس ّلمون عليه‪ ,‬فيقول اهلل‪ ‬هلم‪ :‬أوليائي‪ :‬سلوين فطاملا‬
‫أوذيتم وذللتم واضطُهدتم‪ .‬فهذا يوم ال تسألوين حاجة من حوائج‬
‫الدنيا واآلخرة ّإال قضيتها لكم‪ ,‬فيكون أكلهم ورشهبم يف اجلنة‪.‬‬
‫فهذا واهلل الكرامة التي ال انقضاء هلا وال ُيدرك منتهاها»( )‪.‬‬

‫( ) كامل الزيارات‪ :‬باب ‪ /51‬ح‪.3‬‬


‫‪......................................................... 31‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫والذ ّل واالضطهاد يف الزيارة‬
‫ـ وظاهر الرواية حصول اإليذاء ً‬
‫والطريق إليها؛ بسبب حكام اجلور‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ حمسنة أمحد بن عبدوس عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬قلت للرضا‪ :‬إن‬
‫زيارة قرب أيب احلسن× علينا فيها مشقة‪ .‬وإنام نأتيه فنس ّلم عليه من‬
‫وراء احليطان‪ ،‬فام ملن زاره من الثواب‪ .‬قال‪ :‬واهلل مثل ما ملن أتى قرب‬
‫رسول اهلل’( )‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ صحيحة معاوية بن وهب التي رواها الكليني وابن قولويه‬


‫والصدوق بأسانيد متعددة فيها الصحاح قطعية الصدور‪ ..‬قال‪:‬‬
‫استأذنت عىل أيب عبداهلل× فقيل يل‪ :‬ادخل‪ ،‬فدخلت فوجدته يف‬
‫مصالّه‪ ،‬يف بيته‪ ،‬فجلست حتى قىض صالته‪ ،‬فسمعته وهو يناجي‬
‫خصنا بالكرامة‪ ،‬وخصنا بالوصية‪ ،‬ووعدنا‬ ‫ربه‪ ،‬ويقول‪ :‬يا من ّ‬
‫الشفاعة‪ ،‬وأعطانا علم ما مىض‪ ،‬وما بقي‪ ،‬وجعل أفئدة من الناس‬
‫هتوي إلينا‪ ،‬اغفر يل وإلخواين‪ ،‬ولزوار قرب أيب عبداهلل احلسني×‪،‬‬
‫الذين أنفقوا أمواهلم وأشخصوا أبداهنم رغب ًة يف ّبرنا‪ ،‬ورجا ًء ملا‬
‫عندك يف صلتنا‪ ،‬ورسور ًا أدخلوه عىل نبيك صلواتك عليه وآله‪،‬‬
‫وإجابة منهم ألمرنا‪ ،‬وغيظ ًا أدخلوه عىل عدونا‪ ،‬أرادوا بذلك‬
‫رضاك‪ ،‬فكافهم عنا بالرضوان‪ ،‬واكألهم بالليل والنهار‪ ،‬واخلف‬

‫( ) الوسائل‪ /‬أبواب املزار‪ /‬باب ‪ /91‬ح‪. 1‬‬


‫احلث على زيارة احلسني عليه السالم مع اخلوف ‪32...............................‬‬
‫عىل أهاليهم وأوالدهم الذين خلفوا بأحسن اخللف‪ ،‬واصحبهم‬
‫واكفهم رش كل جبار عنيد‪ ،‬وكل ضعيف من خلقك‪ ،‬أو شديد‪،‬‬
‫ورش شياطني اإلنس واجلن‪ .‬وأعطهم أفضل ما أ ّملوا منك يف غربتهم‬
‫عن أوطاهنم‪ ،‬وما آثرونا به عىل أبنائهم وأهاليهم وقراباهتم‪.‬‬
‫اللهم إ َّن أعداءنا عابوا عليهم خروجهم‪ ،‬فلم ينههم ذلك عن‬
‫الشخوص إلينا‪ ،‬وخالف ًا منهم عىل من خالفنا‪ .‬فارحم تلك الوجوه‬
‫غريهتا الشمس‪ ،‬وارحم تلك اخلدود التي تق ّلبت عىل حفرة‬ ‫التي قد ّ‬
‫أيب عبداهلل×‪ ،‬وارحم تلك األعني التي جرت دموعها رمحة لنا‪،‬‬
‫وارحم تلك القلوب التي جزعت واحرتقت لنا‪ ،‬وارحم الرصخة‬
‫التي كانت لنا‪ ،‬اللهم إين أستودعك تلك األنفس‪ ،‬وتلك األبدان‬
‫حتى نوافيهم عىل احلوض يوم العطش‪ ،‬ـ فام زال وهو ساجد يدعو‬
‫هبذا الدعاء‪ ،‬فلام انرصف قلت‪ :‬جعلت فداك‪ ،‬لو أن هذا الذي‬
‫سمعت منك كان ملن ال يعرف اهلل‪ ،‬لظننت أن النار ال تطعم منه‬
‫شيئ ًا‪ ،‬واهلل لقد متنّيت أن كنت زرته ومل أحج‪ ،‬فقال يل‪ :‬ما أقربك‬
‫منه‪ ،‬فام الذي يمنع من إتيانه‪ ،‬ثم قال‪ِ :‬مل َ تدع ذلك؟ قلت‪ :‬جعلت‬
‫فداك‪ ،‬مل أدر أن األمر يبلغ هذا ك ّله‪ ،‬قال‪ :‬يا معاوية‪ ،‬من يدعو‬
‫لزواره يف السامء أكثر ممن يدعو هلم يف األرض) ( )‪.‬‬
‫‪ 31‬ـ مارواه الكليني يف حسنة احلسن بن عباس بن احلريش ‪،‬‬

‫( ) الكايف ج‪ 593 :4‬ـ كامل الزيارات‪ :‬باب ‪. /41‬‬


‫‪......................................................... 31‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬
‫عن أيب جعفر× يف حديث ‪ ،‬قال ‪ ... « :‬وال أعلم يف هذا الزمان‬
‫جهاد اا ّإال احلج والعمرة واجلوار»( ) أي جوار البقاع املقدسة‬
‫ومراقد األئمة^‪.‬‬
‫ـ ويتحصل من هذه الروايات املستفيضة‪ ،‬بل هي مع مجلة‬
‫الروايات املطلقة تكون متواترة‪ ،‬بأن زيارة احلسني× باعتبارها من‬
‫أبرز الشعائر احلسينية‪ ،‬فال يقوى عىل رفع مطلوبيتها‪ ،‬اخلوف من‬
‫هالك النفس‪ ،‬فإن مالكها أعظم من مالك حفظ النفس‪ ،‬كام هو‬
‫احلال يف اجلهاد يف سبيل اهلل وغريه‪ ،‬بل يظهر من هذه الروايات‬
‫املستفيضة واملتواترة أن باب زيارته من أعظم أبواب اجلهاد‪ ،‬يف‬
‫سبيل اهلل‪ .‬ويف سبيل اإليامن يف قبال اجلاحدين واملعاندين‪ ،‬الذين‬
‫يريدون أن يطفئوا نور اهلل وهو اإليامن‪ ،‬وبعبارة أخرى أن زيارة‬
‫سيد الشهداء× ـ كشعرية من الشعائر ال ُينظر إليها من اخلصوصية‬
‫الفردية وأن الزيارة مستحبة‪ ،‬فكيف ُتقدَّ م عىل حفظ النفس من‬
‫اهلالك الذي هو واجب‪ ،‬وهو أعظم من كثري من الواجبات‪ ،‬فكيف‬
‫يتم هذا بحسب قواعد وصناعة الفقه؛ واجلواب‪:‬‬

‫أن زيارة احلسني وبقية الشعائر املرتبطة به×‪ ،‬بل واملرتبطة‬

‫( ) الكايف ج ‪ 5 :‬ـ‬
‫احلث على زيارة احلسني عليه السالم مع اخلوف ‪31...............................‬‬

‫بأهل البيت^ من زياراهتم وشعائرهم‪ ،‬هي متضمنة لطبائع‬


‫واجبة‪ ،‬نظري إقامة وحفظ الوالية‪ ،‬ونرش نور اإليامن‪ ،‬وهداية‬
‫ربي‪ ،‬وجتديد العهد بواليتهم‬ ‫ّ‬
‫التويل والت ّ‬ ‫البرش‪ ،‬وإقامة فريضة‬
‫وحمبتهم‪ ،‬والبيعة هلم‪ ،‬إىل غري ذلك من طبائع الواجبات املرتبطة‪،‬‬
‫ببيضة الدين واإليامن‪ ،‬فكيف ال تقدّ م هذه الواجبات عىل حفظ‬
‫النفس‪ .‬ومن السطحية بمكان مالحظة الطبيعة الفردية للشعرية‬
‫كزيارة ونحوها من نامذج أفراد وأصناف الشعائر احلسينية‪ ،‬أو‬
‫شعائر أهل البيت^ مع اإلغفال عن مجلة الطبائع الواجبة العظيمة‪،‬‬
‫املرتبطة بأصول الدين وأركانه‪ ،‬واملنطوية يف الشعائر احلسينية‬
‫تضمن ًا‪ ..‬وقد وقع يف هذه الغفلة‪ ،‬عدد كثري من أصحاب النظر‬
‫واألعالم‪ ..‬وقد ذكرنا شطر ًا وافر ًا من هذه النكتة الصناعية يف‬
‫مبحث (أحكام العتبات املقدسة)‪.‬‬
‫ثم ال خيفى أنه يف مجلة كثرية من هذه الروايات املتقدمة التعليل‬
‫بعموم أمهية املالك واملصلحة الشامل لكل الشعائر املضافة ألهل‬
‫البيت^‪.‬‬
‫ـ نظري قوله×‪« :‬أما ُتب أن يراك اهلل فينا خائفاا»‪.‬‬
‫مر حتت رقم احلديث (‪) 6‬‬
‫الذي قد َّ‬
‫‪......................................................... 11‬سلسلة الشعائر احلسينية ـ ‪ 3‬ـ‬

‫الدال عىل عموم موضوع احلكم وهو ليس لزيارهتم^‬


‫فحسب‪ ،‬بل لكل شعرية تضاف إليهم^‪ .‬وبالتايل يدل عىل‬
‫رجحان الشعائر احلسينية ولو مع اخلوف عىل النفس ‪.‬‬
‫فهرس املوضوعات‬
‫فهرس املوضوعات ‪13............................................................................‬‬

You might also like