You are on page 1of 8

‫‪193‬‬

‫**‪Ahmed Khouaja‬‬ ‫*‬


‫أحمد خواجه ‬

‫األخ‪ ،‬الرعية‪ ،‬المواطن‪:‬‬


‫دينامية المكانة السياسية للفرد في تونس‬
‫قراءة نقدية‬
‫‪«The Brother, the Parish and the Citizen:‬‬
‫»‪The Dynamics of Individual Political Status in Tunisia‬‬
‫‪A Critical Reading of the Book‬‬

‫األخ‪ ،‬الرعية‪ ،‬المواطن‪ :‬دينامية المكانة السياسية للفرد في تونس‬ ‫‪:‬‬ ‫الكتاب‬
‫‪Le frère, le sujet et le citoyen: Dynamique du statut politique de‬‬ ‫العنوان األصلي ‪:‬‬
‫‪l’individu en Tunisie‬‬
‫عبد الحميد هنية‬ ‫‪:‬‬ ‫الكاتب‬
‫تبر الزمان ‪l’Or du temps -‬‬ ‫‪:‬‬ ‫الناشر‬
‫تونس‬ ‫‪:‬‬ ‫مكان النشر‬
‫‪2015‬‬ ‫تاريخ النشر ‪:‬‬
‫‪201‬‬ ‫عدد الصفحات ‪:‬‬

‫الـتــونـسـيــة (ف ــي ال ــواح ــات فــي جـنــوب ال ـبــاد وفــي‬ ‫ف ــي ن ـه ــاي ــة س ـن ــة ‪ ،2015‬ن ـش ــر ال ـم ــؤرخ‬
‫متفحصا ديـنــامـيــات تحوالتها‬ ‫ً‬ ‫تــونــس الـعــاصـمــة)‪،‬‬ ‫عـبــد الـحـمـيــد هـنـيــة‪ ،‬أس ـتــاذ ال ـتــاريــخ في‬
‫ال ـتــاري ـخ ـيــة‪ ،‬تـ ــارة ض ـمــن م ـقــاربــة مـيـكــروتــاريـخـيــة‪،‬‬ ‫مـعـهــد ال ــدوح ــة ل ـل ــدراس ــات الـعـلـيــا واألس ـت ــاذ فــي‬
‫وتـ ـ ــارة أخ ـ ــرى وفـ ــق ن ـظ ــرة ش ـم ــول ـي ــة‪ ،‬وذل ـ ــك مـنــذ‬ ‫الجامعة التونسية‪ ،‬كتا ًبا جديدً ا تولد عن سلسلة‬
‫حـلــول الـعـثـمــانـيـيــن فــي تــونــس‪ ،‬وه ــي الـفـتــرة الـتــي‬ ‫ك ـتــب ســاب ـقــة خـصـصـهــا ل ـتــاريــخ ت ــون ــس‪ ،‬اهـتـمــت‬
‫ُت ـح ـق ــب ل ـه ــا الـ ـم ــدرس ــة ال ـت ــون ـس ـي ــة ت ـح ــت يــاف ـطــة‬ ‫خ ــاص ــة بــال ـف ـتــرة ال ـع ـث ـمــان ـيــة‪ ،‬م ــرك ــزة ع ـلــى ال ـتــاريــخ‬
‫«العصر الحديث»‪.‬‬ ‫االجـتـمــاعــي لـلـمـجـمــوعــات والـفـئــات المجتمعية‬

‫* باحث في علم االجتماع العمراني‪ .‬رئيس قسم علم االجتماع في كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية في جامعة تونس‪.‬‬
‫‪** Urban Sociology Researcher , Chairman of Sociology Department at the Faculty of Social Sciences and Humanities,‬‬
‫‪Tunis University, Tunisia.‬‬
‫‪194‬‬
‫العدد ‪Issue 5 / 18‬‬
‫خريف  ‪Autumn 2016‬‬

‫اإلسالمية أو «المشرقية»‪ ،‬تلك التي تــرى أنــه لم‬ ‫يمكن الـقــول فــي الـبــدايــة إن الـكـتــاب يـبــدأ بتناول‬
‫تـكــن لـلـفــرد مـكــانــة فــي هــذه الـمـجـتـمـعــات قـبــل أن‬ ‫مــوضــوعــه وفــق حــركــة تحليلية تقهقرية‪ ،‬إن صح‬
‫تعرف الصدمة االستعمارية خالل القرن التاسع‬ ‫الـتـعـبـيــر‪ ،‬ألن ال ـمــؤرخ لــم يـبــدأ بـحـثــه بــوضـعـنــا في‬
‫ع ـش ــر؛ إذ ظ ــل الـ ـف ــرد س ـج ـيــن ال ـق ـب ـي ـلــة وال ـع ـش ـيــرة‬ ‫سياق تاريخي مضى بل ينطلق بنا من الحاضر‪،‬‬
‫والـعــائـلــة‪ ،‬كـمــا تـقــول لــوســات فــالـنـســي فــي كتابها‬ ‫وتحديدً ا من ثــورة ‪ 14‬كانون الثاني‪/‬يناير ‪،2011‬‬
‫«ال ـف ــاح ــون ال ـتــون ـس ـيــون» خ ــال ال ـقــرن ـيــن الـثــامــن‬ ‫ال ـت ــي ي ـص ــرح بــأن ـهــا ك ــان ــت ال ــداف ــع ال ــوج ــدان ــي ثــم‬
‫عشر والـتــاســع عـشــر(‪ ،)1‬وأسـيــر المجتمع القرابي‬ ‫الفكري الــذي جعله ينتبه إلــى أن أحــد المحاور‬
‫وال ـســالــي واالن ـق ـســامــي‪ ،‬م ـقـ َّـيــدً ا ب ــرواب ــط األرض‬ ‫األساسية في جميع أبحاثه التاريخية كان معالجة‬
‫والدم والمحلة‪.‬‬ ‫قـضـيــة تـشـ ُّـكــل ال ــدول ــة الـحــديـثــة فــي تــونــس‪ ،‬الـتــي‬
‫تطورا مطر ًدا في المكانة‬ ‫ً‬ ‫تمثّل ديناميتها المركّ بة‬
‫يـعـتـبــر ه ـن ـيــة أن ــه ي ـجــب ّأل يـنـسـيـنــا ت ـف ـ ّـوق ال ـغــرب‬
‫السياسية للفرد– وهذا على األقل من وجهة نظر‬
‫االق ـت ـص ــادي ب ـ ــد ًءا م ــن ال ـق ــرن ال ـس ــاب ــع ع ـشــر دور‬
‫الدولة ‪ -‬الذي تحول في عيون الجباية وقوانينها‬
‫المؤسسات «الداخلية» للمجتمعات «المشرقية‬
‫ووث ــائـ ـقـ ـه ــا مـ ــن أخ «ألخـ ـ ـ ــوة‪ :‬ب ــال ـل ـه ـج ــة ال ـع ــام ـي ــة‬
‫فــي صنعها «حــداثــة» تختلف عــن النمط الغربي‬
‫ال ـبــدويــة فــي ت ــون ــس»‪ ،‬إل ــى رع ـيــة خــاضـعــة بشكل‬
‫الذي بدأ يتعمم منذ الثورة الفرنسية ليصبح في ما‬
‫م ـبــاشــر ألج ـه ــزة ال ــدول ــة ال ـج ـبــائ ـيــة واألم ـن ـي ــة‪ ،‬إلــى‬
‫كونيا؛ حداثة مسايرة للنمط االجتماعي‬ ‫نمطا ً‬ ‫بعد ً‬
‫مواطن يطالب بعقد اجتماعي ينظم العالقة بينه‬
‫كثيرا‪،‬‬
‫المهيمن في هذه المجتمعات التي عانت ً‬ ‫وبين الدولة‪.‬‬
‫تجاه َل دينامياتها الداخلية‬ ‫ُ‬ ‫كما يقول جاك بيرك‪،‬‬
‫ح ــاول ال ـكــاتــب‪ ،‬م ـنــذ ال ـم ـقــدمــة‪ ،‬أن يـعـطــي نـفـ ًـســا‬
‫ـورا فــي الـتـحـلـيــل؛ حــداثــة هــي ثـمــرة‬ ‫ونـقـ ًـصــا وق ـص ـ ً‬
‫جــديــدً ا لـلــدراســات المهتمة بالمجتمع التونسي‬
‫تــاقــح وت ـثــاقــف ب ـيــن ال ـغ ــرب والـ ـش ــرق‪ ،‬وع ـصــارة‬
‫فـ ــي ع ــاق ـت ــه ب ــالـ ـح ــداث ــة والـ ـتـ ـح ــدي ــث وال ـع ـص ــرن ــة‬
‫حركة ثقافية تنويرية تحديثية عرفت بدايتها منذ‬
‫واألورب ـ ـ ـ ــة ال ـم ـت ـن ــام ـي ــة م ـن ــذ الـ ـفـ ـت ــرة االس ـت ـع ـم ــاري ــة‬
‫عصر «النهضة العربية»‪ ،‬وإن كانت نهضة الغرب‬
‫(‪ ،)1956 - 1881‬ن ــائ ـ ًـي ــا ب ـن ـف ـســه عـ ــن ال ـ ـقـ ــراءات‬
‫ال ـم ـف ـتــرضــة ه ــذه ق ــد نــوق ـشــت ب ـشـكــل ح ــاس ــم مــن‬
‫االس ـت ـش ــراق ـي ــة واالن ـق ـس ــام ـي ــة ال ـم ــوغ ـل ــة ف ــي أن ــوي ــة‬
‫خالل مساهمات نقدية شككت في أنوية الغرب‬
‫الغرب المركزية والمق ِّللة من دور الفرد ومكانته‬
‫المركزية وتنبهت لخصوصيات التاريخ المحلي‬
‫في المجتمعات «التقليدية»‪ ،‬ليفترض منذ البدء‬
‫الذي له فرادته وسياقه الخاص‪ ،‬كما يذهب إلى‬
‫ومركبا‪ ،‬مر بتحوالت‬ ‫ً‬ ‫مسارا معقدً ا‬ ‫ً‬ ‫أن الفرد مثّل‬
‫ذل ــك ج ــاك غ ــودي ع ـنــد ال ـق ــول إن الـمـجـتـمـعــات‬
‫عــديــدة ح ــاول هــو رصــدهــا مــن خــال الـحـفــر في‬
‫الـمـشــرقـيــة ُســرقــت فــي تــاريـخـهــا الـمـحـلــي و ُف ــرض‬
‫الوثائق األرشيفية ومساءلة جديدة لمصادر الفترة‬
‫عـلـيـهــا االن ـخ ــراط ف ــي ال ـتــاريــخ ال ـغــربــي بـســرديـتــه‪،‬‬
‫وكـتــابــاتـهــا‪ .‬وقــد أوضــح أن حقبة الــدراســة قدمت‬
‫وكـ ـم ــا ي ــذه ــب دي ـف ـي ــد غ ــرابـ ـي ــر (‪)D. Graeber‬‬
‫ل ـن ــا ت ـم ـظ ـه ــرات وت ـج ـل ـي ــات وت ـش ـك ـي ــات م ـت ـنــوعــة‬
‫وجون فيليب برا (‪ )J.P. Bras‬وآخرون…‬ ‫ل ـم ـكــانــة ال ـف ــرد ف ــي الـمـج ـتـمــع ال ـتــون ـســي‪ ،‬ت ـحــاول‬
‫يـحـتــوي الـكـتــاب عـلــى مـقــدمــة وخــاتـمــة وقـسـمـيــن‬ ‫طـمـسـهــا جـمـيـعـهــا ال ـق ــراء ُة الـمــألــوفــة فــي األدب ـيــات‬
‫كبيرين‪:‬‬ ‫المهتمة بنشأة الـحــداثــة فــي المجتمعات الغربية‬
‫‪195‬‬ ‫بتك ضورعو تاعجارم‬
‫يدقن ةءارق ‪.‬سنوت يف درفلل ةيسايسلا ةناكملا ةيمانيد ‪:‬نطاوملا ‪،‬ةيعرلا ‪،‬خألا‬

‫ال ـت ــراب ــط ب ـي ــن م ـن ـطــق الـ ــدولـ ــة وم ـن ـط ــق ال ـج ـمــاعــة‪،‬‬ ‫• يهتم القسم األول بالبروز المحتشم للفرد في‬
‫واهتم في الفصل الثاني بمفهوم الرعية والوضع‬ ‫القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر‪،‬‬
‫الـسـيــاســي الـمـمـيــز لـسـكــان ال ـمــدن مـقــارنــة بسكان‬ ‫ن ـظ ـ ًـرا إلـ ــى س ـي ـطــرة أطـ ــر اج ـت ـمــاع ـيــة‪ ،‬م ـثــل الـقـبـيـلــة‬
‫وعني في الفصل الثالث بالعالم القبلي‬ ‫األرياف‪ُ ،‬‬ ‫والجماعة و«الـمـيـعــاد»‪ ،‬ويـصــل بنا هنية إلــى حد‬
‫من خالل مفهوم األخ ومنظومة القرابة الحقيقية‬ ‫انتفاضة ‪ 1864‬المعروفة بانتفاضة «الـعــربــان» أو‬
‫أو الوهمية الـتــي تـشـ ّـرع لعالقة الـفــرد بالمجتمع‪.‬‬ ‫«انـتـفــاضــة عـلــي بــن غ ــذاه ــم»‪ ،‬ال ـتــي ان ـت ـشــرت في‬
‫أمـ ــا ال ـف ـص ــل الـ ــرابـ ــع‪ ،‬ف ـت ـحــدث ف ـيــه ال ـم ــؤل ــف عــن‬ ‫غالبية مناطق الـبــاد بعد إعــان مضاعفة ضريبة‬
‫ت ـب ـعــات اإلص ــاح ــات الـجـبــائـيــة ل ـل ـس ـنــوات ‪1801‬‬ ‫«المجبى» ‪ -‬وهــي ضريبة شخصية موظفة على‬
‫و‪ 1802‬و ‪ 1856‬ومــؤثــرات ـهــا ف ــي إعـ ــادة ال ـتــراتــب‬ ‫األف ــراد الــراشــديــن وعـلــى ثــراوتـهــم ومـمـتـلـكــاتـهــم‪،‬‬
‫االجتماعي في عالم المدن واألرياف التونسية‪،‬‬ ‫ولــم ُيستثن منها‪ ،‬كما كانت الـحــال فــي السابق‪،‬‬
‫وف ـ ـ ــي إحـ ـ ـ ـ ــداث ت ـ ـح ـ ــوالت ج ـ ــدي ـ ــدة ف ـ ــي ع ــاق ــة‬ ‫ح ـتــى األعـ ـي ــان ال ـم ـح ـل ـي ـيــن وال ـع ــائ ــات الـمـتـنـفــذة‬
‫األف ــراد والـجـمــاعــات والقبائل بــالــدولــة المركزية‪،‬‬ ‫ف ــي ال ـق ــرى والـ ـبـ ــوادي ‪ -‬وه ــو ح ــدث س ــاه ــم فــي‬
‫ال ـت ــي م ـه ــدت إلص ــاح ــات ال ـق ــرن ال ـت ــاس ــع عـشــر‬ ‫ب ــروز نـقـلــة نــوع ـيــة ف ــي الـمـجـتـمــع ال ـتــون ـســي ال ــذي‬
‫(إع ـ ـ ــان دسـ ـتـ ــور ‪ .)1861‬وق ـ ــد س ــاه ـم ــت ت ـلــك‬ ‫ب ــدأ يـتـهـيــأ م ـنــذ ت ـلــك االن ـت ـفــاضــة الح ـت ـضــان قـيـمــة‬
‫اإلصــاحــات‪ ،‬مــن ضـمــن عــوامــل أخــرى سياسية‬ ‫ال ـفــرد وضـعـيـ ًة اجـتـمــاعـيــة وذهـنـيــة ثـقــافـيــة جــديــدة‪.‬‬
‫واقـ ـتـ ـصـ ــاديـ ــة وث ـق ــاف ـي ــة ون ـف ـس ـي ــة اج ـت ـم ــاع ـي ــة‪ ،‬فــي‬ ‫هــذه االنـتـفــاضــة أو حــركــة الـعـصـيــان والـتـمــرد التي‬
‫إع ــادة صــوغ رابـطــة االنـتـمــاء الـسـيــاســي وعــاقــات‬ ‫قـمـعـتـهــا ال ـس ـل ـطــة ال ـمــركــزيــة ق ـمـ ًـعــا ش ــدي ــدً ا ف ــي مــا‬
‫ال ـت ـم ـف ـص ــل بـ ـي ــن الـ ـمـ ـجـ ــال ال ـ ـخ ـ ــاص والـ ـمـ ـج ــال‬ ‫ُعــرف بـ«محلة زروق»‪ ،‬وعاقبت كــأشــد مــا يكون‬
‫الـ ـعـ ــام‪ ،‬وهـ ــو م ــوض ــوع ال ـف ـص ــل ال ـخ ــام ــس ال ــذي‬ ‫األقــال ـيـ َـم الـمـنـتـفـضــة‪ ،‬وخــاصــة فــي جـهــة الـســاحــل‬
‫اه ـتــم ف ـيــه هـنـيــة ب ـم ــدار ال ـف ـضــاء ال ـع ــام ف ــي أواخ ــر‬ ‫الـمـنـتـجــة لـلــزيــت وجـهــة الـجــريــد الـمـنـتـجــة للتمور‬
‫القرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫وجهة «وطن أفريقية» في الشمال الغربي للبالد‬
‫فــي الـقـســم الـثــانــي مــن الـكـتــاب‪ ،‬تـحــدث المؤلف‬ ‫الـتــونـســي الـمـنـتـجــة لـلـحـبــوب‪ ،‬كــانــت عـنــوا ًنــا على‬
‫عن أحد إفرازات القرن العشرين وفترة االستيطان‬ ‫بــروز قيمة الفرد المنتفض على استنزاف الدولة‬
‫ال ـف ــرن ـس ــي فـ ــي تـ ــونـ ــس‪ ،‬وه ـ ــو ال ـص ـع ــود ال ـص ـعــب‬ ‫المركزية وجــورهــا‪ ،‬وكــانــت أيـ ًـضــا بــواعــث دينامية‬
‫لــوض ـع ـيــة الـ ـف ــرد «الـ ـم ــواط ــن» م ــن خـ ــال الـتـعـبـئــة‬ ‫داخـلـيــة ساهمت مــع حـلــول االسـتـعـمــار الفرنسي‬
‫على سبيل الذكر في الحركة الوطنية المناهضة‬ ‫في بروز الوعي بضرورة التنظم في أطر اجتماعية‬
‫ل ــاس ـت ـع ـم ــار والـ ـمـ ـقـ ــاومـ ــة ل ـ ــه‪ ،‬وكـ ــذلـ ــك ال ـح ــرك ــة‬ ‫جديدة من نوع األحزاب والنقابات والجمعيات‬
‫الـنـقــابـيــة وم ــرور الـمـجـتـمــع الـتــونـســي تــدريـجـ ًـيــا من‬ ‫والهياكل المختلفة لما ُيعرف بالمجتمع المدني‬
‫أفقيا إلى مجتمع‬ ‫المكرس للفردانية والـمـســاعــدة على التحرر من‬
‫مجتمع فئوي كان التراتب فيه ً‬
‫طـبـقــي أصـبــح الـتـنــاضــد االجـتـمــاعــي فـيــه عـمــود ًيــا‪،‬‬ ‫قيد الهياكل األهلية والقرابية والعشائرية والدينية‬
‫ع ـلــى أسـ ــاس ال ـم ـكــانــة االج ـت ـمــاع ـيــة وال ــوع ــي بـهــا‬ ‫القديمة‪.‬‬
‫وبإمكانات الفعل وتغيير المجتمع‪ .‬وقد خلص‬ ‫يـتـفــرع الـقـســم األول ب ــدوره إل ــى خـمـســة فـصــول‪،‬‬
‫هـنـيــة مــن خــال هــذا الـتـحـلـيــل إلــى الـحــديــث عن‬ ‫ت ـطــرق هـنـيــة ف ــي ال ـف ـصــل األول مـنـهــا إل ــى مـســألــة‬
‫‪196‬‬
‫العدد ‪Issue 5 / 18‬‬
‫خريف  ‪Autumn 2016‬‬

‫مــن خــال الـمـثــال الـتــونـســي‪ ،‬يــؤكــد افـتــراض هنية‬ ‫ال ـط ـب ـق ــات ال ــوس ـط ــى ف ــي ت ــون ــس‪ ،‬ال ـت ــي ي ـت ـحــدث‬
‫ـرجــح أن تـكــون النهضة الـعــربـيــة الفكرية‪،‬‬ ‫الــذي يـ ّ‬ ‫الجميع اليوم عن ترهلها وتدحرجها على الس ّلم‬
‫التي كان من أبرز مطالبها تعليم البنت (وهو من‬ ‫االجتماعي‪ ،‬والـتــي قــد تـكــون‪ ،‬مــن جملة عوامل‬
‫تجند فــي الــدفــاع عـنــه رجــال اإلص ــاح مــن أمـثــال‬ ‫أخ ـ ــرى‪ ،‬أحـ ــد ال ـع ــوام ــل ال ـم ـف ـســرة ل ـت ـع ـ ّثــر ال ـم ـســار‬
‫ال ـط ـه ـط ــاوي وال ـك ــواك ـب ــي وق ــاس ــم أم ـي ــن ومـحـمــد‬ ‫االنـتـقــالــي الــديـمـقــراطــي‪ ،‬لـمــا لـلـطـبـقــات الــوسـطــى‬
‫عبده واألميرة نازلي ومي زيــادة والطاهر الحداد‬ ‫من دور في صوغ التوافقات االجتماعية وضمان‬
‫والطاهر بــن عــاشــور‪ ،‬ومجموعة حركة «الشباب‬ ‫مناخ س ّلم اجتماعي ونماء اقتصادي‪ .‬كما أطنب‬
‫التونسي» من أمثال الشاذلي خير الله ومصطفى‬ ‫المؤلف في الحديث‪ ،‬في هذا الفصل‪ ،‬عن عالقة‬
‫خــزنــدار وعـلــي بــاش حامبه والبشير صفر الذين‬ ‫ال ـن ـخــب الـتــونـسـيــة بــال ـم ـســار االن ـت ـقــالــي والـطــريـقــة‬
‫كانوا يلتقون في صالون األميرة نازلي في المرسى‬ ‫ال ـت ــي ت ـت ـم ـ ّثــل ب ـهــا ه ــذه األخ ـي ــرة دور «ال ـط ـب ـقــات»‬
‫خــال سـنــوات العقد الـثــانــي مــن الـقــرن العشرين‬ ‫الشعبية والشغيلة والـفـئــات الـمـقـصــاة فــي إنـجــاح‬
‫بالحاضرة تــونــس‪ ،‬للدفاع عــن مـبــدأ تـحــرر الـمــرأة‬ ‫المسار االنتقالي والديمقراطية أو إفشالهما‪ .‬أما‬
‫التونسية والمرأة العربية) هي التي أوجدت شرارة‬ ‫فــي الـفـصــل األخ ـي ــر‪ ،‬فـقــد تـحــدث الـمــؤلــف ‪ -‬في‬
‫تـحــول «داخ ـل ـيــة» فــرضـتـهــا إرادة الـنـخــب الـفـكــريــة‬ ‫سياق برهنته على تأكد قيمة الفرد ومسار الفردية‬
‫العربية آنــذاك لتغيير األوضــاع ومقاومة التخلف‬ ‫فــي فـتــرة الـبـنــاء الــوطـنــي وفــي الـمــرحـلــة الـتــي تلت‬
‫والـتـحـجــر واالس ـت ـبــداد الـثـقــافــي والـسـيــاســي‪ .‬هــذه‬ ‫الثورة التونسية ‪ -‬عن مسألة تحرر المرأة التونسية‬
‫ال ـت ـح ــوالت االج ـت ـمــاع ـيــة ل ــم ت ـكــن ن ـت ـي ـجــة عـمـلـيــة‬ ‫م ـن ــذ الـ ـفـ ـت ــرة االس ـت ـع ـم ــاري ــة مـ ــن قـ ـي ــود ال ـم ـج ـت ـمــع‬
‫ت ـثــاقــف م ــع ال ـغ ــرب‪ ،‬ب ــل نـتـيـجــة دي ـنــام ـيــة داخ ـل ـيــة‪،‬‬ ‫التقليدي‪ ،‬والـتــي تُعتبر مــن الـتـجــارب الــرائــدة في‬
‫ولــم تنشأ بفعل الـصــدمــة الـحـضــاريــة الـتــي وقعت‬ ‫الـعــالــم الـعــربــي مــع ســن دول ــة الـبـنــاء الــوطـنــي سنة‬
‫نتيجة الحضور االستيطاني االستعماري‪ ،‬الذي‬ ‫‪ 1956‬لـمـجـلــة األحـ ــوال الـشـخـصـيــة‪ ،‬الـتــي يمكن‬
‫لــم تـكــن تـهـمــه وضـعـيــة تـحــريــر ال ـمــرأة فــي شــيء‪،‬‬ ‫اع ـت ـبــارهــا ‪ -‬رغ ــم بـعــض الـتـحـفـظــات ال ـتــي يـبــديـهــا‬
‫ب ــل إن ــه سـعــى إل ــى اس ـتــدامــة وضـعـهــا ف ــي الـجـهــل‬ ‫مسارا‬
‫ً‬ ‫بعض المفكرين اإلسالميين المحافظين ‪-‬‬
‫واإلقصاء والتهميش‪.‬‬ ‫تاريخيا ال يمكن الرجوع فيه إلى الوراء أو إلغاؤه‪.‬‬ ‫ً‬
‫يـتـمــوقــع الـكـتــاب فــي الـف ـتــرة الـعـثـمــانـيــة الحسينية‬ ‫ومن خالل التركيز على مكانة المرأة ودورها في‬
‫(‪ )1881 - 1705‬واالستعمارية (‪)1956 - 1881‬‬ ‫المشاركة االجتماعية والسياسية‪ ،‬يتضح التوجه‬
‫وفترة البناء الوطني ودولة االستقالل والتحديث‬ ‫في الفترة المعاصرة إلى تأكيد قيمة الفرد‪ ،‬وهي‬
‫(‪ ،)2011 - 1956‬ويطمح إلى ممارسة ما يسمى‬ ‫مشاركة ما زالت محتشمة وتواجه عوائق عديدة‪،‬‬
‫التاريخ الحيني أو المباشر‪ ،‬حين يهتم بما جاء‬ ‫منها رواسب ذهنية المجتمع األبوي والذكوري‪،‬‬
‫ب ـع ــد م ـخ ــاض الـ ـثـ ــورة ال ـتــون ـس ـيــة (كـ ــانـ ــون األول‪/‬‬ ‫وص ـع ــوب ــة ت ــوف ـي ــق ال ـ ـمـ ــرأة ب ـي ــن األع ـ ـبـ ــاء األس ــري ــة‬
‫دي ـس ـم ـبــر‪ - 2010‬كــانــون الـثــانــي‪/‬يـنــايــر ‪ )2011‬من‬ ‫واألع ـبــاء الـعــائـلـيــة مــن جـهــة‪ ،‬والـمـهـمــات المهنية‬
‫ت ـع ـ ّثــر ل ـل ـم ـســار االن ـت ـق ــال ــي‪ ،‬وإعـ ـ ــادة طـ ــرح مـســألــة‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬وضعف حضورها في المجتمع‬
‫كتابة التاريخ والذاكرة‪ ،‬وهيجان الكلمة العفوية‬ ‫السياسي‪ ،‬وضعف تمثيليتها في دوائر القرار في‬
‫وال ـم ـن ـظ ـمــة ال ـت ــي ي ـس ـعــى ال ـج ـم ـيــع إلـ ــى تـمـلـكـهــا‪،‬‬ ‫الـحـيــاة االقـتـصــاديــة والـسـيــاسـيــة‪ .‬ومــوضــوع الـمــرأة‬
‫‪197‬‬ ‫بتك ضورعو تاعجارم‬
‫يدقن ةءارق ‪.‬سنوت يف درفلل ةيسايسلا ةناكملا ةيمانيد ‪:‬نطاوملا ‪،‬ةيعرلا ‪،‬خألا‬

‫يـ ـقـ ــع فـ ـيـ ـه ــا تـ ـ ـ ـ ــوارث الـ ــوض ـ ـع ـ ـيـ ــات والـ ـمـ ـكـ ــانـ ــات‬ ‫ورجـ ــوع صــاخــب ل ـل ـت ـيــارات ال ـج ـهــاديــة الـسـلـفـيــة‪،‬‬
‫االج ـت ـمــاع ـيــة و ُي ـس ـلــب فـيـهــا ال ـف ــرد ك ــل اسـتـحـقــاق‬ ‫وإع ــادة طــرح قـضــايــا تتصل بــالـهــويــات الجماعية‬
‫وج ــدارة وقــدرة على الـتــدخــل وتغيير اإلكــراهــات‬ ‫والـفــرديــة والـمــواطـنــة‪ ،‬مثل مسألة األوقــاف ومبدأ‬
‫واإلل ــزام ــات وض ـغــوط الـمـنـشــأ االجـتـمــاعــي‪ ،‬إلــى‬ ‫الـتـنــاصــف أو الـتـكــامــل ل ـل ـمــرأة الـتــونـسـيــة وعــاقــة‬
‫مـجـتـمــع ُي ـم ـنــح ف ـيــه ال ـف ــرد ج ـم ـيــع ط ــاق ــات الـفـعــل‬ ‫ال ـم ـج ــال ال ـم ـح ـل ــي ب ــال ـم ـج ــال الـ ـمـ ــركـ ــزي‪ ،‬وه ــي‬
‫والـتـغـيـيــر وال ـم ـب ــادرة والـتـنـقــل وال ـح ــراك والـتـعـبـيــر‪،‬‬ ‫مـســائــل بـ ّـيــن عـبــد الـحـمـيــد هـنـيــة فــي ه ــذا الـكـتــاب‬
‫ال ـت ــي ه ــي م ــن س ـم ــات ال ـم ــواط ـن ــة ال ـق ــائ ـم ــة عـلــى‬ ‫وك ـت ــاب ــات أخـ ــرى أه ـم ـيــة ال ـح ـفــر ال ـتــاري ـخــي فـيـهــا‪،‬‬
‫مجتمع األفراد المتحررين من ضغوط المجتمع‬ ‫وأش ــار إل ــى أن ـهــا‪ ،‬وإن تـكــن قـضــايــا راه ـنــة ويـبــدو‬
‫«الـطــائـفــي» األه ـلــي الـعـشــائــري الـقـبـلــي‪ ،‬وه ــو ما‬ ‫ملحا‪ ،‬ال يمكن فهمها‬ ‫الطلب االجتماعي عليها ًّ‬
‫ي ـس ـمــح ل ـل ــدول ــة ب ـ ــاس ـت ـخ ــدام «ال ـع ـن ــف ال ـش ــرع ــي»‬ ‫إال بقراءة تاريخية متأنية ومدعمة بشواهد يمكن‬
‫واحـتـكــاره كما يـقــول مــاكــس فيبر‪ ،‬ومأسسة الثقة‬ ‫الـ ـمـ ــؤرخ أن ي ـق ــدم ب ـن ــاء ع ـل ـي ـهــا رؤي ـ ــة مــوضــوع ـيــة‬
‫كما يفترض براتند دي جوفنال‪ ،‬و ُيلزم فيه األفراد‬ ‫مـتــرويــة عـلـمـيــة‪ ،‬مــن شــأنـهــا أن تـنـيــر الـنـقــاش الـعــام‬
‫ب ــدف ــع ال ـض ــرائ ــب ع ـل ــى اع ـت ـب ــار ق ــاع ــدة ال ـش ـفــاف ـيــة‬ ‫ح ـ ــول ق ـض ــاي ــا ك ـث ــر ح ــول ـه ــا ال ـص ـخ ــب اإلع ــام ــي‬
‫والمصداقية والعدالة االجتماعية‪ ،‬التي يضمنها‬ ‫والجدل السياسي في مدار الشأن العام‪.‬‬
‫ق ــان ــون م ـجــرد وش ـبــه كــونــي م ـت ـعــال ُي ـل ــزم الـجـمـيــع‬ ‫ك ـم ــا ي ـط ــرح ال ـك ـت ــاب إش ـك ــال ـي ــة م ـ ــرور الـمـجـتـمــع‬
‫بالحقوق والواجبات نفسها‪.‬‬ ‫الـتــونـســي خــال الـفـتــرة الـحــديـثــة‪ ،‬ب ــد ًءا مــن الـقــرن‬
‫والـكـتــاب يـقـطــع مـنــذ الـبــدء مــع الـفـكــرة الـقــائـلــة إن‬ ‫ـول إلـ ــى ال ـف ـت ــرة ال ـم ـعــاصــرة‪،‬‬ ‫ال ـس ــاب ــع ع ـشــر ووصـ ـ ـ ً‬
‫بروز الفرد والفرادنية في المجتمعات المشرقية‪،‬‬ ‫وإلى حد الفترة االنتقالية التي تمر بها تونس بعد‬
‫أو لنقُل غير الغربية‪ ،‬هو وليد الفترة االستعمارية‬ ‫« ث ــورة ‪ ،»2011‬مــن نـظــام حـكــم ال ـحــزب الــواحــد‬
‫ال ـت ــي ع ــرف ـت ـه ــا بـ ـل ــدان ال ـم ـش ــرق ال ـع ــرب ــي (م ـص ــر‪،‬‬ ‫إلــى الـتـعــدديــة الـسـيــاسـيــة‪ ،‬واالنـتـقــال الــديـمـقــراطــي‬
‫ســوريــة‪ ،‬ال ـع ــراق‪ )...‬وال ـم ـغــرب الـعــربــي (تــونــس‪،‬‬ ‫م ــن م ـج ـت ـمــع ع ـش ــائ ــري ج ـم ـعــوي ان ـق ـســامــي ُت ـ َع ـ ّـد‬
‫الـجــزائــر ال ـم ـغــرب‪ ،)...‬وأن الـمـجـتـمــع الـتــونـســي‪،‬‬ ‫ف ـي ــه ال ـق ــراب ــة وص ـ ــات الـ ـج ــوار وال ـ ــدم واالن ـت ـم ــاء‬
‫مثل‪ ،‬كان فيه الفرد ذو ملمح الفاعل أو الذات أو‬ ‫ً‬ ‫ل ــأرض والـمـحـلــة م ـحــور ال ـتــراتــب االجـتـمــاعــي‪،‬‬
‫األنا شبه غائب‪ ،‬وأن مسار الفردية بدأ مع حلول‬ ‫إلــى مجتمع فئوي «طبقي» عضوي يعطي الفرد‬
‫االستعمار ومع تأ ّكل المجتمع التقليدي القروي‬ ‫مـكــانــة مـتـمـيــزة‪ ،‬ويـسـمــح لـقـيــم ال ـفــردان ـيــة ولـمـســار‬
‫في المدن والقرى واألرياف التونسية‪ ،‬على األقل‬ ‫الفردية بـتكريس قيم الحداثة والحرية والليبرالية‪،‬‬
‫ماد ًيا‪ ،‬واندماجه في منظومة االقتصاد الرأسمالي‬ ‫وم ــؤخ ـ ًـرا ال ـم ــواط ـن ــة‪ .‬وع ـل ــى ال ــدول ــة تــأك ـيــد مـســار‬
‫ال ـع ــال ـم ــي وتـ ــراجـ ــع الـ ـقـ ــدرة اإلدم ــاجـ ـي ــة ال ـت ـع ـبــويــة‬ ‫الـ ـتـ ـح ــدي ــث‪ ،‬مـ ــع كـ ــل مـ ــا ي ـع ـن ـي ــه ه ـ ــذا مـ ــن ن ـســف‬
‫ل ـه ـيــاكــل ال ـق ـب ـي ـلــة وال ـع ـش ـي ــرة وال ـج ـم ــاع ــة‪ ،‬وظ ـهــور‬ ‫ل ـل ـن ـظــام ال ـقــديــم وإع ـ ــادة ب ـنــائــه ف ــي ع ــاق ــة ال ــدول ــة‬
‫ال ـع ـم ــل ال ـم ــأج ــور وتـ ــوافـ ــد ال ـع ـم ــال وال ـم ــزارع ـي ــن‬ ‫الـمــركــزيــة بــالـمـجــال الـمـحـلــي وال ـتــرابــي‪ ،‬مــن دون‬
‫الـمـفـقــريــن عـلــى الـمــدن الـكـبــرى بـحـ ًثــا عــن العمل‬ ‫مـنــع اس ـت ـمــراريــة بـعــض مـظــاهــر الـمـجـتـمــع الـقــديــم‬
‫وال ـ ـس ـ ـكـ ــن‪ ،‬وظ ـ ـه ـ ــور مـ ـف ــاهـ ـي ــم مـ ـث ــل «الـ ـشـ ـع ــب»‬ ‫أو «ال ـت ـق ـل ـيــدي» أو ال ـق ـطــع م ـع ـهــا ب ـص ـفــة حــاسـمــة‬
‫وال ـم ــواط ــن وال ـع ـمــال وال ـن ـقــابــة وال ـح ــزب وال ـشــأن‬ ‫ونهائية‪ .‬وهــذا يعني مــرور المجتمع من منظومة‬
‫‪198‬‬
‫العدد ‪Issue 5 / 18‬‬
‫خريف  ‪Autumn 2016‬‬

‫ووق ـ ـعـ ــت ن ـق ـط ــة الـ ـتـ ـحـ ــول الـ ـث ــانـ ـي ــة مـ ــع م ـن ـت ـصــف‬ ‫العام والفضاء العام والحركات االجتماعية‪ .‬وقد‬
‫ال ـقــرن الـتــاســع عـشــر‪ ،‬عـنــدمــا عـمــدت الــدولــة إلــى‬ ‫ح ــاول الـكـتــاب‪ ،‬مــن خــال الـحـفــر فــي الـمـصــادر‬
‫ســن إص ــاح ــات جـبــائـيــة وإداري ـ ــة ســاعــدت على‬ ‫األرشـيـفـيــة والــوثــائــق الـتــاريـخـيــة وس ـنــدات الــذاكــرة‬
‫مــزيــد م ــن تـشـكـيــل قـيـمــة األف ـ ــراد ال ــذي ــن أصـبـحــوا‬ ‫الشفوية الجماعية‪ ،‬استقصاء األحداث التاريخية‬
‫م ـت ـســاويــن أم ــام سـلـطــة ال ــدول ــة وال ـج ـبــايــة‪ ،‬عـكــس‬ ‫الـسـيــاسـيــة الـكـبــرى الـتــي عــرفـتـهــا ال ـبــاد الـتــونـسـيــة‪،‬‬
‫ال ـف ـتــرات الـســابـقــة ال ـتــي ك ــان يـتـمـتــع فـيـهــا األع ـيــان‬ ‫مـنــذ ن ـجــاح ال ــدول ــة الـحـسـيـنـيــة فـيـهــا بـ ــد ًءا مــن سنة‬
‫المحليون وبعض المقاطعات بـامتيازات جبائية‬ ‫‪ 1705‬في « تحييز» مجالها الترابي وبسط نفوذها‬
‫واج ـت ـم ــاع ـي ــة؛ وفـ ــي هـ ــذه ال ـف ـت ــرة صـ ــار ال ـج ـم ـيــع‪،‬‬
‫الـسـيــاســي واالق ـت ـصــادي عـلــى ن ــواح عــديــدة منها‪،‬‬
‫وبـصــورة نظرية على األقــل‪ ،‬أف ــرا ًدا معزولين عن‬
‫وخــاصــة فــي األقــال ـيــم الـبـعـيــدة عــن مــركــز الـسـلـطــة‬
‫انتماءاتهم الجهوية والعائلية أو المذهبية‪.‬‬
‫الحاضرة تونس‪.‬‬
‫ف ـ ــي مـ ــرحـ ـلـ ــة ثـ ــال ـ ـثـ ــة‪ ،‬وه ـ ـ ــي مـ ــرحـ ـلـ ــة االح ـ ـت ـ ــال‬
‫ت ـت ـم ـ ّث ــل خ ــاص ــة ال ـك ـت ــاب واس ـت ـن ـت ــاج ــات ــه فـ ــي أن‬
‫ال ـف ــرن ـس ــي‪ ،‬ت ـح ــول «ال ــرع ــاي ــا» إلـ ــى ذوات داخ ــل‬
‫ال ـك ــات ــب ق ـ ـ َّـدم‪ ،‬ب ـع ـي ــدً ا ع ــن الـ ـقـ ــراءة ال ـث ـقــافــويــة أو‬
‫منطق الدولة االستعمارية‪ ،‬يعيشون انفصا ًما بين‬
‫الـقــراءة األنوية المركزية للغرب‪ ،‬قــراءة «جديدة»‬
‫مـصــالـحـهــم الـعـشــائــريــة والـمـحـلـيــة الـتــي مــا عــادت‬
‫تنفع وال تضر‪ ،‬ومنطق الهيمنة االستعمارية التي‬ ‫لـمـســألــة ح ـضــور ال ـفــرد فــي الـمـجـتـمـعــات الـعــربـيــة‬
‫واجتماعيا بين األهالي‬ ‫أحدثت تباي ًنا «عنصر ًيـا»‬ ‫خالل الفترة الحديثة والراهنة‪ ،‬ومــرور المجتمع‬
‫ً‬
‫والـ ـجـ ــوالـ ــي األجـ ـنـ ـبـ ـي ــة‪ ،‬وب ــالـ ـخـ ـص ــوص ال ـع ـن ـصــر‬ ‫ال ـتــون ـســي تــدري ـجـ ًـيــا م ــن وض ـع ـيــة مـجـتـمــع الــرعــايــا‬
‫الفرنسي الــذي ساهم فــي تأجيج الــروح الوطنية‬ ‫والمبايعة والــوالء والساللة والوراثة إلى مجتمع‬
‫وف ــي إقــامــة وع ــي ب ـضــرورة االن ـخ ــراط فــي الـعـمــل‬ ‫ـوعــا فــي تعبئة‬ ‫الـمــواطـنـيــن األح ــرار المنخرطين طـ ً‬
‫السياسي والنقابي والثقافي‪.‬‬ ‫«ط ــوع ـي ــة وم ــواط ـن ـي ــة»‪ ،‬وت ـح ـقــق هـ ــذه ال ـن ـق ـلــة عـبــر‬
‫نـقـطــة الـتـحــول الــراب ـعــة ج ــرت بـعــد حـصــول الـبــاد‬ ‫م ـخــاض عـسـيــر تـشــابـكــت فـيــه ال ـعــوامــل الــداخـلـيــة‬
‫التونسية على االستقالل سنة ‪1956‬؛ إذ عمقت‬ ‫مــع الـعــوامــل الـخــارجـيــة‪ ،‬وم ـ ّـر بخمسة منعطفات‬
‫الـ ـمـ ــدرسـ ــة م ـف ـه ــوم ال ـن ـخ ـب ــة ال ــوطـ ـنـ ـي ــة‪ ،‬وتـ ـع ــززت‬ ‫زمـنـيــة مـهـمــة تـشـكـلــت بــوادرهــا األول ــى مــع سلطة‬
‫ذهنية االسـتـحـقــاق الـفــردي والـحــراك االجتماعي‬ ‫«الـ ـبـ ــايـ ــات» ال ـح ـس ـي ـن ـي ـيــن الـ ــذيـ ــن قـ ــامـ ــوا‪ ،‬م ـن ــذ أن‬
‫والجغرافي وذهنية الطموح االجتماعي‪.‬‬ ‫ن ـج ـحــوا ف ــي الـهـيـمـنــة ع ـلــى ال ـب ــاد ال ـتــون ـس ـيــة سـنــة‬
‫أخ ـي ـ ًـرا‪ ،‬ي ـعــود الـمــؤلــف إل ــى ث ــورة جــانـفــي [كــانــون‬ ‫‪ ،1574‬بتكوين نظام جبائي وسياسي يـفـ ّـرق بين‬
‫الـثــانــي] ‪ 2011‬ومــا رافـقـهــا مــن تـحـ ّـول تــونــس إلــى‬ ‫عــال ـم ـيــن‪ ،‬ع ــال ــم مــدي ـنــي وق ـ ــروي خ ــاض ــع لـلـنـفــوذ‬
‫صـنــف بـلــدان االنـتـقــال الــديـمـقــراطــي الـتــي تسعى‬ ‫الـجـبــائــي وال ـس ـيــاســي‪ ،‬وع ــال ــم قـبـلــي ب ــدوي واق ــع‬
‫إل ــى ب ـنــاء مــؤس ـســات ال ـمــواط ـنــة وت ـ ــداول الـسـلـطــة‬ ‫خارج سيطرة النفوذ الترابي للدولة الحسينية‪ ،‬ثم‬
‫ال ـس ـي ــاس ـي ــة س ـل ـ ًـم ــا‪ ،‬وه ـ ــو مـ ـس ــار لـ ــم ي ـم ـن ــع‪ ،‬رغ ــم‬ ‫تدريجيا؛ وهذا نمط من التطور‬ ‫ً‬ ‫نجحوا في ضمه‬
‫انتكاساته وتعثراته‪ ،‬الرجال والنساء واألفــراد من‬ ‫ال ـتــاري ـخــي ت ـف ــردت ب ــه ت ــون ــس خ ــال ه ــذه ال ـف ـتــرة‬
‫الــوثــوق ب ـضــرورة الـتـحــرر مــن مـنـظــومــة االسـتـبــداد‬ ‫مقارنة بجيرانها‪ ،‬مثل الجزائر والمغرب وليبيا‪.‬‬
‫‪199‬‬ ‫بتك ضورعو تاعجارم‬
‫يدقن ةءارق ‪.‬سنوت يف درفلل ةيسايسلا ةناكملا ةيمانيد ‪:‬نطاوملا ‪،‬ةيعرلا ‪،‬خألا‬

‫فــي تـقــديــر مــداهــا وآث ــاره ــا شــر ًقــا وغ ــر ًب ــا؛ إذ اعـتـبــر‬ ‫وم ــن ب ـنــاء مــؤس ـســات مــواط ـن ـيــة تــؤكــد قـيـمــة ال ـفــرد‬
‫ـاس ــا ال ـت ـطــوريــون م ــن أم ـث ــال تــايـلــور‬ ‫بـعـضـهــا (وأس ـ ً‬ ‫واالنخراط الطوعي والتلقائي في قضايا «الشأن‬
‫ودورك ـه ــاي ــم وغ ـي ـل ـنــر واف ـي ـن ــس ب ــرت ـش ــارد ودار ِون‬ ‫العام» والعيش المشترك‪.‬‬
‫ومرغن‪ )...‬أن الحداثة‪ ،‬كما وقعت معايشتها في‬
‫ينتهي الـكـتــاب بتأكيد مـســار تعثّر قيمة الـفــرد في‬
‫الـغــرب‪ ،‬تُعتبر حلقة مثلى أو عنوان تطور‪ ،‬بينما‬
‫تونس‪ ،‬وما تحيل إليه من سعي دؤوب ‪ -‬خاصة‬
‫اشترك آخرون‪ ،‬ونعني رواد الفلسفة األلمانية‪ ،‬في‬
‫ال ـف ـئ ــات ال ـم ـهـ َّـم ـشــة ك ــال ـن ـس ــاء وال ـش ـب ــاب وأف ـ ــواج‬
‫وتقهقرا واغترا ًبا‬
‫ً‬ ‫ـدارا‬
‫اعتبار الحداثة الغربية انـحـ ً‬
‫الـمـعـ َّـطـلـيــن مــن الـعـمــل والـجـهــات الـمـحــرومــة من‬
‫للذات اإلنسانية‪.‬‬
‫التنمية ‪ -‬للتحرر من الغبن االجتماعي‪ ،‬وتشبث‬
‫يمكن أن نقول في الختام إن تــردد المجتمعات‬ ‫بـمــا تـحـفــزه قـيـمــة ال ـفــردان ـيــة مــن ت ــوق إل ــى الـحــريــة‬
‫ال ـع ــرب ـي ــة ب ـي ــن ق ـي ـمــة الـ ـف ــرد وإلـ ــزامـ ــات ال ـج ـمــاعــة‪،‬‬ ‫والحراك‪ ،‬والتحرر من قيود المجتمع العشائري‬
‫وت ـ ـض ـ ــارب ال ـم ـص ـل ـح ــة الـ ـفـ ــرديـ ــة مـ ــع ال ـم ـص ـل ـحــة‬
‫وال ـق ـب ـل ــي وال ـم ـح ـل ــي؛ ف ــدرج ــة ح ـض ــور الـ ـف ــرد أو‬
‫ال ـع ــام ــة‪ ،‬ي ـف ـس ــران إلـ ــى ح ــد م ــا ص ـع ــوب ــات إن ـجــاز‬
‫غيابه في الرابطة االجتماعية أو السياسية ليست‬
‫ال ــدي ـم ـق ــراط ـي ــة وال ـم ــواط ـن ــة‪ ،‬وت ــواص ــل الـ ـ ــوالءات‬
‫عـلــى قــدر أهـمـيــة الــوعــي بحتمية وج ــوده وقــدرتــه‬
‫ال ـقــدي ـمــة‪ ،‬وت ــذب ــذب ال ــوع ــي ب ـيــن دوائ ـ ــر االن ـت ـمــاء‬
‫فعل قيمة‬ ‫على الفعل‪ ،‬وهو ما يمكن أن يكرس ً‬
‫األول ـ ــى واالن ـت ـظ ــام ال ـط ــوع ــي ف ــي ح ــرك ــات عـمــل‬
‫الـحــداثــة‪ ،‬والـتـحــرر أيـ ًـضــا مــن نـتــائــج تــذبــذب قيمة‬
‫ونضال سياسي ومدني‪.‬‬
‫الـفــرد وضبابية مسار الـفــرديــة‪ ،‬وانتشار االنتهازية‬
‫الهامش‬ ‫واألن ــان ـي ــة والـمـحـســوبـيــة ال ـتــي ه ــي ال ــوج ــه الـقــاتــم‬
‫‪(1) Lucette Valensi, Fellahs tunisiens: L’Economie‬‬ ‫ل ـق ـي ـمــة الـ ـف ــردانـ ـي ــة‪ .‬وك ـم ــا نـ ـع ــرف‪ ،‬ف ـق ــد اخ ـت ـل ـفــت‬
‫‪et la vie des campagnes aux XVIIIe et XIXe siècles,‬‬
‫;‪civilisations et sociétés; 45 (Paris; La Haye: Mouton‬‬
‫المدرسة التطورية مع رواد االنتشارية والمدرسة‬
‫‪[Paris]: Ecole des hautes études en siences sociales,1977).‬‬ ‫األلـمــانـيــة (زي ـمــل‪ ،‬تــونـيــز‪ ،‬فـيـبــر‪ ،‬فــرانــس ب ــواز‪)...‬‬
‫ص‬
‫در‬
‫ح‬
‫دي ً‬
‫ثا‬

You might also like