Professional Documents
Culture Documents
األخ ،الرعية ،المواطن :دينامية المكانة السياسية للفرد في تونس : الكتاب
Le frère, le sujet et le citoyen: Dynamique du statut politique de العنوان األصلي :
l’individu en Tunisie
عبد الحميد هنية : الكاتب
تبر الزمان l’Or du temps - : الناشر
تونس : مكان النشر
2015 تاريخ النشر :
201 عدد الصفحات :
الـتــونـسـيــة (ف ــي ال ــواح ــات فــي جـنــوب ال ـبــاد وفــي ف ــي ن ـه ــاي ــة س ـن ــة ،2015ن ـش ــر ال ـم ــؤرخ
متفحصا ديـنــامـيــات تحوالتها ً تــونــس الـعــاصـمــة)، عـبــد الـحـمـيــد هـنـيــة ،أس ـتــاذ ال ـتــاريــخ في
ال ـتــاري ـخ ـيــة ،تـ ــارة ض ـمــن م ـقــاربــة مـيـكــروتــاريـخـيــة، مـعـهــد ال ــدوح ــة ل ـل ــدراس ــات الـعـلـيــا واألس ـت ــاذ فــي
وتـ ـ ــارة أخ ـ ــرى وفـ ــق ن ـظ ــرة ش ـم ــول ـي ــة ،وذل ـ ــك مـنــذ الجامعة التونسية ،كتا ًبا جديدً ا تولد عن سلسلة
حـلــول الـعـثـمــانـيـيــن فــي تــونــس ،وه ــي الـفـتــرة الـتــي ك ـتــب ســاب ـقــة خـصـصـهــا ل ـتــاريــخ ت ــون ــس ،اهـتـمــت
ُت ـح ـق ــب ل ـه ــا الـ ـم ــدرس ــة ال ـت ــون ـس ـي ــة ت ـح ــت يــاف ـطــة خ ــاص ــة بــال ـف ـتــرة ال ـع ـث ـمــان ـيــة ،م ــرك ــزة ع ـلــى ال ـتــاريــخ
«العصر الحديث». االجـتـمــاعــي لـلـمـجـمــوعــات والـفـئــات المجتمعية
* باحث في علم االجتماع العمراني .رئيس قسم علم االجتماع في كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية في جامعة تونس.
** Urban Sociology Researcher , Chairman of Sociology Department at the Faculty of Social Sciences and Humanities,
Tunis University, Tunisia.
194
العدد Issue 5 / 18
خريف Autumn 2016
اإلسالمية أو «المشرقية» ،تلك التي تــرى أنــه لم يمكن الـقــول فــي الـبــدايــة إن الـكـتــاب يـبــدأ بتناول
تـكــن لـلـفــرد مـكــانــة فــي هــذه الـمـجـتـمـعــات قـبــل أن مــوضــوعــه وفــق حــركــة تحليلية تقهقرية ،إن صح
تعرف الصدمة االستعمارية خالل القرن التاسع الـتـعـبـيــر ،ألن ال ـمــؤرخ لــم يـبــدأ بـحـثــه بــوضـعـنــا في
ع ـش ــر؛ إذ ظ ــل الـ ـف ــرد س ـج ـيــن ال ـق ـب ـي ـلــة وال ـع ـش ـيــرة سياق تاريخي مضى بل ينطلق بنا من الحاضر،
والـعــائـلــة ،كـمــا تـقــول لــوســات فــالـنـســي فــي كتابها وتحديدً ا من ثــورة 14كانون الثاني/يناير ،2011
«ال ـف ــاح ــون ال ـتــون ـس ـيــون» خ ــال ال ـقــرن ـيــن الـثــامــن ال ـت ــي ي ـص ــرح بــأن ـهــا ك ــان ــت ال ــداف ــع ال ــوج ــدان ــي ثــم
عشر والـتــاســع عـشــر( ،)1وأسـيــر المجتمع القرابي الفكري الــذي جعله ينتبه إلــى أن أحــد المحاور
وال ـســالــي واالن ـق ـســامــي ،م ـقـ َّـيــدً ا ب ــرواب ــط األرض األساسية في جميع أبحاثه التاريخية كان معالجة
والدم والمحلة. قـضـيــة تـشـ ُّـكــل ال ــدول ــة الـحــديـثــة فــي تــونــس ،الـتــي
تطورا مطر ًدا في المكانة ً تمثّل ديناميتها المركّ بة
يـعـتـبــر ه ـن ـيــة أن ــه ي ـجــب ّأل يـنـسـيـنــا ت ـف ـ ّـوق ال ـغــرب
السياسية للفرد– وهذا على األقل من وجهة نظر
االق ـت ـص ــادي ب ـ ــد ًءا م ــن ال ـق ــرن ال ـس ــاب ــع ع ـشــر دور
الدولة -الذي تحول في عيون الجباية وقوانينها
المؤسسات «الداخلية» للمجتمعات «المشرقية
ووث ــائـ ـقـ ـه ــا مـ ــن أخ «ألخـ ـ ـ ــوة :ب ــال ـل ـه ـج ــة ال ـع ــام ـي ــة
فــي صنعها «حــداثــة» تختلف عــن النمط الغربي
ال ـبــدويــة فــي ت ــون ــس» ،إل ــى رع ـيــة خــاضـعــة بشكل
الذي بدأ يتعمم منذ الثورة الفرنسية ليصبح في ما
م ـبــاشــر ألج ـه ــزة ال ــدول ــة ال ـج ـبــائ ـيــة واألم ـن ـي ــة ،إلــى
كونيا؛ حداثة مسايرة للنمط االجتماعي نمطا ً بعد ً
مواطن يطالب بعقد اجتماعي ينظم العالقة بينه
كثيرا،
المهيمن في هذه المجتمعات التي عانت ً وبين الدولة.
تجاه َل دينامياتها الداخلية ُ كما يقول جاك بيرك،
ح ــاول ال ـكــاتــب ،م ـنــذ ال ـم ـقــدمــة ،أن يـعـطــي نـفـ ًـســا
ـورا فــي الـتـحـلـيــل؛ حــداثــة هــي ثـمــرة ونـقـ ًـصــا وق ـص ـ ً
جــديــدً ا لـلــدراســات المهتمة بالمجتمع التونسي
تــاقــح وت ـثــاقــف ب ـيــن ال ـغ ــرب والـ ـش ــرق ،وع ـصــارة
فـ ــي ع ــاق ـت ــه ب ــالـ ـح ــداث ــة والـ ـتـ ـح ــدي ــث وال ـع ـص ــرن ــة
حركة ثقافية تنويرية تحديثية عرفت بدايتها منذ
واألورب ـ ـ ـ ــة ال ـم ـت ـن ــام ـي ــة م ـن ــذ الـ ـفـ ـت ــرة االس ـت ـع ـم ــاري ــة
عصر «النهضة العربية» ،وإن كانت نهضة الغرب
( ،)1956 - 1881ن ــائ ـ ًـي ــا ب ـن ـف ـســه عـ ــن ال ـ ـقـ ــراءات
ال ـم ـف ـتــرضــة ه ــذه ق ــد نــوق ـشــت ب ـشـكــل ح ــاس ــم مــن
االس ـت ـش ــراق ـي ــة واالن ـق ـس ــام ـي ــة ال ـم ــوغ ـل ــة ف ــي أن ــوي ــة
خالل مساهمات نقدية شككت في أنوية الغرب
الغرب المركزية والمق ِّللة من دور الفرد ومكانته
المركزية وتنبهت لخصوصيات التاريخ المحلي
في المجتمعات «التقليدية» ،ليفترض منذ البدء
الذي له فرادته وسياقه الخاص ،كما يذهب إلى
ومركبا ،مر بتحوالت ً مسارا معقدً ا ً أن الفرد مثّل
ذل ــك ج ــاك غ ــودي ع ـنــد ال ـق ــول إن الـمـجـتـمـعــات
عــديــدة ح ــاول هــو رصــدهــا مــن خــال الـحـفــر في
الـمـشــرقـيــة ُســرقــت فــي تــاريـخـهــا الـمـحـلــي و ُف ــرض
الوثائق األرشيفية ومساءلة جديدة لمصادر الفترة
عـلـيـهــا االن ـخ ــراط ف ــي ال ـتــاريــخ ال ـغــربــي بـســرديـتــه،
وكـتــابــاتـهــا .وقــد أوضــح أن حقبة الــدراســة قدمت
وكـ ـم ــا ي ــذه ــب دي ـف ـي ــد غ ــرابـ ـي ــر ()D. Graeber
ل ـن ــا ت ـم ـظ ـه ــرات وت ـج ـل ـي ــات وت ـش ـك ـي ــات م ـت ـنــوعــة
وجون فيليب برا ( )J.P. Brasوآخرون… ل ـم ـكــانــة ال ـف ــرد ف ــي الـمـج ـتـمــع ال ـتــون ـســي ،ت ـحــاول
يـحـتــوي الـكـتــاب عـلــى مـقــدمــة وخــاتـمــة وقـسـمـيــن طـمـسـهــا جـمـيـعـهــا ال ـق ــراء ُة الـمــألــوفــة فــي األدب ـيــات
كبيرين: المهتمة بنشأة الـحــداثــة فــي المجتمعات الغربية
195 بتك ضورعو تاعجارم
يدقن ةءارق .سنوت يف درفلل ةيسايسلا ةناكملا ةيمانيد :نطاوملا ،ةيعرلا ،خألا
ال ـت ــراب ــط ب ـي ــن م ـن ـطــق الـ ــدولـ ــة وم ـن ـط ــق ال ـج ـمــاعــة، • يهتم القسم األول بالبروز المحتشم للفرد في
واهتم في الفصل الثاني بمفهوم الرعية والوضع القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر،
الـسـيــاســي الـمـمـيــز لـسـكــان ال ـمــدن مـقــارنــة بسكان ن ـظ ـ ًـرا إلـ ــى س ـي ـطــرة أطـ ــر اج ـت ـمــاع ـيــة ،م ـثــل الـقـبـيـلــة
وعني في الفصل الثالث بالعالم القبلي األريافُ ، والجماعة و«الـمـيـعــاد» ،ويـصــل بنا هنية إلــى حد
من خالل مفهوم األخ ومنظومة القرابة الحقيقية انتفاضة 1864المعروفة بانتفاضة «الـعــربــان» أو
أو الوهمية الـتــي تـشـ ّـرع لعالقة الـفــرد بالمجتمع. «انـتـفــاضــة عـلــي بــن غ ــذاه ــم» ،ال ـتــي ان ـت ـشــرت في
أمـ ــا ال ـف ـص ــل الـ ــرابـ ــع ،ف ـت ـحــدث ف ـيــه ال ـم ــؤل ــف عــن غالبية مناطق الـبــاد بعد إعــان مضاعفة ضريبة
ت ـب ـعــات اإلص ــاح ــات الـجـبــائـيــة ل ـل ـس ـنــوات 1801 «المجبى» -وهــي ضريبة شخصية موظفة على
و 1802و 1856ومــؤثــرات ـهــا ف ــي إعـ ــادة ال ـتــراتــب األف ــراد الــراشــديــن وعـلــى ثــراوتـهــم ومـمـتـلـكــاتـهــم،
االجتماعي في عالم المدن واألرياف التونسية، ولــم ُيستثن منها ،كما كانت الـحــال فــي السابق،
وف ـ ـ ــي إحـ ـ ـ ـ ــداث ت ـ ـح ـ ــوالت ج ـ ــدي ـ ــدة ف ـ ــي ع ــاق ــة ح ـتــى األعـ ـي ــان ال ـم ـح ـل ـي ـيــن وال ـع ــائ ــات الـمـتـنـفــذة
األف ــراد والـجـمــاعــات والقبائل بــالــدولــة المركزية، ف ــي ال ـق ــرى والـ ـبـ ــوادي -وه ــو ح ــدث س ــاه ــم فــي
ال ـت ــي م ـه ــدت إلص ــاح ــات ال ـق ــرن ال ـت ــاس ــع عـشــر ب ــروز نـقـلــة نــوع ـيــة ف ــي الـمـجـتـمــع ال ـتــون ـســي ال ــذي
(إع ـ ـ ــان دسـ ـتـ ــور .)1861وق ـ ــد س ــاه ـم ــت ت ـلــك ب ــدأ يـتـهـيــأ م ـنــذ ت ـلــك االن ـت ـفــاضــة الح ـت ـضــان قـيـمــة
اإلصــاحــات ،مــن ضـمــن عــوامــل أخــرى سياسية ال ـفــرد وضـعـيـ ًة اجـتـمــاعـيــة وذهـنـيــة ثـقــافـيــة جــديــدة.
واقـ ـتـ ـصـ ــاديـ ــة وث ـق ــاف ـي ــة ون ـف ـس ـي ــة اج ـت ـم ــاع ـي ــة ،فــي هــذه االنـتـفــاضــة أو حــركــة الـعـصـيــان والـتـمــرد التي
إع ــادة صــوغ رابـطــة االنـتـمــاء الـسـيــاســي وعــاقــات قـمـعـتـهــا ال ـس ـل ـطــة ال ـمــركــزيــة ق ـمـ ًـعــا ش ــدي ــدً ا ف ــي مــا
ال ـت ـم ـف ـص ــل بـ ـي ــن الـ ـمـ ـجـ ــال ال ـ ـخ ـ ــاص والـ ـمـ ـج ــال ُعــرف بـ«محلة زروق» ،وعاقبت كــأشــد مــا يكون
الـ ـعـ ــام ،وهـ ــو م ــوض ــوع ال ـف ـص ــل ال ـخ ــام ــس ال ــذي األقــال ـيـ َـم الـمـنـتـفـضــة ،وخــاصــة فــي جـهــة الـســاحــل
اه ـتــم ف ـيــه هـنـيــة ب ـم ــدار ال ـف ـضــاء ال ـع ــام ف ــي أواخ ــر الـمـنـتـجــة لـلــزيــت وجـهــة الـجــريــد الـمـنـتـجــة للتمور
القرن التاسع عشر. وجهة «وطن أفريقية» في الشمال الغربي للبالد
فــي الـقـســم الـثــانــي مــن الـكـتــاب ،تـحــدث المؤلف الـتــونـســي الـمـنـتـجــة لـلـحـبــوب ،كــانــت عـنــوا ًنــا على
عن أحد إفرازات القرن العشرين وفترة االستيطان بــروز قيمة الفرد المنتفض على استنزاف الدولة
ال ـف ــرن ـس ــي فـ ــي تـ ــونـ ــس ،وه ـ ــو ال ـص ـع ــود ال ـص ـعــب المركزية وجــورهــا ،وكــانــت أيـ ًـضــا بــواعــث دينامية
لــوض ـع ـيــة الـ ـف ــرد «الـ ـم ــواط ــن» م ــن خـ ــال الـتـعـبـئــة داخـلـيــة ساهمت مــع حـلــول االسـتـعـمــار الفرنسي
على سبيل الذكر في الحركة الوطنية المناهضة في بروز الوعي بضرورة التنظم في أطر اجتماعية
ل ــاس ـت ـع ـم ــار والـ ـمـ ـقـ ــاومـ ــة ل ـ ــه ،وكـ ــذلـ ــك ال ـح ــرك ــة جديدة من نوع األحزاب والنقابات والجمعيات
الـنـقــابـيــة وم ــرور الـمـجـتـمــع الـتــونـســي تــدريـجـ ًـيــا من والهياكل المختلفة لما ُيعرف بالمجتمع المدني
أفقيا إلى مجتمع المكرس للفردانية والـمـســاعــدة على التحرر من
مجتمع فئوي كان التراتب فيه ً
طـبـقــي أصـبــح الـتـنــاضــد االجـتـمــاعــي فـيــه عـمــود ًيــا، قيد الهياكل األهلية والقرابية والعشائرية والدينية
ع ـلــى أسـ ــاس ال ـم ـكــانــة االج ـت ـمــاع ـيــة وال ــوع ــي بـهــا القديمة.
وبإمكانات الفعل وتغيير المجتمع .وقد خلص يـتـفــرع الـقـســم األول ب ــدوره إل ــى خـمـســة فـصــول،
هـنـيــة مــن خــال هــذا الـتـحـلـيــل إلــى الـحــديــث عن ت ـطــرق هـنـيــة ف ــي ال ـف ـصــل األول مـنـهــا إل ــى مـســألــة
196
العدد Issue 5 / 18
خريف Autumn 2016
مــن خــال الـمـثــال الـتــونـســي ،يــؤكــد افـتــراض هنية ال ـط ـب ـق ــات ال ــوس ـط ــى ف ــي ت ــون ــس ،ال ـت ــي ي ـت ـحــدث
ـرجــح أن تـكــون النهضة الـعــربـيــة الفكرية، الــذي يـ ّ الجميع اليوم عن ترهلها وتدحرجها على الس ّلم
التي كان من أبرز مطالبها تعليم البنت (وهو من االجتماعي ،والـتــي قــد تـكــون ،مــن جملة عوامل
تجند فــي الــدفــاع عـنــه رجــال اإلص ــاح مــن أمـثــال أخ ـ ــرى ،أحـ ــد ال ـع ــوام ــل ال ـم ـف ـســرة ل ـت ـع ـ ّثــر ال ـم ـســار
ال ـط ـه ـط ــاوي وال ـك ــواك ـب ــي وق ــاس ــم أم ـي ــن ومـحـمــد االنـتـقــالــي الــديـمـقــراطــي ،لـمــا لـلـطـبـقــات الــوسـطــى
عبده واألميرة نازلي ومي زيــادة والطاهر الحداد من دور في صوغ التوافقات االجتماعية وضمان
والطاهر بــن عــاشــور ،ومجموعة حركة «الشباب مناخ س ّلم اجتماعي ونماء اقتصادي .كما أطنب
التونسي» من أمثال الشاذلي خير الله ومصطفى المؤلف في الحديث ،في هذا الفصل ،عن عالقة
خــزنــدار وعـلــي بــاش حامبه والبشير صفر الذين ال ـن ـخــب الـتــونـسـيــة بــال ـم ـســار االن ـت ـقــالــي والـطــريـقــة
كانوا يلتقون في صالون األميرة نازلي في المرسى ال ـت ــي ت ـت ـم ـ ّثــل ب ـهــا ه ــذه األخ ـي ــرة دور «ال ـط ـب ـقــات»
خــال سـنــوات العقد الـثــانــي مــن الـقــرن العشرين الشعبية والشغيلة والـفـئــات الـمـقـصــاة فــي إنـجــاح
بالحاضرة تــونــس ،للدفاع عــن مـبــدأ تـحــرر الـمــرأة المسار االنتقالي والديمقراطية أو إفشالهما .أما
التونسية والمرأة العربية) هي التي أوجدت شرارة فــي الـفـصــل األخ ـي ــر ،فـقــد تـحــدث الـمــؤلــف -في
تـحــول «داخ ـل ـيــة» فــرضـتـهــا إرادة الـنـخــب الـفـكــريــة سياق برهنته على تأكد قيمة الفرد ومسار الفردية
العربية آنــذاك لتغيير األوضــاع ومقاومة التخلف فــي فـتــرة الـبـنــاء الــوطـنــي وفــي الـمــرحـلــة الـتــي تلت
والـتـحـجــر واالس ـت ـبــداد الـثـقــافــي والـسـيــاســي .هــذه الثورة التونسية -عن مسألة تحرر المرأة التونسية
ال ـت ـح ــوالت االج ـت ـمــاع ـيــة ل ــم ت ـكــن ن ـت ـي ـجــة عـمـلـيــة م ـن ــذ الـ ـفـ ـت ــرة االس ـت ـع ـم ــاري ــة مـ ــن قـ ـي ــود ال ـم ـج ـت ـمــع
ت ـثــاقــف م ــع ال ـغ ــرب ،ب ــل نـتـيـجــة دي ـنــام ـيــة داخ ـل ـيــة، التقليدي ،والـتــي تُعتبر مــن الـتـجــارب الــرائــدة في
ولــم تنشأ بفعل الـصــدمــة الـحـضــاريــة الـتــي وقعت الـعــالــم الـعــربــي مــع ســن دول ــة الـبـنــاء الــوطـنــي سنة
نتيجة الحضور االستيطاني االستعماري ،الذي 1956لـمـجـلــة األحـ ــوال الـشـخـصـيــة ،الـتــي يمكن
لــم تـكــن تـهـمــه وضـعـيــة تـحــريــر ال ـمــرأة فــي شــيء، اع ـت ـبــارهــا -رغ ــم بـعــض الـتـحـفـظــات ال ـتــي يـبــديـهــا
ب ــل إن ــه سـعــى إل ــى اس ـتــدامــة وضـعـهــا ف ــي الـجـهــل مسارا
ً بعض المفكرين اإلسالميين المحافظين -
واإلقصاء والتهميش. تاريخيا ال يمكن الرجوع فيه إلى الوراء أو إلغاؤه. ً
يـتـمــوقــع الـكـتــاب فــي الـف ـتــرة الـعـثـمــانـيــة الحسينية ومن خالل التركيز على مكانة المرأة ودورها في
( )1881 - 1705واالستعمارية ()1956 - 1881 المشاركة االجتماعية والسياسية ،يتضح التوجه
وفترة البناء الوطني ودولة االستقالل والتحديث في الفترة المعاصرة إلى تأكيد قيمة الفرد ،وهي
( ،)2011 - 1956ويطمح إلى ممارسة ما يسمى مشاركة ما زالت محتشمة وتواجه عوائق عديدة،
التاريخ الحيني أو المباشر ،حين يهتم بما جاء منها رواسب ذهنية المجتمع األبوي والذكوري،
ب ـع ــد م ـخ ــاض الـ ـثـ ــورة ال ـتــون ـس ـيــة (كـ ــانـ ــون األول/ وص ـع ــوب ــة ت ــوف ـي ــق ال ـ ـمـ ــرأة ب ـي ــن األع ـ ـبـ ــاء األس ــري ــة
دي ـس ـم ـبــر - 2010كــانــون الـثــانــي/يـنــايــر )2011من واألع ـبــاء الـعــائـلـيــة مــن جـهــة ،والـمـهـمــات المهنية
ت ـع ـ ّثــر ل ـل ـم ـســار االن ـت ـق ــال ــي ،وإعـ ـ ــادة طـ ــرح مـســألــة من جهة أخرى ،وضعف حضورها في المجتمع
كتابة التاريخ والذاكرة ،وهيجان الكلمة العفوية السياسي ،وضعف تمثيليتها في دوائر القرار في
وال ـم ـن ـظ ـمــة ال ـت ــي ي ـس ـعــى ال ـج ـم ـيــع إلـ ــى تـمـلـكـهــا، الـحـيــاة االقـتـصــاديــة والـسـيــاسـيــة .ومــوضــوع الـمــرأة
197 بتك ضورعو تاعجارم
يدقن ةءارق .سنوت يف درفلل ةيسايسلا ةناكملا ةيمانيد :نطاوملا ،ةيعرلا ،خألا
يـ ـقـ ــع فـ ـيـ ـه ــا تـ ـ ـ ـ ــوارث الـ ــوض ـ ـع ـ ـيـ ــات والـ ـمـ ـكـ ــانـ ــات ورجـ ــوع صــاخــب ل ـل ـت ـيــارات ال ـج ـهــاديــة الـسـلـفـيــة،
االج ـت ـمــاع ـيــة و ُي ـس ـلــب فـيـهــا ال ـف ــرد ك ــل اسـتـحـقــاق وإع ــادة طــرح قـضــايــا تتصل بــالـهــويــات الجماعية
وج ــدارة وقــدرة على الـتــدخــل وتغيير اإلكــراهــات والـفــرديــة والـمــواطـنــة ،مثل مسألة األوقــاف ومبدأ
واإلل ــزام ــات وض ـغــوط الـمـنـشــأ االجـتـمــاعــي ،إلــى الـتـنــاصــف أو الـتـكــامــل ل ـل ـمــرأة الـتــونـسـيــة وعــاقــة
مـجـتـمــع ُي ـم ـنــح ف ـيــه ال ـف ــرد ج ـم ـيــع ط ــاق ــات الـفـعــل ال ـم ـج ــال ال ـم ـح ـل ــي ب ــال ـم ـج ــال الـ ـمـ ــركـ ــزي ،وه ــي
والـتـغـيـيــر وال ـم ـب ــادرة والـتـنـقــل وال ـح ــراك والـتـعـبـيــر، مـســائــل بـ ّـيــن عـبــد الـحـمـيــد هـنـيــة فــي ه ــذا الـكـتــاب
ال ـت ــي ه ــي م ــن س ـم ــات ال ـم ــواط ـن ــة ال ـق ــائ ـم ــة عـلــى وك ـت ــاب ــات أخـ ــرى أه ـم ـيــة ال ـح ـفــر ال ـتــاري ـخــي فـيـهــا،
مجتمع األفراد المتحررين من ضغوط المجتمع وأش ــار إل ــى أن ـهــا ،وإن تـكــن قـضــايــا راه ـنــة ويـبــدو
«الـطــائـفــي» األه ـلــي الـعـشــائــري الـقـبـلــي ،وه ــو ما ملحا ،ال يمكن فهمها الطلب االجتماعي عليها ًّ
ي ـس ـمــح ل ـل ــدول ــة ب ـ ــاس ـت ـخ ــدام «ال ـع ـن ــف ال ـش ــرع ــي» إال بقراءة تاريخية متأنية ومدعمة بشواهد يمكن
واحـتـكــاره كما يـقــول مــاكــس فيبر ،ومأسسة الثقة الـ ـمـ ــؤرخ أن ي ـق ــدم ب ـن ــاء ع ـل ـي ـهــا رؤي ـ ــة مــوضــوع ـيــة
كما يفترض براتند دي جوفنال ،و ُيلزم فيه األفراد مـتــرويــة عـلـمـيــة ،مــن شــأنـهــا أن تـنـيــر الـنـقــاش الـعــام
ب ــدف ــع ال ـض ــرائ ــب ع ـل ــى اع ـت ـب ــار ق ــاع ــدة ال ـش ـفــاف ـيــة ح ـ ــول ق ـض ــاي ــا ك ـث ــر ح ــول ـه ــا ال ـص ـخ ــب اإلع ــام ــي
والمصداقية والعدالة االجتماعية ،التي يضمنها والجدل السياسي في مدار الشأن العام.
ق ــان ــون م ـجــرد وش ـبــه كــونــي م ـت ـعــال ُي ـل ــزم الـجـمـيــع ك ـم ــا ي ـط ــرح ال ـك ـت ــاب إش ـك ــال ـي ــة م ـ ــرور الـمـجـتـمــع
بالحقوق والواجبات نفسها. الـتــونـســي خــال الـفـتــرة الـحــديـثــة ،ب ــد ًءا مــن الـقــرن
والـكـتــاب يـقـطــع مـنــذ الـبــدء مــع الـفـكــرة الـقــائـلــة إن ـول إلـ ــى ال ـف ـت ــرة ال ـم ـعــاصــرة، ال ـس ــاب ــع ع ـشــر ووصـ ـ ـ ً
بروز الفرد والفرادنية في المجتمعات المشرقية، وإلى حد الفترة االنتقالية التي تمر بها تونس بعد
أو لنقُل غير الغربية ،هو وليد الفترة االستعمارية « ث ــورة ،»2011مــن نـظــام حـكــم ال ـحــزب الــواحــد
ال ـت ــي ع ــرف ـت ـه ــا بـ ـل ــدان ال ـم ـش ــرق ال ـع ــرب ــي (م ـص ــر، إلــى الـتـعــدديــة الـسـيــاسـيــة ،واالنـتـقــال الــديـمـقــراطــي
ســوريــة ،ال ـع ــراق )...وال ـم ـغــرب الـعــربــي (تــونــس، م ــن م ـج ـت ـمــع ع ـش ــائ ــري ج ـم ـعــوي ان ـق ـســامــي ُت ـ َع ـ ّـد
الـجــزائــر ال ـم ـغــرب ،)...وأن الـمـجـتـمــع الـتــونـســي، ف ـي ــه ال ـق ــراب ــة وص ـ ــات الـ ـج ــوار وال ـ ــدم واالن ـت ـم ــاء
مثل ،كان فيه الفرد ذو ملمح الفاعل أو الذات أو ً ل ــأرض والـمـحـلــة م ـحــور ال ـتــراتــب االجـتـمــاعــي،
األنا شبه غائب ،وأن مسار الفردية بدأ مع حلول إلــى مجتمع فئوي «طبقي» عضوي يعطي الفرد
االستعمار ومع تأ ّكل المجتمع التقليدي القروي مـكــانــة مـتـمـيــزة ،ويـسـمــح لـقـيــم ال ـفــردان ـيــة ولـمـســار
في المدن والقرى واألرياف التونسية ،على األقل الفردية بـتكريس قيم الحداثة والحرية والليبرالية،
ماد ًيا ،واندماجه في منظومة االقتصاد الرأسمالي وم ــؤخ ـ ًـرا ال ـم ــواط ـن ــة .وع ـل ــى ال ــدول ــة تــأك ـيــد مـســار
ال ـع ــال ـم ــي وتـ ــراجـ ــع الـ ـقـ ــدرة اإلدم ــاجـ ـي ــة ال ـت ـع ـبــويــة الـ ـتـ ـح ــدي ــث ،مـ ــع كـ ــل مـ ــا ي ـع ـن ـي ــه ه ـ ــذا مـ ــن ن ـســف
ل ـه ـيــاكــل ال ـق ـب ـي ـلــة وال ـع ـش ـي ــرة وال ـج ـم ــاع ــة ،وظ ـهــور ل ـل ـن ـظــام ال ـقــديــم وإع ـ ــادة ب ـنــائــه ف ــي ع ــاق ــة ال ــدول ــة
ال ـع ـم ــل ال ـم ــأج ــور وتـ ــوافـ ــد ال ـع ـم ــال وال ـم ــزارع ـي ــن الـمــركــزيــة بــالـمـجــال الـمـحـلــي وال ـتــرابــي ،مــن دون
الـمـفـقــريــن عـلــى الـمــدن الـكـبــرى بـحـ ًثــا عــن العمل مـنــع اس ـت ـمــراريــة بـعــض مـظــاهــر الـمـجـتـمــع الـقــديــم
وال ـ ـس ـ ـكـ ــن ،وظ ـ ـه ـ ــور مـ ـف ــاهـ ـي ــم مـ ـث ــل «الـ ـشـ ـع ــب» أو «ال ـت ـق ـل ـيــدي» أو ال ـق ـطــع م ـع ـهــا ب ـص ـفــة حــاسـمــة
وال ـم ــواط ــن وال ـع ـمــال وال ـن ـقــابــة وال ـح ــزب وال ـشــأن ونهائية .وهــذا يعني مــرور المجتمع من منظومة
198
العدد Issue 5 / 18
خريف Autumn 2016
ووق ـ ـعـ ــت ن ـق ـط ــة الـ ـتـ ـحـ ــول الـ ـث ــانـ ـي ــة مـ ــع م ـن ـت ـصــف العام والفضاء العام والحركات االجتماعية .وقد
ال ـقــرن الـتــاســع عـشــر ،عـنــدمــا عـمــدت الــدولــة إلــى ح ــاول الـكـتــاب ،مــن خــال الـحـفــر فــي الـمـصــادر
ســن إص ــاح ــات جـبــائـيــة وإداري ـ ــة ســاعــدت على األرشـيـفـيــة والــوثــائــق الـتــاريـخـيــة وس ـنــدات الــذاكــرة
مــزيــد م ــن تـشـكـيــل قـيـمــة األف ـ ــراد ال ــذي ــن أصـبـحــوا الشفوية الجماعية ،استقصاء األحداث التاريخية
م ـت ـســاويــن أم ــام سـلـطــة ال ــدول ــة وال ـج ـبــايــة ،عـكــس الـسـيــاسـيــة الـكـبــرى الـتــي عــرفـتـهــا ال ـبــاد الـتــونـسـيــة،
ال ـف ـتــرات الـســابـقــة ال ـتــي ك ــان يـتـمـتــع فـيـهــا األع ـيــان مـنــذ ن ـجــاح ال ــدول ــة الـحـسـيـنـيــة فـيـهــا بـ ــد ًءا مــن سنة
المحليون وبعض المقاطعات بـامتيازات جبائية 1705في « تحييز» مجالها الترابي وبسط نفوذها
واج ـت ـم ــاع ـي ــة؛ وفـ ــي هـ ــذه ال ـف ـت ــرة صـ ــار ال ـج ـم ـيــع،
الـسـيــاســي واالق ـت ـصــادي عـلــى ن ــواح عــديــدة منها،
وبـصــورة نظرية على األقــل ،أف ــرا ًدا معزولين عن
وخــاصــة فــي األقــال ـيــم الـبـعـيــدة عــن مــركــز الـسـلـطــة
انتماءاتهم الجهوية والعائلية أو المذهبية.
الحاضرة تونس.
ف ـ ــي مـ ــرحـ ـلـ ــة ثـ ــال ـ ـثـ ــة ،وه ـ ـ ــي مـ ــرحـ ـلـ ــة االح ـ ـت ـ ــال
ت ـت ـم ـ ّث ــل خ ــاص ــة ال ـك ـت ــاب واس ـت ـن ـت ــاج ــات ــه فـ ــي أن
ال ـف ــرن ـس ــي ،ت ـح ــول «ال ــرع ــاي ــا» إلـ ــى ذوات داخ ــل
ال ـك ــات ــب ق ـ ـ َّـدم ،ب ـع ـي ــدً ا ع ــن الـ ـقـ ــراءة ال ـث ـقــافــويــة أو
منطق الدولة االستعمارية ،يعيشون انفصا ًما بين
الـقــراءة األنوية المركزية للغرب ،قــراءة «جديدة»
مـصــالـحـهــم الـعـشــائــريــة والـمـحـلـيــة الـتــي مــا عــادت
تنفع وال تضر ،ومنطق الهيمنة االستعمارية التي لـمـســألــة ح ـضــور ال ـفــرد فــي الـمـجـتـمـعــات الـعــربـيــة
واجتماعيا بين األهالي أحدثت تباي ًنا «عنصر ًيـا» خالل الفترة الحديثة والراهنة ،ومــرور المجتمع
ً
والـ ـجـ ــوالـ ــي األجـ ـنـ ـبـ ـي ــة ،وب ــالـ ـخـ ـص ــوص ال ـع ـن ـصــر ال ـتــون ـســي تــدري ـجـ ًـيــا م ــن وض ـع ـيــة مـجـتـمــع الــرعــايــا
الفرنسي الــذي ساهم فــي تأجيج الــروح الوطنية والمبايعة والــوالء والساللة والوراثة إلى مجتمع
وف ــي إقــامــة وع ــي ب ـضــرورة االن ـخ ــراط فــي الـعـمــل ـوعــا فــي تعبئة الـمــواطـنـيــن األح ــرار المنخرطين طـ ً
السياسي والنقابي والثقافي. «ط ــوع ـي ــة وم ــواط ـن ـي ــة» ،وت ـح ـقــق هـ ــذه ال ـن ـق ـلــة عـبــر
نـقـطــة الـتـحــول الــراب ـعــة ج ــرت بـعــد حـصــول الـبــاد م ـخــاض عـسـيــر تـشــابـكــت فـيــه ال ـعــوامــل الــداخـلـيــة
التونسية على االستقالل سنة 1956؛ إذ عمقت مــع الـعــوامــل الـخــارجـيــة ،وم ـ ّـر بخمسة منعطفات
الـ ـمـ ــدرسـ ــة م ـف ـه ــوم ال ـن ـخ ـب ــة ال ــوطـ ـنـ ـي ــة ،وتـ ـع ــززت زمـنـيــة مـهـمــة تـشـكـلــت بــوادرهــا األول ــى مــع سلطة
ذهنية االسـتـحـقــاق الـفــردي والـحــراك االجتماعي «الـ ـبـ ــايـ ــات» ال ـح ـس ـي ـن ـي ـيــن الـ ــذيـ ــن قـ ــامـ ــوا ،م ـن ــذ أن
والجغرافي وذهنية الطموح االجتماعي. ن ـج ـحــوا ف ــي الـهـيـمـنــة ع ـلــى ال ـب ــاد ال ـتــون ـس ـيــة سـنــة
أخ ـي ـ ًـرا ،ي ـعــود الـمــؤلــف إل ــى ث ــورة جــانـفــي [كــانــون ،1574بتكوين نظام جبائي وسياسي يـفـ ّـرق بين
الـثــانــي] 2011ومــا رافـقـهــا مــن تـحـ ّـول تــونــس إلــى عــال ـم ـيــن ،ع ــال ــم مــدي ـنــي وق ـ ــروي خ ــاض ــع لـلـنـفــوذ
صـنــف بـلــدان االنـتـقــال الــديـمـقــراطــي الـتــي تسعى الـجـبــائــي وال ـس ـيــاســي ،وع ــال ــم قـبـلــي ب ــدوي واق ــع
إل ــى ب ـنــاء مــؤس ـســات ال ـمــواط ـنــة وت ـ ــداول الـسـلـطــة خارج سيطرة النفوذ الترابي للدولة الحسينية ،ثم
ال ـس ـي ــاس ـي ــة س ـل ـ ًـم ــا ،وه ـ ــو مـ ـس ــار لـ ــم ي ـم ـن ــع ،رغ ــم تدريجيا؛ وهذا نمط من التطور ً نجحوا في ضمه
انتكاساته وتعثراته ،الرجال والنساء واألفــراد من ال ـتــاري ـخــي ت ـف ــردت ب ــه ت ــون ــس خ ــال ه ــذه ال ـف ـتــرة
الــوثــوق ب ـضــرورة الـتـحــرر مــن مـنـظــومــة االسـتـبــداد مقارنة بجيرانها ،مثل الجزائر والمغرب وليبيا.
199 بتك ضورعو تاعجارم
يدقن ةءارق .سنوت يف درفلل ةيسايسلا ةناكملا ةيمانيد :نطاوملا ،ةيعرلا ،خألا
فــي تـقــديــر مــداهــا وآث ــاره ــا شــر ًقــا وغ ــر ًب ــا؛ إذ اعـتـبــر وم ــن ب ـنــاء مــؤس ـســات مــواط ـن ـيــة تــؤكــد قـيـمــة ال ـفــرد
ـاس ــا ال ـت ـطــوريــون م ــن أم ـث ــال تــايـلــور بـعـضـهــا (وأس ـ ً واالنخراط الطوعي والتلقائي في قضايا «الشأن
ودورك ـه ــاي ــم وغ ـي ـل ـنــر واف ـي ـن ــس ب ــرت ـش ــارد ودار ِون العام» والعيش المشترك.
ومرغن )...أن الحداثة ،كما وقعت معايشتها في
ينتهي الـكـتــاب بتأكيد مـســار تعثّر قيمة الـفــرد في
الـغــرب ،تُعتبر حلقة مثلى أو عنوان تطور ،بينما
تونس ،وما تحيل إليه من سعي دؤوب -خاصة
اشترك آخرون ،ونعني رواد الفلسفة األلمانية ،في
ال ـف ـئ ــات ال ـم ـهـ َّـم ـشــة ك ــال ـن ـس ــاء وال ـش ـب ــاب وأف ـ ــواج
وتقهقرا واغترا ًبا
ً ـدارا
اعتبار الحداثة الغربية انـحـ ً
الـمـعـ َّـطـلـيــن مــن الـعـمــل والـجـهــات الـمـحــرومــة من
للذات اإلنسانية.
التنمية -للتحرر من الغبن االجتماعي ،وتشبث
يمكن أن نقول في الختام إن تــردد المجتمعات بـمــا تـحـفــزه قـيـمــة ال ـفــردان ـيــة مــن ت ــوق إل ــى الـحــريــة
ال ـع ــرب ـي ــة ب ـي ــن ق ـي ـمــة الـ ـف ــرد وإلـ ــزامـ ــات ال ـج ـمــاعــة، والحراك ،والتحرر من قيود المجتمع العشائري
وت ـ ـض ـ ــارب ال ـم ـص ـل ـح ــة الـ ـفـ ــرديـ ــة مـ ــع ال ـم ـص ـل ـحــة
وال ـق ـب ـل ــي وال ـم ـح ـل ــي؛ ف ــدرج ــة ح ـض ــور الـ ـف ــرد أو
ال ـع ــام ــة ،ي ـف ـس ــران إلـ ــى ح ــد م ــا ص ـع ــوب ــات إن ـجــاز
غيابه في الرابطة االجتماعية أو السياسية ليست
ال ــدي ـم ـق ــراط ـي ــة وال ـم ــواط ـن ــة ،وت ــواص ــل الـ ـ ــوالءات
عـلــى قــدر أهـمـيــة الــوعــي بحتمية وج ــوده وقــدرتــه
ال ـقــدي ـمــة ،وت ــذب ــذب ال ــوع ــي ب ـيــن دوائ ـ ــر االن ـت ـمــاء
فعل قيمة على الفعل ،وهو ما يمكن أن يكرس ً
األول ـ ــى واالن ـت ـظ ــام ال ـط ــوع ــي ف ــي ح ــرك ــات عـمــل
الـحــداثــة ،والـتـحــرر أيـ ًـضــا مــن نـتــائــج تــذبــذب قيمة
ونضال سياسي ومدني.
الـفــرد وضبابية مسار الـفــرديــة ،وانتشار االنتهازية
الهامش واألن ــان ـي ــة والـمـحـســوبـيــة ال ـتــي ه ــي ال ــوج ــه الـقــاتــم
(1) Lucette Valensi, Fellahs tunisiens: L’Economie ل ـق ـي ـمــة الـ ـف ــردانـ ـي ــة .وك ـم ــا نـ ـع ــرف ،ف ـق ــد اخ ـت ـل ـفــت
et la vie des campagnes aux XVIIIe et XIXe siècles,
;civilisations et sociétés; 45 (Paris; La Haye: Mouton
المدرسة التطورية مع رواد االنتشارية والمدرسة
[Paris]: Ecole des hautes études en siences sociales,1977). األلـمــانـيــة (زي ـمــل ،تــونـيــز ،فـيـبــر ،فــرانــس ب ــواز)...
ص
در
ح
دي ً
ثا