You are on page 1of 50

‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫الفتوى بالمغرب في ضوء عمل المجلس‬


‫العلمي األعلى‪:‬‬
‫قراءة يف امل�سار واملرتكزات‬

‫بحث حمكم‬

‫د‪ .‬محمد أوزبان‬


‫املغرب‬

‫‪183‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫‪184‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫مقدمة‬

‫إن الحديث عن الفتوى هو يف الحقيقة حديث عن أبرز موجه لحركة‬


‫المجتمع اإلس�لامي الذي يس��عى أف��راده أن تكون تصرفاهتم منس��جمة‬
‫مع هدي الش��ريعة ولذل��ك صح للباحثين يف مج��ال التاريخ االجتماعي‬
‫للمجتمعات اإلسالمية أن يعتمدوا كتب الفتاوى والنوازل الحافلة بنوع‬
‫من الفقه الحي مصادر موثقة لتعرف العادات والممارس��ات االجتماعية‬
‫التي كانت تطرح على المفتين لكشف موقف الشريعة منها‪.1‬‬
‫إن اإلفتاء يعني بالنس��بة لإلنس��ان المسلم مش��روعية الفعل وإمكانية اإلقدام‬
‫علي��ه ‪ ،‬ولذلك كانت النتائ��ج القيمة ترتتب على الفتاوى الصحيحة‪ ،‬كما أن نتائج‬
‫أخ��رى وخيمة كانت ترتتب عل��ى الفتاوى الخاطئة التي يصدره��ا غير المؤهلين‬
‫علميا‪.‬‬

‫واعتب��ارا لخط��ورة الفتوى وما تمثله من مش��روعية الفع��ل فقد كان‬


‫منطقي��ا أن تضب��ط ضبطا ال يحج��ر على المفت��ي المقت��در وإنما يصون‬
‫مجالها من أن يخرتقه من ليس أهال له فيسيء به الى المجتمع‪.2‬‬
‫ولذل��ك فقد تم اعتب��ار "منصب اإلفتاء عظيم الخط��ر‪ ،‬كبير الموقع‪،‬‬
‫كثي��ر الفضل‪ ،‬وهي وظيفة إس�لامية جليل��ة‪ ،‬وعمل دين��ي رفيع‪ ،‬ومهمة‬
‫شرعية جسيمة‪ ،‬ينوب فيها الشخص بالتبليغ عن رب العالمين‪ ،‬ويؤتمن‬
‫(( ( ينظ��ر د‪ .‬مصطف��ى بن حمزة ‪ :‬معالم الفتوى يف اإلس�لام‪ ،‬مجل��ة المجلس‪ ،‬إصدارات‬
‫المجل��س العلم��ي األعلى بالمغ��رب‪ ،‬العدد الس��ابع‪ ،‬رجب ‪ 1430‬ه��ـ‪ /‬يوليوز ‪ 2009‬م‬
‫‪،‬ص‪. 22.‬‬
‫((( يراجع د‪ .‬مصطفى بنحمزة‪ ،‬معالم الفتوى يف اإلسالم ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.22.‬‬

‫‪185‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫على ش��رعه ودينه‪ ،‬فإن المفتي قائم مقام النبي ﷺ‪ ،‬فهو خليفته ووارثه‪،‬‬
‫وه��و نائب عنه يف تبلي��غ األحكام‪ ،‬وتعلي��م األنام‪ ،‬وإنذاره��م هبا لعلهم‬
‫‪1‬‬
‫يحذرون‪".‬‬
‫من هذه المنطلقات والركائز الشرعية واألساسية فالفتوى "التساهم‬
‫يف بن��اء المجتمع وتربيته على مبادئ اإلس�لام وقيمه وأخالقه‪ ،‬وحس��ن‬
‫التعل��ق بأحكام��ه ومناهجه‪ ،‬إال باجتماع ضوابطها ‪ ،‬وإحس��ان تنظيمها ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وضوابط الفتوى تتعلق بالمفتي‪ ،‬أما تنظيمها فيتعلق باإلمام الحاكم‪".‬‬
‫والمغ��رب كغيره من الدول العربية واإلس�لامية اهت��م كثيرا بمجال‬
‫((( ينظر يف ذلك عبد العزيز بن عبد اهلل بن محمد آل الشيخ ‪ :‬الفتوى وأهميتها يف اإلسالم‬
‫‪ ،‬مجلة المجمع الفقهي اإلس�لامي‪ ،‬الس��نة الثالثة والعشرون‪1431 ،‬هـ‪ 2010 /‬م ‪ ،‬العدد‬
‫الخامس والعشرون ‪ ،‬ص‪.27.‬‬
‫ينظر أيضا ‪ :‬‬ ‫ ‬
‫‪-‬محمد بن علي بن حس��ين المكي المالكي ‪ :‬ضواط الفتوى ‪ ،‬تقديم وترتيب وتعليق‬ ‫ ‬
‫‪ :‬مجدي عبد الغني ‪ ،‬الناشر دار الفرقان لنشر وتوزيع الكتاب اإلسالمي ‪ ،‬اإلسكندرية‬
‫‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع ‪ ،‬ص‪ 5 .‬و ‪،6‬‬
‫‪-‬أيم��ن صال��ح ش��عبان‪ :‬الفت��اوى الش��رعية يف المس��ائل العصرية‪ ،‬فت��اوى علم��اء الحرمين‬ ‫ ‬
‫الش��ريفين‪ ،‬المكت��ب الثقايف للنش��ر والتوزيع بالقاهرة‪ ،‬ب��دون ذكر المطبع��ة وتاريخ الطبعة‪،‬‬
‫ص‪ 19.‬ومابعدها‪.‬‬
‫‪-‬د‪.‬محمد العاجي‪ ،‬المختصر الخليلي وأثره يف الدراسات المعاصرة‪ ،‬نموذج القانون‬ ‫ ‬
‫الم��دين المغربي‪ ،‬مطبع��ة البيض��اوي‪1432 ،‬ه��ت‪2011/‬م‪ ،‬منش��ورات وزارة األوقاف‬
‫والشؤون اإلسالمية بالمغرب‪ ،‬ص‪ 170.‬ومابعدها‪.‬‬
‫‪-‬محمد الزحيلي‪ :‬تنظيم الفتوى‪ :‬أحكامه‪-‬آلياته‪ ،‬مجلة المجمع الفقهي اإلس�لامي‪،‬‬ ‫ ‬
‫الع��دد الس��ادس والعش��رون‪ ،‬الس��نة الرابع��ة والعش��رون‪1432 ،‬ه��ـ‪2011/‬م ‪ ،‬ص‪33.‬‬

‫ومابعدها‪.‬‬
‫((( ‪ -4‬ينظر يف ذلك د‪ .‬محمد الروكي ‪ :‬ضوابط الفتوى وتنظيمها يف تاريخ اإلسالم ‪ ،‬مجلة‬
‫المجلس ‪ ،‬العدد السابع ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.25.‬‬

‫‪186‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫الفتوى حيث عمد الى ضبط مداها ومراقبة حركيتها ضمانا لعدم انفالهتا‬
‫‪ ،‬وهكذا تم س��نة ‪ 1981‬إح��داث المجلس العلم��ي األعلى والمجالس‬
‫‪1‬‬
‫العلمية اإلقليمية‪.‬‬
‫لكن ‪ ،‬يبدو أن عدم اضطالع هذه المؤسس��ة بدور طالئعي يف مجال‬
‫اإلفت��اء والرقاب��ة الرس��مية للدول��ة على المج��ال الدين��ي بالمغرب كان‬
‫داعيا أساسيا ومباش��را يف إعادة هيكلة هذا المجلس وتحديثه وهو ما تم‬
‫‪2‬‬
‫اإلعالن عنه سنة ‪. 2004‬‬
‫(( ( ‪ -5‬تم تأسيس المجلس العلمي األعلى والمجالس اإلقليمية بموجب الظهير الشريف‬
‫رق��م ‪ 1.80.270‬الم��ؤرخ يف ‪ 3‬جم��ادى اآلخ��رة ‪ 1401‬الموافق ل ‪ 8‬أبريل ‪ ،1981‬منش��ور‬
‫بالجري��دة الرس��مية ع��دد ‪ 3575‬الصادرة بتاري��خ فاتح رج��ب ‪ 1401‬الموافق لت ‪ 6‬ماي‬
‫‪ ،1981‬ص‪.543 .‬‬
‫ينظ��ر على س��بيل المقارنة د‪.‬عب��د الرحمن محمد ميغ��ا‪ :‬الحركة الفقهي��ة ورجالها يف‬ ‫ ‬
‫السودان الغربي من القرن ‪ 8‬الى القرن ‪ 13‬الهجري‪ ،‬مطبعة البيضاوي‪ 1432 ،‬هـ‪2011/‬م‪،‬‬
‫منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالمغرب‪ 18 ،‬ومابعدها‪.‬‬
‫(( ( ‪ -‬ص��در هبذا الخصوص الظهير الش��ريف رق��م ‪ 1.03.300‬بتاريخ ‪ 2‬ربي��ع األول ‪1425‬‬
‫المواف��ق ل ‪ 22‬أبريل ‪ 2004‬بإعادة تنظيم المجالس العلمية‪ ،‬منش��ور بالجريدة الرس��مية‬
‫عدد ‪ 5210‬الصادرة بتاريخ ‪ 16‬ربيع األول ‪ 1425‬الموافق لـ ‪ 6‬ماي ‪ ،2004‬ص‪.2177 .‬‬
‫يعترب أحد الباحثين أن "الس��لطة السياسية اتجهت من خالل المجلس العلمي األعلى‬ ‫ ‬
‫بعد أحداث ‪ 16‬ماي الى ضبط الفتوى وإهناء مش��اعيتها‪ .‬وذلك كرد فعل على الصدور‬
‫المط��رد للفت��اوي ارتباطا بالعدي��د من القضايا الوطني��ة والدولية وه��ي الفتاوى التي‬
‫ل��م تعد تقتصر على المعام�لات اليومية واالعتيادية بل ص��ارت تتعارض مع مصالح‬
‫الدول��ة‪ .‬كالفت��اوى والبيان��ات التي رافقت عرض مسلس��ل للرس��وم المتحركة حول‬
‫لعبة البوكيمون وتحريم مش��اهدته‪ .‬وإفتاء عبد الباري الزمزمي بوجوب إس��قاط صفة‬
‫الش��هيد ع��ن المهدي بن بركة وعم��ر بنجلون وغيرهم ممن أدوا ثمن س��نوات الجمر‬
‫والرص��اص‪ .‬فضال ع��ن الفتاوى الص��ادرة عن مجموعة م��ن العلم��اء اللذين حرموا‬
‫القداس الذي أقيم بإحدى كنائس الرباط من أجل الرتحم على أرواح ضحايا ‪ 11‬شتنرب‬
‫‪ 2001‬أو الدخول يف أي حلف أمريكي عدواين إلرهاب الشعوب العربية اإلسالمية‪".‬‬
‫ينظر يف تفاصيل ذلك حاتم البقالي‪ :‬السياسة الدينية بالمغرب ‪ :‬المحددات والرهانات‪،‬‬ ‫ ‬
‫مرحلة مابعد ‪ 16‬ماي ‪ ،2003‬رس��الة لنيل دبلوم الماس�تر يف القانون العام المقارن‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية بطنجة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2008-2007‬ص‪.73.‬‬

‫‪187‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫إن المملكة المغربية واحدة من الدول اإلسالمية ذات الصلة الوثيقة‬


‫بمبدأ إمارة المؤمنين وإمامة المسلمين‪ ،‬حيث يرتبط هذا المبدأ بالشرعية‬
‫الديني��ة التي تضع على عاتق نظام الحكم هبذا البلد حفظ مصالح الدين‬
‫وصيان��ة حق��وق المس��لمين يف إقام��ة ش��عائرهم الدينية وه��م مطمئنون‬
‫‪1‬‬
‫ومرتاحوا البال يف ظروف من الطمأنينة والسكينة الروحية‪.‬‬
‫فلكون الدين يع��د نظاما اجتماعيا يتضمن العديد من القيم المحددة‬
‫والمتحكمة يف تمثالت اإلنسان للكون والظواهر واألفعال االجتماعية‪،‬‬
‫ويؤثر يف تقاليد وعادات األفراد وأعراف المجتمع‪ ،‬فإنه يمارس س��لطانا‬
‫على األف��راد والمجتم��ع‪ ،‬ويعد أداة هام��ة للضب��ط اإلجتماعي‪ ،‬بحيث‬
‫يس��اهم يف تش��كيل المعايي��ر االجتماعي��ة‪ ،‬ويف ضب��ط س��لوك األفراد يف‬
‫المجتمع عن طريق اس��تحضار الثواب والعقاب‪ ،‬الحسنات والسيئات‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وعن طريق اعتباره ملجأ نفسيا وقت المحن والشدائد‪.‬‬

‫((( ‪ -‬تنظ��ر افتتاحي��ة العدد الثامن من مجل��ة الحقوق المغربية ح��ول " الضوابط القانونية‬
‫المتعلقة بالمجال الديني يف المغرب" ‪ ،‬السنة الرابعة ‪ ،‬أكتوبر ‪ ، 2009‬ص‪.11.‬‬
‫حول إمارة المؤمنين بالمغرب ينظر ‪:‬‬ ‫ ‬
‫‪ -‬د‪ .‬عب��د العزيز غ��وردو ‪ :‬إمارة المؤمني��ن يف التاريخ ‪ :‬حالة المغرب ‪،‬منش��ور ضمن‬ ‫ ‬
‫مؤلف جماعي حول " دس��تور ‪ 2001‬بالمغرب‪ :‬مقاربات متعددة ‪ ،‬مس��اهمة للكش��ف‬
‫عن جدي��د الوثيقة الدس��تورية وتفعيل التنزيل الس��ليم لمقتضياهتا "منش��ورات مجلة‬
‫الحقوق‪ ،‬سلسلة " األعداد الخاصة"‪ ،‬العدد الخامس‪ ،‬ماي ‪ ،2012‬ص‪ 9.‬ومابعدها ‪،‬‬
‫‪ -‬دارس��ات متنوعة منش��ورة ضم��ن مؤلف جماعي ح��ول "الفصل ‪ 19‬من الدس��تور ‪:‬‬ ‫ ‬
‫الداللت الش��رعية واألبعاد القانونية"‪ ،‬منش��ورات مجلة الحقوق المغربية ‪ ،‬سلسلسة‬
‫" األعداد الخاصة "‪ ،‬العدد الثاين‪ ،‬أبريل ‪،2011‬‬
‫‪ -‬د‪.‬س��عد الدي��ن العثماين ‪ :‬إمارة المؤمنين ومدنية الدول��ة ‪ ،‬مجلة الفرقان ‪ ،‬العدد ‪، 67‬‬ ‫ ‬
‫سنة ‪ ، 2011/1432‬ص‪ 47 .‬ومابعدها‪.‬‬
‫((( ‪ -‬ينظ��ر د‪ .‬محم��د الرضواين ‪ :‬األم��ن الديني بالمغرب‪ ،‬رهانات تقرير التنمية البش��رية‬
‫وتحدي��ات الواقع ‪ ،‬دراس��ة ضمن مؤلف ‪ :‬الحداثة السياس��ية‪ ،‬يف المغرب ‪ :‬إش��كالية‬

‫‪188‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫ولذل��ك يعترب أحد المهتمي��ن‪ 1‬أن "هناك مداخل متع��ددة للربط بين‬
‫المج��ال العام واإلس�لام كدين‪ ،‬منها المدخل الفك��ري‪ .‬ومنها المدخل‬
‫الحرك��ي التنظيم��ي‪ ،‬ومنه��ا المدخل اإلفتائ��ي‪ ،‬ومع تج��اوز المدخلين‬
‫األولي��ن‪ ،‬يمك��ن الق��ول إن الفت��وى كمدخل م��ن مداخل عالق��ة الدين‬
‫بالمج��ال الع��ام تعد أداة لتش��كيل اتجاهات الرأي الع��ام ‪ ،‬إما من خالل‬
‫التعبئ��ة الجماهيري��ة‪ ،‬أو باعتبارها أداة من أدوات الهندس��ة االجتماعية‪.‬‬
‫وقد يكون اتجاه دور الفتوى كأداة من أدوات الهندسية االجتماعية دورا‬
‫يتعلق بالدولة‪ ،‬وعالقة تحالفها مع المؤسس��ة التي تحتكر عملية اإلفتاء‪،‬‬

‫وتجربة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ، 2009‬مطبعة المعارف الجديدية بالرباط ‪ ،‬ص‪.66.‬‬


‫هن��اك فك��رة عامة راس��خة يف الدراس��ات األثروبولوجي��ة واالجتماعية الحديث��ة‪ ،‬مفادها أن‬ ‫ ‬
‫الدي��ن جزء م��ن الحياة االجتماعية وليس مجرد فكرة إيماني��ة أو عالقة إيمانية بكائن مقدس‬
‫أو كائنات مقدس��ة ‪ .‬وتتحدد بنية السلوك الديني بالعناصر التالية ‪ :‬التمثالت الدينية والفضاء‬
‫االجتماعي للدين ثم طقوسية الجسد المتعلقة بالدين‪.‬‬
‫ينظر يف تفاصيل هذه الفكرة عبد الحق منصف ‪ :‬الدين والمجتمع والسلطان السياسي‬ ‫ ‬
‫يف الفكر اإلسالمي‪ ،‬دراسة منشورة ضمن مؤلف جماعي حول " الدين والسياسة من‬
‫منظور فلسفي" تحت إشراف محمد مصباحي ‪ ،‬منشورات مؤسسة الملك عبد العزيز‬
‫آل س��عود للدراسات اإلس�لامية والعلوم اإلنسانية بالدار البيضاء ‪ ،‬الطباعة منشورات‬
‫عكاظ ‪ ، 2011 ،‬ص‪.213.‬‬
‫ينظر أيضا محمد قطب‪ :‬مذاهب فكرية معاصرة‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1409 ،‬هـ‪ 1988 -‬م‪ ،‬دار‬ ‫ ‬
‫الشروق بالقاهرة ‪ ،‬ص‪ 70.‬ومابعدها‪.‬‬
‫ينظ��ر د‪.‬العياش��ي ادراوي‪ :‬حدود العالقة بين الدين والسياس��ة‪ ،‬مجل��ة الحياة الطيبة‪،‬‬ ‫ ‬
‫الس��نة الخامس��ة عش��ر‪ ،‬العدد الخامس والعش��رون‪ ،‬ربي��ع ‪1433‬ه��ـ ‪/2012/‬م‪ ،‬ص‪99.‬‬

‫ومابعدها‪.‬‬
‫((( ‪ -‬ينظ��ر وس��ام ف��ؤاد ‪ :‬المؤسس��ات الديني��ة الرس��مية والفتوى‪ ،‬منش��ور ضمن مؤلف‬
‫جماعي حول "حراسة اإليمان‪ ،‬المؤسس��ات الدينية"‪ ،‬منشورات المسبار‪ ،‬بدون ذكر‬
‫تاريخ الطبعة والمطبعة‪ ،‬ص‪.235.‬‬

‫‪189‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫ويغلب عليه أن يكون مش��روع دولة يف إطار مشروع للتغيير االجتماعي‪.‬‬


‫أو إدارة المواجه��ات الخارجية‪ ،‬وليس مش��روعا تعدديا كالذي تش��هده‬
‫منطقتنا اآلن على مس��توى الصراعات السياس��ية الداخلي��ة التي حملت‬
‫عنوان "اإلصالح السياس��ي" خالل فرتة مابعد أحداث الحادي عشر من‬
‫سبتمرب ‪ ،‬وهذا ما يجعلنا نركز على المدخل الوظيفي التعبوي‪.".‬‬
‫ويضي��ف نفس الباحث قائال‪" :‬وثمة س��بب آخر يدعونا الى ترك الرتكيز على‬
‫الفت��وى باعتباره��ا أداة من أدوات الهندس��ة االجتماعية‪ ،‬إذ أن ه��ذه الخربة نادرة‬
‫يف عالمن��ا العرب��ي‪ ،‬بل نادرة يف أنحاء العالم‪ .‬فباس��تثناء الخ�برة اإليرانية المتميزة‬
‫يف مأسس��ة الفتوى على المس��توى العام‪ ،‬ومع تجاوز ضحالة الخربة السودانية يف‬
‫هذا المجال‪ ،‬مع استبعاد هذين النموذجين ال تبقى حالة تطبيقية معاصرة أو حتى‬
‫حديث��ة لهذا التعامل المنهجي مع الفتوى‪ ،‬بم��ا يف ذلك حاالت التحالف الجزئية‬
‫التي تمت بين زعماء عرب ومشايخ كبار‪.".‬‬

‫لك��ن ال نتفق م��ع الباحث المذكور يف ثنائه على التجرب��ة اإليرانية يف الجانب‬
‫الشكلي المرتبط بمأسسة الفتوى ‪ .‬وذلك لألسباب الموضوعية التالية ‪:‬‬

‫‪-‬ك��ون ه��ذه التجرب��ة تعتم��د المذه��ب الواحد يف اإلفت��اء دون مراع��اة باقي‬
‫اإلجتهادات الفقهية األخرى التي تأخذ بحال العباد والبالد وتغير الظروف‪،‬‬

‫‪-‬ك��ون هذه التجرب��ة تتميز بالغل��و والتعص��ب واإلنفراد المذهب��ي يف تصور‬


‫اإلشكال وطرح الحل له‪،‬‬

‫‪-‬كون مؤسس��ة الفت��وى بإيران تفتقد الى الركن األه��م يف باب اإلجتهاد وهو‬
‫بذل الوسع واستفراغ الطاقة يف البحث عن الحق بدليله‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫إن النموذج المغربي يف مجال الفتوى المراد تقديمه من خالل هذه الدراس��ة‬
‫يتطلب منا التطرق إليه من خالل تصورين إثنين نتناولهما يف مطلبين كاآليت ‪:‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬مأسسة الفتوى بالمغرب ‪ :‬ونقسم هذا المطلب الى فقرتين كاآليت ‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مؤسسة الفتوى قبل سنة ‪،2004‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مؤسسة الفتوى بعد سنة ‪،2004‬‬
‫المطل��ب الث��اين‪ :‬األس��س االجتهادية يف فت��اوى المجل��س العلمي‬
‫األعلى بعد سنة ‪، 2004‬‬
‫الفق��رة األولى‪ :‬فتوى حول مش��روعية اس��تخدام جهاز لص��د الكحول يف دم‬
‫السائقين‪،‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬فتوى بجواز إيصاء اإلنس��ان يف حياته بالتربع بقرنية عينه لفائدة‬
‫نقلها منه حين وفاته وزرعها يف عين إنس��ان آخر ليس��تعيد هبا س�لامة نظره وعافية‬
‫بصره‪،‬‬

‫الفقرة الثالثة ‪ :‬فتوى حول وضع المرأة يف نظام أراضي الجماعات الساللية‪.‬‬

‫املطلب الأول‪ :‬م�ؤ�س�سة الفتوى باملغرب‬

‫كانت الفتاوى ش��ائعة ومتع��ارف عليها منذ القدم‪ ،‬ومن ث��م كان هذا الخضم‬
‫م��ن كتب النوازل‪ ،‬ولكن مع بزوغ عهد االس��تقالل وتحكي��م القوانين يف كثير من‬
‫المنازع��ات‪ ،‬ت��وارت الفتاوى عن اهتمام الناس وعن س��احة المحاكم‪ ،‬فاتخذت‬
‫المحاكم مساطر عصرية قانونية ال دخل للفتاوى فيها – ولو أن الفتوى كانت دائما‬
‫أمرا اختياريا – فلم تعد ملفات المحاكم تحتوي على الفتاوى‪ ،‬وصار المحامون‬

‫‪191‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫أو الوكالء الش��رعيون هم الذين يحررون المذكرات التي قد تستند الى النصوص‬
‫الش��رعية أو الفصول القانونية‪ ،‬وقد تخلو من ذل��ك‪ ،‬وحتى يف القضايا التي ظلت‬
‫خاضعة للش��ريعة اإلس�لامية‪ :‬كقضايا األحوال الش��خصية والتربع��ات والحيازة‬
‫واالس��تحقاق والشفعة والقسمة وكل مايدخل تحت مصطلح العقار محفظا كان‬
‫أو غير محفظ‪ ،‬وكذلك وس��ائل اإلثبات الش��رعية‪...‬حتى يف هذه المواضيع‪ ،‬فإن‬
‫الفت��وى لم يعد لها مجال أمام تغير الح��ال‪ ،‬وطبقا لظهير توحيد ومغربة المحاكم‬
‫رق��م ‪ 3.64‬بتاري��خ ‪ 22‬رمض��ان ‪ 26( 1384‬يناي��ر ‪ )1965‬الذي أق��ر بالصبغة‬
‫الرس��مية للقضايا التي ظلت خاضعة للش��ريعة اإلس�لامية‪ ،‬ونقصد بذلك مجال‬
‫الفق��ه‪ ،‬ص��ارت بمثابة القوانين‪ ،‬أو ص��ارت من القوانين‪ ،‬وص��ار المحامي يحتج‬
‫بالجمي��ع دون أي ح��رج‪ ،‬وم��ن ثم ف��إن هذا المجال م��ن المعرفة ل��م يعد قاصرا‬
‫على المختصين به الذين درس��وه وتفقهوا فيه وعرفوا كوامنه‪ ،‬والذين يستطيعون‬
‫الغوص وراء آللئه‪ ،‬فيفتون أو يحكمون بمقتضياته‪ ،‬بل صار كل األفراد يستندون‬
‫أو يحتجون بأبيات للتحفة أو الزقاق أوحتى بنصوص خليل‪ ،‬أن يأيت بذلك سواء‬
‫صادف الصواب أم ضل الطريق‪.1‬‬

‫وبذل��ك انته��ت الفت��وى يف س��احة المحاك��م وغاب��ت ع��ن ملفاهت��ا‪ ،‬وبقيت‬


‫المذكرات تقدم خالية من الفتاوى‪ ،‬ويف كثير من األحيان حتى من ذكر النصوص‬
‫الفقهي��ة الت��ي ه��ي بمثابة الم��واد القانوني��ة‪ ،‬الس��يما وأن المطل��وب يف األحكام‬
‫المدنية والشرعية أن تكون وفق النصوص المعتمدة ولو خلت منها‪ ،‬على خالف‬
‫األحكام الزجرية‪ ،‬مما جعل الخصوم يف غير حاجة الى تدعيم مراكزهم بالفتاوى‬
‫الش��رعية‪ .‬إال أن��ه‪ ،‬مع كل ماس��بق‪ ،‬ف��إن الفتوى ظل��ت قائمة والس��يما يف مجال‬

‫((( ‪ -‬ينظ��ر د‪ .‬محم��د الدرداب��ي‪ :‬الفت��وى واإلفتاء يف المغ��رب ‪ ،‬مجلة المجل��س ‪ ،‬العدد‬
‫السابع ‪ ،‬رجب ‪/1430‬يوليوز ‪ ، 2009‬ص‪ 55.‬و ‪.56‬‬

‫‪192‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫العبادات واألحوال الش��خصية‪ ،‬وحتى لمن أراد أن يحصل على الفتوى يف مجال‬
‫المعامالت وكل المواضيع التي مازال الفقه اإلسالمي يحكمها‪ ،‬فما كان عليه إال‬
‫التوجه أو االتصال بالمجالس العلمية ليحصل على مراده‪.1‬‬

‫إن المجالس العلمية تنتشر اآلن يف جميع ربوع المغرب وتغطي كل أصقاعه‪،‬‬
‫والمجالس العلمية صارت هي الجهة الرسمية الوحيدة المخولة إلصدار الفتاوى‪.‬‬
‫وحص��ر الفتوى يف المجالس العلمية اله��دف منه‪ ،‬على مايظهر‪ ،‬هو توحيد مجال‬
‫الفتوى وحصرها يف المذهب المالكي‪ ،‬المذهب الرسمي للدولة‪ ،‬وحتى ال يكون‬
‫هناك فتاوى تش��رق وأخ��رى تغرب‪ ،‬ولو فتح المج��ال يف الفتوى لمن هب ودب‬
‫لكان��ت هن��اك فتوى ب��آراء وأقوال أو مذاه��ب ونحل ما أنزل اهلل هبا من س��لطان‪.‬‬
‫فم��ن أراد الفت��وى فعليه أن يقصد المجال��س العلمية‪ ،‬وهي قريبة من��ه أينما كان‪،‬‬
‫حت��ى يف الخارج‪ ،‬ليحصل على مراده بدون تع��ب أو مقابل‪ ،‬وعليه أن يطمئن بأن‬
‫ماحص��ل عليه من فتوى هو م��ن صميم المذهب المالكي‪ ،‬مذه��ب عالم المدينة‬
‫وإمامه��ا ‪ ،‬الذي اخت��اره المغاربة منذ ق��رون طويلة‪ ،‬وكان ه��ذا المذهب ومازال‬
‫من الس��مات البارزة والعالمات المميزة التي توحده��م وتجمع صفوفهم وترفع‬
‫الخالف بينهم‪.2‬‬

‫وللحديث عن مؤسسة الفتوى بالمغرب البد من التطرق يف الفقرتين بعده الى‬


‫اإلطار المؤسسايت الذي يسهر على تدبيرها وذلك عرب فرتتين زمنيتين متباينتين‪.‬‬

‫الفقرة الأوىل ‪ :‬م�ؤ�س�سة الفتوى قبل �سنة ‪2004‬‬


‫انتبه��ت الدولة المغربية –منذ وقت مبكر‪ -‬ألهمية الفتوى يف المجال الديني‬

‫(( ( ‪ -‬يراجع محمد الدردابي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.56.‬‬


‫((( ‪ -‬يراجع محمد الدردابي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.56.‬‬

‫‪193‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫باعتبارها حاجة أساسية من حاجيات المواطن‪ ،‬حيث جعلتها من االختصاصات‬


‫األساسية لوزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية عند تأسيسها سنة ‪ ،1961‬وبالرغم‬
‫من هذا االهتمام المبكر فإن وظيفة الفتوى ظلت باهتة يف برامج الوزارة وتدخالهتا‬
‫يف الحياة الدينية للمواطنين المغاربة‪ ،‬وهو ماسيعكسه بجالء ظهير ‪ ،1993‬الذي‬
‫تم بموجبه تحديث وزارة األوقاف والش��ؤون اإلسالمية‪ ،‬إذ أصبحت الفتوى من‬
‫اختصاص��ات مصلحة تابعة لقس��م التوجيه الديني التابع بدوره لمديرية الش��ؤون‬
‫اإلسالمية‪.1‬‬

‫بعد ذل��ك أحدث المجلس العلمي األعلى ومعه المجالس العلمية اإلقليمية‬
‫ألول م��رة كم��ا تم ذكر ذلك بتاري��خ ‪ 3‬جمادى اآلخرة لس��نة ‪ 1401‬الموافق لـ ‪8‬‬
‫أبريل ‪ ،1981‬حيث تم بيان األسباب الموجبة لذلك يف ديباجة القانون المحدث‬
‫لهذه المؤسس��ة على لسان الملك الراحل الحسن الثاين "‪ ...‬وقد قر رأينا‪ ،‬بعد أن‬
‫أصبحنا نشاهد ما ينذر به شيوع بعض المذاهب األجنبية من خطر على كيان األمة‬
‫المغربي��ة وقيمها األصيلة‪ ،‬أن يس��تمر عملنا المتواصل يف إطار مؤسس��ات تنتظم‬
‫فيها وتتناس��ق جهود العلماء األعالم ‪ ،‬للعمل‪ ،‬برعاية جاللتنا الشريفة وإرشادها‪،‬‬
‫على التعريف باإلس�لام‪ ،‬وإقامة الربه��ان على ماجاء به صالح لكل زمان ومكان‬
‫يف أم��ور الدين والدنيا معا‪ ،‬وأن فيه غنى عما ع��داه من المذاهب والعقائد التي ال‬
‫تمت بصلة الى القيم الي يقوم عليها كيان األمة المغربية‪".‬‬

‫وبعد صدور الظهير الش��ريف رقم ‪ 1.80.270‬المتعلق بإحداث المجلس‬


‫العلم��ي األعل��ى والمجالس اإلقليمية ل��م يصدر أي ظهير أو مرس��وم تنظيمي أو‬

‫((( ينظ��ر امحمد جربون ‪ :‬إش��كالية الوظيفة الدينية يف الدول��ة المعاصرة‪ ،‬قراءة يف تجربة‬
‫تأهي��ل الحق��ل الدين��ي بالمغ��رب‪ ،‬مراص��د‪ ،‬كراس��ات علمي��ة ‪ ، 4‬يناي��ر ‪ ،2011‬مكتبة‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬ص‪29.‬‬

‫‪194‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫‪1‬‬
‫نظام داخلي يحدد معالم اإلشتغال هبذه المؤسسة‪ .‬ومركزيا ومحليا‪.‬‬

‫وق��د الحظن��ا أن فرتة المجل��س العلمي األعل��ى من س��نة ‪ 1981‬الى حدود‬


‫‪ 2004‬ف�ترة غامض��ة وال تحيلن��ا على فت��اوى أو أعمال تؤرخ له��ده المرحلة من‬
‫مراحل تأهيل وتنظيم الحقل الديني‪.‬‬

‫كم��ا أب��دى أحد الباحثي��ن المهتمين‪ 2‬بالش��أن الديني بالمغ��رب اإلحرتازات‬


‫الموضوعية اآلتية حول الفرتة المتحدث عنها وهي أساسا‪:‬‬

‫‪ -‬أن دور المجل��س العلم��ي األعلى لم يكن محددا بش��كل واضح‪ ،‬ولم يتم‬
‫تفعيله على الصعيد العملي‪ ،‬والوظيفة التنسيقية المنوطة به ظلت حربا على ورق‪،‬‬
‫إذ ظل��ت المجال��س العلمية مرتبطة ب��وزارة األوقاف أكثر م��ن المجلس العلمي‬
‫األعل��ى يف غيبة آلي��ات العمل التي تمك��ن المجلس من القيام ب��األدوار المنوطة‬
‫به‪ ،‬فأضحى ش��كال بدون مضمون‪ ،‬يمكن أن نستشف منه اإلسهام السلبي لبعض‬
‫الوسطاء والمتدخلين العاملين يف الحقل الديني الى عرقلة اإلرادة السامية لتفعيل‬
‫دور المجلس العلمي األعلى‪،‬‬

‫‪ -‬أن منص��ب كات��ب المجلس العلمي األعلى ظل وش��يكا ومجم��دا‪ ،‬إن لم‬

‫(( ( ينظ��ر ذ‪.‬رش��يد مقتدر‪ ،‬خطب إم��ارة المؤمنين يف الش��أن الديني والنص��وص المنظمة‬
‫للمؤسس��ة العلمية ‪ ،‬منش��ورات المجلس العلمي األعلى ‪ ،‬ذو القعدة ‪ 1427‬هـ ‪ /‬دجنرب‬
‫‪ ،2006‬ص‪ ، 63.‬الهامش ‪.5‬‬
‫((( ‪ -‬ينظر ذ‪.‬رشيد مقتدر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 63.‬و ‪.64‬‬
‫يرى د‪.‬محمد رياض أن المجالس العلمية آنذاك مازالت لم تنطلق اإلنطالق المنش��ود‪ ،‬ولم‬ ‫ ‬
‫تؤد مهمتها المنوطة هبا ال يف ميدان الفتوى‪ ،‬وال يف الميادين األخرى‪.‬‬
‫ينظ��ر د‪.‬محمد رياض‪ :‬أصول الفت��وى والقضاء يف المذهب المالك��ي ‪ ،‬الطبعة الثالثة‬ ‫ ‬
‫‪ ،2002-1423‬مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء‪ ،‬ص‪.314.‬‬

‫‪195‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫نقل غائبا يف هذه التجربة التأسيس��ية‪ ،‬كم��ا أن المجلس العلمي األعلى لم يتمكن‬
‫من عقد س��وى دورتين فقط‪ ،‬بعدهما ظل مجرد صرح مؤسس��ايت يعرتيه الجمود‬
‫والش��لل‪ ،‬فقد ب��دا واضحا الصعوبات والمش��اكل مؤسس��ة العلم��اء المتمثلة يف‬
‫المجلس العلمي األعلى والمجالس العلمية‪ ،‬واإلكراهات التي تعوق محاوالهتا‬
‫لتفعي��ل دورها‪ ،‬باعتبارها مؤسس��ات نابعة من عمق المجتم��ع ومن بين مختلف‬
‫شرائحه ومكوناته‪.‬‬

‫ويخل��ص نفس الباح��ث الى أن هيكلة المجالس العلمي��ة خالل الفرتة مابين‬
‫‪ 1981‬ال��ى حدود ‪ 2004‬لم تتمكن من تجس��يد الغايات المرجوة منها‪ ،‬ويمكن‬
‫تفسير المسألة على مستويين اثنين‪:1‬‬

‫‪ -‬أوال ‪ :‬تعدد الوسطاء والمتدخلين بين مؤسسة العلماء الممثلة يف المجلس‬


‫العلمي األعلى والمجالس العلمية ومؤسسة اإلمامة العظمى‪ ،‬الشيء الذي أفضى‬
‫الى عجز المجلس عن االس��تمرارية حتى يف عقد دورات��ه العادية فباألحرى ربط‬
‫الصالت بالمؤسسات اإلسالمية وغيرها‪.‬‬

‫إن تعدد الوس��طاء بين مؤسس��ة العلماء وإمارة المؤمنين يف المرحلة السابقة‪،‬‬
‫ش��كل عائقا حال دون تفعيل دورها وعزلها عن محيطها الداخلي والخارجي‪ ،‬إذ‬
‫سر قوة مؤسسة العلماء يكمن يف استقالليتها يف القرار والتحامها باإلمامة العظمى‬
‫وتبعيته��ا له��ا‪ ،‬فتعدد الوس��طاء بين العلماء وإم��ارة المؤمنين يف الفرتة التأسيس��ية‬
‫األولى ساهم يف إعاقة رسالة العلماء عن مسارها الصحيح‪،‬‬

‫‪ -‬ثانيا ‪ :‬يف جانبها القانوين الشكلي‪ ،‬بعدم مساعدة النص القانوين المؤطر لهذه‬
‫التجربة على تفعيلها والذهاب هبا بعيدا‪ ،‬فهو وإن كان محددا يف ثالثة عناصر فإنه‬

‫((( ‪ -16‬ينظر ذ‪.‬رشيد مقتدر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ 64.‬و ‪.65‬‬

‫‪196‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫كان غير واضح ودقيق‪ ،‬وإذا كان من باب المسلمات أن تعرتض أية مؤسسة بعض‬
‫الصعوبات أو االنحرافات على مستوى التطبيق‪ ،‬فإن مجموع ماسبق معالجته قد‬
‫شكل عائقا تشريعيا‪ ،‬ساهم يف الحد من امتدادات التجربة التأسيسية ‪.‬‬

‫وبغ��ض النظر عن ماس��بق التطرق إليه‪ ،‬فإننا نثير انتب��اه الى أن اإلطار القانوين‬
‫المنظم لمؤسس��ة المجلس العلمي األعل��ى والمجالس العلمية اإلقليمية لم يكن‬
‫يشير صراحة لمهمة الفتوى ودليلنا يف ذلك ‪:‬‬
‫‪ -‬الفصل الرابع من الظهير الشريف رقم ‪ 1.80.270‬الذي جاء فيه ‪" :‬تناط‬
‫بالمجلس العلمي األعلى المهام التالية ‪:‬‬
‫‪ 1 .1‬الت��داول يف القضاي��ا التي تعرضه��ا عليه جاللتنا الش��ريفة (المقصود هنا‬
‫الملك)‪.‬‬
‫‪ 2 .2‬تنسيق أعمال المجالس العلمية اإلقليمية ‪.‬‬
‫‪3 .3‬رب��ط الصالت بالمؤسس��ات اإلس�لامية العليا كرابطة العالم اإلس�لامي‬
‫والمؤتمر اإلسالمي‪،".‬‬
‫‪ -‬الفص��ل الثامن م��ن نفس القانون ال��ذي ينص على أنه‪ " :‬تن��اط بالمجالس‬
‫العلمية اإلقليمية المهام اآلتية‪:‬‬
‫‪ 1 .1‬إحياء كراسي الوعظ واإلرشاد والتثقيف الشعبي بالمساجد والسهر على‬
‫سيرها‪،‬‬
‫‪ 2 .2‬توعي��ة الفئات الش��عبية بمقومات األمة الروحي��ة واألخالقية والتاريخية‬
‫وذلك بتنظيم محاضرات وندوات لقاءات تربوية‪،‬‬
‫‪ 3 .3‬اإلس��هام يف اإلبق��اء عل��ى وح��دة الب�لاد يف العقي��دة والمذه��ب يف إطار‬
‫التمسك بكتاب اهلل وسنة رسوله‪،‬‬
‫‪ 4 .4‬العمل على تنفيذ توجيهات المجلس العلمي األعلى‪.".‬‬

‫‪197‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫يالح��ظ أن هذه المهام ال تش��ير بش��كل قوي وصريح الى تنظي��م الفتوى من‬
‫خالل المؤسس��ات المذك��ورة ‪ ،‬اللهم إذا اعتربنا أن الرتبي��ة الدينية تندرج ضمنها‬
‫الفتوى إحدى المقومات األساسية‪.‬‬
‫إن حصيل��ة عم��ل المجل��س العلمي األعل��ى ضعيفة خالل ف�ترة ‪ 1981‬الى‬
‫حدود ‪ 2004‬تاريخ إعادة تنظيم هذا اإلطار المؤسسايت‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬م�ؤ�س�سة املجل�س العلمي الأعلى بعد فرتة �إعادة التنظيم‬
‫لتج��اوز األثر الس��لبي الذي خلف��ه المجلس العلمي األعل��ى يف الفرتة مابين‬
‫‪ 1981‬و ‪ 2004‬وبغ��رض تطوي��ر األداء الع��ام له��ذه المؤسس��ة‪ ،‬ص��در الظهي��ر‬
‫الش��ريف المتعل��ق بإعادة تنظي��م المجلس العلم��ي األعلى والمجال��س العلمية‬
‫المحلية وفروعها بتاريخ ‪ 2‬ربيع األول ‪ 1425‬هـ الموافق لـ ‪ 22‬أبريل ‪. 2004‬‬
‫وم��ن خالل اإلطالع على األس��باب الوجبة إلعادة تنظي��م المجالس العلمية‬
‫يذكر الملك محمد الس��ادس مايلي ‪" :‬ومن المهام الجس��يمة التي تنتظر مجالسنا‬
‫العلمي��ة‪ ،‬مهم��ة القي��ام بأمان��ة اإلفت��اء الش��رعي يف الن��وازل الطارئ��ة والوقائ��ع‬
‫المس��تجدة‪ ،‬واإلنكباب عل��ى هذه المهمة الملحة باجته��اد جماعي ينأى هبا عن‬
‫الذاتية واإلنغالق‪ ،‬ويحقق به مقاصد الشرع األسمى يف التيسير ورفع الحرج‪ ،‬ويف‬
‫الوسطية واإلعتدال‪ ،‬لتصبح أمرا الزما بعد المصادقة عليها من المجلس العلمي‬
‫األعلى وبعد عرضها على نظر جاللتنا‪."...‬‬
‫إن األس��باب والموجبات الداعية الى إعادة تنظي��م المجلس العلمي األعلى‬
‫تتجسد أساسا فيما يلي‪: 1‬‬

‫((( ينظ��ر أحمد بوعب��داالوي‪ :‬تجديد الخطاب الديني بالمغ��رب‪ ،‬إصالح الحقل الديني‬
‫أنموذجا‪ ،‬بحث لنيل ش��هادة الدكتوراه يف الدراسات اإلسالمية‪ ،‬جامعة سيدي محمد‬
‫بن عبد اهلل ‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بفاس ‪ ،‬وحدة التكوين والبحث ‪ " :‬مشاريع‬
‫النهوض الحضاري يف الفكر اإلسالمي "‪ ،‬السنة الجامعية ‪1432-1431‬هـ‪ 2001-2010 ،‬م‬
‫‪ ،‬ص‪337 .‬و‪.338‬‬

‫‪198‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫‪ -‬الرغبة يف إبراز الخصائص التي يتميز هبا اإلسالم ‪ ،‬والتي تجعله شفاء لكثير‬
‫م��ن أمراض العصر‪ .‬ومن ه��ذه الخصائص صالحيته التي تتج��اوز حدود الزمان‬
‫والمكان وما يتميز به من مرونة يف تشريعاته وأحكامه وقابليته إلستيعاب كل ماقد‬
‫يطرأ على الحياة يف حركتها الدائبة من مستجدات‪،‬‬

‫‪ -‬الرغبة يف تثبيت الخصوصيات الدينية عند المغاربة‪،‬‬


‫‪ -‬القيام بمهمة تجديد أمر الدين بإحياء علومه وإقامة معالمه ورسومه‪،‬‬
‫‪ -‬مأسسة الهيئة العلمية للإلتاء يف المجال الديني ‪ ،‬ياتئم فيها جمعهم وتتالقى‬
‫فيها عقولهم وأفكارهم وتتبارى يف اإلجتهاد واإلستنباط مداركهم وقرائحهم‪،‬‬

‫‪ -‬تقريب الخطاب الديني من كافة شرائح المجتمع بما فيهم النساء والشباب‪.‬‬
‫لقد عرف المجلس المذكور توسيعا لصالحياته بعد اإلمتداد الذي شهده على‬
‫مستوى مكوناته‪ ،‬إذ كانت اختصاصات المجلس ذات طبيعة شكلية بدون تفعيل‬
‫واقع��ي‪ ،‬فاإلش��راف على المجالس العلمي��ة كان يندرج ضم��ن المجال الخاص‬
‫لوزير األوقاف والش��ؤون اإلس�لامية يف التجربة التأسيسية األولى لهيكلة الحقل‬
‫الديني بالمغرب‪ ،‬التي امتدت من ‪ 1981‬الى تاريخ صدور الظهير المعيد لهيكلة‬
‫المجالس العلمية‪ ،‬حيث طلت هذه األخيرة محكومة بنظام س��لطة الوصاية‪ ،‬التي‬
‫تخض��ع المجالس العلمي��ة اإلقليمية والمجلس العلم��ي األعلى لوزارة األوقاف‬
‫والشؤون اإلسالمية‪.1‬‬
‫ويمكن القول مبدئيا أن الظهير الشريف رقم ‪ ، 1.03.300‬المنظم للمجلس‬
‫العلم��ي األعل��ى والمجالس العلمي��ة المحلية ‪ ،‬قد تجاوز ج��زء من اإلختالالت‬
‫التي كانت تعرتي التجربة الس��ابقة‪ ،‬وأعاد اإلعتبار لمؤسسة العلماء‪ ،‬إذ وسع من‬

‫((( ‪ -18‬يراجع ذ‪.‬رشيد مقتدر‪ ،‬خطب إمارة المؤمنين يف الشأن الديني والنصوص القانونية‬
‫المنظمة للمؤسسة العلمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.46.‬‬

‫‪199‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫صالحي��ات المجل��س العلمي بحيث أصبح يقوم بدور اإلش��راف المباش��ر على‬
‫توجي��ه المجالس العلمية المحلية‪ ،‬وتفعيل أنش��طتها وتنس��يق برامجها‪ ،‬بتنس��يق‬
‫وتش��اور بين وزير األوقاف والشؤون اإلسالمية والكاتب العام للمجلس العلمي‬
‫األعلى‪.1‬‬

‫�أما دواعي جتديد املجال�س العلمية املحلية فقد خل�صها �أحد الباحثني فيما يلي‪:2‬‬
‫‪ -‬هنج سياسة القرب‪ ،‬وذلك بتوسيع المجالس العلمية لتشمل كافة األقاليم‪،‬‬
‫‪ -‬حفظ الخصوصية الدينية المغربية‪،‬‬
‫‪ -‬تأهي��ل علم��اء قادرين عل��ى االجتهاد والتجديد‪،‬إش��راك الم��رأة العاملة يف‬
‫معالجة قضايا المجمتع‪،‬‬

‫((( ‪ -19‬يراجع ذ‪.‬رشيد مقتدر‪ ،‬خطب إمارة المؤمنين يف الشأن الديني والنصوص القانونية‬
‫المنظمة للمؤسسة العلمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.47.‬‬
‫وجبت اإلش��ارة الى المجلس العلمي األعلى بالمغرب يرأس��ه الملك منذ تأسيس��ه س��نة‬
‫‪ 1981‬وحتى يف ظل الظهير المتعلق بإعادة تنظيمه ‪ .‬وقد أكد الدستور على هذا المعطى‬
‫يف الفص��ل ‪ 41‬منه حيث جاء فيه ‪ " :‬الملك‪ ،‬أمي��ر المؤمنين وحامي حمى الملة الدين‪،‬‬
‫والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية‪.‬‬
‫ي��رأس الملك‪ ،‬أمي��ر المؤمنين‪ ،‬المجلس العلم��ي األعلى‪ ،‬الذي يتولى دراس��ة القضايا التي‬ ‫ ‬
‫يعرضها عليه‪.‬‬
‫ويعترب المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة إلصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا‪ ،‬يف شأن المسائل‬ ‫ ‬
‫المحالة عليه‪ ،‬استنادا الى مبادئ وأحكام الدين اإلسالمي الحنيف‪ ،‬ومقاصده السمحة‪.‬‬
‫تحدد اختصاصات المجلس وتأليفه وكيفيات سيره بظهير‪.‬‬ ‫ ‬
‫يمارس الملك الصالحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين‪ ،‬والمخولة له حصريا‪ ،‬بمقتضى‬ ‫ ‬
‫هذا الفصل‪ ،‬بواسطة ظهائر‪.".‬‬
‫‪-‬ينظر ظهير ش��ريف رقم ‪ 1.11.91‬صادر بتاريخ ‪ 27‬ش��عبان ‪ 1432‬الموافق لـ ‪ 29‬يوليوز‬ ‫ ‬
‫‪ 2011‬بتنفيذ نص الدس��تور ‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5964‬مكرر‪ ،‬المؤرخة يف ‪30‬‬
‫يوليوز ‪ ،2011‬ص‪.3600.‬‬
‫((( ‪ -20‬يراج��ع يف تفاصيل ذلك ‪ :‬أحمد بوعب��داالوي‪ ،‬تجديد الخطاب الديني بالمغرب‪،‬‬
‫إصالح الحقل الديني أنموذجا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪339.‬و‪340‬و‪.341‬‬

‫‪200‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫‪ -‬العمل على تأهيل اإلفتاء المؤسسايت‪،‬‬


‫‪ -‬العمل على تعميم ثقافة المذهب المالكي‪،‬الدعوة الى االنخراط يف مس��ار‬
‫إصالح الشأن الديني‪،‬‬

‫‪ -‬اإلسهام يف تجسيد المواطنة اإليجابية‪،‬‬


‫‪ -‬خدمة تراث المذهب المالكي‪.‬‬

‫بعد استعراض هذه المعطيات حول المجلس العلمي األعلى وكذا المجالس‬
‫العلمية المحلية ‪ ،‬فإنه يحق لنا أن نتس��ائل هل تم التغاضي عن اإلشارة الى عنصر‬
‫"الفتوى" كمحدد أساسي لعمل هذه المجالس مركزيا ومحليا؟‬

‫�أ ‪ -‬اخت�صا�ص الفتوى يف املجل�س العلمي الأعلى ‪:‬‬


‫م��ن أه��م المقتضي��ات التي ج��اءت يف الظهير الش��ريف رق��م ‪1.03.300‬‬
‫التنصي��ص على إحداث هيئة علمي��ة مكلفة باإلفتاء حيث جاء يف المادة الس��ابعة‬
‫منه مايلي ‪ " :‬تحدث لدى المجلس العلمي األعلى هيئة علمية تتكون من أعضائه‬
‫‪ ،‬تخت��ص وحدها‪ ،‬دون غيرها‪ ،‬بإص��دار الفتاوى الرامية الى بيان حكم الش��ريعة‬
‫اإلسالمية يف القضايا ذات الصبغة العامة‪.".‬‬

‫كم��ا نص��ت الم��ادة الثامنة من نف��س الظهير على أن��ه " يمكن للهيئ��ة العلمية‬
‫المكلف��ة باإلفتاء المش��ار اليها يف المادة الس��ابقة‪ ،‬من أجل اإلضط�لاع بمهامها‪،‬‬
‫تش��كيل لجان علمية متخصصة يعهد اليها بدراس��ة الن��وازل والقضايا المعروضة‬
‫على الهيئة وإنجاز تقارير يف شأهنا وتقديم االستنتاجات المتعلقة هبا‪.‬‬

‫ويجوز للهيئة عند االقتضاء‪ ،‬أن تس��تعين على س��بيل اإلستشارة بكل شخص‬
‫من ذوي الخربة واالختصاص من غير أعضاء المجلس العلمي األعلى‪.".‬‬

‫‪201‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫من خالل هاتني املادتني ن�ستنتج مايلي ‪:‬‬


‫‪ -‬أن الفتوى أصبحت اختصاصا أصيال للمجلس العلمي األعلى وتم النص‬
‫على ذلك بش��كل صريح عكس ما كان العمل عليه يف الظهير الش��ريف المحدث‬
‫لهذا المجلس سنة ‪،1981‬‬

‫‪ -‬حكري��ة ص��دور الفتوى بالمغرب على المجل��س العلمي األعلى ممثال يف‬
‫الهيئة العلمية المكلفة باإلفتاء‪،‬‬

‫‪ -‬تتش��كل لجان علمي��ة متخصصة من داخ��ل الهيئة العلمية لإلفتاء لدراس��ة‬


‫النوازل والقضايا المعروضة عليها‪،‬‬

‫‪ -‬يمك��ن للهيئ��ة أن تس��تعين ببع��ض ذوي اإلختصاص من خ��ارج المجلس‬


‫العلمي األعلى قصد تقديم االستشارة‪.‬‬

‫إن الهيئة العلمية المكلفة باإلفتاء هي مؤسسة تابعة للمجلس العلمي األعلى‬
‫‪ ،‬وتتكون أساس��ا من أعضائه‪ ،‬وتصدر فتاواها بطلب من رئيس المجلس العلمي‬
‫األعلى وهو أمير المؤمنين‪ ،‬أو الكاتب العام للمجلس األعلى‪ ،‬أو بناء على طلب‬
‫من جهة معينة بعد موافقة المجلس العلمي األعلى عليه‪ ،‬ويشرتط يف القضايا التي‬
‫يجب أن تعرض على هيئة اإلفتاء أن تكون ذات صبغة عامة‪ ،‬تتناول قضايا الشأن‬
‫العام‪ ،‬وال تختص بالنظر يف القضايا الخاصة إال ما أصبح منها يف حكم العام‪.1‬‬
‫ويف ه��ذا الصدد يعترب أحد الباحثين‪ 2‬أن " مأسس��ة الفتوى وإلحاقها بالدولة‪،‬‬
‫فيه مصادرة لحق العلماء والحركات اإلسالمية يف الفتوى ذات الطبيعة السياسية‪،‬‬

‫(( ( ‪ -‬يراجع امحمد جربون‪ ،‬إشكالية الوظيفة الدينية يف الدولة المعاصرة‪ ،‬قراءة يف تجربة‬
‫تأهيل الحقل الديني بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.29.‬‬
‫((( يراجع ذ‪.‬رشيد مقتدر‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.55.‬‬

‫‪202‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫وجعل��ت ه��ذا األمر من اختصاص هيئ��ة اإلفتاء‪ ،‬وهو ما رأى فيه الكثيرون س��عيا‬
‫رس��ميا الحتكارها وتأميمها‪ ،‬وتقليص المبادرة المدنية يف نطاقها‪ ،‬كما حاول هذا‬
‫المش��روع أيضا اس��تقطاب الجمهور المغربي المش��دود نحو الش��رق من خالل‬
‫الفضائي��ات ووس��ائل اإلع�لام المختلف��ة‪ ،‬وذل��ك بتمكينه من مص��در مغربي يف‬
‫الفتوى‪ ،‬يدرك جيدا الخصوصية المغربية ويقف عند حدودها‪.".‬‬
‫ب ‪ -‬مبنهجية الإ�شتغال بالهيئة العلمية املكلفة بالإفتاء ‪:‬‬
‫تنص المادة التاسعة من الظهير السابق اإلشارة إليه الى أنه ‪ " :‬تصدر الفتاوى‬
‫عن الهيئة العلمي��ة المكلفة باإلفتاء إما بطلب من رئيس المجلس العلمي األعلى‬
‫أو بناء على طلب يعرض على المجلس من لدن الكاتب العام‪.‬‬
‫وله��ذا الغ��رض‪ ،‬يتعين أن يوج��ه كل طلب لإلفت��اء الى الكات��ب العام الذي‬
‫يعرضه عند االقتضاء‪ ،‬على المجلس األعلى‪.‬‬
‫تتخذ الهيئة العلمية المكلفة باإلفتاء قراراهتا بإجماع أعضائها‪.‬‬
‫ويس��هر المجل��س العلم��ي األعلى عل��ى توثيق األجوب��ة والفت��اوى الفقهية‬
‫الص��ادرة عن الهيئة يف القضاي��ا المعروضة عليها‪ ،‬والعمل على تدوينها ونش��رها‬
‫تحت إشرافه‪.".‬‬
‫إن ن��ص المادة التاس��عة من الظهير قد أناطت مس��ألة اإلفتاء بالهيئ��ة العلمية ‪ ،‬كما‬
‫ح��ددت الجهات الت��ي لها الحق يف طلب اإلفت��اء‪ ،‬وأعطت األولوي��ة يف إحالة طلبات‬
‫اإلفتاء الى جاللة الملك بصفته أميرا للمؤمنين ورئيسا للمجلس العلمي األعلى‪.1‬‬
‫وهك��ذا تتلقى الهيئ��ة العلمية طلبات اإلفت��اء التي تختص بالنظ��ر فيها ‪ ،‬طبقا‬

‫(( ( يراجع ذ‪.‬رشيد مقتدر‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.55.‬‬


‫ح��ول عم��ل الهيئة المكلف��ة باإلفت��اء تنظر حصيل��ة ال��دورة العادية الثاني��ة للمجلس‬ ‫ ‬
‫العلم��ي األعلى المنعقدة بالرباط بتاريخ فاتح وثاين ذي القعدة ‪ 1426‬هـ الموافق لـ‪ 3‬و‪4‬‬
‫دجنرب ‪ ،2005‬منش��ورات المجلس العلمي األعلى‪،‬الطبع��ة األولى ‪ ،2007/1428‬ص‪61.‬‬
‫ومابعدها‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫للمادة الس��ابعة من الظهير الش��ريف المش��ار الي��ه‪ ،‬إما من أمي��ر المؤمنين‪ ،‬رئيس‬
‫المجلس العلمي األعلى‪ ،‬وإما عن طريق الكاتب العام للمجلس‪ ،‬ويف هذه الحال‬
‫األخي��رة يتعين ع��رض كل طلب إفتاء توصل ب��ه على المجل��س العلمي األعلى‬
‫للموافقة على إحالته على الهيئة المذكورة‪.1‬‬
‫وحينئذ تجتمع الهيئة لدراسة طلب الفتوى ‪ ،‬أو يحال على أعضائها للدراسة‬
‫وإع��داد الجواب الش��رعي المتعلق هبا‪ ،‬تبعا لنوعية موضوعه��ا‪ ،‬فتلتقي بعد ذلك‬
‫لبحثه ومناقش��ته‪ ،‬وهتييء الصيغة النهائي��ة للفتوى التي تصدر عن الهيئة باإلجماع‬
‫وترفعها الى الكاتب الع��ام للمجلس‪ ،‬قصد اإلطالع عليها‪ ،‬وتوجيهها الى الجهة‬
‫المعني��ة هبا‪ ،‬واإلحتفاظ بنظيرها يف وثائق المجلس هبدف تدوينها ونش��رها تحت‬
‫‪2‬‬
‫إشرافه‪.‬‬

‫ويف هذا الصدد تجدر اإلش��ارة الى أن الفتوى األولى ذات الشـأن العام‪ ،‬التي‬
‫صدرت عن الهيئة كانت هي تلك التي تش��رفت برفعها الى الملك أمير المؤمنين‬
‫حول العمل بقاعدة "المصالح المرسلة"‪ ،‬التي هي من أصول المذهب المالكي‪،‬‬
‫وم��دى اعتماده��ا واألخذ هب��ا يف الوق��ت الحاضر إلس��تنباط األحكام الش��رعية‬
‫المتعلق��ة بتدبير الش��أن الع��ام‪ ،‬والهادفة الى رعاي��ة المصلحة العام��ة لألمة ودرء‬
‫المفسدة عنها‪.3‬‬

‫(( ( ‪ -24‬ينظ��ر عمر بنعب��اد ‪ :‬الهيئة العلمية المكلفة باإلفتاء ل��دى المجلس العلمي األعلى‬
‫‪ :‬تكوينه��ا وطريق��ة عمله��ا يف إعداد الفت��اوى‪ ،‬مجلة المجلس ‪ ،‬إص��دارات المجلس‬
‫العلمي األعلى‪ ،‬العدد األول ‪ ،‬رمضان ‪ 1428‬هـ‪ /‬أكتوبر ‪ 2007‬م ‪ ،‬ص‪.23.‬‬
‫((( ‪ -25‬يراج��ع عمر بنعباد ‪ ،‬الهيئة العلمية المكلفة باإلفتاء لدى المجلس العلمي األعلى‬
‫‪ :‬تكوينها وطريقة عملها يف إعداد الفتاوى‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.24.‬‬
‫((( ‪ -26‬يراجع عمر بنعباد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪.24.‬‬
‫قدم المجلس العلمي األعلى رده على اإلس��تفتاء الذي طلبه الملك حول "المصلحة‬ ‫ ‬
‫المرس��لة يف عالقتها بقضايا تدبير الش��أن العام‪ ،‬مالئمته مع هدي الش��ريعة المطهرة"‪،‬‬

‫‪204‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫ويش��ير أحد الباحثين‪" 1‬الى أن طلب��ات اإلفتاء يمكن أن تطرح على المجلس‬
‫العلمي األعلى من طرف جميع الجهات المهتمة من خارج المجلس سواء كانت‬
‫مؤسسات أو هيئات أو أفراد أو غيرها‪ ،‬لذلك يتعين على أية جهة ترغب يف ذلك‪،‬‬
‫أن توج��ه طلبها الى الكاتب الع��ام للمجلس العلمي األعلى باعتباره مكلفا بتدبير‬
‫وتنس��يق العالق��ة بين المجل��س العلمي األعل��ى والهيئة المكلف��ة باإلفتاء‪ ،‬حيث‬
‫يصنف ه��ذه الطلبات حس��ب أهميتها وقيمته��ا‪ ،‬ونوعية القضايا الت��ي تتضمنها‪،‬‬
‫وه��ل تن��درج ضمن اإلختصاص��ات القانونية للهي��أة أم ال؟ ويف حال��ة تطابق هذا‬
‫الطل��ب م��ع المقتضيات القانونية المنص��وص عليها‪ ،‬يقوم الكاتب العام حس��ب‬
‫المادة السادس��ة عشر من النظام الداخلي للهيئة‪ ،‬بعرض كل طلب إفتاء توصل به‬
‫على المجلس العلمي األعلى‪ ،‬الذي يقوم بدراس��ته ثم الموافقة على إحالته على‬
‫الهيئة العلمية لإلفتاء من خالل منسقها‪.".‬‬
‫وتجب اإلشارة الى أنه للهيئة العلمية لإلفتاء نظام داخلي يبين كيفية االشتغال‬

‫ي��وم ‪ 25‬رمض��ان ‪ 1428‬ه��ت الموافق ل��ـ ‪ 8‬أكتوب��ر ‪ 2007‬م بف��اس‪ ،‬حي��ث ارتكز جواب‬
‫المجلس األعلى على أنه من الناحية الفقهية مفاده أن تدخل اإلمام يف مجال التش��ريع‬
‫يمت��د ال��ى ثالثة مجاالت على األق��ل‪ ،‬يتعلق األول فيما النص قطع��ي فيه‪ ،‬والثاين يف‬
‫الموضوع��ات الخالفية يف الفقه‪ ،‬والثالث يف مجال تحقيق المصلحة الحقيقية‪ ،‬واعترب‬
‫نفس الرد أنه إذا كان تحقيق المصلحة أمرا تتش��وف إليه الش��ريعة فإن " اإلمام األعظم‬
‫بم��ا له م��ن إلزاميية القرار‪ ،‬ومن قدرة على توجيه النظ��ر اإلجتهادي‪ ،‬يظل هو المؤهل‬
‫لتقني��ن ما يحقق المصالح الحقيقية‪ ،‬ويدرأ المفاس��د التي ترتاءى يف صورة مصالح "‪،‬‬
‫ف" للفقه اإلس�لامي ترتيب موضوعي لإلس��تحقاقات واألولويات حس��ب أهميتها‪،‬‬
‫فيم��ا ي��راه اإلمام ويجتهد في��ه‪ ،‬فيقدم منها م��اكان ضروريا‪ ،‬ويتلوه م��ا كان حاجيا‪ ،‬ثم‬
‫ماكان تحسينيا"‪.‬‬
‫‪-‬ينظ��ر تقري��ر الحال��ة الدينية يف المغ��رب ‪ ،2008-2007 :‬منش��ورات المرك��ز المغربي‬ ‫ ‬
‫للدراس��ات واألبح��اث المعاصرة‪ ،‬اإلص��دار األول ‪ ،‬الطبعة األول��ى ‪ ، 2009‬المطبعة‬
‫طوب بريس بالرباط‪ ،‬ص‪.142.‬‬
‫((( ‪ -27‬يراجع ذ‪.‬رشيد مقتدر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.56.‬‬

‫‪205‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫يف هذه الهيئة ويحدد يف المادة ‪ 12‬منه ش��عب البحث والدراس��ة التي تعينها على‬
‫البحث يف مختلف النوازل واألقضية وهي ثالث شعب كاآليت ‪:‬‬
‫‪ -‬شعبة البحث يف الفقه المالكي وأصوله‪،‬‬
‫‪ -‬شعبة البحث يف الفقه المقارن‪،‬‬
‫‪ -‬شعبة اإلجتهاد الفقهي المعاصر‪.‬‬

‫املطلب الثاين‪ :‬الأ�س�س االجتهادية يف فتاوى املجل�س العلمي الأعلى بعد �سنة ‪2004‬‬

‫إن اله��دف من إنش��اء الهيئة العلمي��ة المكلفة باإلفتاء‪ ،‬هو اإلرتقاء بمؤسس��ة‬
‫اإلفت��اء ونقله��ا من بعده��ا الفردي الذي قد اليس��لم م��ن المزاجي��ة والتجاذبات‬
‫الذاتية والعقدية والمذهبية‪ ،‬الى البعد المؤسسايت المنضبط والمعتمد على العمل‬
‫الجماع��ي المنظ��م والهادف‪ ،‬بمرجعيته الت��ي تحددها ثوابت األم��ة واختياراهتا‪،‬‬
‫التي أجمعت عليها ضمن مقاربة قائمة على الوس��طية واإلعتدال والمزاوجة بين‬
‫األصالة والمعاصرة‪.1‬‬

‫وأم��ا اإلفتاء يف القضايا ذات الطبيعة الش��خصية واليومي��ة للمواطنين فتتولى‬


‫المجالس العلمية المحلية اإلفتاء فيها عرب الخط األخضر‪ 2،‬أو عن طريق اإلتصال‬
‫المباش��ر بخلية اإلفتاء الموجودة بكل مجل��س من المجالس العلمية المحلية‪ ،‬أو‬
‫م��ن خالل اإلتص��ال بالف��روع التابعة للمجال��س العلمية‪ ،‬أو ع�بر دروس الوعظ‬
‫واإلرشاد أو الموقع اإللكرتوين لوزارة األوقاف‪.3‬‬

‫(( ( ‪ -‬يراجع ذ‪.‬رشيد مقتدر ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.54.‬‬


‫((( ‪ -29‬هو خط هاتفي متاح لعموم المواطنين قصد اإلستفسار‪.‬‬
‫((( ‪ -‬يراجع ذ‪.‬رش��يد مقتدر ‪ ،‬خطب إمارة المؤمنين يف الشأن الديني والنصوص القانونية‬
‫المنظمة للمؤسسة العلمية‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.54.‬‬

‫‪206‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫وقد س��جل تقرير الحالة الدينية يف المغرب‪ 1‬الس��ابق اإلش��ارة اليه يف الهامش‬
‫الس��ادس والعش��رون أن " مجال الفتوى بالمغرب عرف توجها جديدا بتأس��يس‬
‫الهيئة المكلفة باإلفتاء التابعة للمجلس العلمي األعلى وهي هيأة رس��مية مركزية‬
‫مكلف��ة بإصدار الفتاوى‪ ،‬إال أهنا تبقى قاص��رة على اإلجابة على القضايا الكربى‪،‬‬
‫أم��ا على المس��توى الميداين فقد س��جلت تجرب��ة الخط األخضر ال��ذي أطلق يف‬
‫ثم��ان مجالس علمية وهي وجدة‪ ،‬وفاس‪ ،‬وتطوان‪ ،‬والرباط‪ ،‬والبيضاء‪ ،‬ومراكش‬
‫وأكادير والعيون‪ ،‬وذلك يوم ‪ 7‬يوليوز ‪ 2003‬أحد مس��تجدات تيس��ير اإلستجابة‬
‫للطلب على الفتوى وخاصة منها العادية التي تتطلب اجتهادا‪...‬‬

‫أما على صعيد الفتوى ذات الخلفية االجتهادية‪ ،‬فقد أصدرت الهيئة المكلفة‬
‫باإلفتاء التابعة للمجلس العلمي األعلى عددا من الفتاوى سنتي ‪ 2007‬و ‪2008‬‬
‫والتي على قلتها تمكنت من خاللها من تعزيز موقعها كسلطة إفتاء مرجعية‪."...‬‬

‫وللتوقف عند بعض األس��س االجتهادي��ة المضمنة بفتاوى المجلس العلمي‬


‫األعلى ‪ ،‬سوف نتطرق الى ثالث نماذج كاآليت ‪:‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬فتوى حول مش��روعية اس��تخدام جه��از لرصد الكحول يف دم‬
‫السائقين‬
‫من المعلوم أن حوادث الس��ير بالمغرب تعرف معدالت جد مرتفعة‪ 2‬وذلك‬

‫(( ( ‪ -‬يراج��ع تقرير الحال��ة الدينية يف المغ��رب ‪ ،2008-2007 :‬منش��ورات المركز المغربي‬
‫للدراسات واألبحاث المعاصرة‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.83.‬‬
‫((( ‪ -‬ج��اء يف كلم��ة وزير العدل الس��ابق الراحل محم��د الطيب الناصري بمناس��بة افتتاح‬
‫الندوة الوطنية حول " مستجدات مدونة السير على الطرق" مايلي ‪... " :‬فقد بلغ عدد‬
‫حوادث الس��ير يف بالدنا خالل السنة المنصرمة ‪ 958.66‬حادثة سير ‪ ،‬خلفت ‪ 4024‬قتيل‬
‫و ‪ 743.102‬جري��ح‪ .‬إن ه��ذه األرقام لتدعو الى القلق‪ ،‬وتحث على التفكير إليجاد حل‬
‫لهذه المعظلة وما ينتج عنها من مآس اجتماعية‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫لعوامل عدة منها على سبيل المثال ال الحصر‪:‬‬


‫‪ -‬العامل البنيوي المرتبط أساسا بسوء البنية التحتية أو الشبكة الطرقية‪،‬‬
‫‪ -‬العامل التقني المرتبط بس��وء الحالة الميكانيكية للعربات الثقيلة والخفيفة‬
‫المعدة للتنقل‪،‬‬
‫‪ -‬والعامل البش��ري والمتمثل يف سوء س��لوك السائق ‪ ،‬الذي قد يكون معطل‬
‫العقل والجوارح بمخدر أو مسكر أوما شاهبهما‪.‬‬

‫ولق��د اتخ��ذت جمي��ع المب��ادرات الواقعي��ة التش��ريعية لف��رض الرقابة على‬


‫مستعملي الطرقات‪.‬‬

‫ويف ه��ذا الصدد وس��عيا من وزارة النقل والتجهيز يف تعزي��ز الرقابة المذكورة‬
‫أع�لاه وخصوصا على تلك الرقابة التي تس��تهدف العنصر البش��ري تقدمت هذه‬
‫األخيرة بس��ؤال لدى وزارة األوقاف والش��ؤون اإلسالمية حول مدى " استخدام‬
‫جهاز رصد تناول المسكرات عند السائقين"‪ .‬وعمدت الوزارة األخيرة الى إحالة‬
‫‪:1‬‬
‫السؤال على أنظار المجلس العلمي األعلى الذي أجاب عنه بمايلي‬

‫"‪ ...‬إن الس��ؤال المط��روح حول مش��روعية اس��تخدام الجه��از المعد لرصد‬
‫درج��ة تن��اول الكحول من طرف بعض الس��ائقين‪ ،‬واعتباره وس��يلة علمية حديثة‬
‫لثب��وت ذلك‪،‬ولكونه أصبح مجربا ومعموال به ل��دى بعض الدول‪ ،‬وأعطى نتائج‬

‫ومن هذا المنطلق تم إقرار مدونة السير على الطرق‪ .›"...،‬‬ ‫ ‬


‫‪-‬تنظ��ر مدونة الس��ير على الطرق مرفقة بمنش��ور لوزارة العدل ح��ول تطبيقها وبدليل‬ ‫ ‬
‫لمخالفات وجنح الس��ير يف ضوء مقتضياهتا‪ ،‬منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية‬
‫والقضائية ‪ ،‬سلسلة الشروح والدالئل ‪ ،‬شتنرب ‪ ،2010‬ص‪.6.‬‬
‫((( ‪ -‬تنظ��ر نص الفتوى ضمن كت��اب " فتاوى الهيئة العلمية المكلف��ة باإلفتاء مابين ‪2004‬‬
‫و‪،" 2012‬منشورات المجلس العلمي األعلى لعام ‪. 2012‬‬

‫‪208‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫ايجابي��ة‪ ،‬ف��إن الس��ادة العلماء الذين استش��ارهم الس��يد الكاتب الع��ام للمجلس‬
‫العلم��ي األعل��ى‪ ،‬قد أجمعوا على جواز اس��تعمال هذا الجهاز‪ ،‬م��ع التأكيد على‬
‫ضرورة التثبت من سالمته ودقته يف النتيجة‪ ،‬ومراعاة االطمئنان إلى من يعهد إليه‬
‫بذلك وأمانته وحسن‬

‫استخدامه بما ال يؤدي إلى أدنى ريب يف إثبات تعاطي المسكر عند من يخترب‬
‫بذلك الجهاز‪ ،‬وحتى ال يظلم أحد فيما ُينسب إليه من ارتكاب تعاطي المحظور‪،‬‬
‫ألن األمر يقتضي التحري والتثبت بجميع الوسائل الممكنة"‪.‬‬

‫يالح��ظ من خالل هذا الفتوى أن المجلس العلم��ي األعلى أعترب أنه ال مانع‬
‫ش��رعي من اس��تخدام جهاز لرصد الكحول يف دم الس��ائقين مادام وس��يلة علمية‬
‫مجرب��ة تمك��ن من التثبت من واقعة تن��اول الخمر من عدمه‪ .‬فه��ذه الفتوى تبتغي‬
‫الغاية من قياس نس��بة الكحول يف الدم وهي منع الس��ائق من القيادة يف هذه الحالة‬
‫لما يف ذلك من خطر على نفسه وعلى باقي الناس‪.‬‬

‫وقد عزز املجل�س موقفه ب�سندين �آخرين وهما‪: 1‬‬


‫أ‪ -‬موق��ف المجل��س العلم��ي المحلي بتطوان ال��ذي اعترب أن إثبات ش��رب‬
‫الخمر على الش��ارب تكون بكل الوس��ائل المؤدية إلى ذلك من شهادة أو رؤية أو‬
‫ش��م رائحة تنبعث من الشارب‪ ...‬لهذا فاستعمال الجهاز الخاص برصد الكحول‬
‫لدى السائقين يقوم مقام شم الرائحة المشروع‪،‬‬
‫موق��ف المجل��س العلمي المحل��ي بوجدة الذي اعترب أنه ‪... " :‬إذا كان ش��م‬
‫رائحة الخمر من فم ش��ارهبا يثبت به حكم الش��رب استوى يف كشف هذه الرائحة‬

‫((( ‪ -‬ينظر محضر اجتماع لجنة صياغة الرأي االستش��اري الفقهي بمقر المجلس العلمي‬
‫األعلى بالرباط حول اس��تخدام جهاز رصد تناول المسكرات عند السائقين بتاريخ‪30‬‬
‫شوال ‪ 1425‬الموافق لـ ‪13‬دجنرب ‪. 2004‬‬

‫‪209‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫حاس��ة الشم والجهاز المستعمل لرصد الكحول‪ ،‬ويبدو أن هذا الجهاز أكثر دقة‪،‬‬
‫لذلك فال مانع شرعا من استعماله‪.‬‬
‫واستعمال هذا الجهاز لرصد الكحول ليس فيه اعتداء على السائق وال مساس‬
‫بمروءته‪ ،‬إذ المس��تهدف ه��و المتناول للخمر خاصة ويتع��ذر معرفته تحديدا من‬
‫غير إخضاع الس��ائقين عامة لهذا الجهاز‪ .‬ثم إن يف اس��تعمال هذا الجهاز مصالح‬
‫ش��رعية كثيرة للس��ائقين وغيرهم‪ ،‬منها الحفاظ على ش��رف مهنة الس��ياقة وتقوية‬
‫الثقة بالس��ائقين‪ ،‬والمحافظة على أرواح مستعملي الطريق خصوصا بعد أن ثبت‬
‫أن كثيرا من حوادث الس��ير س��ببها الس��كر‪ ،‬وال يخفى أن الحفاظ على النفس من‬
‫الضرورات الشرعية التي يجب الحفاظ عليها‪.‬‬
‫وإذا كان بعض الفقهاء قد خالف يف إثبات الشرب بالشم لكون الرائحة ليست‬
‫دليال قاطعا على تناول الخمر إذ بعض المأكوالت قد تشبه رائحتها رائحة الخمر‬
‫مما ينهض ش��بهة يمتنع معها إقامة الحد‪ ،‬فإن هذه الشبهة تنتفي تماما يف استعمال‬
‫هذا الجهاز لدقة رصده لمادة الكحول‪.‬‬
‫ويظهر أن هذا الجهاز ال يمنع الس��ائق من الس��ياقة إال إذا كان قد تناول كمية‬
‫معين��ة من الكحول‪ ،‬وال يمنعه إذا تناول أقل منها‪ ،‬ونحن نرى أن الس��ائق إذا ثبت‬
‫تناوله للمادة المس��كرة س��واء كانت قليلة أو كثيرة ينبغي أن يمنع من الس��ياقة أو‬
‫يزجر على األقل‪ ،‬وذلك ألن الشريعة اإلسالمية ال تفرق بين قليل الخمر وكثيره‪،‬‬
‫فما أسكر كثيره فقليله حرام‪ ،‬كما ورد يف الحديث النبوي الشريف‪.‬‬
‫وبص��دد ه��ذه الفت��وى ‪ ،‬فإننا الحظن��ا تأثر التش��ريع المرتبط بمجال الس��ياقة‬
‫والسائقين والمتمثل يف مدونة السير على الطرق‪ 1‬هبذا االجتهاد حيث تم تضمينه‬

‫‪ -‬ينظ��ر الظهي��ر الش��ريف رقم ‪ 07.10.1‬الص��ادر بتاريخ ‪ 26‬من صف��ر ‪ 1431‬الموافق لـ‬ ‫((( ‬
‫‪ 11‬فرباي��ر ‪ 2010‬بتنفي��ذ القانون رقم ‪ 05.52‬المتعلق بمدونة الس��ير على الطرق‪ ،‬منش��ور‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5824‬الصادرة بتاريخ ‪ 8‬ربيع اآلخر ‪ 1431‬الموافق لت ‪ 25‬مارس‬
‫‪ ، 2010‬ص‪.2168.‬‬

‫‪210‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫يف القانون وذلك ألهميته وفعاليته العملية‪.‬‬

‫وهك��ذا جاء يف المادة ‪ 207‬من القانون رقم ‪ 52.05‬المتعلق بمدونة الس��ير‬


‫عل��ى الطرق مايل��ي ‪" :‬يمكن لضباط الش��رطة القضائية‪ ،‬إم��ا بتعليمات من وكيل‬
‫المل��ك وإما بمبادرة منهم‪ ،‬ويمكن لألعوان مح��رري المحاضر‪ ،‬بأمر من ضباط‬
‫الش��رطة القضائية وتحت مس��ؤوليتهم‪ ،‬أن يفرضوا رائزا للنفس بواسطة النفخ يف‬
‫جهاز للكشف عن مستوى تشبع الهواء المنبعث من الفم بالكحول‪:‬‬

‫‪ -1‬على كل من يفرتض أنه ارتكب حادثة س��ير أو اش�ترك يف حدوثها‪ ،‬حتى‬


‫ولوكان هو الضحية‪،‬‬

‫‪ -2‬على كل من يسوق مركبة أو مطية على الطريق العمومية ويرتكب مخالفة‬


‫لهذا القانون والنصوص الصادرة لتطبيقه‪.‬‬

‫غير أنه يمكن لضباط الش��رطة القضائية ولألع��وان محرري المحاضر‪ ،‬حتى‬
‫يف حالة عدم وجود أية عالمة على السكر البين‪ ،‬إخضاع أي شخص يسوق مركبة‬
‫لرائز للنفس للكشف من تشبع الهواء المنبعث من الفم بالكحول‪.‬‬

‫تطبق أحكام هذه المادة على كل مدرب يرافق السائق المتعلم‪.".‬‬

‫وق��د تم��ت اإلش��ادة بمضم��ون ه��ذه الم��ادة ‪ ،‬حي��ث اعتربها المستش��ارون‬


‫الربلماني��ون بمجل��س المستش��ارين بالمغرب مس��تجدا هاما يرم��ي الى إخضاع‬
‫الس��ائقين عن��د اإلقتضاء لرائز النفس للكش��ف عن مدى تش��بع اله��واء المنبعث‬
‫من الفم بالكحول‪ ،‬ألنه سيس��اهم يف التقليص من حوادث الس��ير التي يعد تناول‬
‫الكحول أثناء السياقة أحد أبرز مسبباهتا‪.1‬‬

‫((( ينظ��ر تقرير لجن��ة المالة والتجهي��زات والتخطيط والتنمي��ة الجهوية حول مش��روع قانون‬

‫‪211‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫ولكنه��م – أي المستش��ارون‪ -‬تقدم��وا باستفس��ارات حول ه��ذه النقطة من‬


‫قبيل‪:1‬‬

‫‪ -‬نطاق العمل هبذا اإلجراء‪ ،‬أي فيما إذا كانت المعاينة المتعلقة بإثبات تناول‬
‫الكحول تجري يف جميع األحوال أم فقط عندما تقع حادثة سير‪،‬‬

‫‪ -‬نسبة الكحول غير القانونية‪ ،‬أي فيما إذا كان المشرع يتضمن تحديدا لنسبة‬
‫الكح��ول المتناولة الت��ي ترتتب عن تجاوزها إث��ارة المس��ؤولية الموجبة للجزاء‬
‫الوارد يف مشروع المدونة‪.‬‬

‫وق��د أجاب وزي��ر التجهيز والنقل‪ 2‬موضح��ا "أن عملية معاينة حالة الس��ياقة‬
‫تح��ت تأثي��ر الكحول هي عبارة ع��ن مراقبة استكش��افية‪ ،‬حي��ث إذا مكن الجهاز‬
‫المس��تعمل من افرتاض وجود نس��بة الكحول التي ستعمل على تحديدها اإلدارة‬
‫التنظيمي��ة‪ ،‬يتم مرافقة الش��خص الى أقرب مركز للش��رطة‪ ،‬ليخضع للفحوصات‬
‫الطبية والسريرية والبيولوجية‪ ،‬مذكرا بأن المخالف يبقى محتفظا بحقه يف المطالبة‬

‫رقم ‪ 05.52‬يتعلق بمدونة الس��ير على الطرق‪ ،‬مجلس المستش��ارين‪ ،‬األمانة العامة‪ ،‬قس��م‬
‫اللجان‪ ،‬الوالية التش��ريعية ‪ ،2015-2006‬الس��نة التش��ريعية ‪ ،2010-2009‬دورة أكتوبر‬
‫‪ ،2009‬ص‪.115.‬‬
‫(( ( ينظر تقرير لجنة المالة والتجهيزات والتخطيط والتنمية الجهوية حول مش��روع قانون‬
‫رقم ‪ 05.52‬يتعلق بمدونة السير على الطرق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.116.‬‬
‫(( ( نظ��ر تقرير لجنة المالة والتجهيزات والتخطيط والتنمية الجهوية حول مش��روع قانون‬
‫رقم ‪ 52.05‬يتعلق بمدونة السير على الطرق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪116.‬و‪.117‬‬
‫‪ -‬تنظ��ر مجموعة من التس��اؤالت التي تثيرها المادة ‪ 207‬عند ذ‪.‬رش��يد حوبابي‪ :‬قراءة‬ ‫ ‬
‫يف بعض مس��تجدات المدونة الجديدة للس��ير من خالل ما تطرح��ه قراءهتا األولية من‬
‫إشكاليات‪ ،‬سلس��لة الموائد المستديرة بمحكمة اإلس��تئناف بالرباط‪ ،‬أشغال المائدة‬
‫المس��تديرة األولى بتاريخ فاتح ش��تنرب ‪ 2010‬ح��ول "آفاق الس�لامة الطرقية على ضوء‬
‫مدونة السير الجديدة"‪ ،‬مطبعة األمنية بالرباط‪ ،‬ص‪.56.‬‬

‫‪212‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫بخربة طبية مضادة‪".‬‬


‫الفقرة الثانية‪ :‬فتوى بجواز إيصاء اإلنس��ان يف حياته بالتربع بقرنية عينه لفائدة‬
‫نقلها منه حين وفاته وزرعها يف عين إنس��ان آخر ليس��تعيد هبا س�لامة نظره وعافية‬
‫بصره‬
‫تقدم��ت "الجمعي��ة المغربي��ة لجراح��ة قرني��ة العين والمي��اه البيض��اء وزرع‬
‫العدس��ات" والتي يوجد مقرها بمدينة الدار البيضاء‪ ،‬يلتمس اس��تصدار فتوى من‬
‫المجلس العلمي األعلى حول بيان حكم ش��رع اإلسالم يف الوصية بالتربع بقرنية‬
‫العي��ن يف الحي��اة‪ ،‬وأخذها من المتربع حي��ن وفاته لفائدة زرعها يف عين ش��خص‬
‫آخ��ر‪ ،‬وم��ا إذا كان يف تربعه هبا حينئذ أجر وثواب عن��د اهلل تعالى‪ ،‬ويدخل يف باب‬
‫الصدقة الجارية أم ال‪.‬‬

‫لقد أجاب المجلس العلمي األعلى على هذا التس��اؤل باإليجاب حيث جوز‬
‫ذلك بمربرات شرعية عدة منها‪:‬‬

‫‪ -‬اعتبار هذا التربع نوعا من فعل الخير والتعاون عليه ويندرج يف إطار تنفيس‬
‫الكربة عن المؤمن‪ ،‬وتخفيف الشدة والضائقة عن اإلنسان المكروب يف مثل هذه‬
‫الحال ويف غيرها من األحوال وينـدرج هذا العمل كذلك يف باب اإلحسان‪ ،‬وكذا‬
‫يف باب الصدقة الجارية التي يس��تمر للمتصدق هبا يف حياته ثواهبا وأجرها عند اهلل‬
‫بعد مماته‪،‬‬
‫‪ -‬إن عملي��ة أخ��ذ قرنية العين من إنس��ان متوىف‪ ،‬أذن به وأوص��ى به يف حياته‪،‬‬
‫تطوع��ا وتربعا من��ه لفائدة زرعها بعد مماته يف عين إنس��ان آخر‪ ،‬محتاج إليها غاية‬
‫االحتياج يف اس��تعادة س�لامة نظره وعافية بصره‪ ،‬تعد يف حد ذاهت��ا وهدفها النبيل‬
‫من وجهة المنظور الش��رعي‪ ،‬ويف نظر واجتهاد بعض المجامع الفقهية اإلسالمية‬
‫والعلم��اء المعاصري��ن‪ ،‬عملية طبية إنس��ـانية‪ ،‬ووس��يلة عالجية إنقاذي��ة لمن كان‬

‫‪213‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫مصاب��ا بآف��ة ضعف النظر‪ ،‬أو ُم َع َّرضا لفقد حاس��ة البصر التي هي من أكرب نعم اهلل‬
‫والمساع ِ‬
‫دة له على القيام‬ ‫ِ‬ ‫على اإلنسان ومن الحواس الظاهرة األساسية يف حياته‪،‬‬
‫بمختلف األعمال يف أحسن وجه وأيسر حال‪.‬‬
‫وهي بذلك تعترب نوعا من اإلحياء النفس��ي والمعنوي لإلنسان بالحفاظ على‬
‫حياته وصحته‪ ،‬وعالجِ عضو من أعضاء جسمـه وبدنه‪.‬‬
‫كما تندرج هذه العملية يف مبدأ اليسر ورفع الحرج عن الناس يف بعض األمور‬
‫واألحوال جاء به دين اإلسالم‪.‬‬

‫كم��ا تعترب ه��ذه العملية (عملي�� ُة زرع القرنية يف عين الغي��ر) يف نظر أكثر الفقه‬
‫المعاصر نوعا من التداوي المش��روع لكل األمراض العارضة لإلنسان‪ ،‬والعالج‬ ‫ِ‬
‫الممك��ن والمطلوب لكل اآلفات والعاهات الطارئة له يف جس��مه وبدنه‪ ،‬والذي‬
‫أصب��ح اآلن ممكنا أكثر من َأي زمن مضى‪ ،‬بحكم التطور والتقدم الذي بلغه علم‬
‫الطب يف الوقت الحاضر‪،‬‬

‫‪-‬هناك ش��روط ش��رعية‪ ،‬وجوانب إنس��انية ينضبط هب��ا هذا الن��وع من التربع‬
‫والعملي��ة الطبية واإلنس��انية المفي��دة‪ ،‬نص عليه��ا الفقهاء المعاص��رون‪ ،‬وتجب‬
‫مراعاهتا واس��تحضارها عند ذلك لتكون وفق منظور اإلس�لام ومقبولة يف شرعه‪،‬‬
‫ويتحقق هبا للمتربع حسن مراده وقصده‪ ،‬وهي تتجلى فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬بالنسبة للمتربع‪ :‬ينبغي أن يكون تربعه مجانيا‪ ،‬دون أخذ عوض أو مقابل‪،‬‬
‫وناوي��ا به وجه اهلل تعالى‪ ،‬وادخ��ار مثوبته للحياة األخرى‪ ،‬وقاصدا به نفع الغير يف‬
‫الدنيا‪.‬‬

‫ذلك أن جميع أعضاء جس��م اإلنس��ان وسائر أنس��جة بدنه ليست سلعة مادية‬
‫تباع و ُتشرتى‪ ،‬ويتصرف فيها المرء كما يحلو له ويريد‪ ،‬وإنما هي كلها مخلوقة هلل‬

‫‪214‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫تعالى وملك له س��بحانه‪ ،‬وم ْك ُر َمة عنده‪ ،‬ونعمة منه ومنة على اإلنس��ان‪َّ ،‬‬
‫يسرها له‬
‫وكرمه ومتعه هبا ليحافظ عليها يف حياته‪ ،‬ويتنفع هبا يف نفسه‪ ،‬ويتمكن‬ ‫وس��خـَّرها‪َّ ،‬‬
‫هبا من أداء رسالته المنوطة به يف أمور دينه ودنياه؛‬

‫‪ -2‬وبالنسبة للقيام بإجراء هذه العملية‪ ،‬ينبغي أن تكون هناك مصلحة محققة‬
‫يقينا‪ ،‬أو تغليب للظن ورجحانه‪ ،‬الذي يعتربه الفقه اإلسالمي يف عديد من األمور‬
‫واألحوال بمثابة اليقين المتأكد؛‬

‫‪ -3‬أن يق��ع التثبت والتأكد يقينا كذلك أو تغليبا للنظر بنجاح العملية وإفادهتا‬
‫للمتربع عليها بالقرنية‪ ،‬وقابلية عينه لها‪ ،‬باعتبارها نس��يجا جديدا يدخل جس��مه‪،‬‬
‫حتى ال تكون النتيجة عكسية‪.‬‬

‫وق��د الحظنا أن ه��ذه الفتوى أوردت أس��انيدها الش��رعية والعلمي��ة المربرة‬


‫لتبني موقف الجواز من عدمه‪ ،‬كما انفتحت على فتوى يف هذا الصدد صادرة عن‬
‫الدورة الثامنة لمجلس المجمع الفقهي اإلسالمي بالمملكة العربية السعودية عام‬
‫‪ 1405‬هـ بشأن موضوع زراعة األعضاء‪ 1‬والتي اعتربت أن أخذ العضو من إنسان‬
‫ميت إلنقاذ إنس��ان آخر مضطر إليه أمر جائز‪ ،‬بش��رط أن يكون المأخوذ منه مكلفا‬
‫وقد أذن بذلك حالة حياته‪.‬‬

‫وق��د أجازت الفتوى الص��ادرة عن المجمع الفقهي المذك��ور أخذ عضو من‬
‫جس��م إنس��ان ح��ي‪ ،‬وزرعه يف جس��م إنس��ان آلخر مضطر إلي��ه إلنق��اذ حياته‪ ،‬أو‬
‫إلس��تعادة وظيفة من وظائف أعضائه األساسية هو عمل جائز اليتناىف مع الكرامة‬
‫اإلنس��انية بالنس��بة للمأخوذ منه‪ ،‬كما أن فيه مصلحة كبي��رة وإعانة خيرة للمزروع‬

‫‪ -‬تنظر مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي ‪ ،‬العدد العاشر ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1426‬هت ‪2005‬‬ ‫((( ‬
‫م ‪ ،‬ص‪ 329.‬ومابعدها‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫فيه‪ ،‬وهو عمل مشروع وحميد‪.1‬‬

‫الفقرة الثالثة‪ :‬فتوى حول و�ضع املر�أة يف نظام �أرا�ضي اجلماعات ال�ساللية‬
‫عمدت وزارة الداخلية بالمغرب الى اس��تصدار فت��وى من المجلس العلمي‬
‫األعلى حول وضع المرأة داخل الجماعات الس�لالية‪ ،2‬وحرماهنا االس��تفادة من‬

‫(( ( ‪ -‬ينظر القرار األول الصادر عن الدورة الثامنة لمجلس المجمع الفقهي المنعقدة عام‬
‫‪ 1405‬هت بش��أن موضوع زراع��ة األعضاء ‪ ،‬مجلة المجمع الفقهي اإلس�لامي‪ ،‬العدد‬
‫العاشر ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‪ 329.‬و ‪.330‬‬
‫تنظ��ر مجموعة من الفتاوى ذات الصلة بنقل قرينة العين من ميت إلفادة الحي أوردها‬ ‫ ‬
‫الدكتور يوسف القرضاوي‪ :‬زراعة األعضاء يف ضوء الشريعة اإلسالمية‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪ ،2011‬الناشر دار الشروق بالقاهرة‪ ،‬ص‪ 35.‬ومابعدها‪.‬‬
‫يف هذا الصدد البد من اإلشارة الى أن الشيخ عبد الرحمان بن ناصر السعدي عضو هيئة كبار‬ ‫ ‬
‫العلماء بالسعودية كان سباقا يف إثارة هذه المسألة ‪ .‬حيث أجاب قبل سنة ‪ 1952‬بجواز نقل‬
‫عضو من جس��د بش��ري الى آخر‪ ،‬ودعم ما ذهب إليه بأن الضرر منعدم بالنس��بة للمنزوع منه‬
‫العض��و‪ ،‬وإن هذا العمل جار على أصل اإلس�لام يف الرتاحم والتعاط��ف والحث على إنقاذ‬
‫النفوس من الهالك‪.‬‬
‫أبح��اث هيئة كبار العلم��اء بالمملكة العربية الس��عودية‪ ،‬المجلة ‪ ،2‬ص‪ 60.‬أش��ار الى ذلك‬ ‫ ‬
‫د‪.‬مصطفى بن حمزة ‪ :‬بحوث فقهية‪ ،‬الناشر دار األمان للنشر والتوزيع بالرباط‪ ،‬ص‪.328.‬‬
‫للمزي��د م��ن التفاصي��ل ينظر أيض��ا محمد ش��هيب‪ :‬اإلط��ار القانوين لألعم��ال الطبية‬ ‫ ‬
‫الحديثة‪ ،‬دراس��ة مقارن��ة‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه يف الحقوق‪ ،‬الس��نة الجامعية ‪-2006‬‬
‫‪ ،2007‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية بوجدة‪.‬‬
‫(( ( ‪ -‬تنظ��ر الفتوى منش��ورة بسلس��لة أم�لاك الدولة‪ ،‬الع��دد األول‪ ،‬الس��نة األولى‪،2012 ،‬‬
‫منشورات مجلة الحقوق المغربية‪ ،‬ص‪ 311.‬وما بعدها‪.‬‬
‫وهي منش��ورة أيضا بمجلة عطاء‪ :‬مجلة العالمات والواعظات والمرش��دات يصدرها‬ ‫ ‬
‫المجل��س العلم��ي األعل��ى‪ ،‬الع��دد األول‪ ،‬ذو القع��دة ‪ 1432‬هـ‪/‬أكتوب��ر ‪ ،2001‬ص‪36.‬‬

‫ومابعدها‪.‬‬
‫والواقع أن هذه الفتوى جسدت معنى "الحق يف المساواة" بين الرجل والمرأة‪.‬‬ ‫ ‬
‫ينظ��ر يف تفاصي��ل ه��ذه الفكرة محمد س��عدي‪ :‬حقوق اإلنس��ان‪ :‬األس��س‪-‬المفاهيم‬ ‫ ‬
‫والمؤسسات‪ ،‬مطبعة آنفو برانت بفاس‪ ،‬بدون ذكر الطبعة ودار النشر‪ ،‬ص‪.62.‬‬

‫‪216‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫التعويضات المادية التي يستفيدها الرجل إثر العمليات العقارية التي تجرى على‬
‫بعض األراضي الجماعية‪.1‬‬

‫(( ( ‪ -‬األم�لاك الجماعي��ة هي األراض��ي وما عليها م��ن نباتات التي تمتلكه��ا الجماعات‬
‫بالب��وادي ويخضع التصرف فيه��ا الى قواعد محدودة يف الظهائر الصادرة بش��أهنا تبعا‬
‫لألعراف المحلية أو للقواعد التي اس��تحدثتها تلك النصوص مراعاة لعادات القبائل‬
‫الموج��ودة هب��ا‪ ،‬حيث كانت كل قبيلة يف ما مضى هبا جماع��ات تمتلك تلك األراضي‬
‫ومساحات شاسعة تديرها وتستغلها على شكل جماعي بواسطة اإلشرتاك يف اإلنتفاع‬
‫هب��ا بالرعي أو الحرث أو الكراء ‪ ،‬ولما تغيرت وضعي��ة الجماعات تغيرت تبعا لذلك‬
‫طريقة تدبيرها لتلك األراضي نس��بيا‪ ،‬خاصة بعد صدور الظهير المتعلق هبا س��نة ‪1919‬‬

‫وماتاله من تغييرات وتعديالت بحسب السبب الداعي الى ذلك التغيير أو التعديل‪.‬‬
‫ينظر جواد الهروس‪ :‬الحيازة واإلستحقاق يف الفه المالكي والتشريع المغربي‪ ،‬دراسة‬ ‫ ‬
‫فقهية‪-‬قانوني��ة مع��ززة بنصوص وفت��اوى فقهية وم��واد قانونية واجته��ادات قضائية‪،‬‬
‫الطبع��ة األولى ‪1430‬هت ‪ 2009/‬م ‪ ،‬مطبعة الكرامة بالرباط‪ ،‬الناش��ر مكتبة دار الس�لام‬
‫بالرباط‪،‬ص‪.220.‬‬
‫كم��ا جاء يف تعريف آخر كون "األراض��ي الجماعية هي األراضي التي تملكها بصفة جماعية‬ ‫ ‬
‫مجموع��ة م��ن الس��كان المنتمين ألص��ل واح��د أو س�لالة واحدة‪.‬ويرجع أص��ل األراضي‬
‫الجماعي��ة الى عصور ج��د قديمة‪ ،‬إذ كانت ظروف األمن والعيش تلزم القبائل باإلس��تغالل‬
‫المشرتك والجماعي لمواردها‪.".‬‬
‫ينظر يف هذا التعريف ذ‪.‬بنيونس الدحماين‪ :‬اإلطار القانوين المنظم ألراضي الجموع ‪:‬‬ ‫ ‬
‫الرصيد العقاري‪-‬التدبير والتسيير‪ ،‬سلسلة "األنظمة والمنازعات العقارية" ‪ ،‬اإلصدار‬
‫األول ح��ول أراضي الجماعات الس�لالية بالمغرب ‪ ،‬يناي��ر ‪ ، 2010‬الطبعة الثانية ‪،2012‬‬
‫مطبعة المعارف الجديدة بالرباط ‪ ،‬الناشر دار اآلفاق المغربية بالدار البيضاء‪ ،‬ص‪.47.‬‬
‫ينظر أيضا يف تعريف األراضي الجماعية ‪ :‬‬ ‫ ‬
‫‪ -‬عبد الوهاب رافع ‪ :‬أراضي الجموع بين التنظيم والوصاية‪ ،‬سلسلة المكتبة القانونية‬ ‫ ‬
‫المعاص��رة ‪ ،‬رق��م ‪ ، 2‬المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش‪ ،‬الناش��ر مكتب��ة المنارة كتب‬
‫بمراكش‪ ،‬ص‪،15.‬‬
‫‪ -‬محمد السهل‪ :‬األراضي الجماعية واإلستثمار‪ ،‬مداخلة ضمن أشغال اليوم الدراسي‬ ‫ ‬
‫المنظ��م من طرف عمالة إقليم الحوز والمكتب الجهوي لإلس��تثمار الفالحي للحوز‬
‫بتعاون مع مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش بتاريخ‬

‫‪217‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫وقد عمدت الوزارة بعد صدور هذه الفتوى الى إصدار منش��ور مؤرخ يف ‪25‬‬
‫أكتوبر ‪" 2010‬‬

‫اس��تهل وزير الداخلية بصفته وصيا على الجماعات الس�لالية هذا المنش��ور‬
‫بالتذكي��ر بمعطي��ات خربها كل المغاربة والس��يما النس��اء‪ ،‬والمتمثلة يف اإلقصاء‬
‫الممنه��ج للنس��اء الس�لاليات من تدبي��ر وتس��يير األراضي الجماعية واس��تحواذ‬
‫الذك��ور على الثمار المدنية الناجمة ع��ن تفويت حق الرقبة أو حق المنفعة ‪ ،‬ضدا‬
‫على الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫وحسب منطوق هذا المنشور فإن اإلقصاء نابع من تصرفات نواب الجماعات‬
‫الس�لالية‪ ،‬الذي��ن يعمدون خ�لال إعداد لوائ��ح ذوي الحقوق المس��تفيدين على‬
‫حصرها يف جنس الذكور‪ ،‬استنادا إلى عادات وتقاليد قديمة‪.‬‬

‫ويس��تطرد المنش��ور بأن هذا التصرف ال يتماش��ى والش��ريعة اإلسالمية التي‬


‫س��وت بين الرجال والنس��اء يف الحقوق المالية ‪ ،‬ويخرج كذلك عن التطور الذي‬
‫عرفه المغرب يف مجال حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫وكحل لهذه المعضلة ترى وزارة الداخلية بأنه أصبح من الالزم تغيير القواعد‬
‫الجاري هبا العمل حاليا على صعيد الجماعات الساللية وذلك بتمكين النساء من‬
‫العائ��دات المادية والعينية التي تحصل عليها هذه الجماعات بمناس��بة التفويتات‬

‫‪ 19‬يونيو ‪ 2003‬حول موضوع "العقار واإلستثمار"‪ ،‬المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش‪،‬‬


‫الناش��ر مركز الدراس��ات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحق��وق بمراكش وعمالة‬
‫إقليم الحوز‪ ،‬ص‪.71.‬‬
‫تج��در اإلش��ارة الى أن ه��ذه األراضي تس��مى أيضا أراض��ي الجموع وأراض��ي الجماعات‬ ‫ ‬
‫الساللية و أراضي القبائل‪...‬‬

‫‪218‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫‪1‬‬
‫واألكرية التي تنصب على األراضي الجماعية‪".‬‬

‫وقد خلص المجلس العلمي األعلى يف فتواه الى أنه المانع من استفادة المرأة‬
‫من التعويضات المادية التي يس��تفيدها الرج��ل إثر العمليات العقارية التي تجرى‬
‫على بعض األراضي الجماعية وذلك للمربرات الشرعية والموضوعية التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬عمومات نصوص الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫أ‪ -‬عم��وم قوله تعال��ى‪﴿ :‬للرجال نصيب مما اكتس��بوا‪ ،‬وللنس��اء نصيب مما‬
‫اكتسبن﴾ (سورة النساء‪)32/‬‬

‫ب‪ -‬عموم قول النبي صلى اهلل عليه وسلم‪﴿ :‬النساء شقائق الرجال﴾ (أي يف‬
‫األحكام الشرعية العامة‪ ،‬إال ما خص به الشرع أحد الجنسين)‪.‬‬

‫ج‪ -‬عموم قوله ﷺلمن جاء يستشهده من بعض الصحابة على عطية أعطاها‬
‫ولدك نحلت��ه"‪( ،‬أي هل أعطي��ت عطية لجميع‬ ‫ألح��د أوالده دون بقيته��م‪" :‬أك َُّل ِ‬
‫أوالدك؟) فأنك��ر علي��ه تخصيص أح��د أوالده هب��ا دون األوالد اآلخرين‪ ،‬ذكورا‬
‫كانوا أم إناثا‪ ،‬ولم يقبل أن يشهد عليها‪.‬‬

‫‪ -2‬حين برزت يف المجتمعات اإلسالمية ظاهرة حرمان البنات من التربعات‬


‫بعطايا الهبات وغيرها‪ ،‬كان ذلك انحرافا عن منهج الش��ريعة اإلسالمية يف تحقيق‬
‫الع��دل الذي جاءت به وأقرته من أحكامها‪ ،‬فتصدى العلماء لهذه الظاهرة‪ ،‬وبينوا‬
‫مخالفتها للشرع اإلسالمي الحكيم‪.‬‬

‫((( ‪ -‬ينظ��ر د‪.‬العرب��ي مي��اد ‪ :‬منع النس��اء الس�لاليات من عائ��دات األراض��ي الجماعية‪،‬‬
‫سلس��لة "األنظمة والمنازعات العقارية"‪ ،‬اإلص��دار الثالث حول القواعد الموضوعية‬
‫والش��كلية يف مس��اطر المنازعات العقارية‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬يناير ‪ ،2012‬منشورات مجلة‬
‫الحقوق المغربية‪ ،‬ص‪ 71.‬ومابعدها‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫وكانت عائش��ة زوج النبي صلى اهلل عليه وس��لم‪ ،‬ورضي اهلل عنها وعن سائر‬
‫أمه��ات المومني��ن‪ ،‬يف مقدمة من أنكر حرمان اإلناث م��ن تربعات اآلباء‪ ،‬وكانت‬
‫ترى يف إخراج النساء من العطاء واستثنائهم منه‪ ،‬أنه فعل من أفعال الجاهلية‪ ،‬وهو‬
‫ما كان يراه اإلمام مالك رحمه اهلل‪.‬‬

‫وأن عمـ��ر ب��ن عبد العزي��ز رضي اهلل عنه م��ات حين مات‪ ،‬وه��و يريد أن يرد‬
‫صدقات الناس‪ ،‬التي أخـرجوا منها النس��اء‪ ،‬كما ج��اء ذكر ذلك والتنصيص عليه‬
‫يف المدونة‪.‬‬

‫‪ -3‬تغير العرف الذي بني عليه يف الجماعات الس�لالية قصر االس��تفادة على‬
‫الرجال وتخصيصهم هبا دون المرأة‪ ،‬على اعتبار أن الرجل كان مصدر الحماية يف‬
‫القبيلة والرعاية يف العشيرة‪ ،‬وغير ذلك من الذرائع العرفية‪ ،‬التي إن صحت وكانت‬
‫مقبولة فيما مضى من الزمان‪ ،‬فإهنا لم تعد اليوم واقعا يمكن قبوله واالستناد إليه‪،‬‬
‫فق��د زال ه��ذا العرف وصارت الدولة بقوانينها ومؤسس��اهتا ه��ي الحامية للقبائل‬
‫والعش��ائر‪ ،‬والراعية لش��ؤوهنا وش��ؤون غيرها م��ن مكونـات المجتم��ع المغربي‬
‫وعنـاص��ره الحضري��ة والقروية المتـماس��كة‪ ،‬وم��ن المعلوم أن الحكم الش��رعي‬
‫المبني على عرف‪ ،‬يتغير بتغيره كما هو مقرر عند الفقهاء‪.‬‬

‫‪ -4‬القاع��دة االس��تصحابية‪ :‬أن األصل المس��اواة بين الرجال والنس��اء فيما‬


‫بينهم‪ ،‬وبين الرجال فيما بينهم‪ ،‬وبين النس��اء فيما بينهم‪ ،‬حتى يثبت دليل بخالف‬
‫ذلك‪ ،‬وليس هناك دليل يف تخصيص الرجال باالس��تفادة دون النس��اء من أراضي‬
‫الجموع‪.‬‬
‫‪ -5‬المتتبع لنقل الحقوق المالية يف الش��ريعة اإلسالمية يجد أهنا لم تفرق بين‬
‫الرجال والنس��اء يف هذا النقل‪ ،‬وأهنا كما أجازت وش��رعت نقلها للرجال شرعت‬

‫‪220‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫ذلك للنس��اء أيضا‪ ،‬كما هو الح��ال يف اإلرث والوقف والهبة والش��فعة والعمرى‬
‫والرقبى‪ ،‬وغير ذلك من وجوه الحقوق المالية وتناقلها من السلف إلى الخلف‪.‬‬
‫‪ -6‬دلت نصوص الش��ريعة يف عموماهتا على أن إحياء األرض الموات (التي‬
‫ال مالك لها) وذلك بالقيام باستصالحها وخدمتها أو االنتفاع بمنتوجها)‪ ،‬يوجب‬
‫تملكها للرجال والنساء معا‪ ،‬ولم تخص يف ذلك الرجال دون النساء‪.‬‬
‫واألصل فيه من الوجهة الش��رعية الحدي��ث الصحيح عند اإلمام البخاري أن‬
‫النبي ﷺقال‪":‬من أحيى أرضا ميتة فهي له"‪ ،‬وقال‪":‬من أعمر أرضا ليس��ت ألحد‬
‫فهو أحق هبا"‪.‬‬
‫‪ -7‬قيام الحاجة إلى إش��راك النس��اء يف االس��تفادة من منفعة أراضي الجموع‬
‫ومنتوجها الفالحي باعتبارها من األسرة ومندمجة يف الجماعة أثناء االنتفاع بتلك‬
‫األراضي واستغاللها الزراعي‪ ،‬ومن التعويضات والعائدات المالية حين حصول‬
‫شيء من البيع والتفويت فيها‪ ،‬ألن منهن المعيالت ألصولهن وفروعهن وغيرهم‬
‫م��ن قرابته��ن وذويهن‪ ،‬فضال عن اس��توائهن م��ن الرجال يف العم��ل وبذل الجهد‬
‫وخدمة العشيرة والقرابة‪ ،‬وقد تفوق بعض النساء الرجال يف ذلك‪.‬‬

‫فيكون ما تستحقه المرأة من ذلك وتستفيده بمثابة األجر على ما قامت به من‬
‫عمل غير مطلوب منها ش��رعا لفائدة األس��رة‪ ،‬وبذلته من مجهود بدين إلى جانب‬
‫الرجل إلعانته على تقوية اإلنتاج الفالحي ومضاعفة محصوله الزراعي‪ ،‬أو جنيه‬
‫حين اإلنتاج والنضج‪ ،‬مما يصطلح عليه فقها بعبارة "الكد والس��عاية"‪ ،‬ويعترب من‬
‫قبي��ل العوض المادي ع��ن ذلك‪ ،‬كما يراه بعض فقهاء المغرب يف ش��أن من يقوم‬
‫بمثل تلك األعمال من نساء البادية‪ ،‬ال من قبيل اإلرث والتوارث الشرعي‪ ،‬الذي‬
‫له أس��بابه وأحكامه الش��رعية الخاصة به‪ ،‬كما هي مفصلة يف كتاب اهلل وس��نة نبيه‪،‬‬
‫وأجمع عليها العلماء الفقهاء سلفا وخلفا‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫وقد نصت مدونة األس��رة يف المادة (‪ )49‬على أن��ه‪":‬إذا لك يكن هناك اتفاق‬
‫(أي بين الزوجين يف تدبير أموالهما التي تكتسب أثناء قيام الحياة الزوجية) فيرجع‬
‫للقواع��د العـامة لإلثبات‪ ،‬مع مراعـاة عمل كل واحد من الـزوجين‪ ،‬وما قدمه من‬
‫مجهودات‪ ،‬وما تحمله من أعباء لتنمية األسرة‪.‬‬
‫وخالصة الرأي الفقهي بش��أن وضع المرأة يف الجماعات الساللية‪ ،‬ومطلب‬
‫استفادهتا من بعض المكاسب المادية واالجتماعية التي يستفيدها الرجل داخلها‪.‬‬
‫استنادا لكل ما تقدم من األحكام الشرعية والقواعد الفقهية العامة‪ ،‬واإلشارة‬
‫إلى الظهائر الشريفة المتعلقة بالموضوع‪ ،‬والمنظمة لتفاصيل أحكامه؛‬
‫فإن الرأي الفقهي الذي خلص إليه المجلس ويراه هو أن مسألة حرمان المرأة‬
‫من بعض الحقوق المالية والمكاس��ب االجتماعي��ة يف مثل هذه الحال‪ ،‬هي حال‬
‫كان عليه��ا أه��ل الجاهلية قبل اإلس�لام‪ ،‬فجاء الدين اإلس�لامي الحنيف بتكريم‬
‫الم��رأة وإنصافـها‪ ،‬وتمتيعها بالحقوق المالية التي ش��رعها له��ا‪ ،‬بدءا من حقها يف‬
‫اإلرث م��ن قريبه��ا المتوىف‪ ،‬وفق القس��مة الش��رعية‪ ،‬ويف غير ذلك م��ن الحقوق‬
‫األخ��رى‪ .‬فأبطل اإلس�لام تل��ك األعراف والعوائ��د التي كانت تح��رم المرأة من‬
‫حقوقها اإلنسانية وتعتربها إنسانا ناقص األهلية‪ ،‬وحسم يف األمر وأنصف المرأة‪،‬‬
‫وأعطاها حقوقها المش��روعـة على التفصيل المبين يف كتـاب اهلل تعالى وس��نة نبيه‬
‫المصطفى وكالم السلف الصالح من أئمة العلماء الفقهاء سلفا وخلفا‪.‬‬
‫وأنه لكل ذلك من حق المرأة يف الجماعات الس�لالية أن تس��تفيد كما يستفيد‬
‫الرج��ل من االنتف��اع باألراض��ي الجماعية ومنتوجه��ا داخل األس��رة والجماعة‪،‬‬
‫خالل حصول االنتفاع هبا‪ ،‬ومن كل تقس��يم للمنفعة إذا حصل تقس��يم فيها‪ ،‬ومن‬
‫العائ��دات المالية التي تحصل عليها الجماعة إث��ر العمليات العقارية التي تجري‬
‫عل��ى األراضي الجماعية‪( ،‬علما بأن ظهير ‪ 12‬رمضان ‪ 6( 1382‬فرباير ‪)1963‬‬

‫‪222‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫ينص على أن األراضي الجماعية غير قابلة للتقادم وال للتفويت والحجز)‪.‬‬
‫وأن يك��ون ذلك بمعايي��ر عادلة‪ ،‬يتبين على أساس��ها من يك��ون جديرا بتلك‬
‫االس��تفادة وأحق هبا‪ ،‬وتعطي لكل ذي حق حقه يف اطمئنان من رجال ونساء تلك‬
‫الجماعات‪ ،‬إنصافا للمرأة يف مثل هذه األحول من المكاسب المادية والعطاءات‬
‫االجتماعي��ة والتربعية‪ ،‬بناء على تل��ك المعايير الموضوعي��ة المنصفة‪ ،‬وتـحقيقا‬
‫للعدل التي جاء هبا ش��رع اإلسـالم‪ ،‬وجعلـه من أسس وتجليات تكريم اإلنـسان‪،‬‬
‫رجال كان أو إمرأة‪ ،‬والمأمور به يف عموم قول اهلل تعالى‪﴿ :‬يا أيها الذين آمنوا كونوا‬
‫قوامين هلل شهـداء بالقسط﴾‪﴿ ،‬وال يجرمنكم شـنآن قوم على أال تعـدلوا‪ ،‬إعدلوا‬
‫هو أقرب للتقوى‪ ،‬واتقوا اهلل‪ ،‬إن اهلل خبير بما تعملون﴾ (سورة المائدة‪.)8:‬‬
‫فالمتتب��ع لهذه الفتوى س��يتضح له اس��تناده الى أدلة نقلي��ة قوية ال يجوز معها‬
‫حرمان المرأة مما هو مستحق لها ‪.‬‬
‫بي��د أن أحد الباحثين‪ 1‬يتس��اءل عن جدوى هذه الفت��وى بقوله ‪ " :‬هل كان من‬
‫ال�لازم عل��ى وزارة الداخلي��ة طلب فتوى م��ن المجلس العلم��ي األعلى لمعرفة‬
‫موق��ف الش��ريعة اإلس�لامية من م��دى أحقية الم��رأة يف االس��تفادة م��ن عائدات‬
‫اس��تغالل األراض��ي الجماعي��ة؟ خاص��ة وأن األم��ر ق��د يحمل ل��دى البعض أن‬
‫للش��ريعة اإلس�لامية نصيبا يف إقصاء المرأة الس�لالية من االس��تفادة من عائدات‬
‫األراض��ي الجماعية وهذا غير صحي��ح‪ .‬وبالتالي كان يكفي أن تنظر يف مقتضيات‬
‫القانون المنظم الس��تغالل األراضي الجماعية باعتب��اره قانون وضعي صرف لم‬
‫تكن الش��ريعة اإلس�لامية أحد مص��ادره‪ .‬ويف أقصى األحوال يمك��ن اللجوء إلى‬
‫األمانة العامة للحكومة للبحث عن تأويل قانوين‪.".‬‬

‫((( ‪ -‬يراج��ع د‪.‬العرب��ي مياد ‪ :‬منع النس��اء الس�لاليات م��ن عائدات األراض��ي الجماعية‪،‬‬
‫سلسلة "األنظمة والمنازعات العقارية"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.74.‬‬

‫‪223‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫على سبيل الختم‬

‫تطرقن��ا يف هذه الدراس��ة الى الفت��وى بالمغرب ورصدنا اإلطار المؤسس��ايت‬


‫الذي يحكمها مع اإلشارة الى بعض نماذج الفتاوى الصادرة والتي أدت الوظيفة‬
‫الشرعية واالجتماعية المطلوبة يف إطار التوجهات الكربى لمذهب اإلمام ملك‪.‬‬

‫وال ي�سعنا ونحن ن�أتي على نهاية هذا البحث اىل �أن ن�ؤكد مايلي ‪:‬‬
‫ •أن مؤسس��ة الفت��وى بالمغرب تح��اول أن تكون المرج��ع الوحيد لإلفتاء‬
‫للحد مما أضحى يسمى بالفوضى االجتهادية‪،‬‬

‫ •أن منهجي��ة اإلفتاء بالمغرب يحكمها عنص��ر اإلجماع مع ضرورة العمل‬


‫بمبدأ الرتجيح بين اآلراء المختلفة‪،‬‬

‫ •أن عمل الهيئة العلمية لإلفتاء وبغض النظر عن مدى موافقة البعض أم ال‬
‫يتميز بتعليل مقنع لألحكام الفقهية خاصة عندما يتعلق األمر بمستجدات‬
‫العصر ولطبيعة تغير وتطور ظروف الحياة اإلنسانية‪،‬‬

‫ •أن فت��اوى المغ��رب تح��اول اإلجاب��ة ع��ن بع��ض المس��تجدات العلمية‬


‫واالجتماعية وذلك طبعا يف حدود السؤال‪ ،‬كالفتوى الصادرة بخصوص‬
‫حرمة اس��تعمال المنش��طات يف المج��ال الرياضي و فتوى ح��ول بجواز‬
‫إيص��اء اإلنس��ان يف حياته بالت�برع بقرنية عينه لفائدة نقله��ا منه حين وفاته‬
‫وزرعها يف عين إنسان آخر ليستعيد هبا سالمة نظره وعافية بصره‪...‬الخ‪.‬‬

‫ولذلك ويف �إطار ا�ست�شراف امل�ستقبل ف�إننا نو�صي بـ ‪:‬‬


‫ •أن تنفت��ح الفتاوى عل��ى مختلف المذاه��ب واإلجته��ادات الفقهية دون‬

‫‪224‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫التش��دد يف اإلنضباط لمذه��ب األمام مالك‪ ،‬فنأخذ م��ن مختلف الروافد‬


‫الفقهية ماهو كفيل بتحقيق المصلحة يف الواقعة محل اإلفتاء‪.‬‬

‫ •أن يس��رع المجل��س العلمي األعل��ى يف اإلجابة عن س��ؤال آين ومركزي‬


‫بالمغ��رب يتعلق بم��دى جوازية القروض البنكية الربوي��ة يف مجال اقتناء‬
‫السكن‪،‬‬

‫ •أن يعم��د المجلس المذكور الى طباع��ة الموروث الفقهي تحقيقا لعنصر‬
‫المقارنة واإلطالع المطلوبين يف المجال الدراسي النظري‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫الئحة المراجع المعتمدة ‪:‬‬

‫‪ -1‬الكتب‪:‬‬
‫‪1 .1‬أيمن صالح ش��عبان‪ :‬الفتاوى الشرعية يف المس��ائل العصرية‪ ،‬فتاوى علماء‬
‫الحرمين الش��ريفين‪ ،‬المكتب الثقايف للنش��ر والتوزي��ع بالقاهرة‪ ،‬بدون ذكر‬
‫المطبعة وتاريخ الطبعة‬

‫‪2 .2‬محمد بن علي بن حسين المكي المالكي ‪ :‬ضواط الفتوى ‪ ،‬تقديم وترتيب‬
‫وتعلي��ق ‪ :‬مج��دي عب��د الغني ‪ ،‬الناش��ر دار الفرقان لنش��ر وتوزي��ع الكتاب‬
‫اإلسالمي ‪ ،‬اإلسكندرية ‪ ،‬بدون ذكر سنة الطبع ‪.‬‬

‫‪3 .3‬محم��د الرضواين ‪ :‬األمن الديني بالمغرب ‪ ،‬رهانات تقرير التنمية البش��رية‬
‫وتحديات الواقع ‪ ،‬دراس��ة ضم��ن مؤلف ‪ :‬الحداثة السياس��ية‪ ،‬يف المغرب‬
‫‪ :‬إش��كالية وتجرب��ة‪ ،‬الطبع��ة األول��ى ‪ ، 2009‬مطبعة المع��ارف الجديدية‬
‫بالرباط‪.‬‬

‫‪4 .4‬مصطف��ى بن حم��زة ‪ :‬بح��وث فقهية‪ ،‬الناش��ر دار األم��ان للنش��ر والتوزيع‬
‫بالرباط‪.‬‬

‫‪5 .5‬عب��د الح��ق منص��ف ‪ :‬الدي��ن والمجتم��ع والس��لطان السياس��ي يف الفك��ر‬


‫اإلس�لامي‪ ،‬دراسة منش��ورة ضمن مؤلف جماعي حول " الدين والسياسة‬
‫من منظور فلس��في" تحت إش��راف محمد مصباحي ‪ ،‬منش��ورات مؤسس��ة‬
‫الملك عبد العزيز آل س��عود للدراسات اإلسالمية والعلوم اإلنسانية بالدار‬
‫البيضاء ‪ ،‬الطباعة منشورات عكاظ ‪. 2011 ،‬‬

‫‪226‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫‪6 .6‬محمد قطب‪ :‬مذاهب فكرية معاصرة‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ 1409 ،‬هـ‪ 1988 -‬م‬
‫‪ ،‬دار الشروق بالقاهرة ‪.‬‬

‫‪7 .7‬يوس��ف القرضاوي‪ :‬زراعة األعضاء يف ضوء الش��ريعة اإلس�لامية‪ ،‬الطبعة‬


‫الثانية ‪ ،2011‬الناشر دار الشروق بالقاهرة‪.‬‬
‫‪8 .8‬عب��د الرحمن محمد ميغا‪ :‬الحركة الفقهية ورجالها يف الس��ودان الغربي من‬
‫القرن ‪ 8‬ال��ى القرن ‪ 13‬الهجري‪ ،‬مطبعة البيض��اوي‪ 1432 ،‬هـ‪2011/‬م‪،‬‬
‫منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالمغرب‪.‬‬
‫‪9 .9‬محم��د العاج��ي‪ :‬المختص��ر الخليل��ي وأث��ره يف الدراس��ات المعاص��رة‪،‬‬
‫نموذج القانون الم��دين المغربي‪ ،‬مطبعة البيضاوي‪1432 ،‬هت‪2011/‬م‪،‬‬
‫منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالمغرب‪.‬‬
‫‪1010‬وس��ام فؤاد ‪ :‬المؤسس��ات الدينية الرس��مية والفتوى ‪ ،‬منشور ضمن مؤلف‬
‫جماعي حول "حراسة اإليمان‪ ،‬المؤسسات الدينية "‪ ،‬منشورات المسبار ‪،‬‬
‫بدون ذكر تاريخ الطبعة والمطبعة‪.‬‬
‫‪1111‬امحم��د جربون ‪ :‬إش��كالية الوظيفة الديني��ة يف الدولة المعاص��رة‪ ،‬قراءة يف‬
‫تجرب��ة تأهي��ل الحقل الديني بالمغرب‪ ،‬مراصد ‪ ،‬كراس��ات علمية ‪ ، 4‬يناير‬
‫‪ ،2011‬مكتبة اإلسكندرية ‪.‬‬
‫‪1212‬رش��يد مقتدر‪ ،‬خطب إمارة المؤمنين يف الش��أن الديني والنصوص المنظمة‬
‫للمؤسسة العلميـة ‪ ،‬منشورات المجلس العلمي األعلى ‪ ،‬ذو القعدة ‪1427‬‬
‫هـ ‪ /‬دجنرب ‪.2006‬‬

‫‪1313‬محمد رياض‪ :‬أصول الفتوى والقضاء يف المذهب المالكي ‪ ،‬الطبعة الثالثة‬


‫‪ ،2002-1423‬مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫‪1414‬جواد الهروس‪ :‬الحيازة واإلس��تحقاق يف الفه المالكي والتشريع المغربي‪،‬‬


‫دراس��ة فقهية‪-‬قانوني��ة مع��ززة بنص��وص وفت��اوى فقهي��ة وم��واد قانوني��ة‬
‫واجته��ادات قضائية‪ ،‬الطبعة األولى ‪1430‬ه��ـ ‪ 2009/‬م ‪ ،‬مطبعة الكرامة‬
‫بالرباط‪ ،‬الناشر مكتبة دار السالم بالرباط‪.‬‬
‫‪1515‬محمد س��عدي‪ :‬حقوق اإلنسان‪ :‬األس��س‪-‬المفاهيم والمؤسسات‪ ،‬مطبعة‬
‫آنفو برانت بفاس‪ ،‬بدون ذكر الطبعة ودار النشر‪.‬‬
‫‪1616‬مدونة السير على الطرق مرفقة بمنشور لوزارة العدل حول تطبيقها وبدليل‬
‫لمخالفات وجنح السير يف ضوء مقتضياهتا‪ ،‬منشورات جمعية نشر المعلومة‬
‫القانونية والقضائية ‪ ،‬سلسلة الشروح والدالئل ‪ ،‬شتنرب ‪.2010‬‬
‫‪ 1717‬فت��اوى الهيئة العلمي��ة المكلفة باإلفتاء مابين ‪2004‬و‪، 2012‬منش��ورات‬
‫المجلس العلمي األعلى لعام ‪. 2012‬‬
‫املقاالت ‪:‬‬
‫‪ 1818‬مصطفى بن حمزة ‪ :‬معالم الفتوى يف اإلسالم‪ ،‬مجلة المجلس‪ ،‬إصدارات‬
‫المجل��س العلم��ي األعلى بالمغ��رب‪ ،‬العدد الس��ابع ‪ ،‬رج��ب ‪ 1430‬هـ‪/‬‬
‫يوليوز ‪ 2009‬م ‪.‬‬
‫‪1919‬عبد العزيز بن عبد اهلل بن محمد آل الش��يخ ‪ :‬الفتوى وأهميتها يف اإلس�لام‬
‫‪ ،‬مجلة المجمع الفقهي اإلس�لامي‪ ،‬الس��نة الثالثة والعش��رون‪1431 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪ 2010‬م ‪ ،‬العدد الخامس والعشرون‪.‬‬

‫‪2020‬العياش��ي ادراوي‪ :‬ح��دود العالق��ة بي��ن الدي��ن والسياس��ة‪،‬مجلة الحي��اة‬


‫الطيبة‪ ،‬الس��نة الخامسة عش��ر‪ ،‬العدد الخامس والعش��رون‪ ،‬ربيع ‪1433‬هـ‬
‫‪/2012/‬م‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫‪2121‬محم��د الزحيلي‪ :‬تنظي��م الفت��وى‪ :‬أحكامه‪-‬آلياته‪ ،‬مجل��ة المجمع الفقهي‬


‫اإلس�لامي‪ ،‬الع��دد الس��ادس والعش��رون‪ ،‬الس��نة الرابع��ة والعش��رون‪،‬‬
‫‪1432‬هـ‪2011/‬م‪.‬‬

‫‪2222‬محم��د الروك��ي ‪ :‬ضواب��ط الفت��وى وتنظيمه��ا يف تاري��خ اإلس�لام ‪ ،‬مجلة‬


‫المجلس ‪ ،‬العدد السابع ‪ ،‬رجب ‪ 1430‬هـ‪ /‬يوليوز ‪2009‬م ‪.‬‬

‫‪2323‬عب��د العزي��ز غوردو ‪ :‬إم��ارة المؤمني��ن يف التاريخ ‪ :‬حالة المغرب ‪،‬منش��ور‬


‫ضمن مؤلف جماعي حول " دس��تور ‪ 2001‬بالمغ��رب ‪ :‬مقاربات متعددة‬
‫‪ ،‬مس��اهمة للكش��ف عن جديد الوثيقة الدس��تورية وتفعيل التنزيل الس��ليم‬
‫لمقتضياهتا " منش��ورات مجلة الحقوق‪ ،‬سلسلة " األعداد الخاصة" ‪ ،‬العدد‬
‫الخامس ‪ ،‬ماي ‪. 2012‬‬

‫‪2424‬محم��د الدرداب��ي‪ :‬الفت��وى واإلفتاء يف المغ��رب ‪ ،‬مجلة المجل��س ‪ ،‬العدد‬


‫السابع ‪ ،‬رجب ‪/1430‬يوليوز ‪. 2009‬‬

‫‪2525‬عم��ر بنعب��اد ‪ :‬الهيئة العلمية المكلف��ة باإلفتاء لدى المجل��س العلمي األعلى ‪:‬‬
‫تكوينها وطريقة عملها يف إعداد الفتاوى‪ ،‬مجلة المجلس ‪ ،‬إصدارات المجلس‬
‫العلمي األعلى‪ ،‬العدد األول ‪ ،‬رمضان ‪ 1428‬هـ‪ /‬أكتوبر ‪ 2007‬م ‪.‬‬

‫‪2626‬سعد الدين العثماين ‪ :‬إمارة المؤمنين ومدنية الدولة ‪ ،‬مجلة الفرقان ‪ ،‬العدد‬
‫‪ ، 67‬سنة ‪. 2011/1432‬‬

‫‪2727‬عبد الوهاب رافع ‪ :‬أراضي الجموع بين التنظيم والوصاية‪ ،‬سلسلة المكتبة‬
‫القانوني��ة المعاصرة ‪ ،‬رق��م ‪ ، 2‬المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش‪ ،‬الناش��ر‬
‫مكتبة المنارة كتب بمراكش‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫‪2828‬محم��د الس��هل‪ :‬األراض��ي الجماعية واإلس��تثمار‪ ،‬مداخلة ضمن أش��غال‬


‫اليوم الدراس��ي المنظم من ط��رف عمالة إقليم الح��وز والمكتب الجهوي‬
‫لإلس��تثمار الفالحي للحوز بتع��اون مع مركز الدراس��ات القانونية المدنية‬
‫والعقاري��ة بكلية الحقوق بمراكش بتاري��خ ‪ 19‬يونيو ‪ 2003‬حول موضوع‬
‫"العق��ار واإلس��تثمار"‪ ،‬المطبعة والوراق��ة الوطنية بمراكش‪ ،‬الناش��ر مركز‬
‫الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش وعمالة إقليم‬
‫الحوز‪.‬‬

‫‪2929‬العرب��ي مي��اد ‪ :‬منع النس��اء الس�لاليات من عائ��دات األراض��ي الجماعية‪،‬‬


‫سلس��لة "األنظمة والمنازع��ات العقارية"‪ ،‬اإلصدار الثال��ث حول القواعد‬
‫الموضوعية والش��كلية يف مس��اطر المنازعات العقارية‪ ،‬الجزء الرابع‪ ،‬يناير‬
‫‪ ،2012‬منشورات مجلة الحقوق المغربية‪.‬‬

‫‪ 3030‬رش��يد حوباب��ي‪ :‬قراءة يف بع��ض مس��تجدات المدونة الجديدة للس��ير من‬


‫خالل ما تطرحه قراءهتا األولية من إش��كاليات‪ ،‬سلسلة الموائد المستديرة‬
‫بمحكمة اإلستئناف بالرباط‪ ،‬أشغال المائدة المستديرة األولى بتاريخ فاتح‬
‫شتنرب ‪ 2010‬حول " آفاق السالمة الطرقية على ضوء مدونة السير الجديدة"‬
‫‪ ،‬مطبعة األمنية بالرباط ‪.‬‬

‫‪3131‬بنيون��س الدحم��اين‪ :‬اإلط��ار القانوين المنظ��م ألراضي الجم��وع ‪ :‬الرصيد‬


‫العقاري‪-‬التدبي��ر والتس��يير‪ ،‬سلس��لة " األنظم��ة والمنازع��ات العقارية" ‪،‬‬
‫اإلصدار األول حول أراضي الجماعات الساللية بالمغرب‪ ،‬يناير ‪، 2010‬‬
‫الطبعة الثانية ‪ ،2012‬مطبعة المعارف الجديدة بالرباط ‪ ،‬الناشر دار اآلفاق‬
‫المغربية بالدار البيضاء‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫الفتوى واستشراف المستقبل‬

‫املجالت والدوريات ‪:‬‬


‫‪3232‬العدد الثامن من مجلة الحقوق المغربية ‪ ،‬السنة الرابعة ‪ ،‬أكتوبر ‪. 2009‬‬
‫‪3333‬الفصل ‪ 19‬من الدستور ‪ :‬الدالالت الشرعية واألبعاد القانونية ‪ ،‬منشورات‬
‫مجلة الحقوق المغربية ‪ ،‬سلسلسة " األعداد الخاصة "‪ ،‬العدد الثاين ‪ ،‬أبريل‬
‫‪.2011‬‬
‫‪3434‬مجلة المجمع الفقهي اإلس�لامي ‪ ،‬العدد العاش��ر ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1426‬هـ‬
‫‪ 2005‬م ‪.‬‬
‫‪3535‬سلس��لة أم�لاك الدولة‪ ،‬الع��دد األول ‪ ،‬الس��نة األولى‪ ،2012 ،‬منش��ورات‬
‫مجلة الحقوق المغربية‪.‬‬
‫‪3636‬مجلة عطاء‪ :‬مجلة العالمات والواعظات والمرش��دات يصدرها المجلس‬
‫العلمي األعلى‪ ،‬العدد األول ‪ ،‬ذو القعدة ‪ 1432‬هـ‪/‬أكتوبر ‪.2001‬‬
‫الأعمال اجلامعية ‪:‬‬
‫‪3737‬حاتم البقالي‪ :‬السياس��ة الدينية بالمغ��رب ‪ :‬المحددات والرهانات‪ ،‬مرحلة‬
‫مابع��د ‪ 16‬م��اي ‪ ، 2003‬رس��الة لني��ل دبل��وم الماس�تر يف القان��ون الع��ام‬
‫المق��ارن‪ ،‬كلية العل��وم القانوني��ة واإلقتصادية واإلجتماعية بطنجة‪ ،‬الس��نة‬
‫الجامعية ‪. 2008-2007‬‬

‫‪3838‬أحم��د بوعبداالوي‪ :‬تجدي��د الخط��اب الديني بالمغرب‪ ،‬إص�لاح الحقل‬


‫الدين��ي أنموذجا‪ ،‬بحث لنيل ش��هادة الدكتوراه يف الدراس��ات اإلس�لامية‪،‬‬
‫جامعة س��يدي محمد ب��ن عبد اهلل ‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنس��انية بفاس ‪،‬‬
‫وحدة التكوين والبحث ‪ " :‬مشاريع النهوض الحضاري يف الفكر اإلسالمي‬
‫"‪ ،‬السنة الجامعية ‪1432-1431‬هـ‪ 2001-2010 ،‬م ‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫بحوث م�ؤمتر‬

‫التقارير‪:‬‬
‫‪3939‬تقري��ر الحال��ة الديني��ة يف المغ��رب ‪ ،2008-2007 :‬منش��ورات المرك��ز‬
‫المغربي للدراسات واألبحاث المعاصرة‪ ،‬اإلصدار األول ‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪ ، 2009‬المطبعة طوب بريس بالرباط‪.‬‬
‫‪4040‬تقري��ر لجنة المالة والتجهيزات والتخطيط والتنمية الجهوية حول مش��روع‬
‫قانون رقم ‪ 52.05‬يتعلق بمدونة الس��ير على الطرق‪ ،‬مجلس المستشارين‬
‫‪ ،‬األمان��ة العامة ‪ ،‬قس��م اللجان‪ ،‬الوالية التش��ريعية ‪ ،2015-2006‬الس��نة‬
‫التشريعية ‪ ،2010-2009‬دورة أكتوبر ‪.2009‬‬
‫‪4141‬حصيل��ة الدورة العادي��ة الثانية للمجلس العلمي األعل��ى المنعقدة بالرباط‬
‫بتاري��خ فاتح وث��اين ذي القعدة ‪ 1426‬ه��ـ الموافق ل��ـ‪ 3‬و‪ 4‬دجنرب ‪،2005‬‬
‫منشورات المجلس العلمي األعلى‪،‬الطبعة األولى ‪.2007/1428‬‬
‫‪ -6‬اجلرائد الر�سمية ‪:‬‬
‫‪4242‬الجريدة الرس��مية عدد ‪ 3575‬الصادرة بتاريخ فاتح رجب ‪ 1401‬الموافق‬
‫لـ ‪ 6‬مـاي ‪. 1981‬‬
‫‪4343‬الجري��دة الرس��مية ع��دد ‪ 5210‬الص��ادرة بتاري��خ ‪ 16‬ربي��ع األول ‪1425‬‬
‫الموافق لـ ‪ 6‬ماي ‪.2004‬‬

‫‪4444‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5964‬مكرر‪ ،‬المؤرخة يف ‪ 30‬يوليوز ‪.2011‬‬

‫‪4545‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5824‬الصادرة بتاريخ ‪ 8‬ربيع اآلخر ‪ 1431‬الموافق‬


‫لـ ‪ 25‬مارس ‪. 2010‬‬

‫‪232‬‬

You might also like