Professional Documents
Culture Documents
الفتوى بالمغرب في ضوء عمل المجلس العلمي األعلى
الفتوى بالمغرب في ضوء عمل المجلس العلمي األعلى
بحث حمكم
183
بحوث م�ؤمتر
184
الفتوى واستشراف المستقبل
مقدمة
185
بحوث م�ؤمتر
على ش��رعه ودينه ،فإن المفتي قائم مقام النبي ﷺ ،فهو خليفته ووارثه،
وه��و نائب عنه يف تبلي��غ األحكام ،وتعلي��م األنام ،وإنذاره��م هبا لعلهم
1
يحذرون".
من هذه المنطلقات والركائز الشرعية واألساسية فالفتوى "التساهم
يف بن��اء المجتمع وتربيته على مبادئ اإلس�لام وقيمه وأخالقه ،وحس��ن
التعل��ق بأحكام��ه ومناهجه ،إال باجتماع ضوابطها ،وإحس��ان تنظيمها ،
2
وضوابط الفتوى تتعلق بالمفتي ،أما تنظيمها فيتعلق باإلمام الحاكم".
والمغ��رب كغيره من الدول العربية واإلس�لامية اهت��م كثيرا بمجال
((( ينظر يف ذلك عبد العزيز بن عبد اهلل بن محمد آل الشيخ :الفتوى وأهميتها يف اإلسالم
،مجلة المجمع الفقهي اإلس�لامي ،الس��نة الثالثة والعشرون1431 ،هـ 2010 /م ،العدد
الخامس والعشرون ،ص.27.
ينظر أيضا :
-محمد بن علي بن حس��ين المكي المالكي :ضواط الفتوى ،تقديم وترتيب وتعليق
:مجدي عبد الغني ،الناشر دار الفرقان لنشر وتوزيع الكتاب اإلسالمي ،اإلسكندرية
،بدون ذكر سنة الطبع ،ص 5 .و ،6
-أيم��ن صال��ح ش��عبان :الفت��اوى الش��رعية يف المس��ائل العصرية ،فت��اوى علم��اء الحرمين
الش��ريفين ،المكت��ب الثقايف للنش��ر والتوزيع بالقاهرة ،ب��دون ذكر المطبع��ة وتاريخ الطبعة،
ص 19.ومابعدها.
-د.محمد العاجي ،المختصر الخليلي وأثره يف الدراسات المعاصرة ،نموذج القانون
الم��دين المغربي ،مطبع��ة البيض��اوي1432 ،ه��ت2011/م ،منش��ورات وزارة األوقاف
والشؤون اإلسالمية بالمغرب ،ص 170.ومابعدها.
-محمد الزحيلي :تنظيم الفتوى :أحكامه-آلياته ،مجلة المجمع الفقهي اإلس�لامي،
الع��دد الس��ادس والعش��رون ،الس��نة الرابع��ة والعش��رون1432 ،ه��ـ2011/م ،ص33.
ومابعدها.
((( -4ينظر يف ذلك د .محمد الروكي :ضوابط الفتوى وتنظيمها يف تاريخ اإلسالم ،مجلة
المجلس ،العدد السابع ،المرجع السابق ،ص.25.
186
الفتوى واستشراف المستقبل
الفتوى حيث عمد الى ضبط مداها ومراقبة حركيتها ضمانا لعدم انفالهتا
،وهكذا تم س��نة 1981إح��داث المجلس العلم��ي األعلى والمجالس
1
العلمية اإلقليمية.
لكن ،يبدو أن عدم اضطالع هذه المؤسس��ة بدور طالئعي يف مجال
اإلفت��اء والرقاب��ة الرس��مية للدول��ة على المج��ال الدين��ي بالمغرب كان
داعيا أساسيا ومباش��را يف إعادة هيكلة هذا المجلس وتحديثه وهو ما تم
2
اإلعالن عنه سنة . 2004
(( ( -5تم تأسيس المجلس العلمي األعلى والمجالس اإلقليمية بموجب الظهير الشريف
رق��م 1.80.270الم��ؤرخ يف 3جم��ادى اآلخ��رة 1401الموافق ل 8أبريل ،1981منش��ور
بالجري��دة الرس��مية ع��دد 3575الصادرة بتاري��خ فاتح رج��ب 1401الموافق لت 6ماي
،1981ص.543 .
ينظ��ر على س��بيل المقارنة د.عب��د الرحمن محمد ميغ��ا :الحركة الفقهي��ة ورجالها يف
السودان الغربي من القرن 8الى القرن 13الهجري ،مطبعة البيضاوي 1432 ،هـ2011/م،
منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالمغرب 18 ،ومابعدها.
(( ( -ص��در هبذا الخصوص الظهير الش��ريف رق��م 1.03.300بتاريخ 2ربي��ع األول 1425
المواف��ق ل 22أبريل 2004بإعادة تنظيم المجالس العلمية ،منش��ور بالجريدة الرس��مية
عدد 5210الصادرة بتاريخ 16ربيع األول 1425الموافق لـ 6ماي ،2004ص.2177 .
يعترب أحد الباحثين أن "الس��لطة السياسية اتجهت من خالل المجلس العلمي األعلى
بعد أحداث 16ماي الى ضبط الفتوى وإهناء مش��اعيتها .وذلك كرد فعل على الصدور
المط��رد للفت��اوي ارتباطا بالعدي��د من القضايا الوطني��ة والدولية وه��ي الفتاوى التي
ل��م تعد تقتصر على المعام�لات اليومية واالعتيادية بل ص��ارت تتعارض مع مصالح
الدول��ة .كالفت��اوى والبيان��ات التي رافقت عرض مسلس��ل للرس��وم المتحركة حول
لعبة البوكيمون وتحريم مش��اهدته .وإفتاء عبد الباري الزمزمي بوجوب إس��قاط صفة
الش��هيد ع��ن المهدي بن بركة وعم��ر بنجلون وغيرهم ممن أدوا ثمن س��نوات الجمر
والرص��اص .فضال ع��ن الفتاوى الص��ادرة عن مجموعة م��ن العلم��اء اللذين حرموا
القداس الذي أقيم بإحدى كنائس الرباط من أجل الرتحم على أرواح ضحايا 11شتنرب
2001أو الدخول يف أي حلف أمريكي عدواين إلرهاب الشعوب العربية اإلسالمية".
ينظر يف تفاصيل ذلك حاتم البقالي :السياسة الدينية بالمغرب :المحددات والرهانات،
مرحلة مابعد 16ماي ،2003رس��الة لنيل دبلوم الماس�تر يف القانون العام المقارن ،كلية
العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية بطنجة ،السنة الجامعية ،2008-2007ص.73.
187
بحوث م�ؤمتر
((( -تنظ��ر افتتاحي��ة العدد الثامن من مجل��ة الحقوق المغربية ح��ول " الضوابط القانونية
المتعلقة بالمجال الديني يف المغرب" ،السنة الرابعة ،أكتوبر ، 2009ص.11.
حول إمارة المؤمنين بالمغرب ينظر :
-د .عب��د العزيز غ��وردو :إمارة المؤمني��ن يف التاريخ :حالة المغرب ،منش��ور ضمن
مؤلف جماعي حول " دس��تور 2001بالمغرب :مقاربات متعددة ،مس��اهمة للكش��ف
عن جدي��د الوثيقة الدس��تورية وتفعيل التنزيل الس��ليم لمقتضياهتا "منش��ورات مجلة
الحقوق ،سلسلة " األعداد الخاصة" ،العدد الخامس ،ماي ،2012ص 9.ومابعدها ،
-دارس��ات متنوعة منش��ورة ضم��ن مؤلف جماعي ح��ول "الفصل 19من الدس��تور :
الداللت الش��رعية واألبعاد القانونية" ،منش��ورات مجلة الحقوق المغربية ،سلسلسة
" األعداد الخاصة " ،العدد الثاين ،أبريل ،2011
-د.س��عد الدي��ن العثماين :إمارة المؤمنين ومدنية الدول��ة ،مجلة الفرقان ،العدد ، 67
سنة ، 2011/1432ص 47 .ومابعدها.
((( -ينظ��ر د .محم��د الرضواين :األم��ن الديني بالمغرب ،رهانات تقرير التنمية البش��رية
وتحدي��ات الواقع ،دراس��ة ضمن مؤلف :الحداثة السياس��ية ،يف المغرب :إش��كالية
188
الفتوى واستشراف المستقبل
ولذل��ك يعترب أحد المهتمي��ن 1أن "هناك مداخل متع��ددة للربط بين
المج��ال العام واإلس�لام كدين ،منها المدخل الفك��ري .ومنها المدخل
الحرك��ي التنظيم��ي ،ومنه��ا المدخل اإلفتائ��ي ،ومع تج��اوز المدخلين
األولي��ن ،يمك��ن الق��ول إن الفت��وى كمدخل م��ن مداخل عالق��ة الدين
بالمج��ال الع��ام تعد أداة لتش��كيل اتجاهات الرأي الع��ام ،إما من خالل
التعبئ��ة الجماهيري��ة ،أو باعتبارها أداة من أدوات الهندس��ة االجتماعية.
وقد يكون اتجاه دور الفتوى كأداة من أدوات الهندسية االجتماعية دورا
يتعلق بالدولة ،وعالقة تحالفها مع المؤسس��ة التي تحتكر عملية اإلفتاء،
ومابعدها.
((( -ينظ��ر وس��ام ف��ؤاد :المؤسس��ات الديني��ة الرس��مية والفتوى ،منش��ور ضمن مؤلف
جماعي حول "حراسة اإليمان ،المؤسس��ات الدينية" ،منشورات المسبار ،بدون ذكر
تاريخ الطبعة والمطبعة ،ص.235.
189
بحوث م�ؤمتر
لك��ن ال نتفق م��ع الباحث المذكور يف ثنائه على التجرب��ة اإليرانية يف الجانب
الشكلي المرتبط بمأسسة الفتوى .وذلك لألسباب الموضوعية التالية :
-ك��ون ه��ذه التجرب��ة تعتم��د المذه��ب الواحد يف اإلفت��اء دون مراع��اة باقي
اإلجتهادات الفقهية األخرى التي تأخذ بحال العباد والبالد وتغير الظروف،
-كون مؤسس��ة الفت��وى بإيران تفتقد الى الركن األه��م يف باب اإلجتهاد وهو
بذل الوسع واستفراغ الطاقة يف البحث عن الحق بدليله.
190
الفتوى واستشراف المستقبل
إن النموذج المغربي يف مجال الفتوى المراد تقديمه من خالل هذه الدراس��ة
يتطلب منا التطرق إليه من خالل تصورين إثنين نتناولهما يف مطلبين كاآليت :
المطلب األول :مأسسة الفتوى بالمغرب :ونقسم هذا المطلب الى فقرتين كاآليت :
الفقرة األولى :مؤسسة الفتوى قبل سنة ،2004
الفقرة الثانية :مؤسسة الفتوى بعد سنة ،2004
المطل��ب الث��اين :األس��س االجتهادية يف فت��اوى المجل��س العلمي
األعلى بعد سنة ، 2004
الفق��رة األولى :فتوى حول مش��روعية اس��تخدام جهاز لص��د الكحول يف دم
السائقين،
الفقرة الثانية :فتوى بجواز إيصاء اإلنس��ان يف حياته بالتربع بقرنية عينه لفائدة
نقلها منه حين وفاته وزرعها يف عين إنس��ان آخر ليس��تعيد هبا س�لامة نظره وعافية
بصره،
الفقرة الثالثة :فتوى حول وضع المرأة يف نظام أراضي الجماعات الساللية.
كانت الفتاوى ش��ائعة ومتع��ارف عليها منذ القدم ،ومن ث��م كان هذا الخضم
م��ن كتب النوازل ،ولكن مع بزوغ عهد االس��تقالل وتحكي��م القوانين يف كثير من
المنازع��ات ،ت��وارت الفتاوى عن اهتمام الناس وعن س��احة المحاكم ،فاتخذت
المحاكم مساطر عصرية قانونية ال دخل للفتاوى فيها – ولو أن الفتوى كانت دائما
أمرا اختياريا – فلم تعد ملفات المحاكم تحتوي على الفتاوى ،وصار المحامون
191
بحوث م�ؤمتر
أو الوكالء الش��رعيون هم الذين يحررون المذكرات التي قد تستند الى النصوص
الش��رعية أو الفصول القانونية ،وقد تخلو من ذل��ك ،وحتى يف القضايا التي ظلت
خاضعة للش��ريعة اإلس�لامية :كقضايا األحوال الش��خصية والتربع��ات والحيازة
واالس��تحقاق والشفعة والقسمة وكل مايدخل تحت مصطلح العقار محفظا كان
أو غير محفظ ،وكذلك وس��ائل اإلثبات الش��رعية...حتى يف هذه المواضيع ،فإن
الفت��وى لم يعد لها مجال أمام تغير الح��ال ،وطبقا لظهير توحيد ومغربة المحاكم
رق��م 3.64بتاري��خ 22رمض��ان 26( 1384يناي��ر )1965الذي أق��ر بالصبغة
الرس��مية للقضايا التي ظلت خاضعة للش��ريعة اإلس�لامية ،ونقصد بذلك مجال
الفق��ه ،ص��ارت بمثابة القوانين ،أو ص��ارت من القوانين ،وص��ار المحامي يحتج
بالجمي��ع دون أي ح��رج ،وم��ن ثم ف��إن هذا المجال م��ن المعرفة ل��م يعد قاصرا
على المختصين به الذين درس��وه وتفقهوا فيه وعرفوا كوامنه ،والذين يستطيعون
الغوص وراء آللئه ،فيفتون أو يحكمون بمقتضياته ،بل صار كل األفراد يستندون
أو يحتجون بأبيات للتحفة أو الزقاق أوحتى بنصوص خليل ،أن يأيت بذلك سواء
صادف الصواب أم ضل الطريق.1
((( -ينظ��ر د .محم��د الدرداب��ي :الفت��وى واإلفتاء يف المغ��رب ،مجلة المجل��س ،العدد
السابع ،رجب /1430يوليوز ، 2009ص 55.و .56
192
الفتوى واستشراف المستقبل
العبادات واألحوال الش��خصية ،وحتى لمن أراد أن يحصل على الفتوى يف مجال
المعامالت وكل المواضيع التي مازال الفقه اإلسالمي يحكمها ،فما كان عليه إال
التوجه أو االتصال بالمجالس العلمية ليحصل على مراده.1
إن المجالس العلمية تنتشر اآلن يف جميع ربوع المغرب وتغطي كل أصقاعه،
والمجالس العلمية صارت هي الجهة الرسمية الوحيدة المخولة إلصدار الفتاوى.
وحص��ر الفتوى يف المجالس العلمية اله��دف منه ،على مايظهر ،هو توحيد مجال
الفتوى وحصرها يف المذهب المالكي ،المذهب الرسمي للدولة ،وحتى ال يكون
هناك فتاوى تش��رق وأخ��رى تغرب ،ولو فتح المج��ال يف الفتوى لمن هب ودب
لكان��ت هن��اك فتوى ب��آراء وأقوال أو مذاه��ب ونحل ما أنزل اهلل هبا من س��لطان.
فم��ن أراد الفت��وى فعليه أن يقصد المجال��س العلمية ،وهي قريبة من��ه أينما كان،
حت��ى يف الخارج ،ليحصل على مراده بدون تع��ب أو مقابل ،وعليه أن يطمئن بأن
ماحص��ل عليه من فتوى هو م��ن صميم المذهب المالكي ،مذه��ب عالم المدينة
وإمامه��ا ،الذي اخت��اره المغاربة منذ ق��رون طويلة ،وكان ه��ذا المذهب ومازال
من الس��مات البارزة والعالمات المميزة التي توحده��م وتجمع صفوفهم وترفع
الخالف بينهم.2
193
بحوث م�ؤمتر
بعد ذل��ك أحدث المجلس العلمي األعلى ومعه المجالس العلمية اإلقليمية
ألول م��رة كم��ا تم ذكر ذلك بتاري��خ 3جمادى اآلخرة لس��نة 1401الموافق لـ 8
أبريل ،1981حيث تم بيان األسباب الموجبة لذلك يف ديباجة القانون المحدث
لهذه المؤسس��ة على لسان الملك الراحل الحسن الثاين " ...وقد قر رأينا ،بعد أن
أصبحنا نشاهد ما ينذر به شيوع بعض المذاهب األجنبية من خطر على كيان األمة
المغربي��ة وقيمها األصيلة ،أن يس��تمر عملنا المتواصل يف إطار مؤسس��ات تنتظم
فيها وتتناس��ق جهود العلماء األعالم ،للعمل ،برعاية جاللتنا الشريفة وإرشادها،
على التعريف باإلس�لام ،وإقامة الربه��ان على ماجاء به صالح لكل زمان ومكان
يف أم��ور الدين والدنيا معا ،وأن فيه غنى عما ع��داه من المذاهب والعقائد التي ال
تمت بصلة الى القيم الي يقوم عليها كيان األمة المغربية".
((( ينظ��ر امحمد جربون :إش��كالية الوظيفة الدينية يف الدول��ة المعاصرة ،قراءة يف تجربة
تأهي��ل الحق��ل الدين��ي بالمغ��رب ،مراص��د ،كراس��ات علمي��ة ، 4يناي��ر ،2011مكتبة
اإلسكندرية ،ص29.
194
الفتوى واستشراف المستقبل
1
نظام داخلي يحدد معالم اإلشتغال هبذه المؤسسة .ومركزيا ومحليا.
-أن دور المجل��س العلم��ي األعلى لم يكن محددا بش��كل واضح ،ولم يتم
تفعيله على الصعيد العملي ،والوظيفة التنسيقية المنوطة به ظلت حربا على ورق،
إذ ظل��ت المجال��س العلمية مرتبطة ب��وزارة األوقاف أكثر م��ن المجلس العلمي
األعل��ى يف غيبة آلي��ات العمل التي تمك��ن المجلس من القيام ب��األدوار المنوطة
به ،فأضحى ش��كال بدون مضمون ،يمكن أن نستشف منه اإلسهام السلبي لبعض
الوسطاء والمتدخلين العاملين يف الحقل الديني الى عرقلة اإلرادة السامية لتفعيل
دور المجلس العلمي األعلى،
-أن منص��ب كات��ب المجلس العلمي األعلى ظل وش��يكا ومجم��دا ،إن لم
(( ( ينظ��ر ذ.رش��يد مقتدر ،خطب إم��ارة المؤمنين يف الش��أن الديني والنص��وص المنظمة
للمؤسس��ة العلمية ،منش��ورات المجلس العلمي األعلى ،ذو القعدة 1427هـ /دجنرب
،2006ص ، 63.الهامش .5
((( -ينظر ذ.رشيد مقتدر ،المرجع السابق ،ص 63.و .64
يرى د.محمد رياض أن المجالس العلمية آنذاك مازالت لم تنطلق اإلنطالق المنش��ود ،ولم
تؤد مهمتها المنوطة هبا ال يف ميدان الفتوى ،وال يف الميادين األخرى.
ينظ��ر د.محمد رياض :أصول الفت��وى والقضاء يف المذهب المالك��ي ،الطبعة الثالثة
،2002-1423مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء ،ص.314.
195
بحوث م�ؤمتر
نقل غائبا يف هذه التجربة التأسيس��ية ،كم��ا أن المجلس العلمي األعلى لم يتمكن
من عقد س��وى دورتين فقط ،بعدهما ظل مجرد صرح مؤسس��ايت يعرتيه الجمود
والش��لل ،فقد ب��دا واضحا الصعوبات والمش��اكل مؤسس��ة العلم��اء المتمثلة يف
المجلس العلمي األعلى والمجالس العلمية ،واإلكراهات التي تعوق محاوالهتا
لتفعي��ل دورها ،باعتبارها مؤسس��ات نابعة من عمق المجتم��ع ومن بين مختلف
شرائحه ومكوناته.
ويخل��ص نفس الباح��ث الى أن هيكلة المجالس العلمي��ة خالل الفرتة مابين
1981ال��ى حدود 2004لم تتمكن من تجس��يد الغايات المرجوة منها ،ويمكن
تفسير المسألة على مستويين اثنين:1
إن تعدد الوس��طاء بين مؤسس��ة العلماء وإمارة المؤمنين يف المرحلة السابقة،
ش��كل عائقا حال دون تفعيل دورها وعزلها عن محيطها الداخلي والخارجي ،إذ
سر قوة مؤسسة العلماء يكمن يف استقالليتها يف القرار والتحامها باإلمامة العظمى
وتبعيته��ا له��ا ،فتعدد الوس��طاء بين العلماء وإم��ارة المؤمنين يف الفرتة التأسيس��ية
األولى ساهم يف إعاقة رسالة العلماء عن مسارها الصحيح،
-ثانيا :يف جانبها القانوين الشكلي ،بعدم مساعدة النص القانوين المؤطر لهذه
التجربة على تفعيلها والذهاب هبا بعيدا ،فهو وإن كان محددا يف ثالثة عناصر فإنه
196
الفتوى واستشراف المستقبل
كان غير واضح ودقيق ،وإذا كان من باب المسلمات أن تعرتض أية مؤسسة بعض
الصعوبات أو االنحرافات على مستوى التطبيق ،فإن مجموع ماسبق معالجته قد
شكل عائقا تشريعيا ،ساهم يف الحد من امتدادات التجربة التأسيسية .
وبغ��ض النظر عن ماس��بق التطرق إليه ،فإننا نثير انتب��اه الى أن اإلطار القانوين
المنظم لمؤسس��ة المجلس العلمي األعل��ى والمجالس العلمية اإلقليمية لم يكن
يشير صراحة لمهمة الفتوى ودليلنا يف ذلك :
-الفصل الرابع من الظهير الشريف رقم 1.80.270الذي جاء فيه " :تناط
بالمجلس العلمي األعلى المهام التالية :
1 .1الت��داول يف القضاي��ا التي تعرضه��ا عليه جاللتنا الش��ريفة (المقصود هنا
الملك).
2 .2تنسيق أعمال المجالس العلمية اإلقليمية .
3 .3رب��ط الصالت بالمؤسس��ات اإلس�لامية العليا كرابطة العالم اإلس�لامي
والمؤتمر اإلسالمي،".
-الفص��ل الثامن م��ن نفس القانون ال��ذي ينص على أنه " :تن��اط بالمجالس
العلمية اإلقليمية المهام اآلتية:
1 .1إحياء كراسي الوعظ واإلرشاد والتثقيف الشعبي بالمساجد والسهر على
سيرها،
2 .2توعي��ة الفئات الش��عبية بمقومات األمة الروحي��ة واألخالقية والتاريخية
وذلك بتنظيم محاضرات وندوات لقاءات تربوية،
3 .3اإلس��هام يف اإلبق��اء عل��ى وح��دة الب�لاد يف العقي��دة والمذه��ب يف إطار
التمسك بكتاب اهلل وسنة رسوله،
4 .4العمل على تنفيذ توجيهات المجلس العلمي األعلى.".
197
بحوث م�ؤمتر
يالح��ظ أن هذه المهام ال تش��ير بش��كل قوي وصريح الى تنظي��م الفتوى من
خالل المؤسس��ات المذك��ورة ،اللهم إذا اعتربنا أن الرتبي��ة الدينية تندرج ضمنها
الفتوى إحدى المقومات األساسية.
إن حصيل��ة عم��ل المجل��س العلمي األعل��ى ضعيفة خالل ف�ترة 1981الى
حدود 2004تاريخ إعادة تنظيم هذا اإلطار المؤسسايت.
الفقرة الثانية :م�ؤ�س�سة املجل�س العلمي الأعلى بعد فرتة �إعادة التنظيم
لتج��اوز األثر الس��لبي الذي خلف��ه المجلس العلمي األعل��ى يف الفرتة مابين
1981و 2004وبغ��رض تطوي��ر األداء الع��ام له��ذه المؤسس��ة ،ص��در الظهي��ر
الش��ريف المتعل��ق بإعادة تنظي��م المجلس العلم��ي األعلى والمجال��س العلمية
المحلية وفروعها بتاريخ 2ربيع األول 1425هـ الموافق لـ 22أبريل . 2004
وم��ن خالل اإلطالع على األس��باب الوجبة إلعادة تنظي��م المجالس العلمية
يذكر الملك محمد الس��ادس مايلي " :ومن المهام الجس��يمة التي تنتظر مجالسنا
العلمي��ة ،مهم��ة القي��ام بأمان��ة اإلفت��اء الش��رعي يف الن��وازل الطارئ��ة والوقائ��ع
المس��تجدة ،واإلنكباب عل��ى هذه المهمة الملحة باجته��اد جماعي ينأى هبا عن
الذاتية واإلنغالق ،ويحقق به مقاصد الشرع األسمى يف التيسير ورفع الحرج ،ويف
الوسطية واإلعتدال ،لتصبح أمرا الزما بعد المصادقة عليها من المجلس العلمي
األعلى وبعد عرضها على نظر جاللتنا."...
إن األس��باب والموجبات الداعية الى إعادة تنظي��م المجلس العلمي األعلى
تتجسد أساسا فيما يلي: 1
((( ينظ��ر أحمد بوعب��داالوي :تجديد الخطاب الديني بالمغ��رب ،إصالح الحقل الديني
أنموذجا ،بحث لنيل ش��هادة الدكتوراه يف الدراسات اإلسالمية ،جامعة سيدي محمد
بن عبد اهلل ،كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بفاس ،وحدة التكوين والبحث " :مشاريع
النهوض الحضاري يف الفكر اإلسالمي " ،السنة الجامعية 1432-1431هـ 2001-2010 ،م
،ص337 .و.338
198
الفتوى واستشراف المستقبل
-الرغبة يف إبراز الخصائص التي يتميز هبا اإلسالم ،والتي تجعله شفاء لكثير
م��ن أمراض العصر .ومن ه��ذه الخصائص صالحيته التي تتج��اوز حدود الزمان
والمكان وما يتميز به من مرونة يف تشريعاته وأحكامه وقابليته إلستيعاب كل ماقد
يطرأ على الحياة يف حركتها الدائبة من مستجدات،
-تقريب الخطاب الديني من كافة شرائح المجتمع بما فيهم النساء والشباب.
لقد عرف المجلس المذكور توسيعا لصالحياته بعد اإلمتداد الذي شهده على
مستوى مكوناته ،إذ كانت اختصاصات المجلس ذات طبيعة شكلية بدون تفعيل
واقع��ي ،فاإلش��راف على المجالس العلمي��ة كان يندرج ضم��ن المجال الخاص
لوزير األوقاف والش��ؤون اإلس�لامية يف التجربة التأسيسية األولى لهيكلة الحقل
الديني بالمغرب ،التي امتدت من 1981الى تاريخ صدور الظهير المعيد لهيكلة
المجالس العلمية ،حيث طلت هذه األخيرة محكومة بنظام س��لطة الوصاية ،التي
تخض��ع المجالس العلمي��ة اإلقليمية والمجلس العلم��ي األعلى لوزارة األوقاف
والشؤون اإلسالمية.1
ويمكن القول مبدئيا أن الظهير الشريف رقم ، 1.03.300المنظم للمجلس
العلم��ي األعل��ى والمجالس العلمي��ة المحلية ،قد تجاوز ج��زء من اإلختالالت
التي كانت تعرتي التجربة الس��ابقة ،وأعاد اإلعتبار لمؤسسة العلماء ،إذ وسع من
((( -18يراجع ذ.رشيد مقتدر ،خطب إمارة المؤمنين يف الشأن الديني والنصوص القانونية
المنظمة للمؤسسة العلمية ،مرجع سابق ،ص.46.
199
بحوث م�ؤمتر
صالحي��ات المجل��س العلمي بحيث أصبح يقوم بدور اإلش��راف المباش��ر على
توجي��ه المجالس العلمية المحلية ،وتفعيل أنش��طتها وتنس��يق برامجها ،بتنس��يق
وتش��اور بين وزير األوقاف والشؤون اإلسالمية والكاتب العام للمجلس العلمي
األعلى.1
�أما دواعي جتديد املجال�س العلمية املحلية فقد خل�صها �أحد الباحثني فيما يلي:2
-هنج سياسة القرب ،وذلك بتوسيع المجالس العلمية لتشمل كافة األقاليم،
-حفظ الخصوصية الدينية المغربية،
-تأهي��ل علم��اء قادرين عل��ى االجتهاد والتجديد،إش��راك الم��رأة العاملة يف
معالجة قضايا المجمتع،
((( -19يراجع ذ.رشيد مقتدر ،خطب إمارة المؤمنين يف الشأن الديني والنصوص القانونية
المنظمة للمؤسسة العلمية ،مرجع سابق ،ص.47.
وجبت اإلش��ارة الى المجلس العلمي األعلى بالمغرب يرأس��ه الملك منذ تأسيس��ه س��نة
1981وحتى يف ظل الظهير المتعلق بإعادة تنظيمه .وقد أكد الدستور على هذا المعطى
يف الفص��ل 41منه حيث جاء فيه " :الملك ،أمي��ر المؤمنين وحامي حمى الملة الدين،
والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.
ي��رأس الملك ،أمي��ر المؤمنين ،المجلس العلم��ي األعلى ،الذي يتولى دراس��ة القضايا التي
يعرضها عليه.
ويعترب المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة إلصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا ،يف شأن المسائل
المحالة عليه ،استنادا الى مبادئ وأحكام الدين اإلسالمي الحنيف ،ومقاصده السمحة.
تحدد اختصاصات المجلس وتأليفه وكيفيات سيره بظهير.
يمارس الملك الصالحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين ،والمخولة له حصريا ،بمقتضى
هذا الفصل ،بواسطة ظهائر.".
-ينظر ظهير ش��ريف رقم 1.11.91صادر بتاريخ 27ش��عبان 1432الموافق لـ 29يوليوز
2011بتنفيذ نص الدس��تور ،منشور بالجريدة الرسمية عدد 5964مكرر ،المؤرخة يف 30
يوليوز ،2011ص.3600.
((( -20يراج��ع يف تفاصيل ذلك :أحمد بوعب��داالوي ،تجديد الخطاب الديني بالمغرب،
إصالح الحقل الديني أنموذجا ،مرجع سابق ،ص339.و340و.341
200
الفتوى واستشراف المستقبل
بعد استعراض هذه المعطيات حول المجلس العلمي األعلى وكذا المجالس
العلمية المحلية ،فإنه يحق لنا أن نتس��ائل هل تم التغاضي عن اإلشارة الى عنصر
"الفتوى" كمحدد أساسي لعمل هذه المجالس مركزيا ومحليا؟
كم��ا نص��ت الم��ادة الثامنة من نف��س الظهير على أن��ه " يمكن للهيئ��ة العلمية
المكلف��ة باإلفتاء المش��ار اليها يف المادة الس��ابقة ،من أجل اإلضط�لاع بمهامها،
تش��كيل لجان علمية متخصصة يعهد اليها بدراس��ة الن��وازل والقضايا المعروضة
على الهيئة وإنجاز تقارير يف شأهنا وتقديم االستنتاجات المتعلقة هبا.
ويجوز للهيئة عند االقتضاء ،أن تس��تعين على س��بيل اإلستشارة بكل شخص
من ذوي الخربة واالختصاص من غير أعضاء المجلس العلمي األعلى.".
201
بحوث م�ؤمتر
-حكري��ة ص��دور الفتوى بالمغرب على المجل��س العلمي األعلى ممثال يف
الهيئة العلمية المكلفة باإلفتاء،
إن الهيئة العلمية المكلفة باإلفتاء هي مؤسسة تابعة للمجلس العلمي األعلى
،وتتكون أساس��ا من أعضائه ،وتصدر فتاواها بطلب من رئيس المجلس العلمي
األعلى وهو أمير المؤمنين ،أو الكاتب العام للمجلس األعلى ،أو بناء على طلب
من جهة معينة بعد موافقة المجلس العلمي األعلى عليه ،ويشرتط يف القضايا التي
يجب أن تعرض على هيئة اإلفتاء أن تكون ذات صبغة عامة ،تتناول قضايا الشأن
العام ،وال تختص بالنظر يف القضايا الخاصة إال ما أصبح منها يف حكم العام.1
ويف ه��ذا الصدد يعترب أحد الباحثين 2أن " مأسس��ة الفتوى وإلحاقها بالدولة،
فيه مصادرة لحق العلماء والحركات اإلسالمية يف الفتوى ذات الطبيعة السياسية،
(( ( -يراجع امحمد جربون ،إشكالية الوظيفة الدينية يف الدولة المعاصرة ،قراءة يف تجربة
تأهيل الحقل الديني بالمغرب ،مرجع سابق ،ص.29.
((( يراجع ذ.رشيد مقتدر ،المرجع السابق ،ص.55.
202
الفتوى واستشراف المستقبل
وجعل��ت ه��ذا األمر من اختصاص هيئ��ة اإلفتاء ،وهو ما رأى فيه الكثيرون س��عيا
رس��ميا الحتكارها وتأميمها ،وتقليص المبادرة المدنية يف نطاقها ،كما حاول هذا
المش��روع أيضا اس��تقطاب الجمهور المغربي المش��دود نحو الش��رق من خالل
الفضائي��ات ووس��ائل اإلع�لام المختلف��ة ،وذل��ك بتمكينه من مص��در مغربي يف
الفتوى ،يدرك جيدا الخصوصية المغربية ويقف عند حدودها.".
ب -مبنهجية الإ�شتغال بالهيئة العلمية املكلفة بالإفتاء :
تنص المادة التاسعة من الظهير السابق اإلشارة إليه الى أنه " :تصدر الفتاوى
عن الهيئة العلمي��ة المكلفة باإلفتاء إما بطلب من رئيس المجلس العلمي األعلى
أو بناء على طلب يعرض على المجلس من لدن الكاتب العام.
وله��ذا الغ��رض ،يتعين أن يوج��ه كل طلب لإلفت��اء الى الكات��ب العام الذي
يعرضه عند االقتضاء ،على المجلس األعلى.
تتخذ الهيئة العلمية المكلفة باإلفتاء قراراهتا بإجماع أعضائها.
ويس��هر المجل��س العلم��ي األعلى عل��ى توثيق األجوب��ة والفت��اوى الفقهية
الص��ادرة عن الهيئة يف القضاي��ا المعروضة عليها ،والعمل على تدوينها ونش��رها
تحت إشرافه.".
إن ن��ص المادة التاس��عة من الظهير قد أناطت مس��ألة اإلفتاء بالهيئ��ة العلمية ،كما
ح��ددت الجهات الت��ي لها الحق يف طلب اإلفت��اء ،وأعطت األولوي��ة يف إحالة طلبات
اإلفتاء الى جاللة الملك بصفته أميرا للمؤمنين ورئيسا للمجلس العلمي األعلى.1
وهك��ذا تتلقى الهيئ��ة العلمية طلبات اإلفت��اء التي تختص بالنظ��ر فيها ،طبقا
203
بحوث م�ؤمتر
للمادة الس��ابعة من الظهير الش��ريف المش��ار الي��ه ،إما من أمي��ر المؤمنين ،رئيس
المجلس العلمي األعلى ،وإما عن طريق الكاتب العام للمجلس ،ويف هذه الحال
األخي��رة يتعين ع��رض كل طلب إفتاء توصل ب��ه على المجل��س العلمي األعلى
للموافقة على إحالته على الهيئة المذكورة.1
وحينئذ تجتمع الهيئة لدراسة طلب الفتوى ،أو يحال على أعضائها للدراسة
وإع��داد الجواب الش��رعي المتعلق هبا ،تبعا لنوعية موضوعه��ا ،فتلتقي بعد ذلك
لبحثه ومناقش��ته ،وهتييء الصيغة النهائي��ة للفتوى التي تصدر عن الهيئة باإلجماع
وترفعها الى الكاتب الع��ام للمجلس ،قصد اإلطالع عليها ،وتوجيهها الى الجهة
المعني��ة هبا ،واإلحتفاظ بنظيرها يف وثائق المجلس هبدف تدوينها ونش��رها تحت
2
إشرافه.
ويف هذا الصدد تجدر اإلش��ارة الى أن الفتوى األولى ذات الشـأن العام ،التي
صدرت عن الهيئة كانت هي تلك التي تش��رفت برفعها الى الملك أمير المؤمنين
حول العمل بقاعدة "المصالح المرسلة" ،التي هي من أصول المذهب المالكي،
وم��دى اعتماده��ا واألخذ هب��ا يف الوق��ت الحاضر إلس��تنباط األحكام الش��رعية
المتعلق��ة بتدبير الش��أن الع��ام ،والهادفة الى رعاي��ة المصلحة العام��ة لألمة ودرء
المفسدة عنها.3
(( ( -24ينظ��ر عمر بنعب��اد :الهيئة العلمية المكلفة باإلفتاء ل��دى المجلس العلمي األعلى
:تكوينه��ا وطريق��ة عمله��ا يف إعداد الفت��اوى ،مجلة المجلس ،إص��دارات المجلس
العلمي األعلى ،العدد األول ،رمضان 1428هـ /أكتوبر 2007م ،ص.23.
((( -25يراج��ع عمر بنعباد ،الهيئة العلمية المكلفة باإلفتاء لدى المجلس العلمي األعلى
:تكوينها وطريقة عملها يف إعداد الفتاوى ،مرجع سابق ،ص.24.
((( -26يراجع عمر بنعباد ،مرجع سابق ،ص.24.
قدم المجلس العلمي األعلى رده على اإلس��تفتاء الذي طلبه الملك حول "المصلحة
المرس��لة يف عالقتها بقضايا تدبير الش��أن العام ،مالئمته مع هدي الش��ريعة المطهرة"،
204
الفتوى واستشراف المستقبل
ويش��ير أحد الباحثين" 1الى أن طلب��ات اإلفتاء يمكن أن تطرح على المجلس
العلمي األعلى من طرف جميع الجهات المهتمة من خارج المجلس سواء كانت
مؤسسات أو هيئات أو أفراد أو غيرها ،لذلك يتعين على أية جهة ترغب يف ذلك،
أن توج��ه طلبها الى الكاتب الع��ام للمجلس العلمي األعلى باعتباره مكلفا بتدبير
وتنس��يق العالق��ة بين المجل��س العلمي األعل��ى والهيئة المكلف��ة باإلفتاء ،حيث
يصنف ه��ذه الطلبات حس��ب أهميتها وقيمته��ا ،ونوعية القضايا الت��ي تتضمنها،
وه��ل تن��درج ضمن اإلختصاص��ات القانونية للهي��أة أم ال؟ ويف حال��ة تطابق هذا
الطل��ب م��ع المقتضيات القانونية المنص��وص عليها ،يقوم الكاتب العام حس��ب
المادة السادس��ة عشر من النظام الداخلي للهيئة ،بعرض كل طلب إفتاء توصل به
على المجلس العلمي األعلى ،الذي يقوم بدراس��ته ثم الموافقة على إحالته على
الهيئة العلمية لإلفتاء من خالل منسقها.".
وتجب اإلشارة الى أنه للهيئة العلمية لإلفتاء نظام داخلي يبين كيفية االشتغال
ي��وم 25رمض��ان 1428ه��ت الموافق ل��ـ 8أكتوب��ر 2007م بف��اس ،حي��ث ارتكز جواب
المجلس األعلى على أنه من الناحية الفقهية مفاده أن تدخل اإلمام يف مجال التش��ريع
يمت��د ال��ى ثالثة مجاالت على األق��ل ،يتعلق األول فيما النص قطع��ي فيه ،والثاين يف
الموضوع��ات الخالفية يف الفقه ،والثالث يف مجال تحقيق المصلحة الحقيقية ،واعترب
نفس الرد أنه إذا كان تحقيق المصلحة أمرا تتش��وف إليه الش��ريعة فإن " اإلمام األعظم
بم��ا له م��ن إلزاميية القرار ،ومن قدرة على توجيه النظ��ر اإلجتهادي ،يظل هو المؤهل
لتقني��ن ما يحقق المصالح الحقيقية ،ويدرأ المفاس��د التي ترتاءى يف صورة مصالح "،
ف" للفقه اإلس�لامي ترتيب موضوعي لإلس��تحقاقات واألولويات حس��ب أهميتها،
فيم��ا ي��راه اإلمام ويجتهد في��ه ،فيقدم منها م��اكان ضروريا ،ويتلوه م��ا كان حاجيا ،ثم
ماكان تحسينيا".
-ينظ��ر تقري��ر الحال��ة الدينية يف المغ��رب ،2008-2007 :منش��ورات المرك��ز المغربي
للدراس��ات واألبح��اث المعاصرة ،اإلص��دار األول ،الطبعة األول��ى ، 2009المطبعة
طوب بريس بالرباط ،ص.142.
((( -27يراجع ذ.رشيد مقتدر ،المرجع السابق ،ص.56.
205
بحوث م�ؤمتر
يف هذه الهيئة ويحدد يف المادة 12منه ش��عب البحث والدراس��ة التي تعينها على
البحث يف مختلف النوازل واألقضية وهي ثالث شعب كاآليت :
-شعبة البحث يف الفقه المالكي وأصوله،
-شعبة البحث يف الفقه المقارن،
-شعبة اإلجتهاد الفقهي المعاصر.
املطلب الثاين :الأ�س�س االجتهادية يف فتاوى املجل�س العلمي الأعلى بعد �سنة 2004
إن اله��دف من إنش��اء الهيئة العلمي��ة المكلفة باإلفتاء ،هو اإلرتقاء بمؤسس��ة
اإلفت��اء ونقله��ا من بعده��ا الفردي الذي قد اليس��لم م��ن المزاجي��ة والتجاذبات
الذاتية والعقدية والمذهبية ،الى البعد المؤسسايت المنضبط والمعتمد على العمل
الجماع��ي المنظ��م والهادف ،بمرجعيته الت��ي تحددها ثوابت األم��ة واختياراهتا،
التي أجمعت عليها ضمن مقاربة قائمة على الوس��طية واإلعتدال والمزاوجة بين
األصالة والمعاصرة.1
206
الفتوى واستشراف المستقبل
وقد س��جل تقرير الحالة الدينية يف المغرب 1الس��ابق اإلش��ارة اليه يف الهامش
الس��ادس والعش��رون أن " مجال الفتوى بالمغرب عرف توجها جديدا بتأس��يس
الهيئة المكلفة باإلفتاء التابعة للمجلس العلمي األعلى وهي هيأة رس��مية مركزية
مكلف��ة بإصدار الفتاوى ،إال أهنا تبقى قاص��رة على اإلجابة على القضايا الكربى،
أم��ا على المس��توى الميداين فقد س��جلت تجرب��ة الخط األخضر ال��ذي أطلق يف
ثم��ان مجالس علمية وهي وجدة ،وفاس ،وتطوان ،والرباط ،والبيضاء ،ومراكش
وأكادير والعيون ،وذلك يوم 7يوليوز 2003أحد مس��تجدات تيس��ير اإلستجابة
للطلب على الفتوى وخاصة منها العادية التي تتطلب اجتهادا...
أما على صعيد الفتوى ذات الخلفية االجتهادية ،فقد أصدرت الهيئة المكلفة
باإلفتاء التابعة للمجلس العلمي األعلى عددا من الفتاوى سنتي 2007و 2008
والتي على قلتها تمكنت من خاللها من تعزيز موقعها كسلطة إفتاء مرجعية."...
الفقرة األولى :فتوى حول مش��روعية اس��تخدام جه��از لرصد الكحول يف دم
السائقين
من المعلوم أن حوادث الس��ير بالمغرب تعرف معدالت جد مرتفعة 2وذلك
(( ( -يراج��ع تقرير الحال��ة الدينية يف المغ��رب ،2008-2007 :منش��ورات المركز المغربي
للدراسات واألبحاث المعاصرة ،المرجع السابق ،ص.83.
((( -ج��اء يف كلم��ة وزير العدل الس��ابق الراحل محم��د الطيب الناصري بمناس��بة افتتاح
الندوة الوطنية حول " مستجدات مدونة السير على الطرق" مايلي ... " :فقد بلغ عدد
حوادث الس��ير يف بالدنا خالل السنة المنصرمة 958.66حادثة سير ،خلفت 4024قتيل
و 743.102جري��ح .إن ه��ذه األرقام لتدعو الى القلق ،وتحث على التفكير إليجاد حل
لهذه المعظلة وما ينتج عنها من مآس اجتماعية.
207
بحوث م�ؤمتر
ويف ه��ذا الصدد وس��عيا من وزارة النقل والتجهيز يف تعزي��ز الرقابة المذكورة
أع�لاه وخصوصا على تلك الرقابة التي تس��تهدف العنصر البش��ري تقدمت هذه
األخيرة بس��ؤال لدى وزارة األوقاف والش��ؤون اإلسالمية حول مدى " استخدام
جهاز رصد تناول المسكرات عند السائقين" .وعمدت الوزارة األخيرة الى إحالة
:1
السؤال على أنظار المجلس العلمي األعلى الذي أجاب عنه بمايلي
" ...إن الس��ؤال المط��روح حول مش��روعية اس��تخدام الجه��از المعد لرصد
درج��ة تن��اول الكحول من طرف بعض الس��ائقين ،واعتباره وس��يلة علمية حديثة
لثب��وت ذلك،ولكونه أصبح مجربا ومعموال به ل��دى بعض الدول ،وأعطى نتائج
208
الفتوى واستشراف المستقبل
ايجابي��ة ،ف��إن الس��ادة العلماء الذين استش��ارهم الس��يد الكاتب الع��ام للمجلس
العلم��ي األعل��ى ،قد أجمعوا على جواز اس��تعمال هذا الجهاز ،م��ع التأكيد على
ضرورة التثبت من سالمته ودقته يف النتيجة ،ومراعاة االطمئنان إلى من يعهد إليه
بذلك وأمانته وحسن
استخدامه بما ال يؤدي إلى أدنى ريب يف إثبات تعاطي المسكر عند من يخترب
بذلك الجهاز ،وحتى ال يظلم أحد فيما ُينسب إليه من ارتكاب تعاطي المحظور،
ألن األمر يقتضي التحري والتثبت بجميع الوسائل الممكنة".
يالح��ظ من خالل هذا الفتوى أن المجلس العلم��ي األعلى أعترب أنه ال مانع
ش��رعي من اس��تخدام جهاز لرصد الكحول يف دم الس��ائقين مادام وس��يلة علمية
مجرب��ة تمك��ن من التثبت من واقعة تن��اول الخمر من عدمه .فه��ذه الفتوى تبتغي
الغاية من قياس نس��بة الكحول يف الدم وهي منع الس��ائق من القيادة يف هذه الحالة
لما يف ذلك من خطر على نفسه وعلى باقي الناس.
((( -ينظر محضر اجتماع لجنة صياغة الرأي االستش��اري الفقهي بمقر المجلس العلمي
األعلى بالرباط حول اس��تخدام جهاز رصد تناول المسكرات عند السائقين بتاريخ30
شوال 1425الموافق لـ 13دجنرب . 2004
209
بحوث م�ؤمتر
حاس��ة الشم والجهاز المستعمل لرصد الكحول ،ويبدو أن هذا الجهاز أكثر دقة،
لذلك فال مانع شرعا من استعماله.
واستعمال هذا الجهاز لرصد الكحول ليس فيه اعتداء على السائق وال مساس
بمروءته ،إذ المس��تهدف ه��و المتناول للخمر خاصة ويتع��ذر معرفته تحديدا من
غير إخضاع الس��ائقين عامة لهذا الجهاز .ثم إن يف اس��تعمال هذا الجهاز مصالح
ش��رعية كثيرة للس��ائقين وغيرهم ،منها الحفاظ على ش��رف مهنة الس��ياقة وتقوية
الثقة بالس��ائقين ،والمحافظة على أرواح مستعملي الطريق خصوصا بعد أن ثبت
أن كثيرا من حوادث الس��ير س��ببها الس��كر ،وال يخفى أن الحفاظ على النفس من
الضرورات الشرعية التي يجب الحفاظ عليها.
وإذا كان بعض الفقهاء قد خالف يف إثبات الشرب بالشم لكون الرائحة ليست
دليال قاطعا على تناول الخمر إذ بعض المأكوالت قد تشبه رائحتها رائحة الخمر
مما ينهض ش��بهة يمتنع معها إقامة الحد ،فإن هذه الشبهة تنتفي تماما يف استعمال
هذا الجهاز لدقة رصده لمادة الكحول.
ويظهر أن هذا الجهاز ال يمنع الس��ائق من الس��ياقة إال إذا كان قد تناول كمية
معين��ة من الكحول ،وال يمنعه إذا تناول أقل منها ،ونحن نرى أن الس��ائق إذا ثبت
تناوله للمادة المس��كرة س��واء كانت قليلة أو كثيرة ينبغي أن يمنع من الس��ياقة أو
يزجر على األقل ،وذلك ألن الشريعة اإلسالمية ال تفرق بين قليل الخمر وكثيره،
فما أسكر كثيره فقليله حرام ،كما ورد يف الحديث النبوي الشريف.
وبص��دد ه��ذه الفت��وى ،فإننا الحظن��ا تأثر التش��ريع المرتبط بمجال الس��ياقة
والسائقين والمتمثل يف مدونة السير على الطرق 1هبذا االجتهاد حيث تم تضمينه
-ينظ��ر الظهي��ر الش��ريف رقم 07.10.1الص��ادر بتاريخ 26من صف��ر 1431الموافق لـ (((
11فرباي��ر 2010بتنفي��ذ القانون رقم 05.52المتعلق بمدونة الس��ير على الطرق ،منش��ور
بالجريدة الرسمية عدد 5824الصادرة بتاريخ 8ربيع اآلخر 1431الموافق لت 25مارس
، 2010ص.2168.
210
الفتوى واستشراف المستقبل
غير أنه يمكن لضباط الش��رطة القضائية ولألع��وان محرري المحاضر ،حتى
يف حالة عدم وجود أية عالمة على السكر البين ،إخضاع أي شخص يسوق مركبة
لرائز للنفس للكشف من تشبع الهواء المنبعث من الفم بالكحول.
((( ينظ��ر تقرير لجن��ة المالة والتجهي��زات والتخطيط والتنمي��ة الجهوية حول مش��روع قانون
211
بحوث م�ؤمتر
-نطاق العمل هبذا اإلجراء ،أي فيما إذا كانت المعاينة المتعلقة بإثبات تناول
الكحول تجري يف جميع األحوال أم فقط عندما تقع حادثة سير،
-نسبة الكحول غير القانونية ،أي فيما إذا كان المشرع يتضمن تحديدا لنسبة
الكح��ول المتناولة الت��ي ترتتب عن تجاوزها إث��ارة المس��ؤولية الموجبة للجزاء
الوارد يف مشروع المدونة.
وق��د أجاب وزي��ر التجهيز والنقل 2موضح��ا "أن عملية معاينة حالة الس��ياقة
تح��ت تأثي��ر الكحول هي عبارة ع��ن مراقبة استكش��افية ،حي��ث إذا مكن الجهاز
المس��تعمل من افرتاض وجود نس��بة الكحول التي ستعمل على تحديدها اإلدارة
التنظيمي��ة ،يتم مرافقة الش��خص الى أقرب مركز للش��رطة ،ليخضع للفحوصات
الطبية والسريرية والبيولوجية ،مذكرا بأن المخالف يبقى محتفظا بحقه يف المطالبة
رقم 05.52يتعلق بمدونة الس��ير على الطرق ،مجلس المستش��ارين ،األمانة العامة ،قس��م
اللجان ،الوالية التش��ريعية ،2015-2006الس��نة التش��ريعية ،2010-2009دورة أكتوبر
،2009ص.115.
(( ( ينظر تقرير لجنة المالة والتجهيزات والتخطيط والتنمية الجهوية حول مش��روع قانون
رقم 05.52يتعلق بمدونة السير على الطرق ،مرجع سابق ،ص.116.
(( ( نظ��ر تقرير لجنة المالة والتجهيزات والتخطيط والتنمية الجهوية حول مش��روع قانون
رقم 52.05يتعلق بمدونة السير على الطرق ،مرجع سابق ،ص116.و.117
-تنظ��ر مجموعة من التس��اؤالت التي تثيرها المادة 207عند ذ.رش��يد حوبابي :قراءة
يف بعض مس��تجدات المدونة الجديدة للس��ير من خالل ما تطرح��ه قراءهتا األولية من
إشكاليات ،سلس��لة الموائد المستديرة بمحكمة اإلس��تئناف بالرباط ،أشغال المائدة
المس��تديرة األولى بتاريخ فاتح ش��تنرب 2010ح��ول "آفاق الس�لامة الطرقية على ضوء
مدونة السير الجديدة" ،مطبعة األمنية بالرباط ،ص.56.
212
الفتوى واستشراف المستقبل
لقد أجاب المجلس العلمي األعلى على هذا التس��اؤل باإليجاب حيث جوز
ذلك بمربرات شرعية عدة منها:
-اعتبار هذا التربع نوعا من فعل الخير والتعاون عليه ويندرج يف إطار تنفيس
الكربة عن المؤمن ،وتخفيف الشدة والضائقة عن اإلنسان المكروب يف مثل هذه
الحال ويف غيرها من األحوال وينـدرج هذا العمل كذلك يف باب اإلحسان ،وكذا
يف باب الصدقة الجارية التي يس��تمر للمتصدق هبا يف حياته ثواهبا وأجرها عند اهلل
بعد مماته،
-إن عملي��ة أخ��ذ قرنية العين من إنس��ان متوىف ،أذن به وأوص��ى به يف حياته،
تطوع��ا وتربعا من��ه لفائدة زرعها بعد مماته يف عين إنس��ان آخر ،محتاج إليها غاية
االحتياج يف اس��تعادة س�لامة نظره وعافية بصره ،تعد يف حد ذاهت��ا وهدفها النبيل
من وجهة المنظور الش��رعي ،ويف نظر واجتهاد بعض المجامع الفقهية اإلسالمية
والعلم��اء المعاصري��ن ،عملية طبية إنس��ـانية ،ووس��يلة عالجية إنقاذي��ة لمن كان
213
بحوث م�ؤمتر
مصاب��ا بآف��ة ضعف النظر ،أو ُم َع َّرضا لفقد حاس��ة البصر التي هي من أكرب نعم اهلل
والمساع ِ
دة له على القيام ِ على اإلنسان ومن الحواس الظاهرة األساسية يف حياته،
بمختلف األعمال يف أحسن وجه وأيسر حال.
وهي بذلك تعترب نوعا من اإلحياء النفس��ي والمعنوي لإلنسان بالحفاظ على
حياته وصحته ،وعالجِ عضو من أعضاء جسمـه وبدنه.
كما تندرج هذه العملية يف مبدأ اليسر ورفع الحرج عن الناس يف بعض األمور
واألحوال جاء به دين اإلسالم.
كم��ا تعترب ه��ذه العملية (عملي�� ُة زرع القرنية يف عين الغي��ر) يف نظر أكثر الفقه
المعاصر نوعا من التداوي المش��روع لكل األمراض العارضة لإلنسان ،والعالج ِ
الممك��ن والمطلوب لكل اآلفات والعاهات الطارئة له يف جس��مه وبدنه ،والذي
أصب��ح اآلن ممكنا أكثر من َأي زمن مضى ،بحكم التطور والتقدم الذي بلغه علم
الطب يف الوقت الحاضر،
-هناك ش��روط ش��رعية ،وجوانب إنس��انية ينضبط هب��ا هذا الن��وع من التربع
والعملي��ة الطبية واإلنس��انية المفي��دة ،نص عليه��ا الفقهاء المعاص��رون ،وتجب
مراعاهتا واس��تحضارها عند ذلك لتكون وفق منظور اإلس�لام ومقبولة يف شرعه،
ويتحقق هبا للمتربع حسن مراده وقصده ،وهي تتجلى فيما يلي:
-1بالنسبة للمتربع :ينبغي أن يكون تربعه مجانيا ،دون أخذ عوض أو مقابل،
وناوي��ا به وجه اهلل تعالى ،وادخ��ار مثوبته للحياة األخرى ،وقاصدا به نفع الغير يف
الدنيا.
ذلك أن جميع أعضاء جس��م اإلنس��ان وسائر أنس��جة بدنه ليست سلعة مادية
تباع و ُتشرتى ،ويتصرف فيها المرء كما يحلو له ويريد ،وإنما هي كلها مخلوقة هلل
214
الفتوى واستشراف المستقبل
تعالى وملك له س��بحانه ،وم ْك ُر َمة عنده ،ونعمة منه ومنة على اإلنس��انَّ ،
يسرها له
وكرمه ومتعه هبا ليحافظ عليها يف حياته ،ويتنفع هبا يف نفسه ،ويتمكن وس��خـَّرهاَّ ،
هبا من أداء رسالته المنوطة به يف أمور دينه ودنياه؛
-2وبالنسبة للقيام بإجراء هذه العملية ،ينبغي أن تكون هناك مصلحة محققة
يقينا ،أو تغليب للظن ورجحانه ،الذي يعتربه الفقه اإلسالمي يف عديد من األمور
واألحوال بمثابة اليقين المتأكد؛
-3أن يق��ع التثبت والتأكد يقينا كذلك أو تغليبا للنظر بنجاح العملية وإفادهتا
للمتربع عليها بالقرنية ،وقابلية عينه لها ،باعتبارها نس��يجا جديدا يدخل جس��مه،
حتى ال تكون النتيجة عكسية.
وق��د أجازت الفتوى الص��ادرة عن المجمع الفقهي المذك��ور أخذ عضو من
جس��م إنس��ان ح��ي ،وزرعه يف جس��م إنس��ان آلخر مضطر إلي��ه إلنق��اذ حياته ،أو
إلس��تعادة وظيفة من وظائف أعضائه األساسية هو عمل جائز اليتناىف مع الكرامة
اإلنس��انية بالنس��بة للمأخوذ منه ،كما أن فيه مصلحة كبي��رة وإعانة خيرة للمزروع
-تنظر مجلة المجمع الفقهي اإلسالمي ،العدد العاشر ،الطبعة الثانية 1426هت 2005 (((
م ،ص 329.ومابعدها.
215
بحوث م�ؤمتر
الفقرة الثالثة :فتوى حول و�ضع املر�أة يف نظام �أرا�ضي اجلماعات ال�ساللية
عمدت وزارة الداخلية بالمغرب الى اس��تصدار فت��وى من المجلس العلمي
األعلى حول وضع المرأة داخل الجماعات الس�لالية ،2وحرماهنا االس��تفادة من
(( ( -ينظر القرار األول الصادر عن الدورة الثامنة لمجلس المجمع الفقهي المنعقدة عام
1405هت بش��أن موضوع زراع��ة األعضاء ،مجلة المجمع الفقهي اإلس�لامي ،العدد
العاشر ،مرجع سابق ،ص 329.و .330
تنظ��ر مجموعة من الفتاوى ذات الصلة بنقل قرينة العين من ميت إلفادة الحي أوردها
الدكتور يوسف القرضاوي :زراعة األعضاء يف ضوء الشريعة اإلسالمية ،الطبعة الثانية
،2011الناشر دار الشروق بالقاهرة ،ص 35.ومابعدها.
يف هذا الصدد البد من اإلشارة الى أن الشيخ عبد الرحمان بن ناصر السعدي عضو هيئة كبار
العلماء بالسعودية كان سباقا يف إثارة هذه المسألة .حيث أجاب قبل سنة 1952بجواز نقل
عضو من جس��د بش��ري الى آخر ،ودعم ما ذهب إليه بأن الضرر منعدم بالنس��بة للمنزوع منه
العض��و ،وإن هذا العمل جار على أصل اإلس�لام يف الرتاحم والتعاط��ف والحث على إنقاذ
النفوس من الهالك.
أبح��اث هيئة كبار العلم��اء بالمملكة العربية الس��عودية ،المجلة ،2ص 60.أش��ار الى ذلك
د.مصطفى بن حمزة :بحوث فقهية ،الناشر دار األمان للنشر والتوزيع بالرباط ،ص.328.
للمزي��د م��ن التفاصي��ل ينظر أيض��ا محمد ش��هيب :اإلط��ار القانوين لألعم��ال الطبية
الحديثة ،دراس��ة مقارن��ة ،أطروحة لنيل الدكتوراه يف الحقوق ،الس��نة الجامعية -2006
،2007جامعة محمد األول ،كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية بوجدة.
(( ( -تنظ��ر الفتوى منش��ورة بسلس��لة أم�لاك الدولة ،الع��دد األول ،الس��نة األولى،2012 ،
منشورات مجلة الحقوق المغربية ،ص 311.وما بعدها.
وهي منش��ورة أيضا بمجلة عطاء :مجلة العالمات والواعظات والمرش��دات يصدرها
المجل��س العلم��ي األعل��ى ،الع��دد األول ،ذو القع��دة 1432هـ/أكتوب��ر ،2001ص36.
ومابعدها.
والواقع أن هذه الفتوى جسدت معنى "الحق يف المساواة" بين الرجل والمرأة.
ينظ��ر يف تفاصي��ل ه��ذه الفكرة محمد س��عدي :حقوق اإلنس��ان :األس��س-المفاهيم
والمؤسسات ،مطبعة آنفو برانت بفاس ،بدون ذكر الطبعة ودار النشر ،ص.62.
216
الفتوى واستشراف المستقبل
التعويضات المادية التي يستفيدها الرجل إثر العمليات العقارية التي تجرى على
بعض األراضي الجماعية.1
(( ( -األم�لاك الجماعي��ة هي األراض��ي وما عليها م��ن نباتات التي تمتلكه��ا الجماعات
بالب��وادي ويخضع التصرف فيه��ا الى قواعد محدودة يف الظهائر الصادرة بش��أهنا تبعا
لألعراف المحلية أو للقواعد التي اس��تحدثتها تلك النصوص مراعاة لعادات القبائل
الموج��ودة هب��ا ،حيث كانت كل قبيلة يف ما مضى هبا جماع��ات تمتلك تلك األراضي
ومساحات شاسعة تديرها وتستغلها على شكل جماعي بواسطة اإلشرتاك يف اإلنتفاع
هب��ا بالرعي أو الحرث أو الكراء ،ولما تغيرت وضعي��ة الجماعات تغيرت تبعا لذلك
طريقة تدبيرها لتلك األراضي نس��بيا ،خاصة بعد صدور الظهير المتعلق هبا س��نة 1919
وماتاله من تغييرات وتعديالت بحسب السبب الداعي الى ذلك التغيير أو التعديل.
ينظر جواد الهروس :الحيازة واإلستحقاق يف الفه المالكي والتشريع المغربي ،دراسة
فقهية-قانوني��ة مع��ززة بنصوص وفت��اوى فقهية وم��واد قانونية واجته��ادات قضائية،
الطبع��ة األولى 1430هت 2009/م ،مطبعة الكرامة بالرباط ،الناش��ر مكتبة دار الس�لام
بالرباط،ص.220.
كم��ا جاء يف تعريف آخر كون "األراض��ي الجماعية هي األراضي التي تملكها بصفة جماعية
مجموع��ة م��ن الس��كان المنتمين ألص��ل واح��د أو س�لالة واحدة.ويرجع أص��ل األراضي
الجماعي��ة الى عصور ج��د قديمة ،إذ كانت ظروف األمن والعيش تلزم القبائل باإلس��تغالل
المشرتك والجماعي لمواردها.".
ينظر يف هذا التعريف ذ.بنيونس الدحماين :اإلطار القانوين المنظم ألراضي الجموع :
الرصيد العقاري-التدبير والتسيير ،سلسلة "األنظمة والمنازعات العقارية" ،اإلصدار
األول ح��ول أراضي الجماعات الس�لالية بالمغرب ،يناي��ر ، 2010الطبعة الثانية ،2012
مطبعة المعارف الجديدة بالرباط ،الناشر دار اآلفاق المغربية بالدار البيضاء ،ص.47.
ينظر أيضا يف تعريف األراضي الجماعية :
-عبد الوهاب رافع :أراضي الجموع بين التنظيم والوصاية ،سلسلة المكتبة القانونية
المعاص��رة ،رق��م ، 2المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش ،الناش��ر مكتب��ة المنارة كتب
بمراكش ،ص،15.
-محمد السهل :األراضي الجماعية واإلستثمار ،مداخلة ضمن أشغال اليوم الدراسي
المنظ��م من طرف عمالة إقليم الحوز والمكتب الجهوي لإلس��تثمار الفالحي للحوز
بتعاون مع مركز الدراسات القانونية المدنية والعقارية بكلية الحقوق بمراكش بتاريخ
217
بحوث م�ؤمتر
وقد عمدت الوزارة بعد صدور هذه الفتوى الى إصدار منش��ور مؤرخ يف 25
أكتوبر " 2010
اس��تهل وزير الداخلية بصفته وصيا على الجماعات الس�لالية هذا المنش��ور
بالتذكي��ر بمعطي��ات خربها كل المغاربة والس��يما النس��اء ،والمتمثلة يف اإلقصاء
الممنه��ج للنس��اء الس�لاليات من تدبي��ر وتس��يير األراضي الجماعية واس��تحواذ
الذك��ور على الثمار المدنية الناجمة ع��ن تفويت حق الرقبة أو حق المنفعة ،ضدا
على الشريعة اإلسالمية.
وحسب منطوق هذا المنشور فإن اإلقصاء نابع من تصرفات نواب الجماعات
الس�لالية ،الذي��ن يعمدون خ�لال إعداد لوائ��ح ذوي الحقوق المس��تفيدين على
حصرها يف جنس الذكور ،استنادا إلى عادات وتقاليد قديمة.
وكحل لهذه المعضلة ترى وزارة الداخلية بأنه أصبح من الالزم تغيير القواعد
الجاري هبا العمل حاليا على صعيد الجماعات الساللية وذلك بتمكين النساء من
العائ��دات المادية والعينية التي تحصل عليها هذه الجماعات بمناس��بة التفويتات
218
الفتوى واستشراف المستقبل
1
واألكرية التي تنصب على األراضي الجماعية".
وقد خلص المجلس العلمي األعلى يف فتواه الى أنه المانع من استفادة المرأة
من التعويضات المادية التي يس��تفيدها الرج��ل إثر العمليات العقارية التي تجرى
على بعض األراضي الجماعية وذلك للمربرات الشرعية والموضوعية التالية:
أ -عم��وم قوله تعال��ى﴿ :للرجال نصيب مما اكتس��بوا ،وللنس��اء نصيب مما
اكتسبن﴾ (سورة النساء)32/
ب -عموم قول النبي صلى اهلل عليه وسلم﴿ :النساء شقائق الرجال﴾ (أي يف
األحكام الشرعية العامة ،إال ما خص به الشرع أحد الجنسين).
ج -عموم قوله ﷺلمن جاء يستشهده من بعض الصحابة على عطية أعطاها
ولدك نحلت��ه"( ،أي هل أعطي��ت عطية لجميع ألح��د أوالده دون بقيته��م" :أك َُّل ِ
أوالدك؟) فأنك��ر علي��ه تخصيص أح��د أوالده هب��ا دون األوالد اآلخرين ،ذكورا
كانوا أم إناثا ،ولم يقبل أن يشهد عليها.
((( -ينظ��ر د.العرب��ي مي��اد :منع النس��اء الس�لاليات من عائ��دات األراض��ي الجماعية،
سلس��لة "األنظمة والمنازعات العقارية" ،اإلص��دار الثالث حول القواعد الموضوعية
والش��كلية يف مس��اطر المنازعات العقارية ،الجزء الرابع ،يناير ،2012منشورات مجلة
الحقوق المغربية ،ص 71.ومابعدها.
219
بحوث م�ؤمتر
وكانت عائش��ة زوج النبي صلى اهلل عليه وس��لم ،ورضي اهلل عنها وعن سائر
أمه��ات المومني��ن ،يف مقدمة من أنكر حرمان اإلناث م��ن تربعات اآلباء ،وكانت
ترى يف إخراج النساء من العطاء واستثنائهم منه ،أنه فعل من أفعال الجاهلية ،وهو
ما كان يراه اإلمام مالك رحمه اهلل.
وأن عمـ��ر ب��ن عبد العزي��ز رضي اهلل عنه م��ات حين مات ،وه��و يريد أن يرد
صدقات الناس ،التي أخـرجوا منها النس��اء ،كما ج��اء ذكر ذلك والتنصيص عليه
يف المدونة.
-3تغير العرف الذي بني عليه يف الجماعات الس�لالية قصر االس��تفادة على
الرجال وتخصيصهم هبا دون المرأة ،على اعتبار أن الرجل كان مصدر الحماية يف
القبيلة والرعاية يف العشيرة ،وغير ذلك من الذرائع العرفية ،التي إن صحت وكانت
مقبولة فيما مضى من الزمان ،فإهنا لم تعد اليوم واقعا يمكن قبوله واالستناد إليه،
فق��د زال ه��ذا العرف وصارت الدولة بقوانينها ومؤسس��اهتا ه��ي الحامية للقبائل
والعش��ائر ،والراعية لش��ؤوهنا وش��ؤون غيرها م��ن مكونـات المجتم��ع المغربي
وعنـاص��ره الحضري��ة والقروية المتـماس��كة ،وم��ن المعلوم أن الحكم الش��رعي
المبني على عرف ،يتغير بتغيره كما هو مقرر عند الفقهاء.
220
الفتوى واستشراف المستقبل
ذلك للنس��اء أيضا ،كما هو الح��ال يف اإلرث والوقف والهبة والش��فعة والعمرى
والرقبى ،وغير ذلك من وجوه الحقوق المالية وتناقلها من السلف إلى الخلف.
-6دلت نصوص الش��ريعة يف عموماهتا على أن إحياء األرض الموات (التي
ال مالك لها) وذلك بالقيام باستصالحها وخدمتها أو االنتفاع بمنتوجها) ،يوجب
تملكها للرجال والنساء معا ،ولم تخص يف ذلك الرجال دون النساء.
واألصل فيه من الوجهة الش��رعية الحدي��ث الصحيح عند اإلمام البخاري أن
النبي ﷺقال":من أحيى أرضا ميتة فهي له" ،وقال":من أعمر أرضا ليس��ت ألحد
فهو أحق هبا".
-7قيام الحاجة إلى إش��راك النس��اء يف االس��تفادة من منفعة أراضي الجموع
ومنتوجها الفالحي باعتبارها من األسرة ومندمجة يف الجماعة أثناء االنتفاع بتلك
األراضي واستغاللها الزراعي ،ومن التعويضات والعائدات المالية حين حصول
شيء من البيع والتفويت فيها ،ألن منهن المعيالت ألصولهن وفروعهن وغيرهم
م��ن قرابته��ن وذويهن ،فضال عن اس��توائهن م��ن الرجال يف العم��ل وبذل الجهد
وخدمة العشيرة والقرابة ،وقد تفوق بعض النساء الرجال يف ذلك.
فيكون ما تستحقه المرأة من ذلك وتستفيده بمثابة األجر على ما قامت به من
عمل غير مطلوب منها ش��رعا لفائدة األس��رة ،وبذلته من مجهود بدين إلى جانب
الرجل إلعانته على تقوية اإلنتاج الفالحي ومضاعفة محصوله الزراعي ،أو جنيه
حين اإلنتاج والنضج ،مما يصطلح عليه فقها بعبارة "الكد والس��عاية" ،ويعترب من
قبي��ل العوض المادي ع��ن ذلك ،كما يراه بعض فقهاء المغرب يف ش��أن من يقوم
بمثل تلك األعمال من نساء البادية ،ال من قبيل اإلرث والتوارث الشرعي ،الذي
له أس��بابه وأحكامه الش��رعية الخاصة به ،كما هي مفصلة يف كتاب اهلل وس��نة نبيه،
وأجمع عليها العلماء الفقهاء سلفا وخلفا.
221
بحوث م�ؤمتر
وقد نصت مدونة األس��رة يف المادة ( )49على أن��ه":إذا لك يكن هناك اتفاق
(أي بين الزوجين يف تدبير أموالهما التي تكتسب أثناء قيام الحياة الزوجية) فيرجع
للقواع��د العـامة لإلثبات ،مع مراعـاة عمل كل واحد من الـزوجين ،وما قدمه من
مجهودات ،وما تحمله من أعباء لتنمية األسرة.
وخالصة الرأي الفقهي بش��أن وضع المرأة يف الجماعات الساللية ،ومطلب
استفادهتا من بعض المكاسب المادية واالجتماعية التي يستفيدها الرجل داخلها.
استنادا لكل ما تقدم من األحكام الشرعية والقواعد الفقهية العامة ،واإلشارة
إلى الظهائر الشريفة المتعلقة بالموضوع ،والمنظمة لتفاصيل أحكامه؛
فإن الرأي الفقهي الذي خلص إليه المجلس ويراه هو أن مسألة حرمان المرأة
من بعض الحقوق المالية والمكاس��ب االجتماعي��ة يف مثل هذه الحال ،هي حال
كان عليه��ا أه��ل الجاهلية قبل اإلس�لام ،فجاء الدين اإلس�لامي الحنيف بتكريم
الم��رأة وإنصافـها ،وتمتيعها بالحقوق المالية التي ش��رعها له��ا ،بدءا من حقها يف
اإلرث م��ن قريبه��ا المتوىف ،وفق القس��مة الش��رعية ،ويف غير ذلك م��ن الحقوق
األخ��رى .فأبطل اإلس�لام تل��ك األعراف والعوائ��د التي كانت تح��رم المرأة من
حقوقها اإلنسانية وتعتربها إنسانا ناقص األهلية ،وحسم يف األمر وأنصف المرأة،
وأعطاها حقوقها المش��روعـة على التفصيل المبين يف كتـاب اهلل تعالى وس��نة نبيه
المصطفى وكالم السلف الصالح من أئمة العلماء الفقهاء سلفا وخلفا.
وأنه لكل ذلك من حق المرأة يف الجماعات الس�لالية أن تس��تفيد كما يستفيد
الرج��ل من االنتف��اع باألراض��ي الجماعية ومنتوجه��ا داخل األس��رة والجماعة،
خالل حصول االنتفاع هبا ،ومن كل تقس��يم للمنفعة إذا حصل تقس��يم فيها ،ومن
العائ��دات المالية التي تحصل عليها الجماعة إث��ر العمليات العقارية التي تجري
عل��ى األراضي الجماعية( ،علما بأن ظهير 12رمضان 6( 1382فرباير )1963
222
الفتوى واستشراف المستقبل
ينص على أن األراضي الجماعية غير قابلة للتقادم وال للتفويت والحجز).
وأن يك��ون ذلك بمعايي��ر عادلة ،يتبين على أساس��ها من يك��ون جديرا بتلك
االس��تفادة وأحق هبا ،وتعطي لكل ذي حق حقه يف اطمئنان من رجال ونساء تلك
الجماعات ،إنصافا للمرأة يف مثل هذه األحول من المكاسب المادية والعطاءات
االجتماعي��ة والتربعية ،بناء على تل��ك المعايير الموضوعي��ة المنصفة ،وتـحقيقا
للعدل التي جاء هبا ش��رع اإلسـالم ،وجعلـه من أسس وتجليات تكريم اإلنـسان،
رجال كان أو إمرأة ،والمأمور به يف عموم قول اهلل تعالى﴿ :يا أيها الذين آمنوا كونوا
قوامين هلل شهـداء بالقسط﴾﴿ ،وال يجرمنكم شـنآن قوم على أال تعـدلوا ،إعدلوا
هو أقرب للتقوى ،واتقوا اهلل ،إن اهلل خبير بما تعملون﴾ (سورة المائدة.)8:
فالمتتب��ع لهذه الفتوى س��يتضح له اس��تناده الى أدلة نقلي��ة قوية ال يجوز معها
حرمان المرأة مما هو مستحق لها .
بي��د أن أحد الباحثين 1يتس��اءل عن جدوى هذه الفت��وى بقوله " :هل كان من
ال�لازم عل��ى وزارة الداخلي��ة طلب فتوى م��ن المجلس العلم��ي األعلى لمعرفة
موق��ف الش��ريعة اإلس�لامية من م��دى أحقية الم��رأة يف االس��تفادة م��ن عائدات
اس��تغالل األراض��ي الجماعي��ة؟ خاص��ة وأن األم��ر ق��د يحمل ل��دى البعض أن
للش��ريعة اإلس�لامية نصيبا يف إقصاء المرأة الس�لالية من االس��تفادة من عائدات
األراض��ي الجماعية وهذا غير صحي��ح .وبالتالي كان يكفي أن تنظر يف مقتضيات
القانون المنظم الس��تغالل األراضي الجماعية باعتب��اره قانون وضعي صرف لم
تكن الش��ريعة اإلس�لامية أحد مص��ادره .ويف أقصى األحوال يمك��ن اللجوء إلى
األمانة العامة للحكومة للبحث عن تأويل قانوين.".
((( -يراج��ع د.العرب��ي مياد :منع النس��اء الس�لاليات م��ن عائدات األراض��ي الجماعية،
سلسلة "األنظمة والمنازعات العقارية" ،مرجع سابق ،ص.74.
223
بحوث م�ؤمتر
وال ي�سعنا ونحن ن�أتي على نهاية هذا البحث اىل �أن ن�ؤكد مايلي :
•أن مؤسس��ة الفت��وى بالمغرب تح��اول أن تكون المرج��ع الوحيد لإلفتاء
للحد مما أضحى يسمى بالفوضى االجتهادية،
•أن عمل الهيئة العلمية لإلفتاء وبغض النظر عن مدى موافقة البعض أم ال
يتميز بتعليل مقنع لألحكام الفقهية خاصة عندما يتعلق األمر بمستجدات
العصر ولطبيعة تغير وتطور ظروف الحياة اإلنسانية،
224
الفتوى واستشراف المستقبل
•أن يعم��د المجلس المذكور الى طباع��ة الموروث الفقهي تحقيقا لعنصر
المقارنة واإلطالع المطلوبين يف المجال الدراسي النظري.
225
بحوث م�ؤمتر
-1الكتب:
1 .1أيمن صالح ش��عبان :الفتاوى الشرعية يف المس��ائل العصرية ،فتاوى علماء
الحرمين الش��ريفين ،المكتب الثقايف للنش��ر والتوزي��ع بالقاهرة ،بدون ذكر
المطبعة وتاريخ الطبعة
2 .2محمد بن علي بن حسين المكي المالكي :ضواط الفتوى ،تقديم وترتيب
وتعلي��ق :مج��دي عب��د الغني ،الناش��ر دار الفرقان لنش��ر وتوزي��ع الكتاب
اإلسالمي ،اإلسكندرية ،بدون ذكر سنة الطبع .
3 .3محم��د الرضواين :األمن الديني بالمغرب ،رهانات تقرير التنمية البش��رية
وتحديات الواقع ،دراس��ة ضم��ن مؤلف :الحداثة السياس��ية ،يف المغرب
:إش��كالية وتجرب��ة ،الطبع��ة األول��ى ، 2009مطبعة المع��ارف الجديدية
بالرباط.
4 .4مصطف��ى بن حم��زة :بح��وث فقهية ،الناش��ر دار األم��ان للنش��ر والتوزيع
بالرباط.
226
الفتوى واستشراف المستقبل
6 .6محمد قطب :مذاهب فكرية معاصرة ،الطبعة الثالثة 1409 ،هـ 1988 -م
،دار الشروق بالقاهرة .
227
بحوث م�ؤمتر
228
الفتوى واستشراف المستقبل
2525عم��ر بنعب��اد :الهيئة العلمية المكلف��ة باإلفتاء لدى المجل��س العلمي األعلى :
تكوينها وطريقة عملها يف إعداد الفتاوى ،مجلة المجلس ،إصدارات المجلس
العلمي األعلى ،العدد األول ،رمضان 1428هـ /أكتوبر 2007م .
2626سعد الدين العثماين :إمارة المؤمنين ومدنية الدولة ،مجلة الفرقان ،العدد
، 67سنة . 2011/1432
2727عبد الوهاب رافع :أراضي الجموع بين التنظيم والوصاية ،سلسلة المكتبة
القانوني��ة المعاصرة ،رق��م ، 2المطبعة والوراقة الوطنية بمراكش ،الناش��ر
مكتبة المنارة كتب بمراكش.
229
بحوث م�ؤمتر
230
الفتوى واستشراف المستقبل
231
بحوث م�ؤمتر
التقارير:
3939تقري��ر الحال��ة الديني��ة يف المغ��رب ،2008-2007 :منش��ورات المرك��ز
المغربي للدراسات واألبحاث المعاصرة ،اإلصدار األول ،الطبعة األولى
، 2009المطبعة طوب بريس بالرباط.
4040تقري��ر لجنة المالة والتجهيزات والتخطيط والتنمية الجهوية حول مش��روع
قانون رقم 52.05يتعلق بمدونة الس��ير على الطرق ،مجلس المستشارين
،األمان��ة العامة ،قس��م اللجان ،الوالية التش��ريعية ،2015-2006الس��نة
التشريعية ،2010-2009دورة أكتوبر .2009
4141حصيل��ة الدورة العادي��ة الثانية للمجلس العلمي األعل��ى المنعقدة بالرباط
بتاري��خ فاتح وث��اين ذي القعدة 1426ه��ـ الموافق ل��ـ 3و 4دجنرب ،2005
منشورات المجلس العلمي األعلى،الطبعة األولى .2007/1428
-6اجلرائد الر�سمية :
4242الجريدة الرس��مية عدد 3575الصادرة بتاريخ فاتح رجب 1401الموافق
لـ 6مـاي . 1981
4343الجري��دة الرس��مية ع��دد 5210الص��ادرة بتاري��خ 16ربي��ع األول 1425
الموافق لـ 6ماي .2004
232