You are on page 1of 5

‫الخطبة األولى لعيد الفطر المبارك‬

‫يكبر تسع مرات متوالية ‪ ،‬ثم يقول ‪ - :‬هللا أكبر ‪ ،‬هللا أكبر ‪ ،‬ال‬
‫إله إال هللا ‪ ،‬وهللا أكبر ‪ ،‬هللا أكبر ‪ ،‬وهلل الحمد ‪ .‬الحمد هلل الذي‬
‫سهل لعباده طرق العبادة ‪ ،‬ويسر ‪ ،‬وتابع لهم مواسم الخيرات‬
‫‪ ،‬لتزدان أوقاتهم بالطاعات ‪ ،‬وتعمر ‪ ،‬فما انقضى شهر الصيام‬
‫حتى حلت شهور حج بيت هللا المطهر نحمده على أسمائه‬
‫الحسنى ‪ ،‬وصفاته العليا ‪ ،‬ونعمه التي ال تنحصر ‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ال إله إال هللا وحده‪ J‬ال شريك له األحد الصمد المتفرد بالخلق‬
‫والتدبير ‪ ،‬وكل شيء عنده بأجل مقدر ‪ ،‬وأشهد أن محمدا عبده‬
‫ورسوله أنصح من دعا إلى هللا ‪ ،‬وبشر ‪ ،‬وأنذر ‪ ،‬وأفضل من‬
‫تعبد هلل ‪ ،‬وصلى ‪ ،‬وزكى ‪ ،‬وصام ‪ ،‬وحج ‪ ،‬واعتمر صلى هللا‬
‫عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما بدا الصباح‬
‫‪ ،‬وأنور ‪ ،‬وسلم تسليما ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬اتقوا هللا تعالى ‪ ،‬واشكروه على نعمته‬
‫عليكم بهذا الدين القيم دين اإلسالم الذي أكمله هللا لكم ورضيه‬
‫لكم دينا ‪ ،‬وأتم به عليكم النعمة ‪ ،‬ثم اشكروه حيث هداكم له ‪،‬‬
‫وقد أضل عنه كثيرا ‪ ،‬فأصبحت عقيدتكم أقوى العقائد وأعمالكم‬
‫أكمل األعمال وغايتكم أفضل الغايات أما عقيدتكم ‪ ،‬فهي اإليمان‬
‫باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقدر خيره وشره ‪.‬‬
‫تؤمنون باهلل وأسمائه وصفاته ؛ ألنكم تشاهدون آياته في كل‬
‫شيء ‪ ،‬فإن في كل شيء له آية تدل على أنه واحد ففي أنفسكم‬
‫آيات وفي السماوات واألرض آيات ‪ ،‬وفي اختالف الليل‬
‫والنهار آيات ‪ ،‬وفي تصريف الرياح والسحاب المسخر بين‬
‫السماء واألرض آيات ‪ ،‬وفي كل مخلوق من مخلوقاته آيات‬
‫تدل على كمال وحدانيته وتمام سلطانه وربوبيته وبالغ علمه‬
‫وحكمته وواسع فضله ورحمته ؛ ألن هذا الكون ال يمكن أن‬
‫يوجد نفسه ‪ ،‬وال يمكن أن يوجد صدفة بل ال بد له من مدبر‬
‫خالق هو هللا وحده ال شريك له أما عملكم ‪ ،‬فهو أكمل األعمال‬
‫؛ ألنكم تسيرون على نور من هللا وبرهان مهتدين بهدي النبي‬
‫صلى هللا عليه وسلم وخلفائه الراشدين ‪ ،‬فحققوا رحمكم هللا‬
‫السير على ذلك كما يجب أن تحققوه أقيموا الصالة ‪ ،‬وحافظوا‬
‫عليها ‪ ،‬فإنها عماد دينكم ‪ ،‬والحظ في اإلسالم لمن ترك الصالة‬
‫حافظوا عليها ‪ ،‬وال تضيعوها ‪ ،‬فتكونوا ممن قال هللا فيهم ‪{ :‬‬
‫ت‬
‫ش َه َوا ِ‬‫صاَل ةَ َواتَّبَ ُعوا ال َّ‬ ‫ضاعُوا ال َّ‬ ‫ف ِمنْ بَ ْع ِد ِه ْم َخ ْلفٌ أَ َ‬ ‫فَ َخلَ َ‬
‫صالِ ًحا فَأُولَئِ َك‬‫َاب َوآ َم َن َو َع ِم َل َ‬ ‫ف يَ ْلقَ ْو َن َغيًّا }{ إِاَّل َمنْ ت َ‬ ‫س ْو َ‬‫فَ َ‬
‫ش ْيئًا } ‪ .‬أدوا الزكاة إلى مستحقيها‬ ‫ون َ‬ ‫ون ا ْل َجنَّةَ َواَل يُ ْظلَ ُم َ‬ ‫يَد ُْخلُ َ‬
‫كاملة من غير نقص ‪ ،‬فإنها قرينة الصالة في كثير من آيات‬
‫القرآن ‪ ،‬وال تبخلوا بها ‪ ،‬فتطوقوا بها يوم القيامة ‪ .‬صوموا‬
‫رمضان حجوا البيت الحرام ‪ ،‬فهذه أركان اإلسالم من حافظ‬
‫عليها سهل عليه بقية فروع الدين ‪ ،‬وانشرح صدره ألوامر هللا‬
‫ورسوله ‪ ،‬ومن لم يحافظ على أركان اإلسالم ضاق صدره‬
‫بفروعه ‪ ،‬وصعب عليه القيام به ‪ ،‬فحافظوا رحمكم هللا على‬
‫دينكم ‪ ،‬واتقوا هللا ما استطعتم لتحققوا بذلك الغاية الحميدة ‪،‬‬
‫وهي رضا هللا ‪ ،‬والفوز بدار كرامته مع ما يتبع ذلك من الحياة‬
‫صالِ ًحا ِمنْ َذ َك ٍر أَ ْو أُ ْنثَى َو ُه َو‬ ‫الطيبة قال هللا تعالى ‪َ { :‬منْ َع ِم َل َ‬
‫س ِن َما َكانُوا‬ ‫ُم ْؤ ِمنٌ فَلَنُ ْحيِيَنَّهُ َحيَاةً طَيِّبَةً َولَنَ ْج ِزيَنَّ ُه ْم أَ ْج َر ُه ْم بِأ َ ْح َ‬
‫ون } ‪ .‬عباد هللا ‪ :‬لو سألتم أي واحد ما هي أمنيتك ؟‬ ‫يَ ْع َملُ َ‬
‫لقال ‪ :‬أمنيتي أن أعيش سعيدا ‪ ،‬وأموت حميدا ‪ ،‬وأبعث آمنا ‪،‬‬
‫وهذه األمنية تتحقق يقينا لكل من عمل صالحا وهو مؤمن ‪،‬‬
‫وما أيسر ذلك لمن يسره هللا له ‪.‬‬
‫عباد هللا ‪ :‬إن التمسك بدينكم يكفل لكم الحياة الطيبة واألجر‬
‫العظيم الحياة الطيبة حياة النصر والعز والرخاء والكرامة‬
‫وأكبر شاهد على ذلك أن النبي صلى هللا عليه وسلم بعث في‬
‫قوم أميين متخلفين في العلم والحضارة والسيطرة ‪ ،‬فما لبث‬
‫هؤالء القوم حين تمسكوا باإلسالم حتى صاروا قادة العالم في‬
‫العلم والحضارة واألخالق ‪ ،‬وسادوا الناس عزة بعد الذل‬
‫وتقدما بعد التخلف ‪ ،‬وإن الدين الذي تمسك به أولئك السادة ال‬
‫يزال هو الدين محفوظا في كتاب هللا ‪ ،‬وفي سنة رسوله صلى‬
‫هللا عليه وسلم ‪ ،‬فلو تمسك به المسلمون تمسكا صحيحا ‪،‬‬
‫وطبقوه تطبيقا إيجابيا في جميع أمورهم لسادوا العالم كما‬
‫ص َرنَّ هَّللا ُ َمنْ‬
‫حصل ذلك ألسالفهم ‪ ،‬قال هللا تعالى ‪َ { :‬ولَيَ ْن ُ‬
‫ين إِنْ َم َّكنَّا ُه ْم فِي اأْل َ ْر ِ‬
‫ض‬ ‫ي َع ِزي ٌز }{ الَّ ِذ َ‬ ‫ص ُرهُ إِنَّ هَّللا َ لَقَ ِو ٌّ‬
‫يَ ْن ُ‬
‫وف َونَ َه ْوا َع ِن ا ْل ُم ْن َك ِر‬ ‫صاَل ةَ َوآتَ ُوا ال َّز َكاةَ َوأَ َم ُروا بِا ْل َم ْع ُر ِ‬ ‫أَقَا ُموا ال َّ‬
‫َوهَّلِل ِ َعاقِبَةُ اأْل ُ ُمو ِر } ‪ .‬ولكن المسلمين فرطوا في كثير من أمور‬
‫دينهم ‪ ،‬وأعرض كثير منهم عن كتاب هللا وسنة رسوله إلى‬
‫نظم تخبطوا بها خبط عشواء ما أنزل هللا بها من سلطان ‪،‬‬
‫فضلوا ‪ ،‬وأضلوا كثيرا ‪ ،‬وضلوا عن سواء السبيل ‪ ،‬فتفككت‬
‫األمة اإلسالمية ‪ ،‬وانتقضت عراها ‪ ،‬وتداعت عليهم األمم ‪،‬‬
‫وصاروا أذلة بعد العزة وضعفاء بعد القوة ومتفرقين بعد األلفة‬
‫‪ ،‬فإنا هلل وإنا إليه راجعون ‪.‬‬
‫عباد هللا ‪ :‬إن اإلسالم يأمر بإخالص العبادة هلل ‪ ،‬وينهى عن‬
‫الرياء يأمر باتباع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وخلفائه‬
‫الراشدين ‪ ،‬وينهى عن البدع في الدين يأمر ببر الوالدين ‪،‬‬
‫وينهى عن العقوق ‪ ،‬يأمر بصلة األقارب ‪ ،‬وينهى عن القطيعة‬
‫‪ ،‬يأمر بالعدل ‪ ،‬وهو إعطاء كل ذي حق حقه من غير نقص ‪،‬‬
‫وينهى عن الجور ‪ ،‬وهو الظلم يأمر بالصدق والنصح واألمانة‬
‫‪ ،‬وينهى عن الكذب والغش والخيانة يأمر بتطهير القلوب من‬
‫الغل والحقد على المسلمين ‪ ،‬وينهى عن البغضاء والعداوة‬
‫يأمر بالحزم والقوة ‪ ،‬وينهى عن الكسل والضعف ‪ ،‬فهو دين‬
‫يأمر بكل خير وصالح ‪ ،‬وينهى عن كل شر وفساد ‪.‬‬
‫عباد هللا ‪ :‬إن من محاسن دين اإلسالم هذا العيد السعيد اليوم‬
‫الذي توج هللا به شهر الصيام وافتتح أشهر الحج إلى بيته‬
‫الحرام ‪ ،‬وهو اليوم الذي يخرج فيه المسلمون فرحين بما أنعم‬
‫هللا به عليهم من إتمام الصيام والقيام ‪ .‬يؤدون صالة العيد‬
‫تعظيما هلل وإقامة لذكره ‪ ،‬وبرهانا على ما قام بقلوبهم من‬
‫محبته وشكره يحسنون الظن بموالهم ؛ ألنه عند ظن عبده به‬
‫يؤملون منه كل خير ؛ ألنه صاحب الفضل واإلحسان العميم‬
‫يسألون الجواد الكريم الذي من عليهم بالعمل أن يمن عليهم‬
‫بقبول ذلك ‪ ،‬وأن يجعلهم من الرابحين ‪ .‬اللهم إنا نسألك بأنا‬
‫نشهد أنك أنت هللا الذي ال إله إال أنت األحد الصمد ‪ ،‬الذي لم يلد‬
‫ولم يولد ‪ ،‬ولم يكن له كفوا أحد ‪ ،‬يا منان يا بديع السماوات‬
‫واألرض ‪ ،‬يا حي يا قيوم ‪ ،‬يا ذا الجالل واإلكرام أن تمن علينا‬
‫بمحبتك واإلخالص لك ومحبة رسولك ‪ ،‬واالتباع به ‪ ،‬ومحبة‬
‫شرعك ‪ ،‬والتمسك به اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على‬
‫دينك هللا يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك اللهم‬
‫أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ‪ ،‬وأصلح لنا دنيانا التي‬
‫فيها معاشنا ‪ ،‬وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ‪ ،‬واجعل‬
‫الحياة زيادة لنا في كل خير ‪ ،‬والموت راحة لنا من كل شر ‪،‬‬
‫اللهم تقبل صيامنا ‪ ،‬وقيامنا ‪ ،‬وأعد علينا من بركات هذا اليوم‬
‫‪ ،‬وأعد أمثاله علينا ‪ ،‬ونحن نتمتع باإليمان ‪ ،‬واألمن ‪ ،‬والعافية‬
‫‪ ،‬اللهم صل ‪ ،‬وسلم على نبينا محمد‪ J‬وآله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫أقول قولي هذا ‪ ،‬وأستغفر هللا ‪ . .‬الخ ‪.‬‬

You might also like