You are on page 1of 122

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫القانون الدويل اإلنساني يف‬


‫الشريعة والقانون‬
‫متهيد‬
‫• يتناول هذا التمهيد النقاط التالية‪:‬‬
‫• تعريف القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬وأهم مالحمه‪.‬‬
‫• نطاق تطبيق القانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫• نشأة القانون الدولي اإلنساني وتطوره‪.‬‬
‫• مبادئ القانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫مقدمة‬

‫• اختلف القانونيون يف حتديد املقصود مبصطلح ( القانون‬


‫اإلنساني )‪ ،‬أو ( القانون الدولي اإلنساني )؛ فال يوجد له‬
‫حتى اآلن تعريفٌ واحدٌ جممعٌ عليه‪.‬‬

‫• ويرجع السبب يف ذلك إىل التطوراتِ السريعةِ اليت مرَّ بها‬


‫هذا القانون‪ ،‬ممّا أحاطه حبالةٍ من الغموض أدَّتْ إىل خلط‬
‫بعض التعريفات‪ ،‬واملفاهيم املتعلقة به‪.‬‬
‫وبالرجوع لكتب القانون جندُ أنَّ القانون اإلنساني له إطالقان‪:‬‬

‫• األول‪ :‬إطالق عام‪ ،‬يتناول كافة القواعد الدولية املُوَثَّقَة‪،‬‬


‫والعرفيَّة اليت تكفل احرتام اإلنسان‪ ،‬وترعى حقوقه بقسميها‪:‬‬
‫الفردية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬زمن السلم واحلرب‪ ،‬وهو ما يسمى بـ‬
‫(القانون الدولي حلقوق اإلنسان)‪.‬‬

‫• الثاني‪ :‬إطالق خاص‪ ،‬يتناول القواعد الدولية املتعلقة حبقوق‬


‫اإلنسان زمن احلرب وحدها‪ ،‬أو ما يسمى بعبارةٍ قانونيةٍ‪:‬‬
‫حقوق اإلنسان زمن النزاعات املسلحة‪ ،‬وهو حمل الدراسة‪.‬‬
‫• القانون الدولي اإلنساني‪ :‬عبارةٌ عن املواثيق‪ ،‬واألعراف‬
‫الدولية‪ ،‬اليت تُطَبَّقُ حال النزاعات املسلحة‪ ،‬على‬
‫اختالف أقسامها‪ ،‬و تهدف إىل تقييد أطراف النزاع يف‬
‫حق استخدام أساليب القتال ووسائله‪ ،‬ومحاية‬
‫املتضررين من هذا النزاع‪ ،‬وختفيف آثاره عنهم‪ ،‬وذلك‬
‫حفاظاً على كرامة اإلنسان وحقوقه األساسية‪.‬‬
‫أهم مالمح القانون الدويل اإلنساني‬

‫• يُعَدُّ القانون الدولي اإلنساني فرعاً من فروع القانون الدولي‬


‫العام‪ ،‬وبالتالي يأخذ حكمه من حيث التنفيذ‪ ،‬أي اجلهة‬
‫املطبقة‪ ،‬ولكنه فرعٌ متميزٌ‪ ،‬له مساته‪ ،‬وخصائصه اليت متيزه‬
‫يف أشخاصه‪ ،‬ومصادره‪ ،‬وطبيعة قواعده‪ ،‬ونطاق تطبيقه على‬
‫النحو الذي يتبني لنا عند احلديث عن نطاق القانون الدولي‬
‫اإلنساني‪ ،‬ومبادئه إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫الفرق بني القانون اإلنساني وقانون حقوق اإلنسان‬

‫• خيتلف القانون الدولي اإلنساني عن القانون الدولي حلقوق‬


‫اإلنسان من وجوه عديدة‪ ،‬أهمها أربعةٌ‪ :‬ـ‬

‫‪ .1‬يتعلق القانون الدولي اإلنساني حبقوق اإلنسان حال النزاعات‬


‫املسـلحة‪ ،‬وباألدق يهدف إىل ختفيف آثار تلك النزاعات على‬
‫اإلنسان‪ ،‬أما القانون الدولي حلقوق اإلنسان فيتحدث عن حقوق‬
‫معينة‪ ،‬تثبت للفرد باعتباره إنساناً‪ ،‬أو عضواً يف مجاعة‪ ،‬بِغَضِّ‬
‫النظر عن احلالة اليت يعيشها‪ ،‬حرباً كانت أم سلماً‪.‬‬
‫‪ .2‬كما أنَّ القانون الدولي حلقوق اإلنسان ينطوي على قدرٍ‬

‫أكربَ من املبادئ العامة والقواعد الكلية اليت تنظمه‪ ،‬بينما‬

‫ٍّ خاصٍ‪ ،‬إذْ إنَّ‬


‫يتسم القانون الدولي اإلنساني بطابعٍ استثنائي‬

‫قواعده ال تتعلق إالّ بالنزاعات املسلحة‪ ،‬وال تدخل حيز‬

‫التنفيذ إالّ يف اللحظة اليت تندلع فيها احلرب‪.‬‬


‫‪ .3‬كما أنهما خيتلفان من الناحية القانونية بصورة‬
‫جوهرية‪ ،‬فإذا كان القانون اإلنساني ال يسري إال يف‬
‫حالة النزاع املسلح‪ ،‬فإن قانون حقوق اإلنسان يطبق‬
‫أساساً زمن السلم؛ أي األحوال العادية‪.‬‬
‫‪ .4‬وعالوةً على ذلك فإن القانون الدولي حلقوق اإلنسان‬
‫ينظم العالقات بني الدول ورعاياها‪ ،‬أي‪ :‬حيدد حق الفرد‬
‫على دولته‪ ،‬بينما يهتم القانون اإلنساني بالعالقات بني‬
‫الدولة والرعايا األعداء‪.‬‬
‫مصادر القانون الدويل اإلنساني‬
‫تنقسم مصادر القانون الدولي اإلنساني إىل قسمني‪:‬‬

‫• القسم األول‪ :‬القواعد املوثقة‪ :‬أي االتفاقيات املكتوبة يف هذا الشأن‪،‬‬


‫واليت جتمع بني اتفاقيات (الهاي)‪ ،‬واتفاقيات (جنيف)‪،‬‬
‫والربوتوكولني امللحقني بها‪.‬‬

‫• القسم الثاني‪ :‬القواعد العرفية الدولية النابعة من مبادئ‬


‫اإلنسـانية والضمري العام‪ .‬وذلك طبقاً لنص املادة الثانية من‬
‫الربوتوكول اإلضايف األول لعام ‪1977‬م‪.‬‬
‫ال حظ‪/‬ي ما يلي‪:‬‬
‫أهداف القانون الدويل اإلنساني‬
‫يهدف القانون الدولي اإلنساني لتحقيق ما يلي‪:‬‬
‫• أوالً‪ :‬احلد من األضرار النامجة عن النزاعات املسلحة‪ ،‬سواء‬
‫تلك اليت تتعلق باألفراد‪ ،‬أو املمتلكات واألموال‪ ،‬أو البيئة‪.‬‬
‫• ثانياً‪ :‬توفري احلد األدنى من احلماية اإلنسانية أثناء‬
‫النزاعات املسلحة واحلروب؛ من حيث احلياة‪ ،‬والعالج‪،‬‬
‫والطعام‪ ،‬والشراب‪ ،‬وغريه‪.‬‬
‫• ثالثاً‪ :‬تقييد حق أطراف النزاع يف اختيار أساليب القتال‪،‬‬
‫ووسائله يف ميدان املعركة‪.‬‬
‫نطاق تطبيق القانون‬

‫الدويل اإلنساني‪.‬‬
‫مقدمة‬
‫• يراد بنطاق القانون الدولي اإلنساني‪ :‬ذلك النطاق الذي‬
‫يطبق فيه هذا القانون زماناً‪ ،‬ومكاناً‪ ،‬وأشخاصاً‪ ،‬أي أنَّه‬
‫جييب عن األسئلة األربعة التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬متى يطبق القانون الدولي اإلنساني ؟‬
‫‪ .2‬وهل كل النزاعات ختضع هلذا القانون ؟‬
‫‪ .3‬ومن هي الفئات اليت تتمتع حبماية هذا القانون ؟‬
‫‪ .4‬وما األماكن واملناطق اليت ختضع هلذا القانون ؟‬
‫النطاق املادي للقانون الدويل اإلنساني‬
‫• بعد انتهاء احلرب العاملية الثانية‪ ،‬وقيام منظمة األمم املتحدة‪،‬‬
‫واالتفاق على حتريم اللجوء إىل القوة دولياً‪ ،‬ظهر مصطلح (النزاع‬
‫املسلح)؛ ليحل حمل احلرب‪ ،‬وأصبح يطلق على كلِّ استخدامٍ‬
‫للقوة داخلياً وخارجياً‪ ،‬سواءٌ أكان معرتفاً بأطراف النزاع‪ ،‬أم ال‪.‬‬
‫• بعد ذلك مت االعرتاف حبق الشعوب يف تقرير مصريها؛ وبالتالي‬
‫االعرتاف الدولي بالنضال املسلح للشعوب ضد مستعمريها ـ ما‬
‫يسمى حبروب التحرير الوطنية ـ‪ ،‬وهذه النزاعات مل تكن تشملها‬
‫اتفاقيات جنيف األربعة لعام ‪1949‬م؛ مما حدا باألمم املتحدة إلبرام‬
‫بروتوكولني ملحقني باالتفاقية عام ‪ 1977‬م‪.‬‬
‫• فجاء الربتوكول األول ليعاجل األوضاع اخلاصة باملنازعات‬
‫املسلحة الدولية‪ ،‬ووضعَ حروب التحرير الوطنية على قدم املساواة‬
‫مع املنازعات املسلحة الدولية‪ ،‬يف حني جاء الربوتوكول الثاني‬
‫باألحكام اخلاصة باملنازعات املسلحة غري الدولية‪.‬‬
‫• وبالتالي أصبح النطاق املادي للقانون الدولي اإلنساني يشمل‬
‫ثالثة أنواع من النزاعات املسلحة‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬النزاعات املسلحة الدولية‪:‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬حروب التحرير الوطنية‪:‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬املنازعات املسلحة غري الدولية‪:‬‬
‫النزاعات املسلحة الدولية‬
‫• تعريف النزاعات املسلحة الدولية‪ :‬تَدَخُّل القوة املسلحة لدولة ضد‬
‫دولة أخرى‪ ،‬سواء أكان التدخل مشروعاً‪ ،‬أم غري مشروع‪ ،‬وسواء‬
‫أعلنت احلرب رمسياً‪ ،‬أم مل تعلن‪.‬‬
‫• وقد نصت املادة املشرتكة الثانية من اتفاقيات جنيف األربعة لعام‬
‫‪1949‬م على أن القانون اإلنساني يطبق على " حالة احلرب املعلنة‪،‬‬
‫أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بني طرفني أو أكثر من األطراف‬
‫السامية املتعاقدة‪ ،‬حتى ولو مل يعرتف أحدها باحلرب "‪.‬‬
‫• وعليه فإن القانون الدولي اإلنساني يدخل حَيِّزَ التطبيق مبجرد‬
‫استخدام القوة املسلحة دولياً‪ ،‬أي دون انتظار إعالن احلرب‪.‬‬
‫النزاعات املسلحة غري الدولية‬
‫• وهي ما تسمى باحلرب املدنية يف القانون الدولي التقليدي‪ ،‬وقد‬
‫أدرجها القانون الدولي احلديث ضمن النزاعات املسلحة اليت‬
‫تطبق عليها اتفاقيات القانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫• فقد نصت املادة الثانية املشرتكة بني اتفاقيات جنيف األربعة‬
‫لعام ‪1949‬م‪ ،‬على أنه يف حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع‬
‫دولي‪ ،‬يلتزم كل طرف يف النزاع بأن يطبق أحكام اتفاقيات‬
‫جنيف األربعة‪ ،‬وهو ما نصت عليه الفقرة األوىل من املادة األوىل‬
‫من الربوتوكول اإلضايف الثاني لعام ‪ 1977‬م‪.‬‬
‫• وعليه فتصبح النزاعات املسلحة غري الدولية داخلةً يف نطاق‬
‫تطبيق القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬وتسري عليها أحكامه كافة‪.‬‬
‫حروب التحرير الوطنية‬
‫• ويُراد حبروب التحرير الوطنية‪ :‬كافة أشكال النضال املسلح‬
‫الذي تقوم به الشعوب اليت احتُلَّت أرضُها ضد جيوش اجلهة‬
‫الغازية وقواتها‪ ،‬كجهاد شعب فلسطني اليوم‪.‬‬
‫• وقد كانت هذه احلروب ختضع للقانون الداخلي للدول‬
‫الغاصبة؛ وذلك ألنَّ الدول االستعماريَّة كانت تعترب األقاليم‬
‫املستعمرة جزءاً منها وفق القانون الدولي التقليدي‪.‬‬
‫• ولكن بعد صدور القرار رقم ‪ 1514‬عن اجلمعية العامة لألمم‬
‫املتحدة سنة ‪1960‬م‪ ،‬والذي يقضي بضرورة استقالل األقاليم‬
‫املستعمرة‪ ،‬وإنهاء كافة أشكال االحتالل‪ ،‬بدأت قضية حروب‬
‫التحرير تتفاعل‪ ،‬وصدر بشأنها عدة قرارات أهمها‪ :‬ـ‬
‫‪ .1‬قرار األمم املتحدة لعام ‪1968‬م‪ ،‬والذي يقضي ألول مرة‬
‫مبعاملة أسرى حروب التحرير الوطنية كأسرى حرب طبقاً‬
‫التفاقية جنيف الثالثة لعام ‪ 1949‬م‪.‬‬

‫‪ .2‬قرار اجلمعية العامة لألمم املتحدة رقم ‪ 3103‬لعام ‪1973‬م‪،‬‬


‫والذي ينص على أن النضال املسلح الذي ختوضه الشعوب‬
‫ضد االستعمار من قبيل املنازعات الدولية طبقاً التفاقيات‬
‫جنيف األربعة لعام ‪1949‬م‪ ،‬وهم خيضعون للنظام القانوني‬
‫املطبق على املقاتلني مبوجب هذه االتفاقيات‪.‬‬
‫• وبعد صدور الربوتوكول اإلضايف األول لعام ‪1977‬م‪،‬‬
‫والذي ينص على أن املنازعات املسلحة اليت تقوم بها‬
‫الشعوب ضد مستعمريها ختضع التفاقيات جنيف‬
‫األربعة لعام ‪1949‬م القاضية بتحسني أحوال‬
‫متضرري احلرب‪ ،‬أصبحت هذه احلروب تدخل يف‬
‫النطاق املادي لتطبيق القانون اإلنساني‪.‬‬
‫النطاق الشخصي للقانون الدويل اإلنساني‬
‫• نقصد بالنطاق الشخصي للقانون اإلنساني‪ :‬حتديد الفئات أو‬
‫األشخاص الذين يتمتعون حبماية القانون اإلنساني أثناء حدوث‬
‫النزاعات املسلحة‪ ،‬ويطلق عليهم مصطلح (األشخاص احملميون)‬
‫أو (الفئات احملمية) زمن النزاعات املسلحة‪.‬‬
‫• واحلديث مرتبطٌ باملبدأ الذي قام عليه القانون الدولي اإلنساني‪،‬‬
‫وهو مبدأ عدم جواز استخدام القوة إالّ ضد األشخاص الذين‬
‫يستخدمونها‪ ،‬أو يهددون بذلك‪ ،‬أي ال جيوز استخدام القوة إالّ‬
‫ضد (احملاربني) أو (املقاتلني)‪ ،‬وهذا ما يعرف مببدأ التفرقة بني‬
‫املقاتلني وغري املقاتلني يف القانون الدولي‪.‬‬
‫• واألشخاص احملميون مبقتضى أحكام القانون اإلنساني‬
‫ينقسمون إىل مخس فئات هي‪:‬‬
‫‪ .1‬اجلرحى واملرضى‪.‬‬
‫‪ .2‬الغرقى واملنكوبون‪.‬‬
‫‪ .3‬أسرى احلرب‪.‬‬
‫‪ .4‬املدنيون‪.‬‬
‫‪ .5‬موظفو اخلدمات اإلنسانية‪.‬‬
‫ا‬
‫أوال‪ :‬اجلرحى واملرضى‬
‫• نَصَّتْ الفقرة األوىل من املادة الثامنة من الربوتوكول‬
‫اإلضايف األول لعام ‪ 1977‬م على أنَّ اجلرحى‪ ،‬واملرضى‪:‬‬
‫"هم األشخاص العسكريون أو املدنيون الذين حيتاجون‬
‫إىل مساعدةٍ طبيةٍ‪ ،‬بسبب الصدمة‪ ،‬أو املرض‪ ،‬أو أي‬
‫اضطرابٍ‪ ،‬أو عجزٍ‪ ،‬بدنياً كان أم عقلياً‪ ...‬ويشمل هذان‬
‫التعبريان ( اجلرحى واملرضى ) حاالت الوضع‪ ،‬واألطفال‬
‫حديثي الوالدة‪ ،‬واألشخاص الذين قد حيتاجون إىل‬
‫مساعدة أو رعاية طبية عاجلة‪ ،‬مثل ذوي العاهات‪ ،‬وأوالت‬
‫األمحال‪ ،‬الذين حيجمون عن أي عمل عدائي "‬
‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬الغرقى ( منكوبو البحار )‬
‫• نَصَّتْ الفقرة الثانية من املادة الثامنة من‬
‫الربوتوكول اإلضايف األول لعام ‪ 1977‬م على أن‬
‫منكوبي البحار‪ « :‬هم األشخاص العسكريون أو‬
‫املدنيون الذين يتعرضون للخطر يف البحار‪ ،‬أو أي‬
‫مياه أخرى‪ ،‬نتيجة ما يصيبهم‪ ،‬أو يصيب سفينتهم‪ ،‬أو‬
‫الطائرة اليت تقلهم من نكبات (بسبب النزاع املسلح)‪،‬‬
‫والذين حيجمون عن أي عمل عدائي "‪.‬‬
‫• أما نطاق احلماية العام الذي يتمتع به اجلرحى‬

‫نطاق احلماية العام للجرحى واملرضى والغرقى‬


‫واملرضى والغرقى ( منكوبو البحار ) فيتمثل يف‬
‫حتسني أحوال هؤالء األشخاص‪ ،‬واحلد من آثار‬
‫النزاعات املسلحة عليهم‪ ،‬دون متيز بينهم؛ بسبب‬
‫اللون‪ ،‬أو اجلنس‪ ،‬أو الدين‪ ،‬أو العرق‪ ،‬أو القومية‪،‬‬
‫أو غري ذلك‪ ،‬وذلك من خالل إغاثتهم‪،‬‬
‫وعالجهم‪ ،‬وحفظ شرفهم‪ ،‬ومحاية كرامتهم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وسالمتهم العقلية‪ ،‬واجلسدية‪.‬‬
‫ا‬
‫ثالثا‪ :‬أسرى احلرب‬
‫ٍّ‪ :‬املقاتلون أو من يف حكمهم‬
‫• يُرَادُ بأسرى احلرب بشكلٍ عام‬
‫إذا وقعوا يف قبضة أعدائهم أحياءً‪.‬‬
‫• وبالتالي يرتبط حتديد فئات أسرى احلرب يف القانون‬
‫الدولي بتحديد مصطلح ( املقاتل )‪ ،‬والوضع القانوني له‬
‫يف ظل تطور القانون الدولي‪.‬‬
‫• وقوله‪( :‬من يف حكمهم) يشمل كل من شارك يف القتال‬
‫بصورة غري مباشرة كاجلواسيس‪ ،‬ومن يقومون بأعمال‬
‫جتنيد العمالء‪ ،‬أو التخطيط‪ ،‬أو بث اإلشاعات‪ ..‬إخل‪.‬‬
‫• نظمت اتفاقية جنيف الثالثة لعام ‪1949‬م‪،‬‬

‫نطاق احلماية العام ألسرى احلرب‬


‫األحكام العامة حلماية األسرى‪ ،‬واليت مبوجبها‬
‫حيتفظ األسرى بأهليتهم القانونية‪ ،‬ويعاملون‬
‫على قدم املساواة مع مراعاة الرتبة‪ ،‬والسن‪ ،‬دون‬
‫متييز بسبب اجلنس‪ ،‬أو الدين‪ ،‬أو غريه‪ ،‬كما‬
‫نظمت أحكام التحقيق‪ ،‬ومنعت اإلكراه‪ ،‬وقضت‬
‫بتوفري العالج‪ ،‬واملأوى‪ ،‬واالتصال اخلارجي‪.‬‬
‫ا‬
‫رابعا‪ :‬املدنيون وفئاتهم‬
‫• املدنيون هم‪ ( :‬األشخاص الذين ال ينتمون إىل أي فئة‬
‫من فئات القوات املسلحة أو املقاتلني )‪.‬‬
‫• أو هم‪ ( :‬أولئك الذين جيدون أنفسهم يف حلظة ما‪ ،‬وبأي‬
‫شكل من األشكال حتت سلطة طرف يف النزاع‪ ،‬ليسوا من‬
‫رعاياه‪ ،‬أو دولة احتالل ليسوا من رعاياها )‪.‬‬
‫• والذين منهم النساء‪ ،‬واألطفال‪ ،‬والفالحون‪ ،‬وعدميو‬
‫اجلنسية‪ ،‬والصحافة املدنية‪ ،‬واملواطنون الرجال الذين مل‬
‫يشرتكوا يف أعمال احلرب‪.‬‬
‫• حددت اتفاقية جنيف الرابعة لعام ‪1949‬م‪ ،‬اخلاصة‬
‫بتحسني أحوال املدنيني ورعايتهم وقت احلرب‪،‬‬

‫نطاق احلماية العام للمدنيني‬


‫والربوتوكول اإلضايف األول لعام ‪1977‬م امللحق‬
‫بها‪ ،‬األحكامَ العامة حلماية املدنيني زمن النزاعات‬
‫املسلحة‪ ،‬حيث حظرت مجيع حاالت اإلكراه‬
‫والتعذيب والعقاب اجلماعي‪ ،‬واالنتقام‪ ،‬والرتحيل‪،‬‬
‫كما أعطتهم حق املغادرة‪ ،‬وتلقي املواد الغذائية‪،‬‬
‫والعالج‪ ،‬وممارسة األعمال املسموح بها‪.‬‬
‫ا‬
‫خامسا‪ :‬موظفو اخلدمات اإلنسانية‬
‫• يطلق تعبري (اخلدمات اإلنسانية) على مجيع األعمال‬
‫اإلنسانية اليت يستفيد منها األشخاص احملميون طبقاً‬
‫لقواعد القانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫• وعليه؛ فموظفو اخلدمات اإلنسانية هم العاملون يف‬
‫جمال األعمال اإلنسانية اليت تستفيد منها الفئات‬
‫احملمية مبوجب القانون اإلنساني‪ ،‬ويشمل كالً من‪:‬‬
‫• ( موظفي اخلدمات الطبية‪ ،‬والروحية‪ ،‬ومجعيات اإلغاثة‬
‫التطوعية‪ ،‬وموظفي الدفاع املدني )‪.‬‬
‫• مبراجعة اتفاقيات جنيف األربعة لعام ‪1949‬م‪،‬‬

‫نطاق احلماية العام ملوظفي اخلدمات اإلنسانية‬


‫والربوتوكولني امللحقني بها؛ جند أن الكثري من‬
‫موادها تنص صراحة‪ ،‬أو ضمناً على وجوب محاية‬
‫القائمني باألعمال اخلدماتية اإلنسانية‪ ،‬وعدم‬
‫جواز التعرض هلم‪ ،‬وتسهيل أداء مهماتهم‬
‫وخدماتهم‪ ..‬وهذه احلصانة تسـتند إىل امتناعهم‬
‫عـن القيام بأي عمل عدائي‪ ،‬وال يُعَدُّ عملهم تدخالً‬
‫يف الـنزاع بأي حالٍ من األحوال‪.‬‬
‫النطاق املكاني للقانون الدويل اإلنساني‬

‫• يراد بالنطاق املكاني للقانون الدولي اإلنساني‪ :‬بيان‬


‫األماكن اليت ال جيوز استهدافها باألعمال العسكرية‪ ،‬حيث‬
‫حيدد القانون الدولي العام مسرح العمليات العسكرية من‬
‫خالل بيان األهداف العسكرية اليت جيوز استهدافها‪ ،‬وبيان‬
‫األهداف املدنية اليت ال جتوز مهامجتها‪.‬‬
‫• كما حيدد القانون الدولي العام احلدود اجلغرافية للمكان‬
‫الذي تتم فيه العمليات العسكرية‪ ،‬براً‪ ،‬وحبراً‪ ،‬وجواً‪.‬‬
‫تابع‪ :‬النطاق املكاني للقانون اإلنساني‬
‫• وهو يعرف مببدأ التمييز بني األهداف العسـكرية‪ ،‬واألهداف‬
‫املدنية‪ ،‬حيث تنص املادة الثامنة واألربعون من الربوتوكول‬
‫اإلضايف األول لعام ‪1977‬م املتعلق حبماية ضحايا املنازعات‬
‫الدولية املسـلحة‪ ،‬على وجوب أنْ تعملَ أطراف النزاع على‬
‫التمييز بني السـكان املدنيني‪ ،‬واملقاتلني‪ ،‬وبني األهداف‬
‫املدنية‪ ،‬واألهداف العسكرية‪ ،‬ومن ثَم توجه عملها ضِدَّ‬
‫األهداف العسكرية دون غريها‪ ،‬وذلك من أجل تأمني‬
‫احرتام ومحاية السكان املدنيني‪ ،‬واألعـيان املدنية‪.‬‬
‫التمييز بني األهداف املدنية والعسكرية‬
‫• األهداف العسكرية‪ :‬األعيان اليت تساهم مساهمة فعالة يف‬
‫العمل العسكري؛ سواء كان ذلك بطبيعتها‪ ،‬أم مبوقعها‪ ،‬أم‬
‫بغايتها‪ ،‬أم باستخدامها‪ ،‬واليت حيقق تدمريها التام‪ ،‬أو اجلزئي‪،‬‬
‫أو االستيالء عليها‪ ،‬أو تعطيلها يف الظروف السائدة‪.‬‬
‫• األهداف املدنية‪ :‬األعيان اليت ليست أهدافاً عسكرية‪ ،‬وال تساهم‬
‫يف العمل العسكري من حيث طبيعتها و موقعها و استخدامها‪.‬‬
‫• على أنه إذا ثار الشك حول عنيٍ من األعيان املدنية يف أنها‬
‫تقدم مساهمة عسكرية يف احلرب‪ ،‬ومل ميكن إثبات ذلك‪ ،‬فإنها‬
‫تعامل على أنها مدنية‪ ،‬ومينع استهدافها‪.‬‬
‫األماكن التي تدخل ضمن االعيان املدنية‬
‫• األعيان اليت ال غنى عنها لبقاء املدنيني على قيد احلياة‪ :‬كمناطق‬
‫الزراعة واملواد الغذائية ومستودعات اإلغاثة ومياه الشرب‪.‬‬
‫• األعيان الثقافية‪ ،‬وأماكن العبادة‪ :‬كاملدارس‪ ،‬واجلامعات‪ ،‬واملراكز‬
‫الثقافية‪ ،‬واملساجد‪ ،‬والكنائس‪ ،‬وسائر دور العبادة‪.‬‬
‫• البيئة الطبيعية‪ :‬حيثُ تَضَمَّنَ الربوتوكول اإلضايف األول لعام‬
‫‪1977‬م مادتني حتددان نطاق احلماية الواجبة للبيئة الطبيعية؛‬
‫فحظر استخدام وسائل القتال اليت توقع بالبيئة أضراراً واسعة‬
‫االنتشار‪ ،‬وبليغة األمد‪ ،‬ومن ثم تضر بصحة السكان أو بقائهم‪ ،‬كما‬
‫حظر هجمات الردع اليت تشن ضد البيئة الطبيعية‪.‬‬
‫تابع‪ :‬أماكن االعيان املدنية‬
‫• األشغال اهلندسية‪ ،‬واملنشآت احملتوية على قوى خطرة‪ :‬وهي‬
‫املنشآت اهلندسية اليت حتتوي على طاقات وقوى خطرية‪ ،‬حبيث‬
‫لو هومجت تسببت يف كوارث وأضرار بالغة بالسكان املدنيني‪،‬‬
‫مثل اجلسور‪ ،‬والسدود‪ ،‬وحمطات توليد الكهرباء‪ ،‬وحمطات‬
‫توليد الطاقة النووية‪ ،‬وحمطات تكرير البرتول‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫• األعيان الطبية‪ :‬ويقصد بها املنشآت الطبية الثابتة واملتنقلة‬
‫اليت تستخدم يف عالج اجلرحى‪ ،‬واملرضى‪ ،‬ونقلهم‪،‬‬
‫كاملستشفيات‪ ،‬واملستوصفات‪ ،‬ومستودعات األدوية‪ ،‬وسيارات‬
‫اإلسعاف‪ ،‬وغريها مما يستخدم هلذا الغرض‪.‬‬
‫النطاق الزماني للقانون الدويل اإلنساني‬
‫• جييب هذا النطاق عن السؤالني التاليني‪ :‬ـ‬
‫• أوالً‪ :‬متى يبدأ تطبيق القانون الدولي اإلنساني ؟‬
‫• يبدأ تطبيق القانون اإلنسـاني وسريان أحكامه على أرض الواقع‬
‫من حلظة بداية النزاع املسـلح‪ ،‬أي بداية االشـتباك الفعلي بني‬
‫القوات املسـلحة‪ ،‬سـواء أكان هناك إعالن عن بداية احلـرب أم ال‪.‬‬
‫• ثانياً‪ :‬متى ينتهي تطبيق القانون الدولي اإلنساني ؟‬
‫• ينتهي تطبيق أحكام القانون الدولي اإلنساني عند اإليقاف العام‬
‫للعمليات العسكرية ـ االشتباك املسلح‪.‬‬
‫تابع النطاق الزماني للقانون اإلنساني‬

‫• أما يف حاالت االحتالل فإن القانون اإلنساني يتوقف تطبيقه بعد‬


‫عامٍ واحدٍ من انتهاء العمليات احلربية بوجهٍ عام‪.‬‬
‫• واإليقاف املؤقت للعمليات العسكرية – كاهلدنة مثالً – ال يؤدي‬
‫إىل انتهاء تطبيق أحكام القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬بل يستمر‬
‫حتى يتم اإليقاف الكلي للنزاع املسلح‪ ،‬ثم بعد ذلك بعام واحد‬
‫يتم إيقاف تطبيق القانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫• أما بالنسبة لألسرى فال يتوقف تطبيق هذا القانون إال بعد‬
‫اإلفراج عنهم‪ ،‬وإعادتهم ألوطانهم بصورة نهائية‪.‬‬
‫نشأة القانون الدويل‬
‫اإلنساني وتطوره‬
‫مقدمة‬
‫• رغم أن مصطلح القانون الدولي اإلنساني يُعَدُّ من املصطلحات‬
‫احلديثة نسبياً؛ إذ يُرجعه بعض القانونيني إىل السبعينيات من‬
‫القرن املاضي‪ ،‬إالَّ أنَّ قواعده ومبادئه تُعَدُّ قدميةً جداً‪ ،‬فلو رجعنا إىل‬
‫احلضارات القدمية‪ ،‬والديانات السماوية‪ ،‬لوجدنا العديد من‬
‫القواعد واملبادئ اإلنسانية اليت حتكم احلروب‪ ،‬وتُقيِّد احملاربني‪.‬‬
‫• إضافة إىل ذلك فقد ظهرت إرهاصات سـابقة‪ ،‬أثرت يف نشأته‪ ،‬ومن‬
‫ثَمَّ يف بروزه كقانون دولي‪ ،‬كما أنَّهُ قد مَرَّ بعد نشأته بعدة مراحل‬
‫من التطور‪ ،‬حتى وصل إىل الصورة اليت عليها اليوم‪.‬‬
‫نشأة القانون الدويل اإلنساني‬
‫• تعود النشأة العملية للقانون الدولي اإلنساني لسنة‬
‫‪1859‬م‪ ،‬حيث اندلعت معركة ( سولفرينو ) املشهورة بني‬
‫النمساويني من جهة‪ ،‬والفرنسيني واإليطاليني من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬وكان ذلك بتاريخ ‪ / 24‬حزيران ‪1859 /‬م‪ ،‬حيث‬
‫حقق القائد الفرنسي ( نابليون بونابرت ) انتصاراً باهظ‬
‫الثمن يف هذه املعركة؛ ذلك أنَّ احللفاء فقدوا يف هذه‬
‫املعركة أكثر من ‪ 170000‬ضابط وجندي‪ ،‬بل وأصبحت‬
‫املقابر الضخمة اليت تضم رفات هؤالء اجلنود من أهم‬
‫معامل قرية ( سولفرينو ) اإليطالية‪.‬‬
‫• وشاءت أقدار اهلل أن حيضر هذه املعركةَ رجلٌ سويسريٌّ يُدعى‬
‫(هنري دونان)‪ ،‬والذي أصبح فيما بعد يُعرف بأبي الصليب‬
‫األمحر‪ ،‬والقانون اإلنساني‪ ،‬ومل يكن دونان جندياً مع أحد‬
‫اجليوش‪ ،‬وإمنا كان مسافراً‪ ،‬فهاله ما رأى من املناظر البشعة‪،‬‬
‫والوحشية اليت ظهرت آثارها على مئات اآلالف من جثث‬
‫القتلى‪ ،‬واجلرحى الذين تركوا دون رعايةٍ يف ميدان املعركة‪.‬‬

‫• لذلك قام بتأليف كتابٍ امساه ( تذكار سولفرينو )‪ ،‬ونشره‬


‫سنة ‪1862‬م‪ ،‬حيث أرَّخ فيه للكارثة اليت حدثت يف (سولفرينو)‪.‬‬
‫• كما دعا يف هذا الكتاب إىل أمرين‪ :‬ـ‬
‫• األول‪ :‬إنشاء مجعيات إغاثة يف كل بلد‪ ،‬لتقديم اخلدمات‬
‫الصحية للجيش زمن احلرب‪.‬‬
‫• الثاني‪ :‬أن تصادق الدول على اتفاقية‪ ،‬يتم مبوجبها توفري‬
‫احلماية القانونية للمستشفيات العسكرية‪ ،‬واخلدمات الطبية‪.‬‬
‫• ويف عام ‪1863‬م قامت جمموعةٌ مكونةٌ من مخسة أشخاص أحدهم‬
‫(هنري دونان) بتنظيم مؤمترٍ يف جنيف‪ ،‬حضره ممثلون عن ستَّ‬
‫عشرةَ دولة‪ ،‬وقاموا بإنشاء (اللجنة الدولية إلغاثة اجلرحى)‪.‬‬
‫• كما طالبوا احلكومات مبنح احلماية هلذه اللجنة زمن احلروب‪،‬‬
‫فكان ذلك حتقيقاً للمطلب األول من مَطْلَبَيْ دونان السابقني‪.‬‬
‫• ويف عام ‪1864‬م عقد اجمللس االحتادي السويسري مؤمتراً‬
‫دبلوماسياً يف جنيف‪ ،‬وشارك فيه مندوبون مفوضون عن‬
‫ست عشرة دولة‪ ،‬ويف هذا املؤمتر متَّ التوقيع على أول‬
‫اتفاقيةٍ رمسيةٍ للقانون الدولي اإلنساني‪ ،‬وهي ( اتفاقية‬
‫جنيف األوىل املؤرخة يف ‪ / 22‬آب ‪1864 /‬م لتحسني حال‬
‫العسكريني اجلرحى يف اجليوش يف امليدان )‪.‬‬
‫• وبذلك حتقق مطلب ( هنري دونان ) الثاني‪ ،‬ثم بعد‬
‫ذلك مت اختيار إشارة لضمان احلماية واملساعدة ألعضاء‬
‫اللجنة الدولية إلغاثة اجلرحى‪.‬‬
‫• فكانت هذه اإلشارة عبارة عن صليب أمحر على أرضية بيضاء‪،‬‬
‫وهو معكوس علم سويسرا‪ ،‬وذلك تكرمياً هلا‪ ،‬فسميت اللجنة‬
‫بعد ذلك باللجنة الدولية للصليب األمحر‪.‬‬

‫• وملا دخلت الدولة العثمانية يف اتفاقيات دولية بهذا الشأن‪،‬‬


‫ظهرت مجعيات اهلالل األمحر‪ ،‬ثم احتدت هذه اجلمعيات يف ما‬
‫يسمى بـ ( االحتاد الدولي جلمعيات الصليب األمحر‪ ،‬واهلالل‬
‫األمحر )‪ ،‬وبذلك ظهر القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬وطبق على‬
‫أرض الواقع‪ ،‬وأصبح من أهم فروع القانون الدولي العام‪.‬‬
‫مراحل تطور القانون الدويل اإلنساني‬

‫• مرَّ القانون الدولي اإلنساني منذ والدته عام ‪1863‬م‪،‬‬

‫وحتى صدور الربوتوكولني اإلضافيني عام ‪1977‬م‬

‫مبراحل عدة‪ ،‬ميكن بيانها على النحو التالي‪ :‬ـ‬


‫املرحلة األوىل‪ :‬اتفاقية جنيف األوىل ‪1864‬م‬
‫• وتسمى بـ (اتفاقية جنيف لتحسني حال اجلرحى العسكريني يف امليدان)‪،‬‬
‫وتُعد نقطة االنطالق‪ ،‬وشارك فيها مندوبون عن ‪ 16‬دولة‪.‬‬

‫• وتضمَّنت هذه االتفاقية عشر مواد فقط‪ ،‬تتعلق حبياد األجهزة‬


‫الصحية‪ ،‬ووسائل النقل الصحي‪ ،‬وأعوان اخلدمات الصحية‪ ،‬واحرتام‬
‫املتطوعني املدنيني الذين يساهمون يف أعمال اإلغاثة‪ ،‬وتقديم املساعدة‬
‫الصحية دون متييز‪ ،‬ومحل شارة خاصة هي صليب أمحر على رقعة‬
‫بيضاء‪ ،‬كما تضمَّنت مسألة مجع املرضى‪ ،‬واجلرحى العسكريني‪،‬‬
‫والعناية بهم‪ ،‬وتبادل اجلرحى‪ ،‬واملصابني عند مساح الظروف بذلك‪.‬‬
‫املرحلة األوىل‪ :‬اتفاقية جنيف األوىل ‪1864‬م‬
‫• عيوب االتفاقية‪:‬‬
‫‪ .1‬مل تتضمن عقوبات حمددة ملعاقبة خمالفيها‪ ،‬ومرتكيب اجلرائم‪.‬‬
‫‪ .2‬اقتصرت على تقديم اإلغاثة جلرحى احلرب الربية دون البحرية‪.‬‬
‫‪ .3‬كما أنها اقتصرت على العسكريني فقط‪ ،‬ومل توفر للمدنيني‬
‫احلد األدنى من احلماية‪.‬‬
‫‪ .4‬إنَّ مواد هذه االتفاقية جمرد مبادئ عامة‪ ،‬أما التفصيل فقد‬
‫نصت املادة الثامنة من هذه االتفاقية على أنه خيضع لتعليمات‬
‫كل حكومة‪ ،‬وهذا مدعاة لالختالف يف تفسريها‪.‬‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬إعالن سان بطرسربج ‪1868‬م‬
‫• والذي دعت إليه روسيا القيصرية على إثر تطور األسلحة‪ ،‬وإنتاج قنابل‬
‫شديدة االنفجار‪ ،‬وقد حضره ممثلون عن ستني دولة‪.‬‬

‫• حمتوى اإلعالن‪ :‬نص هذا اإلعالن على مبدأ اإلنسانية يف احلروب‪،‬‬


‫كما حظر استخدام القذائف املتفجرة اليت يقل وزنها عن ‪400‬‬
‫جرام‪ ،‬ألنها حتقق آالماً مضاعفة غري مربرة للمصابني بها‪.‬‬

‫• عيوب اإلعالن‪ :‬على الرغم من أن هذا اإلعالن يعد أول وثيقة دولية‬
‫يف شأن تقنني استخدام األسلحة يف احلروب‪ ،‬إال أنه مل ينص على‬
‫عقوبات حمددة ملعاقبة خمالفيه‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬اتفاقيات الهاي لعام ‪1899‬م‬
‫• بناءً على دعوة من دولة روسيا القيصرية‪ ،‬عقد مؤمتر ( الهاي ) الدولي‬
‫األول للسالم‪ ،‬وذلك يف ‪ / 18‬أيار ‪1899 /‬م‪ ،‬وحضره ممثلون من ستٍ‬
‫وعشرين دولة من أصل تسعٍ وعشرين دولة دعيت لذلك املؤمتر‪.‬‬

‫• حمتوى االتفاقيات‪ 3 ( :‬اتفاقيات و ‪ 3‬تصرحيات )‬

‫‪ .1‬تضمنت االتفاقيات التسوية السلمية للنزاعات الدولية‪ ،‬وتدوين‬


‫قوانني احلرب الربية وأعرافها‪ ،‬وجاءت متممة التفاقية جنيف األوىل‪.‬‬
‫‪ .2‬أما التصرحيات فتعلقت حبظر استخدام الطلقات املمتدة (الدمدم)‪،‬‬
‫والغازات اخلانقة السامة‪ ،‬وإلقاء القنابل من املناطيد‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬اتفاقيات الهاي لعام ‪1899‬م‬
‫• عيوب هذه االتفاقيات‪:‬‬
‫‪ .1‬مل تكن تطبق هذه االتفاقيات إال على املتحاربني التابعني‬
‫للدول املوقعة عليها‪ ،‬وهذا يؤثر على عاملية االتفاق‪ ،‬كما‬
‫يؤدي إىل تطبيقها على بعض احلروب دون األخرى‪.‬‬
‫‪ .2‬إضافة إىل ذلك نصت املادة الثانية والثالثون من االتفاقية‬
‫الثالثة منها على أن انضمام أي دولة أخرى هلذه االتفاقيات‬
‫مشروط بعدم اعرتاض أية دولة متعاقدة‪.‬‬
‫‪ .3‬مل تطبق هذه االتفاقيات الثالثة إال يف احلرب الربية فقط‪.‬‬
‫املرحلة الرابعة‪ :‬اتفاقية جنيف ‪1906‬والهاي ‪1907‬م‬

‫• حمتوى هاتني االتفاقيتني‪:‬‬


‫• تُعَدُّ اتفاقية جنيف لعام ‪1906‬م تعديالً وتطويراً ألحكام‬
‫اتفاقية ‪1864‬م‪ ،‬وقد أضافت فئة جديدة‪ ،‬وهي ( املرضى )‬
‫لنصوص االتفاقية‪ ،‬وبلغ عدد موادها ثالثاً وثالثني مادة‪.‬‬
‫• أما اتفاقيات ( الهاي ) فقد درست جوانب القصور يف‬
‫اتفاقيات ( الهاي ) لعام ‪ ،1988‬وقامت بتعديلها وتطبيقها‬
‫على احلروب والنزاعات البحرية‪.‬‬
‫املرحلة الرابعة‪ :‬اتفاقية جنيف ‪1906‬والهاي ‪1907‬م‬

‫• عيوب هذه االتفاقيات‪:‬‬


‫‪ .1‬مل تكن تطبق إال على الدول املوقعة عليها فقط‪ ،‬وإن كانت‬
‫قد فتحت االنضمام هلذه االتفاقيات دون اشرتاط عدم املمانعة‬
‫من دولة أخرى‪ ،‬وهذا ما نصت عليه املادة السادسة من اتفاقية‬
‫الهاي األوىل لعام ‪1907‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬هذه االتفاقيات مل تطبق على حروب التحرر الوطنية ضد‬
‫االستعمار‪ ،‬وإمنا كانت تطبق على القوات املسلحة النظامية‬
‫التابعة لدولٍ معرتفٍ بها فقط‪.‬‬
‫املرحلة اخلامسة‪ :‬اتفاقيتا جنيف ‪1929‬م‬
‫• بسبب التطورات العسكرية املتالحقة على الساحة الدولية يف‬
‫النصف األول من القرن العشرين‪ ،‬انعقد مؤمتر يف جنيف عام‬
‫‪1929‬م‪ ،‬وأسفر عن عقد اتفاقيتني‪ :‬ـ‬
‫‪ .1‬تضمنت االتفاقية األوىل أحكاماً خاصة بتحسني أحوال‬
‫اجلرحى واملرضى والعسكريني يف امليدان‪ :‬وهي صيغة جديدة‬
‫ومطورة عن اتفاقية جنيف لعام ‪ ،1906‬وقد تكونت من تسعٍ‬
‫وثالثني مادة‪ ،‬وأقرت استخدام إشارة اهلالل األمحر‪ ،‬جبانب‬
‫إشارة الصليب األمحر بناءً على طلبٍ كانت قد قدمته الدولة‬
‫العثمانية سابقاً للجنة الدولية للصليب األمحر‪.‬‬
‫املرحلة اخلامسة‪ :‬اتفاقيتا جنيف ‪1929‬م‬
‫‪ .2‬إضافة إىل ذلك ألغت هذه االتفاقية شرط املشاركة‪ :‬الذي‬
‫كان ينص على أن هذه االتفاقية ال تسري إال على القوات‬
‫التابعة للدول املوقعة عليها‪.‬‬
‫‪ .3‬أما االتفاقية الثانية فقد تضمنت أحكاماً خاصة باألسرى‪،‬‬
‫وتوفري احلماية هلم‪ ،‬ومجع املعلومات عنهم‪.‬‬
‫• لذلك اعتربت هذه االتفاقية أول تنظيم دولي ملسألة بالغة‬
‫األهمية‪ ،‬وهي أسرى احلرب‪ ،‬اليت مل يكن هلا تنظيم حتى ذلك‬
‫التاريخ إال بصورة جزئية يف الئحة ( الهاي )‪.‬‬
‫املرحلة اخلامسة‪ :‬اتفاقيتا جنيف ‪1929‬م‬
‫• عيوب هاتني االتفاقيتني‪:‬‬
‫مما يؤخذ على هاتني االتفاقيتني ما يلي‪ :‬ـ‬
‫‪ .1‬مل تتضمن هاتان االتفاقيتان حقوق املدنيني زمن احلرب‪ ،‬أي‬
‫أنهما مل توفرا للمدنيني ولو احلد األدنى من احلماية‪،‬‬
‫كسابقاتها من االتفاقيات‪.‬‬
‫‪ .2‬مل تطبق أحكام هاتني االتفاقيتني على حروب التحرر‬
‫الوطنية‪ ،‬وبالتالي مل يتمتع ضحايا هذه النزاعات بأي نوع من‬
‫أنواع احلماية الدولية اليت تتمتع بها اجليوش النظامية‪.‬‬
‫املرحلة السادسة‪ :‬اتفاقيات جنيف األربعة ‪1949‬م‬
‫• شهدت سنوات ما قبل عام ‪1945‬م عدة نزاعات عسكرية كربى‪،‬‬
‫انتهكت فيها كل االتفاقيات السابقة‪ ،‬كما أن بعض الدول‬
‫احملاربة مل تكن طرفاً يف هذه االتفاقيات‪ ،‬إضافة إىل اندالع‬
‫بعض النزاعات الداخلية‪ ،‬كحرب إسبانيا األهلية‪.‬‬
‫• كل ذلك دعا إىل عقد مؤمتر يف جنيف بتاريخ ‪ / 12‬آب ‪/‬‬
‫‪1949‬م‪ ،‬متخض عن أربع اتفاقيات للقانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫• وقد تضمنت االتفاقيات مراجعة اتفاقييت جنيف لعام ‪1929‬م‪،‬‬
‫وقانون الهاي لعام ‪1907‬م وتطويرهما على النحو التالي‪ :‬ـ‬
‫املرحلة السادسة‪ :‬اتفاقيات جنيف األربعة ‪1949‬م‬
‫‪ .1‬االتفاقية األوىل لتحسني حال اجلرحى واملرضى بالقوات‬
‫املسلحة بامليدان‪ ،‬وتُعَدُّ تعديالً التفاقية جنيف األوىل ‪1929‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬االتفاقية الثانية لتحسني حال جرحى القوات املسلحة يف‬
‫البحار‪ ،‬ومرضاهم‪ ،‬و تُعَدُّ تعديالً التفاقية الهاي ‪1907‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬االتفاقية الثالثة بشأن معاملة أسرى احلرب‪ ،‬و تُعَدُّ تعديالً‬
‫وتطويراً التفاقية جنيف الثانية لعام ‪1929‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬محاية املدنيني زمن احلرب‪ ،‬من خالل االتفاقية الرابعة‪ ،‬واليت‬
‫تُعَدُّ أول اتفاقية تناولت محاية املدنيني بشمول ووضوح‪.‬‬
‫املرحلة السادسة‪ :‬اتفاقيات جنيف األربعة ‪1949‬م‬

‫‪.5‬اإلشارة إىل محاية ضحايا النزاعات‬


‫املسلحة غري الدولية‪ ،‬ولكنها مل تفصل‬
‫القول فيها‪ ،‬ومل تعرفها حتى‪ ،‬مما جعل‬
‫ذلك من العيوب املأخوذة عليها‪.‬‬
‫املرحلة السابعة‪ :‬الربوتوكوالن اإلضافيان ‪1977‬م‬
‫• تعلق الربوتوكول األول حبماية ضحايا النزاعات الدولية‪،‬‬
‫ويُعَدُّ متمماً التفاقيات جنيف األربعة لعام ‪1949‬م‪ ،‬كما أن أهم‬
‫قضية تضمنها هي اعتبار حروب التحرر الوطنية من قبيل‬
‫النزاع املسلح الدولي‪ ،‬وبالتالي تنسحب عليها كافة القواعد‬
‫اإلنسانية املطبقة على النزاعات املسلحة الدولية‪ ،‬وهذا ما‬
‫نصت عليه املادة األوىل يف فقرتها الرابعة من هذا الربوتوكول‪.‬‬
‫• تعلق الربوتوكول الثاني حبماية ضحايا النزاعات املسلحة غري‬
‫الدولية‪ ،‬من حيث توفري احلد األدنى للمدنيني‪ ،‬واجلرحى‪،‬‬
‫واملرضى‪ ،‬وأحكام استعمال الشـارة‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫ما بعد املرحلة السابعة‬

‫• جيدر القول‪ :‬إن املرحلة السابعة لتطور القانون الدولي‬


‫اإلنساني‪ ،‬هي اليت أعطت القانون الدولي اإلنساني صورته شبه‬
‫اخلتامية اليت هو عليها اليوم‪ ،‬ومع ذلك فقد صدر بعد ذلك‬
‫العديد من القرارات اجلزئية التفصيلية‪ ،‬من أهمها‪ :‬ـ‬
‫‪ .1‬اتفاقية جنيف حلظر استعمال أسلحة تقليدية معينة ميكن‬
‫اعتبارها مفرطة الضرر‪ ،‬أو عشوائية األثر عام ‪1980‬م‪.‬‬
‫‪ .2‬الربوتوكول املتعلق حبظر استعمال األلغام واألشراك‬
‫اخلداعية‪ ،‬أو تقييدها يف ‪ / 3‬أيار ‪1996 /‬م‪.‬‬
‫ما بعد املرحلة السابعة‬

‫‪ .3‬الربوتوكول املتعلق حبظر استعمال األسلحة احملرقة‪ ،‬أو‬


‫تقييدها يف ‪ / 10‬تشرين األول ‪1980 /‬م‪.‬‬
‫‪ .4‬اتفاقية حقوق الطفل رقم ‪ 250‬لعام ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ .5‬اتفاقية باريس بشأن حظر استحداث األسلحة الكيميائية‪،‬‬
‫ومنع صنعها‪ ،‬وختزينها واستخدامها‪ ،‬عام ‪1993‬م‪.‬‬
‫‪ .6‬اتفاقية حظر استعمال األلغام املضادة لألفراد‪ ،‬وختزينها‪،‬‬
‫وإنتاجها ( اتفاقية أوتاو ) سنة ‪1997‬م‪.‬‬
‫اخلالصة‬
‫• من خالل ما سبق نالحظ كيف تطور القانون الدولي‬
‫اإلنساني عرب سنوات عديدة‪ ،‬حيث بدأ بتقديم الرعاية‬
‫للجرحى فقط‪ ،‬ثم بعد ذلك أحلق بهم املرضى‪ ،‬وكان‬
‫ذلك يف احلروب الربية دون البحرية‪.‬‬
‫• ثم أّلْحَقَ بها احلروب البحرية‪ ،‬ومع ذلك فقد كانت‬
‫مقصورة على الدول املوقعة عليها‪ ،‬ثم تطور هذا القانون‬
‫ليشمل كل الدول‪ ،‬ثم تطور بعد ذلك ليشمل املدنيني‪،‬‬
‫ويقرر أحكام األسرى وحقوقهم‪.‬‬
‫اخلالصة‬

‫• إىل أن اختذ منحاً آخر من التطور‪ ،‬حيث بدأ يف حتديد‬


‫الوسائل القتالية اليت جيوز استخدامها يف املعارك‪ ،‬ثم‬
‫جاءت االتفاقيات اليت ترعى ضحايا النزاعات املسلحة‬
‫غري الدولية ( الداخلية وحروب التحرر الوطين )‪.‬‬
‫• ثم اتسع نطاق القانون الدولي اإلنساني ليشمل املمتلكات‬
‫الثقافية‪ ،‬واألماكن الدينية‪ ،‬والبيئة الطبيعية‪ ،‬إىل أن‬
‫وصل للصورة اليت هو عليها اليوم‪.‬‬
‫• هناك أربعُ قضايا جتدر اإلشارة إليها يف هذا املقام‪ ،‬واليت‬
‫ميكن اعتبارها عواملَ أثرت يف تطوره‪ :‬ـ‬
‫• أوالً‪ :‬قصور العقل البشري‪.‬‬
‫• ثانياً‪ :‬ميزان القوة‪ ،‬ومطامع الدول االستعمارية‪.‬‬
‫• ثالثاً‪ :‬التأثر بالديانات السماوية واحلضارات السابقة‪.‬‬
‫• رابعاً‪ :‬كثرة احلروب املعاصرة‪.‬‬
‫متهيد‬
‫• يقوم القانون الدولي اإلنساني على مجلةٍ من املبادئ اإلنسانية‬
‫اليت هي حمل اتفاقٍ بني غالب الشعوب‪ ،‬وإن مل يكونوا أطرافاً يف‬
‫االتفاقيات الدولية هلذا القانون وهذه املبادئ أسهل يف االستيعاب‬
‫من قواعد االتفاقيات الدولية‪ ،‬كما أن العديد منها منصوص‬
‫عليه يف ثنايا االتفاقيات واملعاهدات الدولية‪.‬‬
‫• وتنقسم هذه املبادئ إىل مبادئ أساسية وعامة‪ ،‬ومبادئ خاصة‬
‫بضحايا النزاعات‪ ،‬وقانون احلرب‪ ،‬وسنستعرضها بقسميها‪:‬‬
‫مبادئ القانون الدويل‬
‫اإلنساني األساسية والعامة‬
‫املبدأ األول‪ :‬مبدأ املعاملة اإلنسانية‬
‫• يعين هذا املبدأ أن كل شخص جيب أن يتلقى معاملة‬
‫إنسانية كفردٍ‪ ،‬ال لذاته شخصياً‪ ،‬وال كوسيلة إىل غرض‬
‫آخر ‪ ،‬أي أن احلماية يتلقاها الفرد باعتباره إنساناً فقط‪.‬‬
‫• وقد قررت اتفاقيات جنيف ثالثة واجبات جتاه ضحايا‬
‫احلرب‪ ،‬هي‪ :‬احرتامهم‪ ،‬ومحايتهم‪ ،‬ومعاملتهم معاملة‬
‫إنسانية‪ .‬وعليه فمقتضى املعاملة اإلنسانية هو توفري احلد‬
‫الالئق من املتطلبات الالزمة حلياة مقبولة‪.‬‬
‫املبدأ الثاني‪ :‬تقييد أطراف النزاع يف اختيار أساليب القتال‬

‫• وهو مرتبط باملبدأ السابق؛ إذ إن التقيد يف هذا املبدأ إمنا هو‬


‫العتبارات إنسانية‪ ،‬فال جيوز أن يطغى اعتبار الضرورة العسكرية‬
‫على اعتبار املعاملة اإلنسانية؛ ذلك أن احملاربني مقيدون يف‬
‫اختيار وسائل اإلضرار بعدوهم‪ ،‬حيث منعت العديد من‬
‫االتفاقيات األسلحة اليت تُحْدِثُ باإلنسان آالماً ال مربر هلا‪،‬‬
‫كإعالن (سان بطرسربج) الذي منع استخدام القذائف املتفجرة‬
‫اليت تقل عن ‪ 400‬جرام‪ ،‬وكذلك االتفاقيات‪ ،‬والربوتوكوالت‬
‫اليت جاءت بعده‪ ،‬لتمنع الرصاص املتفجر (الدمدم)‪ ،‬والغازات‬
‫السامة‪ ،‬واأللغام املضادة لألفراد‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫املبدأ الثالث‪ :‬مبدأ صيانة احلرمات‬
‫• ويقوم هذا املبدأ على أساس أنه من حق الفرد صيانة حرماته‬
‫الشخصية وهي حياته‪ ،‬وسالمته البدنية‪ ،‬والروحية‪ ،‬وخصائصه‬
‫الشخصية‪ ،‬ومعتقده الديين‪ ،‬وحنوها‪ ،‬وينبثق عن هذا املبدأ العام‬
‫املبادئ الفرعية التطبيقية التالية‪ :‬ـ‬
‫‪ .1‬صيانة حرمة كل من يسقط يف املعركة‪ ،‬و احملافظة على حياة‬
‫من يستسلم من األعداء‪.‬‬
‫‪ .2‬حظر أعمال التعذيب املادي أو املعنوي مطلقاً‪ ،‬ومنع اإلهانة‪،‬‬
‫واعتبار ذلك من جرائم احلرب اليت يعاقب عليها القانون‪.‬‬
‫املبدأ الثالث‪ :‬مبدأ صيانة احلرمات‬
‫‪ .3‬لكل إنسان حق االعرتاف بشخصه أمام القانون‪ ،‬كما أن له‬
‫احلق يف احرتام كرامته‪ ،‬وإنسانيته‪ ،‬وحقوقه العائلية‪،‬‬
‫ومعتقداته الدينية‪ ،‬وتقاليده‪ ،‬وعليه فال جيوز التهديد‬
‫باالعتداء على العرض‪ ،‬أو االستهانة بديانة املعتقل‪ ،‬كما تفعل‬
‫القوات األمريكية بالعراق‪ ،‬واالحتالل الصهيوني يف فلسطني‪،‬‬
‫من إهانات للمعتقلني‪ ،‬ومتزيق املصحف‪ ،‬ووضعه يف دورات املياه‪،‬‬
‫وغريها من التصرفات اليت ال متت لإلنسانية بصلة‪.‬‬
‫‪ .4‬حق اإلنسان يف احلماية‪ ،‬والرعاية اليت تتطلبها حالته؛‬
‫فاملريض‪ ،‬واملسن هلما احلق يف الرعاية الزائدة‪ ،‬والعناية الطبية‪.‬‬
‫املبدأ الثالث‪ :‬مبدأ صيانة احلرمات‬
‫‪ .5‬احلق يف تبادل األنباء واألخبار مع أسرته‪ ،‬وحقه يف تلقي طرود‬
‫اإلغاثة‪ ،‬وقد نصت املادة الثالثة والستون من اتفاقية جنيف‬
‫الثالثة لعام ‪1949‬م‪ ،‬بشأن معاملة أسرى احلرب على أنه من‬
‫حقهم تلقي املبالغ النقدية اليت ترسل هلم‪ ،‬أفراداً ومجاعات‪.‬‬
‫‪ .6‬عدم حرمان أي شخص من ممتلكاته بشكل تعسفي؛‬
‫كاالستيالء على ممتلكاته ظلماً‪ ،‬أو اغتصاب ملكيته دون مربر‬
‫قانوني‪ ،‬أو مصادرة ماله‪ ،‬أو إتالف مزرعته‪ ،‬أو هدم بيته‪ ،‬كما‬
‫حيدث اليوم يف فلسطني من قِبل االحتالل الصهيوني‪.‬‬
‫املبدأ الرابع‪ :‬مبدأ عدم التمييز‬

‫• ومقتضى هذا املبدأ أنه حيظر على الدولة اليت تُعَدُّ طرفاً‬
‫يف النزاع‪ ،‬أو من يقومون بتقديم اخلدمات لضحايا‬
‫النزاعات املسلحة‪ ،‬أن يفرقوا بني األشخاص على أساس‬
‫اللون‪ ،‬أو العرق‪ ،‬أو اجلنس‪ ،‬أو الثروة‪ ،‬أو الدين‪ ،‬وحنوه‪.‬‬
‫• أما مسألة زيادة رعاية األطفال‪ ،‬والنساء‪ ،‬والعجزة املسنني‪،‬‬
‫فمرجع هذه الرعاية هي الظروف اخلاصة بهم‪ ،‬وهذا ال‬
‫خيل مببدأ املساواة وعدم التمييز‪.‬‬
‫املبدأ اخلامس‪ :‬األمن والسالمة الشخصية‬

‫• ويتضمن هذا املبدأ البنود التطبيقية التالية‪ :‬ـ‬


‫ال جيوز حتميل الشخص مسؤولية عمل مل يرتكبه‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫حتظر أعمال االنتقام‪ ،‬والعقاب اجلماعي‪ ،‬واحتجاز الرهائن‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫ال حيق للفرد أن يتنازل عن احلقوق املنصوص عليها يف‬ ‫‪.3‬‬
‫االتفاقيات اإلنسانية‪.‬‬
‫من حق الفرد التمتع بالضمانات القانونية املعتادة‪ ،‬فال‬ ‫‪.4‬‬
‫يقبض عليه بشكل تعسفي‪ ،‬وال حيمل جرمية إال على أساس‬
‫القانون‪ ،‬واملتهم بريء حتى تثبت إدانته‪...‬‬
‫مبادئ القانون الدويل‬
‫اإلنساني اخلاصة‬
‫املبدأ األول‪ :‬مبدأ احلياد‬
‫• ويعين أن املساعدات اإلنسانية اليت تقدم لضحايا النزاعات‬
‫املسلحة ال تشكل تدخالً يف النزاع‪ ،‬وال تهدد بذلك‪ ،‬ويتفرع عنه‪:‬‬
‫‪ .1‬ميتنع أفراد اخلدمات اإلغاثية عن القيام بأي عمل عدائي‪ ،‬أو‬
‫املشاركة يف أعمال النزاع املسلح‪ ،‬مقابل احلصانة املمنوحة له‪.‬‬
‫‪ .2‬مينع تعريض أي فرد من أفراد اخلدمات اإلغاثية للخطر‪ ،‬أو‬
‫إدانته بسبب معاجلته للمرضى واجلرحى‪ ،‬وعنايته بالضحايا‪،‬‬
‫وهو منصوص عليه يف املادة ‪18‬من اتفاقية جنيف األوىل ‪1949‬م‪.‬‬
‫‪ .3‬مينع أفراد اخلدمات الطبية وإالغاثية من اإلدالء مبعلومات عن‬
‫األشخاص اجلرحى‪ ،‬أو املرضى الذين يقومون برعايتهم‪.‬‬
‫املبدأ الثاني‪ :‬مبدأ احلياة السوية‬

‫• ونقصد مببدأ احلياة السوية‪:‬‬

‫• ضرورة متكني األشخاص احملميني مبوجب القانون‬


‫الدولي اإلنساني من أي يعيشوا حياة سوية قدر‬
‫اإلمكان‪ ،‬فاألَسْرُ ليس عقوبةً‪ ،‬بل وسيلة ملنع اخلصم‬
‫من إحلاق األذى خبصمه‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫املبدأ الثالث‪ :‬مبدأ احلماية‬
‫• ونقصد مببدأ احلماية‪ :‬أن الدولة طرف النزاع جيب أن تكفل‬
‫احلماية الكاملة لألشخاص الواقعني حتت سلطانها‪ ،‬ويتفرع‬
‫عنه عدة مبادئ تطبيقية‪ ،‬أهمها ثالثة‪:‬‬
‫‪ .1‬األسري ليس حتت سلطة القوات اليت أسرته؛ ولكنه حتت سلطة‬
‫الدولة اليت تتبعها‪.‬‬
‫‪ .2‬الدولة املعادية مسئولة عن األشخاص الذين تتحفظ عليهم‪،‬‬
‫وعن األراضي اليت حتتلها من حيث النظام‪ ،‬واخلدمات العامة‪.‬‬
‫‪ .3‬جيب تأمني مصدر دولي حلماية ضحايا النزاعات املسلحة‬
‫طاملا ال يوجد مصدر آخر‪.‬‬
‫املبدأ الرابع‪ :‬التمييز بني املقاتلني‪ ،‬وغري املقاتلني‬

‫• ويستهدف هذا املبدأ توفري احلماية العامة للمدنيني‪ ،‬واألعيان‬


‫املدنية‪ ،‬كما يستهدف حصر اهلجوم على املقاتلني‪ ،‬واألهداف‬
‫العسكرية‪ ،‬ويتفرع عنه ثالثة مبادئ تطبيقية‪ :‬ـ‬
‫‪ .1‬يتمتع األشخاص املدنيون‪ ،‬واألفراد احملايدون‪ ،‬باحلماية‬
‫العامة من األخطار النامجة على العمليات العسكرية‪.‬‬
‫‪ .2‬ينحصر اهلجوم على األهداف العسكرية فقط‪.‬‬
‫‪ .3‬مينع استخدام األسلحة عشوائية األثر‪ ،‬وحتظر أساليب احلرب‬
‫الشاملة‪ ،‬وهذا ما نص عليه الربوتوكول األول ‪1977‬م‪.‬‬
‫القانون اإلنساني يف اإلسالم‬

‫• يتناول بالدراسة النقاط التالية‪:‬‬


‫• تعريف القانون الدولي اإلنساني يف اإلسالم‪.‬‬
‫• طبيعة القانون الدولي اإلنساني اإلسالمي‪.‬‬
‫• نطاق القانون الدولي اإلنساني يف اإلسالم‪.‬‬
‫• مبادئ القانون الدولي اإلنساني يف اإلسالم‪.‬‬
‫تعريف القانون الدويل‬

‫اإلنساني يف اإلسالم‬
‫متهيد‬
‫• مصطلح ( القانون اإلنساني ) تعد من املصطلحات املعاصرة ولذلك‬
‫ال جند له تعريفاً عند الفقهاء األقدمني‪ ،‬بل إنهم مل يفردوا هذا‬
‫املوضوع بالكتابة‪ ،‬ومل يهتموا جبمع أحكامه‪ ،‬ونَظَمَهَا يف سفرٍ واحد‪ ،‬أو‬
‫ضمن باب واحد‪ ،‬وإن كانوا قد حتدثوا عنها ضمن حديثهم يف باب‬
‫اجلهاد والسري ـ القانون الدولي العام باملصطلح احلديث‪.‬‬
‫• ويرجع السبب يف عدم إفراد الفقهاء األقدمني هذا املوضوع بالكتابة‬
‫إىل واقع احلياة اليت عاشوها‪ ،‬والثقافة اليت حكمت سلوكهم‪،‬‬
‫واحلروب واملعارك اليت خاضها املسلمون قدمياً‪ ،‬حيث مل يكونوا‬
‫حباجة إىل من يذكرهم باملبادئ اإلنسانية للحروب‪.‬‬
‫• وبعبارة أخرى‪ :‬إن سبب االهتمام املعاصر بالقانون اإلنساني‪ ،‬هو‬
‫كثرة احلروب املعاصرة‪ ،‬ودمويتها‪ ،‬وبشاعتها اليت ال تطاق‪ ،‬كما‬
‫أن السبب املباشر النطالق هذا القانون وظهوره هو حرب‬
‫سولفرينو بكل ما حدث فيها من وحشية ال تتصور‪.‬‬
‫• فهل كانت احلروب يف عهد رسول اهلل ـ صلى اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫والصحابة الكرام‪ ،‬والتابعني األعالم بهذه الصورة من الوحشية ؟‬
‫• اإلجابة قطعاً ستكون بالنفي‪ ،‬ألن املطالع لكتب السري‪ ،‬والغزوات‬
‫يرى مدى إنسانية احلرب وأخالقها يف اإلسالم‪ ،‬سواء يف أهدافها‪،‬‬
‫أم يف كيفية إعالنها‪ ،‬أم يف سري العمليات العسكرية‪ ،‬ووسائل‬
‫القتال‪ ،‬أم يف توابعها من حيث معاملة األسرى‪ ،‬واملدنيني‪.‬‬
‫تعريف القانون اإلنساني يف اإلسالم‬

‫• ولكن بالرجوع لألدلة الشرعية اليت تضبط جهاد املسلمني‪،‬‬


‫كتابات الفقهاء يف هذا اجملال ميكن تعريف القانون‬
‫الدولي اإلنساني يف اإلسالم بأنه‪:‬‬

‫• ( عبارة عن القواعد واألحكام الشرعية العملية اليت تطبق‬


‫حال النزاعات املسلحة الدولية‪ ،‬واليت تهدف إىل محاية‬
‫اإلنسان وصيانة كرامته‪ ،‬وحقوقه األساسية حال النزاع )‪.‬‬
‫طبيعة القانون اإلنساني‬

‫اإلسالمي وأهم مالحمه‬


‫طبيعة القانون اإلنساني يف اإلسالم‬

‫• يُعَدُّ القانون الدولي اإلنساني اإلسالمي فرعاً من فروع القانون‬


‫الدولي العام اإلسالمي‪ ،‬وبالتالي يأخذ حكمه من حيث وجوب‬
‫االلتزام بأحكامه‪ ،‬ومن حيث اجلهة املنفذة‪ ،‬وهي السلطة‬
‫اإلسالمية العليا‪ ،‬ومن حيث نطاق تطبيقه أيضاً‪.‬‬

‫• ويدل لذلك أن أحكام القانون الدولي اإلنساني يف اإلسالم‬


‫مدرجةٌ ضمن باب اجلهاد والسري من أبواب الفقه؛ أي القانون‬
‫الدولي العام باملصـطلح احلديث‬
‫خصائص القانون اإلنساني يف اإلسالم‬

‫• إنَّ أحكامه يف اإلسالم من عند اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬العامل بأحوال‬


‫عباده { أَال يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِريُ }‪ ،‬خبالف القوانني‬
‫الوضعية اليت هي من صنع البشر‪.‬‬

‫• إنَّ قواعده ملزمة لألفراد‪ ،‬والسلطات احلاكمة‪ ،‬لذلك ال يعذر‬


‫أحد جبهلها‪ ،‬فقد أمر اهلل ـ عز وجل ـ العلماء بالبيان‪ ،‬وأمر‬
‫اجلاهلني بالسؤال والتعلم‪ ،‬ألنَّه ال عـذر يف اجلهل باحلكم إذا‬
‫أمكن تعلمه‪ ،‬خبالف اجلهل الذي يتعذر االحرتاز منه‪.‬‬
‫خصائص القانون اإلنساني يف اإلسالم‬

‫• إنَّ قواعد القانون اإلنساني يف اإلسالم وأحكامه عامة‪ ،‬ال تقبل‬


‫االستثناء إال يف فيما ورد فيه خمصص شرعي؛ ألنَّ األصل يف‬
‫األدلة عموم لفظها‪ ،‬ال خصوص سببها‪.‬‬
‫• وملا كان هذا القانون من عند اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬فإنَّه يتميز‬
‫بالشـمول‪ ،‬والكمال‪ ،‬والتوازن؛ حيث نزلت أحكامه من عند اهلل‬
‫سـبحانه وتعاىل كاملةً غري منقوصةٍ‪ ،‬شـاملةً لكل األحوال‪ ،‬ال‬
‫يطغى فيها جانبٌ على آخر‪ ،‬خبالف القانون الوضـعي الذي بدأ‬
‫قليالً ناقصـاً‪ ،‬ثم أخذ يف التطـور التدرجيي‪.‬‬
‫خصائص القانون اإلنساني يف اإلسالم‬
‫• إنَّ قواعد هذا القانون ترتبط باألخالق ارتباطاً وثيقاً‪ ،‬فاملقصد‬
‫األول من بعثة الرسول عليه الصالة والسالم إمتام مكارم األخالق‪،‬‬
‫وهذا املقصد تالحظه كل األحكام الشرعية‪ ،‬واليت منها أحكام‬
‫القانون اإلنساني يف اإلسالم‪ ،‬ويشهد لذلك قوله تعاىل‪ { :‬وَقَاتِلُوا‬
‫فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَال تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ ال يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }‪.‬‬
‫• إنَّ أحكام هذا القانون صاحلةٌ للتطبيق يف كلِّ زمانٍ ومكانٍ‪،‬‬
‫ويوجد فيها قواعد ثابتة هي القواعد العامة‪ ،‬واليت تُعَدُّ أساساً‬
‫لالجتهاد يف النوازل احلديثة‪ ،‬واليت مل تكن يف حياة الرسول عليه‬
‫الصالة والسالم ومل يرد فيها نصٌ شرعيٌّ‪.‬‬
‫مصادر القانون اإلنساني يف اإلسالم‬

‫• ال ختتلف مصادر القانون الدولي اإلنساني يف‬


‫اإلسالم عن مصادر بقيَة أحكام الفقه اإلسالمي‪،‬‬
‫وعليه؛ فإنَّ أحكام هذا القانون تؤخذ من القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬والسنة النبوية املطهرة‪ ،‬والتطبيق السليم يف‬
‫حروب الصحابة‪ ،‬وإمجاع األمة‪ ،‬واالجتهاد السليم‬
‫ٍّ‪.‬‬
‫املستند إىل مصلحةٍ معتربةٍ‪ ،‬أو دليلٍ شرعي‬
‫أهداف القانون اإلنساني يف اإلسالم‬

‫• يهدف القانون الدولي اإلنساني يف اإلسالم إىل حتقيق‬


‫املقاصد الثالثة التالية‪ :‬ـ‬
‫‪ .1‬احلد من األضرار النامجة عن النزاعات املسلحة‪.‬‬
‫‪ .2‬توفري احلد األدنى من احلماية اإلنسانية لضحايا‬
‫هذه النزاعات على اختالف فئاتهم‪.‬‬
‫‪ .3‬تقييد أطراف النزاع يف اختيار وسائل القتال‪،‬‬
‫وأساليبه يف ساحة املعركة‪.‬‬
‫نطاق القانون الدويل اإلنساني‬
‫يف اإلســــــــــــالم‬
‫النطاق الشخصي للقانون الدويل اإلنساني‬

‫• نستعرض هنا الفئات اليت تتمتع حبماية القانون الدولي‬

‫اإلنساني يف اإلسالم؛ حيث إن األدلة الشرعية قد نصت‬

‫على عدم جواز قصد فئات معينة من العدو بالعمليات‬

‫العسكرية‪ ،‬كما أثبتت هلا نطاقاً من احلماية زمن احلرب‪،‬‬

‫وميكن تلخيصها يف الفئات األربعة التالية‪:‬‬


‫الفئة األوىل‪ :‬أسرى احلرب‬
‫• أسرى احلرب هم املقاتلون من الكفار إذا ظفر املسلمون بهم أحياءً‪.‬‬

‫• وقد قررت الشريعة نظاماً بديعاً ملعاملة األسرى‪ ،‬ونطاقا من‬


‫احلماية حتفه اإلنسانية‪ ،‬وحترسه األخالق‪ ،‬ومما يدل لذلك‪:‬‬

‫• قوله تعاىل‪ { :‬وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً ويَتِيماً وَأَسِرياً }‪.‬‬

‫• عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنَّهُ ملا رجع هو وصحابته‪ ،‬وقد‬
‫نصرهم اهلل على كفار قريشٍ يف معركة بدرٍ‪ ،‬أوصاهم يف االسرى‬
‫بقوله‪ ( :‬اسْتَوْصُوْا بِاألُسَاْرَىْ خَيْراً )‪.‬‬
‫الفئة الثانية‪ :‬املدنيون‬
‫• مفهوم املدنيني يشمل كل حربي ال يتأتى منه القتال صورة‪ ،‬أو‬
‫معنىً؛ العتبارات بدنية‪ ،‬أو عرفية‪ ،‬كالنساء‪ ،‬والصبيان‪ ،‬والرسل‪،‬‬
‫وغريهم من الناس الذين ال صلة هلم بالنشاطات العسكرية‪،‬‬
‫واحلربية على اختالف صورها‪.‬‬

‫• وقد عرفت الشريعة اإلسالمية مبدأ التفريق بني املقاتلني‪ ،‬وغري‬


‫املقاتلني منذ أربعةَ عشرَ قرناً‪ ،‬وقضت تعاليم الشريعة اإلسالمية‬
‫بعدم جواز قصد غري املقاتلني بالقتال‪.‬‬
‫الفئة الثانية‪ :‬املدنيون‬
‫• فقد قال تعاىل‪ { :‬وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَال تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ‬
‫ال يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }‪ ،‬فقد أمرتنا اآلية الكرمية بأن نقاتل من قاتلنا‪،‬‬
‫ومبفهوم املخالفة حنن منهيُّون عن قتال من ال يقاتلنا‪ ،‬بل إن‬
‫قصده بالقتال يُعَدُّ عدواناً كما توضح اآلية الكرمية‪.‬‬
‫• وكان الرسول صلى اهلل عليه وسلم يوصي الصحابة اخلارجني‬
‫للغزو بقوله‪ ( :‬انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ‪ ،‬وَبِاللَّهِ‪ ،‬وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ‪ ،‬وَلَا‬
‫تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا‪ ،‬وَلَا طِفْلًا‪ ،‬وَلَا صَغِريًا‪ ،‬وَلَا امْرَأَةً‪ ،‬وَلَا تَغُلُّوا‪،‬‬
‫وَضُمُّوا‪ ،‬غَنَائِمَكُمْ‪ ،‬وَأَصْلِحُوا‪ ،‬وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِنيَ )‪.‬‬
‫الفئة الثالثة‪ :‬اجلرحى واملنكوبون‬
‫• وهم األفراد املقاتلون الذين مل يعودوا قادرين على محل السالح‬
‫ومقاتلة املسلمني؛ بسبب إصابة‪ ،‬أو مرض‪ ،‬وحنوه‪.‬‬

‫• وقد أمرت الشريعة اإلسالمية حبمايتهم‪ ،‬ومعاملتهم معاملة‬


‫حسنة‪ ،‬فقد روى عبيد اهلل بن عبد اهلل بن عتبة عم النيب صلى‬
‫اهلل عليه وسلم أنّه أمر مناديه يوم فتح مكة أن ينادي يف الناس‪:‬‬

‫• ( أَالَ الَ يُجْهَزَنَّ عَلَىْ جَرِيْحٍ‪ ،‬وَالَ يُتْبَعَنَّ مُدْبِرٌ‪ ،‬وَالَ يُقْتَلَنَّ أَسِيْرٌ‪،‬‬
‫وَمَنْ أَغْلَقَ بَاْبَهُ فَهُوَ آمِنٌ )‪.‬‬
‫الفئة الرابعة‪ :‬القتلى واملفقودون‬
‫• وهذه الفئة حممية مبوجب أحكام اإلسالم‪ ،‬وداخلة يف النطاق‬
‫الشخصي لتطبيق القانون الدولي اإلنساني يف اإلسالم‪.‬‬

‫• ودليله ما رواه مسلم عن بُرَيْدَةَ بنِ احلُصَيْبِ رضي اهلل عنه ـ قَالَ‪:‬‬
‫كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِذَا أَمَّرَ أَمِريًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ‬
‫سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِنيَ خَيْرًا‪،‬‬
‫ثُمَّ قَالَ‪ ( :‬اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ‪ ،‬فِي سَبِيلِ اللَّهِ‪ ،‬قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ‪،‬‬
‫اغْزُوا‪ ،‬وَلَا تَغُلُّوا‪ ،‬وَلَا تَغْدِرُوا‪ ،‬وَلَا تَمْثُلُوا‪ ،‬وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا‪.) ...‬‬
‫النطاق املكاني للقانون اإلنساني يف اإلسالم‬

‫• نستعرض هنا األماكن اليت أعطتها الشريعة اإلسالمية‬


‫أحكاماً خاصة زمن احلرب؛ حيث إن الشريعة اإلسالمية‬
‫فرَّقت بني األهداف املدنية‪ ،‬واألهداف العسكرية‪ ،‬ومنعت‬
‫قصد األهداف اليت ال تشارك يف القتال حقيقةً‪ ،‬أو حكماً‬
‫بالعمليات العسكرية‪ ،‬إال إذا اقتضت الضرورة العسكرية‬
‫ذلك‪ ،‬ومن هذه األماكن ما يلي‪ :‬ـ‬
‫ا‬
‫أوال‪ :‬أماكن العبادة‬
‫• وتشمل أماكنُ العبادة الكنائسَ‪ ،‬والصوامع‪ ،‬والبيع‪ ،‬وحنوها من‬
‫األماكن اليت انقطع أصحابها للعبادة فيها‪ ،‬ومل يشاركوا يف‬
‫األعمال العسكرية مشاركة حقيقية‪.‬‬

‫• لقول أبي بكر الصديق ليزيد يف فتوحات الشام‪ ( :‬إِنَّكَ سَتَجِدُ قَوْمًا‬
‫زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا أَنْفُسَهُمْ لِلَّهِ‪ ،‬فَذَرْهُمْ وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ حَبَّسُوا‬
‫أَنْفُسَهُمْ لَهُ )‪ ،‬وعليه فأماكن العبادة حممية مبوجب أحكام‬
‫القانون الدولي اإلنساني يف اإلسالم‪.‬‬
‫ا‬
‫ثانيا‪ :‬البيئة‬
‫• فاحلرب يف اإلسالم مل تكن يوماً ما حربَ تدمري‪ ،‬إمنا هي حرب‬
‫تعمري‪ ...‬والفساد يف األرض ليس من شيم املؤمنني‪ ...‬وإمنا هو‬
‫ديدن الذين جيحدون الرساالت‪ ،‬ويعادون املؤمنني‪.‬‬
‫• قال تعاىل‪ { :‬وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ال تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ‪ .‬أَال‬
‫إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ ولَكِنْ ال يَشْعُرُونَ }‪.‬‬
‫• لذلك منع الفقهاء استخدام األسلحة اليت تضر بالبيئة‪ ،‬ملا فيها‬
‫من ضرر عائد على املسلمني‪ ،‬كما أن إهالك الشجر‪ ،‬وإتالف‬
‫األرض بالتغريق‪ ،‬أو اإلحراق ممنوع‪ ،‬إذا مل يقتضِ ذلك ضرورة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬األعيان املدنية والثقافية‬

‫• حيث مينع قصد األعيان املدنية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬وما ال‬


‫غنى للمدنيني عنه كمياه الشرب‪ ،‬وشبكات الري‪،‬‬
‫واملستشفيات‪ ،‬وغريها‪ ،‬إذا مل يوجد داعٍ عسكري‪ ،‬أو‬
‫مصلحة من وراء ذلك؛ ألنه يُعَدُّ إفساداً يف األرض‪،‬‬
‫واهلل تعاىل يقول‪ { :‬وَال تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ }‪.‬‬
‫مبادئ القانون الدويل‬

‫اإلنساني يف اإلسالم‬
‫متهيد‬
‫• ميكن تقسيم هذه املبادئ إىل قسمني رئيسيني‪:‬‬
‫• القسم األول‪ :‬املبادئ العامة‪ :‬وهي مبادئ القانون الدولي‬
‫العام يف اإلسالم‪ ،‬ويعد القانون الدولي اإلنساني فرعاً من‬
‫فروعه‪ ،‬وبالتالي خيضع هلذه املبادئ‪.‬‬
‫• القسم الثاني‪ :‬املبادئ اخلاصة‪ :‬وهي املبادئ اخلاصة بأحكام‬
‫القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬وهي قواعد عامة حتكم سري‬
‫العمليات العسكرية‪ ،‬وما يرتتب عليها من آثار‪.‬‬
‫مبادئ القانون اإلنساني‬
‫العامة يف اإلسالم‬
‫املبدأ األول‪ :‬العدل واإلحسان‬
‫• قامت كل عالقة إنسانية يف اإلسالم على العدالة‪ ،‬واعتبار‬
‫الناس مجيعا سواء‪ ،‬وإن كان مثة تفاضل فباألعمال‬
‫ٍّ‪.‬‬
‫واجلزاء عليها؛ إن خرياً فبخريٍ‪ ،‬وإن شراًّ فبِشر‬
‫• فالعدل يف اإلسالم قيمة مطلقة ذات ميزان واحد يلتزم به‬
‫املسلم كواجب أساسي يف املنشط واملكره‪ ،‬والصداقة‬
‫والعداوة‪ ،‬والقول والعمل‪ ،‬والفعل والرتك‪.‬‬
‫• بل ذهبت نصوص القرآن الكريم إىل ما هو أبعد من ذلك‬
‫حيث قررت أن العدل حق لألعداء كما هو حق لألولياء‪.‬‬
‫املبدأ األول‪ :‬العدل واإلحسان‬
‫• وقد قال تعاىل يف ذلك‪ { :‬يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِنيَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ‬
‫بِالْقِسْطِ وَال يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى‬
‫وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِريٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }‪.‬‬
‫• وإذا كان العدل هو احلدَّ األدنى يف معاملة املسلم لغريه؛ فإن‬
‫املسلم مدعوٌّ إىل ما هو أعلى من ذلك درجةً‪ ،‬وأرفع منه مقاماً‪،‬‬
‫فقد دعته نصوص القرآن الكريم والسنة املطهرة إىل الصرب‬
‫والعفو‪ ،‬ومقابلة السيئة باحلسنة‪ ،‬أي هو مدعوٌّ إىل اإلحسان‪.‬‬
‫• وقد أكَّد ذلك سيدنا حممد عليه الصالة والسالم حيث قال يف‬
‫احلديث‪ ( :‬أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنْ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ )‪.‬‬
‫املبدأ الثاني‪ :‬املعاملة اإلنسانية‬
‫• قرَّر اإلسالم مبدأ الكرامة اإلنسانية‪ ،‬واملساواة بني البشر مجيعا يف‬
‫القيمة اإلنسانية املشرتكة‪ ،‬وبيَّن أنَّ البشرَ ابتداءً هم أمةٌ واحدةٌ‬
‫ينتمون إىل آدم‪ ،‬وأنَّه ال تفاضل بينهم بسبب لونٍ أو عرقٍ أو لغةٍ‪ ،‬بل‬
‫كلهم آلدم‪ ،‬وآدم من تراب‪.‬‬

‫• قال تعاىل‪ { :‬يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ‬
‫شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِريٌ }‪.‬‬

‫• وقال أيضا‪ { :‬ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ‬
‫مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِريٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيالً } ‪.‬‬
‫املبدأ الثاني‪ :‬املعاملة اإلنسانية‬
‫• وهذه املعاملة اإلنسانية ليست مقتصرة على السلم فحسب؛ بل‬
‫هي شاملة حلاليت السلم واحلرب‪ ،‬فالشريعة اإلسالمية حرمت‬
‫حرق جثث األعداء‪ ،‬وأمرت بدفنها‪ ،‬كما حرمت التمثيل بها‪ ،‬أو‬
‫تشويهها‪ ،‬فقد روى البخاري عن أنس بن مالك{ أَنَّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى‬
‫اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ‪ ،‬وَيَنْهَى عَنْ الْمُثْلَةِ{‪.‬‬
‫• بل وأمرت بإطعام األسري وعدم التنكيل به إىل غري ذلك من‬
‫التوجيهات اإلنسانية اليت تتعامل مع العدو كآدمي له حقوق‬
‫اإلنسانية وإن كان عدواً‪.‬‬
‫املبدأ الثالث‪ :‬الوفاء بالعهد‬
‫• أمر اإلسالم بالوفاء بالعهود واملواثيق‪ ،‬قال تعاىل‪ { :‬يَا أَيُّهَا‬
‫الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ }‪ ،‬كما بينت الشريعة اإلسالمية أن‬
‫ناقض العهد مذموم عند اهلل تعاىل‪ ،‬وأن نقض العهد من‬
‫صفات الذين كفروا‪ ،‬الذين هم شر الدواب عند اهلل‪.‬‬
‫• بل إن اهلل تبارك وتعاىل نهى عن خيانة العهد‪ ،‬ولو كان مع‬
‫عدو خنشى منه أن خيوننا؛ بل جيب يف هذه احلالة إنهاء‬
‫املعاهدة ال اخليانة‪ ،‬فقد قال اهلل تعاىل‪ { :‬وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ‬
‫خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ ال يُحِبُّ الْخَائِنِنيَ }‪.‬‬
‫املبدأ الرابع‪ :‬اإلصالح يف األرض‪ ،‬وحماربة الفساد‬
‫• خلق اهلل سبحانه وتعاىل آدم ـ عليه السالم ـ‪ ،‬وأنزله إىل األرض؛‬
‫ليعمرها‪ ،‬ويكون خليفته فيها‪ ،‬قال تعاىل‪ { :‬وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَالئِكَةِ‬
‫إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } كما دلت نصوص القرآن الكريم أن‬
‫أشنع عمل لإلنسان يف عالقته بغريه هي سفك الدماء‪ ،‬وإرادة‬
‫العلو يف األرض والفساد فيها‬
‫• وهذا املبدأ اجلليل مُقَرَّرٌ يف احلرب كما هو مقرر يف السلم؛‬
‫لذلك حرّم اإلسالم التخريب يف احلروب‪ ،‬فال يسوغ لقائد‬
‫املسلمني أن يقوم بتخريب يف ديار األعداء إال إذا كانت توجبه‬
‫ضرورةٌ حربيَّةٌ اقتضاها القتال يف امليدان‪.‬‬
‫املبدأ اخلامس‪ :‬املعاملة باملثل‬

‫• إنَّ هذا املبدأ يف حقيقته متشعب من مبدأ العدل‪ ،‬فاملعاملة باملثل‬


‫من قانون العدالة يف التعامل اإلنساني بني األفراد واجلماعات‪،‬‬
‫حال السلم واحلرب‪ ...‬وهذا املبدأ ال يتنافى أبدا مع الفضيلة‬
‫والتسامح واإلحسان؛ فاهلل ال يرضى أن يكون التسامح طريقا إىل‬
‫الرضا بالظلم‪ ،‬واخلنوع له‪ ،‬فشيوع الظلم فساد‪ ،‬واهلل سبحانه‬
‫وتعاىل ال حيب الفساد‪ ،‬بل وميقت املفسدين‪.‬‬
‫• إنَّ الفضيلة والتسامح يُحَتِّمان على املسلم أن يعامل غريه باملثل‪،‬‬
‫لذا فإن هذا املبدأ يقوم على أساسني‪ ،‬هما‪ :‬العدالة‪ ،‬والتسامح‪.‬‬
‫• قال اهلل تعاىل يف بيان هذا املبدأ‪ { :‬وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ‬
‫بِهِ ولَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ }‪.‬‬

‫• وقد جاء يف سبب نزول هذه اآلية الكرمية أن رسول اهلل ـ صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ـ قال يوم أحد وقد قتل عَمُّهُ أسَدُ اهلل محزة ـ رضي اهلل‬
‫عنه ـ وقد بُقِرَ بطنُه‪ ،‬وَلِيكَ كبده‪ ،‬وجُدِعَ أنفه‪ ( :‬لَئِنْ ظَفِرْتُ‬
‫بِقُرَيْشٍ لَأُمَثِّلَنَّ بِسَبْعِيْنَ مِنْهُمْ ) فانزل اهلل هذه اآلية الكرمية؛ فقال‬
‫رسول اهلل ـ صلى اهلل عليه وسلم‪ ( :‬بَلْ نَصْبِرُ يَاْ رَبُّ )‪.‬‬

‫مبدأ املعاملة يف اإلسالم هل هو مطلق أم مقيد ؟‬


‫مبادئ القانون اإلنساني‬
‫اخلاصة يف اإلسالم‬
‫املبدأ األول‪ :‬التفريق بني املقاتلني وغري املقاتلني‬

‫• فَرَّقت الشريعة اإلسالمية بني املقاتلني وغري املقاتلني‪ ،‬واألهداف‬


‫العسكرية وغري العسكرية‪ ،‬كما قضت بعدم جواز التعرض لغري‬
‫املقاتلني بكافة فئاتهم‪ :‬من نساءٍ وأطفالٍ وعجائزَ‪ ،‬وحنوهم‪...‬‬
‫طاملا مل يقاتلوا أو يعينوا على قتال؛ أما إذا شاركوا يف القتال‬
‫مباشرة أو برأي وحنوه فقد جاز قتاهلم وقتلهم‪.‬‬
‫• قال اهلل تعاىل‪ { :‬وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَال تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ‬
‫ال يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }‪ ،‬أي وال تعتدوا بقتل النساء واألطفال والرهبان‪،‬‬
‫ممن مل حيمل السالح ومل يقاتلكم‪.‬‬
‫املبدأ الثاني‪ :‬صيانة احلقوق األساسية واحلرمات الشخصية‬

‫• حافظت الشريعة على احلقوق األساسية‪ ،‬واحلرمات‬


‫الشخصية للعدو يف ساحة املعركة بالعديد من األحكام‪،‬‬
‫أذكر منها على سبيل املثال األربعة التالية‪ :‬ـ‬
‫‪ .1‬صيانة حرمة من يسقط يف األسر‪ ،‬واحلفاظ على حياته‪،‬‬
‫وإكرامه إىل أن ينظر اإلمام يف مصريه‪ ،‬قال رسول اهلل ـ‬
‫صلى اهلل عليه وسلم‪ ( :‬اسْتَوْصُوْا فِيْ األُسَاْرَىْ خَيْراً )‪.‬‬
‫‪ .2‬حظر التعذيب املادي أو املعنوي‪ ،‬واملعاملة غري اإلنسانية‪،‬‬
‫سواء لألسرى أم املدنيني‪.‬‬
‫املبدأ الثاني‪ :‬صيانة احلقوق األساسية واحلرمات الشخصية‬

‫‪ .3‬أعطت الفرد حقه يف احرتام كرامته وإنسانيته؛ فال يعتدى‬


‫على عرض أسري أو شرفه‪ ،‬بل إن الشريعة حرمت وطء السبايا‬
‫قبل أن يلدن أو يَحِضْنَ‪ ،‬فقد روى الرتمذي يف سننه عن‬
‫العِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ{ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ‬
‫تُوطَأَ السَّبَايَا حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ{‪.‬‬
‫‪ .4‬حرمت حتميل اإلنسان مسئولية عمل مل يرتكبه‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫{ وَال تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }‪ ،‬كما حظرت أعمال االنتقام‬
‫والعقوبات اجلماعية‪.‬‬
‫املبدأ الثالث‪ :‬التزام الضرورة احلربية‬

‫• قلنا سابقاً‪ :‬إنَّ الشريعة اإلسالمية حاربت الفساد يف األرض‪،‬‬


‫وأمرت بعمارتها‪ ،‬وألجل ذلك جند أنَّ احلرب يف اإلسالم‬
‫مكروهةٌ يف اجلملة‪ ،‬ينبغي تفاديها ما أمكن‪.‬‬
‫• فقد روى البخاري يف صحيحه عن عبد اهلل بن أبي أوفى أنَّ‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم كان يوصي صحابته بقوله‪:‬‬
‫( لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ‬
‫فَاصْبِرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ )‪.‬‬
‫انتهى احلديث عن مفهوم القانون اإلنساني‬

‫ونطاقه ومبادؤه يف الشريعة اإلسالمية والقانون‬

‫وسنتحدث يف اجلزء الذي يليه عن محاية االسرى‬

‫واملدنيني يف اإلسالم‪.‬‬

You might also like