Professional Documents
Culture Documents
المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال - 94784 - Foulabook.com - PDF
المنقذ من الضلال والمفصح بالأحوال - 94784 - Foulabook.com - PDF
اﻟﻣﻧﻘذ ﻣن اﻟﺿﻼل
ﻟﺣﺟﺔ اﻹﺳﻼم اﻹﻣﺎم اﻟﺣﺟﺔ
أﺑو ﺣﺎﻣد اﻟﻐزاﻟﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ
ﺗوطﺋﺔ
اﺟﺗَْوﯾـُﺗﻪ [3]3ﺛﺎﻧﯾًﺎ ﻣن طرق أﻫل اﻟﺗﻌﻠﯾم اﻟﻘﺎﺻرﯾن َﻟدرك اﻟﺣق ﻋﻠﻰ ﺗﻘﻠﯾد اﻹﻣﺎم ،وﻣﺎ ازدرﯾﺗﻪ ﺛﺎﻟﺛًﺎ ﻣن طرق
َ
اﻟﺗﻔﻠﺳف ،وﻣﺎ ارﺗﺿﯾﺗﻪ آﺧ اًر ﻣن طرﯾﻘﺔ اﻟﺗﺻوف ،وﻣﺎ اﻧﺟﻠﻰ ﻟﻲ ﻓﻲ ﺗﺿﺎﻋﯾف ﺗﻔﺗﯾﺷﻲ ﻋن أﻗﺎوﯾل اﻟﺧﻠق
إﻟﻰ ﻣﻌﺎودﺗﻪ [4]4
،ﻣن ﻟﺑﺎب اﻟﺣق ،وﻣﺎ ﺻرﻓﻧﻲ ﻋن ﻧﺷر اﻟﻌﻠم ﺑﺑﻐداد ،ﻣﻊ ﻛﺛرة اﻟطﻠﺑﺔ ،وﻣﺎ دﻋﺎﻧﻲ
ﺑﻌد طول اﻟﻣدة ،ﻓﺎﺑﺗدرت ﻹﺟﺎﺑﺗك إﻟﻰ ﻣطﻠﺑك ،ﺑﻌد اﻟوﻗوف ﻋﻠﻰ ﺻدق رﻏﺑﺗك ،وﻗﻠت ﺳﺎﺑور
ﺑﻧﯾ َ ْ
[5]5
اﻟﺗﻧﺻر ،
ُ ﻧﺷوء إﻻ ﻋﻠﻰ
ٌ اﻟﻣوروﺛﺔ ﻋﻠﻰ ﻗرب ﻋﻬد ﺳن [15]15اﻟﺻﺑﺎ ؛ إذ رأﯾت ﺻﺑﯾﺎن اﻟﻧﺻﺎرى ﻻ ﯾﻛون ﻟﻬم
وﺻﺑﯾﺎن اﻟﯾﻬود ﻻ ﻧﺷوء ﻟﻬم إﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﻬود ،وﺻﺑﯾﺎن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن ﻻ ﻧﺷوء ﻟﻬم إﻻ ﻋﻠﻰ اﻹﺳﻼم .وﺳﻣﻌت
اﻟﺣدﯾث اﻟﻣروي ﻋن رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﺣﯾث ﻗﺎل :[16]16
وﯾ ﱢ
ﻣﺟ َﺳﺄﻧﻪ (( ﯾوﻟد ﻋﻠﻰ اﻟﻔطرِة ﻓﺄﺑواﻩُ ُﯾﻬودأﻧﻪ ُ
وﯾﻧﺻرأﻧﻪ ُ ٍ
ﻣوﻟود ُ )) ﻛل
[17]17
[18]18
ﻓﺗﺣرك ﺑﺎطﻧﻲ إﻟﻰ ) طﻠب ( ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻔطرة اﻷﺻﻠﯾﺔ ،وﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻌﻘﺎﺋد اﻟﻌﺎرﺿﺔ ﺑﺗﻘﻠﯾد اﻟواﻟدﯾن واﻷﺳﺗﺎذﯾن
،واﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾن ﻫذﻩ اﻟﺗﻘﻠﯾدات ،وأواﺋﻠﻬﺎ ﺗﻠﻘﯾﻧﺎت ،وﻓﻲ ﺗﻣﯾﯾز اﻟﺣق ﻣﻧﻬﺎ ﻋن اﻟﺑﺎطل اﺧﺗﻼﻓﺎت ،ﻓﻘﻠت ﻓﻲ
ﻧﻔﺳﻲ:أوﻻً [19]19إﻧﻣﺎ ﻣطﻠوﺑﻲ اﻟﻌﻠم ﺑﺣﻘﺎﺋق اﻷﻣور ،ﻓﻼ ُﺑد ﻣن طﻠب ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻌﻠم ﻣﺎ ﻫﻲ؟ ﻓظﻬر ﻟﻲ أن اﻟﻌﻠم
اﻟﯾﻘﯾﻧﻲ ﻫو اﻟذي ﯾﻧﻛﺷف [20]20ﻓﯾﻪ اﻟﻣﻌﻠوم اﻧﻛﺷﺎﻓﺎً ﻻ ﯾﺑﻘﻰ ﻣﻌﻪ رﯾب ،وﻻ ﯾﻘﺎرﻧﻪ [21]21إﻣﻛﺎن اﻟﻐﻠط واﻟوﻫم ،
وﻻ ﯾﺗﺳﻊ اﻟﻘﻠب ﻟﺗﻘدﯾر ذﻟك ؛ ﺑل اﻷﻣﺎن ﻣن اﻟﺧطﺄ ﯾﻧﺑﻐﻲ أﻧﺎ ﯾﻛون ﻣﻘﺎرﻧًﺎ ﻟﻠﯾﻘﯾن ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﻟو ﺗﺣدى ﺑﺈظﻬﺎر
ﺑطﻸﻧﻪ ﻣﺛﻼً ﻣن ﯾﻘﻠب اﻟﺣﺟر ذﻫﺑﺎً واﻟﻌﺻﺎ ﺛﻌﺑﺎﻧًﺎ ،ﻟم ﯾورث ذﻟك ﺷﻛﺎً ٕواﻧﻛﺎ اًر ؛ ﻓﺈﻧﻲ إذا ﻋﻠﻣت أن اﻟﻌﺷرة
أﻛﺛر ﻣن اﻟﺛﻼﺛﺔ ،ﻓﻠو ﻗﺎل ﻟﻲ ﻗﺎﺋل :ﻻ ،ﺑل اﻟﺛﻼﺛﺔ أﻛﺛر ] ﻣن اﻟﻌﺷرة [ ﺑدﻟﯾل أﻧﻲ أﻗﻠب ﻫذﻩ اﻟﻌﺻﺎ ﺛﻌﺑﺎﻧًﺎ
،وﻗﻠﺑﻬﺎ ،وﺷﺎﻫدت ذﻟك ﻣﻧﻪ ،ﻟم أﺷك ﺑﺳﺑﺑﻪ ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺗﻲ ،وﻟم ﯾﺣﺻل ﻟﻲ ﻣﻧﻪ إﻻ اﻟﺗﻌﺟب ﻣن ﻛﯾﻔﯾﺔ ﻗدرﺗﻪ
ﻓﯾﻣﺎ ﻋﻠﻣﺗﻪ ،ﻓﻼ. [22]22
ﻋﻠﯾﻪ! ﻓﺄﻣﺎ اﻟﺷك
ﺛم ﻋﻠﻣت أن ﻛل ﻣﺎ ﻻ أﻋﻠﻣﻪ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟوﺟﻪ وﻻ أﺗﯾﻘﻧﻪ ﻫذا اﻟﻧوع ﻣن اﻟﯾﻘﯾن ،ﻓﻬو ﻋﻠم ﻻ ﺛﻘﺔ ﺑﻪ وﻻ أﻣﺎن
ﻣﻌﻪ ،وﻛل ﻋﻠم ﻻ أﻣﺎن ﻣﻌﻪ ،ﻓﻠﯾس ﺑﻌﻠم ﯾﻘﯾﻧﻲ.
[15] 15ﰲ ش ِ :ﺷﱠﺮة ،واﻟﺸﺮة ﺑﻜﺴﺮ اﻟﺸﲔ اﳌﻌﺠﻤﺔ وﻓﺘﺢ اﻟﺮاء اﳌﺸﺪدة :اﳊﺪة واﻟﻨﺸﺎط.
[16] 16ﰲ ش :ﻳﻘﻮل.
[17] 17رواﻩ أﲪﺪ واﻟﺒﺨﺎري وﻣﺴﻠﻢ ﺑﻠﻔﻆ آﺧﺮ.
[18] 18ﲨﻊ أﺳﺘﺎذ ﻓﺎرﺳﻲ ﻣﻌﺮب ،وﳚﻤﻊ أﻳﻀﺎً ﻋﻠﻰ أﺳﺎﺗﺬة وأﺳﺎﺗﻴﺬ.
[19] 19ﰲ ش :ﺑﺪون أوﻻً.
[20] 20ﰲ ش :ﻳﻜﺸﻒ.
[21] 21ﰲ ق :ﻳﻔﺎرﻗﻪ.
[22] 22ﰲ ق زاد :ﺑﺴﺒﺒﻪ.
Generated by Foxit PDF Creator © Foxit Software
http://www.foxitsoftware.com For evaluation only.
ﻓﻘﻠت :ﻗد ﺑطﻠت اﻟﺛﻘﺔ ﺑﺎﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت أﯾﺿًﺎ ،ﻓﻠﻌﻠﻪ ﻻ ﺛﻘﺔ إﻻ ﺑﺎﻟﻌﻘﻠﯾﺎت اﻟﺗﻲ ﻫﻲ ﻣن
اﻷوﻟﯾﺎت ،ﻛﻘوﻟﻧﺎ :اﻟﻌﺷرة أﻛﺛر ﻣن اﻟﺛﻼﺛﺔ ،واﻟﻧﻔﻲ واﻹﺛﺑﺎت ﻻ ﯾﺟﺗﻣﻌﺎن ﻓﻲ اﻟﺷﻲء
ﻻ .ﻓﻘﺎﻟت
اﻟواﺣد ،واﻟﺷﻲء اﻟواﺣد ﻻ ﯾﻛون ﺣﺎدﺛًﺎ ﻗدﯾﻣًﺎ ،ﻣوﺟودًا ﻣﻌدوﻣًﺎ ،واﺟﺑًﺎ ﻣﺣﺎ ً
اﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت :ﺑم ﺗﺄﻣن أن ﺗﻛون ﺛﻘﺗك ﺑﺎﻟﻌﻘﻠﯾﺎت ﻛﺛﻘﺗك ﺑﺎﻟﻣﺣﺳوﺳﺎت ،وﻗد ﻛﻧت واﺛﻘًﺎ ﺑﻲ
،ﻓﺟﺎء ﺣﺎﻛم اﻟﻌﻘل ﻓﻛذﺑﻧﻲ ،وﻟوﻻ ﺣﺎﻛم اﻟﻌﻘل ﻟﻛﻧت ﺗﺳﺗﻣر ﻋﻠﻰ ﺗﺻدﯾﻘﻲ ،ﻓﻠﻌل وراء
إدراك اﻟﻌﻘل ﺣﺎﻛﻣًﺎ آﺧر ،إذا ﺗﺟﻠﻰ ،ﻛذب اﻟﻌﻘل ﻓﻲ ﺣﻛﻣﻪ ،ﻛﻣﺎ ﺗﺟﻠﻰ ﺣﺎﻛم اﻟﻌﻘل
ﻓﻛذب اﻟﺣس ﻓﻲ ﺣﻛﻣﻪ ،وﻋدم ﺗﺟﻠﻲ ذﻟك اﻹدراك ،ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﻪ .ﻓﺗوﻗﻔت
اﻟﻧﻔس ﻓﻲ ﺟواب ذﻟك ﻗﻠﯾﻼً ،وأﯾدت إﺷﻛﺎﻟﻬﺎ ﺑﺎﻟﻣﻧﺎم ،وﻗﺎﻟت :أﻣﺎ ﺗراك ﺗﻌﺗﻘد ﻓﻲ اﻟﻧوم
ﻻ ،وﺗﻌﺗﻘد ﻟﻬﺎ ﺛﺑﺎﺗًﺎ واﺳﺗﻘ ار ًار ،وﻻ ﺗﺷك ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﺣﺎﻟﺔ ﻓﯾﻬﺎ ،ﺛم
أﻣو ًار ،وﺗﺗﺧﯾل أﺣوا ً
ﺗﺳﺗﯾﻘظ ﻓﺗﻌﻠم أﻧﻪ ﻟم ﯾﻛن ﻟﺟﻣﯾﻊ ﻣﺗﺧﯾﻼﺗك وﻣﻌﺗﻘداﺗك أﺻل وطﺎﺋل ؛ ﻓﺑم ﺗﺄﻣن أن ﯾﻛون
ﺟﻣﯾﻊ ﻣﺎ ﺗﻌﺗﻘدﻩ ﻓﻲ ﯾﻘظﺗك ﺑﺣس أو ﻋﻘل ﻫو ﺣق ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺣﺎﻟﺗك ] اﻟﺗﻲ أﻧت ﻓﯾﻬﺎ
[ ؛ ﻟﻛن ﯾﻣﻛن أن ﺗط أر ﻋﻠﯾك ﺣﺎﻟﺔ ﺗﻛون ﻧﺳﺑﺗﻬﺎ إﻟﻰ ﯾﻘظﺗك ،ﻛﻧﺳﺑﺔ ﯾﻘظﺗك إﻟﻰ ﻣﻧﺎﻣك
،وﺗﻛون ﯾﻘظﺗك ﻧوﻣﺎً ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﯾﻬﺎ! ﻓﺈذا وردت ﺗﻠك اﻟﺣﺎﻟﺔ ﺗﯾﻘﻧت أن ﺟﻣﯾﻊ ﻣﺎ ﺗوﻫﻣت
اﻟﺻوﻓﯾﺔ أﻧـﻬﺎ ﺣﺎﻟﺗﻬم ؛ إذ [29]29
ﺑﻌﻘﻠك ﺧﯾﺎﻻت ﻻ ﺣﺎﺻل ﻟﻬﺎ ،وﻟﻌل ﺗﻠك اﻟﺣﺎﻟﺔ ﻣﺎ ﺗدﻋﯾﻪ
ﯾزﻋﻣون أﻧـﻬم ﯾﺷﺎﻫدون ﻓﻲ أﺣواﻟﻬم اﻟﺗﻲ ) ﻟﻬم ( ،إذا ﻏﺎﺻوا ﻓﻲ أﻧﻔﺳﻬم ،وﻏﺎﺑوا ﻋن
ﺣواﺳﻬم ،أﺣواﻻً ﻻ ﺗواﻓق ﻫذﻩ اﻟﻣﻌﻘوﻻت .وﻟﻌل ﺗﻠك اﻟﺣﺎﻟﺔ ﻫﻲ اﻟﻣوت ،إذ ﻗﺎل رﺳول
اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳّﻠم:
ﻧﯾﺎم ﻓﺈذا ﻣﺎﺗوا اﻧﺗﺑـﻬوا ((
[30]30
اﻟﻧﺎس ٌ
)) ُ
ﻓﻠﻌل اﻟﺣﯾﺎة اﻟدﻧﯾﺎ ﻧوم ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ اﻵﺧرة .ﻓﺈذا ﻣﺎت ظﻬرت ﻟﻪ اﻷﺷﯾﺎء ﻋﻠﻰ ﺧﻼف ﻣﺎ
ﯾﺷﺎﻫدﻩ اﻵن ،وﯾﻘﺎل ﻟﻪ ﻋﻧد ذﻟك:
ﺣدﯾد (( )ق(22 :
اﻟﯾوم ٌ
ك َﻓﺑﺻر َ
ُ ﻏطﺎءك
َ ك
)) ﻓﻛﺷﻔﻧﺎ ﻋﻧ َ
ﻟﻲ ﻫذﻩ اﻟﺧواطر واﻧﻘدﺣت ﻓﻲ اﻟﻧﻔس ،ﺣﺎوﻟت ﻟذﻟك ﻋﻼﺟًﺎ ﻓﻠم ﯾﺗﯾﺳر ، [31]31
ﻓﻠﻣﺎ ﺧطرت
إذ ﻟم ﯾﻛن دﻓﻌﻪ إﻻ ﺑﺎﻟدﻟﯾل ،وﻟم ﯾﻣﻛن ﻧﺻب دﻟﯾل إﻻ ﻣن ﺗرﻛﯾب اﻟﻌﻠوم اﻷوﻟﯾﺔ ،ﻓﺈذا ﻟم
،ودام ﻗرﯾﺑًﺎ ﻣن ﺷﻬرﯾن أﻧﺎ [32]32
ﺗﻛن ﻣﺳﻠﻣﺔ ﻟم ﯾﻣﻛن ﺗرﻛﯾب اﻟدﻟﯾل .ﻓﺄﻋﺿل ﻫذا اﻟداء
ﻓﯾﻬﻣﺎ ﻋﻠﻰ ﻣذﻫب اﻟﺳﻔﺳطﺔ ﺑﺣﻛم اﻟﺣﺎل ،ﻻ ﺑﺣﻛم اﻟﻧطق واﻟﻣﻘﺎل ،ﺣﺗﻰ ﺷﻔﻰ اﷲ
ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣن ذﻟك اﻟﻣرض ،وﻋﺎدت اﻟﻧﻔس إﻟﻰ اﻟﺻﺣﺔ واﻻﻋﺗدال ،ورﺟﻌت اﻟﺿرورﯾﺎت
اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ﻣﻘﺑوﻟﺔ ﻣوﺛوﻗًﺎ ﺑـﻬﺎ ﻋﻠﻰ أﻣن وﯾﻘﯾن ؛ وﻟم ﯾﻛن ذﻟك ﺑﻧظم دﻟﯾل وﺗرﺗﯾب ﻛﻼم ،ﺑل
ﺑﻧور ﻗذﻓﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﺻدر وذﻟك اﻟﻧور ﻫو ﻣﻔﺗﺎح أﻛﺛر اﻟﻣﻌﺎرف ،ﻓﻣن ظن أن
اﻟﻛﺷف ﻣوﻗوف ﻋﻠﻰ اﻷدﻟﺔ اﻟﻣﺣررة ﻓﻘد ﺿﯾق رﺣﻣﺔ اﷲ ] ﺗﻌﺎﻟﻰ [ اﻟواﺳﻌﺔ ؛ وﻟﻣﺎ ﺳﺋل
رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠّم ﻋن ) اﻟﺷرح ( وﻣﻌﻧﺎﻩ ﻓﻲ ﻗوﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ:
)اﻷﻧﻌﺎم(125 : )) ﻓﻣن ﯾرد اﷲ أن ﯾﻬدﯾﻪ ﯾﺷرح ﺻدرﻩ ﻟﻺﺳﻼم((
ﻗﺎل )) :ﻫو ﻧور ﯾﻘذﻓﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ اﻟﻘﻠب (( ﻓﻘﯾل) :وﻣﺎ ﻋﻼﻣﺗﻪ ؟( ﻗﺎل )) :اﻟﺗﺟﺎﻓﻲ
اﻟﺧﻠُود (( .[33]33وﻫو اﻟذي ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ور واﻹﻧﺎﺑﺔ إﻟﻰ ِ
دار ُ اﻟﻐ ُر ِ
ﻋن دار ُ
ﻓﯾﻪ:
[34]34
ﻋﻠﯾﻬم ﻣن ُﻧورِﻩ (( رش اﻟﺧﻠق ﻓﻲ ظُْﻠ ٍ
ﻣﺔ ﺛم ﱠ َ )) إن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺧﻠق
ْ
ﻓﻣن ذﻟك اﻟﻧور ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾطﻠب اﻟﻛﺷف ،وذﻟك اﻟﻧور ﯾﻧﺑﺟس ﻣن اﻟﺟود اﻹﻟﻬﻲ ﻓﻲ
ﺑﻌض اﻷﺣﺎﯾﯾن ،وﯾﺟب اﻟﺗرﺻد ﻟﻪ ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳّﻠم:
[35]35
ﻓﺗﻌرﺿوا ﻟﻬﺎ ((
ُ ﻧﻔﺣﺎت أﻻ
ٌ )) إن ﻟرﺑﻛم ﻓﻲ ِ
أﯾﺎم دﻫرﻛم
واﻟﻣﻘﺻود ﻣن ﻫذﻩ اﻟﺣﻛﺎﯾﺎت أن ﯾﻌﻣل ﻛﻣﺎل اﻟﺟد ﻓﻲ اﻟطﻠب ،ﺣﺗﻰ ﯾﻧﺗﻬﻲ إﻟﻰ طﻠب ﻣﺎ
[36]36
ﻻ ﯾطﻠب .ﻓﺈن اﻷوﻟﯾﺎت ﻟﯾﺳت ﻣطﻠوﺑﺔ ،ﻓﺄﻧـﻬﺎ ﺣﺎﺿرة .واﻟﺣﺎﺿر إذا طﻠب ﻓﻘد
واﺧﺗﻔﻰ .وﻣن طﻠب ﻣﺎ ﻻ ﯾطﻠب ،ﻓﻼ ﯾﺗﻬم ﺑﺎﻟﺗﻘﺻﯾر ﻓﻲ طﻠب ﻣﺎ ﯾطﻠب.
ﻠﺳﻔَﺔ
اﻟﻔ ْ
َ -2
ﻣﺣﺻوﻟﻬﺎ.
اﻟﻣذﻣوم ﻣﻧﻬﺎ وﻣﺎ ﻻ ﯾذم.
وﻣﺎ ﯾﻛﻔر ﺑﻪ ﻗﺎﺋﻠﺔ وﻣﺎ ﻻ ﯾﻛﻔر ﺑﻪ.
وﻣﺎ ﯾﺑﺗدع ﻓﯾﻪ وﻣﺎ ﻻ ﯾﺑﺗدع.
وﺑﯾﺎن ﻣﺎ ﺳرﻗﻪ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻣن ﻛﻼم أﻫل اﻟﺣق.
وﺑﯾﺎن ﻣﺎ ﻣزﺟوﻩ ﺑﻛﻼم أﻫل اﻟﺣق ﻟﺗروﯾﺞ ﺑﺎطﻠﻬم ﻓﻲ درج ذﻟك.
وﻛﯾﻔﯾﺔ ﻋدم ﻗﺑول اﻟﺑﺷر وﺣﺻول ﻧﻔرة اﻟﻧﻔوس ﻣن ذﻟك اﻟﺣق اﻟﻣﻣزوج ﺑﺎﻟﺑﺎطل.
[46]46
وﻛﯾﻔﯾﺔ اﺳﺗﺧﻼص اﻟﺣق اﻟﺧﺎﻟص ﻣن اﻟزﯾف واﻟﺑﻬرج ﻣن ﺟﻣﻠﺔ ﻛﻼﻣﻬم.
ﺛم إﻧﻲ اﺑﺗدأت ،ﺑﻌد اﻟﻔراغ ﻣن ﻋﻠم اﻟﻛﻼم ،ﺑﻌﻠم اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ وﻋﻠﻣت ﯾﻘﯾﻧﺎً ،أﻧﻪ ﻻ ﯾﻘف
ﻋﻠﻰ ﻓﺳﺎد ﻧوع ﻣن اﻟﻌﻠوم ،ﻣن ﻻ ﯾﻘف ﻋﻠﻰ ﻣﻧﺗﻬﻰ ذﻟك اﻟﻌﻠم ،ﺣﺗﻰ ﯾﺳﺎوي أﻋﻠﻣﻬم ﻓﻲ
أﺻل ] ذﻟك [ اﻟﻌﻠم ،ﺛم ﯾزﯾد ﻋﻠﯾﻪ وﯾﺟﺎوز درﺟﺗﻪ ،ﻓﯾطﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻟم ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﯾﻪ
ﯾﻣﻛن أن ﯾﻛون ﻣﺎ ﯾدﻋﯾﻪ ﻣن ﻓﺳﺎدﻩ ﺻﺎﺣب اﻟﻌﻠم ﻣن ﻏور [47]47وﻏﺎﺋﻠﻪ ٕ ،واذا ذاك
[48]48
ﺣﻘّﺎً .وﻟم أر أﺣداً ﻣن ﻋﻠﻣﺎء اﻹﺳﻼم ﺻرف ﻋﻧﺎﯾﺗﻪ وﻫﻣﺗﻪ إﻟﻰ ذﻟك.
وﻟم ﯾﻛن ﻓﻲ ﻛﺗب )) اﻟﻣﺗﻛﻠﻣﯾن (( ﻣن ﻛﻼﻣﻬم ،ﺣﯾث اﺷﺗﻐﻠوا ﺑﺎﻟرد ﻋﻠﯾﻬم ،إﻻ ﻛﻠﻣﺎت
ﻋﺎﻣﻲ ،ﻓﺿﻼً [49]49
ﻣﻌﻘدة ﻣﺑددة ،ظﺎﻫرة اﻟﺗﻧﺎﻗض واﻟﻔﺳﺎد ،ﻻ ﯾظن اﻻﻏﺗرار ﺑـﻬﺎ ﺑﻌﺎﻗل
[50]50
ﻋﻣن ﯾدﻋﻲ دﻗﺎﺋق اﻟﻌﻠوم .ﻓﻌﻠﻣت أن رد اﻟﻣذﻫب ﻗﺑل ﻓﻬﻣﻪ واﻹطﻼع ﻋﻠﻰ ﻛﻧﻬﻪ
رﻣﻰ ﻓﻲ ﻋﻣﺎﯾﺔ ،ﻓﺷﻣرت ﻋن ﺳﺎق اﻟﺟد ،ﻓﻲ ﺗﺣﺻﯾل ذﻟك اﻟﻌﻠم ﻣن اﻟﻛﺗب ،ﺑﻣﺟرد
اﻟﻣطﺎﻟﻌﺔ ﻣن ﻏﯾر اﺳﺗﻌﺎﻧﺔ ﺑﺄﺳﺗﺎذ ،وأﻗﺑﻠت ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻓﻲ أوﻗﺎت ﻓراﻏﻲ ﻣن اﻟﺗﺻﻧﯾف
[46] 46ﲨﻴﻊ ﻫﺬﻩ اﻟﻨﻘﻂ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﺔ زاﺋﺪة ﰲ ﻧﺴﺨﺔ أﲪﺪ ﴰﺲ اﻟﺪﻳﻦ و اﻟﻮراق.
[47] 47ﰲ ش :ﻏﻮرﻩ.
[48] 48ﰲ ش :ﻓﺈذذاك.
[49] 49ﰲ ش :ﺑﻐﺎﻓﻞ.
[50] 50ﻛﻨﻬﻪ :ﻗﺪر اﻟﺸﻲء وﻧـﻬﺎﻳﺘﻪ ؛ ﻳﻘﺎل :ﺑﻠﻐﺖ ﻛﻨﻪ ﻫﺬا اﻷﻣﺮ أي ﻏﺎﻳﺘﻪ .ﻟﺴﺎن اﻟﻠﺴﺎن.
Generated by Foxit PDF Creator © Foxit Software
http://www.foxitsoftware.com For evaluation only.
][54
ﺗﻬمﺻﻣﺔ اﻟ ُﻛِﻔرَ ﻛﺎﻓﱠ و ﻣول ﺷ
ُ و ﺔ
َ ﻔ اﻟﻔﻼَ ِ
ﺳ َﺻﻧﺎَف َ
أ ْ
ُ َ َْ
54
اﻋﻠم :أﻧـﻬم ،ﻋﻠﻰ ﻛﺛرة ﻓرﻗﻬم واﺧﺗﻼف ﻣذاﻫﺑـﻬم ،ﯾﻧﻘﺳﻣون إﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺳﺎم :اﻟدﻫرﯾون ،
واﻟطﺑﯾﻌﯾون ،واﻹﻟﻬﯾون.
اﻟﺻﻧف اﻷول :اﻟدﻫرﯾون -:وﻫم طﺎﺋﻔﺔ ﻣن اﻷﻗدﻣﯾن ﺟﺣدوا اﻟﺻﺎﻧﻊ اﻟﻣدﺑر ،اﻟﻌﺎﻟم
اﻟﻘﺎدر ،وزﻋﻣوا أن اﻟﻌﺎﻟم ﻟم ﯾزل ﻣوﺟوداً ﻛذﻟك ﺑﻧﻔﺳﻪ ﺑﻼ ﺻﺎﻧﻊ ،وﻟم ﯾزل اﻟﺣﯾوان ﻣن
اﻟﻧطﻔﺔ ،واﻟﻧطﻔﺔ ﻣن اﻟﺣﯾوان ،ﻛذﻟك ﻛﺎن ،وﻛذﻟك ﯾﻛون أﺑدًا وﻫؤﻻء ﻫم اﻟزﻧﺎدﻗﺔ.
واﻟﺻﻧف اﻟﺛﺎﻧﻲ :اﻟطﺑﯾﻌﯾون -:وﻫم ﻗوم أﻛﺛروا ﺑﺣﺛﻬم ﻋن ﻋﺎﻟم اﻟطﺑﯾﻌﺔ ،وﻋن ﻋﺟﺎﺋب
اﻟﺣﯾوان واﻟﻧﺑﺎت ،وأﻛﺛروا اﻟﺧوض ﻓﻲ ﻋﻠم ﺗﺷرﯾﺢ أﻋﺿﺎء اﻟﺣﯾواﻧﺎت ،ﻓ أروا ﻓﯾﻬﺎ ﻣن
[55]55
ﻋﺟﺎﺋب ﺻﻧﻊ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ وﺑداﺋﻊ ﺣﻛﻣﺗﻪ ،ﻣﻣﺎ اﺿطروا ﻣﻌﻪ إﻟﻰ اﻻﻋﺗراف ﺑﻔﺎطر
ﺣﻛﯾم ،ﻣطﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻏﺎﯾﺎت اﻷﻣور وﻣﻘﺎﺻدﻫﺎ .وﻻ ﯾطﺎﻟﻊ اﻟﺗﺷرﯾﺢ وﻋﺟﺎﺋب ﻣﻧﺎﻓﻊ
اﻷﻋﺿﺎء ﻣطﺎﻟﻊ ،إﻻ وﯾﺣﺻل ﻟﻪ ﻫذا اﻟﻌﻠم اﻟﺿروري ﺑﻛﻣﺎل ﺗدﺑﯾر اﻟﺑﺎﻧﻲ ﻟﺑﻧﯾﺔ اﻟﺣﯾوان
؛ ﻻ ﺳﯾﻣﺎ ﺑﻧﯾﺔ اﻹﻧﺳﺎن .إﻻ أن ﻫؤﻻء ،ﻟﻛﺛرة ﺑﺣﺛﻬم ﻋن اﻟطﺑﯾﻌﺔ ،ظﻬر ﻋﻧدﻫم -
ﻻﻋﺗدال اﻟﻣزاج -ﺗﺄﺛﯾر ﻋظﯾم ﻓﻲ ﻗوام ﻗوى اﻟﺣﯾوان ﺑـﻪ .ﻓظﻧوا أن اﻟﻘوة اﻟﻌﺎﻗﻠﺔ ﻣن
[57]57
اﻹﻧﺳﺎن ﺗﺎﺑﻌﺔ ﻟﻣزاﺟﻪ أﯾﺿًﺎ ،وأﻧﻬﺎ ﺗﺑطل ﺑﺑطﻼن ﻣزاﺟﻪ ﻓﺗﻧﻌدم .[56]56ﺛم إذا اﻧﻌدﻣت
،ﻓﻼ ﯾﻌﻘل إﻋﺎدة اﻟﻣﻌدوم ﻛﻣﺎ زﻋﻣوا .ﻓذﻫﺑوا إﻟﻰ أن اﻟﻧﻔس ﺗﻣوت وﻻ ﺗﻌود ،ﻓﺟﺣدوا
اﻵﺧرة ،وأﻧﻛروا اﻟﺟﻧﺔ واﻟﻧﺎر ] ،واﻟﺣﺷر واﻟﻧﺷر [ ،واﻟﻘﯾﺎﻣﺔ واﻟﺣﺳﺎب ،ﻓﻠم ﯾﺑق ﻋﻧدﻫم
ﻟﻠطﺎﻋﺔ ﺛواب ،وﻻ ﻟﻠﻣﻌﺻﯾﺔ ﻋﻘﺎب ،ﻓﺎﻧﺣل ﻋﻧﻬم اﻟﻠﺟﺎم وأﻧـﻬﻣﻛوا ﻓﻲ اﻟﺷﻬوات أﻧـﻬﻣﺎك
اﻷﻧﻌﺎم.
وﻫؤﻻء أﯾﺿﺎً زﻧﺎدﻗﺔ ﻷن أﺻل اﻹﯾﻣﺎن ﻫو اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺎﷲ واﻟﯾوم اﻵﺧر .وﻫؤﻻء ﺟﺣدوا
اﻟﯾوم اﻵﺧر ٕ ،وان آﻣﻧوا ﺑﺎﷲ وﺻﻔﺎﺗﻪ.
واﻟﺻﻧف اﻟﺛﺎﻟث :اﻹﻟﻬﯾون -:وﻫم اﻟﻣﺗﺄﺧرون ﻣﻧﻬم ] ،ﻣﺛل [ :ﺳﻘراط ،وﻫو أﺳﺗﺎذ
أﻓﻼطون ،وأﻓﻼطون أﺳﺗﺎذ أرﺳطﺎطﺎﻟﯾس ،وأرﺳطﺎطﺎﻟﯾس ﻫو اﻟذي رﺗب ] ﻟﻬم [
أﻧﺿ َﺞ ﻟﻬم ﻣﺎ ﻛﺎن ﱠ
وﺣرر ﻟﻬم ﻣﺎ ﻟم ﯾﻛن ﻣﺣر اًر ﻣن ﻗﺑ ُل ،و َ
اﻟﻣﻧطق ،وﻫذب ﻟﻬم اﻟﻌﻠوم ّ ،
ِﻓ ّﺟًﺎ ﻣن ﻋﻠوﻣﻬم ،وﻫم ﺑﺟﻣﻠﺗﻬم ردوا ﻋﻠﻰ اﻟﺻﻧﻔﯾن اﻷوﻟﯾن ﻣن اﻟدﻫرﯾﺔ واﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ ،
وأوردوا ﻓﻲ اﻟﻛﺷف ﻋن ﻓﺿﺎﺋﺣﻬم ﻣﺎ أﻏﻧوا ﺑـﻪ ﻏﯾرﻫم )) .وﻛﻔﻰ اﷲ اﻟﻣؤﻣﻧﯾن اﻟﻘﺗﺎل ((
رداً
ﺑﺗﻘﺎﺗﻠﻬم .ﺛم رد أرﺳطﺎطﺎﻟﯾس ﻋﻠﻰ أﻓﻼطون وﺳﻘراط ،وﻣن ﻛﺎن ﻗﺑﻠﻬم ﻣن اﻹﻟﻬﯾﯾن ّ ،
ﻛﻔرﻫم [58]58
ﻟم ﯾﻘﺻر ﻓﯾﻪ ﺣﺗﻰ ﺗﺑ أر ﻋن ﺟﻣﯾﻌﻬم ؛ إﻻ أﻧﻪ اﺳﺗﺑﻘﻰ أﯾﺿًﺎ ﻣن رذاﺋل
ﻣن [60]60
،ﻓوﺟب ﺗﻛﻔﯾرﻫم ،وﺗﻛﻔﯾر ﺷﯾﻌﺗﻬم [59]59
وﺑدﻋﺗﻬم ﺑﻘﺎﯾﺎ ﻟم ﯾوﻓق ﻟﻠﻧـزوع ﻋﻧﻬﺎ
اﻟﻣﺗﻔﻠﺳﻔﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن ،ﻛﺎﺑن ﺳﯾﻧﺎ واﻟﻔﺎراﺑﻲ و ﻏﯾرﻫم .[61]61ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻟم ﯾﻘم ﺑﻧﻘل ﻋﻠم
أرﺳطﺎطﺎﻟﯾس أﺣد ﻣن ﻣﺗﻔﻠﺳﻔﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن ﻛﻘﯾﺎم ﻫذﯾن اﻟرﺟﻠﯾن .وﻣﺎ ﻧﻘﻠﻪ ﻏﯾرﻫﻣﺎ ﻟﯾس
ﯾﺧﻠو ﻣن ﺗﺧﺑﯾط وﺗﺧﻠﯾط ﯾﺗﺷوش ﻓﯾﻪ ﻗﻠب اﻟﻣطﺎﻟﻊ ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﻔﻬم .وﻣﺎ ﻻ ُﯾﻔﻬم ﻛﯾف ُﯾرد
أو ﯾﻘﺑل؟ وﻣﺟﻣوع ﻣﺎ ﺻﺢ ﻋﻧدﻧﺎ ﻣن ﻓﻠﺳﻔﺔ أرﺳطﺎطﺎﻟﯾس ،ﺑﺣﺳب ﻧﻘل ﻫذﯾن اﻟرﺟﻠﯾن ،
ﯾﻧﺣﺻر ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ أﻗﺳﺎم- :
.1ﻗﺳم ﯾﺟب اﻟﺗﻔﻛﯾر ﺑﻪ.
.2وﻗﺳم ﯾﺟب اﻟﺗﺑدﯾﻊ ﺑﻪ.
.3وﻗﺳم ﻻ ﯾﺟب إﻧﻛﺎرﻩ أﺻﻼً ﻓﻠﻧﻔﺻﻠﻪ.[62]62
واﻟﺷﻬوة اﻟﺑﺎطﻠﺔ ،وﺣب اﻟﺗﻛﺎﯾس ،ﻋﻠﻰ أن ﯾﺻر ﻋﻠﻰ ﺗﺣﺳﯾن اﻟظن ﺑـﻬم ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم
ﻛﻠﻬﺎ.
ﻓﻬذﻩ آﻓﺔ ﻋظﯾﻣﺔ ﻷﺟﻠﻬﺎ ﯾﺟب زﺟر ﻛل ﻣن ﯾﺧوض ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻌﻠوم ،ﻓﺄﻧﻬﺎ ٕوان ﻟم ﺗﺗﻌﻠق
ﺑﺄﻣر اﻟدﯾن ،وﻟﻛن ﻟﻣﺎ ﻛﺎﻧت ﻣن ﻣﺑﺎدئ ﻋﻠوﻣﻬم ،ﺳرى [70]70إﻟﯾﻪ ﺷرﻫم وﺷؤﻣﻬم ،ﻓﻘل
ﻣن ﯾﺧوض ﻓﯾﻬﺎ إﻻ وﯾﻧﺧﻠﻊ ﻣن اﻟدﯾن وﯾﻧﺣل ﻋن رأﺳﻪ ﻟﺟﺎم اﻟﺗﻘوى.
اﻵﻓﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ :ﻧﺷﺄت ﻣن ﺻدﯾق ﻟﻺﺳﻼم ﺟﺎﻫل ،ظن أن اﻟدﯾن ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻧﺻر ﺑﺈﻧﻛﺎر
ﻛل ﻋﻠم ﻣﻧﺳوب إﻟﯾﻬم :ﻓﺄﻧﻛر ﺟﻣﯾﻊ ﻋﻠوﻣﻬم وادﻋﻰ ﺟﻬﻠﻬم ﻓﯾﻬﺎ ،ﺣﺗﻰ أﻧﻛر ﻗوﻟﻬم ﻓﻲ
اﻟﻛﺳوف واﻟﺧﺳوف ،وزﻋم أن ﻣﺎ ﻗﺎﻟوﻩ ﻋﻠﻰ ﺧﻼف اﻟﺷرع .ﻓﻠﻣﺎ ﻗرع ذﻟك ﺳﻣﻊ ﻣن ﻋرف
ذﻟك ﺑﺎﻟﺑرﻫﺎن اﻟﻘﺎطﻊ ،ﻟم ﯾﺷك ﻓﻲ ﺑرﻫﺄﻧﻪ ،وﻟﻛن اﻋﺗﻘد أن اﻹﺳﻼم ﻣﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻬل
ﺣﺑًﺎ وﻟﻺﺳﻼم ﺑﻐﺿﺎً .وﻟﻘد ﻋظم ﻋﻠﻰ اﻟدﯾن ﺟﻧﺎﯾﺔ
ٕواﻧﻛﺎر اﻟﺑرﻫﺎن اﻟﻘﺎطﻊ ،ﻓﯾزداد ﻟﻠﻔﻠﺳﻔﺔ ّ
ﻣن ظن أن اﻹﺳﻼم ﯾﻧﺻر ﺑﺈﻧﻛﺎر ﻫذﻩ اﻟﻌﻠوم ،وﻟﯾس ﻓﻲ اﻟﺷرع ﺗﻌرض ﻟﻬذﻩ اﻟﻌﻠوم
ﺑﺎﻟﻧﻔﻲ واﻹﺛﺑﺎت ،وﻻ ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻌﻠوم ﺗﻌرض ﻟﻸﻣور اﻟدﯾﻧﯾﺔ .وﻗوﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳّﻠم:
ﻟﻣوت ٍ
أﺣد وﻻ ﻟﺣﯾﺎﺗﻪ ﻓﺈذا ِ ِ
ﯾﻧﺧﺳﻔﺎن )) إن اﻟﺷﻣس واﻟﻘﻣر آﯾﺗﺎن ﻣن ِ
آﯾﺎت اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻻ
رأﯾﺗم ذﻟك
ﻓﺎﻓزﻋوا إﻟﻰ ذﻛر اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ٕواﻟﻰ اﻟﺻﻼة ((.[71]71
وﻟﯾس ﻓﻲ ﻫذا ﻣﺎ ﯾوﺟب إﻧﻛﺎر ﻋﻠم اﻟﺣﺳﺎب اﻟﻣﻌرف ﺑﻣﺳﯾر اﻟﺷﻣس واﻟﻘﻣر واﺟﺗﻣﺎﻋﻬﻣﺎ
أو ﻣﻘﺎﺑﻠﻬﻣﺎ ﻋﻠﻰ وﺟﻪ ﻣﺧﺻوص .أﻣﺎ ﻗوﻟﻪ ) ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ( )) :ﻟﻛن اﷲ إذا ﺗﺟﻠﻰ
ﻟﺷﻲء ﺧﺿﻊ ﻟﻪُ (( ﻓﻠﯾس ﺗوﺟد ﻫذﻩ اﻟزﯾﺎدة ﻓﻲ اﻟﺻﺣﺎح أﺻﻼً .ﻓﻬذا ﺣﻛم اﻟرﯾﺎﺿﯾﺎت
ْ
وآﻓﺗﻬﺎ.
اﻟﻧظر ﻓﻲ [72]72
– 2وأﻣﺎ اﻟﻣﻧطﻘﯾﺎت :ﻓﻼ ﯾﺗﻌﻠق ﺷﻲء ﻣﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟدﯾن ﻧﻔﯾًﺎ ٕواﺛﺑﺎﺗًﺎ ،ﺑل ﻫﻲ
طرق اﻷدﻟﺔ واﻟﻣﻘﺎﯾﯾس وﺷروط ﻣﻘدﻣﺎت اﻟﺑرﻫﺎن وﻛﯾﻔﯾﺔ ﺗرﻛﯾﺑﻬﺎ ،وﺷروط اﻟﺣد اﻟﺻﺣﯾﺢ
وﻛﯾﻔﯾﺔ ﺗرﺗﯾﺑﻪ .وأن اﻟﻌﻠم إﻣﺎ ﺗﺻور وﺳﺑﯾل ﻣﻌرﻓﺗﻪ اﻟﺣد ٕ ،واﻣﺎ ﺗﺻدﯾق وﺳﺑﯾل ﻣﻌرﻓﺗﻪ
اﻟﺑرﻫﺎن ؛ وﻟﯾس ﻓﻲ ﻫذا ﻣﺎ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻧﻛر ،ﺑل ﻫو ) ﻣن ( ﺟﻧس ﻣﺎ ذﻛرﻩ اﻟﻣﺗﻛﻠﻣون
وأﻫل اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻷدﻟﺔ ٕ ،واﻧﻣﺎ ﯾﻔﺎرﻗوﻧـﻬم ﺑﺎﻟﻌﺑﺎرات واﻻﺻطﻼﺣﺎت ،ﺑزﯾﺎدة اﻻﺳﺗﻘﺻﺎء
ﻓﻲ اﻟﺗﻌرﯾﻔﺎت واﻟﺗﺷﻌﯾﺑﺎت ،وﻣﺛﺎل ﻛﻼﻣﻬم ﻓﯾﻬﺎ ﻗوﻟﻬم :إذا ﺛﺑت أن ﻛل )) أ (( )) ب ((
ﻟزم أن ﺑﻌض )) ب (( )) أ (( أي إذا ﺛﺑت أن ﻛل إﻧﺳﺎن ﺣﯾوان ،ﻟزم أن ﺑﻌض اﻟﺣﯾوان
إﻧﺳﺎن .وﯾﻌﺑرون ﻋن ﻫذا ﺑﺄﻧﻪ اﻟﻣوﺟﺑﺔ اﻟﻛﻠﯾﺔ ﺗﻧﻌﻛس ﻣوﺟﺑﺔ ﺟزﺋﯾﺔ .وأي ﺗﻌﻠق ﻟﻬذا
ﺑﻣﻬﻣﺎت اﻟدﯾن ﺣﺗﻰ ﯾﺟﺣد وﯾﻧﻛر؟ ﻓﺈذا أﻧﻛر ﻟم ﯾﺣﺻل ﻣن إﻧﻛﺎرﻩ ﻋﻧد أﻫل اﻟﻣﻧطق إﻻ
ﺳوء اﻻﻋﺗﻘﺎد ﻓﻲ ﻋﻘل اﻟﻣﻧﻛر ،ﺑل ﻓﻲ دﯾﻧﻪ اﻟذي ﯾزﻋم أﻧﻪ ﻣوﻗوف ﻋﻠﻰ ﻣﺛل ﻫذا
اﻹﻧﻛﺎر .ﻧﻌم ،ﻟﻬم ﻧوع ﻣن اﻟظﻠم ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻌﻠم ،وﻫو أﻧـﻬم ﯾﺟﻣﻌون ﻟﻠﺑرﻫﺎن ﺷروطًﺎ ﯾﻌﻠم
أﻧﻬﺎ ﺗورث اﻟﯾﻘﯾن ﻻ ﻣﺣﺎﻟﺔ ،ﻟﻛﻧﻬم ﻋﻧد اﻻﻧﺗﻬﺎء إﻟﻰ اﻟﻣﻘﺎﺻد اﻟدﯾﻧﯾﺔ ﻣﺎ أﻣﻛﻧﻬم اﻟوﻓﺎء
ﺑﺗﻠك اﻟﺷروط ،ﺑل ﺗﺳﺎﻫﻠوا ﻏﺎﯾﺔ اﻟﺗﺳﺎﻫل ،ورﺑﻣﺎ ﯾﻧظر ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق أﯾﺿًﺎ ﻣن ﯾﺳﺗﺣﺳﻧﻪ
وﯾراﻩ واﺿﺣًﺎ ،ﻓﯾظن أن ﻣﺎ ﯾﻧﻘل ﻋﻧﻬم ﻣن اﻟﻛﻔرﯾﺎت ﻣؤﯾد ﺑﻣﺛل ﺗﻠك اﻟﺑراﻫﯾن ،ﻓﺎﺳﺗﻌﺟل
ﺑﺎﻟﻛﻔر ﻗﺑل اﻻﻧﺗﻬﺎء إﻟﻰ اﻟﻌﻠوم اﻹﻟﻬﯾﺔ.
ﻓﻬذﻩ اﻵﻓﺔ أﯾﺿًﺎ ﻣﺗطرﻗﺔ إﻟﯾﻪ.
ﻋن ﻋﺎﻟم اﻟﺳﻣﺎوات وﻛواﻛﺑﻬﺎ وﻣﺎ ﺗﺣﺗﻬﺎ ﻣن [73]73
- 3وأﻣﺎ )ﻋﻠم( اﻟطﺑﯾﻌﯾﺎت :ﻓﻬو ﺑﺣث
اﻷﺟﺳﺎم اﻟﻣﻔردة :ﻛﺎﻟﻣﺎء واﻟﻬواء واﻟﺗراب واﻟﻧﺎر ،وﻋن اﻷﺟﺳﺎم اﻟﻣرﻛﺑﺔ :ﻛﺎﻟﺣﯾوان
واﻟﻧﺑﺎت واﻟﻣﻌﺎدن ،وﻋن أﺳﺑﺎب ﺗﻐﯾرﻫﺎ واﺳﺗﺣﺎﻟﺗﻬﺎ واﻣﺗزاﺟﻬﺎ .وذﻟك ﯾﺿﺎﻫﻲ ﺑﺣث
واﻟﺧﺎدﻣﺔ ،وأﺳﺑﺎب اﺳﺗﺣﺎﻟﺔ ﻣزاﺟﻪ. [75]75
ﻋن ﺟﺳم اﻹﻧﺳﺎن وأﻋﺿﺎﺋﻪ اﻟرﺋﯾﺳﺔ [74]74
اﻟطب
وﻛﻣﺎ ﻟﯾس ﻣن ﺷرط اﻟدﯾن إﻧﻛﺎر ﻋﻠم اﻟطب ،ﻓﻠﯾس ﻣن ﺷرطﻪ أﯾﺿﺎً إﻧﻛﺎر ذﻟك اﻟﻌﻠم ،
إﻻ ﻓﻲ ﻣﺳﺎﺋل ﻣﻌﯾﻧﺔ ،ذﻛرﻧﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﺗﺎب )) ﺗﻬﺎﻓت اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ (( .وﻣﺎ ﻋداﻫﺎ ﻣﻣﺎ ﯾﺟب
أن [76]76
اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﺔ ﻓﯾﻬﺎ ؛ ﻓﻌﻧد اﻟﺗﺄﻣل ﯾﺗﺑﯾن أﻧﻬﺎ ﻣﻧدرﺟﺔ ﺗﺣﺗﻬﺎ ،وأﺻل ﺟﻣﻠﺗﻬﺎ :أن ﺗﻌﻠم
اﻟطﺑﯾﻌﺔ ﻣﺳﺧرة ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﻻ ﺗﻌﻣل ﺑﻧﻔﺳﻬﺎ ،ﺑل ﻫﻲ ﻣﺳﺗﻌﻣﻠﺔ ﻣن ﺟﻬﺔ ﻓﺎطرﻫﺎ.
ٍ
ﻟﺷﻲء ﻣﻧﻬﺎ ﺑذاﺗﻪ ﻋن ذاﺗﻪ.[77]77 واﻟﺷﻣس واﻟﻘﻣر واﻟﻧﺟوم واﻟطﺑﺎﺋﻊ ﻣﺳﺧرات ﺑﺄﻣرﻩ ﻻ ﻓﻌل
– 4وأﻣﺎ اﻹﻟﻬﯾﺎت :ﻓﻔﯾﻬﺎ أﻛﺛر أﻏﺎﻟﯾطﻬم ،ﻓﻣﺎ ﻗدروا ﻋﻠﻰ اﻟوﻓﺎء ﺑﺎﻟﺑرﻫﺎن ﻋﻠﻰ ﻣﺎ
ﺷرطوﻩ ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق ،وﻟذﻟك ﻛﺛر اﻻﺧﺗﻼف ﺑﯾﻧﻬم ﻓﯾﻬﺎ .وﻟﻘد ﻗرب ﻣذﻫب أرﺳطﺎطﺎﻟﯾس
ﻓﯾﻬﺎ ﻣن ﻣذاﻫب اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻧﻘﻠﻪ اﻟﻔﺎراﺑﻲ واﺑن ﺳﯾﻧﺎ .وﻟﻛن ﻣﺟﻣوع ﻣﺎ ﻏﻠطوا
ﻼ ،ﯾﺟب ﺗﻛﻔﯾرﻫم ﻓﻲ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻧﻬﺎ ،وﺗﺑدﯾﻌﻬم ﻓﻲ ﺳﺑﻌﺔ ﻋﺷر.
ﻓﯾﻪ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﻋﺷرﯾن أﺻ ً
وﻹﺑطﺎل ﻣذﻫﺑﻬم ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﻌﺷرﯾن ،ﺻﻧﻔﻧﺎ ﻛﺗﺎب ) اﻟﺗﻬﺎﻓت (.
وذﻟك ﻓﻲ ﻗوﻟﻬم: [78]78
أﻣﺎ اﻟﻣﺳﺎﺋل اﻟﺛﻼث ،ﻓﻘد ﺧﺎﻟﻔوا ﻓﯾﻬﺎ ﻛﺎﻓﺔ اﻹﺳﻼﻣﯾﯾن
- 1إن اﻷﺟﺳﺎد ﻻ ﺗﺣﺷر ٕ ،واﻧﻣﺎ اﻟﻣﺛﺎب واﻟﻣﻌﺎ َﻗب ﻫﻲ اﻷرواح اﻟﻣﺟردة ) ،واﻟﻣﺛوﺑﺎت
( واﻟﻌﻘوﺑﺎت روﺣﺎﻧﯾﺔ ﻻ ﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ؛
أﯾﺿًﺎ ،وﻟﻛن ﻛذﺑوا ﻓﻲ إﻧﻛﺎر [79]79
وﻟﻘد ﺻدﻗوا ﻓﻲ إﺛﺑﺎت اﻟروﺣﺎﻧﯾﺔ ،ﻓﺄﻧﻬﺎ ﺛﺎﺑﺗﺔ
اﻟﺟﺳﻣﺎﻧﯾﺔ ،وﻛﻔروا ﺑﺎﻟﺷرﯾﻌﺔ ﻓﯾﻣﺎ ﻧطﻘوا ﺑﻪ.
- 2وﻣن ذﻟك ﻗوﻟﻬم )) :إن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﯾﻌﻠم اﻟﻛﻠﯾﺎت دون اﻟﺟزﺋﯾﺎت (( ؛
وﻫذا أﯾﺿًﺎ ﻛﻔر ﺻرﯾﺢ ،ﺑل اﻟﺣق أﻧﻪ )) :ﻻ ﯾﻌزب ﻋﻧـﻪ ﻣﺛﻘﺎل ذرٍة ﻓﻲ اﻟﺳﻣو ِ
ات وﻻ ﻓﻲ
ِ
اﻷرض (().ﺳﺑﺄ(3 :
- 3وﻣن ذﻟك ﻗوﻟﻬم ﺑﻘدم اﻟﻌﺎﻟم وأزﻟﯾﺗﻪ ﻓﻠم ﯾذﻫب أﺣد ﻣن اﻟﻣﺳﻠﻣﯾن إﻟﻰ ﺷﻲء ﻣن ﻫذﻩ
اﻟﻣﺳﺎﺋل.
وأﻣﺎ ﻣﺎ وراء ذﻟك ﻣن ﻧﻔﯾﻬم اﻟﺻﻔﺎت ،وﻗوﻟﻬم إﻧﻪ ﻋﺎﻟم ﺑﺎﻟذات ،ﻻ ﺑﻌﻠم زاﺋد )ﻋﻠﻰ
اﻟذات( وﻣﺎ ﯾﺟري ﻣﺟراﻩ ،ﻓﻣذﻫﺑﻬم ﻓﯾﻬﺎ ﻗرﯾب ﻣن ﻣذﻫب اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ وﻻ ﯾﺟب ﺗﻛﻔﯾر
اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ﺑﻣﺛل ذﻟك .وﻗد ذﻛرﻧﺎ ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ))ﻓﯾﺻل اﻟﺗﻔرﻗﺔ ﺑﯾن اﻹﺳﻼم واﻟزﻧدﻗﺔ(( ﻣﺎ ﯾﺗﺑﯾن
ﺑﻪ ﻓﺳﺎد رأي ﻣن ﯾﺗﺳﺎرع إﻟﻰ اﻟﺗﻛﻔﯾر ﻓﻲ ﻛل ﻣﺎ ﯾﺧﺎﻟف ﻣذﻫﺑﻪ.
- 4وأﻣﺎ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺎت :ﻓﺟﻣﯾﻊ ﻛﻼﻣﻬم ﻓﯾﻬﺎ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ اﻟﺣﻛم اﻟﻣﺻﻠﺣﯾﺔ اﻟﻣﺗﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻷﻣور
اﻟدﻧﯾوﯾﺔ ) واﻹﯾﺎﻟﺔ ( اﻟﺳﻠطﺎﻧﯾﺔ ٕ ،واﻧﻣﺎ أﺧذوﻫﺎ ﻣن ﻛﺗب اﷲ اﻟﻣﻧـزﻟﺔ ﻋﻠﻰ اﻷﻧﺑﯾﺎء ،وﻣن
اﻟﺣﻛم اﻟﻣﺄﺛورة ﻋن ﺳﻠف اﻷﻧﺑﯾﺎء ] ﻋﻠﯾﻬم اﻟﺳﻼم [.
- 5وأﻣﺎ اﻟﺧﻠﻘﯾﺔ :ﻓﺟﻣﯾﻊ ﻛﻼﻣﻬم ) ﻓﯾﻬﺎ ( ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ ﺣﺻر ﺻﻔﺎت اﻟﻧﻔس وأﺧﻼﻗﻬﺎ ،
وذﻛر أﺟﻧﺎﺳﻬﺎ وأﻧواﻋﻬﺎ وﻛﯾﻔﯾﺔ ﻣﻌﺎﻟﺟﺗﻬﺎ وﻣﺟﺎﻫدﺗﻬﺎ ٕ ،واﻧﻣﺎ أﺧذوﻫﺎ ﻣن ﻛﻼم اﻟﺻوﻓﯾﺔ ،
وﻫم اﻟﻣﺗﺄﻟﻬون اﻟﻣواظﺑون ﻋﻠﻰ ذﻛر اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،وﻋﻠﻰ ﻣﺧﺎﻟﻔﺔ اﻟﻬوى وﺳﻠوك اﻟطرﯾق إﻟﻰ
اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻹﻋراض ﻋن ﻣﻼ ﱢذ اﻟدﻧﯾﺎ .وﻗد اﻧﻛﺷف ﻟﻬم ﻓﻲ ﻣﺟﺎﻫدﺗﻬم ﻣن أﺧﻼق اﻟﻧﻔس
ﻼ
وﻋﯾوﺑـﻬﺎ ،وآﻓﺎت أﻋﻣﺎﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﺻرﺣوا ﺑـﻬﺎ ،ﻓﺄﺧذﻫﺎ اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ وﻣزﺟوﻫﺎ ﺑﻛﻼﻣﻬم ،ﺗوﺳ ً
ﺑﺎﻟﺗﺟﻣل ﺑـﻬﺎ إﻟﻰ ﺗروﯾﺞ ﺑﺎطﻠﻬم .وﻟﻘد ﻛﺎن ﻓﻲ ﻋﺻرﻫم ،ﺑل ﻓﻲ ﻛل ﻋﺻر ،ﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣن
اﻟﻣﺗﺄﻫﻠﯾن ،ﻻ ُﯾﺧﻠﻲ اﷲ ] ﺳﺑﺣﺎﻧﻪ [ اﻟﻌﺎﻟم ﻋﻧﻬم ،ﻓﺄﻧـﻬم أوﺗﺎد اﻷرض ،ﺑﺑرﻛﺎﺗـﻬم ﺗﻧـزل
اﻟرﺣﻣﺔ ﻋﻠﻰ أﻫل اﻷرض ﻛﻣﺎ ورد ﻓﻲ اﻟﺧﺑر ﺣﯾث ﻗﺎل ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠّم:
)) ﺑـﻬم ﺗﻣطرون وﺑـﻬم ﺗرزﻗون وﻣﻧـﻬم ﻛﺎن أﺻﺣﺎب اﻟﻛﻬف ((.[80]80
وﻛﺎﻧوا ﻓﻲ ﺳﺎﻟف اﻷزﻣﻧﺔ ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻧطق ﺑـﻪ اﻟﻘرآن ،ﻓﺗوﻟد ﻣن ﻣزﺟﻬم ﻛﻼم اﻟﻧﺑوة وﻛﻼم
اﻟﺻوﻓﯾﺔ ﺑﻛﺗﺑﻬم آﻓﺗﺎن :آﻓﺔ ﻓﻲ ﺣق اﻟﻘﺎﺑل وآﻓﺔ ﻓﻲ ﺣق اﻟراد:
- 1أﻣﺎ اﻵﻓﺔ اﻟﺗﻲ ﻓﻲ ﺣق اﻟراد ﻓﻌظﯾﻣﺔ :إذ ظﻧت طﺎﺋﻔﺔ ﻣن اﻟﺿﻌﻔﺎء أن ذﻟك اﻟﻛﻼم
دوﻧﺎً ﻓﻲ ﻛﺗﺑﻬم ،وﻣﻣزوﺟﺎً ﺑﺑﺎطﻠﻬم ،ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ُﯾﻬﺟر وﻻ ُﯾذﻛر ﺑل ُﯾﻧﻛر ﻋﻠﻰ ]
إذا ﻛﺎن ُﻣ ﱠ
ﻻ إﻻ ﻣﻧﻬم ،ﻓﺳﺑق إﻟﻰ ﻋﻘوﻟﻬم اﻟﺿﻌﯾﻔﺔ أﻧﻪ ﺑﺎطل ، ﻛل [ ﻣن ﯾذﻛرﻩ ،إذ ﻟم ﯾﺳﻣﻌوﻩ أو ً
ﻷن ﻗﺎﺋﻠﻪ ُﻣﺑطل ؛ ﻛﺎﻟذي ﯾﺳﻣﻊ ﻣن اﻟﻧﺻراﻧﻲ ﻗوﻟﻪ )) :ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ ﻋﯾﺳﻰ رﺳول اﷲ
(( ﻓﯾﻧﻛرﻩ وﯾﻘول )) :ﻫذا ﻛﻼم اﻟﻧﺻﺎرى (( وﻻ ﯾﺗوﻗف رﯾﺛﻣﺎ ﯾﺗﺄﻣل أن اﻟﻧﺻراﻧﻲ ﻛﺎﻓر
ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر ﻫذا اﻟﻘول ،أو ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر إﻧﻛﺎرﻩ ﻧﺑوة ﻣﺣﻣد ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم!؟ ﻓﺈن ﻟم ﯾﻛن
ﻛﺎﻓ اًر إﻻ ﺑﺎﻋﺗﺑﺎر إﻧﻛﺎرﻩ ،ﻓﻼ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﺧﺎﻟف ﻓﻲ ﻏﯾر ﻣﺎ ﻫو ﺑﻪ ﻛﺎﻓر ﻣﻣﺎ ﻫو ﺣق ﻓﻲ
ﻧﻔﺳﻪ ٕ ،وان ﻛﺎن أﯾﺿﺎً ﺣﻘﺎً ﻋﻧدﻩ .وﻫذﻩ ﻋﺎدة ﺿﻌﻔﺎء اﻟﻌﻘول ،ﯾﻌرﻓون اﻟﺣق ﺑﺎﻟرﺟﺎل ،
ﺣﯾث [83]83
،رﺿﻲ اﷲ ﻋﻧﻪ [82]82
ﻋﻠﻲ [81]81
ﻻ اﻟرﺟﺎل ﺑﺎﻟﺣق .واﻟﻌﺎﻗل ﯾﻘﺗدي ﺑﺳﯾد اﻟﻌﻘﻼء
ﻗﺎل )) :ﻻ ﺗﻌرف اﻟﺣق ﺑﺎﻟرﺟﺎل ) ﺑل ( اﻋرف اﻟﺣق ﺗﻌرف أﻫﻠﻪ (( و ) اﻟﻌﺎرف (
اﻟﻌﺎﻗل ﯾﻌرف اﻟﺣق ،ﺛم ﯾﻧظر ﻓﻲ ﻧﻔس اﻟﻘول :ﻓﺈن ﻛﺎن ﺣﻘًﺎ ،ﻗﺑﻠﻪ ﺳواء ﻛﺎن ﻗﺎﺋﻠﻪ
أﻫل اﻟﺿﻼل ،ﻋﺎﻟﻣًﺎ [84]84
ﻼ أو ﻣﺣﻘًﺎ ؛ ﺑل رﺑﻣﺎ ﯾﺣرص ﻋﻠﻰ اﻧﺗزاع اﻟﺣق ﻣن أﻗﺎوﯾل
ﻣﺑط ً
ﺑﺄن ﻣﻌدن اﻟذﻫب اﻟرﻏﺎم .وﻻ ﺑﺄس ﻋﻠﻰ اﻟﺻراف إن أدﺧل ﯾدﻩ ﻓﻲ ﻛﯾس اﻟﻘﻼب ،واﻧﺗزع
اﻹﺑرﯾز اﻟﺧﺎﻟص ﻣن اﻟزﯾف واﻟﺑﻬرج ،ﻣﻬﻣﺎ ﻛﺎن واﺛﻘًﺎ ﺑﺑﺻﯾرﺗﻪ ؛ واﻧﻣﺎ ﯾزﺟر ﻋن ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ
اﻷﺧرق ،دون
ُ اﻟﻘروي ،دون اﻟﺻﯾرﻓﻲ ) اﻟﺑﺻﯾر ( ؛ وﯾﻣﻧﻊ ﻣن ﺳﺎﺣل اﻟﺑﺣر
ﱡ اﻟﻘﻼب
ﱢ
اﻟﻣﻌزم اﻟﺑﺎرع. وﯾﺻد ﻋن ﻣس اﻟﺣﯾﺔ اﻟﺻﺑﻲ دون
اﻟﺳﺑﺎح اﻟﺣﺎذق ؛ ُ
وﻟﻌﻣري! ﻟﻣﺎ ﻏﻠب ﻋﻠﻰ أﻛﺛر اﻟﺧﻠق ظﻧﻬم ﺑﺄﻧﻔﺳﻬم اﻟﺣذاﻗﺔ واﻟﺑراﻋﺔ ،وﻛﻣﺎل اﻟﻌﻘل )
وﺗﻣﺎم اﻵﻟﺔ ( ﻓﻲ ﺗﻣﯾﯾز اﻟﺣق ﻋن ) اﻟﺑﺎطل ،واﻟﻬدى ﻋن ( اﻟﺿﻼﻟﺔ ،وﺟب ﺣﺳم
اﻟﺑﺎب ﻓﻲ زﺟر اﻟﻛﺎﻓﺔ ﻋن ﻣطﺎﻟﻌﺔ ﻛﺗب أﻫل اﻟﺿﻼل ﻣﺎ أﻣﻛن ،إذ ﻻ ﯾﺳﻠﻣون ﻋن اﻵﻓﺔ
ﻼ ( ٕوان ﺳﻠﻣوا ﻋن ) ﻫذﻩ ( اﻵﻓﺔ اﻟﺗﻲ ذﻛرﻧﺎﻫﺎ.
اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﺳﻧذﻛرﻫﺎ ) أﺻ ً
وﻟﻘد اﻋﺗرض ﻋﻠﻰ ﺑﻌض اﻟﻛﻠﻣﺎت اﻟﻣﺑﺛوﺛﺔ ﻓﻲ ﺗﺻﺎﻧﯾﻔﻧﺎ ﻓﻲ أﺳرار ﻋﻠوم اﻟدﯾن ،طﺎﺋﻔﺔ
ﻣن اﻟذﯾن ﻟم ﺗﺳﺗﺣﻛم ﻓﻲ اﻟﻌﻠوم ﺳراﺋرﻫم ،وﻟم ﺗﻧﻔﺗﺢ إﻟﻰ أﻗﺻﻰ ﻏﺎﯾﺎت اﻟﻣذاﻫب
ﺑﺻﺎﺋرﻫم ،وزﻋﻣت أن ﺗﻠك اﻟﻛﻠﻣﺎت ﻣن ﻛﻼم اﻷواﺋل ،ﻣﻊ أن ﺑﻌﺿﻬﺎ ﻣن ﻣوﻟدات
اﻟﺧواطر -وﻻ ﯾﺑﻌد أن ﯾﻘﻊ اﻟﺣﺎﻓر ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺎﻓر -وﺑﻌﺿﻬﺎ ﯾوﺟد ﻓﻲ اﻟﻛﺗب اﻟﺷرﻋﯾﺔ ،
وأﻛﺛرﻫﺎ ﻣوﺟود ﻣﻌﻧﺎﻩ ﻓﻲ ﻛﺗب اﻟﺻوﻓﯾﺔ.
وﻫب أﻧﻬﺎ ﻟم ﺗوﺟد إﻻ ﻓﻲ ﻛﺗﺑﻬم ،ﻓﺈذا ﻛﺎن ذﻟك اﻟﻛﻼم ﻣﻌﻘوﻻً ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻪ ،ﻣؤﯾداً ﺑﺎﻟﺑرﻫﺎن
ﻓﻠم ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻬﺟر وﯾﺗرك؟ ﻓﻠو ﻓﺗﺣﻧﺎ ﻫذا اﻟﺑﺎب
،وﻟم ﯾﻛن ﻋﻠﻰ ﻣﺧﺎﻟﻔﺔ اﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ َ ،
،وﺗطرﻗﻧﺎ إﻟﻰ أن ﯾﻬﺟر ﻛل ﺣق ﺳﺑق إﻟﯾﻪ ﺧﺎطر ﻣﺑطل ،ﻟﻠزﻣﻧﺎ أن ﻧـﻬﺟر ﻛﺛﯾ ًار ﻣن
اﻟﺣق ،وﻟزﻣﻧﺎ أن ﻧـﻬﺟر ﺟﻣﻠﺔ آﯾﺎت ﻣن آﯾﺎت اﻟﻘرآن وأﺧﺑﺎر اﻟرﺳول ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠّم وﺣﻛﺎﯾﺎت اﻟﺳﻠف وﻛﻠﻣﺎت اﻟﺣﻛﻣﺎء واﻟﺻوﻓﯾﺔ ،ﻷن ﺻﺎﺣب ﻛﺗﺎب )) إﺧوان اﻟﺻﻔﺎ
(( أوردﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑـﻪ ﻣﺳﺗﺷﻬدًا ﺑـﻬﺎ وﻣﺳﺗدرﺟًﺎ ﻗﻠوب اﻟﺣﻣﻘﻰ ﺑواﺳطﺗﻬﺎ إﻟﻰ ﺑﺎطﻠﻪ ؛
وﯾﺗداﻋﻰ ذﻟك إﻟﻰ أن ﯾﺳﺗﺧرج اﻟﻣﺑطﻠون اﻟﺣق ﻣن أﯾدﯾﻧﺎ ﺑﺈﯾداﻋﻬم إﯾﺎﻩ ﻛﺗﺑﻬم .وأﻗل
اﻟﻐﻣر ،ﻓﻼ ﯾﻌﺎف اﻟﻌﺳل ٕ ،وان وﺟدﻩ ﻓﻲ ﻣﺣﺟﻣﺔ
درﺟﺎت اﻟﻌﺎﻟم :أن ﯾﺗﻣﯾز ﻋن اﻟﻌﺎﻣﻲ ُ
ﱠ
اﻟﺣﺟﺎم ،وﯾﺗﺣﻘق أن اﻟﻣﺣﺟﻣﺔ ﻻ ﺗﻐﯾر ذات اﻟﻌﺳل ،ﻓﺈن ﻧﻔرة اﻟطﺑﻊ ﻋﻧﻪ ﻣﺑﻧﯾﺔ ﻋﻠﻰ
ﺟﻬل ﻋﺎﻣﻲ ﻣﻧﺷؤﻩ أن اﻟﻣﺣﺟﻣﺔ ،إﻧﻣﺎ ﺻﻧﻌت ﻟﻠدم اﻟﻣﺳﺗﻘ َذر ،ﻓﯾظن أن اﻟدم ﻣﺳﺗﻘذر
ﻟﻛوﻧﻪ ﻓﻲ اﻟﻣﺣﺟﻣﺔ ،وﻻ ﯾدري أﻧﻪ ﻣﺳﺗﻘذر ﻟﺻﻔﺔ ﻓﻲ ذاﺗﻪ ؛ ﻓﺈذا ﻋدﻣت ) ﻫذﻩ ( اﻟﺻﻔﺔ
ﻓﻲ اﻟﻌﺳل ﻓﻛوﻧـﻪ ﻓﻲ ظرﻓﻪ ﻻ ﯾﻛﺳﺑﻪ ﺗﻠك اﻟﺻﻔﺔ ،ﻓﻼ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾوﺟب ﻟﻪ اﻻﺳﺗﻘذار ،
وﻫذا وﻫم ﺑﺎطل ،وﻫو ﻏﺎﻟب ﻋﻠﻰ أﻛﺛر اﻟﺧﻠق .ﻓﺈذا ﻧﺳﺑت اﻟﻛﻼم وأﺳﻧدﺗﻪ إﻟﻰ ﻗﺎﺋل
ﻼ ؛ ٕوان أﺳﻧدﺗﻪ إﻟﻰ ﻣن ﺳﺎء ﻓﯾﻪ اﻋﺗﻘﺎدﻫم ردوﻩ
ﺣﺳن ﻓﯾﻪ اﻋﺗﻘﺎدﻫم ،ﻗﺑﻠوﻩ ٕوان ﻛﺎن ﺑﺎط ً
ٕوان ﻛﺎن ﺣﻘًﺎ .ﻓﺄﺑدًا ﯾﻌرﻓون اﻟﺣق ﺑﺎﻟرﺟﺎل وﻻ ﯾﻌرﻓون اﻟرﺟﺎل ﺑﺎﻟﺣق ،وﻫو ﻏﺎﯾﺔ
اﻟﺿﻼل! ﻫذﻩ آﻓﺔ اﻟرد.
- 2واﻵﻓﺔ اﻟﺛﺎﻧﯾﺔ آﻓﺔ اﻟﻘﺑول :ﻓﺈن ﻣن ﻧظر ﻓﻲ ﻛﺗﺑﻬم )) ﻛﺈﺧوان اﻟﺻﻔﺎ (( وﻏﯾرﻩ ،
ﻓرأى ﻣﺎ ﻣزﺟوﻩ ﺑﻛﻼﻣﻬم ﻣن اﻟﺣﻛم اﻟﻧﺑوﯾﺔ ،واﻟﻛﻠﻣﺎت اﻟﺻوﻓﯾﺔ ،رﺑﻣﺎ اﺳﺗﺣﺳﻧﻬﺎ وﻗﺑﻠﻬﺎ ،
وﺣﺳن اﻋﺗﻘﺎدﻩ ﻓﯾﻬﺎ ،ﻓﯾﺳﺎرع إﻟﻰ ﻗﺑول ﺑﺎطﻠﻬم اﻟﻣﻣزوج ﺑـﻪ ،ﻟﺣﺳن ظن ﺣﺻل ﻓﯾﻣﺎ رآﻩ
واﺳﺗﺣﺳﻧﻪ ،وذﻟك ﻧوع اﺳﺗدراج إﻟﻰ اﻟﺑﺎطل.
وﻷﺟل ﻫذﻩ اﻵﻓﺔ ﯾﺟب اﻟزﺟر ﻋن ﻣطﺎﻟﻌﺔ ﻛﺗﺑﻬم ﻟﻣﺎ ﻓﯾﻬﺎ ﻣن اﻟﻐدر واﻟﺧطر .وﻛﻣﺎ ﯾﺟب
ﺻون ﻣن ﻻ ﯾﺣﺳن اﻟﺳﺑﺎﺣﺔ ﻋﻠﻰ ﻣزاﻟق اﻟﺷطوط ،ﯾﺟب ﺻون اﻟﺧﻠق ﻋن ﻣطﺎﻟﻌﺔ ﺗﻠك
اﻟﻛﺗب .وﻛﻣﺎ ﯾﺟب ﺻون اﻟﺻﺑﯾﺎن ﻋن ﻣس اﻟﺣﱠﯾﺎت ،ﯾﺟب ﺻون اﻷﺳﻣﺎع ﻋن ﻣﺧﺗﻠط
ﱢ
اﻟﻣﻌزم أن ﻻ ﯾﻣس اﻟﺣﯾﺔ ﺑﯾن ﯾدي وﻟدﻩ اﻟطﻔل ،إذا ﻋﻠم أن اﻟﻛﻠﻣﺎت وﻛﻣﺎ ﯾﺟب ﻋﻠﻰ
ﺳﯾﻘﺗدي ﺑﻪ وﯾظن أﻧﻪ ﻣﺛﻠﻪ ،ﺑل ﯾﺟب ﻋﻠﯾﻪ أن ﯾﺣ ّذرﻩ ] ﻣﻧﻪ [ ،ﺑﺄن ﯾﺣذر ﻫو ] ﻓﻲ [
ﱢ
اﻟﻣﻌزم ﻧﻔﺳﻪ ] وﻻ ﯾﻣﺳﻬﺎ [ ﺑﯾن ﯾدﯾﻪ ،ﻓﻛذﻟك ﯾﺟب ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻟم اﻟراﺳﺦ ﻣﺛﻠﻪ .وﻛﻣﺎ أن
اﻟﺣﺎذق إذا أﺧذ اﻟﺣﯾﺔ وﻣﯾز ﺑﯾن اﻟﺗرﯾﺎق واﻟﺳم ،واﺳﺗﺧرج ﻣﻧﻬﺎ اﻟﺗرﯾﺎق وأﺑطل اﻟﺳم ﻓﻠﯾس
Generated by Foxit PDF Creator © Foxit Software
http://www.foxitsoftware.com For evaluation only.
ﻟﻪ أن ﯾﺷﺢ ﺑﺎﻟﺗرﯾﺎق ﻋﻠﻰ اﻟﻣﺣﺗﺎج إﻟﯾﻪ .وﻛذا اﻟﺻراف اﻟﻧﺎﻗد اﻟﺑﺻﯾر إذا أدﺧل ﯾدﻩ ﻓﻲ
اﻟﻘﻼّب ،وأﺧرج ﻣﻧﻪ اﻹﺑرﯾز اﻟﺧﺎﻟص ،واطّرح اﻟزﯾف واﻟﺑﻬرج ،ﻓﻠﯾس ﻟﻪ أن ﯾﺷﺢﻛﯾس َ
ﺑﺎﻟﺟﯾد اﻟﻣرﺿﻲ ﻋﻠﻰ ﻣن ﯾﺣﺗﺎج إﻟﯾﻪ ؛ ﻓﻛذﻟك اﻟﻌﺎﻟم .وﻛﻣﺎ أن اﻟﻣﺣﺗﺎج إﻟﻰ اﻟﺗرﯾﺎق ،إذا
اﺷﻣﺄزت ﻧﻔﺳﻪ ﻣﻧﻪ ،ﺣﯾث ﻋﻠم أﻧﻪ ﻣﺳﺗﺧرج ﻣن اﻟﺣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻫﻲ ﻣرﻛز اﻟﺳم ] وﺟب
ﺗﻌرﯾﻔﻪ [ ،واﻟﻔﻘﯾر اﻟﻣﺿطر إﻟﻰ اﻟﻣﺎل ،إذا ﻧﻔر ﻋن ﻗﺑول اﻟذﻫب اﻟﻣﺳﺗﺧرج ﻣن ﻛﯾس
ﻼب ،وﺟب ﺗﻧﺑﯾﻬﻪ ﻋﻠﻰ أن ﻧﻔرﺗﻪ ﺟﻬل ﻣﺣض ،ﻫو ﺳﺑب ﺣرﻣﺄﻧﻪ اﻟﻔﺎﺋدة اﻟﺗﻲ ﻫﻲ
اﻟﻘ ّ
ﻣطﻠﺑﻪ ،وﺗﺣﺗم ﺗﻌرﯾﻔﻪ أن ﻗرب اﻟﺟوار ﺑﯾن اﻟزﯾف واﻟﺟﯾد ﻻ ﯾﺟﻌل اﻟﺟﯾد زﯾﻔﺎً ،ﻛﻣﺎ ﻻ
ﯾﺟﻌل اﻟزﯾف ﺟﯾداً ،ﻓﻛذﻟك ﻗرب اﻟﺟوار ﺑﯾن اﻟﺣق اﻟﺑﺎطل ،ﻻ ﯾﺟﻌل اﻟﺣق ﺑﺎطﻼً ،ﻛﻣﺎ
ﻻ ﯾﺟﻌل اﻟﺑﺎطل ﺣﻘًﺎ.
ﻓﻬذا ) ﻣﻘدار ( ﻣﺎ أردﻧﺎ ذﻛرﻩ ﻣن آﻓﺔ اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ وﻏﺎﺋﻠﺗﻬﺎ.
وﻏﺎﺋِﻠَﺗﻪ
ولِ ﻓﻲ َﻣ ْذ َﻫ ِب اﻟﺗﱠﻌﻠِﯾم َ
- 3اﻟﻘَ ُ
ﺛم إﻧﻲ ﻟﻣﺎ ﻓرﻏت ﻣن ﻋﻠم اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ وﺗﺣﺻﯾﻠﻪ وﺗﻔﻬﻣﻪ وﺗزﯾﯾف ﻣﺎ ﯾزﯾف ﻣﻧﻪ ،ﻋﻠﻣت أن
ذﻟك أﯾﺿﺎً ﻏﯾر و ٍ
اف ﺑﻛﻣﺎل اﻟﻐرض ،وأن اﻟﻌﻘل ﻟﯾس ﻣﺳﺗﻘﻼً ﺑﺎﻹﺣﺎطﺔ ﺑﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣطﺎﻟب
،وﻻ ﻛﺎﺷﻔًﺎ ﻟﻠﻐطﺎء ﻋن ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﻌﺿﻼت .وﻛﺎن ﻗد ﻧﺑﻐت ﻧﺎﺑﻐﺔ اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾﺔ ،وﺷﺎع ﺑﻧﻲ
ﻓﻌن ﻟﻲ أن
اﻟﺧﻠق ﺗﺣدﺛﻬم ﺑﻣﻌرﻓﺔ ﻣﻌﻧﻰ اﻷﻣور ﻣن ﺟﻬﺔ اﻹﻣﺎم اﻟﻣﻌﺻوم اﻟﻘﺎﺋم ﺑﺎﻟﺣق ّ ،
ﻋﻠﻲ أﻣر ﺟﺎزم ﻣن
أﺑﺣث ﻓﻲ ﻣﻘﺎﻻﺗﻬم ،ﻷطّﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻓﻲ ﻛﻧﺎﻧﺗﻬم .ﺛم اﺗﻔق أن ورد ّ
ﺣﺿرة اﻟﺧﻼﻓﺔ ،ﺑﺗﺻﻧﯾف ﻛﺗﺎب ﯾﻛﺷف ] ﻋن [ ﺣﻘﯾﻘﺔ ﻣذﻫﺑﻬم .ﻓﻠم ﯾﺳﻌﻧﻲ ﻣداﻓﻌﺗﻪ
وﺻﺎر ذﻟك ﻣﺳﺗﺣﺛﺎً ﻣن ﺧﺎرج ،ﺿﻣﯾﻣﺔ ﻟﻠﺑﺎﻋث ﻣن اﻟﺑﺎطن ،ﻓﺎﺑﺗدأت ﺑطﻠب ﻛﺗﺑﻬم
وﺟﻣﻊ ﻣﻘﺎﻻﺗـﻬم .وﻛذﻟك ﻗد ﺑﻠﻐﻧﻲ ﺑﻌض ﻛﻠﻣﺎﺗـﻬم اﻟﻣﺳﺗﺣدﺛﺔ اﻟﺗﻲ وﻟدﺗﻬﺎ ﺧواطر أﻫل
اﻟﻌﺻر ،ﻻ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﻬﺎج اﻟﻣﻌﻬود ﻣن ﺳﻠﻔﻬم .ﻓﺟﻣﻌت ﺗﻠك اﻟﻛﻠﻣﺎت ) ،ورﺗﺑﺗﻬﺎ ( ﺗرﺗﯾﺑًﺎ
ﻣﺣﻛﻣﺎً ﻣﻘﺎرﻧﺎً ﻟﻠﺗﺣﻘﯾق ،واﺳﺗوﻓﯾت اﻟﺟواب ﻋﻧﻬﺎ ،ﺣﺗﻰ أﻧﻛر ﺑﻌض أﻫل اﻟﺣق ) ﻣﻧﻲ (
ﻣﺑﺎﻟﻐﺗﻲ ﻓﻲ ﺗﻘرﯾر ﺣﺟﺗﻬم ،ﻓﻘﺎل )) :ﻫذا ﺳﻌﻲ ﻟﻬم ،ﻓﺄﻧـﻬم ﻛﺎﻧوا ﯾﻌﺟزون ﻋن ﻧﺻرة
ﻣذﻫﺑﻬم ﺑـﻣﺛل ﻫذﻩ اﻟﺷﺑﻬﺎت ﻟوﻻ ﺗﺣﻘﯾﻘك ﻟﻬﺎ ،وﺗرﺗﯾﺑك إﯾﺎﻫﺎ (( .وﻫذا اﻹﻧﻛﺎر ﻣن وﺟﻪ
ﺣق ،ﻓﻘد أﻧﻛر أﺣﻣد ﺑن ﺣﻧﺑل ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺎرث اﻟﻣﺣﺎﺳﺑﻲ ) رﺣﻣﻬﻣﺎ اﷲ ( ،ﺗﺻﻧﯾﻔﻪ ﻓﻲ
اﻟرد ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﺗزﻟﺔ ؛ ﻓﻘﺎل اﻟﺣﺎرث )) :اﻟرد ﻋﻠﻰ اﻟﺑدﻋﺔ ﻓرض(( ﻓﻘﺎل أﺣﻣد )) :ﻧﻌم ،
ﻓﺑم ﺗﺄﻣن أن ﯾطﺎﻟﻊ اﻟﺷﺑﻬﺔ ﻣن ﯾﻌﻠق ذﻟك
وﻟﻛن ﺣﻛﯾت ﺷﺑﻬﺗﻬم أوﻻً ﺛم أﺟﺑت ﻋﻧﻬﺎ ؛ َ
ﺑﻔﻬﻣﻪ ،وﻻ ﯾﻠﺗﻔت إﻟﻰ اﻟﺟواب ،أو ﯾﻧظر ﻓﻲ اﻟﺟواب وﻻ ﯾﻔﻬم ﻛﻧﻬﻪ؟ ((.
وﻣﺎ ذﻛرﻩ أﺣﻣد ﺑن ﺣﻧﺑل ﺣق ،وﻟﻛن ﻓﻲ ﺷﺑﻬﺔ ) ﻟم ﺗﻧﺗﺷر ( وﻟم ﺗﺷﺗﻬر .ﻓﺄﻣﺎ إذا
اﻧﺗﺷرت ،ﻓﺎﻟﺟواب ﻋﻧﻬﺎ واﺟب وﻻ ﯾﻣﻛن اﻟﺟواب ] ﻋﻧﻬﺎ [ إﻻ ﺑﻌد اﻟﺣﻛﺎﯾﺔ .ﻧﻌم ،ﯾﻧﺑﻐﻲ
أن ﻻ ﯾﺗﻛﻠف ﻟﻬم ﺷﺑﻬﺔ ﻟم ] ﯾﺗﻛﻠﻔوﻫﺎ [ ؛ وﻟم أﺗﻛﻠف أﻧﺎ ذﻟك ،ﺑل ﻛﻧت ﻗد ﺳﻣﻌت ﺗﻠك
اﻟﺷﺑﻬﺔ ﻣن واﺣد ﻣن أﺻﺣﺎﺑﻲ اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﯾن إﻟﻲ ،ﺑﻌد أن ﻛﺎن ﻗد اﻟﺗﺣق ﺑـﻬم ؛ واﻧﺗﺣل
ﻣذﻫﺑـﻬم ،وﺣﻛﻰ أﻧـﻬم ﯾﺿﺣﻛون ﻋﻠﻰ ﺗﺻﺎﻧﯾف اﻟﻣﺻﻧﻔﯾن ﻓﻲ اﻟرد ﻋﻠﯾﻬم ،ﺑﺄﻧـﻬم ﻟم
ﯾﻔﻬﻣوا ﺑﻌد ﺣﺟﺗﻬم .ﺛم ذﻛر ﺗﻠك اﻟﺣﺟﺔ وﺣﻛﺎﻫﺎ ﻋﻧﻬم ،ﻓﻠم أرض ﻟﻧﻔﺳﻲ أن ﯾظن ﻓﻲ
Generated by Foxit PDF Creator © Foxit Software
http://www.foxitsoftware.com For evaluation only.
اﻟﻐﻔﻠﺔ ﻋن اﺻل ﺣﺟﺗﻬم ،ﻓﻠذﻟك أوردﺗﻬﺎ ،وﻻ أن ﯾظن ﺑﻲ أﻧﻲ ٕ -وان ﺳﻣﻌﺗﻬﺎ – ﻟم
أﻓﻬﻣﻬﺎ ﻓﻠذﻟك ﻗررﺗﻬﺎ.
واﻟﻣﻘﺻود ،أﻧﻲ ﻗررت ﺷﺑﻬﺗﻬم إﻟﻰ أﻗﺻﻰ اﻹﻣﻛﺎن ،ﺛم أظﻬرت ﻓﺳﺎدﻫﺎ ] ﺑﻐﺎﯾﺔ اﻟﺑرﻫﺎن
[.
واﻟﺣﺎﺻل :أﻧﻪ ﻻ ﺣﺎﺻل ﻋﻧد ﻫؤﻻء ،وﻻ طﺎﺋل ﻟﻛﻼﻣﻬم .وﻟوﻻ ﺳوء ﻧﺻرة اﻟﺻدﯾق
اﻟﺟﺎﻫل ،ﻟﻣﺎ اﻧﺗﻬت ﺗﻠك اﻟﺑدﻋﺔ -ﻣﻊ ﺿﻌﻔﻬﺎ -إﻟﻰ ﻫذﻩ اﻟدرﺟﺔ ؛ وﻟﻛن ﺷدة اﻟﺗﻌﺻب
،دﻋت اﻟذاﺑﯾن ﻋن اﻟﺣق إﻟﻰ ﺗطوﯾل اﻟﻧـزاع ﻣﻌﻬم ﻓﻲ ﻣﻘدﻣﺎت ﻛﻼﻣﻬم ٕ ،واﻟﻰ ﻣﺟﺎﺣدﺗـﻬم
ﻓﻲ ﻛل ﻣﺎ ﻧطﻘوا ﺑﻪ ،ﻓﺟﺎﺣدوﻫم ﻓﻲ دﻋواﻫم )) :اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﺗﻌﻠﯾم واﻟﻣﻌﻠم (( .وﻓﻲ
دﻋواﻫم أﻧﻪ )) :ﻻ ﯾﺻﻠﺢ ﻛل ﻣﻌﻠم ،ﺑل ﻻ ﺑد ﻣن ﻣﻌﻠم ﻣﻌﺻوم (( .وظﻬرت ﺣﺟﺗﻬم ﻓﻲ
إظﻬﺎر اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﺗﻌﻠﯾم واﻟﻣﻌﻠم ،وﺿﻌف ﻗول اﻟﻣﻧﻛرﯾن ﻓﻲ ﻣﻘﺎﺑﻠﺗﻪ ،ﻓﺎﻏﺗر ﺑذﻟك
ﺟﻣﺎﻋﺔ وظﻧوا أن ذﻟك ﻣن ﻗوة ﻣذﻫﺑﻬم وﺿﻌف ﻣذﻫب اﻟﻣﺧﺎﻟﻔﯾن ﻟﻬم ،وﻟم ﯾﻔﻬﻣوا أن
ذﻟك ﻟﺿﻌف ﻧﺎﺻر اﻟﺣق وﺟﻌﻠﻪ ﺑطرﯾﻘﻪ ؛ ﺑل اﻟﺻواب اﻻﻋﺗراف ﺑﺎﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻌﻠم ،
وأﻧﻪ ﻻ ﺑد وأن ﯾﻛون ) اﻟﻣﻌﻠم ( ﻣﻌﺻوﻣﺎً ،وﻟﻛن ﻣﻌﻠﻣﻧﺎ اﻟﻣﻌﺻوم ) ﻫو ( ﻣﺣﻣد ﺻﻠﻰ
اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳّﻠم ﻓﺈذا ﻗﺎﻟوا )) :ﻫو ﻣﯾت (( ،ﻓﻧﻘول )) :وﻣﻌﻠﻣﻛم ﻏﺎﺋب (( ،ﻓﺈذا ﻗﺎﻟوا)) :
ﻣﻌﻠﻣﻧﺎ ﻗد ﻋﻠم اﻟدﻋﺎة وﺑﺛﻬم ﻓﻲ اﻟﺑﻼد ،وﻫو ﯾﻧﺗظر ﻣراﺟﻌﺗﻬم إن اﺧﺗﻠﻔوا أو أﺷﻛل ﻋﻠﯾﻬم
ﻣﺷﻛل (( .ﻓﻧﻘول )) :وﻣﻌﻠﻣﻧﺎ ﻗد ﻋﻠم اﻟدﻋﺎة وﺑﺛﻬم ﻓﻲ اﻟﺑﻼد وأﻛﻣل اﻟﺗﻌﻠﯾم إذ ﻗﺎل اﷲ
ﺗﻌﺎﻟﻰ:
ﻋﻠﯾﻛم ﻧﻌﻣﺗﻲ [ (( )اﻟﻣﺎﺋدة(3 :
ْ أﺗﻣﻣت
أﻛﻣﻠت ﻟﻛم دﯾﻧﻛم ] و ُ
ُ )) اﻟﯾوم
وﺑﻌد ﻛﻣﺎل اﻟﺗﻌﻠﯾم ﻻ ﯾﺿر ﻣوت اﻟﻣﻌﻠم ﻛﻣﺎ ﻻ ﯾﺿر ﻏﯾﺑﺗﻪ.
ﻓﺑﻘﻲ ﻗوﻟﻬم )) :ﻛﯾف ﺗﺣﻛﻣون ﻓﯾﻣﺎ ﻟم ﺗﺳﻣﻌوﻩ؟ أﺑﺎﻟﻧص وﻟم ﺗﺳﻣﻌوﻩ ،أم ﺑﺎﻹﺟﺗﻬﺎد
واﻟرأي وﻫو ﻣظﻧﺔ اﻟﺧﻼف؟ (( ﻓﻧﻘول )) :ﻧﻔﻌل ﻣﺎ ﻓﻌﻠﻪ ﻣﻌﺎذ إذ ﺑﻌﺛﻪ رﺳول اﷲ ﻋﻠﯾﻪ ]
اﻟﺻﻼة [ واﻟﺳﻼم إﻟﻰ اﻟﯾﻣن :أن ﻧﺣﻛم ﺑﺎﻟﻧص ،ﻋﻧد وﺟود اﻟﻧص وﺑﺎﻹﺟﺗﻬﺎد ﻋﻧد
ﻋدﻣﻪ ) .[85]85ﺑل ( ﻛﻣﺎ ﯾﻔﻌﻠﻪ دﻋﺎﺗﻬم إذا ﺑﻌدوا ﻋن اﻹﻣﺎم إﻟﻰ أﻗﺎﺻﻲ اﻟﺑﻼد ،إذ ﻻ
ﯾﻣﻛﻧـﻪ أن ﯾﺣﻛم ﺑﺎﻟﻧص ﻓﺈن اﻟﻧﺻوص اﻟﻣﺗﻧﺎﻫﯾﺔ ﻻ ﺗﺳﺗوﻋب اﻟوﻗﺎﺋﻊ اﻟﻐﯾر اﻟﻣﺗﻧﺎﻫﯾﺔ ،وﻻ
ﯾﻣﻛﻧـﻪ اﻟرﺟوع ﻓﻲ ﻛل واﻗﻌﺔ إﻟﻰ ﺑﻠدة اﻹﻣﺎم ،وأن ﯾﻘطﻊ اﻟﻣﺳﺎﻓﺔ وﯾرﺟﻊ ﻓﯾﻛون اﻟﻣﺳﺗﻔﺗﻲ
ﻗد ﻣﺎت ،وﻓﺎت اﻻﻧﺗﻔﺎع ﺑﺎﻟرﺟوع .ﻓﻣن أﺷﻛﻠت ﻋﻠﯾﻪ اﻟﻘﺑﻠﺔ ﻟﯾس ﻟﻪ طرﯾق إﻻ أن ﯾﺻﻠﻲ
ﺑﺎﻻﺟﺗﻬﺎد ،إذ ﻟو ﺳﺎﻓر إﻟﻰ ﺑﻠدة اﻹﻣﺎم ﻟﻣﻌرﻓﺔ اﻟﻘﺑﻠﺔ ،ﻓﯾﻔوت وﻗت اﻟﺻﻼة .ﻓﺈذن ﺟﺎزت
أﺟر
اﻟﺻﻼة إﻟﻰ ﻏﯾر اﻟﻘﺑﻠﺔ ﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ اﻟظن .وﯾﻘﺎل )) :إن اﻟﻣﺧطﻲء ﻓﻲ اﻻﺟﺗﻬﺎد ﻟﻪ ٌ
اﺣد وﻟﻠﻣ ِ
ﺻﯾب أﺟران (( .[86]86ﻓﻛذﻟك ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﺟﺗﻬدات ،وﻛذﻟك أﻣر ﺻرف اﻟزﻛﺎة و ٌ ُ
إﻟﻰ اﻟﻔﻘﯾر ،ﻓرﺑﻣﺎ ﯾظﻧـﻪ ﻓﻘﯾ اًر ﺑﺎﺟﺗﻬﺎدﻩ وﻫو ﻏﻧﻲ ﺑﺎطﻧًﺎ ﺑﺈﺧﻔﺎﺋﻪ ﻣﺎﻟﻪ ،ﻓﻼ ﯾﻛون ﻣؤاﺧذًا
ِ
ﻣﺧﺎﻟﻔﻪ ﻛظﻧﻪ (( ﻓﺄﻗول: ﺑـﻪ ٕوان أﺧطﺄ ،ﻷﻧﻪ ﻟم ﯾؤاﺧذ إﻻ ﺑﻣوﺟب ظﻧﻪ .ﻓﺈن ﻗﺎل )) :ظن
)) ﻫو ﻣﺄﻣور ﺑﺎﺗﺑﺎع ظن ﻧﻔﺳﻪ ،ﻛﺎﻟﻣﺟﺗﻬد ﻓﻲ اﻟﻘﺑﻠﺔ ﯾﺗﺑﻊ ظﻧﻪ ٕوان ﺧﺎﻟﻔﻪ ﻏﯾرﻩ (( .ﻓﺈن
ﻗﺎل )) :ﻓﺎﻟﻣﻘﻠد ﯾﺗﺑﻊ أﺑﺎ ﺣﻧﯾﻔﺔ واﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ) رﺣﻣﻬﻣﺎ اﷲ ( أم ﻏﯾرﻫﻣﺎ (( .ﻓﺄﻗول )) :ﻓﺎﻟﻣﻘﻠد
ﻓﻲ اﻟﻘﺑﻠﺔ ﻋﻧد اﻻﺷﺗﺑﺎﻩ ،ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺔ اﻷﻓﺿل اﻷﻋﻠم ﺑدﻻﺋل اﻟﻘﺑﻠﺔ ،ﻓﯾﺗﺑﻊ ذﻟك اﻻﺟﺗﻬﺎد ؛
ﻓﻛذﻟك ﻓﻲ اﻟﻣذاﻫب(( .
اﻷﻧﺑﯾﺎء واﻷﺋﻣﺔ ﻣﻊ اﻟﻌﻠم ﺑﺄﻧـﻬم ) ﻗد ( ﯾﺧطﺋون ،
ُ ﻓرد اﻟﺧﻠق إﻟﻰ اﻻﺟﺗﻬﺎد -ﺿرورة -
ّ
ﺑل ﻗﺎل رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳّﻠم )) :أﻧﺎ أﺣﻛم ﺑﺎﻟظﺎﻫر واﷲ ﯾﺗوﻟﻰ اﻟﺳراﺋر ((.[87]87
أي أﻧﺎ أﺣﻛم ﺑﻐﺎﻟب اﻟظن اﻟﺣﺎﺻل ﻣن ﻗول اﻟﺷﻬود ،ورﺑﻣﺎ أﺧطﺄوا ﻓﯾﻪ .وﻻ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ
اﻷﻣن ﻣن اﻟﺧطﺄ ﻟﻸﻧﺑﯾﺎء ﻓﻲ ﻣﺛل ﻫذﻩ اﻟﻣﺟﺗﻬدات ،ﻓﯾﻛف ﯾطﻣﻊ ﻓﻲ ذﻟك؟
وﻟﻬم ﻫﺎ ﻫﻧﺎ ﺳؤاﻻن :أﺣدﻫﻣﺎ ﻗوﻟﻬم )) :ﻫذا ٕوان ﺻﺢ ﻓﻲ اﻟﻣﺟﺗﻬدات ﻓﻼ ﯾﺻﺢ ﻓﻲ
ﻗواﻋد اﻟﻌﻘﺎﺋد ،إذ اﻟﻣﺧطﺊ ﻓﯾﻪ ﻏﯾر ﻣﻌذور ،ﻓﻛﯾف اﻟﺳﺑﯾل إﻟﯾﻪ؟ (( ﻓﺄﻗول )) :ﻗواﻋد
اﻟﻌﻘﺎﺋد ﯾﺷﺗﻣل ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻟﻛﺗﺎب واﻟﺳﻧﺔ ؛ وﻣﺎ وراء ذﻟك ﻣن اﻟﺗﻔﺻﯾل ،واﻟﻣﺗﻧﺎزع ﻓﯾﻪ ،ﯾﻌرف
اﻟﺣق ﻓﯾﻪ ﺑﺎﻟوزن ﺑﺎﻟﻘﺳطﺎس اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم .وﻫﻲ اﻟﻣوازﯾن اﻟﺗﻲ ذﻛرﻫﺎ اﷲ ) ﺗﻌﺎﻟﻰ ( ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﻪ
،وﻫﻲ ﺧﻣﺳﺔ ذﻛرﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﺗﺎب )) اﻟﻘﺳطﺎس اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم (( .ﻓﺈن ﻗﺎل )) :ﺧﺻوﻣك
ﯾﺧﺎﻟﻔوﻧك ﻓﻲ ذﻟك اﻟﻣﯾزان (( .ﻓﺄﻗول )) :ﻻ ﯾﺗﺻور أن ﯾﻔﻬم ذﻟك اﻟﻣﯾزان ﺛم ﯾﺧﺎﻟف ﻓﯾﻪ ]
[86] 86رواﻩ ﻣﺴﻠﻢ واﻟﺒﺨﺎري وأﺑﻮ دواد واﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ واﻟﱰﻣﺬي واﻟﻨﺴﺎﺋﻲ )اي اﻟﺴﺘﺔ( وأﲪﺪ.
[87] 87ﻗﺎل اﳊﺎﻓﻆ اﻟﻌﺮاﻗﻲ واﳊﺎﻓﻆ اﳌﺰي :ﻻ أﺻﻞ ﻟﻪ.
Generated by Foxit PDF Creator © Foxit Software
http://www.foxitsoftware.com For evaluation only.
إذ ﻻ ﯾﺧﺎﻟف ﻓﯾﻪ [ أﻫل اﻟﺗﻌﻠﯾم ،ﻷﻧﻲ اﺳﺗﺧرﺟﺗﻪ ﻣن اﻟﻘرآن وﺗﻌﻠﻣﺗﻪ ﻣﻧﻪ ،وﻻ ﯾﺧﺎﻟف ﻓﯾﻪ
أﻫل اﻟﻣﻧطق ،ﻷﻧﻪ ﻣواﻓق ﻟﻣﺎ ﺷرطوﻩ ﻓﻲ اﻟﻣﻧطق ،وﻏﯾر ﻣﺧﺎﻟف ﻟﻪ ؛ وﻻ ﯾﺧﺎﻟف ﻓﯾﻪ
اﻟﻣﺗﻛﻠم ﻷﻧﻪ ﻣواﻓق ﻟﻣﺎ ﯾذﻛرﻩ ﻓﻲ أدﻟﺔ اﻟﻧظرﯾﺎت ،وﺑﻪ ﯾﻌرف اﻟﺣق ﻓﻲ اﻟﻛﻼﻣﯾﺎت(( .
ﻓﻠم ﻻ ﺗرﻓﻊ اﻟﺧﻼف ﺑﯾن اﻟﺧﻠق؟ ((
ﻓﺈن ﻗﺎل )) :ﻓﺈن ﻛﺎن ﻓﻲ ﯾدك ﻣﺛل ﻫذا اﻟﻣﯾزان َ
ﻓﺄﻗول )) :ﻟو أﺻﻐوا إﻟﻲ ﻟرﻓﻌت اﻟﺧﻼف ﺑﯾﻧﻬم ؛ وذﻛرت طرﯾق رﻓﻊ اﻟﺧﻼف ﻓﻲ ﻛﺗﺎب
اﻟﻘﺳطﺎس اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم ،ﻓﺗﺄﻣﻠﻪ ﻟﺗﻌﻠم أﻧﻪ ﺣق وأﻧﻪ ﯾرﻓﻊ اﻟﺧﻼف ﻗطﻌًﺎ ﻟو أﺻﻐوا وﻻ ﯾﺻﻐون
] إﻟﯾﻪ [ ﺑﺄﺟﻣﻌﻬم! ﺑل ﻗد أﺻﻐﻰ إﻟﻲ طﺎﺋﻔﺔ ،ﻓرﻓﻌت اﻟﺧﻼف ﺑﯾﻧﻬمٕ .واﻣﺎﻣك ﯾرﯾد رﻓﻊ
وﻟم ﻟم ﯾرﻓﻊ ﻋﻠﻲ رﺿﻲ اﷲ ﻓﻠم ﻟم ﯾرﻓﻊ إﻟﻰ اﻵن؟ َ
اﻟﺧﻼف ﺑﯾﻧﻬم ﻣﻊ ﻋدم إﺻﻐﺎﺋﻬم َ ،
ﻓﻠم
ﻋﻧـﻪ ،وﻫو رأس اﻷﺋﻣﺔ؟ أو ﯾدﻋﻲ أﻧﻪ ﯾﻘدر ﻋﻠﻰ ﺣﻣل ﻛﺎﻓﺗﻬم ﻋﻠﻰ اﻹﺻﻐﺎء ﻗﻬ ًار َ ،
ﻟم ﯾﺣﻣﻠﻬم إﻟﻰ اﻵن؟ وﻷي ﯾوم أﺟﻠﻪ؟ وﻫل ﺣﺻل ﺑﯾن اﻟﺧﻠق ﺑﺳﺑب دﻋوﺗﻪ إﻻ زﯾﺎدة
ﺧﻼف وزﯾﺎدة ﻣﺧﺎﻟف؟ ﻧﻌم! ﻛﺎن ﯾﺧﺷﻰ ﻣن اﻟﺧﻼف ﻧوع اﻟﺿرر ﻻ ﯾﻧﺗﻬﻲ إﻟﻰ ﺳﻔك
اﻟدﻣﺎء ،وﺗﺧرﯾب اﻟﺑﻼد وأﯾﺗﺎم اﻷوﻻد ،وﻗطﻊ اﻟطرق ،واﻹﻏﺎرة ﻋﻠﻰ اﻷﻣوال .وﻗد ﺣدث
ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻣن ﺑرﻛﺎت رﻓﻌﻛم اﻟﺧﻼف ] ﻣن اﻟﺧﻼف [ ﻣﺎ ﻟم ﯾﻛن ﺑﻣﺛﻠﻪ ﻋﻬد (( .ﻓﺈن ﻗﺎل:
)) ادﻋﯾت أﻧك ﺗرﻓﻊ اﻟﺧﻼف ﺑﯾن اﻟﺧﻠق وﻟﻛن اﻟﻣﺗﺣﯾر ﺑﯾن اﻟﻣذاﻫب اﻟﻣﺗﻌﺎرﺿﺔ ،
واﻻﺧﺗﻼﻓﺎت اﻟﻣﺗﻘﺎﺑﻠﺔ ،ﻟم ﯾﻠزﻣﻪ اﻹﺻﻐﺎء إﻟﯾك دون ﺧﺻﻣك ،وأﻛﺛر اﻟﺧﺻوم ﯾﺧﺎﻟﻔوﻧك
،وﻻ ﻓرق ﺑﯾﻧك وﺑﯾﻧﻬم(( .
ﻻ ﯾﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾك ،ﻓﺈﻧك إذا دﻋوت ﻫذا اﻟﻣﺗﺣﯾر
وﻫذا ﻫو ﺳؤاﻟﻬم اﻟﺛﺎﻧﻲ ﻓﺄﻗول )) :ﻫذا أو ً
إﻟﻰ ﻧﻔﺳك ﻓﯾﻘول اﻟﻣﺗﺣﯾر ،ﺑﻣﺎ ﺻرت أوﻟﻰ ﻣن ﻣﺧﺎﻟﻔﯾك ،وأﻛﺛر أﻫل اﻟﻌﻠم ﯾﺧﺎﻟﻔوﻧك؟
ﻓﻠﯾت ﺷﻌري! ﺑﻣﺎذا ﺗﺟﯾب ،أﺗﺟﯾب ﺑﺄن ﺗﻘول :إﻣﺎﻣﻲ ﻣﻧﺻوص ﻋﻠﯾﻪ؟ ﻓﻣن ﯾﺻدﻗك ﻓﻲ
دﻋوى اﻟﻧص ،وﻫو ﻟم ﯾﺳﻣﻊ اﻟﻧص ﻣن اﻟرﺳول؟ ٕواﻧﻣﺎ ﯾﺳﻣﻊ دﻋواك ﻣﻊ ﺗطﺎﺑق أﻫل
اﻟﻌﻠم ﻋﻠﻰ اﺧﺗراﻋك وﺗﻛذﯾﺑك .ﺛم ﻫب أﻧﻪ ﺳﻠم ﻟك اﻟﻧص ،ﻓﺈن ﻛﺎن ﻣﺗﺣﯾ اًر ﻓﻲ أﺻل
اﻟﻧﺑوة ،ﻓﻘﺎل :ﻫب أن إﻣﺎﻣك ﯾدﻟﻲ ﺑﻣﻌﺟزة ﻋﯾﺳﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﻓﯾﻘول :اﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ
ﺻدﻗﻲ أﻧﻲ أﺣﯾﻲ أﺑﺎك ،ﻓﺄﺣﯾﺎﻩ ،ﻓﻧﺎطﻘﻧﻲ ﺑﺄﻧﻪ ﻣﺣق ،ﻓﺑﻣﺎذا أﻋﻠم ﺻدﻗﻪ؟ وﻟم ﯾﻌﻠم
ﻛﺎﻓﺔ اﻟﺧﻠق ﺻدق ﻋﯾﺳﻰ ﻋﻠﯾﻪ اﻟﺳﻼم ﺑـﻬذﻩ اﻟﻣﻌﺟزة ،ﺑل ﻋﻠﯾﻪ ﻣن اﻷﺳﺋﻠﺔ اﻟﻣﺷﻛﻠﺔ ﻣﺎ
Generated by Foxit PDF Creator © Foxit Software
http://www.foxitsoftware.com For evaluation only.
ﻻ ﯾدﻓﻊ إﻻ ﺑدﻗﯾق اﻟﻧظر اﻟﻌﻘﻠﻲ ؛ واﻟﻧظر اﻟﻌﻘﻠﻲ ﻻ ﯾوﺛق ﺑﻪ ﻋﻧدك ،وﻻ ﯾﻌرف دﻻﻟﺔ
اﻟﻣﻌﺟزة ﻋﻠﻰ اﻟﺻدق ﻣﺎ ﻟم ﯾﻌرف اﻟﺳﺣر واﻟﺗﻣﯾﯾز ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن اﻟﻣﻌﺟزة ،وﻣﺎ ﻟم ﯾﻌرف أن
اﷲ ﻻ ﯾﺿل ﻋﺑﺎدﻩ - .وﺳؤال اﻹﺿﻼل وﻋﺳر ] ﺗﺣرﯾر [ اﻟﺟواب ﻋﻧﻪ ﻣﺷﻬور -ﻓﺑﻣﺎذا
ﺗدﻓﻊ ﺟﻣﯾﻊ ذﻟك؟ وﻟم ﯾﻛن إﻣﺎﻣك أوﻟﻰ ﺑﺎﻟﻣﺗﺎﺑﻌﺔ ﻣن ﻣﺧﺎﻟﻔﻪ! (( ﻓﯾرﺟﻊ إﻟﻰ اﻷدﻟﺔ
اﻟﻧظرﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﯾﻧﻛرﻫﺎ ،وﺧﺻﻣﻪ ﯾدﻟﻲ ﺑﻣﺛل ﺗﻠك اﻷدﻟﺔ وأوﺿﺢ ﻣﻧﻬﺎ .وﻫذا اﻟﺳؤال ﻗد
اﻧﻘﻠب ﻋﻠﯾﻬم اﻧﻘﻼﺑًﺎ ﻋظﯾﻣﺎ ،ﻟو اﺟﺗﻣﻊ أوﻟﻬم وآﺧرﻫم ﻋﻠﻰ أن ﯾﺟﯾﺑوا ﻋﻧﻪ ﺟواﺑًﺎ ﻟم ﯾﻘدروا
ﻋﻠﯾﻪ.
ٕواﻧﻣﺎ ﻧﺷﺄ اﻟﻔﺳﺎد ﻣن ﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣن اﻟﺿﻌﻔﺔ ﻧﺎظروﻫم ،ﻓﻠم ﯾﺷﺗﻐﻠوا ﺑﺎﻟﻘﻠب ،ﺑل ﺑﺎﻟﺟواب.
وذﻟك ﻣﻣﺎ ﯾطول ﻓﯾﻪ اﻟﻛﻼم ،وﻣﺎ ﻻ ﯾﺳﺑق ﺳرﯾﻌﺎً إﻟﻰ اﻹﻓﻬﺎم ،ﻓﻼ ﯾﺻﻠﺢ ﻟﻺﻓﺣﺎم .ﻓﺈن
ﻗﺎل ﻗﺎﺋل )) :ﻓﻬذا ﻫو اﻟﻘﻠب ،ﻓﻬل ﻋﻧﻪ ﺟواب؟ (( ﻓﺄﻗول )) :ﻧﻌم! ﺟواﺑﻪ أن اﻟﻣﺗﺣﯾر ﻟو
ﻗﺎل :أﻧﺎ ﻣﺗﺣﯾر ،وﻟم ﯾﻌﯾن اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ اﻟﺗﻲ ﻫو ﻣﺗﺣﯾر ﻓﯾﻬﺎ ،ﯾﻘﺎل ﻟﻪ :أﻧت ﻛﻣرﯾض ﯾﻘول:
أﻧﺎ ﻣرﯾض وﻻ ﯾﻌﯾن ﻣرﺿﻪ ،وﯾطﻠب ﻋﻼﺟﻪ .ﻓﯾﻘﺎل ﻟﻪ :ﻟﯾس ﻓﻲ اﻟوﺟود ﻋﻼج ﻟﻠﻣرض
اﻟﻣطﻠق ،ﺑل ﻟﻣرض ﻣﻌﯾن :ﻣن ﺻداع أو إﺳﻬﺎل أو ﻏﯾرﻫﻣﺎ .ﻓﻛذﻟك اﻟﻣﺗﺣﯾر ﯾﻧﺑﻐﻲ أن
ﻋرﻓﺗﻪ اﻟﺣق ﻓﯾﻬﺎ ﺑﺎﻟوزن ﺑﺎﻟﻣوازﯾن اﻟﺧﻣﺳﺔ ،
ﯾﻌﯾن ﻣﺎ ﻫو ﻣﺗﺣﯾر ﻓﯾﻪ ؛ ﻓﺈن ﻋﯾن اﻟﻣﺳﺄﻟﺔ ّ
اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﻔﻬﻣﻬﺎ أﺣد إﻻ وﯾﻌﺗرف ﺑﺄﻧﻪ اﻟﻣﯾزان اﻟﺣق ،اﻟذي ﯾوﺛق ﺑﻛل ﻣﺎ ﯾوزن ﺑﻪ ،ﻓﯾﻔﻬم
اﻟﻣﯾزان ،وﯾﻔﻬم ﻣﻧﻪ أﯾﺿﺎً ﺻﺣﺔ اﻟوزن ،ﻛﻣﺎ ﯾﻔﻬم ﻣﺗﻌﻠم ﻋﻠم اﻟﺣﺳﺎب ﻧﻔس اﻟﺣﺳﺎب ،
وﻛون اﻟﻣﺣﺎﺳب اﻟﻣﻌﻠم ﻋﺎﻟﻣًﺎ ﺑﺎﻟﺣﺳﺎب وﺻﺎدﻗًﺎ ﻓﯾﻪ (( .وﻗد أوﺿﺣت ذﻟك ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ))
اﻟﻘﺳطﺎس اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم (( ﻓﻲ ﻣﻘدار ﻋﺷرﯾن ورﻗﺔ ؛ ﻓﻠﯾﺗﺄﻣل.
وﻟﯾس اﻟﻣﻘﺻود اﻵن ﺑﯾﺎن ﻓﺳﺎد ﻣذﻫﺑﻬم ،ﻓﻘد ذﻛرت ذﻟك ﻓﻲ ﻛﺗﺎب )) اﻟﻣﺳﺗظﻬري ((
ﻻ ؛ وﻓﻲ ﻛﺗﺎب )) ﺣﺟﺔ اﻟﺣق (( ﺛﺎﻧﯾًﺎ ،وﻫو ﺟواب ﻛﻼم ﻟﻬم ُﻋرض ﻋﻠﻲ ﺑﺑﻐداد ؛
أو ً
وﻓﻲ ﻛﺗﺎب )) ﻣﻔﺻل اﻟﺧﻼف (( اﻟذي ﻫو اﺛﻧﺎ ﻋﺷر ﻓﺻﻼً ﺛﺎﻟﺛﺎً ؛ وﻫو ﺟواب ﻛﻼم
ُﻋرض ﻋﻠﻲ ﺑـﻬﻣدان ؛ وﻓﻲ ﻛﺗﺎب )) اﻟدرج (( اﻟﻣرﻗوم )) ﺑﺎﻟﺟداول (( راﺑﻌًﺎ ،وﻫو ﻣن
رﻛﯾك ﻛﻼﻣﻬم اﻟذي ُﻋرض ﻋﻠﻲ ﺑطوس ؛ وﻓﻲ ﻛﺗﺎب )) اﻟﻘﺳطﺎس اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم (( ﺧﺎﻣﺳﺎً ،
Generated by Foxit PDF Creator © Foxit Software
http://www.foxitsoftware.com For evaluation only.
وﻫو ﻛﺗﺎب ﻣﺳﺗﻘل ﺑﻧﻔﺳﻪ ﻣﻘﺻودﻩ ﺑﯾﺎن ﻣﯾزان اﻟﻌﻠوم ٕواظﻬﺎر اﻻﺳﺗﻐﻧﺎء ﻋن اﻻﻣﺎم ]
اﻟﻣﻌﺻوم [ ﻟﻣن أﺣﺎط ﺑﻪ.
ﺑل اﻟﻣﻘﺻود أن ﻫؤﻻء ﻟﯾس ﻣﻌﻬم ﺷﻲء ﻣن اﻟﺷﻔﺎء اﻟﻣﻧﺟﻲ ﻣن ظﻠﻣﺎت اﻵراء ،ﺑل ﻫم ،
ﻓﺻدﻗﻧﺎﻫم ﻓﻲ [88]88
ﻣﻊ ﻋﺟزﻫم ﻋن إﻗﺎﻣﺔ اﻟﺑرﻫﺎن ﻋﻠﻰ ﺗﻌﯾﯾن اﻹﻣﺎم ،طﺎل ﻣﺎ ﺟﺎرﯾﻧﺎﻫم
اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﺗﻌﻠﯾم ٕواﻟﻰ اﻟﻣﻌﻠم اﻟﻣﻌﺻوم وأﻧﻪ اﻟذي ﻋﯾﻧوﻩ ،ﺛم ﺳﺄﻟﻧﺎﻫم ﻋن اﻟﻌﻠم اﻟذي
ﻼ ﻋن اﻟﻘﯾﺎم ﺑﺣّﻠﻬﺎ!
ﺗﻌﻠﻣوﻩ ﻣن ﻫذا اﻟﻣﻌﺻوم وﻋرﺿﻧﺎ ﻋﻠﯾﻬم إﺷﻛﺎﻻت ﻓﻠم ﯾﻔﻬﻣوﻫﺎ ،ﻓﺿ ً
ﻓﻠﻣﺎ ﻋﺟزوا أﺣﺎﻟوا ] ﻋﻠﻰ [ اﻹﻣﺎم اﻟﻐﺎﺋب ،وﻗﺎﻟوا ) )) :أﻧﻪ ( ﻻ ﺑد ﻣن اﻟﺳﻔر إﻟﯾﻪ(( .
واﻟﻌﺟب أﻧـﻬم ﺿﯾﻌوا ﻋﻣرﻫم ﻓﻲ طﻠب اﻟﻣﻌﻠم وﻓﻲ اﻟﺗﺑﺟﺢ ﺑﺎﻟظﻔر ﺑﻪ ،وﻟم ﯾﺗﻌﻠﻣوا ﻣﻧﻪ
ﺑﺎﻟﻧﺟﺎﺳﺔ ،ﯾﺗﻌب ﻓﻲ طﻠب اﻟﻣﺎء ﺣﺗﻰ إذا وﺟدﻩ ﻟم ﯾﺳﺗﻌﻣﻠﻪ [89]89
ﻛﺎﻟﻣﺗﺿﻣﺦ
ّ ﻼ،
ﺷﯾﺋًﺎ أﺻ ً
،وﺑﻘﻲ ﻣﺗﺿﻣﺧًﺎ ﺑﺎﻟﺧﺑﺎﺋث.
وﻣﻧﻬم ﻣن ادﻋﻰ ﺷﯾﺋًﺎ ﻣن ﻋﻠﻣﻬم ،ﻓﻛﺎن ﺣﺎﺻل ﻣﺎ ذﻛرﻩ ﺷﯾﺋًﺎ ﻣن رﻛﯾك ﻓﻠﺳﻔﺔ
ﻓﯾﺛﺎﻏورس :وﻫو رﺟل ﻣن ﻗدﻣﺎء اﻷواﺋل ،وﻣذﻫﺑـﻪ أرك ﻣذاﻫب اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،وﻗد رد ﻋﻠﯾﻪ
ﱠ
اﺳﺗرك ﻛﻼﻣﻪ واﺳﺗرذﻟﻪ ،وﻫو اﻟﻣﺣﻛﻲ ﻓﻲ ﻛﺗﺎب )) إﺧوان اﻟﺻﻔﺎ (( أرﺳطﺎطﺎﻟﯾس ،ﺑل
،وﻫو ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣﻘﯾق ﺣﺷو اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ.
ﻓﺎﻟﻌﺟب ﻣﻣن ﯾﺗﻌب طول اﻟﻌﻣر ﻓﻲ ﺗﺣﺻﯾل اﻟﻌﻠم ﺛم ﯾﻘﻧﻊ ﺑﻣﺛل ذﻟك اﻟﻌﻠم اﻟرﻛﯾك
اﻟﻣﺳﺗﻐث ،وﯾظن ﺑﺄﻧﻪ ظﻔر ﺑﺄﻗﺻﻰ ﻣﻘﺎﺻد اﻟﻌﻠوم! ﻓﻬؤﻻء أﯾﺿﺎً ﺟرﺑﻧﺎﻫم وﺳﺑرﻧﺎ
ظﺎﻫرﻫم وﺑﺎطﻧﻬم ؛ ﻓرﺟﻊ ﺣﺎﺻﻠﻬم إﻟﻰ اﺳﺗدراج اﻟﻌوام ،وﺿﻌﻔﺎء اﻟﻌﻘول ﺑﺑﯾﺎن اﻟﺣﺎﺟﺔ
إﻟﻰ اﻟﻣﻌﻠم ،وﻣﺟﺎدﻟﺗﻬم ﻓﻲ إﻧﻛﺎرﻫم اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﺗﻌﻠﯾم ﺑﻛﻼم ﻗوي ﻣﻔﺣم ،ﺣﺗﻰ إذا
ﺳﺎﻋدﻫم ﻋﻠﻰ اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ اﻟﻣﻌﻠم ﻣﺳﺎﻋد ،وﻗﺎل )) :ﻫﺎت ﻋﻠﻣﻪ وأﻓدﻧﺎ ﻣن ﺗﻌﻠﯾﻣﻪ! ((
ﻏرﺿﻲ ﻫذا اﻟﻘدر ﻓﻘط (( .إذ ﻋﻠم
َ وﻗف وﻗﺎل )) :اﻵن إذا ﺳﻠﻣت ﻟﻲ ﻫذا ﻓﺎطﻠﺑﻪ ،ﻓﺈﻧﻣﺎ
أﻧﻪ ﻟو زاد ﻋﻠﻰ ذﻟك ﻻﻓﺗﺿﺢ وﻟﻌﺟز ﻋن ﺣل أدﻧﻰ اﻹﺷﻛﺎﻻت ،ﺑل ﻋﺟز ﻋن ﻓﻬﻣﻪ ،
ﻼ ﻋن ﺟواﺑـﻪ.
ﻓﺿ ً
اﻟﺻوِﻓﱠﯾﺔ
- 4طُ ُرق ﱡ
ﺛم إﻧﻲ ،ﻟﻣﺎ ﻓرﻏت ﻣن ﻫذﻩ اﻟﻌﻠوم ،أﻗﺑﻠت ﺑـﻬﻣﺗﻲ ﻋﻠﻰ طرﯾق اﻟﺻوﻓﯾﺔ وﻋﻠﻣت أن
طرﯾﻘﺗﻬم إﻧﻣﺎ ﺗﺗم ﺑﻌﻠم وﻋﻣل ؛ وﻛﺎن ﺣﺎﺻل ﻋﻠوﻣﻬم ﻗطﻊ ﻋﻘﺑﺎت اﻟﻧﻔس .واﻟﺗﻧـزﻩ ﻋن
أﺧﻼﻗﻬﺎ اﻟﻣذﻣوﻣﺔ وﺻﻔﺎﺗﻬﺎ اﻟﺧﺑﯾﺛﺔ ،ﺣﺗﻰ ﯾﺗوﺻل ) ﺑـﻬﺎ ( إﻟﻰ ﺗﺧﻠﯾﺔ اﻟﻘﻠب ﻋن ﻏﯾر
اﷲ ) ﺗﻌﺎﻟﻰ ( وﺗﺣﻠﯾﺗﻪ ﺑذﻛر اﷲ.
ﻋﻠﻲ ﻣن اﻟﻌﻣل .ﻓﺎﺑﺗدأت ﺑﺗﺣﺻﯾل ﻋﻠﻣﻬم ﻣن ﻣطﺎﻟﻌﺔ ﻛﺗﺑﻬم ﻣﺛل)) :
وﻛﺎن اﻟﻌﻠم أﯾﺳر ّ
ﻗوت اﻟﻘﻠوب (( ﻷﺑﻲ طﺎﻟب اﻟﻣﻛﻲ ) رﺣﻣﻪ اﷲ ( وﻛﺗب )) اﻟﺣﺎرث اﻟﻣﺣﺎﺳﺑﻲ (( ،
واﻟﻣﺗﻔرﻗﺎت اﻟﻣﺄﺛورة ﻋن ))اﻟﺟﻧﯾد(( و )) اﻟﺷﺑﻠﻲ (( و )) أﺑﻲ ﯾزﯾد اﻟﺑﺳطﺎﻣﻲ (( ] ﻗدس
اﷲ أرواﺣﻬم [ ،وﻏﯾرﻫم ﻣن اﻟﻣﺷﺎﯾﺦ ؛ ﺣﺗﻰ اطﻠﻌت ﻋﻠﻰ ﻛﻧﻪ ﻣﻘﺎﺻدﻫم اﻟﻌﻠﻣﯾﺔ ،
وﺣﺻﻠت ﻣﺎ ﯾﻣﻛن أن ﯾﺣﺻل ﻣن طرﯾﻘﻬم ﺑﺎﻟﺗﻌﻠم واﻟﺳﻣﺎع .ﻓظﻬر ﻟﻲ أن أﺧص
ﺧواﺻﻬم ،ﻣﺎ ﻻ ﯾﻣﻛن اﻟوﺻول إﻟﯾﻪ ﺑﺎﻟﺗﻌﻠم ﺑل ﺑﺎﻟذوق واﻟﺣﺎل وﺗﺑدل اﻟﺻﻔﺎت .وﻛم ﻣن
اﻟﻔرق ﺑﯾن أن ﺗﻌﻠم ﺣد اﻟﺻﺣﺔ وﺣد اﻟﺷﺑﻊ وأﺳﺑﺎﺑـﻬﻣﺎ وﺷروطﻬﻣﺎ ،وﺑﯾن أن ﺗﻛون
ﺻﺣﯾﺣﺎً وﺷﺑﻌﺎن؟ وﺑﯾن أن ﺗﻌرف ﺣد اﻟﺳﻛر ،وأﻧﻪ ﻋﺑﺎرة ﻋن ﺣﺎﻟﺔ ﺗﺣﺻل ﻣن اﺳﺗﯾﻼء
أﺑﺧرة ﺗﺗﺻﺎﻋد ﻣن اﻟﻣﻌدة ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎدن اﻟﻔﻛر ،وﺑﯾن أن ﺗﻛون ﺳﻛران! ﺑل اﻟﺳﻛران ﻻ
ﺣد
وﻋﻠﻣﻪ وﻫو ﺳﻛران وﻣﺎ ﻣﻌﻪ ﻣن ﻋﻠﻣﻪ ﺷﻲء! واﻟﺻﱠﺎﺣﻲ ﯾﻌرف ّ ﺣد اﻟﺳﻛر ِ ﯾﻌرف ّ
ﺣد اﻟﺻﺣﺔ
وﻣﺎ ﻣﻌﻪ ﻣن اﻟﺳﻛر ﺷﻲء .واﻟطﺑﯾب ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻣرض ﯾﻌرف ّ اﻟﺳﻛر وارﻛﺄﻧﻪ َ ُ
ﻓرق ﺑﯾن أن ﺗﻌرف ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟزﻫد وﺷروطﻪ
وأﺳﺑﺎﺑـﻬﺎ وأدوﯾﺗﻬﺎ ،وﻫو ﻓﺎﻗد اﻟﺻﺣﺔ .ﻓﻛذﻟك ٌ
وأﺳﺑﺎﺑﻪ ،وﺑﯾن أن ﺗﻛون ﺣﺎﻟك اﻟزﻫد وﻋزوف اﻟﻧﻔس ﻋن اﻟدﻧﯾﺎ!
ﻓﻌﻠﻣت ﯾﻘﯾﻧﺎً أﻧـﻬم أرﺑﺎب اﻷﺣوال ،ﻻ أﺻﺣﺎب اﻷﻗوال .وأن ﻣﺎ ﯾﻣﻛن ﺗﺣﺻﯾﻠﻪ ﺑطرﯾق
ﯾﺑق إﻻ ﻣﺎ ﻻ ﺳﺑﯾل إﻟﯾﻪ ﺑﺎﻟﺳﻣﺎع واﻟﺗﻌﻠم ،ﺑل ﺑﺎﻟذوق واﻟﺳﻠوك.
اﻟﻌﻠم ﻓﻘد ﺣﺻﻠﺗﻪ ،وﻟم َ
وﻛﺎن ) ﻗد ( ﺣﺻل ﻣﻌﻲ -ﻣن اﻟﻌﻠوم اﻟﺗﻲ ﻣﺎرﺳﺗﻬﺎ واﻟﻣﺳﺎﻟك اﻟﺗﻲ ﺳﻠﻛﺗﻬﺎ ،ﻓﻲ
وﺑﺎﻟﻧﺑ ّوة وﺑﺎﻟﯾوم
ُ ﯾﻘﯾﻧﻲ ﺑﺎﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،
ٌ إﯾﻣﺎن
ٌ اﻟﺗﻔﺗﯾش ﻋن ﺻﻧﻔﻲ اﻟﻌﻠوم اﻟﺷرﻋﯾﺔ واﻟﻌﻘﻠﯾﺔ-
اﻵﺧر.
Generated by Foxit PDF Creator © Foxit Software
http://www.foxitsoftware.com For evaluation only.
[92]92
ﻓﻬذﻩ اﻷﺻول اﻟﺛﻼﺛﺔ ﻣن اﻹﯾﻣﺎن ﻛﺎﻧت ﻗد رﺳﺧت ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻲ ،ﻻ ﺑدﻟﯾل ﻣﻌﯾن ﻣﺣرر
ٍ
ﺑﺄﺳﺑﺎب وﻗراﺋن وﺗﺟﺎرب ﻻ ﺗدﺧل ﺗﺣت اﻟﺣﺻر ﺗﻔﺎﺻﯾﻠُﻬﺎ. ﺑل
وﻛﺎن ﻗد ظﻬر ﻋﻧدي أﻧﻪ ﻻ ﻣطﻣﻊ ) ﻟﻲ ( ﻓﻲ ﺳﻌﺎدة اﻵﺧرة إﻻ ﺑﺎﻟﺗﻘوى ،وﻛف اﻟﻧﻔس
ﻋن اﻟﻬوى ،وأن رأس ذﻟك ﻛﻠﻪ ،ﻗطﻊُ ﻋﻼﻗﺔ اﻟﻘﻠب ﻋن اﻟدﻧﯾﺎ ﺑﺎﻟﺗﺟﺎﻓﻲ ﻋن دار اﻟﻐرور
،واﻹﻧﺎﺑﺔ إﻟﻰ دار اﻟﺧﻠود ،واﻹﻗﺑﺎل ﺑ ُﻛﻧﻪ اﻟﻬﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .وأن ذﻟك ﻻ ﯾﺗم إﻻ
ﺑﺎﻹﻋراض ﻋن اﻟﺟﺎﻩ واﻟﻣﺎل ،واﻟﻬرب ﻣن اﻟﺷواﻏل واﻟﻌﻼﺋق.
ﺛم ﻻﺣظت أﺣواﻟﻲ ؛ ﻓﺈذا أﻧﺎ ﻣﻧﻐﻣس ﻓﻲ اﻟﻌﻼﺋق ،وﻗد أﺣدﻗت ﺑﻲ ﻣن اﻟﺟواﻧب ؛
وﻻﺣظت أﻋﻣﺎﻟﻲ – وأﺣﺳﻧﻬﺎ اﻟﺗدرﯾس واﻟﺗﻌﻠﯾم -ﻓﺈذا أﻧﺎ ﻓﯾﻬﺎ ﻣﻘﺑل ﻋﻠﻰ ﻋﻠوم ﻏﯾر ﻣﻬﻣﺔ
وﻻ ﻧﺎﻓﻌﺔ ﻓﻲ طرﯾق اﻵﺧرة.
ﺛم ﺗﻔﻛرت ﻓﻲ ﻧﯾﺗﻲ ﻓﻲ اﻟﺗدرﯾس ﻓﺈذا ﻫﻲ ﻏﯾر ﺧﺎﻟﺻﺔ ﻟوﺟﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ،ﺑل ﺑﺎﻋﺛﻬﺎ
وﻣﺣرﻛﻬﺎ طﻠب اﻟﺟﺎﻩ واﻧﺗﺷﺎر اﻟﺻﯾت ؛ ﻓﺗﯾﻘﻧت أﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺎ ُﺟ ُرف ﻫﺎر ،وأﻧﻲ ﻗد
أﺷﻔﯾت ﻋﻠﻰ اﻟﻧﺎر ،إن ﻟم أﺷﺗﻐل ﺑﺗﻼﻓﻲ اﻷﺣوال.
ﺑﻌد ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎم اﻻﺧﺗﯾﺎر ،أﺻﻣم اﻟﻌزم ﻋﻠﻰ اﻟﺧروج ﻣن ﻓﻠم أزل أﺗﻔﻛر ﻓﯾﻪ ﻣدة ،وأﻧﺎ ُ
ﻼ وأؤﺧر ﻋﻧﻪ أﺧرى.
ﺑﻐداد وﻣﻔﺎرﻗﺔ ﺗﻠك اﻷﺣوال ﯾوﻣًﺎ ،وأﺣل اﻟﻌزم ﯾوﻣًﺎ ،وأﻗدم ﻓﯾﻪ رﺟ ً
ﻻ ﺗﺻدق ﻟﻲ رﻏﺑﺔ ﻓﻲ طﻠب اﻵﺧرة ﺑﻛرة ،إﻻ وﯾﺣﻣل ﻋﻠﯾﻬﺎ ﺟﻧد اﻟﺷﻬوة ﺣﻣﻠﺔ ﻓﯾﻔﺗرﻫﺎ
ﻋﺷﯾﺔ .ﻓﺻﺎرت ﺷﻬوات اﻟدﻧﯾﺎ ﺗﺟﺎذﺑﻧﻲ ﺑﺳﻼﺳﻠﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻣﻘﺎم ،وﻣﻧﺎدي اﻹﯾﻣﺎن ﯾﻧﺎدي:
اﻟرﺣﯾل! اﻟرﺣﯾل! ﻓﻠم ﯾﺑق ﻣن اﻟﻌﻣر إﻻ ﻗﻠﯾل ،وﺑﯾن ﯾدﯾك اﻟﺳﻔر اﻟطوﯾل ،وﺟﻣﯾﻊ ﻣﺎ
أﻧت ﻓﯾﻪ ﻣن اﻟﻌﻠم واﻟﻌﻣل رﯾﺎء وﺗﺧﯾﯾل! ﻓﺈن ﻟم ﺗﺳﺗﻌد اﻵن ﻟﻶﺧرة ﻓﻣﺗﻰ ﺗﺳﺗﻌد؟ ٕوان ﻟم
ﺗﻘطﻊ اﻵن ] ﻫذﻩ اﻟﻌﻼﺋق [ ﻓﻣﺗﻰ ﺗﻘطﻊ؟ ﻓﻌﻧد ذﻟك ﺗﻧﺑﻌث اﻟداﻋﯾﺔ ،وﯾﻧﺟزم اﻟﻌزم ﻋﻠﻰ
اﻟﻬرب واﻟﻔرار.
ﺛم ﯾﻌود اﻟﺷﯾطﺎن وﯾﻘول )) :ﻫذﻩ ﺣﺎل ﻋﺎرﺿﺔ ،إﯾﺎك أن ﺗطﺎوﻋﻬﺎ ،ﻓﺄﻧﻬﺎ ﺳرﯾﻌﺔ اﻟزوال
؛ ﻓﺈن أذﻋﻧت ﻟﻬﺎ وﺗرﻛت ﻫذا اﻟﺟﺎﻩ اﻟﻌرﯾض ،واﻟﺷﺄن اﻟﻣﻧظوم اﻟﺧﺎﻟﻲ ﻋن اﻟﺗﻛدﯾر
واﻟﺗﻧﻐﯾص ،واﻷﻣر اﻟﻣﺳﻠم اﻟﺻﺎﻓﻲ ﻋن ﻣﻧﺎزﻋﺔ اﻟﺧﺻوم ،رﺑﻣﺎ اﻟﺗﻔﺗت إﻟﯾﻪ ﻧﻔﺳك ،وﻻ
ﯾﺗﯾﺳر ﻟك اﻟﻣﻌﺎودة(( .
ﻓﻠم أزل أﺗردد ﺑﯾن ﺗﺟﺎذب ﺷﻬوات اﻟدﻧﯾﺎ ،ودواﻋﻲ اﻵﺧرة ،ﻗرﯾﺑًﺎ ﻣن ﺳﺗﺔ أﺷﻬر أوﻟﻬﺎ
ﺟﺎوز اﻷﻣر ﺣد اﻻﺧﺗﯾﺎر [94]94
وﺛﻣﺎﻧﯾن وأرﺑﻊ ﻣﺎﺋﺔ .وﻓﻲ ﻫذا اﻟﺷﻬر [93]93
رﺟب ﺳﻧﺔ ﺛﻣﺎن
إﻟﻰ اﻻﺿطرار ،إذ أﻗﻔل اﷲ ﻋﻠﻰ ﻟﺳﺎﻧﻲ ﺣﺗﻰ اﻋﺗﻘل ﻋن اﻟﺗدرﯾس ،ﻓﻛﻧت أﺟﺎﻫد ﻧﻔﺳﻲ
أن أدرس ﯾوﻣًﺎ واﺣدًا ﺗطﯾﯾﺑًﺎ ﻟﻘﻠوب اﻟﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ] إﻟﻲ [ ،ﻓﻛﺎن ﻻ ﯾﻧطق ﻟﺳﺎﻧﻲ ﺑﻛﻠﻣﺔ ]
واﺣدة [ وﻻ أﺳﺗطﯾﻌﻬﺎ اﻟﺑﺗﺔ ،ﺣﺗﻰ أورﺛت ﻫذﻩ اﻟﻌﻘﻠﺔ ﻓﻲ اﻟﻠﺳﺎن ﺣزﻧﺎً ﻓﻲ اﻟﻘﻠب ،ﺑطﻠت
ﻣﻌﻪ ﻗوة اﻟﻬﺿم وﻣراءة اﻟطﻌﺎم واﻟﺷراب :ﻓﻛﺎن ﻻ ﯾﻧﺳﺎغ ﻟﻲ ﺛرﯾد ،وﻻ ﺗﻧﻬﺿم ) ﻟﻲ (
ﻟﻘﻣﺔ ؛ وﺗﻌدى إﻟﻰ ﺿﻌف اﻟﻘوى ،ﺣﺗﻰ ﻗطﻊ اﻷطﺑﺎء طﻣﻌﻬم ﻣن اﻟﻌﻼج وﻗﺎﻟوا )) :ﻫذا
أﻣر ﻧـزل ﺑﺎﻟﻘﻠب ،وﻣﻧﻪ ﺳرى إﻟﻰ اﻟﻣزاج ،ﻓﻼ ﺳﺑﯾل إﻟﯾﻪ ﺑﺎﻟﻌﻼج ،إﻻ ﺑﺄن ﯾﺗروح اﻟﺳر
ﻋن اﻟﻬم اﻟﻣﻠم ((.
ﺛم ﻟﻣﺎ أﺣﺳﺳت ﺑﻌﺟزي ،وﺳﻘط ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺔ اﺧﺗﯾﺎري ،اﻟﺗﺟﺄت إﻟﻰ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﺗﺟﺎء
اﻟﻣﺿطر اﻟذي ﻻ ﺣﯾﻠﺔ ﻟﻪ ،ﻓﺄﺟﺎﺑﻧﻲ اﻟذي )) ﯾﺟﯾب اﻟﻣﺿطر إذا دﻋﺎﻩ (( ،وﺳﻬل
ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺑﻲ اﻹﻋراض ﻋن اﻟﺟﺎﻩ واﻟﻣﺎل )واﻷﻫل واﻟوﻟد واﻷﺻﺣﺎب( ،وأظﻬرت ﻋزم
أدﺑر ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻲ ﺳﻔر اﻟﺷﺎم ﺣذ اًر أن ﯾطﻠﻊ اﻟﺧﻠﯾﻔﺔ وﺟﻣﻠﺔ اﻷﺻﺣﺎب
اﻟﺧروج إﻟﻰ ﻣﻛﺔ وأﻧﺎ ّ
ﻋﻠﻰ ﻋزﻣﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻘﺎم ﻓﻲ اﻟﺷﺎم ؛ ﻓﺗﻠطﻔت ﺑﻠطﺎﺋف اﻟﺣﯾل ﻓﻲ اﻟﺧروج ﻣن ﺑﻐداد ﻋﻠﻰ
ﻋزم أن ﻻ أﻋﺎودﻫﺎ أﺑدًا .واﺳﺗﻬدﻓت ﻷﺋﻣﺔ أﻫل اﻟﻌراق ﻛﺎﻓﺔ ،إذ ﻟم ﯾﻛن ﻓﯾﻬم ﻣن ﯾﺟوز
دﯾﻧﻲ ،إذ ظﻧوا أن ذﻟك ﻫو اﻟﻣﻧﺻب اﻷﻋﻠﻰ ﻓﻲ
أن ﯾﻛون ﻟﻺﻋراض ﻋﻣﺎ ﻛﻧت ﻓﯾﻪ ﺳﺑب ّ
اﻟدﯾن ،وﻛﺎن ذﻟك ﻣﺑﻠﻐﻬم ﻣن اﻟﻌﻠم.
اﻟﺳﺎﻟﻛون ﻟطرﯾق اﷲ ) ﺗﻌﺎﻟﻰ ( ﺧﺎﺻﺔ ،وأن ﺳﯾرﺗﻬم أﺣﺳن اﻟﺳﯾر ،وطرﯾﻘﻬم أﺻوب
اﻟطرق ،وأﺧﻼﻗﻬم أزﻛﻰ اﻷﺧﻼق .ﺑل ﻟو ُﺟﻣﻊ ﻋﻘل اﻟﻌﻘﻼء ،وﺣﻛﻣﺔ اﻟﺣﻛﻣﺎء ،وﻋﻠم
اﻟواﻗﻔﯾن ﻋﻠﻰ أﺳرار اﻟﺷرع ﻣن اﻟﻌﻠﻣﺎء ،ﻟﯾﻐﯾروا ﺷﯾﺋًﺎ ﻣن ﺳﯾرﻫم وأﺧﻼﻗﻬم ،وﯾﺑدﻟوﻩ ﺑﻣﺎ
ﻼ .ﻓﺈن ﺟﻣﯾﻊ ﺣرﻛﺎﺗـﻬم وﺳﻛﻧﺎﺗـﻬم ،ﻓﻲ ظﺎﻫرﻫم
ﻫو ﺧﯾر ﻣﻧﻪ ،ﻟم ﯾﺟدوا إﻟﯾﻪ ﺳﺑﯾ ً
وﺑﺎطﻧﻬم ،ﻣﻘﺗﺑﺳﺔ ﻣن ) ﻧور ( ﻣﺷﻛﺎة اﻟﻧﺑوة ؛ وﻟﯾس وراء ﻧور اﻟﻧﺑوة ﻋﻠﻰ وﺟﻪ اﻷرض
ﻧور ﯾﺳﺗﺿﺎء ﺑﻪ.
وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ،ﻓﻣﺎذا ﯾﻘول اﻟﻘﺎﺋﻠون ﻓﻲ طرﯾﻘﺔ ،طﻬﺎرﺗـﻬﺎ -وﻫﻲ أول ﺷروطﻬﺎ -ﺗطﻬﯾر
اﻟﻘﻠب ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺔ ﻋﻣﺎ ﺳوى اﷲ ) ﺗﻌﺎﻟﻰ ( ،وﻣﻔﺗﺎﺣﻬﺎ اﻟﺟﺎري ﻣﻧﻬﺎ ﻣﺟرى اﻟﺗﺣرﯾم ﻣن
اﻟﺻﻼة ،اﺳﺗﻐراق اﻟﻘﻠب ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺔ ﺑذﻛر اﷲ ،وآﺧرﻫﺎ اﻟﻔﻧﺎء ﺑﺎﻟﻛﻠﯾﺔ ﻓﻲ اﷲ؟ وﻫذا آﺧرﻫﺎ
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﻛﺎد ﯾدﺧل ﺗﺣت اﻻﺧﺗﯾﺎر واﻟﻛﺳب ﻣن أواﺋﻠﻬﺎ .وﻫﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣﻘﯾق أول
اﻟطرﯾﻘﺔ ،وﻣﺎ ﻗﺑل ذﻟك ﻛﺎﻟدﻫﻠﯾز ﻟﻠﺳﺎﻟك إﻟﯾﻪ.
وﻣن أول اﻟطرﯾﻘﺔ ﺗﺑﺗدئ اﻟﻣﻛﺎﺷﻔﺎت ) واﻟﻣﺷﺎﻫدات ( ،ﺣﺗﻰ أﻧـﻬم ﻓﻲ ﯾﻘظﺗﻬم ﯾﺷﺎﻫدون
اﻟﻣﻼﺋﻛﺔ ،وأرواح اﻷﻧﺑﯾﺎء وﯾﺳﻣﻌون ﻣﻧﻬم أﺻواﺗﺎً وﯾﻘﺗﺑﺳون ﻣﻧﻬم ﻓواﺋد .ﺛم ﯾﺗرﻗﻰ اﻟﺣﺎل
ﻣن ﻣﺷﺎﻫدة اﻟﺻور واﻷﻣﺛﺎل ،إﻟﻰ درﺟﺎت ﯾﺿﯾق ﻋﻧﻬﺎ ﻧطﺎق اﻟﻧطق ،ﻓﻼ ﯾﺣﺎول ﻣﻌﺑر
أن ﯾﻌﺑر ﻋﻧﻬﺎ إﻻ اﺷﺗﻣل ﻟﻔظﻪ ﻋﻠﻰ ﺧطﺄ ﺻرﯾﺢ ﻻ ﯾﻣﻛﻧﻪ اﻻﺣﺗراز ﻋﻧﻪ.
وﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ .ﯾﻧﺗﻬﻲ اﻷﻣر إﻟﻰ ﻗرب ﯾﻛﺎد ﯾﺗﺧﯾل ﻣﻧﻪ طﺎﺋﻔﺔ اﻟﺣﻠول ،وطﺎﺋﻔﺔ اﻻﺗﺣﺎد ،
وطﺎﺋﻔﺔ اﻟوﺻول ،وﻛل ذﻟك ﺧطﺄ .وﻗد ﺑﯾﻧﺎ وﺟﻪ اﻟﺧطﺄ ﻓﯾﻪ ﻓﻲ ﻛﺗﺎب )) اﻟﻣﻘﺻد اﻷﺳﻧﻰ
(( ؛ ﺑل اﻟذي ﻻﺑﺳﺗﻪ ﺗﻠك اﻟﺣﺎﻟﺔ ﻻ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾزﯾد ﻋﻠﻰ أن ﯾﻘول :
[97]97
ِ
اﻟﺧﺑر! ﱠ
ﻓظن ﺧﯾ اًر وﻻ ﺗﺳﺄل ﻋن ﻟﺳت أذﻛرﻩ
وﻛﺎن ﻣﺎ ﻛﺎن ﻣﻣﺎ ُ
وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ ،ﻓﻣن ﻟم ﯾرزق ﻣﻧﻪ ﺷﯾﺋﺎً ﺑﺎﻟذوق ،ﻓﻠﯾس ﯾدرك ﻣن ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻧﺑوة إﻻ اﻻﺳم ،
وﻛراﻣﺎت اﻷوﻟﯾﺎء ] ،ﻫﻲ [ ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣﻘﯾق ،ﺑداﯾﺎت اﻷﻧﺑﯾﺎء ،وﻛﺎن ذﻟك أول ﺣﺎل رﺳول
اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،ﺣﯾن أﻗﺑل إﻟﻰ ﺟﺑل )) ﺣراء (( ،ﺣﯾث ﻛﺎن ﯾﺧﻠو ﻓﯾﻪ ﺑرﺑﻪ
وﯾﺗﻌﺑد ،ﺣﺗﻰ ﻗﺎﻟت اﻟﻌرب )) :إن ﻣﺣﻣداً ﻋﺷق رﺑﻪ!((.
وﻫذﻩ ﺣﺎﻟﺔ ،ﯾﺗﺣﻘﻘﻬﺎ ﺑﺎﻟذوق ﻣن ﯾﺳﻠك ﺳﺑﯾﻠﻬﺎ .ﻓﻣن ﻟم ﯾرزق اﻟذوق ،ﻓﯾﺗﯾﻘﻧﻬﺎ ﺑﺎﻟﺗﺟرﺑﺔ
واﻟﺗﺳﺎﻣﻊ ،إن أﻛﺛر ﻣﻌﻬم اﻟﺻﺣﺑﺔ ،ﺣﺗﻰ ﯾﻔﻬم ذﻟك ﺑﻘراﺋن اﻷﺣوال ﯾﻘﯾﻧًﺎ .وﻣن ﺟﺎﻟﺳﻬم
،اﺳﺗﻔﺎد ﻣﻧﻬم ﻫذا اﻹﯾﻣﺎن .ﻓﻬم اﻟﻘوم ﻻ ﯾﺷﻘﻰ ﺟﻠﯾﺳﻬم .وﻣن ﻟم ﯾرزق ﺻﺣﺑﺗﻬم ،ﻓﻠﯾﻌﻠم
إﻣﻛﺎن ذﻟك ﯾﻘﯾﻧًﺎ ﺑﺷواﻫد اﻟﺑرﻫﺎن ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ذﻛرﻧﺎﻩ ﻓﻲ ﻛﺗﺎب )) ﻋﺟﺎﺋب اﻟﻘﻠب (( ﻣن
ﻛﺗب )) إﺣﯾﺎء ﻋﻠوم اﻟدﯾن ((.
واﻟﺗﺣﻘﯾق ﺑﺎﻟﺑرﻫﺎن ﻋﻠم ،وﻣﻼﺑﺳﺔ ﻋﯾن ﺗﻠك اﻟﺣﺎﻟﺔ ذوق ،واﻟﻘﺑول ﻣن اﻟﺗﺳﺎﻣﻊ واﻟﺗﺟرﺑﺔ
ﺑﺣﺳن اﻟظن إﯾﻣﺎن .ﻓﻬذﻩ ﺛﻼث درﺟﺎت :
ﯾرﻓﻊ اﷲ اﻟذﯾن آﻣﻧوا ﻣﻧﻛم واﻟذﯾن أوﺗوا اﻟﻌﻠم در ٍ
ﺟﺎت (( )) ِ
)اﻟﻣﺟﺎدﻟﺔ(11 :58 :
ووراء ﻫؤﻻء ﻗوم ﺟﻬﺎل ،ﻫم اﻟﻣﻧﻛرون ﻷﺻل ذﻟك ،اﻟﻣﺗﻌﺟﺑون ﻣن ﻫذا اﻟﻛﻼم ،
ﯾﺳﺗﻣﻌون وﯾﺳﺧرون ،وﯾﻘوﻟون :اﻟﻌﺟب ! أﻧـﻬم ﻛﯾف ﯾﻬذون ! وﻓﻬﯾم ﻗﺎل اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ :
ﻣن ﺧﺎﺻﯾﺔ ﯾﻘر ﺑـﻬﺎ .وﻗد ﻗرب اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﺧﻠﻘﻪ ﺑﺄن أﻋطﺎﻫم ﻧﻣوذﺟًﺎ
[99]99
ﯾﻔﻬﻣﻬﺎ وﻟم ّ
اﻟﻧﺑوة ،وﻫو اﻟﻧوم :إذ اﻟﻧﺎﺋم ﯾدرك ﻣﺎ ﺳﯾﻛون ﻣن اﻟﻐﯾب ،إﻣﺎ ﺻرﯾﺣﺎً ٕواﻣﺎ ﻓﻲ ﻛﺳوة
ﻣﺛﺎل ﯾﻛﺷف ﻋﻧـﻪ اﻟﺗﻌﺑﯾر .وﻫذا ﻟو ﻟم ﯾﺟرﺑﻪ اﻹﻧﺳﺎن ﻣن ﻧﻔﺳﻪ -وﻗﯾل ﻟﻪ )) :إن ﻣن
اﻟﻧﺎس ﻣن ﯾﺳﻘط ﻣﻐﺷﯾًﺎ ﻋﻠﯾﻪ ﻛﺎﻟﻣﯾت ،وﯾزول ) ﻋﻧﻪ ( إﺣﺳﺎﺳﻪ وﺳﻣﻌﻪ وﺑﺻرﻩ ﻓﯾدرك
اﻟﻐﯾب – (( .ﻷﻧﻛرﻩ ،وأﻗﺎم اﻟﺑرﻫﺎن ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﻪ ،وﻗﺎل )) :اﻟﻘوى اﻟﺣﺳﺎﺳﺔ أﺳﺑﺎب
اﻹدراك ،ﻓﻣن ﻻ ﯾدرك اﻷﺷﯾﺎء ﻣﻊ وﺟودﻫﺎ وﺣﺿورﻫﺎ ،ﻓﺑﺄن ﻻ ﯾدرك ﻣﻊ رﻛودﻫﺎ أوﻟﻰ
وأﺣق ((.وﻫذا ﻧوع ﻗﯾﺎس ﯾﻛذﺑﻪ اﻟوﺟود واﻟﻣﺷﺎﻫدة .ﻓﻛﻣﺎ أن اﻟﻌﻘل طور ﻣن أطوار
اﻵدﻣﻲ ،ﯾﺣﺻل ﻓﯾﻪ ﻋﯾن ﯾﺑﺻر ﺑـﻬﺎ أﻧواﻋﺎً ﻣن اﻟﻣﻌﻘوﻻت ،واﻟﺣواس ﻣﻌزوﻟﺔ ﻋﻧﻬﺎ ،
ﻓﺎﻟﻧﺑوة أﯾﺿًﺎ ﻋﺑﺎرة ﻋن طور ﯾﺣﺻل ﻓﯾﻪ ﻋﯾن ﻟﻬﺎ ﻧور ﯾظﻬر ﻓﻲ ﻧورﻫﺎ اﻟﻐﯾب ،وأﻣور ﻻ
ﯾدرﻛﻬﺎ اﻟﻌﻘل.
واﻟﺷك ﻓﻲ اﻟﻧﺑوة ،إﻣﺎ أن ﯾﻘﻊ :ﻓﻲ إﻣﻛﺄﻧـﻬﺎ ،أو ﻓﻲ وﺟودﻫﺎ ووﻗوﻋﻬﺎ ،أو ﻓﻲ ﺣﺻوﻟﻬﺎ
ﻟﺷﺧص ﻣﻌﯾن.
ودﻟﯾل إﻣﻛﺄﻧـﻬﺎ وﺟودﻫﺎ .ودﻟﯾل وﺟودﻫﺎ وﺟود ﻣﻌﺎرف ﻓﻲ اﻟﻌﺎﻟم ﻻ ﯾﺗﺻور أن ﺗﻧﺎل ﺑﺎﻟﻌﻘل
،ﻛﻌﻠم اﻟطب واﻟﻧﺟوم ؛ ﻓﺈن ﻣن ﺑﺣث ﻋﻧﻬﺎ ﻋﻠم ﺑﺎﻟﺿرورة أﻧﻬﺎ ﻻ ﺗدرك إﻻ ﺑﺈﻟﻬﺎم إﻟﻬﻲ
وﺗوﻓﯾق ﻣن ﺟﻬﺔ اﷲ ) ﺗﻌﺎﻟﻰ ( ،وﻻ ﺳﺑﯾل إﻟﯾﻬﺎ ﺑﺎﻟﺗﺟرﺑﺔ .ﻓﻣن اﻷﺣﻛﺎم اﻟﻧﺟوﻣﯾﺔ ﻣﺎ ﻻ
ﯾﻘﻊ إﻻ ﻓﻲ ﻛل أﻟف ﺳﻧﺔ ﻣرة ،ﻓﻛﯾف ﯾﻧﺎل ذﻟك ﺑﺎﻟﺗﺟرﺑﺔ ؟ وﻛذﻟك ﺧواص اﻷدوﯾﺔ .ﻓﺗﺑﯾن
ﺑـﻬذا اﻟﺑرﻫﺎن أن ﻓﻲ اﻹﻣﻛﺎن وﺟود طرﯾق ﻹدراك ﻫذﻩ اﻷﻣور اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾدرﻛﻬﺎ اﻟﻌﻘل -
وﻫو اﻟﻣراد ﺑﺎﻟﻧﺑوة -ﻻ أن اﻟﻧﺑوة ﻋﺑﺎرة ﻋﻧﻬﺎ ﻓﻘط ،ﺑل إدراك ﻫذا اﻟﺟﻧس اﻟﺧﺎرج ﻋن
ﻣدرﻛﺎت اﻟﻌﻘل إﺣدى ﺧواص اﻟﻧﺑوة ،وﻟﻬﺎ ﺧواص ﻛﺛﯾرة ﺳواﻫﺎ .وﻣﺎ ذﻛرﻧﺎ ،ﻓﻘطرة ﻣن
ﺑﺣرﻫﺎ ؛ إﻧﻣﺎ ذﻛرﻧﺎﻫﺎ ﻷن ﻣﻌك أُﻧﻣوذﺟًﺎ ﻣﻧﻬﺎ ،وﻫو ﻣدرﻛﺎﺗك ﻓﻲ اﻟﻧوم ؛ وﻣﻌك ﻋﻠوم
ﻣن ﺟﻧﺳﻬﺎ ﻓﻲ اﻟطب واﻟﻧﺟوم ،وﻫﻲ ﻣﻌﺟزات اﻷﻧﺑﯾﺎء ) ﻋﻠﯾﻬم اﻟﺻﻼة واﻟﺳﻼم ( ،وﻻ
ﻼ.
ﺳﺑﯾل إﻟﯾﻬﺎ ﻟﻠﻌﻘﻼء ﺑﺑﺿﺎﻋﺔ اﻟﻌﻘل أﺻ ً
وأﻣﺎ ﻣﺎ ﻋدا ﻫذا ﻣن ﺧواص اﻟﻧﺑوة ،ﻓﺈﻧﻣﺎ ﯾدرك ﺑﺎﻟذوق ،ﻣن ﺳﻠوك طرﯾق اﻟﺗﺻوف ؛
ﻷن ﻫذا إﻧﻣﺎ ﻓﻬﻣﺗﻪ ﺑﺄﻧﻣوذج رزﻗﺗﻪ وﻫو اﻟﻧوم ،وﻟوﻻﻩ ﻟﻣﺎ ﺻدﻗت ﺑﻪ .ﻓﺈن ﻛﺎن ﻟﻠﻧﺑﻲ
ﻼ ،ﻓﻛﯾف ﺗﺻدق ﺑـﻬﺎ ؟ ٕواﻧﻣﺎ اﻟﺗﺻدﯾق
ﺧﺎﺻﺔ ﻟﯾس ﻟك ﻣﻧﻬﺎ أﻧﻣوذج ،وﻻ ﺗﻔﻬﻣﻬﺎ أﺻ ً
ﺑﻌد اﻟﻔﻬم :وذﻟك اﻷﻧﻣوذج ﯾﺣﺻل ﻓﻲ أواﺋل طرﯾق اﻟﺗﺻوف ﻓﯾﺣﺻل ﺑﻪ ﻧوع ﻣن اﻟذوق
ﺑﺎﻟﻘدر اﻟﺣﺎﺻل وﻧوع ﻣن اﻟﺗﺻدﯾق ﺑﻣﺎ ﻟم ﯾﺣﺻل ﺑﺎﻟﻘﯾﺎس ) إﻟﯾﻪ ( .ﻓﻬذﻩ اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ
اﻟواﺣدة ﺗﻛﻔﯾك ﻟﻺﯾﻣﺎن ﺑﺄﺻل اﻟﻧﺑوة.
ﻓﺈن وﻗﻊ ﻟك اﻟﺷك ﻓﻲ ﺷﺧص ﻣﻌﯾن ،أﻧﻪ ﻧﺑﻲ أم ﻻ ،ﻓﻼ ﯾﺣﺻل اﻟﯾﻘﯾن إﻻ ﺑﻣﻌرﻓﺔ
أﺣواﻟﻪ ،إﻣﺎ ﺑﺎﻟﻣﺷﺎﻫدة ،أو ﺑﺎﻟﺗواﺗر واﻟﺗﺳﺎﻣﻊ ؛ ﻓﺈﻧك إذا ﻋرﻓت اﻟطب واﻟﻔﻘﻪ ،ﯾﻣﻛﻧك
أن ﺗﻌرف اﻟﻔﻘﻬﺎء واﻷطﺑﺎء ﺑﻣﺷﺎﻫدة أﺣواﻟﻬم ،وﺳﻣﺎع أﻗواﻟﻬم ٕ ،وان ﻟم ﺗﺷﺎﻫدﻫم ؛ وﻻ
ﺗﻌﺟز أﯾﺿﺎً ﻋن ﻣﻌرﻓﺔ ﻛون اﻟﺷﺎﻓﻌﻲ ) رﺣﻣﻪ اﷲ ( ﻓﻘﯾﻬًﺎ ،وﻛون ﺟﺎﻟﯾﻧوس طﺑﯾﺑًﺎ ،
ﻣﻌرﻓﺔ ﺑﺎﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ﻻ ﺑﺎﻟﺗﻘﻠﯾد ﻋن اﻟﻐﯾر ] ،ﺑل [ ﺑﺄن ﺗﺗﻌﻠم ﺷﯾﺋًﺎ ﻣن اﻟﻔﻘﻪ واﻟطب وﺗطﺎﻟﻊ
ﻛﺗﺑﻬﻣﺎ وﺗﺻﺎﻧﯾﻔﻬﻣﺎ ،ﻓﯾﺣﺻل ﻟك ﻋﻠم ﺿروري ﺑﺣﺎﻟﻬﻣﺎ .ﻓﻛذﻟك إذا ﻓﻬﻣت ﻣﻌﻧﻰ اﻟﻧﺑوة
ﻓﺄﻛﺛرت اﻟﻧظر ﻓﻲ اﻟﻘرآن واﻷﺧﺑﺎر ،ﯾﺣﺻل ﻟك اﻟﻌﻠم اﻟﺿروري ﺑﻛوﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ
وﺳﻠم ﻋﻠﻰ أﻋﻠﻰ درﺟﺎت اﻟﻧﺑوة ،وأﻋﺿد ذﻟك ﺑﺗﺟرﺑﺔ ﻣﺎ ﻗﺎﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻌﺑﺎدات وﺗﺄﺛﯾرﻫﺎ ﻓﻲ
ﺗﺻﻔﯾﺔ اﻟﻘﻠوب ،وﻛﯾف ﺻدق ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻓﻲ ﻗوﻟﻪ:
[100]100
)) ﻣن ﻋﻣل ﺑﻣﺎ ﻋﻠم ورﺛﻪُ اﷲ ﻋﻠم ﻣﺎ ﻟم ﯾﻌﻠم ((
وﻛﯾف ﺻدق ﻓﻲ ﻗوﻟﻪ:
[101]101 )) ﻣن أﻋﺎن ظﺎﻟﻣﺎً ﺳﻠطﻪ اﷲ ِ
ﻋﻠﯾﻪ (( ُ
وﻛﯾف ﺻدق ﻓﻲ ﻗوﻟﻪ:
وم اﻟدﻧﯾﺎ واﻵﺧرِة ((.[102]102
اﺣد ﻛﻔﺎﻩ اﷲ ) ﺗﻌﺎﻟﻰ ( ُﻫ ُﻣ َ
وﻣ ُﻪ ﻫ ﱞم و ٌ
وﻫ ُﻣ ُ
)) ﻣن اﺻﺑﺢ ُ
ﻓﺈذا ﺟرﺑت ذﻟك ﻓﻲ أﻟف وأﻟﻔﯾن وآﻻف ،ﺣﺻل ﻟك ﻋﻠم ﺿروري ﻻ ﺗﺗﻣﺎرى ﻓﯾﻪ.
ﻓﻣن ﻫذا اﻟطرﯾق اطﻠب اﻟﯾﻘﯾن ﺑﺎﻟﻧﺑوة ،ﻻ ﻣن ﻗﻠب اﻟﻌﺻﺎ ﺛﻌﺑﺎﻧًﺎ ،وﺷق اﻟﻘﻣر ،ﻓﺈن
ذﻟك إذا ﻧظرت إﻟﯾﻪ وﺣدﻩ ،وﻟم ﺗﻧﺿم إﻟﯾﻪ اﻟﻘراﺋن اﻟﻛﺛﯾرة اﻟﺧﺎرﺟﺔ ﻋن اﻟﺣﺻر ،ورﺑﻣﺎ
ظﻧﻧت أﻧﻪ ﺳﺣر وﺗﺧﯾﯾل ،وأﻧﻪ ﻣن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ إﺿﻼل ﻓﺄﻧﻪ
اﻹﻋر ِ
اض َﻋﻧـﻪ د
ْ ﺑﻌ م ﻠ
ْ ﺳﺑب ﻧﺷر ِ
اﻟﻌ
َ َ ََ
ﺛم إﻧﻲ ،ﻟﻣﺎ واظﺑت ﻋﻠﻰ اﻟﻌزﻟﺔ واﻟﺧﻠوة ﻗرﯾﺑﺎً ﻣن ﻋﺷر ﺳﻧﯾن ،ﺑﺎن ﻟﻲ ﻓﻲ أﺛﻧﺎء ذﻟك
ﻋﻠﻰ اﻟﺿرورة ﻣن أﺳﺑﺎب ﻻ أﺣﺻﯾﻬﺎ ،ﻣرة ﺑﺎﻟذوق ،وﻣرة ﺑﺎﻟﻌﻠم اﻟﺑرﻫﺎﻧﻲ ،وﻣرة ﺑﺎﻟﻘﺑول
-وأﻋﻧﻲ ﺑﺎﻟﻘﻠب ﺣﻘﯾﻘﺔ روﺣﻪ اﻟﺗﻲ ﻫﻲ [103]103
اﻹﯾﻣﺎﻧﻲ :أن اﻹﻧﺳﺎن ﺧﻠق ﻣن ﺑدن وﻗﻠب
ﻣﺣل ﻣﻌرﻓﺔ اﷲ ،دون اﻟﻠﺣم واﻟدم اﻟذي ﯾﺷﺎرك ﻓﯾﻪ اﻟﻣﯾت واﻟﺑﻬﯾﻣﺔ ، -وأن اﻟﺑدن ﻟﻪ
ﺻﺣﺔ ﺑـﻬﺎ ﺳﻌﺎدﺗﻪ وﻣرض ﻓﯾﻪ ﻫﻼﻛﻪ ؛ وأن اﻟﻘﻠب ﻛذﻟك ﻟﻪ ﺻﺣﺔ وﺳﻼﻣﺔ ،وﻻ ﯾﻧﺟو ))
إﻻ ﻣن أﺗﻰ اﷲ ﺑﻘﻠب ﺳﻠﯾم (( )اﻟﺷﻌراء (89:؛ وﻟﻪ ﻣرض ﻓﯾﻪ ﻫﻼﻛﻪ اﻷﺑدي اﻷﺧروي ،
)اﻟﺑﻘرة (10:وأن اﻟﺟﻬل ﺑﺎﷲ ﺳم ﻣﻬﻠك ؛ ﻣرض ((
ٌ
[104]104
ﻛﻣﺎ ﻗﺎل ﺗﻌﺎﻟﻰ )) :ﻓﻲ ﻗﻠوﺑـﻬم
وأن ﻣﻌﺻﯾﺔ اﷲ ،ﺑﻣﺗﺎﺑﻌﺔ اﻟﻬوى ،داؤﻩ اﻟﻣﻣرض ،وأن ﻣﻌرﻓﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺗرﯾﺎﻗﻪ اﻟﻣﺣﯾﻲ
،وطﺎﻋﺗﻪ ﺑﻣﺧﺎﻟﻔﺔ اﻟﻬوى ،دواؤﻩ اﻟﺷﺎﻓﻲ ؛ وأﻧﻪ ﻻ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ ﻣﻌﺎﻟﺟﺗﺔ ﺑﺎزاﻟﺔ ﻣرﺿﻪ
وﻛﺳب ﺻﺣﺗﻪ ،اﻻ ﺑﺄدوﯾﺔ ؛ ﻛﻣﺎ ﻻ ﺳﺑﯾل إﻟﻰ ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟﺑدن إﻻ ﺑذﻟك .وﻛﻣﺎ أن أدوﯾﺔ
اﻟﺑدن ﺗؤﺛر ﻓﻲ ﻛﺳب اﻟﺻﺣﺔ ﺑﺧﺎﺻﯾﺔ ﻓﯾﻬﺎ ،ﻻ ﯾدرﻛﻬﺎ اﻟﻌﻘﻼء ﺑﺑﺿﺎﻋﺔ اﻟﻌﻘل ،ﺑل
ﯾﺟب ﻓﯾﻬﺎ ﺗﻘﻠﯾد اﻷطﺑﺎء اﻟذﯾن أﺧذوﻫﺎ ﻣن اﻷﻧﺑﯾﺎء ،اﻟذﯾن اطﻠﻌوا ﺑﺧﺎﺻﯾﺔ اﻟﻧﺑوة ﻋﻠﻰ
ﺧواص اﻷﺷﯾﺎء ،ﻓﻛذﻟك ﺑﺎن ﻟﻲ ،ﻋﻠﻰ اﻟﺿرورة ،ﺑﺄن أدوﯾﺔ اﻟﻌﺑﺎدات ﺑﺣدودﻫﺎ
وﻣﻘﺎدﯾرﻫﺎ اﻟﻣﺣدودة اﻟﻣﻘدرة ﻣن ﺟﻬﺔ اﻷﻧﺑﯾﺎء ،ﻻ ﯾدرك وﺟﻪ ﺗﺄﺛﯾرﻫﺎ ﺑﺑﺿﺎﻋﺔ ﻋﻘل
اﻟﻌﻘﻼء ،ﺑل ﯾﺟب ﻓﯾﻬﺎ ﺗﻘﻠﯾد اﻷﻧﺑﯾﺎء اﻟذﯾن أدرﻛوا ﺗﻠك اﻟﺧواص ﺑﻧور اﻟﻧﺑوة ،ﻻ ﺑﺑﺿﺎﻋﺔ
اﻟﻌﻘل .وﻛﻣﺎ أن اﻷدوﯾﺔ ﺗرﻛب ﻣن ) أﺧﻼط ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ ( اﻟﻧوع واﻟﻣﻘدار وﺑﻌﺿﻬﺎ ﺿﻌف
اﻟﺑﻌض ﻓﻲ اﻟوزن واﻟﻣﻘدار ،ﻓﻼ ﯾﺧﻠو اﺧﺗﻼف ﻣﻘﺎدﯾرﻫﺎ ﻋن ﺳر ﻫو ﻣن ﻗﺑﯾل اﻟﺧواص
،ﻓﻛذﻟك اﻟﻌﺑﺎدات اﻟﺗﻲ ﻫﻲ أدوﯾﺔ داء اﻟﻘﻠوب ،ﻣرﻛﺑﺔ ﻣن أﻓﻌﺎل ﻣﺧﺗﻠﻔﺔ اﻟﻧوع واﻟﻣﻘدار ،
ﺣﺗﻰ أن اﻟﺳﺟود ﺿﻌف اﻟرﻛوع ،وﺻﻼة اﻟﺻﺑﺢ ﻧﺻف ﺻﻼة اﻟﻌﺻر ﻓﻲ اﻟﻣﻘدار ؛ وﻻ
ﯾﺧﻠو ﻋن ﺳر ﻣن اﻻﺳرار ،ﻫو ﻣن ﻗﺑﯾل اﻟﺧواص اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾطﻠﻊ ﻋﻠﯾﻬﺎ اﻻ ﺑﻧور اﻟﻧﺑوة.
وﻟﻘد ﺗﺣﺎﻣق وﺗﺟﺎﻫل ﺟدًا ﻣن أراد أن ﯾﺳﺗﻧﺑط ،ﺑطرﯾق اﻟﻌﻘل ،ﻟﻬﺎ ﺣﻛﻣﺔ ،أو ظن أﻧﻬﺎ
ذﻛرت ﻋﻠﻰ اﻻﺗﻔﺎق ،ﻻ ﻋن ﺳر إﻟﻬﻲ ﻓﯾﻬﺎ ،ﯾﻘﺗﺿﯾﻬﺎ ﺑطرﯾق اﻟﺧﺎﺻﯾﺔ .وﻛﻣﺎ أن ﻓﻲ
ﻻ ﻫﻲ أرﻛﺄﻧـﻬﺎ ،وزواﺋد ﻫﻲ ﻣﺗﻣﻣﺎﺗﻬﺎ ،ﻟﻛل واﺣد ﻣﻧﻬﺎ ﺧﺻوص ﺗﺄﺛﯾر ﻓﻲ
اﻷدوﯾﺔ أﺻو ً
أﻋﻣﺎل أﺻوﻟﻬﺎ ،ﻛذﻟك اﻟﻧواﻓل واﻟﺳﻧن ﻣﺗﻣﻣﺎت ﻟﺗﻛﻣﯾل آﺛﺎر أرﻛﺎن اﻟﻌﺑﺎدات.
وﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣﻠﺔ :ﻓﺎﻷﻧﺑﯾﺎء ﻋﻠﯾﻬم اﻟﺳﻼم أطﺑﺎء أﻣراض اﻟﻘﻠوب ٕ ،واﻧﻣﺎ ﻓﺎﺋدة اﻟﻌﻘل وﺗﺻرﻓﻪ
ﻋرﻓﻧﺎ ذﻟك وﺷﻬد ﻟﻠﻧﺑوة ﺑﺎﻟﺗﺻدﯾق وﻟﻧﻔﺳﻪ ﺑﺎﻟﻌﺟز [105]105ﻋن درك ﻣﺎ ﯾدرك ﺑﻌﯾن اﻟﻧﺑوة
أن ّ
،وأﺧذ ﺑﺄﯾدﯾﻧﺎ وﺳﻠﻣﻧﺎ ) إﻟﯾﻬﺎ ( ﺗﺳﻠﯾم اﻟﻌﻣﯾﺎن إﻟﻰ اﻟﻘﺎﺋدﯾن ،وﺗﺳﻠﯾم اﻟﻣرﺿﻰ اﻟﻣﺗﺣﯾرﯾن
إﻟﻰ اﻷطﺑﺎء اﻟﻣﺷﻔﻘﯾن .ﻓﺈﻟﻰ ﻫﻬﻧﺎ ﻣﺟرى اﻟﻌﻘل وﻣﺧطﺎﻩ وﻫو ﻣﻌزول ﻋﻣﺎ ﺑﻌد ذﻟك ،إﻻ
ﻋن ﺗﻔﻬم ﻣﺎ ﯾﻠﻘﯾﻪ اﻟطﺑﯾب إﻟﯾﻪ.
ﻓﻬذﻩ أﻣور ﻋرﻓﻧﺎﻫﺎ ﺑﺎﻟﺿرورة اﻟﺟﺎرﯾﺔ ﻣﺟرى اﻟﻣﺷﺎﻫدة ،ﻓﻲ ﻣدة اﻟﺧﻠوة واﻟﻌزﻟﺔ.
ﺛم رأﯾﻧﺎ ﻓﺗور اﻻﻋﺗﻘﺎدات ﻓﻲ أﺻل اﻟﻧﺑوة ،ﺛم ﻓﻲ ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻧﺑوة ،ﺛم ﻓﻲ اﻟﻌﻣل ﺑﻣﺎ ﺷرﺣﺗﻪ
اﻟﻧﺑوة ،وﺗﺣﻘﻘﻧﺎ ﺷﯾوع ذﻟك ﺑﯾن اﻟﺧﻠق ؛ ﻓﻧظرت إﻟﻰ أﺳﺑﺎب ﻓﺗور اﻟﺧﻠق ،وﺿﻌف
إﯾﻣﺄﻧـﻬم ،ﻓﺈذا ﻫﻲ أرﺑﻌﺔ :
- 1ﺳﺑب ﻣن اﻟﺧﺎﺋﺿﯾن ﻓﻲ ﻋﻠم اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ؛
- 2وﺳﺑب ﻣن اﻟﺧﺎﺋﺿﯾن ﻓﻲ طرﯾق اﻟﺗﺻوف ؛
- 3وﺳﺑب ﻣن اﻟﻣﻧﺗﺳﺑﯾن اﻟﻰ دﻋوى اﻟﺗﻌﻠﯾم ؛
-4وﺳﺑب ﻣن ﻣﻌﺎﻣﻠﺔ اﻟﻣوﺳوﻣﯾن ﺑﺎﻟﻌﻠم ﻓﯾﻣﺎ ﺑﯾن اﻟﻧﺎس.
ﻓﺈﻧﻲ ﺗﺗﺑﻌت ﻣدةً آﺣﺎد اﻟﺧﻠق ،أﺳﺄ ُل ﻣن أن ﯾﻘﺻر ﻣﻧﻬم ﻓﻲ ﻣﺗﺎﺑﻌﺔ اﻟﺷرع ) واﺳﺄﻟﻪ (
ﻋن ﺷﺑﻬﺗﻪ وأﺑﺣث ﻋن ﻋﻘﯾدﺗﻪ وﺳرﻩ وﻗﻠت ﻟﻪ )) :ﻣﺎ ﻟك ﺗﻘﺻر ﻓﯾﻬﺎ ﻓﺈن ﻛﻧت ﺗؤﻣن
ﺑﺎﻵﺧرة وﻟﺳت ﺗﺳﺗﻌد ﻟﻬﺎ وﺗﺑﯾﻌﻬﺎ ﺑﺎﻟدﻧﯾﺎ ،ﻓﻬذﻩ ﺣﻣﺎﻗﺔ! ﻓﺈﻧك ﻻ ﺗﺑﯾﻊ اﻻﺛﻧﯾن ﺑواﺣد ،
ﻓﻛﯾف ﺗﺑﯾﻊ ﻣﺎ ﻻ ﻧـﻬﺎﯾﺔ ﻟﻪ ﺑﺄﯾﺎم ﻣﻌدودة؟ ٕوان ﻛﻧت ﻻ ﺗؤﻣن ،ﻓﺄﻧت ﻛﺎﻓر! ﻓدﺑر ﻧﻔﺳك
ﻓﻲ طﻠب اﻹﯾﻣﺎن ،واﻧظر ﻣﺎ ﺳﺑب ﻛﻔرك اﻟﺧﻔﻲ اﻟذي ﻫو ﻣذﻫﺑك ﺑﺎطﻧﺎً ،وﻫو ﺳﺑب
ﻼ ﺑﺎﻹﯾﻣﺎن وﺗﺷرﻓًﺎ ﺑذﻛر اﻟﺷرع ! ((.
ﺟرأﺗك ظﺎﻫ ًار ٕ ،وان ﻛﻧت ﻻ ﺗﺻرح ﺑﻪ ﺗﺟﻣ ً
ﻓﻘﺎﺋل ﯾﻘول )) :إن ﻫذا أﻣر ﻟو وﺟﺑت اﻟﻣﺣﺎﻓظﺔ ﻋﻠﯾﻪ ،ﻟﻛﺎن اﻟﻌﻠﻣﺎء أﺟدر ﺑذﻟك ؛
وﻓﻼن ﻣن اﻟﻣﺷﺎﻫﯾر ﺑﯾن اﻟﻔﺿﻼء ﻻ ﯾﺻﻠﻲ ،وﻓﻼن ﯾﺷرب اﻟﺧﻣر ،وﻓﻼن ﯾﺄﻛل أﻣوال
اﻷوﻗﺎف وأﻣوال اﻟﯾﺗﺎﻣﻰ ،وﻓﻼن ﯾﺄﻛل إدرار اﻟﺳﻠطﺎن وﻻ ﯾﺣﺗرز ﻋن اﻟﺣرام ،وﻓﻼن
ﯾﺄﺧذ اﻟرﺷوة ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺿﺎء واﻟﺷﻬﺎدة ! وﻫﻠم ﺟ ًار إﻟﻰ أﻣﺛﺎﻟﻪ(( .
وﻗﺎﺋل ﺛﺎن :ﯾدﻋﻲ ) ﻋﻠم ( اﻟﺗﺻوف ،وﯾزﻋم أﻧﻪ ﻗد ﺑﻠﻎ ﻣﺑﻠﻐﺎً ﺗرﻗّﻰ ﻋن اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﻰ
اﻟﻌﺑﺎدة!.
وﻗﺎﺋل ﺛﺎﻟث :ﯾﺗﻌﻠل ﺑﺷﺑﻬﺔ أﺧرى ﻣن ﺷﺑﻬﺎت أﻫل اﻹﺑﺎﺣﺔ!
وﻫؤﻻء ﻫم اﻟذﯾن ﺿﻠوا ﻋن اﻟﺗﺻوف.
، [106]106
وﻗﺎﺋل راﺑﻊ ﻟﻘﻲ أﻫل اﻟﺗﻌﻠﯾم ﻓﯾﻘول )) :اﻟﺣق ﻣﺷﻛل ،واﻟطرﯾق إﻟﯾﻪ ﻣﺗﻌﺳر
واﻻﺧﺗﻼف ﻓﯾﻪ ﻛﺛﯾر ،وﻟﯾس ﺑﻌض اﻟﻣذاﻫب أوﻟﻰ ﻣن ﺑﻌض ،وأدﻟﺔ اﻟﻌﻘول ﻣﺗﻌﺎرﺿﺔ ،
ﻓﻼ ﺛﻘﺔ ﺑرأي أﻫل اﻟرأي ،واﻟداﻋﻲ إﻟﻰ اﻟﺗﻌﻠﯾم ﻣﺗﺣﻛم ﻻ ﺣﺟﺔ ﻟﻪ ،ﻓﻛﯾف أدع اﻟﯾﻘﯾن
ﺑﺎﻟﺷك ؟ ((.
وﻗﺎﺋل ﺧﺎﻣس ﯾﻘول )) :ﻟﺳت أﻓﻌل ﻫذا ﺗﻘﻠﯾداً ،وﻟﻛﻧﻲ ﻗرأت ﻋﻠم اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ وأدرﻛت ﺣﻘﯾﻘﺔ
اﻟﻧﺑوة ٕ ،وان ﺣﺎﺻﻠﻬﺎ ﯾرﺟﻊ إﻟﻰ اﻟﺣﻛﻣﺔ واﻟﻣﺻﻠﺣﺔ ،وأن اﻟﻣﻘﺻود ﻣن ﺗﻌﺑداﺗـﻬﺎ :ﺿﺑط
ﻋوام اﻟﺧﻠق وﺗﻘﯾﯾدﻫم ﻋن اﻟﺗﻘﺎﺗل واﻟﺗﻧﺎزع واﻻﺳﺗرﺳﺎل ﻓﻲ اﻟﺷﻬوات ،ﻓﻣﺎ أﻧﺎ ﻣن اﻟﻌوام
اﻟﺟﻬﺎل ﺣﺗﻰ أدﺧل ﻓﻲ ﺣﺟر اﻟﺗﻛﻠﯾف ٕ ،واﻧﻣﺎ أﻧﺎ ﻣن اﻟﺣﻛﻣﺎء أﺗﺑﻊ اﻟﺣﻛﻣﺔ وأﻧﺎ ﺑﺻﯾر
ﺑـﻬﺎ ،ﻣﺳﺗﻐن ﻓﯾﻬﺎ ﻋن اﻟﺗﻘﻠﯾد ! ((.
ﻫذا ﻣﻧﺗﻬﻰ إﯾﻣﺎن ﻣن ﻗ أر ) ﻣذﻫب ( ﻓﻠﺳﻔﺔ اﻹﻟﻬﯾﯾن ﻣﻧﻬم ؛ وﺗﻌﻠم ذﻟك ﻣن ﻛﺗب اﺑن ﺳﯾﻧﺎ
وأﺑﻲ ﻧﺻر اﻟﻔﺎراﺑﻲ .وﻫؤﻻء ﻫم اﻟﻣﺗﺟﻣﻠون ﺑﺎﻹﺳﻼم.
ورﺑﻣﺎ ﺗرى اﻟواﺣد ﻣﻧﻬم ﯾﻘ أر اﻟﻘرآن ،وﯾﺣﺿر اﻟﺟﻣﺎﻋﺎت واﻟﺻﻠوات ،وﯾﻌظم اﻟﺷرﯾﻌﺔ
ﺑﻠﺳﺄﻧﻪ ،وﻟﻛﻧﻪ ﻣﻊ ذﻟك ﻻ ﯾﺗرك ﺷرب اﻟﺧﻣر ،وأﻧواﻋﺎً ﻣن اﻟﻔﺳق واﻟﻔﺟور! ٕواذا ﻗﯾل ﻟﻪ:
))إن ﻛﺎﻧت اﻟﻧﺑوة ﻏﯾر ﺻﺣﯾﺣﺔ ،ﻓﻠم ﺗﺻﻠﻲ ؟ (( ﻓرﺑﻣﺎ ﯾﻘول )) :ﻟرﯾﺎﺿﺔ اﻟﺟﺳد ،
وﻟﻌﺎدة أﻫل اﻟﺑﻠد ،وﺣﻔظ اﻟﻣﺎل واﻟوﻟد! (( .ورﺑﻣﺎ ﻗﺎل)) :اﻟﺷرﯾﻌﺔ ﺻﺣﯾﺣﺔ ،واﻟﻧﺑوة ﺣق!
ﻓﻠم ﺗﺷرب اﻟﺧﻣر؟ (( ﻓﯾﻘول )) :إﻧﻣﺎ ﻧـﻬﻲ ﻋن اﻟﺧﻣر ﻷﻧﻬﺎ ﺗورث اﻟﻌداوة
(( ﻓﯾﻘﺎلَ )) :
واﻟﺑﻐﺿﺎء ،وأﻧﺎ ﺑﺣﻛﻣﺗﻲ ﻣﺣﺗرز ﻋن ذﻟك ٕ ،واﻧﻲ أﻗﺻد ﺑﻪ ﺗﺷﺣﯾذ ﺧﺎطري ((.ﺣﺗﻰ أن
اﺑن ﺳﯾﻧﺎ ذﻛر ﻓﻲ وﺻﯾﺔ ﻟﻪ ﻛﺗب ﻓﯾﻬﺎ :أﻧﻪ ﻋﺎﻫد اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻛذا وﻛذا ،وأن ﯾﻌظم
اﻷوﺿﺎع اﻟﺷرﻋﯾﺔ ،وﻻ ﯾﻘﺻر ﻓﻲ اﻟﻌﺑﺎدات اﻟدﯾﻧﯾﺔ ،وﻻ ﯾﺷرب ﺗﻠﻬﯾًﺎ ﺑل ﺗداوﯾًﺎ وﺗﺷﺎﻓﯾًﺎ ؛
ﻓﻛﺎن ﻣﻧﺗﻬﻰ ﺣﺎﻟﺗﻪ ﻓﻲ ﺻﻔﺎء اﻹﯾﻣﺎن ،واﻟﺗزام اﻟﻌﺑﺎدات ،أن اﺳﺗﺛﻧﻰ ﺷرب اﻟﺧﻣر
ﻟﻐرض اﻟﺗﺷﺎﻓﻲ.
ﻓﻬذا إﯾﻣﺎن ﻣن ﯾدﻋﻲ اﻹﯾﻣﺎن ﻣﻧﻬم .وﻗد اﻧﺧدع ﺑـﻬم ﺟﻣﺎﻋﺔ ،وزادﻫم اﻧﺧداﻋﺎً ﺿﻌف
اﻋﺗراض اﻟﻣﻌﺗرﺿﯾن ﻋﻠﯾﻬم ،إذ اﻋﺗرﺿوا ﺑﻣﺟﺎﻫدة ﻋﻠم اﻟﻬﻧدﺳﺔ واﻟﻣﻧطق ،وﻏﯾر ذﻟك
ﻣﻣﺎ ﻫو ﺿروري ﻟﻬم ،ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺑﯾﻧﺎ ﻋﻠﺗﻪ ﻣن ﻗﺑل.
ﻓﻠﻣﺎ رأﯾت أﺻﻧﺎف اﻟﺧﻠق ﻗد ﺿﻌف إﯾـﻣﺄﻧـﻬم إﻟﻰ ﻫذا اﻟﺣد ﺑـﻬذﻩ اﻷﺳﺑﺎب ،ورأﯾت ﻧﻔﺳﻲ
ﻣﻠﺑﺔ ﺑﻛﺷف ﻫذﻩ اﻟﺷﺑﻬﺔ ،ﺣﺗﻰ ﻛﺎن إﻓﺿﺎح ﻫؤﻻء أﯾﺳر ﻋﻧدي ﻣن ﺷرﺑﺔ ﻣﺎء ،ﻟﻛﺛرة
ﺧوﺿﻲ ﻓﻲ ﻋﻠوﻣﻬم ] وطرﻗﻬم [ -أﻋﻧﻲ ] طرق [ اﻟﺻوﻓﯾﺔ واﻟﻔﻼﺳﻔﺔ واﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾﺔ
واﻟﻣﺗوﺳﻣﯾن ﻣن اﻟﻌﻠﻣﺎء ، -اﻧﻘدح ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻲ أن ذﻟك ﻣﺗﻌﯾن ﻓﻲ ﻫذا اﻟوﻗت ،ﻣﺣﺗوم.
ﻓﻣﺎذا ﺗﻐﻧﯾك اﻟﺧﻠوة واﻟﻌزﻟﺔ ،وﻗد ﻋم اﻟداء ،وﻣرض اﻷطﺑﺎء ،وأﺷرف اﻟﺧﻠق ﻋﻠﻰ
اﻟﻬﻼك؟ ﺛم ﻗﻠت ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻲ )) :ﻣﺗﻰ ﺗﺷﺗﻐل أﻧت ﺑﻛﺷف ﻫذﻩ اﻟﻐﻣﺔ وﻣﺻﺎدﻣﺔ ﻫذﻩ اﻟظﻠﻣﺔ
،واﻟزﻣﺎن زﻣﺎن اﻟﻔﺗرة ،واﻟدور دور اﻟﺑﺎطل ،وﻟو اﺷﺗﻐﻠت ﺑدﻋوة اﻟﺧﻠق ،ﻋن طرﻗﻬم
إﻟﻰ اﻟﺣق ،ﻟﻌﺎداك أﻫل اﻟزﻣﺎن ﺑﺄﺟﻣﻌﻬم ،وأﻧـﱠﻰ ﺗﻘﺎوﻣﻬم ﻓﻛﯾف ﺗﻌﺎﯾﺷﻬم ،وﻻ ﯾﺗم ذﻟك
إﻻ ﺑزﻣﺎن ﻣﺳﺎﻋد ،وﺳﻠطﺎن ﻣﺗدﯾن ﻗﺎﻫر؟ ((
ﻓﺗرﺧﺻت ﺑﯾﻧﻲ وﺑﯾن اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﺎﻻﺳﺗﻣرار ﻋﻠﻰ اﻟﻌزﻟﺔ ﺗﻌﻠﻼً ﺑﺎﻟﻌﺟز ﻋن إظﻬﺎر اﻟﺣق
ﺑﺎﻟﺣﺟﺔ .ﻓﻘدر اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ أن ﺣرك داﻋﯾﺔ ﺳﻠطﺎن اﻟوﻗت ﻣن ﻧﻔﺳﻪ ،ﻻ ﺑﺗﺣرﯾك ﻣن ﺧﺎرج.
ﻓﺄﻣر أﻣر إﻟزام ﺑﺎﻟﻧﻬوض إﻟﻰ ﻧﯾﺳﺎﺑور ،ﻟﺗدارك ﻫذﻩ اﻟﻔﺗرة .وﺑﻠﻎ اﻹﻟزام ﺣداً ﻛﺎن ﯾﻧﺗﻬﻲ ،
ﻟو أﺻررت ﻋﻠﻰ اﻟﺧﻼف ،إﻟﻰ ﺣد اﻟوﺣﺷﺔ .ﻓﺧطر ﻟﻲ أن ﺳﺑب اﻟرﺧﺻﺔ ﻗد ﺿﻌف ،
ﻓﻼ ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﯾﻛون ﺑﺎﻋﺛك ﻋﻠﻰ ﻣﻼزﻣﺔ اﻟﻌزﻟﺔ اﻟﻛﺳل واﻻﺳﺗراﺣﺔ ،وطﻠب ﻋز اﻟﻧﻔس
Generated by Foxit PDF Creator © Foxit Software
http://www.foxitsoftware.com For evaluation only.
وﺻوﻧﻬﺎ ﻋن أذى اﻟﺧﻠق ،وﻟم ﺗرﺧص ﻟﻧﻔﺳك ُﻋ ْﺳ َر ﻣﻌﺎﻧﺎة اﻟﺧﻠق ،واﷲ ﺳﺑﺣﺄﻧﻪ وﺗﻌﺎﻟﻰ
ﯾﻘول:
ﻧون )) ﺑﺳم اﷲ اﻟرﺣﻣن اﻟرﺣﯾم :اﻟمِ .
اﻟﻧﺎس أن ُﯾﺗرﻛوا أن ﯾﻘوﻟوا آﻣﻧًﺎ وﻫم ﻻ ُﯾ َﻔﺗَ َ
ُ ب
أﺣﺳ َ
َ
اﻟذﯾن ﻣن ﻗﺑﻠﻬم (( اﻵﯾﺔ )اﻟﻌﻧﻛﺑوت( 3-1 :
ﻓﺗﻧﺎ َوﻟﻘد ّ
وﯾﻘول ﻋز وﺟل ﻟرﺳوﻟﻪ وﻫو أﻋز ﺧﻠﻘﻪ:
ﻧﺻرﻧﺎ ؛ وﻻ
ُ ﻓﺻﺑروا ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ُﻛ ّذﺑوا وأُوذوا ،ﺣﺗﻰ أﺗﺎﻫم
ﻗﺑﻠك َ
ت ُرﺳ ٌل ﻣن َ
وﻟﻘد ُﻛ ّذَﺑ ْ
)) َ
ِ
ﻟﻛﻠﻣﺎت اﷲ ،وﻟﻘد ﺟﺎءك ﻣن ﻧﺑﺄ اﻟﻣرﺳﻠﯾن (( ) اﻷﻧﻌﺎم( 34: ﻣﺑ ّد َل
َ
وﯾﻘول ﻋز وﺟل )) :ﺑﺳم اﷲ اﻟرﺣﻣن اﻟرﺣﯾم :ﯾس واﻟﻘرآن اﻟﺣﻛﯾم (( ...إﻟﻰ ﻗوﻟﻪ ))
ِ
ﺑﺎﻟﻐﯾب (( ) .ﯾس( 11-1: ﺗﻧذر ﻣن اﺗﺑﻊ اﻟذﻛر وﺧﺷﻲ اﻟرﺣﻣن
إﻧﻣﺎ ُ
ﻓﺷﺎورت ﻓﻲ ذﻟك ﺟﻣﺎﻋﺔ ﻣن أرﺑﺎب اﻟﻘﻠوب واﻟﻣﺷﺎﻫدات ،ﻓﺎﺗﻔﻘوا ﻋﻠﻰ اﻹﺷﺎرة ﺑﺗرك
اﻟﻌزﻟﺔ ،واﻟﺧروج ﻣن اﻟزاوﯾﺔ ؛ واﻧﺿﺎف إﻟﻰ ذﻟك ﻣﻧﺎﻣﺎت ﻣن اﻟﺻﺎﻟﺣﯾن ﻛﺛﯾرة ﻣﺗواﺗرة ،
؛ ﻗدرﻫﺎ اﷲ ﺳﺑﺣﺄﻧﻪ ﻋﻠﻰ رأس ﻫذﻩ اﻟﻣﺎﺋﺔ
[107]107
ﺗﺷﻬد ﺑﺄن ﻫذﻩ اﻟﺣرﻛﺔ ﻣﺑدأ ﺧﯾر ورﺷد ّ
اﻟظن ﺑﺳﺑب ﻫذﻩ اﻟﺷﻬﺎدات وﻗد وﻋد اﷲ ﺳﺑﺣﺄﻧﻪ ﺑﺈﺣﯾﺎء
ّ ﻓﺎﺳﺗﺣﻛم اﻟرﺟﺎء ،وﻏﻠب ﺣﺳن
وﯾﺳر اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ اﻟﺣرﻛﺔ إﻟﻰ ﻧﯾﺳﺎﺑور ،ﻟﻠﻘﯾﺎم ﺑـﻬذا اﻟﻣﻬم ﻓﻲ
دﯾﻧﻪ ﻋﻠﻰ رأس ﻛل ﻣﺎﺋﺔّ .
ذي اﻟﻘﻌدة ،ﺳن ﺗﺳﻊ وﺗﺳﻌﯾن وأرﺑﻊ ﻣﺎﺋﺔ .وﻛﺎن اﻟﺧروج ﻣن ﺑﻐداد ﻓﻲ ذي اﻟﻘﻌدة ﺳﻧﺔ
ﻗدرﻫﺎ اﷲ
ﺛﻣﺎن وﺛﻣﺎﻧﯾن وأرﺑﻊ ﻣﺎﺋﺔ .وﺑﻠﻐت ﻣدة اﻟﻌزﻟﺔ إﺣدى ﻋﺷر ﺳﻧﺔ .وﻫذﻩ ﺣرﻛﺔ ّ
ﺗﻌﺎﻟﻰ ) ،وﻫﻲ ( ﻣن ﻋﺟﺎﺋب ﺗﻘدﯾراﺗﻪ اﻟﺗﻲ ﻟم ﯾﻛن ﻟﻬﺎ اﻧﻘداح ﻓﻲ اﻟﻘﻠب ﻓﻲ ﻫذﻩ اﻟﻌزﻟﺔ ،
ﻛﻣﺎ ﻟم ﯾﻛن اﻟﺧروج ﻣن ﺑﻐداد ،واﻟﻧـزوع ﻋن ﺗﻠك اﻷﺣوال ﻣﻣﺎ ﺧطر إﻣﻛﺄﻧﻪ أﺻﻼً ﺑﺎﻟﺑﺎل
أﺻﺎﺑﻊ اﻟرﺣﻣن
ِ ؛ واﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻣﻘﻠب اﻟﻘﻠوب واﻷﺣوال و )) ﻗﻠب اﻟﻣؤﻣن ﺑﯾن إﺻﺑﻌﯾن ﻣن
ود إﻟﻰ
.وأﻧﺎ أﻋﻠم أﻧﻲ ٕ ،وان رﺟﻌت إﻟﻰ ﻧﺷر اﻟﻌﻠم ،ﻓﻣﺎ رﺟﻌت! ﻓﺈن اﻟرﺟوع َﻋ ٌ
[108]108
((
ﻣﺎ ﻛﺎن ،وﻛﻧت ﻓﻲ ذﻟك اﻟزﻣﺎن أﻧﺷر اﻟﻌﻠم اﻟذي ﺑﻪ ﯾﻛﺗﺳب اﻟﺟﺎﻩ ،وأدﻋو إﻟﯾﻪ ﺑﻘوﻟﻲ
[107] 107أﺑﻮ دواد واﳊﺎﻛﻢ ﻋﻦ أﺑﻮ ﻫﺮﻳﺮة ﻋﻦ رﺳﻮل اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﻴﻪ وﺳﻠﻢ ﻗﺎل )) :إن اﷲ ﻳﺒﻌﺚ ﳍﺬﻩ اﻷﻣﺔ ﻋﻠﻰ رأس ﻛﻞ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻣﻦ ﳚﺪد
ﳍﺎ دﻳﻨﻬﺎ ((.
[108] 108ﻣﺴﻠﻢ وأﲪﺪ ﻋﻦ ﻋﺒﺪاﷲ ﺑﻦ ﻋﻤﺮو ﺑﻦ اﻟﻌﺎص وﻳﻮﺟﺪ ﰲ اﻟﱰﻣﺬي وأﺑﻦ ﻣﺎﺟﻪ رواﻳﺎت ﻣﺸﺎﺑـﻬﻪ ﻋﻦ أﺧﺮون.
Generated by Foxit PDF Creator © Foxit Software
http://www.foxitsoftware.com For evaluation only.
وﻋﻣﻠﻲ ،وﻛﺎن ذﻟك ﻗﺻدي وﻧﯾﺗﻲ .وأﻣﺎ اﻵن ﻓﺄدﻋو إﻟﻰ اﻟﻌﻠم اﻟذي ﺑﻪ ُﯾﺗرك اﻟﺟﺎﻩ ،
وﯾﻌرف ﺑـﻪ ﺳﻘوط رﺗﺑﺔ اﻟﺟﺎﻩ.
ﻫذا ﻫو اﻵن ﻧﯾﺗﻲ وﻗﺻدي وأﻣﻧﯾﺗﻲ ؛ ﯾﻌﻠم اﷲ ذﻟك ﻣﻧﻲ ؛ وأﻧﺎ أﺑﻐﻲ أن أﺻﻠﺢ ﻧﻔﺳﻲ
وﻏﯾري ،وﻟﺳت أدري ِ
أأﺻل ﻣرادي أم أُﺧﺗرم [109]109دون ﻏرﺿﻲ؟ وﻟﻛﻧﻲ اؤﻣن إﯾﻣﺎن
ﯾﻘﯾن وﻣﺷﺎﻫدة أﻧﻪ ﻻ ﺣول وﻻ ﻗوة إﻻ ﺑﺎﷲ ) اﻟﻌﻠﻲ اﻟﻌظﯾم ( ؛ وأﻧﻲ ﻟم أﺗﺣرك ،ﻟﻛﻧﻪ
ﻻ ،ﺛم ُﯾﺻﻠﺢ ﺑﻲ ،ﺣرﻛﻧﻲ ؛ ٕواﻧﻲ ﻟم أﻋﻣل ،ﻟﻛﻧﻪ اﺳﺗﻌﻣﻠﻧﻲ ؛ ﻓﺄﺳﺄﻟﻪ أن ﯾﺻﻠﺣﻧﻲ أو ً
ﻼ
وﯾﻬدﯾﻧﻲ ،ﺛم ﯾﻬدي ﺑﻲ ؛ وأن ﯾرﯾﻧﻲ اﻟﺣق ﺣﻘﺎً ،وﯾرزﻗﻧﻲ اﺗﺑﺎﻋﻪ ،وﯾرﯾﻧﻲ اﻟﺑﺎطل ﺑﺎط ً
،وﯾرزﻗﻧﻲ اﺟﺗﻧﺎﺑﻪ.
* * *
وﻧﻌود اﻵن إﻟﻰ ﻣﺎ ذﻛرﻧﺎﻩ ﻣن أﺳﺑﺎب ﺿﻌف اﻹﯾﻣﺎن ﺑذﻛر طرﯾق إرﺷﺎدﻫم ٕواﻧﻘﺎذﻫم ﻣن
ﻣﻬﺎﻟﻛﻬم:
أﻣﺎ اﻟذﯾن ادﻋوا اﻟﺣﯾرة ﺑﻣﺎ ﺳﻣﻌوﻩ ﻣن أﻫل اﻟﺗﻌﻠﯾم ،ﻓﻌﻼﺟﻬم ﻣﺎ ذﻛرﻧﺎﻩ ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ))
اﻟﻘﺳطﺎس اﻟﻣﺳﺗﻘﯾم (( وﻻ ﻧطول ﺑذﻛرﻩ ) ﻓﻲ ( ﻫذﻩ اﻟرﺳﺎﻟﺔ.
وأﻣﺎ ﻣﺎ ﺗوﻫﻣﻪ أﻫل اﻹﺑﺎﺣﺔ ،ﻓﻘد ﺣﺻرﻧﺎ ﺷﺑﻬﻬم ﻓﻲ ﺳﺑﻌﺔ أﻧواع وﻛﺷﻔﻧﺎﻫﺎ ﻓﻲ ﻛﺗﺎب ))
ﻛﯾﻣﯾﺎء اﻟﺳﻌﺎدة ((.
وأﻣﺎ ﻣن ﻓﺳد إﯾﻣﺄﻧﻪ ﺑطرﯾق اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ ،ﺣﺗﻰ أﻧﻛر أﺻل اﻟﻧﺑوة ،ﻓﻘد ذﻛرﻧﺎ ﺣﻘﯾﻘﺔ اﻟﻧﺑوة
ووﺟودﻫﺎ ﺑﺎﻟﺿرورة ،ﺑدﻟﯾل وﺟود ) ﻋﻠم ( ﺧواص اﻷدوﯾﺔ واﻟﻧﺟوم وﻏﯾرﻫﻣﺎٕ .واﻧﻣﺎ ﻗدﻣﻧﺎ
ﻫذﻩ اﻟﻣﻘدﻣﺔ ﻷﺟل ذﻟك .وأﻧـﻣﺎ أوردﻧﺎ اﻟدﻟﯾل ﻣن ﺧواص اﻟطب واﻟﻧﺟوم ،ﻷﻧﻪ ﻣن ﻧﻔس
ﻋﻠﻣﻬم .وﻧﺣن ﻧﺑﯾن ﻟﻛل ﻋﺎﻟم ﺑﻔن ﻣن اﻟﻌﻠوم ،ﻛﺎﻟﻧﺟوم واﻟطب واﻟطﺑﯾﻌﺔ واﻟﺳﺣر
ﻼ ﻣن ﻧﻔس ﻋﻠﻣﻪ ،ﺑرﻫﺎن اﻟﻧﺑوة.
،ﻣﺛ ً [110]110
واﻟطﻠﺳﻣﺎت
وأﻣﺎ ﻣن أﺛﺑت اﻟﻧﺑوة ﺑﻠﺳﺄﻧﻪ ،وﺳوى أوﺿﺎع اﻟﺷرع ﻋﻠﻰ اﻟﺣﻛﻣﺔ ،ﻓﻬو ﻋﻠﻰ اﻟﺗﺣﻘﯾق
ﻛﺎﻓر ﺑﺎﻟﻧﺑوة ٕ ،واﻧﻣﺎ ﻫو ﻣؤﻣن ﺑﺣﻛم ﻟﻪ طﺎﻟﻊ ﻣﺧﺻوص ،ﯾﻘﺗﺿﻲ طﺎﻟﻌﻪ أن ﯾﻛون
ﻣﺗﺑوﻋًﺎ ؛ وﻟﯾس ﻫذا ﻣن اﻟﻧﺑوة ﻓﻲ ﺷﻲء .ﺑل اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺎﻟﻧﺑوة :أن ﯾﻘر ﺑﺈﺛﺑﺎت طور وراء
اﻟﻌﻘل ،ﺗﻧﻔﺗﺢ ﻓﯾﻪ ﻋﯾن ﯾدرك ﺑـﻬﺎ ﻣدرﻛﺎت ﺧﺎﺻﺔ ،واﻟﻌﻘل ﻣﻌزول ﻋﻧﻬﺎ ،ﻛﻌزل اﻟﺳﻣﻊ
ﻋن إدراك اﻷﻟوان ،واﻟﺑﺻر ﻋن إدراك اﻷﺻوات ،وﺟﻣﯾﻊ اﻟﺣواس ﻋن إدراك
ﯾﺟوز ﻫذا ،ﻓﻘد أﻗﻣﻧﺎ اﻟﺑرﻫﺎن ﻋﻠﻰ إﻣﻛﺄﻧﻪ ،ﺑل ﻋﻠﻰ وﺟودﻩٕ .وان
اﻟﻣﻌﻘوﻻت .ﻓﺈن ﻟم ّ
ﺟوز ﻫذا ،ﻓﻘد أﺛﺑت ،أن ﻫﻬﻧﺎ أﻣو اًر ﺗﺳﻣﻰ ﺧواص ،ﻻ ﯾدور ﺗﺻرف اﻟﻌﻘل ﺣواﻟﯾﻬﺎ
ﻣن اﻷﻓﯾون ، [111]111
أﺻﻼً ،ﺑل ﯾﻛﺎد اﻟﻌﻘل ﯾﻛذﺑـﻬﺎ وﯾﻘﺿﻲ ﺑﺎﺳﺗﺣﺎﻟﺗﻬﺎ .ﻓﺈن وزن داﻧق
ﺳم ﻗﺎﺗل ﻷﻧﻪ ﯾﺟﻣد اﻟدم ﻓﻲ اﻟﻌروق ﻟﻔرط ﺑرودﺗﻪ .واﻟذي ﯾدﻋﻲ ﻋﻠم اﻟطﺑﯾﻌﺔ ،ﯾزﻋم أﻧﻪ
ﻣﺎ ﯾﺑرد ﻣن اﻟﻣرﻛﺑﺎت ،إﻧﻣﺎ ﯾﺑرد ﺑﻌﻧﺻري اﻟﻣﺎء واﻟﺗراب ؛ ﻓﻬﻣﺎ اﻟﻌﻧﺻران اﻟﺑﺎردان.
ﻻ ﻣن اﻟﻣﺎء واﻟﺗراب ﻻ ﯾﺑﻠﻎ ﺗﺑرﯾدﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﺑﺎطن إﻟﻰ ﻫذا اﻟﺣد .ﻓﻠو أﺧﺑر
وﻣﻌﻠوم أن أرطﺎ ً
طﺑﯾﻌﻲ ﺑـﻬذا وﻟم ﯾﺟرﺑـﻪ ،ﻟﻘﺎل )) :ﻫذا ﻣﺣﺎل ،واﻟدﻟﯾل ﻋﻠﻰ اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﻪ أن ﻓﯾﻪ ﻧﺎرﯾﺔ
وﻫواﺋﯾﺔ ،واﻟﻬواﺋﯾﺔ واﻟﻧﺎرﯾﺔ ﻻ ﺗزﯾدﻫﺎ ﺑرودة ؛ ﻓﻧﻘدر اﻟﻛل ﻣﺎء وﺗراﺑﺎً ،ﻓﻼ ﯾوﺟب ﻫذا
ﺣﺎران ﻓﺑﺄن ﻻ ﯾوﺟب ذﻟك أوﻟﻰ (( .وﯾﻘدر ﻫذا ﺑرﻫﺎﻧًﺎ!
اﻹﻓراط ﻓﻲ اﻟﺗﺑرﯾد .ﻓﺈن اﻧﺿم إﻟﯾﻪ ّ
وأﻛﺛر ﺑراﻫﯾن اﻟﻔﻼﺳﻔﺔ ﻓﻲ اﻟطﺑﯾﻌﯾﺎت واﻹﻟﻬﯾﺎت ،ﻣﺑﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﻫذا اﻟﺟﻧس! ﻓﺄﻧـﻬم ﺗﺻوروا
اﻟرْؤﯾﺎ
اﻷﻣور ﻋﻠﻰ ﻗدر ﻣﺎ وﺟدوﻩ وﻋﻘﻠوﻩ ،وﻣﺎ ﻟم ﯾﺄﻟﻔوﻩ ﻗدروا اﺳﺗﺣﺎﻟﺗﻪ ،وﻟو ﻟم ﺗﻛن ُ
ﻣدع ،أﻧﻪ ﻋﻧد رﻛود اﻟﺣواس ،ﯾﻌﻠم اﻟﻐﯾب ،ﻷﻧﻛرﻩ اﻟﻣﺗﺻﻔون
اﻟﺻﺎدﻗﺔ ﻣﺄﻟوﻓﺔ ،وادﻋﻰ ٍ
ﺑﻣﺛل ﻫذﻩ اﻟﻌﻘول .وﻟو ﻗﯾل ﻟواﺣد :ﻫل ﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻓﻲ اﻟدﻧﯾﺎ ﺷﻲء ،ﻫو ﺑﻣﻘدار ﺣﺑﺔ
،ﯾوﺿﻊ ﻓﻲ ﺑﻠدة ﻓﯾﺄﻛل ﺗﻠك اﻟﺑﻠدة ﺑﺟﻣﻠﺗﻬﺎ ﺛم ﯾﺄﻛل ﻧﻔﺳﻪ ﻓﻼ ُﯾﺑﻘﻲ ] ﺷﯾﺋﺎً [ ﻣن اﻟﺑﻠدة وﻣﺎ
ﻓﯾﻬﺎ ،وﻻ ﯾﺑﻘﻰ ﻫو ﻧﻔﺳﻪ؟ (( ﻟﻘﺎل )) :ﻫذا ﻟﻣﺣﺎل وﻫو ﻣن ﺟﻣﻠﺔ اﻟﺧراﻓﺎت! (( وﻫذﻩ
ﺣﺎﻟﺔ اﻟﻧﺎر ،ﯾﻧﻛرﻫﺎ ﻣن ﻟم َﯾر اﻟﻧﺎر إذا ﺳﻣﻌﻬﺎ .وأﻛﺛر ] إﻧﻛﺎر [ ﻋﺟﺎﺋب اﻵﺧرة ﻫو ﻣن
ﻫذا اﻟﻘﺑﯾل .ﻓﻧﻘول ﻟﻠطﺑﯾﻌﻲ )) :ﻗد اﺿطررت إﻟﻰ أن ﺗﻘول :ﻓﻲ اﻷﻓﯾون ﺧﺎﺻﯾﺔ ﻓﻲ
ﻓﻠم ﻻ ﯾﺟوز أن ﯾﻛون ﻓﻲ اﻷوﺿﺎع
اﻟﺗﺑرﯾد ،ﻟﯾﺳت ﻋﻠﻰ ﻗﯾﺎس اﻟﻣﻌﻘول ﺑﺎﻟطﺑﯾﻌﺔَ .
اﻟﺷرﻋﯾﺔ ﻣن اﻟﺧواص ،ﻓﻲ ﻣداواة اﻟﻘﻠوب وﺗﺻﻔﯾﺗﻬﺎ ،ﻣﺎ ﻻ ﯾدرك ﺑﺎﻟﺣﻛﻣﺔ اﻟﻌﻘﻠﯾﺔ ،ﺑل
ﻻ ﯾﺑﺻر ذﻟك إﻻ ﺑﻌﯾن اﻟﻧﺑوة؟ (( ﺑل ﻗد اﻋﺗرﻓوا ﺑﺧواص ﻫﻲ أﻋﺟب ﻣن ﻫذا ﻓﯾﻣﺎ أوردوﻩ
ﻓﻲ ﻛﺗﺑﻬم ،وﻫﻲ ﻣن اﻟﺧواص اﻟﻌﺟﯾﺑﺔ اﻟﻣﺟرﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﻟﺟﺔ اﻟﺣﺎﻣل اﻟﺗﻲ ﻋﺳر ﻋﻠﯾﻬﺎ
اﻟطﻠق ،ﺑـﻬذا اﻟﺷﻛل:
4 9 2 د ط ب
3 5 7 ج ﻫـ ز
8 1 6 ح ا و
ﯾﻛﺗب ﻋﻠﻰ ﺧرﻗﺗﯾن ﻟم ﯾﺻﺑﻬﻣﺎ ﻣﺎء ،وﺗﻧظر إﻟﯾﻬﻣﺎ اﻟﺣﺎﻣل ﺑﻌﯾﻧﻬﺎ ،وﺗﺿﻌﻬﻣﺎ ﺗﺣت
ﻗدﻣﯾﻬﺎ ،ﻓﯾﺳرع اﻟوﻟد ﻓﻲ اﻟﺣﺎل إﻟﻰ اﻟﺧروج .وﻗد أﻗروا ﺑﺈﻣﻛﺎن ذﻟك وأوردوﻩ ﻓﻲ ))
ﻋﺟﺎﺋب اﻟﺧواص (( ؛ وﻫو ﺷﻛل ﻓﯾﻪ ﺗﺳﻌﺔ ﺑﯾوت ،ﯾرﻗم ﻓﯾﻬﺎ رﻗوم ﻣﺧﺻوﺻﺔ ،ﯾﻛون
ﻣﺟﻣوع ﻣﺎ ﻓﻲ ﺟدول واﺣد ﺧﻣﺳﺔ ﻋﺷر ،ﻗرأﺗﻪ ﻓﻲ طول اﻟﺷﻛل أو ﻓﻲ ﻋرﺿﻪ أو ﻋﻠﻰ
اﻟﺗﺄرﯾب.[112]112
ﻓﯾﺎ ﻟﯾت ﺷﻌري! ﻣن ﯾﺻدق ﺑذﻟك ،ﺛم ﻻ ﯾﺗﺳﻊ ﻋﻘﻠﻪ ﻟﻠﺗﺻدﯾق ،ﺑﺄن ﺗﻘدﯾر ﺻﻼة
اﻟﺻﺑﺢ ﺑرﻛﻌﺗﯾن ،واﻟظﻬر ﺑﺄرﺑﻊ ،واﻟﻣﻐرب ﺑﺛﻼث ،ﻫو ﻟﺧواص ﻏﯾر ﻣﻌﻠوﻣﺔ ﺑﻧظر
اﻟﺣﻛﻣﺔ؟ وﺳﺑﺑﻬﺎ اﺧﺗﻼف ﻫذﻩ اﻷوﻗﺎتٕ .واﻧﻣﺎ ﺗدرك ﻫذﻩ اﻟﺧواص ﺑﻧور اﻟﻧﺑوة .واﻟﻌﺟب أﱠﻧﺎ
ﻟو ﻏﯾرﻧﺎ اﻟﻌﺑﺎرة إﻟﻰ ﻋﺑﺎرة اﻟﻣﻧﺟﻣﯾن ،ﻟﻌﻘﻠوا اﺧﺗﻼف ﻫذﻩ اﻷوﻗﺎت ،ﻓﻧﻘول )) :أﻟﯾس
ﯾﺧﺗﻠف اﻟﺣﻛم ﻓﻲ اﻟطﺎﻟﻊ ،ﺑﺄن ﺗﻛون اﻟﺷﻣس ﻓﻲ وﺳط اﻟﺳﻣﺎء ،أو ﻓﻲ اﻟطﺎﻟﻊ ،أو ﻓﻲ
اﻟﻐﺎرب ،ﺣﺗﻰ ﯾﺑﻧوا ﻋﻠﻰ ﻫذا ﻓﻲ ﺗﺳﯾﯾراﺗﻬم اﺧﺗﻼف اﻟﻌﻼج ،وﺗﻔﺎوت اﻷﻋﻣﺎر واﻵﺟﺎل
،وﻻ ﻓرق ﺑﯾن اﻟزوال وﺑﯾن ﻛون اﻟﺷﻣس ﻓﻲ وﺳط اﻟﺳﻣﺎء ،وﻻ ﺑﯾن اﻟﻣﻐرب وﺑﯾن ﻛون
اﻟﺷﻣس ﻓﻲ اﻟﻐﺎرب ،ﻓﻬل ﻟﺗﺻدﯾق ذﻟك ﺳﺑب؟ (( إﻻ أن ذﻟك ﯾﺳﻣﻌﻪ ﺑﻌﺑﺎرة ﻣﻧﺟم ،ﻟﻌﻠﻪ
ﺟرب ﻛذﺑﻪ ﻣﺎﺋﺔ ﻣرة .وﻻ ﯾ ازل ﯾﻌﺎود ﺗﺻدﯾﻘﻪ ،ﺣﺗﻰ ﻟو ﻗﺎل اﻟﻣﻧﺟم ] ﻟﻪ [ )) :إذا ﻛﺎﻧت
اﻟﺷﻣس ﻓﻲ وﺳط اﻟﺳﻣﺎء ،وﻧظر إﻟﯾﻬﺎ اﻟﻛوﻛب اﻟﻔﻼﻧﻲ ،واﻟطﺎﻟﻊ ﻫو اﻟﺑرج اﻟﻔﻼﻧﻲ ،
ﻓﻠﺑﺳت ﺛوﺑﺎً ﺟدﯾداً ﻓﻲ ذﻟك اﻟوﻗت ﻗﺗﻠت ﻓﻲ ذﻟك اﻟﺛوب! (( ﻓﺄﻧﻪ ﻻ ﯾﻠﺑس اﻟﺛوب ﻓﻲ ذﻟك
ﻛذﺑـﻪ [113]113
اﻟوﻗت ،ورﺑﻣﺎ ﯾﻘﺎﺳﻲ ﻓﯾﻪ اﻟﺑرد اﻟﺷدﯾد ،ورﺑﻣﺎ ﺳﻣﻌﻪ ﻣن ﻣﻧﺟم وﻗد ﻋرف
ﻣرات!.
ﻓﻠﯾت ﺷﻌري! ﻣن ﯾﺗﺳﻊ ﻋﻘﻠﻪ ﻟﻘﺑول ﻫذﻩ اﻟﺑداﺋﻊ وﯾﺿطر إﻟﻰ اﻻﻋﺗراف ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺧواص -
ﻣﻌرﻓﺗﻬﺎ ﻣﻌﺟزة ﻟﺑﻌض اﻷﻧﺑﯾﺎء -ﻓﯾﻛف ﯾﻧﻛر ﻣﺛل ذﻟك ،ﻓﯾﻣﺎ ﯾﺳﻣﻌﻪ ﻣن ﻗول ﻧﺑﻲ
ﺻﺎدق ﻣؤﯾد ﺑﺎﻟﻣﻌﺟزات ،ﻟم ﯾﻌرف ﻗط ﺑﺎﻟﻛذب! ) وﻟم ﻻ ﯾﺗﺳﻊ ﻹﻣﻛﺄﻧﻪ! (.
ﻓﺈن أﻧﻛر ﻓﻠﺳﻔﻲ إﻣﻛﺎن ﻫذﻩ اﻟﺧواص ﻓﻲ أﻋداد اﻟرﻛﻌﺎت ،ورﻣﻲ اﻟﺟﻣﺎر ،وﻋدد أرﻛﺎن
ﻼ.
اﻟﺣﺞ ،وﺳﺎﺋر ﺗﻌﺑدات اﻟﺷرع ،ﻟم ﯾﺟد ﺑﯾﻧﻬﺎ وﺑﯾن ﺧواص اﻷدوﯾﺔ واﻟﻧﺟوم ﻓرﻗًﺎ أﺻ ً
ﻓﺈن ﻗﺎل )) :ﻗد ﺟرﺑت ﺷﯾﺋﺎً ﻣن اﻟﻧﺟوم وﺷﯾﺋﺎً ﻣن اﻟطب ،ﻓوﺟدت ﺑﻌﺿﻪ ﺻﺎدﻗﺎً ،
ﻓﺎﻧﻘدح ﻓﻲ ﻧﻔﺳﻲ ﺗﺻدﯾﻘﻪ وﺳﻘط ﻣن ﻗﻠﺑﻲ اﺳﺗﺑﻌﺎدﻩ وﻧﻔرﺗﻪ ؛ وﻫذا ﻟم أﺟرﺑﻪ ،ﻓﺑم أﻋﻠم
وﺟودﻩ وﺗﺣﻘﯾﻘﻪ؟ (( ٕوان أﻗررت ﺑﺈﻣﻛﺄﻧﻪ ،ﻓﺄﻗول )) :إﻧك ﻻ ﺗﻘﺗﺻر ﻋﻠﻰ ﺗﺻدﯾق ﻣﺎ
ﺟرﺑﺗﻪ ﺑل ﺳﻣﻌت أﺧﺑﺎر اﻟﻣﺟرﺑﯾن وﻗﻠدﺗﻬم ،ﻓﺎﺳﻣﻊ أﻗوال اﻷﻧﺑﯾﺎء ﻓﻘد ﺟرﺑوا وﺷﺎﻫدوا
اﻟﺣق ﻓﻲ ﺟﻣﯾﻊ ﻣﺎ ورد ﺑـﻪ اﻟﺷرع ،واﺳﻠك ﺳﺑﯾﻠﻬم ﺗدرك ﺑﺎﻟﻣﺷﺎﻫدة ﺑﻌض ذﻟك((.
ﻋﻠﻰ أﻧﻲ أﻗولٕ )) :وان ﻟم ﺗﺟرﺑﻪ ،ﻓﯾﻘﺿﻲ ﻋﻘﻠك ﺑوﺟوب اﻟﺗﺻدﯾق واﻹﺗﺑﺎع ﻗطﻌﺎً .ﻓﺈﻧﺎ
ﻟو ﻓرﺿﻧﺎ رﺟﻼً ﺑﻠﻎ وﻋﻘل وﻟم ﯾﺟرب ) اﻟﻣرض ( ،ﻓﻣرض ،وﻟﻪ واﻟد ﻣﺷﻔق ﺣﺎذق
ﺑﺎﻟطب ،ﯾﺳﻣﻊ دﻋواﻩ ﻓﻲ ﻣﻌرﻓﺔ اﻟطب ﻣﻧذ ﻋﻘل ،ﻓﻌﺟن ﻟﻪ واﻟدﻩ دواء ،ﻓﻘﺎل )) :ﻫذا
ﯾﺻﻠﺢ ﻟﻣرﺿك وﯾﺷﻔﯾك ﻣن ﺳﻘﻣك (( .ﻓﻣﺎذا ﯾﻘﺗﺿﯾﻪ ﻋﻘﻠﻪ ،إن ﻛﺎن اﻟدواء ﻣ اًر ﻛرﯾﻪ
اﻟﻣذاق ،أن ﯾﺗﻧﺎول؟ َأو َﯾﻛذب وﯾﻘول )) :أﻧﺎ ] ﻻ [ أﻋﻘل ﻣﻧﺎﺳﺑﺔ ﻫذا اﻟدواء ﻟﺗﺣﺻﯾل
اﻟﺷﻔﺎء ،وﻟم أﺟرﺑﻪ! (( ﻓﻼ ﺷك أﻧك ﺗﺳﺗﺣﻣﻘﻪ إن ﻓﻌل ذﻟك! وﻛذﻟك ﯾﺳﺗﺣﻣﻘك أﻫل
اﻟﺑﺻﺎﺋر ﻓﻲ ﺗوﻗﻔك! ﻓﺈن ﻗﻠتَ )) :ﻓﺑم أﻋرف ﺷﻔﻘﺔ اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم وﻣﻌرﻓﺗﻪ
ﺑـﻬذا اﻟطب؟ (( ﻓﺄﻗول )) :وﺑم ﻋرﻓت ] ﺷﻔﻘﺔ أﺑﯾك [ وﻟﯾس ذﻟك أﻣ ًار ﻣﺣﺳوﺳًﺎ؟ ﺑل
ﻋرﻓﺗﻬﺎ ﺑﻘراﺋن أﺣواﻟﻪ وﺷواﻫد أﻋﻣﺎﻟﻪ ﻓﻲ ﻣﺻﺎدرﻩ وﻣواردﻩ ﻋﻠﻣًﺎ ﺿرورﯾًﺎ ﻻ ﺗﺗﻣﺎرى ﻓﯾﻪ.
((
وﻣن ﻧظر ﻓﻲ أﻗوال رﺳول اﷲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ،وﻣﺎ ورد ﻣن اﻷﺧﺑﺎر ﻓﻲ اﻫﺗﻣﺎﻣﻪ
واﻟﻠطف ،إﻟﻰ ﺗﺣﺳﯾن اﻷﺧﻼق ﺟر اﻟﻧﺎس ﺑﺄﻧواع اﻟرﻓق
[114]114
ﺑﺈرﺷﺎد اﻟﺧﻠق ،وﺗﻠطﻔﻪ ﻓﻲ ّ
ٕواﺻﻼح ذات اﻟﺑﯾن ،وﺑﺎﻟﺟﻣﻠﺔ إﻟﻰ ﻣﺎ ﯾﺻﻠﺢ ﺑﻪ دﯾﻧﻬم ودﻧﯾﺎﻫم ،ﺣﺻل ﻟﻪ ﻋﻠم ﺿروري
،ﺑﺄن ﺷﻔﻘﺗﻪ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم ﻋﻠﻰ أﻣﺗﻪ أﻋظم ﻣن ﺷﻔﻘﺔ اﻟواﻟد ﻋﻠﻰ وﻟدﻩ.
ٕواذا ﻧظر إﻟﻰ ﻋﺟﺎﺋب ﻣﺎ ظﻬر ﻋﻠﯾﻪ ﻣن اﻷﻓﻌﺎل ٕ ،واﻟﻰ ﻋﺟﺎﺋب اﻟﻐﯾب اﻟذي أﺧﺑر ﻋﻧﻪ
اﻟﻘرآن ﻋﻠﻰ ﻟﺳﺄﻧﻪ وﻓﻲ اﻷﺧﺑﺎر ٕ ،واﻟﻰ ﻣﺎ ذﻛرﻩ ﻓﻲ آﺧر اﻟزﻣﺎن ،ﻓظﻬر ذﻟك ﻛﻣﺎ ذﻛرﻩ ،
ﻋﻠم ﻋﻠﻣًﺎ ﺿرورﯾًﺎ أﻧﻪ ﺑﻠﻎ اﻟطور اﻟذي وراء اﻟﻌﻘل ،واﻧﻔﺗﺣت ﻟﻪ اﻟﻌﯾن اﻟﺗﻲ ﯾﻧﻛﺷف ﻣﻧﻬﺎ
اﻟﻐﯾب اﻟذي ﻻ ﯾدرﻛﻪ إﻻ اﻟﺧواص ،واﻷﻣور اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾدرﻛﻬﺎ اﻟﻌﻘل.
ﻓﻬذا ﻫو ﻣﻧﻬﺎج ﺗﺣﺻﯾل اﻟﻌﻠم اﻟﺿروري ﺑﺗﺻدﯾق اﻟﻧﺑﻲ ﺻﻠﻰ اﷲ ﻋﻠﯾﻪ وﺳﻠم .ﻓﺟرب
وﺗﺄﻣل اﻟﻘرآن وطﺎﻟﻊ اﻷﺧﺑﺎر ،ﺗﻌرف ذﻟك ﺑﺎﻟﻌﯾﺎن.
وﻫذا اﻟﻘدر ﯾﻛﻔﻲ ﻓﻲ ﺗﻧﺑﯾﻪ اﻟﻣﺗﻔﻠﺳﻔﺔ ،ذﻛرﻧﺎﻩ ﻟﺷدة اﻟﺣﺎﺟﺔ إﻟﯾﻪ ﻓﻲ ﻫذا اﻟزﻣﺎن.
وأﻣﺎ اﻟﺳﺑب اﻟراﺑﻊ -وﻫو ﺿﻌف اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺳﺑب ﺳﯾرة اﻟﻌﻠﻣﺎء -ﻓﯾداوي ﻫذا اﻟﻣرض
ﺑﺛﻼﺛﺔ أﻣور:
أﺣدﻫﺎ :أن ﺗﻘول )) :إن اﻟﻌﺎﻟم اﻟذي ﺗزﻋم أﻧﻪ ﯾﺄﻛل اﻟﺣرام وﻣﻌرﻓﺗﻪ ﺑﺗﺣرﯾم ذﻟك اﻟﺣرام
ﻛﻣﻌرﻓﺗك ﺑﺗﺣرﯾم اﻟﺧﻣر ] وﻟﺣم اﻟﺧﻧـزﯾر [ واﻟرﺑﺎ ،ﺑل ﺑﺗﺣرﯾم اﻟﻐﯾﺑﺔ واﻟﻛذب واﻟﻧﻣﯾﻣﺔ ،
وأﻧت ﺗﻌرف ذﻟك وﺗﻔﻌﻠﻪ ،ﻻ ﻟﻌدم إﯾﻣﺎﻧك ﺑﺄﻧﻪ ﻣﻌﺻﯾﺔ ،ﺑل ﻟﺷﻬوﺗك اﻟﻐﺎﻟﺑﺔ ﻋﻠﯾك ؛
ﻓﺷﻬوﺗﻪ ﻛﺷﻬوﺗك ،وﻗد ﻏﻠﺑﺗﻪ ﻛﻣﺎ ﻏﻠﺑﺗك ،ﻓﻌﻠﻣﻪ ﺑﻣﺳﺎﺋل وراء ﻫذا ﯾﺗﻣﯾز ﺑﻪ ﻋﻧك ،ﻻ
ﯾﻧﺎﺳب زﯾﺎدة زﺟر ﻋن ﻫذا اﻟﻣﺣظور اﻟﻣﻌﯾن.
)) وﻛم ﻣن ﻣؤﻣن ﺑﺎﻟطب ﻻ ﯾﺻﺑر ﻋن اﻟﻔﺎﻛﻬﺔ وﻋن اﻟﻣﺎء اﻟﺑﺎرد ٕ ،وان زﺟرﻩ اﻟطﺑﯾب
ﻋﻧﻪ! وﻻ ﯾدل ذﻟك ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﻏﯾر ﺿﺎر ،أو ﻋﻠﻰ ان اﻹﯾﻣﺎن ﺑﺎﻟطب ﻏﯾر ﺻﺣﯾﺢ ،ﻓﻬذا
ﻣﺣﻣل ﻫﻔوات اﻟﻌﻠﻣﺎء(( .
اﻟﺛﺎﻧﻲ :أن ﯾﻘﺎل ﻟﻠﻌﺎﻣﻲ )) :ﯾﻧﺑﻐﻲ أن ﺗﻌﺗﻘد أن اﻟﻌﺎﻟم اﺗﺧذ ﻋﻠﻣﻪ ذﺧ ًار ﻟﻧﻔﺳﻪ ﻓﻲ اﻵﺧرة
،وﯾظن أن ﻋﻠﻣﻪ ﯾﻧﺟﯾﻪ ،وﯾﻛون ﺷﻔﯾﻌﺎً ﻟﻪ ﺣﺗﻰ ﯾﺗﺳﺎﻫل ﻣﻌﻪ ﻓﻲ أﻋﻣﺎﻟﻪ ،ﻟﻔﺿﯾﻠﺔ
ﻋﻠﻣﻪٕ .وان ﺟﺎز أن ﯾﻛون زﯾﺎدة ﺣﺟﺔ ﻋﻠﯾﻪ ،ﻓﻬو ﯾﺟوز أن ﯾﻛون زﯾﺎدة درﺟﺔ ﻟﻪ ،وﻫو
ﻣﻣﻛن .ﻓﻬو ٕ ،وان ﺗرك اﻟﻌﻣل ،ﯾدﻟﻲ ﺑﺎﻟﻌﻠم .وأﻣﺎ أﻧت أﯾﻬﺎ اﻟﻌﺎﻣﻲ! إذا ﻧظرت إﻟﯾﻪ
وﺗرﻛت اﻟﻌﻣل وأﻧت ﻋن اﻟﻌﻠم ﻋﺎطل ،ﻓﺗﻬﻠك ﺑﺳوء ﻋﻣﻠك وﻻ ﺷﻔﯾﻊ ﻟك! ((
اﻟﺛﺎﻟث :وﻫو اﻟﺣﻘﯾﻘﺔ ،أن اﻟﻌﺎﻟم اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ،ﻻ ﯾﻘﺎرف ﻣﻌﺻﯾﺔ إﻻ ﻋﻠﻰ ﺳﺑﯾل اﻟﻬﻔوة ،وﻻ
ﺳم ﻣﻬﻠك ،
ﯾﻌرف أن اﻟﻣﻌﺻﯾﺔ ٌ ﯾﻛون ﻣﺻ اًر ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻌﺎﺻﻲ أﺻﻼً .إذ اﻟﻌﻠم اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ﻣﺎ ّ
ﻋرف ذﻟك ،ﻻ ﯾﺑﯾﻊ اﻟﺧﯾر ﺑﻣﺎ ﻫو أدﻧﻰ ] ﻣﻧﻪ [.وأن اﻵﺧرة ﺧﯾر ﻣن اﻟدﻧﯾﺎ .وﻣن َ
وﻫذا اﻟﻌﻠم ﻻ ﯾﺣﺻل ﺑﺄﻧواع اﻟﻌﻠوم اﻟﺗﻲ ﯾﺷﺗﻐل ﺑـﻬﺎ أﻛﺛر اﻟﻧﺎس .ﻓﻠذﻟك ﻻ ﯾزﯾدﻫم ذﻟك
اﻟﻌﻠم إﻻ ﺟرأة ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺻﯾﺔ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ .وأﻣﺎ اﻟﻌﻠم اﻟﺣﻘﯾﻘﻲ ،ﻓﯾزﯾد ﺻﺎﺣﺑﻪ ﺧﺷﯾﺔ وﺧوﻓﺎً ]
ﺟﺎء [ ،وذﻟك ﯾﺣول ﺑﯾﻧﻪ وﺑﯾن اﻟﻣﻌﺎﺻﻲ إﻻ اﻟﻬﻔوات اﻟﺗﻲ ﻻ ﯾﻧﻔك ﻋﻧﻬﺎ اﻟﺑﺷر ﻓﻲ
ور ً
ﺑﻌﯾد ﻋن
اب ،وﻫو ٌ ﻣﻔﺗن ّﺗو ٌ
ٌ اﻟﻔﺗرات ،وذﻟك ﻻ ﯾدل ﻋﻠﻰ ﺿﻌف اﻹﯾﻣﺎن .ﻓﺎﻟﻣؤﻣن
اﻹﺻرار واﻹﻛﺑﺎب.
ﻫذا ﻣﺎ أردت أن أذﻛرﻩ ﻓﻲ ذم اﻟﻔﻠﺳﻔﺔ واﻟﺗﻌﻠﯾم وآﻓﺎﺗﻬﻣﺎ وآﻓﺎت ﻣن أﻧﻛر ﻋﻠﯾﻬﻣﺎ ،ﻻ
ﺑطرﯾﻘﻪ.
ﻧﺳﺄل اﷲ اﻟﻌظﯾم أن ﯾﺟﻌﻠﻧﺎ ﻣﻣن آﺛرﻩ واﺟﺗﺑﺎﻩ ،وأرﺷدﻩ إﻟﻰ اﻟﺣق وﻫداﻩ ،وأﻟﻬﻣﻪ ذﻛرﻩ
ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﻧﺳﺎﻩ ،وﻋﺻﻣﻪ ﻋن ﺷر ﻧﻔﺳﻪ ﺣﺗﻰ ﻟم ﯾؤﺛر ﻋﻠﯾﻪ ﺳواﻩ ،واﺳﺗﺧﻠﺻﻪ ﻟﻧﻔﺳﻪ
ﺣﺗﻰ ﻻ ﯾﻌﺑد إﻻ إﯾﺎﻩ.
ِ ﺻ ُل ِا ِ
اﻟﺿﻼل و اﻟﻣو ِ
اﻟﻣ ِﻧﻘ ُذ ِﻣ َن ﱠ
ﻼل ﻟﻸﻣﺎم اﻟﻐزاﻟﻲ ﻟﻰ ذي اﻟﻌﱠزِة َو َ
اﻟﺟ َ َ ُ وﺑـﻬذا ﺗم ﻛﺗﺎب ُ
رﺣﻣﻪ اﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ واﺳﻛﻧـﻪ ﻓﺳﯾﺢ ﺟﻧﺎﺗﻪ