You are on page 1of 208

‫البناء الفكري للأمة الو�سط (‪)1‬‬

‫درا�سة لأ�صول العقيدة‬


‫يف القر�آن الكرمي‬
‫‪‬‬

‫وقفة احرتام‬
‫لو كنت منحني ًا لغري الله النحنيت لها‬
‫ولكني �أقف �أمامها باحرتام‪...‬‬
‫داعي ًا املوىل الكرمي‪...‬‬
‫�أن يجزيها �سعادة الدارين‪...‬‬
‫تلك التي �أر�ضعتنا حب الإميان‪...‬‬
‫و�أقامت يف بيتنا مدر�سة للقر�آن‪...‬‬
‫معلمة اخلري وداعية احلق‪...‬‬
‫�أمي‪...‬‬

‫حممد‬ ‫ ‬
‫‪7‬‬

‫مقدمة النا�رش‬
‫احلمد هلل وحده‪ ،‬والصالة والسالم عىل من ال نبي بعده‪ ،‬سيدنا وقدوتنا حممد‪ ،‬وعىل آله‬
‫وصحبه أمجعني‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫ف�إن األم�ة يف مرحلته�ا الغثائي�ة الراهن�ة‪ ،‬واملتس�مة بالوه�ن‪ ،‬والتف�رق‪ ،‬والش�تات‪،‬‬
‫واالضط�راب يف ع�امل التصورات واألف�كار‪ ،‬لفي حاجة ماس�ة إىل جتديد بنائه�ا الفكري‪،‬‬
‫وتنظيم عامل التصورات واألفكار لدهيا‪ ،‬وذلك بالرجوع إىل كتاب رهبا الذي ال يأتيه الباطل‬
‫من بني يديه وال من خلفه‪ ،‬ودراس�ته دراس�ة متجردة‪ ،‬ومن ثم اس�تخالص املناهج يف كل‬
‫جمال من جماالت احلياة ‪.‬‬
‫وإن أوىل املناهج باالس�تخالص من الق�رآن منهج العقيدة‪ ،‬إذ هي أهم موضوع جاءت‬
‫به الرس�الة اإلسلامية‪ ،‬وهي األصل الذي بني عليه دين اإلسلام‪ ،‬وقام�ت عليه حضارة‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأسست عليه كل العلوم اإلسالمية كعلم التفسري واحلديث والفقه‪ ..‬وغريها ‪.‬‬
‫ومم�ا يؤك�د أولوية اس�تخالص منه�ج العقيدة من الق�رآن وأمهيته أن ج�ل املؤلفات يف‬
‫العقي�دة ال ختلو م�ن تأثر بمنهج البحث يف العلم املوس�وم بـ”علم ال�كالم”‪ ،‬وهو منهج مل‬
‫ينشأ أساس ًا لتأصيل العقيدة اإلسالمية وإنام للدفاع عنها ضد املشككني والطاعنني؛ فبالتايل‬
‫هو منهج ال يبني العقيدة الصحيحة يف النفوس‪ ،‬وال حيرك القلوب‪ ،‬وال يشحذ اهلمم لطاعة‬
‫اهلل –ع�ز وجل‪ ،-‬فه�و منهج نظري بحت‪ ،‬يقوم عىل اجلدل واملناقش�ة‪ ،‬وال يرتقي البتة إىل‬
‫مستوى املنهج القرآين يف وضوحه وتكامله وواقعيته وتأثريه ‪.‬‬
‫ورغم أن هناك حماوالت لتجاوز ما علق بموضوع العقيدة من آثار منهج “علم الكالم”‪،‬‬
‫وحماوالت لعرض موضوع العقيدة صافي ًا نقي ًا كام هو يف القرآن الكريم‪ ،‬إال أهنا ال تكاد ختلو‬
‫من تأثر بتداعيات ذلك املنهج‪ ،‬ومل تلتزم التزام ًا تام ًا بمنهج القرآن‪ ،‬ومل تستوعب كل أصول‬
‫العقيدة واملسائل املهمة املتعلقة هبا‪ ،‬وال يزال املوضوع بحاجة للمزيد من املحاوالت ‪.‬‬
‫واملحاولة التي بني أيدينا للشيخ الفطن والداعية املوهوب الدكتور حممد عياش الكبييس‬
‫–حفظه اهلل‪ -‬تشترك مع املحاوالت الس�ابقة يف اهلدف‪ ،‬إال أهنا متتاز عنها يف األس�لوب‬
‫والش�مول وااللتزام باملنهج‪ ،‬فقد اس�تخلص املؤلف –حفظه اهلل‪ -‬العقيدة اإلسلامية من‬
‫القرآن الكريم واضحة جلية‪ ،‬مؤثرة فاعلة‪ ،‬مستوعب ًا ما حيتاجه املسلم من عقيدته يف ميدان‬
‫العمل والتكليف‪ ،‬تارك ًا املباحث التي تدخل يف دائرة اجلدل والتكليف‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫وإننا نأمل أن يكون هذا الكتاب حجر األساس يف البناء الفكري لألمة‪ ،‬لذا حرصنا أن‬
‫يكون أول كتاب ننرشه يف هذه السلس�ة “البناء الفكري لألمة الوس�ط”‪ ،‬ويرسنا أن يكون‬
‫باكورة إنتاجنا ‪.‬‬
‫وإيامن ًا منا بأمهية الكتاب ومتيزه حرصنا عىل إخراجه يف شكل الئق بمحتواه‪ ،‬وأن ندعمه‬
‫بنماذج توضيحية ألهم أفكار الكتاب‪ ،‬بعد موافق�ة املؤلف وتأييده‪ ،‬وتعاونه معنا يف ذلك‪،‬‬
‫فجزاه اهلل خري ًا ‪.‬‬
‫ونح�ن إذ نتشرف بتقديم الكتاب إىل القارئ الكريم‪ ،‬لنس�أل اهلل –عز وجل‪ -‬أن جيزل‬
‫الثواب ملؤلفه عىل جهده املش�كور‪ ،‬وأن يس�خرنا مجيع ًا خلدمة هذا الدين‪ ،‬وإحياء األمة من‬
‫جديد‪ ،‬لتكون بحق األمة الوس�ط الش�اهدة عىل األمم‪ ،‬كام كلفها اهلل ‪ :‬ﭽ ‪...‬ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ‪...‬ﭼ [ البقرة‪. ]١٤٣ :‬‬

‫النا�رش‬ ‫ ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪9‬‬

‫مقدمة الكتاب‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والعاقبة للمتقني‪ ،‬والصالة والسالم عىل املبعوث رمحة للعاملني‪،‬‬
‫سيدنا حممد وآله وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫أم�ا بع�د‪ :‬فلقد ظهرت معجزة القرآن –إضافة إىل نظمه وبيانه‪ -‬يف ذلك اإلنس�ان الذي‬
‫صنعه القرآن‪ ،‬وذلك اجليل الذي ر ّباه‪ ،‬وتلك األمة التي أخرجها من الظلامت إىل النور ‪.‬‬
‫ذل�ك الكتاب الذي قرأه اجلاهل فأصب�ح به إمام ًا‪ ،‬وقرأه الضعيف فأصبح قوي ًا ِمقدام ًا‪،‬‬
‫وقرأه البخيل فأصبح كري ًام جواد ًا ‪ ..‬قرأه املتخاصمون فمألهم حب ًا ووئام ًا‪ ،‬وقرأه األشتات‬
‫وخلق ًا وفض ً‬
‫ال ‪.‬‬ ‫فأصبحوا خري أمة أخرجت للناس عل ًام ُ‬
‫ذل�ك الكت�اب ال�ذي نزل عىل تل�ك اجلبال الس�وداء فجعله�ا منارات للمسرتش�دين‪،‬‬
‫وانس�اح يف الصحراء فجع�ل منها ينابيع اهلدى هتفو إليها قل�وب املاليني‪ ،‬من األندلس إىل‬
‫شواطئ جاكرتا ‪.‬‬
‫وكلام انتكست األمة عرب تارخيها الطويل‪ ،‬مدّ القرآن إليها يده‪ ،‬وأثبت لكل ناظر وسامع‬
‫أنه املعجزة اخلالدة ‪..‬‬
‫واليوم ونحن نعيش نكس�ة مرحلية مثل تلك النكس�ات‪ ،‬لكنها غريبة يف مسارها‪ ،‬أليمة‬
‫جربناه مرار ًا‪،‬‬‫يف واقعه�ا‪ ،‬خطيرة يف نتائجها‪ ،‬أال جيدر بن�ا أن نرجع إىل ذلك الدواء ال�ذي َّ‬
‫فكان الضامد لكل جرح واملَخرج من كل مأزق؟‪.‬‬
‫إننا نقوهلا بكل أمانة‪ :‬إن النكس�ات املاضية –عىل خطورهتا‪ -‬كانت نكس�ات عرضية‪ ،‬مل‬
‫متزق هويتها‪ ،‬لكنها تغفو ثم تس�تيقظ والق�رآن يف صدورها‪ ،‬ونداء‬ ‫ُت ْف ِق�د األمة ثوابتها‪ ،‬ومل ّ‬
‫(اهلل أكرب) يف أسامعها‪ ،‬والكعبة بني عيوهنا‪.‬‬
‫لقد آن لنا أن ندرك اخلطر األكرب الذي يتهدد مستقبل وجودنا عىل هذه األرض كأمة هلا‬
‫تارخيها‪ ،‬وحضارهتا وهويتها‪.‬‬
‫مسمى جاء‪ -‬يبعدنا عن ثوابت القرآن‪،‬‬ ‫وآن لنا أن ندرك أيض ًا أن كل اجتهاد – حتت أي ّ‬
‫فهو إرساع يف ضياعنا‪ ،‬وإجهاز عىل بقايا األمل فينا‪.‬‬
‫إن االجته�ادات الت�ي ال تضبطه�ا قواعد من عقيدة األمة ال يمك�ن بأي حال أن جتتمع‬
‫عليها األمة‪ ،‬والواقع والتاريخ شاهدان‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫إن الق�رآن م�ا زال ه�و الكتاب املقدس عند كل املس�لمني‪ ،‬الذي ال جي�رؤ كائن ًا من كان‬
‫ٍ‬
‫بحرف مما فيه‪ ،‬وإن دراس ًة ألس�س العقيدة تستند إىل القرآن وحده‪ ،‬الشك أهنا‬ ‫أن يش�كك‬
‫ستسهم يف توحيد منطلقات األمة ومبادئها األساسية‪.‬‬
‫جتاوزت فيه‬
‫ُ‬ ‫بمنهج حمدد وهادف؛‬
‫ٍ‬ ‫التزمت فيه‬
‫ُ‬ ‫وهذا الكتاب((( خطوة عىل هذا الطريق‪،‬‬
‫كثري ًا مما علق بأصول الدين من نظرات برشية قارصة‪ ،‬أو اجتهادات مذهبية متباينة‪،‬‬
‫واقترصت عىل آيات الذكر احلكيم‪ ،‬ووجدت فيها ما يغني عن كل ذاك‪ ،‬لعله يكون لبنة‬
‫يف أساس البناء ملرشوع األمة الواحدة‪ ،‬األمة الوسط‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‪...‬ﭼ [ البقرة‪.] ١٤٣ :‬‬
‫وأخير ًا ف�إين أرج�و م�ن الق�ارئ الكري�م أن ال يبخ�ل بنصيحة ألخي�ه‪ ،‬أو دعاء‬
‫بظه�رالغي�ب‪.‬‬

‫واحلمد هلل رب العاملني ‪..‬‬

‫امل�ؤلف‬ ‫ ‬
‫الدوحة‬ ‫ ‬
‫‪ /1‬رم�ضان‪1423 /‬هـ‬ ‫ ‬ ‫ ‬
‫‪ /6‬نوفمرب ‪2002 /‬م‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫((( وأص�ل ه�ذا الكت�اب جزء من كت�اب صدر للمؤل�ف بعنوان «العقيدة اإلسلامية يف الق�رآن الكريم‬
‫ومناه�ج املتكلمين» ثم دع�ت احلاجة إىل إخراج�ه مع بعض اإلضاف�ات يف كتابني‪ :‬األول ه�ذا الكتاب‪،‬‬
‫والثاين سيخرج قريب ًا – إن شاء اهلل‪ -‬باسم «املوجز يف مناهج املتكلمني» ‪.‬‬
‫الف�صل الأول‬
‫مدخل عام‬

‫ •املبحث الأول‪ :‬العقيدة والإميان‬


‫ •املبحث الثاين‪ :‬العقيدة واال�ستخالف‬
‫ •املبحث الثالث‪ :‬العقيدة والوالء‬
‫ •املبحث الرابع‪� :‬سمات عامة ملنهج القر�آن يف عر�ض العقيدة‬
‫ •املبحث اخلام�س‪� :‬آثار املنهج القر�آين‬
‫‪13‬‬

‫املبحث الأول‬
‫العقيدة والإميان‬
‫مل يرد مصطلح العقيدة يف القرآن الكريم‪ ،‬ومل أعثر عليه فيام اطلعت عليه من كتب السنة‪،‬‬
‫فهو مصطلح حادث شأنه شأن «الفقه» و «أصول الفقه» و «التفسري» و «احلديث» و «علم‬
‫اجل�رح والتعديل» ‪ ..‬إىل آخ�ر هذه املصطلحات التي ظهرت تلبي�ة للتطور الذي حصل يف‬
‫الدراسات العلمية بصورة عامة والدراسات اإلسالمية بصورة خاصة‪ ،‬مما تط ّلب تعدد ًا يف‬
‫املصطلحات يتناسب مع كثرة التبويب والتفريع يف هذه العلوم‪.‬‬
‫لك�ن ال خيتل�ف اثنان أن موضوع العقيدة هو أس�اس ه�ذا الدين ومب�ادؤه األوىل التي‬
‫وضعها القرآن الكريم حتت مصطلح «اإليامن»‪.‬‬
‫معان كثرية‪ ،‬فهل مصطلح‬ ‫إال أن مصطلح «اإليامن» نفس�ه يف الق�رآن الكريم أطلق عىل ٍ‬
‫«العقيدة» يضم كل هذه املعاين أيض ًا؟‪.‬‬
‫بداي� ًة يمك�ن إمج�ال كل املع�اين الت�ي وردت حت�ت اس�م «اإليمان» يف الق�رآن الكريم‬
‫باجتاهني‪:‬‬
‫األول‪ :‬اإليمان الذي يتناول معن�ى التصديق واالقتناع‪ ،‬دون التنفيذ والعمل‪ ،‬بل يكون‬
‫ال يف ماهيته‪ ،‬ولنتدبر هذه اآليات‪:‬‬ ‫العمل نتيجة هلذا اإليامن وثمر ًة من ثامره‪ ،‬وليس داخ ً‬
‫ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﭼ [ البينة‪.] 7 :‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ [سورة العرص‪.]3-1 :‬‬
‫ﭽ ‪...‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦﭧﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‪ ...‬ﭼ [البقرة‪.] ١٧٧ :‬‬
‫إن هذه اآليات تعطف األعامل عىل اإليامن‪ ،‬وجتعل اإليامن مقدمة وأساس ًا هلذه األعامل‪،‬‬
‫فاإليامن قناعة‪ ،‬والعمل تنفيذ‪.‬‬
‫�ال‪َ :‬يا‬‫وهب�ذا املعن�ى وردت أحادي�ث كثرية منه�ا‪ :‬حديث جربيل املع�روف وفيه‪َ “ :‬ف َق َ‬
‫ال‪َ :‬‬
‫«أ ْن ُت ْؤ ِم َن بِ�اهللِ‪َ ،‬و َمالئِ َكتِ ِه‪َ ،‬و ِكتَابِ ِه‪َ ،‬ولِ َقائِ ِه‪َ ،‬و ُر ُس ِ�ل ِه‪َ ،‬و ُت ْؤ ِم َن‬ ‫�ول اهللِ‪َ ،‬ما ا ِ‬
‫إليَم�اَ ُن؟ َق َ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫‪14‬‬

‫الم َأ ْن َت ْع ُبدَ َ‬
‫اهلل‪َ ،‬وال تُشرْ ِ َك بِ ِه‬ ‫إل ْس ُ‬‫ال‪« :‬ا ِ‬ ‫الم؟ َق َ‬
‫إل ْس ُ‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬ما ا ِ‬ ‫ال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫ث ِ‬
‫اآلخ ِر» ‪َ ،‬ق َ‬ ‫بِا ْل َب ْع ِ‬
‫ان))(((‪.‬‬ ‫وم َر َم َض َ‬ ‫وض َة‪َ ،‬و َت ُص َ‬‫الز َكا َة المْ َ ْف ُر َ‬
‫الصال َة المْ َ ْك ُتو َب َة‪َ ،‬و ُتؤَ ِّد َي َّ‬
‫يم َّ‬ ‫َش ْيئًا‪َ ،‬و ُت ِق َ‬
‫الثاين‪ :‬اإليامن الذي يشمل التصديق مع العمل‪ ،‬فيكون العمل عىل هذا املعنى جزء ًا من‬
‫ال يف ماهيته‪ ،‬ولنتدبر هذه اآليات‪:‬‬ ‫اإليامن وداخ ً‬
‫ﭽﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒﭼ [السجدة‪.]15 :‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ [املؤمنون‪.]4-1 :‬‬
‫ﭽﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭾﭿﮀﮁ‬
‫ﮂ ﮃﭼ [األنفال‪.]4-2 :‬‬
‫ون ُش ْ�ع َب ًة‪،‬‬‫إليماَ ُن بِ ْض ٌع َو ِس ُّ�ت َ‬
‫وهبذا املعنى وردت أيض ًا أحاديث كثرية؛ منها‪ :‬حديث (( ا ِ‬
‫إليماَ ِن ))(((‪.‬‬ ‫احل َي ُاء ُش ْع َب ٌة ِم َن ا ِ‬
‫َو َ‬
‫بل ورد يف القرآن إطالق اإليامن عىل الصالة يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﭼ [البقرة‪.]١٤٣ :‬‬
‫واإليامن هنا‪ :‬الصالة عىل ما قاله ابن عباس والرباء بن عازب وقتادة والس�دي والربيع‬
‫وغريهم من املفرسين –ريض اهلل عنهم أمجعني‪ (((،-‬بل ونقل اإلمجاع عىل هذا(((‪.‬‬
‫ومع أين ال أرى حاجة للبحث يف التوفيق بني هذين املعنيني؛ ألنه يمكن القول ببس�اطة‬
‫إن العم�ل الصال�ح هو من لوازم اإليمان ونتائجه وإن مل يدخل يف حقيقة مسّم�اّ ه‪ ،‬وإطالق‬
‫اللفظ عىل ما يلزم منه معروف يف اللغة وش�ائع يف االس�تخدام‪ ،‬فالقرآن يقول‪ :‬ﭽ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ [غافر‪. ] ١٣ :‬‬

‫((( رواه مس�لم‪ .‬الرساج الوهاج من كش�ف مطالب صحيح مس�لم ‪ ،54/1‬ونح�وه البخاري‪ ،‬التجريد‬
‫الرصيح ‪. 13/1‬‬
‫((( رواه البخاري ‪ ،‬التجريد الرصيح ‪. 9/1‬‬
‫((( تفسري ابن عطية ‪. 11/2‬‬
‫((( الرساج الوهاج‪ ،‬لصديق حسن خان ‪. 34/1‬‬
‫‪15‬‬

‫والذي ينزل إنام هو الغيث الذي ينتج عنه الرزق كام قال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﭼ [ فاطر‪.] ٢٧ :‬‬
‫وال�ذي هيمن�ا هن�ا أن مصطلح العقي�دة ال يتناول – ب�كل األح�وال‪ -‬إال املعنى األول‬
‫لإليمان؛ فلا يبحث عل�م العقيدة يف أح�كام الفقه أو األخلاق‪ ،‬وإنام موضوع�ه «اإليامن‬
‫بالغي�ب» الذي هو أس�اس اإلسلام وقاعدت�ه األوىل‪ ،‬وإن كان اهلدف من ه�ذا اإليامن هو‬
‫تقويم السلوك‪ ،‬وعبادة اهلل وحده‪ ،‬وإعامر األرض بالعلم والعمل ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪17‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫العقيدة واال�ستخالف‬
‫خل�ق اهلل اإلنس�ان وأهبطه عىل ه�ذه األرض لغاية حددها هو –س�بحانه‪ -‬يوم أن قال‬
‫ملالئكته‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ‪...‬ﭼ [البقرة‪.]٣٠ :‬‬
‫فاخلالفة هي رس�الة اإلنس�ان يف احلياة‪ ،‬وتقويم اإلنس�ان إنام يكون بمقدار حتقيقه هلذه‬
‫الرسالة‪ ،‬هكذا كام يتعامل اإلنسان مع األشياء التي يصنعها بيده‪ ،‬فهو يصنع الساعة لضبط‬
‫الوقت‪ ،‬ويصنع القلم للكتابة‪،‬ويصنع السيارة لقطع املسافات‪ ،‬وبقدر ما حتقق هذه األشياء‬
‫تلك الغايات تكون صاحلة‪ ،‬وبقدر ما تبتعد عام صنعت له تكون فاشلة‪.‬‬
‫وهب�ذا املي�زان البده�ي ُيو ِز ُن اإلنس�ان نفس�ه‪ ،‬فهو صال�ح إذا حقق الغاية م�ن وجوده‪،‬‬
‫وفاشل إذا ابتعد عن تلك الغاية‪ ،‬ولنستمع إىل القرآن‪:‬‬
‫ﭽﮂﮃﮄ ﮅ ﮆﮇﮈ ﮉ ﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏ ﮐﮑﮒ ﮓﮔﮕ‬
‫ﮖﮗﮘﮙﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡﮢﮣ ﮤ ﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ [ القيام�ة‪ ،]36-31 :‬ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﭼ [ املؤمنون‪.]116 -115 :‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ [ األنبياء‪.]2-1 :‬‬
‫ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭼ [ األنعام‪.] ٧٠ :‬‬
‫وإذا صدق اإلنس�ان مع نفس�ه وأراد أن يبتعد عن اللهو والعبث فال بد أن يس�أل نفس�ه‬
‫هذه األسئلة الثالثة‪ :‬من الذي خلقني؟ وماذا يريد مني؟ وما هي النتيجة؟ ‪.‬‬
‫ب�أي عمل‪ ،‬وكل‬ ‫ه�ذه األس�ئلة الثالثة الب�د أن يكون اجلواب عنه�ا واضح ًا قبل البدء ِّ‬
‫عم�ل أو منه�ج يف احلي�اة ال ينطلق من أجوب�ة واضحة عىل هذه األس�ئلة فالب�د أن يصيبه‬
‫العمى والشطط‪.‬‬
‫وق�د أجاب اإلسلام بجواب ش�امل مفصل مقنع ع�ن كل هذا‪ ،‬فاهلل ه�و اخلالق‪ ،‬هذه‬
‫قضية القرآن األوىل التي اهتم هبا عرض ًا واستدال ً‬
‫ال ونقاش ًا‪ ،‬لينطلق بعدها إىل النقطة الثانية؛‬
‫‪18‬‬

‫وه�ي‪ :‬أن اهلل إنام خلقنا لغاية عظيم�ة‪ ،‬هي اخلالفة يف األرض‪ ،‬وأن هذه اخلالفة إنام تتحقق‬
‫بعب�ادة اهلل وح�ده‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ [ الذاريات‪ ،]٥٦ :‬والعبادة‬
‫إنام هي اخلضوع الكامل ألمر اهلل ورشعه؛ ألن معرفة اهلل املجردة من دون معرفة أمره وهنيه‬
‫ال تثمر شيئ ًا يف ميدان العمل‪ ،‬ومن ثم كان مبحث «الرسول والرسالة» مكرس ًا لإلجابة عن‬
‫هذا السؤال الثاين‪ ،‬الذي هو احللقة الثانية بعد اإلجابة عن السؤال األول‪ ،‬وهي احللقة التي‬
‫ترب�ط بين اإليامن القلبي باهلل اخلالق وبني الواجب العميل عىل هذه األرض‪ ،‬فالرس�ول هو‬
‫الذي يبلغ «رسالة اهلل» إىل «خلق اهلل» ‪.‬‬
‫ثم ينتقل اإلسالم إىل السؤال الثالث‪ ،‬ليفصل القول يف النتيجة بمنتهى الوضوح والبيان‪:‬‬
‫اجلن�ة والنعيم األبدي للمؤمنني الطائعين‪ ،‬والنار للكافرين املارقني‪ ،‬وهذا األصل هو املتم‬
‫مل�ا قبله‪ ،‬إذ اإلنس�ان بطبيعته ال يندفع للبذل وحتم�ل التكاليف إال أن يكون وراء هذا البذل‬
‫والعن�اء م�ا حيق�ق رغبة يف اإلنس�ان‪ ،‬مادية كانت أم معنوي�ة؛ ولذا فصل الق�رآن نعيم اجلنة‬
‫والرضا اإلهلي واخللود يف دار الس�عادة األب�دي‪ ،‬ليدفع هذا املخلوق ألداء وظيفته عىل أتم‬
‫يوج�ه نظره إىل اجلانب اآلخر‪:‬‬ ‫غيه وآثر َّ‬
‫لذة الدنيا العاجلة فالقرآن ّ‬ ‫الوج�وه‪ ،‬فإن مت�ادى يف ّ‬
‫الن�ار والغض�ب اإلهلي ‪ ..‬وآيات القرآن يف كل هذا أكثر من أن حتىص‪ ،‬وس�تأتينا مفصلة إن‬
‫شاء اهلل‪.‬‬
‫تكون ما نس�ميه «العقيدة» وحين نقول «العقيدة اإلسلامية»‬ ‫ه�ذه األجوبة هي الت�ي ّ‬
‫فمعن�ى هذا أجوبة اإلسلام ‪ -‬وهو الدين الذي جاء به خات�م النبيني حممد ﷺ ‪ -‬عىل هذه‬
‫األسئلة وما يتعلق هبا(((‪.‬‬
‫ه�ذه األجوب�ة الثالثة ضمت مباح�ث كثرية‪ ،‬وغالبه�ا أجوبة تفصيلية لألس�ئلة الثالثة‬
‫نفس�ها‪ ،‬بمعنى أن تلك األس�ئلة قابلة للتفصيل‪ ،‬ففي الس�ؤال األول من املمكن أن نفصل‬
‫ونفرع فنقول‪ :‬اهلل هو اخلالق لكل يشء‪ ،‬لكن أعاملنا أنخلقها نحن أم خيلقها اهلل؟ إذا أجاب‬
‫الدي�ن عن هذا الس�ؤال فمعنى ه�ذا تكوين مبحث رابع يف العقيدة‪ ،‬وإذا س�ألنا تفريع ًا عن‬
‫الس�ؤال الثاين‪ :‬كيف تصل رس�الة اهلل إىل رس�وله؟ فإذا أجاب الدين عن هذا الس�ؤال بأن‬
‫ق�ال‪ :‬عن طري�ق املالئكة فمعنى هذا تكوي�ن مبحث خامس؛ وحينام نفرع س�ؤا ً‬
‫ال آخر‪ :‬ما‬

‫((( ول�ذا اعتربت أصول الدين ثالثة‪ :‬اإليامن باهلل‪ ،‬واإليامن بالرس�ل‪ ،‬واإليامن باليوم اآلخر‪ ،‬وأكثر كتب‬
‫الكالم مكرسة هلذه املسائل الثالث‪ ،‬فرتاها تبدأ باإلهليات ثم بالنبوات ثم بالسمعيات‪ ،‬وأغلب ما يذكرون‬
‫يف السمعيات «اليوم اآلخر» ‪.‬‬
‫‪19‬‬

‫حقيقة الرسالة التي جاء هبا الرسول؟ وجييبنا الدين عنها بأهنا اإلسالم”أو “القرآن والس َّنة”‬
‫فمعنى هذا تكوين مبحث س�ادس؛ هلذا ورد عن الرس�ول حمم�دﷺ أنه عرف اإليامن هبذه‬
‫األجوبة الس�تة فقال‪َ (( :‬أ ْن ُت ْؤ ِم َن بِاللهَّ ِ‪َ ،‬و َملاَ ئِ َكتِ ِه‪َ ،‬و ُك ُتبِ ِه‪َ ،‬و ُر ُس ِ�ل ِه‪َ ،‬وا ْل َي ْ�و ِم الآْ ِخ ِر‪َ ،‬و ُت ْؤ ِم َن‬
‫بِا ْل َقدَ ِر َخيرْ ِ ِه َوشرَ ِّ ِه ))((( وهذه الس�تة قد تكون أكثر كلام تفرعت األس�ئلة‪ ،‬فيمكن أن يتفرع‬
‫عن الكتاب “اإليامن بأنه خالد” و”اإليامن بأنه معجز” و”اإليامن بأنه حمفوظ من التحريف”‬
‫و”اإليامن بأنه الرسالة اخلامتة” وهكذا‪ ،‬ولكن احلقيقة أن كل هذه التفريعات من املمكن أن‬
‫ختترص بضم بعضها إىل بعض حتى ترجع إىل ثالثة‪.‬‬
‫ومن املمكن أن يفهم اإلنسان األجوبة الصحيحة املخترصة عن هذه األسئلة الثالثة ثم‬
‫ينطل�ق إىل ميدان العمل‪ ،‬ميدان اخلالفة‪ ،‬إذ أن وظيفته األوىل هي هذه‪ ،‬إهنا –واهلل‪ -‬مقاولة‬
‫رب العمل‪ ،‬وكيف يتس�لم منه التوجيه‪ ،‬وما هو أجره‪ ،‬وبعد هذا‬ ‫عم�ل‪ ،‬يعرف العامل َمن ُّ‬
‫فال حيسن بالعامل أن ينشغلوا هبذه ويقفوا عندها‪ ،‬بل الساحة تنتظرهم‪.‬‬
‫هكذا فهم الس�لف عقيدهتم‪ ،‬وكل سيرهم وأخبارهم اجلامعية والفردية تشخص هبذه‬
‫احلقيقة‪ :‬أهنم عرفوا اهلل‪ ،‬وعرفوا أوامره عن طريق رس�وله‪ ،‬وعرفوا يوم احلس�اب واجلزاء‪،‬‬
‫فانطلقوا يعمرون األرض بمنهج اهلل كام أمرهم اهلل‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫((( رواه مس�لم‪ ،‬صحي�ح مس�لم بشرح الن�ووي‪ ،157/1 :‬والبخاري نح�وه‪ ،‬فتح الب�اري‪،513/8 :‬‬
‫والرتمذي‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ 8/5 :‬وغريهم ‪.‬‬
20
‫‪21‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫العقيدة والوالء‬
‫إن أخطر ما يرتبه القرآن عىل مفهوم العقيدة أو “اإليامن” هو تقسيم املكلفني من بني آدم‬
‫إىل دائرتني منفصلتني‪ :‬األوىل تضم املؤمنني‪ ،‬والثانية تشمل الكافرين‪ ،‬واملؤمنون هم الذين‬
‫يلتق�ون عىل أصول هذه العقيدة الواضحة “اإليامن باهلل” و “اإليامن بالرس�ول والرس�الة”‬
‫و “اإليمان بيوم احلس�اب”‪ ،‬والكافرون هم الذين خيتلفون م�ع املؤمنني يف واحدة من هذه‬
‫األصول‪.‬‬
‫فق�د قال القرآن‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ [الزمر‪، ]٦٥ :‬‬
‫وق�ال‪ :‬ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ [املائدة‪. ]٧٣ :‬‬
‫وهذا ألن هذه املعتقدات تناقض األصل األول “اإليامن باهلل” ‪.‬‬
‫ثم يقول الق�رآن‪ :‬ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭼ النساء‪.‬‬
‫ويق�ول أيض� ًا‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬﮭﭼ [املائ�دة‪ ،]٤٤ :‬وه�ذا ملناقضت�ه لألص�ل الث�اين «اإليمان بالرس�ول‬
‫والرسالة»‪.‬‬
‫ث�م يقول القرآن‪ :‬ﭽ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ ق‪ ،‬ويق�ول أيض� ًا‪ :‬ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ األنع�ام‪ ،‬وم�ا ه�ذا إال ألهنم ش�كوا يف األص�ل الثالث م�ن أصول هذه‬
‫العقيدة «اإليامن باحلساب» ‪.‬‬
‫وقد رتب القرآن عىل هذا الفصل بني دائرة «املؤمنني» ودائرة «الكافرين» أحكام ًا كثرية‬
‫ال يتسع املجال هنا لذكرها لك ّنا نشري إىل أكثرها أمهية‪:‬‬
‫‪ -1‬الرباءة من الكافرين والوالء للمؤمنني‪ ،‬فمن آيات الرباءة لنتدبر‪:‬‬
‫‪22‬‬

‫ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ‬
‫ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﭼ التوبة‪.‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭼ [املمتحن�ة‪ ، ]١ :‬ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ‬
‫التوب�ة‪ ،‬ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﭼ‬
‫[املمتحن�ة‪ ،] ٤:‬ومن آيات الوالء للمؤمنني لنتدب�ر‪ :‬ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱﯲﯳﯴ ﯵ ﯶﯷﯸﯹ ﯺﯻﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﭼ [املائ�دة‪ .]٥٦ – ٥٥ :‬ﭽﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ [التوب�ة‪ .]٧١ :‬ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ األنبياء‪.‬‬
‫يؤصل ملشروع األمة من خلال هذه‬ ‫وواض�ح م�ن هذه اآلي�ات وس�ياقها أن الق�رآن ِّ‬
‫الثوابت التي متيزها عن غريها‪ ،‬وهي ثوابت تتناس�ب مع مكانة اإلنس�ان ورس�الته يف هذه‬
‫احلياة‪ ،‬بخالف األسس التي تقوم عليها األمم أو الكائنات األخرى‪ ،‬حيث تتميز من خالل‬
‫لون البرشة أو حدود اجلغرافيا أو األعراف أو األنس�اب!! مما ال دخل للمرء فيه‪ ،‬وليس له‬
‫قدرة عىل تغيريه‪.‬‬
‫‪ -2‬إن عقي�دة ال�والء ه�ذه ال تعن�ي التصادم بني هاتين الدائرتني بقدر م�ا تعني التاميز‬
‫واملفاصل�ة‪ ،‬وه�و متايز رضوري ملعرف�ة احلق من الباط�ل‪ ،‬واملوقف الصحي�ح من املوقف‬
‫الفاس�د ‪ ..‬أم�ا إذا اتضح ه�ذا فيمكن التعاي�ش بالضوابط الرشعية املعروف�ة والتي خلصها‬
‫الق�رآن بقول�ه‪ :‬ﭽ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ [املمتحنة ‪.]9 -8 :‬‬
‫ب�ل إن القرآن جعل مهمة إنقاذ الكافرين م�ن كفرهم هي مهمة املؤمنني وواجبهم رمحة‬
‫بالكافري�ن وش�فقة عليهم م�ن الضياع الدنيوي والع�ذاب األخروي‪ ،‬فالق�رآن يقول وهو‬
‫يرضب لنا املثل من املؤمنني األوائل‪:‬‬
‫‪23‬‬

‫ﭽﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﭼ طه‪ ،‬ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ هود ‪.‬‬
‫وبما أن اإليمان تصديق واقتناع فال يمكن أن يك�ون اإلكراه طريق ًا إليه‪ :‬ﭽ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﭼ [البق�رة‪ ،]256 :‬وإنما الطري�ق الدع�وة واحل�وار‬
‫واحلج�ة والبيان‪ :‬ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱﯓ ‪ ...‬ﭼ [النح�ل‪.] ١٢٥ :‬‬
‫وأم�ا القتال فال يمك�ن أن يكون طريق ًا لإليامن كام أنه ليس هدف ًا مرشوع ًا بنفس�ه‪ ،‬لكنه‬
‫ق�د يكون احل�ل األخري حلفظ األمة‪ ،‬ودرء املخاطر عنها‪ ،‬وإزال�ة العقبات عن طريق حتقيق‬
‫رس�التها يف هذه احلي�اة‪ :‬ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ القصص‪ ،‬ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ‬
‫ﮟﮠ ﮡﮢﮣ ﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮬﮭﮮ ﮯﮰﮱ‬
‫ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ الصف‪.‬‬
‫إن من يؤمن هبذه الرس�الة العظيمة ويدرك أهنا الغاية من خلق اإلنس�انية أص ً‬
‫ال‪ ،‬يدرك‬
‫بالضرورة مدى احلاجة إىل هذا الش�د احلازم يف عقيدة ال�والء والرباء‪ ،‬كام أدرك ذلك جيل‬
‫القرآن األول أصحاب رسول اهلل ﷺ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


24
‫‪25‬‬

‫املبحث الرابع‬
‫�سمات عامة ملنهج القر�آن يف عر�ض العقيدة‬
‫ال ري�ب يف أن املنهج القرآين ال يجُ �ارى وال ُيبارى‪ ،‬وال نريد هنا أن ّ‬
‫نفصل هذه احلقيقة‪،‬‬
‫غري أننا سنشري بأصابعنا من بعيد إىل السامت الواضحة التي امتاز هبا القرآن الكريم‪:‬‬

‫ال�سمة الأوىل‪:‬‬
‫إن العقيدة التي جاء هبا القرآن عقيدة عملية‪ ،‬ونقصد أن القرآن جاء بعقيدة متناسبة مع‬
‫واقع اإلنس�ان من حيث قدرته العقلية والروحية والنفس�ية‪ ،‬ومن حيث الوظيفة التي كلف‬
‫هب�ا هذا اإلنس�ان‪ ،‬فمس�ائل العقيدة كلها يف القرآن دافعة لإلنس�ان لتحقي�ق الغاية التي من‬
‫أجلها خلقه اهلل – تبارك وتعاىل‪ -‬ومن اجلها أنزله عىل هذه األرض‪.‬‬
‫وليس يف القرآن ما يذهب باإلنس�ان بعيد ًا عن ميدان التكليف‪ ،‬نعم قد يتحدث القرآن‬
‫ع�ن الغي�ب لك�ن ال يتحدث إال باملق�دار الذي يثمر عم ً‬
‫ال صاحل ًا وس�لوك ًا حس�ن ًا‪ ،‬فهو ال‬
‫يتحدث عن الغيب حديث ًا فلسفي ًا نظري ًا‪ ،‬ولنأخذ بعض األمثلة من الغيب القرآين‪:‬‬
‫‪ -1‬يف فصل “األسماء والصفات” ال جتد ً‬
‫اسما هلل تعاىل أخربنا اهلل به إال وله تأثري عميل‬
‫يف س�لوك اإلنسان‪ :‬فالعايص الذي يردد‪ :‬اهلل‪ ،‬الرمحن‪ ،‬الرحيم‪ ،‬الغفور الودود‪ ،‬ال شك أنه‬
‫يتيقن أن معصيته لن حتول بينه وبني اخلري أبد ًا‪ ،‬فليس�تغفر وليتب وال ييأس وال يقنط‪ ،‬وإذا‬
‫ردد املكاب�ر املعاند‪ :‬اهلل‪ ،‬القوي‪ ،‬اجلبار‪ ،‬القهار‪ ،‬ش�ديد العق�اب ‪ ..‬ونحو هذا فإن هيبة هذه‬
‫األسامء حتطم كربياءه يف داخله‪ ،‬وتقوده إىل امليدان الصحيح‪ ،‬وإذا ردد اجلاهل الغافل‪ :‬اهلل‪،‬‬
‫العليم‪ ،‬الس�ميع‪ ،‬البصري‪ ،‬وعرف معنى هذه األسامء فقد يؤوب لرشده‪ ،‬فهذه األسامء كلها‬
‫واضحة املعنى بينة التأثري‪.‬‬
‫ولكن ماذا لو حدثنا اهلل عن العلم أهو هو؟ أم هو غريه؟ أم ال هو هو وال هو غريه؟ إن‬
‫القرآن يس�تطيع أن جييبنا عن هذه األس�ئلة‪ ،‬ولكن ملاذا جييبنا؟ بل ملاذا نس�أل؟! فإذ ال فائدة‬
‫عملية فإن القرآن يسكت‪.‬‬
‫ربما يقول قائل‪ :‬كيف بالصفات اخلربية‪ ،‬التي اختلف فيها املتكلمون‪ ،‬وكانت س�بب ًا يف‬
‫رصاعهم وشقاقهم؟‪...‬‬
‫‪26‬‬

‫واحلقيقة أن الصفات اخلربية ليست هي التي فرقت املتكلمني بدليل‪:‬‬


‫أ‪ -‬إن أخطر املس�ائل اخلالفي�ة وأوهلا مل يكن يف الصفات اخلربية‪ ،‬ب�ل يف الصفات البينة‬
‫الواضحة‪ ،‬لقد اختلفوا يف صفة “الكالم” وصفة “اإلرادة” ثم يف باقي الصفات ومن وجوه‬
‫كثرية‪ ،‬فمرة اختلفوا يف معانيها وحقائقها‪ ،‬ومرة يف زيادهتا عىل الذات أو عدم زيادهتا‪ ،‬ومرة‬
‫يف عددها‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫ب‪ -‬إن الصفات اخلربية نزلت يف قوم أجناس وأش�تات‪ ،‬فيهم العلامء وفيهم األميون‪،‬‬
‫فيهم املؤمنني املصدقون‪ ،‬وفيهم الكافرون املنافقون‪ ،‬وفيهم أهل البادية وأهل احلرض‪ ،‬وكل‬
‫ه�ؤالء مل يواجهوا هذه املش�كلة الت�ي واجهها املتأخ�رون‪ ،‬وإذا كان املؤمنون س�كتوا عنها‬
‫إيامن�ا وتصديق� ًا أو ورع ًا وأدب ًا فما الذي منع مرشكي العرب أو أه�ل الكتاب من أن يثريوا‬
‫ً‬
‫هذه املش�كلة‪ ،‬س�يام أن القرآن حتداه�م أيام تحَ دٍّ ‪ ،‬وأظهر عجزهم أم�ام القايص والداين‪ ،‬فلو‬
‫كان يف الق�رآن ألف�اظ تس�تعيص عىل الفهم أو أهن�ا حتتمل معاين بعيدة عن لس�ان العرب ملا‬
‫س�كت هؤالء عن إثارة هذه املش�كلة‪ ،‬لكن س�كوهتم بل وإقرارهم بفصاحة القرآن وبيانه‬
‫دليل عىل أن الذي أحدثه املتكلمون من خالفات حول هذه األلفاظ مل يكن من طبيعة هذه‬
‫األلف�اظ وتركيبها‪ ،‬وإنام من فلس�فات وتصورات مس�بقة حاول املتكلم�ون أن يقرؤوا من‬
‫خالهلا نصوص القرآن فاضطربت الرؤية وتباينت اآلراء‪.‬‬
‫إن الصف�ات اخلربية ليس�ت مصطلح� ًا قرآني ًا‪ ،‬وإنام هو اصطلاح أطلقه املتكلمون عىل‬
‫بع�ض النصوص املتعلقة باهلل –تعاىل‪ ،-‬والتي قد تأيت لقضية بعيدة عن حمل التنازع‪ ،‬ولكن‬
‫املتكلمني ال يعدمون وسيلة إلثارة اإلشكاالت حول هذه اآليات‪ ،‬مث ً‬
‫ال‪:‬‬
‫ﭽﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯻ ﯼﯽﯾﯿﰀ ﰁﰂ‬
‫ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭼ الطور‪.‬‬
‫فإن الس�ياق واض�ح‪ ،‬والقضية الت�ي جاء القرآن لبياهن�ا بعي�دة كل البعد عام تنازع‬
‫في�ه املتكلم�ون فيما بعد م�ن قضاي�ا غيبي�ة متكلف�ة‪ ،‬ال ينبن�ي عليها عم�ل‪ ،‬وليس هنا‬
‫حم�ل تفصي�ل ه�ذه النزاعات‪ ،‬ونكتفي بام يشير إليه الش�يخ عبد العزي�ز بن باز –رمحه‬
‫اهلل‪« -‬أم�ا النص�وص اآلخرى فال حتت�اج إىل تأويل ألن املعن�ى فيها ظاه�ر‪ ،‬مثل قوله‬
‫سبحانه‪ :‬ﭽ ﮋ ﮌ ﭼ‪ ،‬ﭽ ‪ ...‬ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ ‪ ،‬ﭽﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ‪ ...‬ﭼ الط�ور ‪.‬‬
‫‪27‬‬

‫فلا ي�دور بخل�د أحد أن الس�فينة بعين اهلل – س�بحانه‪ -‬وال أن حممد ًا ﷺ يف عني‬
‫اهلل‪ ،‬وإنما امل�راد بذل�ك أن الس�فينة جت�ري برعاي�ة اهلل وعنايته وتس�خريه هل�ا وحفظه‬
‫هل�ا‪ ،‬وأن حمم�د ًا ﷺ حتت رعاية م�واله وعنايته وحفظه وكالءت�ه‪ ،‬وهكذا قوله يف حق‬
‫موس�ى ﭽ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ أي حت�ت رعايت�ي وحفظ�ي((( وق�د أج�اد وأف�اد‪.‬‬
‫‪ -2‬يف فصل «النبوات» حدثنا القرآن عن كل ما من ش�أنه أن يدفع باإلنس�ان إىل األداء‬
‫األفضل يف وظيفته‪ ،‬ولنأخذ بعض األمثلة‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬يذك�ر القرآن كثري ًا تأييد اهلل ألنبيائه ورس�له باملعج�زات القاطعة بصدقهم فيذكر‬
‫مثلا‪ :‬ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ األنبي�اء‪ ،‬وﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬ ‫ً‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ الش�عراء‪ ،‬و ﭽ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ‪ ..‬ﭼ آل عم�ران‪ ،‬ﭽ ﯢ‬
‫ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯪﯫ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ البقرة‪.‬‬
‫ثاني� ًا‪ :‬يذك�ر القرآن كثري ًا من صفات هؤالء الصفوة‪ ،‬فتراه يقول‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﭼ التوبة‪ ،‬وﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ [القلم‪.]٤ :‬‬
‫ثالث� ًا‪ :‬يذكر القرآن الدفاع عن الرس�ل والرد عىل خصومه�م وهتديدهم باجلزاء العادل‪،‬‬
‫مثلا‪ :‬ﭽ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫واق�رأ ً‬
‫ﯠ ﯡ ﭼ [األنع�ام‪ ،] ٣٣ :‬و ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ‬
‫ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ ﭼ سورة األنعام‪.‬‬
‫ال إال ويذكر جهاده مع‬‫رابع� ًا‪ :‬يفص�ل القرآن كثري ًا يف القصص النبوي‪ ،‬وال يذكر رس�و ً‬
‫قوم�ه‪ ،‬وصبره عليهم‪ ،‬ونتائج الرصاع‪ ،‬كل هذا بتك�رار وتأكيد وتنويع حتى خييل إليك أن‬
‫القرآن كله كتاب قصص وتاريخ‪ ....‬وما هو كذلك ‪.‬‬
‫خامس� ًا‪ :‬يبني القرآن حق الرس�ول ﷺ عىل أمته يف احلب واالتباع واألدب‪ ،‬ويكفي أن‬
‫نعرض هذا النموذج‪:‬‬
‫ﭽﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯖﯗﯘﯙ ﯚﯛﯜﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ احلجرات‪.‬‬

‫((( «تنبيهات»‪ :‬ص ‪. 28 -27‬‬


‫‪28‬‬

‫ه�ذه أبرز النقاط التي أكده�ا القرآن يف موضوع «النبوات» يف حني مل يرد يف القرآن ذكر‬
‫ألوص�اف األنبياء َ‬
‫اخل ْلقية‪ ،‬أو حلالتهم االجتامعي�ة‪ ،‬أو للغاهتم‪ ،‬أو طريقة أكلهم أو رشهبم‪،‬‬
‫أو أعامره�م‪ ،‬ونح�و هذا‪ ،‬فلماذا؟!‪ ،..‬بل ملاذا يفصل لنا القرآن قصة موس�ى عليه السلام‬
‫ال دقيق ًا وال حيدثنا وال مرة واحدة عن طريقة موس�ى يف العبادة‪ :‬الصالة‪،‬‬ ‫مع فرعون تفصي ً‬
‫الصوم‪ ،‬احلج‪ ،‬الزكاة؟ بله التفصيل يف أكله ورشبه‪.‬‬
‫إن ال�ذي ي�درك أن الق�رآن ه�ادف يف كل حرف فيه‪ ،‬وأن�ه جاء لغاية كبيرة‪ ،‬وأنه يدفع‬
‫قصه القرآن علينا من أحوال األنبياء عليهم‬ ‫املؤمنني به إىل حتقيقها‪ ،‬ال يس�تغرب من ِّ‬
‫كل م�ا ّ‬
‫الصالة والسلام‪ ،‬إن�ه يريد أن يقول لنا‪ :‬إنكم ورثتهم‪ ،‬وإن املهم�ة التي كلف هبا األنبياء مل‬
‫بع�د حمتاجون إىل ذلك املعني الثر من مسيرهتم وجتربته�م‪ ،‬فامذا أنتم‬‫مت�ت بموهتم‪ ،‬وإنكم ُ‬
‫فاعلون؟‪.‬‬
‫‪ -3‬يف فصل «السمعيات» اليوم اآلخر والعوامل الغيبية كاملالئكة واجلن‪ ،‬ترى القرآن ال‬
‫حيدث�ك إال بام نفع�ك ودفعك إىل العمل‪ ،‬فغالب حديثه عن الي�وم اآلخر ترهيب وترغيب‬
‫وإنذار باحلس�اب ‪ ...‬وهكذا‪ ،‬ويعرض كل هذا بوصف وأس�لوب يكاد خيلع القلوب هيبة‬
‫وأنس� ًا‪ ،‬وحيدثك عن املالئكة ال عن عددهم أو معيش�تهم أو أكلهم ورشهبم‬ ‫ورعب ًا‪ ،‬أو لذة ُ‬
‫ونومهم وتناسلهم‪ ،‬ال‪ ،‬وإنام ألمور تتعلق بك أنت يا إنسان‪ ،‬إهنم يراقبونك‪ ،‬حيصون عليك‬
‫كل كبرية وصغرية‪ ،‬وهم يستغفرون لك‪ ،‬وهم عىل استعداد لنرصك عىل أعداء اهلل ‪...‬إلخ‪،‬‬
‫وحدث�ك ع�ن اجل�ن‪ ،‬عن ش�عب ال خيتل�ف كثري ًا عن الش�عب اآلدم�ي من حي�ث الغرائز‬
‫وكرس الس�هم‬ ‫والق�درة على اخلري والشر‪ ،‬إنه ينقل ل�ك جتارهبم وأحواهل�م املتعلقة بك‪ّ ،‬‬
‫األكبر للحدي�ث عن الذين يزي ّنون لك الباطل‪ ،‬وحياولون إغواءك كام أز ّلوا أبوينا من قبل‪:‬‬
‫آدم وحواء‪ ،‬وكل هذا فيه من التحذير والنصح ما هو بطريق العبارة أو اإلش�ارة‪ ،‬وكل هذا‬
‫ليستقيم اإلنسان عىل اجلادة الصحيحة املوصلة إىل الغاية النبيلة «سعادة الدارين»(((‪.‬‬

‫ال�سمة الثانية‪:‬‬
‫وهي متعلقة باألوىل ومرتبطة هبا‪ ،‬وخالصتها‪ :‬أن العقيدة القرآنية عقيدة عامة‪ ،‬تناسب‬
‫مجيع املكلفني‪ ،‬ألهنا جاءت هلم مجيع ًا‪:‬‬

‫((( وقد بحث هذا مفص ً‬


‫ال يف الفصل الرابع من هذا الكتاب ‪ .‬‬
‫‪29‬‬

‫ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ الفرقان‪ ،‬وعىل هذا نرى‬


‫كيف اس�تطاعت عقي�دة القرآن أن تقنع خمتلف املس�تويات الفكري�ة واالجتامعية وغريها‪،‬‬
‫ودفعت باجلميع إىل الغاية العظيمة‪.‬‬
‫إن�ك تس�تطيع أن تق�دم عقيدة الق�رآن إىل الطف�ل الصغري‪ ،‬كما تس�تطيع أن تقدمها إىل‬
‫الفيلس�وف الكبير‪ ،‬وتس�تطيع أن تقدمه�ا للمرأة يف مطبخه�ا‪ ،‬كام تقدمها للقائد يف س�وح‬
‫الوغ�ى‪ ،‬وتس�تطيع أن تقدمه�ا مل�ن يعيش يف الق�رن احلج�ري‪ ،‬أو ملن يعيش يف ع�امل الذرة‬
‫والطاقة الشمسية‪.‬‬
‫وإدراك الس�بب س�هل ويسير‪ ،‬فإن من هيدف إىل يشء صادق ًا فإنه يسعى إليه‪ ،‬والقرآن‬
‫ه�دف إىل أن يك�ون للن�اس كل الن�اس‪ ،‬فاختذ املنه�ج الكفي�ل بتحقيق هذه الغاي�ة‪ ،‬واتبع‬
‫األسلوب القادر عىل إقناع الناس مجيع ًا‪ ،‬وسيأتينا يشء من هذا األسلوب يف السمة اخلامسة‬
‫إن شاء اهلل‪.‬‬

‫ال�سمة الثالثة‪:‬‬
‫الش�مولية‪ ،‬ونقصد هبا‪ :‬أن القرآن مل يرتك زاوية من زوايا العقيدة التي حيتاجها اإلنس�ان‬
‫وبينها‪ ،‬وس�يأتينا هذا مفص ً‬
‫ال إن ش�اء اهلل يف املباحث القادمة‪ ،‬ولكننا هنا نحاول اإلجابة‬ ‫إال ّ‬
‫عىل بعض ُّ‬
‫الش َبه التي قد تثار يف هذا املجال‪:‬‬

‫الش�بهة األوىل‪ :‬ق�د يقول قائ�ل‪ :‬فام تقول�ون يف الس�نة النبوية املطهرة؟ أليس�ت جاءت‬
‫ً‬
‫أيض�ا ألن اهلل قال عن نبيه‪:‬‬ ‫بأح�كام اعتقادية كثرية؟ والصحيح أن الس�نة مع كوهنا من اهلل‬
‫ﭽﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ النجم‪ ،‬إال أن الذي يبدو أن اهلل مل يمنح‬
‫الس�نة مهمة تأصيل العقيدة وبيان ما حيتاج�ه الناس منها‪ ،‬إن هذه مهمة القرآن الذي تكفل‬
‫ال أن تقترن مباح�ث العقيدة بأس�لوب القرآن املعجز‬ ‫اهلل بحفظ�ه‪ ،‬وكأن اهلل تع�اىل أراد أو ً‬
‫ال‪ ،‬ثم أراد اهلل أن حيفظ كل جوانب العقيدة بام حيفظ به قرآنه‪ ،‬لكي‬ ‫لتك�ون أكثر إقناع ًا وقبو ً‬
‫ال تضيع الثوابت التي يلتقي عليها املس�لمون‪ ،‬فلو أن اهلل ترك املهمة هذه للس�نة فإن اجلدل‬
‫س�يطول ح�ول صحة بع�ض األحاديث وضعفه�ا‪ ،‬ورشوط األخذ هبا‪ ،‬ونح�و هذا‪ ،‬وهلذا‬
‫وبينه‪،‬‬
‫ال من أصول العقيدة ومس�ائلها املهم�ة إال ّ‬ ‫فيص�ح أن نج�زم بأن القرآن ما ت�رك أص ً‬
‫والبحوث القادمة ستبني هذا باإلحصاء واألرقام إن شاء اهلل‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫نع�م جاءت مس�ائل كثرية من العقيدة يف الس�نة املطهرة‪ ،‬ولكن غالب� ًا ال يعدو أن يكون‬
‫تأكي�د ًا ملا جاء يف القرآن‪ ،‬أو توس�يع ًا لبعض املعاين التي جاءت في�ه‪ ،‬وربام يكون هناك ذكر‬
‫لقضايا متعلقة بالعقيدة لكنها ليست من أصوهلا أو من مسائلها املهمة‪ ،‬بحيث إن املسلم لو‬
‫جهلها أص ً‬
‫ال ملا خدشت عقيدته ‪.‬‬

‫الش�بهة الثانية‪ :‬ق�د يقول آخر‪ :‬فام تقولون يف كتب العقي�دة التي تبلغ بحجمها أضعاف‬
‫حج�م الق�رآن الكريم‪ ،‬فه�ل هذه الزيادات ال صحة هلا؟ أو عىل األق�ل ال حاجة لنا هبا؟‪..‬‬
‫والصحي�ح أنن�ا نقصد بالعقيدة ما حيتاجه املس�لم م�ن أصول دينه‪ ،‬ويقين� ًا أن القرآن مل يدع‬
‫املس�لم حيت�اج إىل غريه يف تأصيل أص�ول الدين‪ ،‬أما م�ا جاء يف كتب العقي�دة فمن املمكن‬
‫تصنيفه إىل اآليت‪:‬‬
‫ال مبحث األسماء والصفات عىل حدة‪،‬‬ ‫‪ -1‬صنف اهتم بالرتتيب والتبويب‪ ،‬فجعل مث ً‬
‫ال‪ :‬التوحيد‬‫وكذل�ك مبحث النبوات والس�معيات ‪ ..‬الخ‪ ،‬وربام يرشع بالتقس�يم فيقول مث ً‬
‫رضب�ان‪ :‬ربوبي�ة وألوهية‪ ،‬أو ثالثة أو مخس�ة‪ ،‬وه�ي كلها يف الغالب إحص�اء ملا هو موجود‬
‫يف القرآن وصياغة جديدة‪ ،‬وهذا – ال ش�ك‪ -‬نافع ومفيد من حيث اهلدف الذي وضع له‪،‬‬
‫وهو حرص مس�ائل العقيدة وتس�هيل النظر فيها بعيد ًا عن املسائل األخرى‪ ،‬فإذا كان اهلدف‬
‫هذا فال ضري‪ ،‬أما إذا فهم أن اهلدف إرساء أصول جديدة يف العقيدة أو مفاهيم جديدة فال‪،‬‬
‫ال‪ ،‬ومل يعرف‬ ‫ول�ذا يصح أن نقطع بأنه لو مات إنس�ان وهو مل يقرأ ه�ذه الكتب مجلة وتفصي ً‬
‫أقسام التوحيد وال أنواع الصفات فإنه ال يرضه‪ ،‬ولن حياسبه اهلل عىل ذلك‪ ،‬بل لقد مازحت‬
‫أحد أصدقائي حني قال‪ :‬إن األستاذ فالن ال يفهم يف العقيدة ألين سألته عن أقسام التوحيد‬
‫فلم جيب‪ ،‬فقلت‪ :‬صدّ قني يا أخي لو أن اهلل بعث لنا أحد الصحابة ريض اهلل عنهم وسألناه‬
‫هذا السؤال‪ ،‬ملا أجاب‪ ،‬بل ربام استغرب واستنكر!!‪.‬‬
‫‪ -2‬صنف جاء إلثبات العقائد القرآنية بأدلة تستطيع ان تقنع بعض الطوائف واملذاهب‪،‬‬
‫كالفالس�فة وامل�دارس العقلية الكالمية‪ ،‬وهذا هو غاية علم الكالم اإلسلامي كام يصوره‬
‫مثلا عضد الدين اإلجيي –رمح�ه اهلل‪« :-‬الكالم علم يقتدر‬ ‫غير واح�د من رجاالته‪ ،‬يقول ً‬
‫معه عىل إثبات العقائد الدينية بإيراد احلجج ودفع الشبه»(((‪ ،‬فإيراد احلجج ودفع الشبه غري‬

‫((( «املواقف» لإلجيي‪ :‬ص‪. 7‬‬


‫‪31‬‬

‫العقيدة‪ ،‬والعقيدة دينية‪ ،‬ومعنى هذا أن مهمة علم الكالم‪ :‬إثبات عقيدة القرآن باألدلة التي‬
‫تقن�ع فئات معينة من الناس‪ ،‬وهذا معناه‪ :‬أن عل�م الكالم ليس هو العقيدة‪ ،‬وإنام هو خادم‬
‫هل�ا‪ ،‬وهو إنتاج برشي مرحيل‪ ،‬خاض�ع للنقد والتعديل والتصويب‪ ،‬فليس هو العقيدة التي‬
‫حيتاجها الناس وسيحاسبهم اهلل عليها‪.‬‬
‫مثلا كيف تبحث يف‬ ‫ال‪ ،‬وخذ ً‬ ‫‪ -3‬صن�ف حرش يف مس�ائل العقيدة وهو لي�س منها أص ً‬
‫كتب العقيدة مس�ائل‪ :‬اإلمامة واملوقف من حروب الصحابة((( بل مس�ائل األمر باملعروف‬
‫والنه�ي ع�ن املنك�ر(((‪ ،‬وأخرى عن ب�ر الوالدين وصل�ة األرحام(((‪ ،‬فهذه كله�ا ما جاءت‬
‫إلثب�ات عقي�دة جديدة‪ ،‬وال يق�ول مؤلفوها هب�ذا أبد ًا‪ ،‬كي�ف والقرآن يق�ول‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﭼ [املائدة‪. ]3 :‬‬
‫وقبل أن ننتقل إىل الس�مة األخرى‪ ،‬نتس�اءل ما الذي حيتاجه اإلنس�ان م�ن العقيدة‪ ،‬ومل‬
‫ال إىل أن يعرف خالق�ه وخالق هذا‬ ‫ي�أت ل�ه ذكر يف الق�رآن الكريم؟ إن اإلنس�ان حيت�اج أو ً‬
‫الك�ون الكبير معرفة متيز اخلالق عن املخلوق‪ ،‬ثم بعد هذا حيتاج أن يعرف ماذا يريد اخلالق‬
‫من�ه‪ ،‬ملاذا خلقه؟ فإذا اس�تطاع أن يع�رف هذا‪ ،‬فإنه حيتاج أن يعرف م�ا ينبني عىل التزامه بام‬
‫يريده ربه منه‪ ،‬ماذا لو أطاع‪ ،‬وماذا لو عىص؟ هل حيتاج اإلنس�ان غري هذا؟ فأي واحدة من‬
‫هذه مل يفصلها القرآن؟ لقد وس�ع القرآن اإلجابة عن هذه األس�ئلة توس�عة خاطبت العقل‬
‫والوج�دان‪ ،‬وحركت اإلنس�ان من داخله‪ ،‬لتحقيق الغاية‪ ،‬ولنجات�ه من اخلرسان واهلالك‪،‬‬
‫بحيث لو صدق اإلنسان مع نفسه فإن القرآن كافيه‪.‬‬

‫ال�سمة الرابعة‪:‬‬
‫ارتب�اط عقيدة القرآن بغريها من تفاصيل هذا الدين احلنيف‪ ،‬لقد تبني لنا ُ‬
‫قبل أن عقيدة‬
‫الق�رآن عقي�دة هادفة‪ ،‬بمعنى أن هلا غاية‪ ،‬وغايتها س�عادة اإلنس�ان يف الداري�ن بالتزام أمر‬
‫اهلل‪ ،‬وإعلان خالفت�ه يف أرضه‪ ،‬وكل هذا ال حيصل بمجرد االعتقاد‪ ،‬وإنام البد من التطبيق‬
‫والعم�ل امليداين‪ ،‬وإذا كان�ت العقيدة غايتها هذا العمل امليداين فلا يمكن أن تنفصل عنه‪،‬‬

‫((( كتب الكالم بصورة عامة‪ ،‬كاالعتقاد للبيهقي‪ ،‬واإلرشاد للجويني ‪.‬‬
‫((( املعتزلة عدوا األمر باملعروف والنهي عن املنكر من األصول اخلمسة‪ ،‬نظر‪ :‬رشح األصول اخلمسة‬
‫للقايض عبد اجلبار ‪.‬‬
‫((( «العقيدة الواسطية» البن تيمية مع الرشح ‪ :‬ص‪. 182‬‬
‫‪32‬‬

‫ول�ذا مل خيل جانب م�ن جوانب التكليف العملي من االقرتان واالرتباط بمس�ائل العقيدة‬
‫الدافع�ة إىل االمتث�ال الكام�ل واألداء األفض�ل‪ ،‬ولنأخ�ذ اآلن بع�ض اجلوان�ب الترشيعية‬
‫التكليفية وارتباطها بالعقيدة‪:‬‬

‫اجلانب الأول‪ :‬العبادة‪:‬‬


‫واملقص�ود هب�ا األم�ور التعبدية البحت�ة كالصالة ونحوه�ا‪ ،‬وإال فكل اإلسلام عبادة‪:‬‬
‫جهاده وسياس�يته واقتصاده ‪ ..‬الخ‪ ،‬واألمور التعبدية جاءت مقرتنة بكل جوانب العقيدة‪،‬‬
‫ولنقرأ هذه اآليات‪:‬‬
‫ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ‬
‫ﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭼ آل عمران‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ النور‪.‬‬

‫اجلانب الثاين‪ :‬اجلهاد‪:‬‬


‫ﭽﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭼ الصف‪.‬‬
‫و ﭽﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﭼ التوبة‪.١١١ :‬‬

‫اجلانب الثالث‪ :‬الوالء والرباء‪:‬‬


‫ﭽﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶﯷﯸﯹ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﰁﰂﰃﰄﰅ‬
‫‪33‬‬

‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ املائدة‪.‬‬

‫اجلانب الرابع‪ :‬الأخالق‬


‫ﭽ‪ ...‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯣ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫ﯫﯬﯭ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯷﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﭼ احلج�ر‪.‬‬
‫وﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ‬
‫ﯘﯙﯚ ﯛﯜﯝ ﯞﯟﯠﯡ ﯢﯣﯤﯥﯦ‬
‫ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ األعراف‪.‬‬

‫اجلانب اخلام�س‪ :‬ال�سيا�سة واحلكم‪:‬‬


‫ﭽﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﭼ ص‪ ،‬وﭽ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ املائدة‪.‬‬

‫اجلانب ال�ساد�س‪ :‬االقت�صاد‪:‬‬


‫ﭽﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ‬
‫ﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯪﯫﯬﯭ ﯮﯯﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﭼ املطففين‪ .‬وﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ البق�رة‪.‬‬
‫‪34‬‬

‫اجلانب ال�سابع‪ :‬الأحوال ال�شخ�صية‪:‬‬


‫ﭽﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ‬
‫ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﭼ البقرة‪.‬‬
‫وﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭼ املجادلة‪.‬‬

‫اجلانب الثامن‪ :‬العقوبات واحلدود‪:‬‬


‫ﭽ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭷ ﭼ النور‪.‬‬
‫وﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﭼ املائدة‪.‬‬
‫أمل ت�ر إىل كل ه�ذه اجلوانب كيف ربطت بالعقيدة ربط ًا وثيق ًا‪ ،‬بل كثري من هذه اجلوانب‬
‫اإلهليات والنبوات واليوم اآلخ�ر كام يف اجلانب األول والثاين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اقترن بأص�ول الدين كلها‪:‬‬
‫وهذا ما يؤكد أن العقيدة القرآنية ليست عقيدة نظرية جمردة‪ ،‬وإنام هي ميدانية عملية‪.‬‬

‫ال�سمة اخلام�سة‪:‬‬
‫األخاذ الذي ال يملك الواقف عليه إال أن يعلن استسالمه وعجزه عن‬ ‫األسلوب املقنع ّ‬
‫مضاه�اة ه�ذا القول أو مباراته‪ ،‬وه�ذه هي معجزة القرآن بصورة عام�ة‪ ،‬ومباحث العقيدة‬
‫هي املقصودة أو ً‬
‫ال فال غرو أن تأيت متفردة يف هذا املضامر‪ ،‬ألن الذي يقتنع هبا فإن ما بعدها‬
‫‪35‬‬

‫تاب�ع هلا‪ ،‬وألهنا حتتاج إىل تنوع يف األس�اليب لتنوع الن�اس الذين يراد منهم الدخول يف هذا‬
‫الدين ومن بوابته الوحيدة «العقيدة»‪ ،‬وقد نس�تطيع هنا أن نشير بإصبعنا من بعيد إىل أهم‬
‫معامل هذه السمة‪:‬‬
‫املَ ْعل�م األول‪ :‬اجلمع بين منطق العقل ومنطق العاطفة‪ ،‬فحيث أن اإلنس�ان ليس عق ً‬
‫ال‬
‫حمض�ا‪ ،‬وإنام يشترك في�ه لصنع الق�رار إىل جانب العقل ق�وة أخرى وه�ي العاطفة‪ ،‬بل إن‬ ‫ً‬
‫عاطفي ًا أكثر م�ن تأثرهم العقيل‪ ،‬م�ع أن قلة منهم ق�د يرتجح عندها‬
‫ّ‬ ‫أكث�ر الن�اس يتأث�رون‬
‫منط�ق العق�ل عىل منطق العاطف�ة‪ ،‬ولكن ملا كانت عقيدة القرآن عقي�دة عامة جلميع الناس‬
‫فلا يمكن إال أن تدخ�ل إىل هؤالء الناس من كال املدخلني‪ :‬العقل والعاطفة‪ ،‬ولنأخذ مث ً‬
‫ال‬
‫قول�ه تع�اىل‪ :‬ﭽﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭼ الط�ور‪ ،‬إهن�ا ّ‬
‫حماج�ة عقلية مع‬
‫األخاذ‪ ،‬لكن جانب العقل فيها غال�ب‪ ،‬وال يملك أهل العقل أمام هذا املنطق إال‬ ‫أس�لوهبا ّ‬
‫التس�ليم أو البه�ت‪ ،‬كام هبت ذاك الطاغي�ة بمحاجة إبراهيم‪ -‬عليه السلام‪ :-‬ﭽ‪ ...‬ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﭼ البق�رة‪ ،‬وانظر أيضا إىل املحاجة العقلية‬
‫إلثب�ات املعاد يف قوله تع�اىل‪ :‬ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔﯕﯖ ﯗﯘﯙﯚﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ‬
‫ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭼ يس‪.‬‬
‫ثم بعد هذا ضع يدك عىل قلبك واقرأ‪ :‬ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵﭶﭷ ﭸ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮁﮂ ﮃﮄﮅ ﮆ‬
‫ﮇﮈﮉﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮖ ﮗﮘ‬
‫ﮙ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧﮨﮩﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼالواقعة‪.‬‬
‫س�بحان ريب العظيم‪ ،‬واقرأ‪ :‬ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃﮄ ﮅ ﮆﮇﮈ ﮉﮊﮋﮌ ﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔ ﮕﮖ‬
‫ﮗﮘ ﮙﮚ ﮛﮜﮝ ﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦﮧﮨ‬
‫ﮩﮪﮫ ﮬﮭ ﮮﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕ ﯖﯗﯘ ﯙﯚﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ املطففني‪.‬‬
‫‪36‬‬

‫إن اإلنس�ان بحاج�ة إىل من حيرك وجدانه من داخله بعي�د ًا عن الصخب والضجيج‪ ،‬إذ‬
‫اإلنس�ان ربام يقدر عىل املكابرة واملخادعة‪ ،‬لكنه هل يقدر أن خيدع نفسه؟ فلامذا ال نتحدث‬
‫معه من داخل نفسه؟‪ ...‬أذكر هنا للطرفة موقف ًا حكاه يل الشيخ حممود غريب إمام وخطيب‬
‫جام�ع البني�ة ببغداد س�ابق ًا‪ ،‬ق�ال‪ :‬جاءين رجل فقال يا ش�يخ‪ :‬فرعون يف اجلن�ة أم يف النار؟‬
‫فقلت له‪ :‬يف النار طبع ًا‪ ،‬فقال‪ :‬ما دليلك؟ قلت له‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ال‪ ،‬ألنه يمكن أن‬ ‫ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ ه�ود‪ ،‬ق�ال‪ :‬هذا لي�س دلي ً‬
‫يوصله�م إىل الن�ار ثم يرجع هو إىل اجلنة‪ ،‬هنا أدرك الش�يخ اخللل‪ ،‬فقال له‪ :‬هل أنت جازم‬
‫ي�ا أخ�ي بأن فرعون يف اجلن�ة؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فارفع يدك يا أخ�ي وقل‪ :‬اللهم احرشين مع‬
‫فرعون‪ !!...‬فبهت الرجل‪.‬‬
‫املَ ْعلم الثاين‪ :‬اجلمع بني اجلزالة والبساطة‪ ،‬فنصوص القرآن وباألخص نصوص العقيدة‬
‫مع كوهنا عىل أتم وجوه البالغة وأرقى أس�اليبها وأجزهلا إال أهنا جاءت مفهومة للخواص‬
‫والعوام‪ ،‬س�هلة املأخذ‪ ،‬قريبة املعنى‪ ،‬حتى إنك يف مجيع نصوص العقيدة‪ -‬إال ما ش�اء اهلل‪-‬‬
‫ق�د ال حتتاج إىل كتب التفسير‪ ،‬وق�د جربت نفيس فكل ما أتيت ب�ه يف الفصول القادمة من‬
‫حشد هائل لآليات الكريمة مل أحتج فيه إىل تفسري املفرسين‪ -‬إال ما شاء اهلل‪-‬؛ ألين وجدهتا‬
‫مفرسة أكثر من التفسير‪ ،‬بل ربام ال يزيدها التفسير إال تعقيد ًا وهذا طبع ًا بخالف املس�ائل‬
‫األخ�رى الت�ي ربام حتتاج إىل الراس�خني يف العلم‪ ،‬س�يام تلك التي خياطب هب�ا القرآن نمط ًا‬
‫خاص ًا من الناس كآيات احلكم‪ ،‬والقانون‪ ،‬أو اجلهاد‪ ،‬واملعاهدات الدولية‪ ،‬ونحو هذا‪ ،‬أما‬ ‫ّ‬
‫العقيدة؛ فالعقيدة لكل الناس ولذا جاءت واضحة لكل الناس‪.‬‬
‫وقد تس�أل هنا‪ :‬إذا كان األمر كذلك فما رس اختالف املتكلمني يف آيات العقيدة؟ أقول‬
‫لك‪ :‬واهللِ مل يأت اإلش�كال من اآليات نفس�ها‪ ،‬وإنام ألس�باب أخرى ال عالقة هلا بمقصود‬
‫النص أبد ًا‪ ،‬ولنرش إىل بعض هذه األسباب‪:‬‬
‫الس�بب األول‪ :‬قد يأيت النص القرآين واضح املعنى‪ ،‬لكن العقل البرشي يريد أن يصل‬
‫م�ن خالل النص إىل الغيب الذي ال يعلم�ه إال اهلل‪ ،‬فيحدث االرتباك واخلالف‪ ،‬فمث ً‬
‫ال‪ :‬لو‬
‫قرأ إنسان هذا النص‪ :‬ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭼ [البقرة ‪.]29 :‬‬
‫فهل يف هذا النص من إش�كال؟ ال‪ ،‬إنه واضح كالش�مس‪ ،‬لكن الفالس�فة قالوا‪ :‬إن اهلل‬
‫ال عل�م ل�ه باجلزئيات ألن تعدد املعلومات وجتددها يؤدي إىل قيام احلوادث باهلل تعاىل وهو‬
‫‪37‬‬

‫حم�ال(((‪ ،‬وق�ال املعتزلة‪ :‬ه�ذا العلم ليس صفة زائ�دة عىل الذات وإنما اهلل يعلم بذاته‪ ،‬ألن‬
‫زي�ادة الصف�ة عىل الذات قول بتعدد القدماء‪ ،‬وقال األش�اعرة‪ :‬صفة العلم ليس�ت هي اهلل‬
‫وليست غريه‪ ،‬بل هي معنى قائم به‪ ،‬فباهلل من أين جاء الغموض واإلشكال؟‬
‫السبب الثاين‪ :‬قد يأيت النص القرآين واضح املقصود ال خيتلف عليه اثنان‪ ،‬ولكن النص‬
‫فيه كلمة تس�تخدم يف اللغة أكثر من اس�تخدام‪ ،‬وقد يكون واحد من استخداماهتا له عالقة‬
‫بالغي�ب ال�ذي ال يعلم�ه إال اهلل(((‪ ،‬فرتى البعض يترك املعنى الظاهر املقص�ود من النص‪،‬‬
‫ويتج�ه إىل ه�ذه الكلمة بالذات‪ ،‬وحياول أن يصوغ منها فلس�فة خاص�ة‪ ،‬وخذ مث ً‬
‫ال يف قوله‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ طه‪ ،‬إهنا آيات واضحات‪ ،‬واملقصود منها واضح‪ ،‬ولكن وردت‬
‫كلم�ة «عين» مضافة إىل اهلل‪ ،‬والعني هنا حتتمل وجوه ًا عدة؛ فهي يف املعجم‪ :‬البارصة‪ ،‬ويف‬
‫السياق هنا هي كناية عن العناية والرعاية‪ ،‬كام سبق يف كالم ابن باز‪ -‬رمحه اهلل‪ -‬فأي العينني‬
‫ه�و املقص�ود؟ ثم إن العين جاءت مفردة‪ ،‬أهي مف�ردة عىل ظاهرها؟ أم ه�و إفراد قصد به‬
‫املثن�ى؟ أم إف�راد قص�د ب�ه اجلمع؟ وكل ه�ذا حمتمل يف أص�ل اللغة‪ ،‬ثم الذي ي�ؤول العني‬
‫بالعناية والرعاية أهو كافر أم مؤمن‪...‬الخ‪.‬‬
‫انظ�ر‪ ...‬إن ال�ذي يري�د أن يسرتس�ل هكذا فإنه ل�ن يعدم نقط�ة البداية يف كل نص‪،‬‬
‫فإن املتكلف يس�تطيع أن يثري أكثر من مش�كلة يف أي نص مهام كان وضوحه‪ ،‬ففي قوله‬

‫((( مس�ألة علم اهلل باجلزئيات من مس�ائل الفلسفة املعقدة‪ ،‬وقد ناقشها الغزايل يف كتابه « هتافت الفالسفة‬
‫« وعقد هلا مبحث ًا مستق ً‬
‫ال ورد ادعاءات الفالسفة‪.‬‬
‫((( والغم�وض بس�بب ارتب�اط الن�ص بعامل الغيب ال مناص منه‪ ،‬ألن اإلنس�ان ال ي�درك إال ما يقع حتت‬
‫حواس�ه‪ ،‬ولكن أي ضري إذا فهم اإلنس�ان املقصود من النص‪ ،‬خذ هذا املثل‪ ،‬قول اهلل تعاىل‪:‬ﭽطلعها كأنه‬
‫رؤوس الش�ياطنيﭼ فإدراك ذلك الطل�ع عىل حقيقته متعذر‪ ،‬ألنه جمهول‪ ،‬وش�بهه القرآن بمجهول آخر‪،‬‬
‫فنحن ال نعرف الطلع وال رؤوس الش�ياطني‪ ،‬لكن هذا ال يرض‪ ،‬فإن القرآن ال هيدف إىل أن يعلمنا حقيقة‬
‫نباتات النار لنجري عليها دراسة يف كليات الزراعة‪ ،‬وال حتدث عن رؤوس الشياطني لكي نميز بينها وبني‬
‫رؤوس البقر كي ال تش�تبه علينا!! إن هدف القرآن ومقصوده واضح‪ ،‬أنه يريد أن يلقي يف نفس اإلنس�ان‬
‫حالة من االش�مئزاز واخلوف من دخول النار‪ ،‬وكل هذا ليدفع اإلنس�ان بعيد ًا عن مس�ببات دخول النار‪،‬‬
‫فهل هذا ليس واضح ًا؟ إنه واضح بمقصوده وهذا يكفي‪ ،‬وإن كان غامض ًا بجانبه الغيبي‪.‬‬
‫‪38‬‬

‫تع�اىل‪ :‬ﭽ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ حمم�د؛ ه�ذه اآلي�ة واضح�ة أم ال ؟ اقرأ‬
‫هذه األس�ئلة‪:‬‬
‫‪1)1‬اللب�ن هن�ا حقيق�ي أم جمازي؟ بمعنى‪ :‬أخ�ارج من رضع احلي�وان أم ال ؟ وإذا كان‬
‫خارج ًا من رضع احليوان فام هو؟ وإن كان ال‪ ،‬فهل يصح أن نسميه لبن ًا ؟‪.‬‬
‫‪2)2‬اخلم�ر هن�ا حقيقة أم جم�از؟ إذا كان حقيقة فال بد أن يكون مس�كر ًا فهل أهل اجلنة‬
‫يس�كرون؟ وإذا كان ليس بمس�كر فهل جيوز أن نس�مي غري املس�كر مخر ًا؟ كيف؟‬
‫وهل سميت اخلمرة إال ألهنا ختامر العقول وحتجبها؟‪.‬‬
‫‪3)3‬عس�ل مصف�ى‪ ،‬مصفى من أي يشء؟ ما هي الش�وائب التي كان�ت معه فصفاه اهلل‬
‫منه�ا؟ أهي ش�مع النحل؟ وه�ل يف اجلنة نحل؟ طيب‪ ،‬ملاذا مل يذك�ره القرآن؟ وإذا‬
‫كان ليس فيه شوائب فكيف يصفه اهلل بأنه ﭽﮠﭼ؟‪.‬‬
‫وأخير ًا فه�ل خالفنا يف اإلجابة عن هذه األس�ئلة س�هل وهينّ ؟ كي�ف وهو خالف يف‬
‫العقيدة ؟!! أليست مسائل اليوم اآلخر من مسائل العقيدة؟‪.‬‬
‫ما الفرق بني هذا النمط من التفكري والنمط األول؟ ال فرق يف احلقيقة‪ .‬لكن ذلك ألفناه‬
‫لكثرت�ه‪ ،‬وهذا اس�تغربناه لندرت�ه‪ ،‬لكن أال يمكن أن تفرغ علينا األي�ام من جعبتها أكثر من‬
‫هذا‪ ،‬األيام حباىل وما يعلم بأجنتها إال اهلل!!!‪.‬‬
‫الس�بب الثالث‪ :‬قد يأيت اإلش�كال بس�بب س�وء التصرف يف النص�وص‪ ،‬وهذه بعض‬
‫األمثلة‪:‬‬
‫ال بنفس�ها‪ ،‬ولكن‬ ‫‪1)1‬ق�د ت�أيت كلم�ة يف القرآن حتتمل أكث�ر من معنى فتحدث إش�كا ً‬
‫الق�رآن يفرس بعض�ه بعض ًا‪ ،‬فينبغي واحلال�ة هذه أن نختار من املع�اين املحتملة ما‬
‫ال قوله تعاىل لرس�وله حممدﷺ‪ :‬ﭽ ﭩ ﭪ‬ ‫يتناس�ب مع بقي�ة النصوص‪ ،‬فمث ً‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ الش�ورى‪ ،‬فهل الرس�ول صىل اهلل عليه وس�لم هيدي؟‬
‫وم�ا معنى اهلداي�ة هنا؟ قد نختلف‪ ،‬لكن حينما نقرأ‪ :‬ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [القص�ص‪ ،]٥٦ :‬نعل�م‬
‫عنده�ا أن هن�اك هداي�ة ثابتة لرس�ول اهلل ﷺ‪ ،‬وهداية منفية عن�ه‪ ،‬واهلداية املنفية‬
‫عن�ه ثابتة هلل وح�ده‪ ،‬فأي اهلدايتني أل َيق باهلل‪ ،‬وأهيام أليق برس�وله؟ ليس صعب ًا أن‬
‫نفهم اجلواب‪ ،‬فاهلل هو اهلادي بمعنى أنه مقلب القلوب‪ -‬س�بحانه وتعاىل‪ -‬وهذا‬
‫‪39‬‬

‫ال يملك�ه إال اهلل‪ ،‬وحممد ﷺ اهلادي بمعنى أنه الدليل املب ّلغ البشير النذير‪ ،‬وهذا‬
‫هو ما يتناس�ب معه عليه الصالة والسلام‪.‬‬
‫‪2)2‬قد تكون املس�ألة معكوس�ة‪ ،‬فهناك مجعنا بني النصوص ففهمنا اجلواب‪ ،‬ولكن قد‬
‫يك�ون اإلش�كال بس�بب اجلمع بني نصوص ينبغ�ي أن تف�رق!! ورجائي أن تصرب‬
‫قليلا ألفصح عام أريد‪ ،‬قد ي�أيت نص ترشيعي وآخر خبري أو قدري‪ ،‬فحني‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫علي‬
‫ال‪ :‬ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ‬ ‫نجم�ع بني النصني حيدث اإلش�كال‪ ،‬فالنص الترشيعي مث ً‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ‪ ...‬ﭼ [البقرة ‪ ،]179 :‬نقتص من القاتل‪ ،‬فاإلنس�ان قد يقتل‬
‫اإلنس�ان بمعنى أن�ه يعدمه حيات�ه‪ ،‬أو يميت�ه‪ :‬ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ [النساء‪ ، ]٩٣ :‬والنص اخلربي القدري‪ :‬ﭽ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ‪...‬ﭼ [آل عم�ران‪ ،]145:‬ب�ل إن‬
‫الق�رآن يق�ول‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ‪...‬ﭼ [األنف�ال‪ .]17:‬من يريد‬
‫أن يثري هنا مش�كلة بجمع هذه النصوص يس�تطيع‪ ،‬ولكن املس�لم يعلم أنه مطالب‬
‫م�ع الق�در بالتصديق‪ ،‬وم�ع الرشع بالتنفي�ذ‪ ،‬فهناك قدر‪ ،‬وهن�اك رشع‪ ،‬والقدر ال‬
‫يبطل الرشع‪ ،‬وهذا معلوم من الدين بالرضورة‪ ،‬واخللط بني ميدان القدر وميدان‬
‫التكليف خطأ وخطر‪.‬‬
‫م�ا زلت أذك�ر يوم أن جاءين أحدهم بكتيب يقول فيه مؤلف�ه‪ :‬إن الذين يدعون إىل مجع‬
‫املس�لمني ووحدهتم ه�ؤالء خمطئون وربما مبتدعون وضال�ون‪ -‬ال أذك�ر بالضبط‪ -‬ملاذا؟‬
‫ألهن�م يريدون أن يكذب رس�ول اهلل ﷺ الذي صح عنه قوله‪َ (( :‬و َت ْفَت�رَ ِ ُق ُأ َّمتِي َعلىَ َث ٍ‬
‫الث‬
‫َو َس ْب ِعنيَ ِف ْر َق ًة ))((( لقد استغربت كثري ًا من هذا النمط من التفكري‪ ،‬وقلت لصاحبي‪ :‬ال أريد‬
‫أن أناقش�ك يف احلديث ومعناه‪ ،‬لنسلم أنه عىل املعنى الذي أراده املؤلف‪ ،‬فهل هذا احلديث‬
‫من نصوص الترشيع والتكليف أم هو نص من نصوص اخلرب والقدر؟ مل حير جواب ًا‪ ،‬قلت‪:‬‬
‫أحياس�بنا اهلل يوم القيامة ويقول‪ :‬ملاذا مل تتفرقوا؟!! أم يقول لنا‪ :‬ملاذا تفرقتم وقد هنيتكم عن‬
‫التفرق بقويل الواضح املبني‪ :‬ﭽ ‪...‬ﭵ ﭶ ‪...‬ﭼ [آل عمران‪.]103‬‬
‫ال آخر مما ينبغي التفريق فيه من النصوص بصورة عامة‪ ،‬هذا نص يقول لك‪:‬‬ ‫ولنأخذ مثا ً‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ‪...‬ﭼ [العنكب�وت‪ ،]46:‬وه�ذا نص‬

‫((( سنن أيب داود‪.198 -197 /4 :‬‬


‫‪40‬‬

‫آخ�ر‪ :‬ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﭼ التوبة‪.‬‬
‫إن هذي�ن النصين ال يمكن فهم املراد منهام إال بعد أن نفهم اختالف كل دائرة نزل فيها‬
‫الن�ص عن الدائرة األخ�رى‪ ،‬فالدعوة إىل اهلل دائرة كبرية هلا ما يناس�بها من األحكام‪ ،‬حتى‬
‫قال اهلل عن فرعون‪ :‬ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ طه ‪ ،‬فاللني واملجادلة بالتي هي أحس�ن سلاح‬
‫الدع�وة‪ ،‬بينام القوة والغلظة سلاح اجلهاد‪ ،‬فدائرة الدع�وة يشء‪ ،‬ودائرة اجلهاد يشء آخر‪،‬‬
‫واخللط بينهام خطأ أيض ًا‪.‬‬
‫لقد توس�عت يف هذه األمثلة ألين أرى أن الكثري من أس�باب النزاع‪ ،‬السيام ذلك املستند‬
‫إىل النصوص سببه اجلمع فيام ينبغي تفريقه‪ ،‬أو التفريق فيام ينبغي مجعه‪.‬‬
‫وبعد كل هذا فربام اس�تطعنا أن نضع أصابعنا عىل أبرز السمات يف املنهج القرآين‪ ،‬بقي‬
‫علينا أن نشري إىل آثار املنهج القرآين عىل أرض الواقع‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪41‬‬

‫املبحث اخلام�س‬
‫�آثار املنهج القر�آين‬
‫إن مق�دار النج�اح أو الفش�ل ال يق�اس إال بمق�دار م�ا حققه اإلنس�ان م�ن أهداف‬
‫مرس�ومة ل�ه مس�بق ًا‪ ،‬واملنهج القرآين جاء لغاية واضحة مكش�وفة‪ ،‬إهن�ا أن يكون الدين‬
‫كل�ه هلل‪ ،‬وأن تعلن خالفة اهلل يف األرض‪ ،‬وأن تكون الرمحة للعاملني ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ األنبي�اء‪ ،‬وق�د وضع القرآن منهجه الش�امل لتحقيق هذه الغاية‪،‬‬
‫وكان ه�ذا املنه�ج يبتدئ بجان�ب العقيدة‪ ،‬والعقي�دة أوكل إليها مهم�ة بناء التصورات‬
‫األوىل التي حيتاجها املسلم ألداء وظيفته‪ ،‬وأوكل إليها أيض ًا مهمة الدفع باجتاه التطبيق‪،‬‬
‫والصبرعلىألواءالطري�ق‪،‬وق�دحقق�تالعقي�دةالقرآني�ةم�اهدف�تإلي�ه‪.‬‬
‫ال‪ :‬قامت أمة م�ن الصفر حتمل الرمحة والعدل والعلم للعاملين‪ ،‬وانطلقت راياهتا‬ ‫فإمج�ا ً‬
‫الفاحت�ة يف غض�ون س�نوات لتخ�رج الناس من عب�ادة األوث�ان إىل عبادة اهلل وح�ده‪ ،‬ومن‬
‫ال يراود خميالت الفالس�فة‬ ‫ج�ور األديان إىل عدل اإلسلام‪ ،‬وبنت املجتمع الذي كان خيا ً‬
‫ال‪ :‬لنضع أيدينا عىل النقاط اآلتية‪:‬‬‫واملصلحني‪ ،‬وتفصي ً‬
‫‪ -1‬يف جمال الس�لوك الفردي‪ :‬وجدنا هذا اإلنس�ان املطبوع عىل األنانية والطمع وحب‬
‫السلامة واخللود‪ ،‬رأيناه إنسان ًا يبذل ما عنده ألخيه‪ ،‬ويبذل روحه لدينه‪ ،‬حتى قال القرآن‪:‬‬
‫ﭽ ‪...‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﭼ [احلرش‪ ، ]9:‬وحتى أصبح بذل النفس‬
‫ال حيمل طابع الواجب التكليفي املجرد‪ ،‬وإنام ارتقت به لغة القرآن إىل احلب‪ ،‬فاملسلم حيب‬
‫أن يب�ذل روح�ه‪ ،‬وهك�ذا ينبغ�ي أن يك�ون‪ :‬ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃﮄﮅﮆﮇ ﮈ ﮉﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ التوبة‪ ،‬ولذا انقلب هذا اإلنسان من إنسان يقاتل من أجل ناقة‬
‫أو مجل‪ ،‬إىل إنسان يقدم كل يشء وينتظر الشهادة بشوق كبري‪ ،‬فإذا سال دمه استبرش ونادى‪:‬‬
‫فزت ورب الكعبة‪.‬‬
‫إنن�ا نعزو هذا االنقالب اهلائل يف النفس البرشي�ة إىل العقيدة التي جاء هبا القرآن والتي‬
‫غيرّ فيها التصورات واملفاهيم‪ ،‬إن القرآن مل يلغ الغريزة وإنام دفعها باجتاه البناء‪ ،‬ماذا نتصور‬
‫‪42‬‬

‫اإلنس�ان الذي حي�ب ذاته؟ هل جاءته العقيدة القرآنية لتقول ل�ه ألغ هذه الطبيعة؟ ال‪ ،‬وإنام‬
‫قالت له‪ :‬إن كنت حتب ذاتك فقدمها‪ ،‬لتضمن ذاتك الس�عيدة الس�عادة األبدية‪ ،‬وإن كنت‬
‫حتب مالك‪ ،‬فقدمه ليكون لك أضعاف ًا مضاعفة‪ ،‬وكلام كنت أناني ًا أكثر كلام ينبغي عليك أن‬
‫تب�ذل وتضحي أكثر!! نعم فالتاجر الذي حيب الرب�ح أكثر من غريه يتعب أكثر ويبذل أكثر‬
‫ولك�ن لريبح أكثر‪ ،‬هذا التصور اجلديد الذي بنته العقيدة هو الذي فعل األفاعيل‪ ،‬اس�تمع‬
‫إىل عقي�دة القرآن كيف تصوغ هذه احلقيقة‪ :‬ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ‪...‬ﭼ [التوب�ة‪ ،]111:‬إذ ًا ه�ي عملية بي�ع ورشاء وربح‪ ،‬وإذا‬
‫ال للرتدد‪ ،‬إهنا تقول‬‫كنت مرتدد ًا يف اإلقدام عىل هذه الصفقة‪ ،‬فإن عقيدتك لن ترتك لك جما ً‬
‫ل�ك‪ :‬ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ‪...‬ﭼ [آل عم�ران‪ ،]185:‬بمعن�ى أن�ك تقدم الثم�ن طائع ًا‬
‫أو مكره� ًا‪ ،‬أن�ت متوت حت ًام وس�تخرس مالك بموتك‪ ،‬فماذا تريد؟ أتريد أن خترس نفس�ك‬
‫ومالك جمان ًا دون عوض؟ أم تريد أن تشتري هبام اجلنة والس�عادة األبدية؟ أنت بني هذين‬
‫اخلياري�ن‪ ،‬فماذا أنت فاعل؟!‪ .‬وإذا كان األمر كذلك فهل من حاجة إىل أن نفصل القول يف‬
‫تأثري العقيدة عىل السلوك اليومي لإلنسان‪ ،‬يف أكله ورشبه‪ ،‬وسوقه ومزرعته‪ ،‬بني أهل بيته‬
‫واآلخرين‪ ،‬لقد بنت العقيدة القرآنية إنسان ًا جديد ًا ال حيتاج إىل رقابة؛ فرقيبه من داخله‪ ،‬وال‬
‫حيتاج إىل القضاة فدستوره بني جوانحه‪ ،‬وهذا يكفي‪.‬‬
‫‪ -2‬يف جم�ال البن�اء اجلامع�ي وتكوين احلض�ارة املثالية‪ :‬ال داعي أن نق�دم بني يدي هذه‬
‫ال بلغ عمره األربعني سنة‪ ،‬ومل يعمل‬ ‫النقطة فهي ال حتتاج إىل مقدمات‪ ،‬فقط أن نعلم أن رج ً‬
‫أي يشء‪ ،‬ث�م ب�دأ يدع�و إىل عقيدة جديدة بع�د األربعني‪ ،‬لكن الناس رفض�وا هذه العقيدة‬
‫وآذوا ه�ذا الرج�ل كثير ًا هو والقلة الذين آمن�وا معه‪ ،‬حتى ملا جاوز عمره اخلمسين خرج‬
‫ال حس�م‬ ‫مهاجر ًا بدينه وطارده الناس لكنه اس�تطاع أن ينجو‪ ،‬ثم ملا بلغ الس�تني أو يزيد قلي ً‬
‫املعرك�ة م�ع مجيع أعدائه لصاحله‪ ،‬فأس�لم العرب واهنزم اليهود‪ ،‬وبس�ط نفوذه عىل اجلزيرة‬
‫العربية ومل يكتف هبذا أخذ هيدد استقرار الروم يف شامل جزيرته‪ ،‬ثم واصل املسرية خلفاؤه‬
‫من بعده فحطموا طواغيت األرض‪ ،‬فهدموا عرش كرسى‪ ،‬وكرسوا ش�وكة قيرص!!! فقط‬
‫أن نعلم هذه احلقيقة فهذا يكفي‪.‬‬
‫ف�إذا علمت أن ه�ذه الرسعة يف اإلنجاز مل تكن حمصورة يف اجلانب العس�كري وإنام هو‬
‫انقلاب رسيع يف السياس�ة والقان�ون واالقتصاد واألخالق‪..‬الخ‪ ،‬وكل هذا س�ار بموازنة‬
‫فري�دة عجيب�ة‪ ،‬فامذا تق�ول؟ لوال أنه خرب مس� ّلم بصحته عند خلق اهلل كاف�ة‪ ،‬لقلنا‪ :‬إنه من‬
‫‪43‬‬

‫التاريخ‪ ،‬فكيف‬ ‫قص�ص املاضني وأس�اطري األولين‪ ،‬لكنه احل�ق الذي هبر العق�ول وحّي�رّ‬
‫استطاع القرآن أن حيقق كل هذا؟! لننظر يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬لي�س املجتم�ع إال جمموع أفراد‪ ،‬ف�إذا تبني لنا آنف ًا كيف اس�تطاعت عقيدة القرآن أن‬
‫تحُ دْ ث االنقالب اهلائل داخل النفس البرشية؛ فام الذي يعوقها بعدُ أن حتدث هذا االنقالب‬
‫يف املجتمع كله؟! إن جيش ًا مكون ًا من أفراد صاغتهم عقيدة القرآن؛ عقيدة البيع والرشاء أو‬
‫صفقة اجلنة‪ ،‬ال يمكن أن ينهزم أبد ًا‪ ،‬أينهزم التاجر من الربح الكبري؟!‪ ..‬ولذا يف كل معارك‬
‫اإلسلام األوىل مل نس�مع بأن الدولة اإلسلامية احتاجت إىل وضع “التجانيد” الس�تدعاء‬
‫املواليد‪ ،‬وال إقامة السيطرات لتتبع املتخلفني واهلاربني!!! ‪.‬‬
‫ب‪ -‬لقد جاءت عقيدة القرآن لتقول لإلنسان‪ :‬إن األرض أرضك والسامء سامؤك وكل‬
‫م�ا فيه�ا لك‪ ،‬لي�س فيها جمهول خييفك‪ ،‬ليس فيها ممنوع عليك –إال ما ش�اء اهلل‪ ،-‬واس�مع‬
‫مع�ي إىل ه�ذا البي�ان‪ :‬ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ‪ ...‬ﭼ [البق�رة‪ ،]29:‬و‬
‫ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭼ إبراهي�م‪ ،‬و ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ [لقامن‪.]20:‬‬
‫إن هذه العقيدة التي تبصرّ اإلنسان بحقيقة هذا الكون‪ ،‬وإنه خملوق مسخر له فهو سيده‪،‬‬
‫أن هذه العقيدة ستفجر الطاقات وتفتق‬ ‫واملترصف فيه‪ ،‬بإذن خالقه –تبارك وتعاىل‪ (((-‬البد ّ‬
‫املواه�ب‪ ،‬ثم إن ه�ذا التفجري منضبط بحدود الدس�تور اإلهلي‪ ،‬فاإلنس�ان ليس هو املالك‬
‫يوم حياس�ب فيه هذا اإلنس�ان عىل‬ ‫احلقيق�ي وإنما هو مس�تخلف فيه مؤمتن عليه‪ ،‬وس�يأيت ٌ‬
‫الصغرية والكبرية‪.‬‬
‫فاحلضارة اإلسلامية قامت عىل االستغالل األقوى واألمثل للطاقات املخزونة يف هذا‬
‫الكون مع الدستور الذي ينظم هذا االستغالل ويدفع به نحو اهلدف الكبري(((‪.‬‬
‫ل�و أردت أن جت�ري مقارنة بين هذه العقي�دة والعقائد األخرى يف ه�ذه النقطة بالذات‬

‫((( انظر‪« :‬العقيدة والفطرة» لصابر طعيمة‪ :‬ص‪. 75‬‬


‫((( «االستخالف والرتكيب االجتامعي يف اإلسالم» ص‪. 36‬‬
‫‪44‬‬

‫لرأيت العجب‪ ،‬تصور أن عقيدة تقول ألصحاهبا‪ :‬إن إهلكم بقرة أو نار أو شمس أو قمر أو‬
‫متر أو حجر‪ ،‬ما قيمة هذه العقيدة أمام العقيدة التي تقول لإلنس�ان‪ :‬أنت س�يد هذا الكون‪،‬‬
‫وإن هذه اآلهلة املزيفة أنت سيدها وهي مسخرة خلدمتك ؟!‪.‬‬
‫ثم تصور عقيدة عىل نقيض تلك‪ ،‬عقيدة تقول لإلنسان‪ :‬أنت سيد الكون‪ ،‬أما اإلله فهو‬
‫إ ّما َو ْه ٌم ال حقيقة له‪ ،‬وهذه فلسفة الرشق اآلن‪ ،‬وإ ّما أنه موجود ولكن ال دخل له يف خلقه‪،‬‬
‫فال رشيعة له وال دس�تور‪ ،‬اإلنس�ان هو الذي يس�تغل الكون وهو الذي يضع لنفسه قانون‬
‫االس�تغالل!! ماذا ينتج عن عقيدة الغرب هذه؟ نعم اس�تغالل كبري لطاقات الكون‪ ،‬لكن‬
‫مع الظلم واألنانية والطبقية واالس�تغالل البش�ع لطاقات الفقراء والطبقات الكادحة‪ ،‬ملاذا‬
‫مل تستطع احلضارة الغربية أن تنتج جمتمع ًا يسوده التعاون واإليثار؟ ملاذا مل يستطع الساكنون‬
‫يف ناطحات السحاب أن حيققوا قدر ًا من الرأفة واحلب واإليثار كام حققه ساكنو الصحراء‬
‫أيام املد اإلسالمي األول؟!‪.‬‬
‫وبني هذه وتلك توجد عقائد كثرية لكنها عوراء أو عرجاء‪ ،‬فهذا غاية ما عنده أن حيقق‬
‫حلم ش�عب اهلل املختار يف استعباد بقية األجناس البرشية‪ ،‬وذاك غاية ما عنده أن ي َ‬
‫رت َّهب يف‬
‫صومعة أو دير تارك ًا الزواج واحلياة!! ‪.‬‬
‫جـ‪ -‬لقد مر معنا أن من أبرز هذه العقيدة أهنا عقيدة عملية‪ ،‬دفعت اإلنس�ان يف ميادين‬
‫عملي ًا‪ ،‬فليس يف كل‬
‫العم�ل‪ ،‬يف عامل الش�هادة‪ ،‬ومل متنحه م�ن الغيب إال بمقدار ما ينتفع ب�ه ّ‬
‫جوان�ب العقي�دة جانب نظري بح�ت‪ ،‬وهذا بطبعه أدى إىل التنافس يف العمل‪ ،‬واملس�ارعة‬
‫في�ه‪ ،‬واالبتع�اد عن اجلانب النظري الفلس�في‪ ،‬هذا االبتعاد كان له الس�بب األكرب يف حفظ‬
‫الطاقات العقلية ودفعها باجتاه امليدان العميل‪ ،‬ولنقارن اآلن بني حالتني‪:‬‬
‫احلالة األوىل‪ :‬حالة العقول املنفتحة يف اجليل اإلسالمي األول‪ ،‬كيف دفعت هبا العقيدة‬
‫القرآني�ة إىل دراس�ة األرض وموازي�ن القوى‪ ،‬ث�م التخطيط لبن�اء األمة ورف�ع راية احلق‪،‬‬
‫وأخري ًا النجاح يف التنفيذ‪ ،‬فكانت عقول اخللفاء الراش�دين‪ ،‬والقادة العسكريني‪ ،‬والتجار‪،‬‬
‫وأصحاب اخلربات‪ ،‬والقدرات‪ ،‬كلها مشغولة باهلدف‪ ،‬مشحونة للتنفيذ‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪ :‬حالة العقول الكبرية التي جاءت بعد‪ ،‬لكنها ابتعدت عن الواقع وسبحت‬
‫يف فضاء الغيب‪ ،‬فأنتجت ثروة هائلة يف ميادين الكالم والفلس�فة‪ ،‬لكن اجلياع ال تش�بعهم‬
‫الفلس�فة‪ ،‬والظلم ال ترفعه األقالم‪ ،‬واجليوش الغازي�ة ال يردها جدل املتكلمني‪ ،‬لقد كنت‬
‫ال أش�غلوا عقوهلم يف عامل‬‫أس�أل نفسي كثري ًا بحرسة وأس�ى‪ :‬م�اذا لو أن ه�ؤالء املعتزلة مث ً‬
‫‪45‬‬

‫الش�هادة ومي�دان الواقع؟ م�اذا لو أن ه�ذه الطاقات واألوق�ات رصف�ت يف ميادين العلم‬
‫العملي واإلب�داع الصناعي‪ :‬إن العقول التي صنعت الكهرباء واكتش�فت خصائص النفط‬
‫وأنتجت البنادق والقنابل ليست أذكى من عقول أئمتنا الكبار‪ ،‬فهل أقول‪ :‬إنه خطأ املنهج؟‬
‫من املمكن‪ ،‬لكن احلقيقة دائ ًام إن األمة عندما تتعرض لغزو فكري سينربي بعض املخلصني‬
‫له‪ ،‬وبقدر ما حيققون من نجاح بقدر ما يصبح هذا امليدان ميدان الشهوة والشهرة‪ ،‬فيتنافس‬
‫املتنافس�ون‪ ،‬ويتدافعون باألكتاف‪ ،‬لكن قد يك�ون ذاك اخلطر زال أص ً‬
‫ال‪ ،‬أو إنه من املمكن‬
‫أن يزول ببعض يسري من هذا اجلهد‪ ،‬فام كان ينبغي أن توظف العقول كلها لرد شبهة آثارها‬
‫فيلسوف أو مكابر!! ‪.‬‬
‫لقد ُط ِر َحت أمام اجليل األول شبهات كثرية‪ ،‬السيام من أهل الكتاب‪ ،‬وبعض املنافقني‪،‬‬
‫ال لإلخلال باملوازنة حلدوث‬ ‫لك�ن الرتبي�ة عىل أس�س العقي�دة القرآنية م�ا كانت تدع جم�ا ً‬
‫االرتباك املؤذي للصف اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -3‬وال يفوتن�ا أن نذك�ر األث�ر الكبري الذي نجم عن توحيد مص�در التلقي لدى األمة‪،‬‬
‫الس�يام يف مبادئها األوىل ومنطلقاهتا الرئيس�ة‪ ،‬فلام كان املس�لمون ال يأخ�ذون عقيدهتم إال‬
‫من مصدر واحد وهو كتاب اهلل‪ ،‬منحهم هذا وحدة يف اجلانب األهم من ميادينهم الفكرية‬
‫وغريها‪ ،‬وإن عدم السامح للعقل البرشي أن جيتهد ليضع أصول العقيدة بل حتى وال السنة‬
‫النبوي�ة كما مر‪ ،‬حيث كانت األصول االعتقادية واضحة مفصل�ة يف القرآن‪ ،‬القرآن املعجز‬
‫اخلال�د املحف�وظ‪ ،‬إن ه�ذا كان له الدور األكرب يف صيانة اجلدار اإلسلامي من التش�ققات‬
‫ً‬
‫خالف�ا يف الثوابت واألصول‪،‬‬ ‫اخلطيرة الت�ي قد تودي ب�ه‪ ،‬وإن كل خالف هني م�ا مل يكن‬
‫ول�ذا كانت عقي�دة القرآن صامم األمان حلفظ األمة املس�لمة‪ ،‬وإن ه�ذه األمة ما اضطربت‬
‫أفكارها وتباينت تصوراهتا إال بعد أن س�مح للعقل أن جيتهد يف مس�ائل العقيدة‪ ،‬والعقول‬
‫ال تلتقي إال عىل الرضوريات‪ ،‬ومس�ائل العقيدة ليس�ت كلها رضوريات‪ ،‬بل إن منها ما هو‬
‫متصل باجلانب الغيبي البحت‪ ،‬الذي ال جمال للعقل فيه إال بدليل من الوحي‪ ،‬فلام اختلفت‬
‫العقول يف نتاجها تعددت مصادر التلقي‪ ،‬فتلقت األمة عقائد مصبوغة بصبغة العقول التي‬
‫أنتجتها‪ ،‬فحدث ما حدث‪ ،‬واهلل املستعان‪.‬‬
‫ويف خت�ام هذا املبحث نود أن نجيب عن تس�اؤل قد ينق�دح يف الذهن‪ ،‬وهو أنه إذا كان‬
‫مقي�اس النجاح أو الفش�ل ألي مرشوع إنما يكون بمقدار ما حققه م�ن أهداف مع مراعاة‬
‫عنصر الزم�ن‪ ،‬فهل العقيدة القرآني�ة قد حققت أهدافها بصورة صحيح�ة وكاملة؟ كيف‪،‬‬
‫‪46‬‬

‫واألرض ال زال�ت تدين بأديان باطلة‪ ،‬ودس�اتري ومناهج من وض�ع البرش‪ ،‬وال زال الظلم‬
‫يرخي ذيوله عىل املجتمعات اإلنسانية برمتها ؟!‪.‬‬
‫هذا الس�ؤال يف غاية األمهية‪ ،‬واجلواب عنه قد ينفعنا لكش�ف طبيعة هذا الدين ومنهجه‬
‫يف حتقيق أهدافه عىل هذه األرض‪ ،‬وللجواب نقول‪ :‬إن اإلسلام يتحرك عىل هذه األرض‬
‫بجانبين‪ :‬األول‪ :‬وهو املعصوم من اخلطأ واملربأ من الزلل‪ ،‬ونعني به الوحي اإلهلي‪ ،‬عقيدة‬
‫ورشيع�ة‪ ،‬واجلان�ب الث�اين‪ :‬وهو املع�رض للخطأ والزل�ل‪ ،‬ونعني به اجله�د البرشي الذي‬
‫كلف بحمل هذه الرس�الة والوصول هبا إىل غايتها‪ ،‬وهذا اجلانب هو أس�اس االبتالء‪ ،‬ويف‬
‫ميدانه يفوز الفائزون‪ ،‬او يسقط الساقطون‪ ،‬فحينام يعي البرش املكلفون هبذا الواجب طبيعة‬
‫وظيفته�م‪ ،‬ويصدقون معها‪ ،‬ويتحركون هبا يف املس�ار الصحيح‪ ،‬ف�إن اجلانب األول مؤمن‬
‫الثغرات‪ ،‬فلن تنتكس املسيرة بس�بب نقص أو خلل يف اجلانب األول أبد ًا‪ ،‬وهذا ما حدث‬
‫ً‬
‫ذرع�ا بتقدمه‬ ‫يف اجلي�ل األول‪ ،‬فكلما حت�رك الص�ف إىل األمام وجد عقيدت�ه معه ال تضيق‬
‫تتعوق‬
‫وتوس�عه‪ ،‬فتحقق ما حتقق‪ ،‬وحينام يترسب اخللل إىل اجلند املكلفني بحمل الرس�الة ّ‬
‫املسرية‪ ،‬وحيدث اإلخفاق‪.‬‬
‫واخلالصة‪ :‬إننا نقر بوجود إخفاق عريض يف جمال حتقيق األهداف‪ ،‬إال أن هذا اإلخفاق‬
‫ما كان سببه اجلانب االعتقادي‪ ،‬وإنام سببه اجلهد البرشي املناط به محل هذه األمانة ‪.‬‬
‫الف�صل الثاين‬
‫الإلهيات‬

‫ •املبحث الأول‪� :‬إثبات وجود الله‬


‫ •املبحث الثاين‪ :‬التوحيد‬
‫ •املبحث الثالث‪ :‬الأ�سماء وال�صفات‬
‫ •املبحث الرابع‪ :‬القدر‬
‫‪49‬‬

‫املبحث الأول‬
‫�إثبات وجود الله‬
‫إن ق�ارئ الق�رآن ال جيد فيه مناقش�ة رصحية ملنك�ري اخلالق‪ ،‬ويمكن تعلي�ل هذا بأمور‪،‬‬
‫أمهها‪:‬‬
‫‪ -1‬إن اإليمان بوجود خالق هذا الكون قضية رضورية‪ ،‬ال مس�اغ للعقل يف إنكارها‪،‬‬
‫فهي ليس�ت قضية نظرية حتتاج إىل دليل وبرهان‪ ،‬ذلك ألن داللة األثر عىل املؤثر يدركها‬
‫أي أثر ولو كان أثر ًا تافه ًا؛‬
‫العقل بداهة‪ ،‬والعقل ال يمكن له أن يتصور أثر ًا من غري مؤثر‪ّ ،‬‬
‫فكيف هبذا الكون العظيم؟! ولذلك مل يناقش القرآن هذه القضية‪ ،‬حتى حينام أورد إنكار‬
‫فرع�ون لرب العاملني يوم أن قال‪ :‬ﭽ ‪...‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ [الش�عراء ‪ ،]23 :‬و ﭽ‪ ...‬ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ‪ ...‬ﭼ [القص�ص ‪ ،]38 :‬و ﭽﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﭼ غافر‪،‬‬
‫ف�كان موس�ى –عليه السلام‪ -‬ال يعري اهتامم ًا هل�ذه اإلنكارات‪ ،‬وتعام�ل مع فرعون عىل‬
‫ال‪ :‬ﭽ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬ ‫أس�اس أن�ه مؤمن بوجود اخلالق‪ ،‬فرتاه يقول ل�ه مث ً‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﭼ اإلرساء‪ ،‬وق�د ع�زا‬
‫الق�رآن ه�ذا اإلن�كار إىل التكرب والعن�اد فق�ال‪ :‬ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ املؤمن�ون‪ ،‬وأوض�ح أكث�ر فق�ال‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ‪...‬ﭼ [النم�ل ‪.]14 :‬‬
‫‪ -2‬إن البيئ�ة الت�ي ن�زل فيها الق�رآن الكريم مل تكن بيئة فلس�فية‪ ،‬وإنما كانت وثنية يف‬
‫الغال�ب‪ ،‬كتابي�ة يف بع�ض القرى أو بعض األش�خاص‪ ،‬والكتابيون ال ينك�رون اخلالق‪،‬‬
‫وأم�ا الوثنيون فمع عبادهتم لألوثان إال أهنم كانوا يؤمنون باخلالق‪ -‬س�بحانه‪َ ،-‬و َس ّ�جل‬
‫الق�رآن ه�ذا هلم يف أكث�ر من موض�ع‪ ،‬فق�ال‪ :‬ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ‪...‬ﭼ [لقمان ‪ ،]25 :‬و ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ‪...‬ﭼ [لقمان ‪ ،]32 :‬وهل�ذا مل حيت�ج القرآن أن يفتح املوضوع م�ع هؤالء الناس‪ ،‬بل‬
‫حت�ى خارج ه�ذا البيئة مل ُيع�رف هنالك منك�ر للخالق‪ ،‬يقول الشهرس�تاين‪ -‬رمحه اهلل‪:-‬‬
‫‪50‬‬

‫«أما تعطيل العامل عن الصانع العليم القادر احلكيم فلس�ت أراها مقالة ألحد‪ ،‬وال أعرف‬
‫عليها صاحب مقالة‪ ،‬إال ما نقل عن رشذمة قليلة من الدهرية‪ ،‬ولست أرى صاحب هذه‬
‫املقال�ة مم�ن ينكر الصانع‪ ،‬بل ه�و معرتف بالصانع‪ ،‬فام ُعدّ ت هذه املس�ألة م�ن النظريات‬
‫الت�ي ق�ام عليه�ا بره�ان»(((‪.‬‬
‫وم�ع خل�و القرآن من مناقش�ة رصحية ملنك�ري اخلالق إال أنه تضمن أدل�ة كثرية إلثبات‬
‫اخلال�ق‪ ،‬غير أهنا يف الغالب جاءت إلثبات مس�ائل أخ�رى‪ ،‬كالوحداني�ة والنبوة والبعث‪،‬‬
‫ويمكن استخالص هذه األدلة وتصنيفها عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪ -1‬دليل اخللق‪ :‬وهو املسمى بدليل االخرتاع والعناية ‪ ،‬وخالصة هذا الدليل‪:‬‬
‫(((‬

‫أن ه�ذا اخلل�ق بكل ما فيه ش�اهد عىل وج�ود خالقة العلي القدير‪ -‬س�بحانه وتعاىل‪،-‬‬
‫وتفصيله أن نقول‪ :‬االخرتاع معناه‪ :‬تكوين األشياء وإجيادها بعد العدم‪ ،‬والعناية‪ :‬هي ما يف‬
‫هذا الكون من تنظيم دقيق‪ ،‬وتناس�ق عجيب‪ ،‬ومظاهر الرعاية هلذا اإلنس�ان الذي سخر له‬
‫اهلل ما يف الس�موات وما يف األرض وأس�بغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة‪ ،‬وال نريد أن نطيل يف‬
‫تفصيل هذا الدليل‪ ،‬وإنام نريد أن نتنور هبذه اآليات‪ ،‬فلنتدبر مع ًا ﭽﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‪...‬ﭼ الطور‪ ،‬ﭽ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬
‫ﰅﰆ ﰇ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚﭛ‬
‫ﭜﭝ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯ‬
‫ﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻ‬
‫ﭼ ﭼ البق�رة‪ ،‬ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚﮛﮜ ﮝﮞﮟﮠﮡ ﮢﮣﮤﮥ‬
‫ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﭼ ال�روم‪ ،‬ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬

‫((( هناية اإلقدام للشهرستاين‪:‬ص ‪.124 ،123‬‬


‫((( انظر‪ :‬أصول الدين اإلسلامي د‪ .‬رش�دي عليان‪ ،‬و د‪ .‬قحطان الدوري ص‪ ،84‬والعقيدة اإلسالمية‬
‫وأسسها لعبد الرمحن حسن حبنكة ص‪ ،149‬وقصة اإليامن لنديم اجلرس ص ‪.276 -242‬‬
‫‪51‬‬

‫ﭮﭯﭰﭱ ﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸ ﭹﭺﭻ ﭼﭽ‬


‫ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮌﮍﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ النبأ‪.‬‬
‫‪ -2‬دلي�ل الفط�رة(((‪ :‬واملقصود ب�ه التنبيه إىل الدلي�ل الكامن يف داخل اإلنس�ان‪ ،‬الذي‬
‫يصرخ في�ه من داخل�ه باحلقيقة الكبيرة التي ال ريب فيها وال ش�ك ‪ ..‬وقد حت�دث القرآن‬
‫الكريم عن هذا الدليل من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬تبيني معنى الفطرة وذلك يف مثل قوله تعاىل‪ :‬ﭽﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ‪...‬ﭼ [الروم ‪ ،]30 :‬وقوله‪:‬‬
‫ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶﭷ‬
‫ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ‪...‬ﭼ األع�راف‪ ،‬فاالعرتاف بربوبية اهلل وحده فطرة يف الكيان‬
‫البشري‪ ،‬فط�رة أودعها اخلالق يف هذه الكينونة‪ ،‬وش�هدت هبا عىل نفس�ها بحكم وجودها‬
‫ذات�ه‪ ،‬وحك�م ما تستش�عره يف أعامقها من هذه احلقيقة‪ ،‬أما الرس�االت فتذكير وحتذير ملن‬
‫ينحرف�ون يف فطرهتم األوىل فيحتاجون إىل التذكري والتحذير‪ ،‬إن التوحيد ميثاق معقود بني‬
‫فطرة البرش وخالق البرش منذ كينونتهم األوىل(((‪.‬‬
‫ب‪ -‬حتريك هذه احلقيقة الكامنة يف داخل اإلنسان من خالل دعوة اإلنسان للنظر‬
‫يف نفس�ه‪ ،‬كما يف قول�ه تع�اىل‪ :‬ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ال إنكاري ًا يدفعه إىل كش�ف هذه احلقيقة‪،‬‬ ‫ﮦ ﮧ ﭼ الذاريات‪ ،‬ثم بس�ؤاله س�ؤا ً‬
‫كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ‪...‬ﭼ‬
‫[إبراهي�م ‪ ،]10 :‬ثم اإلنذار الش�ديد‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ فصلت‪.١٣((( :‬‬
‫أرص اإلنس�ان عىل عن�اده فالبد من تعق�ب خطواته عىل ه�ذه األرض‪ ،‬ففي‬ ‫ج�ـ‪ -‬ف�إذا ّ‬

‫((( انظر «دالئل التوحيد» للقاسمي‪ :‬ص‪ . 23‬و «العقيدة والفطرة يف اإلسالم» لصابر طعيمة ‪.‬‬
‫((( «يف ظالل القرآن» لسيد قطب ‪. 139/3‬‬
‫((( وق�د روى أهل السير‪ :‬أن عتبة ب�ن ربيعة كلم النبي ﷺ فيام جاء من خلاف قومه‪ ،‬فتال عليه (حم ‪..‬‬
‫فصلت ) إىل هذه اآلية‪ ،‬فأمسك عتبة عىل فم النبي ﷺ وناشده الرحم أن يكف‪ ،‬ومل خيرج إىل أهله واحتبس‬
‫عنهم ‪ ( .‬السرية النبوية البن كثري‪. )247/1 :‬‬
‫‪52‬‬

‫حلظة ضعف برشي ينس�ى اإلنس�ان عناده لينكش�ف احلق األبلج يف داخل نفس�ه‪ ،‬ومن ثم‬
‫االحتج�اج علي�ه ب�ه ‪ ..‬وانظر هذا الذي ق�ال‪ :‬ﭽ ‪ ...‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ [الش�عراء‪،] ٢٣ :‬‬
‫وق�ال‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ[القص�ص ‪ ،]38 :‬ه�و نفس�ه الذي قال‬
‫حلظ�ة الغ�رق‪ :‬ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ‬
‫يون�س‪ ،‬بل لقد اعرتف يف حلظة ضعف قبل هذه س�جلها عليه الق�رآن بقوله‪ :‬ﭽ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘﮙﮚ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﭼ األعراف‪.‬‬
‫وقد سجل القرآن مثل هذا عن املرشكني الذين نزل يف بيئتهم حيث قال‪ :‬ﭽ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﭼ لقامن‪ ، ٣٢ :‬و ﭽ إذا مس�كم الرض يف البحر ضل‬
‫من تدعون إال إياه‪...‬ﭼ [اإلرساء‪.] 67:‬‬
‫لق�د خل�ص الق�رآن ه�ذا الدلي�ل بقول�ه‪ :‬ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ‪...‬ﭼ [النم�ل‪.]٦٢ :‬‬
‫‪ -3‬دلي�ل اإلعج�از‪ :‬اإلنس�ان عاجز – ال ريب‪ -‬عن أن خيلق كخل�ق اهلل‪ ،‬بل كأضعف‬
‫خل�ق اهلل‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ‪...‬ﭼ [احل�ج‪ ، ]٧٣ :‬فالك�ون كل�ه معج�زة ش�اهدة‬
‫بوج�ود اخلالق – س�بحانه‪ -‬ولكن اإلنس�ان قد يغفل عن ه�ذه احلقيقة‪ ،‬وق�د يتغافل عنها‬
‫عن�اد ًا واس�تكبار ًا‪ ،‬فيحتاج إىل ُم ّنب�ه جديد لغفلته‪ ،‬وبرهان أكيد لكب�ح عناده وتكربه‪ ،‬ومن‬
‫هن�ا كان�ت املعجزة الثاني�ة أو اإلعجاز اآلخر املتمث�ل يف قدرة اهلل عىل خ�رق قانون الكون‬
‫ونظامه‪ ،‬فيبقى اإلنس�ان مبهوت ًا عاجز ًا أمام قدرة اهلل تعاىل‪ ،‬وهذا املبحث وإن كنا س�نتناوله‬
‫إن ش�اء اهلل يف فصل “النبوة” باعتباره جاء إلثبات صدق النبي الرس�ول ﷺ إال أننا س�نمر‬
‫ِ‬
‫ولنكتف‬ ‫هنا عليه رسيع ًا؛ ألن دليل إثبات الرس�ول هو دليل إثبات ِ‬
‫املرس�ل من باب أوىل‪،‬‬
‫هبذين املثالني فقط‪:‬‬
‫أ‪ -‬يف مناقش�ة موس�ى –عليه السلام‪ -‬لفرع�ون جيمع القرآن بني اإلعج�از من النوع‬
‫األول والث�اين‪ ،‬فلنق�رأ‪ :‬ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ‬
‫‪53‬‬

‫ﮛﮜﮝ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮧﮨﮩ‬


‫ﮪ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ [الش�عراء‪ ، ]٣٣ – ٢٣ :‬فالرب�ط هن�ا قائم بني دليل‬
‫اإلعج�از األول “اخللق” ودليل اإلعج�از الثاين “خرق العادة”‪ ،‬وكذل�ك الربط قائم يف‬
‫اإلعج�از الث�اين بني إثب�ات ربوبي�ة اهلل وحده وإثبات صدق موس�ى –عليه السلام‪ -‬يف‬
‫دعواه أنه رس�ول من عند اهلل ‪.‬‬
‫ب‪ -‬يوم أن حتدى القرآن العرب‪ ،‬وحتدى اإلنس واجلن عىل أن يأتوا بمثله‪ ،‬فقال‪ :‬ﭽﭜ‬
‫ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ [اإلرساء‪ ، ]٨٨ :‬وس�كت العرب وسكت معهم اإلنس واجلن‪ ،‬حتى‬
‫قال أحدهم‪“ :‬أشهد أن هذا ال يقدر عليه برش”‪ ،‬والذي ال يقدر عليه البرش فمن الذي يقدر‬
‫عليه؟ صحيح أن هذا التحدي جاء إلثبات صدق الرس�ول ﷺ إال أن التصديق بالرس�ول‬
‫ِ‬
‫باملرسل‪.‬‬ ‫فرع التصديق‬
‫ه�ذا وق�د قدمن�ا أن أغلب أدلة الق�رآن يف إثبات وج�ود اهلل مل تأت هل�ذا الغرض‪ ،‬وإنام‬
‫جاءت إلثبات مسائل أخرى‪ ،‬كالوحدانية والنبوة والبعث‪ ،‬فليتفطن ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


54
‫‪55‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫التوحيد‬
‫قلنا يف املبحث السابق‪ :‬إن قارئ القرآن ال جيد فيه مناقشة رصحية ملنكري اخلالق‪ ،‬وعللنا‬
‫هذا بكون هذه املس�ألة ال حتتاج إىل كثري نظر‪ ،‬فداللة األثر عىل املؤثر داللة عقلية رضورية‪،‬‬
‫ثم إن البيئة التي نزل فيها القرآن مل تكن تعاين من هذه املشكلة‪ ،‬غري أن املسألة اخلطرية التي‬
‫عاجلها القرآن هي مسألة الرشك‪.‬‬
‫لق�د ج�اء الق�رآن واجلزي�رة العربية تعج بآهل�ة كثرية‪ ،‬يصنعها اإلنس�ان بي�ده من الطني‬
‫واحلجر‪ ،‬يسجد هلا‪ ،‬وحيلف هبا‪ ،‬ويستنرصها‪ ،‬ومل يكن ما يناطح هذه السفاهات إال ديانات‬
‫حمرفة يف اجلزيرة وخارجها‪ ،‬قد يكون فيها من السفاهات ما ال يقل عن عبادة احلجر‪.‬‬
‫يوح�دون اهلل من حيث أنه ه�و اخلالق ال�ذي ال رشيك له‬ ‫صحي�ح أن املرشكين كان�وا ّ‬
‫يف اخلل�ق‪ :‬ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ‪...‬ﭼ [الزم�ر‪، ]٣٨ :‬‬
‫وصحيح أهنم ال يرون يف األصنام إال وس�ائط تقرهبم من اخلالق العظيم‪ :‬ﭽﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ‪...‬ﭼ [الزم�ر‪ ، ]٣ :‬إال أن اإلسلام تعام�ل مع ه�ذا كله عىل أنه رشك‬
‫وس�خر اإلسلام ّ‬
‫جل‬ ‫ّ‬ ‫وظل�م عظيم‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ [لقامن‪]١٣ :‬‬
‫طاقته للقضاء عىل هذا الظلم العظيم‪ ،‬وانتشال الناس إىل نقاء التوحيد وصفائه ‪ ..‬فام منهج‬
‫الق�رآن يف كل ه�ذه املعركة؟ ال ريب أن الذي يتصفح القرآن فإنه جيزم أن أهم مس�ألة اهتم‬
‫هبا القرآن هي هذه املس�ألة‪ ،‬غري أننا – يف احلقيقة‪ -‬ال نس�تطيع أن نجد يف القرآن تقس�ي ًام أو‬
‫تبويب ًا لتفصيالت هذه املس�ألة –كام حدث عند املتكلمني(((‪ -‬فللقرآن منهجه املتميز والذي‬
‫ال نستطيع اإلحاطة به هنا‪ ،‬غري أننا سنحاول أن نشري إليه من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬االهتمام الكبري هبذه املس�ألة‪ :‬فال نظري هلا أبد ًا يف مجيع املس�ائل التي عاجلها القرآن‪،‬‬
‫فق�د حش�د هلا القرآن م�ا يصعب حرصه‪ ،‬حيث أنك ال تكاد جتد س�ورة منه إال وفيها تأكيد‬
‫عىل وحدانية اهلل وحماربة الرشك(((‪ ،‬وقد يساعدنا أن نذكر بعض اإلحصاءات التقريبية‪:‬‬

‫((( راجع تقس�يامت املتكلمني يف كتاب‪« :‬املوجز يف مناهج املتكلمني» للمؤلف‪ ،‬والذي س�يخرج قريبا إن‬
‫شاء اهلل ‪.‬‬
‫((( انظر‪« :‬عقيدة التوحيد يف القرآن الكريم» ملحمد ملكاوي‪ ،‬وهي رسالة ماجستري خمصصة هلذه املسألة ‪.‬‬
‫‪56‬‬

‫ •وصف اهلل نفسه بالوحدانية وما يقرهبا اشتقاق ًا بنحو (‪ )29‬آية ‪.‬‬
‫ •وصف اهلل نفسه بأنه ال إله إال هو وما يقرب من هذا اللفظ بنحو (‪ )176‬آية ‪.‬‬
‫ •ذكر القرآن الرشك وما يقربه اشتقاق ًا بنحو (‪ )62‬آية ‪.‬‬
‫ولك�ن احلقيق�ة األكرب أن اآليات الت�ي تناولت هذه القضية باأللف�اظ املختلفة والصيغ‬
‫ال مادة “عبد” – والتي ُس ِّخ َرت يف الغالب للتنديد‬ ‫املتنوعة هي أضعاف هذه األرقام!! فمث ً‬
‫بعبادة غري اهلل‪ ،‬والتأكيد عىل حق اهلل وحده يف العبادة‪ -‬قد تكررت يف القرآن بنحو (‪)272‬‬
‫آي�ة‪ ،‬وهنال�ك غير هذه الصي�غ كثري‪ ،‬وقد يكف�ي القول بأن الق�رآن ذكر الرس�ل – عليهم‬
‫الصلاة والسلام‪ -‬وكرر ذكرهم كثير ًا‪ ،‬ومع كل مرة ال يس�أم القرآن أن يذك�ر أن وظيفة‬
‫الرسل األوىل ونقطة البداية يف دعوهتم هي هذه املسألة‪ ،‬ولنأخذ هذه األمثلة‪:‬‬
‫أ‪ -‬نوح – عليه الصالة والسالم‪ -‬ابتدأ القرآن قصته بقوله‪ :‬ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ األع�راف‪ ، ٥٩ :‬ث�م قال عنه‪ :‬ﭽ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﭼ ه�ود‪ ،‬ويتك�رر ه�ذا الن�داء‬
‫من نوح –عليه السلام‪ -‬يف س�ورة املؤمنون (اآلية رقم ‪ ،)22‬والشعراء (اآلية رقم ‪،)108‬‬
‫ونوح ( اآلية رقم ‪. )3‬‬
‫ب‪ -‬هود –عليه الصالة والسلام‪ -‬ابتدأ القرآن قصته بقوله‪ :‬ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ‪...‬ﭼ [األع�راف‪ ،] ٦٥ :‬وتك�رر الن�داء نفس�ه يف‬
‫س�ورة ه�ود ( اآلي�ة رقم ‪ ،)50‬واملؤمن�ون ( اآلية رقم ‪ ،)32‬وقريب ًا منه يف س�ورة الش�عراء‬
‫(اآلية رقم ‪ ،)126‬واألحقاف ( اآلية رقم ‪. )21‬‬
‫ح�ـ‪ -‬صالح –عليه الصالة والسلام‪ -‬ابتدأ القرآن قصت�ه بقوله‪ :‬ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ‪...‬ﭼ [األعراف ‪ ،]73 :‬وكرر هذه‬
‫البداية نفسه يف سورة هود (اآلية رقم ‪. )61‬‬
‫د‪ -‬إبراهيم –عليه الصالة والسلام‪ -‬بدأ م�ع أبيه بقوله‪ :‬ﭽ ‪...‬ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ [األنعام‪ ،] ٧٤ :‬ثم كرر الدعوة بأسلوب آخر‪ :‬ﭽ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ مريم‪ ،‬ثم يوجه سؤا ً‬
‫ال استنكاري ًا ألبيه‬
‫وقومه‪ :‬ﭽﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ [األنبياء‪.]٥٢ :‬‬
‫ولنق�رأ أخير ًا عنه هذه اللقطة الرائع�ة‪ :‬ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮬﮭ‬
‫‪57‬‬

‫ﮮﮯﮰ ﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙﯚﯛ ﯜﯝ‬


‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫هـ‪ -‬يوس�ف –عليه الصالة والسلام‪ -‬ونخت�ار من قصته تلك الوقف�ة التي وقفها بني‬
‫جدران الس�جن وقضبانه‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ‪...‬ﭼ يوسف‪.‬‬
‫و‪ -‬ش�عيب –علي�ه الصلاة والسلام‪ : -‬ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ‪...‬ﭼ [األع�راف ‪ ،]85 :‬وتك�رر هذا النداء نفس�ه‬
‫يف سورة هود ( اآلية رقم ‪. )84‬‬
‫إن ه�ذه األمثل�ة تؤك�د لن�ا أن القضي�ة األوىل التي اهتم هب�ا رس�ل اهلل –عليهم الصالة‬
‫والسالم‪ -‬هي قضية التوحيد‪ ،‬مع اختالفهم زمان ًا ومكان ًا وقوم ًا وبيئة ‪.‬‬
‫‪ -2‬التفصيل الشامل لكل جوانب التوحيد ومسائله‪:‬‬
‫فل�م يرتك القرآن أي جان�ب من جوانب التوحيد إال وبينه‪ ،‬وأقام الدليل عليه‪ ،‬والعلامء‬
‫هلم يف تفصيل أنواع هذه املس�ائل مس�الك كثرية‪ ،‬غري أن املتصفح يف القرآن جيد أن هنالك‬
‫مخسة جوانب مهمة ومرتابطة يمكن أن تضم مجيع مسائل التوحيد(((‪ ،‬وهي كام يأيت‪:‬‬
‫اجلان�ب األول‪ :‬إف�راد اهلل يف اخللق‪ ،‬بمعن�ى أن اهلل وحده هو الذي خلق كل هذا العامل‪،‬‬
‫واخترص القرآن هذا اجلانب بقوله‪ :‬ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ‪...‬ﭼ [الزمر ‪ ،]62 :‬ثم فصل‬
‫القول يف أنواع اخللق هذه‪ ،‬ونكتفي هنا ببيان بعض األمثلة‪:‬‬
‫أ‪ -‬اهلل خال�ق اإلنس�ان‪ :‬ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ‪...‬ﭼ [األعراف ‪.]189 :‬‬
‫ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ الروم‪.‬‬
‫ب‪ -‬اهلل خال�ق السماوات واألرض‪ :‬ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ‪...‬ﭼ‬
‫[اجلاثية‪.]٢٢ :‬‬

‫((( انظر النموذج يف ص ‪ 83‬الذي يوضح الرتابط بني جوانب التوحيد اخلمسة ‪.‬‬
‫‪58‬‬

‫ج�ـ‪ -‬اهلل خال�ق األنع�ام‪ :‬ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬


‫ﭩ ﭪ ﭼ [الزخ�رف‪ ، ]١٢ :‬ﭽ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﭼ [النحل‪.]٥ :‬‬
‫د‪ -‬اهلل خال�ق الغيث وال�زرع‪ :‬ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ [النب�أ‪ ، ]١٦ – ١٤ :‬ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡﯢﯣ ﯤﯥﯦﯧﯨ ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ [عب�س‪.]٣٢ – ٢٥ :‬‬
‫هـ‪ -‬اهلل خالق النعم مجيع ًا‪ :‬ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ‪...‬ﭼ [النحل‪.]٥٣ :‬‬
‫و‪ -‬اهلل وح�ده جيي�ب الدع�اء(((‪ :‬ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ [النمل‪.]٦٢ :‬‬
‫اجلانب الثاين‪ :‬إفراده – تبارك وتعاىل‪ -‬يف امللك‪ ،‬بمعنى أن اهلل هو املالك احلقيقي خللقه‪،‬‬
‫وهذا اجلانب مبني عىل اجلانب األول‪ ،‬فطاملا أن اهلل هو اخلالق إذ ًا هو املالك‪ ،‬وال يصح ملك‬
‫غيره‪ ،‬ولنتدبر هذه اآلي�ات‪ :‬ﭽ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ ﭼ‬
‫[املائ�دة‪ ، ]١٢٠ :‬ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭼ [الفرق�ان‪ ، ]٢ :‬ﭽ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ [ص‪ ، ]١٠ :‬ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ فاطر‪.١٣ :‬‬
‫ال ال خيرج عن ملك اهلل‪ ،‬ألنه ﭽ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬ ‫وأما ما يملكه غري اهلل يف الظاهر فهو أو ً‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭼ [البقرة‪ ، ]٢٨٤ :‬فاملالك هذا مملوك هلل‪ ،‬ثم إن هذا امللك تسخري وختويل‪:‬‬
‫ﭽ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ‪...‬ﭼ [اجلاثي�ة‪ ، ]١٣ :‬ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ‪...‬ﭼ [األنع�ام‪ ، ]٩٤ :‬وأم�ا املعاندون فس�يعلمون ه�ذه احلقيقة يوم يقول‬
‫اهلل‪ :‬ﭽ ‪ ...‬ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﭼ [غافر‪.]١٦ :‬‬
‫اجلان�ب الثال�ث‪ :‬إفراد اهلل يف احلك�م والترشيع واألمر والنهي؛ ألنه ه�و املالك اخلالق‪،‬‬
‫فه�ذا اجلان�ب قائم عىل اجلانبني األولني‪ ،‬فال حيق ألح�د غري اهلل أن حيكم خلق اهلل‪ ،‬ولنتدبر‬
‫هذه اآليات‪:‬‬

‫((( ألن إجابة الدعاء أثر من آثار اخللق ‪.‬‬


‫‪59‬‬

‫ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ‪...‬ﭼ [املائدة‪.]٤٩ :‬‬


‫ﭽ ‪...‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ [املائدة‪.]٤٤ :‬‬
‫ﭽﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ‪...‬ﭼ [البقرة‪.]٢١٣ :‬‬
‫ﭽﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﭼ [النساء‪.]١٠٥ :‬‬
‫ﭽ ‪...‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﭼ [يوسف‪.]٤٠ :‬‬
‫ﭽﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ [املمتحنة‪. ]١٠ :‬‬
‫ﭽ ‪ ...‬ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﭼ [املائدة‪.]٥٠ :‬‬
‫ﭽ ‪...‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ [الكهف‪.]٢٦ :‬‬
‫وق�د يكفي أن نعلم أن كلمة «حكم» وما اش�تق منها ق�د تكررت يف القرآن بنحو (‪)90‬‬
‫مرة‪ ،‬وأما ما جاء باأللفاظ األخرى فكثري جد ًا‪ ،‬ونكتفي هبذه النامذج‪:‬‬
‫ﭽﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ‪...‬ﭼ الشورى‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ التوبة‪.‬‬
‫ﭽﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ‪ ...‬ﭼ [التوبة‪.]٢٩ :‬‬
‫وهك�ذا يتبين أن احلكم احلق هو حكم اهلل‪ ،‬وأن الق�رآن ال يعرتف بأي حكم غري حكم‬
‫اهلل‪ ،‬وأما ما أسند فيه احلكم إىل غري اهلل فهو عىل معنى املن ّفذ حلكم اهلل‪ ،‬كام يف قوله‪ :‬ﭽ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ‪...‬ﭼ [املائدة‪.]٤٩ :‬‬
‫اجلان�ب الراب�ع‪ :‬إف�راد اهلل –تب�ارك وتع�اىل‪ -‬بالعب�ادة‪ ،‬واملقص�ود االمتث�ال‬
‫الكام�ل حلك�م اهلل وأم�ره‪ ،‬وهذا اجلانب ه�و ثمرة اجلانب ال�ذي قبله‪ ،‬فلام كان اهلل‬
‫ه�و احلاك�م املشرع املحلل املحرم‪ ،‬وأن�ه ال جيوز أن يمنح هذا احل�ق لغري اهلل‪ ،‬كان‬
‫م�ن الطبيع�ي أن تك�ون الطاع�ة هلل وح�ده‪ ،‬واحلقيق�ة أن ه�ذا اجلانب ه�و اجلانب‬
‫م�ر معنا أن مادة «عبد»‬ ‫العملي للتوحي�د‪ ،‬وهل�ذا رك�ز القرآن عليه أيما تركيز‪ ،‬وقد ّ‬
‫س�خرت يف الغال�ب للتندي�د بعب�ادة غير اهلل‪ ،‬والتأكيد‬ ‫وم�ا اش�تق منه�ا – والت�ي ّ‬
‫على ح�ق اهلل وحده يف العبادة‪ -‬ق�د تكررت يف القرآن الكري�م بنحو (‪ )272‬مرة‪،‬‬
‫ولنأخ�ذ منه�ا بع�ض النماذج‪:‬‬
‫‪60‬‬

‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ‬
‫األنبياء‪.‬‬
‫ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ‪...‬ﭼ [النساء‪.]٣٦ :‬‬
‫ﭽ ‪ ...‬ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ‪...‬ﭼ [التوبة‪.]٣١ :‬‬
‫ويكف�ي أن نعل�م أن هذا اجلانب اعتربه القرآن غاي�ة اخللق وعلته‪ ،‬فقال‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ [الذاريات‪.]٥٦ :‬‬
‫هذا وقد ورد هذا املعنى بألفاظ أخرى من مثل قوله تعاىل‪:‬‬
‫ﭽﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ‬
‫[األنع�ام‪ ،]١٢١ :‬ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ‪...‬ﭼ [الن�ور‪ ]٥١ :‬ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ‬
‫ﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫﮬ ﮭﮮﮯ ﮰﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ‪...‬ﭼ [حممد‪. ]٢٦ – ٢٥ :‬‬
‫فطاع�ة غري اهلل –ولو يف بعض األمر‪ -‬طري�ق الردة‪ ،‬وهذا يؤكد أن ال طاعة لغري اهلل أما‬
‫طاعة الرس�ول ﷺ فألنه مب ّلغ عن اهلل‪ ،‬ﭽ ‪ ...‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ‪...‬ﭼ [الش�ورى‪، ]٤٨ :‬‬
‫فطاعت�ه طاعة اهلل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ‪...‬ﭗ ﭼ [النس�اء‪ ،]٨٠ :‬وإذا كان األمر‬
‫ال لك�ي ال حيوجنا اهلل لغريه‪ ،‬ولذلك‬ ‫كذل�ك –وهو كذلك‪ -‬فال بد أن يكون رشع اهلل ش�ام ً‬
‫ق�ال اهلل‪ :‬ﭽ ‪ ...‬ﮖ ﮗ ﮘ ‪ ...‬ﭼ [األنع�ام‪ .]١٥٤ :‬ﭽ ‪ ...‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅﮆ ‪...‬ﭼ [األنعام‪ ،] ٣٨ :‬وسيأيت بيان هذا مفص ً‬
‫ال إن شاء اهلل‪.‬‬
‫اجلان�ب اخلام�س‪ :‬إفراد اهلل بأسمائه وصفات�ه وأفعاله‪ ،‬فال رشيك له يف أسمائه‪ ،‬وال يف‬
‫صفاته‪ ،‬وال يف أفعاله‪ .‬وتوحيد اهلل يف أسمائه معناه‪ :‬أن اهلل قد س�مى نفس�ه بأسماء‪ ،‬وهذه‬
‫األسماء له وحده فال ترصف لس�واه س�واء كان االس�م جمرد ًا من الوص�ف‪ ،‬مثل “اهلل” أو‬
‫مش�تق ًا من�ه مثل “ الرمحن”‪ ،‬وهلذا ق�ال اهلل تع�اىل‪ :‬ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖﮗ ‪...‬ﭼ [اإلرساء‪ ،] ١١٠ :‬وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ [مري�م‪ ، ]٦٥ :‬وق�ال‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ‪...‬ﭼ [األعراف‪:‬‬
‫‪ ، ]١٨٠‬وتوحي�د اهلل يف صفات�ه معن�اه أن اهلل –تعاىل‪ -‬قد وصف نفس�ه بصفات‪ ،‬وأن هذه‬
‫الصفات خالصة له وحده‪ ،‬وال جيوز رصفها لغريه سواء كانت هذه الصفات قائمة باالسم‪،‬‬
‫مر يف اس�مه “الرمح�ن”‪ ،‬أو جمردة منه‪ ،‬كما يف قوله تع�اىل‪ :‬ﭽ ‪...‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬ ‫كما ّ‬
‫‪61‬‬

‫ﯭ ‪ ...‬ﭼ [البق�رة‪ ، ]٢٥٥ :‬فعل�م اهلل لي�س في�ه رشيك‪ ،‬وال يامثله عل�م أحد من خلقه‪،‬‬
‫وكل هذا سنفصله إن شاء اهلل يف مبحث مستقل‪ ،‬وأما توحيده يف أفعاله فهذا تابع للجانب‬
‫األول‪ ،‬ف�اهلل ﭽ ‪...‬ﭚ ﭛ ﭜ ‪...‬ﭼ [األنع�ام‪ ، ]١٠٢ :‬وهذا اخللق يعني أفعا ً‬
‫ال‬
‫كثرية‪ ،‬كالرزق واإلحياء واإلماتة ‪ ...‬الخ‪ ،‬وقد تقدم ‪.‬‬
‫‪62‬‬

‫‪ -3‬االستدالل القرآين املقنع إلثبات هذا التوحيد وكثرة صيغه وتنوع أساليبه‪:‬‬
‫ونكتفي هنا أن نذكر بعض األدلة التي ساقها القرآن الكريم‪:‬‬

‫الدليل الأول‪:‬‬
‫دليل اخللق‪ ،‬وهو الدليل الذي ذكرناه يف مسألة “وجوده تعاىل” حيث إنا قلنا هناك‪:‬‬
‫إن ه�ذا الدلي�ل وإن دل عىل وجوده –تعاىل‪ -‬إال أنه يف الغالب مس�وق ملس�ائل أخرى‪،‬‬
‫من أبرزها مس�ألة التوحيد‪ ،‬واالس�تدالل باخللق عىل توحي�د اخلالق واضح‪ ،‬فكل ما يف‬
‫الك�ون يش�هد أن خال�ق هذا الكون واح�د‪ ،‬وهذه هي احللقة األوىل يف ه�ذا الدليل‪ ،‬ثم‬
‫ال إلثبات حق اهلل يف احلك�م‪ ،‬وتنفيذ هذا احلكم‬ ‫ملا ثبت هذا اس�تخدمه القرآن نفس�ه دلي ً‬
‫( الترشي�ع والعب�ادة )‪ ،‬ولننظ�ر اآلن يف احللق�ة األوىل‪ :‬ﭽ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚ‬
‫ﭛﭜﭝ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ‬
‫ﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ [البق�رة‪. ]١٦٤ – ١٦٣ :‬‬
‫فه�ذه اآلي�ة فيه�ا دليل واض�ح إلثبات وج�وده –تعاىل‪ ،-‬غير أن النص س�يق إلثبات‬
‫التوحي�د‪ ،‬كما هو بينّ يف مقدمته‪ ،‬ومعنى هذا االس�تدالل‪ :‬أن الس�موات واألرض ‪ ...‬الخ‬
‫حمسوس�ات مش�اهدات‪ ،‬وأهنا ال بد هلا من خالق‪ ،‬وإنه مل يدّ ع اخللق أحد غري اهلل‪ ،‬فاإلنسان‬
‫ولو كان كافر ًا فإنه ال يدّ عي خلق السموات واألرض‪ ( :‬أم هم اخلالقون )؟! وآهلته الباطلة‬
‫ال ينس�ب هل�ا اخلل�ق‪ ،‬ب�ل ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ‪...‬ﭼ‬
‫[الزمر‪ ..]٣٨ :‬فهذا هو احللقة األوىل‪.‬‬
‫وأم�ا احللق�ة الثاني�ة‪ ،‬فلننظر يف ه�ذه اآلي�ات‪ :‬ﭽ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ‪ ...‬ﭼ [البقرة‪.]٢١ :‬‬
‫ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ‪ ...‬ﭼ [فصل�ت‪ ،] ٣٧ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ‪ ...‬ﭼ [األنعام‪. ]١٠٢ :‬‬
‫و ﭽ ‪ ...‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﭼ [الرعد‪.]١٦ :‬‬
‫‪63‬‬

‫وهكذا يكون توحيد اهلل يف اخللق دليل وجوب توحيده يف العبادة‪.‬‬


‫وق�د يس�تخدم الق�رآن ما بن�ي عىل توحي�ده يف اخلل�ق –كتوحيده يف املل�ك‪ -‬دلي ً‬
‫ال‬
‫أيض� ًا لتوحي�ده يف العب�ادة‪ :‬ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹﯺ ‪...‬ﭼ [املائ�دة‪.]٧٦ :‬‬
‫ﭽ ‪...‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ [العنكبوت‪.]١٧ :‬‬
‫وقد جيمع اهلل األصل وما بني عليه‪:‬‬
‫ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ [فاط�ر‪.] ٤١ - ٤٠ :‬‬
‫وق�د يثبت الق�رآن عجز املرشكين وآهلتهم بالدلي�ل امللموس‪ ،‬والتح�دي الصارخ‪ ،‬مما‬
‫يؤدي إىل نتيجة واحدة هي توحيد اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬ولنأخذ هذين املثالني‪:‬‬
‫ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ‪...‬ﭼ [البق�رة‪ .]٢٥٨ :‬ﭽ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭼ [احلج‪.]٧٣ :‬‬

‫الدليل الثاين‪:‬‬
‫املو َّحدْ ‪ ،‬فالناموس الذي حيكم حركة الكون ناموس واحد‪ ،‬مما يدل عىل أن‬ ‫دليل النظام َ‬
‫واضع هذا الناموس واحد أيض ًا‪ ،‬وقد ّنبه القرآن إىل هذا الدليل كثري ًا‪ ،‬فرتاه يربط بني أجزاء‬
‫هذا الكون منبه ًا بجمعها عىل النظام الواحد‪ ،‬والغاية الواحدة‪ ،‬ولننظر مث ً‬
‫ال‪:‬‬
‫ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸ ﭹﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ‬
‫ﮂﮃﮄ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮌﮍﮎﮏ ﮐﮑﭼ‬
‫[النبأ‪.]١٦ – ٦ :‬‬
‫وسخرها مجيع ًا لغاية واضحة؟ ولننظر أيض ًا‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫فمن الذي مجع بني هذه األجزاء‬
‫‪64‬‬

‫ﭽﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ [النمل‪.]٦١ – ٦٠ :‬‬

‫الدليل الثالث‪:‬‬
‫عدم فس�اد الك�ون(((‪ ،‬والذي اخترصه الق�رآن بقول�ه‪ :‬ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ‬
‫[األنبياء‪ .]٢٢ – ٢١ :‬وهذا الدليل يصلح عىل خمتلف جوانب التوحيد‪ ،‬فمث ً‬
‫ال نس�تطيع أن‬
‫نق�ول‪ :‬لو كان هلذا الكون خالقان لفس�د الكون؛ ألهنما إن اتفقا إراد ًة وخلق ًا فهذا – مع أنه‬
‫ف�رض باطل‪ -‬م�ؤ ّداه أهنام حيتاج كل واحد منهام لآلخر‪ ،‬واإلله ال حيتاج‪ ،‬وإن اختلفا فس�د‬
‫الك�ون ال حمال�ة‪ ،‬فه�ذا دليل عىل توحي�د اهلل يف اخللق‪ ،‬ولو كان يف الك�ون إهلان حيكامن‪ ،‬أو‬
‫يعبدان ويطاعان‪ ،‬لفسد الكون أيض ًا‪ ،‬ويف هذا إشارة إىل أن سبب فساد الكون هو اإلرشاك‬
‫يف احلكم والطاعة‪ ،‬فكل ما يكون بني الناس من حروب ونزاعات‪ ..‬الخ س�ببه األول عدم‬
‫االحتكام إىل حاكم واحد‪.‬‬

‫الدليل الرابع‪:‬‬
‫دلي�ل الفط�رة‪ ،‬فاإلنس�ان – لو صدق مع نفس�ه‪ -‬فإنه ال س�بيل ل�ه يف إن�كار التوحيد‪،‬‬
‫ألن�ه جي�د التوحي�د رضورة يف فطرته‪ ،‬وإذا ما غلفت ه�ذه الفطرة فإهنا تظهر عند الش�دائد‬
‫واملصائب‪ ،‬ولننظر كيف حتدث القرآن عن هذا الدليل‪ :‬ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ [األنعام‪.]٤١ – ٤٠ :‬‬

‫((( ويعلق صاحب الظالل عىل هذه اآلية بقوله‪« :‬وهنا يرضب يوس�ف –عليه السلام‪ -‬رضبته األخرية‬
‫احلاس�مة‪ ،‬فيبين ملن ينبغي أن يكون الس�لطان! ملن ينبغي أن يكون احلكم ملن ينبغ�ي أن تكون الطاعة! إن‬
‫احلكم ال يكون إال هلل‪ ،‬فهو مقصور عليه سبحانه بحكم ألوهيته‪ ،‬إذ احلاكمية من خصائص األلوهية‪ ،‬فمن‬
‫ادعى احلق فيها فقد نازع اهلل سبحانه‪ ،‬أوىل خصائص ألوهيته‪ ،‬سواء ادعى هذا احلق فرد‪ ،‬او طبقة أو حزب‬
‫أو أمة أو الناس مجيع ًا يف صورة منظمة عاملية» ‪ (.‬يف ظالل القرآن ‪.)1990/4‬‬
‫‪65‬‬

‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ‪...‬ﭼ [اإلرساء‪.]٦٧ :‬‬


‫ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕﮖﮗﮘﮙﮚ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﭼ [األعراف‪.]١٣٥ – ١٣٤ :‬‬

‫الدليل اخلام�س‪:‬‬
‫فقدان املرشكني للدليل!! فاملرشك مثبت لقضية ال دليل عليها‪ ،‬واملثبت مطالب بالدليل‬
‫بخالف النايف‪ ،‬فال إثبات إال بدليل‪ ،‬فحينام ال يس�تطيع املرشك أن يقدم أي دليل عىل صحة‬
‫دع�واه أن م�ع اهلل آهل�ة أخرى بطلت دع�واه وبطلت آهلت�ه‪ ،‬ولننظر كيف ص�اغ القرآن هذا‬
‫الدلي�ل‪ :‬ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ‬
‫ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭼ [األنبياء‪.]٢٤ :‬‬
‫ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ [األحقاف‪.]٤ :‬‬
‫وبع�د كل ه�ذه األدلة حيث القرآن اإلنس�ان أن َي ْصدُ ق مع نفس�ه وأن يتأمل يف مصريه‪،‬‬
‫ويدفع�ه بق�وة إىل هذا التأمل املوص�ل إىل التوحيد‪ ،‬يدفعه بالرتغيب والرتهيب‪ ،‬كام س�نرى‬
‫يف مبح�ث «اإليمان باليوم اآلخر»‪ ،‬غري أنن�ا نكتفي هنا بمقطع واحد اس�تعجا ً‬
‫ال للموعظة‬
‫والذك�رى‪ :‬ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮥﮦ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ‬
‫[األنعام‪.]٢٤ – ٢١ :‬‬

‫‪ -4‬مناقشة املرشكني عىل اختالفهم وتعدد آهلتهم‪:‬‬


‫فال تكاد جتد نوع ًا من أنواع الرشك إال وقد ذكره القرآن منبه ًا ومناقش ًا وحمذر ًا‪ ،‬ونستطيع‬
‫اآلن أن نمر مرور ًا رسيع ًا عىل هذه األنواع‪:‬‬
‫‪ -1‬األصنام‪ :‬وهي التامثيل التي عبدت عىل اختالف أنواعها وتعدد أسامئها‪ ،‬ويف احلقيقة‬
‫إن أغل�ب نق�اش القرآن مع املرشكني إنام هم عبدة األصنام؛ ألن األمة التي نزل فيها القرآن‬
‫كانت أمة صنمية وثنية‪ ،‬وقد وردت كلمة «األصنام» يف القرآن الكريم مخس مرات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪66‬‬

‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭼ [األنعام‪.]٧٤ :‬‬
‫ووردت كلمة «األوثان» وهي بمعنى «األصنام» ثالث مرات منها‪:‬‬
‫ﭽ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ [احلج‪.]٣٠ :‬‬
‫وق�د وصف القرآن ه�ذه األصنام بام ين ّفر الن�اس عنها ويبعدهم ع�ن عبادهتا‪ ،‬وذلك‬
‫ال‪ :‬ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬ ‫ببيان حقيقتها‪ ،‬وانظر مث ً‬
‫ﭿ ﮀ ﭼ [مري�م‪ .]٤٢ :‬ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚﮛ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﭼ [الش�عراء‪.]٧٣ – ٦٩ :‬‬
‫‪ -2‬الش�مس والقم�ر والكواكب‪ :‬وقد ذكرها القرآن يف أكثر م�ن موضع‪ ،‬منها‪ :‬ﭽ ال‬
‫اس ُجدُ وا للِهَّ ِ ا َّل ِذي َخ َل َق ُه َّن‪...‬ﭼ [فصلت ‪.]37 :‬‬
‫س َولاَ لِ ْل َق َم ِر َو ْ‬ ‫َت ْس ُجدُ وا لِ َّ‬
‫لش ْم ِ‬
‫ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﭼ [األنع�ام‪ ،] ٧٩ - ٧٨ :‬ولق�د ج�اءت ه�ذه اآلي�ة بعد ذك�ر الكواكب‬
‫والقمر ‪.‬‬
‫ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ [النجم‪ ، ]٤٩ :‬والشعرى‪ :‬كوكب عبده بعض الناس ‪.‬‬
‫‪ -3‬املالئك�ة واجلن‪ :‬ولنقرأ هذه اآليات‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭼ [س�بأ‪ .]٤١ – ٤٠ :‬ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ [آل عم�ران‪ ،] ٨٠ :‬ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ‪...‬ﭼ [األنعام‪.]١٠٠ :‬‬
‫‪ - 4‬األنبياء‪ :‬كعيس�ى الذي عبده النصارى وجعلوه ثالث ثالثة وجعلوه ابن ًا هلل‪ ،‬وعزير‬
‫ال�ذي جعل�ه اليهود ابن� ًا هلل‪ ،‬ولنق�رأ‪ :‬ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ [املائدة‪.]73-٧2 :‬‬
‫‪67‬‬

‫ﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﭼ [التوبة‪.]٣٠ :‬‬
‫وق�د حارب القرآن هذه الدع�وى الظاملة‪ :‬أن يكون له –س�بحانه‪ -‬ولد‪ ،‬ورد عىل مجيع‬
‫القائلين هبذه عىل اختالفهم‪ ،‬ولنق�رأ‪ :‬ﭽﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ [مريم‪.]٩٣ – ٩٢ :‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ اإلخالص‪ .]٤ – ١ [:‬ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ [الصافات‪.]١٥٢– ١٥١:‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭼ [املائدة‪.]١٨ :‬‬
‫ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ النحل‪.‬‬
‫‪ -5‬األحب�ار والرهب�ان‪ :‬يقول اهلل تع�اىل‪ :‬ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭼ [التوب�ة‪ ، ]٣١ :‬ولو تدبرنا هذه اآلية‬
‫لوجدناه�ا تتحدث ع�ن جانب مهم من جوان�ب التوحيد‪ ،‬وهو جان�ب احلكم والترشيع‪،‬‬
‫بدلي�ل أهن�م ال يص ّلون لألحبار والرهبان‪ ،‬وال يعتقدون أهنم خالقوا هذا الكون‪ ،‬ولنس�مع‬
‫إىل رسول اهلل ﷺ كيف يبني مدلول هذه اآلية يوم أن قال له عدي بن حاتم –ريض اهلل عنه‪-‬‬
‫الل‪َ ،‬فا َّت َب ُع ُ‬
‫وه ْم‪،‬‬ ‫وه ْم" فقال‪َ (( :‬بلىَ ‪ ،‬إنهَّ ُ ْم َأ َح ُّلوا لهَ ُ ُم الحْ َ َر َام َ‬
‫وح َّر ُموا َع َل ْي ِه ُم الحْ َ َ‬ ‫"إِنهَّ ُ ْم لمَ ْ َي ْع ُبدُ ُ‬
‫َف َذلِ َك ِع َبادَتهُ ُ ْم إِ َّي ُ‬
‫اه ْم ))(((‪.‬‬
‫‪ -6‬اهلوى‪ :‬الذي قال القرآن فيه‪:‬‬
‫ﭽﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭼ [الفرقان‪.]٤٣ :‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ [اجلاثية‪.]٢٣ :‬‬
‫ومعنى اختاذ اهلوى إهل ًا أي حك ًام؛ ألنه ﭽ إن احلكم إال هلل ﭼ ولذلك قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ [املائدة‪.]٤٩ :‬‬

‫((( انظر‪« :‬عقيدة التوحيد يف القرآن الكريم» ملحمد أمحد ملكاوي ص‪. 272‬‬
68
‫‪69‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫الأ�سماء وال�صفات‬
‫القارئ للقران الكريم جيد حشد ًا كبري ًا ألسامء اهلل – تعاىل‪ -‬وصفاته‪ ،‬فلامذا هذا التأكيد‬
‫والتك�رار؟ ومل�اذا كل هذا احلش�د؟ صحيح أن طبيعة القرآن قد تقتضي هذا‪ ،‬فليس القرآن‬
‫ع�رف ب�اهلل وبحقوقه‪ ،‬غري أن هذا ال يقتيض أكثر من ذكر اس�م «اهلل» وحده‪،‬‬ ‫إال كالم اهلل ا ُمل ّ‬
‫أما هذه األسماء الكثرية املتكررة فالبد أن يكون هلا أهداف أخرى‪ ،‬ولنلق الضوء اآلن عىل‬
‫املس�احة التي أخذهتا هذه املس�ألة يف القرآن الكريم‪ ،‬والتي س�نفصل القول فيها من خالل‬
‫النقاط التالية‪:‬‬

‫‪� -1‬أ�سماء الله تعاىل‪:‬‬


‫تكررت يف القرآن الكريم كثري ًا سواء باسم العلم «اهلل» أو باألسامء املقرتنة بالوصف مثل‬
‫«الرمحن»‪ ،‬وال نريد هنا أن نخوض يف هذه األسماء اجلليلة من حيث االستقصاء والرشح‪،‬‬
‫وإنام نريد أن نصل إىل بعض األهداف التي أرادها القرآن‪ ،‬ومن خالل تقس�يم هذه األسماء‬
‫بحس�ب معانيها األساس�ية واملساحة التي أخذها كل قس�م من القرآن الكريم ‪،‬وعىل ضوء‬
‫هذا نستطيع أن نقسم األسامء إىل األنواع اآلتية‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬االسم العلم «اهلل» وقد تكرر هذا االسم يف القرآن (‪ )2815‬مرة‪ ،‬واحلكمة‬
‫واضحة جلية‪ ،‬فال نقف عندها‪.‬‬‫ٌ‬ ‫من تكرار هذا االسم‬
‫الن�وع الث�اين‪ :‬األسماء الت�ي تدل على أن اهلل هو ال�رب واخلال�ق واملالك هل�ذا الكون‪،‬‬
‫ولنتمعن يف هذه اإلحصاءات‪:‬‬
‫«ر ِّب ا ْل َعالمَ ِني» َّ‬
‫«ر ُّب‬ ‫ال�رب‪ :‬تك�رر يف الق�رآن الكريم (‪ )983‬م�رة‪ ،‬بصيغ كثيرة منه�ا َ‬ ‫ّ‬
‫«ر َّب ُك ُم»‪..‬الخ ‪.‬‬
‫ض»‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫ات َواأل ْر ِ‬ ‫السماَ َو ِ‬
‫َّ‬
‫اخلالق‪ :‬تكرر بنحو تسع مرات‪ .‬واخلالق مرتني‪ ،‬وامللك ‪ :‬مخس مرات‪ ،‬ومالك‪ :‬مرتني‪،‬‬
‫والبارئ‪ :‬ثالث مرات‪ ،‬والويل‪ :‬إحدى وثالثني مرة‪ ،‬واملحي‪ :‬مرتني‪.‬‬
‫الن�وع الثال�ث‪ :‬األسماء الت�ي ت�دل على أن اهلل علي�م بخلق�ه‪ ،‬ولننظر يف هذه األسماء‬
‫وأرقامها‪:‬‬
‫‪70‬‬

‫العلي�م‪، 158:‬عامل‪ ،13 :‬علام‪ ، 4:‬أعلم‪ ، 49 :‬خبري‪ ، 45:‬ش�هيد‪ ،17 :‬اللطيف‪، 7:‬‬
‫احلكيم‪ ، 96:‬سميع‪ ، 45:‬بصري‪. 44:‬‬
‫الن�وع الراب�ع‪ :‬األسماء الت�ي تدل على أن اهلل قادر عىل خلق�ه‪ ،‬ولننظر يف هذه األسماء‬
‫وأرقامها‪:‬‬
‫فعال ملا‬
‫القدي�ر‪ ،45 :‬الق�ادر باملفرد وصيغة املعظم لنفس�ه‪ ،12 :‬الق�وي‪ ، 9:‬املتني‪َّ ، 1:‬‬
‫يريد‪.2 :‬‬
‫النوع اخلامس‪ :‬األسامء التي تدل عىل أن اهلل رحيم بخلقه‪:‬‬
‫الرمح�ن‪ ،169 :‬الرحي�م‪ ،227:‬ال�ودود‪ ،2 :‬البرَ ُّ ‪ ،1 :‬املجيب‪ ،1 :‬ش�كور‪ ،4 :‬ش�اكر‪:‬‬
‫‪ ،2‬السلام‪ ،1 :‬احللي�م ‪ ،11 :‬الغف�ور‪ ،91 :‬الغفار‪ ،5 :‬غافر‪ ،1 :‬الت�واب‪ ،11 :‬العفو‪،5 :‬‬
‫الكريم‪ ،3 :‬األكرم‪ ،1 :‬القريب‪ ،3:‬الوهاب‪.3:‬‬
‫النوع السادس‪ :‬األسامء التي تدل عىل عظمة اهلل وعلوه وقدسيته‪:‬‬
‫العزيز ‪ ،90 :‬القهار‪ ،6 :‬القاهر‪ ،2 :‬العيل‪ ،8 :‬األعىل‪ ،2 :‬املتعال‪ ،1 :‬العظيم‪ ،6 :‬الكبري‪:‬‬
‫‪ ،5‬املتكرب‪ ،1 :‬اجلبار‪ ،1 :‬املهيمن‪ ،1:‬املجيد‪ ،2 :‬القدوس‪.2 :‬‬
‫ه�ذه اإلحصائي�ة التقريبي�ة تضمنت أغلب أسماء اهلل – تع�اىل ـ الت�ي وردت يف القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬وما عدا هذه فهو قليل‪ ،‬وال خيلو من هذه املعاين املتقدمة‪ ،‬ولنأخذ بعض األسامء‪:‬‬
‫األول‪ ،1 :‬اآلخر‪ ،1 :‬الظاهر‪ ،1 :‬الباطن‪ ،1 :‬اهلادي‪ ،2 :‬احلفيظ‪ ،3 :‬املحيط‪ ،8 :‬الوكيل‪:‬‬
‫‪ ،14‬األحد‪ ،1 :‬الواحد‪ ،22 :‬الصمد‪ ،1:‬النور‪ ،1 :‬القيوم‪ ،3 :‬احلق‪ ،10 :‬احلميد‪. 7 :‬‬
‫ه�ذه األسماء تك�ررت يف الق�رآن الكري�م بصيغ كثيرة تعم�ل عملها يف نف�س القارئ‬
‫وضميره‪ ،‬فقد يأيت االس�م لوحده مصدرة به آية من كت�اب اهلل كام يف‪ :‬ﭽ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ الرمحن‪ ،‬ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﭼ [الن�ور‪ ، ]٣٥ :‬وت�ارة خيتم القرآن آياته باس�مني كريمني حيمالن داللة مقصودة‬
‫ال‪ :‬ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬ ‫تناس�ب املقام‪ ،‬فانظر مث ً‬
‫ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ [املائ�دة‪ ،]٣٨ :‬ث�م انظ�ر‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﭼ [األحزاب‪.]٧٣ :‬‬
‫وهذه األسماء مل تعزل يف مبحث مستقل‪ ،‬وإنام بثت يف القرآن يف مجيع أحكامه وقصصه‬
‫ومواعظه‪ ،‬مما كان له األثر الكبري يف استقامة الناس وسلوكهم مسلك القرآن الشامل عقيدة‬
‫وعبادة وأحكام ًا وأخالق ًا‪.‬‬
‫‪71‬‬

‫وأيم‬
‫وه�ذه األسماء جاءت من البس�اطة والوضوح بحي�ث يفهمهام األمي على أميته‪ُ ،‬‬
‫اهلل لق�د كن�ت متهيب� ًا مثل هذا البح�ث مبحث األسماء والصفات مبحث معق�د ال يفهمه‬
‫إال الراس�خون يف العل�م‪ ،‬عىل خلاف بينهم‪ ،‬وكنت أس�أل نفيس ملاذا يتضم�ن القرآن كل‬
‫ه�ذه املباحث الصعبة املعق�دة؟! وكيف فهمها بالل وأبو ذر وصهيب؟! هذه املباحث التي‬
‫دوخ�ت األجي�ال املتعاقبة من أه�ل العلم‪ ..‬كيف؟! ومل�اذا؟! ولكني حينما فتحت القرآن‬
‫ألقرأه من جديد‪ ،‬ألقرأ وأنا متجرد من مباحث هذه األجيال ذهب اخلوف‪ ،‬وزالت احلرية‪،‬‬
‫وأدركت أن اهلل الذي مأل كتابه باس�مه «الرمحن» واس�مه «الرحيم» حاش�اه أن جيعل كتابه‬
‫نفسه مصدر قلق واضطراب وفرقة وشتات‪ ،‬وأدركت أن التعقيد مل يأت من القرآن‪.‬‬
‫ولقد جاءت هذه األسماء متناسبة مع وظيفة اإلنسان عىل هذه األرض‪ ،‬فهو مستخلف‬
‫أجير‪ ،‬وهذا األجير بحاجة إىل أن يعرف م�ن هو مالك هذه األرض (مي�دان عمله)‪ ،‬وما‬
‫هو اس�مه الذي يناديه به‪ ،‬وبحاجة إىل أن يعلم أن الذي اس�تأجره عامل به حتى ال يغش وال‬
‫خي�ادع‪ ،‬وأنه قادر عليه حتى ال يس�تهني‪ ،‬وأنه رحيم به حت�ى ال ييأس وال يقنط‪ ،‬فليس هذا‬
‫املبحث مبحث ًا نظري ًا وإنام هو واقعي عميل‪ ،‬يتطلبه واقع اإلنسان عىل هذه األرض‪.‬‬
‫ولق�د بحث اإلم�ام البيهقي –رمح�ه اهلل‪ -‬موضوع «أسماء اهلل تع�اىل»‪ ،‬ووزعها جماميع‬
‫بحس�ب معانيها‪ ،‬وبني موقف املس�لم منها‪ ،‬وقد أغنى وأكفى‪ ،‬وغال�ب كالمه فيها نافع يف‬
‫جمال العمل والسلوك‪ ،‬ألنه ابتعد هبا عن مناهج النظر والفلسفة(((‪.‬‬
‫ويمكن توضيح الصلة بني أسامء اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬التي ذكرت يف القرآن وميدان التكليف‬
‫بالنموذج التايل‪:‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫((( انظر‪« :‬األسامء والصفات» ص‪. 94 -4‬‬


72
‫‪73‬‬

‫‪� -2‬صفاته تعاىل‪:‬‬


‫نس�تطيع أن نقس�م صف�ات اهلل –تع�اىل‪ -‬ال�واردة يف الق�رآن الكري�م إىل أقس�ام كثرية‪،‬‬
‫وباعتبارات متعددة‪ ،‬غري أننا سنختار هنا تقسي ًام ينفعنا يف حتديد عالقة الصفات باألسامء(((‪،‬‬
‫ث�م يف حتدي�د الغاي�ة من ذكر ه�ذه الصفات‪ ،‬ومنهج الق�رآن يف كل هذا‪ ،‬وعىل أس�اس هذا‬
‫التقسيم يبدو يل أن الصفات تندرج حتت األقسام األربعة اآلتية‪:‬‬
‫الق�سم الأول‪:‬‬
‫صف�ات اقرتنت بأسمائه تعاىل‪ ،‬وهي األسماء احلس�نى التي تدل عىل صف�ات معينة هلل‬
‫تع�اىل‪ ،‬وهذا يندرج فيه كل انواع األسماء التي مرت عدا النوع األول‪ ،‬فاألسماء التي تدل‬
‫عىل الربوبية واخللق أو العلم أو القدرة أو الرمحة أو العظمة كلها أسامء اشتقت من الوصف‪،‬‬
‫فهي أسامء وصفات‪ ،‬وقد فصلنا القول فيها آنف ًا‪.‬‬
‫الق�سم الثاين‪:‬‬
‫صفات حتمل معاين األسامء املتقدمة غري أهنا مل تأت بصيغة االسم‪ ،‬وكأهنا جاءت مؤكدة‬
‫هلذه األسامء‪ ،‬ولنأخذ بعض األمثلة‪:‬‬
‫أ‪ -‬األسماء الت�ي تدل عىل الربوبي�ة واخللق‪ ،‬مثل «رب العاملين» و»اخلالق» و»مالك‬
‫يوم الدين»‪ ،‬هذه األسماء جاءت معانيها مكررة يف صيغ أخرى مثل‪:‬‬
‫ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﭼ [البق�رة‪ ،] ٢٩ :‬ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ ﭼ‬
‫[آل عمران‪ ،]١٥٦ :‬ﭽﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ‪...‬ﭼ [البقرة‪،]١٠٧ :‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ‪ ...‬ﭼ [احلج‪ ،] ٥٦ :‬وهكذا‪.‬‬
‫ب‪ -‬األسماء الت�ي تدل على العلم‪ ،‬مثل “العلي�م” و “الس�ميع” و”البصري‪ ،:‬جاءت‬
‫مؤكدة أيض ًا بصيغ أخرى غري األسماء‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ﭽ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ‪...‬ﭼ [البقرة‪ ،]٢٥٥ :‬و ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ‪...‬ﭼ [امللك‪:‬‬
‫‪ ،]١٤‬وﭽ‪ ...‬ﭨ ﭩ ﭪ ‪...‬ﭼ [األنع�ام‪ ،]١٠٣ :‬ﭽ‪ ...‬ﯪ ﯫ ﯬﯭ ‪...‬ﭼ‬
‫[الكهف ‪ ،]26 :‬وﭽ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ [مريم‪.] ٤٢ :‬‬
‫ج‪ -‬األسامء التي تدل عىل القدرة‪ ،‬مثل “القدير” و”القوي”‪ ،‬جاءت مؤكدة أيض ًا بصيغ‬
‫أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ [املرسالت‪.]٢٣ :‬‬

‫((( انظر النموذج الذي يوضح العالقة بني األسامء والصفات يف ص ‪. 110‬‬
‫‪74‬‬

‫ﭽ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ‪...‬ﭼ [الفت�ح‪ ،]٢١ :‬ﭽ‪ ...‬ﮏ ﮐ ﮑ‬


‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ‪...‬ﭼ [البقرة‪ ،]١٦٥ :‬ﭽ‪ ...‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ‪...‬ﭼ [فصلت‪.]١٥ :‬‬
‫د‪ -‬األسامء التي تدل عىل الرمحة‪ ،‬مثل‪« :‬الرمحن» و»الرحيم» و»الودود»‪ ،‬جاءت مؤكدة‬
‫بصي�غ أخرى‪ ،‬مثل‪ :‬ﭽ ‪...‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ‪...‬ﭼ [األنعام‪ ،]١٢ :‬ﭽ‪ ...‬ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ‪...‬ﭼ [الزم�ر‪ ،]٥٣ :‬ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ‪...‬ﭼ [فاطر‪:‬‬
‫‪ ، ]٢‬ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ‪...‬ﭼ [آل عم�ران‪ ، ]١٥٩ :‬ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ‪...‬ﭼ [النمل‪ ، ]٦٢ :‬ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦ ‪ ...‬ﭼ [الشورى‪.]٢٨ :‬‬
‫هـ‪ -‬األسماء التي تدل على العظمة‪ ،‬مثل «العيل» و»اجلب�ار» و»املتكرب» جاءت معانيها‬
‫مؤك�دة بصي�غ أخرى‪ ،‬مث�ل‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﯢ ﯣ ﯤ ﭼ [فاط�ر ‪ ،]10 :‬ﭽ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ‪...‬ﭼ[الدخ�ان ‪ ،]16 :‬ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﭼ البروج ‪ ،‬ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ‪...‬ﭼ [الصافات ‪.]180 :‬‬
‫ال ع�ن النوع األول‪ ،‬وإنام هو مؤكد له‪ ،‬ولكن‬ ‫وهكذا يتبني لنا أن هذا النوع ليس مس�تق ً‬
‫بصي�غ أخرى‪ ،‬فتارة تك�ون الصف�ة بإضافته�ا إىل اهلل‪ :،‬ﭽ‪ ...‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ‪...‬ﭼ‬
‫[الزمر‪ ،]٥٣ :‬وتارة بإس�ناد فعله�ا إىل اهلل‪ :‬ﭽ ﭠ ﭼ ‪ ،‬ﭽ ﯝ ﯞ ﭼ ‪ ،‬وتارة عىل‬
‫سبيل االختصاص‪ ،‬مثل‪ :‬ﭽ ﭖ ﭗ ﭼ ‪ ،‬ﭽ ﯢ ﯣ ﭼ ‪ ،‬إىل غري هذا‪.‬‬
‫واحلقيق�ة أن هذا النوع والذي قبله يش�كالن الغالبي�ة العظمى من صفاته تعاىل‪ ،‬وأما ما‬
‫تبقى فهو قليل إذا قورن بام تقدم‪.‬‬
‫الق�سم الثالث‪:‬‬
‫صف�ات ال ي�دل ظاهرها على عالقة معنوية مع هذه األسماء‪ ،‬بل إن ظاهره�ا و ّلد نوع‬
‫إشكال يف فهم املدارس الكالمية‪ ،‬ونستطيع أن نقسم هذا النوع إىل ما يأيت‪:‬‬
‫ال‪ :‬أبعاض وأعضاء أضيفت إىل اهلل –تعاىل‪ ،-‬مثل‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫أ‪ -‬الوج�ه‪ :‬يف مثل قوله تع�اىل‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ‪...‬ﭼ [القصص‪،] ٨٨ :‬‬
‫وﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ [الرمح�ن‪ ،]٢٧ :‬و ﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ‪ ...‬ﭼ [البقرة‪.]١١٥ :‬‬
‫ب‪ -‬العني‪ :‬يف قوله‪ :‬ﭽ ﰆ ﰇ ﰈ ‪...‬ﭼ [هود‪، ]٣٧ :‬‬
‫‪75‬‬

‫و ﭽ ﮋ ﮌ ‪...‬ﭼ [القم�ر‪ ، ]١٤ :‬و ﭽ‪ ...‬ﰂ ﰃ ‪...‬ﭼ [الطور‪ ،] ٤٨ :‬و ﭽ‪...‬‬


‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ [طه‪.]٣٩ :‬‬
‫ج�ـ‪ -‬الي�د‪ :‬يف مث�ل ﭽ‪ ...‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‪ ...‬ﭼ [الفت�ح‪( ،]١٠ :‬و ﭽ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ‪ ...‬ﭼ [امللك‪ ،]١ :‬و ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ‪...‬ﭼ‬
‫[ص‪.]٧٥ :‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬أفعال الزمة (اختيارية) ال تقوم إال بالفاعل‪ ،‬وتدل عىل معان ليس هلا عالقة بأسامء‬
‫اهلل احلسنى‪ ،‬وهي قليلة يف القرآن‪ ،‬وذلك مثل‪:‬‬
‫أ‪« -‬اس�توى» وه�و املك�رر أكثر من غيره يف مث�ل‪ :‬ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ‬
‫[طه‪ ،]٥ :‬ﭽ‪ ...‬ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ‪...‬ﭼ [البقرة‪.] ٢٩ :‬‬
‫ب‪« -‬ي�أيت» يف قول�ه‪ :‬ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ‪...‬ﭼ [البق�رة‪ ،]٢١٠ :‬ﭽ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ‪ ...‬ﭼ [األنعام‪.]١٥٨:‬‬
‫جـ‪« -‬جاء» يف قوله ﭽ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﭼ [الفجر‪.]٢٢ :‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬أفعال متعدية لكن ليس هلا عالقة بأسماء اهلل احلس�نى‪ ،‬ب�ل قد يكون ظاهرها عىل‬
‫خالف أسامئه احلسنى‪ ،‬وذلك مثل‪:‬‬
‫أ‪« -‬يستهزئ» يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ‪...‬ﭼ [البقرة‪.]١٥ :‬‬
‫ب‪« -‬يمكر» يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ‪...‬ﮛ ﮜ ﮝﮞ ‪...‬ﭼ [األنفال‪.]٣٠ :‬‬
‫جـ‪« -‬أكيد» يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﭼ [الطارق‪.]١٦ –١٥ :‬‬
‫رابع ًا‪ :‬إضافة اجلهة إىل اهلل –تعاىل‪ ،-‬وذلك مثل‪:‬‬
‫أ‪« -‬الف�وق» يف قول�ه تع�اىل‪ :‬ﭽ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﭼ [األنع�ام‪ ، ]١٨ :‬وﭽ ﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ [النحل‪.]٥٠ :‬‬
‫ب‪« -‬املواجهة» يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﭼ [البقرة‪.]١١٥ :‬‬
‫إن هذا النوع يف القرآن الكريم قد أثار ويثري تساؤالت كثرية‪ ،‬واختالفات خطرية(((‪ ،‬غري‬

‫ال أسماه «تفسير‬ ‫((( وه�ذا م�ا دفع أس�تاذنا الدكتور حمس�ن عب�د احلميد ليفرد هلذا املوضوع بحث ًا مس�تق ً‬
‫آي�ات الصف�ات» جاء يف مقدمته‪ »:‬وقد الحظ�ت والحظ معي العاملون يف احلقل اإلسلامي احلديث يف‬
‫السنوات القليلة األخرية تيار ًا يزعم ان منهجه قائم عىل تصحيح العقيدة وحماربة مظاهر الرشك يف املجتمع‬
‫اإلسلامي‪ ،‬يش�غل اجلو اإلسالمي باملساجد وغريه بمناقشات عقيمة حول تفسري الصفات اإلهلية اخلربية‬
‫‪ ..‬إىل أن يقول‪»:‬وكان هذا الوضع املؤمل دافعي االول يف العودة إىل آيات الصفات وقراءهتا قراءة جديدة» أ‬
‫‪76‬‬

‫أن الس�ؤال األول الذي هيمنا هنا‪ ،‬هو ملاذا ذكر الق�رآن هذه الصفات أو هذه اإلضافات؟!‬
‫وم�ا فائدة اإلنس�ان الذي يعيش عىل هذه األرض من هذه األخب�ار الغيبية؟!! إن الصفات‬
‫األوىل واضحة الداللة واضحة الغاية‪ ،‬لكن هذه ختتلف اختالف ًا كبري ًا ‪ ..‬إنني هنا ال أريد أن‬
‫أبني رأيي يف هذه املس�ألة‪ ،‬فهذا له مكان آخر(((‪ ،‬ولكني وأنا أحتدث عن منهج القرآن البد‬
‫أن أشير إىل بعض النقاط القرآنية حول املس�الة التي قد تكشف لنا جانب ًا من احلقيقة‪ ،‬وتبني‬
‫لن�ا أن القرآن مل هيتم هبذا النوع اهتاممه بالنوع األول‪ ،‬والبد أن يكون هذا مقصود ًا‪ ،‬ولننظر‬
‫ال إىل هذه املالحظات‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬من حيث املساحة التي أخذها النوع يف القرآن الكريم جتاه ما قبله‪ ،‬ونظرة واحدة يف‬
‫اإلحصاءات السابقة تكفي‪ ،‬ومن قرأ أي ورقة يف القرآن ال عىل التعيني فإنه البد واجد من‬
‫تلك الصفات املقرتنة بأسامئه احلسنى –سبحانه وتعاىل‪ ،-‬بخالف الصفات اخلربية هذه‪.‬‬
‫‪ -2‬م�ن حي�ث أهن�ا مقصودة م�ن الس�ياق أم ال‪ ،‬وهذه القضي�ة ينبغي الوق�وف عندها‬
‫ألهنا تعني أش�ياء كثرية‪ ،‬فلامذا جاءت هذه الصفات يف الغالب ليست مقصودة من النص؟‬
‫ولنأخذ هذا املثال‪ :‬لفظة «العني» وردت مضافة إىل اهلل يف أربعة مواضع‪ ،‬فلننظر فيها‪:‬‬
‫اصن َِع ا ْل ُف ْل َك بِ َأ ْع ُينِنَا] ثم قال يف املوضع الثاين [تجَ ْ ِري بِ َأ ْع ُينِنَا]‪...‬‬
‫[و ْ‬
‫َ‬
‫فالق�رآن يتحدث يف املوضعني عن س�فينة نوح –عليه السلام‪ ،-‬ومل يأت النص لتقرير‬
‫صفة إهلية‪ ،‬وأما املوضعان اآلخران فهام‪:‬‬
‫[ولِ ُت ْصن ََع َعلىَ َع ْينِي] فهل جيد القارئ فيهام أهنام جاءتا لتقرير صفة‬ ‫[ َفإِ َّن َك بِ َأ ْع ُينِنَا ‪ ]...‬و َ‬
‫إهلية؟! ‪.‬‬
‫‪ -3‬وهذه النقطة متصلة بام قبلها وفصلناها ألمهيتها‪ ،‬وهي أن الصفات املقرتنة باألسامء‬
‫ق�د ت�أيت مصدرة باألمر بالنظر فيها أو تصديقها واإليامن هبا‪ ،‬وانظر مث ً‬
‫ال يف مثل قوله تعاىل‪:‬‬
‫ﭽ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ‪...‬ﭼ [حمم�د ‪ ،]19 :‬ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗ ﯘﯙﯚﯛ ﯜ ﯝﯞﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ الغاش�ية‪ ،‬ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ‬

‫هـ ‪ .‬ولقد دفعني هذا أيض ًا الختيار موضوع البحث يف مرحلة املاجستري «الصفات اخلربية عند أهل السنة‬
‫واجلامعة»‪ ،‬وقد قمت فيها باستقراء تام جلميع الصفات اخلربية يف الكتاب والسنة‪ ،‬مبين ًا أقوال العلامء فيها‬
‫من السلف واخللف ‪.‬‬
‫((( ينظر الصفات اخلربية للمؤلف ‪.‬‬
‫‪77‬‬

‫[فصل�ت‪ ،]١٥ :‬لكن�ه يف الصفات من النوع الثالث مل يرد يشء من هذا فلم يرد‪ :‬اعلموا أن‬
‫هلل أعين ًا‪ ،‬أو انه يأيت وينزل‪.‬‬
‫إن الق�رآن ج�ادل الذي�ن ينك�رون بعض تل�ك الصف�ات‪ ،‬وأقام األدلة على إثباهتا‬ ‫‪ّ -4‬‬
‫ال كيف يثب�ت اهلل وحدانيته بقول�ه‪ :‬ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬ ‫بخلاف ه�ذا النوع‪ ،‬فانظر مث ً‬
‫ﯤ ﯥﯦ ‪...‬ﭼ [األنبياء ‪ ،]22 :‬ويبني بقوله‪ :‬ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ [امللك ‪ ،]14 :‬يف هذا‬
‫النوع األخري‪.‬‬
‫‪ – 5‬إن القرآن قد رتب نتائج عىل اإليامن بتلك الصفات أو عدم اإليامن هبا فانظر مث ً‬
‫ال‪:‬‬
‫ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ‪ ...‬ﭼ [الزم�ر ‪ ،]65 :‬وﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ [املائ�دة‪ ، ]٧٣ – ٧٢ :‬وﭽ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ [آل عم�ران‪ ، ]١٨١ :‬لكن�ه مل ي�رد ن�ص –بحس�ب‬
‫علمي‪ -‬يرتب عقوبة عىل من أنكر ش�يئ ًا من هذه الصفات‪ ،‬وهذا ال يعني جواز إنكار هذه‬
‫النصوص‪.‬‬
‫إن الصفات من هذا النوع لو أخذت عىل ظاهرها فإهنا سترتك جما ً‬
‫ال فارغ ًا يف الفكر‬ ‫‪ّ -6‬‬
‫والتخيل بس�بب أن الق�رآن مل يرد فيه تفصيل هلذه الصفات‪ ،‬ونس�تطيع القول‪ :‬إن القرآن مل‬
‫تص�ور ًا ولو صغري ًا عن حقيق�ة اإلله وكنهه –تبارك‬
‫ّ‬ ‫أصلا أن يعطي العقل البرشي‬ ‫ً‬ ‫يقص�د‬
‫وتعاىل‪ -‬ولنوضح هذا بام ييل‪:‬‬
‫إن الق�رآن أحك�م الدائ�رة األوىل يف األسماء والصفات‪ ،‬ف�كل ما حيتاجه اإلنس�ان من‬
‫صف�ات اهلل َّبينه له القرآن‪ ،‬فاالس�م‪ ،‬والوحدانية‪ ،‬والعلم والق�درة‪ ،‬والرمحة‪ ،‬كلها صفات‬
‫حيتاج اإلنس�ان معرفتها عن اهلل‪ ،‬لذلك جاءت متكاملة متناس�قة‪ ،‬ال تثري يف الفكر اإلنساين‬
‫تشويش�ا‪ ،‬لكن انظر يف الصفات األخرية حينام أخذها املش�بهة عىل ظواهرها‪ ،‬ماذا‬ ‫ً‬ ‫خل ً‬
‫ال أو‬
‫حدث هلم‪ ،‬حدث هلم ش�كل حميرّ ليس هناك أي حكمة يف تصوره‪ ،‬فامذا يعني أن تعتقد أن‬
‫هل�ذا الش�كل عين ًا أو أعين� ًا ويد ًا أو يدين وأيدي ووجه ًا وس�اق ًا‪ ،‬إن ه�ذه األلفاظ هي التي‬
‫أضيفت يف القرآن إىل اهلل – مع اخلالف يف الساق‪ -‬لكنه عىل شتى االحتامالت والتفسريات‬
‫‪78‬‬

‫فالقائلون بظواهرها ال حيصل هلم ش�كل متكامل‪ ،‬ويف هذا تشويش للعقل والتخيل‪ ،‬فلامذا‬
‫أحكم القرآن التصور األول بينام ترك هنا مساحة فارغة يعبث هبا اخليال؟!‪ ..‬قد نستطيع أن‬
‫نجيب‪ ،‬ولكن لننظر أو ً‬
‫ال يف املالحظة األخرية‪:‬‬
‫‪ -7‬إن الق�رآن يف الكثري من املواضع وصف بعض خلقه ببعض هذه الصفات وأمثاهلا‪،‬‬
‫ومل يكن املقصود الظاهر القامويس اتفاق ًا‪ ،‬ولنأخذ بعض األمثلة‪:‬‬
‫أ‪ -‬يف األعضاء واجلوارح لنقرأ هذه اآليات‪:‬‬
‫ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ‪...‬ﭼ‬
‫[آل عم�ران‪.]٧٢ :‬‬
‫ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﭼ [التكاثر‪.]٧ :‬‬
‫ﭽﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ‪...‬ﭼ [اإلرساء‪.]٢٩ :‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ‪...‬ﭼ [البقرة‪.]٢٣٧ :‬‬
‫ﭽ‪...‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ‪...‬ﭼ [البقرة‪.]٩٧ :‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ‪...‬ﭼ [يونس‪.]٢ :‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭼ [الشعراء‪.]٨٤ :‬‬
‫ﭽ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‪ ...‬ﭼ [اإلرساء‪.]٢٤ :‬‬
‫ب‪ -‬يف األفعال لنقرأ هذه اآليات‪:‬‬
‫ﭽﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ‪...‬ﭼ [األعراف‪.]٢٦ :‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ‪...‬ﭼ [الزمر‪.]٦ :‬‬
‫ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ [األعراف‪.]١٥٤ :‬‬
‫ﭽ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ [التكوير‪.]١٨ :‬‬
‫جـ‪ -‬يف اجلهة واملكان‪:‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ‪...‬ﭼ [األنعام‪.]١٦٥ :‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ [اإلرساء‪.]٤ :‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ‪...‬ﭼ [الدخان‪.]١٩ :‬‬
‫ﭽﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭼ [التني‪.]٥ – ٤ :‬‬
‫ال من‬‫لتؤصل أص ً‬
‫ِّ‬ ‫إن ه�ذه املالحظ�ات جمتمع�ة توصلنا إىل أن ه�ذه األخبار مل ِ‬
‫ت�أت‬
‫أص�ول الدي�ن‪ ،‬وإنام هي أخبار جيب تصديقها ثم دراس�تها بحس�ب مواقعها يف القرآن‪،‬‬
‫‪79‬‬

‫للتوص�ل إىل املقصود منه�ا‪ ،‬فغالب ًا ما يكون مقصودها واضح ًا‪ ،‬ف�إذا فهمنا املقصود فال‬
‫علين�ا َبع�دُ أن نخ�وض يف الكن�ه والكيف‪ ،‬فه�ذا ليس جم�ال تفكرينا‪ ،‬وقد ي�رد أن فهم‬
‫املقص�ود ال يمك�ن إال بفه�م حقيق�ة اللف�ظ ومعناه‪ ،‬واجل�واب‪ :‬أن القرآن نفس�ه حوى‬
‫أخب�ار ًا أخ�رى ال تتعل�ق بالصفات نفهم مقصوده�ا دون أن نفه�م حقيقة مدول اخلرب‪،‬‬
‫وذل�ك مث�ل قوله تع�اىل‪ :‬ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ الصاف�ات‪ ،‬فاملقصود‬
‫الرتهي�ب وإث�ارةاالش�مئزاز‪،‬ولك�نالكن�هجمه�ول‪.‬‬
‫هذه املالحظات تقودنا أيض ًا إىل أن نفس�ح يف صدورنا لتقبل اخلالف يف تفسيرها‪ ،‬وال‬
‫ينبغي ان تعد الفيصل بني اإليامن والكفر أو بني التوحيد والرشك‪ ،‬السيام أن السلف مل يقفوا‬
‫ال‪ ،‬ومن وقف عندها فسرّ ها بتفسيرات كثرية تص�ح أن تكون اجلذور احلقيقية‬ ‫عنده�ا طوي ً‬
‫للمذاهب الكالمية يف الصفات هذه((( واهلل أعلم‪.‬‬
‫الق�سم الرابع‪:‬‬
‫صفات نفاها القرآن عن اهلل تعاىل‪:‬‬
‫وقد يكون هذا النفي ابتداء‪ ،‬وقد يكون ر ّد ًا عىل رشك املرشكني وجهل اجلاهلني‪ ،‬وغالب‬
‫ما نفي عن اهلل يثبت له ضده‪ ،‬كام سنرى‪:‬‬
‫‪ -1‬نف�ي الشرك‪ :‬ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ‪...‬ﭼ [إبراهي�م‪، ]١٠ :‬‬
‫والشك هذا مل حيدده القرآن ولعله أطلقه قصد ًا‪ ،‬فالشك يف وجوده أو ربوبيته أو قدرته كل‬
‫ذلك منفي عن اهلل سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫‪ -2‬نفي الرشيك‪ :‬ﭽ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ‪...‬ﭼ [حممد‪ ،] ١٩ :‬ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ‪...‬ﭼ‬
‫[األنعام‪.] ١٦٣ :‬‬
‫‪ -3‬نف�ي الول�د‪ :‬ﭽﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﭼ البقرة‪ ،‬ﭽﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ [النحل‪،] ٥٧ :‬‬
‫ﭽﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭼ [الكهف‪.]٤ :‬‬
‫‪ -4‬نف�ي الوال�د‪ :‬ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ‬
‫[اإلخالص‪.]٤ – ٣ :‬‬

‫((( انظ�ر‪« :‬تفسير آيات الصفات» د‪ .‬حمس�ن عبد احلمي�د‪ ،‬ص‪ ، 71 -20‬و»الصف�ات اخلربية عند أهل‬
‫السنة واجلامعة»‪ ،‬فصل يف الصفات اخلربية عند السلف‪ ،‬ص‪. 78 -59‬‬
‫‪80‬‬

‫‪ -5‬نفي الصاحبة‪ :‬ﭽﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ [اجلن‪ ، ]٣ :‬ﭽﯸ‬


‫ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ‪...‬ﭼ [األنعام‪.]١٠١ :‬‬
‫‪ -6‬نفي العجز‪ :‬ﭽ‪...‬ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭼ [فاطر‪.]٤٤ :‬‬
‫‪ -7‬نفي الغيوب‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ [ق‪.]٣٨ :‬‬
‫‪ -8‬نفي النوم‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﭼ [البقرة‪.]٢٥٥ :‬‬
‫‪ -9‬نفي الظلم‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﭼ [فصلت‪.]٤٦ :‬‬
‫‪ -10‬نف�ي اللع�ب‪ :‬ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭼ‬
‫[الدخ�ان‪.]٣٨ :‬‬
‫‪ -11‬نفي العبث‪ :‬ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ‪...‬ﭼ [املؤمنون‪.]١١٥ :‬‬
‫درك‪ :‬ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ‪...‬ﭼ [األنعام‪.]١٠٣ :‬‬ ‫‪ -12‬نفي أن ُي َ‬

‫�صفات الله تعاىل‬ ‫�أ�سماء الله احل�سنى‬

‫‪1 .1‬صفات مقرتنة بأسامء اهلل احلسنى‪.‬‬ ‫‪1‬االسم العلم‪( :‬اهلل)‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪2 .2‬صفات مؤكدة لألسماء مل تأت بصيغة‬ ‫‪2‬أسماء ت�دل على الربوبي�ة‪( :‬اخلال�ق‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫االس�م‪ ( :‬حيي�ي ويمي�ت‪ ،‬ي�درك‪،‬‬ ‫املالك‪.) ..... ،‬‬
‫األبصار‪.) .... ،‬‬ ‫‪3‬أسماء ت�دل على ِ‬
‫العل�م‪ ( :‬العلي�م‪،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫‪3 .3‬ألف�اظ أضيف�ت إىل اهلل تع�اىل ال ي�دل‬ ‫احلكيم‪.) .... ،‬‬
‫ظاهرها عىل عالقة معنوية مع األسامء‪،‬‬ ‫‪4‬أسماء ت�دل على الق�درة‪ ( :‬القدي�ر‪،‬‬ ‫‪.4‬‬
‫ومل ت�أت يف الغال�ب يف س�ياق تقري�ر‬ ‫الغفور‪.) ..... ،‬‬
‫صف�ة إهلي�ة‪ ( :‬فإنك بأعينن�ا‪ ،‬ولتصنع‬ ‫‪5‬أسماء ت�دل على الرمح�ن‪ ( :‬الرحيم‪،‬‬ ‫‪.5‬‬
‫عىل عيني ‪.)...‬‬ ‫الغفور‪.) .... ،‬‬
‫‪4 . 4‬صف�ات نفاه�ا الق�رآن ع�ن اهلل‬ ‫‪6‬أسماء ت�دل على العظم�ة والعل�و‬ ‫‪.6‬‬
‫تع�اىل‪ ( :‬ال رشي�ك ل�ه‪ -‬ال تدركه‬ ‫والقدسية‪ ( :‬العزيز‪ ،‬القهار‪.) .... ،‬‬
‫األبص�ار‪.) ... ،‬‬
‫‪81‬‬

‫املبحث الرابع‬
‫الق ََد ْر‬
‫ال ري�ب أن موضوع القدر من املواضيع الش�ائكة اخلطيرة‪ ،‬وهو وثيق الصلة بموضوع‬
‫الصفات‪ ،‬ال أن ما يتناول اجلانب اإلنس�اين منه أكرب‪ ،‬حيث إن من مس�ائل القدر العويصة‪:‬‬
‫هل اإلنس�ان خمري أم مسير؟ وال شك أن هذا السؤال ال يمكن التفويض فيه‪ ،‬كام هو الشأن‬
‫يف كثير من الصف�ات‪ ،‬ألنه يمس اجلانب العملي التكليفي‪ ،‬فكيف تعام�ل القرآن مع هذه‬
‫القضية؟ وما هو منهجه يف ذلك؟‪.‬‬
‫لعلنا نستطع أن نتلمس املنهج القرآين من خالل النقاط اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬إن اهلل تبارك وتعاىل له اإلرادة املطلقة‪ ،‬فهو يفعل ما يش�اء وخيتار‪ ،‬وال يس�تطيع أحد‬
‫أن يقي�د إرادة اهلل‪ ،‬وق�د أضاف القرآن لفظ اإلرادة واملش�يئة إىل الباري تعاىل بنحو (‪)250‬‬
‫ولنتمعن يف هذه اآليات‪:‬‬
‫َّ‬ ‫آية‪،‬‬
‫ﭽﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ [البقرة‪.]٢٥٣ :‬‬
‫ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﭼ [هود‪.]١٠٧ :‬‬
‫ﭽﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ [يس‪.]٢٣ :‬‬
‫ﭽﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ‬
‫[البقرة‪.]٢٠ :‬‬
‫ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭼ [يونس‪.]٩٩ :‬‬
‫ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ [التكوير‪]٢٩ :‬‬
‫‪ -2‬إنه تعاىل مع إرادته املطلقة إال انه ال يمكن أن يظلم أحد ًا‪ ،‬واقرأ معي‪:‬‬
‫ﭽﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ [النساء‪.]٤٠ :‬‬
‫ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭼ [آل عمران‪.]١٠٨ :‬‬
‫ﭽﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ‬
‫[العنكبوت‪.]٤٠ :‬‬
‫‪ -3‬إن�ه تع�اىل قد ينعم عىل إنس�ان‪ ،‬ويقترِّ عىل آخر‪ ،‬ويمرض آخ�ر‪ ،‬ويعايف آخر‪ ،‬وليس‬
‫رش ًا بنفسه‪،‬‬
‫يف هذا ظلم‪ ،‬وإنام هو «االبتالء واالختبار»‪ ،‬فليس اخلري خري ًا بنفس�ه‪ ،‬وال الرشّ ّ‬
‫‪82‬‬

‫وإنما قد ينقلب اخلير رش ًا حينام يقود اخلري إىل البطر‪ ،‬وينقلب الشر خري ًا إذا قاد إىل الصرب‬
‫والتسليم‪ ،‬فاهلل خيترب عباده بام يشاء‪ ،‬ووفق احلكمة اإلهلية التي قد ال ندركها‪ ،‬واقرأ معي‪:‬‬
‫ﭽ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ [األعراف‪.]١٦٨ :‬‬
‫ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ [آل عمران‪.]١٥٣ :‬‬
‫ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ [الكهف‪.]٧ :‬‬
‫ﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ [حممد‪.]٤ :‬‬
‫ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﭼ [األنبياء‪.]٣٥ :‬‬
‫ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭﭮﭯ ﭰﭱﭲﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭼ‬
‫[البقرة‪.]١٥٦ – ١٥٥:‬‬
‫ﭽﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ [التغابن‪.]١٥ :‬‬
‫‪ -4‬وبع�د ه�ذه احلقيقة الكبرية يأيت القرآن ليدخل يف املجال العميل التكليفي‪ ،‬ونتلمس‬
‫هذا يف بعض النامذج اآلتية‪:‬‬
‫أمتدح القرآن الشاكرين الذين حيسنون استعامل النعمة كام يأمر اهلل‪ ،‬فبام أن اهلل هو الذي‬
‫خلقها ليبتليك أتشكر أم تكفر‪ ،‬فال بد أ ن حيثك عىل أن تكون من الشاكرين ‪ ،‬وهلذا وردت‬
‫مادة « شكر « يف القرآن الكريم بنحو (‪ )75‬مرة‪ ،‬ونقرأ منها‪:‬‬
‫ﭽ ‪.....‬ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ األنفال‪.‬‬
‫ﭽ ‪.....‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ النمل‪ .‬ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ‪...‬ﭼ [النحل ‪.]114 :‬‬
‫وحث القرآن عىل الصرب‪ ،‬وامتدح الصابرين‪ ،‬حتى ورد « الصرب « يف القرآن الكريم بام‬
‫يزيد (‪ )100‬مرة ‪ ،‬ولنتبارك ببعضها ‪:‬‬
‫ﭽﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ‪ ...‬ﭼ [األحقاف‪.]٣٥ :‬‬
‫ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ الرعد‪.‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ النحل‪.‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‪ ...‬ﭼ [آل عمران‪.]200:‬‬
‫ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ‪...‬ﭼ [حممد ‪.]31 :‬‬
‫‪83‬‬

‫وحس�م الق�رآن قضية اخلوف م�ن املوت‪ ،‬فاألج�ل مقدر حمت�وم‪ ،‬ال يقب�ل اندفاع ًا وال‬
‫تأخري ًا‪ ،‬وبالتايل فاملسلم ال يرهب املوت‪ ،‬ال بل ربام يعشق امليتة العزيزة الرشيفة‪ ،‬ويسعى هلا‬
‫بقدميه يوم أن تكون يف سبيل اهلل‪ ،‬وهبذه العقيدة تفجرت الطاقات وخرجت الزحوف تلو‬
‫وجلٍ ‪ ،‬وقد حرص القرآن عىل‬ ‫الزحوف إلعالء كلمة احلق يف كل أرض اهلل دون خوف أو َ‬
‫هذه العقيدة‪ ،‬وأكد عليها بعرشات اآليات‪ ،‬وبأساليب خمتلفة‪ ،‬ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﭼ املنافقون‪.‬‬
‫ﭽﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ‪...‬ﭼ [آل عمران ‪.]145 :‬‬
‫ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﭼ [آل عم�ران ‪:‬‬
‫‪،]154‬ﭽ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﭼ [آل عمران‪ .]١٦٨ :‬وقد ماتوا فام درؤوا !!‪.‬‬
‫وح��ث ال��ق��رآن ع�لى اإلن��ف��اق؛ ألن ال���رزق م��ن اهلل‪ ،‬وامل��ل��ك هلل‪ ،‬واهلل‬
‫يضاعف ملن يشاء‪ ،‬وما كان لغريك لن يصل إليك‪ ،‬وما كان لك يصل لغريك‪ ،‬وقد حشد‬
‫القرآن هلذه القضية ما يصعب حرصه من اآليات‪ ،‬وهذه أمثلة منها‪:‬‬
‫ﭽ‪...‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭼ [سبأ‪.]٣٩ :‬‬
‫ﭽﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﭼ [فاطر‪.]٢٩ :‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ البقرة‪.‬‬
‫ﭽﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ الصف‪.‬‬
‫ﻫ ‪ -‬وألن اهلل تع�اىل يفع�ل ما يريد‪ ،‬ال معقب حلكمه‪ ،‬وال راد لقضائه فعىل املس�لم أن‬
‫ال‪ ،‬متطلع ًا إىل رمحة اهلل وفرجه‪ ،‬فال يشء يقف أمام إرادة‬‫الييأس وال يقنط‪ ،‬بل يبقى متفائ ً‬ ‫ْ‬
‫مترضع ًا‪ ،‬واس�مع هذه النفحات القدس�يات‪:‬‬‫ِّ‬ ‫اهلل‪ ،‬فعليه أن يقف س�ائ ً‬
‫ال راجي ًا‬
‫ﭽﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭼ يوسف‪.‬‬
‫‪84‬‬

‫ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ الزمر‪.‬‬
‫‪ -5‬وم�ع تأكي�د العقي�دة القرآني�ة على األيمان ب�إرادة اهلل املطلق�ة والت�ي‬
‫فإن الق�رآن ال هيمل اإلرادة‬ ‫ينبن�ي عليه�ا تس�ليم العبد لقضاء اهلل وقدره بالصرب أو الش�كر ّ‬
‫اإلنس�انية الت�ي منحها اهلل لإلنس�ان والتي هي م�دار التكليف باألمر والنهي‪ ،‬ثم احلس�اب‬
‫بالثواب أو العقاب‪ ،‬ولذلك فالصبي واملجنون واملكره من فاقدي اإلرادة ال حياس�بون عىل‬
‫ترصفاهتم‪ ،‬أما الذين يملكون االختيار واإلرادة فهم مسؤولون عن ترصفاهتم‪:‬‬
‫ﭽﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩﭼ البق�رة ﭽﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﭼ الزلزلة‪.‬‬
‫وهك�ذا تك�ون عقيدة الق�در القرآنية عقي�دة عملية‪ ،‬مهمته�ا أن تدفع باإلنس�ان ألداء‬
‫وظيفته عىل هذه األرض ش�كر ًا وصرب ًا وجهاد ًا وإنفاق ًا وأمأل‪ ،‬فألن اهلل يبتيل عبادة بالنعمة‬
‫وضدها فعليك أن تشكر أو تصرب‪ ،‬وألن اهلل كتب عليك املوت بأجل حمدد فجاهد يف سبيل‬
‫اهلل وال ختف‪ ،‬وألن اهلل هو الرزاق فأنفق مما رزقك اهلل‪ ،‬وألن اهلل يفعل ما يريد فعىل املس�لم‬
‫أن يلجأ إىل اهلل وال ييأس‪ ،‬وألن اهلل منح اإلنسان حرية االختيار والقدرة عىل أن يفعل اخلري‬
‫وغيره فعليه أن يتحمل مس�ؤوليته‪ ،‬وينتظ�ر نتيجة جهده عىل ه�ذه األرض ثواب ًا أو عقاب ًا‪،‬‬
‫جنة أو نار ًا‪ ،‬وابتعد القرآن عن القدر الفلسفي الغيبي ال يورث إال إرباك ًا وانطوا ًء‪ ،‬أو جد ً‬
‫ال‬
‫ورصاع ًا‪ ،‬فام أحىل عقيدة القرآن‪ ،‬وما أهبى جي ً‬
‫ال تر َّبى عىل هذه العقيدة‪.‬‬
‫وه�ي عقي�دة واضح�ة !! لق�د ق�رأت النص�وص الت�ي م�رت فه�ل وج�دت‬
‫ال يف فهمها؟ صحيح أن هناك نصوص ًا تشري إىل اإلرادة اإلهلية املطلقة املهيمنة‪ ،‬وأخرى‬ ‫إشكا ً‬
‫إىل حرية اإلنس�ان‪ ،‬وقد جيمعها نص واحد‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ التكوير‪.‬‬
‫ال ثم عقب باملشيئة اإلهلية املهيمنة‪ ،‬ولكن أي إشكال‬ ‫فانظر كيف أثبت مشيئة اإلنسان أو ً‬
‫يف هذا إذا مل تتجاوز النص؟ فالنص يثبت لك املشيئة‪ ،‬فهل تنكرها أنت؟ كيف وأنت حتس‬
‫هبا يف كل حلظة‪ ،‬حينام تريد أن تأكل‪ ،‬أو تنام‪ ،‬أو تصيل‪ ،‬أو تقرأ‪ ،‬أو تكتب‪ ،‬بل أنت تترصف‬
‫عىل أساس هذه املشيئة مع الكون من حولك‪ ،‬ولو سقط عليك جذع من السقف ال تغضب‬
‫عليه؛ ألنّه ليس�ت له مش�يئة‪ ،‬فلو رضبك امرؤ بعصا فإنك تغضب؛ ألن صاحب العصا له‬
‫‪85‬‬

‫مش�يئة‪ ،‬مع أن العصا أخف من اجلذع!!!((( فأنت إذ ًا ال تش�ك بمش�يئتك – إطالق ًا – وال‬
‫بمش�يئة كثري من املخلوقني‪ ،‬فهي واضحة وضوح الش�مس‪ ،‬فقل يل إذ ًا‪ :‬هل جاء الغموض‬
‫بت للمخلوق مشيئة واضحة كالشمس‪ ،‬فكيف تنكر مشيئة اخلالق؟‬ ‫من الشطر الثاين؟ إذا أ ْث َّ‬
‫بت لربك مش�يئة‪ ،‬وكال األمرين يف غاية‬ ‫بت لك مش�يئة وأ ْث َ‬
‫ه�ذا الذي حتدث ب�ه القرآن؛ ا ْث َ‬
‫الوضوح‪ ،‬لكنك ذهبت أبعد من هذا لتس�اءل عن طبيعة العالقة بني مش�يئتك ومشيئة اهلل‪،‬‬
‫وماذا لو تعارضا؟ وهذه مل يتحدث عنها القرآن؛ ألنهّ ا ال تنفع اإلنسان يف ميدان التكليف‪.‬‬
‫والنموذج يف الصفحة التالية يوضح اآلثار العملية إلرادة اهلل ‪ ‬املطلقة‪ ،‬واملرتتبات‬
‫عىل إثبات إرادة لإلنسان‪ ،‬والعالقة بني تلك اإلرادتني‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫((( انظر ‪" :‬دفاع عن العقيدة والرشيعة" حممد الغزايل ‪ ،‬ص ‪. 101‬‬

86

 
 
‫الف�صل الثالث‬
‫ال ُّنبوات‬

‫ •املبحث الأول ‪ :‬الأنبياء والر�سل عليهم ال�صالة ال�سالم ‪.‬‬


‫ •املبحث الثاين ‪ :‬الوحي والر�ساالت ‪.‬‬
‫‪89‬‬

‫املبحث الأول‬
‫الأنبياء والر�سل‬
‫قد نستطيع أن نبني منهج القرآن يف هذا املوضع من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫ال‪ :‬م�صطلحا النبي والر�سول يف القر�آن‪:‬‬ ‫�أو ً‬
‫جتدر اإلشارة أنه ليس يف القرآن تفريق رصيح بني مصطلح "النبي" ومصطلح "الرسول"‬
‫وهي مسألة خالفية معروفة بني أهل العلم‪ ،‬إال أنه من املمكن ذكر الفارق اللغوي الواضح‪،‬‬
‫"النب�ي" مش�تق م�ن النبأ وهو اخلبر‪ ،‬وعليه فإن النبي ه�و الذي يأتيه اخلرب‪ ،‬من السماء‬
‫ُّ‬ ‫إذ‬
‫(الوح�ي)‪ ،‬وأم�ا الرس�ول فهو املبعوث برس�الة ‪ -‬كام هو ظاهر ‪ ،-‬وعليه فإن الرس�ول هو‬
‫الذي يكلف بحمل الرسالة الساموية (الوحي) إىل الناس‪.‬‬
‫وربام نلمح هذا الفرق يف االس�تخدام القرآين هلذين املصطلحني فنجد القرآن يس�تعمل‬
‫مصطلح “ النبي “ يف اخلطاب املوجه من اهلل إىل نبيه‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭼ [التوبة‪ ، ]٧٣ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ التحري�م‪ ،‬ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ األنفال‪.‬‬
‫وأما مصطلح «الرس�ول» فنجد القرآن يس�تخدمه بمعناه اللغ�وي فيكثري من املواضع‪،‬‬
‫مث�ل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ ي�س‪ ،‬وﭽ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭼ الشعراء‪ ،‬وكذلك‪ :‬ﭽ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭼ الشعراء‪،‬‬
‫ونحو هذا يف القرآن كثري‪.‬‬
‫نب�ي من وجه رس�ول اهلل من‬
‫وألن الرس�ول يكل�ف بحم�ل الرس�الة من السماء فهو ّ‬
‫وج�ه‪ ،‬فه�و نبي من اهلل‪ ،‬ورس�وله إىل الناس‪ ،‬وهل�ذا جيمع اهلل الصفتني يف ش�خص واحد ‪،‬‬
‫مثل قوله – تعاىل – لنبيه حممد ﷺ ‪ :‬ﭽ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ األحزاب‪ ،‬وعن موس�ى عليه السلام‪ :‬ﭽ ﰌ‬
‫ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﭼ مريم‪.‬‬
‫‪90‬‬

‫ثاني ًا ‪� :‬أهمية الإميان الأنبياء ‪:‬‬


‫من�ح القرآن الكريم مس�ألة اإليامن باألنبياء والرس�ل أمهية كبرية تتناس�ب مع عظمتها‬
‫وخط�ورة ش�أهنا‪ ،‬فإننا حينما حتدثنا ع�ن التوحيد فهمن�ا أن التوحيد ال يتم بل وال يس�مى‬
‫توحي�د ًا إال بإف�راد اهلل يف العبودي�ة‪ ،‬إذ معن�ى « ال إل�ه إال اهلل « أن�ه ال معبود ٍّ‬
‫بح�ق إال اهلل‪،‬‬
‫واملعب�ود ه�و املطاع ‪ ،‬والعبادة هي امتثال األم�ر والنهي‪ ،‬وهذا يقيض أن هلل أوامر ونواهي‪،‬‬
‫فكيف يتعرف اإلنسان عىل هذه األوامر والنواهي؟ إنه ال طريق للتلقي من اهلل إال بواسطة‬
‫الرس�ل عليهم الصالة والسلام‪ ،‬وعىل هذا فإن الذي ال يؤمن بالرس�ل ال يمكن أن يكون‬
‫موح�د ًا هلل‪ ،‬وم�ن ه�ذا ندرك مل�اذا أهتم الق�رآن هبذه القضي�ة‪ ،‬ولنالح�ظ اآلن مظاهر هذا‬
‫االهتامم يف النامذج التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬كثيرة النص�وص القرآنية التي جاءت ُم َف ِّصلة ومبين�ة ومؤكدة هلذه القضية ‪ ،‬ويكفي‬
‫أن نعل�م أن كلمة «الرس�ول» وحدها تكررت يف القرآن الكري�م بنحو (‪ )363‬مرة‪ ،‬وكلمة‬
‫«النبي» (‪ )75‬مرة‪ ،‬وأما احلديث عنهم عليهم الصالة والسالم‪ ،‬وما جرى فهذا استطيع أن‬
‫أجزم أنه يمثل أغلب القرآن‪.‬‬
‫ب‪ -‬اقرتان اإليامن هبم باإليامن باهلل يف مواضع كثرية من القرآن الكريم‪ ،‬سواء أكان هذا‬
‫يف النب�وة العام�ة أم اخلاصة‪ ،‬ولنأخذ بعض النامذج م�ن الصنفني فأما يف النبوة العامة فلنقرأ‬
‫مث ً‬
‫ال‪:‬‬
‫ﭽ ‪...‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ‪...‬ﭼ‬
‫[البقرة‪.]١٧٧ :‬‬
‫ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ‬
‫ﮂ ﭼ البقرة‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭼ [احلديد‪.]١٩ :‬‬
‫ﭽﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽﭾﭿﮀﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ‬
‫ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭼ النساء‪.‬‬
‫‪91‬‬

‫ويف النبوة اخلاصة لنقرأ‪:‬‬


‫ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﭼ‬
‫[النساء‪.]١٣٦ :‬‬
‫ﭽ ‪...‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ‪...‬ﭼ [األعراف‪.]١٥٨ :‬‬
‫ﭽﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ‪...‬ﭼ‬
‫[التوبة‪.]٥٤ :‬‬
‫ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ‪...‬ﭼ [التوبة‪.]٦٣ :‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ‪...‬ﭼ [النور‪.]٦٢ :‬‬
‫ج‪ -‬التحذير من تكذيبهم وختويف املكذبني بام القى أسلافهم ويكفي أن نمر عىل هذه‬
‫اآليات‪:‬‬
‫ﭽﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭺﭻﭼ ﭽﭾﭿ ﮀﮁﮂﮃﮄ‬
‫ﮅﮆﮇﮈﮉ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮐ ﮑﮒﮓ ﮔﮕﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ القمر‪.‬‬
‫ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ‬
‫ﯶﯷﯸﯹ ﯺﯻﯼ ﯽﯾﯿﰀﰁ ﰂﰃ ﰄﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭼ ص‪.‬‬
‫ﭽﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮕ ﮖﮗﮘﮙﮚ ﮛ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﭼ احلجر‪.‬‬
‫ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯣﯤ ﯥﯦﯧﯨ‬
‫ﯩﯪ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯳﯴﯵﯶ‬
‫ﯷ ﭼ اإلرساء‪.‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬وظيفة الر�سل عليهم ال�صالة وال�سالم‪:‬‬
‫أكد القرآن الكريم عىل أن وظيفة الرس�ل احلقيقة إنام هي التبليغ‪ ،‬تبليغ رشيعة اهلل خللق‬
‫اهلل‪ ،‬ولنقرأ هذه اآليات‪:‬‬
‫‪92‬‬

‫ﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ‪...‬ﭼ الشورى‪.٤٨ :‬‬


‫ﭽ ‪...‬ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﭼ العنكبوت‪.‬‬
‫ﭽ ‪...‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ النحل‪.‬‬
‫وقد يأيت التبليغ بلفظ الدعوة والتبني واهلدى‪ ،‬كام يف هذه اآليات ‪:‬‬
‫ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ‪...‬ﭼ‬
‫النحل‪.١٢٥ :‬‬
‫ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ‪...‬ﭼ [إبراهيم‪.]٤ :‬‬
‫ﭽ ‪...‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ [النحل‪.]٤٤ :‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ الشورى‪.‬‬
‫وق�د يأيت بلف�ظ األمر باملع�روف والنهي عن املنك�ر؛ لزيادة مقصودة يف معن�ى التبليغ‪،‬‬
‫ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ‪...‬ﭼ [األعراف‪.]١٥٧ :‬‬
‫وق�د يقترن التبليغ بالوع�د أو الوعيد‪ ،‬فيكون تبشير ًا أو نذير ًا‪ ،‬وقد تك�رر هذا يف هذا‬
‫القرآن كثري ًا‪ ،‬ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ‪...‬ﭼ [البقرة‪.]١١٩ :‬‬
‫ﭽﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ [سبأ‪.]٢٨ :‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﭲ ﭳ ﭴ ‪...‬ﭼ الرعد‪.٧ :‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ‪...‬ﭼ [البقرة‪.]٢١٣ :‬‬
‫ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ‪...‬ﭼ [األنعام‪.]٤٨ :‬‬
‫والتبلي�غ ق�د حيتاج إىل جه�اد بالنفس وامل�ال‪ ،‬فيكون اجله�اد واجب ًا عليه�م وجزء ًا من‬
‫وظيفتهم‪ ،‬ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ‪...‬ﭼ [التوبة‪.]٧٣ :‬‬
‫ﭽﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ الفرقان‪.‬‬
‫خاص� ًا لق�وم خمصوصني‪ ،‬كام ه�و ح�ال األنبياءالس�ابقني‪ ،‬وقد‬ ‫والتبلي�غ ق�د يك�ون ّ‬
‫ال أمثلة من‬‫يك�ون عا ّم� ًا للن�اس أمجعين‪ ،‬كما هو يف ح�ق س�يدنا حمم�د ﷺ ولنق�رأ أو ً‬
‫التبلي�غ اخل�اص‪:‬‬
‫‪93‬‬

‫ﭽﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭼ‬
‫الشعراء‪.‬‬
‫ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‪ ...‬ﭼ [األعراف‪.]٦٥ :‬‬
‫ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ‪ ...‬ﭼ [األعراف‪.]٧٣ :‬‬
‫ﭽﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ‬
‫[الشعراء‪.]١٦١ – ١٦٠ :‬‬
‫ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ‪...‬ﭼ [األعراف‪.]٨٥ :‬‬
‫ﭽﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ‪...‬ﭼ [األعراف‪.]١٠٣ :‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ‪...‬ﭼ [يونس‪.]٩٨ :‬‬
‫(((‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ‪...‬ﭼ [الصف‪]٦ :‬‬
‫ثم ولنقرأ أمثلة من التبليغ العام‪:‬‬
‫ﭽﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ‪...‬ﭼ [سبأ‪.]٢٨ :‬‬
‫ﭽﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ [األنبياء‪.]١٠٧ :‬‬
‫ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ‪...‬ﭼ [النساء‪.]١٧٠ :‬‬
‫ﭽ ﰓ ﰔ ﰕ ‪...‬ﭼ [النساء‪.]٧٩ :‬‬
‫ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭼ‬
‫[التوبة‪.]٣٣ :‬‬
‫وينبغي اإلشارة بعد هذا إىل حقيقة مهمة وهي أن وظيفة الرسل هذه يتحملها املؤمنون‬
‫م�ن بعدهم؛ ألن عمر الرس�ول حمدود‪ ،‬وال تت�م الفائدة إال بوجود ورثة للرس�ول حيملون‬
‫بعده هذه األمانة‪ ،‬وإال تط َّلب األمر وجود الرس�ل أبد ًا بني الناس‪ ،‬أو ضياع األمر والنهي‪،‬‬
‫وهلذا يقول اهلل تعاىل خماطب ًا األمة بام خاطب به نبيها‪:‬‬
‫ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﭼ آل عمران‪.‬‬

‫((( وق�د ج�اء يف اإلنجي�ل املوج�ود اآلن ما يؤي�د هذا ‪ ،‬أقرأ مث ً‬


‫ال عن عيس�ى – عليه السلام – أنه‬
‫أر َس�ل إال إىل خ�راف بن�ي إرسائي�ل الضال�ة ) "إنجي�ل مت�ى" اإلصح�اح ‪. 24-15 :‬‬
‫ق�ال‪ (:‬مل ْ‬
‫‪94‬‬

‫ﭽﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭼ آل عمران‪.١١٠ :‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭼ التوبة‪.‬‬
‫ﭽﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭼ‬
‫آل عمران‪.‬‬
‫وه�ذه احلقيقي�ة الكبيرة((( ه�ي التي دفع�ت الصحاب�ة الك�رام – ريض اهلل عنهم – إىل‬
‫مواصلة املسير‪ ،‬مبلغني دعوة اهلل‪ ،‬وجماهدين يف س�بيلها‪ ،‬وماذا كان اإلنس�ان يتصور لو أن‬
‫هذه املهمة كانت مهمة الرسول لوحده ؟!!‪.‬‬
‫رابع ًا ‪� :‬صفاتهم عليهم ال�صالة وال�سالم ‪:‬‬
‫حت�دث القرآن بإس�هاب عن صف�ات األنبياء – عليهم الصالة والسلام –‪ ،‬وهو يف كل‬
‫حديثه مل خيرج عن منهجه املعروف‪ ،‬فهو ال حيدثنا إال عام نحتاجه يف وظيفتنا‪ ،‬ولنر هذا من‬
‫خالل الصفات التالية ‪:‬‬

‫‪ -1‬الأمانة وال�صدق يف التبليغ ‪:‬‬


‫ﭽﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ احلاقة‪.‬‬
‫ﭽﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ النجم‪.‬‬
‫ﭽﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙﭚ ‪ ...‬ﭼ األعراف‪.‬‬
‫ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ‪...‬ﭼ النساء‪.١٧٠ :‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ يونس‪.‬‬
‫ﭽﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬

‫((( انظر‪ ،‬ما كتبه األس�تاذ عبد الكريم زيدان حتت عنوان األمة رشيكة لرس�وهلا يف وظيفة الدعوة إىل اهلل‬
‫«أصول الدعوة» ص‪.308‬‬
‫‪95‬‬

‫ﰅﰆ ﰇﰈﰉﰊﰋ ﰌﰍﰎ ﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕ ﰖ‬


‫ﰗ ﰘ ﭼ اجلن‪.‬‬

‫‪ -2‬اخللق الكرمي ‪:‬‬


‫فلقد وصفهم القرآن بأهنم من طراز فريد يف األخالق‪ ،‬وربام يوجز يف هذا‪ ،‬وربام يفصل‪،‬‬
‫فمام أوجزه القرآن ﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ القلم‪.‬‬
‫لك�ن ال�ذي هيمنا هنا التفصي�ل ملعان مهمة يف األخالق‪ ،‬ال س�يام تل�ك املتعلقة بوظيفة‬
‫الرسل األساسية‪ ،‬ولنأخذ هذه األمثلة‪:‬‬
‫�أ ‪ -‬التجرد لله تعاىل يف الدعوة ‪:‬‬
‫وع�دم النظ�ر إىل ما يف أيدي الناس‪ ،‬فلقد قال نوح لقوم�ه‪ :‬ﭽ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ‬
‫ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫وق�ال ه�ود لقوم�ه‪ :‬ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ‬
‫الشعراء‪.‬‬
‫وق�ال صال�ح لقوم�ه‪ :‬ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﭼ‬
‫الشعراء‪.‬‬
‫وق�ال ل�وط لقوم�ه‪ :‬ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ‬
‫الشعراء‪.‬‬
‫وق�ال ش�عيب لقوم�ه‪ :‬ﭽ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭼ‬
‫الشعراء‪.‬‬
‫وقال اهلل ملحمد ﷺ‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭼ [يوسف‪.]١٠٤ :‬‬
‫ب ‪ -‬ال�صدق‪:‬‬
‫ﭽﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ مريم‪.‬‬
‫ﭽﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ مريم‪.‬‬
‫ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ‪...‬ﭼ يوسف‪.‬‬
‫ﭽﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ مريم‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الأمانة‪:‬‬
‫قال نوح لقومه‪ :‬ﭽ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫‪96‬‬

‫وقال هود لقومه‪ :‬ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ الشعراء‪.‬‬


‫وقال صالح لقومه‪ :‬ﭽ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫وقال شعيب لقومه‪ :‬ﭽ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫وعن موسى‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ القصص‪.‬‬
‫وعن يوسف‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ يوسف‪.‬‬
‫د ‪ -‬العفاف والطهر‪:‬‬
‫فع�ن ل�وط‪ :‬ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭼ األع�راف‪.‬‬
‫وعن يوسف‪ :‬ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭼ يوس�ف‪ ،٢٣ :‬ﭽ‪ ...‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ‪...‬ﭼ يوسف‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬احللم وال�صرب‪:‬‬
‫فع�ن إبراهي�م‪ :‬ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﭼ التوب�ة‪ ،‬ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﭼ [هود‪ ،] ٧٥ :‬وعن أويل العزم‪ :‬ﭽ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ‪ ...‬ﭼ‬
‫[األحق�اف ‪.]35 :‬‬
‫وعن مجلة من الرسل حتدث القرآن عنهم ثم عطف عليهم بقوله‪:‬‬
‫ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ األنبياء‪.‬‬
‫وع�ن الرس�ل كاف�ة‪ :‬ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ‪...‬ﭼ‬
‫[األنعام‪.]٣٤ :‬‬
‫و ‪ -‬اللني والتوا�ضع‪:‬‬
‫قال اهلل عن رس�وله حممد ﷺ‪ :‬ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧﭨ ‪...‬ﭼ [آل عمران‪.] ١٥٩ :‬‬
‫وعن عيسى عليه السالم‪ :‬ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫‪97‬‬

‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [مريم‪.]٣١ – ٣٠ :‬‬
‫ﭽﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛﮜﮝ ﭼ مريم‪.‬‬
‫ز ‪ -‬ال�شجاعة ‪:‬‬
‫ولنق�رأ هذه األمثل�ة‪ :‬ع�ن إبراهي�م ‪ :‬ﭽ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫(((‬

‫ﮤﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫﮬ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯔ‬


‫ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ ﯟﯠ ﯡﯢﯣﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﭼ الصافات‪.‬‬
‫وع�ن موس�ى ‪ :‬ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕﯖﯗ ﯘ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯣﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ اإلرساء‪.‬‬
‫وع�ن حمم�د عليه وعىل من قبل�ه الصلاة والسلام‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ‪...‬ﭼ الفت�ح‪ ،‬وﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ‪...‬ﭼ [آل عمران‪.]١٥٣ :‬‬

‫‪ -3‬الفطانة واحلكمة وقوة احلجة ‪:‬‬


‫ونستطيع أن نجدها يف ثالثة نامذج من اآليات‪:‬‬
‫أ ‪ -‬اإلخبار عنهم هبذه الصفات رصاحة ‪ ،‬مثل قوله ‪ -‬تعاىل ‪ -‬عن إبراهيم ‪:‬‬
‫ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ‪...‬ﭼ [األنعام‪. ]٨٣ :‬‬
‫ومثل قوله تعاىل عن داود ‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ‪...‬ﭼ [البقرة‪.]٢٥١ :‬‬

‫((( يق�ول األس�تاذ عفي�ف عب�د الفتاح طبارة حتت عن�وان «درس يف الش�جاعة» ‪(( :‬إن يف حي�اة إبراهيم‬
‫ً‬
‫وجه�ا لوجه أمام قومه‬ ‫درس يف الش�جاعة واإلقدام واالس�تامتة يف س�بيل املب�دأ والعقيدة ‪ ،‬فإبراهيم يقف‬
‫الذين فشت فيهم عبادة األصنام ‪ ،‬يسفه معتقداهتم ويدعوهم باحلجة والربهان إىل ترك عبادهتا‪ .....‬مل جيد‬
‫إبراهيم آذان ًا صاغية لدعوته‪ ...‬فلم يثنه ذلك عن قصده‪ ....‬بل شهر يف وجوه قومه سالح ًا أمىض وأقوى ‪،‬‬
‫سالح ًا يدمر معتقداهتم ‪ ،‬ويزلزل بنيان مقدساهتم ‪ ،‬إنه سالح مقاومة الباطل باليد‪ ...‬إن نتيجة هذا العمل‬
‫واضحة للعيان‪ :‬إما موته املحقق ‪ ،‬وإما إقناع قومه)) مع األنبياء يف القرآن الكريم ‪ :‬ص ‪. 138‬‬
‫‪98‬‬

‫ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ ص‪.‬‬
‫وع�ن يوس�ف ‪ :‬ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭼ‬
‫[يوسف‪.]٥٥ :‬‬
‫وعن حممد ﷺ‪:‬ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ األعىل‪.‬‬
‫ب – ع�رض ه�ذه الصف�ات م�ن خلال احل�وار واملجادل�ة‪ ،‬ولنأخ�ذ ه�ذه األمثل�ة‪:‬‬
‫إبراهي�م ‪ :‬ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ‪...‬ﭼ البقرة‪.٢٥٨ :‬‬
‫يوس�ف ‪ :‬ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ‬
‫ﰇ ﰈﰉﰊ ﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔ‬
‫ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨﭩﭪ ﭫ ﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ‬
‫ﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭽﭾﭿ ﮀﮁﮂﮃﮄ‬
‫ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ يوسف‪.‬‬
‫فانظ�ر يف املث�ال األول مل�ا أراد الطاغي�ة أن ي�راوغ يف قضية اإلماتة واإلحي�اء كيف ترك‬
‫إبراهيم هذه املسألة وفاجأ الطاغية بسؤال مل يتوقعه فأراده باهت ًا(((‪ ،‬وتصور لو أننا افرتضنا أن‬
‫إبراهيم بقي جيادله يف املسألة األوىل ماذا تكون النتيجة؟! ثم الحظ أن سؤال إبراهيم الثاين‬
‫ال يدع املجال حتى للمكابر ‪ ،‬فتخيل لو أن إبراهيم قال له‪ :‬من خلق الش�مس؟ فإن املكابر‬
‫قد يقول‪ :‬أنا‪ ،‬ولكن إبراهيم طالبه بفعل جديد يف الشمس؟ فامذا يقول املكابر ؟!‪..‬ويف املثال‬
‫الثاين أنظر كيف استغل يوسف حاجة صاحبيه إىل علمه (((‪ ،‬فحينام سأاله عن رؤيامها كان يعلم‬

‫((( أنظر ‪« :‬مع األنبياء يف القرآن الكريم» ‪ :‬ص‪. 119‬‬


‫((( يق�ول س�يد قط�ب رمح�ه اهلل ‪ :‬وينتهز يوس�ف هذه الفرص�ة ليبث بني الس�جناء عقيدت�ه الصحيحة ‪،‬‬
‫‪99‬‬

‫فأخر اجلواب‪ ،‬وبدأ يسأهلام عن التوحيد والرشك‪،‬‬


‫أهنام سيصغيان إليه‪ ،‬فاستغل هذا الظرف‪ّ ،‬‬
‫ويبني هلام احلقيقة ‪ ،‬ثم ملا أكمل مهمته يف تبليغ الدعوة رشع يف اجلواب!!‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن يعرضه�ا الق�رآن من خالل بعض املواق�ف الذكية واملخ�ارج البارعة ولنبق مع‬
‫اجلد الكريم واحلفيد الكريم‪:‬‬
‫إبراهي�م ‪ :‬ﭽ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞ ﭟ ﭠﭡ‬
‫ﭢ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯﭰ ﭱ‬
‫ﭲﭳﭴﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ‬
‫ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮇ ﮈﮉﮊﮋ‬
‫ﮌﮍﮎﮏ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗ ﮘﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ األنبي�اء‪.‬‬
‫يوس�ف‪ :‬ﭽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬
‫ﰌﰍﰎﰏ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚ‬
‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨ‬
‫ﭩﭪ ﭫﭬﭭ ﭮﭯ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸﭹ‬
‫ﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮆ ﮇﮈﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ يوسف‪.‬‬
‫وه�ذان املث�االن ال حيتاجان إىل تعليق‪ ،‬ففي كل مجلة التفاتة ذكية‪ ،‬وكيد بارع‪ ،‬وسياس�ة‬
‫فطنة‪.‬‬

‫فكون�ه س�جين ًا ال يعفيه من تصحيح العقيدة الفاس�دة واألوضاع الفاس�دة‪ ...‬ويبدأ يوس�ف مع صاحبي‬
‫س�يؤول هلم الرؤى‪ ...‬وبذلك يكس�ب‬
‫ّ‬ ‫الس�جن من موضوعهام الذي ش�غل باهلام ‪ ،‬فيطمئنهام ابتداء إىل إنه‬
‫ثقتهما منذ اللحظة األوىل ‪ ،‬ويبدو يف طريقة تناول يوس�ف للحديث لطف مدخله إىل النفوس ‪ ،‬وكياس�ته‬
‫وتنقله يف احلديث يف رفق لطيف ‪ ،‬وهي س�مة هذه الش�خصية البارزة يف القصة بطوهلا «يف ظالل القرآن»‬
‫‪.»1988/4 :‬‬
‫‪100‬‬

‫وه�ذه الصفات كلها واضحة املقصود‪ ،‬إهنا تعنى باختصار أن األنبياء – عليهم الصالة‬
‫والسلام – ه�م نمط خاص من البرش‪ ،‬ال يدانيهم أح�د يف كل صفات الفضيلة‪ ،‬وعىل هذا‬
‫أه ٌل لقيادة البرشية لتحقيق سعادهتا يف الدنيا واآلخرة ‪ ،‬غري أن املوازنة ال تكتمل هبذه‬ ‫َف ُه ْم ْ‬
‫إن النفس البرشية ليست قادرة دائ ًام عىل الثبات يف املوقف الصحيح‪ ،‬دون تأرجح‬ ‫الصفات‪ ،‬إذ ّ‬
‫وتردد‪ ،‬أو إفراط وتفريط‪ ،‬أو غلو يف الكره واحلب‪ ،‬لقد جاءت هذه الصفات لتضع األنبياء‬
‫– عليهم الصالة والسالم – يف املكانة الرائدة املرموقة من أجل وحدة القيادة والتوجيه‪ ،‬لكن‬
‫ماذا لو أن البرش تعدّ وا باألنبياء مقامهم احلقيقي‪ ،‬وذهبوا هبم بعيد ًا حتى يتجاوزوا هبم حدود‬
‫املخلوق إىل مقام اخلالق – تبارك وتعاىل ‪ ،-‬كام قالوا‪ :‬عزيز ابن اهلل وعيسى ابن اهلل – تعاىل‬
‫اهلل عن قوهلم ‪ ،-‬ومن هنا كان رضور ّي ًا أن يتحدث القرآن عن نوع آخر من الصفات‪ ،‬وهو‬
‫اآليت‪:‬‬
‫‪� -4‬صفاتهم الب�رشية ‪:‬‬
‫لق�د أكد القرآن هذه الصفات حلامية جانب التوحيد‪ ،‬فاخلالق خالق‪ ،‬واملخلوق خملوق‪،‬‬
‫وإذا كان�ت تل�ك الصفات تدفع بالنفس الضعيفة أن تؤ ِّله هؤالء الصفوة فإن هذه الصفات‬
‫تعين عىل الثبات يف املوق�ف الصحيح‪ ،‬وتقي من االنزالق‪ ،‬وهي م�ع تلك تكمل الصورة‬
‫احلقيقي�ة هل�ؤالء الصف�وة‪ ،‬وه�ذه قد ال نس�تطيع حرصها‪ ،‬إال إننا نس�تطيع أن نتلمس�ها يف‬
‫األمثلة اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬التأكيد عىل أن هؤالء الصفوة هم برش من خلق اهلل‪ ،‬ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ‪...‬ﭼ [إبراهيم‪.]١١ :‬‬
‫ﭽﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ‪ ...‬ﭼ [فصلت‪.]٦ :‬‬
‫ﭽ‪...‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﭼ اإلرساء‪.‬‬
‫ﭽﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ‪...‬ﭼ [آل عمران‪.]٧٩ :‬‬
‫ب‪ -‬التأكيد عىل أهنم عباد اهلل‪:‬‬
‫فعن نوح قال القرآن ‪:‬‬
‫ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ القمر‪.‬‬
‫وعن داود قال‪ :‬ﭽ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ ص‪.‬‬
‫وعن أيوب ‪ :‬ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ‪...‬ﭼ ص‪.٤١ :‬‬
‫‪101‬‬

‫وعن عيسى ‪ :‬ﭽﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ [مريم‪.]٣٠ :‬‬


‫وعن حممد صىل اهلل عليه وعىل إخوانه‪ :‬ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‪...‬ﭼ [اإلرساء‪،]1:‬‬
‫و ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﭼ [الكهف‪.]١ :‬‬
‫ج‪ -‬إهنم ال يملكون من أمر اهلل شيئ ًا‪ ،‬وال ينفعون وال يرضون‪-:‬‬
‫ﭽ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ‪...‬ﭼ [آل عمران‪.]١٢٨ :‬‬
‫ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ‪...‬ﭼ‬
‫[األنعام‪.]٥٨ :‬‬
‫ﭽ ‪...‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ‪...‬ﭼ [املائدة‪.]١٧ :‬‬
‫ﭽﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ اجلن‪.‬‬
‫ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ‪...‬ﭼ [املمتحنة‪.] ٤ :‬‬
‫ﭽﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ‪...‬ﭼ [القصص‪.]٥٦ :‬‬
‫د ‪ -‬ذك�ر عوارضهم البرشية‪ ،‬كامل�رض‪ ،‬واجلوع‪ ،‬والتع�ب‪ ،‬واألكل‪ ،‬والرشب‪ ،‬ولنقرأ‬
‫عن آدم ‪ :‬ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊﮋﮌﮍﮎﮏ ﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮙ‬
‫ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ‪...‬ﭼ طه‪.‬‬
‫وع�ن ن�وح‪ :‬ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ القمر‪.‬‬
‫وع�ن إبراهي�م‪ :‬ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫وع�ن ل�وط‪ :‬ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﭼ ه�ود‪.‬‬
‫وع�ن يعق�وب‪ :‬ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ‬
‫[يوس�ف‪.]١٣ :‬‬
‫وع�ن أي�وب‪ :‬ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ‪...‬ﭼ األنبياء‪.‬‬
‫‪102‬‬

‫وعن موس�ى‪ :‬ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﭼ طه‪ ،‬ثم ﭽ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ‬


‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ طه‪.‬‬
‫وع�ن يون�س‪ :‬ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ الصافات‪.‬‬
‫وعن حممد ﷺ‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ احلجر‪.‬‬
‫إن هذه األمثلة تبني أن هناك هدف ًا من وراء عرض القرآن للطبيعة البرشية عند الرس�ل‬
‫الكرام – عليهم الصالة والسالم ‪.-‬‬
‫هـ ‪ -‬ذكر الزالت وأخطاء وقع هبا األنبياء – عليهم الصالة والسالم ‪:-‬‬
‫فقد س�جل القرآن بعض الزالت التي وقع فيها األنبياء‪ ،‬وال ش�ك ان هذا أمر مقصود‪،‬‬
‫وأظهر ما فيه محاية جانب التوحيد ‪ ،‬فالرب رب‪ ،‬والعبد عبد((( ولنقرأ مث ً‬
‫ال‪:‬‬
‫ع�ن آدم‪ :‬ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ طه‪.‬‬
‫وع�ن داود‪ :‬ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎﮏﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮜﮝ ﮞﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ ص‪.‬‬
‫وعن يونس‪ :‬ﭽﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ القلم‪.‬‬
‫وﭽ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ [األنبياء‪.] ٨٧ :‬‬

‫((( وقد ذكر أن من ِح َكم تس�جيل الزالت هذه تبيان صدق األنبياء فيام يبلغونه ‪ ،‬إذ لو مل يكونوا صادقني‬
‫مل�ا تل�وا عىل الن�اس زالهتم ‪ ،‬ومنها أيض ًا للت�أيس ‪ ،‬فالنبي الذي يلج�أ إىل ربه عند الزلة ُيع ّل�م أتباعه كيفية‬
‫الرج�وع واإلناب�ة واالعتراف باخلطأ ‪ ،‬أنظر ‪“ :‬أصول الدين اإلسلامي” د‪.‬رش�دي علي�ان و د‪ .‬قحطان‬
‫الدوري‪. 255-254 :‬‬
‫‪103‬‬

‫وع�ن حممد صىل اهلل عليه وعلى إخوانه وس�لم‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬


‫ﭙﭚﭛﭜﭝ ﭞﭟﭠ ﭡﭢﭣﭤ ﭥﭦﭧﭨ ﭩ ﭪﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ عب�س‪ ،‬وﭽ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ [التحريم‪.]١ :‬‬
‫لق�د ح�اول العلامء أن يؤول�وا هذه النصوص ليوفق�وا بينها وبني مب�دأ عصمة األنبياء‪،‬‬
‫ولك�ن القرآن س�جلها دون ذكر مربراهتا‪ ،‬والس�لف مل يفهم�وا منها ما حيت�اج إىل تأويل أو‬
‫تربير‪ ،‬بدليل أنه مل يأت واحد منهم يس�أل‪ :‬يا رس�ول اهلل كيف أنت معصوم والقرآن يقول‬
‫عنك‪ :‬ﭽ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ الفتح‪ .‬؟‪.‬‬
‫إن الق�رآن مل جيد هنا مش�كلة حتتاج إىل علاج‪ ،‬فاألمر واضح بينّ ‪ :‬اهلل هو الذي أرس�ل‬
‫هؤالء الرس�ل – عليهم الصالة والسلام – فمهمتهم تبليغ الرس�الة‪ ،‬والرس�الة تعهد اهلل‬
‫بإيصاهلا للناس سليمة كاملة‪ :‬ﭽ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ احلاقة‪ ،‬فهذه الزالت ال عالقة هلا بالرسالة‪،‬‬
‫ال عالقة هلا بوظيفتهم األساس�ية‪ ،‬نعم إن التأيس هبم ثمرة اإليامن هبم‪ :‬ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ‪...‬ﭼ [األح�زاب‪ ، ]٢١ :‬ولك�ن هذا االقت�داء ال يبقى عىل إطالقه‬
‫بع�د تبيين اهلل تع�اىل للزل�ة واخلطأ‪ ،‬فرس�ول اهلل ﷺ نقتدي ب�ه يف كل يشء لكنن�ا ال نعبس‬
‫بوجه األعمى‪ ،‬ألن اهلل مل يقر الرس�ول ﷺ عىل هذا الترصف‪ ،‬بل عاتبه عليه‪ ،‬واألصل فيام‬
‫مل يعاتب عليه الرس�ول أن نقتدي به‪ ،‬فليس�ت هنا مش�كلة حقيقية‪ ،‬ال س�يام بعد أن بني اهلل‬
‫صفاهت�م األوىل‪ ،‬الت�ي تثبت مع هذه الزالت أهنم الصف�وة‪ ،‬وأهنم وحدهم املؤهلون لقيادة‬
‫البرشي�ة‪ ،‬وأما ه�ذه الزالت فحينام ال تؤثر عىل وظيفتهم وال عىل مكانتهم القيادية وال تنفر‬
‫الن�اس عنهم لقوله تع�اىل‪ :‬ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ‪...‬ﭼ [آل عمران‪:‬‬
‫‪ ، ]١٥٩‬فالنبي ال يمكن أن يرتكب ما ينفر الناس عنه‪ ،‬كالكذب واخليانة‪ ،‬والفواحش‪ ،‬فإذا‬
‫�ل َم النبي م�ن كل هذا فهذه الزالت الطفيفة ال حتتاج بع�د إىل تأويل وتربير‪ ،‬مع أن الذي‬ ‫َس ِ‬
‫يريد أن يربر ويؤول فإن له متسع ًا‪ ،‬لكن ما احلاجة إليه؟! واهلل أعلم‪.‬‬
‫خام�س ًا ‪� :‬أ�سما�ؤهم يف القر�آن الكرمي ‪:‬‬
‫رصح بالعكس‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫مل يذكر لنا القرآن أسامء األنبياء واملرسلني مجيع ًا‪ ،‬بل َّ‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭼ‬
‫[غافر‪.]٧٨ :‬‬
‫‪104‬‬

‫رصح بنبوهتم أو رس�التهم ومنهم من مل‬


‫ق�ص القرآن علين�ا أخبارهم منهم من َّ‬
‫والذي�ن َّ‬
‫من‬
‫يرصح‪ ،‬وإنام اس�تفيد من إش�ارات ودالئل أخ�رى وهي حمل نزاع بني العلماء‪ ،‬فلنأخذ ْ‬
‫رصح القرآن بنبوهتم أو رساالهتم‪-:‬‬
‫َّ‬
‫‪ 1)1‬فعن إدريس – عليه الصالة والسلام ‪ -‬يقول القرآن‪ :‬ﭽ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ مريم‪.‬‬
‫‪ 2)2‬وعن نوح ‪ -‬عليه الصالة والسلام ‪ -‬يق�ول القرآن‪ :‬ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ نوح‪.‬‬
‫‪ 3)3‬وع�ن هود ‪ -‬عليه الصالة والسلام ‪ -‬يقول الق�رآن‪ :‬ﭽ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫‪ 4)4‬وع�ن صالح ‪ -‬عليه الصالة والسلام ‪ -‬يقول القرآن‪ :‬ﭽ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫‪ 5)5‬وعن إبراهيم ‪ -‬عليه الصالة والسلام ‪ -‬قال القرآن‪ :‬ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ مريم‪.‬‬
‫‪ 6)6‬وعن لوط ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬قال القرآن‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫‪7)7‬وعن إسماعيل‪ -‬عليه الصالة والسلام‪ -‬يقول القرآن‪ :‬ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ مريم‪.‬‬
‫‪8)8‬وع�ن إس�حاق – عليه الصالة والسلام‪ -‬يقول الق�رآن‪ :‬ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﭼ الصافات‪.‬‬
‫‪9)9‬وعن يعقوب – عليه الصالة والسلام‪ -‬يقول الق�رآن‪ :‬ﭽ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭼ مريم‪.‬‬
‫‪1010‬وعن يوس�ف – عليه الصالة والسالم‪ -‬يقول القرآن‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭼ غافر‪.‬‬
‫‪1111‬وعن شعيب‪ -‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يقول القرآن‪ :‬ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫‪1212‬وعن َأيوب– عليه الصالة والسلام‪ -‬يقول القرآن‪ :‬ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫‪105‬‬

‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ النساء‪.‬‬
‫‪1313‬وعن موسى ‪ -‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يقول القرآن‪ :‬ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ غافر‪.‬‬
‫‪1414‬وعن هارون‪ -‬عليه الصالة والسلام‪ -‬يقول القرآن‪ :‬ﭽ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‪...‬ﭼ يونس‪.‬‬
‫‪1515‬وعن داود‪ -‬عليه الصالة والسالم‪ -‬يقول القرآن‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ اإلرساء‪.‬‬
‫‪1616‬وعن سليامن– عليه الصالة والسالم‪ -‬يقول القرآن‪ :‬ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ‪...‬ﭼ النساء‪.‬‬
‫‪1717‬وع�ن إلياس ‪ -‬الصالة والسلام‪ -‬يقول الق�رآن‪ :‬ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ‬
‫الصافات‪.‬‬
‫‪1818‬وع�ن يونس الصالة و السلام‪ -‬يقول الق�رآن‪ :‬ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﭼ‬
‫الصافات‪.‬‬
‫‪1919‬وع�ن حيي�ى ‪-‬عليه الصالة و السلام‪ -‬يقول الق�رآن‪ :‬ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ آل عمران‪.‬‬
‫‪2020‬وعن عيس�ى‪-‬عليه الصالة و السلام‪ -‬يق�ول الق�رآن‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ [الصف ‪.]6 :‬‬
‫‪2121‬وعن س�يدنا حممد‪--‬عليه الصالة و السالم‪ -‬يقول القرآن‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ‪ ...‬ﭼ الفتح وبه ختمت النبوة‪ :‬ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ‪...‬ﭼ األحزاب‪.‬‬
‫بقيت عندنا ثالث مسائل متعلقة بأسامء األنبياء عليهم الصالة والسالم‪:‬‬

‫امل�س�ألة الأوىل ‪:‬‬


‫مس�ألة «األسباط» الذين أكد القرآن عىل عىل نبوهتم؛ حيث قال‪ :‬ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ‪ ...‬ﭼ [البقرة‪.]١٣٦ :‬‬
‫‪106‬‬

‫يم‬ ‫وأك�د يف غير ه�ذا املوض�ع‪ ،‬ﭽ ُق ْل آ َم َّن�ا بِ�اللهّ ِ َو َما ُأن� ِز َل َع َل ْينَ�ا َو َما ُأن� ِز َل َعَل�ىَ إِ ْب َر ِ‬
‫اه َ‬
‫اط ‪....‬ﭼ [آل عمران ‪ ،]84 :‬لك�ن القرآن مل يبني‬ ‫األ ْس� َب ِ‬ ‫�وب َو َ‬ ‫�ح َ‬
‫اق َو َي ْع ُق َ‬ ‫َوإِ ْسَم�اَ ِع َ‬
‫يل َوإِ ْس َ‬
‫م�ن هم األس�باط((( وكم عددهم؟ وال ش�ك إن هناك حكمة من ه�ذا‪ ،‬إذ لو علم اهلل َأن يف‬
‫إخباره�م نفع َا لقصها علينا‪ ،‬لكن اهلل أعلم وأحكم‪ ،‬وقد فهم س�لفنا هذا فلم يس�ألوا عنه‪،‬‬
‫ولنا هبم أسوة حسنة‪.‬‬

‫امل�س�ألة الثانية ‪:‬‬


‫أربع أنبياء ذكرهم القرآن ومل يرصح بنبوهتم أو رسالتهم‪ ،‬وهم آدم و ذو الكفل و اليسع‬
‫يرصح القرآن بذلك بام يأيت ‪:‬‬ ‫و زكريا‪ ،‬أما آدم فهو نبي وإن مل ّ‬
‫�وا ُه إِال تحَ ْ َت‬
‫�ن َنبِ ٍّي َي ْو َمئِ ٍذ آ َد ُم َف َم ْن ِس َ‬
‫(و َما ِم ْ‬
‫أ‪ -‬قول�ه ﷺ ع�ن آدم – عليه السلام‪َ :‬‬
‫لِ َوائِ�ي)((( ‪.‬‬
‫ب‪ -‬قول�ه تع�اىل ﭽ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭼ البق�رة‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬قوله تعاىل ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ طه‪.‬‬
‫وأم�ا ذو الكف�ل فق�د اختلف فيه العلماء‪ ،‬ومل يأت دليل قاطع على إثبات نبوته‪ ،‬إال‬
‫أن ذكره م�ع األنبياء يف قوله تعاىل ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﭼ األنبي�اء‪ ،‬قرين�ة قوية عىل إنه منهم ‪ ،‬وهذا هو ال�ذي رجحه ابن كثري رمحه اهلل‪ ،‬إال‬
‫أن�ه نق�لع�نجماه�د قول�ه‪":‬رج�لصال�ح غيرنب�ي((("‪ ،‬واهلل أعل�م‪.‬‬
‫ال إال ما جاء من ذكره مع األنبياء –‬ ‫وأما اليس�ع فلم أعثر عىل ما يثبت كونه نبي ًا أو رس�و ً‬
‫قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ‬ ‫عليهم الصالة والسلام يف ِ‬

‫ال أوالد يعقوب ‪ ،‬يوس�ف وإخوته ‪ .‬انظر تفسير‬ ‫((( ي�رى كثير من املفرسين أن األس�باط اثن�ا عرش رج ً‬
‫الطبري ‪ ، 568/1 :‬وق�ال البخاري واخلليل بن امحد الزخمشري ‪ّ :‬‬
‫((إن املقصود هبم ‪ :‬قبائل بني إرسائيل‬
‫وهم أحفاد يعقوب وأوالدهم ‪ ،‬وعىل هذا فهؤالء ليس�و بأنبياء ‪ ،‬ويكون معنى اآلية عند هؤالء « ش�عوب‬
‫بن�ي إرسائي�ل وم�ا أن�زل اهلل من الوحي على األنبي�اء املوجودي�ن منهم)) « تفسير ابن كثير‪، 178/1 :‬‬
‫والكشاف‪ ، 195/1:‬وهو رأي النسفي أيضا ‪ .‬انظر ‪ :‬تفسري ‪. 77/1:‬‬
‫((( اجلامع الصحيح للرتمذي ‪ ، 548/5 :‬رقم احلديث ‪ ، 3615‬وقال عنه ‪ « :‬حسن صحيح « ‪.‬‬
‫((( تفسري ابن كثري ‪. 427/3‬‬
‫‪107‬‬

‫ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ األنعام‪ ،‬وال ريب أن هذه قرينة قوية أنه منهم‪ ،‬واهلل اعلم ‪.‬‬
‫وأم�ا زكري�ا فلم أجد يف القرآن ما يرصخ بنبوت�ه‪ ،‬إال أن ما جاء فيه من القرائن القوية‬
‫الدال�ة عىل نبوته يكفي‪ ،‬وهذه هي‪ :‬ذكره مع قائمة األنبياء عليهم الصالة والسلام يف قوله‬
‫تع�اىل‪ :‬ﭽ ‪...‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﭼ األنع�ام‪ ،‬الس�يام أن‬
‫القرآن قال بعد ذلك ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﭼ [األنعام‪.]89:‬‬
‫قول�ه تع�اىل‪ :‬ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠﮡﮢﮣ ﮤﮥﮦ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﭼ مري�م‪ ،‬والظاه�ر أن ه�ذا وح�ي‪ ،‬واهلل اعل�م‪.‬‬

‫امل�س�ألة الثالثة‪:‬‬
‫أسامء ذكرت يف القرآن الكريم يف غري قائمة أألنبياء‪ ،‬وإنام ذكر كل واحد لوحده ‪ ،‬ومل يشري‬
‫القرآن إىل نوبتهم ‪ ،‬ومنهم‪ :‬لقامن‪ ،‬وذو القرنني‪ ،‬والعبد الصالح صاحب موسى – عليه السالم‬
‫‪ ،-‬ومريم – عليها السلام ‪ ،-‬وقد اختلف العلامء فيهم‪ ،‬ولس�نا هنا بصدد املقارنة والرتجيح‬
‫ولكن سنذكر فقط جانبا من صفاهتم يف القرآن‪ ،‬السيام تلك التي أثارت اجلدل‪:‬‬
‫‪ -1‬لقمان‪ :‬ق�ال اهلل تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ‪...‬ﭼ لقمان‪ ،‬ثم يعرض القرآن‬
‫بعض� ًا م�ن ه�ذه احلكمة ‪،‬وفيه�ا توحي�د‪ ،‬وآداب ‪ ،‬وصلاة ‪ ،‬وأمر باملع�روف‪ ،‬وهني عن‬
‫املنك�ر‪ ،‬وه�ذه دالئل على أنه يملك هدي�ا ورشيعة‪ ،‬وهذه الرشيع�ة من اهلل ﭽ ﭑ ﭒ‬
‫نبي ًا‪ ،‬وقد خلص‬
‫ﭓ ﭔ ﭼ [لقامن‪ ،] ١٢ :‬ولكن ما ورد عن الس�لف ال يرجح كونه ّ‬
‫ِ‬
‫بقوله‪ “ :‬اختلف الس�لف يف لقامن هل كان نبيا‬ ‫لنا ابن كثري – رمحه اهلل – قول الس�لف فيه‬
‫او عبدا صاحلا من غري نبوة؟ عىل قولني‪ ،‬األكثرون عىل الثاين‪ ،‬ثم قال‪" :‬وهلذا كان مجهور‬
‫الس�لف عىل أنه مل يكن نبيا"(((‪.‬‬
‫‪ -2‬ذو القرنني‪ :‬ورد ذكره يف أواخر الكهف و يقول القرآن‪ :‬ﭽﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭼ الكهف‪،‬‬
‫ويف هذا النص ال يوجد أي إيامء إىل أنه نبي‪ ،‬لكن قول اهلل بعد هذا‪:‬‬

‫((( تفسري ابن كثري‪ .427/3 :‬‬


‫‪108‬‬

‫ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﭼ الكه�ف‪،‬‬
‫مش�عر بنبوت�ه‪ ،‬إذ ق�ول اهلل مب�ارشة لواحد من خلقه – س�يام القائد واملوج�ه – الظاهر يف‬
‫الوح�ي‪ ،‬واهلل أعل�م‪.‬‬
‫‪ -3‬العب�د الصال�ح‪ :‬يقول الق�رآن عنه‪ :‬ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ [ الكه�ف‪ ، ] ٦٥ :‬ث�م يذك�ر الق�رآن عم�ل‬
‫الرج�ل الصال�ح يف الس�فينة وقتله للغالم وبنائ�ه للجدار‪ ،‬ثم يعقب‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ‪ ...‬ﭼ [ الكه�ف‪ ،] ٨٢ :‬و إن ه�ذه أم�اره قوي�ة عىل أن�ه نبي‪ ،‬ال س�يام قتله‬
‫للغلام‪ ،‬إذ ال يعق�ل أن جي�وز إال بوح�ي‪ ،‬واهلل أعل�م ‪.‬‬
‫‪ -4‬مري�م‪ :‬يق�ول الق�رآن‪ :‬ﭽﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ [مريم‪:‬‬
‫‪ ،] ١٧‬ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ [آل عم�ران‪ ،] ٤٥ :‬ﭽ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﭼ [آل عم�ران‪ ، ]٤٢ :‬فق�ول املالئك�ة هل�ا مع ذكر‬
‫اصطف�اء اهلل هل�ا قرائن على نبوهتا‪ ،‬إال أن قول�ه تع�اىل‪ :‬ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫نبية‪ ،‬وإرسال الروح إليها مل يكن بالوحي‪،‬‬‫ﮚ ﮛ ﭼ [يوسف‪ ،]١٠٩ :‬يمنع من كوهنا ّ‬
‫وإنام لقضية خاصة ال عالقة هلا بالرشع‪ ،‬وعىل هذا اجلمهور‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫�ساد�سا‪ :‬دالئل �صدقهم يف �أدعائهم النبوة‪:‬‬


‫الوظيف�ة التي كلف اهلل هبا املرس�لني وظيف�ة خطرية كبرية‪ ،‬ولذلك فه�ي حتتاج إىل أدلة‬
‫إثب�ات واضحة قوية‪ :‬ﭽ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ‪...‬ﭼ [النس�اء‪، ]١٦٥ :‬‬
‫وليتميز النبي الصادق من املتنبيء الكاذب‪ ،‬ولذلك أيد اهلل رس�له بام ال يقدر عليه غريهم‪،‬‬
‫وه�ذا ه�و الذي يس�مى باملعجزات‪ ،‬نعم هن�اك دالئل كثرية عىل صدق أألنبياء‪ ،‬فسيرهتم‬
‫وأخالقهم واملنهج الذي جاؤوا به كل هذا أدلة واضحة عىل صدقهم‪ ،‬لكن اهلل احلكم احلق‬
‫أراد أن ال ي�دع مس�اغ ًا ملعان�د مكابر‪ ،‬ولذا أي�د اهلل أنبيائه بمعجزات يعجز ع�ن مثيلها كل‬
‫إنسان‪ ،‬وهذه املعجزات تقرتن بالتحدي الصارخ الذي يستفز اخلصم إلظهار كامل ما عنده‬
‫م�ن طاقات‪ ،‬ومع هذا مل يقدر احد عىل جماراة املعجزات‪ ،‬وال نريد هنا أن نفصل املعجزات‬
‫التي وردت يف القرآن الكريم‪ ،‬لكن س�نأخذ أمثلة منها ‪ ،‬تكش�ف لنا منهج القرآن يف عرضه‬
‫للمعجزات‪ ،‬وسنأخذ هذه أألمثلة من خالل النوعني أآلتيني‪:‬‬
‫‪109‬‬

‫النوع األول‪ :‬معجزات جاء هبا األنبياء لكنها مل تأت إلثبات النبوة‪ ،‬مع أهنا دليل قاطع‬
‫عىل النبوة‪ ،‬وهذه بعض األمثلة‪:‬‬
‫أ‪ -‬ﭽﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤﭥ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ [هود‪.]40-37 :‬‬
‫أن نوح ًا علم مسبقا بالطوفان‪ ،‬وبارش بصناعة السفينة ‪ ،‬والناس يسخرون‬ ‫فاملعجزة هنا ّ‬
‫من�ه‪ ،‬ولكنه�م فوجئ�وا بأمر اهلل والوع�د احلق‪ ،‬فهذه معج�زة تصلح دلي ً‬
‫ال قوي� ًا عىل صدق‬
‫نوح – عليه السلام ‪ ،-‬ولكن نوح ًا ما جاء هبذا لالس�تدالل أو للتحدي‪ ،‬وإنام إلهالك قوم‬
‫علم اهلل أهنم لن يؤمنوا‪.‬‬
‫ب‪ -‬ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﭼ [األنبياء‪ ،]4-2:‬وهذه كتلك؛‬
‫معجزة ليس فيها معنى التحدي‪ ،‬وال جاءت لتصديق إبراهيم عليه السالم يف دعواه‪.‬‬
‫ج�ـ‪ -‬ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﭼ‬
‫[ال�روم‪ ،]٤–٢ :‬وه�ذا اإلخب�ار بالغيب ال ش�ك انه معجزة لنبينا حمم�د ﷺ لكنه مل يأت‬
‫إلثبات نبوته عليه الصالة والسالم(((‪.‬‬
‫ال إلثبات صدق النبي‪،‬‬ ‫الن�وع الثاين‪ :‬معجزات س�بقها أو قارهنا التحدي‪ ،‬وج�اءت أص ً‬
‫ولنقرأ هذه األمثلة‪:‬‬
‫أ‪ -‬ﭽﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪﭫ ﭬﭭ ﭮﭯﭰﭱ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ‬
‫ﭻﭼ ﭽﭾﭿﮀ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊﮋ‬
‫ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬

‫((( وهذا واضح من س�بب النزول ‪ ،‬انظر هامش تفسير الطربي ‪ ، 16/21‬وعىل هذا نفهم أن اشتراط‬
‫التحدي يف املعجزة ال دليل عليه ‪ ،‬إال إذا قلنا ‪ :‬أن هذه األمثلة ليس�ت معجزات ‪ ،‬وال قائل به ‪ ،‬او نقول ‪:‬‬
‫أن التحدي قائم ضمنا ‪ ،‬وال بأس هبذا ولكنه تكلف – واهلل اعلم‪.‬‬
‫‪110‬‬

‫ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮤﮥﮦ ﮧﮨﮩﮪ‬


‫ﮫﮬﮭ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙﯚﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽﯾﯿ ﰀﰁ ﰂﰃﰄﰅ ﰆﰇ ﭑﭒﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ [األعراف‪.]122-104:‬‬
‫ب‪ -‬ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭼ [البقرة‪.]24-23:‬‬
‫وﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ [اإلرساء‪.]88:‬‬
‫اخرتنا هذين املثالني ألهنام يمثالن هذا النوع أبلغ متثيل‪ ،‬فقد اجتمع فيهام ما مل جيتمع يف‬
‫غريمها‪ ،‬ولنر املالحظات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬كلتامه�ا جاءتا إلزال�ة الريب وإثبات الص�دق‪ :‬ﭽ ‪...‬ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ‪ ...‬ﭼ [األع�راف‪ ،]105:‬ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ‪ ...‬ﭼ [البقرة‪.]23:‬‬
‫‪ -2‬كلتامه�ا اقرتنت�ا بالتح�دي‪ :‬ﭽ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ‪ ...‬ﭼ‬
‫[األع�راف‪ ،]117-116:‬ولق�د جاء هذا التح�دي يف نص أخر أكث�ر وضوحا ﭽ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮﭯ ‪...‬ﭼ [يون�س‪ ،]81-80:‬وأم�ا الثاني�ة‪ :‬ﭽ ‪...‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ [البقرة‪.]23:‬‬
‫‪ -3‬إن ه�ذا التح�دي قابل�ه الكاف�رون باجلدية والعزم على الغلبة‪ ،‬ففرعون والس�حرة‬
‫قال�وا‪ :‬ﭽ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭼ [ط�ه‪،]٦٤ :‬‬
‫وقريش احتارت وختبطت‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦ ﭧ ﭨﭩﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰﭱﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭼ [املدثر‪ ،]25-18:‬ومع هذه اجلدية فش�ل حزب الش�يطان‪.‬‬
‫‪111‬‬

‫‪ -4‬أهن�م كانوا أصحاب هذا امليدان وفرس�انه‪ ،‬فالس�حر الفرعوين والبالغة القريش�ية‬
‫ال مثي�ل هلام‪ ،‬وقد وصف القرآن مقدرة الس�حرة بقول�ه‪ :‬ﭽ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭼ [األع�راف‪ ،]١١٦ :‬وأم�ا بالغة‬
‫عرف‪.‬‬‫قريش فهي أعرف من أن ُت َّ‬
‫‪ - 5‬إن املوانع قد ُأزيلت‪ ،‬فهم أصحاب القوة والسلطان والنفوذ‪ ،‬فالذي قال‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ [النازعات‪ ،]24:‬ما كان خيش�ى من موس�ى‪ ،‬ومن قال‪ :‬ﭽ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ [املدثر‪ ،]25-:24:‬ما كان خيشى من حممد ﷺ‪.‬‬
‫‪ -6‬إن عنصر الزم�ن ق�د ُأضي�ف إىل اإلعج�از ليعطي�ه تأكيد ًا أكبر فاألنبياء م�ا كانوا‬
‫مس�تعجلني يف انتظار أالس�تجابة للتحدي‪ ،‬أما موس�ى –عليه السالم – فحينام ألقى عصاه‬
‫صدقه قال املأل‪ :‬ﭽ‪...‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬ ‫ُ‬ ‫أول مرة ليثبت‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ [األعراف‪ ،]112-11:‬ومل يعرتض موس�ى ‪-‬عليه السالم‪ -‬عىل‬
‫هذا اإلرجاء‪ ،‬ومعنى هذا أنه أراد أن يستفرغوا عىل مهل كامل طاقتهم‪ ،‬ويتأكدوا بأنفسهم‬
‫أهن�م ال طاق�ة هلم عىل جم�اراة ق�درة اهلل‪ ،‬وأما حممد ﷺ فعنصر الزمن مفت�وح إال أن تقوم‬
‫الساعة‪ ،‬ومل يقدر احد أن يواجه أو جيابه‪.‬‬
‫إن معج�زة موس�ى ظاهرة واضح�ة‪ ،‬فام ال�ذي أعجز يف الع�رب يف القرآن‬ ‫وق�د ق�ال‪ّ :‬‬
‫الكريم؟! سنحاول أن نجيب عىل هذا السؤال يف املبحث اآليت "الوحي" إن شاء اهلل ‪.‬‬

‫�سابعا ‪� :‬أخبارهم ‪:‬‬


‫لي�س القرآن كتاب قص�ص وتاريخ ‪ ،‬بل هو عقيدة ورشيعة ودس�تور حياة‪ ،‬لكن الذي‬
‫يقل�ب صفحات القرآن الكريم يرى أنه منح القصص الس�يام قص�ص األنبياء أمهيه كبرية‪،‬‬
‫حتى لتكاد جتزم أن القصص قد أخذت احلظ األوفر من اآليات‪ ،‬فام الرس يف ذلك؟ لنر أو ً‬
‫ال‬
‫منه�ج القرآن الكريم يف القصص هذه‪ :‬قصص األنبياء‪ ،‬ومن خالل املنهج س�تتبني احلكمة‬
‫والغاية‪ ،‬وربام نستطيع أن نرسم معامل املنهج القرآين يف قصص األنبياء بالنقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬مل يتح�دث الق�رآن ع�ن حي�اة األنبي�اء العامة من حيث ال�والدة والنمو والس�كن‪،‬‬
‫والعي�ش وعدد أف�راد األرسة‪ ،‬أو حالتهم املادي�ة‪ ،‬أو االجتامعية‪ ،‬وال مناس�بات الفرح‪ ،‬أو‬
‫احل�زن‪ ،‬والع�ادات والتقاليد الس�ائدة‪ ،‬بل ولن يذكر لنا ش�يئا عن وفياهت�م وتوارخيها‪ ،‬وال‬
‫نح�و هذا إال بحدود ضيقة جد ًا‪ ،‬وألس�باب خاصة‪ ،‬فمثال يتح�دث القرآن عن آدم وأكله‬
‫‪112‬‬

‫م�ن الش�جرة‪ ،‬وقطع� ًا مل يكن املقص�ود ه�و األكل‪ ،‬وطريق�ة األكل‪ ،‬بدليل أن�ه حينام أنزل‬
‫إىل األرض مل خيربن�ا الق�رآن ع�ن أكله ‪ ،‬بل الش�جرة كان�ت هنا حمور املعركة بني اإلنس�ان‬
‫والشيطان‪ ،‬وحتدث عن مرض أيوب‪ ،‬وما كان املقصود اإلخبار املجرد‪ ،‬وإنام التأيس بصرب‬
‫األنبياء يف كل حمنه ومصيبة‪ ،‬مما هو واضح من س�ياق اآليات‪ ،‬وحتدث عن يوس�ف وإلقائه‬
‫اجلب‪ ،‬ومعاناته مع امرأة العزيز وسجنه‪ ،‬ثم التمكني له يف األرض‪ ،‬وال ريب أن املسلم‬‫يف ِّ‬
‫يف طريقه الطويل حيتاج إىل كل هذه الدروس‪ ،‬وحيتاج إىل األمل الواس�ع‪ ،‬فالطفل امللقى يف‬
‫اجلب والذي ظن الناس هالكه يصبح عزيز مرص!! ويأيت احلديث عن مريم وابنها إلظهار‬
‫ق�درة اهلل وعنايت�ه بعبادة الصاحلني‪ ،‬وهكذا‪ ،‬فال يوجد يف القرآن الكريم ذكر لتاريخ هؤالء‬
‫الصفوة – التاريخ البرشي – إال وله غاية عملية ينتفع من ذكرها املس�لم يف مهمته الكبرية‬
‫عىل هذه األرض(((‪.‬‬
‫م�ع إن غاية خلق اإلنس�ان ه�ي العب�ادة ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ‬
‫[الذاري�ات‪ ،]56:‬إال ّ‬
‫أن الق�رآن مل يفصل لنا عبادة األنبياء – عليهم السلام‪ -‬ال صالهتم‪،‬‬
‫وال صيامه�م‪ ،‬وال ذكره�م‪ ،‬وال نح�و هذا إال يف ح�دود ضيقة ولغاية خاص�ة أيض ًا‪ ،‬فمث ً‬
‫ال‬
‫غال�ب م�ا يرد من ذكرهم ومناجاهتم هو دعائهم بحفظ الرس�الة‪ ،‬وتبليغ الدعوة‪ ،‬أو هالك‬
‫الظاملني الواقفني بطريقها‪ ،‬وخذ هذين املثالني‪:‬‬
‫ﭽﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿﰀﰁﰂ ﰃﰄﰅﰆﰇ ﰈﰉﰊﰋ‬
‫ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭼ [نوح‪.]٢٨ – ٢٦ :‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽ‬
‫ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ [البقرة‪.]129-127:‬‬
‫وقد يقول قائل‪ :‬إن القرآن مل يكثر من ذكر عبادات األنبياء –عليهم الصالة والسلام‬

‫((( من الرائع جدا ما كتبه سيد قطب يف مقدمته عىل سورة يوسف ‪،‬حيث بني املنهج القرآين يف القصة تبيين ًا‬
‫مفص ً‬
‫ال‪ ،‬ومما يناس�بنا هنا قوله‪ « :‬وتبقى وراء ذلك كل عربة وقيمتها يف جمال احلركة اإلسلامية‪ ،‬وإحياءاهتا‬
‫املتوافية مع حاجات احلركة يف بعض مراحلها‪ ،‬ومع حاجاهتا الثابتة التي ال تتعلق بمرحلة خاصة منها‪ ،‬إىل‬
‫جانب احلقائق الكربى التي تتقرر من سياق القصة» (يف ظالل القرآن‪.) 1963/4 :‬‬
‫‪113‬‬

‫– ألننا يف العبادات ال نقتدي هبم وإنام لنا عباداتنا اخلاصة ورشيعتنا اخلاصة‪ ،‬والصحيح‬
‫انه لو كان األمر كذلك لقص علينا طريقة رس�ول اهلل حممد ﷺ يف العبادة‪ ،‬ولكن القرآن مل‬
‫إن وظيفة القرآن األوىل هي إقناع اإلنس�ان هبذه‬‫يفص�ل يف ه�ذا أيض ًا‪ ،‬وكأنه يريد إن يقول‪ّ :‬‬
‫الطري�ق‪ ،‬ونصب املعامل الثابتة عليها لك�ي ال ينحرف‪ ،‬ومده بكل ما حيتاجه للصرب والثبات‬
‫واملواصل�ة‪ ،‬وبعد هذا فقد يكفي قوله تعاىل للس�ائلني‪ :‬ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫ﯶ ‪...‬ﭼ [األحزاب‪ ،]٢١ :‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ -3‬املعاين الرئيس�ية التي أكد القرآن هي تلك املتعلقة بوظيفة رس�ل اهلل الرئيس�ية‪ ،‬فلقد‬
‫رعاه�ا القرآن أيام رعاية‪ ،‬وفصل القول فيها أيام تفصيل‪ ،‬حتى ال يكاد خيطر عىل بالك حالة‬
‫من املمكن إن يواجهها داعية ما إال والقرآن حيدثك عن نبي قد واجهها قبلك‪ ،‬ورضب لك‬
‫فيها املثل والعربة‪ ،‬ولنلخص القول يف هذا عىل النحو األيت‪:‬‬
‫أ‪ -‬طريق�ة تبليغ الدع�وة ‪ :‬حتدث القرآن بالتفصيل عىل ط�رق األنبياء يف تبليغ دعوهتم‪،‬‬
‫وكيف كانوا جا ّدين يف األمر‪ ،‬ولنأخذ بعض األمثلة‪:‬‬

‫املث�ال األول‪ :‬ﭽ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬


‫ﯡﯢﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬ‬
‫ﯭ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯶﯷﯸ ﯹﯺ ﯻﭼ‬
‫[ن�وح‪.]6-5:‬‬
‫املث�ال الث�اين‪ :‬ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪﮫﮬﮭ ﮮ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ‬
‫ﯚﯛﯜ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯤﯥ ﯦﯧﯨﯩ‬
‫ﯪﯫﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯸ‬
‫ﯹﯺﯻﯼﯽﯾ ﯿﰀ ﭑﭒﭓ ﭔﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ [األنبي�اء‪.]58-51 :‬‬
‫املث�ال الثالث‪ :‬ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍ‬
‫‪114‬‬

‫ﰎ ﰏ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭼ يوسف‪.‬‬
‫املث�ال الراب�ع‪ :‬ﭽ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤﮥﮦﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ طه‪ ،‬فلامذا اختار يوم الزينة ووقت الضحى؟! وملاذا‬
‫أراد إن حيرش الناس؟!‪.‬‬
‫جلية واضحة يف أن األنبياء –عليهم الصالة‬‫إن ه�ذه األمثل�ة ال حتتاج إىل تعليق ‪ ،‬فهي ّ‬
‫والسالم – ما تركوا جماال أو منفذ يستطيعون أن يدلوا منه لتبليغ دعوهتم إال دخلوه‪.‬‬
‫فص�ل الق�رآن أجناس املدعوي�ن الذين اتصل هب�م األنبياء –‬ ‫ب‪ -‬أجن�اس املدعوي�ن‪ّ :‬‬
‫عليه�م الصالة والسلام – فال تكاد جتد طبقة من الن�اس إال والقرآن يقدم لك نموذج عن‬
‫اتصال األنبياء هبم‪ ،‬ولنقرأ هذه النامذج‪:‬‬
‫النموذج الأول‪ :‬امللوك‪:‬‬
‫ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ‪...‬ﭼ البق�رة‪ ،‬ﭽ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ‪...‬ﭼ يونس‪.‬‬
‫ﭽﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯷ‬
‫ﯸﯹﯺﯻ ﯼﯽ ﯾﯿﰀﰁ ﭑ ﭒﭓ ﭔﭕﭖﭗ‬
‫ﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡ ﭢﭣﭤﭥﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ النمل‪.‬‬
‫ثم كتب إليها سليامن كتابه‪ :‬ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ النمل‪.‬‬
‫النموذج الثاين‪ :‬الأغنياء املرتفون‪:‬‬
‫ﭽﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ‬
‫‪115‬‬

‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭼ الش�عراء‪ .‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭼ األعراف‪.‬‬
‫النموذج الثالث‪ :‬الفقراء وامل�ست�ضعفون‪:‬‬
‫ﭽﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯲﭼ‬
‫هود‪ .‬ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ القصص‪.‬‬
‫النموذج الرابع‪ :‬املطففون‪:‬‬
‫ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ هود‪.‬‬
‫النموذج اخلام�س‪ :‬ال�شاذّون‪:‬‬
‫ﭽﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ‬
‫األع�راف‪.٨٢ - ٨٠ :‬‬
‫النموذج ال�ساد�س‪ :‬امل�سجونون‪:‬‬
‫ﭽﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ [يوسف‪.]٤٠ – ٣٩ :‬‬
‫النموذج ال�سابع‪ :‬الأقربون‪:‬‬
‫ﭽﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﭼ [هود‪.]٤٢ :‬‬
‫‪116‬‬

‫ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ [مريم‪. ]٤٥ - ٤١ :‬‬
‫ج�ـ‪ -‬نقطة البداية يف الدعوة‪ :‬بني القرآن نقطة البداية يف دعوة الرس�ل –عليهم الصالة‬
‫والسالم‪ -‬ولنالحظ النقطتني اآلتيتني‪:‬‬
‫س�جل يف أغلب قص�ص األنبياء أهنم بدؤوا بالدعوة إىل توحيد اهلل‪،‬‬ ‫األوىل‪ّ :‬‬
‫إن القرآن ّ‬
‫والتصدي�ق بالوح�ي‪ ،‬وطاعة الرس�ول‪ ،‬وهي كلها متث�ل نقطة واحدة هي بداية السير عىل‬
‫منهج اهلل ورشعه‪ ،‬ولنقرأ هذه األمثلة‪:‬‬
‫ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ‬
‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭼ هود‪.‬‬
‫ﭽ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ ه�ود‪،٥٠ :‬‬
‫ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ [ه�ود‪.]٦١ :‬‬
‫ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ‬
‫[ه�ود‪.] ٨٤ :‬‬
‫الثاني�ة‪ :‬إن الق�رآن قد يس�جل دعوة بعض األنبي�اء يف البداية ألمور فرعي�ة ال تعترب من‬
‫أصول اإليامن والعقيدة‪ ،‬وذلك مثل‪:‬‬
‫ﭽﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ‬
‫األعراف‪.‬‬
‫ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭼ يوسف‪.‬‬
‫ﭽﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ [هود‪]٨٤ :‬‬
‫ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﭼ [آل عمران‪.]٥١ – ٥٠ :‬‬
‫فه�ؤالء األنبي�اء حتدثوا مع قومهم بقضايا ليس�ت من أصول الدين‪ ،‬وقبل إسلامهم‪،‬‬
‫‪117‬‬

‫م�ع إن الق�رآن يق�ول‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‪ ...‬ﭼ [الزم�ر‪ ،] ٦٥ :‬بمعنى أن هذه‬


‫الفرعيات لو استجابوا هلا فأهنا ال تقبل منهم‪ ،‬فلامذا يتعب األنبياء أنفسهم فيها؟! بل القرآن‬
‫نفسه يف العهد املكي حتدث مع قريش بمثل هذا‪:‬‬
‫ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ التكوير‪.‬‬
‫ﭽﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﭼ البلد‪. ١٦ - ١١ :‬‬
‫ﭽﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﭼ [املطففني‪.]٣ – ١ :‬‬
‫ﭽﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ‬
‫[الفجر‪.]١٨ – ١٧ :‬‬
‫ﭽﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ [املاعون‪.]٣ – ١ :‬‬
‫هذه كلها نزلت يف مكة‪ ،‬واخلطاب فيها موجه للمرشكني‪ ،‬فلامذا؟!‬
‫أن رسول‬ ‫إن هذا السؤال البد إن نوجهه ألنفسنا ونحن نقرأ لبعض الك ّتاب اإلسالميني ّ‬
‫اهلل ﷺ بقي يف مكة ثالث عرش سنة وليس له شغل إال الدعوة إىل التوحيد(((‪.‬‬
‫والصحيح – واهلل أعلم – إن احرتام اإلنسان لإلسالم يقرتن عنده مع أولويات الدين‬
‫نفس�ه‪ ،‬ألنه ال يمكن أن حيقق اإلسلام غايته يف جمتمع مس�خ‪ ،‬يس�وده الش�ذوذ‪ ،‬واألنانية‪،‬‬
‫والظل�م‪ ،‬وهل�ذا فمحارب�ة اإلسلام للظلم ب�كل أنواع�ه السياس�ية واالقتصادي�ة وغريها‬
‫مطلوب مع دعوهتم إىل اإليامن والتوحيد‪ ،‬فإنه يف احلرية والعدالة يستطيع اإلنسان أن يفكر‬
‫وأن حياور‪ ،‬وأن يقتنع باملنهج الذي يراه‪ ،‬وعىل هذا فاملطالبة باحلرية هلذا اإلنس�ان ال ينبغي‬
‫إن تؤج�ل عن دعوته إىل ال اله إال اهلل حممد رس�ول اهلل‪ ،‬ه�ذا أوال‪ ،‬وثاني ًا‪ :‬فإن احلديث عن‬
‫بعض مبادئ اإلسلام وأخالقه من ش�أنه أن يقود إىل الرغب�ة يف التعرف عىل عقيدته وعىل‬

‫((( يقول الشيخ عبد اهلل عزام‪ -‬رمحه اهلل ‪" : -‬لقد كانت العقيدة هي املوضوع الوحيد الذي عاجلته السور‬
‫املكية" (العقيدة وأثرها يف بناء اجليل ص‪ ، ) 10‬ويكاد يكون كالمه هذا تكرار لكالم س�يد قطب رمحه اهلل‬
‫من قبل حيث قال ‪" :‬القرآن املكي ‪ ....‬الذي ضل يتنزل عىل رسول اهلل ﷺ ثالث عرش عاما كامال ‪ ،‬حيدثه‬
‫فيه�ا ع�ن قضية واحدة قضية واح�دة ال تتغري‪ ،‬لقد كان يعالج القضي�ة األوىل والقضية الكربى ‪ ،‬والقضية‬
‫السياسية يف هذا الدين اجلديد‪ ،‬قضية العقيدة" (يف ظالل القرآن ‪.) 1004/2:‬‬
‫‪118‬‬

‫أصوله‪ ،‬فاملرأة وهي يف املطبخ وتسمع حممد ًا ﷺ يقرأ يف صالته‪ :‬ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬


‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ التكوير‪ ،‬سيحركها هذا إىل إن ترتك املطبخ قليال لتصغي إليه‪ ،‬وهكذا‬
‫قل يف العبيد واأليتام واملحرومني‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬
‫د‪ -‬املعاناة‪ :‬حتدث القرآن بالتفصيل عن املعانات الكبرية التي عاشها الرسل الكرام أثناء‬
‫تبليغهم لدعوة اهلل‪ ،‬وهذه أمثله مما سطره القرآن‪:‬‬
‫املثال األول‪ :‬القتل أو حماولة القتل‪:‬‬
‫ﭽ‪...‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ [البقرة‪.]٩ :‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‪ ...‬ﭼ [البق�رة‪:‬‬
‫‪ ، ]٦١‬ﭽﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞ ﭼ [األنبياء‪.]٦٩ – ٦٨ :‬‬
‫ﭽ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ‪ ...‬ﭼ‬
‫[آل عم�ران‪ ،]٥٥ – ٥٤ :‬وق�د فرس اهلل هذا املك�ر بقوله‪ :‬ﭽ ‪...‬ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ‪...‬ﭼ [النس�اء‪.]١٥٧ :‬‬
‫املثال الثاين‪ :‬التهديد‪:‬‬
‫ﭽﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭼ [الشعراء‪.]١١٦ :‬‬
‫ﭽﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ [الشعراء‪.]١٦٧ :‬‬
‫ﭽ‪...‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ يوسف‪.‬‬
‫ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ هود‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ‪...‬ﭼ غافر‪.‬‬
‫املثال الثالث‪ :‬االستهزاء والشتم واالهتام‪:‬‬
‫ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ القمر‪.‬‬
‫ﭽﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ‬
‫ﰒ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ‪...‬ﭼ هود‪.‬‬
‫ﭽﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ يونس‪.‬‬
‫‪119‬‬

‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ غافر‪.‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ الذاريات‪.‬‬
‫املثال الرابع‪ :‬العناد واملكابرة‪:‬‬
‫ﭽﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ ﭼ [ه�ود‪.] ٣٢ :‬‬
‫ﭽﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﭼ [نوح‪.]٧ :‬‬
‫ﭽﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﭼ [الشعراء‪.]١٣٦ :‬‬
‫ﭽﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭗ ﭼ النحل‪.‬‬
‫ﭽﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ األنفال‪.‬‬
‫ه�ـ‪ -‬الثبات واملصري‪ :‬لقد س�جل القرآن مواجهة األنبياء – عليهم الصالة والسلام –‬
‫هل�ذه املصاع�ب واملحن بالثب�ات واليقني‪ ،‬هذا الثب�ات الذي جعل املعرك�ة تطول بني احلق‬
‫والباط�ل‪ ،‬ألن احل�رب بينهام حرب وجود ال يمكن للحق أن يتنازل عن يشء أبد ًا‪ ،‬ولذلك‬
‫اعتنى القرآن برسد نتائج هذه املعارك املريرة التي قادها رسل اهلل –عليهم الصالة والسالم‬
‫– وهذه النتائج نستطيع أن نختار منها األمثلة اآلتية‪:‬‬

‫النتيجة األوىل‪ :‬هالك الكافرين واملكذبني ونجاة الرسل ومن معهم‪:‬‬


‫ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭺﭻﭼ ﭽﭾﭿ ﮀﮁﮂﮃﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ القمر‪.‬‬
‫ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﭼ [األحقاف‪ ،]٢٥ – ٢٤ :‬ولقد س َّلم اهلل رسوهلم هود ًا‪ ،‬فقال‪ :‬ﭽ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﭼ األعراف‪.‬‬
‫‪120‬‬

‫ﭽﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﭼ ه�ود‪ .‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ النمل‪.‬‬
‫ﭽﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ هود‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫النتيج�ة الثاني�ة‪ :‬االس�تجابة والدخ�ول يف دي�ن اهلل‪ ،‬وقد تك�ون هذه االس�تجابة قليلة‬
‫مقترصة عىل عدد قليل من الناس‪ ،‬وقد يكون العكس‪ ،‬فمن أمثلة احلالة األوىل‪:‬‬
‫قال القرآن عن نوح ‪-‬عليه السالم –‪ :‬ﭽ ‪...‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ هود‪.‬‬
‫وق�ال عن ه�ود – علي�ه السلام –‪ :‬ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‪ ...‬ﭼ‬
‫ه�ود‪ ،‬والدلي�ل عىل أهنم قلة أن اهلل أعقب هذا الق�ول بقوله ﭽ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ‪...‬ﭼ هود‪ ،‬وهود ما أرسل إال إىل عاد ‪.‬‬
‫وق�ال عن صالح –عليه السلام –‪ :‬ﭽ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﭼ األع�راف‪ .‬وهذه كتلك فقد ق�ال اهلل عن قوم صالح‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﮪ ﮫ ﮬ‬
‫ﮭ ﮮﭼ هود‪.‬‬
‫وعن لوط – عليه السالم‪ :‬ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ الذاريات‪.‬‬
‫وعن شعيب ‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ‪...‬ﭼ األعراف‪.‬‬
‫ومن أمثلة احلالة الثانية‪:‬‬
‫يون�س ‪ ‬ﭽ‪ ...‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‪ ...‬ﭼ يونس‪،‬‬
‫ﭽﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ يونس‪.‬‬
‫‪121‬‬

‫موسى ‪ ‬ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ‪...‬ﭼ األعراف‪.‬‬
‫حممد ﷺ ‪ :‬ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ النرص‪.٣ - ١ :‬‬
‫النتيجة الثالثة‪ :‬التمكني للرسل وأتباعهم‪:‬‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ‪...‬ﭼ‬
‫يوسف‪.‬‬
‫ﭽﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ األعراف‪.‬‬
‫ﭽﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ‪ ...‬ﭼ ص‪.‬‬
‫ﭽ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ النمل‪.‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ‪...‬ﭼ األنفال‪.‬‬
‫ﭽ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ الفتح‪.‬‬
‫و‪ -‬بني الرسل وأتباعهم‪ :‬يقص علينا القرآن الكريم مسرية الرسل الكرام مع أتباعهم‪،‬‬
‫ويف ه�ذا تكتم�ل الص�ورة‪ ،‬وتتض�ح معامل اخلارط�ة املتكامل�ة لوظيفته�م – عليهم الصالة‬
‫ال‪ ،‬ثم تش�كيل الصف املسلم الذي يستطيع أن يصارع الكفر‬ ‫والسلام –‪ ،‬فتبليغ الدعوة أو ً‬
‫على ه�ذه األرض‪ ،‬وأن خيلف الرس�ل يف ه�ذه املسيرة الطويلة‪ ،‬غري أن ه�ذا الصف ليس‬
‫ً‬
‫مالئكي�ا‪ ،‬إنام هو برش ًا‪ .‬ولذا س�جل القرآن بأمان�ة بالغة املواقف الصحيح�ة املباركة لذلك‬
‫الصف‪ ،‬وسجل أيض ًا املواقف اخلاطئة‪ ،‬وسنحاول رسيع ًا – إن شاء اهلل – التمثيل لكل هذا‬
‫ال بأمثله من املواقف الصحيحة‪:‬‬‫باختصار شديد‪ ،‬ولنتمتع أو ً‬
‫‪122‬‬

‫املثال الأول‪� :‬س��حرة فرع��ون‪ :‬ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬


‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧﮨﮩﮪﮫ ﮬ ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭼ طه‪.‬‬
‫املث��ال الثاين‪ :‬م�ؤمن �آل فرعون‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ غافر‪.‬‬
‫املث��ال الثالث‪ :‬جي���ش طال��وت‪ :‬ﭽ ‪...‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮕﮖﮗﮘ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‪ ...‬ﭼ البقرة‪.‬‬
‫وطال�وت ه�و واحد م�ن أتب�اع األنبي�اء‪ :‬ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﭼ البقرة‪.‬‬
‫املثال الرابع‪� :‬صحابة ر�س��ول الله حممد ﷺ ‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ‪ ...‬ﭼ الفتح‪.٢٩ :‬‬
‫ﭽﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮﯯﯰ ﯱﯲﯳﯴ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭼ [احلرش‪.]٩ – ٨ :‬‬
‫وأما املواقف اخلاطئة فنختار منا األمثلة اآلتية‪:‬‬
‫املث�ال األول‪ :‬بن�و إرسائيل مع موس�ى وهارون –عليهام السلام‪ ، -‬فقد س�جل القرآن‬
‫ع�ن ه�ؤالء القوم الكم اهلائل من األخط�اء واجلرائم التي قد تصل إىل ال�ردة وقتل األنبياء‬
‫ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭼ املائدة‪.‬‬
‫‪123‬‬

‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ األعراف‪.‬‬
‫ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ البقرة‪.‬‬
‫ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﭼ املائدة‪.‬‬
‫املثال الثاين‪ :‬من أصحاب رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫رم�اة ُأح�د‪ :‬ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ‪...‬ﭼ آل عمران‪.‬‬
‫املنهزم�ون يوم حنين‪ :‬ﭽ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ التوبة‪.‬‬
‫املتخلف�ون ي�وم العسرة‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ [التوبة‪.]١١٨ :‬‬
‫ز‪ -‬إن هنالك من الرس�ل الكرام من اهتم الق�رآن بقصته أكثر من غريه؛ وأبرز مثل عىل‬
‫هذا موسى –عليه السالم – ولنالحظ معامل هذا االهتامم‪:‬‬
‫لقد تكرر اسم «موسى» يف القرآن الكريم (‪ )136‬مرة‪ ،‬يف حني تكرر اسم «نوح» (‪)23‬‬
‫مرة‪ ،‬واس�م «إبراهيم» (‪ )69‬مرة‪ ،‬واس�م «ش�عيب» (‪ )11‬مرة‪ ،‬و «يوس�ف» (‪ )27‬مرة‪ ،‬و‬
‫«عيسى» (‪ )25‬مرة‪.‬‬
‫إن قصة موس�ى –عليه السلام – تكررت يف القرآن بشكل ملفت للنظر‪ ،‬فقد تكررت‬
‫قصته يف ما ال يقل عن (‪ )40‬س�ورة‪ ،‬الس�يام أن الس�ور الطوال التي فصلت قصته تفصي ً‬
‫ال‬
‫دقيق ًا‪ ،‬مثل س�ورة البقرة وآل عمران والنس�اء واملائدة واألنعام واألعراف ثم يونس وهود‬
‫ثم الكهف وطه واألنبياء واملؤمنون والشعراء والقصص‪ ،‬وغري هذا‪.‬‬
‫وم�ن مظاه�ر االهتمام الكبير تفصيل احلدي�ث ع�ن األدوار املختلفة الت�ي لعبتها هذه‬
‫وغريب�ا‪ ،‬ثم زوج ًا‪ ،‬ثم‬
‫ً‬ ‫الش�خصية اخلطيرة يف التاري�خ فالقرآن حتدث عنه ً‬
‫محلا‪ ،‬ورضيع ًا‪،‬‬
‫ال جيابه فرعون والسحرة واملأل ‪،‬ثم قائد كبري ألعقد شعب ويف أعقد ظرف ويكفي أن‬ ‫رسو ً‬
‫‪124‬‬

‫أن القرآن كرر اسم فرعون لعالقته بموسى أكثر من تكراره السم أي نبي غري موسى‪،‬‬ ‫نعلم ّ‬
‫فلقد تكرر اسم «فرعون» (‪ )74‬مرة ‪.‬‬
‫إن املعج�زات التي أ ّيد اهلل هبا موس�ى قد تكون أكثر م�ن جمموع ما ذكره القرآن لألنبياء‬
‫م�ن املعج�زات‪ ،‬فيده بيضاء‪ ،‬وعصاه التي أبطلت الس�حر وفلقت البح�ر‪ ،‬وجتنيد الطوفان‬
‫واجلراد والقمل والضفادع ((( وغريها له ويف معركته الكبرية‪ ،‬كل هذا يثبت أن دور موسى‬
‫–عليه السالم‪ -‬يمتاز بخصوصية قد ال يشاركه فيها بقية األنبياء السابقني‪.‬‬
‫تأيي�د اهلل ل�ه بوزي�ر وأخ يش�د ب�ه عض�ده‪ :‬ﭽ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ‪ ...‬ﭼ‬
‫[القصص‪ ،]٣٥ :‬هذا األخ الذي منحه اهلل الرس�الة مع موس�ى –عليهام السلام‪ -‬وقد‬
‫تكرر اس�مه «هارون» يف القرآن (‪ )19‬مرة ‪ ،‬يف حني مل يذكر القرآن عن رس�ول أ ّيده اهلل‬
‫برس�ول آخر وكالمها حيمالن رس�الة واحدة غري موس�ى –عليه السلام‪.-‬‬
‫إن هذه النقاط وغريها جتعلنا نتساءل‪ :‬ملاذا كل هذا االهتامم ؟!‬ ‫ّ‬
‫أفصل يف اجلواب‪ ،‬ولكني أحاول أن ألف�ت نظر القارئ الكريم إىل‬ ‫إين ال أري�د هن�ا أن ّ‬
‫هذه النقاط شاحذ ًا مهته للنظر فيها والتفكر فيام هو أبعد منها‪:‬‬
‫النقطة األوىل‪ :‬إن موس�ى عليه السالم جابه الذي قال ﭽ ‪...‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ‪...‬ﭼ‬
‫[غاف�ر‪ ،] ٢٩ :‬وﭽ‪ ...‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ‪ ...‬ﭼ [القصص‪ ،] ٣٨ :‬فهل كان‬
‫بعلم اهلل أن األمة اإلسالمية ستواجه فرعون وفرعون وفرعون مرات ومرات؟ دون ريب‪،‬‬
‫ف�إن الش�خصية الفرعونية مكرره ب�كل جوانبها‪ :‬الكبر‪ ،‬والقوة‪ ،‬واملال‪ ،‬امللأ‪ ،‬والعمالء‪،‬‬
‫واألجراء‪ ،‬ثم الظلم‪ ،‬والدم‪ ،‬والتأ ّله!!‪.‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬إن الشعب الذي قاده موسى وهارون‪ ،‬بعد أن خلصاه من وطأة فرعون–‬
‫ثم الضياع ثم للتامس�ك ثم التمكني‪ّ ،‬‬
‫إن‬ ‫ش�عب كبري‪ ،‬ومتعدد الطاقات‪ ،‬وقابل لالنش�قاق ّ‬
‫ه�ذه الصف�ات كلها دون ريب هي صف�ات األمة التي يريد اإلسلام أن خيلصها من وطأة‬
‫الفراعنة ‪ ،‬ثم املسير هبا إىل التامس�ك والتمكني‪ ،‬إهنم البدالء الرشعيون عن ش�عب موسى‬
‫غنى له عن جتارب‬ ‫يف مح�ل األمان�ة‪ ،‬وإعالن خالفة اهلل يف األرض‪ ،‬والبدي�ل أو الوريث ال ً‬
‫سلفه وتارخيه‪.‬‬

‫ال ٍ‬ ‫الض َف ِ‬
‫�ادعَ َوالدَّ َم آ َي ٍ‬ ‫ان َوالجْ َ َرا َد َوا ْل ُق َّم َل َو َّ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ات ُّم َف َّص َ‬ ‫((( يق�ول القرآن الكريم‪َ ﴿ :‬فأ ْر َس� ْلنَا َع َل ْي ِه ُ‬
‫�م ُّ‬
‫الطو َف َ‬
‫است َْكبرَ ُ و ْا َو َكا ُنو ْا َق ْوم ًا مجُّ ْ ِر ِمنيَ ﴾ [األعراف ‪.]133 :‬‬
‫َف ْ‬
‫‪125‬‬

‫النقطة الثالثة‪ :‬هل كان بعلم اهلل أن العدو األول الذي سيبقى يواجه األمة القرآنية بحقد‬
‫وأن اهلل أراد لنا أن نعرف‬ ‫وعناد هم اليهود أتباع موسى عليه السالم الذين غريوا وبدلوا؟! َّ‬
‫خباي�ا ه�ؤالء وطريق�ة تفكريهم لك�ي ال نقع يف البئر مائ�ة مرة‪ ،‬وال نلدغ م�ن جحر واحد‬
‫مرتني‪ ،‬الواقع يشهد هبذا ولكن يا ليت قومي يعلمون ‪.‬‬
‫ويف خت�ام ه�ذا املبح�ث يتبين أن الق�رآن قد ق�دم لنا نماذج متكامل�ة للت�أيس باألنبياء‬
‫–عليهم الصالة والسلام‪ -‬يف خمتلف األحوال والظروف‪ :‬من النبي الذي يواجه حس�د‬
‫األخوة (يوس�ف)‪ ،‬أو عقوق االبن والزوجة (ن�وح)‪ ،‬إىل النبي الذي يواجه طغيان فرعون‬
‫بدولته وس�لطانه (موس�ى)‪ ،‬ومن النبي الفقري (موسى ) ‪ ،‬أو املريض (أيوب) ‪ ،‬أو السجني‬
‫(يوسف)‪ ،‬أو الوحيد (إبراهيم)‪ ،‬إىل النبي امللك (داود)‪ ،‬و(سليامن) ‪.‬‬
‫إن الق�رآن يضع أمام الدعاة هذه النماذج وكأنه يقول لكل داعية‪ :‬هؤالء هم قدوتك يف‬
‫كل أحوال�ك ويف كل م�ا يواجهك فقري ًا أو غني ًا ‪ ،‬كن س�جين ًا أو ملك ًا‪ ،‬ك�ن أمري ًا أو مأمور ًا‬
‫بالس�لم أو باحلرب‪ ،‬بني أهلك وإخوانك أو مهاجر ًا ومغرتب ًا‪ ،‬فلك يف كل هذه االحتامالت‬
‫النموذج املناس�ب من قصص األنبياء– عليهم الصالة والسالم‪،-‬هذا يؤكد املنهج العلمي‬
‫للقرآن يف عرض العقيدة اإلسالمية‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬



126
‫‪127‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫الوحي والر�ساالت‬
‫�أو ً‬
‫ال‪ :‬الوحي‪:‬‬
‫ال قرآني ًا للوحي من حيث هو‪ ،‬أو من حيث كيفيته إال بحدود‬ ‫ال جيد قارئ القرآن تفصي ً‬
‫ضيقة‪ ،‬والغالب عىل الظن أن هذا يعود إىل منهج القرآن العميل‪ ،‬فقضية الوحي قضية غيبية‬
‫بحتة‪ ،‬وال هيم اإلنس�ان منها س�وى التصديق بمعناها القريب منه‪ ،‬وهو إيصال الرسالة من‬
‫اهلل إىل رس�وله بطريق�ة م�ا‪ ،‬والتصديق يكون باملعج�زات‪ ،‬أو بدالئل النب�وة األخرى‪ ،‬فإذا‬
‫صدَّ ق اإلنسان هبذه احلقيقة فهذا يكفي‪ ،‬ولنر اآلن حديث القرآن عن الوحي‪:‬‬
‫وردت كلمة الوحي ومش�تقاهتا يف القرآن بنح�و(‪ )78‬مرة‪ ،‬غري أن هذه املرات الكثرية‬
‫ت�كاد تكون خالية من تفصيل اجلانب الغيبي‪ ،‬وإنام ي�أيت بعضها إلخبارنا بأن اهلل أوحى إىل‬
‫رسوله بكذا‪ ،‬وهذا كثري جدا‪ ،‬مثل ‪:‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ [إبراهيم‪ ،]13:‬ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﭼ النج�م‪ ،‬ﭽ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﭼ [األع�راف‪،]117:‬‬
‫ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ‪...‬ﭼ [النح�ل‪.]123:‬‬
‫وقد يأيت بمعنى الرس�الة نفس�ها مث�ل‪ :‬ﭽ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭼ النج�م‪ ،‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ‪...‬ﭼ [األنبي�اء‪،]45:‬‬
‫ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‪ ...‬ﭼ [يونس‪ ،]15:‬ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ‪...‬ﭼ [هود‪.]12:‬‬
‫وهذا كثري أيض ًا‪ ،‬وقد يأيت ملعان لغويه ال عالقة هلا بالرس�ول والرس�الة‪ ،‬مثل‪ :‬ﭽ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‪ ...‬ﭼ [النح�ل‪ ،]68:‬وﭽ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﭼ الزلزلة‪.‬‬
‫واخلالص�ة أن الق�رآن حت�دث عن الوحي م�ن حيث التصديق ب�ه‪ ،‬أو من حيث األمر‬
‫بطاعته وتبليغه ونحو هذا‪ ،‬أما يف كنهه وكيفيته فلم نجد إال القليل‪ ،‬ولنقف عنده‪:‬‬
‫اآلي�ة الوحيدة التي تقف عند هذا املوضوع هي‪ :‬ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ‪...‬ﭼ [الش�ورى‪ ،]٥١ :‬فهذه‬
‫‪128‬‬

‫اآلية حددت طرق تلقي النبي عن اهلل أنهّ ا ثالث‪:‬‬


‫األوىل‪ :‬الوحي‪ :‬وواضح أن املقصود به هنا اإلهلام‪ ،‬بمعنى أن اهلل س�بحانه يقذف املعنى‬
‫يف قل�ب النب�ي بوضوح بحيث ال خيتلط مع غريه واردات ذهني�ة وخواطر‪ ،‬ولكن القرآن مل‬
‫يفص�ل كيفية هذا الوحي إطالق ًا‪ ،‬فال ندري كي�ف يتلقى النبي كلامت اهلل‪ ،‬ربام ذكر القرآن‬
‫كيفية واحدة جاءت يف جزئية معينة من القصص النبوية وهي‪ :‬ﭽ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ‬
‫ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ الصافات‪ ،‬فهذه اآليات تبني الرؤيا هي أحد طرق الوحي‪.‬‬
‫الثاني�ة‪ :‬م�ن وراء احلجاب‪ :‬ومعناه أن اهلل تبارك وتعاىل قد خياطب النبي ولكن من وراء‬
‫حجاب ‪ ،‬كام يف قصة موسى –عليه السالم – حيث يقول اهلل تعاىل‪ :‬ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰﮱﯓﯔﯕ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ ﯠ ﯡﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴﯵ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭼ طه‪ ،‬فموس�ى كليم اهلل‪ ،‬ولكنه ك ّلمه من وراء حجاب‪ ،‬بدليل قوله تعاىل‪:‬‬
‫ﭽ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭼ األع�راف‪ ،‬م�ع هذا‬
‫ف�إن الق�رآن مل يبني لنا كيفية تكلم اهلل‪ ،‬وكيف س�مع موس�ى ه�ذا الكالم‪ ،‬لكن م�ا الفائدة‬
‫العملية إلخبارنا؟ ولو أخربنا فهل ستفهم عقولنا لغة الغيب؟!‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يرس�ل رس�وال‪ :‬واملقصود هنا امللك املوكل بالوحي‪ ،‬حيث يأيت بالوحي من‬
‫اهلل‪ ،‬وه�ذا هو ال�ذي وضحه الق�رآن بقول�ه‪ :‬ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ‪...‬ﭼ [البق�رة‪ ،]97:‬ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫ثاني�ا‪ :‬الرس�االت‪ :‬أم�ا الرس�االت فق�د اعتنى هب�ا القرآن أكث�ر؛ ألهنا مت�س امليدان‬
‫التكليف�ي العملي‪ ،‬حي�ث متث�ل كل م�ا ن�زل ل�ه الوحي على األنبي�اء –عليه�م الصالة‬
‫والسلام‪ -‬م�ن عقائ�د وترشيع�ات وأخب�ار‪ ،‬وبالت�ايل فاإليمان بالرس�االت والعم�ل‬
‫بمقتضاه�ا هو النتيج�ة العملية لإليامن بالوحي‪ ،‬وقد نس�تطيع أن نلم�س املنهج القرآين‬
‫‪129‬‬

‫يف هذا املوضوع من خالل تقس�يمه إىل القس�مني اآلتيني‪:‬‬


‫الق�سم الأول‪ :‬موقف القر�آن من الر�ساالت ال�سابقة‪:‬‬
‫مع كثرة ما ورد من القرآن من تفاصيل عن الرس�ل الكرام –عليهم الصالة والسلام‪-‬‬
‫أال أن الق�رآن مل يذك�ر لنا إال بعض ًا من رس�االهتم‪ ،‬وال ندري أهذه كل الرس�االت؟! أم أن‬
‫القرآن ذكر هذا وس�كت عن الباقي حلكمة يعلمه�ا اهلل‪ ،‬ولكن الذي حتدث عنه القرآن من‬
‫الرساالت سنتناوله كاآليت‪:‬‬
‫�أ‪ -‬التوراة ‪:‬‬
‫ذك�ر القرآن الت�وراة (‪ )18‬مرة‪ ،‬وخالصة حديث القرآن عن التوراة قد نس�تطيع إمجاله‬
‫يف اآليت‪:‬‬
‫‪ -1‬وص�ف القرآن التوراة بأهنا نور وفرقان وضي�اء وذكر‪ ،‬ولنقرأ ﭽ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ‪...‬ﭼ [املائ�دة‪ ،]44:‬ﭽ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﭼ األنبياء‪.‬‬
‫‪ -2‬إن الت�وراة كت�اب ش�امل ل�كل يشء‪ :‬ﭽ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ‪...‬ﭼ [األنعام‪.]154:‬‬
‫‪ -3‬إن الرس�االت التي ج�اءت بعدها مصدقة هلا‪ ،‬فلقد قال القرآن عن عيس�ى – عليه‬
‫السلام‪ -‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ املائ�دة‪ ،‬وق�ال ع�ن حمم�د ﷺ‪ :‬ﭽ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭗﭘﭙﭚ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡﭢ ﭣﭤ‬
‫ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ البقرة‪.‬‬
‫‪ -4‬إن القرآن حتدث عن بعض الذي جاء يف التوراة‪ ،‬ولنأخذ هذين املثالني‪:‬‬
‫املثال الأول‪:‬‬
‫ﭽﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﭼ املائدة‪.‬‬
‫‪130‬‬

‫املثال الثاين ‪:‬‬


‫ﭽﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﭼ [األعراف‪.]١٥٧ :‬‬
‫‪ -5‬ذك�ر الق�رآن الذين كلفوا بحمل أمانة «الت�وراة»‪ ،‬فمنهم من محلها بأمانة ومنهم من‬
‫مل حيمله�ا‪ ،‬فقال ع�ن األولين‪ :‬ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ‬
‫[األع�راف‪ ،]١٥٩ :‬وق�ال عن اآلخري�ن‪ :‬ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﭼ اجلمع�ة‪ ،‬لك�ن هؤالء أصبحوا هم الكثرة الغالبة‪ ،‬فأخذ القرآن ال يتحدث عن محلة‬
‫الت�وراة ﭽ ﯚ ﯛ ﭼ إال ويعمه�م باخليان�ة ونق�ض امليث�اق ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ [املائدة‪ ،]13 :‬ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ اإلرساء‪.‬‬
‫‪ -6‬أكد القرآن ّ‬
‫أن التوراة املوجودة اآلن بني أيدينا هي ليست التوراة التي أنزهلا اهلل عىل‬
‫موس�ى –عليه السلام‪ -‬وإنام هي حمرفة من قبل بني إرسائيل الذين خانوا العهد‪ ،‬ونقضوا‬
‫امليثاق‪ ،‬يقول القرآن‪ :‬ﭽﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ البق�رة‪ ،‬ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥﯦﯧﯨ ﯩﯪ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﭼ البق�رة‪ ،‬ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ‬
‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ [املائدة‪.]١٣ :‬‬
‫ب‪ -‬الإجنيل‪:‬‬
‫ذك�ر القرآن «اإلنجي�ل» (‪ )12‬مرة‪ ،‬ويكاد يكون حديث القرآن ع�ن اإلنجيل قريب ًا من‬
‫حديثه عن التوراة‪ ،‬إال يف بعض النقاط‪ ،‬ولنر‪:‬‬
‫‪ -1‬وصف القرآن اإلنجيل بأنه هدى ونور وموعظة‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ [املائدة‪.]46 :‬‬
‫‪ -2‬مل يصف القرآن اإلنجيل بام وصف به التوراة من أنه كتاب شامل يفصل كل يشء‪،‬‬
‫ب�ل على العكس‪ ،‬جاء وكأن�ه يصفه بمهم�ة حمدودة‪ ،‬هي نس�خ بعض م�ا ورد بالتوراة من‬
‫‪131‬‬

‫أحكام‪ ،‬حلكمة يعلمها اهلل‪ ،‬يقول القرآن عىل لسان عيسى‪ :‬ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﭼ [آل عم�ران]‪ ،‬وهلذا ربط القرآن بينهام‬
‫يف مهمة عيس�ى عليه السلام فقال‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭼ [آل عمران‪.]49-48:‬‬
‫‪ -3‬هن�اك ف�رق واض�ح يف اهتمام الق�رآن‪ ،‬فالظاهر اهتاممه يف رس�الة موس�ى أكثر من‬
‫اإلنجي�ل ويظه�ر يف ع�دد املرات التي ذك�رت فيها الت�وراة (‪ )18‬مرة و بينما ذكر اإلنجيل‬
‫(‪ )12‬م�رة‪ ،‬وذكر موس�ى (‪ )136‬م�رة‪ ،‬بينام مل يذكر عيس�ى إال (‪ )25‬مرة‪ ،‬هنالك إش�ارة‬
‫ربام تكون اظهر يف الداللة عىل اهتامم القرآن بالتوراة أكثر من اهتاممه باإلنجيل‪ ،‬وهي قوله‬
‫تعاىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ األحقاف‪.‬‬
‫‪ -4‬باإلضاف�ة إىل م�ا ورد يف التوراة واإلنجيل من وصف لرس�ول اهلل حممد ﷺ كام‬
‫م�ر معن�ا يف قول�ه تع�اىل‪ :‬ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‪ ...‬ﭼ [األع�راف‪ ،]١٥٧ :‬لك�ن الق�رآن جيع�ل هن�اك‬
‫خاصية لرسالة عيسى –عليه السالم – يف هذا املوضوع‪ ،‬أال وهي كون البشارة بمجيء‬ ‫ّ‬
‫الرسول اخلاتم ﷺ جعلت كأنهّ ا الركن األهم يف رسالة عيسى –عليه السالم‪ : -‬ﭽ ﭑ‬
‫ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭜ ﭝﭞﭟﭠﭡ ﭢﭣﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ [الص�ف‪.]٦ :‬‬
‫‪ -5‬إن الق�رآن ج�اء مصدق�ا لرس�الة عيس�ى –علي�ه السلام – كام هو مص�دق جلميع‬
‫الرس�االت الس�ابقة‪ :‬ﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ‪...‬ﭼ [آل عمران‪.]٨١ :‬‬
‫ﭽﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‪ ...‬ﭼ‬
‫[البقرة‪.]٩٧ :‬‬
‫‪ -6‬وحت�دث ع�ن محلة اإلنجي�ل كام حتدث عن محلة التوراة‪ ،‬فقس�مهم إىل قس�مني‪ :‬فئة‬
‫وقف�ت م�ع اإلنجيل احلق‪ ،‬وأخرى كاذب�ة كافرة خائنة فقال ع�ن األوىل‪ :‬ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾﯿﰀﰁ ﭑ ﭒﭓ ﭔﭕﭖﭗﭘ‬
‫‪132‬‬

‫ﭙ ﭚ ﭼ آل عم�ران‪ ،‬وأم�ا الثانية فه�م ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬


‫ﭖﭗ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠﭡ‬
‫ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ [املائدة‪.]34:‬‬
‫‪ -7‬وخيل�ص الق�رآن إىل اإلنجي�ل الذي بني أيدينا أآلن ليس ه�و كالم اهلل‪ ،‬بل هو من‬
‫حتري�ف املحرفين‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚﭛﭜﭝﭞﭟ ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ‬
‫ﭫ ﭬﭭﭮﭯﭰ ﭱ ﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸﭹ‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﭼ آل عم�ران‪.‬‬
‫يفصل يف مقدار التحريف الذي ورد عىل التوراة واإلنجيل‪ ،‬وكأن‬ ‫واحلقيقة إن القرآن ال ِّ‬
‫هدفه فقط أن يقول لنا إن هذين الكتابني ليسا مصدر ثقة؛ ألن األهواء دخلتهام أما التفصيل‬
‫فال نحتاجه نحن‪ ،‬وأيضا فإن مقدار التحريف خمتلف زمان ًا ومكان ًا ومذاهب ًا‪ ،‬فلم يرد القرآن‬
‫أن يدخل هذه املعمعة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ج ‪ -‬الزبور‪:‬‬
‫ور َد ْت كلم�ة الزبور يف الق�رآن ثالث مرات‪ ،‬وهذه هي‪ :‬ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ األنبياء‪.‬‬
‫ﭽ ‪...‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ [النساء‪.]163:‬‬
‫ﭽ ‪...‬ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ [اإلرساء‪.]55:‬‬
‫واآلية األوىل ليس�ت رصحية يف زبور داود‪ ،‬أما اآليتان األخريان فليس فيهام أي تفصيل‬
‫هلذا الكتاب‪ ،‬ومل أجد يف غري هذه الثالث ما يعيننا عىل تكوين أي صورة عن هذه الرس�الة‬
‫غير أين ذهب�ت أتلم�س يف قصة النب�ي داود –عليه السلام – الذي تكرر اس�مه يف القرآن‬
‫(‪ )16‬م�رة‪ ،‬فل�م أجد ما يعينني إال يف مثل قول�ه تعاىل‪ :‬ﭽ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‪ ...‬ﭼ [املائدة‪.]78:‬‬
‫فه�ل هذا اللع�ن يف الزبور؟ اهلل أعلم‪ ،‬ويف مث�ل‪ :‬ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ‪...‬ﭼ‬
‫[النم�ل‪ ،]15:‬فه�ل املقصود بالعلم الزبور نفس�ه؟ اهلل أعلم‪ ،‬ومث�ل ﭽ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ‪...‬ﭼ [ص‪ ،]٢٦ :‬فه�ل احل�ق كان ألزب�ور‪ ،‬بمعنى هل‬
‫كان دستور احلكم الزبور؟ اهلل أعلم‪.‬‬
‫‪133‬‬

‫د‪ :‬ال�صحف‪:‬‬
‫هو ذا‪:‬‬
‫وكل الذي جاء يف القرآن عنها َ‬
‫ﭽ ‪...‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﭼ [طه‪.]133:‬‬
‫ﭽﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ النجم‪.‬‬
‫ﭽﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ األعىل‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬الألواح‪:‬‬
‫وهي ألواح موسى‪-‬عليه السالم‪ -‬وقد وردت يف ثالث مواضع‪:‬‬
‫ﭽﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ األعراف‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ‪...‬ﭼ [األعراف‪.]15:‬‬
‫ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﭼ األعراف‪.١٥٤ :‬‬
‫مما تقدم نستطيع أن نسجل املالحظات اآلتية عن املنهج القرآين‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬اهتمام القرآن باجلانب العميل وابتعاده عن اجلانب الفلس�في الغيبي‪ ،‬وعىل هذا‬
‫رأين�ا كيف حت�دث القرآن عن إمكاني�ة الوحي‪ ،‬بل وثبوت�ه‪ ،‬ثم عن اإليمان والتصديق به‪،‬‬
‫ونح�و ه�ذا‪ ،‬بينام ابتعد ع�ن كيفية التلقي ع�ن اهلل أو عن املل�ك‪ ،‬ورأينا كي�ف اهتم القرآن‬
‫بالرس�االت التي هلا أتباعها اليوم‪ ،‬وابتعد عن التفصيل يف باقي الرساالت‪ ،‬ويف الرساالت‬
‫الباقية مل يتحدث القرآن إال عام فيه مصلحة للمسلمني‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬تبيان القرآن ملواقف أهل الكتاب الس�ابقة املتباينة‪ ،‬وحكم اهلل يف كل فريق منهم‬
‫لتكون العربة البالغة للوريث الرشعي ألولئك‪.‬‬
‫الثالث�ة‪ :‬حتدث القرآن عن التحريف والتزوير الذي قام به أهل الكتب الس�ابقة لكتبهم‬
‫ليص�ل بنا إىل حقيقتني‪ :‬األوىل‪ :‬تكش�ف لنا احلقيقة هؤالء الق�وم للحذر والفطنة‪ ،‬فان قوم ًا‬
‫كذبوا عىل اهلل كيف ال يكذبون عىل خملوق؟! والثانية‪ :‬إن هذه الكتب التي تسمى «مقدسة»‬
‫ليست عندنا كذلك بعد أن دخلها التزوير‪ ،‬بل من املمكن مطالعة نواياهم من خالهلا‪.‬‬
‫‪134‬‬

‫الرابعة‪ :‬ربط القرآن بني الرساالت السابقة والرسالة اخلامتة برباط وثيق‪ ،‬حيث وصفها‬
‫بأهن�ا يص�دق بعضها بعض ًا‪ ،‬وأهنا هدى ونور ورمحة‪ ،‬وأهنا حتمل ثوابت ال ختتلف وال تتغري‬
‫كالتوحيد والعدل ‪..‬الخ‪.‬‬
‫اخلامس�ة‪ :‬أن�ه اهتم بالتوراة أكثر من كل الرس�االت الس�ابقة‪ ،‬وذلك ألم�ور كثرية‪ ،‬قد‬
‫يك�ون من ضمنها التش�ابه الكبري بين القرآن والتوراة من حيث الش�مولية والتفصيل لكل‬
‫يشء‪ ،‬وق�د يكون ملا فيها –بعد التحري�ف‪ -‬من خفايا ونوايا اليهود الذين وضعوا عقيدهتم‬
‫لتناسب أهدافهم السياسية أو االقتصادية ‪..‬الخ‪.‬‬
‫السادس�ة‪ :‬إن حدي�ث القرآن عن القرآن ج�اء منصب ًا عىل اجلوانب العملي�ة الداعية إىل‬
‫التمس�ك هبذا القرآن والعمل بأحكامه‪ ،‬ونلمح ه�ذا يف أهم القضايا التي عاجلها القرآن يف‬
‫هذا املجال‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ •تأكيد عظمة القرآن وفائدته للبرشية من خالل أسماء القرآن كالنور واهلدى واحلق‬
‫ونحوها‪ ،‬أو من خالل تأكيد ش�موليته لكل حيتاجه اإلنس�ان عىل هذه األرض‪ ،‬أو‬
‫من خالل عامليته التي تؤكد صالحيته لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫ •إثبات أن هذا القرآن هو الرسالة الصادقة من اخلالق العظيم إىل خلقه وقد جاء هذا‬
‫جلي�ا من خالل عقيدة «اإلعجاز الق�رآين «‪ ،‬حيث حتدى القرآن اإلنس واجلن عىل‬
‫أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهري ًا‪.‬‬
‫ •طمأن�ة املؤمنين هبذا القرآن أن اهلل قد تكفل بحفظ ه�ذا القرآن فمهام َم َّر باألمة من‬
‫نوازل وكوارث ومهام تغلب أعداؤها عىل مقدراهتا فأن القرآن هو القرآن‪ ،‬وسيبقى‬
‫كام أنزله اهلل عىل قلب حممد ﷺ حتى هناية العامل‪.‬‬
‫•ح�ذر القرآن م�ن املناهج املنحرفة التي حت�اول أن تتعامل مع الق�رآن بطريقة تبعده‬ ‫َّ‬ ‫ ‬
‫عن أداء رسالته احلقيقية يف هذا العامل اعتامد ًا عىل سعة املدلوالت العربية بعد فصل‬
‫مواردها يف بعض اآليات التفصيلية عن حمكامت القرآن وأصوله البينات‪.‬‬
‫ •وجتدر اإلش�ارة يف ختام هذا املبحث أن مصطلح “الرس�االت” الذي اخرتناه هنا‬
‫ه�و أع�م من مصطلح “الكتب السماوية”؛ حيث إن الرس�الة تش�مل مع الكتاب‬
‫املنزل سنة الرسول ﷺ‪ ،‬حيث هي تبني الكتاب بالقول والعمل‪ :‬ﭽ ‪...‬ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‪ ...‬ﭼ [النح�ل‪ ،]٤٤ :‬ولذلك جاء األمر بأتباع‬
‫أألنبياء والرس�ل‪-‬عليهم الصالة والسلام – يف مثل قول�ه تعاىل‪ :‬ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫‪135‬‬

‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ‪...‬ﭼ [األح�زاب‪ ،]٢١ :‬وقول�ه تع�اىل‪ :‬ﭽ ﯱ‬


‫ﯲ ‪...‬ﭼ [األنعام‪ ،]٩٠ :‬إال أننا مل نر حاجة لتكرار هذا اجلانب بعد أن فصلنا‬
‫فيه هذا القول يف املبحث الس�ابق «األنبياء والرس�ل»‪.‬‬
‫الق�سم الثاين‪ :‬القر�آن يف القر�آن‪:‬‬
‫حتدث القرآن‪ ،‬عن نفسه طوي ً‬
‫ال‪ ،‬ولعلنا نقدر أن نخترص أهم ما جاء فيه عنه يف النقاط التالية‪:‬‬
‫‪� -1‬أ�سماء القر�آن((( و�صفاته‪:‬‬
‫وصف القرآن نفسه بأسامء وصفات كثرية من أبرزها‪:‬‬
‫أ‪ -‬القرآن‪ :‬ورد هذا االسم يف القرآن بنحو (‪ )70‬مرة‪ ،‬منها‪ :‬ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ [القمر‪ ،]١٧ :‬ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﭼ [الربوج‪.]٢١ :‬‬
‫ب‪ -‬الكتاب‪ :‬مثل ﭽ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ‪...‬ﭼ [البقرة‪ ،]٢ :‬ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ‪ ...‬ﭼ [غافر‪.]2:‬‬
‫ت‪ -‬الفرق�ان‪ :‬مث�لﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ‪...‬ﭼ‬
‫[الفرقان‪.]1:‬‬
‫د‪ -‬الذكر‪ :‬مثل ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ‪ ...‬ﭼ [النحل‪. ]44:‬‬
‫هـ‪ -‬تنزيل‪ :‬مثل ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭼ فصلت‪.‬‬
‫و‪ -‬النبأ‪ :‬مثل ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ ص‪ ،‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ النبأ‪.‬‬
‫ز‪ -‬الن�ور‪ :‬مثل ﭽ‪ ...‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ [النس�اء‪ ،]174:‬ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫ﯧ ﯨ ﯩ ‪...‬ﭼ [التغابن‪.]٨ :‬‬
‫ح‪ -‬احلق‪ :‬مثل ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‪ ...‬ﭼ [األنعام‪.]٦٦ :‬‬
‫ط‪ -‬برهان‪ :‬مثل ﭽ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ‪ ...‬ﭼ [النساء‪.]١٧٤ :‬‬
‫ي‪ -‬بالغ‪ :‬مثل ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‪ ...‬ﭼ [إبراهيم‪.]52:‬‬
‫ك‪-‬ل‪-‬م‪ :‬البي�ان واهل�دى واملوعظ�ة‪ :‬ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﭼ‬
‫[آل عمران‪.]138:‬‬

‫((( من النافع مطالعة‪« :‬اهلدي والبيان يف أسماء القرآن» للش�يخ صالح بن إبراهيم البليهي‪ ،‬الذي مجع فيه‬
‫كل أسامء القرآن الكريم وصفاته –إال ما شاء اهلل‪ -‬مع الرشح والتفصيل‪.‬‬
‫‪136‬‬

‫ن‪-‬س‪ :‬ش�فاء ورمح�ة ‪ :‬مث�ل ﭽ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬


‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﭼ [يونس‪.]57:‬‬
‫عيل وحكيم‪ :‬ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ [الزخرف‪.]4:‬‬ ‫ع‪-‬ف ٌّ‬
‫ص‪ -‬تذكرة‪ :‬ﭽ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ [احلاقة‪.]48:‬‬
‫وواض�ح هدف القرآن من كل هذه األسماء واألوصاف‪ ،‬أهنا تعط�ي الصورة املتكاملة‬
‫للق�رآن‪ ،‬وتوضح مهمة القرآن األساس�ية يف ه�ذه األرض‪ ،‬إن هذه األسماء تلقي يف نفس‬
‫القارئ حقائق كبرية تقود حت ًام إىل األداء األفضل يف وظيفته األرضية‪.‬‬
‫‪ -2‬نزول القر�آن‪:‬‬
‫تناول القرآن هذا املعنى من زوايا متعددة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬واس�طة النزول‪ :‬حيث حدد القرآن أن الذي نزل القرآن عىل حممدﷺ إنام هو جربيل‬
‫األمني‪ ،‬ولنقرأ ﭽﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﭼ [البقرة‪،]٩٧ :‬‬
‫ﭽﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ الشعراء‪.‬‬
‫ب‪ -‬ب�دء الن�زول‪ :‬حيث حدد القرآن أنه يف ش�هر رمضان وليلة الق�در‪ ،‬فقال‪ :‬ﭽ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‪ ...‬ﭼ [البق�رة‪ ،]185:‬وق�ال‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟﭠﭡﭢ ﭣﭤﭥﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ الق�در‪ ،‬والق�رآن وإن مل حي�دد أن فيها بدأ‬
‫النزول‪ ،‬إال أن القرائن تفيد أن هذا هو املقصود‪ ،‬وأنظر يف الفقرة جـ‪:‬‬
‫جـ‪ -‬تفريق النزول‪ :‬حيث حتدث القرآن يف أكثر من موضع أنه نزل مفرق ًا عىل مكث من‬
‫الزمن ومل ينزل مجلة واحدة‪ ،‬فتس�مع القرآن يقول‪ :‬ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭼ [اإلرساء‪ ،]106:‬ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﭼ [الفرقان‪.]٣٢ :‬‬
‫ومن يتص َّفح القرآن جيد هذا التفريق واضح ًا من خالل أس�باب النزول‪ ،‬فكثري ًا ما ينزل‬
‫ال ملشكلة أو عتاب ًا عىل ترصف‪ ،‬ونحو هذا‪.‬‬‫القرآن جواب َا عىل سؤال أو ح ً‬
‫‪� -3‬شمولية القر�آن‪:‬‬
‫حيث جاء القرآن يؤكد أنه كتاب ش�امل لكل النواحي التي حيتاجها اإلنس�ان يف مهمته‬
‫عىل هذه األرض‪ ،‬فهو كتاب عقيدة‪ ،‬وعبادة‪ ،‬وجهاد‪ ،‬وأخالق‪ ،‬ودستور‪ ،‬ونظام حياة‪،‬جتد‬
‫ه�ذا واضح يف مثل قول�ه تعاىل‪ :‬ﭽ‪...‬ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫‪137‬‬

‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ‪...‬ﭼ [يوس�ف‪ ،]١١١ :‬ﭽ ‪...‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬


‫ٌ‬
‫تفصيل‬ ‫ﭳ ﭴ ﭼ [النح�ل‪ ،]٨٩ :‬وق�ارئ الق�رآن جيد ه�ذا واضح ًا جلي ًا‪ ،‬ففي الق�رآن‬
‫وذكر لتاريخ الرسل‪ ،‬واألمم السابقة‪ ،‬وفيه رشيعة كاملة‪ ،‬من األرسة‬
‫وأمر بالعبادة‪ٌ ،‬‬
‫العقيدة‪ٌ ،‬‬
‫ونظامها حتى اخلالفة والسياسة اخلارجية إىل جوانب االجتامع واالقتصاد وغريها‪.‬‬
‫وأقر أمثال هذه اآليات‪:‬‬
‫ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ‪...‬ﭼ [األنفال‪.]٦٧ :‬‬
‫ﭽ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ‪...‬ﭼ [األنفال‪.]٦١ :‬‬
‫ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ‪...‬ﭼ [األنفال‪.]٦٠ :‬‬
‫ﭽ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ‪...‬ﭼ [التوبة‪.]١٠٣ :‬‬
‫ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ‪...‬ﭼ [النساء‪.]٤ :‬‬
‫ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ‪...‬ﭼ [البقرة‪.]٢٣٣ :‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭼ [النساء‪.]7‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ‪...‬ﭼ [البقرة‪.]٢٨٣ :‬‬
‫ﭽﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﭼ [املطففين‪.]3 – ١ :‬‬
‫‪-4‬عمومية القر�آن للنا�س كافة بل وحتى اجلن‪:‬‬
‫ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﭼ [األنبياء‪.]107:‬‬
‫ﭽﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‪ ...‬ﭼ [سبأ‪.]٢٨ :‬‬
‫ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ [الفرقان‪.]1:‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯﭰﭱ‬
‫ﭲﭳ ﭴﭵﭶﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﭿ ﮀﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﭼ األحقاف‪.‬‬
‫‪138‬‬

‫‪�-5‬أنه معجزة ال يقدر �أحد �أن ي�أتي مبثله �أبداً‪:‬‬


‫ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ [اإلرساء‪.]88:‬‬
‫ﭽﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ الطور‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ هود‪.‬‬
‫ﭽﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ‬
‫[يونس‪.]38:‬‬
‫ﭽﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ [البقرة‪.]230:‬‬
‫حتدّ اهم القرآن هبذا األس�لوب االس�تفزازي الذي يبعث يف نفس اخلصم روح اإلرصار‬
‫واالس�تنفار واجلدية القصوى يف املواجهة‪ ،‬ومع ه�ذا مل يقم للقرآن أحد من خصومه فثبت‬
‫إعجازه‪ ،‬وثبت إنه معجزة‪.‬‬
‫إال أن الس�ؤال الذي ينقدح يف الذهن بدون تريث‪ :‬ملاذا؟! ملاذا عجز العرب عن أن‬
‫يأتوا بس�ورة واحدة مثل س�ورة القرآن؟! م�ا الذي أعجزهم يف القرآن؟! القرآن نفس�ه‬
‫ال جييب عىل هذا الس�ؤال‪ ،‬وكأنه أراد إن يرتكك لتبحث بكل جهدك لتكش�ف جوانب‬
‫اإلعجاز بنفس�ك‪ ،‬من املمكن أن تكون هذه احلكمة‪ ،‬ومن املمكن القول أن القرآن كله‬
‫معج�زة‪ :‬لفظ�ه ومعناه‪،‬حكم�ة وبيانه‪،‬أخباره املاضية وأنب�اؤه املس�تقبلية‪ ،‬حتليله للنفس‬
‫أو حتليل�ه للكون ‪...‬الخ‪ ،‬فلما كان كله معجز ًا اكتفى القرآن بأن يتحداهم بمثله‪ ،‬واملثل‬
‫كلمة ش�املة مطلقة‪.‬‬
‫‪� -6‬أن الله تكفل بحفظه‪ :‬ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [احلجر‪.]9:‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﭼ فصل�ت‪.‬‬
‫ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ [الشورى‪.]24‬‬
‫‪139‬‬

‫وال يزال الواقع يش�هد هبذا احلفظ‪ ،‬فمع اختالف املسلمني وتباين أرائهم ومذاهبهم يف‬
‫الكثري من املسائل الكثرية والطفيفة إال إن يد التزوير مل تستطيع إن متتد إىل كتاب اهلل – تبارك‬
‫تعاىل‪ ،-‬وكذلك تعرضت األمة حلاالت من الضعف واالنحطاط واجلهل وسيطرة أعدائها‬
‫عىل مقدراهتا وحتى مدارس�ها ومناهج التعليم فيه�ا‪ ،‬ومع هذا بقي القرآن هو القرآن‪ ،‬فاهلل‬
‫أكرب!!‪.‬‬
‫‪� -7‬أن القر�آن فيه حمكم ومت�شابه‪ :‬ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽ‪...‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ [هود‪.]1:‬‬
‫ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‪ ...‬ﭼ [الزمر‪.]٢٣ :‬‬
‫ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭼ [آل عمران‪.]7:‬‬
‫معان تبدو وألول وهلة كأهنا متضادة‪ ،‬فاألوىل معناها‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫هذه اآليات الثالث حتمل ثالثة‬
‫أن الق�رآن حمك�م‪ ،‬والثاني�ة‪ :‬أن الق�رآن متش�ابه‪ ،‬والثالث�ة‪ :‬أن القرآن بعضه حمك�م وبعضه‬
‫متشابه!‪ ..‬فام حقيقة األمر؟‬
‫إنن�ا ل�و أتينا إىل النص نفس�ه من غير أن نحمل ثق�ل اخلالف الكالمي ح�ول موضوع‬
‫"املحكم واملتشابه" فسنصل إىل حقيقة األمر بيرس إن شاء اهلل‪ ،‬ولنبدأ‪:‬‬
‫م�ا معن�ى ﭽ ﮗ ﮘ ﭼ [ه�ود‪ ،]١ :‬اإلح�كام ه�و اإلتق�ان‪ ،‬والقرآن كل�ه حمكم؛‬
‫بمعن�ى أنه متق�ن وبأعىل درجات اإلتقان‪ ،‬ول�و مل يكن كذلك فكيف أعج�ز بلغاء العرب‬
‫وفصحاءهم؟‬
‫وبعد فلنس�أل‪ :‬ما معنى ﭽ ﭭ ﭼ ؟ التشابه‪ :‬التشاكل والتامثل‪ :‬وآيات القرآن كلها‬
‫متش�ابه قطع ًا‪ ،‬فليس بينهام تناقض واختالف ﭽ‪ ...‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﭼ النس�اء‪ ،‬وهذا املعنى يعضد املعن�ى األول‪ ،‬فالقرآن حمكم وألنه حمكم فهو‬
‫متش�ابه‪ ،‬أو ه�و متق�ن‪ ،‬وألنه متقن فهو لي�س خمتلف� ًا وال متناقض� ًا‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك‬
‫فكيف نفهم اآلية الثالثة؟!‬
‫إن اآلية وضعت املحكم بمقابل املتشابه فال يمكن اجلمع بينهام‪ ،‬أذ ًا هل املحكم هنا غري‬
‫املحك�م يف اآلية األوىل؟ وهل املتش�ابه هنا غري املتش�ابه يف اآلية الثاني�ة؟ اجلواب «بنعم»أو‬
‫«ال» ال خيل�و م�ن َتَس�رَ ُّ ع‪ ،‬ولو تأملنا يف النص نفس�ه لوجدن�ا ان املحكم يف اآلي�ة الثالثة قد‬
‫‪140‬‬

‫أضيف له معنى زائد عىل معناه األول‪ ،‬فاملحكم هنا املتقن مضافا إليه انه أم الكتاب‪ ،‬ومعنى‬
‫أم الكت�اب هنا واضح‪ ،‬فأمك أصلك‪ ،‬منها ول�دت‪ ،‬فالقرآن يقول لك‪ :‬إن يف القرآن آيات‬
‫متقن�ات مثل األصول الواضحة هلذا القرآن كله‪ ،‬وإذا كانت هذه أصوال فإذا هنالك فروع‬
‫َاب] فالكتاب‬ ‫[ه َّن ُأ ُّم ا ْل ِكت ِ‬
‫هن الكتاب )‪ ،‬بل ُ‬
‫تنبني عىل هذه األصول‪ ،‬ألن القرآن ما قال‪َّ ( :‬‬
‫إذ ًا أص�ول وفروع‪ ،‬واألصول هنا "املحكامت"‪ ،‬إذ ًا فالفروع" املتش�اهبات‪ ،‬فاملتش�اهبات إذ ًا‬
‫أضي�ف إليها معن�ى زائد عىل جمرد التامثل وعدم االختالف‪ ،‬وهو أهن�ا فروع ينبغي أن تبنى‬
‫عىل أصوهلا‪ ،‬وعىل هذا فإتباع املتشابه يؤدي إىل الفتنه‪ ،‬ال بمعنى أن املتشابه نفسه فتنة‪ -‬معاذ‬
‫اهلل‪ -‬فليس يف القرآن إال النور واهلدى والش�فاء‪ ،‬كام مر معنا يف أسامء القرآن وصفاته‪ ،‬لكن‬
‫الفتنة جاءت من إتباع املتشابه فقط بعيد ًا عن أصوله‪ ،‬وهنا الفتنه وهنا اخلطر‪ :‬إذ كيف تريد‬
‫أن تفه�م معنى فرعي� ًا وجزئي ًا بعد أن قطعته من أصوله؟!((( وكأين اآلن أس�تطيع أن أقرب‬
‫الصورة من خالل األمثلة االفرتاضية اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ -‬لو قال ش�خص‪ :‬إن رسالة حممد ﷺ خاصة بالقومية العربية بدليل قوله ‪-‬تعاىل‪: -‬‬
‫ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ [الزخ�رف‪.]٤٤ :‬‬
‫ب‪ -‬لو قال ش�خص‪ :‬إن الدعوة إىل اهلل واجلهاد يف سبيله باطل بقوله –تعاىل‪ :-‬ﭽ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ [الكافرون‪ ،]٦ :‬وقوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭼ [البقرة‪.]٢٥٦ :‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫((( ولتوضيح هذه الفكرة ينظر النموذج يف الصفحة التالية‪.‬‬


141
‫‪142‬‬

‫أقر وحدة األديان‪ ،‬وأنه ال فرق بني املس�لم واليهودي‬ ‫جـ‪ -‬لو قال ش�خص‪ :‬إن القرآن ّ‬
‫والنصراين وغريهم إذا س�لم القلب وحس�ن العمل‪ ،‬بدليل قوله تع�اىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗ ﭘﭙﭚﭛﭜ ﭝﭞﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ [البقرة‪.]62:‬‬
‫فه�ؤالء كلهم جاءوا إىل هذه اآليات وقطعوه�ا عن أصوهلا‪ ،‬وحاولوا فهمها بام يناقض‬
‫األص�ول الثابت�ة يف كتاب اهلل‪ ،‬فكان�وا أهل زيغ وأهل فتنة لكن املؤم�ن ال تلتبس عليه هذه‬
‫اآليات‪ ،‬فعاملية اإلسالم هي أصل من أصول القرآن‪ :‬ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ‪ ...‬ﭼ [س�بأ‪ ،]٢٨ :‬فكيف يستطيع إن يقتنع بأن اإلسالم دين القومية العربية‬
‫فقط‪ ،‬أو دين قريش لقوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ [الشعراء‪ ،]214‬أنه سيفهم‬
‫كل هذه الفرعيات عىل أهنا –مثال‪ -‬متثل مرحلة من مسرية الدعوة‪ ،‬أو أي معنى آخر ال هيدم‬
‫األص�ل‪ ،‬وهك�ذا يف الثاين‪ ،‬فاألصل ثابت عند املؤمنين أن الدعوة واجلهاد من صميم ديننا‬
‫وآي�ات الق�رآن الواضحات أكثر من إن حتىص‪ ،‬وخذ ه�ذه اآلية فقط‪ :‬ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ‪...‬ﭼ [التوب�ة‪ ،]٥ :‬ونق�ول للثالث اقرأ‬
‫فق�ط‪ :‬ﭽ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ [آل‬
‫عم�ران‪ ،]85:‬ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﭼ [التوبة‪.]29 :‬‬
‫ف�إذ ًا ليس يف الق�رآن آيات ينبغي أن ال نقرأها وال نتدبرها ألهنا تؤدي إىل الفتنة أو ألهنا‬
‫متشاهبات‪،‬كيف والقرآن يقول‪ :‬ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ‪...‬ﭼ [النساء‪ ،]٨٢ :‬ومل يستثن أي‬
‫آي�ة‪ ،‬ولو كان يف الق�رآن آيات ال جيوز أتباعها والبحث عنها ف�أو ً‬
‫ال‪ :‬ملاذا مل حيددها القرآن؟‬
‫وثاني� ًا‪ :‬كي�ف يكون القرآن معجز ًا ببيان�ه وبالغته وفيه آيات ال تفهم؟ الس�يام وأن‪ ،‬آية آل‬
‫عم�ران تشير –ولو من بعيد‪ -‬إىل أن املتش�اهبات أكثر ألن املحكامت ه�ن أم الكتاب فقط‪،‬‬
‫فهل القرآن كله أ ّمهات؟!‪.‬‬
‫إن هذا املعنى للمحكم واملتش�ابه هو الذي ينس�جم مع مبادئ اإلسلام ووظيفة القرآن‬
‫ال يف الوقف عىل ﭽ ﯗ ﯘ ﭼ يف‬ ‫وال يصطدم بأي حقيقة إسلامية ثابتة‪ ،‬غري إن هناك إشكا ً‬
‫آي�ة آل عم�ران‪ ،‬وهو وقوف صحيح ال غبار عليه‪ ،‬فكي�ف يكون ال يعلمه إال اهلل‪ ،‬ثم نقول‬
‫‪143‬‬

‫أن املتشابه من املمكن أن ُي ْعرف برده إىل أصول املحكامت؟‪ ،‬احلقيقة إن هذه اإلشكالية وإن‬
‫كث�ر فيه�ا اجل�دل إال أهنا إن مل خترج من دائ�رة النص‪ ،‬فمن املمكن فهمه�ا بيرس وبإرجاعها‬
‫أيض�ا‪ ،‬فلام كان عندنا يقين ًا أن القرآن رس�الة هدى ونور‪ ،‬ودس�تور حياة‪ ،‬ال‬ ‫ً‬ ‫إىل املحكمات‬
‫كت�اب ألغاز وطالس�م‪ ،‬فال يصح عندنا بعدُ أن نتص�ور وجود آيات ال يفهمها إال اهلل‪ ،‬وإذا‬
‫أن أهل الزيغ‬ ‫كان األمر كذلك فحل هذه اإلش�كالية ال يكلف كثري ًا‪ ،‬إذ من املمكن القول‪ّ :‬‬
‫باطلا يبتغون به الفتنة‪ ،‬وتأويله�م هذا وغايتهم ال‬‫ً‬ ‫أرادوا أن يؤول�وا بع�ض اآليات تأوي ً‬
‫ال‬
‫يعلمه�ا إال اهلل‪ ،‬فه�و ال�ذي يعلم خفاي�ا النفوس ونواي�ا الضامئر‪ ،‬أما نحن فقد نش�ك وقد‬
‫نظ�ن وربام نجهل متاما‪ ،‬وهبذا التفسير نجم�ع أيضا معنى القرائتني فالق�راءة الثانية‪ :‬ﭽ ﯗ‬
‫ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ‪ ،‬جعل�ت الراس�خني يعلمون تأويل�ه‪ ،‬فيكون املعنى ال يعلم تأويله‬
‫عنده�م وقصده�م من ذلك إال اهلل‪ ،‬والراس�خون يف العل�م ال تفتنهم تأويلات الزائغني‪،‬‬
‫فه�م عىل عل�م وبصرية‪ ،‬وهلذا يقولون‪ :‬ﭽآ َم َّن�ا بِ ِهﭼ‪ ،‬هذا عىل الق�راءة األوىل‪ ،‬وعىل الثانية‬
‫إن املتش�ابه ال يعلمه إال اهلل والراس�خون الذين يعلمون أصول هذا الدين ال تش�تبه عليهم‬
‫الفرعيات كام تشتبه عىل غريهم‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬



144
‫الف�صل الرابع‬
‫ال�سمعيات‬

‫ •املبحث الأول‪ :‬اليوم الآخر‬


‫ •املبحث الثاين‪ :‬املالئكة‬
‫ •املبحث الثالث‪ :‬اجلن‬
‫‪147‬‬

‫املبحث الأول‬
‫اليوم الآخر‬
‫اإليمان بالي�وم اآلخر هو حجر الزاوية يف العقيدة اإلسلامية‪ ،‬ذاك ألن اإلنس�ان بطبعه‬
‫ٍ‬
‫مصلحة‪ ،‬فاإليامن باهلل‬ ‫جلب‬ ‫ٍ‬
‫مفس�دة‪ ،‬أو ُ‬ ‫ال يلزم نفس�ه بالطاعة إال أن تكون من ورائها د ْف ُع‬
‫ثم كان اإليامن باليوم‬
‫وبرساالته ال يؤدي ثمرته إال إذا كان هناك جزاء ينتظره اإلنسان‪ ،‬ومن ّ‬
‫اآلخر له دور كبري يف إلزام اإلنسان بمنهج اهلل(((‪ ،‬ومن هنا جاء اهتامم القرآن الكريم باليوم‬
‫اآلخر اهتامم ًا ال يقل عن االهتامم بالركنني السابقني “اإلهليات” و”النبوات”‪ ،‬ولنأخذ أمثلة‬
‫عىل هذا االهتامم‪:‬‬
‫أ‪ -‬ذك�ر الق�رآن اليوم اآلخ�ر بام يصعب حرصه فلق�د جاء ذكر اآلخ�رة يف القرآن بنحو‬
‫(‪ )114‬مرة واليوم اآلخر بنحو (‪ )26‬مرة‪ ،‬أما أسماء اليوم اآلخر األخرى فهي كثرية جد ًا‬
‫وربام تأتينا شواهد منها بعد‪.‬‬
‫ب‪ -‬يف الغال�ب يأيت ذكر اإليامن باليوم اآلخر عقب اإليامن باهلل دون فاصل ولنقرأ هذه‬
‫األمثلة‪:‬‬
‫ﭽ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ [البقرة‪.]١٧٧ :‬‬
‫ﭽ‪ ....‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﭼ [البقرة‪.]٢٣٢ :‬‬
‫ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ [التوبة‪.]١٨ :‬‬

‫((( وه�ذا يعن�ي أن اإليمان باليوم اآلخر رضوري لس�عادة اإلنس�ان يف احلياة الدني�ا‪ ،‬الن الذي ال يؤمن‬
‫بي�وم احلس�اب واجل�زاء أي يشء س�يمنعه من الظلم واإلفس�اد؟ بل كيف س�ينظر اىل حيات�ه القصرية هذه‬
‫ولو مألها بأس�باب النعيم وهو يرى أن املس�ألة مس�ألة وقت ثم يتخطفه املجهول؟!! يقول الدكتور عمر‬
‫س�ليامن األش�قر‪« :‬إن بعض الذين يرفضون فكرة الرجعة اىل احلياة يبدؤون بالنواح احلزين يف حياهتم التي‬
‫تتالش�ى وتتناقص يف كل حلظة متيض‪ ،‬وقد يس�لمهم هذا اىل العزلة واألمل حت�ى يوافيهم املوت‪ ،‬وان كانوا‬
‫ك ّتابا أو ش�عراء‪ ،‬فأهنم يس�جلون مش�اعرهم احلزينة التي يندبون هبا حياهتم يف مقاالت أو كتب أو أش�عار‬
‫جتسم شقوهتم وحريهتم وأملهم ‪....‬وبعض الذين يكفرون بالبعث والنشور يسارعون اىل اقتناص امللذات‬
‫والش�هوات ‪ ،‬كأنما ه�م يف رصاع مع الزمن خيش�ون أن متيض أيامهم وملا يش�بعوا من مباه�ج احلياة (اليوم‬
‫اآلخر‪.)6/1:‬‬
‫‪148‬‬

‫ﭽﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬
‫ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ‬
‫[التوب�ة‪.]٤٥ – ٤٤:‬‬
‫ج‪ -‬الش�مولية الواس�عة الت�ي حظي هب�ا «اليوم اآلخ�ر» يف القرآن الكري�م‪ ،‬فلقد بحث‬
‫القرآن املوت والبعث واحلرش واحلساب وامليزان والصحف والرصاط واجلنة والنار‪ ،‬وكل‬
‫هذا بتفصيل دقيق السيام إذا كان الغرض الرتغيب والرتهيب‪ ،‬وكل هذا سنمر عليه إن شاء‬
‫اهلل‪ .‬هذا وسنعرض عقيدة اليوم اآلخر يف القرآن الكريم بنقاط خمترصة‪ ،‬لكنها جامعة ‪-‬إن‬
‫شاء اهلل‪ -‬ألهم ما ينبغي أن يعرفه املسلم يف هذا املوضوع وكام يأيت‪:‬‬

‫النقطة الأوىل‪� :‬أدلة وجود اليوم الآخر ومناق�شة املنكرين‪:‬‬


‫يب�دو أن القرآن اس�تخدم دليل اخللق يف إثبات اليوم اآلخ�ر‪ ،‬فاهلل‪ -‬تعاىل‪ -‬خلق الكون‬
‫م�ن الع�دم‪ ،‬فام املانع من أن خيلقه مرة ثانية‪ ،‬واإلعادة يف عادة البرش أهون من االبتداء‪ ،‬وإذا‬
‫فعالم التكذيب؟!‬
‫َ‬ ‫كان األم�ر ممكن ًا‪ ،‬والقرآن أخرب بوقوعه‪ ،‬والقرآن هو املعج�زة الظاهرة‪،‬‬
‫أس�تطيع أن أقول‪ :‬إن هذا هو الدليل الوحيد الذي اس�تخدمه القرآن يف إقناع منكري اليوم‬
‫اآلخر‪ ،‬ولنقرأ بعض األمثلة من القرآن الكريم‪:‬‬
‫ﭽﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ اإلرساء‪.‬‬
‫ﭽﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬﮭﮮﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕﯖ ﯗﯘﯙﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ‬
‫ﯼ ﭼ ي�س‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معاند؟! لقد أخذ‬ ‫ٍّ‬
‫لشاك أو‬ ‫ماذا يقول اإلنسان وهو يقرا هذه اآليات؟ وأي ملجأ سيبقى‬
‫يتلمس بنفسه الواقع املحسوس الذي يشهد أن اهلل عىل كل يشء‬ ‫القرآن بيد اإلنسان وجعله َّ‬
‫‪149‬‬

‫قدير‪ ،‬وأنه س�يعيدنا كام بدأنا أول مرة‪ ،‬اللهم فأحس�ن عودتنا إليك‪ .‬وربام اس�تخدم القرآن‬
‫ال قريب ًا من األول ونس�تطيع ن نس�ميه «دليل امللك» فمن هو مالك السموات واألرض‬ ‫دلي ً‬
‫واإلنسان؟ فاملالك هو الذي يترصف يف ملكه كيف يشاء‪ ،‬ولنقرأ هذا النص فقط‪:‬‬
‫ﭽﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮭ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬
‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯾ ﯿﰀﰁ‬
‫ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭼ املؤمنون‪.‬‬
‫وهناك ما يمكن تس�ميته بالدليل احليس‪ ،‬حيث اس�تخدم القرآن شيئ ًا مما حيسه اإلنسان‪،‬‬
‫ويش�اهده يف عامل الدنيا‪ ،‬ليقرب له صورة البعث والنش�ور‪ ،‬ولنصغ إىل القرآن‪ :‬ﭽ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ‬
‫ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﭼ ق‪.‬‬
‫ويق�ول‪ :‬ﭽ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭼ [الروم‪.]50:‬‬
‫ال كيف تنمو ثم تنضج فإذا تركت يف األرض تلفت بأجل قصري‪،‬‬ ‫إن من يعرف الكمأة مث ً‬
‫املار عىل األرض فال يرى فيها إال الرتاب‪ ،‬ثم متر السنة والسنتان والثالث‪ ،‬حتى إذا‬ ‫ثم يمر ُّ‬
‫نزل الغيث يف موس�م حمدد ظهرت الكمأة‪ ،‬مثل اجلس�د الذي بيل وانتهى‪ ،‬ذلك أن اجلس�د‬
‫الذي بيل بقيت منه ماليني اخلاليا غري املرئية مع الرتاب‪ ،‬تقاوم اجلفاف والش�مس والريح‪،‬‬
‫تفسخ‪ ،‬وغالب‬ ‫حتى تتمكن يف الظروف املناس�بة أن حتيا وتعيد ش�كل اجلس�د نفس�ه الذي ّ‬
‫الثمار الت�ي نأكل‪ ،‬فيها ب�ذور البقاء‪ ،‬وهي تقاوم اجلفاف حتى تعيد دورة النبات بس�نة إهلية‬
‫حمكمة إن اهلل يقول لنا‪ :‬ﭽ ﭜ ﭝ ﭼ وﭽ ﯙ ﯚ ﭼ‪ ،‬إهنا تقريب ألذهاننا‪،‬‬
‫ومن الواقع الذي نعيش‪ ،‬والقانون الذي نشاهد‪...‬‬
‫ان‪،‬‬ ‫(و َي ْبلىَ ُك ُّل شيَ ْ ٍء ِم َن ا ِ‬
‫إلن َْس ِ‬ ‫وربام تكتمل صورة التش�بيه هذا بحديث رسول اهلل ﷺ ‪َ :‬‬
‫س ِم َن ا ِ‬
‫إلن َْس ِ‬
‫�ان شيَ ْ ٌء إِال َي ْبلىَ ‪ ،‬إِال‬ ‫(و َل ْي َ‬
‫اخل ْل ُ�ق)((( ‪ ،‬وقوله ﷺ‪َ :‬‬ ‫�ه‪ِ ،‬ف ِ‬
‫يه ُي َر َّك ُب َ‬ ‫إِال َع ْج َ�ب َذ َنبِ ِ‬

‫((( رواه البخاري‪ /‬التجريد الرصيح ج‪ 2‬ص ‪.120‬‬


‫‪150‬‬

‫ب‪َ ،‬و ِم ْن ُه ُي َر َّك ُب الخْ َ ْل ُق َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة)(((‪.‬‬ ‫َع ْظماً َو ِ‬


‫احدً ا‪َ ،‬و ُه َو َع ْج ُب َّ‬
‫الذ َن ِ‬
‫فام أش�به جس�د اإلنس�ان بجس�م الثمرة‪ ،‬وما أش�به عجب الذنب بالنواة أو البذرة التي‬
‫تستعيص عىل الفناء؛ لكي تعيد احلياة من اجلديد إىل النبتة يف شكلها األول‪.‬‬
‫نع�م فم�ن يقرأ هذا البيان ث�م يرص عىل عناده إنه ل�كاذب‪ ،‬وهؤالء الكاذب�ون قد ال ينفع‬
‫معه�م دلي�ل وال برهان‪ ،‬إهنم بحاجة إىل م�ن هيزمهم من داخلهم فينفض عنه�م غبار العناد‬
‫والك�ذب(((‪ ،‬وقد اس�تخدم القرآن هذا كحلق�ة مكملة للدليل‪ ،‬ذل�ك ألن اهلل تعاىل يعلم أن‬
‫الدليل لوحده قد ال يكفي إلخراج املكذب من دائرته‪ ،‬فجاء القرآن ليهزه بقوة وجيعله يفكر‬
‫مع نفس�ه‪ ،‬ولنقف عند ه�ذا الن�ص‪ :‬ﭽﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬
‫ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯞﯟﯠﯡ ﯢﯣﯤﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ‬
‫ﰊ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭼ [الصافات‪.]٢٦ – ١٥ :‬‬

‫((( رواه مسلم‪ /‬الرساج الوهاج ج‪ 11‬ص‪.496‬‬


‫يصور‬
‫((( واإلنس�ان ل�و قلب أوراق�ه من داخله لوجد اإليامن باليوم اآلخر يف أعماق ضمريه‪ ،‬انظر كيف ّ‬
‫األس�تاذ س�يد القط�ب‪ -‬رمحه اهلل‪ -‬تل�ك احلقيقة‪ ،‬حيث كتب عن�وان ( العامل اآلخ�ر يف الضمري البرشي )‬
‫ج�اء في�ه‪ :‬عم�ر الفرد عىل هذا الكوكب األريض قصير‪ ،‬وأيامه يف هذا العامل الفاين حم�دودة‪ ،‬ورغبة الفرد‬
‫يف أن يعي�ش رغب�ة فطرية‪ ،‬وحاجته عىل األرض ال تنقيض وآماله غري حم�دودة‪ ،‬ولكنه يموت! يموت ويف‬
‫نفس�ه حاج�ات‪ ،‬وت�رك عىل األرض آمال�ه‪ ،‬كام يرتك من خلف�ه أعزاء يفجع�ه أن يفارقه�م‪ ،‬ويفجعهم أن‬
‫يغيب‪ ،‬فهال كان لقاء بعد ذلك املغيب؟! هذه واحدة وينظر اإلنس�ان فريى اخلري والرش يصطرعان والرش‬
‫ع�ارم‪ ،‬والرذيل�ة متبجحة‪ ،‬وكثري ًا ما ينترص الرش عىل اخلري وتعل�و الرذيلة عىل الفضيلة ‪ ،‬والفرد‪ -‬يف عمره‬
‫ال‪ ،‬أو حني حييا‬‫املحدود‪-‬ال يشهد رد الفعل‪ ،‬وال يرى عواقب اخلري والرش‪ ،‬فأما حني كان هذا اإلنسان طف ً‬
‫على رشيعة الغاب‪ ،‬فلا ضري يف ذلك وال رضار‪ ،‬إنام األمر قوة‪ ،‬واحلي�اة لألغلب! وأما حني أخذ ضمريه‬
‫عز عليه أن ال تكون للخري كرة‪ ،‬وأن ال يلقي الرش جزاءه‪ ،‬وهذه ثانية‪ .‬ثم أيكون مصري هذا‬ ‫يستيقظ‪ ،‬فقد ّ‬
‫اجلنس اإلنساين الذي عمر األرض وصنع فيها ما صنع كمصري أية حرشة أو دابة او زاحفة؟! حياة قصرية‬
‫عز عليه أن يكون مصريه هو هذا‬ ‫حم�دودة‪ ،‬ال يت�م فيها يشء كامل أبد ًا‪ ،‬ثم ينته�ي كل يشء إىل األبد؟! لقد ّ‬
‫املصري البائس املهني‪( ..‬مشاهد القيامة يف القرآن ص‪ ،)12،11‬فاإلنسان هنا ال حيتاج حقيقة إىل أدلة كثرية‬
‫ومتعاض�دة إلثب�ات اليوم اآلخر؛ ألن احلاجة إىل اليشء تنبئ عن وج�وده‪ ،‬وهل هناك حاجة أكثر من هذه‬
‫احلاجة التي صورها صاحب الظالل؟‬
151
‫‪152‬‬

‫النقطة الثانية‪ :‬و�صف اليوم الآخر ب�صورة �إجمالية‪:‬‬


‫وسنأخذ هذا من خالل األسامء التي منحها القرآن لليوم اآلخر‪ ،‬وهذه أبرز تلك األسامء‬
‫فلينظر فيها‪:‬‬
‫‪1)1‬ي�وم الدي�ن‪ :‬ﭽ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ‬
‫الفاحتة‪.‬‬
‫‪2)2‬يوم القيامة‪ :‬ﭽ‪ ....‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﭼ‬
‫[البقرة‪.]85:‬‬
‫‪3)3‬يوم احلرسة‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ‪ ...‬ﭼ [مريم‪.] ٣٩ :‬‬
‫‪4)4‬يوم البعث‪ :‬ﭽ ‪...‬ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ [الروم‪.]56:‬‬
‫‪5)5‬يوم الفصل‪ :‬ﭽ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭼ [الصافات‪.]21:‬‬
‫‪6)6‬ي�وم التلاق‪ :‬ﭽ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭼ‬
‫[غاف�ر‪.] ١٥ :‬‬
‫‪7)7‬يوم اآلزفة‪ :‬ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ [غافر‪.]18:‬‬
‫‪ 8)8‬ي�وم احلس�اب‪ :‬ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭼ [غافر‪.]27:‬‬
‫‪ 9)9‬يوم التناد‪ :‬ﭽ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﭼ [غافر‪.]32:‬‬
‫‪1010‬ي�وم اجلم�ع‪ :‬ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ‬
‫الش�ورى‪.11 ٧ :‬‬
‫‪1111‬يوم الوعيد‪ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ ق‪.‬‬
‫‪1212‬يوم اخللود‪ :‬ﭽ ﰖ ﰗﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﭼ [ق‪.]34:‬‬
‫‪1313‬يوم اخلروج‪ :‬ﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ [ق‪.]42:‬‬
‫‪1414‬الدار اآلخرة‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ [البقرة‪.]94:‬‬
‫‪1515‬اآلخرة‪ :‬ﭽ ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ [البقرة‪.]4:‬‬
‫‪1616‬الس�اعة ‪ :‬ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ‪...‬ﭼ‬
‫[األنعام‪.]31:‬‬
‫‪153‬‬

‫‪1717‬يوم التغابن‪ :‬ﭽﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‪...‬ﭼ [التغابن‪.]9:‬‬


‫‪1818‬الواقعة‪ :‬ﭽﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﭼ الواقعة‪.‬‬
‫‪1919‬احلاقة‪ :‬ﭽﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ احلاقة‪.‬‬
‫‪2020‬القارع�ة‪ :‬ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ [احلاقة‪ ،]4:‬ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ [القارعة‪.]3-1‬‬
‫‪2121‬الطام�ة الكربى‪ :‬ﭽ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ النازعات‪.‬‬
‫‪2222‬الصاخ�ة‪ :‬ﭽ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﭼ عبس‪.‬‬
‫‪2323‬الغاش�ية‪ :‬ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ الغاشية‪.‬‬
‫ً (((‬
‫ماذا يريد القرآن من كل هذه األسماء؟‪ ...‬إن هذا احلش�د ليس عبثا ‪ ،‬إن كل اس�م من‬
‫ه�ذه األسماء يفتح لنا ناف�ذة عىل ذلك الي�وم اآليت‪ ،‬إهنا لقطات مص�ورة‪ ،‬وكل لقطة تفعل‬
‫فعلها يف نفس هذا الكائن الضعيف «اإلنس�ان» إهنا تأخذه من تالبيبه لتوقفه عىل الرصاط‬
‫املستقيم رصاط اهلل‪.‬‬
‫هذا يف اإلمجال!! فامذا لو متع ّنا يف بعض التفاصيل؟! لندخل يف النقطة اآلتية ولنر‪:‬‬

‫النقطة الثالثة‪ :‬تفا�صيل �أحداث اليوم الآخر‪:‬‬


‫يبدأ اليوم اآلخر بالنس�بة لإلنس�ان باملوت‪ ،‬أما الكون بام فيه ومن فيه فبقيام الساعة‪ ،‬ثم‬
‫تستمر األحداث متتالية حتى اخللود األبدي يف نعيم اجلنة أو يف عذاب النار‪ ،‬فلنتسلسل مع‬
‫أحداث اليوم اآلخر ‪.‬‬

‫((( ذك�ر احلاف�ظ ابن حجر رمحه اهلل‪« :‬إن بعض العلامء مجعوا أسماء اليوم اآلخر فبلغت ثامنني ً‬
‫اسما»‪ ،‬ثم‬
‫يعق�ب ابن حجر بقوله‪« :‬ولو تتبع مثل ه�ذا من القرآن زاد عىل ما ذكر»(فتح الباري‪ ،)396/11 :‬ويقول‬
‫القرطبي رمحه اهلل‪ « :‬كل ما عظم شانه تعددت صفاته وكثرت أسامؤه‪ ،‬وهذا مجيع كالم العرب‪ ،‬أال ترى أن‬
‫الس�يف ملا عظم عندهم موضعه‪ ،‬وتأكد نفعت لدهيم وموقعه‪ ،‬مجع له مخسامئة اسم‪ ،‬وله نظائر‪ ،‬فالقيامة ملا‬
‫عظم أمرها‪ ،‬وكثرت أهواهلا‪ ،‬سماها اهلل تعاىل يف كتابه بأسماء عديدة‪ ،‬ووصفها بأوصاف كثرية» (التذكرة‪:‬‬
‫ص‪ .)244،243‬‬
‫‪154‬‬

‫‪ -1‬املوت‪ :‬املوت ليس غيب ًا‪ ،‬وإنام هو حقيقة مش�اهدة حمسوس�ة‪ ،‬وكل إنس�ان يوقن انه‬
‫س�يموت‪ ،‬وامل�وت ال حيتاج إىل تفسير وبي�ان‪ ،‬وال ينبغ�ي أن نذهب عميق ًا يف الفلس�فات‬
‫العميقة‪ ،‬فنس�أل ما املوت؟ وما حقيقته؟ فهذا يبعدنا عن احلقيقة‪ ،‬فاحلقيقة أن هذا اإلنسان‬
‫ال�ذي يتح�رك ويكد ويلهج ويبني وهي�دم ويأكل ويرشب تأيت عليه حلظ�ه ينقلب إىل قطعة‬
‫هام�دة‪ ،‬فلا حركة وال كلم�ة وال أي يشء‪ ،‬ثم يتأذى أقرب الناس إلي�ه بجثته اهلامدة‪ ،‬لقد‬
‫أصبح�ت َنتَن� ًا وجيف ًة ال ُتطاق‪ ،‬فيتخلص أهله منه بأي طريق!! هذا هو املوت‪ ،‬فهل يش�ك‬
‫فيه إنسان؟ وهل اإلنسان بحاجة إىل أكثر من هذا؟‬
‫ذك�ر الق�رآن املوت ذكر ًا كثري ًا‪ ،‬ويكف�ي أن نعلم أنه كرر لفظ "املوت" وما اش�تق منها‬
‫بنحو (‪ )165‬مرة‪.‬‬
‫وجمرد تذكري اإلنس�ان باملوت مغزى هيدف إليه القرآن‪ ،‬فاإلنسان ينسى وهو بحاجة إىل‬
‫من يذكره‪ ،‬ينسى املوت فيشقى ويطغى‪ ،‬لكنه إذا ذكر املوت ربام اتعظ وا ّدكر‪ ،‬ولكن القرآن‬
‫قد يذكر املوت ال للتذكري فحسب بل ربام يقرن معه غايات أخرى‪ ،‬ولنأخذ هذه األمثلة‪:‬‬
‫ﭽ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ [ق‪ ،]43:‬ﭽ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ [الدخان‪ ،]8:‬وهنا جاء للتذكري بقدرة اهلل الفعال ملا يريد‪.‬‬
‫ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ الواقع�ة‪ ،‬ﭽ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ [آل عم�ران‪ ،]١٦٨ :‬وهنا جاء لتقرير‬
‫ضع�ف اإلنس�ان‪ .‬ﭽ‪ ...‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﭼ [األنعام‪ ،]93:‬وهنا جاء نذير ًا للطغاة والظاملني‪.‬‬
‫ﭽ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [النس�اء‪ ،]١٨ :‬ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ املؤمن�ون‪ ،‬وهنا جاء لبيان‬
‫ندم اإلنسان العايص الغافل ساعة املوت ‪.‬‬
‫ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ [آل عم�ران‪ ،]١٤٥ :‬وهن�ا‬
‫ج�اء ليثب�ت أن امل�وت مقدر وله أج�ل معلوم‪ ،‬وتصور كم س�تلقي ه�ذه العقيدة يف نفوس‬
‫أتباعها من جلد وشجاعة وإقدام‪ ،‬حتى قال قائلهم‪:‬‬
‫‪155‬‬

‫��ق��در أم ي���وم َق ِ‬
‫���د ْر‬ ‫َ‬ ‫ي���و َم ال ُي‬ ‫أف��ر‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫�����وت‬ ‫ي��وم��ي م��ن املَ‬
‫ّ‬ ‫أي‬
‫ّ‬
‫��ذر‬ ‫وم���ن املَ��ق��دور ال َينجو َ‬
‫احل� ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ي����و َم ال ُي���ق���در ال أ ْرهَ ���ب���ه‬

‫ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ‪...‬ﭼ [آل عمران‪ ،]١٨٥ :‬القرار العام احلاسم الذي ال استثناء‬


‫فيه‪ ،‬األنبياء‪ ،‬الطغاة‪ ،‬املالئكة‪ ،‬الشياطني‪ ،‬األولني واآلخرين‪ ،‬يا له من القرار!!‬
‫لق�د رأي�ت كي�ف أن القرآن ال يتحدث عن امل�وت إال ملا فيه خري احلي�اة!! إن كل الذي‬
‫سمعناه يقودنا إىل األداء األفضل يف مهمتنا الكبرية عىل هذه األرض‪.‬‬
‫‪-2‬القبر والربزخ‪ :‬وهي املرحلة التي تأيت بعد املوت مبارشة وفيها حيجب جس�د امليت‬
‫بينه وبني الدنيا‪ ،‬وهذا احلائل هو الذي يسمى «الربزخ»‪.‬‬ ‫وحيال ُ‬
‫طويلا عند ه�ذه املرحلة‪ ،‬فكل ما ذك�ره عن البرزخ‪ :‬ﭽﮨ ﮩ ﮪ‬ ‫ً‬ ‫ومل يق�ف الق�رآن‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﭼ املؤمنون‪.‬‬
‫واآلي�ة توض�ح حقيقتني‪ :‬األوىل‪ :‬وج�ود مرحلة يقول فيها اإلنس�ان‪« :‬رب ارجعون»‪،‬‬
‫وهي بعد املوت قبل البعث‪ ،‬والثانية‪ :‬أن بني هذه املرحلة واملرحلة األوىل برزخ «حاجز»(((‪،‬‬
‫ومن أراد أن يكرس هذا احلاجز يقال له‪ :‬كال‪.‬‬
‫وأم�ا القرب‪ ،‬فم�ع أن القرآن ذكره ثامين مرات بمش�تقاته‪ ،‬إال أن القرآن مل يذكر عنه لذاته‬
‫ال يقول الق�رآن‪ :‬ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ عبس‪ ،‬وهذا‬ ‫ش�يئ ًا جدي�د ًا‪ ،‬فمث ً‬
‫معلوم فامليت يقرب‪ ،‬لكن اهلل أراد التذكري بقدرته سبحانه‪ ،‬وضعف عبده‪.‬‬
‫ويق�ول أيض� ًا‪ :‬ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ [احلج‪ ،]7:‬فه�ذا الكالم عن البعث‬
‫أكث�ر مما هو عن القرب‪ ،‬ونحو هذا قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭼ االنفط�ار‪ ،‬وﭽﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭼ‬
‫العاديات‪.‬‬
‫واملقصود أن القرآن مل حيدثنا عن تلك املرحلة‪ ،‬طبيعتها وطبيعة اإلنسان فيها‪ ،‬وعمرها‪،‬‬

‫((( ج�اء يف خمت�ار الصح�اح‪" :‬الربزخ‪ :‬احلاجز بني الش�يئني‪ ،‬وهو أيض ًا ما بني الدني�ا واآلخرة ‪ ،‬من وقت‬
‫املوت إىل البعث‪ .‬فمن مات فقد دخل الربزخ" (ص‪.)48:‬‬
‫‪156‬‬

‫مل أجد يف القرآن من هذا شيئ ًا‪ ،‬نعم ربام هناك إشارات‪ ،‬كام يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ [غافر‪.]46:‬‬
‫فالعرض إذا كان قبل قيام الساعة فهو يف عامل الربزخ‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬لكن تبقى احلقيقة أن‬
‫اهلل مل يفص�ل لن�ا تلك املرحلة‪ ،‬ومل يطلعن�ا عىل جوانبها‪ ،‬فلامذا؟ اهلل وح�ده هو الذي يعلم‪،‬‬
‫أساس�ا هو اإلعداد ليوم احلس�اب ترغيب ًا وترهيب ًا‬
‫ً‬ ‫ولكن أذا كان املقصود بذكر اليوم اآلخر‬
‫ف�إن تفصي�ل القرآن للجنة وم�ا فيها‪ ،‬والنار وما فيه�ا‪ ،‬مع التأكد بأن اإلنس�ان بعد موته ال‬
‫يمكن أن يرجع إىل الدنيا‪ ،‬فبينه وبينها برزخ‪ ،‬هذا يكفي ملن كان له لب‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ -3‬أرشاط الساعة‪ :‬الساعة حكم اهلل عليها بأن ال تأيت إال بغتة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭼ[األعراف‪ ،]١٨٧ :‬ومع هذا فإن اهلل –تعاىل‪ -‬برمحته قد جعل هلا‬
‫رشائط وعالمات‪ ،‬قال سبحانه‪ :‬ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭼ‬
‫(((‬
‫[حممد‪ ،]١٨ :‬فام هي أرشاط الساعة؟ أبرز ما ذكره القرآن من رشائط للساعة ما يأيت‪:‬‬
‫ال‪ :‬ن�زول عيس�ى بن مري�م ‪-‬عليه السلام‪ : -‬لقوله تع�اىل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫أو ً‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭼ [الزخ�رف‪ ،]٦١ :‬وﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﭼ [النساء‪.]159:‬‬
‫ثاني� ًا‪ :‬خ�روج يأج�وج ومأج�وج‪ :‬ق�ال تع�اىل‪ :‬ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈﮉ ﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏ ﮐﮑﮒ ﮓﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﭼ األنبي�اء‪.‬‬
‫ثالث� ًا‪ :‬خروج داب�ة األرض تكلم الن�اس‪ :‬ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ النمل‪.‬‬
‫رابع� ًا‪ :‬يشير الق�رآن يف معرض تش�بيهه للحياة الدني�ا إىل عالمة من عالم�ات خراهبا‪،‬‬

‫�ن ُح َذ ْي َف َة ْب ِن َأ ِس ٍ‬
‫�يد‬ ‫((( ولق�د فصل�ت الس�نة املطهرة أرشاط الس�اعة أكثر ولنأخذ ه�ذا احلديث فقط‪َ ،‬ع ْ‬
‫ال‪" :‬إِنهَّ َا‬‫�اع َة‪َ ،‬ق َ‬
‫الس َ‬‫ون» َقا ُلوا‪َ :‬ن ْذ ُك ُر َّ‬ ‫ال‪َ « :‬ما َت َذ َاك ُر َ‬ ‫اط َل َ�ع ال َّنبِ ُّي ﷺ َع َل ْينَا َو َن ْح ُن َنت ََذ َاك ُر‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ال‪َّ :‬‬ ‫ا ْل ِغ َف�ا ِر ِّي‪َ ،‬ق َ‬
‫س ِم ْن َمغْ رِبهِ َ ا‪،‬‬ ‫الش ْ�م ِ‬‫ال‪َ ،‬والدَّ ا َّب َة‪َ ،‬و ُط ُلوعَ َّ‬ ‫ان‪َ ،‬والدَّ َّج َ‬ ‫ات ‪َ -‬ف َذ َك َر ‪ -‬الدُّ َخ َ‬ ‫وم َح َّتى َت َر ْو َن َق ْب َل َها َعشرْ َ آ َي ٍ‬‫َل ْن َت ُق َ‬
‫�ف بِالمْ َشرْ ِ ِق‪،‬‬ ‫�وف‪َ :‬خ ْس ٌ‬ ‫وج‪َ ،‬وثَلاَ َث َة ُخ ُس ٍ‬ ‫�وج َو َم ْأ ُج َ‬ ‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّ�ل َم‪َ ،‬و َي َأ ُج َ‬ ‫�ن َم ْر َي َم َصلىَّ ُ‬ ‫يس�ى ا ْب ِ‬ ‫ول ِع َ‬ ‫َو ُن�زُ َ‬
‫اس إِلىَ محَ ْ شرَ ِ ِه ْم"‬ ‫�ر َذلِ َك َن ٌار تخَ ْ ُر ُج ِم َن ا ْل َي َم ِن‪َ ،‬ت ْط ُ‬
‫�ر ُد ال َّن َ‬ ‫آخ ُ‬‫ب‪َ ،‬و ِ‬ ‫�ف بِ َج ِز َير ِة ا ْل َع َر ِ‬
‫ب‪َ ،‬و َخ ْس ٌ‬ ‫�ف بِالمْ َغْ ِر ِ‬
‫َو َخ ْس ٌ‬
‫(رشح صحيح مسلم للنووي‪.)28 -27 /18 :‬‬
‫‪157‬‬

‫فيق�ول‪ :‬ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿ ﭼ [يونس‪.]24:‬‬
‫ه�ذه العالمات يمر عليها القرآن رسيع ًا‪ ،‬لكنها تكفي أويل األلباب‪ ،‬فاألوىل واضحة يف‬
‫أن عيس�ى ‪-‬عليه السلام‪ -‬هو من أرشاط الس�اعة‪ ،‬لكن أين هو اآلن‪ ،‬وماذا يفعل‪ ،‬وكيف‬
‫يأيت‪ ،‬وماذا سيفعل بعد جميئه‪ ،‬كل هذا مل يفصله القرآن‪ ،‬اللهم إال ما جاء يف نفي قتله وصلبه‪،‬‬
‫وأن اهلل رفعه إليه‪ :‬ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ‪...‬ﭼ النساء‪.‬‬
‫وش َك َّن َأ ْن‬
‫إال إن الس َّنة فصلت بعض اليشء‪ ،‬ومن هذا قوله ﷺ‪َ (( :‬وا َّل ِذي َن ْفسيِ بِ َي ِد ِه‪َ ،‬ل ُي ِ‬
‫يض‬ ‫جل ْز َي َة‪َ ،‬و َي ِف َ‬ ‫يب‪َ ،‬و َي ْق ُت َل ِ‬
‫اخل ْن ِز َير‪َ ،‬و َي َض َع ا ِ‬ ‫الص ِل َ‬
‫يك ْم ا ْب ُن َم ْر َي َم َح َكماً ُم ْق ِس ًطا‪َ ،‬ف َي ْكسرِ َ َّ‬
‫َي ْن ِز َل ِف ُ‬
‫رصح بنزوله‪ ،‬وإنه سيكون خليفة للمسلمني حيكم‬ ‫ال َي ْق َب َل ُه َأ َحدٌ ))(((‪ ،‬واحلديث ُم ِّ‬ ‫ال َح َّتى َ‬ ‫املَ ُ‬
‫بينهم بالقسط‪.‬‬
‫وأم�ا الثاني�ة (خروج يأج�وج ومأجوج) فالق�رآن مل يصف لنا هؤالء الق�وم إال يف قوله‬
‫تع�اىل‪ :‬ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦﯧﯨ ﯩ ﯪﯫﯬ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯶﯷﯸ‬
‫ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ‬
‫ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ‬
‫ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ الكهف‪.‬‬
‫ه�ذه اآلي�ات تشير إىل حقائق كثيرة‪ ،‬فيأجوج ومأجوج أق�وام عريقة‪ ،‬وه�م جاهلون‬
‫مفسدون‪ ،‬وأن ذا القرنني جعل أمامهم سد ًا‪ ،‬وأن هذا السد س ُيدك يوم ًا ما‪ ،‬ليموج البعض‬
‫يف البع�ض‪ ،‬إيذان� ًا بقرب الوعد احلق‪ ،‬وهذا ُيغني‪ ،‬ولكن يبقى التس�اؤل الطبيعي‪ :‬أين هم‬
‫وأي ش�عب يمثلون؟وهل هناك س�د اآلن حيول دون ش�عب من ش�عوب األرض؟‬ ‫اآلن؟ ّ‬
‫ه�ذه األس�ئلة ال يمكن اإلجابة عنها أب�د ًا؛ ألنه غيب حمض‪ ،‬والغي�ب ال يعلمه إال اهلل‪ ،‬ومل‬
‫يأت عن اهلل ما جييب‪ ،‬والسكوت أسلم وأحكم‪.‬‬

‫((( رواه مسلم‪ :‬صحيح مسلم برشح النووي ‪.190 -189 /2‬‬
‫‪158‬‬

‫وأم�ا الثالث�ة (خروج الدابة) فلم أجد القرآن حيدثنا بشيء أكثر من اآلية التي مرت‪ ،‬ومل‬
‫أجد يف الصحاح ما يضيف عىل ما يف القرآن‪ ،‬إال أن الطربي وابن كثري قد أخرجا عددا كبري ًا‬
‫من الروايات يف وصف هذه الدابة نختار منها هاتني الروايتني‪:‬‬
‫رواد بن اجلراح‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أيب‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا‬ ‫األوىل‪ :‬ق�ال ابن جرير‪“ :‬حدثنا عصام بن ّ‬
‫الثوري‪ ،‬ق�ال‪ :‬حدثنا منص�ور بن املعتمر‪ ،‬ع�ن ربعي بن ح�راش‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫س�فيان ب�ن س�عيد‬
‫س�معت ُحذيفة بن اليامن يقول‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ يقول‪ :‬وذكر الدابة‪ ،‬فقال ُحذيفة‪ :‬قلت‬
‫وف‬ ‫يس�ى َي ُط ُ‬ ‫س�اج ِد ُح ْر َم ًة َعىل اهللِ‪َ ،‬ب ْينَام ِع َ‬ ‫“م ْن َأ ْع َظ ِم املَ ِ‬ ‫يا رس�ول اهلل‪ ،‬من أين خترج؟ قال‪ِ :‬‬
‫الصفا ممَّا َييل‬ ‫الق ْنديلِ ‪َ ،‬و َي ْن َش�ق َّ‬ ‫ض ْحتت َُه ْم‪ ،‬تحُ َ ُّر َك ِ‬ ‫ون‪ ،‬إ ْذ َت ْض َط ِر ُب ْ‬
‫األر ُ‬ ‫�ت َو َم َع ُه ا ُمل ْس ِ‬
‫�ل ُم َ‬ ‫بال َب ْي ِ‬
‫يش‪ ،‬لمَ ْ ُيدْ ِر ْكها‬ ‫ات َو َب ٍر َو ِر ٍ‬ ‫رأ ُس�ها‪ُ ،‬م َل َّم َع ٌة َذ ُ‬ ‫الصفا‪َّ ،‬أو ُل ما َيبدُ و ْ‬ ‫املَ ْس َ�عى‪َ ،‬وتخَ ْ ُر ُج الدَّ ا َّب ُة ِم َن َّ‬
‫ْ‬
‫وكاف ٌ�ر‪َّ ،‬أما ا ُمل ْؤ ِم ُن َف َتترْ ُ َك َو ْج َه ُه َك َأ َّن ُه َك ْو َك ٌب‬
‫اس ُم ْؤ ِم ٌن ِ‬ ‫هارب‪َ ،‬ت ِس ُ�م ال َّن َ‬ ‫ٌ‬ ‫طالب‪َ ،‬و َل ْن َي ُفوتهَ ا‬ ‫ٌ‬
‫كاف ٌر)) ‪.‬‬
‫(((‬ ‫الكافر َف َت ْن ُك ُت بنيَ َع ْين َْي ِه ُن ْكت ٌَة َس ْو َداء ِ‬ ‫ُِ‬ ‫ُد ّر ّي‪ ،‬و َت ْك ُت ُب بنيَ َع ْين َْي ِه ُم ْؤ ِم ٌن‪َّ ،‬‬
‫وأما‬
‫الط َيالِسيِ ُّ َأ ْي ًض�ا‪َ :‬حدَّ َثنَا حمَ َّ ُاد ْب ُن َس َ�ل َم َة‪َ ،‬ع ْن َعليِ ِّ‬ ‫ال َأ ُب�و َد ُاو َد َّ‬ ‫والثاني�ة‪ :‬قال اب�ن كثري‪َ :‬ق َ‬
‫�ول اللهَّ ِ َصلىَّ اللهَّ ُ‬
‫ال َر ُس ُ‬ ‫ال‪َ :‬ق َ‬ ‫�ن َأبيِ ُه َر ْي َر َة‪َ ،‬رضيِ َ اللهَّ ُ َع ْن ُه‪َ ،‬ق َ‬ ‫س ْب ِن َخالِ ٍد‪َ ،‬ع ْ‬ ‫�د‪َ ،‬ع ْن َأ ْو ِ‬ ‫�ن َز ْي ٍ‬ ‫ْب ِ‬
‫َع َلي ِه َو َس� َّلم‪ (( :‬تخَ ْ ر ُج َدا َّب ُة َ‬
‫لام‪،‬‬ ‫الس ُ‬ ‫وس�ى َو َخا َت ُم ُس َ�ل ْيماَ َن‪َ ،‬ع َل ْي ِهماَ َّ‬ ‫ض‪َ ،‬و َم َع َها َع َصا ُم َ‬ ‫األ ْر ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ان‬ ‫�اس َعلىَ الخْ ُ َو ِ‬ ‫ْ�ف ا ْل َك ِاف ِر بِا ْل َع َص�ا‪ ،‬وتجُ يل وجه املؤمن بِالخْ َ ا َت ِ�م‪َ ،‬ح َّتى يجَ ْ ت َِم َع ال َّن ُ‬ ‫�م َأن َ‬ ‫َفت َْخ ِط ُ‬
‫ُي ْع َر ُف المْ ُ ْؤ ِم ُن ِم َن ا ْل َك ِاف ِر))(((‪.‬‬
‫وأم�ا الرابعة‪ :‬فهي وإن كانت إش�ارة إال أهنا إش�ارة واضحة بين�ة‪ ،‬ال حتتاج إىل رشح أو‬
‫بيان‪ ،‬وكأن الواقع اآلن يسقط متام ًا عىل هذه اآلية أو اآلية تسقط عليه‪ ،‬فلقد أخذت األرض‬
‫زخرفها وازَّ َّينت وظن أهلها أهنم قادرون عليها!! نس�أل اهلل السلامة‪ ،‬ولقد جاء من السنة‬
‫�اع ُة َح َّتى َي ْك ُث َر‬ ‫الس َ‬ ‫وم َّ‬ ‫ما يؤكد هذه اإلش�ارة‪ ،‬فقد صح عن رس�ول اهلل ﷺ أنه قال‪ (( :‬ال َت ُق ُ‬
‫ض‬ ‫اة َمالِ ِ�ه َفال يجَ ِدُ َأ َحدً ا َي ْق َب ُل َها ِم ْن ُ�ه‪َ ،‬و َح َّتى َت ُعو َد َأ ْر ُ‬ ‫الر ُج ُل بِزَ َك ِ‬‫ي�ض‪َ ،‬ح َّتى يخَ ْ ُر َج َّ‬ ‫�ال َو َي ِف َ‬ ‫المْ َ ُ‬
‫ارا ))(((‪ ،‬ومنه أيض ًا حديث جربيل املعروف‪ ،‬وفيه‪َ (( :‬و َأ ْن َت َرى الحْ ُ َفا َة‬ ‫وجا َو َأنهْ َ ً‬ ‫ب ُم ُر ً‬ ‫ا ْل َع َر ِ‬

‫((( تفسري ابن جرير‪ ،‬الطربي‪ 15 /2 :‬وقد ذكر روايات كثرية عن الصحابة ريض اهلل عنهم تؤكد خروج‬
‫الدابة من الصفا‪ .‬‬
‫((( تفسري ابن كثري‪ .363 /3 :‬‬
‫((( رواه مسلم‪ ،‬رشح النووي لصحيح مسلم‪.97 /7 :‬‬
‫‪159‬‬

‫�ان ))(((‪ ،‬وينبغي أن ال ننس�ى أن احلديث عن‬ ‫او ُل َ‬


‫ون فيِ ا ْل ُب ْن َي ِ‬ ‫الش ِ‬
‫�اء َيت ََط َ‬ ‫�را َة ا ْل َعا َل� َة ِر َعا َء َّ‬
‫ا ْل ُع َ‬
‫أرشاط الس�اعة ال تنحصر فائدت�ه يف معرفة قرب وقوعها‪ ،‬وإنام يف صدق الرس�الة اخلامتة‪،‬‬
‫دليلا جديد ًا إىل األدلة املتقدم�ة‪ ،‬ربام يكون الناس بحاجت�ه أكثر يوم أن متوج‬ ‫ً‬ ‫إذ س�تضيف‬
‫الفتن‪ ،‬وتضطرب العقول‪ ،‬وينس�ى أهل البيان بياهنم‪ ،‬فلا يعودون يدركون إعجاز القرآن‬
‫البياين‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ -4‬الس�اعة ‪ :‬ه�ي هناية الدنيا‪ ،‬هي االنقلاب الكبري الذي ال يلفت من�ه أي كائن‪ ،‬هي‬
‫اخل�راب اهلائ�ل الذي س�يعم الكون‪ ،‬وقد حتدَّ ث الق�رآن عن هذا اليوم م�ن جوانب مهمة‪،‬‬
‫وكاآليت‪:‬‬
‫اجلان�ب األول‪ :‬التأكي�د عىل حتمية وقوعه�ا وأنه ال يفلت منها أحد أ ّي ًا كان إال ما ش�اء‬
‫اهلل‪ ،‬ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ [غافر‪.]٥٩ :‬‬
‫ﭽ‪...‬ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ‪...‬ﭼ [الكهف‪.٢١] :‬‬
‫ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ((( [الشورى‪.]١٨ – ١٧ :‬‬
‫ﭽﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‪ ...‬ﭼ [سبأ‪.]٣ :‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ الزمر‪.٦٨ :‬‬
‫اجلانب الثاين‪ :‬التأكيد عىل أهنا ال يعلم بوقتها إال اهلل‪ ،‬وأهنا ال تأيت إال بغتة‪:‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ‪...‬ﭼ [األحزاب‪.]٦٣ :‬‬
‫ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬

‫((( رواه مس�لم‪ ،‬رشح الن�ووي لصحي�ح مس�لم‪ 158 /1 :‬ورواه البخ�اري وغريه بألف�اظ متقاربة انظر‬
‫املعجم املفهرس أللفاظ احلديث النبوي ‪ .274 /2‬‬
‫((( ويف هذه اآلية إشارة إىل قرب وقوع الساعة‪ ،‬وال شك أن هذا املعنى مقصود لذاته من السياق واحلكمة‬
‫اس ِح َسابهُ ُ ْم] األنبياء‪،‬‬
‫منه واضحة ولكن ما معنى هذا القرب؟ الذي يؤكد القرآن أكثر من مرة‪[ :‬اقْترَ َ َب لِل َّن ِ‬
‫�اع ُة] القمر‪ ...،‬يقول صاحب الظالل‪“ :‬والزمان يف احلس�اب اإلهلي غريه يف حساب البرش‬ ‫الس َ‬ ‫و [اقْترَ َ َب ِ‬
‫ت َّ‬
‫فق�د متر بني اقرتاب الس�اعة ووقوعها ماليني الس�نني أو القرون‪ ،‬يراها البشر طويلة مديدة‪ ،‬وهي عند اهلل‬
‫ومضة قصرية” (يف ظالل القرآن ‪ .)2294 /4‬‬
‫‪160‬‬

‫ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ‬
‫ﰙ ﭼ [األعراف‪.]187:‬‬
‫ﭽ ‪...‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ‪...‬ﭼ [األنعام‪.]31‬‬
‫نالح�ظ يف هذين اجلانبين التكامل املقصود الذي يدفع اإلنس�ان نحو العمل األفضل‪،‬‬
‫وإعمار األرض بمنه�ج اهلل‪ ،‬فاإلعلان ع�ن حتمي�ة وق�وع القيام�ة وقرهبا يدفع اإلنس�ان‬
‫للخ�وف من املجهول أو من احلس�اب‪ ،‬لكن ه�ذا اخلوف قد يتأجل إذا علم اإلنس�ان بيوم‬
‫وق�وع القيامة‪ ،‬ولذا فجهالة اإلنس�ان باملوعد مع علمه بحتمي�ة الوقوع كالمها ‪-‬أي اجلهل‬
‫والعلم‪ -‬يقودان اإلنس�ان إىل اخلوف املستمر لألداء األحسن‪ ،‬وهذا يؤكد حقيقة أن عقيدة‬
‫القرآن عقيدة عملية هادفة ‪.‬‬
‫اجلان�ب الثال�ث‪ :‬أهنا تب�دأ بالنفخة‪ ،‬ولنقرأ ما ق�ال القرآن عن نفخة الس�اعة‪ :‬ﭽ ﭮ ﭯ‬
‫ﭰﭱ ﭲ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ احلاق�ة‪ .‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ال عن هذا الصور‬ ‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ‪...‬ﭼ [الزمر‪ ،]68:‬ولكن القرآن ال يعطينا تفصي ً‬
‫وذاك النفخ‪ ،‬لكن الظاهر أنه صوت الدمار أو جرس النهاية‪ ،‬وحسه يف النفس واضح‪ ،‬وإن‬
‫مل يتخيله الدماغ!!‪.‬‬
‫اجلان�ب الراب�ع‪ :‬وصف اليوم ال�ذي هو هناية األي�ام‪ :‬وقد أكثر القرآن من هذا وحش�د‬
‫لتكون صورة رهيبة لذلك اليوم‪ ،‬وحس�بنا أن نضع أكفنا عىل قلوبنا ونرتل‬‫املئات من آياته؛ ّ‬
‫يف خشوع‪:‬‬
‫ﭽﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ‬
‫[املرسالت‪.]١٠ - ٧ :‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ التكوير‪.‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ االنفطار‪.‬‬
‫ﭽﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ الواقعة‪،‬‬
‫ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﭼ الكهف‪.‬‬
‫‪161‬‬

‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟﭠﭡ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭪﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ احلج‪.‬‬
‫ﭽﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﭼ يس‪.‬‬
‫هذه الصور ال حتتاج إىل تفسري وتبيني‪ ،‬إهنا شاخصة واضحة‪ ،‬إهنا ال حتتاج إال إىل التأمل‬
‫والتدبري؛ لتفعل فعلها يف النفس والضمري‪ ،‬فامذا حيس من تأمل هذه املقاطع وهذه اآليات؟!‬
‫ال ع�ن آيات احلاقة‪:‬‬ ‫لق�د تأمله�ا صاحب الظلال‪ ،‬فامذا وجد؟ لنس�تمع إليه وهو حيدثنا أو ً‬
‫«اآلن وق�د اس�تعد احلس البرشي املحدود لتصور هول احلاق�ة غري املحدود‪ ،‬اآلن وقد هتيأ‬
‫احل�س باس�تعراض هذه الصور املروع�ة الطاغية الرابية الغامرة‪ ،‬فقد آن األوان الس�تكامل‬
‫العرض‪ ،‬وهتيأ املوقف للوثبة الكربى‪ :‬ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ‪...‬ﭼ ‪ ،‬فامذا نرى؟! نرى نوع ًا‬
‫من التناسق الفني العجيب بني احلاقة والقارعة والطاغية والعاتية والرابية والدكة الواحدة‬
‫والواقعة‪ ..‬تناس�ق اللفظ واجلرس‪ ،‬وتناس�ق املناظر التي ختيل للحس أهنا مجيع ًا ثائرة فائرة‬
‫ال وعرض ًا‪ ،‬ومتلؤه هو ً‬
‫ال وروع ًا‪ ،‬وهتزه من أعامقه هز ًا ‪.‬‬ ‫طاغية غامرة تذرع احلس طو ً‬
‫ولن جيد مصور بارع اتساق ًا أعظم من اتساق الصيحة العالية الطاغية‪ ،‬والريح الرصرص‬
‫العاتي�ة‪ ،‬واألخذة القوي�ة الرابية‪ ...‬والنفخة اهلائلة الواح�دة‪ ،‬والدكة املحطمة املفردة وبني‬
‫الواقعة والسماء املنش�قة الواهية‪ ..‬إهنا كلها من لون واحد‪ ،‬وحجم واحد‪ ،‬ونغمة واحدة‪،‬‬
‫وكلها تؤلف اللوحة الكربى‪ ،‬وترسم اجلو العام الذي أراده القرآن»‪ (((.‬ثم لننتقل إىل لوحة‬
‫ثانية‪،‬يرس�مها وه�و يتأمل اآليات األوىل من س�ورة االنفط�ار‪ »:‬عودة إىل مش�اهد الطبيعة‬
‫اهلائلة املنقلبة يف اليوم العظيم‪ ،‬السماء منفطرة منش�قة‪ ،‬والكواك�ب مبعثرة منتثرة‪ ،‬والبحار‬
‫فائض�ة متفجرة‪ ،‬والقبور مبعثرة‪ ،‬هول يف السماء واألرض‪ ،‬وحرك�ة عنيفة يف الطبيعة‪ ،‬فإذا‬
‫أفع�م احلس‪ ،‬وتفتحت منافذ النفس‪ ،‬أخذ الس�ياق يف إيقاظ الوج�دان لالتعاظ واالعتبار‪:‬‬
‫ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ ((( االنفطار‪.‬‬
‫‪ - 5‬البع�ث‪ :‬وهو اإلحياء بعد املوت‪ ،‬وقد م�ر معنا كيف ناقش القرآن منكري البعث‪،‬‬
‫ولذا يكفي هنا أن نعلم أن عدد املرات التي كرر فيها القرآن لفظ «البعث» الذي هو اإلحياء‬

‫((( مشاهد القيامة يف القرآن لسيد قطب‪ ،‬ص ‪.182‬‬


‫((( املصدر السابق‪ ،‬ص‪ .194‬‬
‫‪162‬‬

‫للحس�اب ومش�تقاته هو (‪ )31‬مرة‪ ،‬عدا بقية اآليات التي جاء باسم «يوم اخلروج» مث ً‬
‫ال أو‬
‫غريه‪ ،‬ولنتمعن اآلن يف بعض تلك اآليات‪:‬‬
‫ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ‬
‫[التغابن‪.]7:‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ [األنعام‪.]36:‬‬
‫ﭽﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ [احلج‪.]7:‬‬
‫ﭽ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ‪...‬ﭼ [لقامن‪.]28:‬‬
‫غير أن الذي ينبغي التنبيه عليه هو أن البع�ث أيض ًا يكون بالنفخ‪ ،‬فالنفخ إعالن املوت‬
‫اجلامعي‪ ،‬والنفخ إعالن احلياة اجلامعية من جديد فهناك إذ ًا نفختان‪ ،‬ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ [الزمر‪.]68:‬‬
‫ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚﯛﯜ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦ ﯧﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ يس‪.‬‬
‫وهك�ذا ربما يك�ون الف�زع يف البعث أش�د من الف�زع األول؛ ألن�ه يوم احلسرة والندم‬
‫العريض‪ ،‬وانظر كيف صور القرآن حالة اإلنسان اخلائف الوجل يف تلك اللحظات‪:‬‬
‫ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭼ املعارج‪.‬‬
‫‪ -6‬احلشر واجلمع‪ :‬فبع�د البعث حترش اخلالئ�ق‪ ،‬وجتمع يف مكان واح�د‪ ،‬وهو موقف‬
‫أره�ب م�ن الرهب وأش�د من الش�دة‪ ،‬ولننظر يف هذه اآليات الكاش�فة عما جيري يف ذلك‬
‫اليوم‪:‬‬
‫ﭽﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ الكهف‪.‬‬
‫ﭽﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ [إبراهيم‪.]21:‬‬
‫ﭽﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ [مريم‪.]68:‬‬
‫‪163‬‬

‫ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ [مريم‪.]85:‬‬
‫ﭽﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭼ‬
‫[آل عمران‪.]9:‬‬
‫‪-7‬احلساب وامليزان والصحف‪ :‬وكلها تعرب عن قضية واحدة هي احلساب العادل بوزن‬
‫أعامل اإلنسان التي ارتكبها يف الدنيا واملسجلة عليه يف الصحف‪ ،‬ولنقرأ وصف القرآن هلذه‬
‫احلقيقة الرهيبة‪:‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ [آل عمران‪.]30:‬‬
‫ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ األعراف‪.‬‬
‫ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭼ اإلرساء‪.‬‬
‫ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﭼ [األنبياء‪.]47:‬‬
‫ﭽﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ التكوير‪.‬‬
‫وربام يش�هد مع الصحف جس�د اإلنس�ان نفس�ه‪ ،‬أعضاؤه التي هبا عصى اهلل‪ :‬ﭽ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ [يس‪.]65:‬‬
‫‪ - 8‬اجل�زاء‪ :‬فما بع�د احلس�اب إال اجل�زاء‪ :‬ﭽ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ‬
‫ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭼ النجم‪.‬‬
‫وس�يكون الناس أصناف ًا كثرية‪ ،‬فمنهم الس�ابقون‪ ،‬ومنهم أهل اليمني‪ ،‬ومنهم العصاة‪،‬‬
‫ومنهم الكافرون‪ ،‬ولكن هؤالء مجيع ًا من حيث النتيجة هم إما يف اجلنة وإما يف النار‪ ،‬فلنم ّتع‬
‫أسامعنا وأرواحنا ّأو ً‬
‫ال بذكر اجلنة وأوصافها‪:‬‬
‫اجلنة‪ :‬حتدث القرآن عن اجلنة كثري ًا كثري ًا‪ ،‬وهذا بعض من حديثه‪:‬‬
‫ﭽﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ‬
‫ﮓ ﮔ ﭼ [آل عمران‪.]136:‬‬
‫‪164‬‬

‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ يس‪.‬‬
‫ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯪﯫﯬﯭﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﭼ الزمر‪.‬‬
‫ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﭼ الدخ�ان‪.‬‬
‫ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮝﮞﮟﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ‬
‫ﮨﮩﮪﮫﮬ ﮭﮮﮯ ﮰ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙﯚﯛ‬
‫ﯜﯝﯞﯟ ﯠﯡﯢﯣ ﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫ ﯬﯭﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃ ﭼ اإلنسان‪.‬‬
‫وبع�د ه�ذا العرض الش�يق لنعيم اجلنة‪ ،‬يعرض الق�رآن لنوع آخر من أن�واع النعيم‪ ،‬إنه‬
‫نعيم الس�مر مع اإلخوان واألحباب وذكريات املايض‪ ،‬يا هل�ا من حلظات!‪ ،..‬يقول القرآن‬
‫متمما ص�ورة النعي�م األب�دي‪ :‬ﭽ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ‬ ‫ً‬
‫ﰔﰕﰖ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭜﭝﭞﭟ‬
‫ﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯﭰﭱ‬
‫ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ الصافات‪.‬‬
‫يقول س�يد قطب‪-‬رمحة اهلل‪ -‬معلق ًا عىل هذه اآلي�ات‪« :‬فنرى عباد اهلل املخلصني هؤالء‬
‫بس�م ٍر ه�ادئ‪ ،‬يتذاكرون فيه املايض واحلارض ‪...‬‬‫بع�د ما يرست هلم كل هذه املتع‪ ،‬ينعمون َ‬
‫وها هو ذا أحدهم يستعيد ماضيه‪ ،‬ويقص عىل إخوانه طرف ًا مما وقع له‪ ،‬لقد كان له صاحب‬
‫ٍ‬
‫م�اض يف قصته خيطر له أن يتفقد‬ ‫يك�ذب باليوم اآلخر‪ ،‬وكان حياوره ويس�ائله‪ ...‬وبينام هو‬
‫صاحبه هذا ليعرف مصريه‪ ...‬فهو يقف ليتطلع ويوجه نظر إخوانه إىل حيث يتطلع‪ ..‬عندئذ‬
‫‪165‬‬

‫يرتك إخوانه‪ ،‬ويتوجه إىل صاحبه الذي وجده يف وس�ط اجلحيم‪ ،‬يتوجه إليه ليقول‪ :‬يا هذا‬
‫أن اهلل قد أنعم ع ّ‬
‫يل فلم أستمع إليك»(((‪.‬‬ ‫لقد كدت توردين موارد الردى بوسوساتك لوال َّ‬
‫ثم تكتمل الصورة أكثر بمشهد له أكثر من معنى ومغزى‪ :‬ﭽ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ‬
‫ﰖ ﰗ ﭑ ﭒ ﭓ ﭼ املطففني‪.‬‬
‫اللهم ال حترمنا اجلنة وال حترمنا فيها من النظر إىل وجهك الكريم‪.‬‬
‫النار‪ :‬وحتدث القرآن عن النار كثري ًا كحديثه عن اجلنة‪ ،‬وهذا بعض حديثه‪:‬‬
‫ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﭼ الزمر‪.‬‬
‫ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ‬
‫ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﭼ [فاطر‪.]٣٧ – ٣٦ :‬‬
‫ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘﮙﮚﮛﮜ ﮝﮞ ﮟﮠﮡ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧ‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ غافر‪.‬‬
‫ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ امللك‪.‬‬
‫ي�ا لطي�ف من ه�ذه الص�ور القامتة البائس�ة‪ :‬زمر إىل جهن�م‪ ،‬وتأني�ب وتقريع‪ ،‬ورصاخ‬
‫وحرسة وندم‪ ،‬وأغالل وسالسل‪ ،‬وسحب وسجر‪ ،‬ثم ماذا؟ جهنم كأهنا خملوقة حية حتس‬
‫وتش�عر‪ ،‬وتغتاظ وحتقد عىل هؤالء املس�اكني التعس�اء!! « تكظم غيظها فرتتفع أنفاس�ها يف‬
‫ش�هيق وتف�ور‪ ،‬ويمأل جوانبه�ا الغيظ فتكاد تتم�زق من الغيظ الكظي�م‪ ،‬وهي تنطوي عىل‬
‫بغض وكره يبلغ إىل حد الغيظ واحلنق عىل الكافرين»(((‪.‬‬

‫((( مشاهد القيامة يف القرآن لسيد قطب ‪ 135،134‬‬


‫((( يف ظالل القرآن لسيد قطب‪3634/6:‬‬
‫‪166‬‬

‫وال تكفي هذه الصور((( حتى يعرض القرآن صورة أخرى‪ ،‬صورة واخزة مؤملة‪:‬‬
‫ﭽﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬
‫ﯾﯿ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﭑﭒﭓ‬
‫ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ سبأ‪.‬‬
‫ومل�ا مل ينف�ع ه�ذا اخلصام واجل�دال توجه الضعف�اء إىل رهبم بام يش�به االعتذار‪ :‬ﭽﮂ‬
‫ﮃ ﮄﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮏﮐ‬
‫ﮑ ﭼ [األح�زاب‪ ،]٦٨ - ٦٧ :‬وقال�وا ل�ه‪ :‬ﭽ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ [املؤمن�ون‪ ،]١٠٧ – ١٠٦ :‬فيأيت‬
‫الرد حاس ًام رسيع ًا‪ :‬ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ [املؤمنون‪ ،]١٠٨ :‬اهلل أكرب‪ ،‬أي عذاب‬
‫ه�ذا؟!! فرمحتك يا رب!‪ ،..‬ثم م�اذا؟ يأس ال مثيل له‪ ،‬يأس يدفعهم إىل طلب املوت‪ ،‬إهنم‬
‫هنا يشتاقون إليه!! يا للهول!!‪.‬‬
‫ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ [الزخ�رف‪ ،]77:‬الله�م أعذن�ا من‬
‫عذابك وحجابك وغضبك‪.‬‬
‫وبع�د ذكر اجلنة والنار ال بأس بالتعريج على موضع يف اآلخرة بني اجلنة والنار‪ ،‬حتدث‬
‫عنه القرآن يف س�ورة واحدة‪ ،‬وس�ميت السورة باس�مه (األعراف)‪ ،‬يقول القرآن بعد ذكره‬
‫أله�ل اجلنة والن�ار‪ :‬ﭽ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ األع�راف‪ ،‬والن�ص واض�ح يف التعريف بامل�كان‪ ،‬إنه مرشف عىل‬
‫ال يعرف�ون الفريقني‪ ،‬لكن من هؤالء الرج�ال؟ مل حيدد القرآن‬‫اجلن�ة والن�ار‪ ،‬وأن عليه رجا ً‬
‫هويته�م؟ ومل أجد من الس�نة حديث� ًا يرقى إىل درجة الصحيح يبني ح�ال هؤالء‪ ،‬إال أن ابن‬
‫كثير‪ -‬رمح�ه اهلل‪ -‬م�ع ما مجع م�ن األحادي�ث الغريبة ونحوها ق�ال‪« :‬واختلف�ت عبارات‬
‫املفرسي�ن يف أصحاب األعراف من هم؟ وكلها قريبة ترجع إىل معنى واحد‪ ،‬وهو أهنم قوم‬

‫((( لقد اهتم كثري من الكتاب بعرض الصور وترتيبها بحسب تسلسلها يف النصوص القرآنية واألحاديث‬
‫الصحيحة‪ ،‬وممن أجاد يف هذا‪ :‬عبد امللك عيل كليب‪ ،‬انظر‪ :‬كتابه «أهوال القيامة»‪.120-107‬‬
‫‪167‬‬

‫اس�توت حس�ناهتم وس�يئاهتم‪ ،‬نص عليه حذيفة وابن عباس وابن مس�عود وغري واحد من‬
‫الس�لف واخللف رمحهم اهلل(((‪ ،‬وقصد ابن كثري هنا األغلب‪ ،‬إذ أورد نفس�ه بعد هذا أقوا ً‬
‫ال‬
‫ملفرسين من السلف واخللف ختالف هذا القول‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬ولو كان يف حتديد هويتهم نفع‬
‫لنا جلاء يف القرآن‪ ،‬وربام كان اإلهبام مقصود ًا‪ ،‬وذكرهم هنا ال ليطلعنا اهلل عىل هويتهم‪ ،‬وإنام‬
‫ذكرهم الستكامل صورة النعيم والعذاب‪ ،‬واحلوار الدائر بني أهل اجلنة وأهل النار(((‪.‬‬
‫‪ -9‬الش�فاعة‪ :‬جي�در بن�ا أن ُندخل هذه املس�ألة ضمن ه�ذا البحث‪ ،‬ال س�يام بعد ورود‬
‫اخلالف فيها بني املتكلمني‪ ،‬فام حقيقة الش�فاعة يف القرآن؟ وما مدى اهتامم القرآن هبا؟ وما‬
‫موقعها يف عقيدة املسلمني؟ سنحاول اإلجابة عىل كل هذا من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬حتدث القرآن عن “الش�فاعة” التي كانت قرينة الرشك‪ ،‬أو باألجدر مس�تند الرشك‪،‬‬
‫حي�ث كان�ت فلس�فة الرشك قائم�ة عىل أس�اس “الوس�طاء والش�فعاء”‪ :‬ﭽ‪...‬ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ [الزم�ر‪ ،]٣ :‬وق�د حت�دث القرآن عن إبطال هذه الش�فاعة هبذه‬
‫اآليات‪:‬‬
‫ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ‬
‫[الزمر‪.]٤٣ :‬‬
‫ﭽ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ‬
‫ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ‬
‫ﰏ ﭼ [األنعام‪. ]٩٤ :‬‬
‫ﭽﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﭼ [يونس‪.] ١٨ :‬‬
‫وبع�د هذا حكم القرآن عىل هذه الش�فاعة بأهنا النتف�ع‪ :‬ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﭼ [يس‪.]٢٣ :‬‬

‫((( تفسري ابن كثري‪.207/2:‬‬


‫((( يق�ول س�يد قط�ب رمحه اهلل‪" :‬ثم نحن أوالء أم�ام األعراف –الفاصلة بني اجلن�ة والنار وعليها رجال‬
‫يعرف�ون هؤالء وهؤالء‪ ،‬فه�م يتوجهون إىل أصحاب اجلنة بالرتحيب والسلام‪ ،‬ويتوجهون إىل أصحاب‬
‫النار بالتبكيت وااليالم ‪ ...‬تلك من صور القيامة‪ ،‬ومن صور احلوار فيها واخلصام ومن صور النعيم فيها‬
‫والعذاب" (التصوير الفني يف القرآن‪ ،‬ص ‪.)55‬‬
‫‪168‬‬

‫ويص�ف الق�رآن حال املرشكين واضطراهبم‪ ،‬فهم هن�اك يس�قط بأيدهيم‪،‬فيبحثون عن‬
‫شفعاء يشفعون هلم‪ ،‬وانظر كيف يصور القرآن حالتهم‪:‬‬
‫ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ [األعراف‪.] ٥٣ :‬‬
‫ب‪ -‬نف�ى الق�رآن الكري�م بنح�و(‪ )10‬آي�ات وج�ود الش�فاعة يف اليوم اآلخ�ر‪ ،‬وهذه‬
‫بعضها‪:‬‬
‫ﭽﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ‪...‬ﭼ [البقرة‪.]٤٨ :‬‬
‫ﭽﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫ﰂ ﭼ [البقرة‪. ]٤٨ :‬‬
‫ﭽﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ‪...‬ﭼ [البقرة‪.]٢٥٤ :‬‬
‫ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‪ ...‬ﭼ‬
‫[األنعام‪. ]٥١ :‬‬
‫ﭽ ‪...‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ‬
‫[األنعام‪.]٧٠ :‬‬
‫ﭽﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ [الشعراء‪.]١٠٠ – ٩٩ :‬‬
‫ج‪ -‬أثبت القرآن الش�فاعة لبعض خلقه بنطاق ضيق وحمدود‪ ،‬وعىل س�بيل االستثناء يف‬
‫نحو(‪ )8‬آيات‪ ،‬وهذه أمثلة منها‪:‬‬
‫ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭹﭺﭻﭼﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﭼ [األنبياء‪.]٢٨ – ٢٧ :‬‬
‫ﭽﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ [مريم‪.]٨٧ :‬‬
‫ﭽﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ [طه‪]١٠٩ :‬‬
‫ﭽﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ‬
‫ﰗ ﭼ [النجم‪.]٢٦ :‬‬
‫‪169‬‬

‫ال يب�دو غموض كبري يف هذا التعارض الظاه�ري بني النصوص‪ ،‬فليس يف آيات إثبات‬
‫الش�فاعة آي�ة إال وهي مرتبط�ة بالنفي املتق�دم واالس�تثناء العقيب‪ ،‬واالس�تثناء ختصيص‪،‬‬
‫ومعنى هذا أن النفي هو األصل وهو األغلب‪ ،‬واإلثبات اس�تثناء وختصيص‪ ،‬لكن القرآن‬
‫مل يبني لنا أصناف الش�فعاء‪ ،‬وال أصناف املش�فع هلم إال بطري�ق اإلمجال‪ ،‬ولذا فمن املمكن‬
‫ال‪ :‬ما هي الذن�وب التي من املمكن أن يش�فع فيها‬ ‫أن يس�أل اإلنس�ان وه�و أكثر يشء ج�د ً‬
‫الش�فعاء؟ أو هل الشفاعة ألهل احلس�اب لإلرساع يف حساهبم‪ ،‬أم ألهل النار إلخراجهم‪،‬‬
‫أم ألهل اجلنة إلعالء منازهلم؟‬
‫الذي يظهر أن القرآن هدف إىل قضية عملية‪ ،‬فقد أراد من عبدة األحجار أن يفكروا أن‬
‫ه�ذه األحج�ار لن تنفعه�م يف الدنيا‪ ،‬ولن تنفعهم يف اآلخرة‪ ،‬وأراد م�ن املؤمنني أن يعملوا‬
‫وجيدوا‪ ،‬فاألصل‪ :‬أن ال ش�فاعة‪ ،‬ب�ل ﭽ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭼ [النجم‪ .]٣٩ :‬ثم‬
‫يتلطف القرآن هبم ليدفعهم إىل العمل واجلد أيض ًا‪ ،‬ولكن بطريق الرتغيب فيأيت االس�تثناء‬
‫بتحفظ ليحافظ املؤمن عىل املوازنة املطلوبة‪.‬‬
‫ث�م ال يغي�ب ع�ن املتأم�ل ذلك ال�ود ال�ذي يعقده الق�رآن بين املؤمنني وبين أولئك‬
‫أن حممد ًا ﷺ الذي‬‫الصف�وة‪ ،‬إن�ه ود يقود إىل احلياء م�ن خمالفتهم أو التنحي عن ركبه�م‪ّ ،‬‬
‫س�ينادي غد ًا‪( :‬يا َر ّب ُأ َّمتي) ((( س�تحبه أنت اآلن من أعامق قلبك‪ ،‬وسيقودك هذا احلب‬
‫إىل اإلتباع حت ًام‪ .‬من كل هذا يتبني أن موضوع الش�فاعة جاء يف القرآن بقدر ما يثمر عم ً‬
‫ال‬
‫ً‬
‫صاحل�ا‪ ،‬واهلل أعل�م‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫((( أورد البخ�اري يف صحيح�ه عن النبي ﷺ أنه قال‪ -‬من حديث طويل‪َ (( :-‬ف َأ ْس�ت َْأ ِذ ُن َعلىَ َربيِّ ‪َ ،‬ف ُي ْؤ َذ ُن‬
‫ول‪َ :‬يا محُ ََّمدُ ْار َف ْع‬ ‫اجدً ا‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬ ‫اآلن‪َ ،‬ف َأحمْ َ دُ ُه بِتِ ْل َك املَ َح ِ‬
‫ام ِد‪َ ،‬و َأ ِخ ُّر َل ُه َس ِ‬ ‫َ‬ ‫َامدَ َأحمْ َ دُ ُه بهِ َ ا َ‬
‫ال تحَ ْ ضرُ ُ نيِ‬ ‫ليِ ‪َ ،‬و ُي ْل ِه ُمنِي محَ ِ‬
‫ول‪ :‬ان َْط ِلقْ َف َأ ْخ ِر ْج ِم ْن َها‬ ‫ول‪َ :‬يا َر ِّب‪ُ ،‬أ َّمتِي ُأ َّمتِي‪َ ،‬ف َي ُق ُ‬‫اش َف ْع ت َُش َّف ْع‪َ ،‬ف َأ ُق ُ‬
‫َر ْأ َس َك‪َ ،‬و ُق ْل ُي ْس َم ْع َل َك‪َ ،‬و َس ْل ت ُْع َط‪َ ،‬و ْ‬
‫ري ٍة ِم ْن إِيماَ ٍن‪َ ،‬ف َأن َْط ِل ُق َف َأ ْف َع ُل‪ ( ))...،‬فتح الباري )‪ ،473/13 :‬اللهم فشفع فينا‬ ‫ال َش ِع َ‬ ‫ان فيِ َق ْلبِ ِه ِم ْث َق ُ‬
‫َم ْن َك َ‬
‫نبينا‪ ،‬وأدخلنا معه جنتك‪.‬‬
170



   


 
 
 

  


  



 






 


‫‪171‬‬

‫املبحث الثاين‬
‫املالئكة‬
‫املالئك�ة ع�امل آخر غري العامل البرشي‪ ،‬فلماذا حيدثنا عنهم القرآن الكريم؟ هبذا الس�ؤال‬
‫ُي َقدَّ م هذا املبحث لقارئه‪ ،‬ذاك ألننا أكدنا دائ ًام عىل أن العقيدة القرآنية عقيدة عملية‪ ،‬ال ينتج‬
‫عن فهمها واإليامن هبا إال ما ينفع املسلم يف دنياه وآخرته‪ ،‬ولذا فمن خالل العرض املوجز‬
‫للموض�وع ه�ذا يف القرآن الكريم‪ ،‬س�يبينّ أن القرآن لن خيرج عن منهج�ه العام يف العقيدة‬
‫ولنر هذا املنهج من خالل النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬ذك�ر القرآن "املالئكة" هبذا اللف�ظ‪ ،‬أو باملفرد‪ ،‬أو املثنى نحو(‪ )88‬مرة‪ ،‬وحينام نرى‬
‫اآلي�ات الت�ي وردت فيها ه�ذه األلفاظ نتأك�د أن الق�رآن مل حيدثنا عن املالئكة س�دى وال‬
‫للترصف الفكري‪ ،‬فلنتسلسل مع النقاط‪.‬‬
‫‪ -2‬حت�دث الق�رآن عن اإليامن باملالئكة (‪ )3‬مرات فقط‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ [البقرة‪.]١٧٧ :‬‬
‫‪ -3‬حت�دث الق�رآن ع�ن قضي�ة اخلل�ق األوىل‪ ،‬أي خلق آدم‪ ،‬ي�وم أن مل يكن م�ع آدم إال‬
‫املالئك�ة‪ ،‬حت�دث عنهم القرآن بنح�و (‪ )11‬مرة‪ ،‬وكلها جاءت لتكريم اإلنس�ان‪ ،‬واإليذان‬
‫بخط�ورة مهمته على هذه األرض‪ ،‬ولنق�رأ هذه اآلية فق�ط‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ‬
‫ﭶﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭾﭿﮀ ﮁﮂﮃﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮡﮢﮣ ﮤﮥﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ [البقرة‪.] ٣٤ - ٣٠ :‬‬
‫‪ -4‬وحت�دث الق�رآن ع�ن أن املالئك�ة ليس�وا آهلة‪ ،‬ب�ل هم يؤمن�ون باهلل ويس�جدون له‬
‫ويعبدون�ه‪ ،‬فلا جتوز عبادهتم أبد ًا‪ ،‬وج�اء ذكر املالئكة يف هذا املوض�وع بنحو (‪ )9‬مرات‪،‬‬
‫وه�ذه بع�ض األمثل�ة‪ :‬ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﭼ [آل عمران‪.]٨٠ :‬‬
‫‪172‬‬

‫ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ [آل عمران‪.]١٨ :‬‬


‫ﭽ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ‪...‬ﭼ [الرعد‪.]١٣ :‬‬
‫ﭽﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ‬
‫النحل‪. ٤٩ :‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ‪...‬ﭼ [سبأ‪]٤١ – ٤٠ :‬‬
‫‪ -5‬ر ّد الق�رآن عىل تص�ورات املرشكني ومواقفهم اخلاطئة املتعلق�ة باملالئكة‪ ،‬وقد أخذ‬
‫هذا املوضوع من إحصائية عدد»املالئكة» يف القرآن حصة األسد‪ ،‬حيث تكرر لفظ املالئكة‬
‫هنا بنحو (‪ )21‬مرة‪.‬‬
‫وم�ن أقواهل�م التي ردها الق�رآن‪ :‬قوهلم أن النبي البد أن يكون َم َل�ك ًا أو يأيت معه ملك‪،‬‬
‫وقد ر ّد القرآن هذا بنحو(‪ )17‬مرة‪ ،‬ولنقرأ مث ً‬
‫ال‪:‬‬
‫ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ [الفرقان‪.] ٧ :‬‬
‫ﭽﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ [املؤمنون‪.]٢٤ :‬‬
‫ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ [األنعام‪.]٩ – ٨ :‬‬
‫وم�ن تصوراهت�م اخلاطئة قوهل�م‪ :‬أن املالئكة إن�اث‪ ،‬وهذا رجم بالغي�ب‪ ،‬وجاء القرآن‬
‫ليبين كذهب�م وختبطهم‪ ،‬ال ليرشح حقيق�ة جنس املالئكة‪ ،‬وهلذا مل يس�تغرق الرد عليهم إال‬
‫هب�ذا القدرـ مق�دار تبيني كذهبم وختبطه�م ـ ويف هذا حتطيم للفكر الوثن�ي الذي كان يقف‬
‫بوجه الدعوة املباركة‪ ،‬وجاء الرد يف (‪ )4‬مواضع‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ﭽﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﭼ [الزخرف‪.]١٩ :‬‬
‫ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﭼ [الصافات‪.]١٥٠ :‬‬
‫‪ -6‬تأيي�د املالئك�ة للمؤمنني‪ ،‬فه�م وان كانوا عامل ًا غيبي ًا إال أن اهلل كام أمرهم بالس�جود‬
‫آلدم ‪-‬علي�ه السلام‪ ،-‬يأمرهم أن يمدوا املؤمنني ويس�اندوهم‪ ،‬ويف ه�ذا من النفع واخلري‬
‫للمؤم�ن وه�و حيمل دعوة اهلل وجياهد أعداءه ما ال حيصى‪ ،‬فإذا ضاقت األرض عليه وكان‬
‫‪173‬‬

‫الطغاة أكثر نفري ًا فان املؤمن معه أصدقاء أش�داء ال يعصون اهلل ما أمرهم‪ ،‬وقد ذكر القرآن‬
‫املالئكة هلذا الغرض بنحو (‪ )7‬مرات‪ ،‬ولنقرأ هذه األمثلة‪:‬‬
‫ﭽﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﭼ [ آل عمران‪.]١٢٦ - ١٢٤ :‬‬
‫ليس هذا فقط بل هم يدعون للمؤمنني‪ ،‬ويصلون عليهم‪ ،‬ويستغفرون هلم ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ‪ ...‬ﭼ‬
‫[األحزاب‪]٤٣ :‬‬
‫ﭽﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧﯨﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ [ غافر‪] ٩ – ٧ :‬‬
‫‪ -7‬ذكر بعض األعامل التي يقوم هبا املالئكة يف الدنيا والتي هلا عالقة باإلنسان ومهمته‪،‬‬
‫وجاء ذكر املالئكة هلذا الغرض بنحو (‪ )15‬مرة ومنه‪:‬‬
‫أ‪ -‬الوح�ي عن طري�ق املل�ك‪ :‬ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭼ [النحل‪.]٢ :‬‬
‫ب‪ -‬تس�جيل األعامل التي يقوم هبا اإلنس�ان خري ًا أو رش ًا‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ [ق‪.]١٨ – ١٦ :‬‬
‫ج‪ -‬قب�ض األرواح عن�د امل�وت‪ :‬ﭽ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬
‫ﰅ ﰆ ﭼ [الس�جدة‪ ،]١١ :‬وﭽﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ‬
‫ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭼ [األنعام‪.]٩٣:‬‬
‫‪ -8‬ذك�ر دوره�م يف اآلخرة‪ ،‬وق�د جاء لفظ "املالئك�ة" هلذا الغرض بنح�و (‪ )13‬مرة‪،‬‬
‫وللقرآن غاية واضحة من إخبارنا بذلك‪ ،‬ولننظر يف هذه النامذج الثالثة التي يقدمها القرآن‬
‫‪174‬‬

‫الكريم عن دور املالئكة يف ذلك اليوم‪:‬‬


‫النموذج الأول‪ :‬دور عام من شأنه أن يلقي يف النفوس اهليبة والرهبة‪ ،‬ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ [احلاقة‪.]١٨ – ١٥ :‬‬
‫ﭽﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ‬
‫[الفجر‪.]٢٢ – ٢١ :‬‬
‫النموذج الثاين‪ :‬دور خاص باملؤمنني يزيدهم اهلل فيه أنس ًا وحبور ًا‪ ،‬ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ‬
‫ﭦ ﭼ [األنبياء‪. ]١٠٣ :‬‬
‫ﭽ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‬
‫ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ [الرعد‪.]٢٤ – ٢٣ :‬‬
‫النم��وذج الثالث‪ :‬دور خ�اص بالكافري�ن والظاملني يزيده�م اهلل فيه بؤس� ًا و حرسة‪،‬‬
‫ولنقرأ‪:‬‬
‫ﭽﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﭼ‬
‫[التحريم‪.]٦ :‬‬
‫ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ‬
‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ [الزمر‪.]٧١ :‬‬
‫هذه النقاط تشكل الصورة املتكاملة التي أراد أن يقدمها القرآن هلذا اإلنسان‪ ،‬إهنا صورة‬
‫ال حتك�ي ُ‬
‫الك ْن�ه الغيبي‪ ،‬وال جتيب عىل أس�ئلة الباحثني يف عامل الفلس�فة‪ ،‬وما وراء الطبيعة‪،‬‬
‫وإنام صورة لكل ما حيتاجه اإلنسان من معرفة عن ذاك العامل الغيبي يف أداء وظيفته الكربى‬
‫على ه�ذه األرض‪ ،‬وهل�ذا حدثنا القرآن كثري ًا ع�ن املالئكة‪ ،‬ولكن لي�س يف حديثه هذا كله‬
‫آي�ة واح�دة عن جنس املالئكة من حي�ث حقيقتهم َ‬
‫اخل ْلقية أو االجتامعي�ة‪ ،‬ومل يقل لنا‪ :‬هل‬
‫املالئكة يتناس�لون؟ وهل يأكلون ويرشبون؟ وهل ينامون؟ وال نحو هذا(((‪ ،‬بل ومل يرد يف‬

‫لا ُأوليِ َأ ْجنِ َح ٍة َّم ْثنَى‬


‫اعلِ المْ َلاَ ئِ َك ِة ُر ُس ً‬
‫ض َج ِ‬ ‫ات َو َ‬
‫السَم�اَ َو ِ‬ ‫((( إال اللهم يف قوله تعاىل‪[ :‬الحْ َ ْمدُ للِهَّ ِ َف ِ‬
‫األ ْر ِ‬ ‫اط ِر َّ‬
‫�اء إِ َّن اللهَّ َ َعلىَ ُك ِّل شيَ ْ ٍء َق ِد ٌي�ر] [فاطر ‪ ]1 :‬هذه اآلية الوحيدة يف القرآن‬ ‫لاث َو ُر َب�اعَ َي ِزيدُ فيِ الخْ َ ْل ِق َما َي َش ُ‬
‫َو ُث َ‬
‫التي حتدثت عن صفة خلقية للمالئكة‪ ،‬ومع هذا فقد عرضت عرض ًا رسيع ُا لغاية واضحة وهي اإلش�ارة‬
‫‪175‬‬

‫القرآن االس�تدالل عىل وجود املالئكة ومناقش�ة املنكرين ونحو ه�ذا‪ ،‬ربام ألنه ال يوجد يف‬
‫املجتم�ع الذي نزل فيه القرآن من ينك�ر املالئكة‪ ،‬فاملرشكون يؤمنون باملالئكة(((‪ ،‬ولكن قد‬
‫يكون منهج القرآن ذا مدى أبعد‪ ،‬إذ من املمكن القول‪ :‬إن اإليامن بوجود املالئكة ال قيمة له‬
‫إن مل يس�بقه إيامن باهلل ورس�وله وكتابه‪ ،‬إذا صح اإليامن باهلل والرسول والكتاب فإن اإليامن‬
‫باملالئكة حتصيل حاصل‪ ،‬ولذا كرس القرآن أدلته إلثبات تلك األصول‪ ،‬لقد رأينا إسهاب‬
‫الق�رآن يف إثبات وحدانية اهلل وصدق رس�وله وإعجاز كتابه‪ ،‬فه�ذه هي القنطرة‪ ،‬فمن آمن‬
‫هب�ذا آم�ن بكل م�ا ورد يف كتاب اهلل بالرضورة‪ ،‬ومن مل يؤمن هبذا فلا داعي ملحاولة إقناعه‬
‫بأخب�ار وردت يف الكت�اب‪ ،‬إذ ال قيم�ة إلقناع ه�ؤالء باملالئكة‪ ،‬وال بعفريت س�ليامن‪ ،‬وال‬
‫بعصا موسى‪ ..‬الخ‪ ،‬وهذا املنهج ينبغي مالحظته ونحن نواجه الفلسفات احلديثة‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫إىل قدرة اهلل تعاىل‪ ،‬ومل يفصل لنا القرآن عن هذه األجنحة أي يشء ‪.‬‬
‫((( ب�ل يذهب الش�يخ س�عيد النوريس‪ -‬رمح�ة اهلل – إىل أبعد من هذا‪ ،‬فيقرر اإلمج�اع عىل وجود املالئكة‪،‬‬
‫فيق�ول حت�ت عن�وان (اإلمج�اع الضمن�ي عىل حقيق�ة املالئك�ة)‪« :‬يمكن الق�ول بأن هن�اك إمجاع� ًا ضمني ًا‬
‫‪-‬م�ع تباي�ن التعبري‪ -‬عىل وجود حقيق�ة املالئكة ‪ ..‬فلم ينكر معنى املالئكة حتى املش�اؤون من الفالس�فة‬
‫اإلرشاقيين الذي�ن أوغل�وا يف املاديات إذ عبروا عن معنى املالئك�ة بقوهلم‪ :‬إن هناك ماهي�ة جمردة روحية‬
‫ل�كل ن�وع‪ .‬واآلخرون من اإلرشاقيني عندما اضطروا لقبول معنى املالئكة أطلقوا عليها‪ -‬خطأ – العقول‬
‫العرشة وأرباب األنواع» ( املالئكة ص‪.)20:‬‬
176

 
  
 
  
   

‫‪177‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫اجلن‬
‫اجل�ن عامل غيبي آخر‪ ،‬وربام يس�تعدي اإلخبار عنهم الس�ؤال نفس�ه ال�ذي واجهنا عند‬
‫حديثن�ا عن املالئكة‪ ،‬ملاذا خيربنا القرآن عن اجلن؟ وما وجه احلاجة إىل هذا وعقيدتنا عقيدة‬
‫عملية ميدانية؟!! وقبل اإلجابة حيسن بنا تقسيم هذا املبحث إىل قسمني وكاآليت‪:‬‬

‫الق�سم الأول‪ :‬احلديث عن اجلن ب�صورة عامة‪:‬‬


‫والق�رآن هن�ا يتحدث ع�ن قوم خلقه�م اهلل كام خلقنا‪ ،‬وفيه�م كثري من الطب�اع التي يف‬
‫اإلنس�ان‪ ،‬وأهنم مكلفون أيض ًا بام كلف به اإلنس�ان من عبادة ودعوة‪ ..‬الخ‪ ،‬وسيحاس�بون‬
‫كام سنحاس�ب ألن منه�م الصاحلون ومنهم الطاحلون‪ ،‬وأن بع�ض الناس يتصورون عنهم‬
‫تص�ورات خاطئ�ة وقد ردها القرآن‪ ،‬هذا تقريب ًا جممل حدي�ث القرآن عن اجلن الذي تكرر‬
‫فيه لفظ اجلن أو اجلان ونحوها (‪ )34‬مرة‪ ،‬ولنفصل اآلن اإلمجال وباختصار‪:‬‬
‫‪ -1‬حتدث القرآن عن خلق اجلن‪ ،‬وقد تكرر لفظ اجلن هلذا املعنى مرتني فقط‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫ﭽﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫ﯞ ﭼ [احلجر‪.]٢٧ – ٢٦ :‬‬
‫وﭽ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ‬
‫[الرمحن‪.] ١٥ -١٤ :‬‬
‫‪ -2‬وحتدث عن أوجه الشبه واملشاركة املتعددة بني اإلنس واجلن يف الكثري من القضايا‪،‬‬
‫وهذه النقطة قد أخذت من إحصائية لفظ “اجلن” حصة األسد حيث بلغت أكثر من (‪)20‬‬
‫مرة‪ ،‬ولنأخذ أوجه الشبه واملشاركة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إهنم خلقوا لعبادة اهلل‪ :‬ﭽﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ [الذاريات‪.]٥٦ :‬‬
‫ب ‪ -‬إهنم ال يعلمون الغيب‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ‬
‫ﰑ ﰒ ﰓ ﭼ [سبأ‪.]١٤ :‬‬
‫ج ‪ -‬إن منهم الصاحلون والطاحلون‪ :‬ﭽﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ‬
‫[اجلن‪ ،]١١ :‬وﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ‪...‬ﭼ [اجلن‪.]١٤ :‬‬
‫‪178‬‬

‫د ‪ -‬إن منه�م الدع�اة إىل اهلل‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬


‫ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳ ﭴﭵﭶﭷ ﭸﭹﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ‪...‬ﭼ [األحقاف‪.]٣٢ – ٢٩ :‬‬
‫ه�ـ ‪ -‬إن منه�م دعاة إىل الشر والرذيلة والكفر‪ ،‬وهم ش�ياطني اجلن‪ :‬ﭽ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﭼ [األنع�ام‪ ،]١١٣ – ١١٢ :‬ه�ذا وس�نفصل احلدي�ث ع�ن‬
‫الشياطني بالقسم اآليت أن شاء اهلل ‪.‬‬
‫و ‪ -‬إهن�م مش�مولون بالتح�دي م�ع اإلنس على أن يأت�وا بمثل الق�رآن‪ :‬ﭽ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭼ [اإلرساء‪.]٨٨ :‬‬
‫ز ‪ -‬إهنم ال يستطيعون أن ينفذوا من أقطار الساموات واألرض إال بسلطان‪ :‬ﭽﮫ‬
‫ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ‬
‫[الرمحن‪.]٣٣ :‬‬
‫ح ‪ -‬إن هلم القدرة عىل الصناعات ونحوها‪ :‬ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ‬
‫ﯘﯙﯚ ﯛﯜ ﯝﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤﯥ ﯦﯧﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ [سبأ‪.]١٣ – ١٢ :‬‬
‫ط ‪ -‬إن هل�م ش�هوة كاإلن�س‪ :‬ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﭼ‬
‫[الرمحن‪.] ٥٦ :‬‬
‫ي ‪ -‬أهنم سيحاسبون يوم القيامة كاإلنس فإما اجلنة وإما النار‪:‬‬
‫ﭽ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ‬
‫‪179‬‬

‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ [األنعام‪.]١٣٢ – ١٢٨ :‬‬


‫ور ّد عىل بعض تصورات املرشكني اخلاطئة عن اجلن ومنها‪:‬‬
‫أ‪ -‬االس�تعاذة هب�م العتقاد أهن�م يفعلون ما يش�اءون‪ :‬ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ [اجلن‪.] ٦ :‬‬
‫ب‪ -‬عبادهت�م م�ن دون اهلل‪ ،‬وهذه تابعة لألوىل‪ :‬ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭼ [سبأ‪.]٤٢ – ٤١ :‬‬
‫جل َّنة نس�ب ًا‪ :‬ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬ ‫ج‪ -‬إهن�م جعل�وا بني اهلل وبني ا ِ‬
‫ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂ ﭑﭒ ﭓ ﭔﭕﭖﭗﭘﭙ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ الصافات(((‪.‬‬
‫وهك�ذا يتح�دث القرآن عن ش�عب غيبي حيمل كثير ًا من طبائع اإلن�س‪ ،‬وأنه خيوض‬
‫جت�ارب كثيرة يف ميادين الرصاع بين احلق والباطل‪ ،‬وأن املس�لم من املمك�ن أن يتعظ من‬
‫ه�ؤالء وأن يس�تفيد من جتارهبم‪ ،‬مادام أن الس�احة هي الس�احة‪ ،‬والواج�ب هو الواجب‪،‬‬
‫والصراع ه�و الرصاع!! وكام أن القرآن خيربنا عن أقوام س�الفني لس�نا نراه�م‪ :‬عاد وثمود‬
‫وفرعون‪ ،‬وبمقابلتهم املؤمنون‪ ،‬ليكون لنا يف قصصهم عربة‪ ،‬فام املانع أن حيدثنا القرآن عن‬
‫ه�ؤالء‪ ،‬وه�م أقدم يف اخلل�ق وأكثر يف الع�دد؟!! وعىل هذا جاء حديث الق�رآن عنهم هبذا‬
‫املنظار وهلذه الغاية‪ ،‬واهلل أعلم(((‪.‬‬

‫الق�سم الثاين‪� :‬إبلي�س وال�شياطني‪:‬‬


‫ولنبدأ بإبليس‪ ،‬فقد ورد ذكره يف القرآن الكريم(‪ )11‬مرة‪ ،‬تسعة منها تذكره عند احلديث‬
‫عن قصته مع آدم عليه السالم‪ ،‬واالثنتان عن أتباع إبليس ومصريهم‪ ،‬هذه كل املسألة‪ ،‬ولو‬

‫((( واختلف املفرسون يف النسب هنا‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬إن املرشكني زعموا أن املالئكة بنات اهلل وأن أمهات‬
‫املالئك�ة م�ن اجلن!! وروي عن ابن عباس يف تفسيره لآلية أنه قال‪ »:‬زعم أع�داء اهلل أنه تبارك وتعاىل هو‬
‫وإبليس أخوان!!!» ( تفسري ابن كثري‪.)24/4:‬‬
‫((( بإس�هاب حت�دث األس�تاذ حممد ع�زة دروزة عن حاجة اإلنس�ان الس�يام يف ذلك الزم�ان إىل فهم اجلن‪،‬‬
‫وتصحيح كثري من املفاهيم التي كانت سائدة يف هذا املضامر‪ ،‬انظر‪« :‬القرآن وامللحدون» ص‪. 210 -203‬‬
‫‪180‬‬

‫أردن�ا أن نقف بعض اليشء عن قصته مع أبينا‪ ،‬فإنا س�نجد الق�رآن يعرض حقائق كبرية ال‬
‫ال القصة‪ ،‬ومن موضع واحد يف القرآن‬ ‫يمكن البن آدم إال أن يقف عليها ويتأملها‪ ،‬وهذه أو ً‬
‫الكريم‪ :‬ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭵ‬
‫ﭶ ﭷﭸﭹ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬
‫ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ [األعراف‪.]١٨ – ١١ :‬‬
‫هذه القصة املتكررة هي التي تكرر معها ذكر إبليس(‪ )9‬مرات من أصل(‪ )11‬مرة يذكر‬
‫اس�مه يف الق�رآن‪ ،‬ولع�ل املرتين الباقيتني ال تبتعدان عن ه�ذه القصة‪ ،‬فالعه�د الذي قطعه‬
‫إبلي�س عىل نفس�ه يف غوايته لبن�ي آدم نفذه‪ ،‬قال اهلل عن�ه‪ :‬ﭽ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ [سبأ‪.]٢٠ :‬‬
‫ووىف اهلل تعاىل بوعيده أيضا‪ ،‬فقال‪ :‬ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ‬
‫[الشعراء‪. ]٩٥ - ٩٤ :‬‬
‫ويف غير ه�ذه املواض�ع مل يذكر القرآن اس�م “إبلي�س”‪ ،‬فإبليس إذ ًا يمث�ل حقيقة هائلة‬
‫بالنسبة لإلنسان‪ ،‬إنه مشعل فتيل احلرب التي كتب اهلل علينا أن نخوضها عىل هذه األرض‪،‬‬
‫وأنه سيكس�ب يف معركته هذه جنود ًا‪ ،‬وأن املعركة ستزداد حدة ورضاوة‪ ،‬هلذه احلقيقة جاء‬
‫ذك�ر إبلي�س‪ ،‬إنه مل يتحدث عنه ليشء آخ�ر‪ ،‬وهكذا تتأكد جدية العقي�دة القرآنية يف الواقع‬
‫امليداين‪.‬‬
‫والقرآن يشري إىل أصل الفتنة‪ ...‬إنه “التكرب”‪ ،‬وكأنه يريد أن حيذر بني آدم مرتني‪ :‬األوىل‪:‬‬
‫أن ال يتكربوا فهذه خطورة الكربياء الباطل‪ ،‬والثانية‪ :‬أن الطغاة املتكربين هم تالميذ إبليس‬
‫وجنوده‪.‬‬
‫ويشري أيض ًا إىل أن الطبيعة التي أنتجت الكرب واخلطيئة هي ليست طبيعة مالئكية‪ ،‬وإنام‬
‫هي طبيعة كثرية الش�به بطبيعة اإلنس�ان‪ ،‬إن إبليس من اجلن(((‪ ،‬قال القرآن يف هذا املوضع‪:‬‬
‫ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ وقال يف موضع آخر‪ :‬ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ‪...‬ﭼ ‪ ،‬وقد مر‬

‫((( انظر‪« :‬القرآن وامللحدون» ص‪ 208‬مع اهلامش ‪.‬‬


‫‪181‬‬

‫معنا أوجه الشبه بني اجلان واإلنسان فليحذر اإلنسان!!‪.‬‬


‫وأما الش�ياطني فقد ذكرهم القرآن الكريم(‪ )88‬مرة‪ ،‬ومن امللفت للنظر أن يتطابق هذا‬
‫الع�دد متام�ا مع عدد املالئكة يف الق�رآن الكريم(((‪ ،‬وإذا أردنا أن نتع�رف عىل هذا العامل من‬
‫خالل القرآن الكريم‪ ،‬فلننظر يف هذه النقاط‪:‬‬
‫‪ -1‬إن لفظ الشيطان قد يطلق ويراد به إبليس نفسه‪ ،‬يقول القرآن‪:‬‬
‫ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﭼ [البقرة‪.]٣٦ :‬‬
‫وإن�ه قد يطلق ويراد به صنف من اجلن تبع�وا إبليس يف غوايته‪ ،‬أو أهنم أبناؤه‪ ،‬واملهم‬
‫أن إبلي�س مل يب�ق وحده يف اجلن بل أصبحوا مجع ًا‪ ،‬ولذا بدأ القرآن يتحدث عن الش�يطان‬
‫مثلا‪ :‬ﭽ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬ ‫بصيغ�ة اجلم�ع يف كثير م�ن املواضع‪ ،‬فتراه يق�ول ً‬
‫ﮠ ﭼ [املؤمن�ون‪ ، ]٩٧ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ [مري�م‪ ، ]٦٨ :‬وانظ�ر النقط�ة الثالث�ة‪:‬‬
‫‪ - 3‬وإن�ه ق�د يطلق وي�راد به صنف من اإلن�س!! أولئك الذين خانوا قضية اإلنس�ان‪،‬‬
‫قضي�ة آدم‪ ،‬فالتحقوا بركب الش�يطان عملاء‪ ،‬يقول الق�رآن‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ [األنعام‪.]١١٢ :‬‬
‫‪ - 4‬وإن الش�يطان مهمت�ه األوىل ه�ي الغواي�ة‪ ،‬والصد عن س�بيل اهلل‪ ،‬وتزيني الباطل‪،‬‬
‫حتى ال يكاد أن يكون هناك أي نوع من أنواع املنكر إال والقرآن ينسبه إىل الشيطان‪ ،‬ولنقرأ‬
‫هذه األمثلة‪:‬‬

‫((( وهذه االلتفاتة س�بقنا إليها الدكتور فاضل الس�امرائي ‪ ،‬ونقدم للقارئ الكريم قطعة من كالمه «أفلم‬
‫تقرأ اإلحصاءات األخرى يف كتاب اهلل العزيز لرتى العجب؟! لقد تبني أنه مل توضع األلفاظ عبث ًا وال من‬
‫غري حس�اب بل هي موضوعة وضع ًا دقيق ًا بحس�اب دقيق‪ ،‬دقيق‪ ،‬لقد تبني‪ :‬أن «الدنيا» تكررت يف القرآن‬
‫الكري�م بقدر «اآلخرة»‪ ،‬فق�د تكرر كل منها (‪ )115‬مرة‪ ،‬وأن «املالئكة» تكررت بقدر «الش�ياطني»‪ ،‬فقد‬
‫تك�رر كل منهام (‪ )145‬مرة‪ ،‬وهل املوت إال لإلحياء‪ ،‬وأن «الصيف واحلر» تكررا بقدر «الش�تاء والربد»‪،‬‬
‫فقد تكرر كل منهام (‪ )5‬مرات‪ ،‬وأن لفظ «الس�يئات» ومش�تقاهتا تكرر بقدر «الصاحلات» ومشتقاهتا‪ ،‬فقد‬
‫تك�رر كل منهما (‪ )167‬مرة ‪ ..‬وتكرر لفظ «كفر ًا» بقدر لفظ «إيامن ًا»‪ ،‬فقد تكرر كل منهام (‪ )8‬مرات‪ ،‬وأنه‬
‫تك�رر لف�ظ «إبليس» بقدر لفظ «االس�تعاذة»‪ ،‬فقد تك�رر كل منهام (‪ )11‬مرة ‪ ..‬وأن لفظ «الش�هر» تكرر‬
‫(‪ )12‬مرة بعدد شهور السنة» ( التعبري القرآين ص‪. )16 ،15‬‬
‫‪182‬‬

‫ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ‪...‬ﭼ [البقرة‪.]٣٦ :‬‬


‫ﭽ‪ ...‬ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ‪...‬ﭼ [املائدة‪.]٩١ – ٩٠ :‬‬
‫ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ‪ ...‬ﭼ [املائدة‪.] ٩١ :‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ‪...‬ﭼ [يوسف‪.]١٠٠ :‬‬
‫ﭽ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ‪...‬ﭼ [املجادلة‪.]١٠ :‬‬
‫‪ -5‬وإن الشيطان قد يستعني عىل عمله هذا بالنسيان‪ ،‬فحينام ينسى اإلنسان ربه أو ينسى‬
‫حقيقة املعركة التي خيوضها قد يقع يف فخ الشيطان‪ ،‬ولذا جاءت آيات كثرية تنسب النسيان‬
‫إىل الشيطان‪ ،‬ولنقرأ مث ً‬
‫ال‪:‬‬
‫ﭽﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﭼ [األنعام‪.] ٦٨ :‬‬
‫ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﭼ [يوسف‪.] ٤٢ :‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ‪...‬ﭼ [الكهف‪.] ٦٣ :‬‬
‫‪ -6‬وإن الشيطان له حزب وله أولياء‪ ،‬وإن واجبنا استشعار عداوهتم وقتاهلم‪:‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ [املجادلة‪.] ١٩ :‬‬
‫ﭽ‪...‬ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﭼ [النساء‪.]٧٦ :‬‬
‫‪ -7‬األمر باالستعاذة باهلل من الشيطان‪:‬‬
‫ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ‪...‬ﭼ [فصلت‪.]٣٦ :‬‬
‫ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭼ [النحل‪.]٩٨ :‬‬
‫ﭽ‪ ...‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﭼ [آل عمران‪.] ٣٦ :‬‬
‫‪ -8‬وإن الشيطان قد يعمل عمل اإلنسان يف الصناعات وغريها‪:‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ [األنبياء‪.] ٨٢ :‬‬
‫ﭽﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﭼ [ص‪.]٣٨ – ٣٦ :‬‬
‫‪ -9‬وإن الشيطان قد يمس اإلنسان ويرتكه دون وعي‪:‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ‬
‫[البقرة‪ ، ]٢٧٥ :‬لكن القرآن مل يبني حقيقة املس‪ ،‬ربام ألنه معروف‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫‪ -10‬وأخري ًا فالقرآن يرسم النتيجة الطبيعية للشيطان وحزبه‪:‬‬
‫ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ‬
‫‪183‬‬

‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ [إبراهي�م‪ ، ]٢٢ :‬الله�م أعذن�ا م�ن الش�يطان وال ختزنا‬
‫ي�وم يبعث�ون ‪.‬‬
‫ويف ختام هذا املبحث أود التنبيه إىل أن اهتامم ًا غري معتاد طرأ حديث ًا حول مسألة “اجلن”‬
‫وعالقته�م باإلنس�ان‪ ،‬وال أدري بالضب�ط الدواف�ع احلقيقية‪ ،‬ولكني أدعو إىل دراس�ة هذه‬
‫انجروا وراءها‪،‬‬‫الظاهرة الواس�عة دراس�ة جادة‪ ،‬الس�يام أين رأيت كثري ًا من أهل العلم ق�د ّ‬
‫ال عىل هذا عرشات الكتب التي ألفت يف هذا املوضوع‪ ،‬مثل كتاب “حوار صحفي‬ ‫وخذ مث ً‬
‫مع جني مس�لم” يدّ عي فيه املؤلف أنه قابل واحد ًا من اجلن‪ ،‬وأنه أجرى معه حوار ًا طوي ً‬
‫ال‬
‫واس�تطاع م�ن خالل احلوار أن يكش�ف حقائق هامة‪ ،‬منها أرسار مثل�ث برمودا الذي حيرّ‬
‫الن�اس حيث اكتش�ف هذا أن املثلث عب�ارة عن عرش إبليس األكبر(((!!! ثم يطالعنا آخر‬
‫بعنوان “العالج الرمحاين للس�حر واملس الشيطاين”‪ ،‬ثم يصدر الشيخ عبد العزيز القحطاين‬
‫كتابه املوس�وم “طريق اهلداية يف درء خماطر اجلن والش�ياطني”‪ ،‬ثم الش�يخ عبد السالم عبد‬
‫الواح�د يف كتاب�ه “ ع�امل اجلن والش�يطان”‪ ،‬وغري ه�ذا كثير(((‪ ،‬هذا باإلضاف�ة إىل أرشطة‬
‫التسجيل التي تتحدث عن هذا املوضوع بل منها ما يسجل حوار ًا بني أحد الشيوخ واجلني‬
‫الداخل يف جس�د إنس�ان آخر‪ ،‬ولقد س�معت رشيط ًا تتحدث فيه امرأة تدعي أهنا من اجلن‬
‫واسمها “مرجانة”‪ ،‬وفتحت كثري ًا من عيادات االستطباب من املس‪.‬‬
‫إن هذا املوضوع جدير بالدراس�ة‪ ،‬ولس�ت أريد هنا إال اإلش�ارة إىل أن هذه املساحة من‬
‫االهتمام ال تتناس�ب مع املنهج القرآين‪ ،‬فالقرآن مل يتح�دث عن اجلن من هذا املنظار‪ ،‬اللهم‬
‫إال يف آي�ة واحدة ج�اءت يف مع�رض التش�بيه‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭼ [البقرة‪.]٢٧٥ :‬‬
‫ث�م أمامنا سيرة الس�لف الصالح ريض اهلل عنه�م‪ ،‬والتابعني هلم بإحس�ان‪ ،‬نعم قد ترد‬
‫ال‪ ،‬أما هبذا الكم امللفت للنظر فهذا غري طبيعي‪،‬‬‫حادث�ة واح�دة يف اجليل الواحد أو أكثر قلي ً‬
‫وال ري�ب أن ه�ذا يتع�ارض م�ع ق�ول اهلل تع�اىل‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ‬

‫((( «حوار صحفي مع جني مسلم» ص‪. 78‬‬


‫((( وأغلب هذه الكتب صدر خالل هذا العقد ! ‪.‬‬
‫‪184‬‬

‫[النس�اء‪ ، ]٧٦ :‬فإذا كان الش�يطان باس�تطاعته أن يدخل يف أجس�اد اآلالف من املس�لمني‬
‫ويغري نمط تفكريهم وخيلط األوراق عليهم فأي قوي يس�تطيع ذلك؟!!! ثم انظر إىل قوله‬
‫تع�اىل حاكي ًا مقولة الش�يطان ي�وم القيام�ة‪ :‬ﭽ ‪...‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣﭼ [إبراهي�م‪ ،]٢٢ :‬و «إال» بع�د «ما» تفيد احلرص‪ ،‬فالش�يطان يملك الدعوة‬
‫والتزيين والوسوس�ة‪ ،‬أم�ا أنه يمل�ك أن يترصف ب�إرادة اآلالف من البرش فه�ذا بعيد عن‬
‫حكم�ة اهلل‪ ،‬ولي�س معنى هذا إن�كار املس ولكن لو وقع فإنه ليس هب�ذه الكثرة املريبة‪ ،‬وإن‬
‫القضية ما زالت دعوة للدراسة ال غري‪ ،‬واهلل أعلم‪ ،‬أما تصديق اجلان حني خيرب عن أشياء يف‬
‫عامل الغيب أو عامل الش�هادة فهو باطل‪ ،‬وقد أثار كثري ًا من املش�اكل االجتامعية‪ ،‬واتهُّ م أناس‬
‫بالس�حر والرسقة والقتل بنا ًء عىل نطق اجلان أثناء عملية املعاجلة‪ ،‬وهذا كله ليس من رشع‬
‫اهلل يف يشء ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


185
‫‪187‬‬

‫اخلامتــة‬
‫ويف ختام هذا املجهود‪ ،‬بو ّدي أن أقدم هذه اخلامتة التي تتضمن خالصة خمترصة مع أهم‬
‫االستنتاجات‪ ،‬ومن خالل املحورين اآلتيني‪:‬‬

‫املحور الأول‪ :‬مفهوم العقيدة ومنهج القر�آن يف عر�ضها‪:‬‬


‫ال‪ :‬متثل العقيدة اإلسلامية إجابة اإلسالم عىل األسئلة الثالثة اخلطرية التي حريت‬‫أو ً‬
‫الفالس�فة م�ن القدم(((‪ :‬من أوجد اإلنس�ان؟ وم�ا الغاية من وج�وده؟ وإىل أين املصري؟‬
‫فج�اءت أجوب�ة اإلسلام واضحة جلية‪ :‬اهلل خالق اإلنس�ان والك�ون أمجع‪ :‬ﭽ ﮏ ﮐ‬
‫ﮑ ﮒ ‪...‬ﭼ [الزم�ر‪ ،]٦٢ :‬والغاية م�ن اخللق هي عبادة اهلل وحده‪ ،‬ﭽ ﭳ ﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ [الذاريات‪ ، ]٥٦ :‬فهذه وظيفة اإلنسان عىل األرض‪ ،‬واملصري‪:‬‬
‫ه�و احلي�اة األخرى بعد امل�وت ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ [البق�رة‪.]٢٨ :‬‬
‫فصلها القرآن الكريم‪ ،‬ونش�أ عن هذا التفصيل أب�واب العقيدة املعروفة‪،‬‬ ‫ه�ذه األجوبة ّ‬
‫فالقرآن حتدث عن اخلالق – سبحانه وتعاىل‪ ،-‬من حيث وجوده وتوحيده وأسامؤه وصفاته‬
‫وأفعال�ه‪ ،‬وحت�دث ع�ن العب�ادة‪ ،‬من حي�ث أهنا طاع�ة هلل‪ ،‬ألمره وهني�ه‪ ،‬وأن ه�ذه األوامر‬
‫والنواهي يعرفها اإلنسان عن طريق رسل اهلل –عليهم الصالة والسالم‪ -‬فبحث القرآن ما‬
‫يتعلق هبؤالء الرسل من حيث‪ :‬أسامؤهم وصفاهتم‪ ،‬ودليل صدقهم‪ ،‬ونحو هذا‪ ،‬ثم حتدث‬
‫القرآن عن اليوم اآلخر من املوت إىل يوم احلساب واجلزاء‪ ،‬هذه هي عقيدة القرآن‪.‬‬
‫لكن هذه املباحث يف القرآن الكريم مل ترد حتت اسم «العقيدة» وإنام جاءت يف الغالب‬
‫حت�ت مظلة «اإليمان» الذي هو أس�اس العم�ل‪ :‬ﭽ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﭼ‬
‫[الش�عراء‪ ،]227 :‬وال خيف�ى أث�ر تط�ور العل�وم الرشعي�ة وتبويبه�ا وتفريعه�ا يف ظهور‬
‫املصطلحات املختلفة‪ ،‬وال مش�احة يف االصطالح‪.‬‬
‫ثاني�ا‪ :‬لق�د جاءت عقي�دة القرآن واضح�ة ليفهمه�ا كل الناس‪ ،‬مفصلة لك�ي ال حيتاج‬

‫صور أن الش�يخ ملا قرأ ملا هذه األس�ئلة وش�بهها‬


‫((( انظر‪« :‬قصة اإليامن» لنديم اجلرس‪ . 21 ،20 :‬وكيف ّ‬
‫يف الورقة الصغرية «ترنح مغشي ًا عليه» ‪.‬‬
‫‪188‬‬

‫اإلنسان لغري وحي اهلل‪ ،‬متناسبة مع وظيفة اإلنسان وإمكانياته العقلية والنفسية‪ ،‬فلم حتدّ ث‬
‫اإلنسان إال بام يصلحه وينفعه يف دنياه وآخره‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬ولقد أثمرت عقيدة القرآن إنس�ان ًا س�وي ًا‪ ،‬تفجرت فيه الطاق�ات الكامنة‪ ،‬فكانت‬
‫حضارة اإلسالم ودولته الكبرية العظيمة‪.‬‬
‫رابع� ًا‪ :‬إال أن حدي�ث الق�رآن عن الغيب كان ال بد أن يكون بلغة اإلنس�ان التي يتعامل‬
‫معه�ا يف عامل الش�هادة لكي يفهمها‪ ،‬لكن ه�ل وضعت هذه اللغة لتعرب ع�ن عامل الغيب؟!‬
‫بمعنى هل س�تعرب لغة الش�هادة عن حقائق الغيب والتعبري الصادق املس�تقيم الذي ال يثري‬
‫ال واحد ًا‪ :‬قوله تعاىل عن اجلنة‪ :‬ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬ ‫أي إشكال أو اشتباه؟! لنأخذ مثا ً‬
‫ﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌﮍﮎ ﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ [الواقع�ة‪ ، ]٣٣ – ٢٧ :‬فه�ل ه�ذا كل�ه حقيقة؟ أي هل‬
‫ه�ذا م�ا نعرفه يف الدني�ا؟ لقد ورد عن ابن عب�اس ريض اهلل عنهام أن�ه كان يقول‪“ :‬ليس يف‬
‫الدنيا يشء مما يف اجلنة إال األسامء”(((!!! إذ ًا فالسدر ليس هو هذا السدر الذي نعرفه‪ ،‬ولكن‬
‫ملاذا يسميه اهلل سدر ًا إذا مل يكن هو هو؟ إن اهلل لو سامه لنا باسم آخر فهل سيحصل الرتغيب‬
‫باجلن�ة وثامرها(((؟! إن اإلنس�ان ال يرغب إال ما ألفه م�ن النعيم واللذة‪ ،‬وهلذا جاءت آيات‬
‫الرتغي�ب كله�ا مألوفة لديه‪ ،‬إذ ًا فاإلنس�ان ال يفه�م إال لغته‪ ،‬وحديث الق�رآن عن جوانب‬
‫العقي�دة كله�ا جاء بلغته املألوف�ة لكن لتعرب عن حقائق غيبية ليس�ت مألوف�ة وال معروفة‪،‬‬
‫فكان البد أن حيدث اإلشكال يف الفهم والتفسري‪.‬‬
‫إال أن القرآن عصم اجليل األول من االنزالق يف هذه املتاهة بمنهج القرآن العميل الذي‬
‫ق�اد ذلك اجلي�ل إىل ميادين اجلهاد والب�ذل والعطاء‪ ،‬فكانت الرتبية القرآنية تدفع اإلنس�ان‬
‫ألداء وظيفت�ه بالص�ورة ألجد واألكمل‪ ،‬آخ�ذ ًا من نصوص العقيدة املعن�ى املتعلق بالغاية‬
‫والوظيفة‪ ،‬مبتعد ًا عن معاين الغيب املطلق الذي ال عالقة له بميادين العمل ‪.‬‬

‫املحور الثاين‪ :‬خال�صة العقيدة التي جاء بها القر�آن‪:‬‬


‫ربام نستطيع أن نلخص عقيدة القرآن الكريم بالنقاط اآلتية‪:‬‬

‫((( « جمموع الفتاوى» ‪. 28/3‬‬


‫((( وإذا كانت هذه اإلش�كاالت حتصل عند احلديث عن اجلنة بلغة الدنيا‪ ،‬وكالمها خملوقتان‪ ،‬فكيف إذا‬
‫كان احلديث بلغة اإلنسان املخلوق عن اهلل اخلالق العظيم؟! ‪.‬‬
‫‪189‬‬

‫ال‪ :‬يف موضوع “اإلهليات” بحث القرآن املسائل اآلتية‪:‬‬ ‫أو ً‬


‫‪ -1‬إثب�ات وج�ود اهلل‪ ،‬ومل يتح�دث القرآن عن هذه املس�ألة بصورة مب�ارشة‪ ،‬ومل يقف‬
‫ال‪ ،‬إذ اإليمان بوجود خالق هلذا اخللق رضورة عقلي�ة‪ ،‬وغالب أدلة القرآن هنا‬ ‫عنده�ا طوي ً‬
‫جاءت إلثبات مسائل أخرى‪ ،‬إال أهنا تتضمن إثبات اخلالق –سبحانه‪ -‬ويمكن اعتبار أبرز‬
‫األدل�ة التي س�اقها القرآن هو‪ :‬دليل االختراع والعناية‪ ،‬الذي كرره الق�رآن كثري ًا‪ ،‬وخلصه‬
‫الق�رآن بقول�ه‪ :‬ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭼ الط�ور‪ ،‬وق�د نج�ح القرآن يف حتريك الفطرة الكامنة يف داخل اإلنس�ان‪ ،‬ثم يف‬
‫إظهار عجز املرشكني ومعبوداهتم عن أن خيلقوا كخلق اهلل ولو اجتمعوا له‪ ،‬ثم يف عجزهم‬
‫ع�ن جم�اراة معجزة الرس�ول ﷺ‪ ،‬وهذه وإن س�يقت إلثبات صدق الرس�ول إال أهنا حتمل‬
‫دليل وجود املرسل‪ ،‬ومن باب أوىل ‪.‬‬
‫‪ -2‬إثب�ات وحدانيت�ه تعاىل‪ ،‬والوحدانية الت�ي جاء هبا القرآن يمك�ن ترتيبها عىل النحو‬
‫اآليت‪:‬‬
‫أ‪ -‬إثبات وحدانيته تعاىل يف اخللق‪ :‬ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‪ ...‬ﭼ [الزمر‪.]62 :‬‬
‫ب‪ -‬إثبات وحدانيته تعاىل يف امللك‪ :‬ﭽ‪ ...‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﭼ [الفرقان‪.]٢ :‬‬
‫ج�ـ‪ -‬إثبات وحدانيته تعاىل يف احلكم والترشي�ع‪ ،‬واألمر والنهي‪ :‬ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﭼ [الكه�ف‪ ،]26:‬ﭽ‪ ...‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ‪ ...‬ﭼ [املائدة‪.]44:‬‬
‫د‪ -‬إثب�ات وحدانيت�ه تع�اىل يف العبادة والطاع�ة املطلقة‪ ،‬وهذه متعلقة بما قبلها‪ ،‬بل هي‬
‫ثمرهت�ا احلقيقي�ة‪ :‬ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﭼ [التوب�ة‪ ،]٣١ :‬وع�دّ‬
‫القرآن هذه هي غاية اخللق‪ :‬ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ [الذاريات‪.]56 :‬‬
‫هـ‪ -‬إثبات وحدانيته تعاىل يف أسامئه وصفاته وأفعاله‪ ،‬فال رشيك له يف كل ذلك‪:‬‬
‫ﭽ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ [مري�م‪.]65:‬‬
‫ﭽ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ‪...‬ﭼ [البق�رة‪.]٢٥٥ :‬‬
‫ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ [البروج‪.]16:‬‬
‫وقد استخدم القرآن األدلة املقنعة إلثبات وحدانيته تعاىل بكل جوانبها‪ ،‬فاستخدم دليل‬
‫االختراع والعناية الذي ال يس�تطيع أحد أن ينازع اهلل فيه‪ ،‬واس�تخدم دليل النظام املوحد‪،‬‬
‫أو ع�دم فس�اد الك�ون إذ ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ‪...‬ﭼ [األنبياء‪ ،]٢٢ :‬ونجح‬
‫‪190‬‬

‫فعلا يف حتريك الفطرة الكامنة الش�اهدة بالوحداني�ة‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫ً‬


‫ﭘ ﭙ ﭚ ‪...‬ﭼ [اإلرساء‪ ،]٦٧ :‬ث�م أثب�ت فقدان أهل الشرك للدليل‪ ،‬ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭼ [األحقاف‪.]4 :‬‬
‫‪ -3‬أسماؤه تعاىل وصفاته‪ ،‬فقد وصف اهلل نفس�ه بصفات وس�مى نفس�ه بأسماء‪ ،‬وكل‬
‫أسمائه تعاىل حتمل معاين يس�تفيد منها اإلنس�ان يف أداء مهمته ووظيفته‪ ،‬فمن أسمائه تعاىل‬
‫م�ا يدل على الوحدانية‪ ،‬ومنها ما يدل عىل عظمته تعاىل وكربيائ�ه‪ ،‬ومنها ما يدل عىل رمحته‬
‫ورأفته بخلقه‪ ،‬ومنها ما يدل عىل علمه الش�امل املطلق‪ ،‬وهكذا صفاته تعاىل‪ ،‬إال أن القرآن‬
‫وردت في�ه بع�ض اإلضاف�ات البعيدة عن ه�ذه املعاين والبعيدة عن أسمائه تع�اىل كالوجه‬
‫واليدين‪ ،‬وقد أشكل معناها عىل املتكلمني‪ ،‬إال أن املقصود منها ج ّ‬
‫يل يف الغالب ال حيتاج إىل‬
‫تكلف‪ ،‬وما بعد املقصود ال ينفع اإلنسان‪ ،‬ولو علم اهلل أنه ينفعه لفصله‪ ،‬واهلل أعلم ‪.‬‬
‫‪ -4‬عقيدة القدر‪ ،‬ويمكن متابعتها يف القرآن عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫أ‪ -‬أثبت القرآن هلل تعاىل اإلرادة املطلقة‪ :‬ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ [الربوج‪.]١٦ :‬‬
‫ب‪ -‬وم�ع اإلرادة املطلقة‪ ،‬أثبت القرآن الع�دل اإلهلي‪ :‬ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫[النساء‪.]٤٠ :‬‬
‫ج�ـ‪ -‬وأن�ه تعاىل جعل الدنيا دار ابتلاء ال دار عدل وجزاء‪ ،‬فقد يبتيل إنس�ان ًا باملرض‬
‫وآخ�ر يبتلي�ه بالصح�ة!! ويبتيل إنس�ان ًا بالفقر وآخ�ر بالغنى!! وهك�ذا ﭽ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﭼ [األنبي�اء‪.] ٣٥ :‬‬
‫د‪ -‬وعىل هذا حث القرآن عىل الصرب والش�كر‪ ،‬الصرب عىل املصيبة والشكر عىل النعمة‪،‬‬
‫إذ الصرب والش�كر ثمرتا االبتالء املتقدم‪ :‬ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ‬
‫[حممد‪ ، ]٣١ :‬ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ [النحل‪.]١١٤ :‬‬
‫ه�ـ‪ -‬وطال�ب املس�لم أن ال خيش�ى املس�تقبل املجهول‪ ،‬ف�كل يشء بقدر‪ ،‬وهو مس�تعد‬
‫لالبتالء املستمر بالرش واخلري‪ ،‬وإن احلذر ال يقي من القدر‪ ،‬وإن اهلرب ال ينجي من املوت‪،‬‬
‫ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﭼ [آل عمران‪،]١٥٤ :‬‬
‫وإن هذه العقيدة هي التي فعلت األعاجيب يف ميادين الوغى وسوح االستشهاد!!‪.‬‬
‫هذه عقيدة واضحة جلية‪ ،‬ويقابلها عقيدة األمر‪ ،‬وهي أيض ًا واضحة‪ ،‬فاهلل يأمر عباده بام‬
‫يشاء‪ ،‬ويثبت القرآن إرادة اإلنسان احلرة التي قام عىل أساسها تكليفه باألمر‪:‬‬
‫‪191‬‬

‫ﭽﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬
‫ﭸﭼ الش�مس‪ ،‬والقرآن ينس�ب الفعل لفاعله طاعة أو معصي�ة‪ ،‬ومل يتطرق القرآن إىل‬
‫تلك األسئلة احلرجة التي تريد أن تكشف وجه العالقة بني إرادة اهلل املطلقة وإرادة اإلنسان‬
‫يف تنفيذ األمر‪ ،‬ألن هذا‪-،‬لو صدق اإلنسان مع نفسه‪ -‬ال قيمة له يف ميدان العمل!!‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يف موضوع «النبوات» بحث القرآن املسائل اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬أمهي�ة وج�ود األنبياء والرس�ل ‪-‬عليهم الصالة والسلام‪ ،-‬وبني الق�رآن أمهيتهم‬
‫م�ن خالل مؤرشات كثرية‪ ،‬منها ربط اإليامن هب�م باإليامن باهلل‪ -‬تبارك وتعاىل‪ ،-‬ومنها كرب‬
‫املس�احة التي اقتطعها مبحث النبوات من جممل آيات القرآن الكريم‪ ،‬ومنها إنذار املكذبني‬
‫هلم بالعقاب الشديد يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫فص�ل الق�رآن صفاهتم املتعلق�ة بوظيفته�م الرئيس�ية‪ ،‬كالصدق والتبلي�غ واألمانة‬ ‫‪ّ -2‬‬
‫واحلكمة وحس�ن القيادة ولني اجلانب والش�جاعة‪ ،‬ولكي ال يذهب املغالون هبذه الصفات‬
‫بعي�د ًا فيخلط�وا بني مق�ام العبد ومقام املعبود س�جل القرآن م�ؤرشات برشيتهم كاملرض‪،‬‬
‫واجل�وع‪ ،‬والتعب‪ ،‬ثم بني بعض الزالت التي وقعوا هب�ا‪ ،‬وكل هذا ليحدث القرآن املوازنة‬
‫املطلوبة يف التصور الصحيح عن مقام النبوة‪.‬‬
‫‪ -3‬وبين الق�رآن مهمته�م األساس�ية‪ ،‬وه�ي التبلي�غ‪ :‬ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ‬
‫[الش�ورى‪ ،]٤٨ :‬وبني م�ا يتعلق هبا كاجلهاد‪ ،‬واألم�ر باملع�روف والنه�ي ع�ن املنك�ر‪.‬‬
‫‪ -4‬وذكر القرآن بعض ًا من أسامء الرسل‪ -‬عليهم الصالة والسالم‪ -‬وسكت عن آخرين‪:‬‬
‫ﭽ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ [غافر‪ ،]٧٨ :‬وقد اهتم القرآن‬
‫بقصص بعضهم أكثر من اآلخرين‪ ،‬وأبرز قصة رعاها القرآن واهتم هبا هي قصة موس�ى‪-‬‬
‫ابن�ا‪ ،‬وأخ ًا‪ ،‬وزوج ًا‪،‬‬
‫ورضيع�ا‪ ،‬وكبري ًا‪ ،‬وحتدث عنه ً‬
‫ً‬ ‫علي�ه السلام‪ ،-‬فقد حتدث عنه مح ً‬
‫ال‪،‬‬
‫ونبي� ًا‪ ،‬وحت�دث عن�ه ضعيف ًا‪ ،‬وقوي� ًا‪ ،‬وطري�د ًا‪ ،‬وقائد ًا‪ ،‬وحت�دث عنه وهو حياج�ج فرعون‬
‫وقوم�ه‪ ،‬وهو يتحدى الس�حرة‪ ،‬وهو يقود بن�ي إرسائيل‪ ،‬ويعاين منهم م�ا يعاين ولكن هذا‬
‫كله مقصود – الش�ك – فالش�خصية الفرعونية ش�خصية مكررة يف التاريخ ومش�اكل بني‬
‫إرسائيل مشاكل متكررة أيض ًا‪ ،‬بل إن عرض النفسية اإلرسائيلية من خالل تأرخيها الطويل‬
‫نافع لألمة اإلسالمية يف رصاعها الطويل مع أولئك‪.‬‬
‫‪ -5‬وحت�دث القرآن عن دلي�ل صدق األنبياء‪ ،‬فذكر مع أغل�ب األنبياء معجزات يعجز‬
‫البرش عن أن يأتوا بمثلها‪ ،‬فذكر عن نار إبراهيم‪ ،‬وعصا موس�ى‪ ،‬وإحياء عيس�ى لألموات‪،‬‬
‫‪192‬‬

‫ومعجزة القرآن اخلالدة‪.‬‬


‫‪ -6‬وحتدث القرآن عن الوحي بمقدار ما حيتاجه اإلنسان‪ ،‬فبني أن ال طريق لسامع كالم‬
‫اهلل‪ ،‬إال عن طريق اإلهلام‪ ،‬أو من وراء حجاب‪ ،‬أو يرس�ل ملك ًا مكلف ًا بإيصال الرس�الة إىل‬
‫الرسول البرشي‪ ،‬ومل يشأ القرآن أن خيوض بنا يف غامر الغيب املطلق‪.‬‬
‫‪ -7‬وحت�دث الق�رآن ع�ن الرس�االت الس�ابقة فذك�ر الت�وراة‪ ،‬واإلنجي�ل‪ ،‬والزب�ور‪،‬‬
‫والصح�ف‪ ،‬وأكث�ر احلدي�ث عن الت�وراة‪ ،‬ثم ع�ن اإلنجي�ل‪ ،‬واخترص حديثه ع�ن الزبور‬
‫والصحف‪ ،‬والغاية من كل هذا واضحة ومعروفة‪.‬‬
‫‪ -8‬وحت�دث الق�رآن ع�ن القرآن‪ ،‬وبين أنه معجز‪ ،‬وحت�دى اإلنس واجل�ن‪ :‬ﭽ ﭜ ﭝ‬
‫ﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬﭭ‬
‫ﭮ ﭼ [اإلرساء‪ ،]٨٨ :‬وبين أن�ه عام لكل الن�اس‪ :‬ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ‬
‫ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ الفرق�ان‪ ،‬وبّي�نّ أن�ه بيان وتفصيل ل�كل يشء‪ ،‬وأنه حمفوظ ال‬
‫يأتي�ه الباط�ل من بني يديه وال من خلفه‪ ،‬وأنه الرس�الة اخلامتة التي جاء هبا خاتم املرس�لني‬
‫عليه أفضل الصالة وأتم التسليم‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ويف موضوع “السمعيات” حتدث القرآن بإسهاب عن اليوم اآلخر‪ ،‬ذاكرا حتميته‪،‬‬
‫ودلي�ل ثبوته‪ ،‬وناقش املرشكين يف ذلك‪ :‬ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫وفص�ل الق�ول في�ه فتحدث عن‬ ‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ ي�س‪ّ ،‬‬
‫املوت والربزخ‪ ،‬وحتدث عن الس�اعة وأرشاطها‪ ،‬وحتدث عن البعث‪ ،‬واحلرش‪ ،‬واحلساب‪،‬‬
‫ال ش�فاعة األوثان‪ ،‬وش�فاعة م�ن مل يأذن له اهلل‪،‬‬ ‫واجلن�ة‪ ،‬والنار‪ ،‬وحتدث عن الش�فاعة مبط ً‬
‫ومثبت ًا الش�فاعة احلقة التي تكون بعد إذن اهلل‪ -‬تبارك وتعاىل‪ ،-‬وحتدث عن تفاصيل النعيم‬
‫األخروي بأس�اليب متنوع�ة‪ ،‬جتعل القارئ كأنه يلمس�ها ويتذوقها‪ ،‬وحت�دث عن العذاب‬
‫وصوره بالطريقة التي جتعل اإلنس�ان هيرب من التفكري بمعصية اهلل‪ ،‬وكان لكل هذا الدور‬
‫الكبري يف تقويم اإلنسان وتطهري املجتمع‪.‬‬
‫وحتدث القرآن يف موضوع الس�معيات عن بعض الع�وامل الغيبية فتحدث عن املالئكة‪،‬‬
‫وكان حديث�ه عنه�م منصب ًا عىل اجلوانب املسيس�ة بميدانن�ا التكليفي‪ ،‬مبتعدا عام ال يمس�نا‬
‫نحن‪ ،‬فرتاه حيدثنا عن وظائفهم املتعلقة بنا كإيصال الرسالة وقبض األرواح ونرص املؤمنني‬
‫واالس�تغفار هلم‪ ،‬وتس�جيل احلسنات والسيئات ونحو هذا‪ ،‬بينام مل حيدثنا القرآن عن طبيعة‬
‫حياهتم وأعامرهم وعالقة بعضهم ببعض‪ ،‬ونحو هذا‪.‬‬
‫‪193‬‬

‫وحدثنا القرآن عن اجلن مما يمس واقعنا أيض ًا‪ ،‬فقسمهم إىل صاحلني وطاحلني‪ ،‬وحذرنا‬
‫من اتباع وساوس شياطينهم‪ ،‬ورضب لنا مث ً‬
‫ال عن غواية أيب الشياطني «إبليس» ألبينا آدم‪-‬‬
‫عليه السلام‪ ،-‬ومل حيدثنا الق�رآن عن اجلن من حيث حياهتم وأعامرهم ومعيش�تهم ونحو‬
‫هذا‪ ،‬وكل هذا يؤكد قضية كبرية وهي أن عقيدة القرآن عقيدة عملية‪ ،‬هتتم باجلانب العميل‬
‫النافع‪ ،‬مبتعد ًا عن اجلانب النظري املجرد‪.‬‬
‫ه�ذه ه�ي خالص�ة العقي�دة القرآنية وق�د رأيته�ا كاملة من غير نقص‪ ،‬س�هلة من غري‬
‫غموض‪ ،‬متناسبة مع كل الناس عىل اختالف مستوياهتم العقلية والنفسية‪ ،‬قادرة عىل إقناع‬
‫رائد الفضاء‪ ،‬وراكب اجلمل‪.‬‬
‫وه�ذه باختص�ار هي مجلة ما خطر يف بايل وأنا أق ّل�ب الصفحة األخرية من هذا البحث‪،‬‬
‫وربام يس�تطيع القارئ أن يس�جل اس�تنتاجات أو مالحظات أخرى‪ ،‬وكيل أذن صاغية ملن‬
‫هيدي إ ّيل أي مقرتح أو نصيحة‪ ،‬ونسأله تعاىل يف اخلتام حسن اخلامتة‪.‬‬

‫تم بحمد اهلل ‪..‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪195‬‬

‫امل�صادر‬
‫‪1)1‬اإلرشاد إىل واقع األدلة يف أصول االعتقاد‪ :‬إمام احلرمني أبو املعايل اجلويني‪ ،‬حتقيق‬
‫حممد يوسف وعيل عبد املنعم‪ ،‬مرص‪ /‬مكتبة اخلانجي‪1369 ،‬هـ(‪ )1950‬م‪.‬‬
‫‪2)2‬االس�تخالف والرتكي�ب االجتامع�ي يف اإلسلام‪ :‬د‪ .‬عب�د اجلب�ار الس�بهاين‪،‬‬
‫وه�ي رس�الة ماجس�تري نوقش�ت يف جامع�ة بغ�داد‪ /‬كلي�ة اإلدارة واالقتص�اد‪،‬‬
‫‪1405‬ه�ـ(‪ )1980‬م‪.‬‬
‫‪3)3‬األسماء والصفات‪ :‬البيهقي‪ ،‬املطبوع مع كتاب(فرقان القرآن) بريوت‪ /‬دار إحياء‬
‫الرتاث العريب‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪4)4‬أص�ول الدع�وة‪ :‬د‪ .‬عب�د الكري�م زي�دان‪ ،‬بيروت‪ /‬مؤسس�ة الرس�الة‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1408‬هـ(‪)1987‬م‪.‬‬
‫‪5)5‬أصول الدين اإلسلامي‪ :‬د‪ .‬رش�دي عليان‪ ،‬و د‪ .‬قحطان الدوري‪ ،‬جامعة بغداد‪،‬‬
‫ط‪1406 ،3‬هـ(‪)1986‬م‪.‬‬
‫‪6)6‬االعتقاد واهلداية إىل سبيل الرشاد عىل مذهب السلف وأصحاب احلديث‪ :‬أبو بكر‬
‫البيهقي‪ ،‬بريوت‪ /‬دار اآلفاق اجلديدة‪ ،‬ط‪1401 ،1‬هـ(‪)1981‬م‪.‬‬
‫‪7)7‬إنجيل متى‪ :‬املطبوع ضمن(العهد اجلديد) ومل أجد عليه اسم املطبعة وال التاريخ‪.‬‬
‫‪8)8‬أهوال القيامة‪ :‬عبد امللك الكليب‪ ،‬دار األنبار للطباعة والنرش‪ ،‬ط‪1410 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪9)9‬التجريد الرصيح‪ ،‬خمترص صحيح البخاري‪ :‬احلسني بن املبارك الزبيدي‪ ،‬دار إحياء‬
‫العلوم‪ ،‬بريوت ط‪1406 ،1‬هـ(‪)1986‬م‪.‬‬
‫‪1010‬التذكرة‪ :‬القرطبي‪ ،‬القاهرة‪ /‬دار الريان‪ ،‬ط‪1407 ،2‬هـ(‪)1987‬م‪.‬‬
‫‪1111‬التصوير الفني يف القرآن‪ :‬سيد قطب‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪1212‬التعبري القرآين‪ :‬د‪ .‬فاضل السامرائي‪ ،‬جامعة بغداد‪ /‬بيت احلكمة‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪1313‬تفسري آيات الصفات‪ :‬د‪ .‬حمسن عبد احلميد‪ ،‬ليس عليه دار النرش وال التاريخ‪.‬‬
‫‪1414‬تفسير اب�ن عطي�ة األندلسي‪ ،‬وزارة األوق�اف والش�ؤون اإلسلامية‪ ،‬قطر ط‪،1‬‬
‫‪1405‬هـ(‪)1985‬م‪.‬‬
‫‪1515‬تفسري ابن كثري املسمى (تفسري القرآن العظيم)‪ :‬اإلمام ابن كثري الدمشقي‪ ،‬بريوت‪/‬‬
‫‪196‬‬

‫دار اجليل‪ ،‬ط‪1410 ،2‬هـ(‪)1990‬م‪.‬‬


‫‪1616‬تفسير الزخمشري املسمى(الكش�اف)‪ :‬حممود ب�ن عمر الزخمرشي‪ ،‬بيروت‪ /‬دار‬
‫الكتاب العريب‪ ،‬ط‪1407 ،3‬هـ(‪)1987‬م‪.‬‬
‫‪1717‬تفسير الطربي املس�مى(جامع البي�ان)‪ :‬ابن جري�ر الطربي‪ ،‬بيروت‪ /‬دار الفكر‪،‬‬
‫‪1408‬هـ(‪)1988‬م‪.‬‬
‫‪1818‬تفسير النس�في‪ :‬أبو البركات عبد اهلل بن أمحد بن حممود النس�في‪ ،‬مرص‪ /‬عيس�ى‬
‫البايب احللبي ورشكاه‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪1919‬تنبيهات يف الرد عىل من تأول الصفات‪ :‬الش�يخ عبد العزيز بن باز والش�يخ صالح‬
‫ب�ن فوزان الف�وزان‪ ،‬الرياض‪ /‬الرئاس�ة العام�ة إلدارة البحوث العلمي�ة واإلفتاء‬
‫والدعوة واإلرشاد‪)1405( ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2020‬هتافت الفالس�فة‪ :‬حجة اإلسلام الغ�زايل‪ ،‬حتقيق‪ :‬د‪ .‬س�ليامن دني�ا‪ ،‬القاهرة‪ /‬دار‬
‫املعارف‪)1966( ،‬م‪.‬‬
‫‪2121‬التوحيد وإثبات صفات الرب‪ :‬ابن خزيمة‪ ،‬املطبعة املنريية‪1354 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2222‬حوار صحفي مع جني مسلم‪ :‬حممد عيسى داود‪ ،‬ط‪1413 ،1‬هـ(‪)1992‬م‪.‬‬
‫‪2323‬دف�اع ع�ن العقيدة والرشيع�ة ضد مطاعن املس�ترشقني‪ :‬حممد الغ�زايل‪ ،‬دار الكتب‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ط‪1408 ،5‬هـ(‪)1988‬م‪.‬‬
‫‪2424‬دالئ�ل التوحي�د‪ :‬مج�ال الدين القاس�مي‪ ،‬القاه�رة‪ /‬مكتب�ة الثقاف�ة الدينية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1406‬هـ(‪)1986‬م‪.‬‬
‫‪2525‬السراج الوه�اج‪ ،‬رشح عىل صحيح مس�لم‪ :‬صدّ يق حس�ن خان‪ ،‬حتقي�ق‪ :‬عبداهلل‬
‫األنصاري‪ ،‬وزارة األوقاف‪ ،‬قطر د ت‪.‬‬
‫‪2626‬سنن أيب داود‪ :‬القاهرة‪ /‬دار احلديث‪1408 ،‬هـ(‪)1988‬م‪.‬‬
‫‪2727‬س�نن الرتم�ذي‪ :‬املس�مى(اجلامع الصحي�ح) بتحقي�ق ورشح أمح�د حممد ش�اكر‪،‬‬
‫بريوت‪ /‬دار الكتب العلمية‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪2828‬السرية النبوية‪ :‬احلافظ ابن كثري الدمشقي‪ ،‬بريوت‪ /‬دار الكتب العلمية‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪2929‬رشح األص�ول اخلمس�ة‪ :‬الق�ايض عب�د اجلب�ار‪ ،‬القاه�رة‪ /‬مكتب�ة وهب�ة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1384‬هـ(‪)1965‬م‪.‬‬
‫‪3030‬رشح العقيدة الواسطية‪ :‬البن تيمية‪ ،‬حممد خليل هراس‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪،‬‬
‫‪197‬‬

‫الرئاسة العامة إلدارات البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪1407 ،‬هـ‪.‬‬


‫‪3131‬صحيح مسلم برشح النووي‪ :‬بريوت‪ /‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪3232‬الصف�ات اخلربي�ة عند أهل الس�نة واجلامع�ة‪ :‬د‪ .‬حممد عي�اش الكبيسي‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫املكتب املرصي احلديث‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪3333‬العقيدة اإلسلامية وأساس�ها‪ :‬عبد الرمحن حس�ن حبنكة املي�داين‪ ،‬دار القلم ط‪،2‬‬
‫‪1399‬هـ(‪)1979‬م‪.‬‬
‫‪3434‬العقي�دة وأثره�ا يف بن�اء اجلي�ل‪ :‬د‪ .‬عب�د اهلل ع�زام‪ ،‬عّم�اّ ن‪ /‬مكتبة األقصى‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1400‬هـ(‪)1980‬م‪.‬‬
‫‪3535‬العقي�دة والفط�رة يف اإلسلام‪ :‬صاب�ر طعيم�ة‪ ،‬بيروت‪ /‬دار اجلي�ل‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1398‬هـ(‪)1978‬م‪.‬‬
‫‪36 36‬فت�ح الب�اري رشح صحي�ح البخ�اري‪ :‬اب�ن حجر العس�قالين‪ ،‬بيروت‪ /‬دار‬
‫الفك�ر‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪3737‬يف ظالل القرآن‪ :‬سيد قطب‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬ط‪1405 ،11‬هـ(‪)1985‬م‪.‬‬
‫‪3838‬الق�رآن وامللح�دون‪ :‬حمم�د ع�زة دروزة‪ ،‬دمش�ق‪ /‬املكت�ب اإلسلامي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1393‬هـ(‪)1973‬م‪.‬‬
‫‪3939‬قصة اإليامن بني الفلسفة والعلم والقرآن‪ :‬نديم اجلرس‪ ،‬بغداد‪ /‬دار الرتبية‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪4040‬جمم�وع فتاوي ش�يخ اإلسلام أمح�د بن تيمي�ة‪ :‬مجع عب�د الرمحن حمم�د العاصمي‬
‫النجدي احلنبيل‪ ،‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪4141‬خمت�ار الصح�اح‪ :‬حمم�د ب�ن أيب بك�ر ال�رازي‪ ،‬الكوي�ت‪ /‬دار الرس�الة‪،‬‬
‫‪1403‬ه�ـ(‪)1983‬م‪.‬‬
‫‪4242‬مشاهد القيامة يف القرآن‪ :‬سيد قطب‪ ،‬إيران‪ /‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪4343‬مع األنبياء يف القرآن الكريم‪ :‬عفيف عبد الفتاح طبارة‪ ،‬بريوت‪ /‬دار العلم للماليني‬
‫ط‪)1985(15‬م‪.‬‬
‫‪4444‬املالئكة‪ :‬س�عيد النوريس‪ ،‬ترمجة احسان قاسم الصاحلي‪ ،‬املوصل‪ /‬مطبعة الزهراء‬
‫احلديثة‪ ،‬ط‪1404 ،1‬هـ(‪)1984‬م‪.‬‬
‫‪4545‬املواقف‪ :‬عضد الدين االجيي‪ ،‬بريوت‪ /‬عامل الكتب‪ ،‬د ت‪.‬‬
‫‪4646‬هناي�ة اإلقدام يف عل�م الكالم‪ ،‬حممد عبد الكريم الشهرس�تاين‪ ،‬حتقي�ق الفرد جيوم‬
‫‪198‬‬

‫املوجودة يف املكتبة املركزية جلامعة بغداد ومل أجد عليها دار الطبع وال التاريخ‪.‬‬
‫‪4747‬اهل�دي والبي�ان يف أسماء الق�رآن‪ :‬صالح ب�ن إبراهي�م البليهي‪ ،‬الري�اض‪ /‬املطابع‬
‫األهلية‪ ،‬ط‪1397 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪4848‬الي�وم اآلخ�ر‪ :‬د‪ .‬عم�ر س�ليامن األش�قر‪ ،‬الكوي�ت‪ /‬مطبع�ة الفلاح‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1408‬هـ(‪)1988‬م‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫‪199‬‬

‫فهر�س املحتويات‬

‫مقدمة النارش ‪7.........................................................................‬‬


‫مقدمة الكتاب ‪9........................................................................‬‬
‫الفصل األول ‪11.......................................................................‬‬
‫مدخل عام‪11..........................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬العقيدة واإليامن ‪11.....................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬العقيدة واالستخالف ‪11................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬العقيدة والوالء ‪11.....................................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬سامت عامة ملنهج القرآن يف عرض العقيدة ‪11...........................‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬آثار املنهج القرآين‪11..................................................‬‬
‫املبحث األول‪13.......................................................................‬‬
‫العقيدة واإليامن‪13.....................................................................‬‬
‫املبحث الثاين ‪17.......................................................................‬‬
‫العقيدة واالستخالف‪17...............................................................‬‬
‫املبحث الثالث ‪21......................................................................‬‬
‫العقيدة والوالء ‪21.....................................................................‬‬
‫املبحث الرابع‪25.......................................................................‬‬
‫سامت عامة ملنهج القرآن يف عرض العقيدة‪25...........................................‬‬
‫السمة األوىل‪25...................................................................... :‬‬
‫السمة الثانية‪28....................................................................... :‬‬
‫السمة الثالثة‪29....................................................................... :‬‬
‫السمة الرابعة‪31...................................................................... :‬‬
‫اجلانب األول‪ :‬العبادة‪32............................................................. :‬‬
‫اجلانب الثاين‪ :‬اجلهاد‪32.............................................................. :‬‬
‫‪200‬‬

‫اجلانب الثالث‪ :‬الوالء والرباء‪32...................................................... :‬‬


‫اجلانب الرابع‪ :‬األخالق ‪33............................................................‬‬
‫اجلانب اخلامس‪ :‬السياسة واحلكم‪33.................................................. :‬‬
‫اجلانب السادس‪ :‬االقتصاد‪33........................................................ :‬‬
‫اجلانب السابع‪ :‬األحوال الشخصية‪34................................................ :‬‬
‫اجلانب الثامن‪ :‬العقوبات واحلدود‪34................................................. :‬‬
‫السمة اخلامسة‪34.................................................................... :‬‬
‫املبحث اخلامس‪41.....................................................................‬‬
‫آثار املنهج القرآين ‪41...................................................................‬‬
‫الفصل الثاين‪47........................................................................‬‬
‫اإلهليات ‪47............................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬إثبات وجود اهلل ‪47.....................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬التوحيد ‪47..............................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬األسامء والصفات ‪47..................................................‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬القدر ‪47...............................................................‬‬
‫املبحث األول‪49.......................................................................‬‬
‫إثبات وجود اهلل‪49.....................................................................‬‬
‫املبحث الثاين ‪55.......................................................................‬‬
‫التوحيد‪55.............................................................................‬‬
‫الدليل األول‪62...................................................................... :‬‬
‫الدليل الثاين‪63....................................................................... :‬‬
‫الدليل الثالث‪64..................................................................... :‬‬
‫الدليل الرابع‪64...................................................................... :‬‬
‫الدليل اخلامس‪65.................................................................... :‬‬
‫املبحث الثالث ‪69......................................................................‬‬
‫األسامء والصفات‪69...................................................................‬‬
‫‪ -1‬أسامء اهلل تعاىل‪69................................................................. :‬‬
‫‪201‬‬

‫‪ -2‬صفاته تعاىل‪73....................................................................:‬‬
‫القسم األول‪73...................................................................... :‬‬
‫القسم الثاين‪73....................................................................... :‬‬
‫القسم الثالث‪74...................................................................... :‬‬
‫القسم الرابع‪79...................................................................... :‬‬
‫أسامء اهلل احلسنى‪80....................................................................‬‬
‫صفات اهلل تعاىل ‪80....................................................................‬‬
‫املبحث الرابع‪81.......................................................................‬‬
‫ال َقدَ ْر ‪81...............................................................................‬‬
‫الفصل الثالث ‪87......................................................................‬‬
‫ال ُّنبوات‪87.............................................................................‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬األنبياء والرسل عليهم الصالة السالم ‪87............................ .‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬الوحي والرساالت ‪87............................................... .‬‬
‫املبحث األول‪89.......................................................................‬‬
‫األنبياء والرسل‪89.....................................................................‬‬
‫ال‪ :‬مصطلحا النبي والرسول يف القرآن‪89........................................... :‬‬ ‫أو ً‬
‫ثاني ًا ‪ :‬أمهية اإليامن األنبياء ‪90......................................................... :‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬وظيفة الرسل عليهم الصالة والسالم‪91....................................... :‬‬
‫رابع ًا ‪ :‬صفاهتم عليهم الصالة والسالم ‪94.............................................:‬‬
‫‪ -1‬األمانة والصدق يف التبليغ ‪94..................................................... :‬‬
‫‪ -2‬اخللق الكريم ‪95..................................................................:‬‬
‫أ ‪ -‬التجرد هلل تعاىل يف الدعوة ‪95..................................................... :‬‬
‫ب ‪ -‬الصدق‪95...................................................................... :‬‬
‫ج ‪ -‬األمانة‪95........................................................................ :‬‬
‫د ‪ -‬العفاف والطهر‪96................................................................ :‬‬
‫هـ ‪ -‬احللم والصرب‪96.................................................................:‬‬
‫و ‪ -‬اللني والتواضع‪96................................................................:‬‬
‫‪202‬‬

‫ز ‪ -‬الشجاعة ‪97......................................................................:‬‬
‫‪ -3‬الفطانة واحلكمة وقوة احلجة ‪97.................................................. :‬‬
‫‪ -4‬صفاهتم البرشية ‪100............................................................. :‬‬
‫خامس ًا ‪ :‬أسامؤهم يف القرآن الكريم ‪103.............................................. :‬‬
‫املسألة األوىل ‪105................................................................... :‬‬
‫املسألة الثانية ‪106.................................................................... :‬‬
‫املسألة الثالثة‪107.....................................................................:‬‬
‫سادسا‪ :‬دالئل صدقهم يف أدعائهم النبوة‪108......................................... :‬‬
‫سابعا ‪ :‬أخبارهم ‪111................................................................ :‬‬
‫النموذج األول‪ :‬امللوك‪114.......................................................... :‬‬
‫النموذج الثاين‪ :‬األغنياء املرتفون‪114..................................................:‬‬
‫النموذج الثالث‪ :‬الفقراء واملستضعفون‪115........................................... :‬‬
‫النموذج الرابع‪ :‬املطففون‪115........................................................ :‬‬
‫النموذج اخلامس‪ :‬الشا ّذون‪115...................................................... :‬‬
‫النموذج السادس‪ :‬املسجونون‪115................................................... :‬‬
‫النموذج السابع‪ :‬األقربون‪115....................................................... :‬‬
‫املثال األول‪ :‬سحرة فرعون‪122...................................................... :‬‬
‫املثال الثاين‪ :‬مؤمن آل فرعون‪122.................................................... :‬‬
‫املثال الثالث‪ :‬جيش طالوت‪122.................................................... . :‬‬
‫املثال الرابع‪ :‬صحابة رسول اهلل حممد ﷺ ‪122..........................................‬‬
‫املبحث الثاين ‪127.....................................................................‬‬
‫الوحي والرساالت ‪127...............................................................‬‬
‫ال‪ :‬الوحي‪127.....................................................................:‬‬ ‫أو ً‬
‫القسم األول‪ :‬موقف القرآن من الرساالت السابقة‪129............................... :‬‬
‫أ‪ -‬التوراة ‪129....................................................................... :‬‬
‫املثال األول‪129..................................................................... :‬‬
‫املثال الثاين ‪130...................................................................... :‬‬
‫‪203‬‬

‫ب‪ -‬اإلنجيل‪130.................................................................... :‬‬


‫ج ‪ -‬الزبور‪132...................................................................... :‬‬
‫د‪ :‬الصحف‪133......................................................................:‬‬
‫هـ ‪ -‬األلواح‪133.....................................................................:‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬القرآن يف القرآن‪135.................................................... :‬‬
‫‪ -1‬أسامء القرآن وصفاته‪135.........................................................:‬‬
‫‪ -2‬نزول القرآن‪136................................................................. :‬‬
‫‪ -3‬شمولية القرآن‪136...............................................................:‬‬
‫‪-4‬عمومية القرآن للناس كافة بل وحتى اجلن‪137.................................... :‬‬
‫ولنقرأ‪137........................................................................... :‬‬
‫‪-5‬أنه معجزة ال يقدر أحد أن يأيت بمثله أبد ًا‪138..................................... :‬‬
‫ولنقرأ‪138........................................................................... :‬‬
‫‪ -6‬أن اهلل تكفل بحفظه‪ :‬ولنقرأ‪138..................................................:‬‬
‫‪ -7‬أن القرآن فيه حمكم ومتشابه‪ :‬ولنقرأ‪139..........................................:‬‬
‫الفصل الرابع ‪145.....................................................................‬‬
‫السمعيات‪145........................................................................‬‬
‫املبحث األول‪ :‬اليوم اآلخر‪145........................................................‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬املالئكة ‪145............................................................‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬اجلن‪145..............................................................‬‬
‫املبحث األول‪147.....................................................................‬‬
‫اليوم اآلخر ‪147.......................................................................‬‬
‫النقطة األوىل‪ :‬أدلة وجود اليوم اآلخر ومناقشة املنكرين‪148...........................:‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬وصف اليوم اآلخر بصورة إمجالية‪152..................................:‬‬
‫النقطة الثالثة‪ :‬تفاصيل أحداث اليوم اآلخر‪153....................................... :‬‬
‫املبحث الثاين ‪171.....................................................................‬‬
‫املالئكة ‪171...........................................................................‬‬
‫النموذج األول‪174.................................................................. :‬‬
‫‪204‬‬

‫النموذج الثاين‪174................................................................... :‬‬


‫النموذج الثالث‪174................................................................. :‬‬
‫املبحث الثالث ‪177....................................................................‬‬
‫اجلن‪177..............................................................................‬‬
‫القسم األول‪ :‬احلديث عن اجلن بصورة عامة‪177..................................... :‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬إبليس والشياطني‪179...................................................:‬‬
‫اخلامتــة ‪187..........................................................................‬‬
‫املحور األول‪ :‬مفهوم العقيدة ومنهج القرآن يف عرضها‪187........................... :‬‬
‫املحور الثاين‪ :‬خالصة العقيدة التي جاء هبا القرآن‪188.................................:‬‬
‫املصادر ‪195...........................................................................‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

You might also like