Professional Documents
Culture Documents
المحكم في العقيدة PDF
المحكم في العقيدة PDF
وقفة احرتام
لو كنت منحني ًا لغري الله النحنيت لها
ولكني �أقف �أمامها باحرتام...
داعي ًا املوىل الكرمي...
�أن يجزيها �سعادة الدارين...
تلك التي �أر�ضعتنا حب الإميان...
و�أقامت يف بيتنا مدر�سة للقر�آن...
معلمة اخلري وداعية احلق...
�أمي...
حممد
7
مقدمة النا�رش
احلمد هلل وحده ،والصالة والسالم عىل من ال نبي بعده ،سيدنا وقدوتنا حممد ،وعىل آله
وصحبه أمجعني ،وبعد:
ف�إن األم�ة يف مرحلته�ا الغثائي�ة الراهن�ة ،واملتس�مة بالوه�ن ،والتف�رق ،والش�تات،
واالضط�راب يف ع�امل التصورات واألف�كار ،لفي حاجة ماس�ة إىل جتديد بنائه�ا الفكري،
وتنظيم عامل التصورات واألفكار لدهيا ،وذلك بالرجوع إىل كتاب رهبا الذي ال يأتيه الباطل
من بني يديه وال من خلفه ،ودراس�ته دراس�ة متجردة ،ومن ثم اس�تخالص املناهج يف كل
جمال من جماالت احلياة .
وإن أوىل املناهج باالس�تخالص من الق�رآن منهج العقيدة ،إذ هي أهم موضوع جاءت
به الرس�الة اإلسلامية ،وهي األصل الذي بني عليه دين اإلسلام ،وقام�ت عليه حضارة
اإلسالم ،وأسست عليه كل العلوم اإلسالمية كعلم التفسري واحلديث والفقه ..وغريها .
ومم�ا يؤك�د أولوية اس�تخالص منه�ج العقيدة من الق�رآن وأمهيته أن ج�ل املؤلفات يف
العقي�دة ال ختلو م�ن تأثر بمنهج البحث يف العلم املوس�وم بـ”علم ال�كالم” ،وهو منهج مل
ينشأ أساس ًا لتأصيل العقيدة اإلسالمية وإنام للدفاع عنها ضد املشككني والطاعنني؛ فبالتايل
هو منهج ال يبني العقيدة الصحيحة يف النفوس ،وال حيرك القلوب ،وال يشحذ اهلمم لطاعة
اهلل –ع�ز وجل ،-فه�و منهج نظري بحت ،يقوم عىل اجلدل واملناقش�ة ،وال يرتقي البتة إىل
مستوى املنهج القرآين يف وضوحه وتكامله وواقعيته وتأثريه .
ورغم أن هناك حماوالت لتجاوز ما علق بموضوع العقيدة من آثار منهج “علم الكالم”،
وحماوالت لعرض موضوع العقيدة صافي ًا نقي ًا كام هو يف القرآن الكريم ،إال أهنا ال تكاد ختلو
من تأثر بتداعيات ذلك املنهج ،ومل تلتزم التزام ًا تام ًا بمنهج القرآن ،ومل تستوعب كل أصول
العقيدة واملسائل املهمة املتعلقة هبا ،وال يزال املوضوع بحاجة للمزيد من املحاوالت .
واملحاولة التي بني أيدينا للشيخ الفطن والداعية املوهوب الدكتور حممد عياش الكبييس
–حفظه اهلل -تشترك مع املحاوالت الس�ابقة يف اهلدف ،إال أهنا متتاز عنها يف األس�لوب
والش�مول وااللتزام باملنهج ،فقد اس�تخلص املؤلف –حفظه اهلل -العقيدة اإلسلامية من
القرآن الكريم واضحة جلية ،مؤثرة فاعلة ،مستوعب ًا ما حيتاجه املسلم من عقيدته يف ميدان
العمل والتكليف ،تارك ًا املباحث التي تدخل يف دائرة اجلدل والتكليف.
8
وإننا نأمل أن يكون هذا الكتاب حجر األساس يف البناء الفكري لألمة ،لذا حرصنا أن
يكون أول كتاب ننرشه يف هذه السلس�ة “البناء الفكري لألمة الوس�ط” ،ويرسنا أن يكون
باكورة إنتاجنا .
وإيامن ًا منا بأمهية الكتاب ومتيزه حرصنا عىل إخراجه يف شكل الئق بمحتواه ،وأن ندعمه
بنماذج توضيحية ألهم أفكار الكتاب ،بعد موافق�ة املؤلف وتأييده ،وتعاونه معنا يف ذلك،
فجزاه اهلل خري ًا .
ونح�ن إذ نتشرف بتقديم الكتاب إىل القارئ الكريم ،لنس�أل اهلل –عز وجل -أن جيزل
الثواب ملؤلفه عىل جهده املش�كور ،وأن يس�خرنا مجيع ًا خلدمة هذا الدين ،وإحياء األمة من
جديد ،لتكون بحق األمة الوس�ط الش�اهدة عىل األمم ،كام كلفها اهلل :ﭽ ...ﭪ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ...ﭼ [ البقرة. ]١٤٣ :
النا�رش
مقدمة الكتاب
احلمد هلل رب العاملني ،والعاقبة للمتقني ،والصالة والسالم عىل املبعوث رمحة للعاملني،
سيدنا حممد وآله وصحبه أمجعني .
أم�ا بع�د :فلقد ظهرت معجزة القرآن –إضافة إىل نظمه وبيانه -يف ذلك اإلنس�ان الذي
صنعه القرآن ،وذلك اجليل الذي ر ّباه ،وتلك األمة التي أخرجها من الظلامت إىل النور .
ذل�ك الكتاب الذي قرأه اجلاهل فأصب�ح به إمام ًا ،وقرأه الضعيف فأصبح قوي ًا ِمقدام ًا،
وقرأه البخيل فأصبح كري ًام جواد ًا ..قرأه املتخاصمون فمألهم حب ًا ووئام ًا ،وقرأه األشتات
وخلق ًا وفض ً
ال . فأصبحوا خري أمة أخرجت للناس عل ًام ُ
ذل�ك الكت�اب ال�ذي نزل عىل تل�ك اجلبال الس�وداء فجعله�ا منارات للمسرتش�دين،
وانس�اح يف الصحراء فجع�ل منها ينابيع اهلدى هتفو إليها قل�وب املاليني ،من األندلس إىل
شواطئ جاكرتا .
وكلام انتكست األمة عرب تارخيها الطويل ،مدّ القرآن إليها يده ،وأثبت لكل ناظر وسامع
أنه املعجزة اخلالدة ..
واليوم ونحن نعيش نكس�ة مرحلية مثل تلك النكس�ات ،لكنها غريبة يف مسارها ،أليمة
جربناه مرار ًا،يف واقعه�ا ،خطيرة يف نتائجها ،أال جيدر بن�ا أن نرجع إىل ذلك الدواء ال�ذي َّ
فكان الضامد لكل جرح واملَخرج من كل مأزق؟.
إننا نقوهلا بكل أمانة :إن النكس�ات املاضية –عىل خطورهتا -كانت نكس�ات عرضية ،مل
متزق هويتها ،لكنها تغفو ثم تس�تيقظ والق�رآن يف صدورها ،ونداء ُت ْف ِق�د األمة ثوابتها ،ومل ّ
(اهلل أكرب) يف أسامعها ،والكعبة بني عيوهنا.
لقد آن لنا أن ندرك اخلطر األكرب الذي يتهدد مستقبل وجودنا عىل هذه األرض كأمة هلا
تارخيها ،وحضارهتا وهويتها.
مسمى جاء -يبعدنا عن ثوابت القرآن، وآن لنا أن ندرك أيض ًا أن كل اجتهاد – حتت أي ّ
فهو إرساع يف ضياعنا ،وإجهاز عىل بقايا األمل فينا.
إن االجته�ادات الت�ي ال تضبطه�ا قواعد من عقيدة األمة ال يمك�ن بأي حال أن جتتمع
عليها األمة ،والواقع والتاريخ شاهدان.
10
إن الق�رآن م�ا زال ه�و الكتاب املقدس عند كل املس�لمني ،الذي ال جي�رؤ كائن ًا من كان
ٍ
بحرف مما فيه ،وإن دراس ًة ألس�س العقيدة تستند إىل القرآن وحده ،الشك أهنا أن يش�كك
ستسهم يف توحيد منطلقات األمة ومبادئها األساسية.
جتاوزت فيه
ُ بمنهج حمدد وهادف؛
ٍ التزمت فيه
ُ وهذا الكتاب((( خطوة عىل هذا الطريق،
كثري ًا مما علق بأصول الدين من نظرات برشية قارصة ،أو اجتهادات مذهبية متباينة،
واقترصت عىل آيات الذكر احلكيم ،ووجدت فيها ما يغني عن كل ذاك ،لعله يكون لبنة
يف أساس البناء ملرشوع األمة الواحدة ،األمة الوسط :ﭽ ...ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ...ﭼ [ البقرة.] ١٤٣ :
وأخير ًا ف�إين أرج�و م�ن الق�ارئ الكري�م أن ال يبخ�ل بنصيحة ألخي�ه ،أو دعاء
بظه�رالغي�ب.
امل�ؤلف
الدوحة
/1رم�ضان1423 /هـ
/6نوفمرب 2002 /م
((( وأص�ل ه�ذا الكت�اب جزء من كت�اب صدر للمؤل�ف بعنوان «العقيدة اإلسلامية يف الق�رآن الكريم
ومناه�ج املتكلمين» ثم دع�ت احلاجة إىل إخراج�ه مع بعض اإلضاف�ات يف كتابني :األول ه�ذا الكتاب،
والثاين سيخرج قريب ًا – إن شاء اهلل -باسم «املوجز يف مناهج املتكلمني» .
الف�صل الأول
مدخل عام
املبحث الأول
العقيدة والإميان
مل يرد مصطلح العقيدة يف القرآن الكريم ،ومل أعثر عليه فيام اطلعت عليه من كتب السنة،
فهو مصطلح حادث شأنه شأن «الفقه» و «أصول الفقه» و «التفسري» و «احلديث» و «علم
اجل�رح والتعديل» ..إىل آخ�ر هذه املصطلحات التي ظهرت تلبي�ة للتطور الذي حصل يف
الدراسات العلمية بصورة عامة والدراسات اإلسالمية بصورة خاصة ،مما تط ّلب تعدد ًا يف
املصطلحات يتناسب مع كثرة التبويب والتفريع يف هذه العلوم.
لك�ن ال خيتل�ف اثنان أن موضوع العقيدة هو أس�اس ه�ذا الدين ومب�ادؤه األوىل التي
وضعها القرآن الكريم حتت مصطلح «اإليامن».
معان كثرية ،فهل مصطلح إال أن مصطلح «اإليامن» نفس�ه يف الق�رآن الكريم أطلق عىل ٍ
«العقيدة» يضم كل هذه املعاين أيض ًا؟.
بداي� ًة يمك�ن إمج�ال كل املع�اين الت�ي وردت حت�ت اس�م «اإليمان» يف الق�رآن الكريم
باجتاهني:
األول :اإليمان الذي يتناول معن�ى التصديق واالقتناع ،دون التنفيذ والعمل ،بل يكون
ال يف ماهيته ،ولنتدبر هذه اآليات: العمل نتيجة هلذا اإليامن وثمر ًة من ثامره ،وليس داخ ً
ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﭼ [ البينة.] 7 :
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ
ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ [سورة العرص.]3-1 :
ﭽ ...ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ
ﭦﭧﭨﭩﭪ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ...ﭼ [البقرة.] ١٧٧ :
إن هذه اآليات تعطف األعامل عىل اإليامن ،وجتعل اإليامن مقدمة وأساس ًا هلذه األعامل،
فاإليامن قناعة ،والعمل تنفيذ.
�الَ :ياوهب�ذا املعن�ى وردت أحادي�ث كثرية منه�ا :حديث جربيل املع�روف وفيهَ “ :ف َق َ
الَ :
«أ ْن ُت ْؤ ِم َن بِ�اهللَِ ،و َمالئِ َكتِ ِهَ ،و ِكتَابِ ِهَ ،ولِ َقائِ ِهَ ،و ُر ُس ِ�ل ِهَ ،و ُت ْؤ ِم َن �ول اهللَِ ،ما ا ِ
إليَم�اَ ُن؟ َق َ َر ُس ُ
14
الم َأ ْن َت ْع ُبدَ َ
اهللَ ،وال تُشرْ ِ َك بِ ِه إل ْس ُال« :ا ِ الم؟ َق َ
إل ْس ُ ول اهللَِ ،ما ا ِ الَ :يا َر ُس َ ث ِ
اآلخ ِر» َ ،ق َ بِا ْل َب ْع ِ
ان))(((. وم َر َم َض َ وض َةَ ،و َت ُص َالز َكا َة المْ َ ْف ُر َ
الصال َة المْ َ ْك ُتو َب َةَ ،و ُتؤَ ِّد َي َّ
يم َّ َش ْيئًاَ ،و ُت ِق َ
الثاين :اإليامن الذي يشمل التصديق مع العمل ،فيكون العمل عىل هذا املعنى جزء ًا من
ال يف ماهيته ،ولنتدبر هذه اآليات: اإليامن وداخ ً
ﭽﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ﮑ ﮒﭼ [السجدة.]15 :
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ [املؤمنون.]4-1 :
ﭽﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
ﭵﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭾﭿﮀﮁ
ﮂ ﮃﭼ [األنفال.]4-2 :
ون ُش ْ�ع َب ًة،إليماَ ُن بِ ْض ٌع َو ِس ُّ�ت َ
وهبذا املعنى وردت أيض ًا أحاديث كثرية؛ منها :حديث (( ا ِ
إليماَ ِن ))(((. احل َي ُاء ُش ْع َب ٌة ِم َن ا ِ
َو َ
بل ورد يف القرآن إطالق اإليامن عىل الصالة يف قوله تعاىل :ﭽ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﭼ [البقرة.]١٤٣ :
واإليامن هنا :الصالة عىل ما قاله ابن عباس والرباء بن عازب وقتادة والس�دي والربيع
وغريهم من املفرسين –ريض اهلل عنهم أمجعني (((،-بل ونقل اإلمجاع عىل هذا(((.
ومع أين ال أرى حاجة للبحث يف التوفيق بني هذين املعنيني؛ ألنه يمكن القول ببس�اطة
إن العم�ل الصال�ح هو من لوازم اإليمان ونتائجه وإن مل يدخل يف حقيقة مسّم�اّ ه ،وإطالق
اللفظ عىل ما يلزم منه معروف يف اللغة وش�ائع يف االس�تخدام ،فالقرآن يقول :ﭽ ﮦ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ [غافر. ] ١٣ :
((( رواه مس�لم .الرساج الوهاج من كش�ف مطالب صحيح مس�لم ،54/1ونح�وه البخاري ،التجريد
الرصيح . 13/1
((( رواه البخاري ،التجريد الرصيح . 9/1
((( تفسري ابن عطية . 11/2
((( الرساج الوهاج ،لصديق حسن خان . 34/1
15
والذي ينزل إنام هو الغيث الذي ينتج عنه الرزق كام قال تعاىل :ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﭼ [ فاطر.] ٢٧ :
وال�ذي هيمن�ا هن�ا أن مصطلح العقي�دة ال يتناول – ب�كل األح�وال -إال املعنى األول
لإليمان؛ فلا يبحث عل�م العقيدة يف أح�كام الفقه أو األخلاق ،وإنام موضوع�ه «اإليامن
بالغي�ب» الذي هو أس�اس اإلسلام وقاعدت�ه األوىل ،وإن كان اهلدف من ه�ذا اإليامن هو
تقويم السلوك ،وعبادة اهلل وحده ،وإعامر األرض بالعلم والعمل .
املبحث الثاين
العقيدة واال�ستخالف
خل�ق اهلل اإلنس�ان وأهبطه عىل ه�ذه األرض لغاية حددها هو –س�بحانه -يوم أن قال
ملالئكته :ﭽ ...ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ...ﭼ [البقرة.]٣٠ :
فاخلالفة هي رس�الة اإلنس�ان يف احلياة ،وتقويم اإلنس�ان إنام يكون بمقدار حتقيقه هلذه
الرسالة ،هكذا كام يتعامل اإلنسان مع األشياء التي يصنعها بيده ،فهو يصنع الساعة لضبط
الوقت ،ويصنع القلم للكتابة،ويصنع السيارة لقطع املسافات ،وبقدر ما حتقق هذه األشياء
تلك الغايات تكون صاحلة ،وبقدر ما تبتعد عام صنعت له تكون فاشلة.
وهب�ذا املي�زان البده�ي ُيو ِز ُن اإلنس�ان نفس�ه ،فهو صال�ح إذا حقق الغاية م�ن وجوده،
وفاشل إذا ابتعد عن تلك الغاية ،ولنستمع إىل القرآن:
ﭽﮂﮃﮄ ﮅ ﮆﮇﮈ ﮉ ﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏ ﮐﮑﮒ ﮓﮔﮕ
ﮖﮗﮘﮙﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡﮢﮣ ﮤ ﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫ
ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ [ القيام�ة ،]36-31 :ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ
ﯣ ﯤ ﭼ [ املؤمنون.]116 -115 :
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ [ األنبياء.]2-1 :
ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭼ [ األنعام.] ٧٠ :
وإذا صدق اإلنس�ان مع نفس�ه وأراد أن يبتعد عن اللهو والعبث فال بد أن يس�أل نفس�ه
هذه األسئلة الثالثة :من الذي خلقني؟ وماذا يريد مني؟ وما هي النتيجة؟ .
ب�أي عمل ،وكل ه�ذه األس�ئلة الثالثة الب�د أن يكون اجلواب عنه�ا واضح ًا قبل البدء ِّ
عم�ل أو منه�ج يف احلي�اة ال ينطلق من أجوب�ة واضحة عىل هذه األس�ئلة فالب�د أن يصيبه
العمى والشطط.
وق�د أجاب اإلسلام بجواب ش�امل مفصل مقنع ع�ن كل هذا ،فاهلل ه�و اخلالق ،هذه
قضية القرآن األوىل التي اهتم هبا عرض ًا واستدال ً
ال ونقاش ًا ،لينطلق بعدها إىل النقطة الثانية؛
18
وه�ي :أن اهلل إنام خلقنا لغاية عظيم�ة ،هي اخلالفة يف األرض ،وأن هذه اخلالفة إنام تتحقق
بعب�ادة اهلل وح�ده :ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ [ الذاريات ،]٥٦ :والعبادة
إنام هي اخلضوع الكامل ألمر اهلل ورشعه؛ ألن معرفة اهلل املجردة من دون معرفة أمره وهنيه
ال تثمر شيئ ًا يف ميدان العمل ،ومن ثم كان مبحث «الرسول والرسالة» مكرس ًا لإلجابة عن
هذا السؤال الثاين ،الذي هو احللقة الثانية بعد اإلجابة عن السؤال األول ،وهي احللقة التي
ترب�ط بين اإليامن القلبي باهلل اخلالق وبني الواجب العميل عىل هذه األرض ،فالرس�ول هو
الذي يبلغ «رسالة اهلل» إىل «خلق اهلل» .
ثم ينتقل اإلسالم إىل السؤال الثالث ،ليفصل القول يف النتيجة بمنتهى الوضوح والبيان:
اجلن�ة والنعيم األبدي للمؤمنني الطائعين ،والنار للكافرين املارقني ،وهذا األصل هو املتم
مل�ا قبله ،إذ اإلنس�ان بطبيعته ال يندفع للبذل وحتم�ل التكاليف إال أن يكون وراء هذا البذل
والعن�اء م�ا حيق�ق رغبة يف اإلنس�ان ،مادية كانت أم معنوي�ة؛ ولذا فصل الق�رآن نعيم اجلنة
والرضا اإلهلي واخللود يف دار الس�عادة األب�دي ،ليدفع هذا املخلوق ألداء وظيفته عىل أتم
يوج�ه نظره إىل اجلانب اآلخر: غيه وآثر َّ
لذة الدنيا العاجلة فالقرآن ّ الوج�وه ،فإن مت�ادى يف ّ
الن�ار والغض�ب اإلهلي ..وآيات القرآن يف كل هذا أكثر من أن حتىص ،وس�تأتينا مفصلة إن
شاء اهلل.
تكون ما نس�ميه «العقيدة» وحين نقول «العقيدة اإلسلامية» ه�ذه األجوبة هي الت�ي ّ
فمعن�ى هذا أجوبة اإلسلام -وهو الدين الذي جاء به خات�م النبيني حممد ﷺ -عىل هذه
األسئلة وما يتعلق هبا(((.
ه�ذه األجوب�ة الثالثة ضمت مباح�ث كثرية ،وغالبه�ا أجوبة تفصيلية لألس�ئلة الثالثة
نفس�ها ،بمعنى أن تلك األس�ئلة قابلة للتفصيل ،ففي الس�ؤال األول من املمكن أن نفصل
ونفرع فنقول :اهلل هو اخلالق لكل يشء ،لكن أعاملنا أنخلقها نحن أم خيلقها اهلل؟ إذا أجاب
الدي�ن عن هذا الس�ؤال فمعنى ه�ذا تكوين مبحث رابع يف العقيدة ،وإذا س�ألنا تفريع ًا عن
الس�ؤال الثاين :كيف تصل رس�الة اهلل إىل رس�وله؟ فإذا أجاب الدين عن هذا الس�ؤال بأن
ق�ال :عن طري�ق املالئكة فمعنى هذا تكوي�ن مبحث خامس؛ وحينام نفرع س�ؤا ً
ال آخر :ما
((( ول�ذا اعتربت أصول الدين ثالثة :اإليامن باهلل ،واإليامن بالرس�ل ،واإليامن باليوم اآلخر ،وأكثر كتب
الكالم مكرسة هلذه املسائل الثالث ،فرتاها تبدأ باإلهليات ثم بالنبوات ثم بالسمعيات ،وأغلب ما يذكرون
يف السمعيات «اليوم اآلخر» .
19
حقيقة الرسالة التي جاء هبا الرسول؟ وجييبنا الدين عنها بأهنا اإلسالم”أو “القرآن والس َّنة”
فمعنى هذا تكوين مبحث س�ادس؛ هلذا ورد عن الرس�ول حمم�دﷺ أنه عرف اإليامن هبذه
األجوبة الس�تة فقالَ (( :أ ْن ُت ْؤ ِم َن بِاللهَّ َِ ،و َملاَ ئِ َكتِ ِهَ ،و ُك ُتبِ ِهَ ،و ُر ُس ِ�ل ِهَ ،وا ْل َي ْ�و ِم الآْ ِخ ِرَ ،و ُت ْؤ ِم َن
بِا ْل َقدَ ِر َخيرْ ِ ِه َوشرَ ِّ ِه ))((( وهذه الس�تة قد تكون أكثر كلام تفرعت األس�ئلة ،فيمكن أن يتفرع
عن الكتاب “اإليامن بأنه خالد” و”اإليامن بأنه معجز” و”اإليامن بأنه حمفوظ من التحريف”
و”اإليامن بأنه الرسالة اخلامتة” وهكذا ،ولكن احلقيقة أن كل هذه التفريعات من املمكن أن
ختترص بضم بعضها إىل بعض حتى ترجع إىل ثالثة.
ومن املمكن أن يفهم اإلنسان األجوبة الصحيحة املخترصة عن هذه األسئلة الثالثة ثم
ينطل�ق إىل ميدان العمل ،ميدان اخلالفة ،إذ أن وظيفته األوىل هي هذه ،إهنا –واهلل -مقاولة
رب العمل ،وكيف يتس�لم منه التوجيه ،وما هو أجره ،وبعد هذا عم�ل ،يعرف العامل َمن ُّ
فال حيسن بالعامل أن ينشغلوا هبذه ويقفوا عندها ،بل الساحة تنتظرهم.
هكذا فهم الس�لف عقيدهتم ،وكل سيرهم وأخبارهم اجلامعية والفردية تشخص هبذه
احلقيقة :أهنم عرفوا اهلل ،وعرفوا أوامره عن طريق رس�وله ،وعرفوا يوم احلس�اب واجلزاء،
فانطلقوا يعمرون األرض بمنهج اهلل كام أمرهم اهلل.
((( رواه مس�لم ،صحي�ح مس�لم بشرح الن�ووي ،157/1 :والبخاري نح�وه ،فتح الب�اري،513/8 :
والرتمذي ،اجلامع الصحيح 8/5 :وغريهم .
20
21
املبحث الثالث
العقيدة والوالء
إن أخطر ما يرتبه القرآن عىل مفهوم العقيدة أو “اإليامن” هو تقسيم املكلفني من بني آدم
إىل دائرتني منفصلتني :األوىل تضم املؤمنني ،والثانية تشمل الكافرين ،واملؤمنون هم الذين
يلتق�ون عىل أصول هذه العقيدة الواضحة “اإليامن باهلل” و “اإليامن بالرس�ول والرس�الة”
و “اإليمان بيوم احلس�اب” ،والكافرون هم الذين خيتلفون م�ع املؤمنني يف واحدة من هذه
األصول.
فق�د قال القرآن :ﭽ ...ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ [الزمر، ]٦٥ :
وق�ال :ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ [املائدة. ]٧٣ :
وهذا ألن هذه املعتقدات تناقض األصل األول “اإليامن باهلل” .
ثم يقول الق�رآن :ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ
ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭼ النساء.
ويق�ول أيض� ًا :ﭽ ...ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫ ﮬﮭﭼ [املائ�دة ،]٤٤ :وه�ذا ملناقضت�ه لألص�ل الث�اين «اإليمان بالرس�ول
والرسالة».
ث�م يقول القرآن :ﭽ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ ق ،ويق�ول أيض� ًا :ﭽﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ األنع�ام ،وم�ا ه�ذا إال ألهنم ش�كوا يف األص�ل الثالث م�ن أصول هذه
العقيدة «اإليامن باحلساب» .
وقد رتب القرآن عىل هذا الفصل بني دائرة «املؤمنني» ودائرة «الكافرين» أحكام ًا كثرية
ال يتسع املجال هنا لذكرها لك ّنا نشري إىل أكثرها أمهية:
-1الرباءة من الكافرين والوالء للمؤمنني ،فمن آيات الرباءة لنتدبر:
22
ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ
ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ
ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﭼ التوبة.
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ
ﭠ ﭡ ﭼ [املمتحن�ة ، ]١ :ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ
التوب�ة ،ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ
ﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﭼ
[املمتحن�ة ،] ٤:ومن آيات الوالء للمؤمنني لنتدب�ر :ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
ﯬﯭﯮﯯ ﯰﯱﯲﯳﯴ ﯵ ﯶﯷﯸﯹ ﯺﯻﯼ
ﯽ ﯾ ﭼ [املائ�دة .]٥٦ – ٥٥ :ﭽﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ [التوب�ة .]٧١ :ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ األنبياء.
يؤصل ملشروع األمة من خلال هذه وواض�ح م�ن هذه اآلي�ات وس�ياقها أن الق�رآن ِّ
الثوابت التي متيزها عن غريها ،وهي ثوابت تتناس�ب مع مكانة اإلنس�ان ورس�الته يف هذه
احلياة ،بخالف األسس التي تقوم عليها األمم أو الكائنات األخرى ،حيث تتميز من خالل
لون البرشة أو حدود اجلغرافيا أو األعراف أو األنس�اب!! مما ال دخل للمرء فيه ،وليس له
قدرة عىل تغيريه.
-2إن عقي�دة ال�والء ه�ذه ال تعن�ي التصادم بني هاتين الدائرتني بقدر م�ا تعني التاميز
واملفاصل�ة ،وه�و متايز رضوري ملعرف�ة احلق من الباط�ل ،واملوقف الصحي�ح من املوقف
الفاس�د ..أم�ا إذا اتضح ه�ذا فيمكن التعاي�ش بالضوابط الرشعية املعروف�ة والتي خلصها
الق�رآن بقول�ه :ﭽ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ [املمتحنة .]9 -8 :
ب�ل إن القرآن جعل مهمة إنقاذ الكافرين م�ن كفرهم هي مهمة املؤمنني وواجبهم رمحة
بالكافري�ن وش�فقة عليهم م�ن الضياع الدنيوي والع�ذاب األخروي ،فالق�رآن يقول وهو
يرضب لنا املثل من املؤمنني األوائل:
23
ﭽﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﭼ طه ،ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷﯸ
ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ هود .
وبما أن اإليمان تصديق واقتناع فال يمكن أن يك�ون اإلكراه طريق ًا إليه :ﭽ ﯿ ﰀ
ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﭼ [البق�رة ،]256 :وإنما الطري�ق الدع�وة واحل�وار
واحلج�ة والبيان :ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱﯓ ...ﭼ [النح�ل.] ١٢٥ :
وأم�ا القتال فال يمك�ن أن يكون طريق ًا لإليامن كام أنه ليس هدف ًا مرشوع ًا بنفس�ه ،لكنه
ق�د يكون احل�ل األخري حلفظ األمة ،ودرء املخاطر عنها ،وإزال�ة العقبات عن طريق حتقيق
رس�التها يف هذه احلي�اة :ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ القصص ،ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ
ﮟﮠ ﮡﮢﮣ ﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩ ﮪﮫﮬﮭﮮ ﮯﮰﮱ
ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ الصف.
إن من يؤمن هبذه الرس�الة العظيمة ويدرك أهنا الغاية من خلق اإلنس�انية أص ً
ال ،يدرك
بالضرورة مدى احلاجة إىل هذا الش�د احلازم يف عقيدة ال�والء والرباء ،كام أدرك ذلك جيل
القرآن األول أصحاب رسول اهلل ﷺ.
املبحث الرابع
�سمات عامة ملنهج القر�آن يف عر�ض العقيدة
ال ري�ب يف أن املنهج القرآين ال يجُ �ارى وال ُيبارى ،وال نريد هنا أن ّ
نفصل هذه احلقيقة،
غري أننا سنشري بأصابعنا من بعيد إىل السامت الواضحة التي امتاز هبا القرآن الكريم:
ال�سمة الأوىل:
إن العقيدة التي جاء هبا القرآن عقيدة عملية ،ونقصد أن القرآن جاء بعقيدة متناسبة مع
واقع اإلنس�ان من حيث قدرته العقلية والروحية والنفس�ية ،ومن حيث الوظيفة التي كلف
هب�ا هذا اإلنس�ان ،فمس�ائل العقيدة كلها يف القرآن دافعة لإلنس�ان لتحقي�ق الغاية التي من
أجلها خلقه اهلل – تبارك وتعاىل -ومن اجلها أنزله عىل هذه األرض.
وليس يف القرآن ما يذهب باإلنس�ان بعيد ًا عن ميدان التكليف ،نعم قد يتحدث القرآن
ع�ن الغي�ب لك�ن ال يتحدث إال باملق�دار الذي يثمر عم ً
ال صاحل ًا وس�لوك ًا حس�ن ًا ،فهو ال
يتحدث عن الغيب حديث ًا فلسفي ًا نظري ًا ،ولنأخذ بعض األمثلة من الغيب القرآين:
-1يف فصل “األسماء والصفات” ال جتد ً
اسما هلل تعاىل أخربنا اهلل به إال وله تأثري عميل
يف س�لوك اإلنسان :فالعايص الذي يردد :اهلل ،الرمحن ،الرحيم ،الغفور الودود ،ال شك أنه
يتيقن أن معصيته لن حتول بينه وبني اخلري أبد ًا ،فليس�تغفر وليتب وال ييأس وال يقنط ،وإذا
ردد املكاب�ر املعاند :اهلل ،القوي ،اجلبار ،القهار ،ش�ديد العق�اب ..ونحو هذا فإن هيبة هذه
األسامء حتطم كربياءه يف داخله ،وتقوده إىل امليدان الصحيح ،وإذا ردد اجلاهل الغافل :اهلل،
العليم ،الس�ميع ،البصري ،وعرف معنى هذه األسامء فقد يؤوب لرشده ،فهذه األسامء كلها
واضحة املعنى بينة التأثري.
ولكن ماذا لو حدثنا اهلل عن العلم أهو هو؟ أم هو غريه؟ أم ال هو هو وال هو غريه؟ إن
القرآن يس�تطيع أن جييبنا عن هذه األس�ئلة ،ولكن ملاذا جييبنا؟ بل ملاذا نس�أل؟! فإذ ال فائدة
عملية فإن القرآن يسكت.
ربما يقول قائل :كيف بالصفات اخلربية ،التي اختلف فيها املتكلمون ،وكانت س�بب ًا يف
رصاعهم وشقاقهم؟...
26
فلا ي�دور بخل�د أحد أن الس�فينة بعين اهلل – س�بحانه -وال أن حممد ًا ﷺ يف عني
اهلل ،وإنما امل�راد بذل�ك أن الس�فينة جت�ري برعاي�ة اهلل وعنايته وتس�خريه هل�ا وحفظه
هل�ا ،وأن حمم�د ًا ﷺ حتت رعاية م�واله وعنايته وحفظه وكالءت�ه ،وهكذا قوله يف حق
موس�ى ﭽ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ أي حت�ت رعايت�ي وحفظ�ي((( وق�د أج�اد وأف�اد.
-2يف فصل «النبوات» حدثنا القرآن عن كل ما من ش�أنه أن يدفع باإلنس�ان إىل األداء
األفضل يف وظيفته ،ولنأخذ بعض األمثلة:
أو ً
ال :يذك�ر القرآن كثري ًا تأييد اهلل ألنبيائه ورس�له باملعج�زات القاطعة بصدقهم فيذكر
مثلا :ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ األنبي�اء ،وﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ً
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ الش�عراء ،و ﭽ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ..ﭼ آل عم�ران ،ﭽ ﯢ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯪﯫ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﯳ
ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ البقرة.
ثاني� ًا :يذك�ر القرآن كثري ًا من صفات هؤالء الصفوة ،فتراه يقول :ﭽ ...ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﭼ التوبة ،وﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ [القلم.]٤ :
ثالث� ًا :يذكر القرآن الدفاع عن الرس�ل والرد عىل خصومه�م وهتديدهم باجلزاء العادل،
مثلا :ﭽ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ واق�رأ ً
ﯠ ﯡ ﭼ [األنع�ام ،] ٣٣ :و ﭽ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ
ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ
ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ ﭼ سورة األنعام.
ال إال ويذكر جهاده معرابع� ًا :يفص�ل القرآن كثري ًا يف القصص النبوي ،وال يذكر رس�و ً
قوم�ه ،وصبره عليهم ،ونتائج الرصاع ،كل هذا بتك�رار وتأكيد وتنويع حتى خييل إليك أن
القرآن كله كتاب قصص وتاريخ ....وما هو كذلك .
خامس� ًا :يبني القرآن حق الرس�ول ﷺ عىل أمته يف احلب واالتباع واألدب ،ويكفي أن
نعرض هذا النموذج:
ﭽﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ
ﮮ ﮯﮰﮱﯓﯔﯕ ﯖﯗﯘﯙ ﯚﯛﯜﯝ
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ احلجرات.
ه�ذه أبرز النقاط التي أكده�ا القرآن يف موضوع «النبوات» يف حني مل يرد يف القرآن ذكر
ألوص�اف األنبياء َ
اخل ْلقية ،أو حلالتهم االجتامعي�ة ،أو للغاهتم ،أو طريقة أكلهم أو رشهبم،
أو أعامره�م ،ونح�و هذا ،فلماذا؟! ،..بل ملاذا يفصل لنا القرآن قصة موس�ى عليه السلام
ال دقيق ًا وال حيدثنا وال مرة واحدة عن طريقة موس�ى يف العبادة :الصالة، مع فرعون تفصي ً
الصوم ،احلج ،الزكاة؟ بله التفصيل يف أكله ورشبه.
إن ال�ذي ي�درك أن الق�رآن ه�ادف يف كل حرف فيه ،وأن�ه جاء لغاية كبيرة ،وأنه يدفع
قصه القرآن علينا من أحوال األنبياء عليهم املؤمنني به إىل حتقيقها ،ال يس�تغرب من ِّ
كل م�ا ّ
الصالة والسلام ،إن�ه يريد أن يقول لنا :إنكم ورثتهم ،وإن املهم�ة التي كلف هبا األنبياء مل
بع�د حمتاجون إىل ذلك املعني الثر من مسيرهتم وجتربته�م ،فامذا أنتممت�ت بموهتم ،وإنكم ُ
فاعلون؟.
-3يف فصل «السمعيات» اليوم اآلخر والعوامل الغيبية كاملالئكة واجلن ،ترى القرآن ال
حيدث�ك إال بام نفع�ك ودفعك إىل العمل ،فغالب حديثه عن الي�وم اآلخر ترهيب وترغيب
وإنذار باحلس�اب ...وهكذا ،ويعرض كل هذا بوصف وأس�لوب يكاد خيلع القلوب هيبة
وأنس� ًا ،وحيدثك عن املالئكة ال عن عددهم أو معيش�تهم أو أكلهم ورشهبم ورعب ًا ،أو لذة ُ
ونومهم وتناسلهم ،ال ،وإنام ألمور تتعلق بك أنت يا إنسان ،إهنم يراقبونك ،حيصون عليك
كل كبرية وصغرية ،وهم يستغفرون لك ،وهم عىل استعداد لنرصك عىل أعداء اهلل ...إلخ،
وحدث�ك ع�ن اجل�ن ،عن ش�عب ال خيتل�ف كثري ًا عن الش�عب اآلدم�ي من حي�ث الغرائز
وكرس الس�هم والق�درة على اخلري والشر ،إنه ينقل ل�ك جتارهبم وأحواهل�م املتعلقة بكّ ،
األكبر للحدي�ث عن الذين يزي ّنون لك الباطل ،وحياولون إغواءك كام أز ّلوا أبوينا من قبل:
آدم وحواء ،وكل هذا فيه من التحذير والنصح ما هو بطريق العبارة أو اإلش�ارة ،وكل هذا
ليستقيم اإلنسان عىل اجلادة الصحيحة املوصلة إىل الغاية النبيلة «سعادة الدارين»(((.
ال�سمة الثانية:
وهي متعلقة باألوىل ومرتبطة هبا ،وخالصتها :أن العقيدة القرآنية عقيدة عامة ،تناسب
مجيع املكلفني ،ألهنا جاءت هلم مجيع ًا:
ال�سمة الثالثة:
الش�مولية ،ونقصد هبا :أن القرآن مل يرتك زاوية من زوايا العقيدة التي حيتاجها اإلنس�ان
وبينها ،وس�يأتينا هذا مفص ً
ال إن ش�اء اهلل يف املباحث القادمة ،ولكننا هنا نحاول اإلجابة إال ّ
عىل بعض ُّ
الش َبه التي قد تثار يف هذا املجال:
الش�بهة األوىل :ق�د يقول قائ�ل :فام تقول�ون يف الس�نة النبوية املطهرة؟ أليس�ت جاءت
ً
أيض�ا ألن اهلل قال عن نبيه: بأح�كام اعتقادية كثرية؟ والصحيح أن الس�نة مع كوهنا من اهلل
ﭽﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ النجم ،إال أن الذي يبدو أن اهلل مل يمنح
الس�نة مهمة تأصيل العقيدة وبيان ما حيتاج�ه الناس منها ،إن هذه مهمة القرآن الذي تكفل
ال أن تقترن مباح�ث العقيدة بأس�لوب القرآن املعجز اهلل بحفظ�ه ،وكأن اهلل تع�اىل أراد أو ً
ال ،ثم أراد اهلل أن حيفظ كل جوانب العقيدة بام حيفظ به قرآنه ،لكي لتك�ون أكثر إقناع ًا وقبو ً
ال تضيع الثوابت التي يلتقي عليها املس�لمون ،فلو أن اهلل ترك املهمة هذه للس�نة فإن اجلدل
س�يطول ح�ول صحة بع�ض األحاديث وضعفه�ا ،ورشوط األخذ هبا ،ونح�و هذا ،وهلذا
وبينه،
ال من أصول العقيدة ومس�ائلها املهم�ة إال ّ فيص�ح أن نج�زم بأن القرآن ما ت�رك أص ً
والبحوث القادمة ستبني هذا باإلحصاء واألرقام إن شاء اهلل.
30
نع�م جاءت مس�ائل كثرية من العقيدة يف الس�نة املطهرة ،ولكن غالب� ًا ال يعدو أن يكون
تأكي�د ًا ملا جاء يف القرآن ،أو توس�يع ًا لبعض املعاين التي جاءت في�ه ،وربام يكون هناك ذكر
لقضايا متعلقة بالعقيدة لكنها ليست من أصوهلا أو من مسائلها املهمة ،بحيث إن املسلم لو
جهلها أص ً
ال ملا خدشت عقيدته .
الش�بهة الثانية :ق�د يقول آخر :فام تقولون يف كتب العقي�دة التي تبلغ بحجمها أضعاف
حج�م الق�رآن الكريم ،فه�ل هذه الزيادات ال صحة هلا؟ أو عىل األق�ل ال حاجة لنا هبا؟..
والصحي�ح أنن�ا نقصد بالعقيدة ما حيتاجه املس�لم م�ن أصول دينه ،ويقين� ًا أن القرآن مل يدع
املس�لم حيت�اج إىل غريه يف تأصيل أص�ول الدين ،أما م�ا جاء يف كتب العقي�دة فمن املمكن
تصنيفه إىل اآليت:
ال مبحث األسماء والصفات عىل حدة، -1صنف اهتم بالرتتيب والتبويب ،فجعل مث ً
ال :التوحيدوكذل�ك مبحث النبوات والس�معيات ..الخ ،وربام يرشع بالتقس�يم فيقول مث ً
رضب�ان :ربوبي�ة وألوهية ،أو ثالثة أو مخس�ة ،وه�ي كلها يف الغالب إحص�اء ملا هو موجود
يف القرآن وصياغة جديدة ،وهذا – ال ش�ك -نافع ومفيد من حيث اهلدف الذي وضع له،
وهو حرص مس�ائل العقيدة وتس�هيل النظر فيها بعيد ًا عن املسائل األخرى ،فإذا كان اهلدف
هذا فال ضري ،أما إذا فهم أن اهلدف إرساء أصول جديدة يف العقيدة أو مفاهيم جديدة فال،
ال ،ومل يعرف ول�ذا يصح أن نقطع بأنه لو مات إنس�ان وهو مل يقرأ ه�ذه الكتب مجلة وتفصي ً
أقسام التوحيد وال أنواع الصفات فإنه ال يرضه ،ولن حياسبه اهلل عىل ذلك ،بل لقد مازحت
أحد أصدقائي حني قال :إن األستاذ فالن ال يفهم يف العقيدة ألين سألته عن أقسام التوحيد
فلم جيب ،فقلت :صدّ قني يا أخي لو أن اهلل بعث لنا أحد الصحابة ريض اهلل عنهم وسألناه
هذا السؤال ،ملا أجاب ،بل ربام استغرب واستنكر!!.
-2صنف جاء إلثبات العقائد القرآنية بأدلة تستطيع ان تقنع بعض الطوائف واملذاهب،
كالفالس�فة وامل�دارس العقلية الكالمية ،وهذا هو غاية علم الكالم اإلسلامي كام يصوره
مثلا عضد الدين اإلجيي –رمح�ه اهلل« :-الكالم علم يقتدر غير واح�د من رجاالته ،يقول ً
معه عىل إثبات العقائد الدينية بإيراد احلجج ودفع الشبه»((( ،فإيراد احلجج ودفع الشبه غري
العقيدة ،والعقيدة دينية ،ومعنى هذا أن مهمة علم الكالم :إثبات عقيدة القرآن باألدلة التي
تقن�ع فئات معينة من الناس ،وهذا معناه :أن عل�م الكالم ليس هو العقيدة ،وإنام هو خادم
هل�ا ،وهو إنتاج برشي مرحيل ،خاض�ع للنقد والتعديل والتصويب ،فليس هو العقيدة التي
حيتاجها الناس وسيحاسبهم اهلل عليها.
مثلا كيف تبحث يف ال ،وخذ ً -3صن�ف حرش يف مس�ائل العقيدة وهو لي�س منها أص ً
كتب العقيدة مس�ائل :اإلمامة واملوقف من حروب الصحابة((( بل مس�ائل األمر باملعروف
والنه�ي ع�ن املنك�ر((( ،وأخرى عن ب�ر الوالدين وصل�ة األرحام((( ،فهذه كله�ا ما جاءت
إلثب�ات عقي�دة جديدة ،وال يق�ول مؤلفوها هب�ذا أبد ًا ،كي�ف والقرآن يق�ول :ﭽ ...ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﭼ [املائدة. ]3 :
وقبل أن ننتقل إىل الس�مة األخرى ،نتس�اءل ما الذي حيتاجه اإلنس�ان م�ن العقيدة ،ومل
ال إىل أن يعرف خالق�ه وخالق هذا ي�أت ل�ه ذكر يف الق�رآن الكريم؟ إن اإلنس�ان حيت�اج أو ً
الك�ون الكبير معرفة متيز اخلالق عن املخلوق ،ثم بعد هذا حيتاج أن يعرف ماذا يريد اخلالق
من�ه ،ملاذا خلقه؟ فإذا اس�تطاع أن يع�رف هذا ،فإنه حيتاج أن يعرف م�ا ينبني عىل التزامه بام
يريده ربه منه ،ماذا لو أطاع ،وماذا لو عىص؟ هل حيتاج اإلنس�ان غري هذا؟ فأي واحدة من
هذه مل يفصلها القرآن؟ لقد وس�ع القرآن اإلجابة عن هذه األس�ئلة توس�عة خاطبت العقل
والوج�دان ،وحركت اإلنس�ان من داخله ،لتحقيق الغاية ،ولنجات�ه من اخلرسان واهلالك،
بحيث لو صدق اإلنسان مع نفسه فإن القرآن كافيه.
ال�سمة الرابعة:
ارتب�اط عقيدة القرآن بغريها من تفاصيل هذا الدين احلنيف ،لقد تبني لنا ُ
قبل أن عقيدة
الق�رآن عقي�دة هادفة ،بمعنى أن هلا غاية ،وغايتها س�عادة اإلنس�ان يف الداري�ن بالتزام أمر
اهلل ،وإعلان خالفت�ه يف أرضه ،وكل هذا ال حيصل بمجرد االعتقاد ،وإنام البد من التطبيق
والعم�ل امليداين ،وإذا كان�ت العقيدة غايتها هذا العمل امليداين فلا يمكن أن تنفصل عنه،
((( كتب الكالم بصورة عامة ،كاالعتقاد للبيهقي ،واإلرشاد للجويني .
((( املعتزلة عدوا األمر باملعروف والنهي عن املنكر من األصول اخلمسة ،نظر :رشح األصول اخلمسة
للقايض عبد اجلبار .
((( «العقيدة الواسطية» البن تيمية مع الرشح :ص. 182
32
ول�ذا مل خيل جانب م�ن جوانب التكليف العملي من االقرتان واالرتباط بمس�ائل العقيدة
الدافع�ة إىل االمتث�ال الكام�ل واألداء األفض�ل ،ولنأخ�ذ اآلن بع�ض اجلوان�ب الترشيعية
التكليفية وارتباطها بالعقيدة:
ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ املائدة.
ال�سمة اخلام�سة:
األخاذ الذي ال يملك الواقف عليه إال أن يعلن استسالمه وعجزه عن األسلوب املقنع ّ
مضاه�اة ه�ذا القول أو مباراته ،وه�ذه هي معجزة القرآن بصورة عام�ة ،ومباحث العقيدة
هي املقصودة أو ً
ال فال غرو أن تأيت متفردة يف هذا املضامر ،ألن الذي يقتنع هبا فإن ما بعدها
35
تاب�ع هلا ،وألهنا حتتاج إىل تنوع يف األس�اليب لتنوع الن�اس الذين يراد منهم الدخول يف هذا
الدين ومن بوابته الوحيدة «العقيدة» ،وقد نس�تطيع هنا أن نشير بإصبعنا من بعيد إىل أهم
معامل هذه السمة:
املَ ْعل�م األول :اجلمع بين منطق العقل ومنطق العاطفة ،فحيث أن اإلنس�ان ليس عق ً
ال
حمض�ا ،وإنام يشترك في�ه لصنع الق�رار إىل جانب العقل ق�وة أخرى وه�ي العاطفة ،بل إن ً
عاطفي ًا أكثر م�ن تأثرهم العقيل ،م�ع أن قلة منهم ق�د يرتجح عندها
ّ أكث�ر الن�اس يتأث�رون
منط�ق العق�ل عىل منطق العاطف�ة ،ولكن ملا كانت عقيدة القرآن عقي�دة عامة جلميع الناس
فلا يمكن إال أن تدخ�ل إىل هؤالء الناس من كال املدخلني :العقل والعاطفة ،ولنأخذ مث ً
ال
قول�ه تع�اىل :ﭽﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭼ الط�ور ،إهن�ا ّ
حماج�ة عقلية مع
األخاذ ،لكن جانب العقل فيها غال�ب ،وال يملك أهل العقل أمام هذا املنطق إال أس�لوهبا ّ
التس�ليم أو البه�ت ،كام هبت ذاك الطاغي�ة بمحاجة إبراهيم -عليه السلام :-ﭽ ...ﮇ
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﭼ البق�رة ،وانظر أيضا إىل املحاجة العقلية
إلثب�ات املعاد يف قوله تع�اىل :ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔﯕﯖ ﯗﯘﯙﯚﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ
ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭼ يس.
ثم بعد هذا ضع يدك عىل قلبك واقرأ :ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
ﭵﭶﭷ ﭸ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ﮁﮂ ﮃﮄﮅ ﮆ
ﮇﮈﮉﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ ﮖ ﮗﮘ
ﮙ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧﮨﮩﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼالواقعة.
س�بحان ريب العظيم ،واقرأ :ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
ﮃﮄ ﮅ ﮆﮇﮈ ﮉﮊﮋﮌ ﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔ ﮕﮖ
ﮗﮘ ﮙﮚ ﮛﮜﮝ ﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦﮧﮨ
ﮩﮪﮫ ﮬﮭ ﮮﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕ ﯖﯗﯘ ﯙﯚﯛ
ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ املطففني.
36
إن اإلنس�ان بحاج�ة إىل من حيرك وجدانه من داخله بعي�د ًا عن الصخب والضجيج ،إذ
اإلنس�ان ربام يقدر عىل املكابرة واملخادعة ،لكنه هل يقدر أن خيدع نفسه؟ فلامذا ال نتحدث
معه من داخل نفسه؟ ...أذكر هنا للطرفة موقف ًا حكاه يل الشيخ حممود غريب إمام وخطيب
جام�ع البني�ة ببغداد س�ابق ًا ،ق�ال :جاءين رجل فقال يا ش�يخ :فرعون يف اجلن�ة أم يف النار؟
فقلت له :يف النار طبع ًا ،فقال :ما دليلك؟ قلت له :قول اهلل تعاىل :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ال ،ألنه يمكن أن ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ ه�ود ،ق�ال :هذا لي�س دلي ً
يوصله�م إىل الن�ار ثم يرجع هو إىل اجلنة ،هنا أدرك الش�يخ اخللل ،فقال له :هل أنت جازم
ي�ا أخ�ي بأن فرعون يف اجلن�ة؟ قال :نعم .قال :فارفع يدك يا أخ�ي وقل :اللهم احرشين مع
فرعون !!...فبهت الرجل.
املَ ْعلم الثاين :اجلمع بني اجلزالة والبساطة ،فنصوص القرآن وباألخص نصوص العقيدة
مع كوهنا عىل أتم وجوه البالغة وأرقى أس�اليبها وأجزهلا إال أهنا جاءت مفهومة للخواص
والعوام ،س�هلة املأخذ ،قريبة املعنى ،حتى إنك يف مجيع نصوص العقيدة -إال ما ش�اء اهلل-
ق�د ال حتتاج إىل كتب التفسير ،وق�د جربت نفيس فكل ما أتيت ب�ه يف الفصول القادمة من
حشد هائل لآليات الكريمة مل أحتج فيه إىل تفسري املفرسين -إال ما شاء اهلل-؛ ألين وجدهتا
مفرسة أكثر من التفسير ،بل ربام ال يزيدها التفسير إال تعقيد ًا وهذا طبع ًا بخالف املس�ائل
األخ�رى الت�ي ربام حتتاج إىل الراس�خني يف العلم ،س�يام تلك التي خياطب هب�ا القرآن نمط ًا
خاص ًا من الناس كآيات احلكم ،والقانون ،أو اجلهاد ،واملعاهدات الدولية ،ونحو هذا ،أما ّ
العقيدة؛ فالعقيدة لكل الناس ولذا جاءت واضحة لكل الناس.
وقد تس�أل هنا :إذا كان األمر كذلك فما رس اختالف املتكلمني يف آيات العقيدة؟ أقول
لك :واهللِ مل يأت اإلش�كال من اآليات نفس�ها ،وإنام ألس�باب أخرى ال عالقة هلا بمقصود
النص أبد ًا ،ولنرش إىل بعض هذه األسباب:
الس�بب األول :قد يأيت النص القرآين واضح املعنى ،لكن العقل البرشي يريد أن يصل
م�ن خالل النص إىل الغيب الذي ال يعلم�ه إال اهلل ،فيحدث االرتباك واخلالف ،فمث ً
ال :لو
قرأ إنسان هذا النص :ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭼ [البقرة .]29 :
فهل يف هذا النص من إش�كال؟ ال ،إنه واضح كالش�مس ،لكن الفالس�فة قالوا :إن اهلل
ال عل�م ل�ه باجلزئيات ألن تعدد املعلومات وجتددها يؤدي إىل قيام احلوادث باهلل تعاىل وهو
37
حم�ال((( ،وق�ال املعتزلة :ه�ذا العلم ليس صفة زائ�دة عىل الذات وإنما اهلل يعلم بذاته ،ألن
زي�ادة الصف�ة عىل الذات قول بتعدد القدماء ،وقال األش�اعرة :صفة العلم ليس�ت هي اهلل
وليست غريه ،بل هي معنى قائم به ،فباهلل من أين جاء الغموض واإلشكال؟
السبب الثاين :قد يأيت النص القرآين واضح املقصود ال خيتلف عليه اثنان ،ولكن النص
فيه كلمة تس�تخدم يف اللغة أكثر من اس�تخدام ،وقد يكون واحد من استخداماهتا له عالقة
بالغي�ب ال�ذي ال يعلم�ه إال اهلل((( ،فرتى البعض يترك املعنى الظاهر املقص�ود من النص،
ويتج�ه إىل ه�ذه الكلمة بالذات ،وحياول أن يصوغ منها فلس�فة خاص�ة ،وخذ مث ً
ال يف قوله
تعاىل :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ طه ،إهنا آيات واضحات ،واملقصود منها واضح ،ولكن وردت
كلم�ة «عين» مضافة إىل اهلل ،والعني هنا حتتمل وجوه ًا عدة؛ فهي يف املعجم :البارصة ،ويف
السياق هنا هي كناية عن العناية والرعاية ،كام سبق يف كالم ابن باز -رمحه اهلل -فأي العينني
ه�و املقص�ود؟ ثم إن العين جاءت مفردة ،أهي مف�ردة عىل ظاهرها؟ أم ه�و إفراد قصد به
املثن�ى؟ أم إف�راد قص�د ب�ه اجلمع؟ وكل ه�ذا حمتمل يف أص�ل اللغة ،ثم الذي ي�ؤول العني
بالعناية والرعاية أهو كافر أم مؤمن...الخ.
انظ�ر ...إن ال�ذي يري�د أن يسرتس�ل هكذا فإنه ل�ن يعدم نقط�ة البداية يف كل نص،
فإن املتكلف يس�تطيع أن يثري أكثر من مش�كلة يف أي نص مهام كان وضوحه ،ففي قوله
((( مس�ألة علم اهلل باجلزئيات من مس�ائل الفلسفة املعقدة ،وقد ناقشها الغزايل يف كتابه « هتافت الفالسفة
« وعقد هلا مبحث ًا مستق ً
ال ورد ادعاءات الفالسفة.
((( والغم�وض بس�بب ارتب�اط الن�ص بعامل الغيب ال مناص منه ،ألن اإلنس�ان ال ي�درك إال ما يقع حتت
حواس�ه ،ولكن أي ضري إذا فهم اإلنس�ان املقصود من النص ،خذ هذا املثل ،قول اهلل تعاىل:ﭽطلعها كأنه
رؤوس الش�ياطنيﭼ فإدراك ذلك الطل�ع عىل حقيقته متعذر ،ألنه جمهول ،وش�بهه القرآن بمجهول آخر،
فنحن ال نعرف الطلع وال رؤوس الش�ياطني ،لكن هذا ال يرض ،فإن القرآن ال هيدف إىل أن يعلمنا حقيقة
نباتات النار لنجري عليها دراسة يف كليات الزراعة ،وال حتدث عن رؤوس الشياطني لكي نميز بينها وبني
رؤوس البقر كي ال تش�تبه علينا!! إن هدف القرآن ومقصوده واضح ،أنه يريد أن يلقي يف نفس اإلنس�ان
حالة من االش�مئزاز واخلوف من دخول النار ،وكل هذا ليدفع اإلنس�ان بعيد ًا عن مس�ببات دخول النار،
فهل هذا ليس واضح ًا؟ إنه واضح بمقصوده وهذا يكفي ،وإن كان غامض ًا بجانبه الغيبي.
38
تع�اىل :ﭽ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ حمم�د؛ ه�ذه اآلي�ة واضح�ة أم ال ؟ اقرأ
هذه األس�ئلة:
1)1اللب�ن هن�ا حقيق�ي أم جمازي؟ بمعنى :أخ�ارج من رضع احلي�وان أم ال ؟ وإذا كان
خارج ًا من رضع احليوان فام هو؟ وإن كان ال ،فهل يصح أن نسميه لبن ًا ؟.
2)2اخلم�ر هن�ا حقيقة أم جم�از؟ إذا كان حقيقة فال بد أن يكون مس�كر ًا فهل أهل اجلنة
يس�كرون؟ وإذا كان ليس بمس�كر فهل جيوز أن نس�مي غري املس�كر مخر ًا؟ كيف؟
وهل سميت اخلمرة إال ألهنا ختامر العقول وحتجبها؟.
3)3عس�ل مصف�ى ،مصفى من أي يشء؟ ما هي الش�وائب التي كان�ت معه فصفاه اهلل
منه�ا؟ أهي ش�مع النحل؟ وه�ل يف اجلنة نحل؟ طيب ،ملاذا مل يذك�ره القرآن؟ وإذا
كان ليس فيه شوائب فكيف يصفه اهلل بأنه ﭽﮠﭼ؟.
وأخير ًا فه�ل خالفنا يف اإلجابة عن هذه األس�ئلة س�هل وهينّ ؟ كي�ف وهو خالف يف
العقيدة ؟!! أليست مسائل اليوم اآلخر من مسائل العقيدة؟.
ما الفرق بني هذا النمط من التفكري والنمط األول؟ ال فرق يف احلقيقة .لكن ذلك ألفناه
لكثرت�ه ،وهذا اس�تغربناه لندرت�ه ،لكن أال يمكن أن تفرغ علينا األي�ام من جعبتها أكثر من
هذا ،األيام حباىل وما يعلم بأجنتها إال اهلل!!!.
الس�بب الثالث :قد يأيت اإلش�كال بس�بب س�وء التصرف يف النص�وص ،وهذه بعض
األمثلة:
ال بنفس�ها ،ولكن 1)1ق�د ت�أيت كلم�ة يف القرآن حتتمل أكث�ر من معنى فتحدث إش�كا ً
الق�رآن يفرس بعض�ه بعض ًا ،فينبغي واحلال�ة هذه أن نختار من املع�اين املحتملة ما
ال قوله تعاىل لرس�وله حممدﷺ :ﭽ ﭩ ﭪ يتناس�ب مع بقي�ة النصوص ،فمث ً
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ الش�ورى ،فهل الرس�ول صىل اهلل عليه وس�لم هيدي؟
وم�ا معنى اهلداي�ة هنا؟ قد نختلف ،لكن حينما نقرأ :ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [القص�ص ،]٥٦ :نعل�م
عنده�ا أن هن�اك هداي�ة ثابتة لرس�ول اهلل ﷺ ،وهداية منفية عن�ه ،واهلداية املنفية
عن�ه ثابتة هلل وح�ده ،فأي اهلدايتني أل َيق باهلل ،وأهيام أليق برس�وله؟ ليس صعب ًا أن
نفهم اجلواب ،فاهلل هو اهلادي بمعنى أنه مقلب القلوب -س�بحانه وتعاىل -وهذا
39
ال يملك�ه إال اهلل ،وحممد ﷺ اهلادي بمعنى أنه الدليل املب ّلغ البشير النذير ،وهذا
هو ما يتناس�ب معه عليه الصالة والسلام.
2)2قد تكون املس�ألة معكوس�ة ،فهناك مجعنا بني النصوص ففهمنا اجلواب ،ولكن قد
يك�ون اإلش�كال بس�بب اجلمع بني نصوص ينبغ�ي أن تف�رق!! ورجائي أن تصرب
قليلا ألفصح عام أريد ،قد ي�أيت نص ترشيعي وآخر خبري أو قدري ،فحني ً ّ
علي
ال :ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ نجم�ع بني النصني حيدث اإلش�كال ،فالنص الترشيعي مث ً
ﯗ ﯘ ﯙ ...ﭼ [البقرة ،]179 :نقتص من القاتل ،فاإلنس�ان قد يقتل
اإلنس�ان بمعنى أن�ه يعدمه حيات�ه ،أو يميت�ه :ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ [النساء ، ]٩٣ :والنص اخلربي القدري :ﭽ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ...ﭼ [آل عم�ران ،]145:ب�ل إن
الق�رآن يق�ول :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ...ﭼ [األنف�ال .]17:من يريد
أن يثري هنا مش�كلة بجمع هذه النصوص يس�تطيع ،ولكن املس�لم يعلم أنه مطالب
م�ع الق�در بالتصديق ،وم�ع الرشع بالتنفي�ذ ،فهناك قدر ،وهن�اك رشع ،والقدر ال
يبطل الرشع ،وهذا معلوم من الدين بالرضورة ،واخللط بني ميدان القدر وميدان
التكليف خطأ وخطر.
م�ا زلت أذك�ر يوم أن جاءين أحدهم بكتيب يقول فيه مؤلف�ه :إن الذين يدعون إىل مجع
املس�لمني ووحدهتم ه�ؤالء خمطئون وربما مبتدعون وضال�ون -ال أذك�ر بالضبط -ملاذا؟
ألهن�م يريدون أن يكذب رس�ول اهلل ﷺ الذي صح عنه قولهَ (( :و َت ْفَت�رَ ِ ُق ُأ َّمتِي َعلىَ َث ٍ
الث
َو َس ْب ِعنيَ ِف ْر َق ًة ))((( لقد استغربت كثري ًا من هذا النمط من التفكري ،وقلت لصاحبي :ال أريد
أن أناقش�ك يف احلديث ومعناه ،لنسلم أنه عىل املعنى الذي أراده املؤلف ،فهل هذا احلديث
من نصوص الترشيع والتكليف أم هو نص من نصوص اخلرب والقدر؟ مل حير جواب ًا ،قلت:
أحياس�بنا اهلل يوم القيامة ويقول :ملاذا مل تتفرقوا؟!! أم يقول لنا :ملاذا تفرقتم وقد هنيتكم عن
التفرق بقويل الواضح املبني :ﭽ ...ﭵ ﭶ ...ﭼ [آل عمران.]103
ال آخر مما ينبغي التفريق فيه من النصوص بصورة عامة ،هذا نص يقول لك: ولنأخذ مثا ً
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ...ﭼ [العنكب�وت ،]46:وه�ذا نص
آخ�ر :ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ
ﮙ ﮚ ﭼ التوبة.
إن هذي�ن النصين ال يمكن فهم املراد منهام إال بعد أن نفهم اختالف كل دائرة نزل فيها
الن�ص عن الدائرة األخ�رى ،فالدعوة إىل اهلل دائرة كبرية هلا ما يناس�بها من األحكام ،حتى
قال اهلل عن فرعون :ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ طه ،فاللني واملجادلة بالتي هي أحس�ن سلاح
الدع�وة ،بينام القوة والغلظة سلاح اجلهاد ،فدائرة الدع�وة يشء ،ودائرة اجلهاد يشء آخر،
واخللط بينهام خطأ أيض ًا.
لقد توس�عت يف هذه األمثلة ألين أرى أن الكثري من أس�باب النزاع ،السيام ذلك املستند
إىل النصوص سببه اجلمع فيام ينبغي تفريقه ،أو التفريق فيام ينبغي مجعه.
وبعد كل هذا فربام اس�تطعنا أن نضع أصابعنا عىل أبرز السمات يف املنهج القرآين ،بقي
علينا أن نشري إىل آثار املنهج القرآين عىل أرض الواقع.
41
املبحث اخلام�س
�آثار املنهج القر�آين
إن مق�دار النج�اح أو الفش�ل ال يق�اس إال بمق�دار م�ا حققه اإلنس�ان م�ن أهداف
مرس�ومة ل�ه مس�بق ًا ،واملنهج القرآين جاء لغاية واضحة مكش�وفة ،إهن�ا أن يكون الدين
كل�ه هلل ،وأن تعلن خالفة اهلل يف األرض ،وأن تكون الرمحة للعاملني ﭽ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ األنبي�اء ،وق�د وضع القرآن منهجه الش�امل لتحقيق هذه الغاية،
وكان ه�ذا املنه�ج يبتدئ بجان�ب العقيدة ،والعقي�دة أوكل إليها مهم�ة بناء التصورات
األوىل التي حيتاجها املسلم ألداء وظيفته ،وأوكل إليها أيض ًا مهمة الدفع باجتاه التطبيق،
والصبرعلىألواءالطري�ق،وق�دحقق�تالعقي�دةالقرآني�ةم�اهدف�تإلي�ه.
ال :قامت أمة م�ن الصفر حتمل الرمحة والعدل والعلم للعاملين ،وانطلقت راياهتا فإمج�ا ً
الفاحت�ة يف غض�ون س�نوات لتخ�رج الناس من عب�ادة األوث�ان إىل عبادة اهلل وح�ده ،ومن
ال يراود خميالت الفالس�فة ج�ور األديان إىل عدل اإلسلام ،وبنت املجتمع الذي كان خيا ً
ال :لنضع أيدينا عىل النقاط اآلتية:واملصلحني ،وتفصي ً
-1يف جمال الس�لوك الفردي :وجدنا هذا اإلنس�ان املطبوع عىل األنانية والطمع وحب
السلامة واخللود ،رأيناه إنسان ًا يبذل ما عنده ألخيه ،ويبذل روحه لدينه ،حتى قال القرآن:
ﭽ ...ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﭼ [احلرش ، ]9:وحتى أصبح بذل النفس
ال حيمل طابع الواجب التكليفي املجرد ،وإنام ارتقت به لغة القرآن إىل احلب ،فاملسلم حيب
أن يب�ذل روح�ه ،وهك�ذا ينبغ�ي أن يك�ون :ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
ﮁ ﮂ ﮃﮄﮅﮆﮇ ﮈ ﮉﮊ
ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ التوبة ،ولذا انقلب هذا اإلنسان من إنسان يقاتل من أجل ناقة
أو مجل ،إىل إنسان يقدم كل يشء وينتظر الشهادة بشوق كبري ،فإذا سال دمه استبرش ونادى:
فزت ورب الكعبة.
إنن�ا نعزو هذا االنقالب اهلائل يف النفس البرشي�ة إىل العقيدة التي جاء هبا القرآن والتي
غيرّ فيها التصورات واملفاهيم ،إن القرآن مل يلغ الغريزة وإنام دفعها باجتاه البناء ،ماذا نتصور
42
اإلنس�ان الذي حي�ب ذاته؟ هل جاءته العقيدة القرآنية لتقول ل�ه ألغ هذه الطبيعة؟ ال ،وإنام
قالت له :إن كنت حتب ذاتك فقدمها ،لتضمن ذاتك الس�عيدة الس�عادة األبدية ،وإن كنت
حتب مالك ،فقدمه ليكون لك أضعاف ًا مضاعفة ،وكلام كنت أناني ًا أكثر كلام ينبغي عليك أن
تب�ذل وتضحي أكثر!! نعم فالتاجر الذي حيب الرب�ح أكثر من غريه يتعب أكثر ويبذل أكثر
ولك�ن لريبح أكثر ،هذا التصور اجلديد الذي بنته العقيدة هو الذي فعل األفاعيل ،اس�تمع
إىل عقي�دة القرآن كيف تصوغ هذه احلقيقة :ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ...ﭼ [التوب�ة ،]111:إذ ًا ه�ي عملية بي�ع ورشاء وربح ،وإذا
ال للرتدد ،إهنا تقولكنت مرتدد ًا يف اإلقدام عىل هذه الصفقة ،فإن عقيدتك لن ترتك لك جما ً
ل�ك :ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ...ﭼ [آل عم�ران ،]185:بمعن�ى أن�ك تقدم الثم�ن طائع ًا
أو مكره� ًا ،أن�ت متوت حت ًام وس�تخرس مالك بموتك ،فماذا تريد؟ أتريد أن خترس نفس�ك
ومالك جمان ًا دون عوض؟ أم تريد أن تشتري هبام اجلنة والس�عادة األبدية؟ أنت بني هذين
اخلياري�ن ،فماذا أنت فاعل؟! .وإذا كان األمر كذلك فهل من حاجة إىل أن نفصل القول يف
تأثري العقيدة عىل السلوك اليومي لإلنسان ،يف أكله ورشبه ،وسوقه ومزرعته ،بني أهل بيته
واآلخرين ،لقد بنت العقيدة القرآنية إنسان ًا جديد ًا ال حيتاج إىل رقابة؛ فرقيبه من داخله ،وال
حيتاج إىل القضاة فدستوره بني جوانحه ،وهذا يكفي.
-2يف جم�ال البن�اء اجلامع�ي وتكوين احلض�ارة املثالية :ال داعي أن نق�دم بني يدي هذه
ال بلغ عمره األربعني سنة ،ومل يعمل النقطة فهي ال حتتاج إىل مقدمات ،فقط أن نعلم أن رج ً
أي يشء ،ث�م ب�دأ يدع�و إىل عقيدة جديدة بع�د األربعني ،لكن الناس رفض�وا هذه العقيدة
وآذوا ه�ذا الرج�ل كثير ًا هو والقلة الذين آمن�وا معه ،حتى ملا جاوز عمره اخلمسين خرج
ال حس�م مهاجر ًا بدينه وطارده الناس لكنه اس�تطاع أن ينجو ،ثم ملا بلغ الس�تني أو يزيد قلي ً
املعرك�ة م�ع مجيع أعدائه لصاحله ،فأس�لم العرب واهنزم اليهود ،وبس�ط نفوذه عىل اجلزيرة
العربية ومل يكتف هبذا أخذ هيدد استقرار الروم يف شامل جزيرته ،ثم واصل املسرية خلفاؤه
من بعده فحطموا طواغيت األرض ،فهدموا عرش كرسى ،وكرسوا ش�وكة قيرص!!! فقط
أن نعلم هذه احلقيقة فهذا يكفي.
ف�إذا علمت أن ه�ذه الرسعة يف اإلنجاز مل تكن حمصورة يف اجلانب العس�كري وإنام هو
انقلاب رسيع يف السياس�ة والقان�ون واالقتصاد واألخالق..الخ ،وكل هذا س�ار بموازنة
فري�دة عجيب�ة ،فامذا تق�ول؟ لوال أنه خرب مس� ّلم بصحته عند خلق اهلل كاف�ة ،لقلنا :إنه من
43
التاريخ ،فكيف قص�ص املاضني وأس�اطري األولين ،لكنه احل�ق الذي هبر العق�ول وحّي�رّ
استطاع القرآن أن حيقق كل هذا؟! لننظر يف النقاط اآلتية:
أ -لي�س املجتم�ع إال جمموع أفراد ،ف�إذا تبني لنا آنف ًا كيف اس�تطاعت عقيدة القرآن أن
تحُ دْ ث االنقالب اهلائل داخل النفس البرشية؛ فام الذي يعوقها بعدُ أن حتدث هذا االنقالب
يف املجتمع كله؟! إن جيش ًا مكون ًا من أفراد صاغتهم عقيدة القرآن؛ عقيدة البيع والرشاء أو
صفقة اجلنة ،ال يمكن أن ينهزم أبد ًا ،أينهزم التاجر من الربح الكبري؟! ..ولذا يف كل معارك
اإلسلام األوىل مل نس�مع بأن الدولة اإلسلامية احتاجت إىل وضع “التجانيد” الس�تدعاء
املواليد ،وال إقامة السيطرات لتتبع املتخلفني واهلاربني!!! .
ب -لقد جاءت عقيدة القرآن لتقول لإلنسان :إن األرض أرضك والسامء سامؤك وكل
م�ا فيه�ا لك ،لي�س فيها جمهول خييفك ،ليس فيها ممنوع عليك –إال ما ش�اء اهلل ،-واس�مع
مع�ي إىل ه�ذا البي�ان :ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ...ﭼ [البق�رة ،]29:و
ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ
ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ
ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭼ إبراهي�م ،و ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ [لقامن.]20:
إن هذه العقيدة التي تبصرّ اإلنسان بحقيقة هذا الكون ،وإنه خملوق مسخر له فهو سيده،
أن هذه العقيدة ستفجر الطاقات وتفتق واملترصف فيه ،بإذن خالقه –تبارك وتعاىل (((-البد ّ
املواه�ب ،ثم إن ه�ذا التفجري منضبط بحدود الدس�تور اإلهلي ،فاإلنس�ان ليس هو املالك
يوم حياس�ب فيه هذا اإلنس�ان عىل احلقيق�ي وإنما هو مس�تخلف فيه مؤمتن عليه ،وس�يأيت ٌ
الصغرية والكبرية.
فاحلضارة اإلسلامية قامت عىل االستغالل األقوى واألمثل للطاقات املخزونة يف هذا
الكون مع الدستور الذي ينظم هذا االستغالل ويدفع به نحو اهلدف الكبري(((.
ل�و أردت أن جت�ري مقارنة بين هذه العقي�دة والعقائد األخرى يف ه�ذه النقطة بالذات
لرأيت العجب ،تصور أن عقيدة تقول ألصحاهبا :إن إهلكم بقرة أو نار أو شمس أو قمر أو
متر أو حجر ،ما قيمة هذه العقيدة أمام العقيدة التي تقول لإلنس�ان :أنت س�يد هذا الكون،
وإن هذه اآلهلة املزيفة أنت سيدها وهي مسخرة خلدمتك ؟!.
ثم تصور عقيدة عىل نقيض تلك ،عقيدة تقول لإلنسان :أنت سيد الكون ،أما اإلله فهو
إ ّما َو ْه ٌم ال حقيقة له ،وهذه فلسفة الرشق اآلن ،وإ ّما أنه موجود ولكن ال دخل له يف خلقه،
فال رشيعة له وال دس�تور ،اإلنس�ان هو الذي يس�تغل الكون وهو الذي يضع لنفسه قانون
االس�تغالل!! ماذا ينتج عن عقيدة الغرب هذه؟ نعم اس�تغالل كبري لطاقات الكون ،لكن
مع الظلم واألنانية والطبقية واالس�تغالل البش�ع لطاقات الفقراء والطبقات الكادحة ،ملاذا
مل تستطع احلضارة الغربية أن تنتج جمتمع ًا يسوده التعاون واإليثار؟ ملاذا مل يستطع الساكنون
يف ناطحات السحاب أن حيققوا قدر ًا من الرأفة واحلب واإليثار كام حققه ساكنو الصحراء
أيام املد اإلسالمي األول؟!.
وبني هذه وتلك توجد عقائد كثرية لكنها عوراء أو عرجاء ،فهذا غاية ما عنده أن حيقق
حلم ش�عب اهلل املختار يف استعباد بقية األجناس البرشية ،وذاك غاية ما عنده أن ي َ
رت َّهب يف
صومعة أو دير تارك ًا الزواج واحلياة!! .
جـ -لقد مر معنا أن من أبرز هذه العقيدة أهنا عقيدة عملية ،دفعت اإلنس�ان يف ميادين
عملي ًا ،فليس يف كل
العم�ل ،يف عامل الش�هادة ،ومل متنحه م�ن الغيب إال بمقدار ما ينتفع ب�ه ّ
جوان�ب العقي�دة جانب نظري بح�ت ،وهذا بطبعه أدى إىل التنافس يف العمل ،واملس�ارعة
في�ه ،واالبتع�اد عن اجلانب النظري الفلس�في ،هذا االبتعاد كان له الس�بب األكرب يف حفظ
الطاقات العقلية ودفعها باجتاه امليدان العميل ،ولنقارن اآلن بني حالتني:
احلالة األوىل :حالة العقول املنفتحة يف اجليل اإلسالمي األول ،كيف دفعت هبا العقيدة
القرآني�ة إىل دراس�ة األرض وموازي�ن القوى ،ث�م التخطيط لبن�اء األمة ورف�ع راية احلق،
وأخري ًا النجاح يف التنفيذ ،فكانت عقول اخللفاء الراش�دين ،والقادة العسكريني ،والتجار،
وأصحاب اخلربات ،والقدرات ،كلها مشغولة باهلدف ،مشحونة للتنفيذ.
احلالة الثانية :حالة العقول الكبرية التي جاءت بعد ،لكنها ابتعدت عن الواقع وسبحت
يف فضاء الغيب ،فأنتجت ثروة هائلة يف ميادين الكالم والفلس�فة ،لكن اجلياع ال تش�بعهم
الفلس�فة ،والظلم ال ترفعه األقالم ،واجليوش الغازي�ة ال يردها جدل املتكلمني ،لقد كنت
ال أش�غلوا عقوهلم يف عاملأس�أل نفسي كثري ًا بحرسة وأس�ى :م�اذا لو أن ه�ؤالء املعتزلة مث ً
45
الش�هادة ومي�دان الواقع؟ م�اذا لو أن ه�ذه الطاقات واألوق�ات رصف�ت يف ميادين العلم
العملي واإلب�داع الصناعي :إن العقول التي صنعت الكهرباء واكتش�فت خصائص النفط
وأنتجت البنادق والقنابل ليست أذكى من عقول أئمتنا الكبار ،فهل أقول :إنه خطأ املنهج؟
من املمكن ،لكن احلقيقة دائ ًام إن األمة عندما تتعرض لغزو فكري سينربي بعض املخلصني
له ،وبقدر ما حيققون من نجاح بقدر ما يصبح هذا امليدان ميدان الشهوة والشهرة ،فيتنافس
املتنافس�ون ،ويتدافعون باألكتاف ،لكن قد يك�ون ذاك اخلطر زال أص ً
ال ،أو إنه من املمكن
أن يزول ببعض يسري من هذا اجلهد ،فام كان ينبغي أن توظف العقول كلها لرد شبهة آثارها
فيلسوف أو مكابر!! .
لقد ُط ِر َحت أمام اجليل األول شبهات كثرية ،السيام من أهل الكتاب ،وبعض املنافقني،
ال لإلخلال باملوازنة حلدوث لك�ن الرتبي�ة عىل أس�س العقي�دة القرآنية م�ا كانت تدع جم�ا ً
االرتباك املؤذي للصف اإلسالمي.
-3وال يفوتن�ا أن نذك�ر األث�ر الكبري الذي نجم عن توحيد مص�در التلقي لدى األمة،
الس�يام يف مبادئها األوىل ومنطلقاهتا الرئيس�ة ،فلام كان املس�لمون ال يأخ�ذون عقيدهتم إال
من مصدر واحد وهو كتاب اهلل ،منحهم هذا وحدة يف اجلانب األهم من ميادينهم الفكرية
وغريها ،وإن عدم السامح للعقل البرشي أن جيتهد ليضع أصول العقيدة بل حتى وال السنة
النبوي�ة كما مر ،حيث كانت األصول االعتقادية واضحة مفصل�ة يف القرآن ،القرآن املعجز
اخلال�د املحف�وظ ،إن ه�ذا كان له الدور األكرب يف صيانة اجلدار اإلسلامي من التش�ققات
ً
خالف�ا يف الثوابت واألصول، اخلطيرة الت�ي قد تودي ب�ه ،وإن كل خالف هني م�ا مل يكن
ول�ذا كانت عقي�دة القرآن صامم األمان حلفظ األمة املس�لمة ،وإن ه�ذه األمة ما اضطربت
أفكارها وتباينت تصوراهتا إال بعد أن س�مح للعقل أن جيتهد يف مس�ائل العقيدة ،والعقول
ال تلتقي إال عىل الرضوريات ،ومس�ائل العقيدة ليس�ت كلها رضوريات ،بل إن منها ما هو
متصل باجلانب الغيبي البحت ،الذي ال جمال للعقل فيه إال بدليل من الوحي ،فلام اختلفت
العقول يف نتاجها تعددت مصادر التلقي ،فتلقت األمة عقائد مصبوغة بصبغة العقول التي
أنتجتها ،فحدث ما حدث ،واهلل املستعان.
ويف خت�ام هذا املبحث نود أن نجيب عن تس�اؤل قد ينق�دح يف الذهن ،وهو أنه إذا كان
مقي�اس النجاح أو الفش�ل ألي مرشوع إنما يكون بمقدار ما حققه م�ن أهداف مع مراعاة
عنصر الزم�ن ،فهل العقيدة القرآني�ة قد حققت أهدافها بصورة صحيح�ة وكاملة؟ كيف،
46
واألرض ال زال�ت تدين بأديان باطلة ،ودس�اتري ومناهج من وض�ع البرش ،وال زال الظلم
يرخي ذيوله عىل املجتمعات اإلنسانية برمتها ؟!.
هذا الس�ؤال يف غاية األمهية ،واجلواب عنه قد ينفعنا لكش�ف طبيعة هذا الدين ومنهجه
يف حتقيق أهدافه عىل هذه األرض ،وللجواب نقول :إن اإلسلام يتحرك عىل هذه األرض
بجانبين :األول :وهو املعصوم من اخلطأ واملربأ من الزلل ،ونعني به الوحي اإلهلي ،عقيدة
ورشيع�ة ،واجلان�ب الث�اين :وهو املع�رض للخطأ والزل�ل ،ونعني به اجله�د البرشي الذي
كلف بحمل هذه الرس�الة والوصول هبا إىل غايتها ،وهذا اجلانب هو أس�اس االبتالء ،ويف
ميدانه يفوز الفائزون ،او يسقط الساقطون ،فحينام يعي البرش املكلفون هبذا الواجب طبيعة
وظيفته�م ،ويصدقون معها ،ويتحركون هبا يف املس�ار الصحيح ،ف�إن اجلانب األول مؤمن
الثغرات ،فلن تنتكس املسيرة بس�بب نقص أو خلل يف اجلانب األول أبد ًا ،وهذا ما حدث
ً
ذرع�ا بتقدمه يف اجلي�ل األول ،فكلما حت�رك الص�ف إىل األمام وجد عقيدت�ه معه ال تضيق
تتعوق
وتوس�عه ،فتحقق ما حتقق ،وحينام يترسب اخللل إىل اجلند املكلفني بحمل الرس�الة ّ
املسرية ،وحيدث اإلخفاق.
واخلالصة :إننا نقر بوجود إخفاق عريض يف جمال حتقيق األهداف ،إال أن هذا اإلخفاق
ما كان سببه اجلانب االعتقادي ،وإنام سببه اجلهد البرشي املناط به محل هذه األمانة .
الف�صل الثاين
الإلهيات
املبحث الأول
�إثبات وجود الله
إن ق�ارئ الق�رآن ال جيد فيه مناقش�ة رصحية ملنك�ري اخلالق ،ويمكن تعلي�ل هذا بأمور،
أمهها:
-1إن اإليمان بوجود خالق هذا الكون قضية رضورية ،ال مس�اغ للعقل يف إنكارها،
فهي ليس�ت قضية نظرية حتتاج إىل دليل وبرهان ،ذلك ألن داللة األثر عىل املؤثر يدركها
أي أثر ولو كان أثر ًا تافه ًا؛
العقل بداهة ،والعقل ال يمكن له أن يتصور أثر ًا من غري مؤثرّ ،
فكيف هبذا الكون العظيم؟! ولذلك مل يناقش القرآن هذه القضية ،حتى حينام أورد إنكار
فرع�ون لرب العاملني يوم أن قال :ﭽ ...ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ [الش�عراء ،]23 :و ﭽ ...ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ...ﭼ [القص�ص ،]38 :و ﭽﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﭼ غافر،
ف�كان موس�ى –عليه السلام -ال يعري اهتامم ًا هل�ذه اإلنكارات ،وتعام�ل مع فرعون عىل
ال :ﭽ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ أس�اس أن�ه مؤمن بوجود اخلالق ،فرتاه يقول ل�ه مث ً
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﭼ اإلرساء ،وق�د ع�زا
الق�رآن ه�ذا اإلن�كار إىل التكرب والعن�اد فق�ال :ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ املؤمن�ون ،وأوض�ح أكث�ر فق�ال :ﭽ ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ...ﭼ [النم�ل .]14 :
-2إن البيئ�ة الت�ي ن�زل فيها الق�رآن الكريم مل تكن بيئة فلس�فية ،وإنما كانت وثنية يف
الغال�ب ،كتابي�ة يف بع�ض القرى أو بعض األش�خاص ،والكتابيون ال ينك�رون اخلالق،
وأم�ا الوثنيون فمع عبادهتم لألوثان إال أهنم كانوا يؤمنون باخلالق -س�بحانهَ ،-و َس ّ�جل
الق�رآن ه�ذا هلم يف أكث�ر من موض�ع ،فق�ال :ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ﯛ ﯜ...ﭼ [لقمان ،]25 :و ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙ...ﭼ [لقمان ،]32 :وهل�ذا مل حيت�ج القرآن أن يفتح املوضوع م�ع هؤالء الناس ،بل
حت�ى خارج ه�ذا البيئة مل ُيع�رف هنالك منك�ر للخالق ،يقول الشهرس�تاين -رمحه اهلل:-
50
«أما تعطيل العامل عن الصانع العليم القادر احلكيم فلس�ت أراها مقالة ألحد ،وال أعرف
عليها صاحب مقالة ،إال ما نقل عن رشذمة قليلة من الدهرية ،ولست أرى صاحب هذه
املقال�ة مم�ن ينكر الصانع ،بل ه�و معرتف بالصانع ،فام ُعدّ ت هذه املس�ألة م�ن النظريات
الت�ي ق�ام عليه�ا بره�ان»(((.
وم�ع خل�و القرآن من مناقش�ة رصحية ملنك�ري اخلالق إال أنه تضمن أدل�ة كثرية إلثبات
اخلال�ق ،غير أهنا يف الغالب جاءت إلثبات مس�ائل أخ�رى ،كالوحداني�ة والنبوة والبعث،
ويمكن استخالص هذه األدلة وتصنيفها عىل النحو التايل:
-1دليل اخللق :وهو املسمى بدليل االخرتاع والعناية ،وخالصة هذا الدليل:
(((
أن ه�ذا اخلل�ق بكل ما فيه ش�اهد عىل وج�ود خالقة العلي القدير -س�بحانه وتعاىل،-
وتفصيله أن نقول :االخرتاع معناه :تكوين األشياء وإجيادها بعد العدم ،والعناية :هي ما يف
هذا الكون من تنظيم دقيق ،وتناس�ق عجيب ،ومظاهر الرعاية هلذا اإلنس�ان الذي سخر له
اهلل ما يف الس�موات وما يف األرض وأس�بغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة ،وال نريد أن نطيل يف
تفصيل هذا الدليل ،وإنام نريد أن نتنور هبذه اآليات ،فلنتدبر مع ًا ﭽﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ...ﭼ الطور ،ﭽ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ
ﰅﰆ ﰇ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚﭛ
ﭜﭝ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯ
ﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﭼ ﭼ البق�رة ،ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ
ﮚﮛﮜ ﮝﮞﮟﮠﮡ ﮢﮣﮤﮥ
ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ
ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ
ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﯴ ﯵ ﭼ ال�روم ،ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
((( انظر «دالئل التوحيد» للقاسمي :ص . 23و «العقيدة والفطرة يف اإلسالم» لصابر طعيمة .
((( «يف ظالل القرآن» لسيد قطب . 139/3
((( وق�د روى أهل السير :أن عتبة ب�ن ربيعة كلم النبي ﷺ فيام جاء من خلاف قومه ،فتال عليه (حم ..
فصلت ) إىل هذه اآلية ،فأمسك عتبة عىل فم النبي ﷺ وناشده الرحم أن يكف ،ومل خيرج إىل أهله واحتبس
عنهم ( .السرية النبوية البن كثري. )247/1 :
52
حلظة ضعف برشي ينس�ى اإلنس�ان عناده لينكش�ف احلق األبلج يف داخل نفس�ه ،ومن ثم
االحتج�اج علي�ه ب�ه ..وانظر هذا الذي ق�ال :ﭽ ...ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ [الش�عراء،] ٢٣ :
وق�ال :ﭽ ...ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ[القص�ص ،]38 :ه�و نفس�ه الذي قال
حلظ�ة الغ�رق :ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ
يون�س ،بل لقد اعرتف يف حلظة ضعف قبل هذه س�جلها عليه الق�رآن بقوله :ﭽ ﮅ ﮆ
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘﮙﮚ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﭼ األعراف.
وقد سجل القرآن مثل هذا عن املرشكني الذين نزل يف بيئتهم حيث قال :ﭽ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﭼ لقامن ، ٣٢ :و ﭽ إذا مس�كم الرض يف البحر ضل
من تدعون إال إياه...ﭼ [اإلرساء.] 67:
لق�د خل�ص الق�رآن ه�ذا الدلي�ل بقول�ه :ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ﯞ ...ﭼ [النم�ل.]٦٢ :
-3دلي�ل اإلعج�از :اإلنس�ان عاجز – ال ريب -عن أن خيلق كخل�ق اهلل ،بل كأضعف
خل�ق اهلل :ﭽ ...ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ...ﭼ [احل�ج ، ]٧٣ :فالك�ون كل�ه معج�زة ش�اهدة
بوج�ود اخلالق – س�بحانه -ولكن اإلنس�ان قد يغفل عن ه�ذه احلقيقة ،وق�د يتغافل عنها
عن�اد ًا واس�تكبار ًا ،فيحتاج إىل ُم ّنب�ه جديد لغفلته ،وبرهان أكيد لكب�ح عناده وتكربه ،ومن
هن�ا كان�ت املعجزة الثاني�ة أو اإلعجاز اآلخر املتمث�ل يف قدرة اهلل عىل خ�رق قانون الكون
ونظامه ،فيبقى اإلنس�ان مبهوت ًا عاجز ًا أمام قدرة اهلل تعاىل ،وهذا املبحث وإن كنا س�نتناوله
إن ش�اء اهلل يف فصل “النبوة” باعتباره جاء إلثبات صدق النبي الرس�ول ﷺ إال أننا س�نمر
ِ
ولنكتف هنا عليه رسيع ًا؛ ألن دليل إثبات الرس�ول هو دليل إثبات ِ
املرس�ل من باب أوىل،
هبذين املثالني فقط:
أ -يف مناقش�ة موس�ى –عليه السلام -لفرع�ون جيمع القرآن بني اإلعج�از من النوع
األول والث�اين ،فلنق�رأ :ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ
53
املبحث الثاين
التوحيد
قلنا يف املبحث السابق :إن قارئ القرآن ال جيد فيه مناقشة رصحية ملنكري اخلالق ،وعللنا
هذا بكون هذه املس�ألة ال حتتاج إىل كثري نظر ،فداللة األثر عىل املؤثر داللة عقلية رضورية،
ثم إن البيئة التي نزل فيها القرآن مل تكن تعاين من هذه املشكلة ،غري أن املسألة اخلطرية التي
عاجلها القرآن هي مسألة الرشك.
لق�د ج�اء الق�رآن واجلزي�رة العربية تعج بآهل�ة كثرية ،يصنعها اإلنس�ان بي�ده من الطني
واحلجر ،يسجد هلا ،وحيلف هبا ،ويستنرصها ،ومل يكن ما يناطح هذه السفاهات إال ديانات
حمرفة يف اجلزيرة وخارجها ،قد يكون فيها من السفاهات ما ال يقل عن عبادة احلجر.
يوح�دون اهلل من حيث أنه ه�و اخلالق ال�ذي ال رشيك له صحي�ح أن املرشكين كان�وا ّ
يف اخلل�ق :ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ...ﭼ [الزم�ر، ]٣٨ :
وصحيح أهنم ال يرون يف األصنام إال وس�ائط تقرهبم من اخلالق العظيم :ﭽﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ...ﭼ [الزم�ر ، ]٣ :إال أن اإلسلام تعام�ل مع ه�ذا كله عىل أنه رشك
وس�خر اإلسلام ّ
جل ّ وظل�م عظيم :ﭽ ...ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ [لقامن]١٣ :
طاقته للقضاء عىل هذا الظلم العظيم ،وانتشال الناس إىل نقاء التوحيد وصفائه ..فام منهج
الق�رآن يف كل ه�ذه املعركة؟ ال ريب أن الذي يتصفح القرآن فإنه جيزم أن أهم مس�ألة اهتم
هبا القرآن هي هذه املس�ألة ،غري أننا – يف احلقيقة -ال نس�تطيع أن نجد يف القرآن تقس�ي ًام أو
تبويب ًا لتفصيالت هذه املس�ألة –كام حدث عند املتكلمني((( -فللقرآن منهجه املتميز والذي
ال نستطيع اإلحاطة به هنا ،غري أننا سنحاول أن نشري إليه من خالل النقاط التالية:
-1االهتمام الكبري هبذه املس�ألة :فال نظري هلا أبد ًا يف مجيع املس�ائل التي عاجلها القرآن،
فق�د حش�د هلا القرآن م�ا يصعب حرصه ،حيث أنك ال تكاد جتد س�ورة منه إال وفيها تأكيد
عىل وحدانية اهلل وحماربة الرشك((( ،وقد يساعدنا أن نذكر بعض اإلحصاءات التقريبية:
((( راجع تقس�يامت املتكلمني يف كتاب« :املوجز يف مناهج املتكلمني» للمؤلف ،والذي س�يخرج قريبا إن
شاء اهلل .
((( انظر« :عقيدة التوحيد يف القرآن الكريم» ملحمد ملكاوي ،وهي رسالة ماجستري خمصصة هلذه املسألة .
56
•وصف اهلل نفسه بالوحدانية وما يقرهبا اشتقاق ًا بنحو ( )29آية .
•وصف اهلل نفسه بأنه ال إله إال هو وما يقرب من هذا اللفظ بنحو ( )176آية .
•ذكر القرآن الرشك وما يقربه اشتقاق ًا بنحو ( )62آية .
ولك�ن احلقيق�ة األكرب أن اآليات الت�ي تناولت هذه القضية باأللف�اظ املختلفة والصيغ
ال مادة “عبد” – والتي ُس ِّخ َرت يف الغالب للتنديد املتنوعة هي أضعاف هذه األرقام!! فمث ً
بعبادة غري اهلل ،والتأكيد عىل حق اهلل وحده يف العبادة -قد تكررت يف القرآن بنحو ()272
آي�ة ،وهنال�ك غير هذه الصي�غ كثري ،وقد يكف�ي القول بأن الق�رآن ذكر الرس�ل – عليهم
الصلاة والسلام -وكرر ذكرهم كثير ًا ،ومع كل مرة ال يس�أم القرآن أن يذك�ر أن وظيفة
الرسل األوىل ونقطة البداية يف دعوهتم هي هذه املسألة ،ولنأخذ هذه األمثلة:
أ -نوح – عليه الصالة والسالم -ابتدأ القرآن قصته بقوله :ﭽ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ األع�راف ، ٥٩ :ث�م قال عنه :ﭽ ﮝ ﮞ
ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﭼ ه�ود ،ويتك�رر ه�ذا الن�داء
من نوح –عليه السلام -يف س�ورة املؤمنون (اآلية رقم ،)22والشعراء (اآلية رقم ،)108
ونوح ( اآلية رقم . )3
ب -هود –عليه الصالة والسلام -ابتدأ القرآن قصته بقوله :ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ...ﭼ [األع�راف ،] ٦٥ :وتك�رر الن�داء نفس�ه يف
س�ورة ه�ود ( اآلي�ة رقم ،)50واملؤمن�ون ( اآلية رقم ،)32وقريب ًا منه يف س�ورة الش�عراء
(اآلية رقم ،)126واألحقاف ( اآلية رقم . )21
ح�ـ -صالح –عليه الصالة والسلام -ابتدأ القرآن قصت�ه بقوله :ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ
ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ...ﭼ [األعراف ،]73 :وكرر هذه
البداية نفسه يف سورة هود (اآلية رقم . )61
د -إبراهيم –عليه الصالة والسلام -بدأ م�ع أبيه بقوله :ﭽ ...ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ [األنعام ،] ٧٤ :ثم كرر الدعوة بأسلوب آخر :ﭽ ﭴ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ مريم ،ثم يوجه سؤا ً
ال استنكاري ًا ألبيه
وقومه :ﭽﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ [األنبياء.]٥٢ :
ولنق�رأ أخير ًا عنه هذه اللقطة الرائع�ة :ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮬﮭ
57
((( انظر النموذج يف ص 83الذي يوضح الرتابط بني جوانب التوحيد اخلمسة .
58
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ
األنبياء.
ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ...ﭼ [النساء.]٣٦ :
ﭽ ...ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ...ﭼ [التوبة.]٣١ :
ويكف�ي أن نعل�م أن هذا اجلانب اعتربه القرآن غاي�ة اخللق وعلته ،فقال :ﭽ ﭳ ﭴ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ [الذاريات.]٥٦ :
هذا وقد ورد هذا املعنى بألفاظ أخرى من مثل قوله تعاىل:
ﭽﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ
[األنع�ام ،]١٢١ :ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ ...ﭼ [الن�ور ]٥١ :ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ
ﮥﮦﮧﮨ ﮩﮪﮫﮬ ﮭﮮﮯ ﮰﮱ ﯓ
ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ...ﭼ [حممد. ]٢٦ – ٢٥ :
فطاع�ة غري اهلل –ولو يف بعض األمر -طري�ق الردة ،وهذا يؤكد أن ال طاعة لغري اهلل أما
طاعة الرس�ول ﷺ فألنه مب ّلغ عن اهلل ،ﭽ ...ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ...ﭼ [الش�ورى، ]٤٨ :
فطاعت�ه طاعة اهلل :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ...ﭗ ﭼ [النس�اء ،]٨٠ :وإذا كان األمر
ال لك�ي ال حيوجنا اهلل لغريه ،ولذلك كذل�ك –وهو كذلك -فال بد أن يكون رشع اهلل ش�ام ً
ق�ال اهلل :ﭽ ...ﮖ ﮗ ﮘ ...ﭼ [األنع�ام .]١٥٤ :ﭽ ...ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅﮆ ...ﭼ [األنعام ،] ٣٨ :وسيأيت بيان هذا مفص ً
ال إن شاء اهلل.
اجلان�ب اخلام�س :إفراد اهلل بأسمائه وصفات�ه وأفعاله ،فال رشيك له يف أسمائه ،وال يف
صفاته ،وال يف أفعاله .وتوحيد اهلل يف أسمائه معناه :أن اهلل قد س�مى نفس�ه بأسماء ،وهذه
األسماء له وحده فال ترصف لس�واه س�واء كان االس�م جمرد ًا من الوص�ف ،مثل “اهلل” أو
مش�تق ًا من�ه مثل “ الرمحن” ،وهلذا ق�ال اهلل تع�اىل :ﭽ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ
ﮔ ﮕ ﮖﮗ ...ﭼ [اإلرساء ،] ١١٠ :وقال تعاىل :ﭽ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ
ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ [مري�م ، ]٦٥ :وق�ال :ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ...ﭼ [األعراف:
، ]١٨٠وتوحي�د اهلل يف صفات�ه معن�اه أن اهلل –تعاىل -قد وصف نفس�ه بصفات ،وأن هذه
الصفات خالصة له وحده ،وال جيوز رصفها لغريه سواء كانت هذه الصفات قائمة باالسم،
مر يف اس�مه “الرمح�ن” ،أو جمردة منه ،كما يف قوله تع�اىل :ﭽ ...ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ كما ّ
61
ﯭ ...ﭼ [البق�رة ، ]٢٥٥ :فعل�م اهلل لي�س في�ه رشيك ،وال يامثله عل�م أحد من خلقه،
وكل هذا سنفصله إن شاء اهلل يف مبحث مستقل ،وأما توحيده يف أفعاله فهذا تابع للجانب
األول ،ف�اهلل ﭽ ...ﭚ ﭛ ﭜ ...ﭼ [األنع�ام ، ]١٠٢ :وهذا اخللق يعني أفعا ً
ال
كثرية ،كالرزق واإلحياء واإلماتة ...الخ ،وقد تقدم .
62
-3االستدالل القرآين املقنع إلثبات هذا التوحيد وكثرة صيغه وتنوع أساليبه:
ونكتفي هنا أن نذكر بعض األدلة التي ساقها القرآن الكريم:
الدليل الأول:
دليل اخللق ،وهو الدليل الذي ذكرناه يف مسألة “وجوده تعاىل” حيث إنا قلنا هناك:
إن ه�ذا الدلي�ل وإن دل عىل وجوده –تعاىل -إال أنه يف الغالب مس�وق ملس�ائل أخرى،
من أبرزها مس�ألة التوحيد ،واالس�تدالل باخللق عىل توحي�د اخلالق واضح ،فكل ما يف
الك�ون يش�هد أن خال�ق هذا الكون واح�د ،وهذه هي احللقة األوىل يف ه�ذا الدليل ،ثم
ال إلثبات حق اهلل يف احلك�م ،وتنفيذ هذا احلكم ملا ثبت هذا اس�تخدمه القرآن نفس�ه دلي ً
( الترشي�ع والعب�ادة ) ،ولننظ�ر اآلن يف احللق�ة األوىل :ﭽ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ
ﰄ ﰅﰆ ﰇ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭙﭚ
ﭛﭜﭝ ﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ
ﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸﭹ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ [البق�رة. ]١٦٤ – ١٦٣ :
فه�ذه اآلي�ة فيه�ا دليل واض�ح إلثبات وج�وده –تعاىل ،-غير أن النص س�يق إلثبات
التوحي�د ،كما هو بينّ يف مقدمته ،ومعنى هذا االس�تدالل :أن الس�موات واألرض ...الخ
حمسوس�ات مش�اهدات ،وأهنا ال بد هلا من خالق ،وإنه مل يدّ ع اخللق أحد غري اهلل ،فاإلنسان
ولو كان كافر ًا فإنه ال يدّ عي خلق السموات واألرض ( :أم هم اخلالقون )؟! وآهلته الباطلة
ال ينس�ب هل�ا اخلل�ق ،ب�ل ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ...ﭼ
[الزمر ..]٣٨ :فهذا هو احللقة األوىل.
وأم�ا احللق�ة الثاني�ة ،فلننظر يف ه�ذه اآلي�ات :ﭽ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ ...ﭼ [البقرة.]٢١ :
ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ
ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ...ﭼ [فصل�ت ،] ٣٧ :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ
ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ...ﭼ [األنعام. ]١٠٢ :
و ﭽ ...ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
ﮬ ﮭ ﭼ [الرعد.]١٦ :
63
الدليل الثاين:
املو َّحدْ ،فالناموس الذي حيكم حركة الكون ناموس واحد ،مما يدل عىل أن دليل النظام َ
واضع هذا الناموس واحد أيض ًا ،وقد ّنبه القرآن إىل هذا الدليل كثري ًا ،فرتاه يربط بني أجزاء
هذا الكون منبه ًا بجمعها عىل النظام الواحد ،والغاية الواحدة ،ولننظر مث ً
ال:
ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳﭴﭵ ﭶﭷﭸ ﭹﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
ﮂﮃﮄ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮌﮍﮎﮏ ﮐﮑﭼ
[النبأ.]١٦ – ٦ :
وسخرها مجيع ًا لغاية واضحة؟ ولننظر أيض ًا: ّ فمن الذي مجع بني هذه األجزاء
64
ﭽﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ
ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ [النمل.]٦١ – ٦٠ :
الدليل الثالث:
عدم فس�اد الك�ون((( ،والذي اخترصه الق�رآن بقول�ه :ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ
[األنبياء .]٢٢ – ٢١ :وهذا الدليل يصلح عىل خمتلف جوانب التوحيد ،فمث ً
ال نس�تطيع أن
نق�ول :لو كان هلذا الكون خالقان لفس�د الكون؛ ألهنما إن اتفقا إراد ًة وخلق ًا فهذا – مع أنه
ف�رض باطل -م�ؤ ّداه أهنام حيتاج كل واحد منهام لآلخر ،واإلله ال حيتاج ،وإن اختلفا فس�د
الك�ون ال حمال�ة ،فه�ذا دليل عىل توحي�د اهلل يف اخللق ،ولو كان يف الك�ون إهلان حيكامن ،أو
يعبدان ويطاعان ،لفسد الكون أيض ًا ،ويف هذا إشارة إىل أن سبب فساد الكون هو اإلرشاك
يف احلكم والطاعة ،فكل ما يكون بني الناس من حروب ونزاعات ..الخ س�ببه األول عدم
االحتكام إىل حاكم واحد.
الدليل الرابع:
دلي�ل الفط�رة ،فاإلنس�ان – لو صدق مع نفس�ه -فإنه ال س�بيل ل�ه يف إن�كار التوحيد،
ألن�ه جي�د التوحي�د رضورة يف فطرته ،وإذا ما غلفت ه�ذه الفطرة فإهنا تظهر عند الش�دائد
واملصائب ،ولننظر كيف حتدث القرآن عن هذا الدليل :ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ
ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ [األنعام.]٤١ – ٤٠ :
((( ويعلق صاحب الظالل عىل هذه اآلية بقوله« :وهنا يرضب يوس�ف –عليه السلام -رضبته األخرية
احلاس�مة ،فيبين ملن ينبغي أن يكون الس�لطان! ملن ينبغي أن يكون احلكم ملن ينبغ�ي أن تكون الطاعة! إن
احلكم ال يكون إال هلل ،فهو مقصور عليه سبحانه بحكم ألوهيته ،إذ احلاكمية من خصائص األلوهية ،فمن
ادعى احلق فيها فقد نازع اهلل سبحانه ،أوىل خصائص ألوهيته ،سواء ادعى هذا احلق فرد ،او طبقة أو حزب
أو أمة أو الناس مجيع ًا يف صورة منظمة عاملية» (.يف ظالل القرآن .)1990/4
65
الدليل اخلام�س:
فقدان املرشكني للدليل!! فاملرشك مثبت لقضية ال دليل عليها ،واملثبت مطالب بالدليل
بخالف النايف ،فال إثبات إال بدليل ،فحينام ال يس�تطيع املرشك أن يقدم أي دليل عىل صحة
دع�واه أن م�ع اهلل آهل�ة أخرى بطلت دع�واه وبطلت آهلت�ه ،ولننظر كيف ص�اغ القرآن هذا
الدلي�ل :ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅﰆ ﰇ
ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭼ [األنبياء.]٢٤ :
ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ [األحقاف.]٤ :
وبع�د كل ه�ذه األدلة حيث القرآن اإلنس�ان أن َي ْصدُ ق مع نفس�ه وأن يتأمل يف مصريه،
ويدفع�ه بق�وة إىل هذا التأمل املوص�ل إىل التوحيد ،يدفعه بالرتغيب والرتهيب ،كام س�نرى
يف مبح�ث «اإليمان باليوم اآلخر» ،غري أنن�ا نكتفي هنا بمقطع واحد اس�تعجا ً
ال للموعظة
والذك�رى :ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮥﮦ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ ﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ
[األنعام.]٢٤ – ٢١ :
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡ ﭼ [األنعام.]٧٤ :
ووردت كلمة «األوثان» وهي بمعنى «األصنام» ثالث مرات منها:
ﭽ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ [احلج.]٣٠ :
وق�د وصف القرآن ه�ذه األصنام بام ين ّفر الن�اس عنها ويبعدهم ع�ن عبادهتا ،وذلك
ال :ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ببيان حقيقتها ،وانظر مث ً
ﭿ ﮀ ﭼ [مري�م .]٤٢ :ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚﮛ ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪ
ﮫ ﮬ ﭼ [الش�عراء.]٧٣ – ٦٩ :
-2الش�مس والقم�ر والكواكب :وقد ذكرها القرآن يف أكثر م�ن موضع ،منها :ﭽ ال
اس ُجدُ وا للِهَّ ِ ا َّل ِذي َخ َل َق ُه َّن...ﭼ [فصلت .]37 :
س َولاَ لِ ْل َق َم ِر َو ْ َت ْس ُجدُ وا لِ َّ
لش ْم ِ
ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﭼ [األنع�ام ،] ٧٩ - ٧٨ :ولق�د ج�اءت ه�ذه اآلي�ة بعد ذك�ر الكواكب
والقمر .
ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ [النجم ، ]٤٩ :والشعرى :كوكب عبده بعض الناس .
-3املالئك�ة واجلن :ولنقرأ هذه اآليات :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ
ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭼ [س�بأ .]٤١ – ٤٠ :ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ
ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ [آل عم�ران ،] ٨٠ :ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ
ﯩ ...ﭼ [األنعام.]١٠٠ :
- 4األنبياء :كعيس�ى الذي عبده النصارى وجعلوه ثالث ثالثة وجعلوه ابن ًا هلل ،وعزير
ال�ذي جعل�ه اليهود ابن� ًا هلل ،ولنق�رأ :ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ [املائدة.]73-٧2 :
67
ﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ
ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ
ﯖ ﯗ ﭼ [التوبة.]٣٠ :
وق�د حارب القرآن هذه الدع�وى الظاملة :أن يكون له –س�بحانه -ولد ،ورد عىل مجيع
القائلين هبذه عىل اختالفهم ،ولنق�رأ :ﭽﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ [مريم.]٩٣ – ٩٢ :
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ اإلخالص .]٤ – ١ [:ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ
ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ [الصافات.]١٥٢– ١٥١:
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ
ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭼ [املائدة.]١٨ :
ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ النحل.
-5األحب�ار والرهب�ان :يقول اهلل تع�اىل :ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ
ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﭼ [التوب�ة ، ]٣١ :ولو تدبرنا هذه اآلية
لوجدناه�ا تتحدث ع�ن جانب مهم من جوان�ب التوحيد ،وهو جان�ب احلكم والترشيع،
بدلي�ل أهن�م ال يص ّلون لألحبار والرهبان ،وال يعتقدون أهنم خالقوا هذا الكون ،ولنس�مع
إىل رسول اهلل ﷺ كيف يبني مدلول هذه اآلية يوم أن قال له عدي بن حاتم –ريض اهلل عنه-
اللَ ،فا َّت َب ُع ُ
وه ْم، وه ْم" فقالَ (( :بلىَ ،إنهَّ ُ ْم َأ َح ُّلوا لهَ ُ ُم الحْ َ َر َام َ
وح َّر ُموا َع َل ْي ِه ُم الحْ َ َ "إِنهَّ ُ ْم لمَ ْ َي ْع ُبدُ ُ
َف َذلِ َك ِع َبادَتهُ ُ ْم إِ َّي ُ
اه ْم ))(((.
-6اهلوى :الذي قال القرآن فيه:
ﭽﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﭼ [الفرقان.]٤٣ :
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ [اجلاثية.]٢٣ :
ومعنى اختاذ اهلوى إهل ًا أي حك ًام؛ ألنه ﭽ إن احلكم إال هلل ﭼ ولذلك قال اهلل تعاىل:
ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ [املائدة.]٤٩ :
((( انظر« :عقيدة التوحيد يف القرآن الكريم» ملحمد أمحد ملكاوي ص. 272
68
69
املبحث الثالث
الأ�سماء وال�صفات
القارئ للقران الكريم جيد حشد ًا كبري ًا ألسامء اهلل – تعاىل -وصفاته ،فلامذا هذا التأكيد
والتك�رار؟ ومل�اذا كل هذا احلش�د؟ صحيح أن طبيعة القرآن قد تقتضي هذا ،فليس القرآن
ع�رف ب�اهلل وبحقوقه ،غري أن هذا ال يقتيض أكثر من ذكر اس�م «اهلل» وحده، إال كالم اهلل ا ُمل ّ
أما هذه األسماء الكثرية املتكررة فالبد أن يكون هلا أهداف أخرى ،ولنلق الضوء اآلن عىل
املس�احة التي أخذهتا هذه املس�ألة يف القرآن الكريم ،والتي س�نفصل القول فيها من خالل
النقاط التالية:
العلي�م، 158:عامل ،13 :علام ، 4:أعلم ، 49 :خبري ، 45:ش�هيد ،17 :اللطيف، 7:
احلكيم ، 96:سميع ، 45:بصري. 44:
الن�وع الراب�ع :األسماء الت�ي تدل على أن اهلل قادر عىل خلق�ه ،ولننظر يف هذه األسماء
وأرقامها:
فعال ملا
القدي�ر ،45 :الق�ادر باملفرد وصيغة املعظم لنفس�ه ،12 :الق�وي ، 9:املتنيَّ ، 1:
يريد.2 :
النوع اخلامس :األسامء التي تدل عىل أن اهلل رحيم بخلقه:
الرمح�ن ،169 :الرحي�م ،227:ال�ودود ،2 :البرَ ُّ ،1 :املجيب ،1 :ش�كور ،4 :ش�اكر:
،2السلام ،1 :احللي�م ،11 :الغف�ور ،91 :الغفار ،5 :غافر ،1 :الت�واب ،11 :العفو،5 :
الكريم ،3 :األكرم ،1 :القريب ،3:الوهاب.3:
النوع السادس :األسامء التي تدل عىل عظمة اهلل وعلوه وقدسيته:
العزيز ،90 :القهار ،6 :القاهر ،2 :العيل ،8 :األعىل ،2 :املتعال ،1 :العظيم ،6 :الكبري:
،5املتكرب ،1 :اجلبار ،1 :املهيمن ،1:املجيد ،2 :القدوس.2 :
ه�ذه اإلحصائي�ة التقريبي�ة تضمنت أغلب أسماء اهلل – تع�اىل ـ الت�ي وردت يف القرآن
الكريم ،وما عدا هذه فهو قليل ،وال خيلو من هذه املعاين املتقدمة ،ولنأخذ بعض األسامء:
األول ،1 :اآلخر ،1 :الظاهر ،1 :الباطن ،1 :اهلادي ،2 :احلفيظ ،3 :املحيط ،8 :الوكيل:
،14األحد ،1 :الواحد ،22 :الصمد ،1:النور ،1 :القيوم ،3 :احلق ،10 :احلميد. 7 :
ه�ذه األسماء تك�ررت يف الق�رآن الكري�م بصيغ كثيرة تعم�ل عملها يف نف�س القارئ
وضميره ،فقد يأيت االس�م لوحده مصدرة به آية من كت�اب اهلل كام يف :ﭽ ﭷ ﭸ ﭹ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ الرمحن ،ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ
ﮬ ﭼ [الن�ور ، ]٣٥ :وت�ارة خيتم القرآن آياته باس�مني كريمني حيمالن داللة مقصودة
ال :ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ تناس�ب املقام ،فانظر مث ً
ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭼ [املائ�دة ،]٣٨ :ث�م انظ�ر :ﭽ ...ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ
ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﭼ [األحزاب.]٧٣ :
وهذه األسماء مل تعزل يف مبحث مستقل ،وإنام بثت يف القرآن يف مجيع أحكامه وقصصه
ومواعظه ،مما كان له األثر الكبري يف استقامة الناس وسلوكهم مسلك القرآن الشامل عقيدة
وعبادة وأحكام ًا وأخالق ًا.
71
وأيم
وه�ذه األسماء جاءت من البس�اطة والوضوح بحي�ث يفهمهام األمي على أميتهُ ،
اهلل لق�د كن�ت متهيب� ًا مثل هذا البح�ث مبحث األسماء والصفات مبحث معق�د ال يفهمه
إال الراس�خون يف العل�م ،عىل خلاف بينهم ،وكنت أس�أل نفيس ملاذا يتضم�ن القرآن كل
ه�ذه املباحث الصعبة املعق�دة؟! وكيف فهمها بالل وأبو ذر وصهيب؟! هذه املباحث التي
دوخ�ت األجي�ال املتعاقبة من أه�ل العلم ..كيف؟! ومل�اذا؟! ولكني حينما فتحت القرآن
ألقرأه من جديد ،ألقرأ وأنا متجرد من مباحث هذه األجيال ذهب اخلوف ،وزالت احلرية،
وأدركت أن اهلل الذي مأل كتابه باس�مه «الرمحن» واس�مه «الرحيم» حاش�اه أن جيعل كتابه
نفسه مصدر قلق واضطراب وفرقة وشتات ،وأدركت أن التعقيد مل يأت من القرآن.
ولقد جاءت هذه األسماء متناسبة مع وظيفة اإلنسان عىل هذه األرض ،فهو مستخلف
أجير ،وهذا األجير بحاجة إىل أن يعرف م�ن هو مالك هذه األرض (مي�دان عمله) ،وما
هو اس�مه الذي يناديه به ،وبحاجة إىل أن يعلم أن الذي اس�تأجره عامل به حتى ال يغش وال
خي�ادع ،وأنه قادر عليه حتى ال يس�تهني ،وأنه رحيم به حت�ى ال ييأس وال يقنط ،فليس هذا
املبحث مبحث ًا نظري ًا وإنام هو واقعي عميل ،يتطلبه واقع اإلنسان عىل هذه األرض.
ولق�د بحث اإلم�ام البيهقي –رمح�ه اهلل -موضوع «أسماء اهلل تع�اىل» ،ووزعها جماميع
بحس�ب معانيها ،وبني موقف املس�لم منها ،وقد أغنى وأكفى ،وغال�ب كالمه فيها نافع يف
جمال العمل والسلوك ،ألنه ابتعد هبا عن مناهج النظر والفلسفة(((.
ويمكن توضيح الصلة بني أسامء اهلل -عز وجل -التي ذكرت يف القرآن وميدان التكليف
بالنموذج التايل:
((( انظر النموذج الذي يوضح العالقة بني األسامء والصفات يف ص . 110
74
ال أسماه «تفسير ((( وه�ذا م�ا دفع أس�تاذنا الدكتور حمس�ن عب�د احلميد ليفرد هلذا املوضوع بحث ًا مس�تق ً
آي�ات الصف�ات» جاء يف مقدمته »:وقد الحظ�ت والحظ معي العاملون يف احلقل اإلسلامي احلديث يف
السنوات القليلة األخرية تيار ًا يزعم ان منهجه قائم عىل تصحيح العقيدة وحماربة مظاهر الرشك يف املجتمع
اإلسلامي ،يش�غل اجلو اإلسالمي باملساجد وغريه بمناقشات عقيمة حول تفسري الصفات اإلهلية اخلربية
..إىل أن يقول»:وكان هذا الوضع املؤمل دافعي االول يف العودة إىل آيات الصفات وقراءهتا قراءة جديدة» أ
76
أن الس�ؤال األول الذي هيمنا هنا ،هو ملاذا ذكر الق�رآن هذه الصفات أو هذه اإلضافات؟!
وم�ا فائدة اإلنس�ان الذي يعيش عىل هذه األرض من هذه األخب�ار الغيبية؟!! إن الصفات
األوىل واضحة الداللة واضحة الغاية ،لكن هذه ختتلف اختالف ًا كبري ًا ..إنني هنا ال أريد أن
أبني رأيي يف هذه املس�ألة ،فهذا له مكان آخر((( ،ولكني وأنا أحتدث عن منهج القرآن البد
أن أشير إىل بعض النقاط القرآنية حول املس�الة التي قد تكشف لنا جانب ًا من احلقيقة ،وتبني
لن�ا أن القرآن مل هيتم هبذا النوع اهتاممه بالنوع األول ،والبد أن يكون هذا مقصود ًا ،ولننظر
ال إىل هذه املالحظات: أو ً
-1من حيث املساحة التي أخذها النوع يف القرآن الكريم جتاه ما قبله ،ونظرة واحدة يف
اإلحصاءات السابقة تكفي ،ومن قرأ أي ورقة يف القرآن ال عىل التعيني فإنه البد واجد من
تلك الصفات املقرتنة بأسامئه احلسنى –سبحانه وتعاىل ،-بخالف الصفات اخلربية هذه.
-2م�ن حي�ث أهن�ا مقصودة م�ن الس�ياق أم ال ،وهذه القضي�ة ينبغي الوق�وف عندها
ألهنا تعني أش�ياء كثرية ،فلامذا جاءت هذه الصفات يف الغالب ليست مقصودة من النص؟
ولنأخذ هذا املثال :لفظة «العني» وردت مضافة إىل اهلل يف أربعة مواضع ،فلننظر فيها:
اصن َِع ا ْل ُف ْل َك بِ َأ ْع ُينِنَا] ثم قال يف املوضع الثاين [تجَ ْ ِري بِ َأ ْع ُينِنَا]...
[و ْ
َ
فالق�رآن يتحدث يف املوضعني عن س�فينة نوح –عليه السلام ،-ومل يأت النص لتقرير
صفة إهلية ،وأما املوضعان اآلخران فهام:
[ولِ ُت ْصن ََع َعلىَ َع ْينِي] فهل جيد القارئ فيهام أهنام جاءتا لتقرير صفة [ َفإِ َّن َك بِ َأ ْع ُينِنَا ]...و َ
إهلية؟! .
-3وهذه النقطة متصلة بام قبلها وفصلناها ألمهيتها ،وهي أن الصفات املقرتنة باألسامء
ق�د ت�أيت مصدرة باألمر بالنظر فيها أو تصديقها واإليامن هبا ،وانظر مث ً
ال يف مثل قوله تعاىل:
ﭽ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ...ﭼ [حمم�د ،]19 :ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ
ﮯﮰﮱ ﯓﯔﯕﯖﯗ ﯘﯙﯚﯛ ﯜ ﯝﯞﯟ
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ الغاش�ية ،ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ
هـ .ولقد دفعني هذا أيض ًا الختيار موضوع البحث يف مرحلة املاجستري «الصفات اخلربية عند أهل السنة
واجلامعة» ،وقد قمت فيها باستقراء تام جلميع الصفات اخلربية يف الكتاب والسنة ،مبين ًا أقوال العلامء فيها
من السلف واخللف .
((( ينظر الصفات اخلربية للمؤلف .
77
[فصل�ت ،]١٥ :لكن�ه يف الصفات من النوع الثالث مل يرد يشء من هذا فلم يرد :اعلموا أن
هلل أعين ًا ،أو انه يأيت وينزل.
إن الق�رآن ج�ادل الذي�ن ينك�رون بعض تل�ك الصف�ات ،وأقام األدلة على إثباهتا ّ -4
ال كيف يثب�ت اهلل وحدانيته بقول�ه :ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ بخلاف ه�ذا النوع ،فانظر مث ً
ﯤ ﯥﯦ ...ﭼ [األنبياء ،]22 :ويبني بقوله :ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ [امللك ،]14 :يف هذا
النوع األخري.
– 5إن القرآن قد رتب نتائج عىل اإليامن بتلك الصفات أو عدم اإليامن هبا فانظر مث ً
ال:
ﭽ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ...ﭼ [الزم�ر ،]65 :وﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ
ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ [املائ�دة ، ]٧٣ – ٧٢ :وﭽ ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ [آل عم�ران ، ]١٨١ :لكن�ه مل ي�رد ن�ص –بحس�ب
علمي -يرتب عقوبة عىل من أنكر ش�يئ ًا من هذه الصفات ،وهذا ال يعني جواز إنكار هذه
النصوص.
إن الصفات من هذا النوع لو أخذت عىل ظاهرها فإهنا سترتك جما ً
ال فارغ ًا يف الفكر ّ -6
والتخيل بس�بب أن الق�رآن مل يرد فيه تفصيل هلذه الصفات ،ونس�تطيع القول :إن القرآن مل
تص�ور ًا ولو صغري ًا عن حقيق�ة اإلله وكنهه –تبارك
ّ أصلا أن يعطي العقل البرشي ً يقص�د
وتعاىل -ولنوضح هذا بام ييل:
إن الق�رآن أحك�م الدائ�رة األوىل يف األسماء والصفات ،ف�كل ما حيتاجه اإلنس�ان من
صف�ات اهلل َّبينه له القرآن ،فاالس�م ،والوحدانية ،والعلم والق�درة ،والرمحة ،كلها صفات
حيتاج اإلنس�ان معرفتها عن اهلل ،لذلك جاءت متكاملة متناس�قة ،ال تثري يف الفكر اإلنساين
تشويش�ا ،لكن انظر يف الصفات األخرية حينام أخذها املش�بهة عىل ظواهرها ،ماذا ً خل ً
ال أو
حدث هلم ،حدث هلم ش�كل حميرّ ليس هناك أي حكمة يف تصوره ،فامذا يعني أن تعتقد أن
هل�ذا الش�كل عين ًا أو أعين� ًا ويد ًا أو يدين وأيدي ووجه ًا وس�اق ًا ،إن ه�ذه األلفاظ هي التي
أضيفت يف القرآن إىل اهلل – مع اخلالف يف الساق -لكنه عىل شتى االحتامالت والتفسريات
78
فالقائلون بظواهرها ال حيصل هلم ش�كل متكامل ،ويف هذا تشويش للعقل والتخيل ،فلامذا
أحكم القرآن التصور األول بينام ترك هنا مساحة فارغة يعبث هبا اخليال؟! ..قد نستطيع أن
نجيب ،ولكن لننظر أو ً
ال يف املالحظة األخرية:
-7إن الق�رآن يف الكثري من املواضع وصف بعض خلقه ببعض هذه الصفات وأمثاهلا،
ومل يكن املقصود الظاهر القامويس اتفاق ًا ،ولنأخذ بعض األمثلة:
أ -يف األعضاء واجلوارح لنقرأ هذه اآليات:
ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ...ﭼ
[آل عم�ران.]٧٢ :
ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﭼ [التكاثر.]٧ :
ﭽﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ...ﭼ [اإلرساء.]٢٩ :
ﭽ ...ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ...ﭼ [البقرة.]٢٣٧ :
ﭽ...ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ...ﭼ [البقرة.]٩٧ :
ﭽ ...ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ...ﭼ [يونس.]٢ :
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭼ [الشعراء.]٨٤ :
ﭽ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ...ﭼ [اإلرساء.]٢٤ :
ب -يف األفعال لنقرأ هذه اآليات:
ﭽﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ...ﭼ [األعراف.]٢٦ :
ﭽ ...ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ...ﭼ [الزمر.]٦ :
ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ [األعراف.]١٥٤ :
ﭽ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ [التكوير.]١٨ :
جـ -يف اجلهة واملكان:
ﭽ ...ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ...ﭼ [األنعام.]١٦٥ :
ﭽ ...ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ [اإلرساء.]٤ :
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ...ﭼ [الدخان.]١٩ :
ﭽﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭼ [التني.]٥ – ٤ :
ال منلتؤصل أص ً
ِّ إن ه�ذه املالحظ�ات جمتمع�ة توصلنا إىل أن ه�ذه األخبار مل ِ
ت�أت
أص�ول الدي�ن ،وإنام هي أخبار جيب تصديقها ثم دراس�تها بحس�ب مواقعها يف القرآن،
79
للتوص�ل إىل املقصود منه�ا ،فغالب ًا ما يكون مقصودها واضح ًا ،ف�إذا فهمنا املقصود فال
علين�ا َبع�دُ أن نخ�وض يف الكن�ه والكيف ،فه�ذا ليس جم�ال تفكرينا ،وقد ي�رد أن فهم
املقص�ود ال يمك�ن إال بفه�م حقيق�ة اللف�ظ ومعناه ،واجل�واب :أن القرآن نفس�ه حوى
أخب�ار ًا أخ�رى ال تتعل�ق بالصفات نفهم مقصوده�ا دون أن نفه�م حقيقة مدول اخلرب،
وذل�ك مث�ل قوله تع�اىل :ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ الصاف�ات ،فاملقصود
الرتهي�ب وإث�ارةاالش�مئزاز،ولك�نالكن�هجمه�ول.
هذه املالحظات تقودنا أيض ًا إىل أن نفس�ح يف صدورنا لتقبل اخلالف يف تفسيرها ،وال
ينبغي ان تعد الفيصل بني اإليامن والكفر أو بني التوحيد والرشك ،السيام أن السلف مل يقفوا
ال ،ومن وقف عندها فسرّ ها بتفسيرات كثرية تص�ح أن تكون اجلذور احلقيقية عنده�ا طوي ً
للمذاهب الكالمية يف الصفات هذه((( واهلل أعلم.
الق�سم الرابع:
صفات نفاها القرآن عن اهلل تعاىل:
وقد يكون هذا النفي ابتداء ،وقد يكون ر ّد ًا عىل رشك املرشكني وجهل اجلاهلني ،وغالب
ما نفي عن اهلل يثبت له ضده ،كام سنرى:
-1نف�ي الشرك :ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ...ﭼ [إبراهي�م، ]١٠ :
والشك هذا مل حيدده القرآن ولعله أطلقه قصد ًا ،فالشك يف وجوده أو ربوبيته أو قدرته كل
ذلك منفي عن اهلل سبحانه وتعاىل .
-2نفي الرشيك :ﭽ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ...ﭼ [حممد ،] ١٩ :ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ...ﭼ
[األنعام.] ١٦٣ :
-3نف�ي الول�د :ﭽﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ
ﯔ ﯕ ﭼ البقرة ،ﭽﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ [النحل،] ٥٧ :
ﭽﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭼ [الكهف.]٤ :
-4نف�ي الوال�د :ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ
[اإلخالص.]٤ – ٣ :
((( انظ�ر« :تفسير آيات الصفات» د .حمس�ن عبد احلمي�د ،ص ، 71 -20و»الصف�ات اخلربية عند أهل
السنة واجلامعة» ،فصل يف الصفات اخلربية عند السلف ،ص. 78 -59
80
1 .1صفات مقرتنة بأسامء اهلل احلسنى. 1االسم العلم( :اهلل). .1
2 .2صفات مؤكدة لألسماء مل تأت بصيغة 2أسماء ت�دل على الربوبي�ة( :اخلال�ق، .2
االس�م ( :حيي�ي ويمي�ت ،ي�درك، املالك.) ..... ،
األبصار.) .... ، 3أسماء ت�دل على ِ
العل�م ( :العلي�م، .3
3 .3ألف�اظ أضيف�ت إىل اهلل تع�اىل ال ي�دل احلكيم.) .... ،
ظاهرها عىل عالقة معنوية مع األسامء، 4أسماء ت�دل على الق�درة ( :القدي�ر، .4
ومل ت�أت يف الغال�ب يف س�ياق تقري�ر الغفور.) ..... ،
صف�ة إهلي�ة ( :فإنك بأعينن�ا ،ولتصنع 5أسماء ت�دل على الرمح�ن ( :الرحيم، .5
عىل عيني .)... الغفور.) .... ،
4 . 4صف�ات نفاه�ا الق�رآن ع�ن اهلل 6أسماء ت�دل على العظم�ة والعل�و .6
تع�اىل ( :ال رشي�ك ل�ه -ال تدركه والقدسية ( :العزيز ،القهار.) .... ،
األبص�ار.) ... ،
81
املبحث الرابع
الق ََد ْر
ال ري�ب أن موضوع القدر من املواضيع الش�ائكة اخلطيرة ،وهو وثيق الصلة بموضوع
الصفات ،ال أن ما يتناول اجلانب اإلنس�اين منه أكرب ،حيث إن من مس�ائل القدر العويصة:
هل اإلنس�ان خمري أم مسير؟ وال شك أن هذا السؤال ال يمكن التفويض فيه ،كام هو الشأن
يف كثير من الصف�ات ،ألنه يمس اجلانب العملي التكليفي ،فكيف تعام�ل القرآن مع هذه
القضية؟ وما هو منهجه يف ذلك؟.
لعلنا نستطع أن نتلمس املنهج القرآين من خالل النقاط اآلتية:
-1إن اهلل تبارك وتعاىل له اإلرادة املطلقة ،فهو يفعل ما يش�اء وخيتار ،وال يس�تطيع أحد
أن يقي�د إرادة اهلل ،وق�د أضاف القرآن لفظ اإلرادة واملش�يئة إىل الباري تعاىل بنحو ()250
ولنتمعن يف هذه اآليات:
َّ آية،
ﭽﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ [البقرة.]٢٥٣ :
ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﭼ [هود.]١٠٧ :
ﭽﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﭼ [يس.]٢٣ :
ﭽﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ
[البقرة.]٢٠ :
ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭼ [يونس.]٩٩ :
ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ [التكوير]٢٩ :
-2إنه تعاىل مع إرادته املطلقة إال انه ال يمكن أن يظلم أحد ًا ،واقرأ معي:
ﭽﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ [النساء.]٤٠ :
ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭼ [آل عمران.]١٠٨ :
ﭽﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ
[العنكبوت.]٤٠ :
-3إن�ه تع�اىل قد ينعم عىل إنس�ان ،ويقترِّ عىل آخر ،ويمرض آخ�ر ،ويعايف آخر ،وليس
رش ًا بنفسه،
يف هذا ظلم ،وإنام هو «االبتالء واالختبار» ،فليس اخلري خري ًا بنفس�ه ،وال الرشّ ّ
82
وإنما قد ينقلب اخلير رش ًا حينام يقود اخلري إىل البطر ،وينقلب الشر خري ًا إذا قاد إىل الصرب
والتسليم ،فاهلل خيترب عباده بام يشاء ،ووفق احلكمة اإلهلية التي قد ال ندركها ،واقرأ معي:
ﭽ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ [األعراف.]١٦٨ :
ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ [آل عمران.]١٥٣ :
ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ [الكهف.]٧ :
ﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ [حممد.]٤ :
ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﭼ [األنبياء.]٣٥ :
ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ
ﭬ ﭭﭮﭯ ﭰﭱﭲﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭼ
[البقرة.]١٥٦ – ١٥٥:
ﭽﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ [التغابن.]١٥ :
-4وبع�د ه�ذه احلقيقة الكبرية يأيت القرآن ليدخل يف املجال العميل التكليفي ،ونتلمس
هذا يف بعض النامذج اآلتية:
أمتدح القرآن الشاكرين الذين حيسنون استعامل النعمة كام يأمر اهلل ،فبام أن اهلل هو الذي
خلقها ليبتليك أتشكر أم تكفر ،فال بد أ ن حيثك عىل أن تكون من الشاكرين ،وهلذا وردت
مادة « شكر « يف القرآن الكريم بنحو ( )75مرة ،ونقرأ منها:
ﭽ .....ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ األنفال.
ﭽ .....ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ النمل .ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ
ﮌ ﮍ...ﭼ [النحل .]114 :
وحث القرآن عىل الصرب ،وامتدح الصابرين ،حتى ورد « الصرب « يف القرآن الكريم بام
يزيد ( )100مرة ،ولنتبارك ببعضها :
ﭽﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ...ﭼ [األحقاف.]٣٥ :
ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ الرعد.
ﭽ ...ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ النحل.
ﭽ ...ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ...ﭼ [آل عمران.]200:
ﭽ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ...ﭼ [حممد .]31 :
83
وحس�م الق�رآن قضية اخلوف م�ن املوت ،فاألج�ل مقدر حمت�وم ،ال يقب�ل اندفاع ًا وال
تأخري ًا ،وبالتايل فاملسلم ال يرهب املوت ،ال بل ربام يعشق امليتة العزيزة الرشيفة ،ويسعى هلا
بقدميه يوم أن تكون يف سبيل اهلل ،وهبذه العقيدة تفجرت الطاقات وخرجت الزحوف تلو
وجلٍ ،وقد حرص القرآن عىل الزحوف إلعالء كلمة احلق يف كل أرض اهلل دون خوف أو َ
هذه العقيدة ،وأكد عليها بعرشات اآليات ،وبأساليب خمتلفة ،ولنقرأ:
ﭽﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ
ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ
ﯲ ﯳ ﭼ املنافقون.
ﭽﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ...ﭼ [آل عمران .]145 :
ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﭼ [آل عم�ران :
،]154ﭽ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﭼ [آل عمران .]١٦٨ :وقد ماتوا فام درؤوا !!.
وح��ث ال��ق��رآن ع�لى اإلن��ف��اق؛ ألن ال���رزق م��ن اهلل ،وامل��ل��ك هلل ،واهلل
يضاعف ملن يشاء ،وما كان لغريك لن يصل إليك ،وما كان لك يصل لغريك ،وقد حشد
القرآن هلذه القضية ما يصعب حرصه من اآليات ،وهذه أمثلة منها:
ﭽ...ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭼ [سبأ.]٣٩ :
ﭽﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ
ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﭼ [فاطر.]٢٩ :
ﭽ ...ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ البقرة.
ﭽﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ الصف.
ﻫ -وألن اهلل تع�اىل يفع�ل ما يريد ،ال معقب حلكمه ،وال راد لقضائه فعىل املس�لم أن
ال ،متطلع ًا إىل رمحة اهلل وفرجه ،فال يشء يقف أمام إرادةالييأس وال يقنط ،بل يبقى متفائ ً ْ
مترضع ًا ،واس�مع هذه النفحات القدس�يات:ِّ اهلل ،فعليه أن يقف س�ائ ً
ال راجي ًا
ﭽﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭼ يوسف.
84
ﭽ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ
ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ الزمر.
-5وم�ع تأكي�د العقي�دة القرآني�ة على األيمان ب�إرادة اهلل املطلق�ة والت�ي
فإن الق�رآن ال هيمل اإلرادة ينبن�ي عليه�ا تس�ليم العبد لقضاء اهلل وقدره بالصرب أو الش�كر ّ
اإلنس�انية الت�ي منحها اهلل لإلنس�ان والتي هي م�دار التكليف باألمر والنهي ،ثم احلس�اب
بالثواب أو العقاب ،ولذلك فالصبي واملجنون واملكره من فاقدي اإلرادة ال حياس�بون عىل
ترصفاهتم ،أما الذين يملكون االختيار واإلرادة فهم مسؤولون عن ترصفاهتم:
ﭽﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ
ﮨ ﮩﭼ البق�رة ﭽﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﭼ الزلزلة.
وهك�ذا تك�ون عقيدة الق�در القرآنية عقي�دة عملية ،مهمته�ا أن تدفع باإلنس�ان ألداء
وظيفته عىل هذه األرض ش�كر ًا وصرب ًا وجهاد ًا وإنفاق ًا وأمأل ،فألن اهلل يبتيل عبادة بالنعمة
وضدها فعليك أن تشكر أو تصرب ،وألن اهلل كتب عليك املوت بأجل حمدد فجاهد يف سبيل
اهلل وال ختف ،وألن اهلل هو الرزاق فأنفق مما رزقك اهلل ،وألن اهلل يفعل ما يريد فعىل املس�لم
أن يلجأ إىل اهلل وال ييأس ،وألن اهلل منح اإلنسان حرية االختيار والقدرة عىل أن يفعل اخلري
وغيره فعليه أن يتحمل مس�ؤوليته ،وينتظ�ر نتيجة جهده عىل ه�ذه األرض ثواب ًا أو عقاب ًا،
جنة أو نار ًا ،وابتعد القرآن عن القدر الفلسفي الغيبي ال يورث إال إرباك ًا وانطوا ًء ،أو جد ً
ال
ورصاع ًا ،فام أحىل عقيدة القرآن ،وما أهبى جي ً
ال تر َّبى عىل هذه العقيدة.
وه�ي عقي�دة واضح�ة !! لق�د ق�رأت النص�وص الت�ي م�رت فه�ل وج�دت
ال يف فهمها؟ صحيح أن هناك نصوص ًا تشري إىل اإلرادة اإلهلية املطلقة املهيمنة ،وأخرى إشكا ً
إىل حرية اإلنس�ان ،وقد جيمعها نص واحد ،كام يف قوله تعاىل :ﭽ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ
ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ التكوير.
ال ثم عقب باملشيئة اإلهلية املهيمنة ،ولكن أي إشكال فانظر كيف أثبت مشيئة اإلنسان أو ً
يف هذا إذا مل تتجاوز النص؟ فالنص يثبت لك املشيئة ،فهل تنكرها أنت؟ كيف وأنت حتس
هبا يف كل حلظة ،حينام تريد أن تأكل ،أو تنام ،أو تصيل ،أو تقرأ ،أو تكتب ،بل أنت تترصف
عىل أساس هذه املشيئة مع الكون من حولك ،ولو سقط عليك جذع من السقف ال تغضب
عليه؛ ألنّه ليس�ت له مش�يئة ،فلو رضبك امرؤ بعصا فإنك تغضب؛ ألن صاحب العصا له
85
مش�يئة ،مع أن العصا أخف من اجلذع!!!((( فأنت إذ ًا ال تش�ك بمش�يئتك – إطالق ًا – وال
بمش�يئة كثري من املخلوقني ،فهي واضحة وضوح الش�مس ،فقل يل إذ ًا :هل جاء الغموض
بت للمخلوق مشيئة واضحة كالشمس ،فكيف تنكر مشيئة اخلالق؟ من الشطر الثاين؟ إذا أ ْث َّ
بت لربك مش�يئة ،وكال األمرين يف غاية بت لك مش�يئة وأ ْث َ
ه�ذا الذي حتدث ب�ه القرآن؛ ا ْث َ
الوضوح ،لكنك ذهبت أبعد من هذا لتس�اءل عن طبيعة العالقة بني مش�يئتك ومشيئة اهلل،
وماذا لو تعارضا؟ وهذه مل يتحدث عنها القرآن؛ ألنهّ ا ال تنفع اإلنسان يف ميدان التكليف.
والنموذج يف الصفحة التالية يوضح اآلثار العملية إلرادة اهلل املطلقة ،واملرتتبات
عىل إثبات إرادة لإلنسان ،والعالقة بني تلك اإلرادتني.
((( انظر " :دفاع عن العقيدة والرشيعة" حممد الغزايل ،ص . 101
86
الف�صل الثالث
ال ُّنبوات
املبحث الأول
الأنبياء والر�سل
قد نستطيع أن نبني منهج القرآن يف هذا املوضع من خالل النقاط التالية:
ال :م�صطلحا النبي والر�سول يف القر�آن: �أو ً
جتدر اإلشارة أنه ليس يف القرآن تفريق رصيح بني مصطلح "النبي" ومصطلح "الرسول"
وهي مسألة خالفية معروفة بني أهل العلم ،إال أنه من املمكن ذكر الفارق اللغوي الواضح،
"النب�ي" مش�تق م�ن النبأ وهو اخلبر ،وعليه فإن النبي ه�و الذي يأتيه اخلرب ،من السماء
ُّ إذ
(الوح�ي) ،وأم�ا الرس�ول فهو املبعوث برس�الة -كام هو ظاهر ،-وعليه فإن الرس�ول هو
الذي يكلف بحمل الرسالة الساموية (الوحي) إىل الناس.
وربام نلمح هذا الفرق يف االس�تخدام القرآين هلذين املصطلحني فنجد القرآن يس�تعمل
مصطلح “ النبي “ يف اخلطاب املوجه من اهلل إىل نبيه ،مثل:
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭼ [التوبة ، ]٧٣ :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ التحري�م ،ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ
ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ األنفال.
وأما مصطلح «الرس�ول» فنجد القرآن يس�تخدمه بمعناه اللغ�وي فيكثري من املواضع،
مث�ل :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ
ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ ي�س ،وﭽ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﭼ الشعراء ،وكذلك :ﭽ ﭮ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭼ الشعراء،
ونحو هذا يف القرآن كثري.
نب�ي من وجه رس�ول اهلل من
وألن الرس�ول يكل�ف بحم�ل الرس�الة من السماء فهو ّ
وج�ه ،فه�و نبي من اهلل ،ورس�وله إىل الناس ،وهل�ذا جيمع اهلل الصفتني يف ش�خص واحد ،
مثل قوله – تعاىل – لنبيه حممد ﷺ :ﭽ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ األحزاب ،وعن موس�ى عليه السلام :ﭽ ﰌ
ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﭼ مريم.
90
ﭽﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﭼ
الشعراء.
ﭽ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ...ﭼ [األعراف.]٦٥ :
ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ...ﭼ [األعراف.]٧٣ :
ﭽﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ الشعراء.
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ
[الشعراء.]١٦١ – ١٦٠ :
ﭽ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ...ﭼ [األعراف.]٨٥ :
ﭽﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ...ﭼ [األعراف.]١٠٣ :
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ...ﭼ [يونس.]٩٨ :
(((
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ...ﭼ [الصف]٦ :
ثم ولنقرأ أمثلة من التبليغ العام:
ﭽﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ...ﭼ [سبأ.]٢٨ :
ﭽﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ [األنبياء.]١٠٧ :
ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ...ﭼ [النساء.]١٧٠ :
ﭽ ﰓ ﰔ ﰕ ...ﭼ [النساء.]٧٩ :
ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭼ
[التوبة.]٣٣ :
وينبغي اإلشارة بعد هذا إىل حقيقة مهمة وهي أن وظيفة الرسل هذه يتحملها املؤمنون
م�ن بعدهم؛ ألن عمر الرس�ول حمدود ،وال تت�م الفائدة إال بوجود ورثة للرس�ول حيملون
بعده هذه األمانة ،وإال تط َّلب األمر وجود الرس�ل أبد ًا بني الناس ،أو ضياع األمر والنهي،
وهلذا يقول اهلل تعاىل خماطب ًا األمة بام خاطب به نبيها:
ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ
ﮤ ﮥ ﭼ آل عمران.
ﭽﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ
ﭩ ﭼ آل عمران.١١٠ :
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭼ التوبة.
ﭽﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭼ
آل عمران.
وه�ذه احلقيقي�ة الكبيرة((( ه�ي التي دفع�ت الصحاب�ة الك�رام – ريض اهلل عنهم – إىل
مواصلة املسير ،مبلغني دعوة اهلل ،وجماهدين يف س�بيلها ،وماذا كان اإلنس�ان يتصور لو أن
هذه املهمة كانت مهمة الرسول لوحده ؟!!.
رابع ًا � :صفاتهم عليهم ال�صالة وال�سالم :
حت�دث القرآن بإس�هاب عن صف�ات األنبياء – عليهم الصالة والسلام – ،وهو يف كل
حديثه مل خيرج عن منهجه املعروف ،فهو ال حيدثنا إال عام نحتاجه يف وظيفتنا ،ولنر هذا من
خالل الصفات التالية :
((( انظر ،ما كتبه األس�تاذ عبد الكريم زيدان حتت عنوان األمة رشيكة لرس�وهلا يف وظيفة الدعوة إىل اهلل
«أصول الدعوة» ص.308
95
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [مريم.]٣١ – ٣٠ :
ﭽﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮙ ﮚ ﮛﮜﮝ ﭼ مريم.
ز -ال�شجاعة :
ولنق�رأ هذه األمثل�ة :ع�ن إبراهي�م :ﭽ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
(((
((( يق�ول األس�تاذ عفي�ف عب�د الفتاح طبارة حتت عن�وان «درس يف الش�جاعة» (( :إن يف حي�اة إبراهيم
ً
وجه�ا لوجه أمام قومه درس يف الش�جاعة واإلقدام واالس�تامتة يف س�بيل املب�دأ والعقيدة ،فإبراهيم يقف
الذين فشت فيهم عبادة األصنام ،يسفه معتقداهتم ويدعوهم باحلجة والربهان إىل ترك عبادهتا .....مل جيد
إبراهيم آذان ًا صاغية لدعوته ...فلم يثنه ذلك عن قصده ....بل شهر يف وجوه قومه سالح ًا أمىض وأقوى ،
سالح ًا يدمر معتقداهتم ،ويزلزل بنيان مقدساهتم ،إنه سالح مقاومة الباطل باليد ...إن نتيجة هذا العمل
واضحة للعيان :إما موته املحقق ،وإما إقناع قومه)) مع األنبياء يف القرآن الكريم :ص . 138
98
ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ ص.
وع�ن يوس�ف :ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭼ
[يوسف.]٥٥ :
وعن حممد ﷺ:ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ األعىل.
ب – ع�رض ه�ذه الصف�ات م�ن خلال احل�وار واملجادل�ة ،ولنأخ�ذ ه�ذه األمثل�ة:
إبراهي�م :ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ...ﭼ البقرة.٢٥٨ :
يوس�ف :ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ
ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ
ﰇ ﰈﰉﰊ ﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑ ﭑﭒﭓﭔ
ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ
ﭨﭩﭪ ﭫ ﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ
ﭶ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭽﭾﭿ ﮀﮁﮂﮃﮄ
ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ يوسف.
فانظ�ر يف املث�ال األول مل�ا أراد الطاغي�ة أن ي�راوغ يف قضية اإلماتة واإلحي�اء كيف ترك
إبراهيم هذه املسألة وفاجأ الطاغية بسؤال مل يتوقعه فأراده باهت ًا((( ،وتصور لو أننا افرتضنا أن
إبراهيم بقي جيادله يف املسألة األوىل ماذا تكون النتيجة؟! ثم الحظ أن سؤال إبراهيم الثاين
ال يدع املجال حتى للمكابر ،فتخيل لو أن إبراهيم قال له :من خلق الش�مس؟ فإن املكابر
قد يقول :أنا ،ولكن إبراهيم طالبه بفعل جديد يف الشمس؟ فامذا يقول املكابر ؟!..ويف املثال
الثاين أنظر كيف استغل يوسف حاجة صاحبيه إىل علمه ((( ،فحينام سأاله عن رؤيامها كان يعلم
فكون�ه س�جين ًا ال يعفيه من تصحيح العقيدة الفاس�دة واألوضاع الفاس�دة ...ويبدأ يوس�ف مع صاحبي
س�يؤول هلم الرؤى ...وبذلك يكس�ب
ّ الس�جن من موضوعهام الذي ش�غل باهلام ،فيطمئنهام ابتداء إىل إنه
ثقتهما منذ اللحظة األوىل ،ويبدو يف طريقة تناول يوس�ف للحديث لطف مدخله إىل النفوس ،وكياس�ته
وتنقله يف احلديث يف رفق لطيف ،وهي س�مة هذه الش�خصية البارزة يف القصة بطوهلا «يف ظالل القرآن»
.»1988/4 :
100
وه�ذه الصفات كلها واضحة املقصود ،إهنا تعنى باختصار أن األنبياء – عليهم الصالة
والسلام – ه�م نمط خاص من البرش ،ال يدانيهم أح�د يف كل صفات الفضيلة ،وعىل هذا
أه ٌل لقيادة البرشية لتحقيق سعادهتا يف الدنيا واآلخرة ،غري أن املوازنة ال تكتمل هبذه َف ُه ْم ْ
إن النفس البرشية ليست قادرة دائ ًام عىل الثبات يف املوقف الصحيح ،دون تأرجح الصفات ،إذ ّ
وتردد ،أو إفراط وتفريط ،أو غلو يف الكره واحلب ،لقد جاءت هذه الصفات لتضع األنبياء
– عليهم الصالة والسالم – يف املكانة الرائدة املرموقة من أجل وحدة القيادة والتوجيه ،لكن
ماذا لو أن البرش تعدّ وا باألنبياء مقامهم احلقيقي ،وذهبوا هبم بعيد ًا حتى يتجاوزوا هبم حدود
املخلوق إىل مقام اخلالق – تبارك وتعاىل ،-كام قالوا :عزيز ابن اهلل وعيسى ابن اهلل – تعاىل
اهلل عن قوهلم ،-ومن هنا كان رضور ّي ًا أن يتحدث القرآن عن نوع آخر من الصفات ،وهو
اآليت:
� -4صفاتهم الب�رشية :
لق�د أكد القرآن هذه الصفات حلامية جانب التوحيد ،فاخلالق خالق ،واملخلوق خملوق،
وإذا كان�ت تل�ك الصفات تدفع بالنفس الضعيفة أن تؤ ِّله هؤالء الصفوة فإن هذه الصفات
تعين عىل الثبات يف املوق�ف الصحيح ،وتقي من االنزالق ،وهي م�ع تلك تكمل الصورة
احلقيقي�ة هل�ؤالء الصف�وة ،وه�ذه قد ال نس�تطيع حرصها ،إال إننا نس�تطيع أن نتلمس�ها يف
األمثلة اآلتية:
أ -التأكيد عىل أن هؤالء الصفوة هم برش من خلق اهلل ،ولنقرأ:
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ...ﭼ [إبراهيم.]١١ :
ﭽﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ...ﭼ [فصلت.]٦ :
ﭽ...ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﭼ اإلرساء.
ﭽﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ...ﭼ [آل عمران.]٧٩ :
ب -التأكيد عىل أهنم عباد اهلل:
فعن نوح قال القرآن :
ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ القمر.
وعن داود قال :ﭽ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ ص.
وعن أيوب :ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ...ﭼ ص.٤١ :
101
((( وقد ذكر أن من ِح َكم تس�جيل الزالت هذه تبيان صدق األنبياء فيام يبلغونه ،إذ لو مل يكونوا صادقني
مل�ا تل�وا عىل الن�اس زالهتم ،ومنها أيض ًا للت�أيس ،فالنبي الذي يلج�أ إىل ربه عند الزلة ُيع ّل�م أتباعه كيفية
الرج�وع واإلناب�ة واالعتراف باخلطأ ،أنظر “ :أصول الدين اإلسلامي” د.رش�دي علي�ان و د .قحطان
الدوري. 255-254 :
103
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ النساء.
1313وعن موسى -عليه الصالة والسالم -يقول القرآن :ﭽ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ غافر.
1414وعن هارون -عليه الصالة والسلام -يقول القرآن :ﭽ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ...ﭼ يونس.
1515وعن داود -عليه الصالة والسالم -يقول القرآن :ﭽ ...ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ
ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ اإلرساء.
1616وعن سليامن– عليه الصالة والسالم -يقول القرآن :ﭽ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ...ﭼ النساء.
1717وع�ن إلياس -الصالة والسلام -يقول الق�رآن :ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ
الصافات.
1818وع�ن يونس الصالة و السلام -يقول الق�رآن :ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﭼ
الصافات.
1919وع�ن حيي�ى -عليه الصالة و السلام -يقول الق�رآن :ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ آل عمران.
2020وعن عيس�ى-عليه الصالة و السلام -يق�ول الق�رآن :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ [الصف .]6 :
2121وعن س�يدنا حممد--عليه الصالة و السالم -يقول القرآن :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ
ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ...ﭼ الفتح وبه ختمت النبوة :ﭽ ﯧ ﯨ ﯩ
ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ...ﭼ األحزاب.
بقيت عندنا ثالث مسائل متعلقة بأسامء األنبياء عليهم الصالة والسالم:
يم وأك�د يف غير ه�ذا املوض�ع ،ﭽ ُق ْل آ َم َّن�ا بِ�اللهّ ِ َو َما ُأن� ِز َل َع َل ْينَ�ا َو َما ُأن� ِز َل َعَل�ىَ إِ ْب َر ِ
اه َ
اط ....ﭼ [آل عمران ،]84 :لك�ن القرآن مل يبني األ ْس� َب ِ �وب َو َ �ح َ
اق َو َي ْع ُق َ َوإِ ْسَم�اَ ِع َ
يل َوإِ ْس َ
م�ن هم األس�باط((( وكم عددهم؟ وال ش�ك إن هناك حكمة من ه�ذا ،إذ لو علم اهلل َأن يف
إخباره�م نفع َا لقصها علينا ،لكن اهلل أعلم وأحكم ،وقد فهم س�لفنا هذا فلم يس�ألوا عنه،
ولنا هبم أسوة حسنة.
ال أوالد يعقوب ،يوس�ف وإخوته .انظر تفسير ((( ي�رى كثير من املفرسين أن األس�باط اثن�ا عرش رج ً
الطبري ، 568/1 :وق�ال البخاري واخلليل بن امحد الزخمشري ّ :
((إن املقصود هبم :قبائل بني إرسائيل
وهم أحفاد يعقوب وأوالدهم ،وعىل هذا فهؤالء ليس�و بأنبياء ،ويكون معنى اآلية عند هؤالء « ش�عوب
بن�ي إرسائي�ل وم�ا أن�زل اهلل من الوحي على األنبي�اء املوجودي�ن منهم)) « تفسير ابن كثير، 178/1 :
والكشاف ، 195/1:وهو رأي النسفي أيضا .انظر :تفسري . 77/1:
((( اجلامع الصحيح للرتمذي ، 548/5 :رقم احلديث ، 3615وقال عنه « :حسن صحيح « .
((( تفسري ابن كثري . 427/3
107
ﮘ ﮙ ﮚ ﭼ األنعام ،وال ريب أن هذه قرينة قوية أنه منهم ،واهلل اعلم .
وأم�ا زكري�ا فلم أجد يف القرآن ما يرصخ بنبوت�ه ،إال أن ما جاء فيه من القرائن القوية
الدال�ة عىل نبوته يكفي ،وهذه هي :ذكره مع قائمة األنبياء عليهم الصالة والسلام يف قوله
تع�اىل :ﭽ ...ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﭼ األنع�ام ،الس�يام أن
القرآن قال بعد ذلك ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﭼ [األنعام.]89:
قول�ه تع�اىل :ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
ﮟ ﮠﮡﮢﮣ ﮤﮥﮦ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
ﯠ ﭼ مري�م ،والظاه�ر أن ه�ذا وح�ي ،واهلل اعل�م.
امل�س�ألة الثالثة:
أسامء ذكرت يف القرآن الكريم يف غري قائمة أألنبياء ،وإنام ذكر كل واحد لوحده ،ومل يشري
القرآن إىل نوبتهم ،ومنهم :لقامن ،وذو القرنني ،والعبد الصالح صاحب موسى – عليه السالم
،-ومريم – عليها السلام ،-وقد اختلف العلامء فيهم ،ولس�نا هنا بصدد املقارنة والرتجيح
ولكن سنذكر فقط جانبا من صفاهتم يف القرآن ،السيام تلك التي أثارت اجلدل:
-1لقمان :ق�ال اهلل تعاىل :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ...ﭼ لقمان ،ثم يعرض القرآن
بعض� ًا م�ن ه�ذه احلكمة ،وفيه�ا توحي�د ،وآداب ،وصلاة ،وأمر باملع�روف ،وهني عن
املنك�ر ،وه�ذه دالئل على أنه يملك هدي�ا ورشيعة ،وهذه الرشيع�ة من اهلل ﭽ ﭑ ﭒ
نبي ًا ،وقد خلص
ﭓ ﭔ ﭼ [لقامن ،] ١٢ :ولكن ما ورد عن الس�لف ال يرجح كونه ّ
ِ
بقوله “ :اختلف الس�لف يف لقامن هل كان نبيا لنا ابن كثري – رمحه اهلل – قول الس�لف فيه
او عبدا صاحلا من غري نبوة؟ عىل قولني ،األكثرون عىل الثاين ،ثم قال" :وهلذا كان مجهور
الس�لف عىل أنه مل يكن نبيا"(((.
-2ذو القرنني :ورد ذكره يف أواخر الكهف و يقول القرآن :ﭽﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ
ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭼ الكهف،
ويف هذا النص ال يوجد أي إيامء إىل أنه نبي ،لكن قول اهلل بعد هذا:
ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﭼ الكه�ف،
مش�عر بنبوت�ه ،إذ ق�ول اهلل مب�ارشة لواحد من خلقه – س�يام القائد واملوج�ه – الظاهر يف
الوح�ي ،واهلل أعل�م.
-3العب�د الصال�ح :يقول الق�رآن عنه :ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ [ الكه�ف ، ] ٦٥ :ث�م يذك�ر الق�رآن عم�ل
الرج�ل الصال�ح يف الس�فينة وقتله للغالم وبنائ�ه للجدار ،ثم يعقب :ﭽ ...ﯴ ﯵ
ﯶ ﯷ ﯸ ...ﭼ [ الكه�ف ،] ٨٢ :و إن ه�ذه أم�اره قوي�ة عىل أن�ه نبي ،ال س�يام قتله
للغلام ،إذ ال يعق�ل أن جي�وز إال بوح�ي ،واهلل أعل�م .
-4مري�م :يق�ول الق�رآن :ﭽﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ [مريم:
،] ١٧ﭽ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭼ [آل عم�ران ،] ٤٥ :ﭽ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﭼ [آل عم�ران ، ]٤٢ :فق�ول املالئك�ة هل�ا مع ذكر
اصطف�اء اهلل هل�ا قرائن على نبوهتا ،إال أن قول�ه تع�اىل :ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
نبية ،وإرسال الروح إليها مل يكن بالوحي،ﮚ ﮛ ﭼ [يوسف ،]١٠٩ :يمنع من كوهنا ّ
وإنام لقضية خاصة ال عالقة هلا بالرشع ،وعىل هذا اجلمهور ،واهلل أعلم.
النوع األول :معجزات جاء هبا األنبياء لكنها مل تأت إلثبات النبوة ،مع أهنا دليل قاطع
عىل النبوة ،وهذه بعض األمثلة:
أ -ﭽﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﭑ
ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤﭥ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯﭰﭱﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ [هود.]40-37 :
أن نوح ًا علم مسبقا بالطوفان ،وبارش بصناعة السفينة ،والناس يسخرون فاملعجزة هنا ّ
من�ه ،ولكنه�م فوجئ�وا بأمر اهلل والوع�د احلق ،فهذه معج�زة تصلح دلي ً
ال قوي� ًا عىل صدق
نوح – عليه السلام ،-ولكن نوح ًا ما جاء هبذا لالس�تدالل أو للتحدي ،وإنام إلهالك قوم
علم اهلل أهنم لن يؤمنوا.
ب -ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﭼ [األنبياء ،]4-2:وهذه كتلك؛
معجزة ليس فيها معنى التحدي ،وال جاءت لتصديق إبراهيم عليه السالم يف دعواه.
ج�ـ -ﭽ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﭼ
[ال�روم ،]٤–٢ :وه�ذا اإلخب�ار بالغيب ال ش�ك انه معجزة لنبينا حمم�د ﷺ لكنه مل يأت
إلثبات نبوته عليه الصالة والسالم(((.
ال إلثبات صدق النبي، الن�وع الثاين :معجزات س�بقها أو قارهنا التحدي ،وج�اءت أص ً
ولنقرأ هذه األمثلة:
أ -ﭽﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭪﭫ ﭬﭭ ﭮﭯﭰﭱ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺ
ﭻﭼ ﭽﭾﭿﮀ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊﮋ
ﮌ ﮍﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ
((( وهذا واضح من س�بب النزول ،انظر هامش تفسير الطربي ، 16/21وعىل هذا نفهم أن اشتراط
التحدي يف املعجزة ال دليل عليه ،إال إذا قلنا :أن هذه األمثلة ليس�ت معجزات ،وال قائل به ،او نقول :
أن التحدي قائم ضمنا ،وال بأس هبذا ولكنه تكلف – واهلل اعلم.
110
-4أهن�م كانوا أصحاب هذا امليدان وفرس�انه ،فالس�حر الفرعوين والبالغة القريش�ية
ال مثي�ل هلام ،وقد وصف القرآن مقدرة الس�حرة بقول�ه :ﭽ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ
ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭼ [األع�راف ،]١١٦ :وأم�ا بالغة
عرف.قريش فهي أعرف من أن ُت َّ
- 5إن املوانع قد ُأزيلت ،فهم أصحاب القوة والسلطان والنفوذ ،فالذي قال :ﭽ ...ﭹ
ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ [النازعات ،]24:ما كان خيش�ى من موس�ى ،ومن قال :ﭽ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ [املدثر ،]25-:24:ما كان خيشى من حممد ﷺ.
-6إن عنصر الزم�ن ق�د ُأضي�ف إىل اإلعج�از ليعطي�ه تأكيد ًا أكبر فاألنبياء م�ا كانوا
مس�تعجلني يف انتظار أالس�تجابة للتحدي ،أما موس�ى –عليه السالم – فحينام ألقى عصاه
صدقه قال املأل :ﭽ...ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ُ أول مرة ليثبت
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ [األعراف ،]112-11:ومل يعرتض موس�ى -عليه السالم -عىل
هذا اإلرجاء ،ومعنى هذا أنه أراد أن يستفرغوا عىل مهل كامل طاقتهم ،ويتأكدوا بأنفسهم
أهن�م ال طاق�ة هلم عىل جم�اراة ق�درة اهلل ،وأما حممد ﷺ فعنصر الزمن مفت�وح إال أن تقوم
الساعة ،ومل يقدر احد أن يواجه أو جيابه.
إن معج�زة موس�ى ظاهرة واضح�ة ،فام ال�ذي أعجز يف الع�رب يف القرآن وق�د ق�الّ :
الكريم؟! سنحاول أن نجيب عىل هذا السؤال يف املبحث اآليت "الوحي" إن شاء اهلل .
م�ن الش�جرة ،وقطع� ًا مل يكن املقص�ود ه�و األكل ،وطريق�ة األكل ،بدليل أن�ه حينام أنزل
إىل األرض مل خيربن�ا الق�رآن ع�ن أكله ،بل الش�جرة كان�ت هنا حمور املعركة بني اإلنس�ان
والشيطان ،وحتدث عن مرض أيوب ،وما كان املقصود اإلخبار املجرد ،وإنام التأيس بصرب
األنبياء يف كل حمنه ومصيبة ،مما هو واضح من س�ياق اآليات ،وحتدث عن يوس�ف وإلقائه
اجلب ،ومعاناته مع امرأة العزيز وسجنه ،ثم التمكني له يف األرض ،وال ريب أن املسلميف ِّ
يف طريقه الطويل حيتاج إىل كل هذه الدروس ،وحيتاج إىل األمل الواس�ع ،فالطفل امللقى يف
اجلب والذي ظن الناس هالكه يصبح عزيز مرص!! ويأيت احلديث عن مريم وابنها إلظهار
ق�درة اهلل وعنايت�ه بعبادة الصاحلني ،وهكذا ،فال يوجد يف القرآن الكريم ذكر لتاريخ هؤالء
الصفوة – التاريخ البرشي – إال وله غاية عملية ينتفع من ذكرها املس�لم يف مهمته الكبرية
عىل هذه األرض(((.
م�ع إن غاية خلق اإلنس�ان ه�ي العب�ادة ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭼ
[الذاري�ات ،]56:إال ّ
أن الق�رآن مل يفصل لنا عبادة األنبياء – عليهم السلام -ال صالهتم،
وال صيامه�م ،وال ذكره�م ،وال نح�و هذا إال يف ح�دود ضيقة ولغاية خاص�ة أيض ًا ،فمث ً
ال
غال�ب م�ا يرد من ذكرهم ومناجاهتم هو دعائهم بحفظ الرس�الة ،وتبليغ الدعوة ،أو هالك
الظاملني الواقفني بطريقها ،وخذ هذين املثالني:
ﭽﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ
ﯽ ﯾ ﯿﰀﰁﰂ ﰃﰄﰅﰆﰇ ﰈﰉﰊﰋ
ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﭼ [نوح.]٢٨ – ٢٦ :
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ
ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽ
ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ [البقرة.]129-127:
وقد يقول قائل :إن القرآن مل يكثر من ذكر عبادات األنبياء –عليهم الصالة والسلام
((( من الرائع جدا ما كتبه سيد قطب يف مقدمته عىل سورة يوسف ،حيث بني املنهج القرآين يف القصة تبيين ًا
مفص ً
ال ،ومما يناس�بنا هنا قوله « :وتبقى وراء ذلك كل عربة وقيمتها يف جمال احلركة اإلسلامية ،وإحياءاهتا
املتوافية مع حاجات احلركة يف بعض مراحلها ،ومع حاجاهتا الثابتة التي ال تتعلق بمرحلة خاصة منها ،إىل
جانب احلقائق الكربى التي تتقرر من سياق القصة» (يف ظالل القرآن.) 1963/4 :
113
– ألننا يف العبادات ال نقتدي هبم وإنام لنا عباداتنا اخلاصة ورشيعتنا اخلاصة ،والصحيح
انه لو كان األمر كذلك لقص علينا طريقة رس�ول اهلل حممد ﷺ يف العبادة ،ولكن القرآن مل
إن وظيفة القرآن األوىل هي إقناع اإلنس�ان هبذهيفص�ل يف ه�ذا أيض ًا ،وكأنه يريد إن يقولّ :
الطري�ق ،ونصب املعامل الثابتة عليها لك�ي ال ينحرف ،ومده بكل ما حيتاجه للصرب والثبات
واملواصل�ة ،وبعد هذا فقد يكفي قوله تعاىل للس�ائلني :ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ
ﯶ ...ﭼ [األحزاب ،]٢١ :واهلل أعلم.
-3املعاين الرئيس�ية التي أكد القرآن هي تلك املتعلقة بوظيفة رس�ل اهلل الرئيس�ية ،فلقد
رعاه�ا القرآن أيام رعاية ،وفصل القول فيها أيام تفصيل ،حتى ال يكاد خيطر عىل بالك حالة
من املمكن إن يواجهها داعية ما إال والقرآن حيدثك عن نبي قد واجهها قبلك ،ورضب لك
فيها املثل والعربة ،ولنلخص القول يف هذا عىل النحو األيت:
أ -طريق�ة تبليغ الدع�وة :حتدث القرآن بالتفصيل عىل ط�رق األنبياء يف تبليغ دعوهتم،
وكيف كانوا جا ّدين يف األمر ،ولنأخذ بعض األمثلة:
ﰎ ﰏ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭼ يوسف.
املث�ال الراب�ع :ﭽ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤﮥﮦﮧ
ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ طه ،فلامذا اختار يوم الزينة ووقت الضحى؟! وملاذا
أراد إن حيرش الناس؟!.
جلية واضحة يف أن األنبياء –عليهم الصالةإن ه�ذه األمثل�ة ال حتتاج إىل تعليق ،فهي ّ
والسالم – ما تركوا جماال أو منفذ يستطيعون أن يدلوا منه لتبليغ دعوهتم إال دخلوه.
فص�ل الق�رآن أجناس املدعوي�ن الذين اتصل هب�م األنبياء – ب -أجن�اس املدعوي�نّ :
عليه�م الصالة والسلام – فال تكاد جتد طبقة من الن�اس إال والقرآن يقدم لك نموذج عن
اتصال األنبياء هبم ،ولنقرأ هذه النامذج:
النموذج الأول :امللوك:
ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ...ﭼ البق�رة ،ﭽ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ﯛ ﯜ ...ﭼ يونس.
ﭽﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ
ﯪﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ ﯷ
ﯸﯹﯺﯻ ﯼﯽ ﯾﯿﰀﰁ ﭑ ﭒﭓ ﭔﭕﭖﭗ
ﭘﭙ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭡ ﭢﭣﭤﭥﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ النمل.
ثم كتب إليها سليامن كتابه :ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﭼ النمل.
النموذج الثاين :الأغنياء املرتفون:
ﭽﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ
ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ
115
ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﭼ الش�عراء .ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭼ األعراف.
النموذج الثالث :الفقراء وامل�ست�ضعفون:
ﭽﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ
ﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ ﯲﭼ
هود .ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭼ القصص.
النموذج الرابع :املطففون:
ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ
ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ هود.
النموذج اخلام�س :ال�شاذّون:
ﭽﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ
ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ
األع�راف.٨٢ - ٨٠ :
النموذج ال�ساد�س :امل�سجونون:
ﭽﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ
ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ
ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ [يوسف.]٤٠ – ٣٩ :
النموذج ال�سابع :الأقربون:
ﭽﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ
ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﭼ [هود.]٤٢ :
116
ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ
ﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ
ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ [مريم. ]٤٥ - ٤١ :
ج�ـ -نقطة البداية يف الدعوة :بني القرآن نقطة البداية يف دعوة الرس�ل –عليهم الصالة
والسالم -ولنالحظ النقطتني اآلتيتني:
س�جل يف أغلب قص�ص األنبياء أهنم بدؤوا بالدعوة إىل توحيد اهلل، األوىلّ :
إن القرآن ّ
والتصدي�ق بالوح�ي ،وطاعة الرس�ول ،وهي كلها متث�ل نقطة واحدة هي بداية السير عىل
منهج اهلل ورشعه ،ولنقرأ هذه األمثلة:
ﭽ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ
ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭼ هود.
ﭽ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﭼ ه�ود،٥٠ :
ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﭼ [ه�ود.]٦١ :
ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ
[ه�ود.] ٨٤ :
الثاني�ة :إن الق�رآن قد يس�جل دعوة بعض األنبي�اء يف البداية ألمور فرعي�ة ال تعترب من
أصول اإليامن والعقيدة ،وذلك مثل:
ﭽﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ
األعراف.
ﭽ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ
ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭼ يوسف.
ﭽﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ
ﭺ ﭻ ﭼ [هود]٨٤ :
ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ
ﯩ ﯪ ﭼ [آل عمران.]٥١ – ٥٠ :
فه�ؤالء األنبي�اء حتدثوا مع قومهم بقضايا ليس�ت من أصول الدين ،وقبل إسلامهم،
117
((( يقول الشيخ عبد اهلل عزام -رمحه اهلل " : -لقد كانت العقيدة هي املوضوع الوحيد الذي عاجلته السور
املكية" (العقيدة وأثرها يف بناء اجليل ص ، ) 10ويكاد يكون كالمه هذا تكرار لكالم س�يد قطب رمحه اهلل
من قبل حيث قال " :القرآن املكي ....الذي ضل يتنزل عىل رسول اهلل ﷺ ثالث عرش عاما كامال ،حيدثه
فيه�ا ع�ن قضية واحدة قضية واح�دة ال تتغري ،لقد كان يعالج القضي�ة األوىل والقضية الكربى ،والقضية
السياسية يف هذا الدين اجلديد ،قضية العقيدة" (يف ظالل القرآن .) 1004/2:
118
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ غافر.
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ الذاريات.
املثال الرابع :العناد واملكابرة:
ﭽﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥ ﭼ [ه�ود.] ٣٢ :
ﭽﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
ﯬ ﯭ ﯮ ﭼ [نوح.]٧ :
ﭽﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﭼ [الشعراء.]١٣٦ :
ﭽﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖﭗ ﭼ النحل.
ﭽﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﭼ األنفال.
ه�ـ -الثبات واملصري :لقد س�جل القرآن مواجهة األنبياء – عليهم الصالة والسلام –
هل�ذه املصاع�ب واملحن بالثب�ات واليقني ،هذا الثب�ات الذي جعل املعرك�ة تطول بني احلق
والباط�ل ،ألن احل�رب بينهام حرب وجود ال يمكن للحق أن يتنازل عن يشء أبد ًا ،ولذلك
اعتنى القرآن برسد نتائج هذه املعارك املريرة التي قادها رسل اهلل –عليهم الصالة والسالم
– وهذه النتائج نستطيع أن نختار منها األمثلة اآلتية:
ﭽﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ
ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﭼ ه�ود .ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
ﭫ ﭬ ﭭﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭼ النمل.
ﭽﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﭼ هود.
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ الشعراء.
النتيج�ة الثاني�ة :االس�تجابة والدخ�ول يف دي�ن اهلل ،وقد تك�ون هذه االس�تجابة قليلة
مقترصة عىل عدد قليل من الناس ،وقد يكون العكس ،فمن أمثلة احلالة األوىل:
قال القرآن عن نوح -عليه السالم – :ﭽ ...ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ هود.
وق�ال عن ه�ود – علي�ه السلام – :ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ...ﭼ
ه�ود ،والدلي�ل عىل أهنم قلة أن اهلل أعقب هذا الق�ول بقوله ﭽ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ
ﮮ ﮯ ...ﭼ هود ،وهود ما أرسل إال إىل عاد .
وق�ال عن صالح –عليه السلام – :ﭽ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
ﮃ ﮄ ﭼ األع�راف .وهذه كتلك فقد ق�ال اهلل عن قوم صالح :ﭽ ...ﮪ ﮫ ﮬ
ﮭ ﮮﭼ هود.
وعن لوط – عليه السالم :ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ
ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﭼ الذاريات.
وعن شعيب :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ...ﭼ األعراف.
ومن أمثلة احلالة الثانية:
يون�س ﭽ ...ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ...ﭼ يونس،
ﭽﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ يونس.
121
موسى ﭽ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ...ﭼ األعراف.
حممد ﷺ :ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ النرص.٣ - ١ :
النتيجة الثالثة :التمكني للرسل وأتباعهم:
ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ...ﭼ
يوسف.
ﭽﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
ﯠﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ األعراف.
ﭽﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ...ﭼ ص.
ﭽ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﭼ النمل.
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
ﭝ ﭞ ...ﭼ األنفال.
ﭽ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ
ﯿ ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ الفتح.
و -بني الرسل وأتباعهم :يقص علينا القرآن الكريم مسرية الرسل الكرام مع أتباعهم،
ويف ه�ذا تكتم�ل الص�ورة ،وتتض�ح معامل اخلارط�ة املتكامل�ة لوظيفته�م – عليهم الصالة
ال ،ثم تش�كيل الصف املسلم الذي يستطيع أن يصارع الكفر والسلام – ،فتبليغ الدعوة أو ً
على ه�ذه األرض ،وأن خيلف الرس�ل يف ه�ذه املسيرة الطويلة ،غري أن ه�ذا الصف ليس
ً
مالئكي�ا ،إنام هو برش ًا .ولذا س�جل القرآن بأمان�ة بالغة املواقف الصحيح�ة املباركة لذلك
الصف ،وسجل أيض ًا املواقف اخلاطئة ،وسنحاول رسيع ًا – إن شاء اهلل – التمثيل لكل هذا
ال بأمثله من املواقف الصحيحة:باختصار شديد ،ولنتمتع أو ً
122
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ األعراف.
ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ البقرة.
ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ
ﮰﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﭼ املائدة.
املثال الثاين :من أصحاب رسول اهلل ﷺ:
رم�اة ُأح�د :ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ
ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ ...ﭼ آل عمران.
املنهزم�ون يوم حنين :ﭽ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ
ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﭼ التوبة.
املتخلف�ون ي�وم العسرة :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ [التوبة.]١١٨ :
ز -إن هنالك من الرس�ل الكرام من اهتم الق�رآن بقصته أكثر من غريه؛ وأبرز مثل عىل
هذا موسى –عليه السالم – ولنالحظ معامل هذا االهتامم:
لقد تكرر اسم «موسى» يف القرآن الكريم ( )136مرة ،يف حني تكرر اسم «نوح» ()23
مرة ،واس�م «إبراهيم» ( )69مرة ،واس�م «ش�عيب» ( )11مرة ،و «يوس�ف» ( )27مرة ،و
«عيسى» ( )25مرة.
إن قصة موس�ى –عليه السلام – تكررت يف القرآن بشكل ملفت للنظر ،فقد تكررت
قصته يف ما ال يقل عن ( )40س�ورة ،الس�يام أن الس�ور الطوال التي فصلت قصته تفصي ً
ال
دقيق ًا ،مثل س�ورة البقرة وآل عمران والنس�اء واملائدة واألنعام واألعراف ثم يونس وهود
ثم الكهف وطه واألنبياء واملؤمنون والشعراء والقصص ،وغري هذا.
وم�ن مظاه�ر االهتمام الكبير تفصيل احلدي�ث ع�ن األدوار املختلفة الت�ي لعبتها هذه
وغريب�ا ،ثم زوج ًا ،ثم
ً الش�خصية اخلطيرة يف التاري�خ فالقرآن حتدث عنه ً
محلا ،ورضيع ًا،
ال جيابه فرعون والسحرة واملأل ،ثم قائد كبري ألعقد شعب ويف أعقد ظرف ويكفي أن رسو ً
124
أن القرآن كرر اسم فرعون لعالقته بموسى أكثر من تكراره السم أي نبي غري موسى، نعلم ّ
فلقد تكرر اسم «فرعون» ( )74مرة .
إن املعج�زات التي أ ّيد اهلل هبا موس�ى قد تكون أكثر م�ن جمموع ما ذكره القرآن لألنبياء
م�ن املعج�زات ،فيده بيضاء ،وعصاه التي أبطلت الس�حر وفلقت البح�ر ،وجتنيد الطوفان
واجلراد والقمل والضفادع ((( وغريها له ويف معركته الكبرية ،كل هذا يثبت أن دور موسى
–عليه السالم -يمتاز بخصوصية قد ال يشاركه فيها بقية األنبياء السابقني.
تأيي�د اهلل ل�ه بوزي�ر وأخ يش�د ب�ه عض�ده :ﭽ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ...ﭼ
[القصص ،]٣٥ :هذا األخ الذي منحه اهلل الرس�الة مع موس�ى –عليهام السلام -وقد
تكرر اس�مه «هارون» يف القرآن ( )19مرة ،يف حني مل يذكر القرآن عن رس�ول أ ّيده اهلل
برس�ول آخر وكالمها حيمالن رس�الة واحدة غري موس�ى –عليه السلام.-
إن هذه النقاط وغريها جتعلنا نتساءل :ملاذا كل هذا االهتامم ؟! ّ
أفصل يف اجلواب ،ولكني أحاول أن ألف�ت نظر القارئ الكريم إىل إين ال أري�د هن�ا أن ّ
هذه النقاط شاحذ ًا مهته للنظر فيها والتفكر فيام هو أبعد منها:
النقطة األوىل :إن موس�ى عليه السالم جابه الذي قال ﭽ ...ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ...ﭼ
[غاف�ر ،] ٢٩ :وﭽ ...ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ...ﭼ [القصص ،] ٣٨ :فهل كان
بعلم اهلل أن األمة اإلسالمية ستواجه فرعون وفرعون وفرعون مرات ومرات؟ دون ريب،
ف�إن الش�خصية الفرعونية مكرره ب�كل جوانبها :الكبر ،والقوة ،واملال ،امللأ ،والعمالء،
واألجراء ،ثم الظلم ،والدم ،والتأ ّله!!.
النقطة الثانية :إن الشعب الذي قاده موسى وهارون ،بعد أن خلصاه من وطأة فرعون–
ثم الضياع ثم للتامس�ك ثم التمكنيّ ،
إن ش�عب كبري ،ومتعدد الطاقات ،وقابل لالنش�قاق ّ
ه�ذه الصف�ات كلها دون ريب هي صف�ات األمة التي يريد اإلسلام أن خيلصها من وطأة
الفراعنة ،ثم املسير هبا إىل التامس�ك والتمكني ،إهنم البدالء الرشعيون عن ش�عب موسى
غنى له عن جتارب يف مح�ل األمان�ة ،وإعالن خالفة اهلل يف األرض ،والبدي�ل أو الوريث ال ً
سلفه وتارخيه.
ال ٍ الض َف ِ
�ادعَ َوالدَّ َم آ َي ٍ ان َوالجْ َ َرا َد َوا ْل ُق َّم َل َو َّ َ
ت ات ُّم َف َّص َ ((( يق�ول القرآن الكريمَ ﴿ :فأ ْر َس� ْلنَا َع َل ْي ِه ُ
�م ُّ
الطو َف َ
است َْكبرَ ُ و ْا َو َكا ُنو ْا َق ْوم ًا مجُّ ْ ِر ِمنيَ ﴾ [األعراف .]133 :
َف ْ
125
النقطة الثالثة :هل كان بعلم اهلل أن العدو األول الذي سيبقى يواجه األمة القرآنية بحقد
وأن اهلل أراد لنا أن نعرف وعناد هم اليهود أتباع موسى عليه السالم الذين غريوا وبدلوا؟! َّ
خباي�ا ه�ؤالء وطريق�ة تفكريهم لك�ي ال نقع يف البئر مائ�ة مرة ،وال نلدغ م�ن جحر واحد
مرتني ،الواقع يشهد هبذا ولكن يا ليت قومي يعلمون .
ويف خت�ام ه�ذا املبح�ث يتبين أن الق�رآن قد ق�دم لنا نماذج متكامل�ة للت�أيس باألنبياء
–عليهم الصالة والسلام -يف خمتلف األحوال والظروف :من النبي الذي يواجه حس�د
األخوة (يوس�ف) ،أو عقوق االبن والزوجة (ن�وح) ،إىل النبي الذي يواجه طغيان فرعون
بدولته وس�لطانه (موس�ى) ،ومن النبي الفقري (موسى ) ،أو املريض (أيوب) ،أو السجني
(يوسف) ،أو الوحيد (إبراهيم) ،إىل النبي امللك (داود) ،و(سليامن) .
إن الق�رآن يضع أمام الدعاة هذه النماذج وكأنه يقول لكل داعية :هؤالء هم قدوتك يف
كل أحوال�ك ويف كل م�ا يواجهك فقري ًا أو غني ًا ،كن س�جين ًا أو ملك ًا ،ك�ن أمري ًا أو مأمور ًا
بالس�لم أو باحلرب ،بني أهلك وإخوانك أو مهاجر ًا ومغرتب ًا ،فلك يف كل هذه االحتامالت
النموذج املناس�ب من قصص األنبياء– عليهم الصالة والسالم،-هذا يؤكد املنهج العلمي
للقرآن يف عرض العقيدة اإلسالمية.
املبحث الثاين
الوحي والر�ساالت
�أو ً
ال :الوحي:
ال قرآني ًا للوحي من حيث هو ،أو من حيث كيفيته إال بحدود ال جيد قارئ القرآن تفصي ً
ضيقة ،والغالب عىل الظن أن هذا يعود إىل منهج القرآن العميل ،فقضية الوحي قضية غيبية
بحتة ،وال هيم اإلنس�ان منها س�وى التصديق بمعناها القريب منه ،وهو إيصال الرسالة من
اهلل إىل رس�وله بطريق�ة م�ا ،والتصديق يكون باملعج�زات ،أو بدالئل النب�وة األخرى ،فإذا
صدَّ ق اإلنسان هبذه احلقيقة فهذا يكفي ،ولنر اآلن حديث القرآن عن الوحي:
وردت كلمة الوحي ومش�تقاهتا يف القرآن بنح�و( )78مرة ،غري أن هذه املرات الكثرية
ت�كاد تكون خالية من تفصيل اجلانب الغيبي ،وإنام ي�أيت بعضها إلخبارنا بأن اهلل أوحى إىل
رسوله بكذا ،وهذا كثري جدا ،مثل :
ﭽ ...ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﭼ [إبراهيم ،]13:ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ﮀ ﮁ ﭼ النج�م ،ﭽ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﭼ [األع�راف،]117:
ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ...ﭼ [النح�ل.]123:
وقد يأيت بمعنى الرس�الة نفس�ها مث�ل :ﭽ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ
ﭥ ﭼ النج�م ،ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ...ﭼ [األنبي�اء،]45:
ﭽ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ...ﭼ [يونس ،]15:ﭽ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ
ﯪ ﯫ ﯬ ...ﭼ [هود.]12:
وهذا كثري أيض ًا ،وقد يأيت ملعان لغويه ال عالقة هلا بالرس�ول والرس�الة ،مثل :ﭽ ﮇ
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ...ﭼ [النح�ل ،]68:وﭽ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﭼ الزلزلة.
واخلالص�ة أن الق�رآن حت�دث عن الوحي م�ن حيث التصديق ب�ه ،أو من حيث األمر
بطاعته وتبليغه ونحو هذا ،أما يف كنهه وكيفيته فلم نجد إال القليل ،ولنقف عنده:
اآلي�ة الوحيدة التي تقف عند هذا املوضوع هي :ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ
ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ...ﭼ [الش�ورى ،]٥١ :فهذه
128
أحكام ،حلكمة يعلمها اهلل ،يقول القرآن عىل لسان عيسى :ﭽ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﭼ [آل عم�ران] ،وهلذا ربط القرآن بينهام
يف مهمة عيس�ى عليه السلام فقال :ﭽ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭼ [آل عمران.]49-48:
-3هن�اك ف�رق واض�ح يف اهتمام الق�رآن ،فالظاهر اهتاممه يف رس�الة موس�ى أكثر من
اإلنجي�ل ويظه�ر يف ع�دد املرات التي ذك�رت فيها الت�وراة ( )18مرة و بينما ذكر اإلنجيل
( )12م�رة ،وذكر موس�ى ( )136م�رة ،بينام مل يذكر عيس�ى إال ( )25مرة ،هنالك إش�ارة
ربام تكون اظهر يف الداللة عىل اهتامم القرآن بالتوراة أكثر من اهتاممه باإلنجيل ،وهي قوله
تعاىل :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ
ﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧ ﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭮﭯ
ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭼ األحقاف.
-4باإلضاف�ة إىل م�ا ورد يف التوراة واإلنجيل من وصف لرس�ول اهلل حممد ﷺ كام
م�ر معن�ا يف قول�ه تع�اىل :ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ...ﭼ [األع�راف ،]١٥٧ :لك�ن الق�رآن جيع�ل هن�اك
خاصية لرسالة عيسى –عليه السالم – يف هذا املوضوع ،أال وهي كون البشارة بمجيء ّ
الرسول اخلاتم ﷺ جعلت كأنهّ ا الركن األهم يف رسالة عيسى –عليه السالم : -ﭽ ﭑ
ﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭜ ﭝﭞﭟﭠﭡ ﭢﭣﭤ
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ [الص�ف.]٦ :
-5إن الق�رآن ج�اء مصدق�ا لرس�الة عيس�ى –علي�ه السلام – كام هو مص�دق جلميع
الرس�االت الس�ابقة :ﭽ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ...ﭼ [آل عمران.]٨١ :
ﭽﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ...ﭼ
[البقرة.]٩٧ :
-6وحت�دث ع�ن محلة اإلنجي�ل كام حتدث عن محلة التوراة ،فقس�مهم إىل قس�مني :فئة
وقف�ت م�ع اإلنجيل احلق ،وأخرى كاذب�ة كافرة خائنة فقال ع�ن األوىل :ﭽ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ
ﯾﯿﰀﰁ ﭑ ﭒﭓ ﭔﭕﭖﭗﭘ
132
د :ال�صحف:
هو ذا:
وكل الذي جاء يف القرآن عنها َ
ﭽ ...ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﭼ [طه.]133:
ﭽﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ
ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ النجم.
ﭽﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭼ األعىل.
هـ -الألواح:
وهي ألواح موسى-عليه السالم -وقد وردت يف ثالث مواضع:
ﭽﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ األعراف.
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ...ﭼ [األعراف.]15:
ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ
ﯙ ﯚ ﭼ األعراف.١٥٤ :
مما تقدم نستطيع أن نسجل املالحظات اآلتية عن املنهج القرآين:
األوىل :اهتمام القرآن باجلانب العميل وابتعاده عن اجلانب الفلس�في الغيبي ،وعىل هذا
رأين�ا كيف حت�دث القرآن عن إمكاني�ة الوحي ،بل وثبوت�ه ،ثم عن اإليمان والتصديق به،
ونح�و ه�ذا ،بينام ابتعد ع�ن كيفية التلقي ع�ن اهلل أو عن املل�ك ،ورأينا كي�ف اهتم القرآن
بالرس�االت التي هلا أتباعها اليوم ،وابتعد عن التفصيل يف باقي الرساالت ،ويف الرساالت
الباقية مل يتحدث القرآن إال عام فيه مصلحة للمسلمني.
الثانية :تبيان القرآن ملواقف أهل الكتاب الس�ابقة املتباينة ،وحكم اهلل يف كل فريق منهم
لتكون العربة البالغة للوريث الرشعي ألولئك.
الثالث�ة :حتدث القرآن عن التحريف والتزوير الذي قام به أهل الكتب الس�ابقة لكتبهم
ليص�ل بنا إىل حقيقتني :األوىل :تكش�ف لنا احلقيقة هؤالء الق�وم للحذر والفطنة ،فان قوم ًا
كذبوا عىل اهلل كيف ال يكذبون عىل خملوق؟! والثانية :إن هذه الكتب التي تسمى «مقدسة»
ليست عندنا كذلك بعد أن دخلها التزوير ،بل من املمكن مطالعة نواياهم من خالهلا.
134
الرابعة :ربط القرآن بني الرساالت السابقة والرسالة اخلامتة برباط وثيق ،حيث وصفها
بأهن�ا يص�دق بعضها بعض ًا ،وأهنا هدى ونور ورمحة ،وأهنا حتمل ثوابت ال ختتلف وال تتغري
كالتوحيد والعدل ..الخ.
اخلامس�ة :أن�ه اهتم بالتوراة أكثر من كل الرس�االت الس�ابقة ،وذلك ألم�ور كثرية ،قد
يك�ون من ضمنها التش�ابه الكبري بين القرآن والتوراة من حيث الش�مولية والتفصيل لكل
يشء ،وق�د يكون ملا فيها –بعد التحري�ف -من خفايا ونوايا اليهود الذين وضعوا عقيدهتم
لتناسب أهدافهم السياسية أو االقتصادية ..الخ.
السادس�ة :إن حدي�ث القرآن عن القرآن ج�اء منصب ًا عىل اجلوانب العملي�ة الداعية إىل
التمس�ك هبذا القرآن والعمل بأحكامه ،ونلمح ه�ذا يف أهم القضايا التي عاجلها القرآن يف
هذا املجال ،وهي:
•تأكيد عظمة القرآن وفائدته للبرشية من خالل أسماء القرآن كالنور واهلدى واحلق
ونحوها ،أو من خالل تأكيد ش�موليته لكل حيتاجه اإلنس�ان عىل هذه األرض ،أو
من خالل عامليته التي تؤكد صالحيته لكل زمان ومكان.
•إثبات أن هذا القرآن هو الرسالة الصادقة من اخلالق العظيم إىل خلقه وقد جاء هذا
جلي�ا من خالل عقيدة «اإلعجاز الق�رآين « ،حيث حتدى القرآن اإلنس واجلن عىل
أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهري ًا.
•طمأن�ة املؤمنين هبذا القرآن أن اهلل قد تكفل بحفظ ه�ذا القرآن فمهام َم َّر باألمة من
نوازل وكوارث ومهام تغلب أعداؤها عىل مقدراهتا فأن القرآن هو القرآن ،وسيبقى
كام أنزله اهلل عىل قلب حممد ﷺ حتى هناية العامل.
•ح�ذر القرآن م�ن املناهج املنحرفة التي حت�اول أن تتعامل مع الق�رآن بطريقة تبعده َّ
عن أداء رسالته احلقيقية يف هذا العامل اعتامد ًا عىل سعة املدلوالت العربية بعد فصل
مواردها يف بعض اآليات التفصيلية عن حمكامت القرآن وأصوله البينات.
•وجتدر اإلش�ارة يف ختام هذا املبحث أن مصطلح “الرس�االت” الذي اخرتناه هنا
ه�و أع�م من مصطلح “الكتب السماوية”؛ حيث إن الرس�الة تش�مل مع الكتاب
املنزل سنة الرسول ﷺ ،حيث هي تبني الكتاب بالقول والعمل :ﭽ ...ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ...ﭼ [النح�ل ،]٤٤ :ولذلك جاء األمر بأتباع
أألنبياء والرس�ل-عليهم الصالة والسلام – يف مثل قول�ه تعاىل :ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ
135
((( من النافع مطالعة« :اهلدي والبيان يف أسماء القرآن» للش�يخ صالح بن إبراهيم البليهي ،الذي مجع فيه
كل أسامء القرآن الكريم وصفاته –إال ما شاء اهلل -مع الرشح والتفصيل.
136
وال يزال الواقع يش�هد هبذا احلفظ ،فمع اختالف املسلمني وتباين أرائهم ومذاهبهم يف
الكثري من املسائل الكثرية والطفيفة إال إن يد التزوير مل تستطيع إن متتد إىل كتاب اهلل – تبارك
تعاىل ،-وكذلك تعرضت األمة حلاالت من الضعف واالنحطاط واجلهل وسيطرة أعدائها
عىل مقدراهتا وحتى مدارس�ها ومناهج التعليم فيه�ا ،ومع هذا بقي القرآن هو القرآن ،فاهلل
أكرب!!.
� -7أن القر�آن فيه حمكم ومت�شابه :ولنقرأ:
ﭽ...ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ [هود.]1:
ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ...ﭼ [الزمر.]٢٣ :
ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭼ [آل عمران.]7:
معان تبدو وألول وهلة كأهنا متضادة ،فاألوىل معناها: ٍ هذه اآليات الثالث حتمل ثالثة
أن الق�رآن حمك�م ،والثاني�ة :أن الق�رآن متش�ابه ،والثالث�ة :أن القرآن بعضه حمك�م وبعضه
متشابه! ..فام حقيقة األمر؟
إنن�ا ل�و أتينا إىل النص نفس�ه من غير أن نحمل ثق�ل اخلالف الكالمي ح�ول موضوع
"املحكم واملتشابه" فسنصل إىل حقيقة األمر بيرس إن شاء اهلل ،ولنبدأ:
م�ا معن�ى ﭽ ﮗ ﮘ ﭼ [ه�ود ،]١ :اإلح�كام ه�و اإلتق�ان ،والقرآن كل�ه حمكم؛
بمعن�ى أنه متق�ن وبأعىل درجات اإلتقان ،ول�و مل يكن كذلك فكيف أعج�ز بلغاء العرب
وفصحاءهم؟
وبعد فلنس�أل :ما معنى ﭽ ﭭ ﭼ ؟ التشابه :التشاكل والتامثل :وآيات القرآن كلها
متش�ابه قطع ًا ،فليس بينهام تناقض واختالف ﭽ ...ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮈ ﮉ ﭼ النس�اء ،وهذا املعنى يعضد املعن�ى األول ،فالقرآن حمكم وألنه حمكم فهو
متش�ابه ،أو ه�و متق�ن ،وألنه متقن فهو لي�س خمتلف� ًا وال متناقض� ًا ،وإذا كان األمر كذلك
فكيف نفهم اآلية الثالثة؟!
إن اآلية وضعت املحكم بمقابل املتشابه فال يمكن اجلمع بينهام ،أذ ًا هل املحكم هنا غري
املحك�م يف اآلية األوىل؟ وهل املتش�ابه هنا غري املتش�ابه يف اآلية الثاني�ة؟ اجلواب «بنعم»أو
«ال» ال خيل�و م�ن َتَس�رَ ُّ ع ،ولو تأملنا يف النص نفس�ه لوجدن�ا ان املحكم يف اآلي�ة الثالثة قد
140
أضيف له معنى زائد عىل معناه األول ،فاملحكم هنا املتقن مضافا إليه انه أم الكتاب ،ومعنى
أم الكت�اب هنا واضح ،فأمك أصلك ،منها ول�دت ،فالقرآن يقول لك :إن يف القرآن آيات
متقن�ات مثل األصول الواضحة هلذا القرآن كله ،وإذا كانت هذه أصوال فإذا هنالك فروع
َاب] فالكتاب [ه َّن ُأ ُّم ا ْل ِكت ِ
هن الكتاب ) ،بل ُ
تنبني عىل هذه األصول ،ألن القرآن ما قالَّ ( :
إذ ًا أص�ول وفروع ،واألصول هنا "املحكامت" ،إذ ًا فالفروع" املتش�اهبات ،فاملتش�اهبات إذ ًا
أضي�ف إليها معن�ى زائد عىل جمرد التامثل وعدم االختالف ،وهو أهن�ا فروع ينبغي أن تبنى
عىل أصوهلا ،وعىل هذا فإتباع املتشابه يؤدي إىل الفتنه ،ال بمعنى أن املتشابه نفسه فتنة -معاذ
اهلل -فليس يف القرآن إال النور واهلدى والش�فاء ،كام مر معنا يف أسامء القرآن وصفاته ،لكن
الفتنة جاءت من إتباع املتشابه فقط بعيد ًا عن أصوله ،وهنا الفتنه وهنا اخلطر :إذ كيف تريد
أن تفه�م معنى فرعي� ًا وجزئي ًا بعد أن قطعته من أصوله؟!((( وكأين اآلن أس�تطيع أن أقرب
الصورة من خالل األمثلة االفرتاضية اآلتية:
أ -لو قال ش�خص :إن رسالة حممد ﷺ خاصة بالقومية العربية بدليل قوله -تعاىل: -
ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ [الزخ�رف.]٤٤ :
ب -لو قال ش�خص :إن الدعوة إىل اهلل واجلهاد يف سبيله باطل بقوله –تعاىل :-ﭽ ﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ [الكافرون ،]٦ :وقوله تعاىل :ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭼ [البقرة.]٢٥٦ :
أقر وحدة األديان ،وأنه ال فرق بني املس�لم واليهودي جـ -لو قال ش�خص :إن القرآن ّ
والنصراين وغريهم إذا س�لم القلب وحس�ن العمل ،بدليل قوله تع�اىل :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ
ﭔﭕﭖﭗ ﭘﭙﭚﭛﭜ ﭝﭞﭟ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭼ [البقرة.]62:
فه�ؤالء كلهم جاءوا إىل هذه اآليات وقطعوه�ا عن أصوهلا ،وحاولوا فهمها بام يناقض
األص�ول الثابت�ة يف كتاب اهلل ،فكان�وا أهل زيغ وأهل فتنة لكن املؤم�ن ال تلتبس عليه هذه
اآليات ،فعاملية اإلسالم هي أصل من أصول القرآن :ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ ﮫ ...ﭼ [س�بأ ،]٢٨ :فكيف يستطيع إن يقتنع بأن اإلسالم دين القومية العربية
فقط ،أو دين قريش لقوله تعاىل :ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﭼ [الشعراء ،]214أنه سيفهم
كل هذه الفرعيات عىل أهنا –مثال -متثل مرحلة من مسرية الدعوة ،أو أي معنى آخر ال هيدم
األص�ل ،وهك�ذا يف الثاين ،فاألصل ثابت عند املؤمنين أن الدعوة واجلهاد من صميم ديننا
وآي�ات الق�رآن الواضحات أكثر من إن حتىص ،وخذ ه�ذه اآلية فقط :ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ...ﭼ [التوب�ة ،]٥ :ونق�ول للثالث اقرأ
فق�ط :ﭽ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ [آل
عم�ران ،]85:ﭽ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗ
ﮘ ﮙ ﭼ [التوبة.]29 :
ف�إذ ًا ليس يف الق�رآن آيات ينبغي أن ال نقرأها وال نتدبرها ألهنا تؤدي إىل الفتنة أو ألهنا
متشاهبات،كيف والقرآن يقول :ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ...ﭼ [النساء ،]٨٢ :ومل يستثن أي
آي�ة ،ولو كان يف الق�رآن آيات ال جيوز أتباعها والبحث عنها ف�أو ً
ال :ملاذا مل حيددها القرآن؟
وثاني� ًا :كي�ف يكون القرآن معجز ًا ببيان�ه وبالغته وفيه آيات ال تفهم؟ الس�يام وأن ،آية آل
عم�ران تشير –ولو من بعيد -إىل أن املتش�اهبات أكثر ألن املحكامت ه�ن أم الكتاب فقط،
فهل القرآن كله أ ّمهات؟!.
إن هذا املعنى للمحكم واملتش�ابه هو الذي ينس�جم مع مبادئ اإلسلام ووظيفة القرآن
ال يف الوقف عىل ﭽ ﯗ ﯘ ﭼ يف وال يصطدم بأي حقيقة إسلامية ثابتة ،غري إن هناك إشكا ً
آي�ة آل عم�ران ،وهو وقوف صحيح ال غبار عليه ،فكي�ف يكون ال يعلمه إال اهلل ،ثم نقول
143
أن املتشابه من املمكن أن ُي ْعرف برده إىل أصول املحكامت؟ ،احلقيقة إن هذه اإلشكالية وإن
كث�ر فيه�ا اجل�دل إال أهنا إن مل خترج من دائ�رة النص ،فمن املمكن فهمه�ا بيرس وبإرجاعها
أيض�ا ،فلام كان عندنا يقين ًا أن القرآن رس�الة هدى ونور ،ودس�تور حياة ،ال ً إىل املحكمات
كت�اب ألغاز وطالس�م ،فال يصح عندنا بعدُ أن نتص�ور وجود آيات ال يفهمها إال اهلل ،وإذا
أن أهل الزيغ كان األمر كذلك فحل هذه اإلش�كالية ال يكلف كثري ًا ،إذ من املمكن القولّ :
باطلا يبتغون به الفتنة ،وتأويله�م هذا وغايتهم الً أرادوا أن يؤول�وا بع�ض اآليات تأوي ً
ال
يعلمه�ا إال اهلل ،فه�و ال�ذي يعلم خفاي�ا النفوس ونواي�ا الضامئر ،أما نحن فقد نش�ك وقد
نظ�ن وربام نجهل متاما ،وهبذا التفسير نجم�ع أيضا معنى القرائتني فالق�راءة الثانية :ﭽ ﯗ
ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﭼ ،جعل�ت الراس�خني يعلمون تأويل�ه ،فيكون املعنى ال يعلم تأويله
عنده�م وقصده�م من ذلك إال اهلل ،والراس�خون يف العل�م ال تفتنهم تأويلات الزائغني،
فه�م عىل عل�م وبصرية ،وهلذا يقولون :ﭽآ َم َّن�ا بِ ِهﭼ ،هذا عىل الق�راءة األوىل ،وعىل الثانية
إن املتش�ابه ال يعلمه إال اهلل والراس�خون الذين يعلمون أصول هذا الدين ال تش�تبه عليهم
الفرعيات كام تشتبه عىل غريهم ،واهلل أعلم.
املبحث الأول
اليوم الآخر
اإليمان بالي�وم اآلخر هو حجر الزاوية يف العقيدة اإلسلامية ،ذاك ألن اإلنس�ان بطبعه
ٍ
مصلحة ،فاإليامن باهلل جلب ٍ
مفس�دة ،أو ُ ال يلزم نفس�ه بالطاعة إال أن تكون من ورائها د ْف ُع
ثم كان اإليامن باليوم
وبرساالته ال يؤدي ثمرته إال إذا كان هناك جزاء ينتظره اإلنسان ،ومن ّ
اآلخر له دور كبري يف إلزام اإلنسان بمنهج اهلل((( ،ومن هنا جاء اهتامم القرآن الكريم باليوم
اآلخر اهتامم ًا ال يقل عن االهتامم بالركنني السابقني “اإلهليات” و”النبوات” ،ولنأخذ أمثلة
عىل هذا االهتامم:
أ -ذك�ر الق�رآن اليوم اآلخ�ر بام يصعب حرصه فلق�د جاء ذكر اآلخ�رة يف القرآن بنحو
( )114مرة واليوم اآلخر بنحو ( )26مرة ،أما أسماء اليوم اآلخر األخرى فهي كثرية جد ًا
وربام تأتينا شواهد منها بعد.
ب -يف الغال�ب يأيت ذكر اإليامن باليوم اآلخر عقب اإليامن باهلل دون فاصل ولنقرأ هذه
األمثلة:
ﭽ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭼ [البقرة.]١٧٧ :
ﭽ ....ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﭼ [البقرة.]٢٣٢ :
ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﭼ [التوبة.]١٨ :
((( وه�ذا يعن�ي أن اإليمان باليوم اآلخر رضوري لس�عادة اإلنس�ان يف احلياة الدني�ا ،الن الذي ال يؤمن
بي�وم احلس�اب واجل�زاء أي يشء س�يمنعه من الظلم واإلفس�اد؟ بل كيف س�ينظر اىل حيات�ه القصرية هذه
ولو مألها بأس�باب النعيم وهو يرى أن املس�ألة مس�ألة وقت ثم يتخطفه املجهول؟!! يقول الدكتور عمر
س�ليامن األش�قر« :إن بعض الذين يرفضون فكرة الرجعة اىل احلياة يبدؤون بالنواح احلزين يف حياهتم التي
تتالش�ى وتتناقص يف كل حلظة متيض ،وقد يس�لمهم هذا اىل العزلة واألمل حت�ى يوافيهم املوت ،وان كانوا
ك ّتابا أو ش�عراء ،فأهنم يس�جلون مش�اعرهم احلزينة التي يندبون هبا حياهتم يف مقاالت أو كتب أو أش�عار
جتسم شقوهتم وحريهتم وأملهم ....وبعض الذين يكفرون بالبعث والنشور يسارعون اىل اقتناص امللذات
والش�هوات ،كأنما ه�م يف رصاع مع الزمن خيش�ون أن متيض أيامهم وملا يش�بعوا من مباه�ج احلياة (اليوم
اآلخر.)6/1:
148
ﭽﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ
ﮓﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﭼ
[التوب�ة.]٤٥ – ٤٤:
ج -الش�مولية الواس�عة الت�ي حظي هب�ا «اليوم اآلخ�ر» يف القرآن الكري�م ،فلقد بحث
القرآن املوت والبعث واحلرش واحلساب وامليزان والصحف والرصاط واجلنة والنار ،وكل
هذا بتفصيل دقيق السيام إذا كان الغرض الرتغيب والرتهيب ،وكل هذا سنمر عليه إن شاء
اهلل .هذا وسنعرض عقيدة اليوم اآلخر يف القرآن الكريم بنقاط خمترصة ،لكنها جامعة -إن
شاء اهلل -ألهم ما ينبغي أن يعرفه املسلم يف هذا املوضوع وكام يأيت:
قدير ،وأنه س�يعيدنا كام بدأنا أول مرة ،اللهم فأحس�ن عودتنا إليك .وربام اس�تخدم القرآن
ال قريب ًا من األول ونس�تطيع ن نس�ميه «دليل امللك» فمن هو مالك السموات واألرض دلي ً
واإلنسان؟ فاملالك هو الذي يترصف يف ملكه كيف يشاء ،ولنقرأ هذا النص فقط:
ﭽﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ ﮭ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﯴ ﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯾ ﯿﰀﰁ
ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭼ املؤمنون.
وهناك ما يمكن تس�ميته بالدليل احليس ،حيث اس�تخدم القرآن شيئ ًا مما حيسه اإلنسان،
ويش�اهده يف عامل الدنيا ،ليقرب له صورة البعث والنش�ور ،ولنصغ إىل القرآن :ﭽ ﮟ ﮠ
ﮡﮢﮣﮤﮥﮦ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ
ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﭼ ق.
ويق�ول :ﭽ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ
ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭼ [الروم.]50:
ال كيف تنمو ثم تنضج فإذا تركت يف األرض تلفت بأجل قصري، إن من يعرف الكمأة مث ً
املار عىل األرض فال يرى فيها إال الرتاب ،ثم متر السنة والسنتان والثالث ،حتى إذا ثم يمر ُّ
نزل الغيث يف موس�م حمدد ظهرت الكمأة ،مثل اجلس�د الذي بيل وانتهى ،ذلك أن اجلس�د
الذي بيل بقيت منه ماليني اخلاليا غري املرئية مع الرتاب ،تقاوم اجلفاف والش�مس والريح،
تفسخ ،وغالب حتى تتمكن يف الظروف املناس�بة أن حتيا وتعيد ش�كل اجلس�د نفس�ه الذي ّ
الثمار الت�ي نأكل ،فيها ب�ذور البقاء ،وهي تقاوم اجلفاف حتى تعيد دورة النبات بس�نة إهلية
حمكمة إن اهلل يقول لنا :ﭽ ﭜ ﭝ ﭼ وﭽ ﯙ ﯚ ﭼ ،إهنا تقريب ألذهاننا،
ومن الواقع الذي نعيش ،والقانون الذي نشاهد...
ان، (و َي ْبلىَ ُك ُّل شيَ ْ ٍء ِم َن ا ِ
إلن َْس ِ وربام تكتمل صورة التش�بيه هذا بحديث رسول اهلل ﷺ َ :
س ِم َن ا ِ
إلن َْس ِ
�ان شيَ ْ ٌء إِال َي ْبلىَ ،إِال (و َل ْي َ
اخل ْل ُ�ق)((( ،وقوله ﷺَ : �هِ ،ف ِ
يه ُي َر َّك ُب َ إِال َع ْج َ�ب َذ َنبِ ِ
((( ذك�ر احلاف�ظ ابن حجر رمحه اهلل« :إن بعض العلامء مجعوا أسماء اليوم اآلخر فبلغت ثامنني ً
اسما» ،ثم
يعق�ب ابن حجر بقوله« :ولو تتبع مثل ه�ذا من القرآن زاد عىل ما ذكر»(فتح الباري ،)396/11 :ويقول
القرطبي رمحه اهلل « :كل ما عظم شانه تعددت صفاته وكثرت أسامؤه ،وهذا مجيع كالم العرب ،أال ترى أن
الس�يف ملا عظم عندهم موضعه ،وتأكد نفعت لدهيم وموقعه ،مجع له مخسامئة اسم ،وله نظائر ،فالقيامة ملا
عظم أمرها ،وكثرت أهواهلا ،سماها اهلل تعاىل يف كتابه بأسماء عديدة ،ووصفها بأوصاف كثرية» (التذكرة:
ص .)244،243
154
-1املوت :املوت ليس غيب ًا ،وإنام هو حقيقة مش�اهدة حمسوس�ة ،وكل إنس�ان يوقن انه
س�يموت ،وامل�وت ال حيتاج إىل تفسير وبي�ان ،وال ينبغ�ي أن نذهب عميق ًا يف الفلس�فات
العميقة ،فنس�أل ما املوت؟ وما حقيقته؟ فهذا يبعدنا عن احلقيقة ،فاحلقيقة أن هذا اإلنسان
ال�ذي يتح�رك ويكد ويلهج ويبني وهي�دم ويأكل ويرشب تأيت عليه حلظ�ه ينقلب إىل قطعة
هام�دة ،فلا حركة وال كلم�ة وال أي يشء ،ثم يتأذى أقرب الناس إلي�ه بجثته اهلامدة ،لقد
أصبح�ت َنتَن� ًا وجيف ًة ال ُتطاق ،فيتخلص أهله منه بأي طريق!! هذا هو املوت ،فهل يش�ك
فيه إنسان؟ وهل اإلنسان بحاجة إىل أكثر من هذا؟
ذك�ر الق�رآن املوت ذكر ًا كثري ًا ،ويكف�ي أن نعلم أنه كرر لفظ "املوت" وما اش�تق منها
بنحو ( )165مرة.
وجمرد تذكري اإلنس�ان باملوت مغزى هيدف إليه القرآن ،فاإلنسان ينسى وهو بحاجة إىل
من يذكره ،ينسى املوت فيشقى ويطغى ،لكنه إذا ذكر املوت ربام اتعظ وا ّدكر ،ولكن القرآن
قد يذكر املوت ال للتذكري فحسب بل ربام يقرن معه غايات أخرى ،ولنأخذ هذه األمثلة:
ﭽ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ [ق ،]43:ﭽ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ
ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ [الدخان ،]8:وهنا جاء للتذكري بقدرة اهلل الفعال ملا يريد.
ﭽﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ الواقع�ة ،ﭽ ﮋ
ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ [آل عم�ران ،]١٦٨ :وهنا جاء لتقرير
ضع�ف اإلنس�ان .ﭽ ...ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
ﯮ ﯯ ﭼ [األنعام ،]93:وهنا جاء نذير ًا للطغاة والظاملني.
ﭽ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﭼ [النس�اء ،]١٨ :ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ املؤمن�ون ،وهنا جاء لبيان
ندم اإلنسان العايص الغافل ساعة املوت .
ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ [آل عم�ران ،]١٤٥ :وهن�ا
ج�اء ليثب�ت أن امل�وت مقدر وله أج�ل معلوم ،وتصور كم س�تلقي ه�ذه العقيدة يف نفوس
أتباعها من جلد وشجاعة وإقدام ،حتى قال قائلهم:
155
��ق��در أم ي���وم َق ِ
���د ْر َ ي���و َم ال ُي أف��ر
ّ ِ
�����وت ي��وم��ي م��ن املَ
ّ أي
ّ
��ذر وم���ن املَ��ق��دور ال َينجو َ
احل� ِ ِ َ
ي����و َم ال ُي���ق���در ال أ ْرهَ ���ب���ه
((( ج�اء يف خمت�ار الصح�اح" :الربزخ :احلاجز بني الش�يئني ،وهو أيض ًا ما بني الدني�ا واآلخرة ،من وقت
املوت إىل البعث .فمن مات فقد دخل الربزخ" (ص.)48:
156
مل أجد يف القرآن من هذا شيئ ًا ،نعم ربام هناك إشارات ،كام يف قوله تعاىل :ﭽ ﮞ ﮟ
ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﭼ [غافر.]46:
فالعرض إذا كان قبل قيام الساعة فهو يف عامل الربزخ ،واهلل أعلم ،لكن تبقى احلقيقة أن
اهلل مل يفص�ل لن�ا تلك املرحلة ،ومل يطلعن�ا عىل جوانبها ،فلامذا؟ اهلل وح�ده هو الذي يعلم،
أساس�ا هو اإلعداد ليوم احلس�اب ترغيب ًا وترهيب ًا
ً ولكن أذا كان املقصود بذكر اليوم اآلخر
ف�إن تفصي�ل القرآن للجنة وم�ا فيها ،والنار وما فيه�ا ،مع التأكد بأن اإلنس�ان بعد موته ال
يمكن أن يرجع إىل الدنيا ،فبينه وبينها برزخ ،هذا يكفي ملن كان له لب ،واهلل أعلم.
-3أرشاط الساعة :الساعة حكم اهلل عليها بأن ال تأيت إال بغتة ،فقال:
ﭽ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ
ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭼ[األعراف ،]١٨٧ :ومع هذا فإن اهلل –تعاىل -برمحته قد جعل هلا
رشائط وعالمات ،قال سبحانه :ﭽ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﭼ
(((
[حممد ،]١٨ :فام هي أرشاط الساعة؟ أبرز ما ذكره القرآن من رشائط للساعة ما يأيت:
ال :ن�زول عيس�ى بن مري�م -عليه السلام : -لقوله تع�اىل :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ أو ً
ﭕ ﭖ ﭗ ﭼ [الزخ�رف ،]٦١ :وﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﭼ [النساء.]159:
ثاني� ًا :خ�روج يأج�وج ومأج�وج :ق�ال تع�اىل :ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮈﮉ ﮊﮋﮌﮍ ﮎﮏ ﮐﮑﮒ ﮓﮔ ﮕ
ﮖ ﭼ األنبي�اء.
ثالث� ًا :خروج داب�ة األرض تكلم الن�اس :ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ النمل.
رابع� ًا :يشير الق�رآن يف معرض تش�بيهه للحياة الدني�ا إىل عالمة من عالم�ات خراهبا،
�ن ُح َذ ْي َف َة ْب ِن َأ ِس ٍ
�يد ((( ولق�د فصل�ت الس�نة املطهرة أرشاط الس�اعة أكثر ولنأخذ ه�ذا احلديث فقطَ ،ع ْ
ال" :إِنهَّ َا�اع َةَ ،ق َ
الس َون» َقا ُلواَ :ن ْذ ُك ُر َّ الَ « :ما َت َذ َاك ُر َ اط َل َ�ع ال َّنبِ ُّي ﷺ َع َل ْينَا َو َن ْح ُن َنت ََذ َاك ُرَ ،ف َق َ الَّ : ا ْل ِغ َف�ا ِر ِّيَ ،ق َ
س ِم ْن َمغْ رِبهِ َ ا، الش ْ�م ِالَ ،والدَّ ا َّب َةَ ،و ُط ُلوعَ َّ انَ ،والدَّ َّج َ ات َ -ف َذ َك َر -الدُّ َخ َ وم َح َّتى َت َر ْو َن َق ْب َل َها َعشرْ َ آ َي ٍَل ْن َت ُق َ
�ف بِالمْ َشرْ ِ ِق، �وفَ :خ ْس ٌ وجَ ،وثَلاَ َث َة ُخ ُس ٍ �وج َو َم ْأ ُج َ اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّ�ل َمَ ،و َي َأ ُج َ �ن َم ْر َي َم َصلىَّ ُ يس�ى ا ْب ِ ول ِع َ َو ُن�زُ َ
اس إِلىَ محَ ْ شرَ ِ ِه ْم" �ر َذلِ َك َن ٌار تخَ ْ ُر ُج ِم َن ا ْل َي َم ِنَ ،ت ْط ُ
�ر ُد ال َّن َ آخ ُبَ ،و ِ �ف بِ َج ِز َير ِة ا ْل َع َر ِ
بَ ،و َخ ْس ٌ �ف بِالمْ َغْ ِر ِ
َو َخ ْس ٌ
(رشح صحيح مسلم للنووي.)28 -27 /18 :
157
فيق�ول :ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ
ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ
ﯿ ﭼ [يونس.]24:
ه�ذه العالمات يمر عليها القرآن رسيع ًا ،لكنها تكفي أويل األلباب ،فاألوىل واضحة يف
أن عيس�ى -عليه السلام -هو من أرشاط الس�اعة ،لكن أين هو اآلن ،وماذا يفعل ،وكيف
يأيت ،وماذا سيفعل بعد جميئه ،كل هذا مل يفصله القرآن ،اللهم إال ما جاء يف نفي قتله وصلبه،
وأن اهلل رفعه إليه :ﭽ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ...ﭼ النساء.
وش َك َّن َأ ْن
إال إن الس َّنة فصلت بعض اليشء ،ومن هذا قوله ﷺَ (( :وا َّل ِذي َن ْفسيِ بِ َي ِد ِهَ ،ل ُي ِ
يض جل ْز َي َةَ ،و َي ِف َ يبَ ،و َي ْق ُت َل ِ
اخل ْن ِز َيرَ ،و َي َض َع ا ِ الص ِل َ
يك ْم ا ْب ُن َم ْر َي َم َح َكماً ُم ْق ِس ًطاَ ،ف َي ْكسرِ َ َّ
َي ْن ِز َل ِف ُ
رصح بنزوله ،وإنه سيكون خليفة للمسلمني حيكم ال َي ْق َب َل ُه َأ َحدٌ ))((( ،واحلديث ُم ِّ ال َح َّتى َ املَ ُ
بينهم بالقسط.
وأم�ا الثاني�ة (خروج يأج�وج ومأجوج) فالق�رآن مل يصف لنا هؤالء الق�وم إال يف قوله
تع�اىل :ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
ﯦﯧﯨ ﯩ ﯪﯫﯬ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ ﯶﯷﯸ
ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ
ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﰝ ﰞ
ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ الكهف.
ه�ذه اآلي�ات تشير إىل حقائق كثيرة ،فيأجوج ومأجوج أق�وام عريقة ،وه�م جاهلون
مفسدون ،وأن ذا القرنني جعل أمامهم سد ًا ،وأن هذا السد س ُيدك يوم ًا ما ،ليموج البعض
يف البع�ض ،إيذان� ًا بقرب الوعد احلق ،وهذا ُيغني ،ولكن يبقى التس�اؤل الطبيعي :أين هم
وأي ش�عب يمثلون؟وهل هناك س�د اآلن حيول دون ش�عب من ش�عوب األرض؟ اآلن؟ ّ
ه�ذه األس�ئلة ال يمكن اإلجابة عنها أب�د ًا؛ ألنه غيب حمض ،والغي�ب ال يعلمه إال اهلل ،ومل
يأت عن اهلل ما جييب ،والسكوت أسلم وأحكم.
((( رواه مسلم :صحيح مسلم برشح النووي .190 -189 /2
158
وأم�ا الثالث�ة (خروج الدابة) فلم أجد القرآن حيدثنا بشيء أكثر من اآلية التي مرت ،ومل
أجد يف الصحاح ما يضيف عىل ما يف القرآن ،إال أن الطربي وابن كثري قد أخرجا عددا كبري ًا
من الروايات يف وصف هذه الدابة نختار منها هاتني الروايتني:
رواد بن اجلراح ،قال :حدثنا أيب ،قال :حدثنا األوىل :ق�ال ابن جرير“ :حدثنا عصام بن ّ
الثوري ،ق�ال :حدثنا منص�ور بن املعتمر ،ع�ن ربعي بن ح�راش ،قال: ّ س�فيان ب�ن س�عيد
س�معت ُحذيفة بن اليامن يقول :قال رسول اهلل ﷺ يقول :وذكر الدابة ،فقال ُحذيفة :قلت
وف يس�ى َي ُط ُ س�اج ِد ُح ْر َم ًة َعىل اهللَِ ،ب ْينَام ِع َ “م ْن َأ ْع َظ ِم املَ ِ يا رس�ول اهلل ،من أين خترج؟ قالِ :
الصفا ممَّا َييل الق ْنديلِ َ ،و َي ْن َش�ق َّ ض ْحتت َُه ْم ،تحُ َ ُّر َك ِ ون ،إ ْذ َت ْض َط ِر ُب ْ
األر ُ �ت َو َم َع ُه ا ُمل ْس ِ
�ل ُم َ بال َب ْي ِ
يش ،لمَ ْ ُيدْ ِر ْكها ات َو َب ٍر َو ِر ٍ رأ ُس�هاُ ،م َل َّم َع ٌة َذ ُ الصفاَّ ،أو ُل ما َيبدُ و ْ املَ ْس َ�عىَ ،وتخَ ْ ُر ُج الدَّ ا َّب ُة ِم َن َّ
ْ
وكاف ٌ�رَّ ،أما ا ُمل ْؤ ِم ُن َف َتترْ ُ َك َو ْج َه ُه َك َأ َّن ُه َك ْو َك ٌب
اس ُم ْؤ ِم ٌن ِ هاربَ ،ت ِس ُ�م ال َّن َ ٌ طالبَ ،و َل ْن َي ُفوتهَ ا ٌ
كاف ٌر)) .
((( الكافر َف َت ْن ُك ُت بنيَ َع ْين َْي ِه ُن ْكت ٌَة َس ْو َداء ِ ُِ ُد ّر ّي ،و َت ْك ُت ُب بنيَ َع ْين َْي ِه ُم ْؤ ِم ٌنَّ ،
وأما
الط َيالِسيِ ُّ َأ ْي ًض�اَ :حدَّ َثنَا حمَ َّ ُاد ْب ُن َس َ�ل َم َةَ ،ع ْن َعليِ ِّ ال َأ ُب�و َد ُاو َد َّ والثاني�ة :قال اب�ن كثريَ :ق َ
�ول اللهَّ ِ َصلىَّ اللهَّ ُ
ال َر ُس ُ الَ :ق َ �ن َأبيِ ُه َر ْي َر َةَ ،رضيِ َ اللهَّ ُ َع ْن ُهَ ،ق َ س ْب ِن َخالِ ٍدَ ،ع ْ �دَ ،ع ْن َأ ْو ِ �ن َز ْي ٍ ْب ِ
َع َلي ِه َو َس� َّلم (( :تخَ ْ ر ُج َدا َّب ُة َ
لام، الس ُ وس�ى َو َخا َت ُم ُس َ�ل ْيماَ َنَ ،ع َل ْي ِهماَ َّ ضَ ،و َم َع َها َع َصا ُم َ األ ْر ِ ُ َ ْ
ان �اس َعلىَ الخْ ُ َو ِ ْ�ف ا ْل َك ِاف ِر بِا ْل َع َص�ا ،وتجُ يل وجه املؤمن بِالخْ َ ا َت ِ�مَ ،ح َّتى يجَ ْ ت َِم َع ال َّن ُ �م َأن َ َفت َْخ ِط ُ
ُي ْع َر ُف المْ ُ ْؤ ِم ُن ِم َن ا ْل َك ِاف ِر))(((.
وأم�ا الرابعة :فهي وإن كانت إش�ارة إال أهنا إش�ارة واضحة بين�ة ،ال حتتاج إىل رشح أو
بيان ،وكأن الواقع اآلن يسقط متام ًا عىل هذه اآلية أو اآلية تسقط عليه ،فلقد أخذت األرض
زخرفها وازَّ َّينت وظن أهلها أهنم قادرون عليها!! نس�أل اهلل السلامة ،ولقد جاء من السنة
�اع ُة َح َّتى َي ْك ُث َر الس َ وم َّ ما يؤكد هذه اإلش�ارة ،فقد صح عن رس�ول اهلل ﷺ أنه قال (( :ال َت ُق ُ
ض اة َمالِ ِ�ه َفال يجَ ِدُ َأ َحدً ا َي ْق َب ُل َها ِم ْن ُ�هَ ،و َح َّتى َت ُعو َد َأ ْر ُ الر ُج ُل بِزَ َك ِي�ضَ ،ح َّتى يخَ ْ ُر َج َّ �ال َو َي ِف َ المْ َ ُ
ارا ))((( ،ومنه أيض ًا حديث جربيل املعروف ،وفيهَ (( :و َأ ْن َت َرى الحْ ُ َفا َة وجا َو َأنهْ َ ً ب ُم ُر ً ا ْل َع َر ِ
((( تفسري ابن جرير ،الطربي 15 /2 :وقد ذكر روايات كثرية عن الصحابة ريض اهلل عنهم تؤكد خروج
الدابة من الصفا .
((( تفسري ابن كثري .363 /3 :
((( رواه مسلم ،رشح النووي لصحيح مسلم.97 /7 :
159
((( رواه مس�لم ،رشح الن�ووي لصحي�ح مس�لم 158 /1 :ورواه البخ�اري وغريه بألف�اظ متقاربة انظر
املعجم املفهرس أللفاظ احلديث النبوي .274 /2
((( ويف هذه اآلية إشارة إىل قرب وقوع الساعة ،وال شك أن هذا املعنى مقصود لذاته من السياق واحلكمة
اس ِح َسابهُ ُ ْم] األنبياء،
منه واضحة ولكن ما معنى هذا القرب؟ الذي يؤكد القرآن أكثر من مرة[ :اقْترَ َ َب لِل َّن ِ
�اع ُة] القمر ...،يقول صاحب الظالل“ :والزمان يف احلس�اب اإلهلي غريه يف حساب البرش الس َ و [اقْترَ َ َب ِ
ت َّ
فق�د متر بني اقرتاب الس�اعة ووقوعها ماليني الس�نني أو القرون ،يراها البشر طويلة مديدة ،وهي عند اهلل
ومضة قصرية” (يف ظالل القرآن .)2294 /4
160
ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﰗ ﰘ
ﰙ ﭼ [األعراف.]187:
ﭽ ...ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ...ﭼ [األنعام.]31
نالح�ظ يف هذين اجلانبين التكامل املقصود الذي يدفع اإلنس�ان نحو العمل األفضل،
وإعمار األرض بمنه�ج اهلل ،فاإلعلان ع�ن حتمي�ة وق�وع القيام�ة وقرهبا يدفع اإلنس�ان
للخ�وف من املجهول أو من احلس�اب ،لكن ه�ذا اخلوف قد يتأجل إذا علم اإلنس�ان بيوم
وق�وع القيامة ،ولذا فجهالة اإلنس�ان باملوعد مع علمه بحتمي�ة الوقوع كالمها -أي اجلهل
والعلم -يقودان اإلنس�ان إىل اخلوف املستمر لألداء األحسن ،وهذا يؤكد حقيقة أن عقيدة
القرآن عقيدة عملية هادفة .
اجلان�ب الثال�ث :أهنا تب�دأ بالنفخة ،ولنقرأ ما ق�ال القرآن عن نفخة الس�اعة :ﭽ ﭮ ﭯ
ﭰﭱ ﭲ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿ
ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﭼ احلاق�ة .ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ
ال عن هذا الصور ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ...ﭼ [الزمر ،]68:ولكن القرآن ال يعطينا تفصي ً
وذاك النفخ ،لكن الظاهر أنه صوت الدمار أو جرس النهاية ،وحسه يف النفس واضح ،وإن
مل يتخيله الدماغ!!.
اجلان�ب الراب�ع :وصف اليوم ال�ذي هو هناية األي�ام :وقد أكثر القرآن من هذا وحش�د
لتكون صورة رهيبة لذلك اليوم ،وحس�بنا أن نضع أكفنا عىل قلوبنا ونرتلاملئات من آياته؛ ّ
يف خشوع:
ﭽﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﭼ
[املرسالت.]١٠ - ٧ :
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ التكوير.
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ االنفطار.
ﭽﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ الواقعة،
ﭽﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ
ﮀ ﮁ ﭼ الكهف.
161
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
ﭟﭠﭡ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭪﭫ
ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ احلج.
ﭽﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﭼ يس.
هذه الصور ال حتتاج إىل تفسري وتبيني ،إهنا شاخصة واضحة ،إهنا ال حتتاج إال إىل التأمل
والتدبري؛ لتفعل فعلها يف النفس والضمري ،فامذا حيس من تأمل هذه املقاطع وهذه اآليات؟!
ال ع�ن آيات احلاقة: لق�د تأمله�ا صاحب الظلال ،فامذا وجد؟ لنس�تمع إليه وهو حيدثنا أو ً
«اآلن وق�د اس�تعد احلس البرشي املحدود لتصور هول احلاق�ة غري املحدود ،اآلن وقد هتيأ
احل�س باس�تعراض هذه الصور املروع�ة الطاغية الرابية الغامرة ،فقد آن األوان الس�تكامل
العرض ،وهتيأ املوقف للوثبة الكربى :ﭽ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ...ﭼ ،فامذا نرى؟! نرى نوع ًا
من التناسق الفني العجيب بني احلاقة والقارعة والطاغية والعاتية والرابية والدكة الواحدة
والواقعة ..تناس�ق اللفظ واجلرس ،وتناس�ق املناظر التي ختيل للحس أهنا مجيع ًا ثائرة فائرة
ال وعرض ًا ،ومتلؤه هو ً
ال وروع ًا ،وهتزه من أعامقه هز ًا . طاغية غامرة تذرع احلس طو ً
ولن جيد مصور بارع اتساق ًا أعظم من اتساق الصيحة العالية الطاغية ،والريح الرصرص
العاتي�ة ،واألخذة القوي�ة الرابية ...والنفخة اهلائلة الواح�دة ،والدكة املحطمة املفردة وبني
الواقعة والسماء املنش�قة الواهية ..إهنا كلها من لون واحد ،وحجم واحد ،ونغمة واحدة،
وكلها تؤلف اللوحة الكربى ،وترسم اجلو العام الذي أراده القرآن» (((.ثم لننتقل إىل لوحة
ثانية،يرس�مها وه�و يتأمل اآليات األوىل من س�ورة االنفط�ار »:عودة إىل مش�اهد الطبيعة
اهلائلة املنقلبة يف اليوم العظيم ،السماء منفطرة منش�قة ،والكواك�ب مبعثرة منتثرة ،والبحار
فائض�ة متفجرة ،والقبور مبعثرة ،هول يف السماء واألرض ،وحرك�ة عنيفة يف الطبيعة ،فإذا
أفع�م احلس ،وتفتحت منافذ النفس ،أخذ الس�ياق يف إيقاظ الوج�دان لالتعاظ واالعتبار:
ﭽ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ ((( االنفطار.
- 5البع�ث :وهو اإلحياء بعد املوت ،وقد م�ر معنا كيف ناقش القرآن منكري البعث،
ولذا يكفي هنا أن نعلم أن عدد املرات التي كرر فيها القرآن لفظ «البعث» الذي هو اإلحياء
للحس�اب ومش�تقاته هو ( )31مرة ،عدا بقية اآليات التي جاء باسم «يوم اخلروج» مث ً
ال أو
غريه ،ولنتمعن اآلن يف بعض تلك اآليات:
ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﭼ
[التغابن.]7:
ﭽ ...ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ [األنعام.]36:
ﭽﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭼ [احلج.]7:
ﭽ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ...ﭼ [لقامن.]28:
غير أن الذي ينبغي التنبيه عليه هو أن البع�ث أيض ًا يكون بالنفخ ،فالنفخ إعالن املوت
اجلامعي ،والنفخ إعالن احلياة اجلامعية من جديد فهناك إذ ًا نفختان ،ولنقرأ:
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭼ [الزمر.]68:
ﭽﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ
ﯚﯛﯜ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥﯦ ﯧﯨ
ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﭼ يس.
وهك�ذا ربما يك�ون الف�زع يف البعث أش�د من الف�زع األول؛ ألن�ه يوم احلسرة والندم
العريض ،وانظر كيف صور القرآن حالة اإلنسان اخلائف الوجل يف تلك اللحظات:
ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽ ﭾ ﭼ املعارج.
-6احلشر واجلمع :فبع�د البعث حترش اخلالئ�ق ،وجتمع يف مكان واح�د ،وهو موقف
أره�ب م�ن الرهب وأش�د من الش�دة ،ولننظر يف هذه اآليات الكاش�فة عما جيري يف ذلك
اليوم:
ﭽﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭼ الكهف.
ﭽﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ
ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ [إبراهيم.]21:
ﭽﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭼ [مريم.]68:
163
ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ [مريم.]85:
ﭽﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭼ
[آل عمران.]9:
-7احلساب وامليزان والصحف :وكلها تعرب عن قضية واحدة هي احلساب العادل بوزن
أعامل اإلنسان التي ارتكبها يف الدنيا واملسجلة عليه يف الصحف ،ولنقرأ وصف القرآن هلذه
احلقيقة الرهيبة:
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ [آل عمران.]30:
ﭽ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ
ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ األعراف.
ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ
ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﭼ اإلرساء.
ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﭼ [األنبياء.]47:
ﭽﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﭼ التكوير.
وربام يش�هد مع الصحف جس�د اإلنس�ان نفس�ه ،أعضاؤه التي هبا عصى اهلل :ﭽ ﮠ
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ [يس.]65:
- 8اجل�زاء :فما بع�د احلس�اب إال اجل�زاء :ﭽ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ
ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭼ النجم.
وس�يكون الناس أصناف ًا كثرية ،فمنهم الس�ابقون ،ومنهم أهل اليمني ،ومنهم العصاة،
ومنهم الكافرون ،ولكن هؤالء مجيع ًا من حيث النتيجة هم إما يف اجلنة وإما يف النار ،فلنم ّتع
أسامعنا وأرواحنا ّأو ً
ال بذكر اجلنة وأوصافها:
اجلنة :حتدث القرآن عن اجلنة كثري ًا كثري ًا ،وهذا بعض من حديثه:
ﭽﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ
ﮓ ﮔ ﭼ [آل عمران.]136:
164
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ
ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭼ يس.
ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯪﯫﯬﯭﯮ
ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﭼ الزمر.
ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭ
ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ ﯝ ﭼ الدخ�ان.
ﭽ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮝﮞﮟﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ
ﮨﮩﮪﮫﮬ ﮭﮮﮯ ﮰ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ ﯙﯚﯛ
ﯜﯝﯞﯟ ﯠﯡﯢﯣ ﯤﯥﯦﯧ ﯨﯩﯪﯫ ﯬﯭﯮ
ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ
ﰁ ﰂ ﰃ ﭼ اإلنسان.
وبع�د ه�ذا العرض الش�يق لنعيم اجلنة ،يعرض الق�رآن لنوع آخر من أن�واع النعيم ،إنه
نعيم الس�مر مع اإلخوان واألحباب وذكريات املايض ،يا هل�ا من حلظات! ،..يقول القرآن
متمما ص�ورة النعي�م األب�دي :ﭽ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ً
ﰔﰕﰖ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭜﭝﭞﭟ
ﭠ ﭡﭢﭣﭤﭥﭦ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯﭰﭱ
ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﭼ الصافات.
يقول س�يد قطب-رمحة اهلل -معلق ًا عىل هذه اآلي�ات« :فنرى عباد اهلل املخلصني هؤالء
بس�م ٍر ه�ادئ ،يتذاكرون فيه املايض واحلارض ...بع�د ما يرست هلم كل هذه املتع ،ينعمون َ
وها هو ذا أحدهم يستعيد ماضيه ،ويقص عىل إخوانه طرف ًا مما وقع له ،لقد كان له صاحب
ٍ
م�اض يف قصته خيطر له أن يتفقد يك�ذب باليوم اآلخر ،وكان حياوره ويس�ائله ...وبينام هو
صاحبه هذا ليعرف مصريه ...فهو يقف ليتطلع ويوجه نظر إخوانه إىل حيث يتطلع ..عندئذ
165
يرتك إخوانه ،ويتوجه إىل صاحبه الذي وجده يف وس�ط اجلحيم ،يتوجه إليه ليقول :يا هذا
أن اهلل قد أنعم ع ّ
يل فلم أستمع إليك»(((. لقد كدت توردين موارد الردى بوسوساتك لوال َّ
ثم تكتمل الصورة أكثر بمشهد له أكثر من معنى ومغزى :ﭽ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ
ﰖ ﰗ ﭑ ﭒ ﭓ ﭼ املطففني.
اللهم ال حترمنا اجلنة وال حترمنا فيها من النظر إىل وجهك الكريم.
النار :وحتدث القرآن عن النار كثري ًا كحديثه عن اجلنة ،وهذا بعض حديثه:
ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ
ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ
ﮰ ﮱ ﭼ الزمر.
ﭽ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ
ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ
ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﭼ [فاطر.]٣٧ – ٣٦ :
ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘﮙﮚﮛﮜ ﮝﮞ ﮟﮠﮡ ﮢﮣﮤﮥﮦﮧ
ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ غافر.
ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ امللك.
ي�ا لطي�ف من ه�ذه الص�ور القامتة البائس�ة :زمر إىل جهن�م ،وتأني�ب وتقريع ،ورصاخ
وحرسة وندم ،وأغالل وسالسل ،وسحب وسجر ،ثم ماذا؟ جهنم كأهنا خملوقة حية حتس
وتش�عر ،وتغتاظ وحتقد عىل هؤالء املس�اكني التعس�اء!! « تكظم غيظها فرتتفع أنفاس�ها يف
ش�هيق وتف�ور ،ويمأل جوانبه�ا الغيظ فتكاد تتم�زق من الغيظ الكظي�م ،وهي تنطوي عىل
بغض وكره يبلغ إىل حد الغيظ واحلنق عىل الكافرين»(((.
وال تكفي هذه الصور((( حتى يعرض القرآن صورة أخرى ،صورة واخزة مؤملة:
ﭽﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ
ﯾﯿ ﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ ﭑﭒﭓ
ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲﭳ
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭼ سبأ.
ومل�ا مل ينف�ع ه�ذا اخلصام واجل�دال توجه الضعف�اء إىل رهبم بام يش�به االعتذار :ﭽﮂ
ﮃ ﮄﮅﮆ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎ ﮏﮐ
ﮑ ﭼ [األح�زاب ،]٦٨ - ٦٧ :وقال�وا ل�ه :ﭽ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ
ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ [املؤمن�ون ،]١٠٧ – ١٠٦ :فيأيت
الرد حاس ًام رسيع ًا :ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ [املؤمنون ،]١٠٨ :اهلل أكرب ،أي عذاب
ه�ذا؟!! فرمحتك يا رب! ،..ثم م�اذا؟ يأس ال مثيل له ،يأس يدفعهم إىل طلب املوت ،إهنم
هنا يشتاقون إليه!! يا للهول!!.
ﭽ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭼ [الزخ�رف ،]77:الله�م أعذن�ا من
عذابك وحجابك وغضبك.
وبع�د ذكر اجلنة والنار ال بأس بالتعريج على موضع يف اآلخرة بني اجلنة والنار ،حتدث
عنه القرآن يف س�ورة واحدة ،وس�ميت السورة باس�مه (األعراف) ،يقول القرآن بعد ذكره
أله�ل اجلنة والن�ار :ﭽ ﭻ ﭼﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﭼ األع�راف ،والن�ص واض�ح يف التعريف بامل�كان ،إنه مرشف عىل
ال يعرف�ون الفريقني ،لكن من هؤالء الرج�ال؟ مل حيدد القرآناجلن�ة والن�ار ،وأن عليه رجا ً
هويته�م؟ ومل أجد من الس�نة حديث� ًا يرقى إىل درجة الصحيح يبني ح�ال هؤالء ،إال أن ابن
كثير -رمح�ه اهلل -م�ع ما مجع م�ن األحادي�ث الغريبة ونحوها ق�ال« :واختلف�ت عبارات
املفرسي�ن يف أصحاب األعراف من هم؟ وكلها قريبة ترجع إىل معنى واحد ،وهو أهنم قوم
((( لقد اهتم كثري من الكتاب بعرض الصور وترتيبها بحسب تسلسلها يف النصوص القرآنية واألحاديث
الصحيحة ،وممن أجاد يف هذا :عبد امللك عيل كليب ،انظر :كتابه «أهوال القيامة».120-107
167
اس�توت حس�ناهتم وس�يئاهتم ،نص عليه حذيفة وابن عباس وابن مس�عود وغري واحد من
الس�لف واخللف رمحهم اهلل((( ،وقصد ابن كثري هنا األغلب ،إذ أورد نفس�ه بعد هذا أقوا ً
ال
ملفرسين من السلف واخللف ختالف هذا القول ،واهلل أعلم ،ولو كان يف حتديد هويتهم نفع
لنا جلاء يف القرآن ،وربام كان اإلهبام مقصود ًا ،وذكرهم هنا ال ليطلعنا اهلل عىل هويتهم ،وإنام
ذكرهم الستكامل صورة النعيم والعذاب ،واحلوار الدائر بني أهل اجلنة وأهل النار(((.
-9الش�فاعة :جي�در بن�ا أن ُندخل هذه املس�ألة ضمن ه�ذا البحث ،ال س�يام بعد ورود
اخلالف فيها بني املتكلمني ،فام حقيقة الش�فاعة يف القرآن؟ وما مدى اهتامم القرآن هبا؟ وما
موقعها يف عقيدة املسلمني؟ سنحاول اإلجابة عىل كل هذا من خالل النقاط التالية:
أ -حتدث القرآن عن “الش�فاعة” التي كانت قرينة الرشك ،أو باألجدر مس�تند الرشك،
حي�ث كان�ت فلس�فة الرشك قائم�ة عىل أس�اس “الوس�طاء والش�فعاء” :ﭽ...ﮐ ﮑ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ [الزم�ر ،]٣ :وق�د حت�دث القرآن عن إبطال هذه الش�فاعة هبذه
اآليات:
ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﭼ
[الزمر.]٤٣ :
ﭽ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ
ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ
ﰏ ﭼ [األنعام. ]٩٤ :
ﭽﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ
ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ
ﯡ ﭼ [يونس.] ١٨ :
وبع�د هذا حكم القرآن عىل هذه الش�فاعة بأهنا النتف�ع :ﭽ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﭼ [يس.]٢٣ :
ويص�ف الق�رآن حال املرشكين واضطراهبم ،فهم هن�اك يس�قط بأيدهيم،فيبحثون عن
شفعاء يشفعون هلم ،وانظر كيف يصور القرآن حالتهم:
ﭽ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﭼ [األعراف.] ٥٣ :
ب -نف�ى الق�رآن الكري�م بنح�و( )10آي�ات وج�ود الش�فاعة يف اليوم اآلخ�ر ،وهذه
بعضها:
ﭽﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ...ﭼ [البقرة.]٤٨ :
ﭽﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ
ﰂ ﭼ [البقرة. ]٤٨ :
ﭽﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ ...ﭼ [البقرة.]٢٥٤ :
ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ...ﭼ
[األنعام. ]٥١ :
ﭽ ...ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭼ
[األنعام.]٧٠ :
ﭽﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﭼ [الشعراء.]١٠٠ – ٩٩ :
ج -أثبت القرآن الش�فاعة لبعض خلقه بنطاق ضيق وحمدود ،وعىل س�بيل االستثناء يف
نحو( )8آيات ،وهذه أمثلة منها:
ﭽ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
ﭯ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭹﭺﭻﭼﭽ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﭼ [األنبياء.]٢٨ – ٢٧ :
ﭽﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ [مريم.]٨٧ :
ﭽﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ [طه]١٠٩ :
ﭽﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ
ﰗ ﭼ [النجم.]٢٦ :
169
ال يب�دو غموض كبري يف هذا التعارض الظاه�ري بني النصوص ،فليس يف آيات إثبات
الش�فاعة آي�ة إال وهي مرتبط�ة بالنفي املتق�دم واالس�تثناء العقيب ،واالس�تثناء ختصيص،
ومعنى هذا أن النفي هو األصل وهو األغلب ،واإلثبات اس�تثناء وختصيص ،لكن القرآن
مل يبني لنا أصناف الش�فعاء ،وال أصناف املش�فع هلم إال بطري�ق اإلمجال ،ولذا فمن املمكن
ال :ما هي الذن�وب التي من املمكن أن يش�فع فيها أن يس�أل اإلنس�ان وه�و أكثر يشء ج�د ً
الش�فعاء؟ أو هل الشفاعة ألهل احلس�اب لإلرساع يف حساهبم ،أم ألهل النار إلخراجهم،
أم ألهل اجلنة إلعالء منازهلم؟
الذي يظهر أن القرآن هدف إىل قضية عملية ،فقد أراد من عبدة األحجار أن يفكروا أن
ه�ذه األحج�ار لن تنفعه�م يف الدنيا ،ولن تنفعهم يف اآلخرة ،وأراد م�ن املؤمنني أن يعملوا
وجيدوا ،فاألصل :أن ال ش�فاعة ،ب�ل ﭽ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﭼ [النجم .]٣٩ :ثم
يتلطف القرآن هبم ليدفعهم إىل العمل واجلد أيض ًا ،ولكن بطريق الرتغيب فيأيت االس�تثناء
بتحفظ ليحافظ املؤمن عىل املوازنة املطلوبة.
ث�م ال يغي�ب ع�ن املتأم�ل ذلك ال�ود ال�ذي يعقده الق�رآن بين املؤمنني وبين أولئك
أن حممد ًا ﷺ الذيالصف�وة ،إن�ه ود يقود إىل احلياء م�ن خمالفتهم أو التنحي عن ركبه�مّ ،
س�ينادي غد ًا( :يا َر ّب ُأ َّمتي) ((( س�تحبه أنت اآلن من أعامق قلبك ،وسيقودك هذا احلب
إىل اإلتباع حت ًام .من كل هذا يتبني أن موضوع الش�فاعة جاء يف القرآن بقدر ما يثمر عم ً
ال
ً
صاحل�ا ،واهلل أعل�م.
((( أورد البخ�اري يف صحيح�ه عن النبي ﷺ أنه قال -من حديث طويلَ (( :-ف َأ ْس�ت َْأ ِذ ُن َعلىَ َربيِّ َ ،ف ُي ْؤ َذ ُن
ولَ :يا محُ ََّمدُ ْار َف ْع اجدً اَ ،ف َي ُق ُ اآلنَ ،ف َأحمْ َ دُ ُه بِتِ ْل َك املَ َح ِ
ام ِدَ ،و َأ ِخ ُّر َل ُه َس ِ َ َامدَ َأحمْ َ دُ ُه بهِ َ ا َ
ال تحَ ْ ضرُ ُ نيِ ليِ َ ،و ُي ْل ِه ُمنِي محَ ِ
ول :ان َْط ِلقْ َف َأ ْخ ِر ْج ِم ْن َها ولَ :يا َر ِّبُ ،أ َّمتِي ُأ َّمتِيَ ،ف َي ُق ُاش َف ْع ت َُش َّف ْعَ ،ف َأ ُق ُ
َر ْأ َس َكَ ،و ُق ْل ُي ْس َم ْع َل َكَ ،و َس ْل ت ُْع َطَ ،و ْ
ري ٍة ِم ْن إِيماَ ٍنَ ،ف َأن َْط ِل ُق َف َأ ْف َع ُل ( ))...،فتح الباري ) ،473/13 :اللهم فشفع فينا ال َش ِع َ ان فيِ َق ْلبِ ِه ِم ْث َق ُ
َم ْن َك َ
نبينا ،وأدخلنا معه جنتك.
170
171
املبحث الثاين
املالئكة
املالئك�ة ع�امل آخر غري العامل البرشي ،فلماذا حيدثنا عنهم القرآن الكريم؟ هبذا الس�ؤال
ُي َقدَّ م هذا املبحث لقارئه ،ذاك ألننا أكدنا دائ ًام عىل أن العقيدة القرآنية عقيدة عملية ،ال ينتج
عن فهمها واإليامن هبا إال ما ينفع املسلم يف دنياه وآخرته ،ولذا فمن خالل العرض املوجز
للموض�وع ه�ذا يف القرآن الكريم ،س�يبينّ أن القرآن لن خيرج عن منهج�ه العام يف العقيدة
ولنر هذا املنهج من خالل النقاط التالية:
-1ذك�ر القرآن "املالئكة" هبذا اللف�ظ ،أو باملفرد ،أو املثنى نحو( )88مرة ،وحينام نرى
اآلي�ات الت�ي وردت فيها ه�ذه األلفاظ نتأك�د أن الق�رآن مل حيدثنا عن املالئكة س�دى وال
للترصف الفكري ،فلنتسلسل مع النقاط.
-2حت�دث الق�رآن عن اإليامن باملالئكة ( )3مرات فقط ،كما يف قوله تعاىل :ﭽ ...ﭚ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭼ [البقرة.]١٧٧ :
-3حت�دث الق�رآن ع�ن قضي�ة اخلل�ق األوىل ،أي خلق آدم ،ي�وم أن مل يكن م�ع آدم إال
املالئك�ة ،حت�دث عنهم القرآن بنح�و ( )11مرة ،وكلها جاءت لتكريم اإلنس�ان ،واإليذان
بخط�ورة مهمته على هذه األرض ،ولنق�رأ هذه اآلية فق�ط :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ
ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ
ﭶﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭾﭿﮀ ﮁﮂﮃﮄ
ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮡﮢﮣ ﮤﮥﮦ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﭼ [البقرة.] ٣٤ - ٣٠ :
-4وحت�دث الق�رآن ع�ن أن املالئك�ة ليس�وا آهلة ،ب�ل هم يؤمن�ون باهلل ويس�جدون له
ويعبدون�ه ،فلا جتوز عبادهتم أبد ًا ،وج�اء ذكر املالئكة يف هذا املوض�وع بنحو ( )9مرات،
وه�ذه بع�ض األمثل�ة :ﭽ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘ ﮙ ﭼ [آل عمران.]٨٠ :
172
الطغاة أكثر نفري ًا فان املؤمن معه أصدقاء أش�داء ال يعصون اهلل ما أمرهم ،وقد ذكر القرآن
املالئكة هلذا الغرض بنحو ( )7مرات ،ولنقرأ هذه األمثلة:
ﭽﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ
ﮛ ﮜ ﭼ [ آل عمران.]١٢٦ - ١٢٤ :
ليس هذا فقط بل هم يدعون للمؤمنني ،ويصلون عليهم ،ويستغفرون هلم ولنقرأ:
ﭽ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ...ﭼ
[األحزاب]٤٣ :
ﭽﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ﯞﯟﯠﯡﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦﯧﯨﯩ ﯪ ﯫ
ﯬ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ
ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ
ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭼ [ غافر] ٩ – ٧ :
-7ذكر بعض األعامل التي يقوم هبا املالئكة يف الدنيا والتي هلا عالقة باإلنسان ومهمته،
وجاء ذكر املالئكة هلذا الغرض بنحو ( )15مرة ومنه:
أ -الوح�ي عن طري�ق املل�ك :ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ
ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭼ [النحل.]٢ :
ب -تس�جيل األعامل التي يقوم هبا اإلنس�ان خري ًا أو رش ًا :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ
ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭼ [ق.]١٨ – ١٦ :
ج -قب�ض األرواح عن�د امل�وت :ﭽ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ
ﰅ ﰆ ﭼ [الس�جدة ،]١١ :وﭽﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ
ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﭼ [األنعام.]٩٣:
-8ذك�ر دوره�م يف اآلخرة ،وق�د جاء لفظ "املالئك�ة" هلذا الغرض بنح�و ( )13مرة،
وللقرآن غاية واضحة من إخبارنا بذلك ،ولننظر يف هذه النامذج الثالثة التي يقدمها القرآن
174
القرآن االس�تدالل عىل وجود املالئكة ومناقش�ة املنكرين ونحو ه�ذا ،ربام ألنه ال يوجد يف
املجتم�ع الذي نزل فيه القرآن من ينك�ر املالئكة ،فاملرشكون يؤمنون باملالئكة((( ،ولكن قد
يكون منهج القرآن ذا مدى أبعد ،إذ من املمكن القول :إن اإليامن بوجود املالئكة ال قيمة له
إن مل يس�بقه إيامن باهلل ورس�وله وكتابه ،إذا صح اإليامن باهلل والرسول والكتاب فإن اإليامن
باملالئكة حتصيل حاصل ،ولذا كرس القرآن أدلته إلثبات تلك األصول ،لقد رأينا إسهاب
الق�رآن يف إثبات وحدانية اهلل وصدق رس�وله وإعجاز كتابه ،فه�ذه هي القنطرة ،فمن آمن
هب�ذا آم�ن بكل م�ا ورد يف كتاب اهلل بالرضورة ،ومن مل يؤمن هبذا فلا داعي ملحاولة إقناعه
بأخب�ار وردت يف الكت�اب ،إذ ال قيم�ة إلقناع ه�ؤالء باملالئكة ،وال بعفريت س�ليامن ،وال
بعصا موسى ..الخ ،وهذا املنهج ينبغي مالحظته ونحن نواجه الفلسفات احلديثة.
إىل قدرة اهلل تعاىل ،ومل يفصل لنا القرآن عن هذه األجنحة أي يشء .
((( ب�ل يذهب الش�يخ س�عيد النوريس -رمح�ة اهلل – إىل أبعد من هذا ،فيقرر اإلمج�اع عىل وجود املالئكة،
فيق�ول حت�ت عن�وان (اإلمج�اع الضمن�ي عىل حقيق�ة املالئك�ة)« :يمكن الق�ول بأن هن�اك إمجاع� ًا ضمني ًا
-م�ع تباي�ن التعبري -عىل وجود حقيق�ة املالئكة ..فلم ينكر معنى املالئكة حتى املش�اؤون من الفالس�فة
اإلرشاقيين الذي�ن أوغل�وا يف املاديات إذ عبروا عن معنى املالئك�ة بقوهلم :إن هناك ماهي�ة جمردة روحية
ل�كل ن�وع .واآلخرون من اإلرشاقيني عندما اضطروا لقبول معنى املالئكة أطلقوا عليها -خطأ – العقول
العرشة وأرباب األنواع» ( املالئكة ص.)20:
176
177
املبحث الثالث
اجلن
اجل�ن عامل غيبي آخر ،وربام يس�تعدي اإلخبار عنهم الس�ؤال نفس�ه ال�ذي واجهنا عند
حديثن�ا عن املالئكة ،ملاذا خيربنا القرآن عن اجلن؟ وما وجه احلاجة إىل هذا وعقيدتنا عقيدة
عملية ميدانية؟!! وقبل اإلجابة حيسن بنا تقسيم هذا املبحث إىل قسمني وكاآليت:
((( واختلف املفرسون يف النسب هنا ،فقال بعضهم :إن املرشكني زعموا أن املالئكة بنات اهلل وأن أمهات
املالئك�ة م�ن اجلن!! وروي عن ابن عباس يف تفسيره لآلية أنه قال »:زعم أع�داء اهلل أنه تبارك وتعاىل هو
وإبليس أخوان!!!» ( تفسري ابن كثري.)24/4:
((( بإس�هاب حت�دث األس�تاذ حممد ع�زة دروزة عن حاجة اإلنس�ان الس�يام يف ذلك الزم�ان إىل فهم اجلن،
وتصحيح كثري من املفاهيم التي كانت سائدة يف هذا املضامر ،انظر« :القرآن وامللحدون» ص. 210 -203
180
أردن�ا أن نقف بعض اليشء عن قصته مع أبينا ،فإنا س�نجد الق�رآن يعرض حقائق كبرية ال
ال القصة ،ومن موضع واحد يف القرآن يمكن البن آدم إال أن يقف عليها ويتأملها ،وهذه أو ً
الكريم :ﭽ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ
ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ
ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭵ
ﭶ ﭷﭸﭹ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ ﮂﮃﮄﮅﮆ
ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ [األعراف.]١٨ – ١١ :
هذه القصة املتكررة هي التي تكرر معها ذكر إبليس( )9مرات من أصل( )11مرة يذكر
اس�مه يف الق�رآن ،ولع�ل املرتين الباقيتني ال تبتعدان عن ه�ذه القصة ،فالعه�د الذي قطعه
إبلي�س عىل نفس�ه يف غوايته لبن�ي آدم نفذه ،قال اهلل عن�ه :ﭽ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﭼ [سبأ.]٢٠ :
ووىف اهلل تعاىل بوعيده أيضا ،فقال :ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﭼ
[الشعراء. ]٩٥ - ٩٤ :
ويف غير ه�ذه املواض�ع مل يذكر القرآن اس�م “إبلي�س” ،فإبليس إذ ًا يمث�ل حقيقة هائلة
بالنسبة لإلنسان ،إنه مشعل فتيل احلرب التي كتب اهلل علينا أن نخوضها عىل هذه األرض،
وأنه سيكس�ب يف معركته هذه جنود ًا ،وأن املعركة ستزداد حدة ورضاوة ،هلذه احلقيقة جاء
ذك�ر إبلي�س ،إنه مل يتحدث عنه ليشء آخ�ر ،وهكذا تتأكد جدية العقي�دة القرآنية يف الواقع
امليداين.
والقرآن يشري إىل أصل الفتنة ...إنه “التكرب” ،وكأنه يريد أن حيذر بني آدم مرتني :األوىل:
أن ال يتكربوا فهذه خطورة الكربياء الباطل ،والثانية :أن الطغاة املتكربين هم تالميذ إبليس
وجنوده.
ويشري أيض ًا إىل أن الطبيعة التي أنتجت الكرب واخلطيئة هي ليست طبيعة مالئكية ،وإنام
هي طبيعة كثرية الش�به بطبيعة اإلنس�ان ،إن إبليس من اجلن((( ،قال القرآن يف هذا املوضع:
ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ وقال يف موضع آخر :ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ...ﭼ ،وقد مر
((( وهذه االلتفاتة س�بقنا إليها الدكتور فاضل الس�امرائي ،ونقدم للقارئ الكريم قطعة من كالمه «أفلم
تقرأ اإلحصاءات األخرى يف كتاب اهلل العزيز لرتى العجب؟! لقد تبني أنه مل توضع األلفاظ عبث ًا وال من
غري حس�اب بل هي موضوعة وضع ًا دقيق ًا بحس�اب دقيق ،دقيق ،لقد تبني :أن «الدنيا» تكررت يف القرآن
الكري�م بقدر «اآلخرة» ،فق�د تكرر كل منها ( )115مرة ،وأن «املالئكة» تكررت بقدر «الش�ياطني» ،فقد
تك�رر كل منهام ( )145مرة ،وهل املوت إال لإلحياء ،وأن «الصيف واحلر» تكررا بقدر «الش�تاء والربد»،
فقد تكرر كل منهام ( )5مرات ،وأن لفظ «الس�يئات» ومش�تقاهتا تكرر بقدر «الصاحلات» ومشتقاهتا ،فقد
تك�رر كل منهما ( )167مرة ..وتكرر لفظ «كفر ًا» بقدر لفظ «إيامن ًا» ،فقد تكرر كل منهام ( )8مرات ،وأنه
تك�رر لف�ظ «إبليس» بقدر لفظ «االس�تعاذة» ،فقد تك�رر كل منهام ( )11مرة ..وأن لفظ «الش�هر» تكرر
( )12مرة بعدد شهور السنة» ( التعبري القرآين ص. )16 ،15
182
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ
ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ [إبراهي�م ، ]٢٢ :الله�م أعذن�ا م�ن الش�يطان وال ختزنا
ي�وم يبعث�ون .
ويف ختام هذا املبحث أود التنبيه إىل أن اهتامم ًا غري معتاد طرأ حديث ًا حول مسألة “اجلن”
وعالقته�م باإلنس�ان ،وال أدري بالضب�ط الدواف�ع احلقيقية ،ولكني أدعو إىل دراس�ة هذه
انجروا وراءها،الظاهرة الواس�عة دراس�ة جادة ،الس�يام أين رأيت كثري ًا من أهل العلم ق�د ّ
ال عىل هذا عرشات الكتب التي ألفت يف هذا املوضوع ،مثل كتاب “حوار صحفي وخذ مث ً
مع جني مس�لم” يدّ عي فيه املؤلف أنه قابل واحد ًا من اجلن ،وأنه أجرى معه حوار ًا طوي ً
ال
واس�تطاع م�ن خالل احلوار أن يكش�ف حقائق هامة ،منها أرسار مثل�ث برمودا الذي حيرّ
الن�اس حيث اكتش�ف هذا أن املثلث عب�ارة عن عرش إبليس األكبر(((!!! ثم يطالعنا آخر
بعنوان “العالج الرمحاين للس�حر واملس الشيطاين” ،ثم يصدر الشيخ عبد العزيز القحطاين
كتابه املوس�وم “طريق اهلداية يف درء خماطر اجلن والش�ياطني” ،ثم الش�يخ عبد السالم عبد
الواح�د يف كتاب�ه “ ع�امل اجلن والش�يطان” ،وغري ه�ذا كثير((( ،هذا باإلضاف�ة إىل أرشطة
التسجيل التي تتحدث عن هذا املوضوع بل منها ما يسجل حوار ًا بني أحد الشيوخ واجلني
الداخل يف جس�د إنس�ان آخر ،ولقد س�معت رشيط ًا تتحدث فيه امرأة تدعي أهنا من اجلن
واسمها “مرجانة” ،وفتحت كثري ًا من عيادات االستطباب من املس.
إن هذا املوضوع جدير بالدراس�ة ،ولس�ت أريد هنا إال اإلش�ارة إىل أن هذه املساحة من
االهتمام ال تتناس�ب مع املنهج القرآين ،فالقرآن مل يتح�دث عن اجلن من هذا املنظار ،اللهم
إال يف آي�ة واحدة ج�اءت يف مع�رض التش�بيه :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭼ [البقرة.]٢٧٥ :
ث�م أمامنا سيرة الس�لف الصالح ريض اهلل عنه�م ،والتابعني هلم بإحس�ان ،نعم قد ترد
ال ،أما هبذا الكم امللفت للنظر فهذا غري طبيعي،حادث�ة واح�دة يف اجليل الواحد أو أكثر قلي ً
وال ري�ب أن ه�ذا يتع�ارض م�ع ق�ول اهلل تع�اىل :ﭽ ...ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﭼ
[النس�اء ، ]٧٦ :فإذا كان الش�يطان باس�تطاعته أن يدخل يف أجس�اد اآلالف من املس�لمني
ويغري نمط تفكريهم وخيلط األوراق عليهم فأي قوي يس�تطيع ذلك؟!!! ثم انظر إىل قوله
تع�اىل حاكي ًا مقولة الش�يطان ي�وم القيام�ة :ﭽ ...ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ ﮣﭼ [إبراهي�م ،]٢٢ :و «إال» بع�د «ما» تفيد احلرص ،فالش�يطان يملك الدعوة
والتزيين والوسوس�ة ،أم�ا أنه يمل�ك أن يترصف ب�إرادة اآلالف من البرش فه�ذا بعيد عن
حكم�ة اهلل ،ولي�س معنى هذا إن�كار املس ولكن لو وقع فإنه ليس هب�ذه الكثرة املريبة ،وإن
القضية ما زالت دعوة للدراسة ال غري ،واهلل أعلم ،أما تصديق اجلان حني خيرب عن أشياء يف
عامل الغيب أو عامل الش�هادة فهو باطل ،وقد أثار كثري ًا من املش�اكل االجتامعية ،واتهُّ م أناس
بالس�حر والرسقة والقتل بنا ًء عىل نطق اجلان أثناء عملية املعاجلة ،وهذا كله ليس من رشع
اهلل يف يشء .
اخلامتــة
ويف ختام هذا املجهود ،بو ّدي أن أقدم هذه اخلامتة التي تتضمن خالصة خمترصة مع أهم
االستنتاجات ،ومن خالل املحورين اآلتيني:
اإلنسان لغري وحي اهلل ،متناسبة مع وظيفة اإلنسان وإمكانياته العقلية والنفسية ،فلم حتدّ ث
اإلنسان إال بام يصلحه وينفعه يف دنياه وآخره.
ثالث ًا :ولقد أثمرت عقيدة القرآن إنس�ان ًا س�وي ًا ،تفجرت فيه الطاق�ات الكامنة ،فكانت
حضارة اإلسالم ودولته الكبرية العظيمة.
رابع� ًا :إال أن حدي�ث الق�رآن عن الغيب كان ال بد أن يكون بلغة اإلنس�ان التي يتعامل
معه�ا يف عامل الش�هادة لكي يفهمها ،لكن ه�ل وضعت هذه اللغة لتعرب ع�ن عامل الغيب؟!
بمعنى هل س�تعرب لغة الش�هادة عن حقائق الغيب والتعبري الصادق املس�تقيم الذي ال يثري
ال واحد ًا :قوله تعاىل عن اجلنة :ﭽ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ أي إشكال أو اشتباه؟! لنأخذ مثا ً
ﮇﮈﮉﮊ ﮋﮌﮍﮎ ﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﭼ [الواقع�ة ، ]٣٣ – ٢٧ :فه�ل ه�ذا كل�ه حقيقة؟ أي هل
ه�ذا م�ا نعرفه يف الدني�ا؟ لقد ورد عن ابن عب�اس ريض اهلل عنهام أن�ه كان يقول“ :ليس يف
الدنيا يشء مما يف اجلنة إال األسامء”(((!!! إذ ًا فالسدر ليس هو هذا السدر الذي نعرفه ،ولكن
ملاذا يسميه اهلل سدر ًا إذا مل يكن هو هو؟ إن اهلل لو سامه لنا باسم آخر فهل سيحصل الرتغيب
باجلن�ة وثامرها(((؟! إن اإلنس�ان ال يرغب إال ما ألفه م�ن النعيم واللذة ،وهلذا جاءت آيات
الرتغي�ب كله�ا مألوفة لديه ،إذ ًا فاإلنس�ان ال يفه�م إال لغته ،وحديث الق�رآن عن جوانب
العقي�دة كله�ا جاء بلغته املألوف�ة لكن لتعرب عن حقائق غيبية ليس�ت مألوف�ة وال معروفة،
فكان البد أن حيدث اإلشكال يف الفهم والتفسري.
إال أن القرآن عصم اجليل األول من االنزالق يف هذه املتاهة بمنهج القرآن العميل الذي
ق�اد ذلك اجلي�ل إىل ميادين اجلهاد والب�ذل والعطاء ،فكانت الرتبية القرآنية تدفع اإلنس�ان
ألداء وظيفت�ه بالص�ورة ألجد واألكمل ،آخ�ذ ًا من نصوص العقيدة املعن�ى املتعلق بالغاية
والوظيفة ،مبتعد ًا عن معاين الغيب املطلق الذي ال عالقة له بميادين العمل .
ﭽﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ
ﭸﭼ الش�مس ،والقرآن ينس�ب الفعل لفاعله طاعة أو معصي�ة ،ومل يتطرق القرآن إىل
تلك األسئلة احلرجة التي تريد أن تكشف وجه العالقة بني إرادة اهلل املطلقة وإرادة اإلنسان
يف تنفيذ األمر ،ألن هذا-،لو صدق اإلنسان مع نفسه -ال قيمة له يف ميدان العمل!!.
ثانيا :يف موضوع «النبوات» بحث القرآن املسائل اآلتية:
-1أمهي�ة وج�ود األنبياء والرس�ل -عليهم الصالة والسلام ،-وبني الق�رآن أمهيتهم
م�ن خالل مؤرشات كثرية ،منها ربط اإليامن هب�م باإليامن باهلل -تبارك وتعاىل ،-ومنها كرب
املس�احة التي اقتطعها مبحث النبوات من جممل آيات القرآن الكريم ،ومنها إنذار املكذبني
هلم بالعقاب الشديد يف الدنيا واآلخرة.
فص�ل الق�رآن صفاهتم املتعلق�ة بوظيفته�م الرئيس�ية ،كالصدق والتبلي�غ واألمانة ّ -2
واحلكمة وحس�ن القيادة ولني اجلانب والش�جاعة ،ولكي ال يذهب املغالون هبذه الصفات
بعي�د ًا فيخلط�وا بني مق�ام العبد ومقام املعبود س�جل القرآن م�ؤرشات برشيتهم كاملرض،
واجل�وع ،والتعب ،ثم بني بعض الزالت التي وقعوا هب�ا ،وكل هذا ليحدث القرآن املوازنة
املطلوبة يف التصور الصحيح عن مقام النبوة.
-3وبين الق�رآن مهمته�م األساس�ية ،وه�ي التبلي�غ :ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﭼ
[الش�ورى ،]٤٨ :وبني م�ا يتعلق هبا كاجلهاد ،واألم�ر باملع�روف والنه�ي ع�ن املنك�ر.
-4وذكر القرآن بعض ًا من أسامء الرسل -عليهم الصالة والسالم -وسكت عن آخرين:
ﭽ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭼ [غافر ،]٧٨ :وقد اهتم القرآن
بقصص بعضهم أكثر من اآلخرين ،وأبرز قصة رعاها القرآن واهتم هبا هي قصة موس�ى-
ابن�ا ،وأخ ًا ،وزوج ًا،
ورضيع�ا ،وكبري ًا ،وحتدث عنه ً
ً علي�ه السلام ،-فقد حتدث عنه مح ً
ال،
ونبي� ًا ،وحت�دث عن�ه ضعيف ًا ،وقوي� ًا ،وطري�د ًا ،وقائد ًا ،وحت�دث عنه وهو حياج�ج فرعون
وقوم�ه ،وهو يتحدى الس�حرة ،وهو يقود بن�ي إرسائيل ،ويعاين منهم م�ا يعاين ولكن هذا
كله مقصود – الش�ك – فالش�خصية الفرعونية ش�خصية مكررة يف التاريخ ومش�اكل بني
إرسائيل مشاكل متكررة أيض ًا ،بل إن عرض النفسية اإلرسائيلية من خالل تأرخيها الطويل
نافع لألمة اإلسالمية يف رصاعها الطويل مع أولئك.
-5وحت�دث القرآن عن دلي�ل صدق األنبياء ،فذكر مع أغل�ب األنبياء معجزات يعجز
البرش عن أن يأتوا بمثلها ،فذكر عن نار إبراهيم ،وعصا موس�ى ،وإحياء عيس�ى لألموات،
192
وحدثنا القرآن عن اجلن مما يمس واقعنا أيض ًا ،فقسمهم إىل صاحلني وطاحلني ،وحذرنا
من اتباع وساوس شياطينهم ،ورضب لنا مث ً
ال عن غواية أيب الشياطني «إبليس» ألبينا آدم-
عليه السلام ،-ومل حيدثنا الق�رآن عن اجلن من حيث حياهتم وأعامرهم ومعيش�تهم ونحو
هذا ،وكل هذا يؤكد قضية كبرية وهي أن عقيدة القرآن عقيدة عملية ،هتتم باجلانب العميل
النافع ،مبتعد ًا عن اجلانب النظري املجرد.
ه�ذه ه�ي خالص�ة العقي�دة القرآنية وق�د رأيته�ا كاملة من غير نقص ،س�هلة من غري
غموض ،متناسبة مع كل الناس عىل اختالف مستوياهتم العقلية والنفسية ،قادرة عىل إقناع
رائد الفضاء ،وراكب اجلمل.
وه�ذه باختص�ار هي مجلة ما خطر يف بايل وأنا أق ّل�ب الصفحة األخرية من هذا البحث،
وربام يس�تطيع القارئ أن يس�جل اس�تنتاجات أو مالحظات أخرى ،وكيل أذن صاغية ملن
هيدي إ ّيل أي مقرتح أو نصيحة ،ونسأله تعاىل يف اخلتام حسن اخلامتة.
امل�صادر
1)1اإلرشاد إىل واقع األدلة يف أصول االعتقاد :إمام احلرمني أبو املعايل اجلويني ،حتقيق
حممد يوسف وعيل عبد املنعم ،مرص /مكتبة اخلانجي1369 ،هـ( )1950م.
2)2االس�تخالف والرتكي�ب االجتامع�ي يف اإلسلام :د .عب�د اجلب�ار الس�بهاين،
وه�ي رس�الة ماجس�تري نوقش�ت يف جامع�ة بغ�داد /كلي�ة اإلدارة واالقتص�اد،
1405ه�ـ( )1980م.
3)3األسماء والصفات :البيهقي ،املطبوع مع كتاب(فرقان القرآن) بريوت /دار إحياء
الرتاث العريب ،د ت.
4)4أص�ول الدع�وة :د .عب�د الكري�م زي�دان ،بيروت /مؤسس�ة الرس�الة ،ط،3
1408هـ()1987م.
5)5أصول الدين اإلسلامي :د .رش�دي عليان ،و د .قحطان الدوري ،جامعة بغداد،
ط1406 ،3هـ()1986م.
6)6االعتقاد واهلداية إىل سبيل الرشاد عىل مذهب السلف وأصحاب احلديث :أبو بكر
البيهقي ،بريوت /دار اآلفاق اجلديدة ،ط1401 ،1هـ()1981م.
7)7إنجيل متى :املطبوع ضمن(العهد اجلديد) ومل أجد عليه اسم املطبعة وال التاريخ.
8)8أهوال القيامة :عبد امللك الكليب ،دار األنبار للطباعة والنرش ،ط1410 ،4هـ.
9)9التجريد الرصيح ،خمترص صحيح البخاري :احلسني بن املبارك الزبيدي ،دار إحياء
العلوم ،بريوت ط1406 ،1هـ()1986م.
1010التذكرة :القرطبي ،القاهرة /دار الريان ،ط1407 ،2هـ()1987م.
1111التصوير الفني يف القرآن :سيد قطب ،دار الرشوق ،د ت.
1212التعبري القرآين :د .فاضل السامرائي ،جامعة بغداد /بيت احلكمة ،د ت.
1313تفسري آيات الصفات :د .حمسن عبد احلميد ،ليس عليه دار النرش وال التاريخ.
1414تفسير اب�ن عطي�ة األندلسي ،وزارة األوق�اف والش�ؤون اإلسلامية ،قطر ط،1
1405هـ()1985م.
1515تفسري ابن كثري املسمى (تفسري القرآن العظيم) :اإلمام ابن كثري الدمشقي ،بريوت/
196
املوجودة يف املكتبة املركزية جلامعة بغداد ومل أجد عليها دار الطبع وال التاريخ.
4747اهل�دي والبي�ان يف أسماء الق�رآن :صالح ب�ن إبراهي�م البليهي ،الري�اض /املطابع
األهلية ،ط1397 ،1هـ.
4848الي�وم اآلخ�ر :د .عم�ر س�ليامن األش�قر ،الكوي�ت /مطبع�ة الفلاح ،ط،2
1408هـ()1988م.
فهر�س املحتويات
-2صفاته تعاىل73....................................................................:
القسم األول73...................................................................... :
القسم الثاين73....................................................................... :
القسم الثالث74...................................................................... :
القسم الرابع79...................................................................... :
أسامء اهلل احلسنى80....................................................................
صفات اهلل تعاىل 80....................................................................
املبحث الرابع81.......................................................................
ال َقدَ ْر 81...............................................................................
الفصل الثالث 87......................................................................
ال ُّنبوات87.............................................................................
املبحث األول :األنبياء والرسل عليهم الصالة السالم 87............................ .
املبحث الثاين :الوحي والرساالت 87............................................... .
املبحث األول89.......................................................................
األنبياء والرسل89.....................................................................
ال :مصطلحا النبي والرسول يف القرآن89........................................... : أو ً
ثاني ًا :أمهية اإليامن األنبياء 90......................................................... :
ثالث ًا :وظيفة الرسل عليهم الصالة والسالم91....................................... :
رابع ًا :صفاهتم عليهم الصالة والسالم 94.............................................:
-1األمانة والصدق يف التبليغ 94..................................................... :
-2اخللق الكريم 95..................................................................:
أ -التجرد هلل تعاىل يف الدعوة 95..................................................... :
ب -الصدق95...................................................................... :
ج -األمانة95........................................................................ :
د -العفاف والطهر96................................................................ :
هـ -احللم والصرب96.................................................................:
و -اللني والتواضع96................................................................:
202
ز -الشجاعة 97......................................................................:
-3الفطانة واحلكمة وقوة احلجة 97.................................................. :
-4صفاهتم البرشية 100............................................................. :
خامس ًا :أسامؤهم يف القرآن الكريم 103.............................................. :
املسألة األوىل 105................................................................... :
املسألة الثانية 106.................................................................... :
املسألة الثالثة107.....................................................................:
سادسا :دالئل صدقهم يف أدعائهم النبوة108......................................... :
سابعا :أخبارهم 111................................................................ :
النموذج األول :امللوك114.......................................................... :
النموذج الثاين :األغنياء املرتفون114..................................................:
النموذج الثالث :الفقراء واملستضعفون115........................................... :
النموذج الرابع :املطففون115........................................................ :
النموذج اخلامس :الشا ّذون115...................................................... :
النموذج السادس :املسجونون115................................................... :
النموذج السابع :األقربون115....................................................... :
املثال األول :سحرة فرعون122...................................................... :
املثال الثاين :مؤمن آل فرعون122.................................................... :
املثال الثالث :جيش طالوت122.................................................... . :
املثال الرابع :صحابة رسول اهلل حممد ﷺ 122..........................................
املبحث الثاين 127.....................................................................
الوحي والرساالت 127...............................................................
ال :الوحي127.....................................................................: أو ً
القسم األول :موقف القرآن من الرساالت السابقة129............................... :
أ -التوراة 129....................................................................... :
املثال األول129..................................................................... :
املثال الثاين 130...................................................................... :
203