You are on page 1of 102

‫أنماط الشخصية‬

‫وإشكاالت القيادة والتربية‬


‫في‬
‫العمل اإلسالمي المعاصر‬
m,./




       






‫النا�شر‬
‫دار �أ�سامة للن�شر والتوزيع‬
‫ ع ّمان‬- ‫الأ ردن‬
5658254 :‫ فاك�س‬5658253 - 5658252 :‫هاتف‬
141781 :‫ب‬.‫ �ص‬- ‫ مقابل البنك العربي‬- ‫ العبديل‬:‫العنوان‬
Email: darosama@orange.jo
WWW.darosama.net
‫أنماط الشخصية‬
‫وإشكاالت القيادة والتربية‬
‫في‬
‫العمل اإلسالمي المعاصر‬

‫ت�أليف‬
‫د‪ .‬محمد عياش الكبيسي‬

‫دار �أ�سامة للن�شر والتوزيع‬


‫ع ّمان ‪ -‬الأ ردن‬

‫الفهرس‬

‫‪5‬‬ ‫الفهر�س ‪..............................................‬‬


‫‪7‬‬ ‫ا إلهداء ‪...............................................‬‬
‫‪9‬‬ ‫تقدمي ‪................................................‬‬
‫‪11‬‬ ‫مقدم ــة ‪..............................................‬‬
‫‪13‬‬ ‫متهيـ ـ ــدات ‪...........................................‬‬
‫‪13‬‬ ‫أ�وال ‪ -‬ا إلن�سـان (النف�س والعقل ) ‪.....................‬‬
‫‪15‬‬ ‫ثانيـا ‪ -‬العلم والرتبية ‪................................‬‬
‫‪17‬‬ ‫ثـالث ًا ‪� -‬إ�شكاليات العمل اجلماعي ‪....................‬‬
‫‪26‬‬ ‫علم الطباع و أ�مناط ال�شخ�صية ‪.......................‬‬
‫‪30‬‬ ‫املقومــات أال�سا�سية لت�صنيف الطباع ‪.................‬‬
‫‪30‬‬ ‫أ�و ًال ‪ -‬االنفعالية ‪......................................‬‬
‫‪32‬‬ ‫املنظور ا إل�سالمي لالنفعالية ‪.........................‬‬
‫‪40‬‬ ‫ثانيا ‪ -‬الفعـ ـّـالية ‪.....................................‬‬
‫‪42‬‬ ‫املنظور ا إل�سالمي للف ّعالية ‪...........................‬‬
‫‪47‬‬ ‫ثالثـ ًا ‪ -‬الرتجيع ‪......................................‬‬
‫‪51‬‬ ‫الرتجيع من منظور �إ�سالمي ‪.........................‬‬
‫‪55‬‬ ‫أ�منـاط ال�شخ�صية ‪....................................‬‬

‫‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬


‫‪56‬‬ ‫ال�شخ�صيـة اجلموحة ‪.................................‬‬
‫‪60‬‬ ‫منـاذج اجلموحني ‪....................................‬‬
‫‪63‬‬ ‫ال�شخ�صـية الغ�ضبيـّـة ‪.................................‬‬
‫‪64‬‬ ‫ال�شخ�صية العـاطفـية ‪.................................‬‬
‫‪66‬‬ ‫ال�شخـ�صيـة الع�صبيـّة ‪................................‬‬
‫‪68‬‬ ‫ال�شخـ�صيـة اللمـفاويـة ‪................................‬‬
‫‪71‬‬ ‫ال�شخ�صية الـدموية ‪..................................‬‬
‫‪73‬‬ ‫ال�شخ�صيـة اخلاملة ‪..................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫ال�شخ�صيـة الهـالميـّة ‪.................................‬‬
‫‪77‬‬ ‫مـالحظات يف الت�شـخي�ص والعـالج ‪...................‬‬
‫‪81‬‬ ‫اخلامتــة ‪.............................................‬‬
‫‪85‬‬ ‫امللحـقـات ‪............................................‬‬
‫‪85‬‬ ‫ملحق رقم (‪ )1‬اختبار الفع ـّالية ‪................... 1‬‬
‫‪87‬‬ ‫ملحق رقم (‪ )2‬اختبار الفع ـّالية ‪................... 1‬‬
‫‪89‬‬ ‫ملحق رقم (‪ )3‬اختبار الرتجيع ‪.................... 1‬‬
‫‪95‬‬ ‫امل�صادر واملراجع بعد القر�آن الكرمي ‪.................‬‬

‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‬


‫اإلهــــــداء‬

‫كنت �أود �أن تقر�أ ألخيك هذا اجلهد املتوا�ضع‪ ..‬لت�سجل على‬
‫هوام�شه بع�ضا مما جتود به قريحتك ال�صافية‪ ..‬كما كنا نتحاور‬
‫ونتجاذب �أطراف العلوم وا آلداب يف م�ساجد ا ألنبار وبغداد‪،‬‬
‫وكما كنا نتناف�س يف تلك املعاهد واجلامعات وريا�ض العلم‬
‫العامرة‪ ،‬منذ نداوة عودنا حتى كربنا وكربت همومنا‪.‬‬

‫واليوم وبعد �أن ف ّرق بيننا املوت واغتالتك يد الظالم ا آلثمة‪ ..‬ف إ�ين‬
‫�أهدي إ�ليك ثمرة من بع�ض ما �أ�سهمت بغر�سه‪ ..‬عهد حمبة‬
‫�أبدي‪ ..‬وعربون لقاء مديد يف ظالل الرحمة إاللهية‪.‬‬

‫إ�ليك �أيها ا ألخ واحلبيب‪ ..‬إ�ليك �أيها املت�ضمخ مبداده ودمائه‪..‬‬

‫إ�ليك يا عبد اجلليل()‪..‬‬

‫() هو الداعية الدكتور عبد اجلليل الفهداوي الذي ا�ست�شهد يف بغداد بتاريخ‬
‫‪2010/5/5‬م‪.‬‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة ‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‬
‫تقديم‬

‫بقلم المفكر اإلسالمي جاسم سلطان‬


‫مؤسس مشروع النهضة والمشرف‬
‫على موقعه الرسمي‬

‫الأ خ الكرمي الدكتور حممد عيا�ش الكبي�سي حني التقيت بكتابيه‬


‫املحكم يف العقيدة وال�صفات اخلربية وجدت كنزا كبريا من التجديد‬
‫وحرية النظر‪...‬وها نحن مع كتاب جديد يقدم � إ�ضافة نوعية �أخرى‬
‫للمكتبة الإ�سالمية ويعالج مو�ضوعا �شائكا متعلقا بالرتبية و�آفاقها يف‬
‫�ضوء درا�سة البنية النف�سية الأ �سا�سية للأ فراد‪.‬‬
‫ويف �ضوء التجارب العملية املتعلقة بالعمل الإ�سالمي املعا�صر‬
‫تكرث ال�شكوى من ق�صور املخرجات الرتبوية عن موافاة املوا�صفات‬
‫املطلوبة �أو املت�صورة من جانب وتكرث ال�شكوى من �ضعف القيادات العليا‬
‫وق�صورها املعريف وعدم قدرتها على � إبداع حلول للم�شاكل املزمنة وميلها‬
‫امل�ستمر للجمود ومعاودة التجريب بذات الطرق التي ثبت ف�شلها مرة بعد‬
‫مرة ‪...‬ويف كل الأ حوال تتجه الأ نظار للمناهج الرتبوية وتغيريها ويتم‬
‫� إحالل كتاب مكان �آخر ‪�...‬أو يتجه لتكثيف الوعظ والق�ص�ص الإميانية‬
‫�أو يف �أحوال �أخرى لتكثيف الدورات الإدارية‪...‬ورغم ذلك كله ت�ضل‬
‫الإ�شكاالت هي الإ�شكاالت وال يتغري �شئ يف الواقع ‪.‬‬
‫وهذا الكتاب يقدم ت�شخي�صا ذكيا لهذه احلالة من خالل‬
‫‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫ت�شخي�ص الأ مناط الأ �سا�سية لل�شخ�صية الإن�سانية ويقدم و�صفا دقيقا‬
‫للحدود والأ عمال التي ت�صلح لها كل �شخ�صية ‪.‬‬
‫هذا النمط من املقاربات يقدم لنا بداية �أ�سا�سية للتفكري‬
‫املو�ضوعي يف � إ�شكاالت طال العهد بها وحان �أوان مواجهتها بدل‬
‫االلتفاف حولها‪.‬‬

‫د‪ .‬جا�سم �سلطان‬

‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪10‬‬


‫مقدمـــة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ,‬والعاقبة للمتقني‪ ,‬وال�صالة وال�سالم‬


‫على النبي الأ مني و�آله و�صحبه ومن �سار على �سنته � إىل يوم الدين‪.‬‬
‫�أما بعد‪ :‬فمع اعتقاد العلماء امل�سلمني ب�شمولية الإ�سالم وعامليته‬
‫� إال �أن هناك م�ساحات وا�سعة من العلوم والتجارب الإن�سانية العامة مل‬
‫يتمكن علما�ؤنا املعا�صرون من مالحقتها ف�ضال عن توظيفها واال�ستفادة‬
‫منها!‬
‫ومن هذه العلوم التي حتظى اليوم برعاية الأ مم الأ خرى‬
‫واهتمامها وخا�صة الغرب هو علم النف�س‪ ,‬حيث تطور هذا العلم تطورا‬
‫ملحوظا و�أخذ ين�شطر � إىل تفرعات وتخ�ص�صات يف غاية التعقيد‪,‬‬
‫وعلى �سبيل املثال فقد ظهر علم جديد ينتمي � إىل علم النف�س ي�سمى‬
‫(علم الطباع) ويتناول هذا العلم املميزات الثابتة �أو اال�ستعدادات‬
‫الفطرية التي ت�ؤلف الهيكل النف�سي للإ ن�سان وحتفظ لكل �شخ�صية‬
‫هويتها مهما اختلفت امل�ؤثرات اخلارجية كالثقافة والدين والبيئة‪..‬‬
‫الخ وكان نتيجة هذا العلم ظهور م�صطلح (�أمناط ال�شخ�صية) كعلم‬
‫جديد له مذاهبه ومدار�سه املتعددة‪،‬والذي حاول روّاده �أن يتنب�ؤوا مبا‬
‫ميكن �أن تفرزه تلك اال�ستعدادات الفطرية من �سلوكيات واختيارات‬
‫و�صوال � إىل حتديد الوظائف والأ �شغال املنا�سبة لكل منط من �أمناط‬
‫ال�شخ�صية‪ ,‬فهذا ي�صلح للقيادة‪ ،‬وهذا للق�ضاء‪ ،‬وذاك للتعليم‪ ،‬و�آخر‬
‫للفن‪ ..‬الخ ثم تفرع عن هذا علوم �أخرى منها مثال (علم اجلرافوجلي)‬
‫‪ GRAPHOLOGY‬والذي يعنى بتحليل �شخ�صية الإن�سان من‬
‫‪11‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫خالل كتابته وخطه‪ ,‬وحني �أتيحت يل فر�صة الإطالع على بع�ض �أ�سرار‬
‫هذا العلم وح�صلت على �شهادة متخ�ص�صة فيه ذهلت للفجوة الهائلة‬
‫بني واقعنا العربي والإ�سالمي يف هذا اجلانب وبني الغرب ‪ ,‬ولك �أن‬
‫تت�صور �أن ‪ %79‬من ال�شركات الربيطانية ت�ستعمل هذا العلم ك�ضرورة‬
‫�أ�سا�سية يف التوظيف‪ ،‬بينما و�صلت الن�سبة يف ال�شركات الأ ملانية � إىل‬
‫‪ ! %85‬وهذا �سر � إ�صرار هذه ال�شركات على �أن يكون طلب التوظيف‬
‫مكتوبا باليد()!‬
‫و� إذا كان هذا العلم بهذه ال�سعة وهذه الأ همية فما موقف ال�شريعة‬
‫الإ�سالمية منه؟ وما � إمكانية اال�ستفادة منه يف ميادين الرتبية والتعليم‬
‫والتوظيف والتحقيق العلمي والق�ضائي؟ وهل ميكن �أن يدخل هذا العلم‬
‫يف دائرة املعرفة الإ�سالمية فيقال‪ :‬علم النف�س الإ�سالمي‪ ،‬وعلم الطباع‬
‫الإ�سالمي‪ ،‬وعلم اجلرافوجلي الإ�سالمي‪ ،‬كما يقال‪ :‬التاريخ الإ�سالمي‬
‫و االقت�صاد الإ�سالمي؟‬
‫هذه الأ �سئلة الكبرية �سنحاول �أن نتقدم خطوة يف الإجابة عليها‬
‫من خالل هذا البحث راجيا من اهلل التوفيق ومن �أهل االخت�صا�ص‬
‫الن�صح والتذكري‪.‬‬

‫‪ -‬مذكرة دبلوم يف علم حتليل ال�شخ�صية – د عبد اجلليل عبد اللطيف ‪� /‬ص ‪.2‬‬
‫‪ 12‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫تمهيـــدات‬

‫�أوال ‪ -‬الإن�سـان (النف�س والعقل )‬


‫الإن�سان هو مدار التكليف على هذه الأ ر�ض‪ ،‬وقد �شرفه اهلل‬
‫بحمل الأ مانة العظيمة ﮋﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﮊ () وهذه الأ مانة عبرّ عنها القر�آن باخلالفة ﮋ ﭑ‬
‫ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ‬
‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤ‬
‫ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﮊ () وف�سّ ر‬
‫()‬
‫اخلالفة بالعبادة ﮋ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ‬
‫وجعل القر�آن الغاية من كل هذا � إعمار الأ ر�ض وحتقيق الرحمة ال�شاملة‬
‫للعاملني ) ﮋ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮊ()‪.‬‬
‫� إن اخلالق احلكيم الذي خلق الإن�سان لهذه الغاية ال�سامية اجلليلة‬
‫قد خ�ص هذا املخلوق بخ�صائ�ص وم�ؤهالت متيزه عن املخلوقات الأ خرى‬
‫وجتعله قادرا على � إدارة نف�سه وبيئته وما ميكن �أن ت�صل � إليه يده و�أدواته‬
‫يف هذا الكون‪ ,‬و� إذا كان الباحثون عامة قد جعلوا العقل ميزة الإن�سان‬
‫الأ وىل فالتفكري والتحليل واال�ستنتاج والبناء الرتاكمي للتجارب –‬

‫‪� -‬سورة أالحزاب‪ ،‬ا آلية ‪.72‬‬


‫ ‪� -‬سورة البقرة‪ ،‬ا آلية ‪.30‬‬
‫ ‪� -‬سورة الذاريات‪ ،‬ا آلية ‪.65‬‬
‫‪� -‬سورة أالنبياء‪ ،‬ا آلية ‪.107‬‬
‫‪13‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫وهذه كلها جماالت العقل الطبيعية – هي التي ميزت املنتج احل�ضـاري‬
‫الإن�سانـي ف� إن القر�آن الكرمي مع � إقراره ب�أهمية العقل ودوره حتـى قـرن‬
‫فـي �أكثـر مـن مو�ضـع وفـي �أكثـر مـن �صيغـة بيـن الوحـي الإلهـي والعقـل‬
‫()‬
‫الب�شـري ﮋ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮊ‬
‫ﮋ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﮊ ()‪.‬‬
‫� إال �أن القر�آن �أوىل النف�س – � إىل جانب العقل – �أهمية خا�صة‬
‫ف� إذا كان العقل يفكر ويحلل ف� إن النف�س هي م�صدر الإرادة و الأ مر !‬
‫ﮋ ﭒ ﭓ ﭔﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﮊ () وحينما ا�ستخدم � إخوة يو�سف عقولهم يف‬
‫املكر والوقيعة ب�أخيهم عزا يعقوب هذا � إىل النف�س ولي�س العقل فقال‬
‫ﮋﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ‬
‫ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮊ() وك�أن العقل �أ�صبح‬
‫جمرد �أداة للنف�س‪ ,‬ولهذا جتد الذكاء والعلم واخلربة ت�سخّ ر ب�سهولة‬
‫من قبل النف�س املري�ضة لغايات دنيئة وانظر يف قادة املافيا وع�صابات‬
‫اجلرمية املنظمة ور�ؤ�ساء الإمرباطوريات الظاملة واحلكومات الفا�سدة‬
‫كل ه�ؤالء لي�سوا ب�أغبياء وال تنق�صهم القدرة على التحليل واال�ستنتاج‬
‫ ‪� -‬سورة الروم‪ ،‬ا آلية ‪.28‬‬
‫‪� -‬سورة يون�س‪ ،‬ا آلية ‪.24‬‬
‫‪� -‬سورة يو�سف‪ ،‬ا آلية ‪.53‬‬
‫ ‪� -‬سورة يو�سف‪ ،‬ا آليتني ‪.18-17‬‬
‫‪ 14‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫واكت�ساب اخلربة لكن كل هذه القدرات وظفتها النفو�س املري�ضة‬
‫مل�سارات تدمريية وكارثية‪ ,‬ثم لينظر الإن�سان يف داخله يريد مثال �أن‬
‫يدخّ ن فيقول له عقله‪ :‬ال‪ ,‬التدخني �ضار بال�صحة والبيئة واملجتمع‪ ,‬ثم‬
‫يذهب ليدخّ ن رغما عن عقله ف�أين مكمن الإرادة � إذ ًا ؟ يقول � إدوان‬
‫�شلتز‪" :‬الفكر والعقل هما خادمان يعمالن فقط يف خدمة رغباتنا‬
‫الأ ولية‪...‬فالغرائز تقدم الطاقة والدافع والتوجيه لكل وجوه �شخ�صية‬
‫الفرد"() ويقول الأ �ستاذ طه عبد الرحمن « ولذا فمن ال حياء له ال‬
‫يقني يف �أن عقله م�سدد على وفق القيم ال�صاحلة «() وهذا من �ش�أنه‬
‫�أن يعني الدعاة وامل�صلحني على ت�شخي�ص اخللل ومعرفة الدافع الأ قوى‬
‫لل�سلوكيات اخلاطئة‪.‬‬

‫ثانيـا ‪ -‬العلم والرتبية‬


‫�س�ألت مرة جمموعات من طالب وطالبات اجلامعة‪ :‬ملاذا‬
‫تزداد ن�سبة الطالق يف جمتمعاتنا حتى و�صلت يف بع�ض دول اخلليج‬
‫� إىل ‪ !! %36‬فكان جواب بع�ض الطلبة‪ :‬ب�سبب الظروف املادية‬
‫ال�صعبة!‪ ,‬قلت‪� :‬ألي�ست حياة �آبائكم و�أمهاتكم قبل اكت�شاف البرتول‬
‫كانت �أكرث فاقة و�صعوبة؟ و� إن العائلة اخلليجية اليوم تنعم برثاء‬
‫رمبا يقل مثيله يف العامل ب�سبب نعمتي النفط والأ من؟ بع�ضهم حاول‬
‫�أن يعزو هذا � إىل اجلهل ! ولكن حينما نقارن ما�ضي هذه املناطق‬
‫بحا�ضرها من الناحية العلمية ف� إن الفارق يبدو غري قابل للقيا�س!‬
‫ ‪ -‬نظريات ال�شخ�صية‪ ،‬دوان �شلتز‪� ،‬ص‪.61‬‬
‫‪ -‬احلق ا إل�سالمي يف االختالف الفكري‪ ،‬طه عبد الرحمن‪� ،‬ص‪.154‬‬
‫‪15‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫فهذه املجتمعات التي كانت �أمية مبعنى الكلمة ا آلن تنت�شر فيها‬
‫املدار�س واملعاهد واجلامعات الراقية � إ�ضافة � إىل �أدوات الثقافة‬
‫الأ خرى كو�سائل الإعالم املتطورة ومراكز البحوث واال�ست�شارات‪ .‬يف‬
‫تقديري �أن هناك خلال واحدا يقف وراء هذه الظاهرة اخلطرية كما‬
‫يقف خلف ظواهر �أخرى لي�ست ب�أقل خطورة من هذه �أال وهو اجلانب‬
‫النف�سي حيث نرى الإن�سان املعا�صر مياال � إىل االنكفاء الذاتي‪،‬و�ضعفت‬
‫عنده القدرة على االن�سجام مع ا آلخرين وتف�شت يف املجتمع �أمرا�ض‬
‫كانت حمل ا�ستهجان �آبائنا و�أجدادنا كالأ نانية وقطيعة الرحم‬
‫وغلبة املقايي�س املادية على القيم الروحية والأ خالقية ‪ ,‬وامل�ؤ�س�سات‬
‫العلمية التي حتاول �أن تغذي العقول باملعارف النظرية املتنوعة قد‬
‫�أهملت ب�شكل وا�ضح اجلانب الرتبوي والأ خالقي‪ ,‬نعم فمن املمكن‬
‫وفق �أنظمة اجلامعات احلديثة �أن ينجح الطالب يف مقرر (فقه‬
‫العبادات) وبتقدير «ممتاز» حتى لو كان تاركا لل�صالة وم�ستهزئا‬
‫بها!! لكن لو نظرنا يف ت�أريخ �أمتنا العلمي ف�إننا ال ميكن �أن نت�صور‬
‫تلميذا لل�شافعي �أو البخاري � إال وهو مثال للتقوى واخللق‪ ،‬لأ ن �أدوات‬
‫التقومي عند علمائنا الأ قدمني ال تقت�صر على ورقة الإجابة‪ ،‬ولقد‬
‫عاي�شت بقايا ذلك املنهج العلمي والرتبوي املتوازن يف بع�ض املدار�س‬
‫الدينية التي كان ي�شرف عليها بع�ض العلماء الربانيني‪.‬‬
‫نخل�ص مما �سبق ب�أن م�ؤ�س�ساتنا العلمية ب�أنظمتها احلالية‬
‫غري قادرة على حت�سني منط ال�سلوك ف�ضال عن م�ساهمتها يف حل‬
‫امل�شاكل االجتماعية املعقدة‪ ،‬وذلك ب�سبب � إهمال هذه الأ نظمة التعليمية‬
‫للمحرك والدافع احلقيقي (النف�س) بل لقد �أ�صبحت هذه الأ نظمة يف‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪16‬‬
‫بع�ض الأ حيان جمرد �أدوات لل�شر من � إتقان و�سائل التزوير واخلداع‬
‫� إىل �صناعة �أ�سلحة الدمار ال�شامل() مرورا مب�ؤهالت النفاق ال�سيا�سي‬
‫والظلم االجتماعي ()‪.‬‬
‫والقر�آن الكرمي الذي حث على العلم و�أعلى من �ش�أن العلماء نراه‬
‫باملقابل يقرر حقيقة كبرية �أن ال�سعادة وال�شقاء �أو الفالح واخليبة ال‬
‫ترتبط بامل�ستوى العلمي و� إمنا بامل�ستوى النف�سي فقال) ﮋ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭱﭲﭳﭴ‬
‫ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﮊ ()‪.‬‬

‫ثـالثاً ‪ � -‬إ�شكاليات العمل اجلماعي‬


‫من املعلوم يف ديننا �أن العمل اجلماعي مطلوب لتحقيق الغايات‬
‫اجلليلة التي حددها ال�شرع ولذلك انت�شرت يف الرتاث الإ�سالمي‬
‫م�صطلحات كثرية مثل (الأ مة‪ ،‬اجلماعة‪ ،‬ال�شورى‪ ،‬الأ خوة‪،‬التعاون‪،‬‬
‫التكافل‪ ،‬الإيثار‪ ،‬التوا�صي باحلق والتوا�صي بال�صرب) ثم تبعتها‬
‫م�صطلحات فقهية �أكرث دقة مثل (الإمامة‪ ،‬الوالية‪ ،‬الإمارة‪ ،‬البيعة)‬
‫وحاول الإ�سالم �أن يدرب �أتباعه على �أدبيات العمل اجلماعي من خالل‬
‫(�صالة اجلماعة) و (� إمارة ال�سفر)‪..‬الخ قال ر�سول اهلل ‪ � (:‬إذا كان‬

‫‪ -‬ينظر نظريات املناهج الرتبوية‪ ،‬د‪ .‬علي أ�حمد مدكور �ص‪.83‬‬
‫ ‪ -‬ينظر امل� ؤس�ولية أ��سا�س الرتبية ا إل�سالمية‪ ،‬عبد ال�سالم أالحمر‪� ،‬ص‪ ،79‬ومنظومتنا‬
‫الرتبوية �إىل أ�ين؟ عبد املجيد بن م�سعود �ص‪.83‬‬
‫‪� -‬سورة ال�شم�س‪ ،‬ا آليات من ‪.10-7‬‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة ‪17‬‬
‫ثالثة يف �سفر فلي�ؤمروا �أحدهم)() � إذا الإ�سالم دين اجلماعة والعمل‬
‫اجلماعي‪ ،‬ولكن مع و�ضوح هذه ال�ضرورة يف الإ�سالم � إال �أن امل�سلمني‬
‫اليوم ومنذ �سقوط اخلالفة وحتى الذين يحملون الهم الإ�سالمي منهم‬
‫قد �أخفقوا � إىل حد كبري يف �صناعة النموذج ال�صالح للعمل اجلماعي‪,‬‬
‫� إذا ا�ستثنينا بع�ض النجاحات اجلزئية ويف م�ساحات جغرافية حمدودة‪,‬‬
‫ولو �أردنا �أن ن�شري � إىل �أهم مظاهر الإخفاق ف�سنجملها يف الآتي‪:‬‬
‫• عدم قدرة اجلماعات الإ�سالمية اليوم على ا�ستقطاب طاقات‬
‫امل�سلمني املوجودة واملتاحة �أمامهم‪ ،‬ال من حيث الكم حيث بقي اجلمهور‬
‫الأ عظم من امل�سلمني خارج دائرة هذه اجلماعات مع وجود ركيزة‬
‫ثقافية عالية ب�أهمية العمل اجلماعي � إىل حد الوجوب العيني‪ ,‬وال من‬
‫حيث النوع حيث �أن غالب ال�شخ�صيات الن�شطة يف جمتمعاتنا �سيا�سيا‬
‫�أو ثقافيا �أو اقت�صاديا‪..‬الخ هم �أي�ضا خارج دائرة هذه اجلماعات‪.‬‬
‫• عدم قدرة هذه اجلماعات على � إيجاد �صيغة لاللتقاء‬
‫والتعاون ف�ضال عن التوحد واالندماج ! مع �شعور اجلميع ب�ضرورة‬
‫التوحد دينيا و�أخالقيا وواقعيا ويكفي �أن كل هذه اجلماعات تردد‬
‫قوله تعاىل ﮋ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫ﭘﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﮊ () ‪.‬‬
‫• االن�شقاقات واالن�شطارات املتكررة فال توجد جماعة � إ�سالمية‬
‫واحدة � إال وتتعر�ض لنوع من االن�شقاق واالن�شطار‪ ،‬وعلى الأ قل ت�سرب‬

‫ ‪ -‬أ�بو داود واللفظ له ج‪� 2‬ص ‪ 26‬والبيهقي وابن خزمية وابن عبد الرب وغريهم ‪.‬‬
‫‪� -‬سورة أالنفال‪ ،‬ا آلية ‪.46‬‬
‫‪ 18‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫كثري من الطاقات ورمبا الرواد من دائرة اجلماعة يف الوقت الذي‬
‫تكون فيه هذه اجلماعات بحاجة � إىل �أقل القليل وهي تواجه التحديات‬
‫اخلارجية الكبرية ومن الغريب �أن جتد رائدا كبريا يف العمل اجلماعي‬
‫يحذر ب�شدة من هذه الظاهرة فيكتب كتابه ال�شهري « مت�ساقطون على‬
‫طريق الدعوة» والذي ي�صرح فيه �أن هذه الظاهرة ت�صيب ال�صف الأ ول‬
‫()‬
‫وال�سابقني وامل�ؤ�س�سني!! ثم بعد فرتة يتهم هو باالن�شقاق �أو ال�سقوط!!‬
‫ثم حتدث حالة غريبة عن �أخالق العمل الإ�سالمي‪ ،‬فاملت�ساقطون ه�ؤالء‬
‫ال يحبون �أن يظهروا مبظهر املت�ساقطني �أو املن�شقني !! واجلماعة ال تريد‬
‫�أن تخ�سر ر�صيد ه�ؤالء الكبري خا�صة يف القواعد واملحيط القريب‪ ،‬فتن�ش أ�‬
‫حالة من املجاملة التي ال ت�شخ�ص اخللل وال تعني على العالج()‪.‬‬
‫• اجلمود والركود‪ ,‬فكثري من اجلماعات تنطلق بقوة ثم يتال�شى‬
‫حما�سها لتنقلب � إىل جماعة روتينية حمافظة على قدر من (الأ خوة‬
‫وال�صداقة) البعيدة عن حتقيق الأ هداف اجلليلة التي من �أجلها ت�شكلت‬
‫�أجلماعة �أ�صال‪ ،‬بل قد و�صل اجلمود � إىل حالة من الرتاجع لي�س عن‬
‫الأ هداف فح�سب و� إمنا حتى من مالحقة النماذج الأ وىل التي ملعت يف‬
‫�سماء اجلماعة !! ومن ينظر مثال � إىل �أ�سماء كبرية مثل (عبد احلميد‬

‫ ‪ -‬مت�ساقطون على طريق الدعوة ‪ /‬أال�ستاذ فتحي يكن ‪ .‬ومن خالل زيارتي للبنان‬
‫ولقائي به – رحمه اهلل‪ -‬علمت أ�نه �صار بعيدا عن جماعة ا إلخوان امل�سلمني بعد‬
‫أ�ن كان املراقب العام لها‪ ،‬وقد ح�صل مثل هذا لعدد من رموز العمل ا إل�سالمي‬
‫كال�شيخ �سعيد حوى أ�نظر له (هذه جتربتي وهذه �شهادتي) والذي ي�صرح فيها‬
‫با�ستقالته من كل م ؤ��س�سات اجلماعة ‪.‬‬
‫ ‪ -‬أ�نظر‪ :‬هكذا ظهر جيل �صالح الدين وهكذا عادت القد�س ‪ /‬ماجد الكيالين‬
‫�ص‪.407‬‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة ‪19‬‬
‫بن بادي�س‪ ،‬عمر املختار‪ ،‬ح�سن البنا‪� ،‬سيد قطب‪ ،‬م�صطفى ال�سباعي‪،‬‬
‫حممد حممود ال�صواف‪� ،‬أبو الأ على املودودي) ثم ينظر � إىل الواقع‬
‫اليوم ف� إنه �سيالحظ ك�أن اجلماعات الإ�سالمية قد عقمت عن �صناعة‬
‫مثل ه�ؤالء الرجال!! لكن ال�صحيح �أن ه�ؤالء يف الغالب مل ت�صنعهم هذه‬
‫اجلماعات و� إمنا هم الذين �صنعوها ! و� إذا كان ه�ؤالء الكبار قد منوا‬
‫وكربوا بدوافع ذاتية فكان من املفرت�ض �أن العمل اجلماعي �سيكون‬
‫�أقدر على تكوين النماذج الأ كرب لكن احلقيقة جاءت معكو�سة متاما‬
‫فاجلماعات هذه حتاول �أن تقلد �صورة ه�ؤالء الرواد الذين �صنعوا‬
‫�أنف�سهم ب�أنف�سهم! فكيف تكون قدرة الفرد خارج اجلماعة �أو قبل‬
‫اجلماعة �أكرب بكثري من قدرة اجلماعة !!‬
‫� إنه من ال�سهل جدا على كل هذه اجلماعات �أن تعلق كل هذه‬
‫الإخفاقات على « امل�ؤامرات اخلارجية «لكن هذه مغالطة ال قيمة‬
‫لها يف جمال التحليل العلمي‪ ،‬ف� إذا كانت هذه اجلماعات متيقنة �أن‬
‫الواقع �صالح � إىل درجة �أنه �سيحت�ضن هذه اجلماعات � إذا ما املربر‬
‫لوجود هذه اجلماعات �أ�صالً؟! � إن هدف اجلماعات الإ�سالمية كلها‬
‫هو تغيري هذا الواقع‪ ،‬ف�إذا ف�شلت يف تغيري هذا الواقع فال يجوز �أن‬
‫تعلق ف�شلها على هذا الواقع نف�سه؟ � إن اجلماعات الناجحة هي تلك‬
‫التي ت�ستطيع �أن تغري الواقع ال التي تتذرع به‪� ,‬أنظر � إىل ما فعله‬
‫الر�سول ‪ ‬و�أ�صحابه الأ برار فـي اجلزيـرة العــربية ثم الأ قاليم‬
‫الكربى‪ ،‬ثم ما فعله الفاحتون فيما بعد‪ ،‬وحتى بعد ح�صول النك�سات‬
‫الكبرية والتحديات اخلطرية �أيام املغول والهجمات ال�صليبية‬
‫املتتالية‪� ،‬أما الذي يقول �أنا ال �أ�ستطيع �أن �أغري �شيئا ل�صعوبة الظروف‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪20‬‬
‫وقوة العدو‪ ..‬فقد فقَد مربر وجوده كجماعة � إ�صالحية �أو تغيريية‪.‬‬
‫وال�صحيح هو النظر يف الذات ب�صدق قبل كل �شيء يقول القران‬
‫الكرمي ﮋ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬
‫()‬
‫ﰅﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒﮊ‬
‫فهذه اجلماعة التي يقودها ر�سول اهلل وفيها �أبو بكر وعمر ي�أمرها‬
‫القران �أن تنظر يف نف�سها �أوال للبحث عن �أ�سباب الف�شل �أو امل�صيبة‬
‫وكان هذا بعد نك�سة امل�سلمني يف معركة �أحد‪ ,‬وانظر اليوم � إىل واقع‬
‫اجلماعات الإ�سالمية بال ا�ستثناء من منها يتقبل النقد الذاتي ؟‬
‫ومن منها �أ�صدر ولو كتيبا �صغريا عن الأ خطاء العملية التي وقعت‬
‫فيها خالل جتربتها الطويلة �أو الق�صرية؟‬
‫و� إذا �أردنا �أن نطبق املنهج القر�آين ونبد أ� ب�أنف�سنا ف�إنه ميكن‬
‫�أن ن�سجل مالحظات كثرية تت�صل بالكفاءة والإدارة وال�شجاعة والعدل‬
‫والذي يهمنا هنا �أن ن�سجل ما يتعلق باجلانب النف�سي ‪ -‬كنماذج فقط‬
‫‪ -‬ثم لننظر كم هي م�ساحة الفراغ املرتوكة بال اهتمام وال مراجعة يف‬
‫هذا اجلانب الأ �سا�س ‪:‬‬
‫• الكفاءة �أم الوالء؟‬
‫جدلية الكفاءة والوالء من اجلدليات املزعجة يف العمل‬
‫اجلماعي‪ ،‬فاجلماعات الإ�سالمية بحكم خربتها املرتاكمة �صارت‬
‫تخ�شى من �أ�صحاب الكفاءات لأ نهم يف الغالب يكونون ذوي طموح عال‪,‬‬
‫وه�ؤالء يف الغالب هم قادة االن�شقاقات و�أ�صحاب امل�شاكل املزعجة يف‬

‫‪� -‬سورة �آل عمران‪ ،‬ا آلية ‪.165‬‬


‫‪21‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫كل اجلماعات‪ ،‬ولكي حتافظ اجلماعة على هدوئها وا�ستقرارها ال بد‬
‫�أن تتجنب مثل ه�ؤالء!! ولكن ما م�صري هذه اجلماعات بعد ا�ستبعاد‬
‫�أمثال ه�ؤالء ؟! � إن �أ�صحاب الطموح والكفاءة هم الوقود احلقيقي لكل‬
‫عمل لتحقيق الأ هداف الكبرية و� إثراء العمل نف�سه ب�أ�سباب التطوير‬
‫والإبداع‪ ،‬اذا ال بد من االختيار بني (� إجنازات كبرية مع م�شاكل كبرية)‬
‫�أو (جمود وركود مب�شاكل قليلة)!! لكن ال�صحيح �أن هذا امل�أزق لي�س‬
‫قانونا حتميا و� إمنا هو ناجت عن عدم وعي بطبيعة النفو�س وتركيبها‬
‫و� إال كيف ت�ستطيع الأ حزاب العلمانية والالدينية من � إنتاج الكم الهائل‬
‫من �أ�صحاب الكفاءات واالحتفاظ بهم بل وتطويرهم مع احلفاظ بقدر‬
‫عال من اال�ستقرار واالن�ضباط وانظر مثال اىل احلزبني الأ مريكيني‬
‫املتناف�سني (اجلمهوري والدميقراطي)‪ ،‬ملاذا ال تظهر م�شاكل “الغـرور‬
‫وحب الظـه ــور والرغبة باالن�شـق ـ ــاق” � إال يف الدول واملجتمعات املتخلفة‬
‫وخا�صة التجارب الإ�سالمية التي كان ينبغي �أن تتميز بالنزاهة والزهد‬
‫والتعايل عن حظوظ النف�س؟!! لكن ال�س�ؤال الأ جدر باالهتمام‪ :‬ملاذا ال‬
‫نفكر بطريقة �أخرى ونفرت�ض ب�شيء من التوا�ضع �أن هناك علوما تتعلق‬
‫ب�إدارة النفو�س برتكيباتها املعقدة و�أننا ك�إ�سالميني جنهل هذه العلوم‬
‫وبالتايل ف�إن اجلاهل مييل يف العادة � إىل الت�شخي�ص الب�سيط والعالج‬
‫الأ ب�سط‪� ،‬أر�أيت لو ذهبت � إىل احلالق ت�شكوه وجعا يف �ضر�سك – كما كان‬
‫يذهب � إليه �آبا�ؤنا – فهل عنده من حل � إال قلع ال�ضر�س !!! بينما لو ذهبت‬
‫� إىل طبيب حاذق ف�إن اخليارات واالحتماالت �ستكون �أو�سع و�أعقد ومكلفة‬
‫�أكرث !! هذا يف تقديري هو الفرق بيننا وبني جتارب العمل اجلماعي يف‬
‫الغرب حتى على م�ستوى ال�شركات التجارية الكبرية وال�صغرية ! � إنهم‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪22‬‬
‫يتعاملون مبنطق العلم والأ �سباب كما كان العمل اجلماعي عندنا نحن‬
‫امل�سلمني �أيام الع�صور الذهبية يف ت�أريخنا الطويل‪.‬‬
‫وقبل �أن ننهي هذه النقطة ال بد من الإ�شارة والتحذير �أن‬
‫الطموح الظاهر واملزعج قد ال يقابله الوالء حتم ًا لأ ن هناك �صنفا‬
‫�آخر وهو «الإن�سان الو�صويل» الذي يتظاهر بالوالء املطلق وال�سمع‬
‫والطاعة بال �شروط � إذا علم �أن هذا هو ما تف�ضله اجلماعة‪,‬‬
‫لأ ن هذا �سيكون �أقرب الطرق للو�صول ولكن لي�س � إىل غايات‬
‫اجلماعة اجلليلة و� إمنا لغاياته ال�شخ�صية الدنيئة وقد مل�ست بع�ض‬
‫اجلماعات هذا ال�صنف بيدها بعد �أن احت�ضنتهم ودعمتهم على‬
‫ح�ساب �أ�صحاب الر�أي والكلمة ال�صريحة‪ .‬بينما الوالء الذي نخاف‬
‫�أن يخد�ش من قبل الكفاءات قد ال يكون الوالء للفكرة �أو امل�شروع‬
‫و� إمنا الوالء للأ �شخا�ص‪ ،‬مبعنى �أن الكفاءات قد ت�شكل مناف�سات‬
‫حقيقية داخل الهرم التنظيمي – وهذا �أمر �صحي وفق نظريات‬
‫� إدارة العمل اجلماعي احلديثة – وهي طبيعية وفق قواعد علم‬
‫النف�س االجتماعي ‪ -‬بينما تعترب ظاهرة �سلبية وخطرية يف نظر‬
‫غالب قيادات العمل الإ�سالمي املعا�صر!!!!‬
‫• دواء واحد لكل الأ مرا�ض !‬
‫لو ذهبت � إىل رجل ثري قد �أنعم اهلل عليه وعر�ضت عليه م�شروعا‬
‫ما كبناء م�سجد مثال فاعتذر ورف�ض‪ ،‬فكيف تف�سر رف�ضه وكيف تعالج‬
‫املوقف؟ � إن الكثري من ال�ساعني للخري ال حتتمل امل�س�ألة عنده � إال حتليال‬
‫واحدا وهو «�ضعف الإميان وحب الدنيا« ! وبالتايل يكون العالج «الرتغيب‬
‫بالآخرة والرتهيب من التعلق بالدنيا« � إن هذا املثل الذي �ضربته ال ينطبق‬
‫‪23‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫على �أولئك ال�ساعني يف امل�شاريع اخلريية املحدودة فبع�ض الدعاة وقادة‬
‫التنظيمات واجلماعات الإ�سالمية ال ميلكون �أي�ضا � إال مثل هذا التحليل‬
‫وهذا العالج!! ولرنجع � إىل مثالنا الأ ول لن�ضع احتماالت �أخرى للرف�ض‪:‬‬
‫�أال ميكن مثال �أن يكون الرجل الرثي غري واثق من ال�شخ�ص الذي عر�ض‬
‫عليه امل�شروع؟ فهل العالج �سيكون بالرتغيب والرتهي ــب �أو بتعزيز‬
‫الثقة؟! بل يف تقديري �أن الرتغيب والرتهيب �سي�ؤدي � إىل نتائج عك�سية‬
‫� إذ �أنه يحمل يف داخله اتهاما مبطنا قد ال ير�ضاه بل ال ي�ستحقه ذلك‬
‫الرجل‪ ،‬ومن املمكن �أن نفرت�ض �سببا �آخر ك�أن يكون بناء امل�سجد مثال‬
‫غري داخل يف �أولويات امل�شاريع التي يتبناها ذلك الرجل فعليك بذل‬
‫املجهود لتقنعه ب�أهمية بناء هذا امل�سجد‪ ..‬وهكذا‪ ..‬وهذه الأ �سباب كلها‬
‫قوية خا�صة �أن الداعية مطالب بح�سن الظن بالنا�س و�أن �سوء الظن مع‬
‫�أنه حمرم ف�إنه يعمق الفج ـ ــوات بني الداعية وحميطه الطبيعي‪.‬‬
‫قد يدعوك �شخ�ص ما �أن تبايعه � إمام ًا �أو قائد ًا �أو �أمري ًا للم�ؤمنني!!‬
‫�أو تبايع �شيخـ ـ ــه �أو �أ�ستاذه �أو حتى فيما دون البيعة ف� إذا رف�ضت �أو‬
‫ترددت ف� إن الت�شخي�ص جاهز والعالج �أي�ضا جاهز هو ت�شخي�ص واحد‬
‫وعالج واحد ال غري!! ولو كان ه�ؤالء قد در�سوا علوم النف�س والطباع‬
‫و�أمناط ال�شخ�صيات لعلموا �أن قواعد هذا العلم تعطي خيارات �أو�سع‬
‫وعالجات كذلك‪ ،‬و�أن هذه �أ�سباب و�ضعها اهلل يف هذا اخللق كقواعد‬
‫العلوم الأ خرى يف الفيزياء والكيمياء والطب والفلك‪ ..‬الخ وحينما‬
‫يجهل القادة واملت�صدون للعمل العام مثل هذه العلوم ف�إن �أ�سباب اهلل ال‬
‫تتخلف‪ ,‬ويف هذا جواب على ت�سا�ؤل م َّر ملاذا حتافظ التنظيمات الغربية‬
‫العلمانية على بنائها الداخلي مع � إمكانية التطوير والتو�سع وملاذا تف�شل‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪24‬‬
‫اجلماعات الإ�سالمية يف ذلك‪ .‬يقول الدكتور جا�سم �سلطان وهو ينتقد‬
‫ما �آل � إليه امل�شروع الإ�سالمي املعا�صر‪( :‬ال زالت هناك �أ�سئلة كثرية‬
‫حتري القادة والعاملني يف امل�شروع ومنها‪ :‬من هم الب�شر املطلوب‬
‫� إعدادهم؟ ومن الذي �سيعدهم؟ وعلى �أي �شيء �سيتم � إعدادهم؟‪ ...‬وما‬
‫هي م�ؤ�شرات جناح العملية ؟ وكيف �ستتم عملية الرتبية يف ظل جهود‬
‫تعليمية و� إعالمية �أخرى قد جته�ض هذه العملية ؟)()‪.‬‬
‫وال بد من الإ�شارة يف نهاية هذه النقطة �أن ما تعده �أنت مر�ضا‬
‫يجب �أن يعالج قد يراه �آخرون �أنه عك�س ذلك فالطموح والثقة بالنف�س‬
‫قد تراها �أنت من ال�صفات ال�سلبية امل�ؤذية للعمل ويراها �آخرون �أنها‬
‫�ضرورة من �ضرورات العمل و�أن �أي م�شروع لي�س فيه مثل ه�ؤالء فهو‬
‫م�شروع ميت قبل �أن يبد�أ‪� ,‬أنظر � إىل مالك بن نبي كيف يعد (القلق)‬
‫�ضرورة لتحريك املجتمعات بينما يرى اال�ستقرار �سببا للركود والك�ساد!!‬
‫«� إن املجتمع يكون �أحيانا يف حالة ركود وك�ساد ولو �أننا قد حللنا يف مثل‬
‫هذه احلالة الو�ضع النف�سي الذي يكون عليه الفرد ف�إننا نراه يتمتع‬
‫ب�صورة وا�ضحة ب�شعور اال�ستقرار فال يحتويه �أي قلق وبالتايل ف�إنه ال‬
‫يبذل �أي حماولة لتغيري الو�ضع من حوله)()‪.‬‬

‫‪ -‬قوانني النه�ضة ج‪� 2‬ص ‪.104‬‬


‫‪ -‬ت أ�مالت ‪ /‬مالك بن نبي �ص ‪ ،132‬وانظر �سيكولوجية التعلم ‪ /‬د جابر عبد احلميد‬
‫جابر �ص‪.35‬‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة ‪25‬‬
‫علم الطباع وأنماط الشخصية‬
‫يعرف لو�سني() الطبع بقوله‪( :‬هو جمموعة اال�ستعدادات‬
‫الفطرية التي ت�ؤلف الهيكل النف�سي للإ ن�سان)() ويعني باال�ستعدادات‬
‫الفطرية‪ :‬تلك التي ولدت مع الإن�سان بخالف املكت�سبات واملتغريات‪.‬‬
‫� إن الإن�سان بجوانبه املختلفة يحمل �صفات ثابتة متثل هويته‬
‫وب�صمته اخلا�صة فلو �أخذنا اجل�سد مثال ف�إنه رغم جتدد اجل�سد‬
‫لكل � إن�سان وتبديل خالياه با�ستمرار وتعر�ضه لعوامل القوة (ال�صحة‬
‫والريا�ضة والتغذية اجليدة) �أو العك�س (املر�ض والك�سل و�سوء التغذية‬
‫واحلوادث امل�ؤذية) � إ�ضافة � إىل ظاهرة النمو الطبيعي ف� إن هذا اجل�سد‬
‫�سيبقى حمتفظا بخ�صو�صيته ومالحمه فال يختلط ج�سد زيد بج�سد‬
‫عمر رغم ا�شرتاكهما بكل هذه املتغريات ! � إذا ممكن �أن ن�سمي تلك‬
‫اخل�صو�صية واملالمح الثابتة ب ـ (الثوابت اجل�سدية) وتلك املتغريات ب ـ‬
‫(املتغريات اجل�سدية)‪.‬‬
‫و� إذا �أخذنا العقل ف�إن كل � إن�سان يولد ومعه قدر من الذكاء‬
‫رمبا يختلف من �شخ�ص لآخر‪ ،‬ولكن هذا العقل يتعر�ض كما يتعر�ض‬
‫اجل�سد لعوامل القوة مثل (الثقافة‪ ،‬اخلربة) ولعوامل ال�ضعف مثل‬
‫(اجلهل والالمباالة واملخدرات) لكن رغم ا�شرتاك النا�س يف هذه‬
‫العوامل وامل�ؤثرات � إال �أن اال�ستعدادات الأ ولية للذكاء خمتلفة‪ ،‬فالطفل‬
‫(املوهوب) الذي يولد ومعه قدر عال من الذكاء ي�ستطيع �أن يحقق‬
‫ ‪ -‬عامل متخ�ص�ص بالطباع‪ ،‬من م ؤ�لفاته “الطبع وامل�صري ال�شخ�صي“ و “علم‬
‫الطباع والكذب“‪.‬‬
‫ ‪ -‬علم الطباع املدر�سة الفرن�سية ‪ /‬د �سامي الدروبي �ص‪.21‬‬
‫‪ 26‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫� إجنازات عقلية كبرية � إذا توفرت له فر�ص النماء والتطوير �أكرث بكثري‬
‫من ذلك الطفل الذي يولد ولي�س معه تلك املوهبة حتى لو توفرت له نف�س‬
‫الفر�ص التي توفرت للأ ول!! � إذا هناك خ�صو�صيات (ثوابت عقلية)‬
‫وهناك مكت�سبات (متغريات)‪.‬‬
‫و� إذا جئنا � إىل مو�ضوعنا ف� إن النف�س الب�شرية هي الأ خرى تولد‬
‫با�ستعدادات و�صفات موروثة متثل الهوية اخلا�صة بالهيكل النف�سي لذلك‬
‫ال�شخ�ص بحيث متيزه متاما عن ال�شخ�ص الآخر – كما يف حالتي العقل‬
‫واجل�سد – وهذا اجلانب يف النف�س هو اجلانب الثابت وهو (الطبع)‬
‫ثم ت�أتي ال�صفات املكت�سبة من البيئة واملحيط الديني والفكري لكي‬
‫ت�ضيف �صفات جديدة رمبا ت�ساهم �أي�ضا يف توجيه الطبع ولي�س‬
‫يف تغيريه متاما كالريا�ضة التي ال تلغي هوية اجل�سد و� إمنا توجهه‬
‫بال�شكل الأ ف�ضل وكالثقافة التي ال تغري الذكاء و� إمنا توجهه للم�ساقات‬
‫والقناعات اجلديدة‪ .‬وعلى هذا يكون الهيكل النف�سي للإ ن�سان م�ؤلف‬
‫من (ثوابت ومتغريات)‪.‬‬
‫� إن مو�ضوع «علم الطباع» هو درا�سة ال�صفات الثابتة يف �شخ�صية‬
‫الإن�سان التي متثل هويته اخلا�صة وال عالقة لعلم الطباع بامل�ؤثرات‬
‫اخلـارجية كالــدين والفــكر واملجتمع‪ .‬وال بال�سلوكيات اليومية املتغرية‬
‫� إال باعتبارها نتاج ًا و م�ؤ�شر ًا على نوع الطباع «فهو يدر�س املكت�سبات‬
‫املتغرية بغية ت�شخي�ص الثوابت و ي�ستقري الظواهر ال�سلوكية للو�صول‬
‫� إىل الطبع » () بل ويعنى هذا العلم حتى ب�شكل اجل�سد ودالالته الطبعية‬

‫‪ -‬علم الطباع املدر�سة الفرن�سية �ص‪.24‬‬


‫‪27‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫وكذلك �شكل اخلط والتوقيع والهوام�ش املرتوكة يف ورقة الكتابة‪..‬الخ‬
‫و� إذا كانت ال�سلوكيات الظاهرة واملتغرية تعيننا على فهم ال�صفات‬
‫الثابتة «الطبع» ف� إن معرفة الطبع تعيننا على معرفة منط ال�سلوك الذي‬
‫�سيقوم به ال�شخ�ص م�ستقبال‪ ,‬يقول رميوند كاتيل وهو يتكلم عن فوائد‬
‫هذا العلم «التنب ؤ� مبا �سيعمله املرء يف موقف معني»() وهذه هي‬
‫الثمرة احلقيقية لهذا العلم‪ ،‬ف� إن هذا العلم يعيننا على معرفة الدور‬
‫الذي ي�صلح لهذا ال�شخ�ص وال ي�صلح لذاك! فهذا بطبعه ي�صلح للقيادة‬
‫�أو للق�ضاء �أو للتعليم �أو للفن‪ ..‬الخ وهذا �سيت�صرف بالطريقة الفالنية‬
‫� إذا واجه هذه امل�شكلة والثاين �سيواجهها بطريقة خمتلفة!‪.‬‬
‫ولهذا العلم مدار�س خمتلفة فمنهم من يرد كل ال�سلوك الب�شري‬
‫� إىل الغريزة! وه�ؤالء �أي�ضا قد يختلفون يف حتديد الغريزة وت�صنيفها‬
‫وترتيب �أولوياتها‪ ،‬و� إذا كان فرويد قد عرف برتكيزه على غريزة اجلن�س‬
‫ف� إن هناك من �أعترب الأ �صل يف كل الغرائز � إمنا هو (احلياة) وما غريزة‬
‫اجلن�س وكذلك الأ كل وال�شرب‪..‬الخ � إال �أدوات �أو «حاجات» البد منها‬
‫ال�ستمرار احلياة() بينما كان الفال�سفة الإغريقيون ي�صنفون النا�س‬
‫تبعا ملا ي�سمونه بـ (الأ مزجة الغالبة) فيقولون‪ :‬هذا �صفراوي ملن غلبت‬
‫عليه ال�صفراء‪ ،‬ويقولون‪ � :‬إن �أ�شكاله م�ستطيلة و�أطرافه طويلة‪ ،‬ويتمتع‬
‫بكرثة احلركة!! ويقولون‪ :‬هذا بلغمي وغالبا ما تكون �أ�شكاله ثقيلة ذات‬

‫‪ -‬نظريات ال�شخ�صية �ص‪ ،337‬وهذا ين�سجم مع قول �سكرن‪�”:‬إن هدف علم النف�س هو‬
‫التنب ؤ� ب�سلوك أالفراد و�ضبطه “�سيكولوجية التعلم ‪/‬د جابر عبد احلميد جابر‬
‫�ص ‪.300‬‬
‫ ‪ -‬علم الطباع املدر�سة الفرن�سية �ص ‪.7 -6‬‬
‫‪ 28‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫�شحم ويكون بطيء احلركة!! ويقولون‪ :‬هذا دموي وغالبا ما يكون قف�صه‬
‫()‪.‬‬
‫ال�صدري عري�ضا والطبقة الو�سطى من وجهه نامية‪..‬الخ‬
‫لكن احلقيقة �أنه حينما نتكلم عن علم حمدد فال ميكن �أن نرجع‬
‫� إىل البدايات الأ ولية التي ت�صلح كقوا�سم م�شرتكة للكثري من الأ ن�شطة‬
‫الب�شرية والثقافات والعلوم الإن�سانية‪ ،‬ثم � إن غريزة «اجلن�س« مثال �أو‬
‫«احلياة» هي حمل ا�شرتاك وت�شابه بني كل الب�شر‪ ،‬بل وحتى احليوان!‬
‫ومن هنا فال ميكن �أن ن�ضع �أمناطا لل�شخ�صية الإن�سانية بناءا على هذه‬
‫الغرائز‪ ،‬وحتى «الأ مزجة« التي حتدث عنها الإغريق مع �أنها �أقرب‬
‫– من حيث املبد�أ‪ -‬من نظريات «الغرائزيني» � إال �أنها ال ميكن ت�صنيفها‬
‫كعلم حمدد وقابل للقيا�س والتطبيق لكنها تدلل بال �شك على مدى‬
‫اهتمام املجتمع الب�شري ب�أوليات هذا العلم وهذا يعك�س حاجة قدمية‬
‫ومتجددة يف هذا املجال دون ريب‪.‬‬
‫والذي وجدته �أن املدر�سة الفرن�سية قد قطعت �أ�شواطا‬
‫متميزة يف هذا العلم‪ ,‬وقد قدمت هذا العلم بهيكلية متكاملة وم�ستوعبة‬
‫لل�شروط املطلوبة يف كل علم وبطريقة منطقية مت�سل�سلة()‪ .‬وهذا ما‬
‫�سنف�صله يف املطلب التايل مع مالحظة – �أين �أبقيت امل�صطلحات التي‬
‫ا�ستعملتها هذه املدر�سة بال تغيري لت�سهيل الرجوع � إىل تفا�صيلها يف‬
‫م�صادرها الأ �صلية مع �شعوري باحلاجة � إىل تغيري بع�ض امل�صطلحات‬
‫مبا ينا�سب اال�ستعمال العربي لكني اكتفيت بالتو�ضيح من خالل الأ مثلة‬
‫وال�شرح‪.‬‬
‫‪ -‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬
‫ ‪ -‬وقد ا�ستفدت هذا الت�صنيف من كتاب‪ :‬علم الطباع املدر�سة الفرن�سية ‪..‬‬
‫‪29‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫المقومــات األساسية لتصنيف الطباع‬
‫اعتمد الفرن�سيون ثالثة �أ�س�س يف ت�صنيف الطباع ‪ ,‬وهذه الثالثة‬
‫ينبغي �أن تقر أ� بطريقة مت�سل�سلة‪ ،‬ثم بتزاوج هذه الثالثة يظهر الت�صنيف‬
‫التلقائي لأ مناط ال�شخ�صية‪ ,‬وهي‪:‬‬
‫�أو ًال ‪ -‬االنفعالية‬
‫وهذا امل�صطلح قريب من «الدافعية» امل�ستخدم يف مدار�س‬
‫�أخرى() �أبلغ �شخ�صني متفاوتني يف ال�صفات الظاهرة نب أ� تراه مثريا‬
‫وال يخ�ص الأ ول دون الآخر وذلك مثل �سقوط طائرة �أو حدوث زلزال‬
‫�أو � إعالن حرب فقد جتد �أن الأ ول قد ا�ضطرب وانقطع عن عمله و�أخذ‬
‫ي�س�أل بلهف عن �صدقية هذا اخلرب وتداعياته وتف�صيالته‪ ,‬بينما ترى‬
‫الثاين يقابلك بربود ويبقى م�ستمرا بحالته الأ وىل من عمل �أو كالم �أو‬
‫جلو�س �أو ا�ستلقاء‪..‬الخ‬
‫� إن التفاوت هذا بني ال�شخ�صني هو تفاوت يف درجة «االنفعالية»‬
‫والواقع �أن النا�س كلهم م�شرتكون بقدر ما من االنفعالية لكنهم متفاوتون‬
‫فيما بعد هذا القدر لأ ن «اخلا�صة الأ �سا�سية الأ ولية يف حياة الإن�سان هي‬
‫االنفعالية‪ ،‬فهي الطاقة التي بدونها ال ميكن �أن ت�ستمر احلياة»()‪.‬‬
‫ف�إذا افرت�ضنا �أن و�سط االنفعالية (‪ )5‬فان الأ رقام من (‪)9-6‬‬
‫()‬
‫ت�سمى انفعالية بينما الأ رقام من (‪ )4-1‬ت�سمى غري انفعالية‪.‬‬
‫لكن ملاذا كانت االنفعالية هي اخلا�صة الأ �سا�سية الأ وىل؟! وهي‬
‫‪ -‬نظريات ال�شخ�صية �ص ‪.238‬‬
‫‪ -‬علم الطباع املدر�سة الفرن�سية �ص ‪.45‬‬
‫ ‪ -‬أ�نظر ملحق رقم (‪.)1‬‬
‫‪ 30‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫املحرك الأ ول لكل �سلوكيات الإن�سان؟!‬
‫� إنك ت�شعر باجلوع �أو العط�ش �أو التعب �أو الإهانة �أو اخلوف‪..‬‬
‫الخ في�صنع فيك هذا ال�شعور توترا مبقدار ‪ -‬بح�سب طبعك‪ � ،-‬إن‬
‫هذا التوتر هو «االنفعالية» فانظر هل ميكن �أن يكون هناك ت�صرف‬
‫ب�شري بدون هذا الدافع؟! يقول هرني موري‪« :‬تن�ش أ� احلاجة من‬
‫الفعاليات الداخلية مثل اجلوع والعط�ش‪� ,‬أو من �أحداث معينة‬
‫مهما كان م�صدرها‪ ,‬فاحلاجة ترفع م�ستوى التوتر الذي يحاول‬
‫الكائن �أن يخف�ضه عن طريق � إر�ضاء احلاجة() «و� إذا كانت هذه‬
‫احلاجات ال ح�صر لها فهي لي�ست الأ كل وال�شرب واجلن�س فقط‬
‫و� إمنا ت�شمل» حاجة االحرتام واملقاومة واالنتماء وال�سيطرة وحب‬
‫الظهور واللعب‪..‬الخ() ف�إن «االنفعالية» ال حدود لت�أثريها ون�شاطها‬
‫ولذلك يقول جولدون البورت‪ �« :‬إنه من التب�سيط �أكرث من الالزم‬
‫اختزال الدافعية � إىل عدد قليل من الدوافع مثل البحث عن اللذة‬
‫وال�سلطة والأ من()» وقد حاول � إبرا هام ما�سلو �أن ير�سم هرما‬
‫لهذه الدوافع تبد أ� قاعدة الهرم بالدوافع الف�سيولوجية ثم ال�سالمة‬
‫والأ من ثم االنتماء ثم االحرتام ثم حتقيق الذات‪.‬‬
‫لكن الإ�ضافة اجلديرة باالهتمام �أن الدافع الواحد الذي ي�صنع‬
‫التوتر املطلوب ل�سد احلاجة قد يتغري» قبل و�أثناء وبعد «�سد احلاجة !!‬
‫وي�ضرب البورت مثاال وا�ضحا فيقول‪« :‬بع�ض النا�س يندفع جلمع املال‬

‫ ‪ -‬نظريات ال�شخ�صية �ص ‪189‬‬


‫‪ -‬نظريات ال�شخ�صية �ص ‪190‬‬
‫‪ -‬نظريات ال�شخ�صية �ص ‪238‬‬
‫‪31‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫بدافع � إ�شباع اللذة �أو حتقيق ال�سعادة‪ ,‬ثم بعد جمع املال يتحول الدافع‬
‫� إىل املحافظة على املال !! وين�سى «البخيل» الدافع الأ ول فيعي�ش يف �شقاء‬
‫رغم ما عنده من مال !! ()»‪.‬‬

‫المنظور اإلسالمي لالنفعالية ‪:‬‬


‫بداية ميكن القول � إن كل ما قر�أناه عن االنفعالية ال يتعار�ض‬
‫مع ما عندنا من ن�صو�ص � إ�سالمية‪� ،‬صحيح �أننا قد ال جند االنفعالية‬
‫كم�صطلح‪ ,‬لكن القر�آن الكرمي وال�سنة النبوية فيهما املئات من الن�صو�ص‬
‫التي تتحدث عن احلاجات املحركة لل�سلوك الب�شري ﮋ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢﮣﮤﮥ ﮦﮧﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﮊ ()‪.‬‬
‫والقر�آن هنا ال يلوم الإن�سان على هذه الغرائز �أو «احلاجات»‬
‫و� إمنا يدعوه � إىل االنتباه � إىل حاجات �أخرى �أ�شد �ضرورة و�أكرب نفعا‬
‫و�أدوم م آ� ًال فرتاه يعقب بعد هذه الآية مبا�شـ ـ ــرة‪ :‬ﮋ ﯝ ﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶﮊ () فالقر�آن ال ينكر الدوافع املادية �أو‬

‫‪ -‬نظريات ال�شخ�صية �ص ‪240‬‬


‫ ‪� -‬سورة �آل عمران‪ ،‬ا آلية ‪.14‬‬
‫‪� -‬سورة �آل عمران‪ ،‬ا آلية ‪.15‬‬
‫‪ 32‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫الدنيوية وال يريد للنا�س �أن يتجاوزوها() ولكنه يريد �أن يحدث نوعا‬
‫من التوازن لي�س بني الدوافع هذه وما يقابلها يف عامل الإميان بالغيب‬
‫واحلياة الأ خرى و� إمنا بني هذه الدوافع ذاتها لكن من طرفيها (الفردي‬
‫واجلماعي) ولتو�ضيح هذه الفكرة نقول‪ :‬اهلل خلق هذه احلاجات �أو‬
‫الغرائز يف الإن�سان لتدفعه للعمل املثمر واجلاد ف�إذا متكن من جمع املال‬
‫ف�إن هناك � إن�سانا �آخر قد ال يتمكن من توفري املال ل�سد حاجاته الأ �سا�سية‬
‫ملر�ض �أو ظرف �ضاغط‪..‬الخ فيتدخل هنا الإميان بالغيب لي�ضيف دافعا‬
‫جديدا ل�صاحب املال وهو دافع للإ نفاق يف مقابل الدافع للجمع يقول‬
‫القر�آن الكرمي‪ :‬ﮋ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬
‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮊ () والحظ‬
‫القر�آن العظيم كيف يربط بني حاجات اجل�سد وحاجات الأ من وحاجات‬
‫االحرتام حتى للفقري ! ف�أنت تقدم مالك للفقري بال منَ وال �أذى‪ ،‬ف�إهانة‬
‫الفقري بهذا املن تبطل ال�صدقة نف�سها !! بل يذهب القر�آن � إىل �أبعد‬
‫من هذا لريبط بني املن على الفقراء والكفر باهلل ﮋ ﯡ ﯢ‬
‫ﯣﯤﯥ ﯦﯧﯨﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬

‫‪ -‬أ�نظر الفكر الرتبوي والنف�سي عند الغزايل‪ ،‬د كفاح يحيى الع�سكري �ص ‪.140‬‬
‫‪� -‬سورة البقرة‪ ،‬ا آليتان ‪.262 -261‬‬
‫‪33‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﮊ () ويف �آية‬
‫�أ�شد و�ضوحا يقول الق ـ ـ ـ ــران‪ :‬ﮋ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪﭫﭬ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﮊ ()‪.‬‬
‫الإ�سالم � إذا يقر هذه احلاجات بت�صنيفها املادي واملعنوي �أو‬
‫الفردي واجلماعي‪ ،‬لكن الإ�سالم �أ�ضاف م�صطلح ًا جديدا ذا �صلة‬
‫وثيقة مبو�ضوعنا هذا �أال وهو «النيـــة» والنية يف تقديري هي نوع من‬
‫ال�سلوك القلبي يتو�سط بني الدافعية �أو «االنفعالية» والعمل ! فاالنفعال‬
‫للجوع �أو اخلوف �أو الإهانة يتحول � إىل «قرار» قبل اخلطوات العملية‬
‫وهذا القرار هو الذي ي�سميه الإ�سالم «النية» وقد رتب عليها ما ي�ستحقه‬
‫العاملون من ثواب �أو عقاب‪ ,‬يقول الر�سول الأ كرم ‪ �( ‬إمنا الأ عمال‬
‫بالنيات و� إمنا لكل امرئ ما نوى) ()‪.‬‬
‫�أما ملاذا جعل الإ�سالم النية هي مدار اجلزاء مع �أنها ت�أتي‬
‫بعد «احلاجة« من حيث الرتتيب املنطقي والطبيعي؟ فما ذاك � إال لأ ن‬
‫الإ�سالم يقر �أن احلاجات والغرائز ال ت�ستحق بذاتها ثوابا �أو عقابا لأ نها‬
‫لي�ست يف � إرادة الب�شر بخالف النية التي تعد اخلطوة الأ وىل لل�سلوك‬
‫الب�شري النابع من � إرادته‪ ,‬ولهذا فاجلهد ال ينبغي �أن يتوجه لتغيري‬

‫ ‪� -‬سورة البقرة‪ ،‬ا آلية ‪.264‬‬


‫ ‪� -‬سورة املاعون‪ ،‬ا آليتان ‪.3-1‬‬
‫ ‪ -‬البخاري ‪ /‬التجريد ال�صريح ج‪� 1‬ص‪.5‬‬
‫‪ 34‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫(الغرائز) �أو (االنفعال) الناجت عن الغرائز فهذا من الطبع الذي ال‬
‫يتغري ولكن ال�سلوك الذي يبد أ� بالنية هو القابل للتغيري والإ�صالح‪ ،‬وقد‬
‫يرد اعرتا�ض �أن النية وال�سلوك كذلك � إذا كانت من نتاج (الثابت) فهي‬
‫�أي�ضا ثابتة فكيف تقبل التغيري؟ واحلقيقة �أن جملة احلاجات من حيث‬
‫هي موجودة غري قابلة للتغيري وكذلك درجة انفعال كل منط من �أمناط‬
‫ال�شخ�صية حينما يتولد عنده ال�شعور باحلاجة فهذا �أي�ضا ال يتغري‪،‬‬
‫لكن الذي يتغري هو �سلًم هذه احلاجات نف�سها داخل الإن�سان بح�سب‬
‫امل�ؤثرات الذاتية – كالتقدم يف ال�سن مثال – �أو امل�ؤثرات اخلارجية‬
‫كالدين وامل�ستوى الثقايف‪ ،‬لكن هل م�ستوى االنفعال عند ا�ست�شعار‬
‫احلاجة يف وقتها يتغري؟ الظاهر من درا�سة �أمناط من ال�شخ�صيات‬
‫التاريخية يظهر ب�شكل وا�ضح �أن هذا ال يتغري فمثال ا�ست�شعر ال�صحابي‬
‫اجلليل عبد الرحمن بن عوف ر�ضي اهلل عنه حاجته للمال بعد الهجرة‬
‫فذهب لل�سوق وعمل يف التجارة‪ ,‬هنا ن�ستطيع �أن نقول عن عبد الرحمن‪:‬‬
‫� إنه من النمط العايل االنفعالية‪ ،‬ثم ملا ا�ست�شعر هو نف�سه احلاجة � إىل‬
‫املناف�سة الأ خروية والقربى من اهلل هل م�ستوى انفعاله � إزاء هذا ال�شعور‬
‫قد قل عن م�ستوى انفعاله الأ ول ؟؟ لقد قدً م عبد الرحمن يف جمال‬
‫الإنفاق ما يكافئ م�ستواه يف اجلمع ال�ست�شعارين وانفعالني خمتلفني من‬
‫هنا ن�ستطيع �أن جنزم �أن نف�سية عبد الرحمن هي من النمط العايل‬
‫يف انفعاليته‪ ،‬ولو ر�أينا حما�سة خالد بن الوليد وهو يقاتل للق�ضاء على‬
‫الإ�سالم يف �أحد ثم ر�أيناه كيف يقاتل من �أجل الدفاع عن الإ�سالم يف‬
‫حربه للمرتدين ثم الفتوحات الكبرية لعلمنا �أن ال�صفة النف�سية الثابتة‬
‫يف �شخ�صيته ر�ضي اهلل عنه هي (االنفعالية العالية) فهذه مل تتغري لكن‬
‫‪35‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫الذي تغري هو عقيدته وقناعاته مبا ينبغي �أن ينفعل له ! ولو �أخذنا مثال‬
‫عمر بن عبد العزيز الذي كان م�شبوبا بدواف ـ ـ ــع التميز الدنيوي حتى‬
‫نال اخلالفة ثم �صعد عنده الطموح للتميز الأ خروي فزهد مبتاع الدنيا‬
‫وزينتها لعلمنا �أن الثابت �أي�ضا يف �شخ�صيته هو (االنفعالية العالية)‬
‫التي قادته مرة للتعلق بالدنيا وقادته يف النهاية للزهد فيها!! وقد قال‬
‫تعط من الدنيا � إال تاقت � إىل ما‬
‫هو نف�سه يف ذلك‪ �« :‬إن نف�سي توّاقة مل َ‬
‫هو �أف�ضل منه فلما �أعطيت ما ال �شيء فوقه من الدنيا تاقت نف�سي � إىل‬
‫ما هو �أف�ضل منه يعني اجلنة !! ()»‪.‬‬
‫ولو �أخذنا منوذجا بعيد ًا عن البيئة الإ�سالمية «هتلر» لقد ده�شت‬
‫فعال حينما علمت �أن هذا الرجل ال�شديد العنيد كان من �أكرث رجال‬
‫اجلي�ش الأ ملاين ان�ضباط ًا وحب ًا وطاعة لآمريه قبل �أن يكون يف مو�ضع‬
‫امل�س�ؤولية الأ ول !! ومعنى هذا �أن قوته يف الطاعة ال تختلف عن قوته‬
‫يف الأ مر !! لكن الذي اختلف هو �شعوره باحلاجة التي تنا�سب و�ضعه‬
‫اجلديد‪.‬‬
‫من كل ما تقدم ندرك �أن «االنفعايل« ممكن �أن يتحول‬
‫من انفعايل بهذا االجتاه �إىل انفعايل باجتاه �آخر �أو حتى من‬
‫«انفعايل يف ال�شر» �إىل «انفعايل يف اخلري» �أو العك�س‪ ،‬لكن من‬
‫ال�صعب �أو امل�ستحيل حتويل « الال انفعايل» �إىل « انفعايل»‪،‬‬
‫وبع�ض اجلماعات الإ�سالمية املعا�صرة ‪ -‬نتيجة لق�صورها يف هذا العلم‬
‫– حتاول �أن ت�ستقطب «الال انفعاليني« جتنبا للم�شاكل والطفرات غري‬

‫‪ -‬تاريخ اخللفاء لل�سيوطي �ص ‪.220‬‬


‫‪ 36‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫املتوقعة! ثم حلاجتها � إىل دفع �أع�ضائها للعمل والت�ضحية والإقدام حتاول‬
‫بالوعظ والرتغيب والرتهيب �أن تبث هذه الروح يف ه�ؤالء الأ ع�ضاء‪ ،‬لكن‬
‫النتائج غالبا ما تكون خميبة للآ مال! وتتكرر العملية مرات ومرات دون‬
‫�أن ي�صلوا � إىل نتيجة في�سود يف قياداتها �شعور بالال جدوى و�أنهم ينبغي‬
‫�أن يقوموا بكل املهام لوحدهم و�أنه لي�س هناك من ي�صح االعتماد عليه!!‬
‫فيختفي العمل امل�ؤ�س�سي وتختفي روح ال�شورى احلقيقية وي�سود اجلماعة‬
‫حال من الك�ساد والركود ! ولكن لو �س�ألوا �أنف�سهم كيف نرى تنظيمات‬
‫«�أر�ضية» دنيوية قادرة على حتريك عنا�صرها نحو �أهدافها بت�ضحيات‬
‫ومغامرات خطرية وكيف ال ي�ستطيع امل�ؤمنون باهلل والآخرة �أن يحققوا‬
‫ذلك؟ �أين هي امل�شكلة احلقيقية ؟ يقول �أحمد مطر‪:‬‬
‫�أنا لي�س يل علم بتعبئة ال�شجاعة يف القناين‬
‫()‬
‫�أو فن حتويل اخلروف � إىل ح�ص ـ ـ ـ ـ ــان‬

‫وهنا �أ�شري فقط حلديث ر�سول اهلل ‪ - ‬حتى ال يتهم الإ�سالم‬


‫نف�سه بهذه املنهجية املغلوطة – حينما طلب منه �أبو ذر الغفاري ر�ضي‬
‫اهلل عنه �أن ي�ستعمله فقال له عليه ال�صالة وال�سالم‪( :‬يا �أبا ذر � إنك‬
‫�ضعيف و� إنها �أمانة ()) ملاذا مل يقل له تعال �أدخلك دورة لتكون قويا!!‬
‫�أو حاول يا �أبا ذر �أن تعالج ال�ضعف الذي فيك !!مع ما عرف فيه �أبو ذر‬
‫من قوة يف الإميان ووالء را�سخ هلل ور�سوله و�صدق يف الل�سان وجناح‬
‫يف الدعوة و�شجاعة يف قول احلق ‪ -‬كما �سي�أتي تف�صيله � إن �شاء اهلل‬
‫‪ -‬الفتات‪ ،‬أ�حمد مط ر‬
‫‪� -‬صحيح م�سلم ج‪� 3‬ص ‪.1457‬‬
‫‪37‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫‪ -‬وكيف قدّم الر�سول ‪ ‬عليه من جاء بعده ب�سنوات عديــدة كخالد بن‬
‫الوليد وعمرو بن العا�ص ‪-‬ر�ضي اهلل عنهم �أجمعني‪.‬‬
‫وقبل �أن ننهي هذه النقطة ال بد من الإ�شارة � إىل � إ�ضافة جولدون‬
‫البورت – التي مرت معنا ‪ -‬يف �أن الدافع للعمل الواحد نف�سه قد يتغري‬
‫كما يف حالة «البخيل» الذي كان دافعه جلمع املال «حتقيق ال�سعادة»‬
‫على وفق ما يراه عند غريه من الأ ثرياء‪ ،‬لكن �أثناء جمعه للمال يتحول‬
‫الهدف من «حتقيق ال�سعادة» � إىل «كنز املال» بحيث يبقى البخيل رغم‬
‫ماله �شقيا وغري قادر على ا�ستعمال ماله لرفع هذا ال�شقاء!!‬
‫� إننا ك�إ�سالميني علينا �أن نعرتف بهذه الإ�ضافة على م�ستوى‬
‫الأ فراد �أو اجلماعات من حيث الواقع والتجربة ف�إننا جند طالب العلم‬
‫ال�شرعي الذي �أخذ العلم لتحقيق الواجب ال�شرعي والإرث النبوي ثم‬
‫حتول � إىل م�صدر للرزق بحيث ترى بع�ض الأ �ساتذة ال يفكر بكتابة‬
‫حتى البحوث العلمية � إال تلك التي تنفعه يف ترقيته الوظيفية!! وقد ترى‬
‫املجاهد الذي اندفع ب�صدقٍ حب ًا يف اجلهاد وثوابه ثم تراه مناف�سا لغريه‬
‫على ال�صدارة والرئا�سة يف �صفوف «املجاهدين» وترى الداعية امل�شبوب‬
‫بالعاطفة الإ�سالمية لن�شر الدعوة يتحول فيما بعد � إىل متعط�ش لتجميع‬
‫الأ ن�صار ل�شخ�صه وك�أنه يتهي أ� ملناف�سات انتخابية!! وكل ه�ؤالء ينطلقون‬
‫بنف�س احلما�س رغم تغري الأ هداف � إىل حد التباين!!‬
‫�أما على م�ستوى اجلماعات فقد نرى اجلماعة التي ت�أ�س�ست‬
‫�أ�صال من �أجل � إنقاذ الأ مة كيف تنزوي يف النهاية عن الأ مة لتتقزم‬
‫�أهدافها � إىل م�ستوى «احلفاظ على اجلماعة» ورمبا تدخل يف ا�شتباك‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪38‬‬
‫مع كل �أطياف الأ مة لأ نهم ي�شكلون خطرا على «اجلماعة»!! ونرى‬
‫جمموعة تن�شق عن جماعتها الأ م لتحقيق الأ هداف التي مل تتمكن‬
‫اجلماعة الأ م من حتقيقها ‪ -‬وهذا مربر مقنع ‪ -‬ولكن بعد التجربة‬
‫الطويلة واملحاوالت املتكررة تف�شل هذه املجموعة يف حتقيق �أهدافها‬
‫فرتجع � إىل نف�س �أ�سلوب اجلماعة الأ م!! لكن مع االحتفاظ ب�شيء واحد‬
‫فقط �أال وهو «االن�شقاق»!! وي�صبح االن�شقاق بحد ذاته هدفا بعد �أن كان‬
‫و�سيلة لتحقيق هدف �آخر!! وهكذا ن�ستطيع القول‪ � :‬إن عندنا من الأ مثلة‬
‫والنماذج احلية التي ت�ؤيد نظرية البورت بقوة ويف خمتلف املجاالت‬
‫لكنها يف الغالب ال تكون باجتاه التغيري نحو الأ ف�ضل()‪.‬‬
‫لكن هل ميكن الت�سليم ب�أن هذه � إ�ضافة حقيقية مبعنى �أنها غري‬
‫م�سبوقة ؟! رمبا تكون كذلك يف �سياق هذا العلم وم�صطلحاته لكن لو‬
‫رجعنا � إىل م�صادرنا الإ�سالمية من غري تكلف ف�إننا �سنجد الكثري من‬
‫الن�صو�ص التي ت�شري � إىل هذه الإ�ضافة ولنتدبر هذه النماذج‪:‬‬
‫يقول القـ ـ ــران الكريــم‪ :‬ﮋ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ ﮠ‬
‫()‬
‫ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮊ‬
‫ويق ـ ـ ــول‪ :‬ﮋ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‬

‫‪ -‬انظر هكذا ظهر جيل �صالح الدين –د ماجد الكيالين �ص‪.406‬‬
‫ ‪� -‬سورة التوبة‪ ،‬ا آلية ‪.76-75‬‬
‫‪39‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﮊ () وروى م�سلم (عن‬
‫حنظلة الأ �سيدي قال وكان من كتّاب ر�سول اهلل ‪ ‬قال لقيني �أبو بكر‬
‫فقال كيف �أنت يا حنظلة قال قلت نافق حنظلة قال �سبحان اهلل ما‬
‫تقول قال قلت نكون عند ر�سول اهلل ‪ ‬يذكرنا بالنار واجلنة حتى ك�أنا‬
‫ر�أي عني ف�إذا خرجنا من عند ر�سول اهلل ‪ ‬عاف�سنا الأ زواج والأ والد و‬
‫ال�ضيعات فن�سينا كثريا قال �أبو بكر فو اهلل � إنا لنلقى مثل هذا فانطلقت‬
‫�أنا و�أبو بكر حتى دخلنا على ر�سول اهلل ‪ ‬قلت نافق حنظلة يا ر�سول‬
‫اهلل فقال ر�سول اهلل ‪ ‬وما ذاك قلت يا ر�سول اهلل نكون عندك تذكرنا‬
‫بالنار واجلنة حتى ك�أنا ر�أي عني ف� إذا خرجنا من عندك عاف�سنا الأ زواج‬
‫والأ والد وال�ضيعات ن�سينا كثريا فقال ر�سول اهلل ‪� ‬أن لو تدومون على ما‬
‫تكونون عندي ويف الذكر ل�صافحتكم املالئكة على فر�شكم ويف طرقكم‬
‫ولكن يا حنظلة �ساعة و�ساعة ثالث مرات) ()‪.‬‬
‫ثانيا ‪ -‬الفعّالية‬
‫يق�صد بالفعالية ‪«:‬اال�ستعداد الذاتي للعمل» كما تقول املدر�سة‬
‫الفرن�سية �أي بغ�ض النظر عن ال�ضغوط والعوامل اخلارجية‪ ,‬فالفعال‬
‫هو ال�شخ�ص الن�شط الذي يرغب يف العمل وال ي�شعر بال�س�أم �أو التعب � إال‬
‫نادرا‪ ،‬وقليل الراحة يكفيه‪ ،‬ويقابله الالفعّال وهو الك�سول اخلامل الذي‬
‫ال يعمل � إال بال�ضغط من قوة خارجية �أو عاطفة �آنية‪ ،‬ولذا ينبغي التنبه‬
‫� إىل �أن كرثة العمل لوحدها ال تعد دليال على الفعالية � إذا كانت نتيجة‬

‫ ‪� -‬سورة احلج‪ ،‬ا آلية ‪.11‬‬


‫‪� -‬صحيح م�سلم ج‪� 4‬ص ‪ 2106‬والرتمذي ج‪� 4‬ص‪.666‬‬
‫‪ 40‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫لتلك ال�ضغوط()‪.‬‬
‫والفعالية بكل م�ستوياتها هي تعبري عن اال�ستجابة لالنفعالية‪,‬‬
‫فالإن�سان الذي ي�شعر باجلوع يبد أ� بالبحث عن الطعام‪ ،‬فاالنفعالية هنا‬
‫هي ال�شعور باجلوع والفعالية هي البحث عن الطعام‪ ،‬وعلى هذا تكون‬
‫كل �سلوكيات الإن�سان عبارة عن فعالياته االختيارية الناجتة عن ال�شعور‬
‫باحلاجة (االنفعال)‬
‫� إن ت�صنيف النا�س � إىل فعّالني وغري فعّالني �أمر واقع ال يحتاج‬
‫� إىل � إثبات‪ ،‬و�سلوك املجتمع الب�شري �شاهد على هذا‪ ،‬ولكن الذي يحتاج‬
‫� إىل � إثبات هو كون هذا الت�صنيف ثابتا من ثوابت الطبع الإن�ساين مبعنى‬
‫�أنه غري قابل للتغيري فالفعّايل ولد فعاليا و�سيبقى كذلك حتى �آخر يوم‬
‫يف حياته والعك�س �صحيح‪.‬‬
‫من امل�ؤكد �أنه لي�س هناك دليل ميكن االطمئنان له � إال املالحظة‪،‬‬
‫فمثال لو �أخذنا جمموعة من الطالب الذين حتكمهم ظروف مت�شابهة‬
‫ف�إنا �سنجدهم متفاوتني يف الن�شاط الدرا�سي بالرغم من وجود الدوافع‬
‫املتقاربة‪ ،‬هذه مالحظة ف�إذا �أ�ضفنا � إليها مالحظة �أخرى وهي �أن هذا‬
‫التفاوت ميتد بال�سياق نف�سه على مراحل الدرا�سة املختلفة فالذي يرتجح‬
‫�أن هنالك تفاوتا طبعيا‪ � ،‬إذ مل ي�ستطع الطالب �أن يغري من طبعه رغم‬
‫قناعته العقلية واالجتماعية كذلك ب�ضرورة التغيري‪ ،‬ولو �أخذنا عينات‬
‫�أخرى من التجّ ار �أو الفالحني ففي الغالب �ستتكرر املالحظة‪.‬‬

‫‪ -‬ينظر علم الطباع املدر�سة الفرن�سية �ص‪50 -47‬‬


‫‪41‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫للفعالية ‪:‬‬
‫المنظور اإلسالمي ّ‬
‫يربط الإ�سالم بني االنفعالية والفعالية فالعمل يف الإ�سالم‬
‫()‬
‫مرتبط بالإميان ﮋ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﮊ‬
‫فالإميان ي�صنع الدوافع احلقيقية للعمل كاخلوف من النار والرغبة يف‬
‫ال�سعادة الأ بدية وهذه بدورها ت�ضغط على الإن�سان امل�ؤمن ليلبي هذه‬
‫احلاجات‪ ,‬فالربط � إذا بني الإميان والعمل لي�س من حيث �صحة العمل �أو‬
‫قبوله فح�سب بل العمل هو نتيجة منطقية وطبيعية للإ ميان‪ ،‬ولو �أخذنا‬
‫حديث الر�سول ‪ �( ‬إمنا الأ عمال بالنيات) () وفهمناه ببعده الأ و�سع‬
‫ف�إنه يقرر «ظاهرة نف�سية م�شرتكة بني النا�س هي �أن ال�سلوك الإن�ساين‬
‫�سلـوك مـدفوع()«وهذا ال يحتاج � إىل � إثبات � إال �أن النية يف علم النف�س‬
‫لي�ست هي الدافع» فالنية عزم القلب وميله وتوجهه لعمل من الأ عمال‬
‫()‬
‫والدافع هو احلاجة التي تبعث هذه النية‪ ،‬فالنية جزء من ال�سلوك‬
‫«وبعبارة �أخرى �أن النية يف علم النف�س ال بد �أن ي�سبقها انفعال معني‬
‫يورث الرغبة الذاتية لعمل ما‪ ،‬وهذا العمل نف�سه �ستكون اخلطوة‬
‫الأ وىل فيه النية‪ ،‬ولكن النا�س – وفق علم النف�س هذا – يتفاوتون‬
‫تفاوتا طبعيا يف قدرتهم على اال�ستجابة العملية لل�شعور باحلاجة‬
‫� إىل �شيء ما‪ ,‬وهذا ما مل �أجده ب�صورة وا�ضحة يف الن�صو�ص‬
‫الإ�سالمية وال حتى يف كتب الرتاث املختلفة‪ � ,‬إال �أن هناك كثريا‬

‫ ‪ -‬الع�صر ‪ /‬ا آلية ‪.3‬‬


‫ ‪ -‬البخاري وغريه ‪ /‬التجريد ال�صريح ج‪� 1‬ص ‪.5‬‬
‫‪ -‬الت أ��صيل ا إل�سالمي للدرا�سات النف�سية ‪493 /‬‬
‫ ‪ -‬امل�صدر ال�سابق ‪.493 /‬‬
‫‪ 42‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫من الن�صو�ص تتحدث عن املن�شط واملكره‪� ،‬أو ال�شره والفرتة �أو‬
‫الك�سل ومن ذلك ما جاء يف م�سند البزار «ذكر عند ر�سول اهلل قوم‬
‫يجتهدون يف العبادة اجتهادا �شديدا فقال‪ :‬تلك �ضراوة الإ�سالم‪ ،‬ولكل‬
‫�شرة فرتة‪ »..‬احلديث()‪ ،‬ويف البخاري وغريه عن عبد اهلل بن عمرو‬
‫«‪ ..‬فقال ‪� -‬أي النبي ‪ – ‬كيف ت�صوم ؟ فقلت كل يوم‪ ،‬قال كيف‬
‫تختم ؟ قلت كل ليلة‪ ،‬قال �صم من كل �شهر ثالثة‪ ،‬واقر أ� القر�آن يف كل‬
‫�شهر‪ ،‬قلت �أطيق �أكرث من ذلك‪ »)(..‬وزاد ابن خزمية» � إن لكل عمل‬
‫�شرة ولكل �شرة فرتة‪ ،‬فمن كانت فرتته � إىل �سنتي فقد اهتدى()»‪.‬‬
‫� إن الذي ن�ستنبطه من هذه الأ حاديث يعطينا م�ؤ�شرات �أولية‬
‫ميكن البناء عليها لتطوير نظرية � إ�سالمية حول «الفعالية» ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬تفاوت النا�س حتى بني ال�صحابة الكرام – ر�ضي اهلل عنهم‬
‫– يف «الفعالية» وهذا �أمر واقع وم�شاهد يف كل جيل‪ ،‬حيث �أن الدوافع‬
‫مت�شابهة يف البيئة الإميانية فالرغبة بالتزود من ال�صاحلات تبعثها‬
‫�آيات الرتغيب والرتهيب التي يقر�أها وي�سمعها كل النا�س لكن الن�شاط‬
‫العملي الذي ميثل ا�ستجابة لهذه الرغبة �أو «الدافع» يختلف من �شخ�ص‬
‫لآخر‪ ،‬وميكن املقارنة هنا بني عبد اهلل بن عمرو والرجل الذي قال‬
‫«واهلل ال �أزيد على هذا وال �أنق�ص» ()‪.‬‬
‫‪ -2‬التفاوت يف مراحل اال�ستجابة العملية لدى ال�شخ�ص الواحد‬

‫ ‪ -‬م�سند البزار ج‪� 6‬ص‪.383‬‬


‫‪ -‬التجريد ال�صريح ج‪� 2‬ص‪.126‬‬
‫ ‪� -‬صحيح ابن خزمية ‪ /‬ج ‪� 3‬ص ‪293‬‬
‫ ‪ -‬البخاري ‪ /‬التجريد ال�صريح ج‪� 1‬ص ‪13‬‬
‫‪43‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫كما قال الر�سول الكرمي «لكل عمل �شرة ولكل �شرة فرتة «وقد يكون‬
‫هذا لأ �سباب خارجة عن نطاق الطباع كاملر�ض والهرم كما ي�شري حديث‬
‫عبد اهلل بن عمرو يف �آخره» فليتني قبلت رخ�صة ر�سول اهلل ‪ ‬وذاك‬
‫�أين كربت و�ضعفت()«وقد يكون النخفا�ض م�ستوى «االنفعالية» و� إىل‬
‫هذا �أ�شار قول الر�سول الكرمي �آنفا يف تعليله للذين يجتهدون اجتهادا‬
‫�شديدا يف العبادة «تلك �ضراوة الإ�سالم» ورمبا يكون هذا ب�سبب التفاوت‬
‫مب�ستوى «الرتجيع» والذي �سي�أتينا يف املبحث القادم‪.‬‬
‫‪ -3‬الربط بني هذه الفعالية وتلك "االنفعالية" وقد ظهر هذا‬
‫جليا يف قوله عليه ال�صالة وال�سالم "تلك �ضراوة الإ�سالم" يف تعليله‬
‫ل�شدة العمل عند بع�ض النا�س‪.‬‬
‫بقي �أن نعرف هل الفعـ ّالية ثابت من ثوابت ال�شخ�صية �أو هي‬
‫مكت�سبة وخا�ضعة للت�أثري؟ يقول حجة الإ�سالم الغزايل وهو يتحدث عن‬
‫الغ�ضب‪« :‬اعلم �أن اهلل تعاىل ملا خلق احليوان معر�ضا للف�ساد واملوتان‬
‫ب�أ�سباب يف داخل بدنه و�أ�سباب خارجة عنه �أنعم عليه مبا يحميه من‬
‫الف�ساد ويدفع عنه الهالك � إىل �أجل معلوم‪ ....‬فافتقر � إىل قوة وحمية‬
‫تثور من باطنه‪ ،‬فتدفع املهلكات عنه‪ ،‬فخلق اهلل طبيعة الغ�ضب‪...‬‬
‫وغرزها يف الإن�سان‪ ،‬وعجنها بطينته‪ ،‬فمهما ُ�ص ـ ّد عن غر�ض من‬
‫�أغرا�ضه ومق�صود من مقا�صده ا�شتعلت نار الغ�ضب«()‪.‬‬
‫ثم يقول الغزايل ‪ -‬رحمه اهلل ‪« :-‬ثم � إن النا�س يف هذه القوة على‬

‫ ‪ -‬البخاري ‪ /‬التجريد ال�صريح ج‪� 2‬ص ‪126‬‬


‫‪� -‬إحياء علوم الدين ‪ /‬ج‪� 3‬ص ‪،321‬‬
‫‪ 44‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫درجات ثالث يف �أول الفطرة من التفريط والإفراط واالعتدال«()‪ � .‬إن‬
‫النقاط البارزة التي �أثارها الإمام الغزايل خطرية وعلى �صلة وثيقة مبا‬
‫تو�صل � إليه الباحثون املعا�صرون يف هذا ال�ش�أن‪ ،‬وميكن تلخي�ص هذه‬
‫النقاط بالآتي ‪:‬‬
‫‪� -1‬أن الغ�ضب قوة ذاتية طبع عليها الإن�سان وهي معجونة بطينته‪.‬‬
‫‪� -2‬أن هذه القوة متثل ا�ستجابة حلاجة ذاتية لتحقيق مق�صود‬
‫�أو دفع �ضرر‪.‬‬
‫‪� – 3‬أن النا�س يتفاوتون يف هذه القوة من �أ�صل الفطرة‪.‬‬
‫� إن الغزايل هنا يكاد يتفق متاما مع �آخر نظريات علم الطباع يف‬
‫هذا املجال‪ ،‬فالقوة الذاتية املطبوعة يف الإن�سان والتي متثل ا�ستجابة‬
‫للحاجات �أو «االنفعاالت» هي «الفعالية» فالغ�ضب عند الغزايل قوة ذاتية‬
‫تلبي حاجات ذاتية‪ ،‬وهي عنده متفاوتة بني النا�س يف �أ�صل الفطرة‪،‬‬
‫وهذا ما يقرره الباحثون املعا�صرون‪ ،‬بقي �أن نعرف �أن الغزايل وهو‬
‫يقرر هذه النظرية ب�أبعادها راح لي�صف العالج للغ�ضب الذي يتجاوز‬
‫حدود ال�شرع والعقل‪ ،‬ف� إذا كان الغ�ضب طبعيا كيف ميكن عالجه؟!‬
‫حقيقة �أن الغزايل يف كل معاجلاته ال يتطرق ملعاجلة �أ�صل‬
‫الغ�ضب‪ ،‬و� إمنا لل�سلوكيات الناجتة عنه كال�سب وال�شتم وال�ضرب‬
‫والقتل‪..‬الخ والغزايل ال يرتكنا ن�ستنتج هذه احلقيقة و� إمنا ي�صرح‬
‫بها فيقول‪« :‬ومن �آثار هذا الغ�ضب يف الظاهر‪...‬فتغري الظاهر ثمرة‬
‫تغري الباطن‪ ..‬و�أما �أثره يف الل�سان فانطالقه بال�شتم والفح�ش‪...‬و�أما‬

‫‪� -‬إحياء علوم الدين ‪ /‬ج‪� 3‬ص ‪322‬‬


‫‪45‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫�أثره على الأ ع�ضاء فال�ضرب والتهجم والتمزيق والقتل‪ ...‬و�أما �أثره يف‬
‫القلب‪ ...‬فاحلقد واحل�سد()» � إذ ًا هناك فرق عند الغزايل بني هذه‬
‫القوة وال�سلوكيات الناجتة عنها‪ ،‬ولذلك يتجه العالج عنده ل�ضبط هذه‬
‫ال�سلوكيات فيقول‪« :‬فلي�ست الريا�ضة فيه لينعدم غيظ القلب‪ ،‬ولكن لكي‬
‫يقدر على �أن ال يطيع الغ�ضب وال ي�ستعمله يف الظاهر � إال على حد ي�ستحبه‬
‫ال�شرع وي�ستح�سنه العقل()» وهذه ال�سلوكيات لي�ست طبعا ثابتا حتى عند‬
‫علماء هذا الفن‪ ،‬بل هذه ال�سلوكيات ميكن �أن تتغري وتهذب بح�سب‬
‫العوامل اخلارجية كالدين والثقافة والعرف‪..‬الخ ورمبا ي�ؤيد هذا قوله‬
‫عليه ال�صالة وال�سالم «لي�س ال�شديد بال�صرعة � إمنا ال�شديد الذي ميلك‬
‫نف�سه عند الغ�ضب()» فالتكليف ال�شرعي من�صب على ال�سلوك الناجت عن‬
‫الغ�ضب ولي�س على الغ�ضب نف�سه واملطلوب �ضبط هذا ال�سلوك ب�ضوابط‬
‫ال�شرع وهذا هو املعنى املتبادر للحديث ولكن يرد عليه حديث « �أن رجال‬
‫قال للنبي ‪� ‬أو�صني ‪ ,‬قال‪ :‬ال تغ�ضب» () فيقول اخلطابي ‪ -‬رحمه‬
‫اهلل ‪ »: -‬معنى قوله ال تغ�ضب اجتنب �أ�سباب الغ�ضب‪ ،‬وال تتعر�ض ملا‬
‫يجلبه‪ ،‬و�أما نف�س الغ�ضب فال يت�أتى النهي عنه لأ نه �أمر طبيعي ال يزول‬
‫من اجلبلة « وي�ضيف ابن حجر – رحمه اهلل ‪ »: -‬وقيل معناه ال تفعل ما‬
‫ي�أمرك به الغ�ضب() « واخلطابي هنا ي�شري � إىل ق�ضية �أخرى ي�ؤكدها‬

‫ ‪� -‬إحياء علوم الدين ‪ /‬ج‪� 3‬ص ‪.323‬‬


‫ ‪� -‬إحياء علوم الدين ‪ /‬ج‪� 3‬ص‪.325‬‬
‫ ‪ -‬البخاري ‪ /‬التجريد ال�صريح ج‪� 2‬ص‪.151‬‬
‫ ‪ -‬امل�صدر ال�سابق‪.‬‬
‫ ‪ -‬فتح الباري ج ‪� 10‬ص ‪.520‬‬
‫‪ 46‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫علماء النف�س املعا�صرون – وقد مرت بنا – �أن احلاجات �أو الدوافع‬
‫التي تثري «االنفعالية» ثم «الفعالية» تتغري وتختلف من � إن�سان لآخر ومن‬
‫ظرف �أو بيئة لأ خرى‪.‬‬
‫ثالثـاً ‪ -‬الرتجيع‬
‫وهو الركن الثالث وحجر الزاوية يف �أ�سا�سيات علم الطباع‪ ،‬وقد‬
‫يبدو غريبا بع�ض ال�شيء عن م�صطلحاتنا يف الثقافة الإ�سالمية و� إن‬
‫كان له �أ�صل عميق يف اللغة العربية‪ ،‬فقد جاء هذا اللفظ يف ل�سان العرب‬
‫()‪.‬‬
‫مبعان ال تبعد مبجموعها عن معنيني اثنني (الرتديد) و(التكرار)‬
‫�أما يف علم الطباع فالذي ميكن تلخي�صه �أن نقول (هو املدى‬
‫الزمني للت�أثريات والتفاعالت النف�سية) وهذا ي�شمل (الذاكرة‬
‫النف�سية) و(القدرة على ا�ستدعاء املا�ضي) و (التداعيات املت�سل�سلة‬
‫�أو املت�شعبة للت�أثر النف�سي) و(القدرة على املطاولة لتحقيق الأ هداف‬
‫ال�صعبة �أو البعيدة) ول َرن هذه املعاين يف بع�ض الأ �سئلة التي و�ضعتها‬
‫املدر�سة الفرن�سية كجزء من اختبار هذا الركن يف ال�شخ�صية ‪:‬‬
‫�س ‪� /‬أتفكر يف م�ستقبلك البعيد وتدخر ل�شيخوختك مث ًال ؟‬
‫�س‪� /‬أتنجز دائما ما بد�أت به من عمل ؟‬
‫�س‪ /‬بعد �أن يجرح �شعورك �أحد �أت�صفو نف�سك ب�سرعة ؟‬
‫()‬
‫�س‪� /‬أحتافظ على �صداقات الطفولة ؟‬
‫لقد اخرتت �أن �أ�ضع هذه النماذج من الأ �سئلة يف مقدمة هذا‬
‫املو�ضوع لتكوين ال�صورة الأ و�ضح لهذا امل�صطلح‪ ،‬وهي يف تقديري ال‬
‫ ‪ -‬ل�سان العرب البن منظور ج ‪� 5‬ص ‪.473 – 472‬‬
‫ ‪ -‬ينظر علم الطباع املدر�سة الفرن�سية ف�صل (الرتجيع) �ص‪54-51‬‬
‫‪47‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫تبعد كثريا عن معاين التكرار والرتديد التي وردت يف ل�سان العرب‪،‬‬
‫ولتقريب ال�صورة �أكرث لن�أخذ هذا املثل ‪:‬‬
‫�أنت �أ�ستاذ حتا�ضر �أمام الطلبة وبينما كنت متحم�س َا يف الإلقاء‬
‫وقعت عينك على �أحد الطالب وهو ينظر يف �ساعته ف�أمامك عدد من‬
‫الت�صرفات التي ميكن �أن تقوم بها مثل ‪:‬‬
‫‪ -‬تنظر �أنت يف �ساعتك للت�أكد من عدم انتهاء وقت املحا�ضرة‪.‬‬
‫‪ -‬ت�ؤنب الطالب على ان�شغاله �أو ا�ستعجاله‪.‬‬
‫‪ -‬حتر�ص �أكرث على مالحظة الطالب يف املحا�ضرات القادمة‪.‬‬
‫‪ -‬تخطط للمحا�ضرات القادمة ب�شكل �أكرث دقة يف توزيع املحاور‬
‫على الوقت‪.‬‬
‫‪ -‬ت�شعر بعدم الر�ضا عن هذا الطالب وحتتفظ ب�صورته يف‬
‫ذهنك‪.‬‬
‫� إن هذه ال�سلوكيات هي التي تعرب عن م�ستوى (الرتجيع) يف‬
‫طبعك‪ ،‬فالذي يكتفي بال�سلوكيات الق�صرية املدى فهو ذو ترجيع‬
‫(قريب) والآخر الذي ي�ؤثر فيه هذا احلدث مبديات �سلوكية �أطول‬
‫و�أو�سع هو ذو ترجيع (بعيد)‪.‬‬
‫� إن كل من يجوع يبحث عن الطعام‪ ،‬فاجلوع حاجة �أثارت انفعاال‬
‫معينا وهذا االنفعال قاد � إىل فعالية معينة وهي عملية البحث عن الطعام‪،‬‬
‫�أما ادخار الطعام وادخار املال الالزم ل�شراء الطعام والنهم امل�ستمر يف‬
‫اكت�ساب الرثوة وتخزينها ثم الطمع وال�شح‪..‬الخ فهذه تداعيات مت�صلة‬
‫مب�ستوى الرتجيع عند هذا ال�شخ�ص �أو ذاك‪.‬‬
‫لقد و�صل االهتمام بهذا الركن عند بع�ض علماء النف�س �أن جعلوه‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪48‬‬
‫هو امل�سئول الأ ول عن �سلوكياتنا! يقول �سكرن املتوفى �سنة ‪1904‬م‪« :‬ومن‬
‫هذا املنظور يكون الإن�سان ح�صيلة التعزيزات املا�ضية()» ويعزز �سكرن‬
‫نظريته هذه فيقول‪» :‬يظهر الر�ضيع عددا كبريا من ال�سلوك الع�شوائي‬
‫التلقائي والبع�ض منه يعزز من قبل والديه وعندما يكرب الر�ضيع‬
‫فال�سلوك املعزز ايجابيا ي�ستمر بينما الأ نواع الأ خرى من ال�سلوك ال‬
‫ت�ستمر»() و�أ�ضاف ‪« :‬الطريقة الوحيدة التي متكننا من التنب ؤ� والتحكم‬
‫يف ال�سلوك هو بربطها بالأ حداث ال�سابقة()»‪.‬‬
‫لقد تابع دوان �شلتز حياة �سكرن ال�شخ�صية فكتب عنها‪« :‬يحتوي‬
‫تاريخ حياة �سكرن الذاتي على عدد من الإ�شارات تتعلق ب�سلوكه يف مرحلة‬
‫الر�شد ملا كان يعطى من ن�صائح وتعليم يف طفولته» وي�ضرب �شلتز مثاال‬
‫فيقول « عندما كان �سكرن طفال كان يحب املدر�سة � إىل درجة �أنه كان‬
‫�أول طفل ي�صل � إليها يف ال�صباح‪ ....‬وقد ح�صل على �شهادة الدكتوراه يف‬
‫ثالث �سنوات نتيجة للتفاين واجلهود الهائلة التي كان يبذلها() « وهذا‬
‫يعني �أن �سكرن نف�سه كان ميتلك ترجيعا بعيدا فك�أنه كتب نظريته من‬
‫جتربته ال�شخ�صية لأ ن الواقع ي�شهد �أن النا�س متفاوتون يف هذه ال�صفة‪.‬‬
‫رمبا ال نحتاج �أن نكرر �أن الرتجيع �صفة ثابتة غري قابلة للتغيري‬
‫وكذلك هي �صفة متفاوتة بني النا�س فمنهم ذو ترجيع بعيد ومنهم ذو‬
‫ترجيع قريب والآخر متو�سط‪ ،‬لكن الذي ال بد من ذكره نقطتان‪:‬‬

‫ ‪ -‬نظريات ال�شخ�صية �ص ‪.369‬‬


‫‪ -‬نظريات ال�شخ�صية �ص ‪.377‬‬
‫ ‪ -‬نظريات ال�شخ�صية �ص ‪.365‬‬
‫‪ -‬نظريات ال�شخ�صية �ص‪.372 -371‬‬
‫‪49‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫الأ وىل‪� :‬أن الرتجيع كيفما كان ال يعد �صفة مدح وال �صفة ذم‬
‫فهو لي�س خلقا بحد ذاته فقد يكون ذو الرتجيع البعيد م�صلح ًا وقد‬
‫يكون جمرم ًا وهكذا يف ا آلخَ رين‪ ،‬فالرتجيع ال ي�صنع احلدث �أو الأ ثر‬
‫و� إمنا هو قدرة النف�س على التفاعل مع هذا احلدث �أيا كان لفرتة ما‪.‬‬
‫الثانية‪� :‬أن الرتجيع البعيد �شرط يف ال�صفات القيادية يف‬
‫�أي اجتاه كان ه�ؤالء القادة‪ ،‬فالقدرة على حتمل امل�شاق وجتاوز‬
‫العقبات والتخطيط للأ هداف البعيدة ال ميكن �أن تكون � إال يف‬
‫قيادات متتلك كل �أبعاد الرتجيع ومعانيه‪ ،‬ولهذا هناك ما ي�شبه‬
‫اجلزم �أن كل قادة العامل الناجحني يف م�شاريعهم �أي ًا كانت هم‬
‫ممن ميتلك هذه ال�صفة حتى لو كان هناك نق�ص يف االنفعالية مثال‬
‫كال�شخ�ص اللمفاوي �أو نق�ص يف الفعّالية كال�شخ�ص العاطفي‪ ،‬لأ ن‬
‫النق�ص يف االنفعالية قد يكون يف بع�ض الأ حيان �صفة � إيجابية يف‬
‫القائد � إذا كان يف دولة م�ستقرة تريد �أن حتافظ على ا�ستقرارها‪،‬‬
‫والنق�ص يف الفعالية ميكن �أن يعوّ�ض باجلند والأ تباع وقابليتهم‬
‫على العمل‪ ،‬لكن من غري املت�صور وجود قائد ين�سى هدفه �أو ميل‬
‫من املوا�صلة‪..‬الخ ولذلك يقول روبني هاري�س ‪� »:‬أح�سن القادة هم‬
‫امل�شبوبون عاطفيا نحو الهدف ()»‪.‬‬

‫ ‪ -‬قواعد ومعدات للقادة �ص‪.49‬‬


‫‪ 50‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫الترجيع من منظور إسالمي ‪:‬‬
‫املعروف يف الأ دبيات الإ�سالمية الرتكيز على مفهوم‬
‫(اال�ستقامة) كجانب تكليفي �شرعي وكخلق � إ�سالمي حميد يف مقابل‬
‫(الإ�صرار على الذنب) الذي يحيل ال�صغائر � إىل كبائر‪ ،‬حتى قيل‪ :‬ال‬
‫�صغرية مع الإ�صرار‪ ،‬وال كبرية مع اال�ستغفار‪ ،‬لكن هذا لي�س هو الذي‬
‫يدخل يف علم الطباع مع �أنه يلتقي مع الرتجيع يف اال�ستذكار والتكرار‪،‬‬
‫لأ ن اال�ستقامة معناها اال�ستمرار على الطاعة وهذا يكلف به كل م�ؤهّ ل‬
‫للتكليف‪ ،‬واال�ستمرار هذا يت�أتى ممن ميتلك الرتجيع البعيد �أو القريب‬
‫وهذا هو الزم التكليف‪ ،‬لكن �أهل اال�ستقامة منهم من يحتاج � إىل جتديد‬
‫االنفعالية با�ستمرار فلو ن�سي �أو غفل تعرّ�ض لالنتكا�س‪ ،‬ولذلك هم يف‬
‫جهاد نف�سي م�ستمر بالذكر واملحا�سبة واملراقبة للحفاظ على دميومة‬
‫اال�ستقامة‪ ،‬وه�ؤالء هم �أ�صحاب الرتجيع القريب‪� ،‬أما �أولئك الذين‬
‫�سمعوا كلمة احلق ف�آمنوا بها ثم انطلقوا بثبات لنهاية امل�شوار فه�ؤالء‬
‫هم �أ�صحاب الرتجيع البعيد املطمئنون يف �سريهم والذين ال يزيدهم‬
‫الذكر �أو العبادة � إال �شوق ًا لال�ستمرار واملزيد‪.‬‬
‫ومن هنا ن�ستطيع القول‪ � :‬إن كل الن�صو�ص الدينية التي تتحدث‬
‫عن اال�ستقامة والثبات على احلق �أو التي تندد ب�أهل العناد الباطل‬
‫والإ�صرار الآثم ال دخل لها يف مو�ضوع (الرتجيع) كمقوم �أ�سا�س من‬
‫مقومات علم الطباع‪ ،‬لكن النا�س الذين يتفاعلون مع هذه الن�صو�ص‬
‫ممكن �أن نرى �صفاتهم الطبعية من خالل التطبيق ومالحظة ال�سلوك‬
‫ال�شخ�صي‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫� إال �أن هناك بع�ض الن�صو�ص والإ�شارات الإ�سالمية �أكرث �صلة‬
‫باملو�ضوع ومن ذلك حديث ر�سول اهلل ‪� ”: ‬أال و� إن منهم البطيء‬
‫الغ�ضب �سريع الفيء‪ ،‬ومنهم �سريع الغ�ضب �سريع الفيء‪ ،‬فتلك بتلك‪،‬‬
‫�أال و� إن منهم �سريع الغ�ضب بطيء الفيء‪� ،‬أال وخريهم بطيء الغ�ضب‬
‫�سريع الفيء‪� ،‬أال و�شرهم �سريع الغ�ضب بطيء الفيء()» وجاء يف حتفة‬
‫الأ حوذي �شرحا لهذا احلديث « � إن كماله �أن تغلب له ال�صفات احلميدة‬
‫على الذميمة‪ ،‬ال �أنها تكون معدومة فيه بالكلية‪ ،‬و� إليه الإ�شارة بقوله‬
‫تعاىل (والكاظمني الغيظ) حيث مل يقل والعادمني � إذ �أ�صل اخللق ال‬
‫يتغري وال يتبدل()» وجاء يف في�ض القدير �شرحا لهذا احلديث �أي�ضا‬
‫«والنا�س خمتلفون فيه فبع�ضهم كاحللفاء �سريع الوقود �سريع اخلمود‪،‬‬
‫وبع�ضهم كالغ�ضا بطيء الوقود بطيء اخلمود()»‪.‬‬
‫�أما من حيث التفاعل الب�شري مع هذه الن�صو�ص و�سمات القادة‬
‫امل�سلمني الأ وائل فتتجلى هذه ال�سمة ب�شكل �أو�ضح‪ ،‬وهناك حماولة‬
‫�سابقة يف هذا املجال للدكتور ال�سيد � إبراهيم اجلميلي‪� ،‬أقتب�س منها‬
‫هذا املقطع‪:‬‬
‫«يف حوار خاطف �سريع بني معاوية بن �أبي �سفيان وبني عمرو‬
‫بن العا�ص ن�ستطيع ـ من حتليل ال�سياق والوقوف على امل�آتي وامل�صادر‬
‫واحلوافز النف�سية واخلوالج املطمورة يف مطاوي ال�سريرة ـ �أن ن�ستخل�ص‬
‫الطبع وال�شخ�صية و� إمكاناتها و�أبعاد القدرات اخلا�صة‪� ،‬سيّما‬

‫‪ -‬الرتمذي وقال ‪:‬ح�سن �صحيح‪ ،‬ج‪� 4‬ص ‪.484‬‬


‫ ‪ -‬حتفة أالحوذي ج‪� 6‬ص ‪.358‬‬
‫ ‪ -‬في�ض القدير ج‪� 2‬ص ‪ ،180‬واحللفاء والغ�ضا من أ��شجار ال�صحراء املعروفة ‪.‬‬
‫‪ 52‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫امليتافيزيقية‪ ،‬وهي ما وراء الظواهر التي تلوح عن اخلواطر والبوادر‬
‫ولكن تكمن وراء �أ�سجافها و�ستورها �ألغاز وحوافز �أو كوابح غام�ضة �أو‬
‫خفية حمجوبة‪.‬‬
‫قال معاوية‪ :‬ما بلغ من �أمرك يا عمرو؟‪.‬‬
‫قال عمرو‪ :‬يا �أمري امل�ؤمنني‪ ،‬ما دخلت يف �أمر � إال وخرجت‬
‫منه‪...‬‬
‫قال معاوية‪ :‬لكني ما دخلت يف �أمر‪ ،‬و�أردت اخلروج منه‪.‬‬
‫ونقول‪ � :‬إن �شخ�صية عمرو بن العا�ص تلوح ركائزها وعمق‬
‫جذورها الرا�سخة املكينة من خالل هذه الفقرة املحدودة‪ � ،‬إذ � إن النكرة‬
‫يف �سياق النفي تفيد العموم‪ ،‬على ما ذكر علماء النحو‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬ما دخلت) نفي‪.‬‬
‫وقوله‪�( :‬أمر) نكرة‪ ،‬وهذه النكرة امل�سوقة يف � إطار النفي‬
‫�أفادت العموم لأ جل ذلك‪ ،‬ومفاد هذا‪� :‬أنه يف �أي �أمر (على العموم‬
‫والإطالق) مهما كان �ش�أنه ما دخل فيه عمرو بن العا�ص � إال وخرج‬
‫منه‪ .‬وهذا يدل على قوة العار�ضة والثقة الفارطة بالنف�س‪ .‬وحدة‬
‫الذكاء‪ ،‬وح�ضور البديهة واليقظة التامة‪ ،‬كلها من مقومات تلك‬
‫ال�شخ�صية التي ال تبايل �أي الأ مور تنخرط يف �أتونها‪ ،‬فهي م�ستعدة‬
‫ال�ستدعاء كل طاقتها وكوامن قدراتها للخروج من امل�آزق املتوقعة‬
‫واملروق من الكوارث والإفالت اخلاطف من �أية نازلة �أو نائبة يف‬
‫�أي وقت يف �أي مكان ويف �أي زمان‪ :‬وكذلك كان عمرو بن العا�ص‬
‫حقاً‪ ،‬وبذلك طارت �شهرته يف ا آلفاق ك�أحد دهاة العرب‪...‬‬
‫�أما معاوية _ر�ضي اهلل عنه _فكان من الطبع اللمفاوي‪،‬‬
‫‪53‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫الذي يرتوى وي�ست�شري‪ ،‬وي�ست�أن�س ب�آراء املقربني منه وغري املقربني‬
‫من �أهل الر�أي املوثوق بهم‪ ...‬فهو � إذا دخل يف �أمر (ال يريد) اخلروج‬
‫منه لأ نه اختاره ب� إرادته احلرة الواعية‪ ،‬وال يتم ذلك � إال بعد م�شاورة‬
‫وا�ستئنا�س ودرا�سة وتقومي لكل الأ خطار املتوقعة وا�ستح�ضار كل البدائل‬
‫واملمكنات‪ ...‬ومن ثم يكون مطمئن ًا متام ًا لأ ن هذا االختيار هو �أف�ضل‬
‫و�أن�سب اختيار وال ي�سد م�سدّه �أو ينوب عنه اختيار �آخر‪ ...‬من ثم‪ ،‬فال‬
‫موجب وال مدعاة للتفكري يف � إرادة اخلروج منه بعد درا�سة اجلدوى‬
‫بجدية وتقومي‪.‬‬
‫كال الرجلني له طبعه وله �شخ�صيته‪ ،‬وكالهما واجه التاريخ‬
‫ب�صفحة حافلة من الأ حداث اجل�سام التي تت�آزر جميعها على الت�أكيد‬
‫على ما ذهبنا � إليه من حتليل طباعي لكال العمالقني من ال�صحابة‪...‬‬
‫فر�ضي اهلل عنهم �أجمعني‪.)( “ .‬‬
‫نعم وك�أن ال�صحابيني اجلليلني يتباريان يف �سمة (الرتجيع‬
‫البعيد) فعمرو الذي ال يدخل يف �أمر � إال وهو عامل بطريق اخلروج‬
‫منه فهو �صاحب ر�ؤية عميقة وتخطيط �شامل وبعيد وم�ستوعب لكل‬
‫االحتماالت احلالية وامل�ستقبلية‪� ،‬أما معاوية _ ر�ضي اهلل عنهما _‬
‫فعرب ب�شكل �أكرث بالغة بحيث �أنه اليحتاج � إىل اخلروج من �أمر اختار‬
‫الدخول فيه �أ�صال !‬

‫‪ -‬مقالة للدكتور اجلميلي بعنوان (ا إل�شارات القر�آنية �إىل الطبائع الب�شرية) يف املوقع‬
‫االليكرتوين (مو�سوعة ا إلعجاز العلمي)‪.‬‬
‫‪ 54‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫أنمـاط الشخصية‬
‫علم الطباع ب�أ�س�سه التي مرّت بنا يقود � إىل ت�صنيف ثماين لأمناط‬
‫ال�شخ�صية‪ ،‬حيث �أن منط كل �شخ�صية يتحدد من خالل الدرجات التي‬
‫ح�صل عليها ال�شخ�ص يف (االنفعالية) و(الفعّالية) و(الرتجيع) وبتزاوج‬
‫هذه املقوّمات تظهر �شخ�صية الإن�سان بنمطها املحدد والذي مييزها عن‬
‫ال�شخ�صيات الأخرى‪ ،‬وكما هو ملخ�ص يف اجلدول الآتي ‪:‬‬

‫الرتجيع منط ال�شخ�صية‬ ‫الفعالية‬ ‫االنفعالية‬ ‫ت‬


‫�شخ�صية جموحة‬ ‫بعيد‬ ‫مرتفع‬ ‫مرتفع‬ ‫‪1‬‬
‫قريب �شخ�صية غ�ضبية‬ ‫مرتفع‬ ‫مرتفع‬ ‫‪2‬‬
‫بعيد �شخ�صية عاطفية‬ ‫منخف�ض‬ ‫مرتفع‬ ‫‪3‬‬
‫قريب �شخ�صية ع�صبية‬ ‫منخف�ض‬ ‫مرتفع‬ ‫‪4‬‬
‫�شخ�صية ملفاوية‬ ‫بعيد‬ ‫مرتفع‬ ‫منخف�ض‬ ‫‪5‬‬
‫�شخ�صية دموية‬ ‫قريب‬ ‫مرتفع‬ ‫منخف�ض‬ ‫‪6‬‬
‫�شخ�صية خاملة‬ ‫بعيد‬ ‫منخف�ض‬ ‫منخف�ض‬ ‫‪7‬‬
‫قريب �شخ�صية هالمية‬ ‫منخف�ض‬ ‫منخف�ض‬ ‫‪8‬‬

‫ومع �أن هذه امل�صطلحات حمل نظر � إال �أين ارت�أيت احلفاظ‬
‫عليها ل�سببني الأ ول‪ :‬لت�سهيل عملية املقارنة بني هذا البحث والأ بحاث‬
‫التخ�ص�صية التي د�أبت على ا�ستخدام هذه امل�صطلحات‪،‬‬
‫‪55‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫مف�صلة يف هذا البحث ب�شكل‬
‫والثاين‪� :‬أن �سمات ال�شخ�صية ّ‬
‫واف‪ ،‬وهذا التف�صيل كفيل ب� إزالة ال�ضباب وحالة االلتبا�س بني هذه‬
‫امل�صطلحات‪.‬‬

‫الشخصيـة الجموحة‬
‫اجلموح هو االنفعايل الفعّال ذو الرتجيع البعيد‪.‬‬
‫تت�سم هذه ال�شخ�صية باحلركة امل�ستمرة والعزم و�سرعة الفهم‬
‫وقوة املالحظة واال�ستقالل يف الر�أي‪ ،‬يهتم باملبادئ والقيم التي ي�ؤمن‬
‫بها‪ ،‬يف�ضل جماالت الفكر وال�سيا�سة والإدارة على اجلهد البدين‪،‬‬
‫�شغوف بالتاريخ والتجارب القيادية الأ خرى‪ ،‬غري مكرتث بحاجاته‬
‫املادية �أو اجل�سدية اخلا�صة‪ ،‬له رغبة يف خو�ض التجارب بنف�سه وله‬
‫القدرة على اال�ستفادة من �أخطائه و�أخطاء غريه‪ ،‬يتفاعل مع الأ حداث‬
‫بقوة � إىل احلد الذي ترتك ب�صماتها على �شخ�صيته لفرتات طويلة جدا‬
‫قد تبقى معه � إىل املوت‪ ،‬فهو قادر على املوا�صلة واملطاولة بنف�س طويل‪.‬‬
‫هذه ال�شخ�صية م�ؤهلة ل�صناعة الأ دوار الكبرية‪ ،‬ولذلك ينبغي‬
‫للمجتمع �أن ال ي�سمح له�ؤالء باالن�شغال يف حاجاتهم اخلا�صة وال‬
‫بالوظائف �أو الأ عمال التي هي و�سائل لك�سب الرزق‪ � ،‬إن ه�ؤالء م�ؤهلون‬
‫ليكونوا قادة املجتمع‪ ،‬و� إن املجتمع الذي ال يح�سن اال�ستفادة من هذا‬
‫النمط �سيبقى جمتمعا متخلفا‪ ،‬بل هو لو مل يكن متخلفا يف الأ �صل ملا‬
‫�أهدر هذه الطاقات !‬
‫نعم هناك خماوف حقيقية من هذا النمط حيث �أن هذه الطاقات‬
‫�سالح ذو حدّين فبقدر ما تكون نافعة لنه�ضة املجتمع قد تكون �سببا كذلك‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪56‬‬
‫لالن�شقاقات والثورات الداخلية‪ ،‬ولذلك تلج أ� اجلماعات التي تعاين من‬
‫هذا الهاج�س � إىل تهمي�ش ه�ؤالء وا�ستبعادهم من �صفها‪ ،‬لتبقى هي �أي�ضا‬
‫مهم�شة وبعيدة عن ريادة املجتمع‪ ،‬وجتربة بع�ض اجلماعات الإ�سالمية‬
‫اليوم وخا�صة التجربة العراقية مثال �شاخ�ص على هذا حيث مل يتمكن‬
‫ائتالف (التوافق) الذي ي�ضم احلزب الإ�سالمي العراقي وبع�ض القوى‬
‫املتحالفة معه من احل�صول � إال على �ستة مقاعد يف الربملان العراقي‬
‫املكوّن من ‪ 325‬مقعدا !! يف انتخابات ‪ 2010‬م‪.‬‬
‫� إن �أي جمتمع يطمح للنهو�ض ال ميكن � إال �أن ي�ضع خطة مبنية‬
‫على �أ�س�س علمية لال�ستفادة من خ�صائ�ص هذا النمط املتميز يف‬
‫ال�شخ�صية الإن�سانية‪ ،‬وميكن هنا �أن ن�شري � إىل بع�ض املقرتحات التي‬
‫نراها نافعة بهذا ال�صدد ‪:‬‬
‫‪ -1‬ال بد �أن يكون �سقف امل�ؤ�س�سة �أو اجلماعة �أعلى و�أو�سع من‬
‫� إمكانيات اجلموح‪ ،‬وهذا ال يكون � إال يف حالتني‪ :‬وجود قائد فذ كما‬
‫ح�صل يف �شخ�ص �صالح الدين الأ يوبي وحممد الفاحت‪� ،‬أو وجود قيادة‬
‫م�شرتكة م�شكلة من � إمكانيات متفوقة يف جمال تخ�ص�صها بحيث ت�شكل‬
‫مبجموعها ف�ضاء وا�سعا �أعلى من � إمكانيات الفرد‪ ،‬وبعك�س هاتني‬
‫احلالتني ف�إن بقاء ال�شخ�صيات اجلموحة داخل هذه اجلماعة غري‬
‫م�ضمون ورمبا غري مقبول مهما كانت �أدوات التحكم واالن�ضباط داخل‬
‫اجلماعة‪ ،‬واجلماعة التي ال ت�ستطيع �أن توفر بقياداتها هذا ال�سقف لن‬
‫حتتفظ � إال بالأ مناط الأ خرى التي لن تتمكن من �صناعة �أي قدر من‬
‫النمو �أو التغيري املطلوب‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬


‫‪ -2‬يف املجال التنظيمي من امل�ستح�سن �أن يعمل اجلموح حتت‬
‫� إمرة جموح مثله وقريب من تخ�ص�صه واهتماماته‪ ،‬وبهذا يتحقق قدر‬
‫كبري من االن�سجام النف�سي والتفاعل الإيجابي‪ ،‬حيث �أن القائد اجلموح‬
‫ي�ضطر وب�سرعة � إىل تطوير � إمكانياته الذاتية كلما �أح�س بنمو يف من‬
‫هم حتت � إمرته‪ ،‬وهذا متوقع بحكم انفعاليته ال�شديدة التي متكنه من‬
‫املتابعة واملراقبة لكل ما يجري حوله وبح�س مرهف‪ ،‬وكذلك بحكم‬
‫فعّاليته العالية التي ترف�ض الك�سل والالمباالة‪ ،‬واجلندي اجلموح‬
‫�سيكون فخورا بقائد من هذا النمط و�سيقبل �أوامره ب�شغف ولهذا ي�شخ�ص‬
‫علماء الطباع هذه احلالة الإيجابية بو�ضوح (ومن �أجل ذلك نرى اجلموح‬
‫ال يحب �أن يقود فح�سب بل ير�ضى �أي�ضا �أن يقاد‪ � ،‬إنه يحب �أن يطاع كما‬
‫يحب �أن يطيع‪ ،‬ويظل يطيع � إىل �أن يحتل مركز القيادة التي تطاع)()‪.‬‬
‫وعلماء الطباع كثريا ما ي�ضربون مثال ب�شخ�صية هتلر الذي‬
‫عرف �أكرث من غريه ب�شدة ان�ضباطه يف مراحل تدرجه الع�سكري‪.‬‬
‫‪� -3‬أن يعطى اجلموح فر�صة منا�سبة لتطوير نف�سه‪ ،‬وميكن بهذا‬
‫ال�صدد �أن تعمد اجلماعة � إىل تكوين حما�ضن خا�صة لتلبية احتياجات‬
‫حتت ا�سم (مراكز املتميزين) مثال توفر فيها �أدوات التطوير والإبداع‬
‫واكت�شاف الطاقات و�أن يتم يف هذه املراكز ت�أكيد الرتبية الروحية التي‬
‫تعد �صمام الأ مان لتاليف االنزالقات اخلطرية املتوقعة لهذا النمط‬
‫ب�سبب �شدة االنفعالية مع قوة الفعالية‪.‬‬
‫‪ -4‬جتنب جتريح اجلموح �أو � إهانته لأ ي �سبب كان لأ ن جتريح‬

‫ ‪ -‬علم الطباع يف املدر�سة الفرن�سية �ص ‪.153‬‬


‫‪ 58‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫اجلموح معناه خ�سارته يف الأ غلب‪ ،‬حيث �أن اجلموح ميتلك انفعاال‬
‫عاليا وح�سا مرهفا‪ ،‬كما �أنه ميتلك فعالية وقدرة على التنفيذ‪ ،‬ف� إذا‬
‫�أ�ضيف � إىل هذا ترجيعه البعيد الذي ميكنه من االحتفاظ بذاكرة الت�أثر‬
‫الطويلة الأ مد ف�إنه ي�صعب بعد كل هذا البحث عن خمرج منا�سب‬
‫لتجاوز مثل هذه الأ زمة‪ ،‬ورمبا ي�صح هنا اال�ستئنا�س بحديث امل�صطفى‬
‫عليه ال�صالة وال�سالم (�أقيلوا ذوي الهيئات عرثاتهم � إال احلدود) ()‪،‬‬
‫وهذا ال يعني �أبدا ال�سكوت عن �أخطاء اجلموح ولكن املطلوب البحث‬
‫يف �أ�سباب اخلط أ� ودفع اجلموح لت�صحيح خطئه بنف�سه (� إن ال�صيغة‬
‫الطباعية للجموحني ت�سهل ت�أثري كل واحد منهم يف نف�سه ) () فالقائد‬
‫الناجح هو الذي يتمكن من � إقناع اجلموحني من �أتباعه بت�صحيح‬
‫�أخطائهم ب�أنف�سهم‪ ،‬و�أذكر بهذا ال�صدد مثاال ح�صل معي يوم كنت‬
‫طالبا يف املدر�سة الآ�صفية يف مدينة الفلوجة وكنت قد فاتتني �صالة‬
‫الفجر ب�سبب النوم وكان هذا يف عرف الآ�صفية كبرية‪ ،‬ويبدو �أن ال�شيخ‬
‫علم بهذا ف�أخذ بيدي يف وقت �آخر وقال يل « يا حممد كيف همتك مع‬
‫اهلل؟ كيف �أنت و�صالة التهجد ؟!» �شعرت حينها باخلجل من نف�سي‪،‬‬
‫و�شعرت يف املقابل باحرتام كبري لل�شيخ لأ نه اختار طريق الت�صحيح‬
‫الذي يرفع من الهمة وال يخد�شها‪.‬‬

‫ ‪ -‬أ�بو داود والبيهقي و أ�حمد وغريهم‪� ،‬سنن أ�بي داود ج ‪� 4‬ص ‪ ،122‬و�سنن البيهقي‬
‫الكربى ج ‪� 4‬ص ‪. 210‬‬
‫‪ -‬علم الطباع يف املدر�سة الفرن�سية �ص ‪.160‬‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة ‪59‬‬
‫نمـاذج الجموحين‪:‬‬
‫لأ همية هذا النمط ر�أيت �أن نتو�سع يف ت�صنيفه‪ ،‬وبيان ال�صيغ‬
‫التي من املمكن �أن ت�ؤول � إليها هذه ال�شخ�صية بح�سب ا�ستعداداتها‬
‫املتنوعة و�ضغوط البيئة واملجتمع املحيط‪ ،‬حيث ميكن اخت�صار كل هذا‬
‫يف النماذج الآتية ‪:‬‬

‫اجلموح املعذب‪ :‬وهو اجلموح الذي ال يتمكن من حتقيق كل‬


‫انفعاالته‪ ،‬حيث تتدنى عنده الفعّالية لأ �سباب خمتلفة‪ ،‬فيحوّل هذه‬
‫االنفعاالت ملجاالت بعيدة عن م�ساراتها احلقيقية‪ ،‬ولذلك ترى يف بع�ض‬
‫ال�شعراء اجلموحني �أو الفنانني الذين تختفي خلف �أعمالهم روحا وقادة‬
‫ومتطلعة للمجد ومعايل الأ مور‪ ،‬وقد ر�أيت منوذجا �شاخ�صا يف التجربة‬
‫الإ�سالمية العراقية‪ ،‬ال�شيخ الداعية الذي أ�لّف يف �صناعة احلياة وكتب‬
‫يف الرتبية واملناهج الطموحة لكنه ا�صطدم ب�صخرة الواقع املر فعاد‬
‫ير�سم طموحاته و�آماله على الورق يف الوقت الذي كان املقربون منه‬
‫يت�أملون فيه قائدا يخل�صهم من وهدة الت�أخر واالنكفاء ويقفز بهم يف‬
‫ف�ضاءات العمل امليداين والتناف�سي‪.‬‬

‫اجلموح الهادئ واملتوازن‪ :‬وه�ؤالء هم الذين يعي�شون يف‬


‫البيئة امل�ستقرة التي توفّر قدرا ال ب�أ�س به من جماالت الأ ن�شطة املتعددة‬
‫وم�ساقات الإبداع الهادئ املن�ضبط بقانون حمرتم‪ ،‬وحالة من العي�ش‬
‫املقبول الذي ال يرغب �أهله باملغامرات واملفاج�آت التي قد جتعلهم‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪60‬‬
‫يخ�سرون مكا�سب هذه احلالة‪ � ،‬إنه باخت�صار (اجلموح الدميقراطي)‬
‫فلو �أخذت مثال دولة مثل فرن�سا �أو ال�سويد ف� إنها ال �شك حتت�ضن عددا‬
‫كبريا من اجلموحني‪ ،‬ولكن هذه ال�شخ�صيات اجلموحة ال ترى حاجة‬
‫يف القفزات البعيدة واالنقالبات الكبرية‪ ،‬و� إمنا هو الطموح داخل هذا‬
‫ال�سور املرغوب به من الدميقراطية والرفاه واال�ستقرار‪ ،‬جتدر الإ�شارة‬
‫هنا �أن اجلموحني الذين يعي�شون يف �أجواء روحانية (�صوفية) ويت�شبعون‬
‫بثقافة الزهد يف الدنيا واالبتعاد عن حظوظ النف�س قد يندرجون حتت‬
‫هذا العنوان لكن �سلوكهم الهادئ هذا يخبئ حتته طموحا مت�صاعدا‬
‫للو�صول � إىل مراتب ال�سلوك الروحي وبني ه�ؤالء من التناف�س يف هذا‬
‫امليدان مما ال يعرفه غريهم ولذلك قال قائلهم (نحن يف لذة لو علم‬
‫بها امللوك جلالدونا عليها بال�سيف )‬

‫اجلموح ال�صارم‪ :‬وه�ؤالء هم �أبطال التاريخ والقوة التغيريية‬


‫احلقيقية يف كل �أمة‪ ،‬ه�ؤالء هم املناط بهم حتقيق النقالت الوا�سعة‪،‬‬
‫يروى عن هتلر �أنه كان يردد (�س�أبني � إمرباطورية تدوم �ألف عام)‪،‬‬
‫ه�ؤالء الذين عناهم ال�شاعر العربي بقوله ‪:‬‬
‫�إذا النا�س قالوا من فتى خلت أ�نني‬
‫عنيـت فلـم أ�قـعـد ومل أ�تـبـلـد‬
‫***‬

‫‪61‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬


‫والذين قال فيهم ال�شاعر ال�صويف عبد الكرمي اجليلي ‪:‬‬
‫وم���ذ ك��ن��ت ط��ف�لا ف��امل��ع��ايل تطلبي‬
‫وت أ���ن��ف نف�سي ك��ل م��ا ه��و وا�ضع‬
‫ويل ه��م��ة ك��ان��ت وه���اه���ي مل ت��زل‬
‫على أ�ن يل ف��وق ال��ن��ج��وم مواقع‬
‫***‬
‫ورمبا عبرّ عن هذا النبي الكرمي �سليمان بن داود – عليه‬
‫ال�سالم – بقولــه‪ :‬ﮋ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ‬
‫ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﮊ ()‪.‬‬
‫لقد �أتيحت له�ؤالء فر�صة التعبري عن ذاتهم فنالوا ق�سطا‬
‫من التعليم وقدرا ال ب�أ�س به من تعاون املجتمع فا�ستطاعوا بهذا‬
‫وب�إمكانياتهم الذاتية �أن يتخطوا العقبات ويعاجلوا التحديات‪ ،‬لقد‬
‫ا�ستمتعوا بلذة ال�صراع واملواجهة‪ ،‬ال�صراع مع عوامل ال�ضعف الداخلي‬
‫(ال�شهوات وامللذات الهابطة) وال�صراع مع جواذب العادات والتقاليد‬
‫املعطلة‪ ،‬وال�صراع مع �شرا�سة املناف�سني يف امليادين املختلفة‪.‬‬

‫ ‪� -‬سورة �ص‪ ،‬ا آلية ‪.35‬‬


‫‪ 62‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫الشخصية الغضبيّة‬
‫ال�شخ�ص الغ�ضبي هو‪ :‬االنفعايل الفعـ ّال ذو الرتجيع القريب‪،‬‬
‫فهو يتح�س�س ويت�أثر بقوة‪ ،‬ولديه القدرة على اال�ستجابة النفعاالته بن�شاط‬
‫وحيوية‪ ،‬وهذا ما يجعله يف نظر النا�س قريبا من �شخ�صية اجلموح‪،‬‬
‫لكنه يف احلقيقة يختلف عن اجلموح بفارق جوهري حيث هو ال‬
‫ي�صلح للم�شاريع الطويلة والأ دوار التي حتتاج للنف�س الطويل‪ ،‬وما‬
‫ذاك � إال ل�ضعف يف ترجيعه‪ ،‬ولذلك يقول علماء الطبع‪( :‬الغ�ضبي‬
‫دون اجلموح يف تنظيم عمله‪ ،‬ويف حب�س ن�شاطه على غاية بعينها‪،‬‬
‫ويف ا�ستهداف �أهداف بعيدة جدا‪� ،‬أو كبرية جدا‪ ،‬وهو دون اجلموح‬
‫ا�ستمرارا يف مالحقة عمل واحد بعينه)()‪.‬‬
‫يتميز الغ�ضبي ب�صفات �أهمها‪ :‬كرثة الإ�شارات واحلركات‬
‫يف كالمه‪ ،‬ال�صوت املرتفع‪ ،‬احلياة ال�صاخبة واملتقلبة‪ ،‬روح‬
‫املغامرة والتغيري‪ ،‬ال�شهوة الكبرية للطعام وال�شراب واجلن�س‪،‬‬
‫�سرعة الر�ضا والغ�ضب‪ ،‬احلب املتبادل‪ ،‬العواطف اجليا�شة الروح‬
‫االجتماعية‪.)..‬‬
‫� إن الدور املنا�سب لهذا النمط هو كل الأ عمال التي تتطلب‬
‫قدرا كبريا من الن�شاط من دون �صرب ونف�س طويل وتعقيدات‬
‫� إ�سرتاتيجية مت�شعبة‪ ،‬فه�ؤالء ينجحون للخطابة والقتال وكل‬
‫�أعمال اجلندية والأ عمال البدنية والن�شاطات االجتماعية‬
‫املتعددة‪ ،‬يف حني �أن هذا النمط ال ي�صلح لل�سيا�سة وال للق�ضاء‬

‫‪ -‬علم الطباع يف املدر�سة الفرن�سية �ص‪.132‬‬


‫‪63‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫وال ي�صلح للتخطيط والإدارة‪ ،‬وال لقيادة اجلماعات �أو الدول‬
‫وامل�ؤ�س�سات الكبرية‪.‬‬
‫ميكن معاجلة الإ�شكاالت الناجتة عن هذا النمط‪ ،‬بال�صرب عليه‬
‫حلني هدوئه وتغيري مزاجه‪،‬ثم م�صارحته بالن�صيحة � إذا توفر جو من‬
‫العالقة العاطفية احلميمة‪.‬‬

‫الشخصية العـاطفية‬
‫العاطفي هو‪ :‬االنفعايل الالفعـ ّال ذو الرتجيع البعيد‪ ،‬مبعنى �أنه‬
‫يتح�س�س ويت�أثر بقوة ويحتفظ بذاكرة مديدة لأ حا�سي�سه وت�أثراته فهو ال‬
‫ين�سى من �أح�سن �أو �أ�ساء � إليه مثال‪ ،‬لكنه ال ميتلك الن�شاط لتحويل كل‬
‫تلك الت�أثرات � إىل عمل واقعي م�ؤثر ! ولذلك تتحول هذه الأ حا�سي�س و‬
‫الت�أثرات � إىل م�شاعر عميقة يف النف�س تقاوم الن�سيان ورمبا تظهر فيما‬
‫بعد على �شكل (مذكرات �شخ�صية) �أو (ق�صائد وجدانية) يخاطب‬
‫ال�شاعر فيها نف�سه ! ورمبا ي�سعى لن�شر هذه املذكرات �أو الق�صائد � إذا‬
‫�أح�س �أن النا�س ينتظرون منه ذلك‪ ،‬لكنه يف الغالب ال يكلف نف�سه ويدع‬
‫الأ مر للقدر فرمبا يعرث على كتاباته هذه �أحد حمبيه فيكفيه م�ؤونة‬
‫ذلك‪.‬‬
‫يتميز العاطفي ب�صفات كثرية منها‪ :‬ا�ستح�ضار املا�ضي ب�آالمه‬
‫و�آماله‪ ،‬الطموح اخليايل (�أحالم اليقظة)‪ ،‬املزاج املتقلب (انب�ساط‬
‫– انطواء‪ ،‬فرح – حزن )‪ ،‬العالقات املتقلبة‪ ،‬ال�شك والو�سوا�س‪ ،‬الك�سل‬
‫وقلة الن�شاط‪ ،‬حمبة ال�صغار واحليوانات الأ ليفة والزهور‪ ،‬حمبة اخلري‬
‫للنا�س خا�صة ال�ضعفاء وكبار ال�سن‪.‬‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪64‬‬
‫ال ميكن اال�ستفادة من هذا ال�صنف يف الوظائف القيادية وال تلك‬
‫التي تتطلب �صرامة يف احلكم واملوقف مثل الق�ضاء والإفتاء‪ ،‬وال ينا�سب‬
‫هذا ال�صنف الأ عمال البدنية التي تتطلب قدرا من اجلهد‪ ،‬وال تلك التي‬
‫تتطلب احتكاكا تناف�سيا يف املجتمع كالتجارة ونحوها‪ � ،‬إن الذي ينا�سب‬
‫ه�ؤالء ال�شعر والأ دب ورمبا الوظائف املكتبية وكذلك الأ عمال الإن�سانية‬
‫كالطب وال�صيدلة �أو اخلريية كرعاية الأ يتام واملعاقني‪.‬‬
‫كل الذي يحتاجه العاطفي ليقوم بدوره على �أكمل وجه هو احلب!‬
‫�أن يت�أكد �أن جمتمعه يحبه و�أنه يقدر خدماته و� إجنازاته‪ ،‬وهو بالت�أكيد‬
‫لديه القدرة الفائقة على �أن يبادل هذا احلب بحب �أكرب‪ � ،‬إنه � إن�سان و ّيف‬
‫وودود‪ ،‬يهرب من امل�شاكل واملناكفات املزعجة‪ � ،‬إنه �سيكنّ كل احلب ملن‬
‫�س�أله رقم هاتفه مثال �أو �ضغط على يده عند امل�صافحة �أو طلب منه‬
‫�صورة تذكارية �أو قدّم له هدية رمزية‪ � ،‬إنه يحب من �أ�صدقائه �أن يزوروه‬
‫بكرثة وي�س�ألوا عنه ويتابعوا �أخباره‪.‬‬
‫� إنه ملن املقلق حقا ‪ -‬لو فكّر الدعاة وامل�صلحون ‪� -‬أن ال ي�شعر‬
‫ه�ؤالء بال�سعادة يف جمتمعاتنا الإ�سالمية‪ ،‬ور�سولنا عليه ال�صالة‬
‫وال�سالم قد �أكد وبالتف�صيل كل هذه الو�سائل ال�سهلة والودودة (ال�سالم‬
‫وامل�صافحة والزيارة والهدية‪...‬الخ )‪ ،‬ما معنى �أن يعي�ش كثري من ه�ؤالء‬
‫يف جمتمعاتنا وحتى م�ساجدنا وجماعاتنا الإ�سالمية يف توتر و�شقاء ؟‬
‫وكل الذي يحتاجونه لإ�سعادهم � إمنا هو �آداب جميلة و�صفات ودودة ال‬
‫تكلف � إال القليل القليل لكن اهلل يرتب عليها الثواب والر�ضوان ولنت�أمل‬

‫‪65‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬


‫فقط يف قوله عليه ال�صالة وال�سالم‪( :‬تهادوا حتابوا)()‪.‬وقوله‪( :‬ال‬
‫تدخلون اجلنة حتى ت�ؤمنوا وال ت�ؤمنوا حتى حتابوا‪� ،‬أوال �أدلكم على �شيء‬
‫� إذا فعلتموه حتاببتم �أف�شوا ال�سالم بينكم) ()‪..‬‬
‫و�أخريا ف�إن معاجلة �أخطاء العاطفي ال تكون بامل�صارحة وال‬
‫بالت�شهري ف� إن هذا ينفر هذا ال�صنف من النا�س ويجعل اللقاء به مرة‬
‫�أخرى يف غاية ال�صعوبة ملا يتمتع به من ح�س مرهف وذاكرة عميقة‪،‬‬
‫لكن العاطفي حقيقة من �أقدر النا�س على جتاوز �أخطائه بنف�سه � إذا‬
‫كان ذلك ال يكلفه عمال �أو ن�شاطا كبريا‪ ،‬وبالتايل هو ال يحتاج �أكرث‬
‫من امل�شجعات والبيئة املتعاونة معه‪ ،‬فلو ر�أيت عاطفيا وقع يف مع�صية‬
‫ما فالأ مر ال يتطلب �أكرث من �أن ت�صحبه � إىل جمل�س ذكر �أو تزور معه‬
‫مقربة قريبة �أو جتل�سون عند �شيخ وقور ومهيب‪ ،‬هذه الو�سائل تكفي هذا‬
‫ال�صنف لإحداث املراجعة الذاتية و�سرتاه رمبا �أقدر منك على �سكب‬
‫عربات التوبة والندم‪.‬‬

‫الشخصية العصبيّة‬
‫الع�صبي هو االنفعايل الالفعّال ذو الرتجيع القريب‪ ،‬فهو‬
‫�شديد التح�س�س والت�أثر‪ � ،‬إال �أنه ال ميلك الن�شاط الكايف لتحويل انفعاله‬
‫النف�سي � إىل �أفعال‪ ،‬ومع هذا هو �سريع التقلب ون�سيان املا�ضي‪ ،‬فالع�صبي‬
‫مثال �شديد الغ�ضب ولأ نه قليل العمل فهو يحول هذا الغ�ضب � إىل �صراخ‬
‫�أو تهديد دون فعل م�ؤثر‪ ،‬ولأ نه ال ميلك املطاولة بعيدة النف�س‪ ،‬ف� إنه ما‬
‫ ‪ -‬ال�سنن ال�صغرى للبيهقي ج ‪� 6‬ص ‪ ،169‬والتمهيد البن عبد الرب ج ‪� 21‬ص ‪. 18‬‬
‫‪� -‬صحيح م�سلم ج ‪� 1‬ص ‪. 74‬‬
‫‪ 66‬أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫يلبث �أن يهد أ� وين�سى ما حدث متاما‪.‬‬
‫يتميز هذا النمط ب�صفات �أهمها‪ :‬تقلب حاد يف املزاج‪ ،‬قلة‬
‫الإنتاج والعمل امل�ؤثر‪ ،‬حب املبالغة والتهويل يف نقل الأ خبار‪ ،‬حب ال�سفر‪،‬‬
‫�سهولة تغيري ال�سكن واملهنة وال�صداقات‪ ،‬الغرية ورمبا احل�سد ال�شديد‪،‬‬
‫�ضعف التقيّد باملبادئ التي ي�ؤمن بها‪ ،‬عدم الدقة يف املواعيد‪ ،‬البذل‬
‫� إىل حد الإ�سراف‪.‬‬
‫يبدو وا�ضحا �أن هذا ال�صنف ال يخ�شى من ردة فعله العملية‬
‫حتى يف حالة الغ�ضب بخالف اجلموح �أو الغ�ضبي‪ ،‬وهذا رمبا بخالف‬
‫ما يتبادر للذهن من اال�ستخدام ال�شائع لـكلمة (الع�صبي) لكن غالب‬
‫ما يخ�شى منه‪:‬‬
‫‪� -1‬سرعة التقلب يف الوالءات وال�صداقات‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم القدرة على االلتزام الطويل حتى بقناعاته الفكرية‬
‫والقيمية‪.‬‬
‫‪ -3‬ت�سببه بالكثري من اللغط وامل�شاكل يف املجتمع الذي يحتك به‪.‬‬
‫ويف تقديري �أن هذه املخاوف لي�ست بخطرية � إذا �أح�سنا التعامل‬
‫معه‪ ،‬فمثال هذا ال�صنف ال ينفع معه اجلدل لإقناعه ب�صحة الفكرة‬
‫واملبد�أ‪ ،‬و� إمنا ا�ستخدام احلوافز املادية واملعنوية‪ ،‬وحتى الرتغيب‬
‫باجلنة ونعيمها والرتهيب من النار و�سعريها‪ ،‬ومن هنا ندرك كيف‬
‫ظهرت يف املجتمع الإ�سالمي الأ ول �شريحة (امل�ؤلفة قلوبهم) وقطعا هذه‬
‫ال�شريحة مل تكن حتركها العقائد واملبادئ بقدر ما حتركها احلوافز‬
‫الآنية‪ ،‬وهذا من خ�صائ�ص املنهج الرتبوي يف الإ�سالم حيث جمع‬
‫بني املثالية والواقعية وك�أن الإ�سالم يقر �صراحة بوجود فئة من النا�س‬
‫‪67‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫يت�أثرون بالقريب العاجل �أكرث من ت�أثرهم بالأ �صول والثوابت‪.‬‬
‫اختيار الدور املنا�سب لهذا النمط يخف�ض � إىل حد كبري امل�شاكل‬
‫املتوقعة‪ ،‬فهذا النمط ال ي�صلح للوظائف القيادية وال تلك التي تتطلب‬
‫ا�ستقرارا طويال‪ ،‬وال تلك الأ عمال الروتينية التي تبعث يف هذا ال�صنف‬
‫امللل وال�س�آمة‪ � ،‬إن هذا ال�صنف ي�صلح للأ عمال التي تتطلب قدرا من‬
‫ال�سفر �أو احلركة ذات املجهود القليل وبع�ض �أعمال الفن والت�صوير‪،‬‬
‫و�أعمال الن�شر والتوزيع‪..‬الخ‪.‬‬

‫الشخصية اللمفاوية‬
‫اللمفاوي هو‪ :‬الال انفعايل الفعـ ّال ذو الرتجيع البعيد‪ ،‬فهو قليل‬
‫التح�س�س والت�أثر عظيم الن�شاط عميق الذاكرة‪.‬‬
‫تتميز هذه ال�شخ�صية ب�صفات �أهمها‪ :‬الهدوء والتفا�ؤل والقدرة‬
‫على الرتكيز‪ ،‬معتدل املزاج‪ ،‬ال يحب املبالغة والغلو يف �أي جانب‪ ،‬ال يحب‬
‫الظهور وال كرثة الكالم‪ ،‬لديه القدرة على ال�صرب والكتمان واملطاولة‪،‬‬
‫متم�سك بقناعاته ومن�سجم مع مبادئه‪ ،‬غالبا ما يت�صف باحلكمة‬
‫وال�صدق واملو�ضوعية‪.‬‬
‫هذه ال�صفات تر�شح اللمفاوي لأ دوار كبرية ومهمة مثل قيادة‬
‫الأ ن�شطة اجلماعية و� إدارة امل�ؤ�س�سات واجلمعيات وال�شركات امل�ستقرة‪،‬‬
‫ي�صلح ب�شكل متميز للق�ضاء والإفتاء والتعليم وكذلك مراكز البحوث‬
‫والدرا�سات وجلان ال�شورى واملراقبة واملتابعة‪..‬الخ‬
‫ميكن حتديد جوانب القلق �أو ال�ضعف يف هذه ال�شخ�صية‬
‫بالنقطتني الآتيتني‪:‬‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪68‬‬
‫الأ وىل‪ :‬عدم قدرته على � إظهار م�شاعره للآ خرين فهو لي�س ب�شاعر‬
‫وال فنان وال يجيد املدح �أو التملق للآ خرين‪ � ،‬إن �شخ�صيته التي توحي بنوع‬
‫من الغمو�ض لقلة انفعاالته ال ت�ؤهله لأ دوار الت�أثري العاطفي �أو الت�سويق‬
‫التجاري �أو الدعايات ال�سيا�سية‪ ،‬وال �شك �أنه � إذا دخل يف هذه املجاالت‬
‫ف�إنه �سيف�شل‪ ،‬ورمبا �سينظر � إليه املحتكون به نظرة �سلبية كاتهامه بالربود‬
‫والالمباالة ورمبا بالتكرب والتعايل على الآخرين‪ ،‬وكل هذا قد ال يكون‬
‫�صحيحا‪ ،‬لكنه يعامل النا�س بال�صيغة التي تن�سجم مع داخله‪ � ،‬إنه �شخ�صيا‬
‫ال ي�شعر باحلاجة لتملق النا�س له �أو مديحهم � إياه‪ � ،‬إنه � إن�سان عملي م�شدود‬
‫لهدفه مرتبط بقناعاته من دون م�شجعات �أو حمفزات‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬طابع الروتني وت�شابه الأ حوال يف � إدارته وقيادته‪ ،‬وهذه‬
‫م�شكلة حقيقية‪ ،‬فكثري من اجلماعات والإ�سالمية منها ب�شكل خا�ص‬
‫و�ضعت على ر�أ�س هرمها قيادات من هذا النوع يف جمتمعات متغرية‬
‫وظروف متقلبة ومتناق�ضة فكانت النتيجة بطء وا�ضح يف احلركة وف�شل‬
‫عن مالحقة هذه املتغريات‪ ،‬ولتربير مثل هذا الف�شل ا�ستعريت الفتات‬
‫جميلة لتغطيته مثل (الثبات) وهو م�صطلح جميل � إذا �أطلق على الهوية‬
‫واملبد�أ‪� ،‬أما � إذا �أطلق على الربامج والو�سائل فيتحول � إىل �سلبية قاتلة‪،‬‬
‫ما معنى �أن تثبت يف حميط متحرك ؟!‬
‫نعم � إن ال�شخ�صية اللمفاوية ت�صلح لقيادة اجلماعات يف الدول‬
‫واملجتمعات امل�ستقرة حيث الو�ضع امل�ستقر �سيا�سيا وقانونيا واملعطيات‬
‫الوا�ضحة على املدى املنظور‪ ،‬وهناك احتماالت �ضعيفة جدا حلدوث‬
‫مفاج�آت كبرية �أو قوية‪ ،‬ولذلك تنجح امل�ؤ�س�سات الغربية بقياداتها‬
‫اللمفاوية لأ ن هذه القيادات تن�سجم مع البيئة املحيطة فتحقق قدرا‬
‫‪69‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫من االن�سجام واال�ستقرار‪ ،‬لكننا حينما ن�ستورد هذه التجربة من الغرب‬
‫يف بالدنا املتقلبة ف�إننا �سنعزل �أنف�سنا متاما عن حميطنا و�سنجد‬
‫�أنف�سنا خارج الزمان ورمبا حتى املكان‪ ،‬وال زلت �أذكر بهذا ال�صدد يف‬
‫ال�شهر الثامن �سنة ‪ 2003‬م �أي بعد االحتالل الأ مريكي للعراق ب�أ�شهر‬
‫قليلة‪ ،‬وكنت حينها يف مدينة الفلوجة وكانت الفلوجة تغلي و� إذا باحلزب‬
‫الإ�سالمي العراقي‪ /‬فرع الفلوجة ي�ست�ضيف واحدا من قياداته التي‬
‫�أم�ضت �شطر حياتها يف الغرب ليلتقي ب�أهل الفلوجة ويقول لهم العبارة‬
‫الآتية (نحن ال نثور وال نـُثري وال ن�ستثار) !! رمبا يكون هذا الأ خ داعية �أو‬
‫قياديا ناجحا يف الغرب لكنه ف�شل يف �أن يجد لتجربته �أر�ضية ولو �ضيقة‪.‬‬
‫و� إذا قارنا �شخ�صية اللمفاوي ب�شخ�صية اجلموح ف� إننا �سنجد‬
‫�أن اجلموح يتفوق على اللمفاوي ب�سرعة احلركة والتكيّف مع املتغريات‬
‫وامل�ستجدات‪ ،‬والقدرة كذلك على حتقيق القفزات املتنا�سبة مع حركة‬
‫الزمن وتناف�س الآخرين يف نف�س امليدان‪ ،‬ورمبا يكون اجلموح غري‬
‫منا�سب للقيادة يف امل�ؤ�س�سات التي تطمح لال�ستقرار يف بيئة م�ستقرة‬
‫�أ�صال وهنا ي�أتي دور اللمفاوي‪ ،‬ولذلك يقال‪ � :‬إن �أف�ضل امل�ؤ�س�سات هي‬
‫التي تبد أ� بقيادة جموحة تو�صلها � إىل امل�ستوى املطلوب ثم ت�سلّم القيادة‬
‫ل�شخ�صية ملفاوية حتافظ على املكا�سب املتحققة‪.‬‬
‫واخلال�صة �أننا نحتاج للجموح يف قيادة امل�ؤ�س�سات النا�شئة وتلك‬
‫التي تعمل يف الظروف والأ حوال املتقلبة‪ ،‬بينما نحتاج للمفاوي يف قيادة‬
‫امل�ؤ�س�سات واجلماعات امل�ستقرة والبالغة حد الر�ضا مب�ستواها يف البيئة‬
‫البعيدة عن املفاج�آت واالنقالبات‪.‬‬
‫لي�س هناك عقبات كبرية ملعاجلة �أخطاء اللمفاويني‪ ،‬فهم‬
‫تو�ضح لهم �أخطا�ؤهم بهدوء ف� إذا‬
‫مبدئيون عمليون كتومون‪ ،‬يكفي �أن ّ‬
‫اقتنعوا فعال فال عقبة حتول بينهم وبني الت�صحيح‪ � ،‬إن �شخ�صية‬
‫اللمفاوي ال حتتاج �أكرث من الإقناع بخالف ال�شخ�صية الع�صبية‬
‫والعاطفية وحتى اجلموحة‪.‬‬

‫الشخصية الـدموية‬
‫الإن�سان الدموي هو‪ :‬الال� إنفعايل الفع ـ ّال ذو الرتجيع القريب‪،‬‬
‫فهو قليل التح�س�س والت�أثر‪ ،‬عظيم احليوية والن�شاط‪ ،‬غري قادر على‬
‫املطاولة والنف�س الطويل‪.‬‬
‫تتميز هذه ال�شخ�صية ب�صفات كثرية �أهمها‪ :‬قلة االنفعال كال�شعور‬
‫بالغ�ضب املفاجئ �أو الفرح واحلزن املفرطني‪ ،‬معتدل يف املزاج‪ ،‬هادئ‬
‫ال�صوت‪ ،‬مهذّب يف تعامله مع النا�س‪،‬حمب للريا�ضة‪ ،‬معتدل يف ملذات‬
‫اجل�سد‪ ،‬عملي من الدرجة الأ وىل‪ ،‬قادر على حل م�شاكله بال توتر‪ ،‬يكره‬
‫الروتني والعمل الوظيفي املت�شابه الأ حوال‪ ،‬ال ي�صرب على متطلبات‬
‫التنظيم املعقد‪ ،‬يكره التع�صب‪ ،‬مت�سامح مع الآخرين لكنه قادر على‬
‫املراوغة واملخادعة‪ ،‬لي�س دائما من�سجما مع قناعاته ومبادئه‪ ،‬يتنوع يف‬
‫�صداقاته ويتجدد وال يحمل وفاء كبريا لأ �صدقاء الطفولة مثال‪.‬‬
‫� إن هذه ال�شخ�صية ت�شرتك مع اللمفاوي يف كثري من ال�صفات‬
‫لكن نقطة اخلالف اجلوهرية هي‪ :‬عدم القدرة على املطاولة وال�صرب‬
‫وهذا ينعك�س على عالقاته ونظرته للوظيفة والأ عمال الأ خرى وال�سبب‬
‫الذي �أنتج هذا الفارق � إمنا هو اختالفهما يف الرتجيع‪.‬‬
‫بعك�س ما يوحي م�صطلح (الدموي) يف ثقافتنا ال�شائعة ف�إن‬
‫‪71‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫الدموي هنا هو بطل الدبلوما�سية والعالقات العامة والأ دوار ال�سيا�سية‬
‫ذات الأ هداف القريبة‪ � ،‬إن هدوء طبعه الال� إنفعايل‪ ،‬وا�ستعداده‬
‫لن�سيان جراحات املا�ضي و�أخطاء الآخرين‪ ،‬وحيويته الفائقة‪ ،‬كل‬
‫هذه اال�ستعدادات املجتمعة تقوده ليكون الرجل املنا�سب يف العالقات‬
‫(الرباغماتية) الهادفة القريبة الأ هداف‪� ،‬أما العالقات العاطفية‬
‫احلقيقية فال تنا�سب بالت�أكيد هذه ال�شخ�صية‪.‬‬
‫� إن �أغلب الإ�شكاالت التي تن�ش أ� من التعامل مع هذه ال�شخ�صية‬
‫يعود � إىل‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم قدرته على االحتفاظ بعالقاته القدمية‪ ،‬وهذه �سلبية‬
‫من ناحية لكن قد تكون � إيجابية من ناحية �أخرى‪ ،‬حيث لديه القابلية‬
‫على ت�شكيل عالقات جديدة ومتنوعة ومن املمكن اال�ستفادة من ذلك يف‬
‫جماالت كثرية �أخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬قلة ال�صرب على العمل الروتيني الرتيب‪ ،‬ولذلك ينبغي اختيار‬
‫الأ عمال التي فيها قدر من احلركة واملرونة وهي الأ خرى كثرية �أي�ضا‪.‬‬
‫‪ -3‬العجز عن حب�س النف�س نحو الأ هداف املركزية البعيدة‪،‬‬
‫وهذه ال تكون � إ�شكالية خطرية � إال عندما ت�سند الأ دوار القيادية املركزية‬
‫لهذا النمط‪ ،‬وميكن تاليف هذا الأ مر بو�ضع الرجل املنا�سب يف املكان‬
‫املنا�سب بعد املعرفة العلمية مبعنى الرجل املنا�سب‪.‬‬
‫‪� -4‬ضعف االلتزام مببادئه وقناعاته‪ ،‬وهذه م�شكلة حقيقية لكنها‬
‫لي�ست جديدة وال غريبة‪ ،‬وقد ر�أينا الر�سول عليه ال�صالة وال�سالم‬
‫ي�ستخدم الأ �ساليب التحفيزية املتنوعة ماديا ومعنويا لدفع ه�ؤالء النا�س‬
‫نحو الأ هداف املطلوبة منهم‪ ،‬حيث كل ما حتتاجه هذه ال�شخ�صية‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪72‬‬
‫املتابعة امل�ستمرة والتحفيز املتكرر لأ نه لي�س لديه القدرة �أن يتذكر دائما‬
‫الهدف الأ خروي البعيد الذي ي�سعى له كل م�سلم‪.‬‬

‫الشخصيـة الخاملة‬
‫اخلامل هو‪ :‬الال انفعايل الال فعـ ّال ذو الرتجيع البعيد‪ ،‬فهو قليل‬
‫التح�س�س والت�أثر‪ ،‬قليل احليوية والن�شاط‪ ،‬لديه القدرة الطويلة الختزان‬
‫م�شاعره واالحتفاظ بذكرياته و�أحالمه‪.‬‬
‫يتميز اخلامل ب�صفات كثرية منها‪ :‬الثبات على �آرائه وعالقاته‬
‫القدمية‪ ،‬ال يحب التغيري والتجديد‪ ،‬قليل الكالم‪ ،‬قليل العمل‪ ،‬حمب‬
‫لالقت�صاد‪ ،‬يكره املفاج�آت‪ ،‬عازف عن الن�شاطات االجتماعية‪ ،‬ال يحب‬
‫الأ طفال وال احليوانات الأ ليفة‪ ،‬كثري التحمل وال�صرب‪ ،‬كثري الأ حقاد‪ ،‬له‬
‫قدرة كبرية على الكتمان‪.‬‬
‫ي�صنف كثري من النا�س هذا النمط على �أنه �شخ�صية حمافظة‬
‫عظيمة الوفاء لقيمها وثوابتها وعالقاتها القدمية‪ ،‬ورمبا لهذا ال�سبب‬
‫توكل � إليهم املهام القيادية الكبرية يف بع�ض اجلماعات الإ�سالمية‬
‫خا�صة ! ولو حاولنا حتليل هذه ال�شخ�صية ف� إن �شدة املحافظة هذه نابعة‬
‫من �ضعف االنفعالية و�ضعف الفاعلية فهو ال يطلع على الأ فكار والأ �ساليب‬
‫اجلديدة وال يتفاعل مع املتغريات واملفاج�آت‪ ،‬ولي�ست لديه القدرة على‬
‫التكيّف مع امل�ستجدات‪ ،‬يف مقابل ذلك فهو يحتفظ بذاكرة قوية لكل ما‬
‫هو قدمي (�أفكار‪ ،‬ت�صورات‪ ،‬عالقات‪� ،‬أ�ساليب‪ ...‬الخ) فال يجد نف�سه‬
‫� إال يف هذا الإطار‪ ،‬وحينما ينظر � إىل املواكب املتحركة ميينا و�شماال فهو‬
‫ال يرى فيها � إال مغامرات طائ�شة تفتقر � إىل الرزانة والرويّة‪.‬‬
‫‪73‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫� إن الورقة الوحيدة التي بيد هذا النمط هي كونهم (�أهل‬
‫ال�سابقة) و (الثابتون على النهج) وا�ستنادهم � إىل مثل هذه املقوالت‬
‫يخفي وراءه حاالت كثرية من العجز والتق�صري‪ ،‬في�سلك �أحدهم هذا‬
‫النهج عقودا من ال�سنني فال تلم�س له � إ�ضافة على ما قدمه ال�سابقون‬
‫ال يف جمال العلم والثقافة وال يف جمال التنظري والتخطيط وال حتى‬
‫على م�ستوى حل امل�شاكل الآنية �أو مواجهة التحديات املحيطة‪ ،‬ال تكاد‬
‫تقر أ� لهم ر�أيا وال فكرا‪ � ،‬إنهم باخت�صار يعي�شون على � إنتاج الروّاد الأ وائل‬
‫وكتاباتهم وجتاربهم‪.‬‬
‫� إن الدور املنا�سب لهذا النمط بعيد كل البعد عن الأ دوار القيادية‪،‬‬
‫وكذلك املهام التي تتطلب قدرا من اجلهد البدين �أو قدرا من املرونة‬
‫يف احلركة والتكيـ ّف كالدبلوما�سية �أو الريا�ضة والفن‪ � ،‬إن �أن�سب املهام‬
‫له�ؤالء هي املهام الروتينية الرتيبة كالأ عمال الكتابية ورمبا الق�ضاء‬
‫و�أقل من ذلك التعليم‪.‬‬
‫ال توجد خماوف حقيقية من هذا النمط � إذا ا�ستبعدوا عن من�صة‬
‫القيادة‪ ،‬فهم ال يحبون �أ�صال املفاج�آت وال يتوقون لل�شهرة �أو التغيري‬
‫� إنهم بحق (ال يثورون وال يثريون وال ي�ستثارون) و� إذا عزل �أحدهم من‬
‫من�صبه �أو وظيفته ف�إنه ال ينتقم ولي�ست لديه القدرة على االنتقام‪ ،‬لكنه‬
‫من امل�ؤكد �سيحتفظ ب�أحقاده طويال دون �أن تنتج هذه الأ حقاد عمال‬
‫م�ؤثرا‪ ،‬ولذلك يكون ه�ؤالء مف�ضلني جدا يف اجلماعات التي تعي�ش قلقا‬
‫�أمنيا �أو تخاف من الت�صدع والتفكك الداخلي‪.‬‬
‫كما �أن ه�ؤالء ال يحتاجون � إىل �أدوات التحفيز املتكررة واملتنوعة‬
‫والتي يحتاجها غريهم يف العادة‪ ،‬وبالتايل هم �أقل كلفة‪ ،‬وال يحتاجون‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪74‬‬
‫حتى � إىل املراقبة �أو املتابعة من قياداتهم‪.‬‬

‫الشخصية الهالميّة‬
‫الهالمي هو‪ :‬الال انفعايل الال فع ـ ّال ذو الرتجيع القريب‪ ،‬فهو‬
‫قليل التح�س�س والت�أثر‪ ،‬قليل الن�شاط‪� ،‬سريع الن�سيان ملبادئه و�أهدافه‬
‫وم�شاعره!‬
‫يت�صف الهالمي ب�صفات متيزه عن غريه منها‪ :‬االهتمام بغرائزه‬
‫وحاجاته املادية القريبة‪ ،‬ك�سول وم�سـوّف‪ ،‬ال يعتز ب�صداقاته القدمية‬
‫ورمبا ال يتذكرها‪ ،‬ال يلتزم مببادئه وقناعاته‪ ،‬ال يقلقه م�ستقبله البعيد‬
‫وال يح�سب لأ يام �شيخوخته مثال‪ ،‬مبذ ّر وم�سرف‪ ،‬ال يهتم بال�ش�أن العام‪،‬‬
‫�ضعيف الوالء لقوميته �أو وطنه وحتى �أ�سرته‪ ،‬لكنه مت�سامح هادئ ال يثري‬
‫لغطا يف الو�سط الذي يعي�ش فيه‪ ،‬مو�ضوعي وواقعي لي�س عنده ما ي�شده‬
‫للتع�صب واالنحياز‪.‬‬
‫يرى املخت�صون بهذا العلم �أن كثريا من الذين ميتهنون الفن‬
‫الهابط واملتع اجل�سدية الرخي�صة هم من هذا النمط()‪ � ،‬إال �أنه ميكن‬
‫القول � إن هذا النمط م�ؤهل ملمار�سة �أدوار نافعة حيث هناك �صفات ميكن‬
‫�أن تكون � إيجابية بل و�ضرورية لبع�ض الوظائف‪ ،‬فمثال هذه ال�شخ�صية‬
‫قليلة الغ�ضب قليلة الأ حقاد مت�ساحمة مع الآخرين وال�س�ؤال هو �أال ميكن‬
‫توظيف هذه ال�صفات بالطريقة النافعة؟‬

‫ ‪ -‬علم الطباع يف املدر�سة الفرن�سية �ص ‪.210‬‬


‫‪75‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫� إن هذا النمط يحتاج � إىل رعاية ومتابعة‪ ،‬فهو ال ي�صلح �أن يقود‬
‫الآخرين وال ي�صلح �أن يقود نف�سه‪ ،‬ف�إذا عرف املجتمع م�س�ؤوليته جتاه هذا‬
‫النمط ف�إنه �سيحولهم � إىل عنا�صر خيرّ ة‪ ،‬و�أذكر هنا جتربة الإ�سالميني‬
‫يف تركيا حيث فكروا يف معاجلة الو�ضع ال�سيئ ملجتمع حمدد من الن�ساء‬
‫اللواتي ميتهن احلرام ب�أج�سادهن وبعد درا�سة علمية دقيقة متكنوا من‬
‫معاجلة امل�شكلة من �أ�سا�سها‪.‬‬
‫� إن ه�ؤالء كالأ طفال الذين يتمتعون بقدر من الآنيـ ـ ّة القريبة‬
‫فتتغلب �شهواتهم احلا�ضرة على منطق العقل و�ضرورات امل�ستقبل‪،‬‬
‫لكن بوجود الأ �سرة الواعية والرتبية امل�ستمرة ميكن �أن يتغري كثري من‬
‫الظواهر ال�سلوكية ال�سلبية‪.‬‬
‫لي�س هناك كبري خطر من هذا ال�صنف �شريطة �أن يعرف املجتمع‬
‫دوره جتاههم‪ ،‬وينبغي التنبيه هنا �أن هذا النمط ال يت�أثر باملجادالت‬
‫النظرية بقدر ما يت�أثر بالبيئة ال�صاحلة الودود التي يرى فيها �أن�سه‬
‫ومتعته النف�سية والعاطفية‪.‬‬

‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪76‬‬


‫مـالحظات في التشـخيص والعـالج‬

‫من �أجل �أن نتقدّم خطوة باالجتاه العملي علينا �أن نح�سن‬
‫ا�ستخدام هذا العلم لئال ينقلب � إىل مع�ضلة جديدة ت�ضاف مع�ضالت‬
‫عملنا الإ�سالمي‪ ،‬ولأ ين �أعلم �أن هذا املو�ضوع �شديد اخل�صو�صية وبالتاي‬
‫هو �شديد احل�سا�سية فال ينبغي تعاطيه بعجلة �أو �سطحية �أو عبثية تذهب‬
‫بثمار هذا العلم وتعطي انطباعا �سلبيا عنه‪ ،‬من �أجل كل ذلك حاولت �أن‬
‫�أ�ضع بني يدي القارئ الهادف هذه املالحظات املوجزة‪:‬‬

‫الأ وىل‪� :‬أن هذا العلم له غاية عملية فهو �أ�سمى من مقولة (العلم‬
‫للعلم) وهذه الغاية العملية يف الرتبية والتقومي والتوظيف تتطلب �شعور ًا‬
‫عالي ًا بامل�س�ؤولية‪ ،‬ومراقبة اهلل يف �أي مرحلة من مراحل اال�ستفادة من‬
‫هذا العلم بد أ� بالت�أ�صيل ال�شرعي كما هي مهمة هذا البحث �أو الت�شخي�ص‬
‫ثم العالج يف امليدان وعلى خمتلف ال�صعد‪.‬‬

‫الثانية‪� :‬ضرورة التمييز بني ثوابت الطبع والظواهر ال�سلوكية‪،‬‬


‫حيث �أن الثوابت ال ميكن تغيريها فهي �أ�شبه باجلانب اجلربي يف‬
‫الإن�سان كلون ب�شرته وطول قامته وم�ستوى ذكائه وهذه ال يحا�سب عليها‬
‫املرء � إذ اهلل خلق عباده متفاوتني يف هذا اجلانب حلكمة جلية‪ ،‬وهذا‬
‫بخالف اجلانب التكليفي وهو اجلانب العملي الذي مبقدور الإن�سان �أن‬
‫‪77‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫يقوّمه مبقت�ضى ال�شرع والعقل‪ ،‬ولتو�ضيح هذا ف�إذا ظهر بالت�شخي�ص �أن‬
‫هذا الإن�سان انفعايل �أو غري انفعايل �أو كونه جموحا �أو عاطفيا فهذا‬
‫بحد ذاته ال يو�صف باخلري �أو ال�شر‪ ،‬لكن الذي يو�صف باخلري �أو ال�شر‬
‫ومن ثم ي�ستحق الثواب �أو العقاب هو �سلوك هذا ال�شخ�ص‪ ،‬ف�سلوك‬
‫اجلموحني مثال لي�س واحدا و� إن كانت طباع اجلموحني واحدة‪ ،‬فلو‬
‫قلت مثال � إن خالد بن الوليد وجنكيزخان ينتميان � إىل منط اجلموح‬
‫فهذا ال يعني �أن �سلوك خالد ك�سلوك جنكيزخان‪ ،‬بل � إن خالدا نف�سه‬
‫يف اجلاهلية غريه يف الإ�سالم‪ ،‬لكن م�ؤهالته الفطرية هي هي وبالتايل‬
‫يكون العالج لي�س يف حتويل خالد – ر�ضي اهلل عنه – من جموح � إىل ال‬
‫جموح‪ ،‬و� إمنا يكون من جموح جاهلي � إىل جموح � إ�سالمي‪.‬‬

‫الثالثــة‪ :‬التنبـّـه � إىل التمييز بني هذه الأ مناط كا�ستعدادات‬


‫فطرية للب�شر وبني تلك ال�صفات الك�سبية‪ ،‬فاجلموح مثال ال يكون قائدا‬
‫لكونه جموحا فقط و� إمنا هو بحاجة � إىل العلم والدربة وتنمية املدارك‬
‫واملعارف املختلفة‪ ،‬وكذلك العاطفي ال يكون �شاعرا ملجرد كونه عاطفيا‬
‫بل يحتاج � إىل � إتقان لغة ال�شعر و�أدواته‪ ،‬فدرا�سة هذه الأ مناط ت�صنف‬
‫النا�س ت�صنيفا �أوليا بح�سب ا�ستعداداتهم الفطرية الأ ولية كما تقول‬
‫هذا ذكي ي�صح �أن يدر�س الطب ليكون طبيبا وذلك ذو قامة طويلة‬
‫ي�صح �أن يدخل نادي كرة ال�سلة‪ ،‬فالعلم واخلربة والأ خالق واللغة هي‬
‫الن�صف الآخر ل�شخ�صية الإن�سان‪� ،‬أقول هذا لأ ين ر�أيت بع�ض املعجبني‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪78‬‬
‫بالدرا�سات النف�سية ال ينظرون للإ ن�سان � إال من خالل التحليل النف�سي‬
‫و� إمنا الإن�سان نف�س وعقل وج�سد وروح ولكل �أمرا�ضه وعالجاته واملرء ال‬
‫يحقق ذاته � إال بكل تلك العنا�صر جمتمعة‪.‬‬

‫‪79‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬


‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪80‬‬
‫الخاتمــة‬

‫يف ختام هذا البحث �أود �أن �أ�سجل خال�صة ما تو�صلت � إليه مع‬
‫�أهم التو�صيات‪:‬‬
‫‪ -‬علم الطباع و� إن كان علم ًا حديث ًا بعنوانه وتبويباته و م�صطلحاته‬
‫وقد كان الف�ضل يف كل هذا للمدر�سة الفرن�سية � إال �أن مو�ضوع هذا العلم‬
‫موجود مع وجود الإن�سان على هذه الب�سيطة‪ ،‬فعلماء هذا الفن مل‬
‫ي�صنعوا الطبع الب�شري كما �أن علماء النحو مل ي�صنعوا الل�سان العربي‬
‫وال املناطقة �صنعوا العقل الإن�ساين‪ ،‬وعلى هذا فالبحث يف الرتاث‬
‫الإن�ساين‪ ،‬والثقافات املتعددة عن جذور هذا العلم وال�صيغ املنبثقة عنه‬
‫يف ال�سلوك الب�شري �أمر م�سوّغ ونافع يف تقومي هذا العلم وتطويره‪.‬‬
‫‪ � -‬إن الإ�سالم الذي جعل النف�س الب�شرية حمور التكليف‪،‬‬
‫وبها تناط مهمة � إعمار الأ ر�ض وحتقيق خالفة اهلل فيها‪ ،‬قد احتوى‬
‫كثريا من املعلومات والتوجيهات التي ت�شكل منهجا متكامال لإ�صالح‬
‫النف�س وحملها على ال�سلوك الأ ف�ضل‪ ،‬ي�ضاف � إىل هذا تعامل الر�سول‬
‫‪ ‬امليداين مع النف�س الإن�سانية املختلفة واملتنوعة من �شخ�ص لآخر‪،‬‬
‫� إن هذا كله ي�شكل ثروة هائلة ممكن �أن تقدم � إ�ضافة متميّزة للرتاث‬
‫الإن�ساين يف هذا املجال‪.‬‬
‫‪ � -‬إن العلماء امل�سلمني مطالبون اليوم بدرا�سة العمق الإ�سالمي‬
‫يف جمال النف�س الب�شرية ومقارنة هذه الدرا�سة باخلربة الإن�سانية‬
‫املرتاكمة‪ ،‬وحماولة ن�سج اللحمة بني درا�ساتنا الإ�سالمية القدمية التي‬
‫‪81‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫ظهرت على يد حجة الإ�سالم الغزايل وغريه كا�ستجابة لتحديات ذلك‬
‫تو�صل � إليه اجلهد الب�شري اليوم ب�أدوات البحث العلمي‬‫الع�صر وبني ما ّ‬
‫املعا�صر‪.‬‬
‫‪ � -‬إن هذه الدرا�سات ينبغي �أن ال تبقى يف حدود االهتمامات‬
‫ال�شخ�صية لبع�ض الباحثني بل من الأ ف�ضل و�ضع �آليات منا�سبة لبناء‬
‫م�شروعنا الإ�سالمي املعا�صر يف كل فروع علم النف�س ومنها “علم‬
‫الطباع” و�أقرتح �أن تبادر � إحدى اجلامعات بت�أ�سي�س ق�سم متخ�ص�ص‬
‫بالدرا�سات النف�سية و�أن ترفد هذه التجربة مبركز بحوث يالحق‬
‫امل�ستجدات ويقدم الدرا�سات الت�أ�صيلية واملقارنة‪.‬‬
‫‪ � -‬إن هذا العلم لي�س من نافلة العلوم‪ ،‬فنحن بحاجة ت�صل � إىل‬
‫حد ال�ضرورة لتوظيف اخلربات املرتاكمة ونتائج الأ بحاث الكبرية يف‬
‫هذا املجال مبا ينا�سب ثقافتنا وثوابتنا لت�شخي�ص الأ دواء النف�سية‬
‫وال�سلوكية على امل�ستوى الفردي واجلماعي‪ ،‬وحتويل هذه اخلربات‬
‫� إىل �ضوابط � إجرائية يف �سيا�سات التوظيف خا�صة يف املهام الإدارية‬
‫وامل�س�ؤوليات الكبرية‪ ،‬وهذا من �شروط النه�ضة التي نن�شدها‪ � ،‬إذ �أن‬
‫املوظف ال يتعامل مع الأ �شخا�ص والأ �شياء ب�شهادته العلمية التي ت�سنم‬
‫بها وظيفته بل هو يتعامل مع كل ما حوله ومن حوله بدوافع وحاجات‬
‫نف�سية وما مل يتم مراعاة هذا اجلانب ف�سنبقى نواجه م�شاكل متنوعة‬
‫من �سوء الإدارة وا�ضطراب العالقة بني الرئي�س واملر�ؤو�س والهدف‬
‫املو�ضوع لهما‪ ،‬كما �أن � إهمال هذا اجلانب يف الطفولة ومراحل الدرا�سة‬
‫الأ ولية جتعل الإن�سان يخ�سر �سنوات طويلة من اجلهد ليكت�شف يف نهاية‬
‫املطاف �أنه مل يكن قد اختار التخ�ص�ص الذي ينا�سب طبيعته مما يولد‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪82‬‬
‫عندنا حالة من اثنتني‪ :‬العمل بدون رغبة وال دافعية‪� ،‬أو ترك التخ�ص�ص‬
‫هذا والتوجه لعمل �آخر بعيد كل البعد عن تخ�ص�صه الذي �أفنى فيه‬
‫عمره وجهده‪.‬‬
‫‪ -‬وت�أ�سي�س ًا على ما تقدم ف�إنه ال بد من وجود جلان � إر�شادية‬
‫يف كل مدر�سة تعتمد الأ �سلوب العلمي الر�صني لتوجيه الطالب � إىل‬
‫التخ�ص�صات التي تنا�سبهم‪.‬‬
‫‪ -‬و�أخريا ف�إن هذا البحث ال ميثل � إال خطوة ي�ستح�سن �أن تتبعها‬
‫خطوات ال�ستك�شاف �أغوار هذا العلم و�أبعاده النظرية والتطبيقية‬
‫ل�صياغة علم النف�س الإ�سالمي بثوب جديد قادر على و�ضع احللول‬
‫لإ�شكاالت الع�صر وحتدياته‪.‬‬

‫واهلل �أ�س�أل �أن يوفقنا لل�صواب و�أن يتقبله منا‪ ،‬و�أن يغفر لنا‬
‫ال�سهو والزلل‪.‬‬

‫‪83‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬


‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪84‬‬
‫الملحـقـات‬

‫()‬
‫ملحق رقم (‪ )1‬اختبار االنفعالية‬

‫‪� -1‬أتت�أثر كثري ًا لأ مور �صغرية تعرف �أنها ال قيمة لها؟‪9................‬‬


‫�أم �أنت ال تهزك � إال الأ حداث الكبرية؟‪1................................‬‬
‫‪� -2‬أتتحم�س �أو ت�ستنكر ب�سهولة؟‪9......................................‬‬
‫�أم �أنت تقبل الأ �شياء بهدوء ؟‪1.........................................‬‬
‫‪ -3‬أ��أنت �سريع الت�أذي؟ ويجرحك النقد احلاد �أو ال�سخرية؟‪9............‬‬
‫�أم �أنت ال تكرتث بكل ذلك؟‪1...........................................‬‬
‫‪� -4‬أتنتف�ض حني يناديك �أحد فج�أة؟‪9.................................‬‬
‫�أم ال تنتف�ض يف العادة ؟‪1..............................................‬‬
‫‪� -5‬أتتحم�س �أثناء الكالم ويرتفع �صوتك ؟‪9............................‬‬
‫�أم � إنك تتكلم يف العادة كالما هادئ ًا ورزين ًا ؟‪1.........................‬‬
‫‪� -6‬أت�شعر بالقلق � إزاء مهمة �أو وظيفة جديدة؟‪9.......................‬‬
‫�أم تواجه املوقف بهدوء ؟‪1.............................................‬‬
‫�أتنقلب من احلما�س � إىل الإحباط �أو العك�س ل�سبب غري م�ؤثر؟‪9........‬‬
‫�أم � إن مزاجك معتدل ومت�ساو يف الغالب ؟‪1............................‬‬

‫‪ -‬علم الطباع املدر�سة الفرن�سية �ص ‪ 318‬وقد نقل هذا االختبار عن جا�ستون‬
‫برجيه‪ .‬‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة ‪85‬‬
‫‪� -7‬أت�سيطر عليك فكرة ال قيمة لها؟ �أو و�ساو�س و�شكوك لي�ست عملية؟‪9..‬‬
‫�أم � إنك ال تعاين من هذه احلالة � إال نادراً؟‪1............................‬‬
‫‪� -8‬أتكون يف بع�ض الأ حيان غري قادر على احلركة �أو الكالم ب�سبب‬
‫اخلجل مثال؟‪9.........................................................‬‬
‫�أم � إن هذا ال يحدث لك � إال نادرا؟‪5....................................‬‬
‫�أم � إن ذلك مل يقع لك بتاتا ؟‪1.........................................‬‬
‫‪� -9‬أت�شعر يف كثري من الأ حيان ب�أنك تعي�س؟‪9..........................‬‬
‫�أم � إنك يف العموم را�ض عن حظك ؟ ولو ح�صل لك خالف ما تريد تفكر‬
‫باحلل؟‪1...............................................................‬‬

‫والآن اجمع الدرجات التي ح�صلت عليها ثم اق�سم املجموع على ع�شرة‬
‫لتعرف درجة االنفعالية عندك‪.‬‬

‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪86‬‬


‫()‬
‫ملحق رقم (‪ )2‬اختبار الفعــ ّالية‬
‫‪� -1‬أت�شغل �أوقات الفراغ ب�أعمال غري مفرو�ضة عليك؟‪9................‬‬
‫�أم ت�ستغل الفراغ للراحة ؟‪5............................................‬‬
‫�أم تت�سلى بالأ حالم و�ألعاب الرتفيه؟‪1..................................‬‬
‫‪� -2‬أحتتاج � إىل عزمية كبرية لتحويل الفكرة � إىل عمل؟‪1...............‬‬
‫�أم � إنك تنفذ ما اقتنعت به بال تراخ‪9...................................‬‬
‫‪� -3‬أيريحك التفكري يف ما�ض �سعيد‪� ،‬أو حلم م�ستقبلي؟‪1...............‬‬
‫�أم � إنك ت�ؤثر التخطيط الواقعي املفيد لك‪9.............................‬‬
‫‪� -4‬أتخور عزميتك �أمام ال�صعوبات؟‪1.................................‬‬
‫�أم تزيدك ال�صعوبات � إ�صرار ًا على موا�صلة العمل حتى بلوغ الهدف؟ ‪9 ......‬‬
‫‪ � -5‬إذا كلفت ب�أمر‪� ،‬أحتب �أن تنهيه ب�سرعة؟‪9..........................‬‬
‫�أم حتب الت�سويف والت�أجيل ؟‪1.........................................‬‬
‫‪� -6‬أتتمكن من اتخاذ القرار ب�سرعة وحزم حتى يف الظروف ال�صعبة؟‪9.‬‬
‫�أم � إنك كثري الرتدد ؟‪1.................................................‬‬
‫‪� -7‬أتغلب عليك احلركة (قيام وقعود والتفات‪ ،‬و� إ�شارات عند احلديث)؟‪9..‬‬
‫�أم � إنك �ساكن يف العموم وال تتحرك � إال لأ مر ي�ستدعي احلركة؟‪1.......‬‬
‫‪� -8‬أي�سهل عليك تغيري وظيفتك �أو حمل �سكناك لأ مر نافع؟‪9..........‬‬
‫�أم � إنك ت�ؤثر الإبقاء على ما كان؟‪1.....................................‬‬
‫‪ -‬علم الطباع املدر�سة الفرن�سية �ص ‪ 320‬وقد نقل هذا االختبار عن جا�ستون‬
‫برجيه‪ .‬‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة ‪87‬‬
‫‪ � -9‬إذا �أ�صدرت �أوامرك‪� ،‬أتتابع التنفيذ والإتقان و� إن مل يطلب منك ذلك؟‪9.‬‬
‫�أم � إنك ت�شعر بالتخل�ص من امل�س�ؤولية فور � إ�صدارك للأ مر؟‪1..........‬‬
‫‪� -10‬أت�ؤثر الفعل على امل�شاهدة (مثال يف لعبة كرة القدم)؟‪9..........‬‬
‫�أم ت�ؤثر امل�شاهدة على املمار�سة ؟‪1.....................................‬‬

‫والآن اجمع النقاط التي ح�صلت عليها واق�سم املجموع على ع�شرة‬
‫لتعرف درجة الفعـ ّالية عندك‪.‬‬

‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪88‬‬


‫()‬
‫ملحق رقم (‪ )3‬اختبار الرتجيع‬
‫‪� -1‬أتعمل للم�ستقبل البعيد (تدخر ل�شيخوختك مثال)؟‪9...............‬‬
‫�أم � إنك ال تهتم � إال بالعاجل القريب؟‪1..................................‬‬
‫‪� -2‬أتفكر يف كل ما ميكن �أن يقع؟ ويعجبك �أن تتنب أ� بامل�ستقبل؟‪9.......‬‬
‫�أم � إنك ترتك كل ذلك حلينه؟‪1........................................‬‬
‫‪� -3‬ألك عادات ثابتة يف حياتك (مواعيد النوم والأ كل مثال)؟‪9........‬‬
‫�أم � إنك �سهل مرن قادر على التكيّف يف الظروف املختلفة؟‪1............‬‬
‫‪� -4‬أتنجز دائما ما بد�أت به من عمل؟‪9................................‬‬
‫�أم � إنك كثريا ما ترتك العمل قبل � إجنازه وتتحول � إىل عمل �آخر؟‪1.....‬‬
‫‪� -5‬أحتافظ على ال�صداقات القدمية (�أ�صدقاء الطفولة مثال)؟‪9.....‬‬
‫�أم � إنك ي�سهل عليك تبديل �أ�صدقائك؟‪1...............................‬‬
‫‪ -6‬بعد �أن يجرح �شعورك �أحد‪� ،‬أت�صفو نف�سك ب�سرعة؟‪1...............‬‬
‫�أم � إنك تظل معكر املزاج مدة من الزمن؟‪5............................‬‬
‫�أم يظل حقدك دائما وال ت�ستطيع �أن تن�سى؟‪9..........................‬‬
‫‪� -7‬ألك مبادئ وقيم ثابتة ي�صعب عليك التنازل عنها؟‪9...............‬‬
‫�أم � إنك ت�ؤثر الواقعية وت�ستجيب للظروف املختلفة؟‪1...................‬‬
‫‪� -8‬أحتب التكرار والت�شابه يف العمل واملهام؟‪9.........................‬‬
‫�أم � إنك حتب املفاج�آت وكل ما هو جديد؟‪1.............................‬‬
‫‪� - 9‬أت�ضع برناجما لأ عمالك وم�شاريعك قبل �أن تبا�شرها؟‪9............‬‬

‫‪ -‬علم الطباع املدر�سة الفرن�سية �ص ‪ 321‬وقد نقل هذا االختبار عن جا�ستون‬
‫برجيه‪ .‬‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة ‪89‬‬
‫�أم � إنك يف الغالب تبا�شر �أعمالك دون خطة وا�ضحة؟‪1.................‬‬
‫‪ -10‬حيــن تتبنــى ر أ�يــا‪� ,‬أت�صر عليـه وتدافـع عنــه وك أ�نــه جــزء مــن‬
‫هويتك؟‪9..............................................................‬‬
‫�أم � إنك ت�ست�سلم لإغراء �أي فكرة جديدة على ح�ساب ر�أيك الأ ول؟‪1....‬‬

‫والآن اجمع النقاط واق�سم املجموع على ع�شرة لتظهر درجة الرتجيع‬
‫عندك‪.‬‬

‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪90‬‬


‫‪91‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪92‬‬
‫الرتجيع منط ال�شخ�صية‬ ‫االنفعالية الفعالية‬
‫‪-1‬جموح‬ ‫عال‬
‫عال‬
‫منخف�ض ‪-2‬غ�ضبي‬
‫عال‬
‫‪-3‬عاطفي‬ ‫عال‬
‫منخف�ض‬
‫منخف�ض ‪-4‬ع�صبي‬
‫‪-5‬ملفاوي‬ ‫عال‬
‫عال‬
‫منخف�ض ‪-6‬دموي‬
‫منخف�ض‬
‫‪-7‬خامل‬ ‫عال‬
‫منخف�ض‬
‫منخف�ض ‪-8‬هالمي‬

‫‪93‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬


‫منط‬
‫الدور املنا�سب‬ ‫ت‬
‫ال�شخ�صية‬
‫اجلموح قيادة تغيريية �صارمة‬ ‫‪.1‬‬
‫اخلطابة‪ ،‬أالدوار التنفيذية ال�سريعة التي‬
‫الغ�ضبي‬ ‫‪.2‬‬
‫تتطلب جهد ًا كبري ًا‬
‫العاطفي الكتابة‪ ،‬ال�شعر‪ ،‬الفل�سفة‬ ‫‪.3‬‬
‫أالدوار التنفيذية ال�سريعة التي ال تتطلب جهدا‬
‫الع�صبي‬ ‫‪.4‬‬
‫كبري ًا‬
‫ا ل���ق�������ض���اء وا ل���ت���ع���ل���ي���م و ا ل�سيا �سة‬
‫اللمفاوي‬ ‫‪.5‬‬
‫وا ل��ق��ي��ادة امل�ستقرة‬
‫الدموي ا إل ع�لام وا ل��د ب��ل��و م��ا ���س��ي��ة أ‬
‫وال ن�����ش��ط��ة املجتمعية‬ ‫‪.6‬‬
‫اخلامل حما�سبة‪ ،‬أ�عمال مكتبية‪ ،‬ال�سرية‬ ‫‪.7‬‬
‫الهالمي الفن واملو�سيقى‬ ‫‪.8‬‬

‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪94‬‬


‫المصادر والمراجع بعد القرآن الكريم‬

‫‪ � -1‬إحياء علوم الدين‪ ،‬حجة الإ�سالم �أبي حامد الغزايل‪ ،‬دار‬


‫الثقافة ‪ /‬اجلزائر‪ ،‬ط‪.1991 ،1‬‬
‫‪� -2‬أزمة القيادة‪ ،‬حممد احل�سن‪ ،‬دار الثقافة ‪ /‬الدوحة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ 1410‬هـ ‪1990‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬تاريخ اخللفاء‪ ،‬جالل الدين ال�سيوطي‪ ،‬دار الرتاث‪ /‬بريوت‪،‬‬
‫‪ 1389‬هـ ‪1969‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬الت�أ�صيل الإ�سالمي للدرا�سات النف�سية ( ر�سالة دكتوراه)‪،‬‬
‫حممد عز الدين توفيق‪ ،‬دار ال�سالم ‪ /‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ 1423 ،2‬هـ‬
‫‪2002‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬ت�أمالت‪ ،‬مالك بن نبي‪ ،‬دار الفكر ‪ /‬دم�شق‪ 1405 ،‬هـ‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬التجريد ال�صريح لأ حاديث اجلامع ال�صحيح‪ ،‬احلافظ �أبو‬
‫العبا�س احل�سني بن املبارك‪ ،‬دار � إحياء العلوم م بريوت‪ ،‬ط‪1406 ،1‬‬
‫هـ ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬حتفة الأ حوذي‪ ،‬حممد بن عبد الرحمن املباركفوري‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ /‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -8‬احلق الإ�سالمي يف االختالف الفكري‪ ،‬املركز الثقايف‬
‫العربي‪2004 /‬م‪.‬‬

‫‪95‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬


‫‪� -9‬سنن �أبي داود �سليمان بن الأ �شعث ال�سج�ستاين‪ ،‬حتقيق‬
‫حممد حمي الدين عبد احلميد‪ ،‬دار الفكر ‪ /‬دم�شق‪.‬‬
‫‪� -10‬سنن البيهقي الكربى‪� ،‬أبو بكر �أحمد بن احل�سني‪ ،‬حتقيق‬
‫حممد عبد القادر عطا‪ ،‬دار الباز ‪ /‬مكة املكرمة‪ 1414 ،‬هـ ‪1994‬م‪.‬‬
‫‪� -11‬سنن الرتمذي‪� ،‬أبو عي�سى حممد بن عي�سى‪ ،‬حتقيق �أحمد‬
‫حممد �شاكر و�آخرين‪ ،‬دار � إحياء الرتاث العربي ‪ /‬بريوت‪.‬‬
‫‪� -12‬سيكولوجية التعلم ونظريات التعليم ‪ ,‬جابر عبد احلميد‬
‫جابر‪ ،‬دار النه�ضة العربية ‪ /‬القاهرة‪ 1400 ،‬هـ ‪ 1980‬م‪.‬‬
‫‪� -13‬صحيح ابن خزمية‪� ،‬أبو بكر حممد بن � إ�سحاق الني�سابوري‪،‬‬
‫حتقيق د ‪ /‬حممد م�صطفى الأ عظمي‪ ،‬املكتب الإ�سالمي ‪ /‬بريوت‪،‬‬
‫‪ 1390‬هـ ‪ 1970‬م‪.‬‬
‫‪� -14‬صحيح م�سلم‪ ،‬م�سلم بن احلجاج الني�سابوري‪ ،‬حتقيق‬
‫حممد ف�ؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار � إحياء الرتاث العربي ‪ /‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -15‬علم الطباع – املدر�سة الفرن�سية‪ ،‬د‪�/‬سامي الدروبي‪ ،‬دار‬
‫املعارف‪ /‬م�صر ‪1961‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬فاعلية امل�سلم املعا�صر‪ ،‬د ‪ /‬ابن عي�سى باطاهر‪ ،‬دار‬
‫البيارق‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ -17‬فتح الباري ب�شرح �صحيح البخاري‪� ،‬أحمد بن علي بن حجر‬
‫الع�سقالين‪ ،‬حتقيق حمب الدين اخلطيب‪ ،‬دار املعرفة ‪ /‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -18‬الفكر الرتبوي والنف�سي عند الغزايل‪ ،‬د ‪ /‬كفاح يحيى‬
‫الع�سكري‪ ،‬دار ال�ش�ؤون الثقافية ‪ /‬بغداد‪ ،‬ط‪2000 ،1‬م‪.‬‬
‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪96‬‬
‫‪ -19‬في�ض القدير‪ ،‬عبد الرءوف املناوي‪ ،‬املكتبة التجارية‬
‫الكربى‪ /‬م�صر‪ ،‬ط‪ 1356 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -20‬قواعد ومعدات للقادة‪ ،‬بريي م‪� .‬سميث‪ ،‬ترجمة د ‪ /‬كمال‬
‫حممد د�سوقي‪ ،‬اجلمعية امل�صرية ‪ /‬القاهرة‪ ،‬ط‪2000 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -21‬قوانني النه�ضة – �سل�سلة �أدوات القادة‪ ،‬د ‪ /‬جا�سم حممد‬
‫�سلطان‪� ،‬أم القرى ‪ /‬املن�صورة‪ ،‬ط‪2000 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ -22‬الفتات ‪� ،2‬أحمد مطر‪ ،‬لندن ‪ /‬ط‪.1987 ،1‬‬
‫‪ -23‬ل�سان العرب‪� ،‬أبو الف�ضل جمال الدين بن منظور‪ ،‬دار عامل‬
‫الكتب‪ ،‬اململكة العربية ال�سعودية‪ 1424 ،‬هـ ‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬مت�ساقطون على طريق الدعوة‪ ،‬فتحي يكن‪ ،‬م�ؤ�س�سة الر�سالة‬
‫‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -25‬مذكرة دبلوم يف علم حتليل ال�شخ�صية‪ ،‬د‪ /‬عبد اجلليل‬
‫عبد اللطيف‪ ،‬الأ كادميية الدولية لتحليل اخلط‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -26‬م�سند البزار‪� ،‬أبو بكر �أحمد بن عمرو‪ ،‬حتقيق حمفوظ‬
‫الرحمن زين اهلل‪ ،‬م�ؤ�س�سة علوم القر�آن ‪ /‬بريوت‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -27‬امل�س�ؤولية �أ�سا�س الرتبية الإ�سالمية‪ ،‬عبد ال�سالم الأ حمر‪،‬‬
‫طوب بري�س ‪ /‬الرباط‪1428 ،‬هـ ‪ 2007‬م‪.‬‬
‫‪ -28‬منظومتنا الرتبوية � إىل �أين؟ عبد املجيد بن م�سعود‪ ،‬الفرقان‪/‬‬
‫املغرب ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪ -29‬نظريات ال�شخ�صية‪ ،‬دوان �شلتز‪ ،‬ترجمة د ‪ /‬حمد ديل‬
‫الكربويل و د‪ /‬عبد الرحمن القي�سي‪ ،‬جامعة بغداد ‪ 1983‬م‪.‬‬
‫‪97‬‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
‫‪ -30‬نظريات املناهج الرتبوية‪ ،‬علي �أحمد مدكور‪ ،‬دار الفكر‬
‫العربي‪ /‬القاهرة‪ ،‬ط‪ 1417 ،1‬هـ ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪ -31‬هذه جتربتي وهذه �شهادتي‪� ،‬سعيد حوى‪ ،‬مكتبة وهبة‪/‬‬
‫القاهرة‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -32‬هكذا ظهر جيل �صالح الدين وهكذا عادت القد�س‪ ،‬ماجد‬
‫عر�سان الكيالين‪ ،‬دار الفرقان ‪ /‬الأ ردن‪ 1419 ،‬هـ ‪ 1998‬م‪.‬‬

‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ ‫‪98‬‬


‫‬ ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
case with social leaders who can distinguish
between the available capabilities according to
their accumulated experience even if it is not
recorded. Beside that, grammarians have not
produced language, nor did logicians construct
the intellect, and neither did psychologists
manufacture the soul.
Finally, team work, skillfulness of
communication, recruitment policies, and task
assignment will not manage without this science
and its rules. Thus, this study is a serious step to
fill this gap.

Allah guides to the right path.

‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ 
Zar. And because such as refusal cannot originate
from the religious state of Abu Zar, his manner,
nor his physical attributes, it should most
likely be related to his psychological attributes.
At the same time, since the Prophet did not
advice Abu Zar to change those psychological
qualities, it is most probably that those qualities
were among the unchangeable form of qualities.
This is what we call today ‘The science of
personality’. That is an example among many
others which the researcher attempts to arrange
with an organizing thread in order to discover
the foundations of this science in our Islamic
legacy.
It is not expected from this study to
overstep today’s rules of scientific research.
This is because that these rules– regardless
of their source – are only a classification and
categorization of attributes that essentially
exists along with the existence of mankind.
One can call the attention, for example, to the
eloquence and clarity of Arabic language, such
eloquence and clarity was present before the
development Arabic syntax. The same is the

 ‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬
ABSTRACT

The French school has pioneered the


classification of the science of personality
into its main branches; that is “emotionality,”
“effectiveness,” and “reactivity.” It is according
to the above classification that the static types
of the human personality are contracted.
The science of personality is concerned with
the unvarying traits and attributes of the human
personality. Such traits might vary according to
a number of variables such as religion, culture,
and environment however its essence is static.
The unchanging aspect of such traits allows
for the prediction in regard to the behavior of
people before hand, such prediction is useful in
many areas such as selection, recruitment and
knowing the possibilities of another part etc...
By referring to the Qur’an and to some
examples extracted from the legacy of the Prophet
one can deduct a number of such selections and
precautions from most of the tasks which are
assigned to the prophet’s followers. An example
of this is the Prophet’s refusal of appointing Abu

‫أنـمـاط الشـخـصـيـة‬ 

You might also like