You are on page 1of 2

‫الكون أو الطبيعة والجمال‬

‫‪ ‬‬
‫‪..‬الكون‪ ..‬أو الطبيعة‬

‫‪..‬ذلك الخلق* الهائل الذي أوجده هللا من عدم فكان دليال ً على عظمته‪ ..‬وقدرته‪ ..‬وجماله‬

‫ذلك الخلق الهائل الذي عاش اإلنسان على ظهر مركبة صغيرة فيه‪ ،‬وفرت له عليها أسباب الحياة‪ ..‬فكان في‬
‫‪..‬ظل نعمة هللا‬

‫ومن هذه المركبة رنا ببصره إلى ما حوله من أشياء قريبة على ظهر مركبته فتعرف إلى ظواهرها‪ ،‬واستطاع‬
‫النفاذ إلى بواطن بعضها‪ ..‬ورمى ببصره إلى بعيد فاستطاع أن يرى تلك األجرام الضخمة صغيرة لبعد‬
‫‪.‬المسافة‪ *،‬يراها بضوئها الذي يصل إليه‬

‫ولقد بدأ تعامل اإلنسان مع الطبيعة منذ هبوطه من الجنة‪ *،‬وكان هذا التعامل سوياً إلى مرحلة من الزمن‪،‬‬
‫حيث بدأ االنحراف‪ ..‬فأعطيت الطبيعة مكانة عالية‪ ،‬ونسبت إليها األفعال‪ ،‬فقدسها بعض الناس‪ .‬وعبدت من‬
‫!دون هللا‪ ،‬واخترعت اآللهة لبعض ظواهرها‪ ..‬ونسي هللا تعالى‪.‬؟‬

‫وجاء الفن‪ ..‬وجاء علم الجمال‪ ..‬وجاءت الفلسفة‪ ..‬ليجعل كل منها (الطبيعة) واحداً من موضوعاته‪ ..‬وبدأت‬
‫مكانتها تهبط بعد علو‪ ،‬وتتدنى بعد ارتفاع‪ ،‬ثم بدت متذبذبة متأرجحة ال تستقر على حال‪ .‬فبعضهم يرفعها‬
‫إلى أعلى فتكون آلهة‪ ،‬وبعضهم يهبط بها ليجعل منها العدو الذي ينبغي أن يصارع‪ ،‬والقبيح الذي يجب أن‬
‫يجتنب‪ ..‬ثم كانت النهاية أخيراً‪" ..‬فانصرف الفن عنها ألنها خالية من عدد جوهري من الخصائص الجمالية*‬
‫!التي تستلزمها التجربة الجمالية[‪"]1‬؟‬

‫تلك هي قصة الطبيعة بعيداً عن منهج هللا تعالى‪ .‬وفي هذا الباب نتناول الحديث عن الطبيعة من وجهة نظر‬
‫‪.‬علم الجمال‪ *،‬ثم نعرج على مكانتها في التصور اإلسالمي مبينين أنها الميدان األول للجمال في هذا الوجود‬
‫‪ ‬‬
‫‪:‬جمال الطبيعة‬
‫‪..‬في هدأة السحر‪ *،‬وفي بزوغ الشمس‬
‫‪..‬في شموخ الجبال‪ *،‬وفي انبساط السهول‬
‫‪..‬في تأللؤ النجوم‪ ،‬وعند شمس األصيل‬
‫في المروج الخضراء‪ ،‬وفي رمال الصحراء‬
‫‪..‬في الجدول* الصغير ينساب بين الخمائل* في رقة وحنان‬
‫وفي البحر المحيط يمتد مع بصرك حتى يغيب في األفق‬
‫في الرذاذ عند منحدر المياه‪ ،‬وفي الندى يتوج أوراق النبات‬
‫في السماء الصافية‪ ،‬وفي الغمام يعرض لوحات الفن والجمال‬
‫‪..‬في المطر المنهمر يحيي األرض بعد موتها وفي الثلج يكسوها ناصع البياض في البساتين وفي الحدائق*‬
‫في األزهار وفي الورود‬
‫في باسقات األشجار وفي زواحف النبات‬
‫في حركة الماء وانسيابه‪ ..‬في رقته وفي صفائه‬
‫‪.‬في النسمة العليلة تداعب* أوراق الشجر* ‪ -‬وتسري كالموجة الهادئة فوق هام الفسائل‬
‫‪.‬في تغريد الطيور وفي هديل الحمام‬
‫في خرير النهر وفي حفيف الورق‬
‫ل‬‫ح َ ْ‬
‫م‬ ‫في زقزقة العصافير وفي ثغاء ال َ‬
‫‪..‬في المنظر البهيج‬
‫في اللون وفي الحركة*‬
‫‪...‬في الصوت وفي األريج‬
‫هناك‪ ..‬جمال الطبيعة‬
‫••••‬

‫‪:‬ذاك الجمال الذي يستشعره كل مرهف الحس ذواق‪ ،‬فإذا بمشاعره تردد صداه‬
‫غنا ًء على فم شاعر‬
‫أو خشوعاً في محراب ناسك‬
‫أو لوحة بريشة فنان‬
‫‪...‬أو تسبيحة من قلب عابد‬
‫••••‬

‫ذاك الجمال الذي خلده الفنانون من جميع األمم وفي كل العصور‪ ...‬كل بأسلوبه‪ ..‬ومن خالل فنه الذي أتقن‬
‫‪.‬لغته‪ ،‬لغة المشاعر واألحاسيس‪ ،‬فإذا بالجمال* وسيلة ولغة يعبر عن الجمال واقعاً ووجوداً‬

‫فهذا قد استوقفه صفاء السماء في ليلة مقمرة‪ ،‬فذهب يسبح بأفكاره أو بآماله وتطلعاته‪ ،‬مع الفضاء الرحب‬
‫والجو الصافي والنسمة الندية الرخاء‪ ..‬وذاك‪ ..‬استوقفه الجبل الشاهق يطل على مسافات شاسعة يؤدي‬
‫‪..‬مهمته في رعايتها والسهر على مصالحها‪ ..‬يعلم اإلنسان كيف يؤدي الواجب‬

‫‪..‬وهناك على ضفة الجدول* جلس الشاعر* يتعلم كيف يكون انسياب األفكار وتدفقها وصفاؤها‬

‫‪.‬ومنهم‪ ..‬ومنهم ‪ -‬وكلهم يشدو نشيد الجمال‬


‫••••‬

‫والناس‪ ..‬كل الناس‪ ،‬في جميع العصور‪ ،‬حينما يثقلهم تعب الحياة‪ ،‬أو يضايقهم تالحق األيام‪ ،‬أو ينتابهم‬
‫الملل‪ ..‬يخرجون إلى النزهات‪ ،‬وفي أحضان الطبيعة‪ ،‬بعيداً عن ضيق الجدران وإغالق األبواب يأوون إلى‬
‫‪.‬الجمال‪ ..‬ذلك هو العالج الذي توارثه* الناس جيال ً بعد جيل‬

You might also like