Professional Documents
Culture Documents
مكتبة نور شرح الورقات 3
مكتبة نور شرح الورقات 3
شـرح الــورقـــات
في أصـول الفقـــه
بقلــــــم
عبد اهلل بن صالح الفوزان
املدرس جبامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية
فرع القصيم
جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ /عبد هللا بن صالح الفوزان
www.alfuzan.islamlight.net
مقــــدمـــــةـ
إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده اهلل فال
مضل له ،ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ،وأشهد أن حممداً عبده ورسوله. .
أما بعد:
فهذا شرح وجيز على ورقات إمام احلرمني يف أصول الفقه ،راعيت فيه سهولة األسلوب ،وإيضاح العبارة
بإيراد األمثلة.
إيل عدد من األخوة أن أقوم
وأصل هذا الشرح دروس ألقيتها على بعض الطلبة يف املسجد ،فرغب ًّ
علي مبدين بعض املزايا ،فاستعنت باهلل
بطباعتها ،فاعتذرت هلم بكثرة شروح الورقات وحواشيها ،ولكنهم أحلوا ّ
تعاىل يف تلبية هذا الطلب.
وأصول الفقه علم جليل القدر غزير الفائدة ،يتمكن متعلمه من القدرة على استنباط األحكام الشرعية من
النصوص على أسس سليمة وقواعد صحيحة ،وعلم الفقه قائم على األصول ،وال ميكن للفقيه أن يعرف
األحكام الشرعية العلمية إال بعد معرفة أصول الفقه ،وكذا احملدث واملفسر.
والعامل باألصول يشعر بالثقة واالطمئنان ملا دونه فقهاء اإلسالم ،وأن ذلك مبين على قواعد وأسس سليمة.
وأول من ألف يف أصول الفقه ومجعه كفن مستقل اإلمام حممد بن إدريس الشافعي رمحه اهلل املولود سنة
150هـ ،واملتوىف سنة 204هـ ،ذكره اإلسنوي يف التمهيد ص 45وحكى اإلمجاع فيه ،مث تتابع العلماء بالتأليف ما
بني خمتصر ومطول ،ومنثور ومنظوم ،حىت صار فنّاً مستقالً رتبت أبوابه وحررت مسائله وصار كالتوحيد والفقه
واحلديث.
ومؤلف هذه الورقات هو شيخ الشافعية أبو املعايل عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد اجلويين ،نسبة
إىل (جوين) من نواحي نيسابور .ولد سنة 419هـ وتفقه على والده يف صباه ،ورحل إىل بغداد مث إىل مكة وجاور
هبا أربع سنني ،وذهب إىل املدينة فأفىت ودرس فلقب بإمام احلرمني ،مث عاد إىل نيسابور فبىن له الوزير نظام امللك
املدرسة النظامية فدرس فيها وكان حيضر دروسه أكابر العلماء.
وكان أبو املعايل يف بداية أمره على مذهب أهل الكالم يف باب األمساء والصفات من املعتـزلة واألشاعرة،
وكان كثري املطالعة لكتب أيب هاشم املعتـزيل ،قليل املعرفة باآلثار فأثر فيه جمموع األمرين ،لكنه رجع عن ذلك إىل
مذهب السلف كما نقل ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل(.)1
ملا كان (أصول الفقه) فناً مستقالً ناسب ذكر مبادئه العشرة اليت ينبغي لقاصد كل فن أن يعرفها .لتصور
ذلك الفن قبل الشروع فيه.
وقد مجعها بعضهم بقوله:
الح ّد والموضـوع ثـم الثمـرة إن مبادئ كل علـم عشـرة
واالسم االستمداد حكم الشارع ونسبـة و فضلـه والـواضـع
ومن درى الجميع حـاز الشرفا مسائل والبعض بالبعض اكتفى
زاد بعضهم :املبدأ احلادي عشر ،وهو :شرفه(.)1
وعليه فهذه مبادئ (علم أصول الفقه):
)1فحده :علم يبحث يف أدلة الفقه اإلمجالية وكيفية االستفادة منها .وحال املستفيد .وسيأيت شرح هذا
التعريف إن شاء اهلل.
)2وموضوعه :األدلة املوصلة إىل معرفة األحكام الشرعية وأقسامها .واختالف مراتبها .وكيفية االستدال هبا،
مع معرفة حال املستدل.
)3ومثرته وفائدته ،منها:
القدرة على استنباط األحكام الشرعية على أسس سليمة يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه )1
اهلل( :إن املقصود من أصول الفقه أن يفقه مراد اهلل ورسوله بالكتاب والسنة)(.)2
معرفة أن الشريعة اإلسالمية صاحلة لكل زمان ومكان .وأهنا قادرة على إجياد األحكام ملا )2
يستجد من حوادث على مر العصور.
)5العامل باألصول يشعر بالثقة واالطمئنان ملا دونه فقهاء اإلسالم .وأنه مبين على قواعد ثابتة
مقررة شرعاً ،ممحصة حبثاً.
د) ليست الفائدة من علم أصول الفقه قاصرة على الفقه فقط .بل تتعداه إىل غريه من العلوم من
التفسري واحلديث والتاريخ وغريها(.)3
5
()1
مقدمة الورقـــــــات
(هذه ورقات تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه وذلك مؤلف من جزءين مفردين
أحدهما :األصول .والثاني :الفقه).
قوله( :هذه ورقات) الورقات مجع ورقة وهو مجع مؤنث سامل من مجوع القلة( )2عند سيبويه(،)3
وقد يأيت للكثرة .وعرب بذلك لقصد التسهيل على املبتدئ ،لينشط على قراءهتا واإلملام مبا فيها.
وقوله" :تشتمل على معرفة فصول" أي على معرفة أنواع من املسائل كل نوع منها يسمى (فصالً)
النفصاله عن غريه.
والفصول :مجع فصل وهو قطعة من الباب مستقلة بنفسها منفصلة عما سواها ،تشتمل على مسائل غالباً،
والباب أعم من الفصل ألنه اسم امللة خمتصة من العلم ،تشتمل على فصول ومسائل غالباً ،والكتاب أعم ألنه اسم
جلملة خمتصة من العلم تشتمل على أبواب وفصول ومسائل غالباً.
وإمنا يفعل املصنفون ذلك لتنشيط النفس وبعثها على التحصيل واالستمرار يف الطلب مبا حيصل هلا من
السرور باخلتم واالبتداء ،كاملسافر إذا قطع مرحلة من سفره شرع يف أخرى.
قوله( :من أصول الفقه) أي من هذا الفن املسمى بأصول الفقه.
قوله( :وذلك مؤلف من جزءين . . .إخل) اإلشارة إىل أصول الفقه فهو مؤلف من جزءين .من مضاف
وهو كلمة (أصول) ومضاف إليه وهو كلمة( :الفقه) فهو من املركب اإلضايف ،وهلذا البد له من تعريفني:
األول :باعتبار مفردية .أي كلمة (أصول) وكلمة (الفقه) ،ألن املركب ال متكن معرفته إال بعد معرفة ما تركب
منه.
الثاني :باعتباره علماً على هذا الفن املعني.
وقوله( :مفردين) املراد باإلفراد هنا ما يقابل الرتكيب ال ما يقابل التثنية واجلمع ،ألن أحد اجلزءين وهو
لفظ (أصول) مجع ،فدل على أن املفرد ما ليس مبركب.
وإمنا قال( :مفردين) ليبني أن التأليف قد يكون من جزءين مفردين كما هنا .وقد يكون من مجلتني حنو :إن
قدم الضيف أكرمته .فإن الفعل والفاعل (قدم الضيف) مجلة و(أكرمته) مجلة أخرى .واهلل أعلم.
() يف بعض نسخ الورقات جاء يف املقدمة (احلمد هلل رب العاملني وصلى اهلل على سيدنا حممد وآله وصحبه أمجعني) وأكثرها مل ترد فيه هذه العبارة. 1
() مجع القلة :ما كان مدلوله عدداً حمدداً ال يقل عن ثالثة وال يزيد عن عشرة .ومجع الكثرة :ما وضع للعدد الكثري من أحد عشر إىل ماال هناية له .ولكل 2
منهما أوزان.
() كتاب سيبويه (.)578 ،3/491 3
6
تعريف أصولـ الفقه باعتبار مفردية
(فاألصل ما يبنى عليه غيره ،والفرع ما يبني على غيره .والفقه معرفة األحكام الشرعية التي
طريقها االجتهاد).
هذا التعريف األول ألصول الفقه وهو تعريفه باعتبار مفردية ،فاألصول مجع أصل واألصل لغة :ما يبين عليه
غريه ،كأصل اجلدار وهو أساسه املسترت يف األرض املبين عليه اجلدار .وأصل الشجرة وهو طرفها الثابت يف األرض.
()1
قال تعاىل :ألم تر كيف ضرب اهلل مثالً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ()24
وهذا أحسن ما قيل يف تعريف األصل.
وأما يف االصطالح فيطلق على معان منها:
)1الدليل :كقولنا :أصل وجوب الصوم قوله تعاىل :يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام )2(أي دليله.
ومنه أصول الفقه :أي أدلته.
)2القاعدة المستمرة :كقولنا :إباحة امليتة للمضطر على خالف األصل.
)3المقيس عليه :وهذا يف باب القياس حيث إن األصل أحد أركان القياس.
وأما الف رع :فهو ما يبىن على غ ريه ،مثل ف روع الش جرة فهي مبنية على أص لها ،وف روع الفقه مبنية على
أصوله.
وإمنا عرف الفرع – مع أنه ليس أحد اجلزءين – ألنه مقابل ألحدمها وهو األصل ،والشيء يتضح غاية
االتضاح إذا ذكر مقابله .أو يقال :قصد املؤلف التنبيه على أن الفقه مبين على أصوله ،وأن اجلزء األول وهو أصول
مبين عليه ،واجلزء الثاين وهو الفقه مبين ،فليس ذكر الفرع استطرادا كما قال بعضهم.
وأما اجلزء الثاين من املركب فهو (الفقه) والفقه لغة :الفهم أي فهم غرض املتكلم من كالمه .قال
اجلوهري :الفقه :الفهم .تقول :فقه الرجل بالكسر ،وفالن ال يفقه وال ينقه( ،)3مث خص به علم الشريعة .والعامل
به فقيه .وقد فقه بالضم فقاهة وفقهه اهلل وتفقه إذا تعاطى ذلك .ا هـ.
والفقه اصطالحاً :معرفة األحكام الشرعية اليت طريقها االجتهاد.
7
شرح التعريف:
قوله :معرفة :املعرفة تشمل اليقني – وهو ما أدرك على حقيقته كمعرفة أن الصلوات مخس ،وأن الزنا
حمرم ،والظن وهو ما أدرك على وجه راجح كما يف كثري من مسائل الفقه( .)1مثل معرفة أن الوتر سنة على مذهب
اجلمهور .وأن الزكاة غري واجبة يف احللي املباح على أحد األقوال .واملراد باملعرفة هنا الظن؛ لقوله( :اليت طريقها
االجتهاد) .فهو صفة للمعرفة ،ال لألحكام الشرعية إذ لو كان صفة لألحكام لدخل يف التعريف معرفة املقلد ،فإذا
جعلناه صفة للمعرفة خرج املقلد إذ يصري التعريف:
الفقه :هو املعرفة اليت طريقها االجتهاد .واملقلد ليست معرفته عن طريق االجتهاد بل عن طريق التقليد،
كما سيأيت إن شاء اهلل تعاىل يف آخر الورقات.
وقوله( :األحكام الشرعية) أي املأخوذة من الشرع املبعوث به النيب .كالوجوب واالستحباب واحلرمة
وغريها.
وقيد (الشرعية) خرج به األحكام العقلية ،كمعرفة أن الواحد نصف االثنني ،واألحكام احلسية كمعرفة أن
النار حارة ،والعادية كنـزول املطر بعد الرعد والربق.
وقوله( :اليت طريقها االجتهاد) تقدم أنه صفة للمعرفة .واملعىن :اليت طريق ثبوهتا وظهورها االجتهاد الذي
هو بذل اجلهد إلدراك حكم شرعي مثل :النية واجبة يف الوضوء والفاحتة واجبة يف الصالة السرية واجلهرية على
أحد األقوال ،وغري ذلك من مسائل اخلالف .وأما ما طريقه القطع مثل الصالة واجبة والزنا حمرم وغري ذلك من
املسائل املصنف،فال تسمى معرفتها فقهايف االصطالح على ألن معرفة ذلك يشرتك فيها اخلاص والعام .فالفقه هبذا
التعريف ال يتناول إال فقه اجملتهد.
هذا هو تعريف أصول الفقه باعتبار مفرديه .وأما التعريف الثاين وهو تعريفه باعتباره علماً على هذا الفن
املعني فسيذكره املصنف بعد الكالم على األحكام الشرعية .واهلل أعلم.
8
األحكــام الشـرعية
9
أحكام تكليفية :وهي ما دل عليه خطاب الشرع من طلب فعل أو ترك أو ختيري ،وهي مخسة: )1
الواجب ،واملندوب واحملظور ،واملكروه ،واملباح ،وسيأيت إن شاء اهلل تعاىل بيان وجه إدخال املباح مع
األحكام التكليفية مع أنه ال تكليف فيه.
أحكام وضعية :وهي ما دل عليه خطاب الشرع من أسباب وشروط وموانع .تعرف عند وجودها )2
أحكام الشرع من فعل أو ترك .ويرتتب على ذلك الصحة والفساد .فرؤية اهلالل سبب وجوب
الصيام .والوضوء شرط للصالة .واحليض مانع منها ،وذكر املصنف من األحكام الوضعية :الصحيح
والباطل.
وأعلم أن ظاهر كالم املصنف أن الفقه هو العلم هبذه السبعة ،ألنه ملا عرف الفقه بأنه معرفة األحكام
الشرعية قال :واألحكام سبعة .وأظهر يف مقام اإلضمار توضيحاً للمبتدئ ،لكن يعلم أن الفقه ليس معرفة حقيقة
الواجب واملندوب . .إخل ،ألن هذا من أصول الفقه؛ وإمنا املقصود أن الفقه معرفة جزئياهتا .واملراد الواجبات
واملندوبات واحملرمات واملكروهات واألفعال الصحيحة والفاسدة واهلل أعلم.
10
أقسام الحكم التكليفي
)1الواجـــب
() وذلك كالصالة والصوم ،وأما قضاء الدين ورد الودائع واإلنفاق على الزوجة فيصح بدون نية .ولكن ال ثواب إال بنية .انظر (نثر الورود على مراقي 4
11
يف صدق العقاب وجوده لواحد من العصاة مع العفو عن غريه ،وجيوز أن يريد :ويرتتب العقاب على تركه .كما
عرب به غريه فال ينايف العفو)( )1ا هـ .واجلواب الثاين أحسن ألن ترتب العقاب ال يلزم فيه حصول العقاب واهلل أعلم.
وللجواب تقسيمات أمهها ثالثة:
التقسيم األول :باعتبار الفعل .وهو نوعان:
)1معني ،وهو األكثر .وهو الواجب الذي ال يقوم غريه مقامه كالصالة والصوم وحنومها.
)2مبهم .يف أقسام حمصورة جيزي فعل واحد منها كخصال الكفارة من عتق أو إطعام أو صوم.
التقسيم الثاين :باعتبار الوقت .وهو نوعان:
)1واجب مضيق .وهو ما تعني له وقت ال يزيد على فعله كصوم رمضان.
)2واجب موسع .وهو ما كن وقته املعني يزيد على فعله كالصالة.
التقسيم الثالث :باعتبار الفاعل .وهو نوعان:
)1واجب عيين :وهو ماال تدخله النيابة مع القدرة وعدم احلاجة كالصلوات اخلمس ،فما دامت القدرة
موجودة وجب على املكلف أن يفعل بنفسه أما مع عدم القدرة ففي املسألة تفصيل حسب نوعية
العبادة. .
)2واجب كفائي :وهو ما يسقطه فعل البعض ولو مع القدرة وعدم احلاجة كالصالة على امليت ودفنه
فالواجب الكفائي يتحتم أداؤه على مجاعة املكلفني ،فإذا قام به بعضهم سقط عن الباقني( .)2واهلل أعلم.
12
2-3المندوب والمباح
(والمندوب ما يثاب على فعله وال يعاقب على تركه .والمباح ماال يثاب على فعله وال يعاقب على
تركه).
القسم الثاين :املندوب .وهو لغة :اسم مفعول من الندب وهو الدعاء إىل الفعل ،وقيده بعضهم بالدعاء إىل
أمر مهم ،قال الشاعر:
في النائبات على ما قال برهانا ال يسألون أخاهم حين يندبهم
واصطالحاً :ما طلب الشارع فعله طلباً غري جازم كالسواك والرواتب والتطيب يوم اجلمعة.
والقيد األول إلخراج احملرم واملكروه واملباح .والقيد الثاين إلخراج الواجب.
واملندوب كما قال املصنف يثاب املكلف على فعله وذلك بقصد االمتثال ،وال يعاقب على تركه.
واملندوب خادم للواجب فهو دافع قوي على االلتزام بالواجبات إضافة إىل أنه جيرب النقص فيها كما دلت
السنة على ذلك( )1يقول الشاطيب رمحه اهلل (املندوب إذا اعتربته اعتباراً أعم وجدته خادماً للواجب ،ألنه إما مقدمة
له أو تذكار به كان من جنسه الواجب أو ال .فالذي من جنسه الواجب كنوافل الصلوات مع فرائضها ،والذي من
غري جنسه كالسواك وتعجيل اإلفطار وتأخري السحور ،)2(). .ومعىن كالمه – رمحه اهلل – أن من حافظ على
املندوبات حافظ على الواجبات ومن قصر يف املندوبات فهو عرضة ألن يقصر يف الواجبات .
ومجهور األصوليني على أن املندوب مأمور به حقيقة كما تقدم يف التعريف ،ألن املندوب طاعة ،والطاعة
تكون بامتثال أمر اهلل تعاىل ،فكان املندوب مأموراً به حقيقة .قال تعاىل] :إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان[( )3وهذا
أمر عام يشمل الواجب واملندوب ،وسيأيت إن شاء اهلل تعاىل يف باب األمر انقسام األمر إىل أمر إجياب وأمر
استحباب واهلل أعلم.
ويسمى املندوب :سنة ومستحباً وتطوعاً ونفالً .وهذا على رأي اجلمهور خالفاً لألحناف الذين جعلوا
املندوب مرادفاً للنفل وال كراهة عندهم يف تركه ،وفرقوا بني السنة والنفل ،فجعلوها أعلى منه رتبة .فإن كانت
مؤكدة فرتكها مكروه حترمياً ،وإن كانت غري مؤكدة فتنـزيها(.)4
13
والقسم الثالث :املباح
وهو لغة :املعلن واملأذون فيه .يقال :باح فالن بسره :أظهره ،وأباح الرجل ماله :أذن يف األخذ والرتك.
واستباح الناس العشب :أقدموا على رعيه.
واصطالحاً :ما ال يتعلق به أمر وال هني لذاته كاالغتسال للتربد ،واملباشرة ليايل الصيام ،وخرج بالقيد
األول وهو ( ما ال يتعلق به أمر) الواجب واملندوب ألنه مأمور هبما.
وخرج بالقيد الثاين وهو (وال هني) احملرم واملكروه ألنه منهي عنهما.
وخرج بالقيد الثالث وهو (لذاته) ما إذا كان املباح وسيلة ملأمور به ،فإنه يتعلق به أمر لكن ال لذات املباح،
بل لكونه صار وسيلة ،أو كان املباح وسيلة ملنهي عنه فإنه يتعلق به هني ،لكن ال لذاته وإمنا لكونه صار وسيلة.
ومثال األول :األكل فهو مباح يف األصل لكن لو توقف عليه بقاء احلياة صار مأموراً به ملا تقدم .ومثال الثاين :أكل
الفاكهة – مثالً – فهو مباح لكن لو أدى تفويت صالة اجلماعة يف املسجد صار منهياً عنه كما تقدم.
ومن تعريف املباح يتضح أنه ليس مأموراً به ،ألن األمر يستلزم إجياب الفعل أو ترجيحه ،وال ترجيح للفعل
على الرتك يف املباح ،بل مها سواء.
وأما حكم املباح فهو كما ذكر املصنف ال ثواب يف فعله وال عقاب يف تركه ،وهذا مذهب مجهور
األصوليني ،واملراد بذلك املباح الباقي على وصف اإلباحة ،أما املباح الذي يكون وسيلة ملأمور به أو منهي عنه فهذا
حكمه حكم ما كان وسيلة إليه كما ذكرنا.
وتثبت اإلباحة بصيغ كثرية وردت يف النصوص الشرعية ومنها:
نفي اإلمث واجلناح واحلرج( )1كقوله تعاىل] :ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضال من ربكم[
()2
)1
وقوله تعاىل] :ليس على األعمى حرج وال على األعرج حرج وال على المريض حرج[( ،)3وقوله
تعاىل] :إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير اهلل فمن اضطر غير باغ
وال عاد فال إثم عليه[(.)4
النص على احلل كقوله تعاىل] :أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم[(.)5 )2
() هذا ليس على إطالقه .قال الشاطيب رمحه اهلل( :إذا قال الشارع يف أمر واقع "ال حرج فيه" فال يؤخذ منه حكم اإلباحة .إذ قد يكون كذلك وقد يكون 1
مكروهاً .فإن املكروه بعد الوقوع ال حرج فيه فليتفقد هذا يف األدلة) املوافقات (.)1/146
() سورة البقرة ،آية .198 2
14
عدم النص على التحرمي .قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل( :انتفاء دليل التحرمي دليل على )3
عدم التحرمي)(.)1
االمتنان مبا يف األعيان من املنافع وما يتعلق هبا من األفعال كقوله تعاىل] :ومن أصوافها )4
وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين[(.)2
القرائن اليت تصرف األمر من والوجوب إىل اإلباحة كقوله تعاىل] :وإذا حللتم فاصطادوا[
()3
)5
ويأيت هذا يف باب األمر إن شاء اهلل.
ويطلق على املباح لفظ احلالل واجلائز.
فإن قيل :ما وجه إدخال املباح يف األحكام التكليفية مع أنه ال كلفة فيه؟
فاجلواب :ما قاله مجهور األصوليني من أن إدخال املباح يف األحكام التكليفية إمنا هو على سبيل التغليب.
وهذا استعمال مألوف معروف يف اللغة العربية وأساليبها مثل( :األسودان) للتمر واملاء .و(األبوان) لألم
واألب( )4واهلل أعلم.
15
4-5المحظور والمكروهـ
(والمحظور ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله .والمكروه :ما يثاب على تركه وال يعاقب
على فعله).
الرابع من أقسام احلكم التكليفي :احملظور.
وهو لغة :اسم مفعول من احلظر مبعىن املنع يقال حظرت الشيء إذا حرمته ،وهو راجع إىل املنع ومنه قوله
تعاىل] :وما كان عطاء ربك محظوراً[(.)1
واصطالحاً :ما طلب الشرع تركه طلباً جازماً من األفعال كعقوق الوالدين وإسبال الثياب ،أو األقوال
كالغيبة والنميمة ،أو أعمال القلوب كاحلقد واحلسد.
والقيد األول :إلخراج الواجب واملندوب واملباح.
والقيد الثاين :إلخراج املكروه.
واحلرام ضد احلالل .يقال :هذا حالل وهذا حرام ،كما قال تعاىل] :وال تقولوا لما تصف ألسنتكم
الكذب هذا حالل وهذا حرام لتفتروا على اهلل الكذب[( .)2وأما قول األصوليني (احلرام ضد الواجب) فإمنا هو
فيعرف احلرام بضد تعريف الواجب كما ذكرنا.
باعتبار تقسيم أحكام التكليف ّ
وحكم احملرم ما ذكره املؤلف من أنه يثاب على تركه لكن بقصد االمتثال ،وذلك بان يكف نفسه عن
احملرم امتثاالً لنهي الشرع قاصداً بذلك وجه اهلل تعاىل ،فلو تركه لنحو خوف من خملوق أو حياء أو رياء أو عجز،
َسلِ َم من اإلمث ألنه مل يرتكب حراماً ،ولكن ال أجر له ،ألنه مل يقصد وجه اهلل بالرتك للحرام(.)3
وأما فاعل احملرم بال عذر فهو مستحق للعقاب وال يلزم حتققه فهو حتت املشيئة ،وتقدم الكالم على ذلك يف
باب الواجب.
ويسمى احملرم حمظوراً كما عرب به املصنف.
قوله( :واملكروه ما يثاب على تركه وال يعاقب على فعله) هذا اخلامس من األحكام التكليفية وهو
(املكروه) وهو لغة اسم مفعول مشتق من الكراهة وهو البغض فاملكروه مبعىن املبغض بوزن اسم املفعول.
واصطالحاً :ما طلب الشرع تركه طلباً غري جازم كااللتفات يف الصالة بالرقبة واألخذ واإلعطاء بالشمال.
والقيد األول إلخراج ما تقدم يف احملظور .والقيد الثاين إلخراج احملظور.
() سورة اإلسراء ،آية.20 : 1
() بل قال بعضهم :يأمث ألن تقدمي خوف املخلوق على خوف اهلل تعاىل حمرم وكذا الرياء .انظر جمموع الفتاوى ( ،)14/22( )10/720ففيهما مبحث 3
() البحر احمليط ( )1/303وانظر احلكم التكليفي ص ،226احلكم الوضعي عند األصوليني ص.40 5
17
بعض األحكام الوضعية
(والصحيح :ما يتعلق به النفوذ ويعتد به .والباطل :ما ال يتعلق به النفوذ وال يعتد به)
الصحيح والباطل من أقسام احلكم الوضعي ألهنما حكم من الشارع على العبادات والعقود وتبين عليهما
األحكام الشرعية.
والصحيح لغة :السليم من املرض .قال الشاعر:
سواء صحيحات العيون وعورها وليل يقول المرء من ظلماته
واصطالحاً :ما يتعلق به النفوذ ويعتد به عبادة كان أم عقداً.
فالعقود توصف بالنفوذ واالعتداد ،وأما العبادة فتوصف باالعتداد فقط .فاالعتداد لفظ يصدق على كل
منهما ،ولو اكتفى به املؤلف لكان أخصر إال أن يقال :إنه مجع بينهما لقصد اإليضاح للطالب املبتدئ.
وال يعتد بالعبادة أو العقد إال إذا توفرت الشروط وانتفت املوانع ،فيحكم بالصحة ،فمن صلى صالة جمتمعة
شروطها وأركاهنا منتفية موانعها فهي صحيحة أي معتد هبا شرعاً .ومن باع بيعاً كذلك فهو نافذ ومعتد به.
والنفوذ لغة :اجملاوزة ،وأصله من نفوذ السهم ،وهو بلوغ املقصود من الرمي.
واصطالحاً :التصرف الذي ال يقدر متعاطيه على رفعه.
وذلك مثل عقد البيع واإلجارة والنكاح وحنوها .فإذا وقع العقد على وجه صحيح مل يقدر أحد املتعاقدين
على رفعه.
واعلم أن العبادة هلا أثر وهو براءة ذمة املكلف وسقوط الطلب .والعقد له أثر وهو الثمرة املقصودة من
العقد .فإذا حكم بصحة العبادة والعقد ترتب األثر على الفعل فربئت الذمة يف باب العبادات وترتبت اآلثار يف باب
العقود وإال فال،واألثريف باب العبادا ت وا حد ،وأمايف العقود فكل عقد له مثرة خاصة ،فالبيع – مثالً – مثرته نقل
امللكية ،واإلجارة استيفاء املنفعة ألحد املتعاقدين ،واستحقاق األجر لآلخر وحنو ذلك.
والباطل لغة :الذاهب ضياعاً وخسراً.
واصطالحاً :عكس الصحيح كما ذكره املصنف ،فهو الذي ال يتعلق به نفوذ وال اعتداد ،وذلك بأن خيتل
شرط من الشروط أو يوجد مانع من املوانع.
ويف الباطل ال ترتتب اآلثار على الفعل ،ففي الصالة ال تربأ ذمة املكلف وال يسقط الطلب ،ويف العقد ال
ترتتب الثمرة املقصودة من العقد على العقد.
18
فإذا صلى بدون طهارة فصالته باطلة ،وإذا باع ماالً ميلك فالبيع باطل ،الختالل شرط الصالة والبيع .ولو
صلى نفالً مطلقاً يف وقت هني فالصالة باطلة ،أو باع بعد النداء الثاين يوم اجلمعة على وجه ال يباح فالبيع باطل
على القول الصحيح ،كما نص عليه القرطيب يف تفسريه( )1وذلك لوجود املانع من الصحة.
والباطل والفاسد مبعىن واحد على قول اجلمهور إال يف مسائل فرقوا فيها بني الفاسد والباطل ،وأشهرها
مسألتان(:)2
يف احلج فرقوا بينهما ،فقالوا الفاسد ما وطئ فيه احملرم قبل التحلل األول ،والباطل ما ارتد فيه )1
عن اإلسالم ،ففي األول يفسد حجة ويلزم اإلمتام ،ويف الثاين يبطل إحرامه ويلزمه اخلروج منه.
يف النكاح :فقالوا :الفاسد :ما اختلفت العلماء يف فساده كالنكاح بال ويل ،والباطل ما أمجع )2
العلماء على بطالنه كنكاح املعتدة أو نكاح خامسة .واهلل أعلم.
() انظر التمهيد لإلسنوي ص ( )59والقواعد والفوائد األصولية البن اللحام ص(.)110 2
19
تعريف العلم والجهلـ
(والفقه أخص من العلم :والعلم معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع .والجهل تصور الشيء
على خالف ما هو به في الواقع).
املراد بالفقه هنا املعىن الشرعي ال املعىن اللغوي ،ألن الفقه يف االصطالح معرفة األحكام الشرعية كما
تقدم ،والعلم أعم منه ،ألنه يصدق على العلم بالتفسري واحلديث والنحو والبالغة وغري ذلك ،فصار الفقه أخص من
العلم ،فكل فقه علم وليس كل علم فقهاً.
قوله( :والعلم :معرفة املعلوم على ما هو به)(.)1
واملراد باملعرفة :اإلدراك واملراد باملعلوم :أي ما من شأنه أن يعلم وهذا التعريف فيه قيدان وبقي قيد ثالث
وهو معرفة جازمة( .)2فالقيد األول( :معرفة املعلوم) وهذا خيرج عدم اإلدراك أصالً وهو اجلهل البسيط ،كأن يقال:
عرف املندوب .فيقول :ال أدري. ّ
والقيد الثاين( :على ما هو به) أي على الذي هو عليه يف الواقع .وهذا القيد خيرج معرفة الشيء على وجه
خيالف ما هو عليه وهو اجلهل املركب .وقد عرفه بقوله( :تصور الشيء على خالف ما هو به) ويف بعض النسخ:
(على خالف ما هو عليه يف الواقع) وهذا أوضح.
واملراد بالتصور :اإلدراك اخلايل عن احلكم ،وتأمل كيف عرب عن العلم بقوله( :معرفة)( )3ويف اجلهل بقوله:
(تصور) ألن اجلهل ليس مبعرفة ،وإمنا هو حصول الشيء يف الذهن فهو تصور.
ومثال اجلهل املركب :هل جتوز الصالة بالتيمم عند عدم املاء؟ فيقول :ال جتوز.
ومسي جهالً مركباً ألن صاحبه يعتقد الشيء ويتصوره على خالف ما هو عليه فهذا جهل ،ويعتقد أنه
باملدرك وجهل بأنه جاهل ،وأما البسيط ففيه عدميعتقده على ما هو عليه فهذا جهل آخر .ففيه جهالن :جهل َ
اإلدراك بالكلية(.)4
وأما القيد الثالث :فهو إلخراج املعرفة غري اجلازمة ،فإن تساوىاألمران فهو شك ،وإن ترجح أحدمها على
اآلخر فالراجح ظن ،واملرجوح وهم .وسنذكر ذلك قريباً إن شاء اهلل.
أقســـام العلـــم
() يطلق العلم – أيضاً – على جمموعة معارف ظنية راجحة ومنها ما هي قطعي بشرط أن تكون منظمة حول موضوع ما كعلم الفقه وعلم األصول وعلم 1
النحو وعلم البالغة وغريها( .ضوابط املعرفة ص .)124وانظر (املسائل املشرتكة بني أصول الدين وأصول الفقه) ص.35/
() انظر األصول من علم األصول ص.10 2
() للعلماء كالم طويل يف الفرق بني العلم واملعرفة .وهل مها مرتادفان أو خمتلفان .فانظر مدارج السالكني البن القيم ( )3/335وبدائع الفوائد (.)2/61 3
20
(والعلم الضروري ما ال يقع عن نظر واستدالل كالعلم الواقع بإحدى الحواس الخمس وهي السمع
والبصر والشم واللمس والذوق أو بالتواتر .وأما العلم المكتسب فهو ما يقع عن نظر واستدالل.
والنظر هو الفكر في حال المنظور فيه .واالستدالل طلب الدليل .والدليل هو المرشد إلى
المطلوب).
ملا عرف العلم ذكر أقسامه .واملراد علم املخلوق فهو قسمان:
)1العلم الضروري :وهو ما ال يقع عن نظر واستدالل .وذلك إذا كان إدراك املعلوم ضرورياً ال حيتاج إىل
نظر واستدالل كالعلم بأن النار حارة ،وأن الكعبة قبلة املسلمني،وأن حممداً رسول اهلل.
ومن العلم الذي ال حيتاج إىل نظر واستدالل :العلم الواقع بإحدى احلواس اخلمس الظاهرة وهي:
السمع والبصر واللمس والشم وال ذوق فإنه حيصل العلم هبا ب دون نظر وال استدالل ،فلو مسع صهيل فرس
علم أنه ص وته أو رأى لون اً أبيض أو مس جس ماً علم أنه ن اعم أو خش ن .أو شم رائحة علم أهنا طيبة أو
كريهة أو ذاق طعاماً علم أنه حامض أو حلو.
وقوله (أو بالتواتر) أي :العلم احلاصل بالتواتر من العلم الضروري .وأشار بذلك إىل أن من العلم
الضروري أشياء ال تدرك باحلواس بل يستند فيها إىل خرب مجاعة يستحيل تواطؤهم على الكذب كعلمنا بوجود بلد
مل نره ووقوع الوقائع يف األزمنة املاضية وحنو ذلك.
)2العلم النظري :ويسمى املكتسب :وهو ما يقع عن نظر واستدالل فقوله( :ما يقع) أي ما حيصل من العلم فـ
(ما) جنس يف التعريف وقوله( :عن نظر) .قيد خيرج العلم الضروري ،ألنه حاصل عن غري نظر ،مثل العلم
بأن املذي جنس ،وأن طواف الوداع واجب ،وأن اإلجارة عقد الزم.
مث عرف النظر واالستدالل ألهنما واقعان يف تعريف العلم الضروري نفياً واملكتسب إثباتاً.
فالنظر لغة :يطلق على ٍ
معان منها :رؤية العني ،ومنها الفكر وهو املراد هنا.
واصطالحاً عرفه بقوله( :هو الفكر يف حال املنظور فيه) أي :التفكري يف الشيء املنظور فيه طلباً ملعرفة
حقيقته .ألن النظر هو الطريق إىل معرفة األحكام الشرعية إذا متت شروطه ،وهي أن يكون الناظر كامل اآللة كما
سيأيت إن شاء اهلل يف االجتهاد ،وأن يكون نظره يف دليل ال يف شبهة وأن يستويف الدليل ويعرف شروط االستدالل.
قوله( :واالستدالل :طلب الدليل) :السني والتاء للطلب كاالستنصار طلب النصرة ،واملراد بالدليل :ما
يستدل به من نص أو إمجاع أو غريمها .والنظر واالستدالل مبعىن واحد ،وهو أن كال منهما يؤدي إىل املطلوب،
21
ومجع بينهما املصنف يف تعريف العلم الضروري واملكتسب تأكيداً .وقال بعضهم :النظر أعم من االستدالل ،ألنه
يكون يف التصورات والتصديقات ،واالستدالل خاص بالتصديقات( )1واهلل اعلم.
قوله( :والدليل هو املرشد إىل املطلوب) الدليل فعيل مبعىن (فاعل) من الداللة وهي اإلرشاد ،فالدليل هو
املرشد إىل املطلوب .وهذا تعريف لغوي ألنه عام .فقد يكون الدليل مرشداً للمطلوب ،وال يسمى دليالً يف
االصطالح.
واصطالحاً :ما ميكن التوصل بصحيح النظر فيه إىل مطلوب خربي.
وقولنا :ما :اسم موصول ،أي الذي ميكن التوصل . . .
بصحيح النظر :هذا من إضافة الصفة إىل املوصوف أي النظر الصحيح.
فيه :أي يف ذلك الشيء.
إىل مطلوب خربي ،أي تصديقي ،كأن يقال يف الداللة على حترمي النبيذ .النبيذ مسكر وكل مسكر حرام
لقوله ( eكل مسكر حرام)( )2فيلزم عنه :النبيذ حرام.
واعلم أن الدليل اسم ملا كان موجباً للعلم كاملتواتر واإلمجاع وما كان موجباً للظن كالقياس وخرب الواحد
وحنو ذلك ،وأما ما اشتهر عند كثري من مؤلفي األصول بأن الليل هو ما أفاد العلم .وأما ما يفيد الظن فهو أمارة.
واألمارة أضعف من الدليل .فهو غري صحيح – والظاهر أن هذه التفرقة جاءت من املعتـزلة ومن وافقهم من نفاة
الصفات – ألن الدليل هو ما أرشدك إىل املطلوب .فقد يرشدك مرة إىل العلم ومرة إىل الظن .فاستحق اسم الدليل
يف احلالني .والعرب ال تفرق بني ما يوجب العلم .وما يوجب الظن يف إطالق اسم الدليل وقد تعبدنا اهلل بكل
منهما( )3واهلل اعلم.
() التصور :إدراك معىن املفرد من غري أن حيكم عليه بنفي أو إثبات كإدراك معىن اإلنسان ومعىن الكاتب ومعىن الشجر وحنو ذلك ،والتصديق هو إثبات أمر 1
ألمر بالفعل أو نفيه عنه بالفعل .وهو اإلسناد اخلربي عند البالغيني ،واجلملة االمسية عند النحويني .حنو الكاتب إنسان .فإدراك معىن اإلنسان ومعىن الكاتب
تصور .وإدراك كون اإلنسان كاتباً بالفعل أو ليس كاتباً بالفعل تصديق .ومنه العامل حادث .العامل ليس بقدمي .انظر آداب البحث واملناظرة للشنقيطي ،1/8
.9
() أخرجه الرتمذي برقم 1865والنسائي ( )8/297انظر جامع األصول (.)5/91 2
() انظر العدة أليب يعلى ( )132 ،1/131اللمع يف أصول الفقه ص .49املسائل املشرتكة بني أصول الدين وأصول الفقه ص.23 3
22
تعريف الظن والشكـ
(والظن تجويز أمرين أحدهما أظهر من اآلخر ،والشك تجويز أمرين ال مزية ألحدهما على
اآلخر).
ملا فرغ املصنف من تعريف العلم وبيان أقسامه ذكر ما يقابله وهو الظن إذ ليس هو من العلم .ألن العلم
هو اإلدراك اجلازم كما تقدم .واإلدراك غري اجلازم ال خيلو من حالني:
اجملوز (بكسر الواو) ،وإن كان أحدمها
األول :أن يتساوى األمران ،فال يرتجح أحدمها على اآلخر عند ّ
أرجح عند غريه أو يف الواقع .وهذا هو الشك .كأن يقول :ال أدري طفت ثالثة أشواط أو أربعة.
الثاين :أن يرتجح عنده أحد األمرين على اآلخر .فالراجح ظن ،واملرجوح وهم :كأن يقول :طفت أربعة
أشواط وحيتمل أهنا ثالثة ،والظن درجات أعالها غلبة الظن كما سيأيت إن شاء اهلل.
والشك ضد اليقني جاء يف لسان العرب(( )1اليقني العلم( )2وإزاحة الشك وحتقيق األمر .واليقني ضد الشك.
.وهو يف األصل مبعىن االستقرار .يقال :يقن املاء يف احلوض إذا استقر ودام).
والشك يف األصل االتصال وللزوق ،ومنه حديث الغامدية (أمر هبا فشكت عليها ثياهبا مث رمجت)( )3أي
شدت عليها ومجعت.
مث صار هذا اللفظ يطلق على الرتدد يف شيئني حبيث ال مييل القلب إىل أحدمها .وقول املصنف رمحه اهلل:
(والظن جتويز ). . .فيه مساحمة فإن الظن ليس هو جتويزاً ،وإمنا هو الطرف الراجح املقابل للطرف املرجوح ،وهو
الوهم كما ذكرنا.
وأما غلبة الظن فهو قوة الظن فإن الظن يتزايد ويكون بعض الظن أقوى من بعض .قال أبو هالل
العسكري( :غلبة الظن عبارة عن طمأنينة الظن ،وهي رجحان أحد اجلانبني على اجلانب اآلخر رجحاناً مطلقاً
يطرح معه اجلانب اآلخر .ا هـ)(.)4
والظن وغلبة الظن كل منهما يقوم مقام اليقني عند الفقهاء ،وجيوز بناء األحكام الشرعية عليه إذا فقد
اليقني الذي قلما حيصل عند االجتهاد( )5وهلذا جيب العمل خبرب الواحد إذا كان ثقة ،وجيب العمل بشهادة الشاهدين
() فرق أبو هالل العسكري بني العلم واليقني فقال :العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به على سبيل الثقة .واليقني هو سكون النفس وثلج الصدر مبا علم ،ا 2
() لشيخ اإلسالم ابن تيمية – رمحه اهلل – كالم مفيد حول هذا املوضوع فراجعه يف كتابه (االستقامة) ج 1ص 47وما بعدها. 5
23
وخرب املقومني إذا كانا عدلني .وجيب استصحاب حكم احلال السابق يف حال الشك ،مثل الشك يف احلدث بعد
الطهارة ،ألن الظاهر بقاؤه ،وعدم حدوث املشكوك فيه ،قال العالمة ابن فرحون يف كتابه (تبصرة احلكام)(:)1
(تنبيه :وينـزل منـزلة التحقيق الظن الغالب ،ألن اإلنسان لو وجد وثيقة يف تركة مورثه أو وجد ذلك خبطه ،أو خبط
من يثق به ،أو أخربه عدل حبق ،فاملنقول جواز الدعوى مبثل هذا ،واحللف مبجرده .وهذه األسباب ال تفيد إال
الظن دون التحقيق ،لكن غالب األحكام والشهادات إمنا تنبين على الظن ،وتنتـزل منـزلة التحقيق) .ا هـ.
ويف الفقه مسائل عديدة حكم فيها بالصحة بناء على ما يف ظن املكلف(.)2
وأما ما ورد من النهي عن العمل بالظن .فهو الظن املرجوح الذي ال يقوم عليه دليل .بل هو قائم على
اهلوى والغرض املخالف للشرع قال تعاىل] :إن يتّبعون إال الظن وإن الظن ال يغني من الحق شيئا[( )3وقال تعاىل:
]إن يتّبعون إال الظن وما تهوى األنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى[( )4واهلل أعلم.
() انظر القواعد والفوائد األصولية البن اللحام ص 82والتمهيد لإلسنوي ص.65 2
24
تعريف أصول الفقه وأبوابهـ
(وعلم أصول الفقه :طرقه على سبيل اإلجمال وكيفية االستدالل بها .وأبواب أصول الفقه :أقسام
الكالم ،واألمر والنهي ،والعام والخاص ،والمجمل والمبين ،والظاهر والمؤول ،واألفعال والناسخ
والمنسوخ ،واإلجماع واألخبار ،والقياس ،والحظر واإلباحة ،وترتيب األدلة ،وصفة المفتي
والمستفتي ،وأحكام المجتهدين).
هذا هو التعريف الثاين ألصول الفقه ،وهو باعتباره لقباً هلذا الفن ،وقد تقدم تعريفه باعتبار مفرديه.
قال( :علم أصول الفقه :طرقه على سبيل اإلمجال ،وكيفية االستدالل هبا).
فقوله( :طرقه) أي طرق الفقه .واملراد أدلة الفقه اإلمجالية .وهي القواعد العامة اليت حيتاج إليها الفقيه مثل
األمر للوجوب ،والنهي للتحرمي ،واإلمجاع حجة ،وحنو ذلك من املسائل الكلية اليت تبحث يف أصول الفقه .أما
األدلة التفصيلية فال تذكر يف أصول الفقه إال على سبيل التمثيل واإليضاح مثل قوله تعاىل] :وأقيموا الصالة وءاتوا
الزكاة[( )1لألمر.و مثل :صالته يف الكعبة( )2ميثل به للفعل يف أنه ال يعم أقسامه ،ومثل اإلمجاع على أن بنت االبن
تأخذ السدس مع بنت الصلب حيث ال معصب هلما.
وعرب املصنف كغرية بقوله( :طرق الفقه) دون قوله (أدلة الفقه) بناء على املشهور عندهم ،وهو التفريق بني
الدليل واإلمارة وأكثر أصول الفقه ليست أدلة بل هي إمارات .وقد ذكرنا ضعف هذا الرأي فيما تقدم.
وقوله( :وكيفية االستدالل هبا) هذا معطوف على قوله( :طرقه) أي أن موضوع أصول الفقه أدلة الفقه
اإلمجالية ،وكيفية االستدالل هبا على األحكام .وبقي أمر ثالث وهو معرفة حال املستدل ،وهو اجملتهد ،وإمنا تركه
جتر إىل صفات من يستدل هبا ،فاكتفى بذكر كيفية االستدالل عن ذكر صفات من املصنف ألن كيفية االستدالل ّ
يستدل هبا وهو اجملتهد .وسيذكر ذلك يف آخر الورقات .حيث قال( :ومن شروط املفيت أن يكون عاملاً بالفقه . .
إخل).
واملراد بقول ه( :وكيفية االس تدالل هبا) أي كيفية االس تدالل بط رق الفقه اإلمجالي ة ،وذلك مبعرفة دالالت
األلف اظ ،وش روط االس تدالل .فمن دالالت األلف اظ العم وم واخلص وص واإلطالق والتقيي د ،وش روط االس تدالل
كحمل املطلق على املقيد ،وختصيص العام ،ومعرفة الرتجيح عند التعارض وحنو ذلك مما يبحث يف أصول الفقه .مث
ذكر املص نف األب واب اليت تض منها أص ول الفق ه ،ألجل أن ينشط هلا الق ارئ ويس تعد هلا ،ومل ي ذكر املطلق واملقيد
ألنه سيذكرمها يف الكالم على العام واخلاص للمناسبة بينهما .واهلل أعلم.
الكــالم
25
(فأما أقسام الكالم فأقل ما يتركب منه الكالم :اسمان ،أو اسم وفعل ،أو فعل وحرف ،أو اسم
وحرف).
يعىن أهل األصول مبباحث الكالم وأقسامه ،وهي مباحث حنوية وبالغية ،وذلك ألهنا هي املدخل إىل أصول
الفقه حيث إن األصول يعتمد على الكتاب السنة ،واالستدالل هبما متوقف على معرفة اللغة العربية ألهنما بلسان
عريب مبني ،ومن ال يعرف اللغة ال ميكنه استنباط األحكام من الكتاب والسنة استنباطاً صحيحاً.
قوله( :فأما أقسام الكالم . .إخل).
الكالم لغة :اللفظ املوضوع ملعىن.
واصطالحاً :اللفظ املفيد مثل :اهلل ربنا ،وحممد نبينا.
ومل يذكر املصنف تعريف الكالم ،بل اكتفى بأقل ما يرتكب منه ،فذكر أن أقل ما يرتكب منه الكالم
امسان كما مثلنا ،أو اسم وفعل مثل :جاء احلق ،وزهق الباطل .فهذا فعل وفاعل ،ومثل وقضي األمر .فعل ونائب
فاعل أو فعل وحرف مثل :ما قام ومل يقم .وهذا أثبته قوم منهم املصنف ،فلم يعدوا الضمري يف قام ومل يقم الراجع
إىل زيد – مثالً – مل يعدوه كلمة لعدم ظهوره ووجوده .وعده النحويون كلمة يف حكم امللفوظ املوجود ،وتتوقف
الفائدة الكالمية عليه ،وهو ضمري مسترت ،واملسترت كالثابت وقوله (أو اسم وحرف) هذا يف النداء مثل :يا اهلل.
وهذا فيه نظر .ألن الكالم هو املقدر من الفعل وفاعله ألن تقديره :أدعو اهلل .وحرف النداء نائب عنه ،فريجع ذلك
إىل صورة االسم مع الفعل .وغرض املصنف وغريه من األصوليني بيان أقسام اجلمل ومعرفة املفرد من املركب،
فلذلك مل يأخذوا فيه بالتحقيق الذي يسلكه النحويون.
والكالم مجع كلمة .وهي اسم وفعل وحرف .ووجه احلصر يف الثالثة أن الكلمة إما أن تدل على معىن يف
نفسها أو ال .فإن مل تدل على معىن يف نفسها بل يف غريها فهي احلرف مثل :الطالب يف الفصل .وإن دلت على
معىن يف نفسها وأشعرت هيئتها بزمن فهي الفعل كقام ويقوم وقم ،وإن مل تشعر هيئتها بزمن فهي االسم مثل
حممد.
واألمساء واألفعال واحلروف متس احلاجة إىل معرفتها ،فإن األمساء من النظرة األصولية ثالثة أنواع:
)1ما يفيد العموم كاألمساء املوصولة والنكرة يف سياق النفي.
)2ما يفيد اإلطالق كالنكرة يف سياق اإلثبات.
)3ما يفيد اخلصوص كاألعالم .وتفصيل ذلك يأيت يف حمله إن شاء اهلل وكذا ما يتعلق بالفعل .وأما احلروف
فالفقيه حباجة إىل معرفتها كالواو والفاء وعلى اجلارة وغريها.
هذا ما يتعلق بأقسام الكالم من حيثية ما يرتكب منه ،واهلل أعلم.
أقسام الكالم باعتبار مدلولهـ
(والكالم ينقسم إلى أمر ونهي ،وخبر واستخبار .وينقسم أيضاً :إلى تمن وعرض وقسم).
26
ملا فرغ املصنف من ذكر أقسام الكالم باعتبار ما يرتكب منه شرع يف ذكر أقسامه باعتبار مدلوله.
قوله( :والكالم ينقسم إىل أمر) وهو ما يدل على طلب الفعل حنو :أطع والديك.
قوله( :وهني) وهو ما يدل على طلب الرتك .حنو :ال تكذب يف حديثك.
قوله( :وخرب) وهو ما حيتمل الصدق والكذب حنو :سافر خالد.
قوله( :واستخبار) وهو االستفهام .وهو طلب العلم بشيء مل يكن معلوماً من قبل .حنو :هل فهمت
املسألة؟ أحضر خالد أم عاصم؟
قوله( :وينقسم أيضاً إىل مت ّـن) وهو طلب الشيء احملبوب الذي ال يرجى حصوله إما لكونه مستحيالً حنو:
ليت الشباب يعود يوماً .أو بعيد املنال كقول منقطع الرجاء :ليس يل ماالً فأحج به.
وقوله( :وعرض) بسكون الراء .هو الطلب برفق حنو :أال تنـزل عندنا.
وقوله( :وقسم) بفتح القاف والسني ،هو احللف حنو :واهلل ألفعلن اخلري.
وإمنا قال املصنف (وينقسم أيضاً ) . .مع أن ما قبله وما بعده تقسيم واحد إشارة إىل أن من األصوليني
من اقتصر على التقسيم األول .وأنه يرد عليه التقسيم الثاين .وأن اجلميع تقسيم واحد(.)1
وهناك تقسيم أخصر من هذا ،كما عند البالغيني ،وهو أن الكالم قسمان:
)1خرب :وتقدم تعريفه ،ويأيت شرحه إن شرحه إن شاء اهلل يف باب األخبار.
)2إنشاء :وهو ما ال حيتمل الصدق والكذب ،كقولك :اكتب .ألن مدلوله ال حيصل إال بالتلفظ به ،فال يقال :إنه
صدق أو كذب.
ومن اإلنشاء :األمر والنهي واالستفهام والتمين ومنه العرض .وهذا هو اإلنشاء الطليب ،ومنه القسم وهو اإلنشاء
غري الطليب.
وأهم هذه األنواع :األمر والنهي .وسيأيت الكالم فيهما إن شاء اهلل ،وأما بقية األنواع فال يرتتب عليها يف
األصول كبري فائدة واهلل أعلم.
27
أقسام الكالم باعتبار استعماله
(ومن وجه آخر ينقسم إلى :حقيقة ومجاز .فالحقيقة :ما بقي في االستعمال على موضوعه،
وقيل :ما استعمل فيما اصطلح عليه من المخاطبة .والمجاز :ما تجوز عن موضوعه .والحقيقة
إما لغوية وإ ما شرعية وإ ما عرفية).
ينقسم الكالم باعتبار استعمال اللفظ إىل قسمني:
الثاين :جماز. األول :حقيقة.
فاحلقيقة :ما بقي يف االستعمال على موضوعه.
مثل كلمة :أسد للحيوان املفرتس .فإذا قلت :رأيت أسداً .فهي حقيقة ألهنا لفظ بقي يف االستعمال على ما
وضع له وهو احليوان.
وهذا التعريف يرد عليه أنه خاص باحلقيقة اللغوية ،فال يشمل الشرعية والعرفية كما سيأيت ،وعليه فهما من
اجملاز عند املصنف.
مث ذكر املصنف تعريفاً آخر للحقيقة وهو :ما استعمل فيما اصطلح عليه من املخاطبة .فقوله :ما :أي لفظ.
وقوله :استعمل :مبين للمجهول ،ونائب الفاعل ضمري مسترت يعود على ما.
وقوله :فيما :أي يف معىن.
وقوله اصطلح عليه :مبين للمجهول .وما بعده نائب فاعل .أي اصطلح على أن هذا املعىن لذلك اللفظ.
وقوله :من املخاطبة :بكسر الطاء على زنة اسم الفاعل .أي من اجلماعة املخاطبة غريها .أي خاطبت غريها
بذلك اللفظ وعينته للداللة على ذلك املعىن بنفسه ،سواء بقي اللفظ على موضوعه اللغوي أو مل يبق على موضوعه
اللغوي ،بأن بقي على موضوعه الشرعي أو العريف.
واالصطالح معناه :اتفاق قوم على استعمال شيء يف شيء معلوم عندهم .كاتفاق أهل الشرع على
استعمال الصالة يف التعبد هلل تعاىل بأفعال وأقوال أوهلا التكبري وآخرها التسليم .واتفاق أهل اللغة على استعمال
الصالة مبعىن الدعاء .وهكذا الدابة عند أهل العرف تطلق على ذوات األربع فقط كالفرس.
وهذا التعريف يعم أنواع احلقيقة الثالثة .وقد أثبت املصنف احلقيقة الشرعية والعرفية وهذا يدل على
اختياره هلذا التعريف وإن كان تقدميه للتعريف األول يقتضي ترجيحه واهلل أعلم.
28
وهناك تعريف أخصر وأمشل وهو :احلقيقة :اللفظ املستعمل فيما وضع له(.)1
فقوله( :اللفظ) :جنس يف التعريف يشمل املعرف وغريه.
وقوله( :املستعمل) :قيد يف التعريف خيرج املهمل .وهو الذي ليس له معىن مثل ديز مقلوب زيد.
وقوله( :فيما وضع له) :قيد ثان خيرج اجملاز ،ألن اجملاز يف غري ما وضع له.
مث ذكر املصنف أن احلقيقة ثالثة أنواع:
)1حقيقة لغوية :وهي اللفظ املستعمل فيما وضع له يف اللغة .مثل الصيام فهو يف اللغة اإلمساك .قال النابغة:
خيل صيام وخيل غير صائمة
تحت العجاج وأخرى تعلك اللُّجما
أي خيل ممسكة عن اجلري واحلركة .وقيل :عن العلف.
)2حقيقة شرعية :وهي اللفظ املستعمل فيما وضع له يف الشرع .كالصالة معناها :التعبد هلل تعاىل بأفعال وأقوال
أوهلا التكبري وآخرها التسليم على الصفة املخصوصة.
)3حقيقة عرفية :وهي اللفظ املستعمل فيما وضع له يف العرف .وهي نوعان:
عرفية عامة :وهي ما تعارف عليه عامة أهل العرف ،مثل لفظ الدابة فهي يف اللغة اسم لكل ما يدب )1
على األرض غري أن العرف خصصه بذوات األربع كما تقدم.
عرفية خاصة :وهي ما تعارف عليه بعض الطوائف من األلفاظ اليت وضعوها ملعىن عندهم .مثل اجلزم )2
فهو يف اللغة القطع كما يف القاموس .وعند النحويني نوع من اإلعراب.
فاحلقيقة العرفية العامة هي اليت مل يتعني ناقلها من املعىن اللغوي .واخلاصة عكسها.
هذا وقد أشار ابن بدران رمحه اهلل إىل الفائدة من معرفة أقسام احلقيقة فقال( :ومىت ورد اللفظ وجب محله
على احلقيقة يف بابه لغة أو شرعاً أو عرفاً)( )2ا هـ.
هذا ما يتعلق باحلقيقة .وأما اجملاز فقد عرفه بقوله( :ما جتوز عن موضوعه) :فقوله( :ما جتوز) بضم التاء
واجليم وتشديد الواو مكسورة مبين للمجهول ،ويصح فتح التاء مبنياً للفاعل .أي ما تعدى به عن موضوعه .فنقل
يف االستعمال عن معناه األصلي إىل معناه اجملازي ومثاله :رأيت أسداً يرمي ،فكلمة أسد تعدى هبا عن موضوعها
األول وهو احليوان املفرتس ،ونقلت إىل الرجل الشجاع.
() انظر :اإلرشاد للشوكاين ص.21 1
29
وهذا التعريف مبين على التعريف األول للحقيقة وهو (ما بقي يف االستعمال على موضوعه) وأما على
التعريف الثاين للحقيقة فيكون اجملاز( :ما استعمل يف غري ما اصطلح عليه من املخاطبة) وعلى التعريف الذي ذكرناه
يكون اجملاز :اللفظ املستعمل يف غري ما وضع له .وهذا أوضح .واهلل أعلم.
30
أنــواع المجـــاز
(والمجاز إما أن يكون بزيادة أو نقصان أو نقل أو استعارة .فالمجاز بالزيادة مثل قوله تعالى] :
ليس كمثله شيء[( )1والمجاز بالنقصان مثل قوله تعالى] :وسئل القرية[( )2والمجاز بالنقل كالغائط
فيما يخرج من اإلنسان .والمجاز باالستعارة كقوله تعالى] :جداراً يريد أن ينقض[(.))3
ملا ذكر املصنف أنواع احلقيقة بعد تعريفها ذكر هنا أنواع اجملاز بعد تعريفه .واجملاز نوعان:
)1جماز بالكلمة :وهو ما تقدم تعريفه .حيث تنقل الكلمة من معناها األصلي إىل املعىن اجملازي.
)2جماز باإلسناد :وهو اجملاز العقلي .حيث يكون التجوز باإلسناد ،فيسند الفعل أو ما يف معناه إىل غري ما هو
له يف احلقيقة ،والبد من عالقة مع وجود قرينة متنع من إرادة املعىن األصلي مثل :بىن األمري قصراً .وليس
هلذا ذكر يف األصول ،وإمنا يذكر يف علم البيان وذكرته لتكميل القسمة.
وشرط اجملاز بالكلمة وجود عالقة بني املعىن األصلي واملعىن اجملازي ،ووجود قرينة مانعة من إرادة املعىن
األصلي .كما يف املثال املتقدم :رأيت أسداً يرمي.
قوله( :واجملاز إما أن يكون بزيادة أو نقصان أو نقل أو استعارة) :ذكر أن اجملاز بالكلمة أربعة أنواع:
)1جماز بالزيادة :ومثاله قوله تعاىل] :ليس كمثله شيء[( )4فقالوا :إن الكاف زائدة لتوكيد نفي املثل ،ولو مل
تكن زائدة لكانت مبعىن (مثل) وهذا باطل ملا يلزم عليه من إثبات املثل هلل تعاىل إذ يصري املعىن( :ليس مثل
مثله شيء) واملنفي مثل املثل ،فيكون املثل ثابتاً وهذا باطل ألن القصد نفيه(.)5
)2جماز بالنقصان :أي باحلذف .ومثاله قوله تعاىل] :واسأل القرية[ أي أهل القرية ففيه حذف ،للقطع بأن
املقصود سؤال أهل القرية ال سؤال القرية ،ألهنا عبارة عن األبنية اجملتمعة وسؤاهلا وإجابتها من احملال(.)6
فإن قيل :تعريف اجملاز ال يصدق على اجملاز بالزيادة والنقصان ألنه مل يستعمل اللفظ يف غري موضعه.
() أما على القول بنفي اجملاز يف القرآن فال جماز يف اآلية ،ألن العرب تقيم املثل مقام النفس ،فيطلقون املثل ويريدون به الذات .فأنت تقول :مثلي ال يفعل كذا. 5
أي :أنا ال أفعل كذلك .قال تعاىل ]وشهد شاهد من بين إسرائيل على مثله[[سورة األحقاف ،آية ]10 :أي على أن القرآن من عند اهلل ،فيكون معىن اآلية
(ليس مثل ذات اهلل شيء) وإذا انتفت املماثلة يف الذات انتفت املماثلة يف الصفات ،ألن القول يف الصفات كالقول يف الذات (انظر رسالة الشنقيطي "منع
جواز اجملاز" ص ،36بطالن اجملاز ص.)134
دل عليه بطريق االقتضاء فهو() أما على القول بنفي اجملاز فإن املراد بالقرية جمتمع الناس أو أن املضاف يف اآلية كأنه مذكور ألنه مدلول عليه باالقتضاء وما ّ 6
على احلقيقة .أو أن لفظ القرية يدخل يف مسماه احلال واحملل .فمن األول قوله تعاىل] :وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك اليت أخرجتك[ ومن الثاين] :أو
مر على قرية وهي خاوية على عروشها[[انظر املصدرين السابقني].
كالذي ّ
31
فاجلواب :أنه منه ،حيث استعمل نفي مثل املثل يف نفي املثل وسؤال القرية يف سؤال أهلها ،وقال
البالغيون :إنه جماز من حيث إن الكلمة نقلت عن إعراهبا األصلي إىل نوع آخر من اإلعراب(.)1
)3جماز بالنقل :ومثاله كلمة (الغائط) فهو يف أصل الوضع اسم للمكان املطمئن من األرض ،تقضي فيه احلاجة
طلباً للسرت .مث نقل وصار يطلق على الفضلة اخلارجة من اإلنسان ،والعالقة اجملاورة .ألهنا جتاور املكان
املطمئن غالباً(.)2
)4جماز باالستعارة :ومثاله قوله تعاىل] :جدار يريد أن ينقض[( )3حيث شبه ميل اجلدار إىل السقوط بإرادة
كل .مث استعري اللفظ الدال على املشبه به
السقوط اليت هي من صفات احلي ،جبامع القرب من الفعل يف ٍّ
للمشبه ،مث اشتق منه (يريد) مبعىن (مييل) على سبيل االستعارة التصرحيية التبعية..
وظاهر عبارة املصنف يف قوله (أو نقل) توهم أن النقل قسم من اجملاز ومقابل لألقسام األخرى وليس
كذلك ،فإن النقل يعم مجيع أنواع اجملاز بالكلمة كما تقدم يف تعريفه.
وهذا وحمل احلقيقة واجملاز كتب البالغة (علم البيان) واألصوليون يذكرون ذلك ،ألن البحث يف دالالت
األلفاظ من أهم موضوعات علم األصول ،وداللة اللفظ على املعىن قد تكون حقيقة وقد تكون جمازاً.
واعلم أن تقسيم الكالم إىل حقيقة وجماز هو املشهور عند املتأخرين يف القرآن وغريه ،ومنهم من قال ال
جماز يف القرآن ،وهو قول ابن خويز منداد من املالكية ،وقول الظاهرية وابن القاص من الشافعية ،ومن أهل العلم
من قال ال جماز يف القرآن وال يف غريه وبه قال أبو إسحاق األسفراييين وأبو علي الفارسي من املتقدمني كما عزاه
هلما ابن السبكي يف مجع اجلوامع( ،)4ومن املتأخرين الشيخ حممد األمني الشنقيطي رمحه اهلل يف رسالة خاصة
هبذا( ،)5وقد نصر هذا القول شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم رمحهما اهلل ،وبني شيخ اإلسالم أن هذا التقسيم
اصطالح حادث بعد القرون املفضلة مل يتكلم به أحد من الصحابة والتابعني وال أحد من األئمة وال علماء اللغة،
والظاهر أن اجملاز إمنا جاء من جهة املعتزلة وحنوهم من املتكلمني ليكون سلما لنفي كثري من صفات اهلل تعاىل
بإدعاء أهنا جماز ،وهذا من أعظم وسائل التعطيل.
() ليس يف اآلية جماز ألن إطالق (الغاط) على الرباز أو احلدث حقيقة عرفية ألن اإلنسان يف العادة إمنا جييء من الغائط إذا قضى حاجته فصار اللفظ حقيقة 2
() انظر رسالة (منع جواز اجملاز) ص 8املطبوعة ضمن اجلزء العاشر من أضواء البيان. 5
32
كما بني الشيخ – أيضاً – بطالن هذا التقسيم ،وأن من ذهب إىل ذلك فقد تكلم بال علم وابتدع يف
الشرع وخالف العقل ،ومما يدل على بطالن ذلك أنه ال أحد يثبت أن العرب وضعت ألفاظاً ملعان مث استعملت
هذا الوضع يف معان أخر ،ومن ادعى أنه يعلم وضعاً تقدم ذلك فهو مبطل(.)6
وكل ما يسميه القائلون باجملاز جمازاً فهو عند من يقول بنفي اجملاز أسلوب من أساليب اللغة العربية
املتنوعة ،بعضها يتضح املراد منه بال قيد ،وبعضه حيتاج إىل قيد وكل منهما حقيقة يف حمله.
() انظر فهارس فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية ( )2/13وراجع كتاب (بطالن اجملاز) بقلم :مصطفى عيد الصياصنة. 6
33
األمــــر
(واألمر استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب،والصيغة الدالة عليه :افعل.
وهي عند اإلطالق والتجرد عن القرينة تحمل عليه إال ما دل الدليل على أن المراد منه الندب أو
اإلباحة فيحمل عليه).
باب األمر والنهي من األبواب املهمة يف أصول الفقه ،ألن مدار التكليف على األوامر والنواهي .فالبد من
معرفة أحكامهما وما يرتتب على خمالفتهما ،يقول السرخسي يف أصوله(( :)1فأحق ما يبدأ به يف البيان األمر والنهي
ألن معظم االبتالء هبما ،ومبعرفتهما تتم معرفة األحكام ويتميز احلالل من احلرام) .ا هـ.
قوله (األمر :استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب) هذا تعريف األمر .وهو من أحسن
التعاريف.
وقوله :استدعاء :أي طلب وهذا جنس يشمل األمر والنهي ،واملراد بالفعل :اإلجياد ليشمل الفعل املأمور به
مثل] :وءاتوا الزكاة[( )2والقول املأمور به مثل] :واذكروا اهلل كثيراً[(.)3
واملعىن أن األمر طلب إجياد فعل أو إجياد قول .وهذا القيد خيرج النهي ألنه استدعاء الرتك كما سيأيت.
وقوله :بالقول :أي باللفظ الدال عليه .واملراد صيغ األمر وهذا قيد ثان إلخراج اإلشارة فإهنا وإن أفادت
طلب الفعل ،لكنها ال تسمى أمراً.
وقوله (ممن هو دونه) أي دون الطالب يف الرتبة ،وهذا قيد ثالث خرج به استدعاء الفعل ممن ساواه وهذا
التماس .أو ممن هو فوقه وهذا دعاء وسؤال .وعلى هذا فطلب الفعل يسمى أمراً مع العلو(.)4
قال األخضري:
وفي التساوي فالتماس وقعا أمر مع استعال وعكسه دعا
وقول املصنف( :على سبيل الوجوب) هذا متعلق بقوله( :استدعاء) وهذا قيد رابع إلخراج الندب واإلباحة
وغريمها ،وفيه بيان أن صيغة األمر تقتضي الوجوب ،وهذا عند اإلطالق ،أي التجرد من القرائن الصارفة لألمر عن
الوجوب إىل غريه.
() انظر غاية املرام يف شرح مقدمة اإلمام للتلمساين ص .71والعلو معناه :هيئة راجعة إىل اآلمر – بكسر امليم – وهي كونه أعلى من املأمور .واالستعالء: 4
هيئة يف األمر – بسكون امليم – وهو كون الطلب بغلظة وقهر .انظر (نثر الورود .)1/173
34
والظاهر أن املؤلف يرى أن املندوب ليس مأموراً به لعدم وجوبه وحتتمه ،واحملققون على أن املندوب مأمور
به ألنه طاعة إمجاعاً ،والطاعة فعل مأمور به ،وإن كان غري واجب ،فيكون األمر أمر إجياب وأمر استحباب .وتقدم
ذلك يف الكالم على املندوب.
قوله( :على سبيل الوجوب) صيغة األمر إما أن تكون جمرد عن القرينة ،وإما أن تكون مقيدة ،فإن كانت
جمردة فاملختار ما ذكره املصنف من أهنا تقتضي الوجوب كقوله تعاىل ] :وأقيموا الصالة وءاتوا الزكاة[( )1فهذا
حيمل على الوجوب لعدم قرينة تصرفه عنه ونسب يف شرح الكوكب املنري هذا القول إىل اجلمهور من أرباب
املذاهب األربعة ،وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل (وأمر اهلل ورسوله إذا أطلق كان مقتضاه الوجوب)(.)2
واألدلة على ذلك كثرية جداً منها قوله تعاىل] :فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو
يصيبهم عذاب أليم[(.)3
ووجه الداللة :أن اهلل تعاىل توعد املخالفني ألمر الرسول بالفتنة وهي الزيغ ،أو بالعذاب األليم ،وال
يتوعد بذلك إال على ترك واجب ،فدل على أن أمر الرسول املطلق يقتضي الوجوب .قال القرطيب( :هبذه اآلية
استدل الفقهاء على أن األمر للوجوب .)4() . .
وقوله( :والصيغة الدالة عليه :افعل) أي أن األمر البد له من صيغة تدل عليه وهي (افعل) مثل] :أقم
الصالة لدلوك الشمس[( )5واملراد بذلك كل ما يدل على طلب الفعل من أي صيغة ،فيشمل افعلي وافعلوا
وحنومها ،ومما يدل على طلب الفعل اسم فعل األمر كقوله تعاىل] :عليكم أنفسكم[( ،)6واملصدر النائب عن فعل
األمر مثل قوله تعاىل] :وبالوالدين إحساناً[( )7واملضارع املقرون بالم األمر كقوله تعاىل] :وليكتب بينكم كاتب
بالعدل[(.)8
وهناك صيغ أخرى تدل على طلب الفعل ومنها:
35
)1التصريح بلفظ األمر كقوله تعاىل] :إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان[( )1وحديث ابن عباس يف وفد عبد
القيس وفيه (آمركم بأربع .)2() . .
)2لفظ فرض أو وجب أو كتب وحنوها .قال تعاىل] :كتب عليكم الصيام[( )3وحديث ابن عمر رضي اهلل
عنهما قال( :فرض رسول اهلل rزكاة الفطر يف رمضان)(.)4
)3وصف الفعل بأنه طاعة أو ميدح فاعله أو يذم تاركه أو يرتب على فعله ثواب أو على تركه عقاب وغريها،
كقوله ( rأنا وكافل اليتيم يف اجلنة هكذا .وقال بالسبابة والوسطى)(.)5
قوله( :وهي عند اإلطالق والتجرد عن القرينة حتمل عليه إال ما َّ
دل الدليل على أن املراد منه الندب أو
اإلباحة فيحمل عليه) هذا بيان النوع الثاين من األوامر وهو ما اقرتن بقرينة فيصرف األمر حسب هذه القرينة ،ألن
صيغة األمر ال حتمل على غري الوجوب إال إذا وجد دليل صارف عن الوجوب إىل غريه .كالندب ،ومثاله :حديث
عبد اهلل املزين أن النيب rقال( :صلوا قبل صالة املغرب ،قال يف الثالثة :ملن شاء .)6() . .
أو اإلباحة ومثاله قول تعاىل] :وإذا حللتم فاصطادوا[( .)7والقرينة الصارفة يف األول قوله (ملن شاء) ويف
الثاين هي أن األمر بعد احلظر لإلباحة ألن االصطياد يف اإلحرام حرام ،لقوله تعاىل] :وحرم عليكم صيد البر ما
دمتم حرماً[( )8أي حمرمني.
ومن هنا قال األصوليون :األمر بعد احلظر لإلباحة واحتجوا بأن هذا النوع من األمر لإلباحة يف أغلب
تطهرن فأتوهن من حيث أمركم اهلل[( )9بعد قوله تعاىل] :وال
استعماالت الشرع ،كما مثلنا .وكقوله تعاىل] :فإذا ّ
تقربوهن حتى يطهرن[( ،)10وقد يكون يف مقام يتوهم فيه احلظر كقوله ( افعل وال حرج)( )11يف جواب من سألوه
ّ
36
يف حجة الوداع عن تقدمي أفعال احلج اليت تفعل يوم العيد بعضها على بعض وكقوله يف قصة اللديغ (اقسموا
واضربوا يل بسهم)(.)1
ويرى آخرون أن األمر بعد احلظر يرجع إىل ما كان عليه قبل احلظر ،قال ابن كثري عند تفسري آية املائدة] :
وإذا حللتم فاصطادوا[(( :)2والصحيح الذي يثبت على السرب( )3أنه ُّ
يرد احلكم إىل ما كان عليه قبل النهي .فإن
كان واجباً رده واجباً ،وإن كان مستحباً فمستحب ،أو مباحاً فمباح ،ومن قال :إنه على الوجوب ينتقض عليه
يرد عليه بآيات أخر .والذي ينتظم األدلة كلها هذا الذي ذكرناه ،كما أختاره
بآيات كثرية ،ومن قال :إنه لإلباحة ُّ
بعض علماء األصول واهلل أعلم)( )4ا هـ.
فمثال :أمر بعد هني عاد إىل الوجوب حديث" :فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصالة ،وإذا أدبرت فاغسلي
عنك الدم ،مث صلي"(.)5
فاألمر بالصالة للوجوب ،ألن الصالة قبل امتناعها باحليض واجبة ،ومثاله أيضاً قوله تعاىل] :فإذا انسلخ
األشهر الحرم فاقتلوا المشركين[( )6فاألمر بقتل املشركني كان واجباً قبل دخول األشهر احلرم فمنع من أجلها،
مث أمر به بعد انسالخها ،فريجع إىل ما كان عليه قبل املنع وهو الوجوب.
ومثال االستحباب حديث" :كنت هنيتكم عن زيارة القبور فزوروها"( )7فالزيارة مستحبة قبل املنع مث هني
عنها ،مث أمر هبا فعاد األمر إىل االستحباب.
وتقدمي مثال ما كان مباحاً مث هني عنه مث أمر به.
وهذا القول هو املختار ،ألن احلظر كان لعارض ،فإذا ارتفع العارض عاد األمر إىل ما كان عليه.
() السرب لغة االختبار ومنه مسي ما خيترب به طول اجلرح وعرضه مسباراً ،والسرب يذكر غالباً مع التقسيم فيقال :السرب والتقسيم .وهو أحد مسالك العلة يف باب 3
القياس ويراد هبما حصر األوصاف املوجودة يف األصل الصاحلة للعلية يف عدد مث إبطال بعضها بدليله فيتعني الباقي فاحلصر تقسيم واإلبطال سرب (خمتصر ابن
احلاجب بشرح العضد ،2/236مذكرة الشنقيطي ص.)257
() تفسري ابن كثري (.)3/9 4
37
مث إن هذا القول فيه مجع بني األدلة ،كما أشار إليه احلافظ ابن كثري رمحه اهلل ،واختار هذا القول الشيخ
تقي الدين ابن تيمية رمحه اهلل ،ورجحه الشيخ حممد األمني الشنقيطي رمحه اهلل .ونسبه الطويف يف خمتصر الروضة إىل
األكثرين .واهلل أعلم(.)8
() انظر املسودة يف أصول الفقه ص ،16شرح الكوكب املنري ( )3/60مذكرة الشنقيطي على الروضة ص ،193 ،192أضواء البيان ( )2/4خمتصر الروضة 8
ص.86
38
من مسائل األمــر
(وال يقتضي التكرار على الصحيح إال إذا دل الدليل على قصد التكرار ،وال يقتضي الفور.
واألمر بإيجاد الفعل أمر به ،وبما ال يتم الفعل إال به كاألمر بالصالة أمر بالطهارة المؤدية إليها.
وإ ذا فعل خرج المأمور عن العهدة).
املسألة األوىل قوله( :وال يقتضي التكرار) :اعلم أن صيغة األمر تقتضي فعل املأمور مرة واحدة قطعاً وال
خالف يف ذلك وإمنا اخلالف فيما زاد على املرة وهو التكرار ،مبعىن فعل املأمور به كلما قدر عليه املكلف ،فاألمر
من حيث التكرار وعدمه له ثالث صور:
)1إما أن يقيد مبا يفيد الوحدة ،فهذا حيمل على ما قيد به ،وال يقتضي التكرار كقوله تعاىل] :وهلل على الناس
حج البيت من استطاع إليه سبيال[( )1فظاهر اآلية وجوب تكرار احلج بتكرار االستطاعة ،لكن سئل
رسول اهلل :rأيف كل عام يا رسول اهلل؟ فأجاب مبا يدل على أنه يف العمر مرة واحدة( )2فيحمل األمر يف
اآلية على الواحدة هلذا الدليل من السنة.
)2أن يقيد مبا يفيد التكرار ،وهذا فيه خالف( )3والصحيح أنه حيمل على ما قيد به من إرادة التكرار كما
رجحه املصنف .والقيد قد يكون صفة وقد يكون شرطاً ،فالشرط كقوله تعاىل] :وإن كنتم جنبا
فاطّ ّهروا[( )4فكلما حصلت اجلنابة وجب التطهر بالغسل منها.
والصفة كقوله تعاىل] :والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما[( )5فكلما حصلت السرقة وجب
القطع ،ما مل يكن تكرار السرقة قبل القطع.
وهذا فيما إذا كان كل من الشرط والصفة علة ثابتة كما مثلنا .فيكون التكرار لوجود العلة ،مبعىن
أنه كلما وجدت العلة وجد احلكم( .)6فإن مل يكن علة ثابتة فال تكرار مثل :إن جاء زيد فاعتق عبداً من
عبيدي .فإذا جاء زيد حصل ما علق عليه األمر ،لكن ال يتكرر بتكرر جميئه.
)3األمر املطلق الذي مل يقيد .فهذا فيه خالف هل يقتضي التكرار أو ال؟
() نقل صاحب شرح الكوكب املنري ( )3/46االتفاق على أنه للتكرار .مع أن بعض احلنفية خالفوا فانظر كشف األسرار (.)1/123 3
39
فمنهم من قال يقتضي التكرار ،وهذا حكاه الغزايل عن أيب حنيفة ،وابن القصار عن مالك ،وهو رواية عن
أمحد اختارها أكثر أصحابه( ،)1ألن األمر كالنهي يف أن النهي أفاد وجوب الرتك واألمر أفاد وجوب الفعل ،فإذا
كان النهي يفيد الرتك على االتصال أبداً ،وجب أن يكون األمر يفيد وجوب الفعل على االتصال أبداً وهذا معىن
التكرار ،واملراد به :حسب اإلمكان.
والقول الثاين أن األمر املطلق ال يقتضي التكرار ألن ما قصد به من حتصيل املأمور به يتحقق باملرة الواحدة
واألصل براءة الذمة مما زاد عليها ،بل خيرج املكلف من عهدته مبرة واحدة ،وال يلزمه تكراره واملداومة عليه ،وذلك
ألن صيغة األمر ال تدل إال على جمرد إدخال ما هية الفعل( )2يف الوجود ال على كمية الفعل ،ولو قال السيد لعبده:
ادخل السوق واشرت متراً ،مل يعقل منه التكرار ،ولو كرر العبد ذلك حلسن لومه ،ولو سيده على عدم التكرار لعد
السيد خمطئاً.
وهذا هو اختيار املصنف – هنا – فإنه قال( :وال يقتضي التكرار على الصحيح) أي عند اإلطالق كما
يدل عليه ما بعده ،وهو رواية عن اإلمام أمحد اختارها أبو يعلى وتلميذه أبو اخلطاب ،وهو الصحيح عند احلنفية،
ورجح ذلك الطويف ،ومال إليه ابن قدامة ،واختاره ابن احلاجب(.)3
أما ما قاله األولون من أن األمر كاملنهي فغري صحيح للفرق بن األمر والنهي ،ألن االنتهاء عن الفعل أبداً
ممكن ،أما االشتغال به أبداً فغري ممكن فظهر الفرق.
وأما ما فيه التكرار فذلك لنصوص أخر وقرائن وأسباب توجب ذلك ،كالصالة فإن تكرارها يف كل يوم
وليلة مخس مرات ليس ألجل األمر هبا ،وإمنا لتكرار أسباهبا وهي األوقات .ومما يتعلق هبذا البحث مسألة إجابة
مؤذن بعد مؤذن فهل يكتفي باألول ألن األمر ال يقتضي التكرار؟ أو جييب كل مؤذن من باب تعدد السبب؟ فيه
احتمال(.)4
املسألة الثانية :قوله( :وال تقتضي الفور) أي عند اإلطالق خبالف :سافر اآلن .فهي للفور ،وسافر رأس
الشهر.فهي للرتاخي لوجود قرينة.
والفور معناه :املبادرة بالفعل عقب األمر يف أول وقت اإلمكان .والرتاخي :تأخري الفعل عن أول وقت
اإلمكان .والقائلون بأن األمر للتكرار يتفقون على أنه للفور .ألن التكرار ال يتحقق بدون املبادرة.
وأما القائلون بأن األمر ليس للتكرار .فاختلفوا يف ذلك على قولني:
() املاهية مبعىن احلقيقة انظر املعترب للزركشي ص 337معجم لغة الفقهاء ص.398 2
() انظر روضة الناظر مع شرحها ( )2/78خمتصر الروضة ص .87خمتصر املنتهى ( )2/81أصول السرخسي ص.20 3
() انظر شرح املهذب ( )3/119فتح الباري ( )2/92فتاوى العز بن عبد السالم ص 87التمهيد لإلسنوي ص 283حاشية الصنعاين على شرح العمدة ( 4
.)2/188
40
األول :أهنا ال تقتضي الفور ،وبه قال أكثر الشافعية وأكثر األحناف ،وهو رواية عن اإلمام أمحد ،بل األمر
جملرد الطلب فال يقتضي الفور وال الرتاخي ،وقد يقتضي ألن الغرض إجياد الفعل ولو مرة واحدة من غري اختصاص
بالزمن األول أو الثاين بل يف أي زمان وجد فيه أجزأ.
والقول الثاين :أهنا تقتضي الفور .وهو قول املالكية وبعض الشافعية ،وبعض احلنفية ،وهو ظاهر املذهب
عند احلنابلة( .)1وهذا هو القول الراجح إن شاء اهلل ملا يلي:
)1آيات من كتاب اهلل تعاىل فيها األمر باملبادرة إىل امتثال أوامر اهلل تعاىل والثناء على من فعل ذلك كقوله
تعاىل] :وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات واألرض أعدت للمتقين[( )2وقوله تعاىل:
]فاستبقوا الخيرات[( )3وقال تعاىل] :إنهم كانوا يسارعون في الخيرات[(.)4
)2ما جاء يف قصة احلديبية ،وفيها( :قال رسول اهلل rألصحابه :قوموا فاحنروا مث احلقوا) قال :فو اهلل ما قام
منهم رجل حىت قال ذلك ثالث مرات .فلما مل يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر هلاما لقي من
الناس . . .احلديث)( ،)5ووجه الداللة :أنه لو مل يكن األمر للفور ما دخل الرسول rعلى أم سلمة مغضباً
وال قال هلا( :أال ترين إىل الناس! إين آمرهم باألمر فال يفعلون) كما يف رواية ابن إسحاق.
)3أن املبادرة بالفعل أحوط وأبرأ للذمة ،وأدل على الطاعة ،والتأخري له آفات ،ويقتضي تراكم الواجبات حىت
يعجز اإلنسان عنها.
)4وكما أن الشرع دل على اقتضاء األمر الفور ،كذلك اللغة فإن السيد لو أمر عبده بأمر فلم ميتثل فعاقبه
فاعتذر العبد بأن األمر على الرتاخي مل يكن عذره مقبوالً.
املسألة الثالثة :قوله( :واألمر بإجياد الفعل أمر به ومبا ال يتم الفعل إال به) أي :أن ما توقف عليه وجود
الواجب بطريق شرعي لتربأ منه الذمة فهو واجب إذا كان ذلك يف مقدور املكلف ،وحتت هذه القاعدة صورتان،
وذلك بناء على دخول املندوب يف األمر:
)1ماال يتم الواجب إال به فهو واجب .كاألمر بالصالة أمر بالطهارة ،واألمر بسرت العورة أمر بشراء ما
يسرتها(.)6
() انظر خمتصر ابن احلاجب مع شرح العضد ( )2/84العدة ( )1/281أضواء البيان (.)5/112 1
() متثيل املؤلف بالطهارة فيه نظر ،ألن فيها دليالً خيصها ،خبالف األمر بشراء ما يسرت العورة .واهلل أعلم. 6
41
ووجه هذه الصورة :أنه لو مل جتب الطهارة – مثالً – لوجوب الصالة جلاز تركها ،ولو جاز
تركها جلاز ترك الواجب املتوقف عليها والالزم باطل.
)2ما ال يتم املندوب إال به فهو مندوب ،فاألمر بالتطيب يوم اجلمعة كما يف حديث ابن عباس (وأصيبوا من
الطيب)( )1أمر بشراء الطيب ندباً ال وجوباً.
وهذه الصورة ال تدخل – على رأي املصنف – ألنه ال يرى أن املندوب مأمور به ،واهلل أعلم.
املسألة الرابعة :قوله( :وإذا فعل خرج عن العهدة)( :فعل) بالبناء للمجهول أي :فعل املأمور به ،والعهدة :بضم
العني تعلق األمر باملأمور .واملعىن :أن املأمور إذا فعل ما أمر به على وجه صحيح فإنه خيرج عن عهدة ذلك األمر
ويوصف ذلك الفعل باإلجزاء .واإلجزاء معناه :براءة الذمة وسقوط الطلب .أما اإلثابة على الفعل فليست من
لوازم االمتثال فقد حيصل اإلجزاء وبراءة الذمة وال حيصل الثواب ،وقد يكون مثاباً وال تربأ الذمة.
فمثال األول :قول الزور والعمل به يف الصيام .فقد قال النيب ( rمن مل يدع قول الزور والعمل به فليس هلل
حاجة يف أن يدع طعامه وشرابه)( )2فقول الزور والعمل به يف الصيام أوجب إمثاً يقابل ثواب الصوم .وقد اشتمل
الصوم على االمتثال املأمور به والعمل املنهي عنه ،فربئت الذمة لالمتثال ووقع احلرمان للمعصية.
والثاين :كأن يفعل فعالً ناقصاً عن الشرائط واألركان ،فيثاب على ما فعل وال تربأ الذمة إال بفعله كامالً،
فإذا أخرج الزكاة ناقصة فإنه خيرج التمام وإذا ترك شيئاً من واجبات احلج كاملبيت مبزدلفة فإنه جيربه بالدم ،وإذا
ضحى مبعيبة وجبت عليه سليمة .وإذا فوت اجلمعة بقي يف العهدة .فالنقص إما أن جيرب جبنسه أو ببدله أو بإعادته
كامالً أو يبقى يف العهدة فيأمث صاحبه( )3واهلل أعلم.
42
من يدخل في األمر والنهي ومن ال يدخل
(يدخل في خطاب اهلل تعالى المؤمنون .والساهي والصبي والمجنون غير داخلين في الخطاب،
والكفار مخاطبون بفروع الشرائع وبما ال تصح إال به وهو اإلسالم ،لقوله تعالى] :قالوا لم نك من
المصلين[(.))1
ذكر املصنف يف هذا املبحث من يدخل يف أوامر الشرع ونواهيه ومن ال يدخل ،ولو أخر هذا املوضوع
بعد مبحث النهي لكان أحسن.
قوله( :يدخل يف خطاب اهلل تعاىل املؤمنون) املراد خبطاب اهلل :اخلطاب التكليفي املتضمن لطلب الفعل أو
الرتك كقوله تعاىل] :وأقيموا الصالة[( ،)2وقوله تعاىل] :وال تقربوا الزنا[(.)3
واملراد باملؤمنني :املكلفون من ذكر وأنثى ممن آمن باهلل ورسوله .لدخول النساء يف مجع الذكور إذا وجدت
قرينة كما هنا .واملكلف هو البالغ العاقل.
قوله( :والساهي والصيب واجملنون غري داخلني يف اخلطاب) الساهي اسم فاعل من (سها يسهو سهواً فهو
ٍ
ساه) قال يف اللسان( :السهو والسهوة :نسيان الشيء والغفلة عنه .وذهاب القلب إىل غريه .)4(). .
فالساهي يف حال سهوه غري مكلف ألن مقتضى التكليف فهم املكلف ملا كلف به .وهذا ال يتم إال
باالنتباه .وهلذا مل جيب سجود السهو على من سها يف صالته إال بعد التذكر وزوال العذر ،وحينئذ يكون مكلفاً.
وقوله (والصيب) هو اإلنسان من الوالدة إىل أن يفطم ،ويطلق على الصغري دون الغالم(.)5
والصيب غري مكلف سواء كان مميزاً على القول الراجح ،أو غري مميز وهذا باإلمجاع.
وقوله( :واجملنون) هو فاقد العقل .وهو من ال يطابق كالمه وأفعاله كالم وأفعال العقالء(.)6
43
وهو غري مكلف لقوله ( :rرفع القلم عن ثالثة :عن النائم حىت يستيقظ ،وعن الصيب حىت يكرب .ويف رواية
حىت حيتلم ويف رواية :حىت يبلغ .ويف رواية حىت يشب .وعن اجملنون حىت يعقل)(.)7
فجعل الشارع البلوغ عالمة لظهور العقل وفهم اخلطاب ومن ال يفهم ال يصح تكليفه .لعد قصد االمتثال.
فإن قيل :كيف تقولون :إن الصيب واجملنون غري مكلفني مع وجوب الزكاة وأروش اجلنايات وقيم املتلفات
يف ماليهما؟
فاجلواب :أن هذا ليس من خطاب التكليف ،وإمنا هو من خطاب الوضع ،وهو ال يشرتط فيه التكليف
بالبلوغ والعقل .وتوضيحه :أن هذا من باب ربط األحكام بأسباهبا ،مبعىن أن الشرع وضع أسباباً تقتضي أحكاماً
ترتتب عليها حتقيقاً للعدل يف خلقه ورعاية ملصاحل العباد ،فمىت وجد السبب وجد احلكم ،فإذا وجد النصاب
وجبت الزكاة ،سواء كان النصاب لبالغ عاقل أو لصيب أو جملنون ،وكذا نقول إذا وجد اإلتالف وجب الضمان إذا
مل يرض صاحب احلق بإسقاط حقه مهما كان املتلف ،واهلل أعلم.
قوله( :والكفار خماطبون بفروع الشرائع ). .املراد بالفروع األحكام العملية من األوامر كالصالة والزكاة،
والنواهي كالزنا وشرب اخلمر .ولو عرب به املصنف لكان أوىل(.)2
فهذه املسألة فيها خالف بني أهل العلم .وما ذكره املصنف من أهنم خماطبون.
هو القول الراجح لقوة دليله ،وأما كوهنم خماطبني باإلسالم فهذا ال خالف فيه.
قال تعاىل ] :ما سلككم في سقر( )42قالوا لم نك من المصلين( )43ولم نك نطعم المسكين()44
وكنّا نخوض مع الخائضين( )45وكنّا نك ّذب بيوم الدين( )46حتى أتانا اليقين( .)3([ )47وقال تعاىل] :فال
ص ّدق وال صلّى( )31ولكن ك ّذب وتولّى( ،)4([)32ومن األدلة أيضاً التمسك بالعمومات كقوله تعاىل] :وهلل
مسجد[(.)6 على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال[( )5وقوله تعاىل] :يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل
ومع أن الكافر خماطب باألوامر فإنه ال يصح منه فعل املأمور به حال كفره قال تعاىل] :وما منعهم أن تقبل
منهم نفقاتهم إال أنهم كفروا باهلل وبرسوله[( )7فاإلميان شرط لصحة الفعل ،وال يعارض هذا ما تقدم من أهنم
() أخرجه الرتمذي برقم 1423وأبو داود 4403وابن ماجه رقم 2041والنسائي ( )6/156وذكره البخاري تعليقاً يف الطالق واحلدود (12/120 7
44
خماطبون حال كفرهم ،ألن املراد هنا أهنم يعذبون عليها يف اآلخرة زيادة على عذاب الكفر ،واملراد هنا أهنم ال
يطالبون هبا يف الدنيا مع كفرهم وال تنفعهم.
وإذا أسلم الكافر ال يؤمر بقضاء املاضي لقوله تعاىل] :قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد
سلف[(.)1
ولقول النيب rلعمرو بن العاص( :أما علمت يا عمرو أن اإلسالم يهدم ما كان قبله)( )2وألن يف ذلك
ترغيباً له يف اإلسالم ،فإنه إذا علم أنه ال يطالب بقضاء ما ترك فإنه يرغب يف اإلسالم إذ لو كلف بالقضاء لنفر عن
اإلسالم( )3واهلل أعلم.
() ال داعي لإلطالة يف هذه املسألة ألهنا ليست من أصول الفقه .ألن أثر اخلالف فيها إمنا يظهر يف الدار اآلخرة ،حيث يعذب الكافر زيادة على عذاب الكفر، 3
ومسائل أصول الفقه إمنا هي دالئل وقواعد تعرف هبا األحكام والتكاليف يف هذه الدار .واخلالف يف هذه املسألة ال يظهر أثره يف الدنيا ،ألن الكافر ال تصح
منه العبادة حال كفره ،وإذا أسلم ال يؤمر بقضاء ما فاته .انظر احملصول ( ،)1413 – 2/2/399املسائل املشرتكة بني أصول الفقه وأصول الدين ص.94
وانظر كالماً ماتعاً للشاطيب – رمحه اهلل – يف إدخال مسائل ليست من األصول يف أصول الفقه يف املوافقات .1/42
45
هل األمر بالشيء نهي عن ضده؟ـ
() استظهر الشنقيطي رمحه اهلل أن هذه املسألة مبنية على قول املتكلمني ومن وافقهم من األصوليني باألمر النفسي وهو املعىن القائم بالذات اجملرد عن الصيغة. 1
وال ريب أنه قول باطل مبين على زعم باطل ،وهو أن كالم اهلل تعاىل جمرد املعىن القائم بالذات فال حروف وال ألفاظ (راجع مذكرة الشنقيطي ص.)27
() سورة األنفال ،آية.45 : 2
46
والنهي عن الشيء يستلزم األمر بضده .ألن النهي عن الشيء طلب لرتكه بالذات ولفعل ما هو من ضرورة
الرتك باللزوم ،فقولك :ال تتحرك يستلزم أمرك بالسكون ،ألن املنهي عنه ال ميكن وجوده مع التلبس بضده واهلل
أعلم(.)4
() انظر جمموع الفتاوى ( )10/531الفوائد البن القيم ص 226مذكرة الشنقيطي ص.28 ،27 4
47
النهـــي
(والنهي :استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب ،ويدل على فساد المنهي عنه،
وترد صيغة األمر والمراد به اإلباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين).
النهي :استدعاء الرتك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب ،وشرح التعريف يستفاد مما تقدم يف شرح
تعريف األمر.
وقوله( :على سبيل الوجوب) أي وجوب الرتك .وهذا القيد إلخراج الصيغة املستعملة يف الكراهة.
وللنهي صيغة واحدة هي املضارع املقرون بال الناهية ،كقوله تعاىل] :وال تقربوا الزنى[( )1وقد يستفاد
حرمت عليكم
النهي بغري هذه الصيغة ،وذلك مثل اجلمل اخلربية اليت وردت بلفظ التحرمي ،كقوله تعاىلِّ ] :
أمهاتكم[( ،)2أو نفي احلل كقوله تعاىل] :يا أيها الذين آمنوا ال يحل لكم أن ترثوا النساء كرها[( ،)3أو لفظ (هنى)
()4
كحديث أيب سعيد رضي اهلل عنه قال( :هنى رسول اهلل rعن صوم يوم الفطر ويوم النحر)
قوله( :على سبيل الوجوب ) . . .اعلم أن صيغة النهي عند اإلطالق والتجرد عن القرينة تقتضي أمرين:
األول :حترمي املنهي عنه ،وهو معىن قول املصنف (على سبيل الوجوب) أي وجوب الرتك ،ومن الزم
وجوب الرتك حترمي املنهي عنه ،وهذا باتفاق األئمة األربعة .واجلمهور على أن النهي يقتضي التكرار والفور ،فإذا
هنى الشرع عن شيء وجبت املبادرة بالرتك وأال يفعل املنهي عنه يف أي وقت من األوقات ،قال تعاىل] :وما آتاكم
الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا[( )5فأمر اهلل تعاىل باالنتهاء عن املنهي عنه .فيكون االنتهاء واجباً .ألن
األمر يقتضي الوجوب كما تقدم.
يقول اإلمام الشافعي رمحه اهلل( :أصل النهي من رسول اهلل rأن كل ما هنى عنه فهو حمرم ،حىت تأيت عنه
داللة تدل على أنه إمنا هنى عنه ملعىن غري التحرمي)(.)6
ومثال ذلك :الصالة إىل القبور فهي حمرمة بدليل النهي الذي ورد يف حديث أيب مرثد الغنوي رضي اهلل عنه
قال :قال رسول اهلل ( :rال تصلوا إىل القبور وال جتلسوا عليها)(.)7
() أخرجه مسلم رقم 972وأبو داود رقم 3229والرتمذي رقم 1050والنسائي (.)2/67 7
48
ومثال جميء النهي لغري التحرمي قوله ( :rال ميسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)( )1فقد ذكر احلافظ ابن
حجر رمحه اهلل يف فتح الباري عن اجلمهور :أن النهي للكراهة ،ألن الذكر بضعة من اإلنسان حلديث (هل هو إال
بضعة منك)(.)2
األمر الثاين مما تقتضيه صيغة النهي :فساد املنهي عنه ،فال تربأ الذمة ،وال يسقط الطلب إن كان عبادة ،وال
يرتتب األثر املقصود من العقد على العقد إذا كان معاملة كما تقدم يف الكالم على الباطل ،والقول بالفساد هو
قول األئمة األربعة وغريهم حلديث عائشة رضي اهلل عنها؛ أن النيب rقال( :من عمل عمالً ليس عليه أمرنا فهو
رد)( ،)3ووجه الداللة منه :أن ما هنى عنه الشرع فليس عليه أمر النيب rفيكون مردوداً ،وما كان مردوداً على فاعله
فكأنه مل يوجد ألنه فاسد.
فالشارع هنى عن الصالة بال طهارة ولغري القبلة وبدون سرت العورة ،وهنى عن بيع الغرر ،وعن بيع ما ال
ميلك ،فإن وقع ذلك حكم بفساده ،وقد ال يقتضي النهي الفساد إذا وجد دليل مثل حديث أيب هريرة رضي اهلل
تصروا اإلبل والغنم فمن ابتاعها بعد فهو خبري النظرين بعد أن حيتلبها إن شاء أمسك وإن
عنه عن النيب rقال" :ال ّ
شاء ردها وصاع متر"( )4فال يدل النهي على أن البيع فاسد بدليل أنه جعل اخليار للمشرتي(.)5
مث ذكر املؤلف أن صيغ األمر تأيت لإلباحة وقد تقدم الكالم على ذلك ،وليس هذا تكراراً ،ألن املقصود
هناك بيان أن الصيغة ال خترج عن الوجوب إال بدليل ،واملراد هنا بني ما استعملت فيه الصيغة من املعاين.
وتأيت للتهديد مثل قوله تعاىل] :قل تمتّعوا فإن مصيركم إلى النار[( )6والقرينة الصارفة إىل التهديد أن ذلك
الوعيد يدل على التهديد.
أو للتسوية كقوله تعاىل] :فاصبروا أو ال تصبروا[( .)7أو للتكوين وهو اإلجياد من العدم بسرعة كقوله
تعاىل] :كونوا قِردة خاسئين[(.)8
واألوىل ذكر هذه املعاين يف الكالم على األمر عند ذكر اإلباحة والندب كما تقدم.
() أخرجه مسلم رقم 1718وأخرجه البخاري تعليقاً يف البيوع وموصوالً يف الصلح ،انظر فتح الباري ( )4/355وأخرجه أبو داود برقم 4606وابن ماجه 3
رقم .14
() رواه البخاري برقم 2041ومسلم برقم 1524وقوله (ال تصروا) :بضم أوله وفتح ثانية بوزن :تزكوا والتصرية :حبس اللنب يف الضرع حىت جيتمع. 4
() انظر فتح الباري ( )4/367ويف طرح التثريب ( )6/78نقل اإلمجاع على أن بيع املصراة صحيح. 5
49
العـــام
(وأما العام فهو ما عم شيئين فصاعداً ،من قولك :عممت زيداً وعمراً بالعطاء .وعممت جميع
الناس بالعطاء وألفاظه أربعة :االسم الواحد المعروف بالالم ،واسم الجمع المعرف بالالم،
واألسماء المبهمة كمن فيمن يعقل ،وما فيما ال يعقل ،وأي في الجميع ،وأين في المكان ،ومتى في
الزمان ،وما في االستفهام والجزاء وغيره ،وال في النكرات كقولك :ال رجل في الدار ،والعموم
من صفات النطق ،وال تجوز دعوى العموم في غيره من الفعل وما يجري مجراه).
اعلم أن البحث يف دالالت األلفاظ من حيث الشمول وعدمه من املباحث األصولية املهمة ،فإن هناك من
األلفاظ ما ال يدل إال يدل إال على فرد معني ،ومنها ما يدل على فرد غري معني ،ومنها ما يدل على أفراد ال حصر
هلا .كل ذلك جاء يف نصوص الكتاب والسنة.
وإذا كان استنباط األحكام الشرعية من األدلة ال يتم إال مبعرفة شروط االستدالل كما تقدم كان لزاماً على
األصويل والفقيه أن يعين بدراسة دالالت األلفاظ ،ويستفيد من قواعدها وضوابطها.
والعام لغة :الشامل.
واصطالحاً :ما عم شيئني فصاعداً.
وقوله :ما :أي لفظ ،وهي جنس يف التعريف تشمل ما يراد تعريفه وغريه.
وقوله :عم شيئني :أي تناول شيئني دفعة واحدة ،وهذا قيد خيرج ما ال يتناول إال واحداً كالعلم مثل زيد،
والنكرة املفردة يف سياق اإلثبات( )1مثل( :رجل) فهو لفظ يصلح لكل واحد من رجال الدنيا لكن بدون استغراق
ومنه قوله تعاىل] :فتحرير رقبة[(.)2
وقوله :فصاعداً :حال حذف عاملها وصاحبها ،أي فذهب املعدود صاعداً عن الشيئني .وهذا قيد إلخراج
املثىن النكرة يف اإلثبات كرجلني.
() قد تفيد النكرة يف سياق اإلثبات العموم كما سيأيت إن شاء اهلل. 1
50
وبقي على التعريف قيد آخر وهو (بال حصر)( )1إلخراج اسم العدد كمائة وألف ،ألهنا تشمل اثنني
فصاعداً ولكنها حبصر ،والعام بال حصر .فاسم العدد والعام كل منهما يدل على الكثرة لكن الكثرة يف العام غري
حمصورة ،ويف العدد حمصورة.
وقوله( :من قولك عممت زيداً وعمراً بالعطاء . .إخل) أي أن العام مأخوذ من قولك( :عممت بالعطاء)
أي مشلت املذكورين ،ففي العام مشول ،أو يكون مثاالً للعام الذي يتناول شيئني ،والعام الذي يتناول مجيع اجلنس(.)2
مث ذكر املصنف أن صيغ العموم أربع .وهذا ليس على سبيل احلصر ،ألهنا أكثر من ذلك ،وإمنا حصرها
بأربع مراعاة للطالب املبتدئ .وصيغ العموم كما يلي:
)1االسم الواحد املعرف باأللف والالم .واملراد بالواحد املفرد ،واملراد باأللف والالم (أل) االستغراقية فإن
مدخوهلا عام ،وعالمتها صحة وقوع (كل ) موقعها كقوله تعاىل] :إن اإلنسان لفي خسر( )2إال الذين
ءامنوا[( )3فهذا عام بدليل االستثناء.
)2اسم اجلمع املعرف بالالم اليت ليست للعهد .واملراد اجلمع باملعىن اللغوي ،وهو اللفظ الدال على مجاعة
فيشمل اجلمع وهو ماله مفرده ،واسم اجلمع وهو ما ليس له مفرد من لفظه ،واسم اجلنس اجلمعي .فاألول
كقوله تعاىل] :قد أفلح المؤمنون( )4([)1وقوله تعاىل] :وإذا بلغ األطفال منكم الحلم فليستئذنوا[(.)5
والثاين مثل كلمة (النساء) يف قوله تعاىل] :الرجال قوامون على النساء[( .)6والثالث :اسم اجلنس اجلمعي
وهو ما يدل على أكثر من اثنني ،ويفرق بينه وبني مفرده بالتاء كقوله تعاىل] :إن البقر تشابه علينا[
()7
ومفرد بقرة ،أو بالياء كقوله تعاىل] :غلبت الروم( )8([)2ومفرده رومي.
عاماً كقوله تعاىل] :إذ قال ربُّك
عاماً إذا كان املعهود ّ
رومي .وأما املعرف بأل العهدية فيكون ّ
سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين()72
للمالئكة إني خالق بشراً من طين( )71فإذا ّ
51
خاصا فاملعرف خاص كقوله تعاىل] :كما
فسجد المالئكة كلهم أجمعون)( [)73فإن كان املعهود ّ
()1
( ) أخرجه البخاري رمث 5311ومسلم رقم 2065عن أم سلمة رضي اهلل عنها. 5
52
وقوله( :وأين يف املكان ،ومىت يف الزمان) :أي أن (أين) تكون استفهامية للسؤال عن املكان كما
تقدم ،وتأيت شرطية كقوله تعاىل] :أينما تكونوا يدرككم الموت[(( )1ومىت) تأيت استفهامية كقوله
تعاىل] :متى نصر اهلل[()2؟ وشرطية حنو :مىت تسافر أسافر.
وقوله( :وما يف االستفهام واجلزاء وغريه) :أي أن (ما) تأيت استفهامية وتأيت للجزاء أي :الشرط،
وتقدم مثاهلما .ويف بعض نسخ الورقات (واخلرب) بدل (واجلزاء) واملراد هبا املوصولة وتقدم مثاهلا أيضاً.
وقول املصنف (وغريه) أي غري املذكور الذي هو االستفهام واجلزاء على نسختنا ،واالستفهام واخلرب
على النسخة الثانية وذلك كاخلرب على النسخة األوىل ،واجلزاء على الثانية.
)4النوع الرابع من صيغ العموم :ال .يف النكرات ،واملراد أن (ال) املركبة مع النكرة تفيد العموم كقوله تعاىل:
]فال رفث وال فسوق وال جدال في الحج[( .)3فالنكرة يف سياق النفي تفيد العموم ،وكذا يف سياق النهي
أو الشرط أو االستفهام اإلنكاري كقوله تعاىل] :فال تدعوا مع اهلل أحدا( )4([)18وقوله تعاىل] :وإن أحد
من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كالم اهلل[( )5وقوله تعـاىل] :من إله غير اهلل يأتيكم
ٍ
بضياء[(.)6
وبقي صيغ أخرى مل يتعرض هلا املصنف ومنها:
لفظ :كل .وهي من أقوى صيغ العموم ،ألهنا تشمل العاقل وغريه ،املذكر واملؤنث ،املفرد )1
كل نفس ذائقة الموت[( )7وقال ( :rكل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو
واملثىن واجلمع .قال تعاىلُّ ] :
موبقها(.)8
ويلحق (بكل) ما دل على العموم مبادته مثل مجيع ومعشر ومعاشر وعامة كافة وحنوها.
53
املضاف ملعرفة ،سواء كان مفرداً أو مجعاً كقوله تعاىل] :وإن تع ّدوا نعمت اهلل ال )2
تحصوها[( )1وقوله تعاىل] :يوصيكم اهلل في أوالدكم[(.)2
النكرة يف سياق االمتنان كقوله تعاىل] :وأنزلنا من السماء ماء طهورا( )3([)48ألن )3
ورمان(.)4([)68
العموم يتناسب مع االمتنان وكقوله تعاىل] : :فيهما فاكهة ونخل ّ
النكرة يف سياق اإلثبات تفيد العموم بدليل قوله تعاىل] :علمت نفس ما أحضرت()14 )4
كل نفس ّما أسلفت[(.)6
[( )5والدليل قوله تعاىل] :هنالك تبلوا ُّ
وقوله( :والعموم من صفات النطق) :النطق مصدر مبعىن اسم املفعول ،أي :املنطوق .واملنطوق هو اللفظ
ألنه ينطق به الشتماله على احلروف .فالعموم من صفات األلفاظ .فيقال :لفظ عام .ألن العام له صيغ تستعمل يف
العموم ال يستفاد بدوهنا – كما تقدم يف األمثلة – فإذا وردت الصيغة جمردة عن القرائن دلت على استغراق
اجلنس ،فالعموم من مفهوم لسان العرب .هذا مذهب السلف من صدر هذه األمة .ومن تابعهم ممن بعدهم .فكانوا
يستدلون وحيتجون بنصوص العموم .فيوافق املخالف منهم على صحة االستدالل .ولنذكر مثالني لذلك:
األول :عن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال :ملا نزلت ]ولم يلبسوا إيمانهم بظلم[( )7قال أصحاب
النيب :rوأينا مل يظلم .فنـزلت ]إن الشرك لظلم عظيم( )9( ،)8([)13ففهم الصحابة رضي اهلل عنهم العموم يف اآلية
إما من االسم املوصول ]والذين آمنوا[ أو من النكرة يف سياق النفي ]يظلم[ ومل ينكر عليهم النيب rذلك الفهم.
بل جاء البيان أن املراد بالظلم الشرك( .)10قال يف فتح الباري( :وفيه احلمل على العموم حىت يرد دليل اخلصوص)(.)11
54
جر ثوبه خيالء مل ينظر اهلل إليه
املثال الثاين :ما رواه ابن عمر رضي اهلل عنهما قال :قال رسول اهلل ( :rمن ّ
يوم القيامة .فقالت أم سلمة رضي اهلل عنها :فكيف تصنع النساء بذيوهلن؟ قال :يرخينه شرباً .فقالت :إذن تنكشف
أقدامهن :قال :فريخينه ذراعاً وال يزدن عليه)(.)1
(م ْن) العموم ،وأقرها النيب rومل ينكر ذلك عليها ،بل بني هلا
ففهمت أم سلمة رضي اهلل عنها من لفظ َ
(م ْن) تفيد العموم بدون قرينة .ألن العموم من صفات األلفاظ)(.)2
حكم النساء .فهذا دليل على أن لفظة َ
وقوله( :وال جيوز دعوى العموم يف غريه من الفعل وما جيري جمراه) الضمري يف قوله( :غريه) يعود إىل النطق
.وقوله ( :من الفعل )بيان للغري ،واملعىن أن الفعل ليس من صيغ العموم .وهذا يراد به الفعل املثبت حنو :واهلل
آلكلن طعاماً .فإذا أكل طعاماً واحداً ًّبر بيمينه .أما الفعل يف سياق النفي فهو من صيغ العموم ،فإذا حلف ال يبيع
ّ
وسر الفرق بني النوعني هو أن الفعل ينحل عن مصدر وزمن .فاملصدر كامن يف معناه إمجاعاً.
حنث بأي بيع كانّ ،
فإن كان مثبتاً فاملصدر مثبت .والنكرة يف سياق اإلثبات ال تعم إال يف مقام االمتنان كما تقدم .وإن كان منفيّا
فاملصدر منفي ،والنكرة يف سياق النفي تعم كما مضى ،ومثال الفعل املثبت قول بالل رضي اهلل عنه (صلى رسول
اهلل rداخل الكعبة)( ،)3فهذا ال يعم الفرض والنفل ،إذ ال يتصور أن هذه الصالة فرض ونفل معاً .ومثال الفعل
املنفي قوله تعاىل] :وأخرى لم تقدروا عليها[( )4أي ال قدرة لكم عليها .فهو نفي جلميع أنواع القدرة(.)5
واملراد بقوله( :وما جيري جمراه) كالقضايا املعينة مثل حديث أيب رافع رضي اهلل عنه قال( :قضى رسول اهلل
rبالشفعة للجار)(.)6
فهذا ال يعم كل جار ،الحتمال اخلصوصية يف ذلك اجلار .والراوي نقل صيغة العموم لظنه عموم احلكم،
هكذا مثل شراح الورقات ،وهو رأي أكثر األصوليني.
ويرى آخرون ومنهم ابن احلاجب والعضد واآلمدي والشوكاين أن هذا يعم كل جار ،ألن الصحايب
الراوي عدل عارف باللغة ،فال ينقل صيغة العموم وهي كلمة (اجلار) املعرفة بالم اجلنس إال إذا علم أو ظن العموم.
() أخرجه البخاري ( )10/258ومسلم ( )14/304دون قوله( :فقالت ). .وأخرجه الرتمذي بتمامه ( )5/406والنسائي ( )8/209وإسناده صحيح. 1
55
()1
ومثل هذا يفيد العموم ،ألن الالم غالباً لالستغراق فحملها على الالم العهدية خالف الظاهر وخالف الغالب
وهذا هو الراجح.
خاصا يف غاية الوضوح)( ،)2وألنه مؤيد
قال الشوكاين( :فرجحان عمومه وضعف دعوى احتمال كونه ّ
بعموم الشريعة لكل الناس .والنيب rإذا حكم بقضاء يف واقعة معينة ،مث حدث لنا مثلها وجب إحلاقها هبا ،ألن
حكم املثلني واحد ،وهو إحلاق باللفظ ال بالقياس ،واهلل أعلم.
() انظر اإلحكام لآلمدي ( )2/274شرح العضد على خمتصر ابن احلاجب ( ،)2/119إرشاد الفحول للشوكاين ص( ،)125شرح الكوكب املنري ()3/231 1
56
الخـــاص
(والخ اص يقابل الع ام .والتخص يص :تمي يز بعض الجمل ة .وهو ينقسم إلى :متصل ومنفص ل،
فالمتصل :االستثناء والشرط ،والتقييد بالصفة).
ملا فرغ من العام ذكر اخلاص ألن العام يدخله التخصيص ،وألن العام قد يطلق ويراد به اخلاص ،وقد ذكر
أن اخلاص يقابل العام.
فاخلاص لغة :لفظ يدل على االنفراد وقطع االشرتاك يقال :خص فالن بكذا .انفرد به فلم يشاركه فيه
غريه .واخلاصة ضد العامة.
واصطالحاً :اللفظ الدال على حمصور.
فهو يقابل العام ،فإذا كان العام هو اللفظ الشامل جلميع أفراده بال حصر .فاخلاص يدل على احلصر :إما
بشخص كاألعالم مثل :جاء حممد .أو اإلشارة حنو :هذا خملص يف عمله .أو بعدد كأمساء األعداد حنو :عندي
عشرون كتاباً.
قوله( :والتخصيص ،متييز بعض اجلملة) عرف التخصيص ألنه هو املقصود هبذا البحث .والتخصيص :لغة:
اإلفراد ،واصطالحا :متييز بعض اجلملة .فالتمييز مبعىن اإلخراج .واملراد باجلملة :العام .فكأنه قال :إخراج بعض
العام.
وقيل :التخصيص :إخراج بعض أفراد العام .أي جعل احلكم الثابت للعام مقصوراً على بعض أفراده
بإخراج البعض اآلخر عنه .وهذا التعريف أوضح فإذا قلت :حضر الضيوف إال خالداً .فإن (خالداً) فرد من أفراد
العام .وقد أخرج عن حكم العام فلم يثبت له احلضور ،وهذا اإلخراج بواسطة االستثناء .والعام إذا دخله
التخصيص يسمى العام املخصوص أو املخصص ،والدليل الذي حصل به اإلخراج يسمى (املخصص) بزنة اسم
الفاعل وهو املراد عند األصوليني ،ويطلق املخصص أيضاً على فاعل التخصيص وهو الشارع.
املخصص املفهوم من التخصيص فهو نوعان:
ّ قوله( :وهو ينقسم إىل متصل ومنفصل) الضمري يعود على
واملخصص يف نص واحد:
ّ متصل :وهو الذي ال يستقل بنفسه ،بل يكون العام )1
حج البيت من استطاع إليه سبيال[( ،)1فقوله (من استطاع) بدل
كقوله تعاىل] :وهلل على الناس ُّ
خاصا باملستطيع ،وقوله rعن ربه (كل عمل ابن آدم له إال الصوم)(.)2
من الناس ،فيكون وجوب احلج ّ
() سورة آل عمران ،آية.97 : 1
57
منفصل :وهو الذي يستقل بنفسه بأن يكون العام يف نص ،واملخصص يف نص آخر ،كقوله تعاىل: )2
]يوصيكم اهلل في أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيين[( .)1خص بقوله ( :rال يرث املسلم الكافر ،وال
الكافر املسلم)(.)2
قوله( :فاملتصل االستثناء والشرط والصفة) أي أن املخصص املتصل هو االستثناء حنو :هذا وقف على
أوالدي إال الغين ،والشرط حنو :إن قدم بكر فأكرمه ،والصفة حنو :أكرم العلماء العاملني ،وسنفصل القول يف ذلك
إن شاء اهلل.
58
المخصـــصـ المتصـــل
)1االستثناء
(واالستثناء :إخراج ما لواله لدخل في الكالم .وإ نما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه
شيء ،ومن شرطه :أن يكون متصالً بالكالم .ويجوز تقديم االستثناء على المستثنى منه ،ويجوز
االستثناء من الجنس ومن غيره).
هذا النوع األول من املخصص املتصل وهو االستثناء ،وهو لغة :مأخوذ من الثين أي العطف والصرف.
تقول :ثنيت احلبل أثنيه :إذا عطفت بعضه على بعض .وتقول :ثنيته عن الشيء :إذا صرفته عنه.
واصطالحاً :إخراج ما لواله لدخل يف الكالم ،بإال أو إحدى أخواهتا.
حرم حالالً أو أحل حراماً ،واملسلمون على شروطهم إال
كقوله ( :rالصلح جائز بني املسلمني إال صلحاً ّ
حرم حالالً أو أحل حراماً)(.)1
شرطاً ّ
وقوله( :إخراج) :املراد باإلخراج :الطرح بإسقاط ما بعد أداة االستثناء من املعىن الذي قبلها .فيخالف ما
بعدها ما قبلها فيما تقرر من حكم مثبت أو منفي.
وقوله( :ما لواله) الضمري عائد على اإلخراج أي لوال ذلك اإلخراج موجود.
وقوله( :لدخل يف الكالم) أي لدخل ذلك املخرج يف حكم الكالم السابق ،حنو :جاء القوم إال زيداً .فلوال
االستثناء لدخل (زيد) يف حكم الكالم السابق وصدق عليه اجمليء.
وقولنا :بإال أو إحدى أخواهتا :هذا قيد إلخراج املخصصات املتصلة األخرى كالشرط والصفة ،ألن
تعريف املصنف يصدق عليها ،ولعل املؤلف سكت عن هذا القيد لظهوره واهلل أعلم.
واعلم أن املعىن اللغوي لالستثناء متحقق يف املعىن االصطالحي ،ألن املستثىن معطوف عليه بإخراجه من
حكم املستثىن منه ،أو ألنه مصروف عن حكم املستثىن منه.
واالستثناء له شروط منها:
أن يبقى من املستثىن منه شيء .كأن يقول :له علي عشرة إال مخسة .فيلزمه مخسة ،فإن قال :له )1
علي عشرة إال عشرة ،بطل االستثناء باإلمجاع ،كما نقله الرازي يف احملصول وابن احلاجب يف خمتصر
() أخرجه الرتمذي رقم 1352بتمامه ،وأبو داود على قوله (على شروطهم) رقم 3594وهو حديث صحيح بشواهده. 1
59
املنتهى إلفضائه إىل العبث ،وكونه نقضاً كليّاً للكالم إال يف قول شاذ ،وإذا بطل االستثناء لزمته العشرة
كلها.
أما إذا استثىن األكثر كأن يقول :له علي عشرة إال ستة .ففيه خالف فأكثر األصوليني على اجلواز
ورجحه الشوكاين ،ومنعه آخرون منهم اإلمام أمحد وأصحابه ،وهو قول للشافعي( )1وهذا اخلالف فيما إذا
كان االستثناء من عدد.
أما إذا كان االستثناء من صفة فيصح استثناء األكثر أو الكل .ومنه قوله تعاىل إلبليس] :إ ّن عبادي
ليس لك عليهم سلطان إال من اتّبعك من الغاوين( )2([)42فاستثىن الغاوين وهم أكثر من غريهم بدليل
قوله تعاىل] :وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين( )3([)103ولو قال :أعط من يف البيت إال األغنياء.
فتبني أن اجلميع أغنياء صح االستثناء ومل يعطوا شيئاً.
أما استثناء أقل من النصف فهو جائز باإلمجاع ،نقله الشوكاين يف اإلرشاد( ،)4وأما استثناء النصف
ففيه اخلالف والصحيح ،اجلواز كاملثال املتقدم وهو قول اجلمهور من الشافعية واملالكية واحلنفية ،والراجح
عند احلنابلة.
الشرط الثاين من شروط االستثناء أن يكون متصالً بالكالم :إما حقيقة أو حكماً ،فاألول أن )2
يكون املستثىن عقب املستثىن منه مباشرة بأن يقول :اعتق عبيدي إال سعيداً .والثاين أن حيصل فاصل
اضطراري كالعطاس والسعال وحنومها فيحكم له باالتصال ويصح االستثناء.
وعلى هذا فإن حصل فاصل بينهما من سكوت أو كالم بطل االستثناء عند اجلمهور ،وقيل يصح
مع السكوت أو الفاصل إذا كان الكالم واحداً ،واستدل هؤالء حبديث ابن عباس رضي اهلل عنهما .أن
النيب rقال يوم فتح مكة( :إن هذا البلد حرمه اهلل يوم خلق السموات واألرض ال يعضد شوكه وال خيتلى
خاله .فقال العباس يا رسول اهلل :إال األذخر ،فإنه لقينهم وبيوهتم .فقال :إال األذخر)( )5وهذا قوله وجيه
لقوة دليله كما ترى.
60
قوله( :وجيوز تقدمي االستثناء على املستثىن منه) أي لوقوعه يف كالم العرب وغرض املصنف بيان
أنه ال يشرتط يف صحة االستثناء تأخري املستثىن عن املستثىن منه يف اللفظ ،بل جيوز تقدميه وهو قول
اجلمهور .ومنه قوله ( :rإين – واهلل – إن شاء اهلل ال أحلف على ميني فأرى غريها خرياً منها إال كفرت
عن مييين وأتيت الذي هو خري)( ،)1هكذا ميثل بعض األصوليني وليس فيه استثناء باملعىن املتقدم ،ولعله مبين
املسودة (يف أصول الفقه من أن االشرتاط باملشيئة هو استثناء يف كالم النيب rوالصحابة،
على ما جاء يف ّ
وليس استثناء يف العرف النحوى)( )2ا هـ.
وقد بوب البخاري رمحه اهلل يف صحيحه يف كتاب األميان والنذور فقال( :باب االستثناء يف األميان) مث أورد
احلديث :فاالستثناء عند الفقهاء أعم ،ومنه :لك هذا املنـزل ويل هذه الغرفة.
قوله( :وجيوز االستثناء من اجلنس ومن غريه) االستثناء من اجلنس هو االستثناء املتصل حنو :قام القوم إال
علي ألف دينار إال
زيداً .وهو من املخصصات .واالستثناء من غري اجلنس هو املنقطع حنو :جاء القوم إال فرساً .وله ّ
ثوباً .فيصح االستثناء وتسقط قيمة الثوب من األلف على القول بصحة االستثناء املنقطع.
ووجه اشرتاط كون املستثىن من جنس املستثىن منه ،ألن االستثناء إخراج بعض ما دخل يف املستثىن منه،
وغري جنسه مل يدخل حىت حيتاج إىل إخراج .وال خالف يف جواز االستثناء من اجلنس.
وأما من غري جنسه فاكثر األصوليني على جوازه لوروده يف القرآن الكرمي ويف كالم العرب .قال تعاىل] :يا
أيها الذين ءامنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن تراض منكم[( )3وقال تعاىل] :ال
يسمعون فيها لغواً إال سالما[( )4وقال الراجز:
إال اليعـافيـر وإال العيـس وبلـدة ليـس بها أنيـس
واليعافري :وهي أوالد بقر الوحش .والعيس وهي اإلبل البيض خيالط بياضها شيء من الشقرة .ليس واحد
منها من جنس األنيس . .
61
والقول باجلواز هو الصحيح لقوة مأخذه ،وهو قول أكثر الشافعية واملالكية وبعض احلنابلة .وأما الصحيح
من الروايتني عند اإلمام أمحد رمحه اهلل فهو القول باملنع ،واختار الغزايل( )1وقال اآلمدي (ومنع منه األكثرون)(.)2
علي ألف دينار ثوباً .على القول باجلواز تسقط قيمة الثوب من األلف كما تقدم.
وعلى هذا فقوله :له ّ
وعلى القول بعدم صحة االستثناء املنقطع يكون قوله :إال ثوباً .لغواً وتلزمه األلف كاملة .جاء يف خمتصر اخلرقي:
(ومن أقر بشيء واستثىن من غري جنسه كان استثناؤه باطالً( ). . )3واهلل أعلم.
62
)2الشـــرطـ
63
المطلـق والمقيـدـ
(والمقيد بالصفة يحمل عليه المطلق ،كالرقبة قيدت باإليمان في بعض المواضع ،وأطلقت في
بعض المواضع ،فيحمل المطلق على المقيد).
هنا حبثان:
األول :يف املخصص الثالث وهو الصفة .الثاين :يف املطلق واملقيد.
أما األول :فاملراد بالصفة واملخصصة للعام :الصفة املعنوية وليس النعت املذكور يف علم النحو.
وهي :ما أشعر مبعىن يتصف به بعض أفراد العام من نعت أو بدل أو حال(.)1
فمثال النعت :هذا وقف على أوالدي احملتاجني.ومنه قوله ( :rمن باع خنالً مؤبراً فثمرهتا للبائع إال أن
يشرتط املبتاع)(.)2
فقوله (مؤبراً) صفة للنخل .ومفهومها أن النخل إن مل تؤبر فثمرهتا للمشرتي .ومثال البدل :هذا وقف على
أوالدي احملتاجني منهم ،ومنه قوله تعاىل] :وهلل على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال[( )3فقوله ]من
استطاع[ بدل من ]الناس[ فيكون وجوب احلج على املستطيع منهم.
ومثال احلال :قوله تعاىل يف جزاء الصيد] :ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم[(.)4
فقوله (متعمداً) حال من املضمر املرفوع يف (قتله) وهو يدل على أن اجلزاء خاص بالعامد دون املخطئ
والناسي ،وهذا على أحد القولني يف املسألة وهو األظهر إن شاء اهلل ،واهلل أعلم.
أما املبحث الثاين فهو :يف املطلق واملقيد ،وإمنا ذكره هنا ألن املطلق شبيه بالعام واملقيد شبيه باخلاص ،لكن
عموم العام مشويل وعموم املطلق بديل على املشهور .فإذا قيل :أكرم الطالب .فاملراد الشمول فهذا عام .وإذا قيل:
أكرم طالباً .فهذا فيه عموم من جهة أنه ال خيص فرداً بعينه بل هو شائع يف مجيع األفراد ،لكن ال يتناوله احلكم إال
على سبيل البدل ال اجلمع .فإذا أكرم زيد – مثالً – مل يكرم غريه.
دل على شائع يف جنسه بال قيد. واملطلق لغة :ما خال من القيد .واصطالحاً :ما ّ
فقولنا( :ما) أي لفظ .وهذا يشمل املطلق واملقيد وقولنا (على شائع يف جنسه) خيرج العلم كزيد .والعام
ألنه يستغرق مجيع أفراد اجلنس ال على أنه شائع فقط ،وقولنا :بال قيد :خيرج املقيد.
() أخرجه البخاري رقم 2090ومسلم رقم ،1543وأخرجه أصحاب السنن عن عبد اهلل ابن عمر رضي اهلل عنهما .والتأبري :تلقيح النخل .بوضع شيء من 2
64
وأكثر مواضع املطلق النكرة يف سياق اإلثبات حنو :أكرم طالباً .ومنه قوله تعاىل] :والذين يظهرون من
نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا[(.)5
واملقيد لغة :ما وضع فيه قيد من إنسان أو حيوان.
واصطالحاً :ما دل على شائع يف جنسه مقيد بصفة من الصفات .حنو :أكرم طالباً مهذباً فـ (طالباً) فرد
شائع يف جنس الطالب .قيد هنا مبا يقلل شيوعه .فاملقيد هو مطلق حلقه قيد أخرجه عن اإلطالق إىل التقييد.
واعلم أن األلفاظ يف هذا الباب ثالثة أقسام:
األول :ما جاء بال قيد .فهذا جيب العمل به على إطالقه .كقوله تعاىل] :وأمهات نسائكم[ فهذا نص
مطلق مل يقيد بالدخول فيعمل به على إطالقه ،فتحرم أم الزوجة مبجرد العقد على بنتها ،سواء دخل هبا أم مل
يدخل(.)2
الثاين :ما جاء مقيداً فيلزم العمل مبوجب القيد الوارد فيه وال يصح إلغاؤه ،كقوله تعاىل يف كفارة الظهار ]
فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا[ فورد الصيام مقيداً بالتتابع وبكونه قبل التماس
واالستمتاع ،فيعمل به على تقييده هبذين القيدين(.)3
الثالث :أن يرد اللفظ مطلقاً يف نص ومقيداً يف نص آخر ،فيحمل املطلق على املقيد ،ومعىن محل املطلق
عليه أن يقيد املطلق بقيد املقيد .وذلك إذا كان احلكم واحداً .ومثاله :ما ذكره املصنف من أن الرقبة قيدت باإلميان
]فتحرير رقبة يف كفارة القتل يف قوله تعاىل] :فتحرير رقبة مؤمنة[( )4وأطلقت يف كفارة الظهار يف قوله تعاىل:
من قبل أن يتماسا[( )5واحلكم واحد وهو حترير رقبة ،فيحمل املطلق على املقيد ،ويشرتط اإلميان يف كفارة الظهار
على أحد القولني يف املسألة.
فإن اختلف احلكم عمل بكل منهما على ما ورد عليه من إطالق أو تقييد .ومثاله :آية الوضوء قيدت فيها
األيدي إىل املرافق ،كما قال تعاىل] :فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق[( )6ويف آية التيمم جاءت مطلقة،
قال تعاىل] :فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه[( )7واحلكم خمتلف ألنه يف الوضوء غسل ،ويف التيمم مسح .فال
حيمل املطلق على املقيد عند اجلمهور ،وقد دلت السنة على أن املسح يف التيمم للكفني ،واهلل أعلم.
هذا وللمطلق واملقيد أحوال أخرى وقع فيها اخلالف أيضاً جتدها يف املطوالت.
() لشيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل رساله يف هذا املوضوع انظرها يف جمموع الفتاوى (.)19/235 3
65
المخصص المنفصل
(ويجوز تخصيص الكتاب بالكتاب ،وتخصيص الكتاب بالسنة ،وتخصيص السنة بالكتاب،
وتخصيص السنة بالسنة ،وتخصيص النطق بالقياس ،ونعني بالنطق قول اهلل تعالى وقول الرسول
.) r
ملا ف رغ من املخصص املتصل وذكر املطلق واملقيد ض مناً ش رع يف بي ان املخصص املنفص ل ،وهو ال ذي
يستقل بنفسه كما تقدم ،واملخصص املنفصل ثالثة:
احلس :واملراد به املشاهدة واإلدراك باحلواس ومثاله :قوله تعاىل عن ريح عاد] :تدمر كل شيء بأمر ربها[
()1
)1
فاآلية عامة دخلها التخصيص باحلس حيث دل على أن الريح مل تدمر السموات واألرض واجلبال.
العقل :ومثاله قوله تعاىل] :اهلل خالق كل شيء[( )2فإن العقل دل على أن ذات اهلل تعاىل غري خملوقة مع أن )2
لفظ شيء يتناوله سبحانه ،قال تعاىل] :كل شيء هالك إال وجهه[( )3وقال تعاىل] :قل أي شيء أكبر
شهادة قل اهلل[(.)4
ومنع بعض العلماء أن يكون هذا وما قبله من باب التخصيص ،وهو إخراج بعض أفراد العام،
وقالوا :إن ذلك من باب العام الذي أريد اخلاص ،وهو أن يكون املخصوص غري مراد عند املتكلم وال
املخاطب ،مبعىن أنه غري داخل يف العام أصالً حبيث حيتاج إىل إخراج.
على أن بعضهم قال :إن التخصيص قد يفهم من قوله تعاىل] :بأمر ربها[( )5وقوله تعاىل] :ما تذر
من شيء أتت عليه إال جعلته كالرميم[( ،)6واهلل أعلم.
الشرع :وهذا هو الذي بينه املصنف ،وهو املراد يف أصول الفقه .وحتته قسمان: )3
األول :تخصيص الكتاب .واملخصص له أربعة :كتاب مثله ،أو سنة ،أو إمجاع ،أو قياس.
)1ختصيص الكتاب بالكتاب :أي ختصيص بعض آياته العامة ببعض آخر.
وقوله (جيوز) أي بدليل وقوعه .ومثاله قوله تعاىل] :والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثالثة قروء[
()7
فهذه اآلية عامة يف املدخول هبا وغري املدخول هبا ،فخصت بقوله تعاىل] :يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم
66
المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها[( )1فخرجت غري
املدخول هبا من عموم اآلية األوىل فال عدة عليها هلذه اآلية.
ختصيص الكتاب بالسنة :ومثاله :قوله تعاىل] :وأحل لكم ما ورآء ذلكم[( .)2خص حبديث( :ال )2
تنكح املرأة على عمتها وال على خالتها)(.)3
ختصيص الكتاب باإلمجاع :وهذا مل يذكره املصنف وإمنا كان اإلمجاع خمصصاً ألنه مبثابة نص قاطع )3
شرعي .أما العام فهو ظاهر ظين عند اجلمهور ،فيقدم القاطع .قال ابن بدران (واحلق أن التخصيص يكون
بدليل اإلمجاع ال باإلمجاع نفسه)( )4ومثلوه بقوله تعاىل] :والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة
شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة[( )5فاآلية عامة يف احلر والرقيق ،فخصت باإلمجاع على أن العبد القاذف
جيلد على النصف من احلر.
ولكن هذا التمثيل فيه نظر ،ألنه ثبت اخلالف يف املسألة فقد ذكر القرطيب( )6رمحه اهلل .أن من أهل
العلم من يرى أنه جيلد مثانني كاحلر ،ومنهم ابن مسعود رضي اهلل عنه وعمر بن عبد العزيز رمحه اهلل ،وإذا
ثبت اخلالف فال إمجاع .وألنه قد يكون املخصص لآلية هو القياس ،ومن األمثلة :قوله تعاىل] :يا أيها
الذين ءامنوا إذا نودي للصالة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اهلل[ فإهنم أمجعوا على أنه ال مجعة على
عبد وال امرأة(.)7
ختصيص الكتاب بالقياس :ومثاله قوله تعاىل ]الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة[( )8فإن )4
عموم الزانية خص بالكتاب وهو قوله تعاىل] :فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من
العذاب[( )9فيقاس العبد الزاين على األمة يف تنصيف العذاب واالقتصار على مخسني جلدة على املشهور.
القسم الثاني :تخصيص السنة .واملخصص هلا كتاب أو سنة مثلها أو قياس.
)1ختصيص السنة بالكتاب :ومثاله قوله ( :rأمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا :ال إله إال اهلل)( )10خص بقوله
تعاىل] :حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون[(.)11
() سورة األحزاب ،آية.49 : 1
67
)2ختصيص السنة بالسنة :ومثاله قوله ( :rفيما سقت السماء العشر)( )1فهذا عام يف القليل والكثري .خص
بقوله ( :rليس فيما دون مخسة أوسق صدقة)(.)2
)3ختصيص السنة بالقياس :ومثاله قوله ( :rالبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام)( )3فخص من احلديث العبد
قياساً على األمة اليت ثبت تنصيف احلد عليها بالقرآن كما تقدم .فيجلد العبد مخسني جلدة كما ذكرنا يف
ختصيص الكتاب بالقياس.
وختصيص الكتاب والسنة بالقياس هو املراد بقول املصنف (وختصيص النطق بالقياس) مث بني أن
املقصود بالنطق :الكتاب والسنة .وإمنا جاز ختصيص الكتاب والسنة بالقياس ألن القياس يستند إىل نص من
كتاب أو سنة ،فكأن املخصص هو ذلك النص ،فرجع األمر إىل ختصيص الكتاب والسنة مبثلهما واهلل أعلم.
() هذا طرف من حديث صحيح أخرجه البخاري رقم 1412انظر جامع األصول (.)4/611 1
() أخرجه البخاري رقم 1340ومسلم رقم 979وهو طرف من حديث أيب سعيد رضي اهلل عنه. 2
() أخرجه مسلم رقم 1690والرتمذي رقم 1434وأبو داود رقم .4415 3
68
المجــملـ ولمبيــن
(والمجمل ما افتقر إلى البيان .والبيان إخراج الشيء من حيز اإلشكال إلى حيز التجلي .والنص
ماال يحتمل إال معنى واحداً .وقيل :ما تأويله تنزيله ،وهو مشتق من منصة العروس وهو
الكرسي).
اعلم أن اللفظ من حيث الداللة على املعىن له حالتان:
)1أن يدل على معىن واحد .وهذا هو النص كما سيأيت إن شاء اهلل.
)2أن حيتمل معنيني فأكثر .فإن كانا على حد سواء فهذا جممل ،وإن كان أحدمها أظهر من اآلخر وأرجح
فحمله على الراجح هو الظاهر ،ومحله على املرجوح هو املؤول.
واجململ لغة :اجملموع ،ومنه أمجل احلساب إذا مجع وجعل مجلة واحدة ،ويطلق على املبهم من أمجل األمر
أي أهبم .واملبهم أعم من اجململ عموماً مطلقاً ،فكل جممل مبهم ،وليس كل مبهم جممالً .فإذا قلت لشخص:
تصدق هبذا الدرهم على رجل .فهذا فيه إهبام .وليس فيه إمجال ألنه معناه ال إشكال فيه.
واجململ اصطالحاً عرفه بقوله( :ما افتقر إىل بيان) فقوله (ما) أي لفظ (افتقر) أي احتاج إىل بيان إما بقول
أو بفعل ،ألن املراد منه مل يتضح ،وقيل :ما احتمل معنيني أو أكثر ال مزية ألحدمها أو أحدها على اآلخر.
وأسباب اإلمجال ثالثة:
عدم معرفة املراد ،ومن أسبابه االشرتاك يف الداللة :وهذا إما يف املركب أو يف املفرد .فاملركب :وهو ما )1
كان اإلمجال فيه بالنظر إىل املطلوب من الرتكيب كقوله تعاىل] :إال أن يعفون أو يعفوا الذي بيده
عقدة النكاح[( )1الحتمال أن يكون الزوج وأن يكون الويل ،واملفرد إما اسم كقوله تعاىل] :
والمطلقات يتربص بأنفسهن ثالثة قروء[( )2فالقرء مرتدد بني معنيني :الطهر واحليض .ولذا وقع
اخلالف بني العلماء :هل تكون الثالثة قروء هذه حيضات أو أطهاراً؟ وقد يكون املفرد فعالً كقوله
تعاىل] :والليل إذا عسعس[( )3لرتدده بني أقبل وأدبر ،أو حرفاً كقوله تعـاىل] :فتيمموا صعيداً طيبا
فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه[( )4لرتدد (من) بني ابتداء الغاية أي مبدأ املسح من الصعيد الطيب
فال يتعني ما له غبار .أو تكون للتبعيض ،فيتعني الرتاب الذي له غبار يعلق باليد .ولذا وقع اخلالف يف
ذلك ،وال يزول اإلمجال فيما ذكر إال بتعيني املراد.
عدم معرفة الصفة .ويزول اإلمجال ببيان الصفة ،ومثاله قوله تعاىل] :وأقيموا الصالة[( )5فإن صفة إقامة )2
الصالة جمهولة حتتاج إىل بيان ،فحصل بياهنا بالقول والفعل من الرسول .r
69
)3عدم معرفة املقدار .ويزول اإلمجال ببيان املقدار .ومثاله قوله تعاىل] :وءاتوا الزكاة[( )1فإن مقدار الزكاة
حيتاج إىل بيان فحصل بيانه بقول الرسول .r
ومن أنوع اجململ ما أحدثه الشرع من داللة جديدة لبعض األلفاظ حبيث إن السامع اليهتدي إىل معناها بالطلب
والتأمل بل يف االستفسار من قائلها مثل :أتدرون من البخيل ؟ أتدرون من املفلس ؟ هلذا فاجململ باب واسع
ومبحث رحيب عند األصوليني .
واعلم أن اإلمجال وإن كان قد ورد يف الشريعة وأنه نوع من تعبد اهلل تعاىل للعباد ،فإنه مل يبق فيها جممل ،ألن
النيب rقد بني ألمته مجيع شريعته ،كما قال " rلقد تركتم على مثل البيضاء ،ليلها كنهارها ال يزيغ بعدي
عنها إال هالك"( )2ومل يرتك البيان عند احلاجة إليه أبداً .فإن وقع للمجتهد شيء من ذلك فقد يكون لعدم
اطالعه على املبنّي هلذا اإلمجال .فيكون نسبيّاً واهلل أعلم.
قوله( :والبيان إخراج الشيء من حيز اإلشكال إىل حيز التجلي) ملا عرف اجململ .عرف البيان الفتقار اجململ
إليه .وهو لغة :الظهور والوضوح يقال :بان األمر وتبني مبعىن اتضح وانكشف.
وأما يف االصطالح فهو يطلق على التبيني وهو فعل املبني .ويطلق على الدليل الذي حصل به البيان ،ويطلق
على العلم الذي يستفاد من الدليل ،واملصنف جرى على األول وهو األشهر ،فعرفه بأنه إظهار املعىن للمخاطب
وإيضاحه فقال (إخراج الشيء . .إخل).
وهذا التعريف مبين على ما درج عليه أكثر األصوليني حيث خصوا البيان بإيضاح ما فيه خفاء .ومنهم من
يطلقه على كل إيضاح ،سواء تقدمه خفاء أم ال.
وقد انتقد املصنف نفسه هذا التعريف يف كتابه (الربهان)( )3وذلك لورود عبارات ال ينبغي إيداعها التعاريف
مثل :احليز ،وذلك أن التبيني أمر معنوي ،واملعىن ال يوصف باالستقرار يف احليّز ،ألن احليّز هو الفراغ املتوهم الذي
يشغله شيء ،وهو من ألفاظ املتكلمني.
وممن انتقده اآلمدي( )4ألنه غري جامع ،فإن املبنّي ابتداء :الذي مل يسبق بإمجال مثل :مساء ،أرض ،جدار .ال
خاصاً ببيان اجململ كما ذكرنا.
يدخل يف هذا التعريف مع أنه بيان .فيكون التعريف ّ
قوله( :إخراج الشيء) :املراد باإلخراج إظهار معىن املبنّي للمخاطب وإيضاحه ،وهذا على أن البيان يطلق على
فعل املبنّي ،وهو التبيني كما قدمنا.
وقوله( :من حيز اإلشكال) :أي من صفة وحال اإلشكال .واإلشكال :هو خفاء املراد حبيث ال يدرك املقصود
من اللفظ.
قوله( :إىل حيز التجلي) :أي الظهور والوضوح .وذلك يتم ببيان الصفة أو املقدار أو تعيني املراد كما تقدم.
() سورة البقرة ،آية.43 : 1
() رواه أمحد ( )4/126واحلاكم ( )1/96وابن ماجه رقم 43وهو حديث صحيح له شواهد فانظر السنة البن عاصم (.)1/27 2
70
قوله( :والنص ما ال حيتمل إال معىن واحداً) ملا عرف اجململ وعرف البيان ذكر النص ،ألنه هو املبني للمجمل.
وهو لغة :عبارة عن الظهور ،ومنه مسي كرسي العروسة منصة ،لظهورها عليه ،وسيذكر املصنف ذلك.
والنص اصطالحاً عرفه بقوله( :ماال حيتمل إال معىن واحداً) .فقوله( :ما) أي لفظ .وقوله (ال حيتمل إال معىن
واحداً) أي يدل على معىن واحد قطعاً ،وال حيتمل غريه .وهذا هو النص الصريح.
]للذين ومثاله قوله تعاىل] :محمد رسول اهلل[ فاآلية نص صريح يف أن حممداً rرسول اهلل .وقوله تعاىل:
يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر[( )1فاآلية نص يف قدرة مدة الرتبص.
قال القاضي أبو يعلى( :والصحيح أن يقال :النص ما كان صرحياً يف حكم األحكام وإن كان اللفظ حمتمالً يف
يعز وجوده ). .والظاهر أن هذا النص غري الصريح،
غريه ،وليس من شرطه أال حيتمل إالمعىن واحداً ،ألن هذا ّ
واهلل أعلم.
ويطلق النص عند الفقهاء على كل ما ورد يف الكتاب والسنة أنه نص ،فيقال لنا النص واملعىن ،ونصوص
الشريعة متضافرة بذلك . .وهو هبذا االصطالح يقابل اإلمجاع والقياس(.)2
وقوله( :وقيل ما تأويله تنـزيله) هذا تعريف آخر للنص.
وقوله( :تأويله) :أي محله على معناه وفهم املراد منه.
(تنـزيله) :أي مبجرد نزوله يفهم معناه ،وال يتوقف فهم املراد على تأويل أي :على تفسري .ألنه ال حيتمل إال
معىن واحداً كما تقدم(.)3
والتعريف األول الذي ذكره املصنف أدق من هذا ،ألنه قد يدخل فيه الظاهر ،ألنه مبجرد مساعه يفهم منه
معناه الظاهر من غري احتياج إىل شيء آخر ،وإن احتمل غريه مرجوحاً.
قوله( :وهو مشتق من منصة العروس وهو الكرسي) يشري بذلك إىل أن النص يف وضوحه يشبه العروس
اجلالسة على مرتفع ال ختفى على أحد .وال حيتمل أن تكون غريها هي ،فكذلك النص يف ظهوره الذي ال حيتمل إال
معىن واحداً.
والظاهر أن املراد بقوله( :وهو مشتق من منصة العروس) االشتقاق املعنوي وهو االرتفاع والظهور .ال
االشتقاق اللغوي .ألن (منصة) بكسر امليم اسم آلة مشتقة من املصدر وهو النص .وليس النص مشتقاً منها .واهلل
أعلم.
() انظر العدة أليب يعلى ( )1/138رسالة يف أصول الفقه للعكربي ص ،105وأصول الفقه للربديسي ص 366شرح تنقيح الفصول ص ،36التأسيس يف 2
71
الظــاهر والمــؤول
(والظاهر ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخر .ويؤول الظاهر بالدليل ،ويسمى الظاهر
بالدليل).
الظاهر لغة :الواضح .وقال بعضهم :لفظه يغين عن تفسريه .واصطالحاً عرفه بقوله( :ما احتمل أمرين
أحدمها أظهر من اآلخر).
فقوله( :ما) :أي لفظ.
وقوله( :احتمل أمرين) :أي معنيني أو أكثر ،ألن الظاهر قد يكون له عدة احتماالت ،هو يف أحدها أظهر.
وهذا خيرج النص ملا تقدم.
وقوله( :أحدمها) :أي أحد املعنيني ،وهو املعىن الذي يتبادر إىل الذهن مبجرد السماع ،وهذا خيرج اجململ
ألنه ال يتبادر فيه واحد من املعنيني.
وقوله( :أظهر من اآلخر) :للظهور أسباب منها:
)1احلقيقة ويقابلها اجملاز .حنو :رأيت أسد .فهو حيتمل أن يكون املراد احليوان املفرتس ،وهو الظاهر ألنه
موضوع له ،وحيتمل الرجل الشجاع ،ومحله عليه تأويل ال يقبل إال بقرينة.
)2االكتفاء وعدم التقدير ،ألن هذا هو األصل ،فقوله تعاىل] :وجاء ربك[( )1ظاهره أن اهلل تعاىل جييء
بنفسه ،وادعاء أن املراد (جاء أمر ربك) تأويل على خالف الظاهر.
)3اإلطالق وعدم التقييد كقوله تعاىل يف كفارة الظهار] :فتحرير رقبة[( )2الظاهر أن الرقبة غري مقيدة
باإلميان ،وتقدم ذلك يف باب املطلق واملقيد.
)4العموم .فألفاظ العموم ظاهرة فيه مع احتمال اخلصوص .ومحلها على اخلصوص تأويل( )3ومن أمثلة
الظاهر ما ورد يف حديث الرباء بن عازب رضي اهلل عنه قال :سئل رسول اهلل rعن الوضوء من حلوم
اإلبل .فقال" :توضأوا منها " . .احلديث(.)4
فإن الظاهر من احلديث أن املراد غسل األعضاء األربعة ،ألن الوضوء حقيقة شرعية حيمل يف كالم الشرع
على مراده ،وال يصح محله على املعىن الثاين وهو النظافة إال بدليل وال دليل ،فيكون ظاهراً يف املعىن األول.
() أخرجه أبو داود رقم 184وغريه وهو حديث صحيح وملسلم مبعناه .انظر صحيح مسلم رقم .360 4
72
قول ه( :وي ؤول الظ اهر بال دليل) :أي يص رف اللفظ عن ظ اهره بال دليل .وه ذا يفيد أن حكم الظ اهر أنه ال
يعدل عنه إال بدليل صحيح يصرفه عن ظاهره ،ويكون الدليل أقوى من الظاهر ،وإال فيجب العمل بالظاهر.
ومحل اللفظ على املعىن الظاهر ال حيتاج إىل دليل ،ألن هذا هو األصل ،وألن العمل بالظاهر طريقة السلف
الصاحل من هذه األمة ،وألنه أحوط وأبرأ للذمة ،وأقوى يف التعبد ،وأدل على االنقياد .فإذا صرف اللفظ عن ظاهره
بدليل صار مؤوالً.
واملؤول لغة :مأخوذ من األول مصدر آل يؤول أوالً :إذا رجع .نقول :آل األمر إىل فالن .أي :رجع إليه.
واصطالحاً :محل اللفظ على املعىن املرجوح.
] أي :ص رف اللفظ عن ظ اهره املتب ادر منه إىل معىن مرج وح غري متب ادر لل ذهن .ومثاله قوله تع اىل:
فقولى إني نذرت للرحمن صوما[( )1فلفظ الصوم يف اآلية حيتمل معنيني :أحدمها وهو الظاهر مبعىن الصوم الشرعي
وهو اإلمساك عن املفطرات .والثاين وهو املرجوح مبعىن اإلمساك عن الكالم .وهذا هو املراد من اآلية بدليل ]فلن
أكلم اليوم إنسيّا[(.)2
وهذا هو التأويل يف اصطالح األصوليني( .)3وهو ال يكون صحيحاً مقبوالً إال بثالثة شروط:
األول :أن يكون اللفظ قابالً للتأويل .بأن يكون املعىن املرجوح مما حيتمله اللفظ .فصرف العام – مثالً –
عن عمومه وإرادة بعض أف راده ب دليل هو تأويل ص حيح ،ألن الع ام حيتمل اخلص وص فقوله تع اىل] :ح ّرمت عليكم
الميتة[( )4نص ظ اهر يف حترمي جلد امليت ة .لكن ص رف ه ذا العم وم عن ظ اهر قوله " :rهال أخ ذمت إهاهبا ف انتفعتم
به"(.)5
فإن كان اللفظ ال حيتمل املعىن املرجوح أصالً فهو تأويل فاسد مردود ،كقوله تع اىل] :الرحمن على الع رش
خاص ا يليق باهلل عز وجل .وهذا وهو املراد .وصرفه إىل استوى[ فإن ظاهره أن اهلل تعاىل عال على العرش ّ
علواً ّ
()6
معىن االستيالء وامللك باطل ،ألنه ال يعرف يف اللغة االستواء مبعىن االستيالء وامللك.
الش رط الث اني :أن يق وم دليل ص حيح على ص حة ص رف اللفظ عن ظ اهره ،إىل املعىن املرج وح ،فال يصح
التأويل مبج رد االحتم ال .ألن األصل العمل بالظ اهر وع دم ص رف ال دليل عن ظ اهره – كما تق دم – فالع ام على
عموم ه .وال يقصر على بعض أف راده إال ب دليل .واملطلق على إطالقة وال يع دل عن إطالقة إىل تقيي ده إال ب دليل.
() ويطلق التأويل على التفسري وهو توضيح الكالم بذكر معناه املراد به ويطلق على مال الكالم إىل حقيقته .فإن كان خرباً فتأويله وقوع املخرب به وإن كان 3
73
وظ اهر األمر الوج وب فال حيمل على الن دب أو غ ريه إال ب دليل .وظ اهر النهي التح رمي فال حيمل على الكراهة –
مثالً – إال بدليل.
فإن مل يوجد دليل أص الً فهو تأويل فاسد مردود ،ألنه دعوى بال برهان ،كقولك :رأيت أسداً .تريد رجالً
شجاعاً.
وه ذا الن وع من التأويل متتلئ به كتب الش يعة والباطني ة .حيث فس روا ألف اظ الق رآن مبا ال حتتمله من ق ريب
وال بعيد .وحرفوها عن مدلوهلا احلقيقي إىل مدلوالت ال وجود هلا إال يف عقول أصحاهبا ،فيفسرون (النور) يف قوله
تعاىل] :فآمنوا باهلل ورسوله والنور الذي أنزلنا )1([. . .بأن املراد :نور األئمة من آل البيت .ويف قوله تعاىل] :ال
تتخ ذوا إلهين اث نين إنما هو إله واح ٌد[( )2ق الوا :يعىن ب ذلك وال تتخ ذوا إم امني إمنا هو إم ام واح د .وغري ذلك
كثري(.)3
ومن التأويل الفاسد املردود تأويل املعطلة يف باب األمساء والصفات ،ألنه تأويل ليس عليه دليل صحيح.
الشرط الثالث :أن يكون هناك موجب للتأويل .بأن يكون ظاهر النص خمالف اً لقاعدة مقررة معلومة من
ال دين بالض رورة ،أو خمالف اً لنص أق وى منه س نداً .ومث ال ذل ك .قوله " :rاجلار أحق بص قبه"( .)4والص قب :الق رب
واملالص قة .وهو املعىن ال راجح .وحيتمل أن املراد الش ريك .وهو املرج وح .فلما ج اء ح ديث "إذا وض عت احلدود
وص ّرفت الط رق فال ش فعة"( )5منع إرادة اجلار املالص ق ،وتعني محل احلديث األول على الش ريك ،ألنه ال ض رب
حلدود وال ص رف لط رق إال يف الش ركة .أما اجلريان فكل على ح دوده ،وطرق ه .فمن محله على الش ريك ق ال :ال
شفعة جلار ،واهلل أعلم.
قوله( :ويسمى الظاهر بالدليل) أي أن املؤول يصري ظاهراً بسبب الدليل ،ألن الظاهر نوعان :ظاهر من جهة
اللفظ ،وظاهر من جهة الدليل ،فهو ظاهر مقيد ،ويفهم منه أن الدليل البد أن يكون قويّاً ليكون املرجوح راجح اً،
ألن ماال يصريه الدليل راجحاً ال يكون ظاهراً .واهلل أعلم.
() انظر (مسألة التقريب بني أهل السنة والشيعة) 1/214للدكتور ناصر القفاري. 3
74
األفعـــالـ
(فعل صاحب الشريعة ال يخلو إما أن يكون على وجه القربة والطاعة أو غير ذلك ،فإن د ّل الدليل
على االختصاص به يحمل على االختصاص ،وإ ن لم يد ّل ال يختص به ،ألن اهلل تعالى يق ول] :لقد
ك ان لكم في رس ول اهلل أس وة حس نة[( )1فيحمل على الوج وب عند بعض أص حابنا .ومن أص حابنا
من قال :يحمل على الندب .ومنهم من قال :يتوقف فيه .فإن كان على غير وجه القربة والطاعة
فيحمل على اإلباحة في حقه وحقنا).
أفع ال الرس ول rمن أقس ام الس نة ،ألن الس نة هي قوله rوفعله وتقري ره .وقد ذكر هنا األفع ال مث اإلق رار
وأما األقوال فذكرها فيما بعد يف باب (األخبار) وكان األوىل باملصنف أن جيمعها يف باب مستقل كما هي طريقة
كثري من األصوليني.
وقد عين األصوليون باألفعال ،وأفردوا فيها مصنفات مستقلة ،ألهنا من أدلة األحكام الشرعية ،وال خالف
يف ذلك.
قوله( :فعل صاحب الشريعة) أي النيب .r
قوله( :ال خيلو إما أن يكون على وجه القربة والطاعة . . .إخل) أي أن األفعال هلا حالتان:
األولى :أن يكون فعلها على وجه القربة والطاعة.
الثانية :أال يكون على وجه القربة والطاعة(.)2
فإن كان على وجه القربة والطاعة فال خيلو من حالني:
األولى :أن يدل دليل على االختصاص به.
الثانية :أال يدل دليل على االختصاص به.
قول ه( :فإن دل ال دليل على االختص اص به حيمل على االختصاص) أي :حيكم باخلصوصية لوجود الدليل،
وليس ألحد أن يفعله مثل ه ،وذلك كزيادته يف النك اح على أربع نس وة لقوله تع اىل] :يا أيها الن بي إنّا أحللنا
أزواجك[( )3وكن أك ثر من أرب ع ،وكالوص ال يف الص وم ،والنك اح بلفظ اهلب ة ،وغري ذلك مما ي دل عليه الق رآن أو
السنة(.)4
() انظر شرح الكوكب املنري ( )1/385وانظر غاية املرام ص.148 2
() انظر كتاب ( غاية السول يف خصائص الرسول ) rالبن امللقِّن. 4
75
قول ه( :وإن مل ي دل ال خيتص ب ه) أي إن مل ي دل ال دليل على أن هذا الفعل خاص به مل حيكم باخلصوصية،
وه ذا هو األصل ،أعين ع دم اخلصوص ية إال ب دليل .ألن األصل التأسي به rلقوله تع اىل] :لقد ك ان لكم يف رس ول
اهلل أسوة حسنة[( )1فيكون هذا النص معموالً به حىت يقوم الدليل املانع ،وهو ما يوجب اخلصوصية.
وقوله تعاىل] :لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة[( )2األسوة :بضم اهلمزة وكسرها لغتان .قرئ هبما
يف الس بعة مبعىن الق دوة .ق ال ابن كثري رمحه اهلل( :ه ذه اآلية الكرمية أصل كبري يف التأسي برس ول اهلل rيف أقواله
وأفعاله وأحواله)(.)3
قول ه( :فيحمل على الوج وب عند بعض أص حابنا . .إخل) أي :ف إذا ك ان الفعل على وجه القربة والطاعة
وال دليل على االختصاص ففيه خالف ،ومثاله ما ورد عن شريح بن هانئ قال :سألت عائشة رضي اهلل عنها :بأي
شيء كان يبدأ الرسول rإذا دخل بيته .قالت :بالسواك(.)4
فالس واك عند دخول البيت فعل جمرد مل يرد به ق ول ،وفعله على وجه القرب ة ،فه ذا فيه خالف على أق وال
ذكر املصنف منها ثالثة:
قول ه( :فيحمل على الوج وب عند بعض أص حابنا) ه ذا الق ول األول وهو وج وب اتب اع األمة ل ه .وقوله
(عند بعض أصحابنا) أي الشافعية .يعين ابن سريج وابن أيب هريرة – ومها من كبار الشافعية ،وهو رواية عن اإلمام
أمحد ذكرها أبو يعلى وهو ق ول اإلم ام مال ك .ودليلهم قوله تع اىل] :وما ءات اكم الرس ول فخ ذوه[( .)5واس تبعد ه ذا
القول إمام احلرمني يف الربهان .وأما اآلية فمعناها :ما أمركم به الرسول rفخذوه بدليل ]وما هناكم عنه فانتهوا[
()6
وعلى القول بأن اآلية ظاهرة يف غرض املستدل ،لكن تطرق االحتمال يضعف االستدالل.
وقوله( :ومن أصحابنا من قال :حيمل على الندب) هذا القول الثاين وهو أنه يستحب لألمة اتباعه فيما فعله
على وجه القربة .وهو قول لبعض الشافعية كما ذكر املصنف ،وقول الظاهرية وهو قول أكثر احلنفية ،ورواية عن
اإلم ام أمحد .ذكرها القاضي أبو يعلى .ورجح ه ذا إم ام احلرمني يف الربه ان ،وتبعه الغ زايل يف املنخ ول ،ورجحه
الش وكاين يف اإلرش اد ،ألنه أقل ما يتق رب به هو املن دوب ،وال دليل ي دل على زي ادة على الن دب ،ف وجب الق ول
به(.)7
() انظر الربهان إلمام احلرمني ( )1/322العدة يف أصول الفقه ( )3/734شرح تنقيح الفصول ص 288املنخول ص ،226إرشاد الفحول ص.36 7
76
قوله( :ومنهم من قال يتوقف فيه) هذا هو القول الثالث ،وهو التوقف لعدم معرفة املراد ولتعارض األدلة.
وه ذا أض عف األق وال ،ق ال الش وكاين( :وعن دي أنه ال معىن للوقف يف الفعل ال ذي قد ظهر فيه قصد القرب ة .ف إن
قصد القربة خيرجه عن اإلباحة إىل ما فوقها .واملتيقن مما هو فوقها الندب) ا هـ(.)1
وال راجح – واهلل أعلم – هو الق ول بالن دب ،ألن القرب ة ،طاعة وهي غري خارجة عن ال واجب واملن دوب،
والقدر املشرتك بينهما ترجيح الفعل على الرتك ،وهذه حقيقة املندوب ،قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل( :وما
فعله النيب rعلى وجه التعبد فهو عب ادة ،يش رع التأسي به في ه ،ف إذا خصص زمان اً أو مكان اً بعب ادة ك ان ختصيصه
تلك العبادة سنة .)2() . . .
قول ه( :ف إن ك ان على غري وجه القربة والطاعة فيحمل على اإلباحة يف حقه وحقن ا) .ه ذه هي احلال الثانية
لألفعال النبوية .وهو الذي مل يظهر فيه قصد القربة .ويدخل حتت هذا نوعان(.)3
)1ما فعله مبقتضى اجلبلة والبشرية كالقيام والقعود والنوم واألكل والشرب ،فهذا ال حكم له يف ذاته ألنه
ليس من ب اب التكليف ،ألن التكليف فيما ميكن فعله وترك ه ،وه ذه األفع ال ليست مش روعة ل ذاهتا أو
مقص وداً هبا التأس ي ،ألن كل ذي روح من البشر ال خيلو عنها إال إذا ك ان ه ذا الفعل له هيئة معين ة،
كصفة أكله وشربه ونومه وحنو ذلك ،فهذا له حكم شرعي ،كما دلت عليه النصوص.
)2ما فعله وفق الع ادات ،وذلك كلباسه rفه ذا الن وع مب اح مل يقصد به التش ريع فال اس تحباب للمتابع ة،
ألن اللباس منظور فيه إىل العادة اليت اعتادها أهل البلد ،وهلذا مل يغري الرسول rلباسه الذي كان يلبسه
قبل النبوة( ،)4وإمنا وضع اإلسالم شروطاً وضوابط للباس الرجل واملرأة تستفاد من الكتاب والسنة.
وبقي من األفع ال ن وع آخر وهو ما فعله rبيان اً جململ ،فه ذا حكمه حكم اجململ ،ف إن ك ان واجب اً فالفعل
واجب .وإن كان مندوباً فالفعل مندوب .لكنه واجب على الرسول rمطلق اً حىت حيصل البالغ ،مث يكون حكمه
كحكم األمة يف ذلك.
فمثال الواجب :مسحه الرأس كله( )5بياناً لقوله تعاىل] :وامسحوا برءوسكم[(.)6
() للشيخ سليمان بن سحمان – رمحه اهلل – كالم ماتع حول هذا املوضوع يف رسالته (إرشاد الطالب إىل أهم املطالب) ص 29وما بعدها. 4
() أخرجه البخاري رقم 183ومسلم رقم 235من حديث عبد اهلل بن زيد رضي اهلل عنه. 5
77
ومث ال املن دوب :ص الته rركع تني عند املق ام بعد طوافه( )1بيان اً لقوله تع اىل] :واختذوا من مق ام إب راهيم
مص لى[( )2وقد نقل احلافظ ابن حجر يف فتح الب اري اإلمجاع على ج واز ركعيت الط واف على أي جهة من جه ات
الكعبة( )3واهلل أعلم.
78
اإلقــــرار
(وإ قرار صاحب الشريعة على القول هو قول صاحب الشريعة .وإ قراره على الفعل كفعله .وما
فعل في وقته في غير مجلسه وعلم به ولم ينكره ،فحكمه حكم ما فعل في مجلسه).
ملا بني حكم الفعل ذكر بعده اإلقرار ،ألنه من السنة كما تقدم ،وصورته أن يسكت النيب rعن إنكار قول
أو فعل بني يديه أو يف عصره وعلم به ،فكل أمر أقر الرسول rعليه ومل ينكر على فاعله ،فإن كان قوالً فهو
كقوله ،rوإن كان فعالً فهو كفعله ،rألنه rمعصوم عن أن يقر أحداً على خطأ أو معصية فيما يتعلق بالشرع.
مثال اإلقرار على الفعل :إقراره rاحلبشة يلعبون يف املسجد من أجل التأليف على اإلسالم ،كما يف حديث
عائشة رضي اهلل عنها قالت :رأيت رسول اهلل rيوماً على باب حجريت واحلبشة يلعبون حبراهبم يف املسجد.
احلديث(.)1
ومثاله – أيضاً – إقراره rقيس بن عمرو رضي اهلل عنه على قضاء ركعيت الفجر بعد الصالة مع أن الوقت
وقت هني( .)2ومثال اإلقرار على القول :إقراره rأبا بكر رضي اهلل عنه على قوله بإعطاء سلب القتيل لقاتله(.)3
قوله( :وما فعل يف وقته يف غري جملسه . .إخل) أي :وما فعله املكلف أو قاله (يف وقته) أي زمان حياته r
(يف غري جملسه) أي :حبيث ال يشاهده ،ولكنه (علم به ومل ينكره فحكمه ما فعل يف جملسه) أي يف داللته على
جواز ذلك الفعل أو القول ،وهذا يشمله ما تقدم يف قوله (وإقرار صاحب الشريعة ). . .لكنه صرح به لإليضاح،
ودفع توهم االختصاص مبا يف جملسه .ومثال ذلك :قصة معاذ رضي اهلل عنه حيث كان يصلي العشاء مع النيب rمث
ينصرف إىل قومه ويصلي هبم( ،)4فهي له تطوع وهلم فريضة ،وهذا ليس يف القوة كالواقع بني يديه rالحتمال أنه
مل يبلغه rوإن كان الغالب على الظن أن رسول اهلل rكان يعلم األئمة الذين يصلون يف قبائل املدينة ،ومما يؤكد
ذلك قصة األعرايب الذي شكا إىل النيب rتطويل معاذ ،كما يف حديث جابر رضي اهلل عنه(.)5
وقد استدل حبديث معاذ من أجاز صالة املفرتض خلف املتنفل ،وهي مسألة خالفية .واهلل أعلم بالصواب.
النســـخـ
() أخرجه البخاري رقم 443ومسلم رقم .892واحلراب :بكسر احلاء مجع حربة وهي اآللة دون الرمح .انظر كتاب (احلرف والصناعات يف احلجاز يف 1
79
(وأما النسخ فمعناه لغة :اإلزالة ،يقال :نسخت الشمس الظل :إذا أزالته .وقيل معناه :النقل .من
قولهم :نسخت ما في هذا الكتاب أي نقلته.
وحده :هو الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لواله لكان
ثابتاً مع تراخيه عنه).
النسخ يف اللغة يطلق على معنيني:
)1الرفع واإلزالة .يقال :نسخت الشمس الظل أي أزالته .ونسخت الريح األثر :أزالته .قال تعاىل] :
فينسخ اهلل ما يلقى الشيطان[(.)1
)2النقل :يقال :نسخت ما يف الكتاب أي نقلته مع بقائه يف نفسه .ألن ما يف الكتاب مل ينقل حقيقة ،قال
تعاىل] : :إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون[(.)2
قوله( :وحده :اخلطاب الدال على رفع احلكم . .إخل) حده :أي معناه االصطالحي ،وهذا
تعريف الناسخ ،ألنه هو اخلطاب ،ال تعريف النسخ الذي هو رفع احلكم أو اللفظ ،لكن يؤخذ منه
تعريف النسخ ،ألنه يلزم من كون الناسخ هو اخلطاب الدال على الرفع أن يكون مدلول اخلطاب هو
النسخ الذي هو رفع احلكم ،فالرافع هو اخلطاب .والرفع هو النسخ .فهما متالزمان إذ ال رفع إال
خبطاب.
قوله( :اخلطاب) املراد به :الكتاب والسنة .فالناسخ هو الكتاب والسنة ،وال نسخ باإلمجاع وال القياس،
أما اإلمجاع فألنه ال ينعقد إال بعد وفاته ،rوبعد وفاته ال ميكن النسخ ألنه تشريع ،وإمنا يقع النسخ مبستند اإلمجاع.
وأما القياس فألن النص مقدم عليه .وال يصار إليه إال عند عدم النص.
والناسخ يف احلقيقة هو اهلل تعاىل ويطلق على النص الناسخ ،فيقال :هذه اآلية ناسخة لكذا.
قوله( :الدال على رفع احلكم) املراد برفع احلكم تغيريه من إجياب إىل إباحة كنسخ الصدقة عند مناجاة
الرسول rكما سيأيت إن شاء اهلل .أو من إباحة إىل حترمي كنسخ إباحة اخلمر املنصوص عليه يف قوله تعاىل] :
تتخذون منه سكرا ورزقاً حسناً[( )3وغري ذلك .وقد يكون النسخ برفع اللفظ – كما سيذكره املصنف .وإمنا
اقتصر على نسخ احلكم ألنه هو الغالب.
قوله( :الثابت باخلطاب املتقدم) :هذا صفة للحكم املنسوخ .وباخلطاب :متعلق بالثابت .واملتقدم :أي يف
الورود إىل املكلفني .فهو متقدم على اخلطاب الدال على الرفع.
وهذا القيد إلخراج رفع احلكم الثابت بالرباءة األصلية فليس بنسخ ،ذلك أن ابتداء العبادات يف الشرع
مزيل حلكم الرباءة األصلية ،وهي عدم التكليف ،وليس هذا نسخاً ،ألن الرباءة مل تثبت خبطاب من الشرع.
80
وقوله( :على وجه لواله لكان ثابتاً) :وجه مبعىن :حال .والضمري يف قوله (لواله) يعود على اخلطاب الثاين.
واسم كان :هو احلكم .أي حال كونه على وجه لوال ذلك اخلطاب لكان ذلك احلكم ثابتاً.
وقوله( :مع تراخيه عنه) :أي مضي مدة بني الناسخ واملنسوخ ،وهذا القيد إلخراج ما إذا كان اخلطاب
الثاين غري مرتاخ ،بل كان متصالً باألول ،فال يكون نسخاً بل يكون بياناً كالشرط والصفة واالستثناء.
فقوله تعاىل] :وهلل على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال[( )1فيه رفع حكم وجوب احلج عن غري
املستطيع ،ولكنه ليس بنسخ ،ألنه مل يرتاخ عنه ،بل هو متصل .هكذا قال بعض األصوليني.وهذا فيه نظر ألن
التخصيص باملخصص املتصل – وهو البدل هنا – ليس رفعاً للحكم ،وإمنا هو بيان أن املخرج غري مراد باحلكم،
واهلل أعلم.
وهذا التعريف مطول ال يليق باملختصرات .مع ما يرد عليه من اعرتاضات .منها :أنه عرف الناسخ دون
النسخ .ومنها :أنه غري جامع ،ألنه مل يذكر نسخ اللفظ – كما سيأيت – ومنها :أن قوله (على وجه . .إخل) زيادة
حمضة .وقد ذكر املصنف هذا التعريف يف كتابه (الربهان)( )2مث زيفه.
ولو قيل يف تعريفه :هو رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب أو السنة( ،)3لكان أوضح
وأخصر ،واهلل أعلم.
81
أقسام النسخ باعتبار المنسوخ
(ويجوز نسخ الرسم وبقاء الحكم .ونسخ الحكم وبقاء الرسم .والنسخ إلى بدل وإ لى غير بدل،
وإ لى ما هو أغلظ وإ لى ما هو أخف).
املنسوخ :هو احلكم الشرعي الذي انتهى بالدليل املتأخر .وقد يسمى الدليل األول منسوخاً .وهو املراد
هنا .وهذا الدليل إما قرآن .أو سنة.
قوله (وجيوز نسخ الرسم وبقاء احلكم) هذا النوع األول .فينسخ اللفظ ويبقى احلكم معموالً به .وقد ذكر
اآلمدي رمحه اهلل أن العلماء متفقون على جواز نسخ الرسم دون احلكم خالفاً لطائفة شاذة من املعتزلة(.)1
ومثال ذلك :آية الرجم .فعن عمر رضي اهلل عنه أنه قال" :كان فيما أنزل آية الرجم فقرأناها ووعيناها
وعقلناها .ورجم رسول اهلل rرمجنا بعده . . .احلديث"(.)2
فهذا يدل على نزول آية الرجم .وأهنا نسخت .وبقي حكمها لقوله( :ورمجنا بعده).
فإن قيل :ما احلكمة من نسخ الرسم وبقاء احلكم؟ فاجلواب ما نقله الزركشي يف الربهان عن ابن اجلوزي
أنه قال( :إمنا كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه األمة يف املسارعة إىل بذل النفوس بطريق الظن من غري
استفصال لطلب طريق مقطوع به .فيسرعون بأيسر شيء ،كما سارع اخلليل إىل ذبح ولده مبنام ،أدىن طرق
الوحي)( )3ا هـ.
قوله( :ونسخ احلكم وبقاء الرسم) هذا النوع الثاين من أنواع النسخ باعتبار املنسوخ .وهو أن ينسخ احلكم
الشرعي ويبقى اللفظ الدال عليه غري معمول به .وهذا أكثر أنواع النسخ.
ومثاله :قوله تعاىل] :إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من
الذين كفروا بأنهم قوم ال يفقهون[( )4فقد دلت اآلية على وجوب مصابرة العشرين من املسلمني املائتني من
الكفار .ومصابرة املائة األلف .فنسخ هذا احلكم بقوله تعاىل] :اآلن خفف اهلل عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن
يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين[(.)5
فإن قيل :ما احلكمة من بقاء التالوة مع نسخ احلكم؟ فاجلواب من وجهني:
األول :بقاء ثواب التالوة .فإن القرآن كما يتلى ليعرف احلكم منه ويعمل به ،فهو يتلى ليثاب عليه القارئ.
الثاين :تذكري األمة حبكمة النسخ ،وال سيما ما فيه ختفيف ورفع املشقة.
() رواه البخاري ( )6442ومسلم .)1691وهو حديث طويل .وانظر مقاالً يف أسانيد آية الرجم .يف جملة (احلكمة) العدد السابع ص.235 2
82
وبقي نوع ثالث مل يذكره املصنف وهو نسخ احلكم والرسم معاً ،ومثاله :ما ورد عن عائشة رضي اهلل
عنها قالت" :كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات حيرمن ،مث نسخن خبمس معلومات فتويف رسول
اهلل rوهن فيما يقرأ من القرآن" .ويف رواية( :نزل يف القرآن "عشر رضعات معلومات" مث أنزل أيضاً مخس
معلومات")(.)1
فآية التحرمي بعشر رضعات منسوخ لفظها وحكمها .وهذا معلوم عند الصحابة رضي اهلل عنهم بدليل أهنم
مل يثبتوها حني مجعوا القرآن .وأما آية اخلمس رضعات فهي مما نسخ رمسه وبقي حكمه .بدليل أن الصحابة رضي
اهلل عنهم حني مجعوا القرآن مل يثبتوا رمسها ،وحكمها باق عندهم.
وقول عائشة رضي اهلل عنها" :وهن فيما يقرأ من القرآن" أي يتلى حكمها دون لفظها ،وقال البيهقي:
املعىن :أنه يتلوه من مل يبلغه نسخ تالوته(.)2
قوله( :والنسخ إىل بدل وإىل غري بدل ،وإىل ما هو أغلظ وأخف) هذا معطوف على ما قبله .أي :وجيوز
النسخ إىل بدل وإىل غري بدل .ومعىن( :إىل بدل) أن يأيت حكم آخر بدل احلكم املنسوخ .وهذا النوع ال خالف
فيه.
ومعىن (إىل غري بدل) أن يزول احلكم السابق وال خيلفه حكم آخر .وهذا مذهب اجلمهور .ومثلوه بنسخ
وجوب تقدمي الصدقة بني يدي جنوى رسول اهلل rيف قوله تعاىل] :يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا
بين يدي نجواكم صدقة[( )3نسخت بقوله تعاىل] :ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا
وتاب اهلل عليكم فأٌقيموا الصالة وءاتوا الزكاة[(.)4
وقد منع هذا النوع الظاهرية .وأيّد ذلك الشيخ حممد األمني الشنقيطي رمحه اهلل ،وقال :إن القول بالنسخ
إىل غري بدل قول باطل .وإن قال به مجهور العلماء ،ألن اهلل تعاىل يقول] :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير
منها أو مثلها[(.)5
وأجاب عن آية الصدقة بأن الذي نسخ هو الوجوب ،وأما االستحباب فهو باق مل ينسخ .فالنسخ إىل
بدل( .)6وورد هذا اجلواب عن الكمال بن اهلمام صاحب التحرير(.)7
والقول باجلواز أظهر لقوة مأخذه .وأما ما استدل به املانعون من اآلية الكرمية .فعنه ثالثة أجوبة:
() انظر إرشاد الفحول ص 190 ،189وشرح النووي على حديث عائشة رضي اهلل عنها عند رقم .1452 2
() انظر أضواء البيان ( )3/362ومذكرة الشنقيطي على الروضة ص .79وإرشاد الفحول ص.187 6
83
األول :أن املراد باآلية – هنا – نظم اجلملة ولفظها .لورود ذلك يف كتاب اهلل تعاىل يف أكثر من موضع.
قال تعاىل] :يتلوا عليهم آياته ويزكيهم[( )1واألصل يف اإلطالق احلقيقة ،وال يصرف اللفظ عن ظاهره .إال بدليل.
وال دليل هنا.
الثاين :سلمنا أن املراد نسخ احلكم .وهذا ال يعارض النسخ إىل غري بدل ،ألن اهلل تعاىل عليم حكيم .فقد
يكون عدم احلكم خرياً من ذلك احلكم املنسوخ .يف نفعه للناس.
الثالث :سلمنا أن املراد نسخ احلكم .لكنه عام دخله التخصيص مبا نسخ إىل غري بدل .وختصيص العموم
جائز .واهلل أعلم(.)2
وأما إجابتهم عن آية الصدقة وأنه نسخ الوجوب وبقي االستحباب .فهذا فيه نظر .فإن اآلية (أأشفقتم) مل
تثبت حكماً تكليفياً آخر .وكون التصدق مندوباً إليه .إن كان هبذا الناسخ فال دليل فيه .وإن كان باألدلة العامة
اليت ندبت إىل التصديق فهذا مسلم .لكنها خاصة باملوسرين وهي عامة يف مجيع األوقات .وتقدمي الصدقة عند
املناجاة كان واجباً على األغنياء والفقراء على السواء واهلل أعلم(.)3
قوله( :وإىل ما أغلظ وإىل ما هو أخف) أي :أن النسخ على بدل .قد يكون (إىل بدل أغلظ) أي :إىل
حكم أثقل من احلكم املنسوخ( .وإىل بدل أخف) أي :أقل مشقة من املنسوخ .وبقي نوع ثالث وهو :على بدل
مسا ٍو .فاألنواع ثالثة.
أما األول :وهو النسخ إىل بدل أثقل .فجوزه اجلمهور لوقوعه .ومثاله نسخ التخيري بني صيام رمضان
واإلطعام يف قوله تعاىل] :وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني فمن تطوع خرياً فهو خري له وأن تصوموا خري
لكم إن كنتم تعلمون[( .)4نسخ بقوله تعاىل] :فمن شهد منكم الشهر فليصمه[( )5الدال على وجوب الصيام يف حق
املقيم الصحيح أداء ،واملسافر واملريض قضاء .وإجياب الصيام أثقل من التخيري بينه وبني اإلطعام.
ومنع ذلك بعض الظاهرية وبعض الشافعية حمتجني بآيات التيسري والتخفيف ورفع احلرج عن هذه األمة.
كقوله تعاىل] :يريد اهلل بكم اليسر وال يريد بكم العسر[( )6وقوله تعاىل] :يريد اهلل أن خيفف عنكم[( )7وال ختفيف يف
نسخ األخف إىل األثقل ،بل هو التثقيل .وإرادة العسر.
84
وال دليل يف ذلك ألن احلكم اجلديد يكون ميسراً على املكلفني ال مشقة فيه .وثقله وصف له بالنسبة إىل ما
قبله .مع ما فيه من زيادة النفع .وعظيم األجر.
وأما الثاين وهو النسخ إىل بدل أخف .فال خالف يف جوازه ،ومثاله :آيتا املصابرة ]إن يكن منكم عشرون
صابرون يغلبوا مائتني[( )1مث قال سبحانه ]فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتني[( )2فمصابرة مسلم واحد الثنني
من الكفار أخف من مصابرة الواحد لعشرة منهم.
وأما الثالث وهو النسخ إىل بدل مساو فمثاله :نسخ استقبال بيت املقدس الثابت بالسنة كما يف حديث
الرباء رضي اهلل عنه أنه rصلى إىل بيت املقدس بعد اهلجرة بضعة عشر شهراً( .)3نسخ هذا باستقبال الكعبة الثابت
بقوله تعاىل] :فول وجهك شطر املسجد احلرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره[( )4فاستقبال الكعبة مسا ٍو
الستقبال بيت املقدس بالنسبة لفعل املكلف .وهذا النوع ال خالف فيه كالذي قبله.
85
أنواع النسخ باعتبار الناسخ
(ويجوز نسخ الكتاب بالكتاب ،ونسخ السنة بالكتاب وبالسنة ،ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر،
ونسخ اآلحاد باآلحاد وبالمتواتر ،وال يجوز نسخ الكتاب بالسنة .وال المتواتر باآلحاد ،ألن الشيء
ينسخ بمثله وبما هو أقوى منه).
تقدم أن الناسخ هو اهلل تعاىل ألنه هو الرافع للحكم .دل على ذلك خطابه املتأخر الدال على انتهاء احلكم
الشرعي .ويطلق الناسخ على الدليل نفسه – وهو املراد هنا – وهو إما كتاب أو سنة.
وقد ذكر املصنف مسائل النسخ بني الكتاب والسنة وبني ما جيوز وما ال جيوز.
قوله( :وجيوز نسخ الكتاب بالكتاب) هذا النوع األول من أنواع الناسخ وهو أن يكون قرآنا .واملنسوخ
قرآن مثله .وهذا النوع ال خالف فيه .وتقدمت أمثلته.
قوله( :ونسخ السنة بالكتاب) هذا النوع الثاين وهو أن يكون الناسخ قرآنا واملنسوخ سنة .وهذا قول
اجلمهور .ألن القرآن والسنة من عند اهلل تعاىل .غري أن القرآن متعبد بتالوته .والسنة غري متعبد بتالوهتا .ونسخ
حكم أحد الوحيني غري ممتنع.
ومثاله :إن املباشرة واألكل والشراب يف ليايل الصيام كانت حمرمة بالسنة .ملا ورد يف حديث ابن عباس
"كان الناس على عهد رسول اهلل rإذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إىل القابلة"( .)1فنسخ
ذلك بقوله تعاىل] :أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم اهلل أنكم كنتم
تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فاآلن باشروهن[(.)2
ومنع الشافعي رمحه اهلل هذا النوع يف إحدى روايتيه لقوله تعاىل] :وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل
إليهم[( )3ووجه الداللة :أنه سبحانه قد جعل السنة بيانًا للقرآن .والناسخ بيان للمنسوخ .فلو كان القرآن ناسخاً
للسنة لكان القرآن بياناً للسنة .وهذا ال جيوز.
والصحيح قول اجلمهور لوقوعه ،وأما اآلية فال يتم االستدالل هبا على املنع ،جلواز أن يكون املراد من قوله
(لتبني) :لتبلغ .والتبليغ عام ،فحمل اآلية عليه أوىل.
قوله( :وبالسنة) أي وجيوز نسخ السنة بالسنة ،وهذا هو النوع الثالث ،وهو أن يكون الناسخ سنة
()4
واملنسوخ سنة ،ومثاله حديث بريدة رضي اهلل عنه أن النيب rقال" :كنت هنيتكم عن زيارة القبور فزوروها"
فقوله" :كنت هنيتكم" يدل على أن النهي ثابت بالسنة.
() حترمي األكل والشرب واملباشرة ورد يف حديث ابن عباس مقيداً بصالة العشاء .وورد يف حديث الرباء بن عازب الذي رواه البخاري ( )4/129تقيد ذلك 1
بالنوم .وهو كذلك يف سائر األحاديث ولعل ذكر صالة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالباً وحديث ابن عباس رواه أبو داود ( )6/425عون املعبود).
() سورة البقرة ،آية.187 : 2
86
قوله( :وجيوز نسخ املتواتر باملتواتر) أي وجيوز نسخ املتواتر من الكتاب أو السنة .باملتواتر .فهما قسمان:
األول :نسخ الكتاب بالسنة باملتواترة.
الثاين :نسخ السنة املتواترة بالسنة املتواترة.
أما األول فمذهب اجلمهور جوازه .وذهب الشافعي وأمحد يف املشهور عنه إىل عدم اجلواز .احتج اجلمهور
بأن الكل وحي من اهلل .واستدل الشافعي بقوله تعاىل] :ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها[
()1
() الرسالة للشافعي ( )108 ،1/106وقد روى ذلك احلازمي عن الشافعي وأمحد بسند متصل إليهما يف كتابه (االعتبار ص.)57 2
() لكن قالوا :إنه متواتر معىن لإلمجاع على معناه ،انظر نظم املتناثر من احلديث املتواتر ص.167 5
87
قوله( :وباملتواتر) :أي و جيوز نسخ اآلحاد باملتواتر ،ألنه أقوى منه .وهذا – أيضاً – حمل اتفاق .قال يف
شرح الكوكب املنري( :ولكن مل يقع)(.)1
قوله( :وال جيوز نسخ الكتاب بالسنة) هذا هو النوع الرابع ،وهو أن يكون الناسخ سنة واملنسوخ قرآناً.
واملراد بالسنة هنا :غري املتواترة .ألن نسخ القرآن بالسنة املتواترة تقدم ذكره عند قوله (وجيوز نسخ املتواتر
باملتواتر) .فيكون املراد بالسنة هنا :اآلحاد .فاآلحاد ال ينسخ القرآن ،ألن القوي ال ينسخ بأضعف منه كما سيأيت.
وهذه العبارة موجودة يف بعض نسخ الورقات .ويشكل عليه قوله (وال جيوز نسخ املتواتر باآلحاد) ألن املتواتر
يشمل الكتاب والسنة ،فيكون تكراراً إال أن يكون قوله (املتواتر) خاصاً بالسنة .واهلل أعلم.
وقد ذهب املؤلف رمحه اهلل يف كتابه (الربهان) إىل جواز نسخ الكتاب والسنة .وذكر ما يؤيد ذلك(.)2
قوله( :وال املتواتر باآلحاد) أي ال جيوز شرعاً نسخ املتواتر كالقرآن والسنة املتواترة باآلحاد .ألنه دونه يف
القوة ،ألن املتواتر قطعي واآلحاد ظين ،والشيء إمنا ينسخ مبثله ،أو مبا هو أقوى منه .كما تقدم.
وهذا مذهب اجلمهور .وذهب مجاعة من أهل الظاهر منهم ابن حزم إىل جوازه ،وهي رواية عن أمحد.
وهو الراجح إن شاء اهلل ،ألن القطعي هو اللفظ وحمل النسخ هو احلكم .وال يشرتط يف ثبوته التواتر .ألن الداللة
باللفظ املتواتر قد تكون ظنية .جلواز أن يكون املراد غري ذلك فحينئذ مل يرفع الظين إال بالظين.
ومثال ذلك :ما رواه عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال :بينما الناس بقباء يف الصالة الصبح إذ جاءهم
آت فقال :إن رسول اهلل rقد أنزل عليه القرآن .وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها .وكانت وجوههم إىل
الشام فاستداروا إىل الكعبة)(.)3
ووجه الداللة :أن وجوب التوجه إىل بيت املقدس كان ثابتاً بالسنة املتواترة ،ألنه مل يوجد يف القرآن ما
يدل عليه .وهؤالء قبلوا خرب الواحد وعملوا به يف نسخ ما تقرر عندهم بطريق العلم ،والنيب rمل ينكر عليهم ،فدل
على اجلواز .واهلل أعلم.
88
التعارض بين األدلة
(إذا تعارض نطقان فال يخلو :إما أن يكونا عامين ،أو خاصين ،أو أحدهما عاما واآلخر خاصاً،
أو كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه .فإن كانا عامين وأمكن الجمع بينهما جمع،
وإ ن لم يمكن الجمع بينهما يتوقف فيهما إن لم يعلم التاريخ .فإن علم التاريخ فينسخ المتقدم
بالمتأخر ،وكذلك إن كانا خاصين .وإ ن كان أحدهما عاما واآلخر خاصاً فيخصص العام
بالخاص .وإ ن كان كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه فيخصص عموم كل واحد
منهما بخصوص اآلخر).
عين األصوليون مبباحث التعارض والرتجيح بعد مباحث األدلة الشرعية – الكتاب والسنة واإلمجاع
والقياس – وذلك ألن هذه األدلة قد يقع بينها تعارض وال ميكن إثبات احلكم إال بإزالة هذا التعارض.
واعلم أن التعارض بني نصوص الشريعة غري موجود يف احلقيقة ،لكن قد يقع ذلك حبسب نظر اجملتهد :إما
لنقص يف علمه أو خلل يف فهمه ،وهو تعارض يف الظاهر ال ميكن أن يقع على وجه ال ميكن فيه اجلمع أو النسخ أو
الرتجيح .وذلك ألن األحكام الشرعية ما شرعت إال جللب املصاحل.
وكان األوىل باملصنف أن يؤخر حبث التعارض إىل هناية الكالم على األدلة ،كما جرى على ذلك غريه من
أهل األصول ،ألن التعارض يتعلق جبميع األدلة ،لكنه خصصه بالكتاب والسنة لقوله (إذا تعارض نطقان) ألن املراد
هبما :قول اهلل تعاىل ،وقول الرسول rكما تقدم يف املخصص املنفصل.
قوله( :إذا تعارض نطقان) التعارض لغة :تفاعل من العرض – بضم العني – وهو الناحية واجلهة .كأن
الكالم املتعارض يقف بعضه يف عرض بعض أي ناحيته وجهته ،فيمنعه من النفوذ إىل حيث وجهه ،فهو إذن مبعىن
التقابل والتمانع.
واصطالحاً :تقابل الدليلني حبيث خيالف أحدمها اآلخر.
وذلك كأن يكون أحد الدليلني يفيد اجلواز ،واآلخر يدل على املنع ،فكل منهما مقابل لآلخر وخمالف له.
قوله (فال خيلو ). .أي األمر والشأن .من أربع حاالت:
األوىل :أن يكون بني دليلني عامني.
الثانية :أن يكون بني دليلني خاصني.
الثالثة :أن يكون بني دليلني أحدمها عام واآلخر خاص.
الرابعة :أن يكون بني دليلني كل واحد منهما عام من وجه وخاص من وجه آخر.
واملراد بقول املصنف (إذا تعارض نطقان) أي نصان من قول اهلل تعاىل أو من قول رسول .r
أما احلالة األوىل فللخروج من التعارض طرق:
89
األول :أن ميكن اجلمع بني الدليلني املتعارضني ،فيجمع بينهما حبيث حيمل كل منهما على حال ال يناقض
اآلخر .واجلمع أوىل من الرتجيح باتفاق أهل األصول ،ألن فيه العمل بكال الدليلني.
ومثاله :قوله " :rإذا دبغ اإلهاب فقد طهر"( )1أخرجه مسلم عن ابن عباس .وعند أهل السنن "أميا إهاب
دبغ فقد طهر"( .)2وقوله " rال تنتفعوا من امليتة بإهاب وال عصب" وهو حديث عبد اهلل بن عكيم ،فهذا معارض يف
الظاهر لألول.
فجمع بينهما بأن اإلهاب اسم ملا مل يدبغ .وبعد الدبغ يقال له :شن وقربه .فيكون النهي عن االنتفاع
باإلهاب ما مل يدبغ ،فإذا دبغ مل يسم إهاباً ،فال يدخل حتت النهي .قال يف سبل السالم (وهو مجع حسن)( )3ويف
املسألة أقوال أخرى.
الثاين :أن جيعل أحدمها ناسخاً لآلخر ،وهذا إذا علم التاريخ بأن علم السابق منهما ،فيكون املتأخر ناسخاً
له .ويعمل به دون املتقدم.
ومثاله :قوله تعاىل] :فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم[( )4فهذه اآلية تفيد التخيري بني
الصيام واإلطعام وترجح الصيام .وقوله تعاىل] :فمن شهد منكم الشهر فليصمه[( )5يفيد تعيني الصيام أداء يف حق
غري املريض واملسافر وقضاء يف حقهما ،وهي متأخرة عن األوىل فتكون ناسخة هلا بدليل قول سلمة بن األكوع
رضي اهلل عنه :ملا نزلت ]وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين[( )6كان من أراد أن يفطر ويفتدي حىت نزلت
اآلية اليت بعدها فنسختها)(.)7
الثالث :فإن مل يعلم التاريخ يتوقف فيهما إىل أن يظهر مرجح ألحدمها على اآلخر فيعمل به .وهذا هو
الطريق الثالث وهو الرتجيح ،وهو ال يكون إال بدليل ،ألن الرتجيح بال مرجح باطل ،والرتجيح هو تقوية أحد
الطرفني املتعارضني بدليل ،وللرتجيح طرق كثرية ،بعضها يرجع إىل املـنت ،وبعضها يرجع إىل السند ،وهي مذكورة
يف املطوالت.
ومثاله قوله " :rمن مس ذكره فال يصلي حىت يتوضأ"(.)8
وهذا مروي عن بسرة بنت صفوان وأيب هريرة وجابر رضي اهلل عنهم وغريهم.
() أخرجه مسلم رقم 366وأبو داود رقم 4123والرتمذي رقم 1728والنسائي (.)7/173 1
() أخرجه أبو داود رقم 4128 ،4127والرتمذي رقم 1729والنسائي ( )7/175وهو حديث صحيح. 2
() أخرجه الرتمذي رقم 82وأبو داود ( )181والنسائي ( ،)1/100وهو حديث صحيح. 8
90
وحديث قيس بن طلق عن أبيه رضي اهلل عنه أن النيب rسئل عن الرجل ميس ذكره أعليه الوضوء؟ قال:
"ال ،إمنا هو بضعة منك"(.)9
فهذان حديثان متعارضان يف الظاهر ،األول يوجب الوضوء من مس الذكر ،والثاين ال يوجبه .فريجح
األول على الثاين ملا يأيت:
)1أن العمل به أحوط.
)2ألنه أكثر طرقاً ومصححيه أكثر.
)3ألنه ناقل عن الرباء األصلية ،وهي عدم إجياب الوضوء والناقل يقدم على املبقي .ألن مع الناقل زيادة
علم حيث أفاد حكماً شرعيّا ليس موجوداً عند املبقي على األصل .وهذا عند اجلمهور.
والرتجيح هو أحد األقوال يف املسألة ،ومن العلماء من قال بالنسخ ،ومنهم من قال باجلمع(.)2
أما احلالة الثانية من أحوال التعارض فهي أن يكون بني دليلني خاصني كما تقدم ،وللخروج من التعارض طرق:
()3
األول :اجلمع كما تقدم .ومثاله :حديث جابر يف صفة حجة النيب rأنه rصلى الظهر يوم النحر مبكة
وحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه rصالها مبىن(.)4
قال النووي( :ووجه اجلمع بينهما أنه rطاف لإلفاضة قبل الزوال ،مث صلى الظهر مبكة يف أول وقتها ،مث
رجع إىل مىن ،فصلى هبا الظهر مرة أخرى بأصحابه حني سألوه ذلك .)5() . .
الثاين :فإن مل ميكن اجلمع فالثاين ناسخ إن علم التاريخ .ومثاله :قوله تعاىل ]يا أيها النبي إنّا أحللنا
أزواجك التي آتيت أجورهن[( )6وقوله تعاىل] :ال يحل لك النساء من بعد وال أن تبدل بهن من أزواج ولو
أعجبك حسنهن[( )7اآلية ،فالثانية ناسخة لألوىل .فحرم اهلل تعاىل على نبيه rأن يتزوج على نسائه ،واإلباحة دلت
عليها اآلية األوىل .وهذا على أحد األقوال(.)8
الطريق الثالث :إذا مل ميكن النسخ فالرتجيح .ومثاله حديث ميمونة رضي اهلل عنها أن النيب rتزوجها وهو
حالل( )9وحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النيب rتزوجها وهو حمرم(.)10
فريى مجع من أهل العلم ترجيح األول ملا يأيت:
() أخرجه أبو داود رقم 183 ،182والرتمذي رقم 85والنسائي ( )1/101وهو حديث صحيح. 9
() أخرجه مسلم رقم 1218من حديث جابر رضي اهلل عنه. 3
() أخرجه مسلم رقم .1308وانظر لزاما فتح الباري ( )3/567وتغليق التعليق البن حجر (.)3/101 4
91
أن ميمونة صاحبة القصة ،وال شك أن صاحب القصة أدرى مبا جرى له يف نفسه من غريه. )1
ومن قواعد الرتجيح أن خرب صاحب الواقعة املروية مقدم على خرب غريه ،ألنه أعرف باحلال من غريه.
ألن حديثها مؤيد حبديث أيب رافع رضي اهلل عنه أن النيب rتزوجها وهو حالل .قال :وكنت )2
الرسول بينهما( )1فأبو رافع رضي اهلل عنه هو رسوله إليها خيطبها عليه فهو مباشر للواقعة ،وابن عباس
ليس كذلك.
أن ميمونة وأبا رافع كانا بالغني وقت حتمل احلديث املذكور ،وابن عباس ليس ببالغ وقت )3
التحمل ،وعند األصوليني ترجيح خرب الراوي املتحمل بعد البلوغ على املتحمل قبله ،ألن البالغ أضبط
من الصيب ملا حتمل(.)2
احلالة الثالثة من أحوال التعارض :أن يكون بني دليلني أحدمها عام واآلخر خاص ،فيخصص العام باخلاص.
ومثاله :قوله تعاىل] :والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما[( )3فهذه اآلية دلت على وجوب القطع يف القليل
والكثري .وحديث" :ال تقطع يد سارق إال يف ربع دينار فصاعداً"( )4يدل على حتديد نصاب القطع ،فيكون احلديث
خمصصاً لعموم اآلية على مذهب اجلمهور واهلل أعلم.
احلالة الرابعة :أن يكون التعارض بني دليلني أحدمها أعم من اآلخر من وجه ،وأخص من وجه آخر ،فيجمع
بينهما بأن خيصص عموم كل واحد منهما خبصوص اآلخر إن دل على ذلك دليل .ومثاله :قوله تعاىل] :والذين
بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا[( )5فهذه اآلية عامة يف احلامل وغريها،
ّ يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن
حملهن[( )6خاصة باحلامل عامة يف املتوىف
ّ أجلهن أن يضعن
ّ وخاصة باملتوىف عنها .وقوله تعاىل] :وأوالت األحمال
عنها وغريها .فيخصص عموم األوىل والثانية ،فتخرج احلامل من عموم األوىل ،وتكون عدهتا وبضع احلمل ،سواء
كانت متوىف عنها أم غريها.
وقد دل على هذا التخصيص حديث سبيعة األسلمية أهنا وضعت بعد وفاة زوجها بليال ،فأفتاها النيب rأن
تتزوج( )7فدل ذلك على أن احلامل املتوىف عنها غري داخلة يف عموم آية البقرة ،واهلل أعلم.
() أخرجه البخاري رقم 6407ومسلم رقم ،1684واللفظ له عن عائشة رضي اهلل عنها. 4
92
اإلجمــاع
(وأما اإلجماع فهو اتفاق علماء العصر على حكم الحادثة .ونعني بالعلماء :الفقهاء .ونعني
بالحادثة :الحادثة الشرعية .وإ جماع هذه األمة حجة دون غيرها ،لقوله ( rال تجتمع أمتي على
ضاللة) والشرع ورد بعصمة هذه األمة).
هذا هو الدليل الثالث من األدلة املتفق عليها ،وهو اإلمجاع بعد الكتاب والسنة .واإلمجاع لغة :العزم
واالتفاق .واصطالحاً :اتفاق علماء العصر على حكم احلادثة.
وقوله( :اتفاق) :هذا قيد خيرج وجود خالف ولو كان املخالف واحداً إذا كان يعتد به فال ينعقد اإلمجاع.
قوله( :علماء العصر) فسره بأن املراد هبم الفقهاء وهم اجملتهدون،وهذا القيد خيرج املقلدين والعوام ،فال
عربة هبم يف اإلمجاع وفاقاً وال خالفاً .كما خيرج العلماء غري الفقهاء كالنحويني واللغويني وغريهم.
وقوله( :على حكم احلادثة) اجلار واجملرور متعلق بقوله (اتفاق) واملراد هبا هنا احلادثة الشرعية ،ألهنا حمل
نظر الفقهاء ،وهذا القيد خيرج االتفاق على حكم غري شرعي كلغوي ،فال مدخل له يف اإلمجاع ،ألن الغرض
البحث يف اإلمجاع ،على أنه من األدلة الشرعية.
وبقي قيدان:
األول :علماء العصر من هذه األمة :إلخراج اتفاق علماء الشرائع السابقة فال يعترب كما ذكره املصنف،
ولعله تركه لوضوحه أو اكتفاء بذكره مستقالً.
الثاين :بعد النيب :rإلخراج اتفاق الصحابة يف عهد النيب rفال يكون إمجاعاً من حيث كونه دليالً ،ألن
الدليل حصل بسنة النيب rمن قول أو فعل أو تقرير ،وإذا قال الصحايب :كنّا نفعل أو كانوا يفعلون كذا على عهد
النيب rكان ذلك من املرفوع حكماً ،وليس نقالً لإلمجاع.
قوله( :وإمجاع هذه اآلية حجة دون غريها) أي :واإلمجاع حجة شرعية ،جيب العمل به على كل مسلم.
واملراد اإلمجاع القويل الصريح .وقوله( :دون غريها) أي غري هذه األمة من األمم السابقة ،فليس إمجاعهم حجة
علينا جيب اتباعها ،ومن األدلة على أن اإلمجاع حجة قوله تعاىل ]وكذلك جعلناكم أمة وسطا[( )1أي عدوالً،
ومقتضى ذلك أهنم عصموا من اخلطأ فيما أمجعوا عليه قوالً وفعالً(.)2
ومن األدلة :قوله " rال جتتمع أميت على ضاللة)( )3ووجه الداللة :أن عموم احلديث ينفي وجود الضاللة،
واخلطأ ضاللة فال جيوز اإلمجاع عليه ،فيكون ما أمجعوا عليه ح ّقا فوجب اتباعه.
(واإلجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر كان ،وال يشترط انقراض العصر على
الصحيح ،فإن قلنا :انقراض العصر شرط يعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه وصار من أهل
االجتهاد ،ولهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم ،واإلجماع يصح بقولهم وبفعلهم ،وبقول البعض وبفعل
البعض ،وانتشار ذلك وسكوت الباقين عنه).
ذكر املصنف بعض مسائل اإلمجاع ومنها:
قوله( :واإلمجاع حجة على العصر الثاين ) . .أي أن اإلمجاع حجة جيب األخذ به على أهل العصر الثاين
بالنسبة لعصر أهل االجتهاد؛ فإذا أمجع الصحابة رضي اهلل عنهم على حكم شرعي فليس للتابعني أن خيالفوا هذا
اإلمجاع ،بل هو حجة عليهم وعلى من بعدهم يف أي عصر من العصور ،ألن اإلمجاع مينع من حدوث خالف.
وقوله( :ويف أي عصر كان) أي :وجد اإلمجاع من عصر الصحابة فمن بعدهم إىل آخر الزمان(.)1
قوله( :وال يشرتط انقراض العصر على الصحيح) أي :ال يشرتط انقراض عصر اجملمعني ،ومعناه :أن ميوت
أهل اإلمجاع مث يبدأ االحتجاج بإمجاعهم ،وهذه املسألة فيها قوالن:
األول :أنه ال يش رتط انق راض العصر وه ذا م ذهب اجلمه ور ،فينعقد اإلمجاع مبج رد اتف اق اجملته دين ولو
كانوا أحياء ،فال جتوز خمالفته ،ألن أدلة حجية اإلمجاع ال توجب انقراض العصر ،وألن اإلمجاع هو االتفاق ،وقد
حصل فما ال ذي مينع من قبول ه؟ وألن الت ابعني قد احتج وا بإمجاع الص حابة قبل انق راض عص رهم ،ولو ك ان ذلك
شرطاً مل حيتجوا به.
الثاين :أنه يشرتط انقراض العصر ،وهو قول بعض الشافعية ورواية عن اإلمام أمحد .ووجه اشرتاط :احتمال
رجوع بعض اجملتهدين عن رأيه ،فيؤول ذلك إىل اخلالف.
والق ول األول هو الص حيح كما ذكر املص نف لق وة أدلت ه ،وألن الق ول باش رتاط انق راض العصر ي ؤدي إىل
تع ذر اإلمجاع ،ألنه ال يك اد عصر ينق رض حىت حيدث من أوالده من ينشأ ويبلغ درجة االجته اد ،وله أن خيالف،
ألن اإلمجاع مل ينعقد ،وهذا يؤدي إىل إبطال انعقاد اإلمجاع ،وما أدى إىل ذلك فهو باطل .قال القرايف( :وانقراض
العصر ليس شرطاً خالفاً لقوم من الفقهاء واملتكلمني لتجدد الوالدة كل يوم فيعتذر اإلمجاع)( )2ا هـ.
قول ه( :ف إن قلنا انق راض العصر ش رط . .إخل) بني ب ذلك مثرة اخلالف .واملع ىن .إن قلن ا :انق راض العصر
مبوت أهله (ش رط) أي يف حجية اإلمجاع .وه ذا الق ول مقابل للق ول الص حيح( .يعت رب) ب اجلزم على أنه ج واب
)( 1اعلم أن اإلمجاع القطعي وهو ما يعلم وقوعه من األمة بالضرورة .ال أحد ينكر ثبوته .كاإلمجاع على وجوب الصالة وحترمي الزىن .وأما اإلمجاع الظين وهو
ما يعلم بالتتبع واالستقراء فهذا خمتلف يف ثبوته ،واألظهر أنه ممكن يف عصر الصحابة ،ويف غريه متعذر غالباً ،وهو رأي شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل .فقد
قال( :وال يعلم إمجاع باملعىن الصحيح إال ما كان يف عصر الصحابة ،أما بعدهم فقد تعذر غالباً)( .جمموع الفتاوى )13/341وقال( :واإلمجاع الذي ينضبط
ما كان عليه السلف الصاحل إذ بعدهم كثر االختالف وانتشرت األمة) (العقيدة الواسطية).
)(2التنقيح ص.330
94
الش رط .أي :يعترب ق ول من ولد يف عصر اجملمعني ،وبلغ رتبة االجته اد يف حي اهتم أو يف حي اة بعض هم .فله أن
خيالف .وال يعد خمالفاً لإلمجاع .ألنه مل ينعقد.
قول ه( :وهلم أن يرجع وا عن ذلك احلكم) ه ذه مثرة أخ رى .أي :وللمجمعني أو بعض هم – على الق ول
باالشرتاط – أن يرجعوا عن احلكم الذي أمجعوا عليه .وال يعد ذلك نقضاً لإلمجاع .ألن مل يستقر.
قول ه( :واإلمجاع يصح بق وهلم وبفعلهم) أي :أن اإلمجاع ينعقد ويتحقق بق ول اجملمعني وبفعلهم ،أي :بكل
منهم ا ،وهلذا أع اد الب اء ،ف إذا ق الوا جبواز ش يء فه ذا إمجاع على اجلواز ،وك ذلك إذا فعل وا ش يئاً في دل فعلهم على
اجلواز لعصمتهم عن الباطل تقدم.
واإلمجاع البد له من مس تند :إما من الكت اب أو الس نة .س واء علمن اه أو جهلن اه ،ألن الق ول يف ال دين بال
مستند ال جيوز.
قول ه( :وبق ول البعض وبفعل البعض وانتش ار ذلك وس كوت الب اقني) ه ذا إش ارة على اإلمجاع الس كويت،
وهو أن يق ول بعض اجملته دين ق والً أو يفعل فعالً مع انتش ار ذلك يف الب اقني وس كوهتم ،وه ذا فيه خالف ،ف أكثر
الش افعية واملالكية ورواية عن أمحد أنه إمجاع تنـزيالً للس كوت منـزلة الرضا واملوافقة إذا مضت م دة كافية للنظر يف
ذلك القول بعد مساعه ،وكان قادراً على إظهار رأيه ،وهذا ظاهر كالم املصنف.
وقيل :يكون حجة ال إمجاع اً .لرجحان املوافقة بالسكوت على املخالفة ،وليس إمجاع اً ألن حقيقة اإلمجاع
مل تتحقق فيه .وقيل :ليس حبجة وال إمجاع ،ألنه ال ينسب لساكت قول .وقيل غري ذلك(.)1
وقول املصنف (وانتشار ذلك) مفهومه أنه إذا مل ينتشر يف الباقني فليس بإمجاع ،الحتمال ذهوهلم عنه وعدم
اطالعهم عليه .واهلل أعلم.
(وقول الواحد من الصحابة ليس بحجة على غيره على القول الجديد ،وفي القول القديم حجة).
قول الصحايب من األدلة املختلفة يف حجيتها.
واملراد به :ما أثر عن أحد من أصحاب النيب rمن قول أو فعل أو تقرير يف أمر من أمور الدين.
والصحايب :من صحب النيب rولو ساعة ،أو رآه مؤمناً به وما ت على ذلك.
وق ول الص حايب إن ثبت له حكم الرفع كقوله أمرنا أو هنينا أو من الس نة ك ذا فهو مرف وع حكم اً ،وهو
حجة كما هو مق رر يف علم احلديث ،وإن مل يثبت له حكم الرفع فقد أمجع العلم اء على أن ق ول الص حايب يف
مسائل االجتهاد ليس حبجة على صحايب آخر ،ألن الصحابة رضي اهلل عنهم اختلفوا يف كثري من املسائل ،ولو كان
قول أحدهم حجة على غريه ملا تأتى منهم هذا اخلالف .كما أمجعوا عل األخذ بقول الصحايب فيما ال جمال للرأي
أو االجته اد في ه ،ألنه من قبيل اخلرب الت وقيفي عن ص احب الرس الة .rكما أنه ال خالف فيما أمجع عليه الص حابة
ص راحة أو ك ان مما ال يع رف له خمالف ،كما يف ت وريث اجلدات الس دس .ومن العلم اء من اس تثىن من الص حايب
املعروف باألخذ عن اإلسرائيليات .وإمنا اخلالف يف قول الصحايب العاري عن كل ما سبق .ففيه قوالن:
الق ول األول :إنه حج ة .وهو م ذهب اإلم ام مالك وأيب حنيفة والش افعي يف أحد قولي ه ،ورواية عن اإلم ام
أمحد ،رجحها ابن القيم ،وذكر أن اإلمام أمحد يأخذ بقول الصحايب ،ويعتربه بعد السنة الصحيحة(.)1
ومن أدلة ه ؤالء قوله تع اىل] :كنتم خ ير أمة أخ رجت للن اس ت أمرون ب المعروف وتنه ون عن المنكر[
()2
قالوا :هو خطاب مع الصحابة بأن ما يأمرون به معروف ،واملعروف جيب قبوله.
ومن األدلة أن اهلل تعاىل مدح الصحابة والتابعني هلم بإحسان ،وإمنا استحق التابعون ذلك ألهنم اتبعوهم يف
كل شيء سواء من حيث الرجوع إىل الكتاب والسنة ،أو اجتهادهم ،أو االقتداء هبم ،ألن االتباع جيب محله على
فرده الكامل ،قال تعاىل] :والسابقون األولون من المهاجرين واألنصار والذين اتبعوهم بإحس ان رضي اهلل عنهم
ورض وا عنه[( )3وألن اجته اد الص حايب أقر إىل الص واب من اجته اد غ ريه ملش اهدته ال وحي وقربه من الرس ول ،r
كيف والظاهر من حاله أن ال يقول ما قال إال مساعاً من رسول اهلل rال سيما فيما خيالف القياس.
الق ول الث اين :أنه ليس حبج ة .وهو ق ول الش افعي يف اجلديد( )4ورواية عن اإلم ام أمحد ،واختي ار الغ زايل
واآلم دي وابن احلاجب واملص نف .وذلك ألن اهلل تع اىل مل جيعل ق ول أحد من الن اس حجة إال ق ول رس ول اهلل .r
والصحايب من أهل االجتهاد ،واجملتهد غري معصوم ،فيجوز عليه اخلطأ والسهو.
() انظر أعالم املوقعني ( )4/152مذكرة الشنقيطي ص 165حجية قول الصحايب يف جملة (أضواء الشريعة) العدد الثامن ص 365جمموع فتاوى ابن تيمية ( 1
.)20/582
() انظر أعالم املوقعني ( )1/29وانظر طرح التثريب (.)1/103 2
97
األخبــــار
(وأما األخب ار :ف الحبر ما يدخله الص دق والك ذب .والخ بر ينقسم إلى قس مين :آح اد ومت واتر.
ف المتواتر ما ي وجب العلم ،وهو أن ي روي جماعة ال يقع التواطؤ على الك ذب من مثلهم إلى أن
ينتهي إلى المخبر عنه ،ويكون في األصل عن مشاهدة أو سماع ال عن اجتهاد).
اعلم أنه ج رت ع ادة األص وليني ب إيراد مب احث من عل وم احلديث يف أص ول الفق ه ،وذلك ألن الكت اب
والسنة مها مدار البحث يف علم األصول .وملا كان القرآن ال حيتاج إىل نظر يف سنده ،ألنه ثابت ثبوت اً قطعي اً بالنقل
املتواتر لفظاً ومعىن صار البحث مقتصراً على النظر يف داللة النص على احلكم.
أما السنة فإن املستدل هبا حيتاج إىل نظرين:
)1نظر يف ثبوهتا.
)2ونظر يف داللة النص على احلكم.
لذا أورد األصوليون هذه الشذرات من علوم احلديث.
قول ه( :وأما األخب ار :ف اخلرب ما يدخله الص دق والك ذب) :األخب ار :مجع خ رب .وه و :ما يدخله الص دق
والك ذب .أي :حيتمل الص دق والك ذب ،لكن أورد على ه ذا التعريف أن من األخب ار ما ال يدخله الك ذب ،ومنها
ما ال يدخله الصدق ،فإذا زيد على التعريف كلمة (لذاته) زال هذا اإليراد ،إذ خيرج هبذا القيد اخلرب الذي ال حيتمل
الصدق أو ال حيتمل الكذب باعتبار املخرب به ،فاألول كخرب مدعي الرسالة بعد الرسول ،rوالثاين كخرب اهلل تعاىل
وخرب رسوله اهلل rالثابت عنه ،فإذا قال إنسان :قدم أخوك .فهذا خرب حيتمل الصدق والكذب لذات اخلرب ،فإن
طابق الواقع فهو صدق ،وإن خالفه فهو كذب .وذلك إما على السواء إن كان القائل جمهول احلال ،أو مع رجحان
الصدق إن كان املخرب عدالً ،أو الكذب إن كان فاسقاً.
قوله( :واخلرب ينقسم إىل قسمني :آحاد ومتواتر) ملا عرف اخلرب ذكر أقسامه.
)2متواتر. فاخلرب باعتبار وصوله إلينا قسمان )1 :آحاد.
قوله( :فاملتواتر ما يوجب العلم ،وهو أن يروي مجاعة . . .إخل) ذكر تعريف املتواتر وبيان ما يفيده ،وبدأ
املصنف باملتواتر لطول الكالم على اآلحاد والعتباره يف معىن اآلحاد نفي معىن املتواتر.
ف املتواتر لغ ة :اسم فاعل من ت واتر الش يء أي :ج اء بعضه يف إثر بعض ،ومنه ت واتر املطر أي :تت ابع نـزوله .ق ال
األشياء إال إذا وقعت بينهما فرتة ،وإال فهي مداركة ومواصلة .)1(). . .
واصطالحاً :أن يروي مجاعة ال يقع التواطؤ على الكذب من مثلهم إىل أن ينتهي إىل املخرب عنه.
هذا تعريف املصنف ،وهو تعريف حيتاج إىل تقدير ،ألن املتواتر ليس هو رواية اجلماعة ،بل ما يرويه مجاعة،
والرواية نفسها هي التواتر فيقدر :حال املتواتر أن يرويه مجاعة .ولو قال( :ما رواه مجاعة) لكان أحسن.
() الصحاح للجوهري (.)2/843 1
98
ومن هذا التعريف وما بعده يتبني أن شروط املتواتر أربعة:
)1أن يرويه عدد ،وقد أشار املصنف إىل ذلك بقوله( :أن يروي مجاعة) وقد اختلف العلماء يف العدد املطلوب
على أقوال كثرية ،كلها ضعيفة لتكافئها يف الدعوى ،وألن أدلتها ال تعلق لشيء منها باألخبار ،والصحيح
ما قاله ش يخ اإلس الم ابن تيمية رمحه اهلل ،ونس به إىل األك ثرين من أن الت واتر ليس له ع دد حمص ور ،بل قد
حيصل بكثرةاملخ ربين ،وقد حيصل بص فاهتم لض بطهم ودينهم ،وقد حيصل بق رائن حتتف ب اخلرب حيصل
مبجموعها العلم .وقد حيصل بتلقي األمة له ب القبول ،واألمة ال جتتمع على ض اللة ،وقد حيصل إذا أمجع أهل
احلديث على صحته وحنو ذلك(.)1
)2أن حتيل العادة تواطؤهم على الكذب ،وأشار إليه بقوله( :ال يقع التواطؤ من مثلهم على الكذب).
)3أن يستوي مجيع طبقات السند بالشرطني السابقني إىل أن ينتهي إىل املخرب عنه .وأشار إليه بقوله( :إىل أن
ينتهي إىل املخرب عنه).
)4أن يكون مستند خربهم عن مشاهدة أو مساع كقوهلم" :مسعنا أو رأينا" ال عن اجتهاد ،ألن االجتهاد ميكن
فيه الغلط خبالف املشاهدة ،فإن من أخرب عن وجود حادثة إخباراً عن مشاهدة مل جيز عليه الغلط .وأشار
إليه بقوله( :ويكون يف األصل عن مشاهدة أو مساع ال عن اجتهاد).
قوله (ف املتواتر ما ي وجب العلم) أي أن املت واتر يفيد العلم .وهل هو العلم الض روري أو النظ ري؟ ق والن:
أرجحهما أن املتواتر يفيد العلم الضروري أي اليقيين الذي يضطر اإلنسان إىل التصديق به تصديقاً جازم اً ،كوجود
األئمة األربع ة ،ووج ود مكة ودمشق مثالً بالنس بة ملن مل يرمها ،ولو أراد التخلص من العلم ب ذلك مل يس تطع ،وقد
نسب الشوكاين هذا القول إىل اجلمهور ،وقال :إنه احلق(.)2
وكما يفيد املت واتر العمل يفيد العمل مبا دل عليه بتص ديقه إن ك ان خ رباً ،وتطبيقه إن ك ان طلب اً .ومث ال
علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)(.)3
املتواتر :عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال :قال رسول اهلل ( rمن كذب ّ
ف ال املن ذري :وه ذا احلديث قد روي عن غري واحد من الص حابة يف الص حاح والس نن واملس انيد وغريمها،
حىت بلغ مبلغ التواتر ،واهلل أعلم(.)4
اآلحــــاد
() انظر جمموع الفتاوى (.)148 ،18/16 1
() الرتغيب والرتهيب ( )1/111وانظر نظم املتناثر من احلديث املتواتر للكتاين. 4
99
(واآلح اد :هو ال ذي ي وجب العمل وال ي وجب العلم .وينقسم إلى مرسل ومس ند ،فالمس ند ما اتصل
إسناده ،والمرسل ما لم يتصل إسناده .فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة إال مراسيل
سعيد بن المسيب ،فإنها فتشت فوجدت مسانيد عن النبي .)r
هذا هو النوع الثاين من أنواع اخلرب باعتبار وصوله إلينا وهو اآلحاد.
واآلح اد لغ ة :مجع أحد كأجل وآج ال مبعىن واح د .ومهزته مبدلة من واو فأص له وح د ،وخرب اآلح اد ما
يرويه الواحد.
واصطالحاً :ما مل يتواتر
أي مل تبلغ نقلته مبلغ اخلرب املت واتر ،س واء ك ان املخرب به واح داً أو اث نني أو أربعة أو مخسة أو غري ذلك من
األعداد اليت ال تشعر بأن اخلرب دخل يف حد التواتر.
قوله (يوجب العمل) أي جيب العمل مبا تضمنه خرب اآلحاد بتصديقه إن كان خرباً ،وتطبيقه إن كان طلب اً،
بشرط صحته عن رسول اهلل rال فرق يف ذلك بني األحكام والعقائد على القول الصحيح ،لعموم األدلة يف وجوب
العمل خبرب الواحد ،ومن ذلك حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما قال :بينما الناس بقباء يف صالة الصبح إذ جاءهم
آت ،فق ال :إن النيب rقد أن زل عليه الليلة ق رآن ،وقد أمر أن يس تقبل الكعبة فاس تقبلوها ،وك انت وج وههم إىل
الشام ،فاستداروا إىل الكعبة(.)1
فه ذا دليل ظ اهر يف العمل خبرب الواح د ،ف إن الص حابة رضي اهلل عنهم حتول وا عن بيت املق دس على الكعبة
خبرب الواحد ،فصدقوا خربه ،وعملوا به.
ومن األدلة أن النيب rك ان يبعث اآلح اد إىل الن واحي والقبائل لتبليغ األحك ام الش رعية ،فل وال أنه جيب
العمل خبربهم مل يكن لبعثهم فائدة.
ومن األدلة أن الص حابة رضي اهلل عنهم قد أمجع وا على قب ول خرب الواحد والعمل به يف وق ائع ال ميكن
حصرها ،فقد رجعوا إىل الغسل من الوطء من غري إنزال إىل قول عائشة رضي اهلل عنها .ويف توريث اجلدة إىل قول
املغرية بن شعبة وحممد بن مسلمة وغري ذلك كثري(.)2
يق ول الن ووي( :وقد تظ اهرت دالئل النص وص الش رعية واحلجج العقلية على وج وب العمل خبرب الواح د،
وقد ق رر العلم اء يف كتب الفقه واألص ول ذلك بدالئل ه ،وأبلغ وه أبلغ إيض اح ،وص نف مجاع ات من أهل احلديث
وغريهم مصنفات مستكثرات يف خرب الواحد ووجوب العمل به ،واهلل أعلم)(.)3
100
وق ال أيض اً( :فال ذي عليه مجاهري املس لمني من الص حابة والت ابعني فمن بع دهم من احملدثني والفقه اء
وأص حاب األص ول أن خرب الواحد الثقة حجة من حجج الش رع ،يل زم العمل هبا ويفيد الظن وال يفيد العلم ،وأن
وجوب العمل به عرفناه بالشرع ال بالعقل .)1() . .
واعلم أن التفريق بني العقائد واألحكام يف االستدالل بأحاديث اآلحاد قول غريب حمدث ،ال دليل عليه من
كتاب وال سنة .بل هو خمالف ملا عليه سلف األمة ،فإن األدلة اليت يستدل هبا على وجوب األخذ حبديث اآلحاد يف
األحك ام الش رعية هي أدلة على وج وب األخذ هبا يف العقائد لعمومه ا ،ومن أدعى ختصيص ها باألحك ام فعليه
الدليل(.)2
قوله( :وال يوجب العلم) هذا قول اجلمهور :أن اآلحاد ال تفيد العلم ،بل تفيد الظن ،وهو رجحان صحة
نسبتها إىل من نقلت عنه ،وخيتلف هذا باختالف رتبتها فالصحيح لذاته ليس كاحلسن لغريه .وهكذا.
وذلك بأنه لو أف اد خرب كل واحد العلم لص دقنا كل خرب نس معه ،وحنن ال نص دق كل خرب نس معه ،ف دل
على أنه ال يفيد العلم ،وألن أع دل رواة اآلح اد جيوز يف حقه الك ذب والغل ط ،ف القطع بص دقه مع جتويز الك ذب
والغلط عليه ال معىن له.
وهن اك ق ول آخ ر ،وهو أن أخب ار اآلح اد تفيد العلم ،وهو م ذهب الظاهري ة ،وقد نص ره ابن ح زم( .)3وهو
قول مجاعة من أهل احلديث ،وهلم أدلة ذكرها ابن القيم يف كتابه (الصواعق املرسلة على اجلهمية واملعطلة)(.)4
واملخت ار أن أخب ار اآلح اد تفيد الظن ،ورمبا أف ادت العلم ب القرائن مثل أن تتلق اه األمة ب القبول تص ديقاً له
وعمالً به ،أو كونه مروياً يف الصحيحني ،وحنو ذلك ،واهلل أعلم.
قول ه( :وينقسم إىل مرسل ومس ند) أي أن أخب ار اآلح اد تنقسم إىل مرسل ومس ند ،وه ذا باعتب ار اتص ال
السند وانقطاعه .فاملسند لغة :اسم مفعول من اإلسناد ،وهو ضم جسم إىل آخر ،مث استعمل يف املعاين يقال :أسند
اخلرب إىل فالن إذا نسبه إليه.
قوله( :فاملسند ما اتصل إسناده) هذا تعريف املسند.
اصطالحاً :وهو ما اتصل إسناده ،واملراد باالتصال أن يروي شخص عن شخص إىل املخرب عنه.
ومثال ه :ق ول البخ اري رمحه اهلل يف ص حيحه :ح دثنا عبد اهلل بن يوسف ق ال :أخربنا مالك عن ابن ش هاب
عن أيب سلمة بن عبد الرمحن عن أيب هريرة رضي اهلل عنه ،أن رسول اهلل rقال( :من أدرك ركعة من الصالة فقد
أدرك الصالة)(.)5
() انظر أصل االعتقاد ص 57رسالة احلديث حجة بنفسه يف العقائد واألحكام لأللباين. 2
101
وتعريف املص نف للمس ند فيه عم وم ،ألنه يش مل كل ما اتصل إس ناده من رواية إىل منته اه ،ب أن ذكر يف
السند رواته كلهم فيدخل فيه املوقوف إذا جاء بسند متصل(.)1
وأكثر ما يستعمل املسند يف املرفوع إىل النيب rدون ما جاء عن الصحابة وغريهم.
قوله( :واملرسل ما مل يتصل إسناده)
املرسل لغ ة :اسم مفع ول مش تق من اإلرس ال :وهو اإلطالق فك أن املرسل أطلق اإلس ناد ومل يقي ده جبميع
رواته.
وأما يف االصطالح :فذكره بقوله (ما مل يتصل إسناده) وهذا عند األصوليني.
ومعن اه :أن يس قط بعض ال رواة ،س واء ك ان الس اقط واح داً أو أك ثر من أي موضع يف الس ند ،ففيه رواية
ال راوي عمن مل يس مع من ه .وعليه فاملرسل يف اص طالح أهل األص ول يش مل أن واع االنقط اع ،في دخل فيه املنقطع
واملعضل ،كما يدخل فيه مرسل الصحايب.
قال ابن األثري( :املرسل من احلديث هو أن يروي الرجل حديثاً عمن مل يعاصره) ا هـ(.)2
واملنقطع هو الذي سقط من إسناده رجل غري الصحايب .واملعضل هو الذي سقط منه اثنان.
وأما املرسل عند احملدثني فهو ما رفعه الت ابعي إىل النيب ،rوذلك ب أن يس قط منه الص حايب .ومن أمثلته ما
أخرجه مس لم يف ص حيحه يف كت اب ال بيوع ق ال :ح دثن حممد بن رافع ثنا حجني ثنا الليث عن عقيل عن ابن
شهاب عن سعيد بن املسيب أن رسول اهلل rهنى عن املزابنة واحملاقلة(.)3
فسعيد بن املسيب تابعي كبري روى هذا احلديث عن النيب rبدون أن يذكر الواسطة بينه وبني الرسول r
وهو الصحايب.
قول ه( :ف إن ك ان من مراس يل غري الص حابة فليس حبج ة) ه ذا بي ان حكم االحتج اج باملرس ل .وقد ذكر
املص نف حكم مرسل غري الص حايب ،وس كت عن مرسل الص حايب وذلك ألنه حجة عند مجاهري أهل العلم ق ال
احلافظ( :وهو الذي عليه عمل أئمة احلديث) ا هـ(.)4
وذلك ألن مرسل الص حايب موص ول مس ند ،ألن روايتهم غالب اً عن الص حابة ،واجلهالة بالص حابة ال تض ر،
ألهنم كلهم عدول.
وهلذا مل يعد ابن الصالح مرسل الصحايب من احلديث املرسل ،ألنه يف حكم املوصول املسند فقال( :مل نعد
يف أن واع املرسل وحنوه ما يس مى يف أص ول الفق ه :مرسل الص حايب ،مثل ما يرويه ابن عب اس وغ ريه من أح داث
() النكت على ابن الصالح ( )2/548وانظر اجملموع شرح املهذب (.)1/62 4
102
الص حابة عن رس ول اهلل rومل يس معوه من ه ،ألن ذلك يف حكم املوص ول املس ند ،ألن روايتهم عن الص حابة،
واجلهالة بالصحايب غري قادحة ،ألن الصحابة كلهم عدول ،واهلل أعلم)(.)1
ومرسل الص حايب :هو ما أخرب به الص حايب عن ق ول النيب rأو فعله ومل يس معه أو يش اهده ،ألنه مل ي درك
زمانه إما لص غر س نه أو لت أخر إس المه أو غيابه .ومثاله ما أخرجه البخ اري يف ص حيحه بس نده عن عائشة رضي
اهلل عنها قالت :كان أول ما بدئ به رسول اهلل rالرؤيا الصادقة يف النوم ،فكان ال يرى رؤيا إال جاءت مثل فلق
الصبح . . .احلديث )( )2فهذا من مراسيل الصحابة ،ألن عائشة مل تدرك هذه القصة ،ألهنا ولدت بعد املبعث بأربع
أو مخس سنني(.)3
ومثاله – أيض اً – ما أخرجه البخاري بسنده عن ابن الزبري أنه خطب فقال :قال حممد ( :rمن لبس احلرير
يف الدنيا لن يلبسه يف اآلخرة)( )4فهذا مرسل صحايب ألن عبد اهلل بن الزبري ولد عام اهلجرة(.)5
وقد ذكر احلافظ يف الفتح( )6أنه ت بني من الرواي تني الل تني أوردمها البخ اري بعد ه ذا املرسل أن ابن الزبري إمنا
محله عن النيب rبواسطة عمر رضي اهلل عنه ،وذكر احلافظ أنه مل يقف يف شيء من الطرق املتفقة عن عمر أنه رواه
بلفظ (لن) بل احلديث عنه يف مجيع الطرق بلفظ (مل) واهلل أعلم.
قال السيوطي يف تدريب الراوي( :ويف الصحيحني من مراسيل الصحابة ما ال حيصى ،ألن أكثر رواياهتم
عن الص حابة ،وكلهم ع دول ،ورواي اهتم عن غ ريهم ن ادرة ،وإذا رووها بينوه ا ،بل أك ثر ما رواه الص حابة عن
التابعني ليس أحاديث مرفوعة ،بل إسرائيليات أو حكايات أو موقوفات) ا هـ(.)7
ه ذا يف مراس يل الص حابة .وأما مراس يل غري الص حابة كمرسل الت ابعي ففيه خالف ،وقد ذكر املص نف أهنا
ليست حبجة ،وذلك للجهل بالساقط يف اإلسناد الحتمال أنه تابعي ،مث حيتمل أنه ضعيف .وبتقدير كونه ثقة حيتمل
أنه روى عن تابعي أيضاً ،وحيتمل أنه ضعيف وهكذا ،وهذا قول مجهور احملدثني ،وكثري من أهل األصول والفقهاء.
يق ول اإلم ام مس لم رمحه اهلل يف مقدمة ص حيحه( :واملرسل من الرواي ات يف أصل قولنا وق ول أهل العلم باألخب ار
ليس حبجة)( )8ومثل ذلك حكى ابن عبد الرب وابن الصالح والنووي وغريهم .قال ابن حجر يف شرح النخبة (وإمنا
ذكر املرسل يف قسم املردود للجهل احملذوف) ا هـ(.)9
() فتح الباري ( )10/289وقد ذكر احلافظ ثالثة من مراسيل ابن الزبري فمن أرادها رجع إهليا. 6
103
وذهب األئمة الثالث ة :مالك وأبو حنيفة وأمحد يف املش هور عنه إىل قب ول املرسل إذا ك ان املرسل ثق ة ،وال
يرسل إال عن ثقة ،وحجتهم أن التابعي الثقة ال يستحل أن يقول :قال رسول اهلل . . . rإال إذا مسعه من ثقة.
وقال بعض أهل العلم ومنهم الشافعي :حيتج مبراسيل كبار التابعني الذين أكثر روايتهم عن الصحابة كسعيد
بن املسيب وع روة بن الزبري ،وذلك بشرط أن يعض ده مرسل آخر أو قول ص حايب أو قياس أو يفيت مبقتضاه أكثر
أهل العلم(.)1
وقد مشى املص نف على الق ول ب املنع ومل يس تثن إال مراس يل س عيد بن املس يب ،وعلل ذلك بأنه فتش عنها
فوجد أن سعيدا أسقط الصحايب ،وعزاها للنيب rوالغالب أن يكون الصحايب هو صهره أبو زوجته أبو هريرة رضي
اهلل عنه .واملفتش هلا هو الشافعي رمحه اهلل على ما نقله املصنف يف كتابه (الربهان)( )2واهلل أعلم.
واعلم أن املصنف ملا نص على أن مرسل غري الصحايب ليس حبجة فهم منه أن مرسل الصحايب حجة ،كما
تقدم فيكون ذكر حكم النوعني ،واهلل أعلم.
() انظر الرسالة للشافعي ص 461وانظر تفصيل هذه الشروط يف كتاب (احلديث املرسل) للدكتور حممد حسن هيتو ص 36وما بعدها. 1
104
صيغ أداء الحديث
(والعنعنة تدخل على األس انيد .وإ ذا ق رأ الش يخ يجوز لل راوي أن يقول :حدثني أو أخ برني .وإ ذا
ق رأ هو على الش يخ يق ول :أخ برني وال يق ول ح دثني .وإ ن أج ازه الش يخ من غ ير ق راءة فيق ول:
أجازني وأخبرني إجازة).
ملا ف رغ املص نف من بي ان أقس ام اخلرب ش رع يف ذكر كيفية حتمله وأدائه وللح ديث حتمل وأداء .فالتحم ل:
أخذ احلديث عن الغري .واألداء :إبالغ احلديث إىل الغري.
قوله( :والعنعنة تدخل على األسانيد) العنعنة من صيغ أداء احلديث ،وهي رواية احلديث بلفظ عن فالن عن
فالن دون تصريح بالتحديث أو السماع.
وقوله (تدخل األسانيد) أي على األحاديث املسندة ،وهذا يفيد أن احلديث املعنعن يف حكم احلديث املسند
يف القب ول والعمل ب ه ،ال يف حكم املرسل يف رده وع دم العمل ب ه ،وذلك التص ال س نده يف الظ اهر ،وإمنا نبه عليه
دون غريه لوقوع اخلالف يف حكم املعنعن ،فاجلمهور على أن املعنعن من املتصل ،كما ذكر املصنف بشرطني:
األول متفق علي ه :وهو س المة معنعنه وبراءته من الت دليس ،فال حيكم باالتص ال من م دلس إال أن يص رح
بالتحديث.
الثاين خمتلف فيه :وهو لقاء الراوي ملن روى عنه واجتماعهما ولو مرة واحدة ،وبه قال البخاري وشيخه
ابن املديين وغريمها من أئمة احلديث .وهذا الرأي هو املختار الصحيح الذي عليه أئمة هذا الفن ،ما قال النووي يف
شرح مسلم( :)1ومنهم من اكتفى بإمكان اللقاء واملعاصرة كاإلمام مسلم ،واملعنعن كثري يف الصحيحني وغريمها.
ومثاله :ما أخرجه البخاري يف صحيحه قال :حدثنا عبد اهلل بن يوسف قال :أخربنا مالك عن ابن شهاب
عن حممد بن جبري بن مطعم عن أبيه قال :مسعت رسول اهلل rقرأ يف املغرب بالطور(.)2
فه ذا احلديث ص حيح وس نده متص ل .وأما العنعنة فهي حممولة على االتص ال ،ألن رواته غري مدلس ني،
فمالك إمام حافظ ،وابن شهاب الزهري فقيه حافظ متفق على جاللته وإتقانه ،وحممد بن جبري ثقة.
مث ذكر املؤلف ألفاظ الرواية من غري الصحايب ،وهلا مراتب بعضها أقوى من بعض ،ومنها:
قراءة الشيخ على التلميذ لريوي عنه ،فيقرأ الشيخ على الرواة وهم يسمعون .وهذه املرتبة هي )1
الغابة يف التحمل ،وللراوي يف هذه املرتبة أن يقول :حدثين فالن أو أخربين.
قراء التلميذ على الشيخ وهو يسمع .فيقول :نعم أو يسكت .فتجوز الرواية عنه بذلك فيقول )2
التلميذ :أخربين أو حدثين قراءة عليه .وهل يسوغ له ترك (قراءة عليه)؟
105
قوالن :املصنف ومن وافقه يرى املنع ،ألنه مل حيدثه،ألن التحديث يف عرفهم عبارة عن قراءة الشيخ وغريه يسمع .
والقول الثاين :اجلواز ألن القصد اإلعالم بالرواية عن الشيخ ،وكل من الصيغتني صاحل لذلك .واألول قال به مسلم
وهو مذهب الشافعي وأصحابه ورواية عن أمحد ،وبالثاين قال البخاري وبعض أهل العلم.
اإلج ازة :وهي أن ي أذن الش يخ للتلميذ أن ي روي عنه ما رواه ،ك أن يق ول ل ه :أج زت لك أن )3
تروي عين صحيح البخاري .فيقول التلميذ :أجازين ،أو أخربين إجازة.
وقول ه( :من غري ق راءة) أي من غري ق راءة من الشيخ على ال راوي وال من ال راوي على الشيخ.
واهلل أعلم.
106
القيـــاس
(وأما القي اس :فهو رد الف رع إلى األصل في الحكم بعلة تجمعهم ا .وهو ينقسم إلى ثالثة أقس ام:
قي اس عل ة ،وقيسا دالل ة ،وقي اس ش به .فقي اس العل ة :ما ك انت العلة فيه موجبة للحكم .وقي اس
الداللة :هو االستدالل بأحد النظيرين على اآلخر ،وهو أن تكون العلة دالة على الحكم ،وال تكون
موجبة للحكم .وقي اس الش به هو الف رع الم تردد بين أص لين فيلحق بأكثرهما ش بهاً ب ه ،وال يص ار
إليه مع إمكان ما قبله).
هذا هو األصل الرابع من األصول اليت يستدل هبا وهو القياس ،وخالف فيه الظاهرية وآخرون ،وقالوا :ليس
من األصول ألنه ال يفيد إال الظن.
والصواب مع اجلمهور ،فإن القياس يثري ظنّاً غالب اً يعمل به يف األحكام الشرعية ،وقوهلم :ال يفيد إال الظن،
نقول :خرب الواحد وحنوه ال يفيد إال الظن يف األصل ،ومع هذا يستدل به.
وقد دل على اعتبار القياس دليالً كتاب اهلل تعاىل وسنة رسوله rوأقوال الصحابة ،قال تعاىل] :لقد أرسلنا
رس لنا بالبين ات وأنزلنا معهم الكت اب والم يزان ليق وم الن اس بالقسط[( ،)1امليزان ما ت وزن به األم ور ويق ايس به
بينها .قال شيخ اإلسالم ابن تيمية( :والقياس الصحيح من العدل .فإنه تسوية بني متماثلني .وتفريق بني املختلفني
.)2(). .
ومن الس نة ما ورد عن أيب هري رة رضي اهلل عنه أن رجالً أتى النيب rفق ال( :يا رس ول اهلل ولد يل غالم
أسود .فقال :هل لك من إبل؟ قال :نعم .قال .ما ألواهنا؟ قال :محر .قال :هل فيها من أورق؟ قال :نعم .قال :فأىن
ذلك؟ قال :لعله نزعه عرق .قال :فلعل ابنك هذا نزعه عرق)( )3متفق عليه.
قال ابن العريب( :فيه دليل على صحة القياس واالعتبار بالنظري)(.)4
ومن أقوال الصحابة ما ورد يف كتاب عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه إىل قاضيه أيب موسى األشعري رضي
اهلل عنه وفيه (مث الفهم فيما أدىل عليك مما ورد عليك مما ليس يف ق رآن وال س نة ،مث قي اس األم ور عن دك واع رف
األمثال .مث اعمد فيما ترى إىل أحبها إىل اهلل وأشبهها باحلق .)5() . .
() هذا الكتاب من عمر رضي اهلل عنه كتاب جليل القدر تلقاه العلماء بالقبول .وقد شرحه ابن القيم رمحه اهلل يف أعالم املوقعني .ويف جملة البحوث اإلسالمية 5
العدد السابع عشر حتقيق هذا الكتاب وبيان ما تضمنه من توجيهات للقضاة للدكتور ناصر الطريفي ص.254 – 196
107
ونقل ابن القيم يف أعالم املوقعني عن املزين من كب ار الش افعية أنه ق ال( :الفقه اء من عصر الرس ول rإىل
يومنا وهلم ج را اس تعملوا املق اييس يف الفقه يف مجيع األحك ام يف أمر دينهم) وق ال( :وأمجع وا على أن نظري احلق
حق ،ونظري الباطل باطل)(.)1
قوله( :وأما القياس فهو رد الفرع على األصل .). .
القي اس لغ ة :التق دير واملس اواة .تق ول :قست الث وب بال ذراع إذا قدرته ب ه ،وفالن ال يق اس بفالن أي ال
يساوي به.
واصطالحاً( :رد الفرع إىل األصل يف احلكم بعلة جتمعهما) ،والباء يف قوله( :بعلة) سببية أي بسبب علة،
ومعىن رد الفرع إىل األصل جعله مساوياً له وراجع اً إليه يف احلكم ،حيث إن الفرع مل يرد يف بيان حكمه نص وال
إمجاع ،ألن موض وع القي اس طلب أحك ام الف روع املس كوت عنه ا ،اليت مل ي رد فيها نص وال إمجاع ،ف إذا وج دت
علة األصل يف الفرع أعطي حكم األصل.
ومثال ه :قي اس األرز على الرب يف جري ان الربا( ،)2والعلة اليت جتمعهما هي الطعم والكيل مثالً .وقي اس العبد
على األمة يف تنصيف حد الزنا جبامع الرق يف كل منهما .ودليل األصل آية سورة النساء .كما تقدم يف التخصيص.
وأركان القياس أربعة:
)1الف رع ،وهو احملل ال ذي ي راد إثب ات احلكم في ه ،ويس مى املقيس .وهو األرز يف املث ال األول والعبد يف
املثال الثاين.
)2األصل ،وهو احملل املعلوم بثبوت احلكم فيه ،ويسمى املقيس عليه ،وهو الرب ،واألمة.
)3واحلكم ،وهو األمر املقصود إحلاق الفرع باألصل فيه .وهو جريان الربا يف املثال األول .وتنصيف احلد
يف الثاين.
)4العلة ،وهي املعىن املشرتك بني األصل والفرع املقتضي إثبات احلكم يف الفرع .وهي الطعم والكيل مثالً
يف األول ،والرق يف الثاين.
قوله( :وهو ينقسم إىل ثالثة أقسام) ملا ذكر تعريف القياس شرع يف تقسيمه حبسب علته .فذكر أنه ثالثة:
قياس العلة وقياس الداللة ،وقياس الشبه .وعرف كل قسم منها.
قوله (فقياس العلة :هو ما كانت العلة فيه موجبة احلكم).
أي :هو ما ك انت العلة اليت جتمع الف رع واألصل يف احلكم (موجبة احلكم) أي :مقتض ية للحكم ،مبعىن أنه
ال حيسن ختلف احلكم عنها يف الف رع ب أن توجد هي يف الف رع وال يوجد احلكم .ومثال ه :قي اس ض رب الوال دين أو
ُف[( )3واحلكم هو التح رمي ،والعلة هي اإلي ذاء.
أح دمها على الت أفيف املنص وص عليه يف قوله تع اىل] :فال تقل لهما أ ّ
108
فال حيسن عقالً ختلف احلكم يف الفرع بأن يباح الضرب ،ومينع التأفيف مع وجود العلة يف الفرع على أمت وجه(.)1
وه ذا على ق ول من ي رى أن ثب وت احلكم يف الف رع يف ه ذا القسم بطريق القي اس فيك ون بطريق املنط وق ونقل يف
الربهان( )2عن أكثر األصوليني أنه بطريق مفهوم املوافقة ،وهو أن يوافق املسكوت عنه املنطوق يف احلكم ،وقد يكون
أوىل وقد يكون مساوياً والضرب أوىل بالتحرمي من التأفيف.
واملشهور أن قياس العلة هو اجلمع بني الفرع واألصل بنفس العلة ،كما إذا قلنا :جيري الربا يف األرز قياس اً
على الرب جبامع الطعم والكيل مثالً .وهو إما جلي أو خفي ،وما ذك ره املص نف هو من قي اس العلة اجللي ،وهو ما
علم من غري معاناة وفكر(.)3
قوله( :وقياس الداللة :هو االستدالل بأحد النظريين على اآلخر ،وهو أن تكون العلة دالة على احلكم وال
تكون موجبة للحكم) قوله( :هو االستدالل) أي هو أن يستدل بأحد النظريين على النظري اآلخر .واملراد ب النظريين:
الشيئان املتشاركان يف األوصاف كاشرتاك األشنان والرب يف وصف الكيل ،وقوله( :أن تكون العلة دالة على احلكم)
أي على ثبوت احلكم يف الفرع.
وقوله( :وال تكون موجبة للحكم) أي ال تكون مقتضية لثبوت احلكم كما يف قياس العلة.
ومثال ه :قي اس األش نان( )4على الرب يف جري ان الربا جبامع الكي ل .فالعلة وهي الكيل دالة على احلكم ،وهو
جريان الربا يف األشنان ،ولكنها ليست موجبة لثبوت احلكم يف الفرع ،جلواز خلو الفرع عن هذا احلكم ،الحتمال
إجياد فرق بني األصل والفرع ،بأن الرب مطعوم واألشنان غري مطعوم.
واملش هور أن قي اس الدالة هو اجلمع بني األصل والف رع ب دليل العل ة ،ال بالعلة نفس ها :كالش دة يف اخلمر أو
الرائحة ،فإن الشدة أو الرائحة ليست هي العلة .مسي بذلك ألن املذكور دليل العلة .وقد يكون أثر العلة كأن يقال:
القتل مبثقل ي وجب القص اص :كالقتل مبح دد جبامع اإلمث ،وهو أثر العلة اليت هي :القتل العمد الع دوان .وقد يك ون
حكم العلة كأن يقال :تقطع اجلماعة بالواحد ،كما يقتلون به جبامع وجوب الدية .وهو حكم العلة ،وال منافاة بني
هذا وما ذكر املصنف جلواز تعدد االصطالح أو اختالفه واهلل أعلم(.)5
قوله( :وقياس الشبه :هو الفرع املرتدد بني أصلني).
مثاله( :)6العب د .هل ميلك بالتمليك أو ال؟ وهل إذا قتل فيه الدية أو القيم ة؟ فهو م رتدد بني أص لني خمتلفي
احلكم.
() ويسمى هذا قياس األوىل وهو أن يكون ثبوت احلكم يف الفرع أوىل منه يف األصل كهذا املثال أو مساوياً له كقياس حترمي إتالف اليتيم باللبس على حترمي 1
() األشنان :بفتح اهلمزة وكسرها شجر معروف كان يستعمل قدمياً يف غسل الثياب. 4
() انظر أمثلة أخرى يف شرح الروضة البن بدران ( )2/296ومذكرة الشنقيطي ص.266 6
109
األول احلر فالعبد يشبه احلر من حيث إنه إنسان مكلف يثاب ويعاقب وينكح ويطلق ،وتلزمه أوامر الشرع
ونواهيه.
األصل الثاين :املال أو البهيمة كما عرب بعضهم ،فهو يشبه هذا األصل من حيث إنه يباع ويوهب ويوصى
به ويرهن ويورث وغري ذلك من أحوال املال.
فالعبد ف رع أش به احلر فيملك بالتمليك وفيه الدي ة ،وه ذا األصل األول ،وأش به البهيمة فال ميلك بالتمليك
وفيه القيمة .وهذا األصل الثاين.
قوله( :فيلحق بأكثرمها شبهاً به) أي يلحق هذا الفرع بأكثر األصلني شبهاً به يف صفات مناط احلكم .وهو
املال .فيأخذ حكمه . .ألنه يشبهه يف احلكم والصفة معاً أكثر مما يشبه احلر فيهما.
قول ه( :وال يص ار إليه مع إمك ان ما قبل ه) ه ذه العب ارة ثابتة يف بعض النس خ ،ومعناه ا :أن ه ذا الن وع من
القياس أضعف من الذي قبله ،فال يصار إليه مع إمكان القسمني األولني ،إذ ليس بني الفرع واألصل علة مناسبة،
سوى أنه يشبهه يف أكثر األحكام ،مع أنه ينازعه أصل آخر .واهلل أعلم.
110
من شروط القيــاس
(ومن ش رط الف رع أن يك ون مناس باً لألص ل .ومن ش رط األصل أن يك ون ثابت اً ب دليل متفق عليه
بين الخص مين .ومن ش رط العلة أن تط رد في معلوالتها فال تنتقض لفظ اً وال مع نى .ومن ش رط
الحكم أن يك ون مثل العلة في النفي واإلثب ات .والعلة هي الجالبة للحكم ،والحكم هو المجل وب
للعلة).
ملا ذكر تعريف القياس وأقسامه ذكر بعض شروط أركان القياس.
قوله( :ومن شرط الفرع أن يكون مناسباً لألصل) أي :ومن شروط الفرع ألنه مفرد مضاف فهو للعموم.
ِ
(وم ْن) للتبعيض ،ألن له ش روطاً أخ رى .واألظهر أن املراد باملناس بة :املناس بة يف العلة ب أن تك ون علة احلكم وص فاً
مناس باً لكل من األصل والف رع ،مثل تش ويش الفكر وانش غال القلب وصف مناسب ملنع احلاقن من القض اء قياس اً
على منع الغض بان من ه ،وكاالس تعجال يف قي اس قتل املوصى له للموصي على قتل ال وارث مورث ه ،وكاإلس كار
وصف مناسب لتح رمي النبيذ قياس اً على اخلمر( ،)1وعلى ه ذا فيغين عن ذك ره ما تق دم يف التعريف من قوله (بعلة
جتمعهما) إال أن يقال :إن الشرطية قد ال تستفاد من التعريف؛ ألن هذه الورقات وضعت للطالب املبتدئ الذي هو
قريب الغفلة عن استفادة ذلك من التعريف.
وحيتمل أن يراد باملناسبة كون حكم الفرع مماثالً حلكم األصل ،كقياس القتل باملثقل على القتل باحملدد يف
وجوب القصاص .فاحلكم يف األصل هو عني احلكم يف الفرع ،ذكره يف غاية املرام(.)2
وقد ذكر الش وكاين أن من ش روط الف رع مس اواة علته لعلة األص ل ،ومس اواة حكمه حلكم األص ل ،فه ذا
يفسر به كالم املصنف( .)3فال يقاس التفاح على الرب يف جريان الربا ،ألن الفرع ليس مساوياً لألصل يف العلة ،وهي
الكيل مثالً حيث إن التفاح ليس مكيالً واهلل أعلم.
قوله( :ومن شرط األصل أن يكون ثابت اً بدليل متفق عليه بني اخلصمني) هذا شرط حلكم األصل كما عرب
به غ ريه ،ومعىن ذلك أن يك ون حكم األصل ال ذي ي راد إثباته للف رع ثابت اً ب دليل نص أو إمجاع ،متفق عليه بني
اخلص مني املتن ازعني ،ألن البحث بينهما ف إذا ذكر املس تدل احلكم مقرتن اً بدليله من نص أو إمجاال مل يش رتط موافقة
اخلصم ،ألن داللة النص الصريح أو اإلمجاع على احلكم يؤمن معه االنتشار.
وإمنا ش رط ذلك لئال مينع اخلصم احلكم فيحت اج اآلخر على إثباته فيك ون انتق االً من مس ألة على مس ألة
أخرى ،وينتشر الكالم فيفوت املقصود.
() يكثر يف كتب األصول ذكر هذا املثال .وفيه نظر ألن النيب rصرح بأن كل مسكر حرام .ومن شرط الفرع أال يكون منصوصاً على حكمه .ومن ال 1
يشرتط ذلك جييز هذا القياس فانظر الشرح الكبري (( )2/287أضواء البيان (.))3/312
() غاية املرام ص.198 2
() انظر إرشاد الفحول ص ،209غاية املرام شرح مقدمة اإلمام للتلمساين ص.197 3
111
ومثاله ق ول احلنبلي :جلد امليتة جنس فال يطهر بال دباغ كجلد الكلب .فيق ول احلنفي :ال أس لم حكم
األصل ،وهو أن جلد الكلب ال يطهر بالدباغ ،بل هو يطهر به عندي.
فحكم األصل املقيس عليه ليس متفق اً عليه بينهم ا ،فال يصح القي اس ،وه ذا من الق وادح يف ب اب القي اس،
ويسمى (املنع).
فإن مل يكن خصم ،بل أريد جمرد إثبات ذلك احلكم يف الفرع ،فالشرط ثبوت حكم األصل بدليل يقول به
القائس وهو املثبت للقياس.
قوله( :ومن شرط العلة أن تطرد يف معلوالهتا).
أي ومن شرط العلة من حيث إحلاق الفرع باألصل بواس طتها أن تطرد ،ومعىن االط راد :أنه كلما وج دت
العلة يف صورة من الصور وجد معها احلكم كاإلكسار ،فكلما وجد اإلكسار يف شيء وجد التحرمي فيه ،كالكيل
والطعم – مثالً – فكلما وجد الكيل والطعم يف شيء حرم الربا فيه.
واملراد مبعلوالهتا األحكام املعللة هبا كتحرمي الربا يف الرب معلل بالكيل والطعم على أحد األقوال.
وقوله( :فال تنتقض لفظاً وال معىن) هذا تفريع على شرطية االطراد ،واالنتفاض أن يوجد الوصف يف صورة
من الصور ،وال يوجد معه احلكم ،وهذا من القوادح اليت تبطل القياس ويسمى (النقض).
وال حاجة لق ول املص نف (لفظ اً) ألنه إذا انتقض معىن انتقض لفظ اً ،بل لو اقتصر املص نف على قوله (فال
تنتقض) لكفى ،ألن العلة ال تك ون إال مع ىن ،واأللف اظ دالة عليه ا ،ولعله مجع بينهما لإليض اح والتأكي د ،أي فال
ينتقض لفظ العلة وال معناها( )1أو يق ال :إن ك انت العلة مركبة من ع دة أوص اف نظر إىل اللف ظ ،وإن ك انت أم راً
واحداً نظر على معىن .وسيأيت إن شاء اهلل مثال ذلك(.)2
واعلم أن املص نف عمم النقض ،وهو ختلف احلكم ،س واء ك ان املانع أو لغري م انع ،فيفسد القي اس ،وهو ما
مشى عليه يف مجع اجلوامع( .)3ونقله عن الش افعي واخت اره مجاع ة .وي رى آخ رون أن ختلف احلكم عن الوصف فيه
تفص يل :ف إن ك ان ألجل م انع منع من ت أثري العلة أو لفقد ش رط تأثريه ا ،فال يك ون ذلك مبطالً للعل ة ،بل هو
ختصيص هلا ،وإال فهو نقض وإبطال .وبه قال التلمساين يف مفتاح الوصول ،ونسبة الشنقيطي ألكثر العلماء(.)4
ومث ال النقض أن يق ال :القتل العمد الع دوان علة لوج وب القص اص إمجاع اً ،لكن ينتقض ذلك بقتل الوالد
ول ده ،فإنه ال جيب القص اص ،فال يقتل به مع وج ود العل ة ،وهي األوص اف الثالث ة :القت ل ،والعم د ،والع دوان.
فيق ال :إن العلة ختلفت ملانع وهو األب وة ،ألهنا مانعة من ت أثري العلة يف احلكم ،فال يق ال ه ذه العلة منقوضة لتخلف
احلكم عنها يف ه ذه الص ورة ،بل هي علة منع من تأثريها م انع ،فال تبطل يف غري األب ،فكلما وجد القتل العمد
112
العدوان من غري األب وحنوه وجب القصاص ،حيث ال مانع من تأثريها .وهذا نقض على رأي األولني ،وختصيص
على القول الثاين.
ومث ال فقد الش رط :الزنا علة ال رجم إمجاع اً .وش رطه :اإلحص ان .ف إذا ختلف احلكم – وهو ال رجم – مع
وجود العلة – وهي الزنا – فال يقال :إهنا علة منقوضة ،بل علة ختتلف شرط تأثريها.
وإن ك ان ختلفها لغري ذلك مل يصح التعليل هبا ،كما لو قي ل :جتب الزك اة يف املواشي قياس اً على األم وال
جبامع دفع حاجة الفقري .فيقال :إن التعليل بدفع حاجة الفقري قد ختلف احلكم عنها يف اجلواهر كالآليل لصالحيتها
لدفع حاجة الفقري ،ومع هذا فال زكاة فيها ،فهي علة منقوضة حيث وجد املعىن املعلل به ،وهو دفع حاجة الفقري،
ومل يوجد احلكم وهو وجوب الزكاة.
قول ه( :ومن ش رط احلكم أن يك ون مثل العلة يف النفي واإلثب ات) املراد ب احلكم حكم األصل من حيث
صحة إحلاق الفرع فيه بسبب علته ،أي :ومن شروط احلكم أن يكون تابع اً للعلة يف النفي واإلثبات أي يف الوجود
والعدم ،فإن وجدت العلة وجد احلكم ،وإن انتفت انتفى .وهذا الشرط أعم من الشرط املذكور يف العلة ،ألن ذاك
خاص بوجود احلكم عند وجود العلة ،وهذا عام للوجود واالنتفاء ،فاألول هو الطرد ،والثاين هو العكس .وهذا إن
ك ان احلكم معلالً بعلة واح دة :كتح رمي اخلمر لعلة اإلس كار ،فمىت وجد اإلس كار وجد التح رمي ،ومىت انتفى
اإلسكار انتفى التحرمي ،فإن كان للحكم علل متعددة مل يلزم من انتفاء علة معينة منها انتفاء احلكم ،فيثبت بالعلة
األخرى كالبول والغائط والنوم لنقض الوضوء ،فلو عدم البول والغائط ثبت النقض بالنوم.
واعلم أن ظ اهر كالم املص نف اش رتاط االنعك اس يف العل ة ،ومعن اه كلما انتفت العلة انتفى احلكم ،ومن
يشرتط ذلك مينع تعليل احلكم بعلتني ،ألنه إذا انتفت علة مل ينتف احلكم لوجود العلة األخرى وقيامها مقامها.
والص حيح أن ذلك ال يش رتط وإن ك ان هو الغ الب .ونس به يف الش رح الكبري للورق ات إىل اجلمه ور(،)1
فيج وز تعليل احلكم الواحد بعل تني وذلك لوقوع ه ،وألن العلة عالمة على وج ود احلكم ،وال م انع من تع دد
العالمات.
ومثاله ما تق دم من تعليل إجياب الوض وء ب البول والغائط وال ريح والن وم ،ومثاله أيض اً تعليل حرمة النك اح
بالقرابة والصهر والرضاع.
قوله( :والعلة هي اجلالبة للحكم) هذا أحد تعاريف العلة ،وهي الركن الرابع من أركان القياس كما تقدم.
مث إن أريد باجلالبة للحكم أي ب ذاهتا فغري ص حيح ،ألن اهلل تع اىل ال حيمله على ش رع احلكم س وى إرادته
جل وعال ،خيلق ما يشاء وخيتار.
وإن أريد أن الش ارع جعلها جالبة للحكم فه ذا ال ب أس ب ه .ولكن التعبري (باملعرفة للحكم) أوىل من اجلالبة
للحكم لالحتم ال املذكور ،وذلك ألن العلة معرفة لوج ود احلكم ،فمىت ع رفت العلة ع رف ثب وت احلكم معه ا،
معرفة على حرمةبس بب أن بينهما مناس بة تقتضي ت رتيب احلكم عليه ا ،فاإلس كار علة أي أن ه ذا الوصف عالمة ّ
() الشرح الكبري (.)2/497 1
113
املس كر كاخلمر والنبيذ .فاخلل قبل أن يصري مس كراً مب اح ،فإذا ظهرت فيه القوة املسكرة وصار مخراً حرم .فعلة
التحرمي وهي اإلسكار تدل على ترتب احلكم عليها وتعلقه هبا ،فإن وجدت وجد ،وإن مل توجد مل يوجد احلكم.
قوله( :واحلكم هو اجمللوب للعلة) هذا تعريف احلكم وهو أحد أركان القياس كما تقدم.
ومعىن ذلك أن احلكم هو ما جلبته العلة واقتض ته من حترمي وحتليل وص حة وفس اد ووج وب وانتف اء وحنو
ذل ك ،فتح رمي اخلمر حكم ش رعي اقتض ته العلة وهي اإلس كار .وإمنا ك ان احلكم جملوب اً للعلة ملناس بتها ل ه ،فإنه ما
ثبت حكم األصل يف الفرع إال بسبب هذه العلة واهلل أعلم.
114
الحظــر واإلباحــة
(وأما الحظر واإلباحة فمن الناس من يقول :إن أصل األشياء على الحظر إال ما أباحته الشريعة.
فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على اإلباحة يتمسك باألصل وهو الحظر .ومن الناس من يقول:
بضده ،وهو أن األصل في األشياء على اإلباحة إال ما حظره الشرع [ومنهم من قال بالتوقف]).
ق ول (وأما احلظر واإلباح ة) معط وف على قوله يف أول الورق ات (وأما أقس ام الكالم) فهو من مجلة ما أراد
تفصيله بعد إمجاله.
واملراد باحلظر :املنع .واإلباحة ضده .وهذه املسألة( )1وهي مسألة األعيان املنتفع هبا ذكر املصنف فيها ثالثة
أقوال:
األول :أن األش ياء املنتفع هبا على احلظر إال ما دلت الش ريعة على إباحته فهو مب اح ،ف إن مل يوجد يف
الشريعة ما يدل على اإلباحة فإنه يتمسك باألصل وهو احلظر ،واحتج القائلون بذلك بأن مجيع األشياء مملوكة هلل
جل وعال ،واألصل يف ملك الغري منع التصرف فيه إال بإذنه.
القول الثاين :أن األصل يف املنافع اإلباحة إال ما حظره الشرع .ومن أدلة قوله تعاىل] :هو الذي خلق لكم
ما في األرض جميعا[( )2ووجه الدالل ة :أن اهلل تع اىل امنت على خلقه مبا يف األرض مجيع اً ،وال مينت إال مبب اح إذ ال
منة يف حمرم ،وخص من ذلك بعض األش ياء وهي اخلب ائث ملا فيها من الض رر هلم يف معاش هم أو مع ادهم ،فيبقى ما
عداها مباحاً مبوجب اآلية.
والحب ذو
ّ وق ال تع اىل] :واألرض وض عها لألن ام ( )10فيها فاكهة والنخل ذات األكم ام ()11
العصف والريحان ( )3([ )12فامنت اهلل تعاىل على األنام بأن وضع هلم األرض ،وجعل هلم فيها أرزاقهم من القوت
والتفكه.
وعن س عد بن أيب وق اص رضي اهلل عنه أن النيب rق ال( :إن أعظم املس لمني جرم اً من س أل عن ش يء مل
خيرم فحرم من أجل مسألته)(.)4
ّ
ووجه الداللة من وجهني:
حترم إال بتحرمي خاص لقوله( :مل حيرم). )1أن األشياء ال ّ
)2أن التحرمي قد يكون ألجل املسألة .فبني هبذا أهنا بدون ذلك ليست حمرمة.
() انظر كتاب (املسائل املشرتكة بني أصول الدين وأصول الفقه) للدكتور حممد العروسي ص.84 1
() أخرجه البخاري رقم 6859ومسلم رقم 2358وأبو داود رقم .4610 4
115
والقول الثالث :التوقف (وهذا ثابت يف بعض النسخ) ودليله أن املباح ما أذن فيه صاحب الشرع ،واحملظور
ما حرمه صاحب الشرع ،فإذا مل يرد الشرع وجب أال يكون مباحاً وال حمظوراً ،فوجب أن يكون على التوقف.
والقول الثاين أرجح األقوال يف املسألة لقوة أدلته .وما علل به األولون ضعيف ال يقف يف مقابلة النصوص.
وأما الثالث ففيه نظر ،فإن اهلل تعاىل خلق لنا وسخر ]ما في السموات وما في األرض جميع اً منه[( )1نستفيد منها،
فالتص رف فيها ينبغي أن يك ون مباح اً هبذا األصل الع ام ،وقد نصر الق ول باإلباحة ش يخ اإلس الم ابن تيمية رمحه
اهلل(.)2
واعلم أن املس ألة خاصة باألعي ان املنتفع هبا ،وكالم املص نف ع ام حيث عرب باألش ياء ،وهي تش مل املن افع
واملضار ،كما تشمل األقوال واألفعال ،وقد فصل شارح الورقات جالل الدين احمللى وبني حكم املنافع وأنه احلل،
واملضار وأنه التحرمي ،وقال :إن هذا هو الصحيح( .)3واهلل أعلم.
116
استصحــاب الحــالـ
(ومعنى استصحاب الحال :أن يستصحب األصل عند عدم الدليل الشرعي).
االستصحاب من األدلة املختلف فيها .وقول املصنـف ( ومعىن استصحاب احلال ) يشعـر بأن االستصحاب
تق دم له ذكر كغ ريه من املب احث الس ابقة .وليس ك ذلك ألن املص نف مل ي ذكره يف جممل األب واب أول الورق ات،
وكان األنسب أن يعنون له مبسألة وحنوها.
واالستصحاب لغة :طلب الصحبة كاالستسقاء طلب السقيا ،والصحبة مقارنة الشيء ومقاربته.
واصطالحاً :هو احلكم بأن ما ثبت يف الزمن املاضي ،فاألصل بقاؤه يف الزمن املستقبل.
فإذا ثبت شيء فاملستدل يطلب صحبته يف احلال واالستقبال حىت يدل دليل على رفعه.
فلو ادعى ش خص على آخر دين اً مل تقبل دع واه .ويك ون الق ول ق ول املدعى عليه استص حاباً للح ال .إذ
األصل براءة الذمة من احلقوق املالية حىت يدل دليل على خالف ذلك.
واالستصحاب أنواع:
األول :استصحاب العدم األصلي ،حىت يرد الدليل الناقل عنه ،وهذا النوع هو الذي ذكره املصنف بقوله:
(أن يستصحب األصل عند عدم الدليل الشرعي) .واملراد باألصل :العدم األصلي .وهو ما يسمى بالرباءة األصلية.
فاألصل براءة الذمة من التكاليف الشرعية حىت يرد دليل شرعي على تغيريه :كنفي صالة سادسة .وعدم وجوب
صوم رجب.
وقول ه( :عند ع دم ال دليل الش رعي) املراد بع دم ال دليل باعتب ار ما يظهر للمجتهد ال ب النظر للواقع ونفس
األمر .فإذا حبث اجملتهد ومل جيد الدليل استصحب الرباءة األصلية.
وه ذا الن وع حج ة .ق ال الس بكي يف اإلهباج ش رح املنه اج( :واجلمه ور على العمل هبذا ،وادعى بعض هم
االتفاق) ا هـ( )1وقد ذكر املصنف أنه حجة يف كالمه على ترتيب األدلة كما سيأيت إن شاء اهلل.
دل الش رع على ثبوته ودوامه كاستص حاب الطه ارة بن اءً على ما مضى من الث اين :االستص حاب ال ذي ّ
الوض وء حىت يثبت ن اقض ،واستص حاب بق اء النك اح بن اء على عقد ال زواج الص حيح ش رعاً ،وبق اء امللك يف املبيع
بن اء على عقد ال بيع الص حيح ش رعاً ،وبق اء ش غل ذمة من أتلف ش يئاً بن اء على ما ص در منه من إتالف .ف احلكم
بذلك استصحاب للحكم الذي دل الدليل الشرعي على ثبوته ودوامه .ومل يقم دليل على تغيريه.
وهذا النوع ال خالف يف وجوب العمل به عند األصوليني على أن يثبت معارض له .قاله الزركشي(.)2
النوع الثالث :استصحاب الدليل مع احتمال املعارض .فالعموم يستصحب إىل أن يرد ختصيص .ألن تعطيله
خمصص تعطيل للشريعة .والنص يستصحب إىل أن يرد نسخ .ومن أمثلة ذلك أن فريق اً من أهل بدعوى البحث عن ّ
() البحر احمليط ( )6/20وانظر أصول الفقه اإلسالمي للزحيلي (.)2/863 2
117
أجلهن أن
ّ العلم ق الوا جبواز نك اح الزانية قبل وضع محله ا .والص حيح ع دم اجلواز لقوله تع اىل] :وأوالت األحم ال
حملهن[( )1فيجب استصحاب هذا العموم حىت يثبت ختصيصه مبا يدل على جواز الصورة املذكورة(.)2
ّ يضعن
النوع الرابع :استصحاب احلكم الثابت باإلمجاع يف حمل اخلالف ،وهذا النوع راجع إىل حكم الشرع .بأن
يتفق على حكم يف حالة ،مث تتغري صفة اجملمع عليه .وخيتلف اجملمعون فيه .فيستدل من مل يغري احلكم باستصحاب
احلال.
ومثال ذلك :استدالل من يقول :إن املتيمم إذا رأى املاء يف أثناء صالته ال تبطل صالته .ألن اإلمجاع منعقد
على صحتها قبل ذلك .فاستصحب هذا اإلمجاع إىل أن يدل دليل على أن رؤية املاء مبطلة.
وه ذا الن وع هو حمل اخلالف .ف أكثر احلنابلة وأص حاب أيب حنيفة والش افعي على أنه ليس حبج ة .ألن
دل على دوام الصالة حال العدم .فأما مع وجود املاء فهو خمتلف فيه ،وال إمجاع مع االختالف. اإلمجاع إمنا ّ
وق ال بعض األص وليني والفقه اء :إنه حج ة .وبه ق ال داود الظ اهري واخت اره اآلم دي وابن احلاجب وابن
باق على أصل قائم يف مقام القيم وغريهم .قال الشوكاين( :والقول الثاين هو الراجح ،ألن املتمسك باالستصحاب ٍ
املنع ،فال جيب عليه االنتقال عنه إال بدليل يصلح لذلك ،فمن ادعاه جاء به)(.)3
لكن نوقش ذلك بأن البقاء على األصل القائم إمنا يكون مع النص أو العقل .أما حني يكون دليله اإلمجاع
فال .ألن اإلمجاع يف مسألة التيمم – مثالً – مشروط بالعدم .فال يكون دليالً عند الوجود .واهلل أعلم.
ومن األدلة على ص حة االس تدالل باالستص حاب ما ع دا الن وع الرابع قوله تع اىل] :فمن ج اءه موعظة من
ربه ف انتهى فله ما س لف وأم ره إلى اهلل[( .)4ووجه الدالل ة :أنه ملا ن زل حترمي الربا خ افوا من األم وال املكتس بة من
الربا قبل التحرمي ،فبينت اآلية أن ما اكتسبوا قبل التحرمي على الرباءة األصلية ،فهو حالل وال حرج عليهم فيه(.)5
ومن األدلة أن ما ثبت يف الزم ان األول من وج ود أمر أو عدمه ومل يظهر زوال ه ،فإنه يل زم بالض رورة
والبداهة أن حيصل الظن ببقائه كما كان .والعمل بالظن واجب(.)6
ومن األدلة – أيض اً – قي ام اإلمجاع على اعتب ار االستص حاب يف كثري من الف روع الفقهية كبق اء الوض وء
واحلدث والزوجية وامللك – ما تقدم – مع وجود الشك يف رافعها(.)7
هذا وقد استنبط الفقهاء بعض القواعد من االستصحاب وأدلته ومن ذلك:
)1األصل بقاء ما كان على ما كان حىت يثبت تغيريه.
() سورة الطالق ،آية.4 : 1
() انظر أعالم املوقعني ( )1/341رسالة يف أصول الفقه للعكربي ص 136إرشاد الفحول ص 238أدلة التشريع املختلف يف االحتجاج هبا للدكتور عبد 3
العزيز الربيعة ص 303وانظر الشرح املمتع على الزاد للشيخ حممد بن عثيمني (.)1/341
() سورة البقرة ،آية.275 : 4
118
)2األصل يف األشياء النافعة اإلباحة.
)3األصل يف األشياء الضارة التحرمي.
)4اليقني ال يزول بالشك.
)5األصل براءة الذمة من التكاليف واحلقوق.
)6األصل يف الذبائح التحرمي.
)7األصل يف العقود والشروط الصحة إال ما أبطله الشارع.
وتفصيل ذلك ال يتسع له املقام واهلل أعلم.
119
ترتيــب األدلـــة
(وأما األدلة فيق دم الجلي منها على الخفي ،والم وجب للعلم على الم وجب للظن ،والنطق على
القياس ،والقياس الجلي على الخفي .فإن وجد في النطق ما يغير األصل وإ ال فيستصحب الحال).
قوله( :وأما األدلة) أي وأما ترتيب األدلة كما ذكر ذلك يف أول الورقات.
واألدلة مجع دليل ،واملراد به هنا ما تثبت به األحكام الشرعية من الكتاب والسنة واإلمجاع والقياس ،وكذا
قول الصحايب على أحد القولني ،واالستصحاب على القول املختار .ومن املعلوم أن األدلة الشرعية متفاوتة يف القوة
فيحت اج إىل معرفة األق وى ليق دم على غ ريه عند التع ارض ،وهلذا ك ان األوىل باملص نف أن ي ذكر ه ذه الكلم ات
اليسرية مع التعارض املتقدم حبثه ،ألن ترتيب األدلة حيتاج إليه عند التعارض ،وهذا ما فعله املؤلفون يف أصول الفقه،
ولعل املص نف أخر موض وع ال رتتيب إىل هن ا ،ألنه جيري يف األدلة األربعة اليت آخرها القي اس .فلما ف رغ من األدلة
شرع يف بيان الرتجيح بينها.
قول ه( :فيق دم اجللي منها على اخلفي) أي يق دم من أدلة الكت اب والس نة (اجللي) وهو ما اتضح منه املراد
(اخلفي) .وهو ما خفي املراد منه ،وذلك كالظاهر واملؤول ،سواء كان الظاهر ظاهراً بنفسه أو بالدليل كما تقدم
يف بابه ،كما يقدم اللفظ املستعمل يف احلقيقي على املستعمل يف معناه اجملازي ،ألن احلقيقي هو الظاهر من اللفظ.
وهذا على القول بوقوع اجملاز يف القرآن ،وتقدم بيان ذلك.
قول ه( :واملوجب للعلم على املوجب للظن) أي ويق دم ما يفيد العلم وهو اليقني على ما يفيد الظن ،وذلك
كاملتواتر واآلحاد ،فإن املتواتر يفيد العلم ،واآلحاد يفيد الظن،كما مضى يف األخبار ،وما أفاد العلم أظهر مما أفاد
خاص اً .فإن اآلحاد خيصص املتواتر ،كما يف قوله تع اىل] :يوصيكم اهلل
عام اً واآلحاد ّ
الظنس إال أن يك ون املت واتر ّ
في أوالدكم[( )1مع حديث "ال يرث املسلم الكافر ،وال الكافر املسلم" وتقدم ذلك يف اخلاص.
قوله( :والنطق على القياس) أي ويقدم النطق على القياس ،واملراد بالنطق قول اهلل تعاىل وقول الرسول ،r
خيص بالقياس ،ومثاله تقدم يف
عاما فإنه ّكما تقدم تعريفه يف التخصيص ،فيقدم ذلك على القياس إال إن كان النص ّ
التخصيص.
قول ه( :والقي اس اجللي على القي اس اخلفي) القي اس اجللي ما نص على علته أو أمجع عليها أو ك ان مقطوع اً
فيه بنفي الفارق بني الفرع واألصل.
ومن أمثلته قياس إحراق مال اليتيم على أكله املنصوص عليه يف آية سورة النساء يف التحرمي جبامع اإلتالف
إذ ال فرق بينهما.
120
والقي اس اخلفي ما ثبتت علته باالس تنباط ،ومل يقطع بنفي الف ارق بني الف رع واألص ل ،كما تق دم يف قي اس
األش نان على الرب يف حترمي الربا جبامع الكيل مثالً ،فإنه مل يقطع بنفي الف ارق الحتم ال أن يق ال :إن الرب مطع وم،
واألشنان غري مطعوم.
قول ه( :ف إن وجد يف النطق ما يغري األصل وإال فيستص حب احلال) :أي أن وجد يف الكت اب والس نة ما يغري
نص اً فإننا نعمل باالستص حاب ،وهو الع دم
األصل وهو ال رباءة األص لية عمل ب النص وت رك األص ل ،وإن مل جند ّ
األصلي كما تقدم ،واهلل أعلم.
121
شــروطـ المفتــي
(ومن شرط المفتي أن يكون عالم اً بالفقه أص الً وفرع اً ،خالف اً ومذهباً ،وأن يكون كامل اآللة في
االجته اد ،عارف اً بما يحت اج إليه في اس تنباط األحك ام من النحو واللغة ومعرفة الرج ال وتفس ير
اآليات الواردة في األحكام واألخبار الواردة فيها).
ملا ف رغ املص نف من الكالم على األدلة ش رع يتكلم على ص فات من يش تغل باألدلة وهو اجملته د ،ف ذكر
ش روطه ،وه ذا مس لك لبعض األص وليني ،وهو ت أخري مبحث االجته اد عن مبحث األدل ة ،واألك ثرون ق دموا ب اب
االجتهاد على مباحث األدلة ،ألهنا من عمل اجملتهد.
قول ه( :ومن ش رط املف يت) أي اجملته د ،واملف يت :اسم فاعل من أفىت الرب اعي ،ومص دره اإلفت اء .ق ال يف
القاموس( :أفتاه يف األمر :أبانه له .والفتيا والفتوى (وتفتح) ما أفىت به الفقيه) أهـ.
واملراد هنا :املخرب عن حكم شرعي.
وللمفيت شروط ال يكون صاحلاً لإلفتاء إال هبا ذكر بعضاً منها.
قول ه( :أن يك ون عاملاً بالفقه أص الً وفرع اً ،خالف اً وم ذهباً) ه ذا الش رط األول من ش روط اجملته د ،وإمنا
اشرتط علمه بالفقه ألنه املقصود ،واملراد بالفقه هنا مسائل الفقه ،وليس املراد ما تقدم يف أول الورقات ،وهو معرفة
األحكام الشرعية لئال يصري املعىن :أن يكون عاملاً مبعرفة األحكام وهذا غري مراد.
واملراد بقول ه :أص الً وفرع اً :أي أص ول الفقه وفروع ه .فأص ول الفقه أدلة الفقه اإلمجالية وكيفية االس تفادة
منها وفروعه :مسائله اجلزئية.
ويف إدخ ال أص ول الفقه يف الفقه كما ي دل عليه قوله (أن يك ون عاملاً بالفقه أص الً) مس احمة ،ألن أص ول
الفقه ليس داخالً يف الفق ه ،إال إن ك ان يريد باألصل أمه ات املس ائل اليت هي كالقواع د ،لكن يفوته التنبيه على
معرفة أصول الفقه للمجتهد ،إال أن يدخل يف قوله (كامل اآللة) كما سيأيت إن شاء اهلل(.)1
ق ال ابن اجلوزي( :ق ال العلم اء :من ال واجب على الفقيه الالزم له طلب الوق وف على حق ائق األدلة
وأوضاعها اليت هي مباين قواعد الشرع) ا هـ(.)2
وقوله( :وفرعاً) أي يعرف املسائل الفقهية التابعة هلذه القواعد وغريها ،وليس املراد حفظها ،إمنا املقصود أن
حيفظ مجلة منها ،ليتمكن من معرفة ما يرد عليه أثناء الفتوى ،إذ ال يتصور العلم جبميعها.
وقوله( :خالف اً ومذهباً) أي يشرتط يف املفيت مع علمه بالفقه وأصوله أن يكون مطلع اً على خالف العلماء
من الصحابة والتابعني ومن بعدهم ،ليذهب إىل قول من أقواهلم .كما أنه البد من معرفة اإلمجاع ،لئال يفيت خبالف
ما أمجع عليه .فيكون قد خرق اإلمجاع.
122
واملراد بقوله (ومذهباً) ما يستقر عليه رأيه ،وما يسوغ الذهاب إليه سسألن العلم باخلالف سبب للعلم مبا
يس وغ ال ذهاب إليه وه ذا إن محل كالمه على اجملتهد املطل ق .ف إن محل على اجملتهد املقيد فاملراد باملذهب ما يستقر
عليه رأي إمامه .فيجب أن يكون عاملاً بقواعد مذهب إمامه ،ليجتهد يف التخريج على أصوله ،أو جيتهد يف ترجيح
بعض أق وال إمامه على بعض ،وذكر يف مجع اجلوامع( )1أنه ال يش رتط علم اجملتهد بتف اريع الفق ه ،ألهنا إمنا حتصل بعد
االجتهاد فكيف تشرتط فيه؟! وهذا خالف ما عليه املصنف .والظاهر بعض القواعد الفقهية كما تقدم.
وقوله( :وأن يكون كامل اآللة يف االجتهاد) هذا الشرط الثاين من شروط املفيت ،واملراد بكمال اآللة :صحة
الذهن ،وجودة الفهم بعده ،فيكون ما بعده شرطاً آخر .أو يريد بكمال اآللة ما ذكره بعده فيكون تفسرياً .وهذا
على أنه ال يفيت إال جمتهد ،وبه قال مجع من أهل العلم ،ويرى آخرون أن املفيت إذا كان متبحراً يف مذهب إمامه،
فامها لكالم ه ،عاملا لراجحه من مرجوحه كفى ،ولو مل يكن مس تطيعاً اس تنباط األحك ام من أدلته ا ،وذلك ألن
اشرتاط االجتهاد املطلق يف املفيت يفضي إىل حرج عظيم واسرتسال اخللق يف أهوائهم ،ويضاف إىل ذلك ما نشاهده
يف واقع األمة اإلسالمية من كثرة اجلهل بأحكام الدين يف كثري من أفرادها ،وكثرة مشاغل املتخصصني يف أحكام
الشريعة مما قد حيول بينهم وبني بلوغ درجة االجتهاد .والقضاء مع أنه مركز عظيم ال يشرتط فيه االجتهاد ،فليكن
املفيت كالقاضي الذي ينفذ األحكام( )2واهلل أعلم.
قول ه( :عارف اً مبا حيت اج إليه يف اس تنباط األحك ام من النحو اللغ ة) أي :البد أن يك ون اجملتهد عاملاً بالق در
الالزم لفهم الكالم من اللغة والنح و .أما اللغة فألن الق رآن والس نة بلس ان الع رب وردا ،فال يفهم نصوص هما من
جيهل اللغة .وأما النحو فألن املعاين ختتلف باختالف اإلعراب .فالبد من معرفة النحو واإلعراب.
قوله( :ومعرفة الرجال) أي :رواة احلديث ليأخذ برواية املقبول منهم دون اجملروح.
قول ه( :وتفسري اآلي ات ال واردة يف األحك ام واألخب ار ال واردة فيه ا) أي ومن ش رط اجملتهد أن يك ون عاملاً
بنصوص الكتاب والسنة اليت هلا تعلق مبا جيتهد فيه من األحكام .فيعرف آيات األحكام وتفسريها واألحاديث اليت
تتعلق هبا األحكام .وال يشرتط حفظها بل يكفي معرفة مظاهنا يف أبواهبا لرياجعها وقت احلاجة إليها.
ومن كما اآللة عند اجملتهد أن يك ون على علم بأص ول الفق ه ،ألن ه ذا الفن هو الدعامة اليت يعتمد عليها
االجته اد ،وتق دمت اإلش ارة إىل ذل ك .ومن ش روط االجته اد أن يك ون اجملتهد عاملاً بالناسخ واملنس وخ لئال يعمل
ويفيت باملنسوخ واهلل أعلم.
() انظر أعالم املوقعني ( )4/212وقد رأي هذا الرأي مجع منهم ابن السبكي فيما نقله عنه حممد علي بن حسني املالكي يف كتابه (هتذيب الفروق) ج2ص 2
(ومن شرط المستفتي أن يكون من أهل التقليد ،فيقلد المفتي في الفتيا .وليس للعالم أن يقلد [وقيل
يقلد]).
ملا فرغ املصنف رمحه اهلل من بيان شروط املفيت شرع يف بيان ما يشرتط يف املستفيت ،واملستفيت :اسم فاعل
من االستفتاء مبعىن طلب الفتوى ،فالسني والتاء للطلب ،واملراد هنا :السائل عن حكم شرعي.
قوله( :ومن شرط املستفيت أن يكون من أهل التقليد) أي :أهل جواز التقليد ال من أهل االجتهاد ،فيدخل
فيه العامي واملتعلم الذي مل يبلغ درجة االجتهاد.
قول ه( :فيقلد املفيت يف الفتي ا) أي :أن املقلد جيب عليه تقليد املفيت لقص وره عن إدراك األحك ام من أدلته ا.
وقوله (يف الفتيا) أي :يف جواب املفيت عن السؤال املوجه إليه من املستفيت .ومعىن تقليده :قبول قوله والعمل به كما
سيأيت ،وظاهر قوله يف (الفتيا) أنه يقلده يف الفتوى ،وال يقلده يف الفعل ،فلو رأى اجلاهل العامل يفعل فعال مل جيز له
تقليده فيه حىت يسأله ،إذ لعله فعله ألمر مل يظهر للمقلد.
قول ه( :وليس للع امل أن يقل د) أي :وليس للمجتهد أن يقلد غ ريه لتمكنه من االجته اد إال إذا اجتهد بالفعل
ومل يظهر له احلكم ،أو ن زلت به حادثة تقتضي الفوري ة ،فيج وز أن يقلد حينئذ للض رورة .أما إذا اجتهد وأداه
اجتهاده إىل حكم مل جيز له أن ينتقل عنه ،ويقلد غريه من اجملتهدين باتفاق.
وقوله( :وقيل :يقلد) هذا ثابت يف بعض النسخ .والظاهر أن اخلالف فيمن مل جيتهد ،فهل له أن يقلد غريه؟
األرجح أنه ممنوع من التقليد إال يف احلالتني املذكورتني واهلل أعلم(.)1
واعلم أنه جيب على املستفيت أن يريد باستفتائه احلق والعمل به .فال يسأل عما ال يعين .أو يتتبع الرخص أو
يقصد إفحام املفيت ،أو يقول :أفتاين غريك بكذا .أو حنو ذلك من املقاصد السيئة.
وال يس تفيت إال من يعلم أو يغلب على ظنه أنه أهل للفت وى ،مبا ي راه من انتص ابه للفتيا واح رتام الن اس له
وأخذهم عنه ،أو خبرب عدل عنه .وينبغي أن خيتار أوثق املفتني علم اً وورع اً .وقيل :جيب ذلك ألن الغرض حصول
ظن اإلصابة ،وهي إىل األفضل أقرب ،واهلل أعلم(.)2
124
التقلـــيدـ
(والتقلي د :قب ول ق ول القائل بال حج ة .فعلى ه ذا قب ول ق ول الن بي rيس مى تقلي داً ،ومنهم من ق ال:
التقلي د :قب ول ق ول القائل وأنت ال ت دري من أين قال ه .ف إن قلن ا :إن الن بي rك ان يق ول بالقي اس
فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليداً).
ملا بنّي املصنف أن اجملتهد ال يقلد بني حقيقة التقليد.
والتقليد لغ ة :وضع الش يء يف العنق حميط اً ب ه .وذلك الش يء (قالدة) واجلمع (قالئ د) ويطلق على تف ويض
األمر إىل الشخص كأن األمر جعل يف عنقه كالقالدة.
واصطالحاً عرفه بقوله( :قبول قول القائل بال حجة) أي بال حجة يذكرها القائل للسائل.
قوله (فعلى ه ذا قب ول ق ول النيب rيس مى تقلي داً) أي :فعلى ه ذا التعريف يك ون قب ول ق ول النيب rتقلي داً
النطب اق التعريف علي ه ،ألنه rي ذكر احلكم ،وال ي ذكر دليل احلكم ،لكن ج اء عن املص نف يف (الربه ان) خالف
ذلك ،فإنه قال( :وذهب بعضهم إىل أن التقليد قبول قول القائل بال حجة ،ومن سلك هذا املسلك منع أن يكون
قب ول ق ول النيب rتقلي داً فإنه حجة يف نفس ه) ا هـ( .)1ويظهر أن من أطلق عليه تقلي داً قصد اجملاز والتوس ع ،ق ال
هـ(.)2 اآلمدي ( :وإن مسي ذلك تقليداً بعرف االستعمال فال مشاحة يف اللفظ) ا
قوله( :ومنهم من قال :التقليد :قبول قول القائل وأنت ال تدري من أين قاله) أي ال تعرف مأخذه .وهذا
خيرج أخذ القول مع معرفة دليله فهذا اجتهاد.
ولو قيل يف تعريفه ه و( :اتب اع من ليس قوله حج ة) لك ان أخصر وأمشل وأوض ح .ألن معظم األص وليني
خصصوا حدودهم بالقول ،وال معىن لالختصاص به ،فإن االتباع يف األفعال املبينة كاالتباع يف األقوال(.)3
وخيرج به اتب اع الرس ول rفليس تقلي داً ألنه اتب اع للحج ة ،وك ذا اتب اع أهل اإلمجاع ألن اإلمجاع حج ة،
وكذا اتباع قول الصحايب على القول بأنه حجة.
قوله( :فإن قلنا :إن النيب rكان يقول بالقياس ،فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليداً) هذا تفريع على احلد
الث اين ال ذي ذك ره للتقلي د .وهو أننا إذا قلنا إن الرس ول rجيوز له أن حيكم بالقي اس أي :جيتهد وال يقتصر على
الوحي ،وليس املراد خصوص القياس ،بل املراد جواز مطلق االجتهاد كما عرّب يف الربهان(.)4
قول ه( :فيج وز أن يس مى قب ول قوله تقلي داً) أي :ألننا ال نعلم مأخذ قوله من االجته اد أو من ال وحي ،وإن
قلنا إنه ال جيوز له أن جيتهد فال يس مى قبوله تقلي داً ،ألنا نعلم أن ما يقوله يقوله عن وحي .فال ينطبق عليه ه ذا
التعريف.
() الربهان (.)2/888 1
125
والصحيح أن الرسول rجيوز له االجتهاد ،وال يسمى قبول قوله تقليداً كما تقدم.
أما االجتهاد يف أمر الدنيا فهو جائز وواقع باإلمجاع ،كما حكاه ابن حزم وغريه( )1مثل قصة اجتهاده rيف
تأبري النخل( )2وأما أمر الشرع فعلى أصح األقوال لقوله تعاىل] :وشاورهم في األمر[( )3وطريق املشاورة :االجتهاد.
وألنه قد وقع كما يف قصة أس ارى ب در( )4وكما يف رجوعه rلق ول العب اس يف قول ه( :إال األذخ ر) كما تق دم يف
مباحث االستثناء يف باب التخصيص ،ولو كان ذلك بوحي مل يتغري ،فدل على أنه باجتهاد واهلل أعلم.
126
االجتهـــادـ
(وأما االجته اد فهو بذل الوسع في بلوغ الغ رض .فالمجتهد إن كان كامل اآللة في االجته اد فإن
اجتهد في الف روع فأص اب فله أج ران ،وإ ن اجتهد وأخطأ فله أجر واح د .ومنهم من ق ال :كل
مجتهد في الف روع مص يب .وال يج وز أن يق ال :كل مجتهد في األص ول [الكالمي ة] مص يب ،ألن
ذلك يؤدي إلى تصويب أهل الضاللة من النصارى والمجوس والكفار والملحدين .ودليل من قال:
ليس كل مجتهد في الف روع مص يباً قوله " rمن اجتهد فأص اب فله أج ران ،ومن اجتهد وأخطأ فله
أجر واحد" .وجه الدليل :أن النبي rخطّا المجتهد تارة وصوبه أخرى [واهلل سبحانه أعلم]).
ملا تكلم عن التقليد وش روط اجملته د ،وأن االجته اد جيب على من اجتمعت فيه ش روطه ذكر تعريف
االجتهاد ،ألن االجتهاد يقابل التقليد .وهو لغة :بذل اجلهد( )1واستفراغ الوسع إلدراك أمر شاق .وال يستعمل إال
فيما فيه مشقة .تقول :اجتهد يف محل الصخرة .وال تقول :اجتهد يف محل العصا.
واصطالحاً عرفه بقوله( :بذل الوسع يف بلوغ الغرض) والوسع :بضم الواو :الطاقة والقوة(.)2
وه ذا تعريف ع ام ،هو التعريف اللغ وي أق رب ،فالبد من تقيي ده ب احلكم الش رعي ،ألن املراد البحث يف
االجته اد ال ذي هو طريق إلثب ات حكم ش رعي .فيك ون املراد ب الغرض :احلكم الش رعي املطل وب .ولو قي ده بالفقيه
وق ال :ب ذل الفقيه وس عه لبل وغ الغ رض لك ان كافي اً ،كما يف مجع اجلوام ع ،ألن الفقيه ال يتكلم إال يف األحك ام
الشرعية .وللمجتهد شروط تقدم أكثرها يف الكالم على املفيت.
قول ه( :فاجملتهد إن ك ان كامل اآللة يف االجته اد ) . .أي :حمص الً جلميع آالت االجته اد كما تق دم بيان ه،
فيكون مستقال مبعرفة األحكام .والظاهر أن مراده اجملتهد املطلق .ألنه هو الذي يكون كامل اآللة ،ويكون بذلك
اح رتز من جمتهد املذهب وجمتهد الفت وى( )3وإن مل يتق دم هلما ذك ر ،وإن ك ان ال ذي يظهر جري ان احلكم املذكور
فيهم ا ،أو يك ون ل دفع ت وهم بعض املس احمة يف بعض شروط االجته اد ،وعلى كل فلو أس قط قوله (إن ك ان كامل
اآللة) لكان أوىل واهلل أعلم.
قوله( :فإن اجتهد يف الفروع) املراد هبا املسائل الفقهية الظنية اليت ليس فيها دليل قاطع .ألن هذا هو موضع
االجتهاد.
قوله( :فأصاب فله أجران ،وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) املراد باإلصابة أن يوافق ما أداه إليه اجتهاده
ما هو احلكم يف الواق ع .وقول ه( :أج ران) أي :نص يبان من الث واب يعلمهما اهلل كمية وكيفي ة :أجر على اجته اده،
سن سنة يقتدي هبا فيتبعه املقلدون ،ويظهر احلق .وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد وأجر على إصابته احلق ،لكونه ّ
على اجتهاده ،وخطؤه مغفور له ،ألنه غري مقصود إال إن قصر يف االجتهاد.
() اجلهد بالضم اجليم :الطاقة .وبفتحها :املشقة .انظر اللسان ( )3/133مادة (جهد). 1
() اجملتهد املطلق من توفرت فيه شروط االجتهاد .وجمتهد املذهب هو العامل مبذهب إمامه املتمكن من ختريج ما مل ينص عليه إمامه على منصوصه وجمتهد 3
الفتوى .من قصر اجتهاده على ما صح عن إمامه ومل يتمكن من ختريج غري املنصوص [انظر أعالم املوقعني .]4/212
127
وهذا هو القول الصحيح يف املسألة ،أنه ليس كل جمتهد نصيباً ،بل املصيب واحد ،ومن عداه خمطئ .وهو
قول مالك وأيب حنيفة يف قول ،والشافعية واحلنابلة.
قول ه( :ومنهم من ق ال :كل جمتهد يف الف روع مص يب) ه ذا الق ول الث اين يف املس ألة ،وهو ق ول آخر أليب
حنيفة وبعض الشافعية وبعض املالكية وبعض املتكلمني .فيكون له على هذا القول أجران.
ومنشأ اخلالف هل هلل تع اىل يف كل واقعة حكم معني يف نفس األمر قبل اجته اد اجملته د؟ أو ليس له حكم
معني ،وإمنا احلكم فيها ما وصل إليه اجملتهد باجتهاده؟ فأصحاب حكمه ما أدى إليه اجتهاد اجملتهد ،فما غلب على
ظنه فهو حكم اهلل.
وقال اجلمهور :إن هلل تعاىل يف كل مسألة حكماً معيناً قبل االجتهاد فمن وافقه فهو مصيب ،ومن مل يوافقه
فهو خمطئ.
قوله( :وال جيوز أن يقال :كل جمتهد يف األصول الكالمية مصيب) املراد باألصول الكالمية :مسائل العقيدة
املنس وبة إىل علم الكالم .وهو ما أحدثه املتكلم ون يف أص ول ال دين من إثب ات العقائد ب الطرق اليت ابتكروها
وأعرض وا هبا عما ج اء يف الكت اب والس نة( .)1واملع ىن :أنه ال يصح أن يق ال كل من اجتهد يف أم ور العقائد فهو
مصيب .بل املصيب واحد ،ومن عداه خمطئ ،وقد نقل بعضهم اإلمجاع على ذلك .وخمالفة بعضهم ال يعتد هبا(.)2
قول ه( :ألن ذلك ي ؤدي إىل تص ويب أهل الضاللة من النص ارى واجملوس والكف ار وامللح دين) هذا تعليل ملا
تق دم .أي :ألن ه ذا الق ول ي ؤدي إىل تص ويب من أخطأ من أهل الض اللة .وأن كل ما أدى إليه اجته ادهم فهو
موافق ملا هو احلق .وتصويبهم باطل .وما أدى إىل الباطل فهو باطل.
وقوله( :أهل الضاللة) أي :أهل الباطل.
وقوله( :من النصارى) وهم من ينتسبون يف ديانتهم إىل شريعة عيسى عليه السالم .وأصلها دين منـزل من
اهلل .لكنها ح رفت وب دلت .وهم يقول ون ب التثليث .ومعن اه :أن اهلل عن دهم ثالث ة :اإلله األب .واإلله االبن ،واإلله
الروح القدس .تعاىل اهلل عما يقولون.
وقول ه( :واجملوس) هم ق وم يعب دون الن ور والن ار ،والظلمة والش مس والقمر ويزعم ون أن للك ون إهلني.
أحدمها :النور .والثاين:الظلمة.
وقول ه( :والكف ار) مجع ك افر .والكف ر :كفر أكرب خمرج من املل ة .وهو كفر التك ذيب ،وكفر االس تكبار،
وكفر اإلعراض ،وكفر الشك ،وكفر النفاق .وكفر أصغر ال خيرج من امللة .ويتناول مجيع املعاصي(.)3
وقوله( :وامللحدين) مفرده :ملحد وهو من كفر باألديان كلها.
128
()1
قوله( :ودليل من قال :ليس كل جمتهد يف الفروع مصيباً .قوله " :rمن اجتهد فأصاب فله أجران . .إخل"
أي من مجلة ما استدل به القائلون بأنه ليس كل جمتهد يف الفروع مصيباً .هذا احلديث .ووجه الداللة :أن الرسول
rجعل اجملتهدين قسمني :قسماً مصيباً .وقسماً خمطئ اً ،ولو كان كل منهم مصيباً مل يكن هلذا التقسيم معىن ،واهلل
أعلم .وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم.
() رواه البخاري برقم 6919ومسلم برقم 1716عن عمرو بن العاص رضي اهلل عنه واللفظ املذكور مل أقف يف الكتب الستة. 1
129
أسمــاء المراجـــع
اإلهباج يف ش رح املنه اج ،لتقي ال دين علي بن عبد الك ايف الس بكي املت وىف س نة 756هـ وول ده عبد الوه اب )1
املتوىف سنة 771هـ .دار الكتب العلمية يف بريوت .توزيع مكتبة دار الباز.
اإلحكام يف أصول األحكام .أليب حممد علي بن حممد بن حزم األندلسي الظاهري املتوىف سنة 456هـ أشرف )2
على طبعه أمحد شاكر .توزيع دار االعتصام.
اإلحكام يف أصول األحكام .لسيف الدين علي بن أيب علي بن حممد اآلمدي املتوىف سنة 631هـ .حتقيق د. )3
سيد اجلميلي .الناشر دار الكتاب العريب الطبعة األوىل سنة 1404هـ.
آداب البحث واملناظرة .للشيخ حممد األمني الشنقيطي املتوىف سنة 1393هـ .الناشر مكتبة ابن تيمية القاهرة، )4
ومكتبة العلم جبدة.
أدلة التشريع املختلف فيها .د .عبد العزيز الربيعة (معاصر) .مؤسسة الرسالة. )5
احلدود األنيقة والتعريف ات الدقيقة للقاضي الش يخ زكريا بن حممد األنص اري املت وىف س نة 926هـ .حتقيق د. )6
مازن املبارك ،دار الفكر املعاصر .بريوت.
إرشاد الفحول إىل حتقيق احلق من علم األصول .حملمد بن علي الشوكاين املتوىف سنة 1250هـ .دار املعرفة يف )7
بريوت.
االستدالل عند األصوليني .د.علي بن عبد العزيز العمرييين (معاصر) .مكتبة التوبة. )8
االس تقامة أليب العب اس أمحد بن عبد احلليم بن تيمية املت وىف س نة 748هـ ،حتقيق د .حممد رش اد س امل .طبعة )9
جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية.
اإلص ابة يف متي يز الص حابة .أليب الفضل أمحد بن علي بن حجر العس قالين املت وىف س نة 852هـ حتقي ق .د .طه )10
حممد الزيين .الناشر مكتبة الكليات األزهرية.
أصل االعتقاد .د .عمر بن سليمان االشقر( .معاصر). )11
أص ول السرخس ي .أليب بكر حممد بن أيب س هل السرخسي املت وىف س نة 490هـ حتقيق أيب الوف اء األفغ اين. )12
مطابع دار الكتاب العريب بالقاهرة (1372هـ).
أصول الفقه حملمد زكريا الربديسي (معاصر) املكتبة الفيصلية مبكة .الطبعة الثالثة. )13
أصول الفقه اإلسالمي .د .وهبة الزحيلي (معاصر) دار الفكر. )14
األصول من علم األصول .للشيخ حممد بن صاحل العثيمني .ط :جامعة اإلمام. )15
أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن .للشيخ حممد األمني الشنقيطي املتوىف سنة 1393هـ. )16
أعالم املوقعني عن رب الع املني .مشس ال دين أيب عبد اهلل حممد بن أيب بكر املع روف ب ابن قيم اجلوزية املت وىف )17
سنة 751هـ.
130
األم ،أليب عبد اهلل حممد بن إدريس الشافعي املتوىف سنة 204هـ .دار الفكر. )18
األجنم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات .حملمد بن عثمان املارديين املتوىف سنة 871هـ .حتقيق د .عبد الكرمي )19
بن علي النملة .الطبعة األوىل.
اإليضاح يف علوم البالغة .للخطيب القزويين املتوىف سنة 739هـ املكتبة التجارية الكربى مبصر. )20
اإليضاح لقوانني االصطالح أليب حممد يوسف بن عبد الرمحن بن اجلوزي احلنبلي املتوىف سنة 656هـ حتقيق. )21
د .فهد السدحان .مكتبة العبيكان.
اإليض اح لناسخ الق رآن ومنس وخه .ملكي بن أيب ط الب القيسي املت وىف س نة 437هـ حتقي ق .د .أمحد حسن )22
فرحات .الطبعة األوىل مطابع الرياض.
البحر احمليط يف أصول الفقه .لبدر الدين حممد بن هبادر بن عبد اهلل الزركشي املتوىف سنة 794هـ الطبعة الثانية )23
وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية بالكويت.
ب دائع الفوائد أليب عبد اهلل حممد بن أيب بكر املع روف ب ابن القيم اجلوزية املت وىف 751هـ .الناش ر :مكتبة )24
القاهرة .الطبعة الثانية 1392هـ.
الربهان يف أصول الفقه إلمام احلرمني أيب املعايل عبد امللك بن عبد اهلل اجلويين املتوىف سنة 478هـ حتقيق عبد )25
العظيم الديب .مطابع دار الوفاء مبصر.
بطالن اجملاز .ملصطفى عبد الصياصنة( .معاصر) دار املعراج للنشر والتوزيع. )26
تبص رة احلك ام إلب راهيم بن علي بن حممد بن فرح ون املت وىف س نة 799هـ مطب وع هبامش (فتح العلي املال ك) )27
ومطبوع وحده يف جملد .مكتبة دار الباز.
التأس يس يف أص ول الفق ه .ت أليف أيب إس الم مص طفى بن س المة (معاص ر) الناشر مكتبة خالد بن الوليد مبيت )28
عقبة.
حتفة األح وذي ش رح ج امع الرتم ذي .لعبد ال رمحن بن عبد ال رحيم املب اركفوري املت وىف س نة 1353هـ .دار )29
الفكر بريوت.
تدريب الراوي يف شرح تقريب النواوي .جلالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر السيوطي املتوىف سنة 911هـ )30
حتقيق عبد الوهاب عبد اللطيف .دار الكتب العلمية .الطبعة الثانية.
تسهيل املنطق .لعبد الكرمي بن مراد األثري (معاصر) دار مصر للطباعة. )31
التعريف ات .لعلي بن حممد الش ريف اجلرج اين املت وىف س نة 816هـ دار الكتب العلمية ب ريوت .الطبعة األوىل )32
1403هـ.
تفسري القرطيب :اجلامع األحكام القرآن أليب عبد اهلل حممد بن أمحد األنصاري القرطيب املتوىف سنة 671هـ .دار )33
إحياء الرتاث العريب .بريوت.
131
تفسري ابن كثري :تفسري القرآن العظيم إلمساعيل بن عمر املعروف بابن كثري الدمشقي املتوىف سنة 774هـ دار )34
الشعب.
التقييد واإليضاح .شرح مقدمة ابن الصالح لزين الدين عبد الرحيم بن احلسني العراقي املتوىف سنة 806هـ. )35
دار الفكر العريب.
تلقيح الفهوم يف تنقيح صيغ العموم للحافظ خليل بن كيكلدي العالئي املتوىف سنة 761هـ حتقيق د .عبد اهلل )36
آل الشيخ .الطبعة األوىل.
التمهيد يف أص ول الفقه أليب اخلط اب حمف وظ بن أمحد بن احلسن الكل وذاين احلنبلي املت وىف س نة 510هـ دراسة )37
وحتقي ق :مفيد حممد أبو عمشة (ج )2 ،1وحممد بن علي بن إب راهيم (ج )4 ،3منش ورات مركز البحث
العلمي جبامعة أم القرى الطبعة األوىل 1406هـ.
التمهيد يف ختريج الف روع علي األص ول .جلم ال ال دين عبد ال رحيم بن احلسن األس نوي املت وىف س نة 772هـ. )38
حتقيق حممد حسن هيتو .طبع مؤسسة الرسالة .بريوت.
ج امع األص ول يف أح اديث الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم أليب الس عادات املب ارك بن حممد بن األثري اجلزري )39
املت وىف س نة 606هـ .حتقيق عبد الق ادر األرن اؤوط .طبع مكتبة احلل واين .مطبعة املالح .مكتبة دار البي ان
1389هـ.
مجع اجلوامع .لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي املتوىف سنة 771هـ .طبع مع (حاشية البناين على شرح )40
احمللي عليه) طباعة مصطفى البايب احلليب مبصر.
حاشية النفحات على شرح الورقات ألمحد اخلطيب اجلاوي .طباعة مصطفى احلليب 1357هـ. )41
احلديث املرسل .حملمد حسن هيتو (معاصر) دار البشائر اإلسالمية. )42
احلكم التكليفي .د :حممد أبو الفتح البيانوين (معاصر) دار القلم دمشق. )43
احلكم الوضعي عند األصوليني .سعيد بن علي احلمريي .املكتبة الفيصلية مكة املكرمة .ط األوىل. )44
الرسالة لإلمام أيب عبد اهلل حممد بن إدريس الشافعي املتوىف سنة 204هـ .حتقيق أمحد حممد شاكر. )45
رسالة يف أصول الفقه لإلمام العالمة أيب علي احلسن بن شهاب بن احلسن العكربي احلنبلي املتوىف سنة 428هـ )46
حتقيق د .موفق بن عبد القادر .ط األوىل.
روضة الناظر وجنة املناظر .ملوفق الدين عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي املتوىف سنة 620هـ (ومعها شرحها )47
نزهة اخلاطر العاطر) لعبد القادر بن بدران .املطبعة السلفية مبصر 1342هـ.
سنن أيب داود .أليب داود سليمان بن األشعث األزدي السجستاين املتوىف سنة 275هـ .حتقيق حممد حميي الدين )48
عبد احلميد .املكتبة العصرية.
سنن ابن ماجه .أليب عبد اهلل حممد بن يزيد من ماجه القزويين املتوىف سنة 275هـ حتقي حممد فؤاد عبد الب اقي. )49
طباعة مصطفى البايب احلليب .مصر.
132
س نن الرتم ذي (ج امع الرتم ذي) أليب عيسى حممد بن عيسى بن س ورة الرتم ذي املت وىف س نة 289هـ .حتقيق )50
حممد أمحد شاكر وتكملة حممد فؤاد عبد الباقي وراجعه إبراهيم عطوة .الناشر دار احلديث بالقاهرة.
س نن النس ائي .أليب عبد ال رمحن أمحد بن ش عيب بن علي النس ائي املت وىف س نة 303هـ باعتن اء عبد الفت اح أبو )51
غدة .الطبعة األوىل املفهرسة دار البشائر بريوت 1406هـ .وهي مصورة عن الطبعة األوىل املصرية يف القاهرة
1348هـ .مع شرح احلافظ جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر السيوطي املتوىف سنة 911هـ .وحاشية أيب
احلسن نور الدين بن عبد اهلادي السندي احلنفي املتوىف سنة 1138هـ.
الس نة للحافظ أيب بكر عمر بن أيب عاصم الض حاك بن خملد الش يباين املت وىف س نة 287هـ.حتقيق األلب اين. )52
املكتب اإلسالمي.
سري أعالم النبالء .لشمس الدين أيب عبد اهلل بن أمحد بن قامياز الذهيب املتوىف سنة 74 8هـ حتقيق جمموعة من )53
األساتذة بإشراف شعيب األرناؤوط .مؤسسة الرسالة بريوت 1402هـ.
شرح تنقيح الفصول يف اختصار احملصول .لشهاب الدين أمحد بن إدريس القرايف املتوىف سنة 684هـ .حتقيق )54
طه عبد الرؤوف سعد . .طبعة مكتبة الكليات األزهرية .ودار الفكر 1393هـ.
شرح صحيح مسلم .حملي الدين أيب زكريا حيىي بن شرف النووي املتوىف سنة 676هـ .مراجعة خليل امليس. )55
دار القلم بريوت.
ش رح العب ادي .أمحد بن قاسم العب ادي الش افعي املت وىف س نة 922هـ على ش رح اجلالل احمللي املت وىف س نة )56
864هـ .على الورقات هبامش (إرشاد الفحول للشوكاين) .دار املعرفة يف بريوت.
شرح العضد على خمتصر ابن احلاجب .للقاضي عضد الدين عبد الرمحن بن أمحد اإلجيي املتوىف سنة 756هـ. )57
وهبامشه حاش ية التفت ازاين املت وىف س نة 791هـ .وحاش ية الش ريف اجلرج اين املت وىف س نة 816هـ .دار الكتب
العلمية بريوت.
شرح الكوكب املنري .حملمد بن أمحد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي احلنبلي املعروف بابن النجار املتوىف سنة )58
972هـ حتقيق حممد ال زحيلي ونزيه محاد .طبع مركز البحث العلمي مبك ة .جامعة أم الق رى .الطبعة األوىل
1408هـ.
ش رح خمتصر الروض ة .لنجم ال دين أيب الربيع س ليمان بن عبد الق وي بن عبد الك رمي بن س عيد الط ويف احلنبلي )59
املتوىف سنة 716هـ .حتقيق د .عبد اهلل الرتكي .مؤسسة الرسالة.
شرح الورقات .جلالل الدين حممد بن أمحد احمللي املتوىف سنة 864هـ .املطبعة السلفية ومكتبتها .مصر .وينظر )60
طبعة مكتبة الرياض احلديثة بالرياض.
الص حاح إلمساعيل بن محاد اجلوهري املت وىف س نة 393هـ حتقيق أمحد عبد الغف ور عط ار .مط ابع دار الكت اب )61
العريب بالقاهرة 1377هـ.
صحيح البخاري .اعتين به د .مصطفى ديب البغا .دار ابن كثري ودار اليمامة يف بريوت ودمشق. )62
133
صحيح مسلم أليب احلسني مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري املتوىف سنة 261هـ حتقيق حممد فؤاد عبد )63
الباقي .دار إحياء الرتاث العريب.
ص فة الفت وى واملفيت واملس تفيت ألمحد بن محدان احلراين احلنبلي املت وىف س نة 695هـ خ رج أحاديثه حممد ناصر )64
الدين األلباين .املكتب اإلسالمي بدمشق الطبعة الثالثة 1397هـ.
ضوابط املعرفة لعبد الرمحن حسن حبنكة امليداين .دار القلم بدمشق الطبعة الثالثة 1408هـ. )65
طرح التثريب يف شرح التقريب أليب الفضل عبد الرحيم العراقي املتوىف سنة 806هـ وأكمله ولده أبو زرعة )66
أمحد بن عبد الرحيم املتوىف سنة 826هـ .دار إحياء الرتاث العريب.
الع دة يف أص ول الفق ه .للقاضي أيب يعلى حممد بن احلسني الف راء احلنبلي املت وىف س نة 458هـ حتقيق أمحد سري )67
املباركي ط الثانية 1410هـ.
غاية املرام يف شرح مقدمة اإلمام .أليب العباس أمحد بن حممد بن زكري التلمساين املالكي املتوىف سنة 899هـ. )68
دراسة وحتقيق األخ /خالد بن شجاع العتييب (رسالة ما جستري).
غاية الوص ول شرح لب األص ول .لش يخ اإلس الم زكريا األنص اري املت وىف س نة 926هـ طبعة مص طفى الب ايب )69
احلليب مبصر 1360هـ.
فتاوى العز بن عبد السالم .عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم عبد الرمحن بن عبد الفتاح .دار املعرفة. )70
فتح الباري شرح صحيح البخاري .ألمحد بن علي بن حجر العسقالين املتوىف سنة 852هـ .علق على األجزاء )71
الثالثة األوىل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز .توزيع رئاسة إدارة البحوث العلمية واإلفتاء بالرياض.
الف روق يف اللغ ة .أليب هالل احلسن بن عبد اهلل بن س هل العس كري املت وىف بعد س نة 395هـ .منش ورات دار )72
اآلفاق اجلديدة ببريوت.
الفوائد لشمس الدين أيب عبد اهلل حممد بن قيم اجلوزية املتوىف 751هـ حتقيق بشري حممد عيون .الناشر :مكتبة )73
دار البيان .الطبعة األوىل 1407هـ.
القاموس احمليط جملد الدين حممد بن يعقوب الفريوز آبادي املتوىف سنة 817هـ والرجوع إىل (ترتيب القاموس) )74
لألستاذ .الطاهر أمحد الزاوي .دار الكتب العلمية .ودار املعرفة .بريوت.
قرة العني يف شرح ورقات إمام احلرمني للشيخ حممد بن حممد الرعيين املعروف باحلطاب املتوىف سنة 954هـ )75
دار ابن خزمية .ومطبوع هبامش (لطائف اإلشارات على تسهيل الطرقات لنظم الورقات) طباعة احلليب.
القواعد النورانية الفقهية لتقي الدين أيب العباس أمحد بن عبد احلليم ابن تيمية املتوىف سنة 728هـ مطبعة السنة )76
احملمدية بالقاهرة 1370هـ.
القواعد والفوائد األصولية أليب احلسن علي بن حممد بن عباس احلنبلي الشهري بابن اللحام املتوىف سنة 803هـ )77
حتقيق حممد حامد الفقي مطبعة السنة احملمدية بالقاهرة 1375هـ.
134
كشف األس رار عن أص ول فخر اإلس الم ال بزدوي ،لعالء ال دين عبد العزيز بن أمحد البخ اري املت وىف س نة )78
730هـ الناشر دار الكتاب اإلسالمي بالقاهرة.
لس ان الع رب جلم ال ال دين حممد بن مك رم بن منظ ور اإلف ريقي املص ري املت وىف س نة 711هـ طبعة دار ص ادر )79
بريوت 1374هـ
لط ائف اإلش ارات .ش رح منظومة العم ريطي للورق ات .لعبد احلميد بن حممد بن علي ق دس .طباعة مص طفى )80
البايب احلليب 1369هـ.
اللمع يف أص ول الفقه أليب إس حاق إب راهيم بن علي الش ريازي املت وىف س نة 476هـ .حتقيق يوسف املرعش لي )81
ومعه كتاب (ختريج أحاديث اللمع) .عامل الكتب ببريوت .الطبعة األوىل 1405هـ.
جمم وع الفت اوى لتقي ال دين أيب العب اس أمحد بن عبد احلليم بن عبد الس الم احلراين املت وىف س نة 748هـ .مجع )82
وترتيب عبد الرمحن بن قاسم الطبعة األوىل بالرياض 1381هـ.
احملص ول يف علم األص ول لفخر ال دين أيب عبد اهلل بن حممد بن عمر بن حسن ال رازي الش افعي املت وىف س نة )83
606هـ ،حتقيق طه جابر العلواين ،نشر جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية بالرياض 1399هـ.
خمتصر الروضة وقد طبع باسم (البلبل يف أص ول الفق ه) لنجم ال دين أيب الربيع س ليمان بن عبد الق وي الط ويف )84
املتوىف سنة 716هـ ،مكتبة اإلمام الشافعي بالرياض.
مدارج السالكني .لشمس الدين أيب عبد اهلل حممد بن أيب بكر املعروف بابن القيم اجلوزية املتوىف سنة 751هـ )85
حتقيق حممد حامد الفقي .دار الكتاب العريب .بريوت.
املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد بن حنبل .لعبد القادر بن أمحد املعروف بابن بدران املتوىف سنة 1346هـ حتقيق )86
د .عبد اهلل الرتكي مؤسسة الرسالة ببريوت الطبعة الثالثة 1405هـ.
مذكرة أصول الفقه للشيخ حممد األمني بن حممد املختار الشنقيطي املتوىف سنة 1393هـ .ط اجلامعة اإلسالمية )87
باملدينة النبوية.
املس ائل املش رتكة بني أص ول الفق ه .وأص ول ال دين ،حملمد العروسي عبد الق ادر (معاص ر) .دار حافظ للنشر )88
والتوزيع ،الطبعة األوىل 1410هـ.
املستصفى من علم أصول الفقه أليب حامد بن حممد الغزايل املتوىف سنة 505هـ دار صادر. )89
مسند اإلمام أمحد بن حممد بن حنبل املتوىف سنة 241هـ ،دار صادر. )90
املسودة يف أصول الفقه آلل تيمية .حتقيق حممد حمي الدين عبد احلميد .مطبعة املدين القاهرة 1384هـ. )91
املعترب يف ختريج أحاديث املنهاج واملختصر .لبدر الدين حممد بن عبد اهلل الزركشي املتوىف سنة 794هـ حتقيق )92
محدي عبد اجمليد السلفي .دار األرقم الكويت .الطبعة األوىل 1404هـ.
معجم لغة الفقهاء .وضع حممد رواس قلعة جي ،حامد صادق قنييب جار النفائس .الطبعة الثانية 1408هـ )93
135
)94املغين شرح خمتصر اخلرقي .ملوفق الدين عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي املتوىف سنة 620هـ .حتقيق عبد اهلل
الرتكي وعبد الفتاح احللو .هجر للطباعة والنشر الطبعة األوىل 1409هـ.
)95مفتاح الوصول إىل بناء الفروع على األصول .أليب عبد اهلل حممد بن أمحد املعروف بالشريف التلمساين املتوىف
سنة 771هـ ،حتقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ،دار الكتب العلمية بريوت 1403هـ.
)96املنخول من تعليقات األصول .أليب حامد بن حممد الغزايل املتوىف سنة 505هـ .حتقيق حممد حسن هيتو .دار
الفكر بدمشق الطبعة الثانية 1400هـ.
)97منع جواز اجملاز يف املنـزل للتعبد واإلعجاز .للشنقيطي .رسالة مطبوعة ضمن اجلزء العاشر من أضواء البيان.
)98املنهاج يف ترتيب احلجاج .أليب الوليد سليمان بن خلف الباجي املتوىف سنة 474هـ حتقيق عبد اجمليد تركي.
)99املوافقات يف أصول الشريعة .أليب إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطيب املتوىف سنة 790هـ تعليق عبد
اهلل دراز .دار املعرفة بريوت.
)100نثر الورود على مراقي السعود .للشيخ حممد األمني بن حممد املختار الشنقيطي املتوىف سنة 1393هـ .حتقيق
وإكمال تلميذه حممد ولد سيدي ولد حبيب الشنقيطي .توزيع دار املنارة .الطبعة األوىل 1415هـ.
)101نزهة النظر ش رح خنبة الفكر يف مص طلح أهل األث ر .لش هاب ال دين أيب الفضل أمحد بن علي بن حجر
العسقالين املتوىف سنة 852هـ طبع املكتبة العلمية.
)102النسخ يف دراسات األصوليني .نادية شريف العمري .مؤسسة الرسالة .الطبعة األوىل 1405هـ.
)103نظم املتن اثر من احلديث املت واتر .أليب عبد اهلل حممد بن جعفر الكت اين املت وىف س نة 1345هـ دار الكتب
السلفية مبصر .الطبعة الثانية.
)104النكت على كتاب ابن الصالح .أليب الفضل أمحد بن علي بن حجر العسقالين املتوىف سنة 852هـ .حتقيق
ربيع بن هادي عمري .دار الراية .الطبعة الثانية 1408هـ.
)105النهاية يف غ ريب احلديث واألث ر .جملد ال دين أيب الس عادات املب ارك ابن حممد املع روف ب ابن األثري اجلزري
املتوىف سنة 606هـ حتقيق طاهر أمحد الزاوي وحممود الطناحي .املكتبة اإلسالمية .الطبعة األوىل 1383هـ.
)106نواسخ القرآن أليب الفرج عبد الرمحن بن اجلوزي احلنبلي املتوىف 597هـ حتقيق حممد أشرف علي امللباري.
طبع اجمللس العلمي إلحياء الرتاث اإلسالمي باملدينة النبوية.
)107الواضح يف أصول الفقه .حممد بن سليمان األشقر (معاصر) الدار السلفية .الكويت.
)108عدد من املخطوطات للورقات.
136
فهـــرس الموضـوعـات
الصفحة الموضــوع
تقدمي
مقدمة الطبعة الثانية
مقدمة الطبعة الثالثة
مقدمة الطبعة األوىل
مبادئ علم أصول الفقه
مقدمة الورقات
تعريف أصول الفقه باعتبار مفرديه
األحكام الشرعية
الواجب
املندوب
املباح
احملظور
املكروه
الصحيح والباطل
الفقه ،العلم ،اجلهل
أقسام العلم
النظر ،االستدالل ،الدليل
الظن ،الشك
تعريف أصول الفقه باعتباره علماً
أبواب أصول الفقه
الكالم
أقسام الكالم من حيث مدلوله
137
أقسام الكالم من حيث استعماله
احلقيقة وأنواعها
اجملاز وأنواعه
األمر
من مسائل األمر
من يدخل يف األمر والنهي ومن ال يدخل؟
هل األمر بالشيء هني عن ضده؟
النهي
العام
اخلاص
املخصص املتصل
)1االستثناء
)2الشرط
)3الصفة
املطلق واملفيد
املخصص املنفصل
اجململ واملبني
الظاهر واملؤول
األفعال
اإلقرار
النسخ
أقسام النسخ باعتبار املنسوخ
أقسام النسخ باعتبار الناسخ
التعارض بني األدلة
138
اإلمجاع
من مسائل اإلمجاع
قول الصحايب
األخبار
)1املتواتر
)2اآلحاد
صيغ أداء احلديث
القياس
من شروط القياس
احلظر واإلباحة
االستصحاب
ترتيب األدلة
شروط املفيت
شروط املستفيت
التقليد
االجتهاد
أهم املراجع
متت املراجعة 1426 /8/2هـ واحلمد هلل
139