You are on page 1of 139

‫شرح الورقات في أصول الفقه – عبد هللا بن صالح الفوزان ‪.

‬‬

‫شـرح الــورقـــات‬
‫في أصـول الفقـــه‬
‫بقلــــــم‬
‫عبد اهلل بن صالح الفوزان‬
‫املدرس جبامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‬
‫فرع القصيم‬

‫جميع الحقوق محفوظة لموقع فضيلة الشيخ ‪ /‬عبد هللا بن صالح الفوزان‬
‫‪www.alfuzan.islamlight.net‬‬
‫مقــــدمـــــةـ‬

‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال‬
‫مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممداً عبده ورسوله‪. .‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فهذا شرح وجيز على ورقات إمام احلرمني يف أصول الفقه‪ ،‬راعيت فيه سهولة األسلوب‪ ،‬وإيضاح العبارة‬
‫بإيراد األمثلة‪.‬‬
‫إيل عدد من األخوة أن أقوم‬
‫وأصل هذا الشرح دروس ألقيتها على بعض الطلبة يف املسجد‪ ،‬فرغب ًّ‬
‫علي مبدين بعض املزايا‪ ،‬فاستعنت باهلل‬
‫بطباعتها‪ ،‬فاعتذرت هلم بكثرة شروح الورقات وحواشيها‪ ،‬ولكنهم أحلوا ّ‬
‫تعاىل يف تلبية هذا الطلب‪.‬‬
‫وأصول الفقه علم جليل القدر غزير الفائدة‪ ،‬يتمكن متعلمه من القدرة على استنباط األحكام الشرعية من‬
‫النصوص على أسس سليمة وقواعد صحيحة‪ ،‬وعلم الفقه قائم على األصول‪ ،‬وال ميكن للفقيه أن يعرف‬
‫األحكام الشرعية العلمية إال بعد معرفة أصول الفقه‪ ،‬وكذا احملدث واملفسر‪.‬‬
‫والعامل باألصول يشعر بالثقة واالطمئنان ملا دونه فقهاء اإلسالم‪ ،‬وأن ذلك مبين على قواعد وأسس سليمة‪.‬‬
‫وأول من ألف يف أصول الفقه ومجعه كفن مستقل اإلمام حممد بن إدريس الشافعي رمحه اهلل املولود سنة‬
‫‪150‬هـ‪ ،‬واملتوىف سنة ‪204‬هـ‪ ،‬ذكره اإلسنوي يف التمهيد ص‪ 45‬وحكى اإلمجاع فيه‪ ،‬مث تتابع العلماء بالتأليف ما‬
‫بني خمتصر ومطول‪ ،‬ومنثور ومنظوم‪ ،‬حىت صار فنّاً مستقالً رتبت أبوابه وحررت مسائله وصار كالتوحيد والفقه‬
‫واحلديث‪.‬‬
‫ومؤلف هذه الورقات هو شيخ الشافعية أبو املعايل عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد اجلويين‪ ،‬نسبة‬
‫إىل (جوين) من نواحي نيسابور‪ .‬ولد سنة ‪419‬هـ وتفقه على والده يف صباه‪ ،‬ورحل إىل بغداد مث إىل مكة وجاور‬
‫هبا أربع سنني‪ ،‬وذهب إىل املدينة فأفىت ودرس فلقب بإمام احلرمني‪ ،‬مث عاد إىل نيسابور فبىن له الوزير نظام امللك‬
‫املدرسة النظامية فدرس فيها وكان حيضر دروسه أكابر العلماء‪.‬‬
‫وكان أبو املعايل يف بداية أمره على مذهب أهل الكالم يف باب األمساء والصفات من املعتـزلة واألشاعرة‪،‬‬
‫وكان كثري املطالعة لكتب أيب هاشم املعتـزيل‪ ،‬قليل املعرفة باآلثار فأثر فيه جمموع األمرين‪ ،‬لكنه رجع عن ذلك إىل‬
‫مذهب السلف كما نقل ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل(‪.)1‬‬

‫‪ )(1‬انظر فهارس الفتاوى (‪.)2/494‬‬


‫‪2‬‬
‫وقد ورد عن أيب املعايل نفسه ما يدل على رجوعه حيث صرح بعقيدته يف باب األمساء والصفات وقال يف‬
‫رسالته النظامية (والذي نرتضيه رأياً‪ ،‬وندين اهلل به عقداً اتباع سلف األمة‪ ،‬فاألوىل االتباع‪ ،‬والدليل السمعي‬
‫القاطع يف ذلك أن إمجاع األمة حجة متبعة وهو مستند معظم الشريعة ‪.)2(). .‬‬
‫مات أبو املعايل سنة ‪478‬هـ بنيسابور رمحه اهلل‪ ،‬وله عدة مؤلفات يف أصول الدين والفقه واخلالف وأصول‬
‫الفقه‪.‬‬
‫وكتبه‬
‫عبد اهلل بن صالح الفوزان‬

‫‪ )(2‬انظر سري أعالم النبالء (‪.)18/468‬‬


‫‪3‬‬
‫مبادئ علم أصول الفقه‬

‫ملا كان (أصول الفقه) فناً مستقالً ناسب ذكر مبادئه العشرة اليت ينبغي لقاصد كل فن أن يعرفها‪ .‬لتصور‬
‫ذلك الفن قبل الشروع فيه‪.‬‬
‫وقد مجعها بعضهم بقوله‪:‬‬
‫الح ّد والموضـوع ثـم الثمـرة‬ ‫إن مبادئ كل علـم عشـرة‬
‫واالسم االستمداد حكم الشارع‬ ‫ونسبـة و فضلـه والـواضـع‬
‫ومن درى الجميع حـاز الشرفا‬ ‫مسائل والبعض بالبعض اكتفى‬
‫زاد بعضهم‪ :‬املبدأ احلادي عشر‪ ،‬وهو‪ :‬شرفه(‪.)1‬‬
‫وعليه فهذه مبادئ (علم أصول الفقه)‪:‬‬
‫‪ )1‬فحده‪ :‬علم يبحث يف أدلة الفقه اإلمجالية وكيفية االستفادة منها‪ .‬وحال املستفيد‪ .‬وسيأيت شرح هذا‬
‫التعريف إن شاء اهلل‪.‬‬
‫‪ )2‬وموضوعه‪ :‬األدلة املوصلة إىل معرفة األحكام الشرعية وأقسامها‪ .‬واختالف مراتبها‪ .‬وكيفية االستدال هبا‪،‬‬
‫مع معرفة حال املستدل‪.‬‬
‫‪ )3‬ومثرته وفائدته‪ ،‬منها‪:‬‬
‫القدرة على استنباط األحكام الشرعية على أسس سليمة يقول شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه‬ ‫‪)1‬‬
‫اهلل‪( :‬إن املقصود من أصول الفقه أن يفقه مراد اهلل ورسوله بالكتاب والسنة)(‪.)2‬‬
‫معرفة أن الشريعة اإلسالمية صاحلة لكل زمان ومكان‪ .‬وأهنا قادرة على إجياد األحكام ملا‬ ‫‪)2‬‬
‫يستجد من حوادث على مر العصور‪.‬‬
‫‪ )5‬العامل باألصول يشعر بالثقة واالطمئنان ملا دونه فقهاء اإلسالم‪ .‬وأنه مبين على قواعد ثابتة‬
‫مقررة شرعاً‪ ،‬ممحصة حبثاً‪.‬‬
‫د) ليست الفائدة من علم أصول الفقه قاصرة على الفقه فقط‪ .‬بل تتعداه إىل غريه من العلوم من‬
‫التفسري واحلديث والتاريخ وغريها(‪.)3‬‬

‫‪ )(1‬انظر (التأصيل) لبكر أبوزيد ص‪.37/‬‬


‫‪ )(2‬جمموع الفتاوى (‪.)20/497‬‬
‫‪ )(3‬انظر مقاالً يف جملة (أضواء الشريعة) بالرياض العدد السابع‪ .‬حتدث فيه الدكتور حممد البيانوين عن أمهية األصول وفوائد ص‪.411/‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ )4‬ونسبته إىل غريه‪ :‬أي مرتبته من العلوم األخرى‪ .‬أنه من العلوم الشرعية‪ .‬وهو للفقه‪ .‬كأصول النحو للنحو‪.‬‬
‫وعلوم احلديث للحديث‪.‬‬
‫‪ )5‬وفضله‪ :‬ما ورد يف احلث على التفقه يف دين اهلل تعاىل ومعرفة أحكام شرعه‪ .‬وهذا متوقف على أصول‬
‫الفقه‪ .‬فيثبت له ما ثبت للفقه من الفضل‪ .‬إذ هو وسيلة إليه‪.‬‬
‫‪ )6‬واضعه‪ :‬هو اإلمام حممد بن إدريس الشافعي رمحه اهلل‪ .‬وذلك بتأليف كتاب (الرسالة) وقد ذكرت ذلك يف‬
‫املقدمة‪.‬‬
‫‪ )7‬امسه‪ :‬علم أصول الفقه‪.‬‬
‫‪ )8‬استمداده‪ .‬من ثالثة أشياء‪:‬‬
‫علم التوحيد‪ :‬وذلك لتوقف األحكام الشرعية على معرفة اهلل تعاىل‪ .‬وصدق رسوله ‪ ‬فيما‬ ‫‪)1‬‬
‫جاء به من األحكام‪ ،‬ألنه املبلغ عن اهلل‪.‬‬
‫علم اللغة العربي ة‪ :‬فالبد أن يع رف األص ويل ق دراً ص احلاً من اللغة يتمكن به من معرفة‬ ‫‪)2‬‬
‫الكتاب والسنة‪ .‬ألهنما بلسان عريب‪.‬‬
‫ج) األحكام الشرعية‪ :‬فالبد أن يعرف قدراً صاحلاً من الفقه يتمكن من إيضاح املسائل‪ .‬وضرب‬
‫األمثلة‪.‬‬
‫(املسودة) أنه فرض عني على من أن أراد االجتهاد واحلكم والفتوى(‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫‪ )9‬حكمه‪ :‬فرض كفاية‪ .‬وذكر يف‬
‫‪ )10‬مسائلة‪ :‬مباحثه اليت يلتزمها اجملتهد‪ .‬ويستفيد منها ويستنبط األحكام الشرعية على ضوئها‪.‬‬
‫‪ )11‬شرفه‪ :‬هو علم شريف لشرف موضوعه‪ ،‬وهو العلم بأحكامه اهلل تعاىل املتضمنة للفوز بسعادة الدارين‪.‬‬

‫املسودة يف أصول الفقه ص‪.510/‬‬


‫() ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪5‬‬
‫‪‬‬
‫(‪)1‬‬
‫مقدمة الورقـــــــات‬
‫(هذه ورقات تشتمل على معرفة فصول من أصول الفقه وذلك مؤلف من جزءين مفردين‬
‫أحدهما‪ :‬األصول‪ .‬والثاني‪ :‬الفقه)‪.‬‬
‫قوله‪( :‬هذه ورقات) الورقات مجع ورقة وهو مجع مؤنث سامل من مجوع القلة(‪ )2‬عند سيبويه(‪،)3‬‬
‫وقد يأيت للكثرة‪ .‬وعرب بذلك لقصد التسهيل على املبتدئ‪ ،‬لينشط على قراءهتا واإلملام مبا فيها‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬تشتمل على معرفة فصول" أي على معرفة أنواع من املسائل كل نوع منها يسمى (فصالً)‬
‫النفصاله عن غريه‪.‬‬
‫والفصول‪ :‬مجع فصل وهو قطعة من الباب مستقلة بنفسها منفصلة عما سواها‪ ،‬تشتمل على مسائل غالباً‪،‬‬
‫والباب أعم من الفصل ألنه اسم امللة خمتصة من العلم‪ ،‬تشتمل على فصول ومسائل غالباً‪ ،‬والكتاب أعم ألنه اسم‬
‫جلملة خمتصة من العلم تشتمل على أبواب وفصول ومسائل غالباً‪.‬‬
‫وإمنا يفعل املصنفون ذلك لتنشيط النفس وبعثها على التحصيل واالستمرار يف الطلب مبا حيصل هلا من‬
‫السرور باخلتم واالبتداء‪ ،‬كاملسافر إذا قطع مرحلة من سفره شرع يف أخرى‪.‬‬
‫قوله‪( :‬من أصول الفقه) أي من هذا الفن املسمى بأصول الفقه‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وذلك مؤلف من جزءين ‪ . . .‬إخل) اإلشارة إىل أصول الفقه فهو مؤلف من جزءين‪ .‬من مضاف‬
‫وهو كلمة (أصول) ومضاف إليه وهو كلمة‪( :‬الفقه) فهو من املركب اإلضايف‪ ،‬وهلذا البد له من تعريفني‪:‬‬
‫األول‪ :‬باعتبار مفردية‪ .‬أي كلمة (أصول) وكلمة (الفقه)‪ ،‬ألن املركب ال متكن معرفته إال بعد معرفة ما تركب‬
‫منه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬باعتباره علماً على هذا الفن املعني‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬مفردين) املراد باإلفراد هنا ما يقابل الرتكيب ال ما يقابل التثنية واجلمع‪ ،‬ألن أحد اجلزءين وهو‬
‫لفظ (أصول) مجع‪ ،‬فدل على أن املفرد ما ليس مبركب‪.‬‬
‫وإمنا قال‪( :‬مفردين) ليبني أن التأليف قد يكون من جزءين مفردين كما هنا‪ .‬وقد يكون من مجلتني حنو‪ :‬إن‬
‫قدم الضيف أكرمته‪ .‬فإن الفعل والفاعل (قدم الضيف) مجلة و(أكرمته) مجلة أخرى‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() يف بعض نسخ الورقات جاء يف املقدمة (احلمد هلل رب العاملني وصلى اهلل على سيدنا حممد وآله وصحبه أمجعني) وأكثرها مل ترد فيه هذه العبارة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() مجع القلة‪ :‬ما كان مدلوله عدداً حمدداً ال يقل عن ثالثة وال يزيد عن عشرة‪ .‬ومجع الكثرة‪ :‬ما وضع للعدد الكثري من أحد عشر إىل ماال هناية له‪ .‬ولكل‬ ‫‪2‬‬

‫منهما أوزان‪.‬‬
‫() كتاب سيبويه (‪.)578 ،3/491‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪6‬‬
‫تعريف أصولـ الفقه باعتبار مفردية‬

‫(فاألصل ما يبنى عليه غيره‪ ،‬والفرع ما يبني على غيره‪ .‬والفقه معرفة األحكام الشرعية التي‬
‫طريقها االجتهاد)‪.‬‬
‫هذا التعريف األول ألصول الفقه وهو تعريفه باعتبار مفردية‪ ،‬فاألصول مجع أصل واألصل لغة‪ :‬ما يبين عليه‬
‫غريه‪ ،‬كأصل اجلدار وهو أساسه املسترت يف األرض املبين عليه اجلدار‪ .‬وأصل الشجرة وهو طرفها الثابت يف األرض‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫قال تعاىل‪ :‬ألم تر كيف ضرب اهلل مثالً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء (‪)24‬‬
‫وهذا أحسن ما قيل يف تعريف األصل‪.‬‬
‫وأما يف االصطالح فيطلق على معان منها‪:‬‬
‫‪ )1‬الدليل‪ :‬كقولنا‪ :‬أصل وجوب الصوم قوله تعاىل‪ :‬يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام‪ )2(‬أي دليله‪.‬‬
‫ومنه أصول الفقه‪ :‬أي أدلته‪.‬‬
‫‪ )2‬القاعدة المستمرة‪ :‬كقولنا‪ :‬إباحة امليتة للمضطر على خالف األصل‪.‬‬
‫‪ )3‬المقيس عليه‪ :‬وهذا يف باب القياس حيث إن األصل أحد أركان القياس‪.‬‬
‫وأما الف رع‪ :‬فهو ما يبىن على غ ريه‪ ،‬مثل ف روع الش جرة فهي مبنية على أص لها‪ ،‬وف روع الفقه مبنية على‬
‫أصوله‪.‬‬
‫وإمنا عرف الفرع – مع أنه ليس أحد اجلزءين – ألنه مقابل ألحدمها وهو األصل‪ ،‬والشيء يتضح غاية‬
‫االتضاح إذا ذكر مقابله‪ .‬أو يقال‪ :‬قصد املؤلف التنبيه على أن الفقه مبين على أصوله‪ ،‬وأن اجلزء األول وهو أصول‬
‫مبين عليه‪ ،‬واجلزء الثاين وهو الفقه مبين‪ ،‬فليس ذكر الفرع استطرادا كما قال بعضهم‪.‬‬
‫وأما اجلزء الثاين من املركب فهو (الفقه) والفقه لغة‪ :‬الفهم أي فهم غرض املتكلم من كالمه‪ .‬قال‬
‫اجلوهري‪ :‬الفقه‪ :‬الفهم‪ .‬تقول‪ :‬فقه الرجل بالكسر‪ ،‬وفالن ال يفقه وال ينقه(‪ ،)3‬مث خص به علم الشريعة‪ .‬والعامل‬
‫به فقيه‪ .‬وقد فقه بالضم فقاهة وفقهه اهلل وتفقه إذا تعاطى ذلك‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫والفقه اصطالحاً‪ :‬معرفة األحكام الشرعية اليت طريقها االجتهاد‪.‬‬

‫() سورة إبراهيم‪ ،‬آية‪.24 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.183 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() قال يف القاموس‪ :‬نقه احلديث‪ :‬فهمه‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪7‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫قوله‪ :‬معرفة‪ :‬املعرفة تشمل اليقني – وهو ما أدرك على حقيقته كمعرفة أن الصلوات مخس‪ ،‬وأن الزنا‬
‫حمرم‪ ،‬والظن وهو ما أدرك على وجه راجح كما يف كثري من مسائل الفقه(‪ .)1‬مثل معرفة أن الوتر سنة على مذهب‬
‫اجلمهور‪ .‬وأن الزكاة غري واجبة يف احللي املباح على أحد األقوال‪ .‬واملراد باملعرفة هنا الظن؛ لقوله‪( :‬اليت طريقها‬
‫االجتهاد)‪ .‬فهو صفة للمعرفة‪ ،‬ال لألحكام الشرعية إذ لو كان صفة لألحكام لدخل يف التعريف معرفة املقلد‪ ،‬فإذا‬
‫جعلناه صفة للمعرفة خرج املقلد إذ يصري التعريف‪:‬‬
‫الفقه‪ :‬هو املعرفة اليت طريقها االجتهاد‪ .‬واملقلد ليست معرفته عن طريق االجتهاد بل عن طريق التقليد‪،‬‬
‫كما سيأيت إن شاء اهلل تعاىل يف آخر الورقات‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬األحكام الشرعية) أي املأخوذة من الشرع املبعوث به النيب ‪ .‬كالوجوب واالستحباب واحلرمة‬
‫وغريها‪.‬‬
‫وقيد (الشرعية) خرج به األحكام العقلية‪ ،‬كمعرفة أن الواحد نصف االثنني‪ ،‬واألحكام احلسية كمعرفة أن‬
‫النار حارة‪ ،‬والعادية كنـزول املطر بعد الرعد والربق‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬اليت طريقها االجتهاد) تقدم أنه صفة للمعرفة‪ .‬واملعىن‪ :‬اليت طريق ثبوهتا وظهورها االجتهاد الذي‬
‫هو بذل اجلهد إلدراك حكم شرعي مثل‪ :‬النية واجبة يف الوضوء والفاحتة واجبة يف الصالة السرية واجلهرية على‬
‫أحد األقوال‪ ،‬وغري ذلك من مسائل اخلالف‪ .‬وأما ما طريقه القطع مثل الصالة واجبة والزنا حمرم وغري ذلك من‬
‫املسائل املصنف‪،‬فال تسمى معرفتها فقهايف االصطالح على ألن معرفة ذلك يشرتك فيها اخلاص والعام‪ .‬فالفقه هبذا‬
‫التعريف ال يتناول إال فقه اجملتهد‪.‬‬
‫هذا هو تعريف أصول الفقه باعتبار مفرديه‪ .‬وأما التعريف الثاين وهو تعريفه باعتباره علماً على هذا الفن‬
‫املعني فسيذكره املصنف بعد الكالم على األحكام الشرعية‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() انظر الربهان إلمام احلرمني (‪.)1/78‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪8‬‬
‫األحكــام الشـرعية‬

‫(واألحكام سبعة‪ :‬الواجب‪ ،‬والمندوب‪ ،‬والمباح‪ ،‬والمحظور‪ ،‬والمكروه‪ ،‬والصحيح‪ ،‬والباطل)‪.‬‬


‫املراد باألحكام‪ :‬األحكام الشرعية اليت تقدم ذكرها يف تعريف الفقه‪ ،‬واألحكام مجع حكم‪ .‬وهو لغة‪ :‬املنع‪.‬‬
‫ومنه قيل‪ :‬للقضاء حكم‪ ،‬ألنه مينع من غري املقضى‪ .‬واحلكم‪ :‬القضاء‪ .‬قال ابن األثري‪( :‬احلكم‪ :‬العلم الفقه والقضاء‬
‫بالعدل) ا هـ‪ .‬وعلى املعىن األول جاء قول جرير‪:‬‬
‫إني أخاف عليكمو أن أغضبا‬ ‫أبني حنيفة احكموا سفهاءكم‬
‫ويظهر من هذا املعىن اللغوي أننا إذا قلنا‪ :‬حكم اهلل يف هذه املسألة الوجوب فمعناه أنه قضى فيها بالوجوب‬
‫ومنع املكلف من خمالفته‪.‬‬
‫واحلكم اصطالحاً‪ :‬ما دل(‪ )1‬عليه خطاب الشرع املتعلق بأفعال املكلفني من طلب أو ختيري أو وضع‪.‬‬
‫ومثاله قوله تعاىل‪] :‬وأقيموا الصالة[ فهذا خطاب من الشرع دل على وجوب إقامة الصالة‪ ،‬وهذا‬
‫الوجوب هو احلكم‪.‬‬
‫واملراد خبطاب الشرع‪ :‬الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وقولنا‪ :‬بأفعال املكلفني‪ :‬املراد به‪ :‬مجيع أعمال اجلوارح وإن كانت األفعال تقابل باألقوال يف اإلطالق‬
‫العريف‪ ،‬وهذا خيرج ما تعلق بذواهتم فليس مقصوداً كقوله تعاىل‪] :‬ولقد خلقناكم ثم صورناكم[(‪ ،)2‬وخرج به ما‬
‫تعلق باالعتقاد فليس حكماً هبا االصطالح‪ .‬واملكلفون‪ :‬يشم نوعني‪:‬‬
‫‪ )1‬املكلف اآلن‪ .‬ويراد به كل بالغ عاقل‪.‬‬
‫‪ )2‬ليس مكلفاً اآلن ولكنه منطبقة املكلفني‪ ،‬وهذا يراد به الصغري واجملنون‪ ،‬فكل منهما من طبقة‬
‫املكلفني‪ ،‬ولكن وجد مانع من التكليف وهو الصغر وفقدان العقل‪ ،‬فإذا زاال جرى عليه التكليف‪.‬‬
‫والتكليف لغة‪ :‬إلزام ما فيه كلفة أي مشقة‪ .‬واصطالحاً طلب ما فيه مشقة‪.‬‬
‫وقولنا‪ :‬من طلب‪ :‬الطلب نوعان‪:‬‬
‫‪ )1‬طلب فعل وهو األمر‪ ،‬إن كان على سبيل اإللزام فواجب وإال فمندوب‪.‬‬
‫‪ )2‬طلب ترك وهو النهي‪ ،‬إن كان على سبيل اإللزام فمحرم وإال فمكروه‪.‬‬
‫وقولنا‪ :‬أو ختيري‪ :‬يراد به املباح‪.‬‬
‫وقولنا‪ :‬أو وضع‪ :‬يراد به احلكم الوضعي‪ .‬وذلك أن األحكام نوعان‪:‬‬

‫() انظر احلكم التكليفي للدكتور حممد البيانوين ص‪.31‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة األعراف‪ ،‬آية ‪.11‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪9‬‬
‫أحكام تكليفية‪ :‬وهي ما دل عليه خطاب الشرع من طلب فعل أو ترك أو ختيري‪ ،‬وهي مخسة‪:‬‬ ‫‪)1‬‬
‫الواجب‪ ،‬واملندوب واحملظور‪ ،‬واملكروه‪ ،‬واملباح‪ ،‬وسيأيت إن شاء اهلل تعاىل بيان وجه إدخال املباح مع‬
‫األحكام التكليفية مع أنه ال تكليف فيه‪.‬‬
‫أحكام وضعية‪ :‬وهي ما دل عليه خطاب الشرع من أسباب وشروط وموانع‪ .‬تعرف عند وجودها‬ ‫‪)2‬‬
‫أحكام الشرع من فعل أو ترك‪ .‬ويرتتب على ذلك الصحة والفساد‪ .‬فرؤية اهلالل سبب وجوب‬
‫الصيام‪ .‬والوضوء شرط للصالة‪ .‬واحليض مانع منها‪ ،‬وذكر املصنف من األحكام الوضعية‪ :‬الصحيح‬
‫والباطل‪.‬‬
‫وأعلم أن ظاهر كالم املصنف أن الفقه هو العلم هبذه السبعة‪ ،‬ألنه ملا عرف الفقه بأنه معرفة األحكام‬
‫الشرعية قال‪ :‬واألحكام سبعة‪ .‬وأظهر يف مقام اإلضمار توضيحاً للمبتدئ‪ ،‬لكن يعلم أن الفقه ليس معرفة حقيقة‬
‫الواجب واملندوب ‪ . .‬إخل‪ ،‬ألن هذا من أصول الفقه؛ وإمنا املقصود أن الفقه معرفة جزئياهتا‪ .‬واملراد الواجبات‬
‫واملندوبات واحملرمات واملكروهات واألفعال الصحيحة والفاسدة واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫أقسام الحكم التكليفي‬
‫‪ )1‬الواجـــب‬

‫(فالواجب‪ :‬ما يثاب على فعله ويعاقب على تركه)‬


‫هذا القسم األول من أقسام احلكم التكليفي وهو الواجب‪ .‬وهو لغة‪ :‬الساقط والالزم‪ ،‬ألن الساقط يلزم‬
‫مكانه‪ ،‬فسمي الالزم الذي إلخالص منه واجباً‪ .‬قال يف القاموس‪ :‬وجب جيب وجبة سقط‪ .‬والشمس وجباً‬
‫ووجوباً‪ :‬غابت‪ .‬والوجبة السقطة مع اهلدة أو صوت الساقط ا هـ‪ .‬قال تعاىل‪] :‬فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها[(‪.)1‬‬
‫أي سقطت قال الشاعر‪:‬‬
‫عنا لسلم حتى كان أول واجب‬ ‫أطاعت بنو عوف أميراً نهاهمو‬
‫وأما الواجب اصطالحاً‪ :‬فاكثر األصوليني يعرفه باحلد أي ببيان احلقيقة واملاهية‪ .‬وبعضهم يعرفه بالرسم وهو‬
‫تعريفه ببيان الثمرة واحلكم واألثر(‪ .)2‬واألول أدق ألن احلكم على الشيء فرع عن تصوره‪ ،‬وهلذا قال يف شرح‬
‫التحرير‪( :‬إن حده حبكمه يأباه احملققون) واستحسن هذا القول الفتوحي يف شرحه على الكوكب املنري(‪ )3‬وقد جرى‬
‫املصنف على الثاين فذكر الوصف الذي اشرتكت فيه مجيع الواجبات‪ ،‬وهو الثواب على الفعل والعقاب على الرتك‪.‬‬
‫وأما على األول فالواجب‪ :‬ما طلب الشارع فعله طلباً جازماً كالصالة والزكاة وبر الوالدين وصلة األرحام‬
‫والوفاء بالوعد والصدق‪.‬‬
‫وخرج بالقيد األول احملرم واملكروه واملباح‪ ،‬وبالقيد الثاين املندوب‪.‬‬
‫وحكم الواجب فعالً وتركاً ما ذكره املصنف من أن فاعله يثاب وتاركه يعاقب‪ ،‬وهذا حيتاج إىل أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬قيد االمتثال للثواب أي يثاب على فعله امتثاالً(‪.)4‬‬
‫الثاين‪ :‬لو عرب بقوله‪( :‬ويستحق تاركه العقاب) بدل (ويعاقب) لكان أحسن ألن من الواجبات ماال يلزم من‬
‫تركه العقاب‪ ،‬بل هو حتت املشيئة مثل بر الوالدين‪ ،‬قال تعاىل‪] :‬إن اهلل ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك‬
‫لمن يشاء[(‪ ،)5‬وقد أجاب بعض شراح الورقات عن استقامة العبارة جبوابني‪ .‬فقد قال جالل الدين احمللي‪( :‬ويكفي‬

‫() سورة احلج‪ ،‬آية ‪.36‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر شرح الكوكب املنري (‪.)1/89‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر شرح الكوكب املنري (‪.)1/349‬‬ ‫‪3‬‬

‫() وذلك كالصالة والصوم‪ ،‬وأما قضاء الدين ورد الودائع واإلنفاق على الزوجة فيصح بدون نية‪ .‬ولكن ال ثواب إال بنية‪ .‬انظر (نثر الورود على مراقي‬ ‫‪4‬‬

‫السعود ‪ )1/54‬شرح الكوكب املنري ‪.1/349‬‬


‫() سورة النساء‪ ،‬آية ‪.48‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪11‬‬
‫يف صدق العقاب وجوده لواحد من العصاة مع العفو عن غريه‪ ،‬وجيوز أن يريد‪ :‬ويرتتب العقاب على تركه‪ .‬كما‬
‫عرب به غريه فال ينايف العفو)(‪ )1‬ا هـ‪ .‬واجلواب الثاين أحسن ألن ترتب العقاب ال يلزم فيه حصول العقاب واهلل أعلم‪.‬‬
‫وللجواب تقسيمات أمهها ثالثة‪:‬‬
‫التقسيم األول‪ :‬باعتبار الفعل‪ .‬وهو نوعان‪:‬‬
‫‪ )1‬معني‪ ،‬وهو األكثر‪ .‬وهو الواجب الذي ال يقوم غريه مقامه كالصالة والصوم وحنومها‪.‬‬
‫‪ )2‬مبهم‪ .‬يف أقسام حمصورة جيزي فعل واحد منها كخصال الكفارة من عتق أو إطعام أو صوم‪.‬‬
‫التقسيم الثاين‪ :‬باعتبار الوقت‪ .‬وهو نوعان‪:‬‬
‫‪ )1‬واجب مضيق‪ .‬وهو ما تعني له وقت ال يزيد على فعله كصوم رمضان‪.‬‬
‫‪ )2‬واجب موسع‪ .‬وهو ما كن وقته املعني يزيد على فعله كالصالة‪.‬‬
‫التقسيم الثالث‪ :‬باعتبار الفاعل‪ .‬وهو نوعان‪:‬‬
‫‪ )1‬واجب عيين‪ :‬وهو ماال تدخله النيابة مع القدرة وعدم احلاجة كالصلوات اخلمس‪ ،‬فما دامت القدرة‬
‫موجودة وجب على املكلف أن يفعل بنفسه أما مع عدم القدرة ففي املسألة تفصيل حسب نوعية‬
‫العبادة‪. .‬‬
‫‪ )2‬واجب كفائي‪ :‬وهو ما يسقطه فعل البعض ولو مع القدرة وعدم احلاجة كالصالة على امليت ودفنه‬
‫فالواجب الكفائي يتحتم أداؤه على مجاعة املكلفني‪ ،‬فإذا قام به بعضهم سقط عن الباقني(‪ .)2‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() شرح احمللي ص‪.7‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر احلكم التكليفي للبيانوين ص‪.97‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ 2-3‬المندوب والمباح‬

‫(والمندوب ما يثاب على فعله وال يعاقب على تركه‪ .‬والمباح ماال يثاب على فعله وال يعاقب على‬
‫تركه)‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬املندوب‪ .‬وهو لغة‪ :‬اسم مفعول من الندب وهو الدعاء إىل الفعل‪ ،‬وقيده بعضهم بالدعاء إىل‬
‫أمر مهم‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫في النائبات على ما قال برهانا‬ ‫ال يسألون أخاهم حين يندبهم‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما طلب الشارع فعله طلباً غري جازم كالسواك والرواتب والتطيب يوم اجلمعة‪.‬‬
‫والقيد األول إلخراج احملرم واملكروه واملباح‪ .‬والقيد الثاين إلخراج الواجب‪.‬‬
‫واملندوب كما قال املصنف يثاب املكلف على فعله وذلك بقصد االمتثال‪ ،‬وال يعاقب على تركه‪.‬‬
‫واملندوب خادم للواجب فهو دافع قوي على االلتزام بالواجبات إضافة إىل أنه جيرب النقص فيها كما دلت‬
‫السنة على ذلك(‪ )1‬يقول الشاطيب رمحه اهلل (املندوب إذا اعتربته اعتباراً أعم وجدته خادماً للواجب‪ ،‬ألنه إما مقدمة‬
‫له أو تذكار به كان من جنسه الواجب أو ال‪ .‬فالذي من جنسه الواجب كنوافل الصلوات مع فرائضها‪ ،‬والذي من‬
‫غري جنسه كالسواك وتعجيل اإلفطار وتأخري السحور ‪ ،)2(). .‬ومعىن كالمه – رمحه اهلل – أن من حافظ على‬
‫املندوبات حافظ على الواجبات ومن قصر يف املندوبات فهو عرضة ألن يقصر يف الواجبات ‪.‬‬
‫ومجهور األصوليني على أن املندوب مأمور به حقيقة كما تقدم يف التعريف‪ ،‬ألن املندوب طاعة‪ ،‬والطاعة‬
‫تكون بامتثال أمر اهلل تعاىل‪ ،‬فكان املندوب مأموراً به حقيقة‪ .‬قال تعاىل‪] :‬إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان[(‪ )3‬وهذا‬
‫أمر عام يشمل الواجب واملندوب‪ ،‬وسيأيت إن شاء اهلل تعاىل يف باب األمر انقسام األمر إىل أمر إجياب وأمر‬
‫استحباب واهلل أعلم‪.‬‬
‫ويسمى املندوب‪ :‬سنة ومستحباً وتطوعاً ونفالً‪ .‬وهذا على رأي اجلمهور خالفاً لألحناف الذين جعلوا‬
‫املندوب مرادفاً للنفل وال كراهة عندهم يف تركه‪ ،‬وفرقوا بني السنة والنفل‪ ،‬فجعلوها أعلى منه رتبة‪ .‬فإن كانت‬
‫مؤكدة فرتكها مكروه حترمياً‪ ،‬وإن كانت غري مؤكدة فتنـزيها(‪.)4‬‬

‫() انظر‪ :‬حتفة األحوذي (‪.)2/462‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املوافقات ‪.1/151‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة النحل‪ ،‬آية ‪.90‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر احلكم التكليفي ص‪.171 ،163‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪13‬‬
‫والقسم الثالث‪ :‬املباح‬
‫وهو لغة‪ :‬املعلن واملأذون فيه‪ .‬يقال‪ :‬باح فالن بسره‪ :‬أظهره‪ ،‬وأباح الرجل ماله‪ :‬أذن يف األخذ والرتك‪.‬‬
‫واستباح الناس العشب‪ :‬أقدموا على رعيه‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما ال يتعلق به أمر وال هني لذاته كاالغتسال للتربد‪ ،‬واملباشرة ليايل الصيام‪ ،‬وخرج بالقيد‬
‫األول وهو ( ما ال يتعلق به أمر) الواجب واملندوب ألنه مأمور هبما‪.‬‬
‫وخرج بالقيد الثاين وهو (وال هني) احملرم واملكروه ألنه منهي عنهما‪.‬‬
‫وخرج بالقيد الثالث وهو (لذاته) ما إذا كان املباح وسيلة ملأمور به‪ ،‬فإنه يتعلق به أمر لكن ال لذات املباح‪،‬‬
‫بل لكونه صار وسيلة‪ ،‬أو كان املباح وسيلة ملنهي عنه فإنه يتعلق به هني‪ ،‬لكن ال لذاته وإمنا لكونه صار وسيلة‪.‬‬
‫ومثال األول‪ :‬األكل فهو مباح يف األصل لكن لو توقف عليه بقاء احلياة صار مأموراً به ملا تقدم‪ .‬ومثال الثاين‪ :‬أكل‬
‫الفاكهة – مثالً – فهو مباح لكن لو أدى تفويت صالة اجلماعة يف املسجد صار منهياً عنه كما تقدم‪.‬‬
‫ومن تعريف املباح يتضح أنه ليس مأموراً به‪ ،‬ألن األمر يستلزم إجياب الفعل أو ترجيحه‪ ،‬وال ترجيح للفعل‬
‫على الرتك يف املباح‪ ،‬بل مها سواء‪.‬‬
‫وأما حكم املباح فهو كما ذكر املصنف ال ثواب يف فعله وال عقاب يف تركه‪ ،‬وهذا مذهب مجهور‬
‫األصوليني‪ ،‬واملراد بذلك املباح الباقي على وصف اإلباحة‪ ،‬أما املباح الذي يكون وسيلة ملأمور به أو منهي عنه فهذا‬
‫حكمه حكم ما كان وسيلة إليه كما ذكرنا‪.‬‬
‫وتثبت اإلباحة بصيغ كثرية وردت يف النصوص الشرعية ومنها‪:‬‬
‫نفي اإلمث واجلناح واحلرج(‪ )1‬كقوله تعاىل‪] :‬ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضال من ربكم[‬
‫(‪)2‬‬
‫‪)1‬‬
‫وقوله تعاىل‪] :‬ليس على األعمى حرج وال على األعرج حرج وال على المريض حرج[(‪ ،)3‬وقوله‬
‫تعاىل‪] :‬إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير اهلل فمن اضطر غير باغ‬
‫وال عاد فال إثم عليه[(‪.)4‬‬
‫النص على احلل كقوله تعاىل‪] :‬أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم[(‪.)5‬‬ ‫‪)2‬‬

‫() هذا ليس على إطالقه‪ .‬قال الشاطيب رمحه اهلل‪( :‬إذا قال الشارع يف أمر واقع "ال حرج فيه" فال يؤخذ منه حكم اإلباحة‪ .‬إذ قد يكون كذلك وقد يكون‬ ‫‪1‬‬

‫مكروهاً‪ .‬فإن املكروه بعد الوقوع ال حرج فيه فليتفقد هذا يف األدلة) املوافقات (‪.)1/146‬‬
‫() سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.198‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة النور‪ ،‬آية ‪.61‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.173‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية ‪.187‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪14‬‬
‫عدم النص على التحرمي‪ .‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‪( :‬انتفاء دليل التحرمي دليل على‬ ‫‪)3‬‬
‫عدم التحرمي)(‪.)1‬‬
‫االمتنان مبا يف األعيان من املنافع وما يتعلق هبا من األفعال كقوله تعاىل‪] :‬ومن أصوافها‬ ‫‪)4‬‬
‫وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين[(‪.)2‬‬
‫القرائن اليت تصرف األمر من والوجوب إىل اإلباحة كقوله تعاىل‪] :‬وإذا حللتم فاصطادوا[‬
‫(‪)3‬‬
‫‪)5‬‬
‫ويأيت هذا يف باب األمر إن شاء اهلل‪.‬‬
‫ويطلق على املباح لفظ احلالل واجلائز‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما وجه إدخال املباح يف األحكام التكليفية مع أنه ال كلفة فيه؟‬
‫فاجلواب‪ :‬ما قاله مجهور األصوليني من أن إدخال املباح يف األحكام التكليفية إمنا هو على سبيل التغليب‪.‬‬
‫وهذا استعمال مألوف معروف يف اللغة العربية وأساليبها مثل‪( :‬األسودان) للتمر واملاء‪ .‬و(األبوان) لألم‬
‫واألب(‪ )4‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() القواعد النورانية ص‪.200‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النحل‪ ،‬آية‪ ،80 :‬بدائع الفوائد (‪.)4/6‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬آية‪.2 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() احلكم التكليفي للبيانوين ص‪.54‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ 4-5‬المحظور والمكروهـ‬

‫(والمحظور ما يثاب على تركه ويعاقب على فعله‪ .‬والمكروه‪ :‬ما يثاب على تركه وال يعاقب‬
‫على فعله)‪.‬‬
‫الرابع من أقسام احلكم التكليفي‪ :‬احملظور‪.‬‬
‫وهو لغة‪ :‬اسم مفعول من احلظر مبعىن املنع يقال حظرت الشيء إذا حرمته‪ ،‬وهو راجع إىل املنع ومنه قوله‬
‫تعاىل‪] :‬وما كان عطاء ربك محظوراً[(‪.)1‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما طلب الشرع تركه طلباً جازماً من األفعال كعقوق الوالدين وإسبال الثياب‪ ،‬أو األقوال‬
‫كالغيبة والنميمة‪ ،‬أو أعمال القلوب كاحلقد واحلسد‪.‬‬
‫والقيد األول‪ :‬إلخراج الواجب واملندوب واملباح‪.‬‬
‫والقيد الثاين‪ :‬إلخراج املكروه‪.‬‬
‫واحلرام ضد احلالل‪ .‬يقال‪ :‬هذا حالل وهذا حرام‪ ،‬كما قال تعاىل‪] :‬وال تقولوا لما تصف ألسنتكم‬
‫الكذب هذا حالل وهذا حرام لتفتروا على اهلل الكذب[(‪ .)2‬وأما قول األصوليني (احلرام ضد الواجب) فإمنا هو‬
‫فيعرف احلرام بضد تعريف الواجب كما ذكرنا‪.‬‬
‫باعتبار تقسيم أحكام التكليف ّ‬
‫وحكم احملرم ما ذكره املؤلف من أنه يثاب على تركه لكن بقصد االمتثال‪ ،‬وذلك بان يكف نفسه عن‬
‫احملرم امتثاالً لنهي الشرع قاصداً بذلك وجه اهلل تعاىل‪ ،‬فلو تركه لنحو خوف من خملوق أو حياء أو رياء أو عجز‪،‬‬
‫َسلِ َم من اإلمث ألنه مل يرتكب حراماً‪ ،‬ولكن ال أجر له‪ ،‬ألنه مل يقصد وجه اهلل بالرتك للحرام(‪.)3‬‬
‫وأما فاعل احملرم بال عذر فهو مستحق للعقاب وال يلزم حتققه فهو حتت املشيئة‪ ،‬وتقدم الكالم على ذلك يف‬
‫باب الواجب‪.‬‬
‫ويسمى احملرم حمظوراً كما عرب به املصنف‪.‬‬
‫قوله‪( :‬واملكروه ما يثاب على تركه وال يعاقب على فعله) هذا اخلامس من األحكام التكليفية وهو‬
‫(املكروه) وهو لغة اسم مفعول مشتق من الكراهة وهو البغض فاملكروه مبعىن املبغض بوزن اسم املفعول‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما طلب الشرع تركه طلباً غري جازم كااللتفات يف الصالة بالرقبة واألخذ واإلعطاء بالشمال‪.‬‬
‫والقيد األول إلخراج ما تقدم يف احملظور‪ .‬والقيد الثاين إلخراج احملظور‪.‬‬
‫() سورة اإلسراء‪ ،‬آية‪.20 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النحل‪ ،‬آية‪.116 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() بل قال بعضهم‪ :‬يأمث ألن تقدمي خوف املخلوق على خوف اهلل تعاىل حمرم وكذا الرياء‪ .‬انظر جمموع الفتاوى (‪ ،)14/22( )10/720‬ففيهما مبحث‬ ‫‪3‬‬

‫نفيس حول هذا املوضوع‪ .‬وانظر (نثر الورود ‪.)1/54‬‬


‫‪16‬‬
‫واملكروه يثاب تاركه امتثاالً وال يعاقب فاعله‪.‬‬
‫واعلم أن للمكروه ثالثة اصطالحات عند العلماء‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما هني عنه هني تنـزيه‪ ،‬وهو ما تقدم تعريفه ألن األحكام أربعة‪ ،‬وكل واحد قد خص باسم غلب‬
‫عليه‪ ،‬فينبغي أن املكروه إذا أطلق ينصرف إىل مسماه دون غريه مما قد يستعمل فيه‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬احلرام‪ .‬وهو غالب إطالقات املتقدمني كاإلمام أمحد والشافعي رمحهما اهلل حيث يعربون عن احلرام‬
‫بلفظ الكراهة تورعاً وحذراً من الوقوع يف النهي عن القول هذا حالل وهذا حرام‪ ،‬لقوله تعاىل‪] :‬وال تقولوا لما‬
‫تصف ألسنتكم الكذب هذا حالل وهذا حرام لتفتروا على اهلل الكذب[(‪ )1‬ولكن كثرياً من املتأخرين غلطوا على‬
‫أئمتهم ففسروا لفظ الكراهة يف كالمهم بكراهة التنـزيه وهذا مل ترده األئمة‪ ،‬ومن كالم اإلمام أمحد رمحه اهلل‪:‬‬
‫(أكره املتعة والصالة يف املقابر) ومها حمرمان‪ ،‬ويف خمتصر اخلرقي‪( :‬ويكره أن يتوضأ يف آنية الذهب والفضة)‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬أراد بالكراهة التحرمي‪ ،‬وال أعلم فيه خالفاً) ا هـ(‪ .)2‬وذلك لقيام الدليل على التحرمي‪.‬‬
‫أما إذا ورد لفظ الكراهة يف كالم اإلمام أمحد من غري أن يدل دليل من خارج على إرادة التحرمي أو التنـزيه‬
‫فقيل حيمل على كراهة التحرمي‪ .‬وقيل‪ :‬على كراهة التنـزيه‪ .‬وهو قول الطويف‪ .‬قال يف شرح الكوكب املنري‪:‬‬
‫(واختاره أكثر األصحاب) ا هـ(‪ .)3‬ومن ذلك قول اإلمام أمحد رمحه اهلل‪( :‬أكره النفخ يف الطعام وإدمان اللحم واخلبز‬
‫الكبار) وكراهة ذلك للتنـزيه(‪ )4‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫والثالث من االصطالحات يف لفظ املكروه‪ :‬ترك األوىل‪ .‬وهذا أمهله مجهور األصوليني‪ .‬وذكره الفقهاء وهو‬
‫واسطة بني الكراهة واإلباحة‪ .‬والفرق بني املكروه وخالف األوىل‪ :‬أن ما ورد فيه هني مقصود يقال فيه مكروه كما‬
‫تقدم‪ .‬وما ليس فيه هني مقصود يقال فيه‪ :‬خالف األوىل‪ ،‬وال يقال مكروه كرتك سنة الظهر – مثالً – قال يف‬
‫البحر احمليط بعد أن عرض أقوال العلماء (والتحقيق أن خالف األوىل قسم من املكروه ودرجات املكروه تتفاوت‬
‫كما يف السنة وال ينبغي أن يعد قسماً آخر وإال لكانت األحكام ستة وهو خالف املعروف أو كان خالف األوىل‬
‫خارجاً عن الشريعة وليس كذلك(‪.)5‬‬

‫() سورة النحل‪ ،‬أية‪.116 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املغين (‪.)1/101‬‬ ‫‪2‬‬

‫() شرح الكوكب املنري (‪.)1/420‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر إعالم املوقعني ‪.1/39‬‬ ‫‪4‬‬

‫() البحر احمليط (‪ )1/303‬وانظر احلكم التكليفي ص‪ ،226‬احلكم الوضعي عند األصوليني ص‪.40‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪17‬‬
‫بعض األحكام الوضعية‬

‫(والصحيح‪ :‬ما يتعلق به النفوذ ويعتد به‪ .‬والباطل‪ :‬ما ال يتعلق به النفوذ وال يعتد به)‬

‫الصحيح والباطل من أقسام احلكم الوضعي ألهنما حكم من الشارع على العبادات والعقود وتبين عليهما‬
‫األحكام الشرعية‪.‬‬
‫والصحيح لغة‪ :‬السليم من املرض‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫سواء صحيحات العيون وعورها‬ ‫وليل يقول المرء من ظلماته‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما يتعلق به النفوذ ويعتد به عبادة كان أم عقداً‪.‬‬
‫فالعقود توصف بالنفوذ واالعتداد‪ ،‬وأما العبادة فتوصف باالعتداد فقط‪ .‬فاالعتداد لفظ يصدق على كل‬
‫منهما‪ ،‬ولو اكتفى به املؤلف لكان أخصر إال أن يقال‪ :‬إنه مجع بينهما لقصد اإليضاح للطالب املبتدئ‪.‬‬
‫وال يعتد بالعبادة أو العقد إال إذا توفرت الشروط وانتفت املوانع‪ ،‬فيحكم بالصحة‪ ،‬فمن صلى صالة جمتمعة‬
‫شروطها وأركاهنا منتفية موانعها فهي صحيحة أي معتد هبا شرعاً‪ .‬ومن باع بيعاً كذلك فهو نافذ ومعتد به‪.‬‬
‫والنفوذ لغة‪ :‬اجملاوزة‪ ،‬وأصله من نفوذ السهم‪ ،‬وهو بلوغ املقصود من الرمي‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬التصرف الذي ال يقدر متعاطيه على رفعه‪.‬‬
‫وذلك مثل عقد البيع واإلجارة والنكاح وحنوها‪ .‬فإذا وقع العقد على وجه صحيح مل يقدر أحد املتعاقدين‬
‫على رفعه‪.‬‬
‫واعلم أن العبادة هلا أثر وهو براءة ذمة املكلف وسقوط الطلب‪ .‬والعقد له أثر وهو الثمرة املقصودة من‬
‫العقد‪ .‬فإذا حكم بصحة العبادة والعقد ترتب األثر على الفعل فربئت الذمة يف باب العبادات وترتبت اآلثار يف باب‬
‫العقود وإال فال‪،‬واألثريف باب العبادا ت وا حد ‪،‬وأمايف العقود فكل عقد له مثرة خاصة‪ ،‬فالبيع – مثالً – مثرته نقل‬
‫امللكية‪ ،‬واإلجارة استيفاء املنفعة ألحد املتعاقدين‪ ،‬واستحقاق األجر لآلخر وحنو ذلك‪.‬‬
‫والباطل لغة‪ :‬الذاهب ضياعاً وخسراً‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬عكس الصحيح كما ذكره املصنف‪ ،‬فهو الذي ال يتعلق به نفوذ وال اعتداد‪ ،‬وذلك بأن خيتل‬
‫شرط من الشروط أو يوجد مانع من املوانع‪.‬‬
‫ويف الباطل ال ترتتب اآلثار على الفعل‪ ،‬ففي الصالة ال تربأ ذمة املكلف وال يسقط الطلب‪ ،‬ويف العقد ال‬
‫ترتتب الثمرة املقصودة من العقد على العقد‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫فإذا صلى بدون طهارة فصالته باطلة‪ ،‬وإذا باع ماالً ميلك فالبيع باطل‪ ،‬الختالل شرط الصالة والبيع‪ .‬ولو‬
‫صلى نفالً مطلقاً يف وقت هني فالصالة باطلة‪ ،‬أو باع بعد النداء الثاين يوم اجلمعة على وجه ال يباح فالبيع باطل‬
‫على القول الصحيح‪ ،‬كما نص عليه القرطيب يف تفسريه(‪ )1‬وذلك لوجود املانع من الصحة‪.‬‬
‫والباطل والفاسد مبعىن واحد على قول اجلمهور إال يف مسائل فرقوا فيها بني الفاسد والباطل‪ ،‬وأشهرها‬
‫مسألتان(‪:)2‬‬
‫يف احلج فرقوا بينهما‪ ،‬فقالوا الفاسد ما وطئ فيه احملرم قبل التحلل األول‪ ،‬والباطل ما ارتد فيه‬ ‫‪)1‬‬
‫عن اإلسالم‪ ،‬ففي األول يفسد حجة ويلزم اإلمتام‪ ،‬ويف الثاين يبطل إحرامه ويلزمه اخلروج منه‪.‬‬
‫يف النكاح‪ :‬فقالوا‪ :‬الفاسد‪ :‬ما اختلفت العلماء يف فساده كالنكاح بال ويل‪ ،‬والباطل ما أمجع‬ ‫‪)2‬‬
‫العلماء على بطالنه كنكاح املعتدة أو نكاح خامسة‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() انظر تفسري القرطيب (‪.)18/108‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر التمهيد لإلسنوي ص (‪ )59‬والقواعد والفوائد األصولية البن اللحام ص(‪.)110‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪19‬‬
‫تعريف العلم والجهلـ‬

‫(والفقه أخص من العلم‪ :‬والعلم معرفة المعلوم على ما هو به في الواقع‪ .‬والجهل تصور الشيء‬
‫على خالف ما هو به في الواقع)‪.‬‬

‫املراد بالفقه هنا املعىن الشرعي ال املعىن اللغوي‪ ،‬ألن الفقه يف االصطالح معرفة األحكام الشرعية كما‬
‫تقدم‪ ،‬والعلم أعم منه‪ ،‬ألنه يصدق على العلم بالتفسري واحلديث والنحو والبالغة وغري ذلك‪ ،‬فصار الفقه أخص من‬
‫العلم‪ ،‬فكل فقه علم وليس كل علم فقهاً‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والعلم‪ :‬معرفة املعلوم على ما هو به)(‪.)1‬‬
‫واملراد باملعرفة‪ :‬اإلدراك واملراد باملعلوم‪ :‬أي ما من شأنه أن يعلم وهذا التعريف فيه قيدان وبقي قيد ثالث‬
‫وهو معرفة جازمة(‪ .)2‬فالقيد األول‪( :‬معرفة املعلوم) وهذا خيرج عدم اإلدراك أصالً وهو اجلهل البسيط‪ ،‬كأن يقال‪:‬‬
‫عرف املندوب‪ .‬فيقول‪ :‬ال أدري‪.‬‬ ‫ّ‬
‫والقيد الثاين‪( :‬على ما هو به) أي على الذي هو عليه يف الواقع‪ .‬وهذا القيد خيرج معرفة الشيء على وجه‬
‫خيالف ما هو عليه وهو اجلهل املركب‪ .‬وقد عرفه بقوله‪( :‬تصور الشيء على خالف ما هو به) ويف بعض النسخ‪:‬‬
‫(على خالف ما هو عليه يف الواقع) وهذا أوضح‪.‬‬
‫واملراد بالتصور‪ :‬اإلدراك اخلايل عن احلكم‪ ،‬وتأمل كيف عرب عن العلم بقوله‪( :‬معرفة)(‪ )3‬ويف اجلهل بقوله‪:‬‬
‫(تصور) ألن اجلهل ليس مبعرفة‪ ،‬وإمنا هو حصول الشيء يف الذهن فهو تصور‪.‬‬
‫ومثال اجلهل املركب‪ :‬هل جتوز الصالة بالتيمم عند عدم املاء؟ فيقول‪ :‬ال جتوز‪.‬‬
‫ومسي جهالً مركباً ألن صاحبه يعتقد الشيء ويتصوره على خالف ما هو عليه فهذا جهل‪ ،‬ويعتقد أنه‬
‫باملدرك وجهل بأنه جاهل‪ ،‬وأما البسيط ففيه عدم‬‫يعتقده على ما هو عليه فهذا جهل آخر‪ .‬ففيه جهالن‪ :‬جهل َ‬
‫اإلدراك بالكلية(‪.)4‬‬
‫وأما القيد الثالث‪ :‬فهو إلخراج املعرفة غري اجلازمة‪ ،‬فإن تساوىاألمران فهو شك‪ ،‬وإن ترجح أحدمها على‬
‫اآلخر فالراجح ظن‪ ،‬واملرجوح وهم‪ .‬وسنذكر ذلك قريباً إن شاء اهلل‪.‬‬
‫أقســـام العلـــم‬

‫() يطلق العلم – أيضاً – على جمموعة معارف ظنية راجحة ومنها ما هي قطعي بشرط أن تكون منظمة حول موضوع ما كعلم الفقه وعلم األصول وعلم‬ ‫‪1‬‬

‫النحو وعلم البالغة وغريها‪( .‬ضوابط املعرفة ص‪ .)124‬وانظر (املسائل املشرتكة بني أصول الدين وأصول الفقه) ص‪.35/‬‬
‫() انظر األصول من علم األصول ص‪.10‬‬ ‫‪2‬‬

‫() للعلماء كالم طويل يف الفرق بني العلم واملعرفة‪ .‬وهل مها مرتادفان أو خمتلفان‪ .‬فانظر مدارج السالكني البن القيم (‪ )3/335‬وبدائع الفوائد (‪.)2/61‬‬ ‫‪3‬‬

‫احلدود األنيقة لزكريا األنصاري ص‪.66/‬‬


‫() انظر شرح العبادي على الورقات املطبوع هبامش إرشاد الفحول ص‪ 39‬وشرح الكوكب املنري (‪.)1/77‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪20‬‬
‫(والعلم الضروري ما ال يقع عن نظر واستدالل كالعلم الواقع بإحدى الحواس الخمس وهي السمع‬
‫والبصر والشم واللمس والذوق أو بالتواتر‪ .‬وأما العلم المكتسب فهو ما يقع عن نظر واستدالل‪.‬‬
‫والنظر هو الفكر في حال المنظور فيه‪ .‬واالستدالل طلب الدليل‪ .‬والدليل هو المرشد إلى‬
‫المطلوب)‪.‬‬
‫ملا عرف العلم ذكر أقسامه‪ .‬واملراد علم املخلوق فهو قسمان‪:‬‬
‫‪ )1‬العلم الضروري‪ :‬وهو ما ال يقع عن نظر واستدالل‪ .‬وذلك إذا كان إدراك املعلوم ضرورياً ال حيتاج إىل‬
‫نظر واستدالل كالعلم بأن النار حارة‪ ،‬وأن الكعبة قبلة املسلمني‪،‬وأن حممداً ‪ ‬رسول اهلل‪.‬‬
‫ومن العلم الذي ال حيتاج إىل نظر واستدالل‪ :‬العلم الواقع بإحدى احلواس اخلمس الظاهرة وهي‪:‬‬
‫السمع والبصر واللمس والشم وال ذوق فإنه حيصل العلم هبا ب دون نظر وال استدالل‪ ،‬فلو مسع صهيل فرس‬
‫علم أنه ص وته أو رأى لون اً أبيض أو مس جس ماً علم أنه ن اعم أو خش ن‪ .‬أو شم رائحة علم أهنا طيبة أو‬
‫كريهة أو ذاق طعاماً علم أنه حامض أو حلو‪.‬‬
‫وقوله (أو بالتواتر) أي‪ :‬العلم احلاصل بالتواتر من العلم الضروري‪ .‬وأشار بذلك إىل أن من العلم‬
‫الضروري أشياء ال تدرك باحلواس بل يستند فيها إىل خرب مجاعة يستحيل تواطؤهم على الكذب كعلمنا بوجود بلد‬
‫مل نره ووقوع الوقائع يف األزمنة املاضية وحنو ذلك‪.‬‬
‫‪ )2‬العلم النظري‪ :‬ويسمى املكتسب‪ :‬وهو ما يقع عن نظر واستدالل فقوله‪( :‬ما يقع) أي ما حيصل من العلم فـ‬
‫(ما) جنس يف التعريف وقوله‪( :‬عن نظر)‪ .‬قيد خيرج العلم الضروري‪ ،‬ألنه حاصل عن غري نظر‪ ،‬مثل العلم‬
‫بأن املذي جنس‪ ،‬وأن طواف الوداع واجب‪ ،‬وأن اإلجارة عقد الزم‪.‬‬
‫مث عرف النظر واالستدالل ألهنما واقعان يف تعريف العلم الضروري نفياً واملكتسب إثباتاً‪.‬‬
‫فالنظر لغة‪ :‬يطلق على ٍ‬
‫معان منها‪ :‬رؤية العني‪ ،‬ومنها الفكر وهو املراد هنا‪.‬‬
‫واصطالحاً عرفه بقوله‪( :‬هو الفكر يف حال املنظور فيه) أي‪ :‬التفكري يف الشيء املنظور فيه طلباً ملعرفة‬
‫حقيقته‪ .‬ألن النظر هو الطريق إىل معرفة األحكام الشرعية إذا متت شروطه‪ ،‬وهي أن يكون الناظر كامل اآللة كما‬
‫سيأيت إن شاء اهلل يف االجتهاد‪ ،‬وأن يكون نظره يف دليل ال يف شبهة وأن يستويف الدليل ويعرف شروط االستدالل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬واالستدالل‪ :‬طلب الدليل)‪ :‬السني والتاء للطلب كاالستنصار طلب النصرة‪ ،‬واملراد بالدليل‪ :‬ما‬
‫يستدل به من نص أو إمجاع أو غريمها‪ .‬والنظر واالستدالل مبعىن واحد‪ ،‬وهو أن كال منهما يؤدي إىل املطلوب‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫ومجع بينهما املصنف يف تعريف العلم الضروري واملكتسب تأكيداً‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬النظر أعم من االستدالل‪ ،‬ألنه‬
‫يكون يف التصورات والتصديقات‪ ،‬واالستدالل خاص بالتصديقات(‪ )1‬واهلل اعلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والدليل هو املرشد إىل املطلوب) الدليل فعيل مبعىن (فاعل) من الداللة وهي اإلرشاد‪ ،‬فالدليل هو‬
‫املرشد إىل املطلوب‪ .‬وهذا تعريف لغوي ألنه عام‪ .‬فقد يكون الدليل مرشداً للمطلوب‪ ،‬وال يسمى دليالً يف‬
‫االصطالح‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما ميكن التوصل بصحيح النظر فيه إىل مطلوب خربي‪.‬‬
‫وقولنا‪ :‬ما‪ :‬اسم موصول‪ ،‬أي الذي ميكن التوصل ‪. . .‬‬
‫بصحيح النظر‪ :‬هذا من إضافة الصفة إىل املوصوف أي النظر الصحيح‪.‬‬
‫فيه‪ :‬أي يف ذلك الشيء‪.‬‬
‫إىل مطلوب خربي‪ ،‬أي تصديقي‪ ،‬كأن يقال يف الداللة على حترمي النبيذ‪ .‬النبيذ مسكر وكل مسكر حرام‬
‫لقوله ‪( e‬كل مسكر حرام)(‪ )2‬فيلزم عنه‪ :‬النبيذ حرام‪.‬‬
‫واعلم أن الدليل اسم ملا كان موجباً للعلم كاملتواتر واإلمجاع وما كان موجباً للظن كالقياس وخرب الواحد‬
‫وحنو ذلك‪ ،‬وأما ما اشتهر عند كثري من مؤلفي األصول بأن الليل هو ما أفاد العلم‪ .‬وأما ما يفيد الظن فهو أمارة‪.‬‬
‫واألمارة أضعف من الدليل‪ .‬فهو غري صحيح – والظاهر أن هذه التفرقة جاءت من املعتـزلة ومن وافقهم من نفاة‬
‫الصفات – ألن الدليل هو ما أرشدك إىل املطلوب‪ .‬فقد يرشدك مرة إىل العلم ومرة إىل الظن‪ .‬فاستحق اسم الدليل‬
‫يف احلالني‪ .‬والعرب ال تفرق بني ما يوجب العلم‪ .‬وما يوجب الظن يف إطالق اسم الدليل وقد تعبدنا اهلل بكل‬
‫منهما(‪ )3‬واهلل اعلم‪.‬‬

‫() التصور‪ :‬إدراك معىن املفرد من غري أن حيكم عليه بنفي أو إثبات كإدراك معىن اإلنسان ومعىن الكاتب ومعىن الشجر وحنو ذلك‪ ،‬والتصديق هو إثبات أمر‬ ‫‪1‬‬

‫ألمر بالفعل أو نفيه عنه بالفعل‪ .‬وهو اإلسناد اخلربي عند البالغيني‪ ،‬واجلملة االمسية عند النحويني‪ .‬حنو الكاتب إنسان‪ .‬فإدراك معىن اإلنسان ومعىن الكاتب‬
‫تصور‪ .‬وإدراك كون اإلنسان كاتباً بالفعل أو ليس كاتباً بالفعل تصديق‪ .‬ومنه العامل حادث‪ .‬العامل ليس بقدمي‪ .‬انظر آداب البحث واملناظرة للشنقيطي ‪،1/8‬‬
‫‪.9‬‬
‫() أخرجه الرتمذي برقم ‪ 1865‬والنسائي (‪ )8/297‬انظر جامع األصول (‪.)5/91‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر العدة أليب يعلى (‪ )132 ،1/131‬اللمع يف أصول الفقه ص‪ .49‬املسائل املشرتكة بني أصول الدين وأصول الفقه ص‪.23‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪22‬‬
‫تعريف الظن والشكـ‬

‫(والظن تجويز أمرين أحدهما أظهر من اآلخر‪ ،‬والشك تجويز أمرين ال مزية ألحدهما على‬
‫اآلخر)‪.‬‬
‫ملا فرغ املصنف من تعريف العلم وبيان أقسامه ذكر ما يقابله وهو الظن إذ ليس هو من العلم‪ .‬ألن العلم‬
‫هو اإلدراك اجلازم كما تقدم‪ .‬واإلدراك غري اجلازم ال خيلو من حالني‪:‬‬
‫اجملوز (بكسر الواو)‪ ،‬وإن كان أحدمها‬
‫األول‪ :‬أن يتساوى األمران‪ ،‬فال يرتجح أحدمها على اآلخر عند ّ‬
‫أرجح عند غريه أو يف الواقع‪ .‬وهذا هو الشك‪ .‬كأن يقول‪ :‬ال أدري طفت ثالثة أشواط أو أربعة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن يرتجح عنده أحد األمرين على اآلخر‪ .‬فالراجح ظن‪ ،‬واملرجوح وهم‪ :‬كأن يقول‪ :‬طفت أربعة‬
‫أشواط وحيتمل أهنا ثالثة‪ ،‬والظن درجات أعالها غلبة الظن كما سيأيت إن شاء اهلل‪.‬‬
‫والشك ضد اليقني جاء يف لسان العرب(‪( )1‬اليقني العلم(‪ )2‬وإزاحة الشك وحتقيق األمر‪ .‬واليقني ضد الشك‪.‬‬
‫‪ .‬وهو يف األصل مبعىن االستقرار‪ .‬يقال‪ :‬يقن املاء يف احلوض إذا استقر ودام)‪.‬‬
‫والشك يف األصل االتصال وللزوق‪ ،‬ومنه حديث الغامدية (أمر هبا فشكت عليها ثياهبا مث رمجت)(‪ )3‬أي‬
‫شدت عليها ومجعت‪.‬‬
‫مث صار هذا اللفظ يطلق على الرتدد يف شيئني حبيث ال مييل القلب إىل أحدمها‪ .‬وقول املصنف رمحه اهلل‪:‬‬
‫(والظن جتويز ‪ ). . .‬فيه مساحمة فإن الظن ليس هو جتويزاً‪ ،‬وإمنا هو الطرف الراجح املقابل للطرف املرجوح‪ ،‬وهو‬
‫الوهم كما ذكرنا‪.‬‬
‫وأما غلبة الظن فهو قوة الظن فإن الظن يتزايد ويكون بعض الظن أقوى من بعض‪ .‬قال أبو هالل‬
‫العسكري‪( :‬غلبة الظن عبارة عن طمأنينة الظن‪ ،‬وهي رجحان أحد اجلانبني على اجلانب اآلخر رجحاناً مطلقاً‬
‫يطرح معه اجلانب اآلخر‪ .‬ا هـ)(‪.)4‬‬
‫والظن وغلبة الظن كل منهما يقوم مقام اليقني عند الفقهاء‪ ،‬وجيوز بناء األحكام الشرعية عليه إذا فقد‬
‫اليقني الذي قلما حيصل عند االجتهاد(‪ )5‬وهلذا جيب العمل خبرب الواحد إذا كان ثقة‪ ،‬وجيب العمل بشهادة الشاهدين‬

‫() انظر اللسان (‪.)13/457‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فرق أبو هالل العسكري بني العلم واليقني فقال‪ :‬العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به على سبيل الثقة‪ .‬واليقني هو سكون النفس وثلج الصدر مبا علم‪ ،‬ا‬ ‫‪2‬‬

‫هـ الفروق يف اللغة ص‪.73‬‬


‫() أخرجه مسلم برقم ‪.1696‬‬ ‫‪3‬‬

‫() الفروق يف اللغة ص‪.79‬‬ ‫‪4‬‬

‫() لشيخ اإلسالم ابن تيمية – رمحه اهلل – كالم مفيد حول هذا املوضوع فراجعه يف كتابه (االستقامة) ج‪ 1‬ص‪ 47‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪23‬‬
‫وخرب املقومني إذا كانا عدلني‪ .‬وجيب استصحاب حكم احلال السابق يف حال الشك‪ ،‬مثل الشك يف احلدث بعد‬
‫الطهارة‪ ،‬ألن الظاهر بقاؤه‪ ،‬وعدم حدوث املشكوك فيه‪ ،‬قال العالمة ابن فرحون يف كتابه (تبصرة احلكام)(‪:)1‬‬
‫(تنبيه‪ :‬وينـزل منـزلة التحقيق الظن الغالب‪ ،‬ألن اإلنسان لو وجد وثيقة يف تركة مورثه أو وجد ذلك خبطه‪ ،‬أو خبط‬
‫من يثق به‪ ،‬أو أخربه عدل حبق‪ ،‬فاملنقول جواز الدعوى مبثل هذا‪ ،‬واحللف مبجرده‪ .‬وهذه األسباب ال تفيد إال‬
‫الظن دون التحقيق‪ ،‬لكن غالب األحكام والشهادات إمنا تنبين على الظن‪ ،‬وتنتـزل منـزلة التحقيق)‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫ويف الفقه مسائل عديدة حكم فيها بالصحة بناء على ما يف ظن املكلف(‪.)2‬‬
‫وأما ما ورد من النهي عن العمل بالظن‪ .‬فهو الظن املرجوح الذي ال يقوم عليه دليل‪ .‬بل هو قائم على‬
‫اهلوى والغرض املخالف للشرع قال تعاىل‪] :‬إن يتّبعون إال الظن وإن الظن ال يغني من الحق شيئا[(‪ )3‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫]إن يتّبعون إال الظن وما تهوى األنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى[(‪ )4‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() ص‪( 129‬هبامش كتاب فتح العلي املالك)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر القواعد والفوائد األصولية البن اللحام ص‪ 82‬والتمهيد لإلسنوي ص‪.65‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة النجم‪ ،‬آية‪.28 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة النجم‪ ،‬آية‪.23 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪24‬‬
‫تعريف أصول الفقه وأبوابهـ‬

‫(وعلم أصول الفقه‪ :‬طرقه على سبيل اإلجمال وكيفية االستدالل بها‪ .‬وأبواب أصول الفقه‪ :‬أقسام‬
‫الكالم‪ ،‬واألمر والنهي‪ ،‬والعام والخاص‪ ،‬والمجمل والمبين‪ ،‬والظاهر والمؤول‪ ،‬واألفعال والناسخ‬
‫والمنسوخ‪ ،‬واإلجماع واألخبار‪ ،‬والقياس‪ ،‬والحظر واإلباحة‪ ،‬وترتيب األدلة‪ ،‬وصفة المفتي‬
‫والمستفتي‪ ،‬وأحكام المجتهدين)‪.‬‬
‫هذا هو التعريف الثاين ألصول الفقه‪ ،‬وهو باعتباره لقباً هلذا الفن‪ ،‬وقد تقدم تعريفه باعتبار مفرديه‪.‬‬
‫قال‪( :‬علم أصول الفقه‪ :‬طرقه على سبيل اإلمجال‪ ،‬وكيفية االستدالل هبا)‪.‬‬
‫فقوله‪( :‬طرقه) أي طرق الفقه‪ .‬واملراد أدلة الفقه اإلمجالية‪ .‬وهي القواعد العامة اليت حيتاج إليها الفقيه مثل‬
‫األمر للوجوب‪ ،‬والنهي للتحرمي‪ ،‬واإلمجاع حجة‪ ،‬وحنو ذلك من املسائل الكلية اليت تبحث يف أصول الفقه‪ .‬أما‬
‫األدلة التفصيلية فال تذكر يف أصول الفقه إال على سبيل التمثيل واإليضاح مثل قوله تعاىل‪] :‬وأقيموا الصالة وءاتوا‬
‫الزكاة[(‪ )1‬لألمر‪.‬و مثل‪ :‬صالته ‪ ‬يف الكعبة(‪ )2‬ميثل به للفعل يف أنه ال يعم أقسامه‪ ،‬ومثل اإلمجاع على أن بنت االبن‬
‫تأخذ السدس مع بنت الصلب حيث ال معصب هلما‪.‬‬
‫وعرب املصنف كغرية بقوله‪( :‬طرق الفقه) دون قوله (أدلة الفقه) بناء على املشهور عندهم‪ ،‬وهو التفريق بني‬
‫الدليل واإلمارة وأكثر أصول الفقه ليست أدلة بل هي إمارات‪ .‬وقد ذكرنا ضعف هذا الرأي فيما تقدم‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وكيفية االستدالل هبا) هذا معطوف على قوله‪( :‬طرقه) أي أن موضوع أصول الفقه أدلة الفقه‬
‫اإلمجالية‪ ،‬وكيفية االستدالل هبا على األحكام‪ .‬وبقي أمر ثالث وهو معرفة حال املستدل‪ ،‬وهو اجملتهد‪ ،‬وإمنا تركه‬
‫جتر إىل صفات من يستدل هبا‪ ،‬فاكتفى بذكر كيفية االستدالل عن ذكر صفات من‬ ‫املصنف ألن كيفية االستدالل ّ‬
‫يستدل هبا وهو اجملتهد‪ .‬وسيذكر ذلك يف آخر الورقات‪ .‬حيث قال‪( :‬ومن شروط املفيت أن يكون عاملاً بالفقه ‪. .‬‬
‫إخل)‪.‬‬
‫واملراد بقول ه‪( :‬وكيفية االس تدالل هبا) أي كيفية االس تدالل بط رق الفقه اإلمجالي ة‪ ،‬وذلك مبعرفة دالالت‬
‫األلف اظ‪ ،‬وش روط االس تدالل‪ .‬فمن دالالت األلف اظ العم وم واخلص وص واإلطالق والتقيي د‪ ،‬وش روط االس تدالل‬
‫كحمل املطلق على املقيد‪ ،‬وختصيص العام‪ ،‬ومعرفة الرتجيح عند التعارض وحنو ذلك مما يبحث يف أصول الفقه‪ .‬مث‬
‫ذكر املص نف األب واب اليت تض منها أص ول الفق ه‪ ،‬ألجل أن ينشط هلا الق ارئ ويس تعد هلا‪ ،‬ومل ي ذكر املطلق واملقيد‬
‫ألنه سيذكرمها يف الكالم على العام واخلاص للمناسبة بينهما‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫الكــالم‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.43 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري برقم (‪ )388‬ومسلم (برقم ‪ )1329‬وغريمها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪25‬‬
‫(فأما أقسام الكالم فأقل ما يتركب منه الكالم‪ :‬اسمان‪ ،‬أو اسم وفعل‪ ،‬أو فعل وحرف‪ ،‬أو اسم‬
‫وحرف)‪.‬‬
‫يعىن أهل األصول مبباحث الكالم وأقسامه‪ ،‬وهي مباحث حنوية وبالغية‪ ،‬وذلك ألهنا هي املدخل إىل أصول‬
‫الفقه حيث إن األصول يعتمد على الكتاب السنة‪ ،‬واالستدالل هبما متوقف على معرفة اللغة العربية ألهنما بلسان‬
‫عريب مبني‪ ،‬ومن ال يعرف اللغة ال ميكنه استنباط األحكام من الكتاب والسنة استنباطاً صحيحاً‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فأما أقسام الكالم ‪ . .‬إخل)‪.‬‬
‫الكالم لغة‪ :‬اللفظ املوضوع ملعىن‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬اللفظ املفيد مثل‪ :‬اهلل ربنا‪ ،‬وحممد ‪ ‬نبينا‪.‬‬
‫ومل يذكر املصنف تعريف الكالم‪ ،‬بل اكتفى بأقل ما يرتكب منه‪ ،‬فذكر أن أقل ما يرتكب منه الكالم‬
‫امسان كما مثلنا‪ ،‬أو اسم وفعل مثل‪ :‬جاء احلق‪ ،‬وزهق الباطل‪ .‬فهذا فعل وفاعل‪ ،‬ومثل وقضي األمر‪ .‬فعل ونائب‬
‫فاعل أو فعل وحرف مثل‪ :‬ما قام ومل يقم‪ .‬وهذا أثبته قوم منهم املصنف‪ ،‬فلم يعدوا الضمري يف قام ومل يقم الراجع‬
‫إىل زيد – مثالً – مل يعدوه كلمة لعدم ظهوره ووجوده‪ .‬وعده النحويون كلمة يف حكم امللفوظ املوجود‪ ،‬وتتوقف‬
‫الفائدة الكالمية عليه‪ ،‬وهو ضمري مسترت‪ ،‬واملسترت كالثابت وقوله (أو اسم وحرف) هذا يف النداء مثل‪ :‬يا اهلل‪.‬‬
‫وهذا فيه نظر‪ .‬ألن الكالم هو املقدر من الفعل وفاعله ألن تقديره‪ :‬أدعو اهلل‪ .‬وحرف النداء نائب عنه‪ ،‬فريجع ذلك‬
‫إىل صورة االسم مع الفعل‪ .‬وغرض املصنف وغريه من األصوليني بيان أقسام اجلمل ومعرفة املفرد من املركب‪،‬‬
‫فلذلك مل يأخذوا فيه بالتحقيق الذي يسلكه النحويون‪.‬‬
‫والكالم مجع كلمة‪ .‬وهي اسم وفعل وحرف‪ .‬ووجه احلصر يف الثالثة أن الكلمة إما أن تدل على معىن يف‬
‫نفسها أو ال‪ .‬فإن مل تدل على معىن يف نفسها بل يف غريها فهي احلرف مثل‪ :‬الطالب يف الفصل‪ .‬وإن دلت على‬
‫معىن يف نفسها وأشعرت هيئتها بزمن فهي الفعل كقام ويقوم وقم‪ ،‬وإن مل تشعر هيئتها بزمن فهي االسم مثل‬
‫حممد‪.‬‬
‫واألمساء واألفعال واحلروف متس احلاجة إىل معرفتها‪ ،‬فإن األمساء من النظرة األصولية ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ )1‬ما يفيد العموم كاألمساء املوصولة والنكرة يف سياق النفي‪.‬‬
‫‪ )2‬ما يفيد اإلطالق كالنكرة يف سياق اإلثبات‪.‬‬
‫‪ )3‬ما يفيد اخلصوص كاألعالم‪ .‬وتفصيل ذلك يأيت يف حمله إن شاء اهلل وكذا ما يتعلق بالفعل‪ .‬وأما احلروف‬
‫فالفقيه حباجة إىل معرفتها كالواو والفاء وعلى اجلارة وغريها‪.‬‬
‫هذا ما يتعلق بأقسام الكالم من حيثية ما يرتكب منه‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫أقسام الكالم باعتبار مدلولهـ‬

‫(والكالم ينقسم إلى أمر ونهي‪ ،‬وخبر واستخبار‪ .‬وينقسم أيضاً‪ :‬إلى تمن وعرض وقسم)‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫ملا فرغ املصنف من ذكر أقسام الكالم باعتبار ما يرتكب منه شرع يف ذكر أقسامه باعتبار مدلوله‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والكالم ينقسم إىل أمر) وهو ما يدل على طلب الفعل حنو‪ :‬أطع والديك‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وهني) وهو ما يدل على طلب الرتك‪ .‬حنو‪ :‬ال تكذب يف حديثك‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وخرب) وهو ما حيتمل الصدق والكذب حنو‪ :‬سافر خالد‪.‬‬
‫قوله‪( :‬واستخبار) وهو االستفهام‪ .‬وهو طلب العلم بشيء مل يكن معلوماً من قبل‪ .‬حنو‪ :‬هل فهمت‬
‫املسألة؟ أحضر خالد أم عاصم؟‬
‫قوله‪( :‬وينقسم أيضاً إىل مت ّـن) وهو طلب الشيء احملبوب الذي ال يرجى حصوله إما لكونه مستحيالً حنو‪:‬‬
‫ليت الشباب يعود يوماً‪ .‬أو بعيد املنال كقول منقطع الرجاء‪ :‬ليس يل ماالً فأحج به‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وعرض) بسكون الراء‪ .‬هو الطلب برفق حنو‪ :‬أال تنـزل عندنا‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وقسم) بفتح القاف والسني‪ ،‬هو احللف حنو‪ :‬واهلل ألفعلن اخلري‪.‬‬
‫وإمنا قال املصنف (وينقسم أيضاً ‪ ) . .‬مع أن ما قبله وما بعده تقسيم واحد إشارة إىل أن من األصوليني‬
‫من اقتصر على التقسيم األول‪ .‬وأنه يرد عليه التقسيم الثاين‪ .‬وأن اجلميع تقسيم واحد(‪.)1‬‬
‫وهناك تقسيم أخصر من هذا‪ ،‬كما عند البالغيني‪ ،‬وهو أن الكالم قسمان‪:‬‬
‫‪ )1‬خرب‪ :‬وتقدم تعريفه‪ ،‬ويأيت شرحه إن شرحه إن شاء اهلل يف باب األخبار‪.‬‬
‫‪ )2‬إنشاء‪ :‬وهو ما ال حيتمل الصدق والكذب‪ ،‬كقولك‪ :‬اكتب‪ .‬ألن مدلوله ال حيصل إال بالتلفظ به‪ ،‬فال يقال‪ :‬إنه‬
‫صدق أو كذب‪.‬‬
‫ومن اإلنشاء‪ :‬األمر والنهي واالستفهام والتمين ومنه العرض‪ .‬وهذا هو اإلنشاء الطليب‪ ،‬ومنه القسم وهو اإلنشاء‬
‫غري الطليب‪.‬‬
‫وأهم هذه األنواع‪ :‬األمر والنهي‪ .‬وسيأيت الكالم فيهما إن شاء اهلل‪ ،‬وأما بقية األنواع فال يرتتب عليها يف‬
‫األصول كبري فائدة واهلل أعلم‪.‬‬

‫() انظر الربهان إلمام احلرمني (‪.)1/146‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪27‬‬
‫أقسام الكالم باعتبار استعماله‬

‫(ومن وجه آخر ينقسم إلى‪ :‬حقيقة ومجاز‪ .‬فالحقيقة‪ :‬ما بقي في االستعمال على موضوعه‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬ما استعمل فيما اصطلح عليه من المخاطبة‪ .‬والمجاز‪ :‬ما تجوز عن موضوعه‪ .‬والحقيقة‬
‫إما لغوية وإ ما شرعية وإ ما عرفية)‪.‬‬
‫ينقسم الكالم باعتبار استعمال اللفظ إىل قسمني‪:‬‬
‫الثاين‪ :‬جماز‪.‬‬ ‫األول‪ :‬حقيقة‪.‬‬
‫فاحلقيقة‪ :‬ما بقي يف االستعمال على موضوعه‪.‬‬
‫مثل كلمة‪ :‬أسد للحيوان املفرتس‪ .‬فإذا قلت‪ :‬رأيت أسداً‪ .‬فهي حقيقة ألهنا لفظ بقي يف االستعمال على ما‬
‫وضع له وهو احليوان‪.‬‬
‫وهذا التعريف يرد عليه أنه خاص باحلقيقة اللغوية‪ ،‬فال يشمل الشرعية والعرفية كما سيأيت‪ ،‬وعليه فهما من‬
‫اجملاز عند املصنف‪.‬‬
‫مث ذكر املصنف تعريفاً آخر للحقيقة وهو‪ :‬ما استعمل فيما اصطلح عليه من املخاطبة‪ .‬فقوله‪ :‬ما‪ :‬أي لفظ‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬استعمل‪ :‬مبين للمجهول‪ ،‬ونائب الفاعل ضمري مسترت يعود على ما‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬فيما‪ :‬أي يف معىن‪.‬‬
‫وقوله اصطلح عليه‪ :‬مبين للمجهول‪ .‬وما بعده نائب فاعل‪ .‬أي اصطلح على أن هذا املعىن لذلك اللفظ‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬من املخاطبة‪ :‬بكسر الطاء على زنة اسم الفاعل‪ .‬أي من اجلماعة املخاطبة غريها‪ .‬أي خاطبت غريها‬
‫بذلك اللفظ وعينته للداللة على ذلك املعىن بنفسه‪ ،‬سواء بقي اللفظ على موضوعه اللغوي أو مل يبق على موضوعه‬
‫اللغوي‪ ،‬بأن بقي على موضوعه الشرعي أو العريف‪.‬‬
‫واالصطالح معناه‪ :‬اتفاق قوم على استعمال شيء يف شيء معلوم عندهم‪ .‬كاتفاق أهل الشرع على‬
‫استعمال الصالة يف التعبد هلل تعاىل بأفعال وأقوال أوهلا التكبري وآخرها التسليم‪ .‬واتفاق أهل اللغة على استعمال‬
‫الصالة مبعىن الدعاء‪ .‬وهكذا الدابة عند أهل العرف تطلق على ذوات األربع فقط كالفرس‪.‬‬
‫وهذا التعريف يعم أنواع احلقيقة الثالثة‪ .‬وقد أثبت املصنف احلقيقة الشرعية والعرفية وهذا يدل على‬
‫اختياره هلذا التعريف وإن كان تقدميه للتعريف األول يقتضي ترجيحه واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫وهناك تعريف أخصر وأمشل وهو‪ :‬احلقيقة‪ :‬اللفظ املستعمل فيما وضع له(‪.)1‬‬
‫فقوله‪( :‬اللفظ)‪ :‬جنس يف التعريف يشمل املعرف وغريه‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬املستعمل)‪ :‬قيد يف التعريف خيرج املهمل‪ .‬وهو الذي ليس له معىن مثل ديز مقلوب زيد‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬فيما وضع له)‪ :‬قيد ثان خيرج اجملاز‪ ،‬ألن اجملاز يف غري ما وضع له‪.‬‬
‫مث ذكر املصنف أن احلقيقة ثالثة أنواع‪:‬‬
‫‪ )1‬حقيقة لغوية‪ :‬وهي اللفظ املستعمل فيما وضع له يف اللغة‪ .‬مثل الصيام فهو يف اللغة اإلمساك‪ .‬قال النابغة‪:‬‬
‫خيل صيام وخيل غير صائمة‬
‫تحت العجاج وأخرى تعلك اللُّجما‬
‫أي خيل ممسكة عن اجلري واحلركة‪ .‬وقيل‪ :‬عن العلف‪.‬‬
‫‪ )2‬حقيقة شرعية‪ :‬وهي اللفظ املستعمل فيما وضع له يف الشرع‪ .‬كالصالة معناها‪ :‬التعبد هلل تعاىل بأفعال وأقوال‬
‫أوهلا التكبري وآخرها التسليم على الصفة املخصوصة‪.‬‬
‫‪ )3‬حقيقة عرفية‪ :‬وهي اللفظ املستعمل فيما وضع له يف العرف‪ .‬وهي نوعان‪:‬‬
‫عرفية عامة‪ :‬وهي ما تعارف عليه عامة أهل العرف‪ ،‬مثل لفظ الدابة فهي يف اللغة اسم لكل ما يدب‬ ‫‪)1‬‬
‫على األرض غري أن العرف خصصه بذوات األربع كما تقدم‪.‬‬
‫عرفية خاصة‪ :‬وهي ما تعارف عليه بعض الطوائف من األلفاظ اليت وضعوها ملعىن عندهم‪ .‬مثل اجلزم‬ ‫‪)2‬‬
‫فهو يف اللغة القطع كما يف القاموس‪ .‬وعند النحويني نوع من اإلعراب‪.‬‬
‫فاحلقيقة العرفية العامة هي اليت مل يتعني ناقلها من املعىن اللغوي‪ .‬واخلاصة عكسها‪.‬‬
‫هذا وقد أشار ابن بدران رمحه اهلل إىل الفائدة من معرفة أقسام احلقيقة فقال‪( :‬ومىت ورد اللفظ وجب محله‬
‫على احلقيقة يف بابه لغة أو شرعاً أو عرفاً)(‪ )2‬ا هـ‪.‬‬
‫هذا ما يتعلق باحلقيقة‪ .‬وأما اجملاز فقد عرفه بقوله‪( :‬ما جتوز عن موضوعه)‪ :‬فقوله‪( :‬ما جتوز) بضم التاء‬
‫واجليم وتشديد الواو مكسورة مبين للمجهول‪ ،‬ويصح فتح التاء مبنياً للفاعل‪ .‬أي ما تعدى به عن موضوعه‪ .‬فنقل‬
‫يف االستعمال عن معناه األصلي إىل معناه اجملازي ومثاله‪ :‬رأيت أسداً يرمي‪ ،‬فكلمة أسد تعدى هبا عن موضوعها‬
‫األول وهو احليوان املفرتس‪ ،‬ونقلت إىل الرجل الشجاع‪.‬‬
‫() انظر‪ :‬اإلرشاد للشوكاين ص‪.21‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املدخل البن بدران ص‪.174‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪29‬‬
‫وهذا التعريف مبين على التعريف األول للحقيقة وهو (ما بقي يف االستعمال على موضوعه) وأما على‬
‫التعريف الثاين للحقيقة فيكون اجملاز‪( :‬ما استعمل يف غري ما اصطلح عليه من املخاطبة) وعلى التعريف الذي ذكرناه‬
‫يكون اجملاز‪ :‬اللفظ املستعمل يف غري ما وضع له‪ .‬وهذا أوضح‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫أنــواع المجـــاز‬

‫(والمجاز إما أن يكون بزيادة أو نقصان أو نقل أو استعارة‪ .‬فالمجاز بالزيادة مثل قوله تعالى‪] :‬‬
‫ليس كمثله شيء[(‪ )1‬والمجاز بالنقصان مثل قوله تعالى‪] :‬وسئل القرية[(‪ )2‬والمجاز بالنقل كالغائط‬
‫فيما يخرج من اإلنسان‪ .‬والمجاز باالستعارة كقوله تعالى‪] :‬جداراً يريد أن ينقض[(‪.))3‬‬
‫ملا ذكر املصنف أنواع احلقيقة بعد تعريفها ذكر هنا أنواع اجملاز بعد تعريفه‪ .‬واجملاز نوعان‪:‬‬
‫‪ )1‬جماز بالكلمة‪ :‬وهو ما تقدم تعريفه‪ .‬حيث تنقل الكلمة من معناها األصلي إىل املعىن اجملازي‪.‬‬
‫‪ )2‬جماز باإلسناد‪ :‬وهو اجملاز العقلي‪ .‬حيث يكون التجوز باإلسناد‪ ،‬فيسند الفعل أو ما يف معناه إىل غري ما هو‬
‫له يف احلقيقة‪ ،‬والبد من عالقة مع وجود قرينة متنع من إرادة املعىن األصلي مثل‪ :‬بىن األمري قصراً‪ .‬وليس‬
‫هلذا ذكر يف األصول‪ ،‬وإمنا يذكر يف علم البيان وذكرته لتكميل القسمة‪.‬‬
‫وشرط اجملاز بالكلمة وجود عالقة بني املعىن األصلي واملعىن اجملازي‪ ،‬ووجود قرينة مانعة من إرادة املعىن‬
‫األصلي‪ .‬كما يف املثال املتقدم‪ :‬رأيت أسداً يرمي‪.‬‬
‫قوله‪( :‬واجملاز إما أن يكون بزيادة أو نقصان أو نقل أو استعارة)‪ :‬ذكر أن اجملاز بالكلمة أربعة أنواع‪:‬‬
‫‪ )1‬جماز بالزيادة‪ :‬ومثاله قوله تعاىل‪] :‬ليس كمثله شيء[(‪ )4‬فقالوا‪ :‬إن الكاف زائدة لتوكيد نفي املثل‪ ،‬ولو مل‬
‫تكن زائدة لكانت مبعىن (مثل) وهذا باطل ملا يلزم عليه من إثبات املثل هلل تعاىل إذ يصري املعىن‪( :‬ليس مثل‬
‫مثله شيء) واملنفي مثل املثل‪ ،‬فيكون املثل ثابتاً وهذا باطل ألن القصد نفيه(‪.)5‬‬
‫‪ )2‬جماز بالنقصان‪ :‬أي باحلذف‪ .‬ومثاله قوله تعاىل‪] :‬واسأل القرية[ أي أهل القرية ففيه حذف‪ ،‬للقطع بأن‬
‫املقصود سؤال أهل القرية ال سؤال القرية‪ ،‬ألهنا عبارة عن األبنية اجملتمعة وسؤاهلا وإجابتها من احملال(‪.)6‬‬
‫فإن قيل‪ :‬تعريف اجملاز ال يصدق على اجملاز بالزيادة والنقصان ألنه مل يستعمل اللفظ يف غري موضعه‪.‬‬

‫() سورة الشورى‪ ،‬آية‪.11 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة يوسف‪ ،‬آية‪.82 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة الكهف‪ ،‬آية‪.77 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة الشورى‪ ،‬آية ‪.11‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أما على القول بنفي اجملاز يف القرآن فال جماز يف اآلية‪ ،‬ألن العرب تقيم املثل مقام النفس‪ ،‬فيطلقون املثل ويريدون به الذات‪ .‬فأنت تقول‪ :‬مثلي ال يفعل كذا‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫أي‪ :‬أنا ال أفعل كذلك‪ .‬قال تعاىل ]وشهد شاهد من بين إسرائيل على مثله[[سورة األحقاف‪ ،‬آية‪ ]10 :‬أي على أن القرآن من عند اهلل‪ ،‬فيكون معىن اآلية‬
‫(ليس مثل ذات اهلل شيء) وإذا انتفت املماثلة يف الذات انتفت املماثلة يف الصفات‪ ،‬ألن القول يف الصفات كالقول يف الذات (انظر رسالة الشنقيطي "منع‬
‫جواز اجملاز" ص‪ ،36‬بطالن اجملاز ص‪.)134‬‬
‫دل عليه بطريق االقتضاء فهو‬‫() أما على القول بنفي اجملاز فإن املراد بالقرية جمتمع الناس أو أن املضاف يف اآلية كأنه مذكور ألنه مدلول عليه باالقتضاء وما ّ‬ ‫‪6‬‬

‫على احلقيقة‪ .‬أو أن لفظ القرية يدخل يف مسماه احلال واحملل‪ .‬فمن األول قوله تعاىل‪] :‬وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك اليت أخرجتك[ ومن الثاين‪] :‬أو‬
‫مر على قرية وهي خاوية على عروشها[[انظر املصدرين السابقني]‪.‬‬
‫كالذي ّ‬
‫‪31‬‬
‫فاجلواب‪ :‬أنه منه‪ ،‬حيث استعمل نفي مثل املثل يف نفي املثل وسؤال القرية يف سؤال أهلها‪ ،‬وقال‬
‫البالغيون‪ :‬إنه جماز من حيث إن الكلمة نقلت عن إعراهبا األصلي إىل نوع آخر من اإلعراب(‪.)1‬‬
‫‪ )3‬جماز بالنقل‪ :‬ومثاله كلمة (الغائط) فهو يف أصل الوضع اسم للمكان املطمئن من األرض‪ ،‬تقضي فيه احلاجة‬
‫طلباً للسرت‪ .‬مث نقل وصار يطلق على الفضلة اخلارجة من اإلنسان‪ ،‬والعالقة اجملاورة‪ .‬ألهنا جتاور املكان‬
‫املطمئن غالباً(‪.)2‬‬
‫‪ )4‬جماز باالستعارة‪ :‬ومثاله قوله تعاىل‪] :‬جدار يريد أن ينقض[(‪ )3‬حيث شبه ميل اجلدار إىل السقوط بإرادة‬
‫كل‪ .‬مث استعري اللفظ الدال على املشبه به‬
‫السقوط اليت هي من صفات احلي‪ ،‬جبامع القرب من الفعل يف ٍّ‬
‫للمشبه‪ ،‬مث اشتق منه (يريد) مبعىن (مييل) على سبيل االستعارة التصرحيية التبعية‪..‬‬
‫وظاهر عبارة املصنف يف قوله (أو نقل) توهم أن النقل قسم من اجملاز ومقابل لألقسام األخرى وليس‬
‫كذلك‪ ،‬فإن النقل يعم مجيع أنواع اجملاز بالكلمة كما تقدم يف تعريفه‪.‬‬
‫وهذا وحمل احلقيقة واجملاز كتب البالغة (علم البيان) واألصوليون يذكرون ذلك‪ ،‬ألن البحث يف دالالت‬
‫األلفاظ من أهم موضوعات علم األصول‪ ،‬وداللة اللفظ على املعىن قد تكون حقيقة وقد تكون جمازاً‪.‬‬
‫واعلم أن تقسيم الكالم إىل حقيقة وجماز هو املشهور عند املتأخرين يف القرآن وغريه‪ ،‬ومنهم من قال ال‬
‫جماز يف القرآن‪ ،‬وهو قول ابن خويز منداد من املالكية‪ ،‬وقول الظاهرية وابن القاص من الشافعية‪ ،‬ومن أهل العلم‬
‫من قال ال جماز يف القرآن وال يف غريه وبه قال أبو إسحاق األسفراييين وأبو علي الفارسي من املتقدمني كما عزاه‬
‫هلما ابن السبكي يف مجع اجلوامع(‪ ،)4‬ومن املتأخرين الشيخ حممد األمني الشنقيطي رمحه اهلل يف رسالة خاصة‬
‫هبذا(‪ ،)5‬وقد نصر هذا القول شيخ اإلسالم ابن تيمية وابن القيم رمحهما اهلل‪ ،‬وبني شيخ اإلسالم أن هذا التقسيم‬
‫اصطالح حادث بعد القرون املفضلة مل يتكلم به أحد من الصحابة والتابعني وال أحد من األئمة وال علماء اللغة‪،‬‬
‫والظاهر أن اجملاز إمنا جاء من جهة املعتزلة وحنوهم من املتكلمني ليكون سلما لنفي كثري من صفات اهلل تعاىل‬
‫بإدعاء أهنا جماز‪ ،‬وهذا من أعظم وسائل التعطيل‪.‬‬

‫() انظر التلخيص يف علوم البالغة للقزويين ص‪.336‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ليس يف اآلية جماز ألن إطالق (الغاط) على الرباز أو احلدث حقيقة عرفية ألن اإلنسان يف العادة إمنا جييء من الغائط إذا قضى حاجته فصار اللفظ حقيقة‬ ‫‪2‬‬

‫عرفية يفهم منها التغوط‪( .‬بطالن اجملاز ص‪.)138‬‬


‫() سورة الكهف‪ ،‬آية‪.77 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر مجع اجلوامع (‪.)1/308‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر رسالة (منع جواز اجملاز) ص‪ 8‬املطبوعة ضمن اجلزء العاشر من أضواء البيان‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪32‬‬
‫كما بني الشيخ – أيضاً – بطالن هذا التقسيم‪ ،‬وأن من ذهب إىل ذلك فقد تكلم بال علم وابتدع يف‬
‫الشرع وخالف العقل‪ ،‬ومما يدل على بطالن ذلك أنه ال أحد يثبت أن العرب وضعت ألفاظاً ملعان مث استعملت‬
‫هذا الوضع يف معان أخر‪ ،‬ومن ادعى أنه يعلم وضعاً تقدم ذلك فهو مبطل(‪.)6‬‬
‫وكل ما يسميه القائلون باجملاز جمازاً فهو عند من يقول بنفي اجملاز أسلوب من أساليب اللغة العربية‬
‫املتنوعة‪ ،‬بعضها يتضح املراد منه بال قيد‪ ،‬وبعضه حيتاج إىل قيد وكل منهما حقيقة يف حمله‪.‬‬

‫() انظر فهارس فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪ )2/13‬وراجع كتاب (بطالن اجملاز) بقلم‪ :‬مصطفى عيد الصياصنة‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪33‬‬
‫األمــــر‬

‫(واألمر استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب‪،‬والصيغة الدالة عليه‪ :‬افعل‪.‬‬
‫وهي عند اإلطالق والتجرد عن القرينة تحمل عليه إال ما دل الدليل على أن المراد منه الندب أو‬
‫اإلباحة فيحمل عليه)‪.‬‬
‫باب األمر والنهي من األبواب املهمة يف أصول الفقه‪ ،‬ألن مدار التكليف على األوامر والنواهي‪ .‬فالبد من‬
‫معرفة أحكامهما وما يرتتب على خمالفتهما‪ ،‬يقول السرخسي يف أصوله(‪( :)1‬فأحق ما يبدأ به يف البيان األمر والنهي‬
‫ألن معظم االبتالء هبما‪ ،‬ومبعرفتهما تتم معرفة األحكام ويتميز احلالل من احلرام)‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫قوله (األمر‪ :‬استدعاء الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب) هذا تعريف األمر‪ .‬وهو من أحسن‬
‫التعاريف‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬استدعاء‪ :‬أي طلب وهذا جنس يشمل األمر والنهي‪ ،‬واملراد بالفعل‪ :‬اإلجياد ليشمل الفعل املأمور به‬
‫مثل‪] :‬وءاتوا الزكاة[(‪ )2‬والقول املأمور به مثل‪] :‬واذكروا اهلل كثيراً[(‪.)3‬‬
‫واملعىن أن األمر طلب إجياد فعل أو إجياد قول‪ .‬وهذا القيد خيرج النهي ألنه استدعاء الرتك كما سيأيت‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬بالقول‪ :‬أي باللفظ الدال عليه‪ .‬واملراد صيغ األمر وهذا قيد ثان إلخراج اإلشارة فإهنا وإن أفادت‬
‫طلب الفعل‪ ،‬لكنها ال تسمى أمراً‪.‬‬
‫وقوله (ممن هو دونه) أي دون الطالب يف الرتبة‪ ،‬وهذا قيد ثالث خرج به استدعاء الفعل ممن ساواه وهذا‬
‫التماس‪ .‬أو ممن هو فوقه وهذا دعاء وسؤال‪ .‬وعلى هذا فطلب الفعل يسمى أمراً مع العلو(‪.)4‬‬
‫قال األخضري‪:‬‬
‫وفي التساوي فالتماس وقعا‬ ‫أمر مع استعال وعكسه دعا‬
‫وقول املصنف‪( :‬على سبيل الوجوب) هذا متعلق بقوله‪( :‬استدعاء) وهذا قيد رابع إلخراج الندب واإلباحة‬
‫وغريمها‪ ،‬وفيه بيان أن صيغة األمر تقتضي الوجوب‪ ،‬وهذا عند اإلطالق‪ ،‬أي التجرد من القرائن الصارفة لألمر عن‬
‫الوجوب إىل غريه‪.‬‬

‫() أصول السرخسي ص‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.43 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة اجلمعة‪ ،‬آية ‪.10‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر غاية املرام يف شرح مقدمة اإلمام للتلمساين ص‪ .71‬والعلو معناه‪ :‬هيئة راجعة إىل اآلمر – بكسر امليم – وهي كونه أعلى من املأمور‪ .‬واالستعالء‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫هيئة يف األمر – بسكون امليم – وهو كون الطلب بغلظة وقهر‪ .‬انظر (نثر الورود ‪.)1/173‬‬
‫‪34‬‬
‫والظاهر أن املؤلف يرى أن املندوب ليس مأموراً به لعدم وجوبه وحتتمه‪ ،‬واحملققون على أن املندوب مأمور‬
‫به ألنه طاعة إمجاعاً‪ ،‬والطاعة فعل مأمور به‪ ،‬وإن كان غري واجب‪ ،‬فيكون األمر أمر إجياب وأمر استحباب‪ .‬وتقدم‬
‫ذلك يف الكالم على املندوب‪.‬‬
‫قوله‪( :‬على سبيل الوجوب) صيغة األمر إما أن تكون جمرد عن القرينة‪ ،‬وإما أن تكون مقيدة‪ ،‬فإن كانت‬
‫جمردة فاملختار ما ذكره املصنف من أهنا تقتضي الوجوب كقوله تعاىل‪ ] :‬وأقيموا الصالة وءاتوا الزكاة[(‪ )1‬فهذا‬
‫حيمل على الوجوب لعدم قرينة تصرفه عنه ونسب يف شرح الكوكب املنري هذا القول إىل اجلمهور من أرباب‬
‫املذاهب األربعة‪ ،‬وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل (وأمر اهلل ورسوله إذا أطلق كان مقتضاه الوجوب)(‪.)2‬‬
‫واألدلة على ذلك كثرية جداً منها قوله تعاىل‪] :‬فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو‬
‫يصيبهم عذاب أليم[(‪.)3‬‬
‫ووجه الداللة‪ :‬أن اهلل تعاىل توعد املخالفني ألمر الرسول ‪ ‬بالفتنة وهي الزيغ‪ ،‬أو بالعذاب األليم‪ ،‬وال‬
‫يتوعد بذلك إال على ترك واجب‪ ،‬فدل على أن أمر الرسول ‪ ‬املطلق يقتضي الوجوب‪ .‬قال القرطيب‪( :‬هبذه اآلية‬
‫استدل الفقهاء على أن األمر للوجوب ‪.)4() . .‬‬
‫وقوله‪( :‬والصيغة الدالة عليه‪ :‬افعل) أي أن األمر البد له من صيغة تدل عليه وهي (افعل) مثل‪] :‬أقم‬
‫الصالة لدلوك الشمس[(‪ )5‬واملراد بذلك كل ما يدل على طلب الفعل من أي صيغة‪ ،‬فيشمل افعلي وافعلوا‬
‫وحنومها‪ ،‬ومما يدل على طلب الفعل اسم فعل األمر كقوله تعاىل‪] :‬عليكم أنفسكم[(‪ ،)6‬واملصدر النائب عن فعل‬
‫األمر مثل قوله تعاىل‪] :‬وبالوالدين إحساناً[(‪ )7‬واملضارع املقرون بالم األمر كقوله تعاىل‪] :‬وليكتب بينكم كاتب‬
‫بالعدل[(‪.)8‬‬
‫وهناك صيغ أخرى تدل على طلب الفعل ومنها‪:‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.43 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() القواعد النورانية ص‪.26‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة النور‪ ،‬آية ‪.63‬‬ ‫‪3‬‬

‫() تفسري القرطيب (‪.)12/322‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة اإلسراء‪ ،‬آية‪.78 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬آية‪.105 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.83 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.282 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ )1‬التصريح بلفظ األمر كقوله تعاىل‪] :‬إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان[(‪ )1‬وحديث ابن عباس يف وفد عبد‬
‫القيس وفيه (آمركم بأربع ‪.)2() . .‬‬
‫‪ )2‬لفظ فرض أو وجب أو كتب وحنوها‪ .‬قال تعاىل‪] :‬كتب عليكم الصيام[(‪ )3‬وحديث ابن عمر رضي اهلل‬
‫عنهما قال‪( :‬فرض رسول اهلل ‪ r‬زكاة الفطر يف رمضان)(‪.)4‬‬
‫‪ )3‬وصف الفعل بأنه طاعة أو ميدح فاعله أو يذم تاركه أو يرتب على فعله ثواب أو على تركه عقاب وغريها‪،‬‬
‫كقوله ‪( r‬أنا وكافل اليتيم يف اجلنة هكذا‪ .‬وقال بالسبابة والوسطى)(‪.)5‬‬
‫قوله‪( :‬وهي عند اإلطالق والتجرد عن القرينة حتمل عليه إال ما َّ‬
‫دل الدليل على أن املراد منه الندب أو‬
‫اإلباحة فيحمل عليه) هذا بيان النوع الثاين من األوامر وهو ما اقرتن بقرينة فيصرف األمر حسب هذه القرينة‪ ،‬ألن‬
‫صيغة األمر ال حتمل على غري الوجوب إال إذا وجد دليل صارف عن الوجوب إىل غريه‪ .‬كالندب‪ ،‬ومثاله‪ :‬حديث‬
‫عبد اهلل املزين أن النيب ‪ r‬قال‪( :‬صلوا قبل صالة املغرب‪ ،‬قال يف الثالثة‪ :‬ملن شاء ‪.)6() . .‬‬
‫أو اإلباحة ومثاله قول تعاىل‪] :‬وإذا حللتم فاصطادوا[(‪ .)7‬والقرينة الصارفة يف األول قوله (ملن شاء) ويف‬
‫الثاين هي أن األمر بعد احلظر لإلباحة ألن االصطياد يف اإلحرام حرام‪ ،‬لقوله تعاىل‪] :‬وحرم عليكم صيد البر ما‬
‫دمتم حرماً[(‪ )8‬أي حمرمني‪.‬‬
‫ومن هنا قال األصوليون‪ :‬األمر بعد احلظر لإلباحة واحتجوا بأن هذا النوع من األمر لإلباحة يف أغلب‬
‫تطهرن فأتوهن من حيث أمركم اهلل[(‪ )9‬بعد قوله تعاىل‪] :‬وال‬
‫استعماالت الشرع‪ ،‬كما مثلنا‪ .‬وكقوله تعاىل‪] :‬فإذا ّ‬
‫تقربوهن حتى يطهرن[(‪ ،)10‬وقد يكون يف مقام يتوهم فيه احلظر كقوله ‪( ‬افعل وال حرج)(‪ )11‬يف جواب من سألوه‬
‫ّ‬

‫() سورة النحل‪ ،‬آية‪.90 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري برقم ‪ 53‬ومسلم برقم ‪.17‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.183 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه البخاري برقم‪ 143 2‬ومسلم برقم ‪.984‬‬ ‫‪4‬‬

‫() رواه البخاري (‪.)10/436‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أخرجه البخاري برقم ‪.1128‬‬ ‫‪6‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬آية‪.2 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬آية‪.96:‬‬ ‫‪8‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.222 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪222 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫() رواه البخاري رقم ‪ 83‬ومسلم ‪.1306‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪36‬‬
‫يف حجة الوداع عن تقدمي أفعال احلج اليت تفعل يوم العيد بعضها على بعض وكقوله يف قصة اللديغ (اقسموا‬
‫واضربوا يل بسهم)(‪.)1‬‬
‫ويرى آخرون أن األمر بعد احلظر يرجع إىل ما كان عليه قبل احلظر‪ ،‬قال ابن كثري عند تفسري آية املائدة‪] :‬‬
‫وإذا حللتم فاصطادوا[(‪( :)2‬والصحيح الذي يثبت على السرب(‪ )3‬أنه ُّ‬
‫يرد احلكم إىل ما كان عليه قبل النهي‪ .‬فإن‬
‫كان واجباً رده واجباً‪ ،‬وإن كان مستحباً فمستحب‪ ،‬أو مباحاً فمباح‪ ،‬ومن قال‪ :‬إنه على الوجوب ينتقض عليه‬
‫يرد عليه بآيات أخر‪ .‬والذي ينتظم األدلة كلها هذا الذي ذكرناه‪ ،‬كما أختاره‬
‫بآيات كثرية‪ ،‬ومن قال‪ :‬إنه لإلباحة ُّ‬
‫بعض علماء األصول واهلل أعلم)(‪ )4‬ا هـ‪.‬‬
‫فمثال‪ :‬أمر بعد هني عاد إىل الوجوب حديث‪" :‬فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصالة‪ ،‬وإذا أدبرت فاغسلي‬
‫عنك الدم‪ ،‬مث صلي"(‪.)5‬‬
‫فاألمر بالصالة للوجوب‪ ،‬ألن الصالة قبل امتناعها باحليض واجبة‪ ،‬ومثاله أيضاً قوله تعاىل‪] :‬فإذا انسلخ‬
‫األشهر الحرم فاقتلوا المشركين[(‪ )6‬فاألمر بقتل املشركني كان واجباً قبل دخول األشهر احلرم فمنع من أجلها‪،‬‬
‫مث أمر به بعد انسالخها‪ ،‬فريجع إىل ما كان عليه قبل املنع وهو الوجوب‪.‬‬
‫ومثال االستحباب حديث‪" :‬كنت هنيتكم عن زيارة القبور فزوروها"(‪ )7‬فالزيارة مستحبة قبل املنع مث هني‬
‫عنها‪ ،‬مث أمر هبا فعاد األمر إىل االستحباب‪.‬‬
‫وتقدمي مثال ما كان مباحاً مث هني عنه مث أمر به‪.‬‬
‫وهذا القول هو املختار‪ ،‬ألن احلظر كان لعارض‪ ،‬فإذا ارتفع العارض عاد األمر إىل ما كان عليه‪.‬‬

‫() رواه البخاري ‪ 2156‬ومسلم ‪.2201‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬آية‪.2 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() السرب لغة االختبار ومنه مسي ما خيترب به طول اجلرح وعرضه مسباراً‪ ،‬والسرب يذكر غالباً مع التقسيم فيقال‪ :‬السرب والتقسيم‪ .‬وهو أحد مسالك العلة يف باب‬ ‫‪3‬‬

‫القياس ويراد هبما حصر األوصاف املوجودة يف األصل الصاحلة للعلية يف عدد مث إبطال بعضها بدليله فيتعني الباقي فاحلصر تقسيم واإلبطال سرب (خمتصر ابن‬
‫احلاجب بشرح العضد ‪ ،2/236‬مذكرة الشنقيطي ص‪.)257‬‬
‫() تفسري ابن كثري (‪.)3/9‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه البخاري برقم ‪ 314 ،226‬ومسلم برقم ‪.333‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة التوبة‪ ،‬آية‪.5 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() أخرجه مسلم برقم ‪.97 7‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪37‬‬
‫مث إن هذا القول فيه مجع بني األدلة‪ ،‬كما أشار إليه احلافظ ابن كثري رمحه اهلل‪ ،‬واختار هذا القول الشيخ‬
‫تقي الدين ابن تيمية رمحه اهلل‪ ،‬ورجحه الشيخ حممد األمني الشنقيطي رمحه اهلل‪ .‬ونسبه الطويف يف خمتصر الروضة إىل‬
‫األكثرين‪ .‬واهلل أعلم(‪.)8‬‬

‫() انظر املسودة يف أصول الفقه ص‪ ،16‬شرح الكوكب املنري (‪ )3/60‬مذكرة الشنقيطي على الروضة ص‪ ،193 ،192‬أضواء البيان (‪ )2/4‬خمتصر الروضة‬ ‫‪8‬‬

‫ص‪.86‬‬
‫‪38‬‬
‫من مسائل األمــر‬

‫(وال يقتضي التكرار على الصحيح إال إذا دل الدليل على قصد التكرار‪ ،‬وال يقتضي الفور‪.‬‬
‫واألمر بإيجاد الفعل أمر به‪ ،‬وبما ال يتم الفعل إال به كاألمر بالصالة أمر بالطهارة المؤدية إليها‪.‬‬
‫وإ ذا فعل خرج المأمور عن العهدة)‪.‬‬
‫املسألة األوىل قوله‪( :‬وال يقتضي التكرار)‪ :‬اعلم أن صيغة األمر تقتضي فعل املأمور مرة واحدة قطعاً وال‬
‫خالف يف ذلك وإمنا اخلالف فيما زاد على املرة وهو التكرار‪ ،‬مبعىن فعل املأمور به كلما قدر عليه املكلف‪ ،‬فاألمر‬
‫من حيث التكرار وعدمه له ثالث صور‪:‬‬
‫‪ )1‬إما أن يقيد مبا يفيد الوحدة‪ ،‬فهذا حيمل على ما قيد به‪ ،‬وال يقتضي التكرار كقوله تعاىل‪] :‬وهلل على الناس‬
‫حج البيت من استطاع إليه سبيال[(‪ )1‬فظاهر اآلية وجوب تكرار احلج بتكرار االستطاعة‪ ،‬لكن سئل‬
‫رسول اهلل ‪ :r‬أيف كل عام يا رسول اهلل؟ فأجاب مبا يدل على أنه يف العمر مرة واحدة(‪ )2‬فيحمل األمر يف‬
‫اآلية على الواحدة هلذا الدليل من السنة‪.‬‬
‫‪ )2‬أن يقيد مبا يفيد التكرار‪ ،‬وهذا فيه خالف(‪ )3‬والصحيح أنه حيمل على ما قيد به من إرادة التكرار كما‬
‫رجحه املصنف‪ .‬والقيد قد يكون صفة وقد يكون شرطاً‪ ،‬فالشرط كقوله تعاىل‪] :‬وإن كنتم جنبا‬
‫فاطّ ّهروا[(‪ )4‬فكلما حصلت اجلنابة وجب التطهر بالغسل منها‪.‬‬
‫والصفة كقوله تعاىل‪] :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما[(‪ )5‬فكلما حصلت السرقة وجب‬
‫القطع‪ ،‬ما مل يكن تكرار السرقة قبل القطع‪.‬‬
‫وهذا فيما إذا كان كل من الشرط والصفة علة ثابتة كما مثلنا‪ .‬فيكون التكرار لوجود العلة‪ ،‬مبعىن‬
‫أنه كلما وجدت العلة وجد احلكم(‪ .)6‬فإن مل يكن علة ثابتة فال تكرار مثل‪ :‬إن جاء زيد فاعتق عبداً من‬
‫عبيدي‪ .‬فإذا جاء زيد حصل ما علق عليه األمر‪ ،‬لكن ال يتكرر بتكرر جميئه‪.‬‬
‫‪ )3‬األمر املطلق الذي مل يقيد‪ .‬فهذا فيه خالف هل يقتضي التكرار أو ال؟‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬آية ‪.97‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه مسلم برقم ‪ 1337‬وأخرجه أصحاب السنن وأمحد‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() نقل صاحب شرح الكوكب املنري (‪ )3/46‬االتفاق على أنه للتكرار‪ .‬مع أن بعض احلنفية خالفوا فانظر كشف األسرار (‪.)1/123‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬آية‪.6 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬آية‪.38 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() شرح الكوكب املنري (‪.)47 ،3/46‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪39‬‬
‫فمنهم من قال يقتضي التكرار‪ ،‬وهذا حكاه الغزايل عن أيب حنيفة‪ ،‬وابن القصار عن مالك‪ ،‬وهو رواية عن‬
‫أمحد اختارها أكثر أصحابه(‪ ،)1‬ألن األمر كالنهي يف أن النهي أفاد وجوب الرتك واألمر أفاد وجوب الفعل‪ ،‬فإذا‬
‫كان النهي يفيد الرتك على االتصال أبداً‪ ،‬وجب أن يكون األمر يفيد وجوب الفعل على االتصال أبداً وهذا معىن‬
‫التكرار‪ ،‬واملراد به‪ :‬حسب اإلمكان‪.‬‬
‫والقول الثاين أن األمر املطلق ال يقتضي التكرار ألن ما قصد به من حتصيل املأمور به يتحقق باملرة الواحدة‬
‫واألصل براءة الذمة مما زاد عليها‪ ،‬بل خيرج املكلف من عهدته مبرة واحدة‪ ،‬وال يلزمه تكراره واملداومة عليه‪ ،‬وذلك‬
‫ألن صيغة األمر ال تدل إال على جمرد إدخال ما هية الفعل(‪ )2‬يف الوجود ال على كمية الفعل‪ ،‬ولو قال السيد لعبده‪:‬‬
‫ادخل السوق واشرت متراً‪ ،‬مل يعقل منه التكرار‪ ،‬ولو كرر العبد ذلك حلسن لومه‪ ،‬ولو سيده على عدم التكرار لعد‬
‫السيد خمطئاً‪.‬‬
‫وهذا هو اختيار املصنف – هنا – فإنه قال‪( :‬وال يقتضي التكرار على الصحيح) أي عند اإلطالق كما‬
‫يدل عليه ما بعده‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام أمحد اختارها أبو يعلى وتلميذه أبو اخلطاب‪ ،‬وهو الصحيح عند احلنفية‪،‬‬
‫ورجح ذلك الطويف‪ ،‬ومال إليه ابن قدامة‪ ،‬واختاره ابن احلاجب(‪.)3‬‬
‫أما ما قاله األولون من أن األمر كاملنهي فغري صحيح للفرق بن األمر والنهي‪ ،‬ألن االنتهاء عن الفعل أبداً‬
‫ممكن‪ ،‬أما االشتغال به أبداً فغري ممكن فظهر الفرق‪.‬‬
‫وأما ما فيه التكرار فذلك لنصوص أخر وقرائن وأسباب توجب ذلك‪ ،‬كالصالة فإن تكرارها يف كل يوم‬
‫وليلة مخس مرات ليس ألجل األمر هبا‪ ،‬وإمنا لتكرار أسباهبا وهي األوقات‪ .‬ومما يتعلق هبذا البحث مسألة إجابة‬
‫مؤذن بعد مؤذن فهل يكتفي باألول ألن األمر ال يقتضي التكرار؟ أو جييب كل مؤذن من باب تعدد السبب؟ فيه‬
‫احتمال(‪.)4‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬قوله‪( :‬وال تقتضي الفور) أي عند اإلطالق خبالف‪ :‬سافر اآلن‪ .‬فهي للفور‪ ،‬وسافر رأس‬
‫الشهر‪.‬فهي للرتاخي لوجود قرينة‪.‬‬
‫والفور معناه‪ :‬املبادرة بالفعل عقب األمر يف أول وقت اإلمكان‪ .‬والرتاخي‪ :‬تأخري الفعل عن أول وقت‬
‫اإلمكان‪ .‬والقائلون بأن األمر للتكرار يتفقون على أنه للفور‪ .‬ألن التكرار ال يتحقق بدون املبادرة‪.‬‬
‫وأما القائلون بأن األمر ليس للتكرار‪ .‬فاختلفوا يف ذلك على قولني‪:‬‬

‫() انظر املنخول للغزايل ص‪ 108‬وشرح الكوكب املنري (‪.)3/43‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املاهية مبعىن احلقيقة انظر املعترب للزركشي ص‪ 337‬معجم لغة الفقهاء ص‪.398‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر روضة الناظر مع شرحها (‪ )2/78‬خمتصر الروضة ص‪ .87‬خمتصر املنتهى (‪ )2/81‬أصول السرخسي ص‪.20‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر شرح املهذب (‪ )3/119‬فتح الباري (‪ )2/92‬فتاوى العز بن عبد السالم ص‪ 87‬التمهيد لإلسنوي ص‪ 283‬حاشية الصنعاين على شرح العمدة (‬ ‫‪4‬‬

‫‪.)2/188‬‬
‫‪40‬‬
‫األول‪ :‬أهنا ال تقتضي الفور‪ ،‬وبه قال أكثر الشافعية وأكثر األحناف‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام أمحد‪ ،‬بل األمر‬
‫جملرد الطلب فال يقتضي الفور وال الرتاخي‪ ،‬وقد يقتضي ألن الغرض إجياد الفعل ولو مرة واحدة من غري اختصاص‬
‫بالزمن األول أو الثاين بل يف أي زمان وجد فيه أجزأ‪.‬‬
‫والقول الثاين‪ :‬أهنا تقتضي الفور‪ .‬وهو قول املالكية وبعض الشافعية‪ ،‬وبعض احلنفية‪ ،‬وهو ظاهر املذهب‬
‫عند احلنابلة(‪ .)1‬وهذا هو القول الراجح إن شاء اهلل ملا يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬آيات من كتاب اهلل تعاىل فيها األمر باملبادرة إىل امتثال أوامر اهلل تعاىل والثناء على من فعل ذلك كقوله‬
‫تعاىل‪] :‬وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات واألرض أعدت للمتقين[(‪ )2‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫]فاستبقوا الخيرات[(‪ )3‬وقال تعاىل‪] :‬إنهم كانوا يسارعون في الخيرات[(‪.)4‬‬
‫‪ )2‬ما جاء يف قصة احلديبية‪ ،‬وفيها‪( :‬قال رسول اهلل ‪ r‬ألصحابه‪ :‬قوموا فاحنروا مث احلقوا) قال‪ :‬فو اهلل ما قام‬
‫منهم رجل حىت قال ذلك ثالث مرات‪ .‬فلما مل يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر هلاما لقي من‬
‫الناس ‪ . . .‬احلديث)(‪ ،)5‬ووجه الداللة‪ :‬أنه لو مل يكن األمر للفور ما دخل الرسول ‪ r‬على أم سلمة مغضباً‬
‫وال قال هلا‪( :‬أال ترين إىل الناس! إين آمرهم باألمر فال يفعلون) كما يف رواية ابن إسحاق‪.‬‬
‫‪ )3‬أن املبادرة بالفعل أحوط وأبرأ للذمة‪ ،‬وأدل على الطاعة‪ ،‬والتأخري له آفات‪ ،‬ويقتضي تراكم الواجبات حىت‬
‫يعجز اإلنسان عنها‪.‬‬
‫‪ )4‬وكما أن الشرع دل على اقتضاء األمر الفور‪ ،‬كذلك اللغة فإن السيد لو أمر عبده بأمر فلم ميتثل فعاقبه‬
‫فاعتذر العبد بأن األمر على الرتاخي مل يكن عذره مقبوالً‪.‬‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬قوله‪( :‬واألمر بإجياد الفعل أمر به ومبا ال يتم الفعل إال به) أي‪ :‬أن ما توقف عليه وجود‬
‫الواجب بطريق شرعي لتربأ منه الذمة فهو واجب إذا كان ذلك يف مقدور املكلف‪ ،‬وحتت هذه القاعدة صورتان‪،‬‬
‫وذلك بناء على دخول املندوب يف األمر‪:‬‬
‫‪ )1‬ماال يتم الواجب إال به فهو واجب‪ .‬كاألمر بالصالة أمر بالطهارة‪ ،‬واألمر بسرت العورة أمر بشراء ما‬
‫يسرتها(‪.)6‬‬

‫() انظر خمتصر ابن احلاجب مع شرح العضد (‪ )2/84‬العدة (‪ )1/281‬أضواء البيان (‪.)5/112‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.133 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.148 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة األنبياء‪ ،‬آية‪.90 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه البخاري برقم ‪ 2581‬وانظر فتح الباري (‪.)329‬‬ ‫‪5‬‬

‫() متثيل املؤلف بالطهارة فيه نظر‪ ،‬ألن فيها دليالً خيصها‪ ،‬خبالف األمر بشراء ما يسرت العورة‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪41‬‬
‫ووجه هذه الصورة‪ :‬أنه لو مل جتب الطهارة – مثالً – لوجوب الصالة جلاز تركها‪ ،‬ولو جاز‬
‫تركها جلاز ترك الواجب املتوقف عليها والالزم باطل‪.‬‬
‫‪ )2‬ما ال يتم املندوب إال به فهو مندوب‪ ،‬فاألمر بالتطيب يوم اجلمعة كما يف حديث ابن عباس (وأصيبوا من‬
‫الطيب)(‪ )1‬أمر بشراء الطيب ندباً ال وجوباً‪.‬‬
‫وهذه الصورة ال تدخل – على رأي املصنف – ألنه ال يرى أن املندوب مأمور به‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬قوله‪( :‬وإذا فعل خرج عن العهدة)‪( :‬فعل) بالبناء للمجهول أي‪ :‬فعل املأمور به‪ ،‬والعهدة‪ :‬بضم‬
‫العني تعلق األمر باملأمور‪ .‬واملعىن‪ :‬أن املأمور إذا فعل ما أمر به على وجه صحيح فإنه خيرج عن عهدة ذلك األمر‬
‫ويوصف ذلك الفعل باإلجزاء‪ .‬واإلجزاء معناه‪ :‬براءة الذمة وسقوط الطلب‪ .‬أما اإلثابة على الفعل فليست من‬
‫لوازم االمتثال فقد حيصل اإلجزاء وبراءة الذمة وال حيصل الثواب‪ ،‬وقد يكون مثاباً وال تربأ الذمة‪.‬‬
‫فمثال األول‪ :‬قول الزور والعمل به يف الصيام‪ .‬فقد قال النيب ‪( r‬من مل يدع قول الزور والعمل به فليس هلل‬
‫حاجة يف أن يدع طعامه وشرابه)(‪ )2‬فقول الزور والعمل به يف الصيام أوجب إمثاً يقابل ثواب الصوم‪ .‬وقد اشتمل‬
‫الصوم على االمتثال املأمور به والعمل املنهي عنه‪ ،‬فربئت الذمة لالمتثال ووقع احلرمان للمعصية‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬كأن يفعل فعالً ناقصاً عن الشرائط واألركان‪ ،‬فيثاب على ما فعل وال تربأ الذمة إال بفعله كامالً‪،‬‬
‫فإذا أخرج الزكاة ناقصة فإنه خيرج التمام وإذا ترك شيئاً من واجبات احلج كاملبيت مبزدلفة فإنه جيربه بالدم‪ ،‬وإذا‬
‫ضحى مبعيبة وجبت عليه سليمة‪ .‬وإذا فوت اجلمعة بقي يف العهدة‪ .‬فالنقص إما أن جيرب جبنسه أو ببدله أو بإعادته‬
‫كامالً أو يبقى يف العهدة فيأمث صاحبه(‪ )3‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() أخرجه البخاري برقم ‪.844‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه البخاري (‪.)4/116‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر جمموع فتاوى شيخ اإلسالم (‪ 19/303‬وما بعدها)‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪42‬‬
‫من يدخل في األمر والنهي ومن ال يدخل‬

‫(يدخل في خطاب اهلل تعالى المؤمنون‪ .‬والساهي والصبي والمجنون غير داخلين في الخطاب‪،‬‬
‫والكفار مخاطبون بفروع الشرائع وبما ال تصح إال به وهو اإلسالم‪ ،‬لقوله تعالى‪] :‬قالوا لم نك من‬

‫المصلين[(‪.))1‬‬
‫ذكر املصنف يف هذا املبحث من يدخل يف أوامر الشرع ونواهيه ومن ال يدخل‪ ،‬ولو أخر هذا املوضوع‬
‫بعد مبحث النهي لكان أحسن‪.‬‬
‫قوله‪( :‬يدخل يف خطاب اهلل تعاىل املؤمنون) املراد خبطاب اهلل‪ :‬اخلطاب التكليفي املتضمن لطلب الفعل أو‬
‫الرتك كقوله تعاىل‪] :‬وأقيموا الصالة[(‪ ،)2‬وقوله تعاىل‪] :‬وال تقربوا الزنا[(‪.)3‬‬
‫واملراد باملؤمنني‪ :‬املكلفون من ذكر وأنثى ممن آمن باهلل ورسوله‪ .‬لدخول النساء يف مجع الذكور إذا وجدت‬
‫قرينة كما هنا‪ .‬واملكلف هو البالغ العاقل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والساهي والصيب واجملنون غري داخلني يف اخلطاب) الساهي اسم فاعل من (سها يسهو سهواً فهو‬
‫ٍ‬
‫ساه) قال يف اللسان‪( :‬السهو والسهوة‪ :‬نسيان الشيء والغفلة عنه‪ .‬وذهاب القلب إىل غريه ‪.)4(). .‬‬
‫فالساهي يف حال سهوه غري مكلف ألن مقتضى التكليف فهم املكلف ملا كلف به‪ .‬وهذا ال يتم إال‬
‫باالنتباه‪ .‬وهلذا مل جيب سجود السهو على من سها يف صالته إال بعد التذكر وزوال العذر‪ ،‬وحينئذ يكون مكلفاً‪.‬‬
‫وقوله (والصيب) هو اإلنسان من الوالدة إىل أن يفطم‪ ،‬ويطلق على الصغري دون الغالم(‪.)5‬‬
‫والصيب غري مكلف سواء كان مميزاً على القول الراجح‪ ،‬أو غري مميز وهذا باإلمجاع‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬واجملنون) هو فاقد العقل‪ .‬وهو من ال يطابق كالمه وأفعاله كالم وأفعال العقالء(‪.)6‬‬

‫() سورة املدثر‪ ،‬آية‪.43 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.43 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة اإلسراء آية‪.32 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() اللسان مادة (سها) ‪.14/406‬‬ ‫‪4‬‬

‫() معجم لغة الفقهاء ص‪ 270‬القاموس مادة (صيب)‪,‬‬ ‫‪5‬‬

‫() معجم لغة الفقهاء ص‪.407‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪43‬‬
‫وهو غري مكلف لقوله ‪( :r‬رفع القلم عن ثالثة‪ :‬عن النائم حىت يستيقظ‪ ،‬وعن الصيب حىت يكرب‪ .‬ويف رواية‬
‫حىت حيتلم ويف رواية‪ :‬حىت يبلغ‪ .‬ويف رواية حىت يشب‪ .‬وعن اجملنون حىت يعقل)(‪.)7‬‬
‫فجعل الشارع البلوغ عالمة لظهور العقل وفهم اخلطاب ومن ال يفهم ال يصح تكليفه‪ .‬لعد قصد االمتثال‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬كيف تقولون‪ :‬إن الصيب واجملنون غري مكلفني مع وجوب الزكاة وأروش اجلنايات وقيم املتلفات‬
‫يف ماليهما؟‬
‫فاجلواب‪ :‬أن هذا ليس من خطاب التكليف‪ ،‬وإمنا هو من خطاب الوضع‪ ،‬وهو ال يشرتط فيه التكليف‬
‫بالبلوغ والعقل‪ .‬وتوضيحه‪ :‬أن هذا من باب ربط األحكام بأسباهبا‪ ،‬مبعىن أن الشرع وضع أسباباً تقتضي أحكاماً‬
‫ترتتب عليها حتقيقاً للعدل يف خلقه ورعاية ملصاحل العباد‪ ،‬فمىت وجد السبب وجد احلكم‪ ،‬فإذا وجد النصاب‬
‫وجبت الزكاة‪ ،‬سواء كان النصاب لبالغ عاقل أو لصيب أو جملنون‪ ،‬وكذا نقول إذا وجد اإلتالف وجب الضمان إذا‬
‫مل يرض صاحب احلق بإسقاط حقه مهما كان املتلف‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والكفار خماطبون بفروع الشرائع ‪ ). .‬املراد بالفروع األحكام العملية من األوامر كالصالة والزكاة‪،‬‬
‫والنواهي كالزنا وشرب اخلمر‪ .‬ولو عرب به املصنف لكان أوىل(‪.)2‬‬
‫فهذه املسألة فيها خالف بني أهل العلم‪ .‬وما ذكره املصنف من أهنم خماطبون‪.‬‬
‫هو القول الراجح لقوة دليله‪ ،‬وأما كوهنم خماطبني باإلسالم فهذا ال خالف فيه‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ ] :‬ما سلككم في سقر(‪ )42‬قالوا لم نك من المصلين(‪ )43‬ولم نك نطعم المسكين(‪)44‬‬
‫وكنّا نخوض مع الخائضين(‪ )45‬وكنّا نك ّذب بيوم الدين(‪ )46‬حتى أتانا اليقين(‪ .)3([ )47‬وقال تعاىل‪] :‬فال‬
‫ص ّدق وال صلّى(‪ )31‬ولكن ك ّذب وتولّى(‪ ،)4([)32‬ومن األدلة أيضاً التمسك بالعمومات كقوله تعاىل‪] :‬وهلل‬
‫مسجد[(‪.)6‬‬ ‫على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال[(‪ )5‬وقوله تعاىل‪] :‬يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل‬
‫ومع أن الكافر خماطب باألوامر فإنه ال يصح منه فعل املأمور به حال كفره قال تعاىل‪] :‬وما منعهم أن تقبل‬
‫منهم نفقاتهم إال أنهم كفروا باهلل وبرسوله[(‪ )7‬فاإلميان شرط لصحة الفعل‪ ،‬وال يعارض هذا ما تقدم من أهنم‬

‫() أخرجه الرتمذي برقم ‪ 1423‬وأبو داود ‪ 4403‬وابن ماجه رقم ‪ 2041‬والنسائي (‪ )6/156‬وذكره البخاري تعليقاً يف الطالق واحلدود (‪12/120‬‬ ‫‪7‬‬

‫الفتح) وهو حديث صحيح‪.‬‬


‫() انظر كالم شيخ اإلسالم رمحه اهلل حول مصطلح األصول والفروع يف الفتاوى ‪.6/56‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة املدثر‪ ،‬اآليات ‪.47 – 42‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة القيامة‪ ،‬اآليتان ‪.32 ،31‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.97 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة األعراف‪ ،‬آية‪.31 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() سورة التوبة‪ ،‬آية‪.54 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪44‬‬
‫خماطبون حال كفرهم‪ ،‬ألن املراد هنا أهنم يعذبون عليها يف اآلخرة زيادة على عذاب الكفر‪ ،‬واملراد هنا أهنم ال‬
‫يطالبون هبا يف الدنيا مع كفرهم وال تنفعهم‪.‬‬
‫وإذا أسلم الكافر ال يؤمر بقضاء املاضي لقوله تعاىل‪] :‬قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد‬
‫سلف[(‪.)1‬‬
‫ولقول النيب ‪ r‬لعمرو بن العاص‪( :‬أما علمت يا عمرو أن اإلسالم يهدم ما كان قبله)(‪ )2‬وألن يف ذلك‬
‫ترغيباً له يف اإلسالم‪ ،‬فإنه إذا علم أنه ال يطالب بقضاء ما ترك فإنه يرغب يف اإلسالم إذ لو كلف بالقضاء لنفر عن‬
‫اإلسالم(‪ )3‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() سورة األنفال‪ ،‬آية ‪.38‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه مسلم رقم ‪.192‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ال داعي لإلطالة يف هذه املسألة ألهنا ليست من أصول الفقه‪ .‬ألن أثر اخلالف فيها إمنا يظهر يف الدار اآلخرة‪ ،‬حيث يعذب الكافر زيادة على عذاب الكفر‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ومسائل أصول الفقه إمنا هي دالئل وقواعد تعرف هبا األحكام والتكاليف يف هذه الدار‪ .‬واخلالف يف هذه املسألة ال يظهر أثره يف الدنيا‪ ،‬ألن الكافر ال تصح‬
‫منه العبادة حال كفره‪ ،‬وإذا أسلم ال يؤمر بقضاء ما فاته‪ .‬انظر احملصول (‪ ،)1413 – 2/2/399‬املسائل املشرتكة بني أصول الفقه وأصول الدين ص‪.94‬‬
‫وانظر كالماً ماتعاً للشاطيب – رمحه اهلل – يف إدخال مسائل ليست من األصول يف أصول الفقه يف املوافقات ‪.1/42‬‬
‫‪45‬‬
‫هل األمر بالشيء نهي عن ضده؟ـ‬

‫(واألمر بالشيء نهي عن ضده‪ .‬والنهي عن الشيء أمر بضده)(‪.)1‬‬


‫ال خالف أن صيغة األمر (افعل) مغايرة الصيغة النهي (ال تفعل) فيكون األمر بالشيء هنياً عن ضده من‬
‫جهة املعىن ال من جهة اللفظ‪ ،‬فالطلب له تعلق واحد بأمرين مها‪ :‬فعل الشيء‪ ،‬الكف عن ضده‪ .‬فباعتبار األول هو‬
‫أمر‪ ،‬وباعتبار الثاين هو هني‪ .‬فإذا قال له‪ :‬اسكن‪ .‬فهذا أمر بالسكون‪ ،‬هني عن ضده وهو احلركة‪ .‬قال تعاىل‪] : :‬يا‬
‫أيها الذين ءامنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا اهلل[(‪ .)2‬فاألمر بالثبات هني عن عدم الثبات أمام الكفار‪ ،‬وقد دل‬
‫على ذلك قوله تعاىل‪] : :‬يا أيها الذين ءامنوا إذا لقيتم الذي كفروا زحفا فال تولوهم األدبار[(‪ )3‬ومثاله – أيضاً‬
‫– األمر بالقيام يف الصالة هني عن ضده وهو اجللوس‪ ،‬فإذا جلس من قيامه أثناء صالة الفرض عمداً لغري عذر‬
‫بطلت صالته‪ ،‬ألن أمره بالقيام هني له عن اجللوس‪.‬‬
‫والنهي عن الشيء أمر بضده من جهة املعىن ال من جهة اللفظ‪ ،‬فإذا قال له‪ :‬ال تتحرك‪ .‬فهذا هنى عن‬
‫التحرك أمر بضده وهو السكون‪.‬‬
‫واألمر بالشيء هني عن مجيع أضداده‪ ،‬فإذا قال له‪ :‬قم‪ .‬فإن له أضداده من قعود وركوع وسجود‬
‫منهي عن ذلك كله‪.‬‬
‫واضطجاع وهو ُّ‬
‫والنهي عن الشيء أمر بأحد أضداده فقط‪ ،‬فالنهي عن القيام أمر بواحد من أضداده من القعود أو‬
‫االضطجاع وغريمها حلصول االمتثال بذلك الواحد‪.‬‬
‫واعلم أن هذه املسألة من املسائل اليت كثرت فيها آراء األصوليني والفقهاء‪ ،‬وتنوعت مذاهبهم‪ ،‬والصواب‬
‫فيها ما قرره شيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ورجحه الشنقيطي رحم اهلل اجلميع أن األمر بالشيء ليس‬
‫هو عني النهي عن ضده‪ ،‬ولكنه يستلزمه‪ .‬ألن طلب الشيء طلب له بالذات وملا هو من ضرورته باللزوم من باب‬
‫(ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب) فقولك‪ :‬أسكن‪ .‬يستلزم هنيك عن احلركة‪ ،‬ألن املأمور به ال ميكن وجوده‬
‫مع التلبس بضده‪.‬‬

‫() استظهر الشنقيطي رمحه اهلل أن هذه املسألة مبنية على قول املتكلمني ومن وافقهم من األصوليني باألمر النفسي وهو املعىن القائم بالذات اجملرد عن الصيغة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫وال ريب أنه قول باطل مبين على زعم باطل‪ ،‬وهو أن كالم اهلل تعاىل جمرد املعىن القائم بالذات فال حروف وال ألفاظ (راجع مذكرة الشنقيطي ص‪.)27‬‬
‫() سورة األنفال‪ ،‬آية‪.45 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة األنفال‪ ،‬آية‪.15 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪46‬‬
‫والنهي عن الشيء يستلزم األمر بضده‪ .‬ألن النهي عن الشيء طلب لرتكه بالذات ولفعل ما هو من ضرورة‬
‫الرتك باللزوم‪ ،‬فقولك‪ :‬ال تتحرك يستلزم أمرك بالسكون‪ ،‬ألن املنهي عنه ال ميكن وجوده مع التلبس بضده واهلل‬
‫أعلم(‪.)4‬‬

‫() انظر جمموع الفتاوى (‪ )10/531‬الفوائد البن القيم ص‪ 226‬مذكرة الشنقيطي ص‪.28 ،27‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪47‬‬
‫النهـــي‬
‫(والنهي‪ :‬استدعاء الترك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب‪ ،‬ويدل على فساد المنهي عنه‪،‬‬
‫وترد صيغة األمر والمراد به اإلباحة أو التهديد أو التسوية أو التكوين)‪.‬‬
‫النهي‪ :‬استدعاء الرتك بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب‪ ،‬وشرح التعريف يستفاد مما تقدم يف شرح‬
‫تعريف األمر‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬على سبيل الوجوب) أي وجوب الرتك‪ .‬وهذا القيد إلخراج الصيغة املستعملة يف الكراهة‪.‬‬
‫وللنهي صيغة واحدة هي املضارع املقرون بال الناهية‪ ،‬كقوله تعاىل‪] :‬وال تقربوا الزنى[(‪ )1‬وقد يستفاد‬
‫حرمت عليكم‬
‫النهي بغري هذه الصيغة‪ ،‬وذلك مثل اجلمل اخلربية اليت وردت بلفظ التحرمي‪ ،‬كقوله تعاىل‪ِّ ] :‬‬
‫أمهاتكم[(‪ ،)2‬أو نفي احلل كقوله تعاىل‪] :‬يا أيها الذين آمنوا ال يحل لكم أن ترثوا النساء كرها[(‪ ،)3‬أو لفظ (هنى)‬
‫(‪)4‬‬
‫كحديث أيب سعيد رضي اهلل عنه قال‪( :‬هنى رسول اهلل ‪ r‬عن صوم يوم الفطر ويوم النحر)‬
‫قوله‪( :‬على سبيل الوجوب ‪ ) . . .‬اعلم أن صيغة النهي عند اإلطالق والتجرد عن القرينة تقتضي أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬حترمي املنهي عنه‪ ،‬وهو معىن قول املصنف (على سبيل الوجوب) أي وجوب الرتك‪ ،‬ومن الزم‬
‫وجوب الرتك حترمي املنهي عنه ‪ ،‬وهذا باتفاق األئمة األربعة ‪ .‬واجلمهور على أن النهي يقتضي التكرار والفور‪ ،‬فإذا‬
‫هنى الشرع عن شيء وجبت املبادرة بالرتك وأال يفعل املنهي عنه يف أي وقت من األوقات‪ ،‬قال تعاىل‪] :‬وما آتاكم‬
‫الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا[(‪ )5‬فأمر اهلل تعاىل باالنتهاء عن املنهي عنه‪ .‬فيكون االنتهاء واجباً‪ .‬ألن‬
‫األمر يقتضي الوجوب كما تقدم‪.‬‬
‫يقول اإلمام الشافعي رمحه اهلل‪( :‬أصل النهي من رسول اهلل ‪ r‬أن كل ما هنى عنه فهو حمرم‪ ،‬حىت تأيت عنه‬
‫داللة تدل على أنه إمنا هنى عنه ملعىن غري التحرمي)(‪.)6‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬الصالة إىل القبور فهي حمرمة بدليل النهي الذي ورد يف حديث أيب مرثد الغنوي رضي اهلل عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪( :r‬ال تصلوا إىل القبور وال جتلسوا عليها)(‪.)7‬‬

‫() سورة اإلسراء‪ ،‬آية‪.32 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.23 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.19 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() رواه البخاري (‪ )1139‬ومسلم (‪.)827‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة احلشر‪ ،‬آية‪.7 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() األم للشافعي (‪.)7/305‬‬ ‫‪6‬‬

‫() أخرجه مسلم رقم ‪ 972‬وأبو داود رقم ‪ 3229‬والرتمذي رقم ‪ 1050‬والنسائي (‪.)2/67‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪48‬‬
‫ومثال جميء النهي لغري التحرمي قوله ‪( :r‬ال ميسن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)(‪ )1‬فقد ذكر احلافظ ابن‬
‫حجر رمحه اهلل يف فتح الباري عن اجلمهور‪ :‬أن النهي للكراهة‪ ،‬ألن الذكر بضعة من اإلنسان حلديث (هل هو إال‬
‫بضعة منك)(‪.)2‬‬
‫األمر الثاين مما تقتضيه صيغة النهي‪ :‬فساد املنهي عنه‪ ،‬فال تربأ الذمة‪ ،‬وال يسقط الطلب إن كان عبادة‪ ،‬وال‬
‫يرتتب األثر املقصود من العقد على العقد إذا كان معاملة كما تقدم يف الكالم على الباطل‪ ،‬والقول بالفساد هو‬
‫قول األئمة األربعة وغريهم حلديث عائشة رضي اهلل عنها؛ أن النيب ‪ r‬قال‪( :‬من عمل عمالً ليس عليه أمرنا فهو‬
‫رد)(‪ ،)3‬ووجه الداللة منه‪ :‬أن ما هنى عنه الشرع فليس عليه أمر النيب ‪ r‬فيكون مردوداً‪ ،‬وما كان مردوداً على فاعله‬
‫فكأنه مل يوجد ألنه فاسد‪.‬‬
‫فالشارع هنى عن الصالة بال طهارة ولغري القبلة وبدون سرت العورة‪ ،‬وهنى عن بيع الغرر‪ ،‬وعن بيع ما ال‬
‫ميلك‪ ،‬فإن وقع ذلك حكم بفساده‪ ،‬وقد ال يقتضي النهي الفساد إذا وجد دليل مثل حديث أيب هريرة رضي اهلل‬
‫تصروا اإلبل والغنم فمن ابتاعها بعد فهو خبري النظرين بعد أن حيتلبها إن شاء أمسك وإن‬
‫عنه عن النيب ‪ r‬قال‪" :‬ال ّ‬
‫شاء ردها وصاع متر"(‪ )4‬فال يدل النهي على أن البيع فاسد بدليل أنه جعل اخليار للمشرتي(‪.)5‬‬
‫مث ذكر املؤلف أن صيغ األمر تأيت لإلباحة وقد تقدم الكالم على ذلك‪ ،‬وليس هذا تكراراً‪ ،‬ألن املقصود‬
‫هناك بيان أن الصيغة ال خترج عن الوجوب إال بدليل‪ ،‬واملراد هنا بني ما استعملت فيه الصيغة من املعاين‪.‬‬
‫وتأيت للتهديد مثل قوله تعاىل‪] :‬قل تمتّعوا فإن مصيركم إلى النار[(‪ )6‬والقرينة الصارفة إىل التهديد أن ذلك‬
‫الوعيد يدل على التهديد‪.‬‬
‫أو للتسوية كقوله تعاىل‪] :‬فاصبروا أو ال تصبروا[(‪ .)7‬أو للتكوين وهو اإلجياد من العدم بسرعة كقوله‬
‫تعاىل‪] :‬كونوا قِردة خاسئين[(‪.)8‬‬
‫واألوىل ذكر هذه املعاين يف الكالم على األمر عند ذكر اإلباحة والندب كما تقدم‪.‬‬

‫() رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر فتح الباري (‪.)254 ،1/253‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه مسلم رقم ‪ 1718‬وأخرجه البخاري تعليقاً يف البيوع وموصوالً يف الصلح‪ ،‬انظر فتح الباري (‪ )4/355‬وأخرجه أبو داود برقم ‪ 4606‬وابن ماجه‬ ‫‪3‬‬

‫رقم ‪.14‬‬
‫() رواه البخاري برقم ‪ 2041‬ومسلم برقم ‪ 1524‬وقوله (ال تصروا)‪ :‬بضم أوله وفتح ثانية بوزن‪ :‬تزكوا والتصرية‪ :‬حبس اللنب يف الضرع حىت جيتمع‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر فتح الباري (‪ )4/367‬ويف طرح التثريب (‪ )6/78‬نقل اإلمجاع على أن بيع املصراة صحيح‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة إبراهيم‪ ،‬آية‪.30 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() سورة الطور‪ ،‬آية‪.16 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.65 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪49‬‬
‫العـــام‬

‫(وأما العام فهو ما عم شيئين فصاعداً‪ ،‬من قولك‪ :‬عممت زيداً وعمراً بالعطاء‪ .‬وعممت جميع‬
‫الناس بالعطاء وألفاظه أربعة‪ :‬االسم الواحد المعروف بالالم‪ ،‬واسم الجمع المعرف بالالم‪،‬‬
‫واألسماء المبهمة كمن فيمن يعقل‪ ،‬وما فيما ال يعقل‪ ،‬وأي في الجميع‪ ،‬وأين في المكان‪ ،‬ومتى في‬
‫الزمان‪ ،‬وما في االستفهام والجزاء وغيره‪ ،‬وال في النكرات كقولك‪ :‬ال رجل في الدار‪ ،‬والعموم‬
‫من صفات النطق‪ ،‬وال تجوز دعوى العموم في غيره من الفعل وما يجري مجراه)‪.‬‬
‫اعلم أن البحث يف دالالت األلفاظ من حيث الشمول وعدمه من املباحث األصولية املهمة‪ ،‬فإن هناك من‬
‫األلفاظ ما ال يدل إال يدل إال على فرد معني‪ ،‬ومنها ما يدل على فرد غري معني‪ ،‬ومنها ما يدل على أفراد ال حصر‬
‫هلا‪ .‬كل ذلك جاء يف نصوص الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وإذا كان استنباط األحكام الشرعية من األدلة ال يتم إال مبعرفة شروط االستدالل كما تقدم كان لزاماً على‬
‫األصويل والفقيه أن يعين بدراسة دالالت األلفاظ‪ ،‬ويستفيد من قواعدها وضوابطها‪.‬‬
‫والعام لغة‪ :‬الشامل‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما عم شيئني فصاعداً‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬ما‪ :‬أي لفظ‪ ،‬وهي جنس يف التعريف تشمل ما يراد تعريفه وغريه‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬عم شيئني‪ :‬أي تناول شيئني دفعة واحدة‪ ،‬وهذا قيد خيرج ما ال يتناول إال واحداً كالعلم مثل زيد‪،‬‬
‫والنكرة املفردة يف سياق اإلثبات(‪ )1‬مثل‪( :‬رجل) فهو لفظ يصلح لكل واحد من رجال الدنيا لكن بدون استغراق‬
‫ومنه قوله تعاىل‪] :‬فتحرير رقبة[(‪.)2‬‬
‫وقوله‪ :‬فصاعداً‪ :‬حال حذف عاملها وصاحبها‪ ،‬أي فذهب املعدود صاعداً عن الشيئني‪ .‬وهذا قيد إلخراج‬
‫املثىن النكرة يف اإلثبات كرجلني‪.‬‬

‫() قد تفيد النكرة يف سياق اإلثبات العموم كما سيأيت إن شاء اهلل‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة اجملادلة‪ ،‬أية‪.3 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪50‬‬
‫وبقي على التعريف قيد آخر وهو (بال حصر)(‪ )1‬إلخراج اسم العدد كمائة وألف‪ ،‬ألهنا تشمل اثنني‬
‫فصاعداً ولكنها حبصر‪ ،‬والعام بال حصر‪ .‬فاسم العدد والعام كل منهما يدل على الكثرة لكن الكثرة يف العام غري‬
‫حمصورة‪ ،‬ويف العدد حمصورة‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬من قولك عممت زيداً وعمراً بالعطاء ‪ . .‬إخل) أي أن العام مأخوذ من قولك‪( :‬عممت بالعطاء)‬
‫أي مشلت املذكورين‪ ،‬ففي العام مشول‪ ،‬أو يكون مثاالً للعام الذي يتناول شيئني‪ ،‬والعام الذي يتناول مجيع اجلنس(‪.)2‬‬
‫مث ذكر املصنف أن صيغ العموم أربع‪ .‬وهذا ليس على سبيل احلصر‪ ،‬ألهنا أكثر من ذلك‪ ،‬وإمنا حصرها‬
‫بأربع مراعاة للطالب املبتدئ‪ .‬وصيغ العموم كما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬االسم الواحد املعرف باأللف والالم‪ .‬واملراد بالواحد املفرد‪ ،‬واملراد باأللف والالم (أل) االستغراقية فإن‬
‫مدخوهلا عام ‪،‬وعالمتها صحة وقوع (كل ) موقعها كقوله تعاىل‪] :‬إن اإلنسان لفي خسر(‪ )2‬إال الذين‬
‫ءامنوا[(‪ )3‬فهذا عام بدليل االستثناء‪.‬‬
‫‪ )2‬اسم اجلمع املعرف بالالم اليت ليست للعهد‪ .‬واملراد اجلمع باملعىن اللغوي‪ ،‬وهو اللفظ الدال على مجاعة‬
‫فيشمل اجلمع وهو ماله مفرده‪ ،‬واسم اجلمع وهو ما ليس له مفرد من لفظه‪ ،‬واسم اجلنس اجلمعي‪ .‬فاألول‬
‫كقوله تعاىل‪] :‬قد أفلح المؤمنون(‪ )4([)1‬وقوله تعاىل‪] :‬وإذا بلغ األطفال منكم الحلم فليستئذنوا[(‪.)5‬‬
‫والثاين مثل كلمة (النساء) يف قوله تعاىل‪] :‬الرجال قوامون على النساء[(‪ .)6‬والثالث‪ :‬اسم اجلنس اجلمعي‬
‫وهو ما يدل على أكثر من اثنني‪ ،‬ويفرق بينه وبني مفرده بالتاء كقوله تعاىل‪] :‬إن البقر تشابه علينا[‬
‫(‪)7‬‬

‫ومفرد بقرة‪ ،‬أو بالياء كقوله تعاىل‪] :‬غلبت الروم(‪ )8([)2‬ومفرده رومي‪.‬‬
‫عاماً كقوله تعاىل‪] :‬إذ قال ربُّك‬
‫عاماً إذا كان املعهود ّ‬
‫رومي ‪.‬وأما املعرف بأل العهدية فيكون ّ‬
‫سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين(‪)72‬‬
‫للمالئكة إني خالق بشراً من طين(‪ )71‬فإذا ّ‬

‫() انظر الشرح الكبري على الورقات للعبادي (‪.)2/86‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر اللمع للشريازي ص‪.87‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة العصر‪ ،‬اآليتان ‪.3 ،2‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة املؤمنون‪ ،‬آية‪.1 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة النور‪ ،‬آية‪.59 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.34 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.70 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫() سورة الروم‪ ،‬آية‪.2 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪51‬‬
‫خاصا فاملعرف خاص كقوله تعاىل‪] :‬كما‬
‫فسجد المالئكة كلهم أجمعون)(‪ [)73‬فإن كان املعهود ّ‬
‫(‪)1‬‬

‫أرسلنا إلى فرعون رسوالً(‪ )15‬فعصى فرعون الرسول[(‪.)2‬‬


‫‪ )3‬األمساء املبهمة‪ :‬وذلك كأمساء الشرط كقوله تعاىل‪] :‬من يعمل سوءاً يجز به[(‪ ،)3‬وأمساء االستفهام كقوله‬
‫تعاىل‪] :‬فأين تذهبون(‪ )4([)26‬واألمساء املوصولة كقوله ‪( r‬الذي يشرب يف آنية الفضة إمنا جيرجر يف بطنه‬
‫نار جهنم)(‪.)5‬‬
‫ومن للعموم يف العاقل كما مثلنا‪ ،‬سواء كانت شرطية أو استفهامية أو موصولة‪ .‬و (ما) للعموم يف‬
‫غري العاقل كقوله تعاىل‪] :‬وما تفعلوا من خير يعلمه اهلل[(‪ )6‬وقوله تعاىل‪] :‬وما عند اهلل خير لألبرار(‪1‬‬
‫‪ )7([)98‬وقوله تعاىل‪] :‬ماذا أجبتم المرسلين(‪.)8([)65‬‬
‫ومعىن اإلهبام يف أمساء الشرط واالستفهام أهنا ال تدل على معني‪ ،‬ويف األمساء املوصولة افتقارها إىل‬
‫صلة تعني املراد‪.‬‬
‫وقول املصنف‪( :‬وأي يف اجلميع) أي أن (أيّا) تكون شرطية حنو قوله تعاىل‪] :‬أيّما األجلين قضيت‬
‫أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا(‪.)10([)12‬‬
‫على[ ‪ ،‬واستفهامية كقوله تعاىل‪] :‬لنعلم ّ‬
‫(‪)9‬‬
‫فال عدوان ّ‬
‫ـزعن من كل شيعة أيّهم ُّ‬
‫أشد على الرحمن عتيّا(‪ )11([)69‬وتكون لغري‬ ‫ثم لنن ّ‬
‫وموصولة كقوله تعاىل‪ّ ] :‬‬
‫العاقل كاملثال األول‪ ،‬وللعاقل كاملثال الثاين والثالث‪.‬‬

‫() سورة ص‪ ،‬اآليات‪.73 – 71 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة املزمل‪ ،‬اآليتان‪.16 ،15 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.123 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة التكوير‪ ،‬آية‪.26 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫( ) أخرجه البخاري رمث ‪ 5311‬ومسلم رقم ‪ 2065‬عن أم سلمة رضي اهلل عنها‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.197 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.198 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫() سورة القصص‪ ،‬آية‪.65 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫() سورة القصص‪ ،‬آية‪.28 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫() سورة الكهف‪ ،‬آية‪.12 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫() سورة مرمي‪ ،‬آية‪.69 :‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪52‬‬
‫وقوله‪( :‬وأين يف املكان‪ ،‬ومىت يف الزمان)‪ :‬أي أن (أين) تكون استفهامية للسؤال عن املكان كما‬
‫تقدم‪ ،‬وتأيت شرطية كقوله تعاىل‪] :‬أينما تكونوا يدرككم الموت[(‪( )1‬ومىت) تأيت استفهامية كقوله‬
‫تعاىل‪] :‬متى نصر اهلل[(‪)2‬؟ وشرطية حنو‪ :‬مىت تسافر أسافر‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وما يف االستفهام واجلزاء وغريه)‪ :‬أي أن (ما) تأيت استفهامية وتأيت للجزاء أي‪ :‬الشرط‪،‬‬
‫وتقدم مثاهلما‪ .‬ويف بعض نسخ الورقات (واخلرب) بدل (واجلزاء) واملراد هبا املوصولة وتقدم مثاهلا أيضاً‪.‬‬
‫وقول املصنف (وغريه) أي غري املذكور الذي هو االستفهام واجلزاء على نسختنا‪ ،‬واالستفهام واخلرب‬
‫على النسخة الثانية وذلك كاخلرب على النسخة األوىل‪ ،‬واجلزاء على الثانية‪.‬‬
‫‪ )4‬النوع الرابع من صيغ العموم‪ :‬ال‪ .‬يف النكرات‪ ،‬واملراد أن (ال) املركبة مع النكرة تفيد العموم كقوله تعاىل‪:‬‬
‫]فال رفث وال فسوق وال جدال في الحج[(‪ .)3‬فالنكرة يف سياق النفي تفيد العموم‪ ،‬وكذا يف سياق النهي‬
‫أو الشرط أو االستفهام اإلنكاري كقوله تعاىل‪] :‬فال تدعوا مع اهلل أحدا(‪ )4([)18‬وقوله تعاىل‪] :‬وإن أحد‬
‫من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كالم اهلل[(‪ )5‬وقوله تعـاىل‪] :‬من إله غير اهلل يأتيكم‬
‫ٍ‬
‫بضياء[(‪.)6‬‬
‫وبقي صيغ أخرى مل يتعرض هلا املصنف ومنها‪:‬‬
‫لفظ‪ :‬كل ‪ .‬وهي من أقوى صيغ العموم‪ ،‬ألهنا تشمل العاقل وغريه‪ ،‬املذكر واملؤنث‪ ،‬املفرد‬ ‫‪)1‬‬
‫كل نفس ذائقة الموت[(‪ )7‬وقال ‪( :r‬كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو‬
‫واملثىن واجلمع‪ .‬قال تعاىل‪ُّ ] :‬‬
‫موبقها(‪.)8‬‬
‫ويلحق (بكل) ما دل على العموم مبادته مثل مجيع ومعشر ومعاشر وعامة كافة وحنوها‪.‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.78 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.214 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.197 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة اجلن‪ ،‬آية‪.18 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة التوبة‪ ،‬آية‪.6 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة القصص‪ ،‬آية‪.71 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.185 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫() أخرجه مسلم رقم ‪ 223‬من حديث طويل‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪53‬‬
‫املضاف ملعرفة‪ ،‬سواء كان مفرداً أو مجعاً كقوله تعاىل‪] :‬وإن تع ّدوا نعمت اهلل ال‬ ‫‪)2‬‬
‫تحصوها[(‪ )1‬وقوله تعاىل‪] :‬يوصيكم اهلل في أوالدكم[(‪.)2‬‬
‫النكرة يف سياق االمتنان كقوله تعاىل‪] :‬وأنزلنا من السماء ماء طهورا(‪ )3([)48‬ألن‬ ‫‪)3‬‬
‫ورمان(‪.)4([)68‬‬
‫العموم يتناسب مع االمتنان وكقوله تعاىل‪] : :‬فيهما فاكهة ونخل ّ‬
‫النكرة يف سياق اإلثبات تفيد العموم بدليل قوله تعاىل‪] :‬علمت نفس ما أحضرت(‪)14‬‬ ‫‪)4‬‬
‫كل نفس ّما أسلفت[(‪.)6‬‬
‫[(‪ )5‬والدليل قوله تعاىل‪] :‬هنالك تبلوا ُّ‬
‫وقوله‪( :‬والعموم من صفات النطق)‪ :‬النطق مصدر مبعىن اسم املفعول‪ ،‬أي‪ :‬املنطوق‪ .‬واملنطوق هو اللفظ‬
‫ألنه ينطق به الشتماله على احلروف‪ .‬فالعموم من صفات األلفاظ‪ .‬فيقال‪ :‬لفظ عام‪ .‬ألن العام له صيغ تستعمل يف‬
‫العموم ال يستفاد بدوهنا – كما تقدم يف األمثلة – فإذا وردت الصيغة جمردة عن القرائن دلت على استغراق‬
‫اجلنس‪ ،‬فالعموم من مفهوم لسان العرب‪ .‬هذا مذهب السلف من صدر هذه األمة‪ .‬ومن تابعهم ممن بعدهم‪ .‬فكانوا‬
‫يستدلون وحيتجون بنصوص العموم‪ .‬فيوافق املخالف منهم على صحة االستدالل‪ .‬ولنذكر مثالني لذلك‪:‬‬
‫األول‪ :‬عن عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال‪ :‬ملا نزلت ]ولم يلبسوا إيمانهم بظلم[(‪ )7‬قال أصحاب‬
‫النيب ‪ :r‬وأينا مل يظلم‪ .‬فنـزلت ]إن الشرك لظلم عظيم(‪ )9( ،)8([)13‬ففهم الصحابة رضي اهلل عنهم العموم يف اآلية‬
‫إما من االسم املوصول ]والذين آمنوا[ أو من النكرة يف سياق النفي ]يظلم[ ومل ينكر عليهم النيب ‪ r‬ذلك الفهم‪.‬‬
‫بل جاء البيان أن املراد بالظلم الشرك(‪ .)10‬قال يف فتح الباري‪( :‬وفيه احلمل على العموم حىت يرد دليل اخلصوص)(‪.)11‬‬

‫() سورة إبراهيم‪ ،‬آية‪.34 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.11 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة الفرقان‪ ،‬آية‪.48 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة الرمحن‪ ،‬آية‪.68 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة التكوير‪ ،‬آية‪.14 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة يونس‪ ،‬آية‪.30 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() سورة األنعام‪ ،‬آية‪.82 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫() سورة لقمان‪ ،‬آية‪.13 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫() رواه البخاري (‪ )1/87‬ومسلم برقم ‪.124‬‬ ‫‪9‬‬

‫() انظر تلقيح الفهوم للعالئي ص‪.115‬‬ ‫‪10‬‬

‫() فتح الباري (‪.)1/89‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪54‬‬
‫جر ثوبه خيالء مل ينظر اهلل إليه‬
‫املثال الثاين‪ :‬ما رواه ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪( :r‬من ّ‬
‫يوم القيامة‪ .‬فقالت أم سلمة رضي اهلل عنها‪ :‬فكيف تصنع النساء بذيوهلن؟ قال‪ :‬يرخينه شرباً‪ .‬فقالت‪ :‬إذن تنكشف‬
‫أقدامهن‪ :‬قال‪ :‬فريخينه ذراعاً وال يزدن عليه)(‪.)1‬‬
‫(م ْن) العموم ‪،‬وأقرها النيب‪ r‬ومل ينكر ذلك عليها ‪ ،‬بل بني هلا‬
‫ففهمت أم سلمة رضي اهلل عنها من لفظ َ‬
‫(م ْن) تفيد العموم بدون قرينة‪ .‬ألن العموم من صفات األلفاظ)(‪.)2‬‬
‫حكم النساء ‪ .‬فهذا دليل على أن لفظة َ‬
‫وقوله‪( :‬وال جيوز دعوى العموم يف غريه من الفعل وما جيري جمراه) الضمري يف قوله‪( :‬غريه) يعود إىل النطق‬
‫‪ .‬وقوله ‪( :‬من الفعل )بيان للغري ‪ ،‬واملعىن أن الفعل ليس من صيغ العموم‪ .‬وهذا يراد به الفعل املثبت حنو‪ :‬واهلل‬
‫آلكلن طعاماً‪ .‬فإذا أكل طعاماً واحداً ًّبر بيمينه‪ .‬أما الفعل يف سياق النفي فهو من صيغ العموم‪ ،‬فإذا حلف ال يبيع‬
‫ّ‬
‫وسر الفرق بني النوعني هو أن الفعل ينحل عن مصدر وزمن‪ .‬فاملصدر كامن يف معناه إمجاعاً‪.‬‬
‫حنث بأي بيع كان‪ّ ،‬‬
‫فإن كان مثبتاً فاملصدر مثبت‪ .‬والنكرة يف سياق اإلثبات ال تعم إال يف مقام االمتنان كما تقدم‪ .‬وإن كان منفيّا‬
‫فاملصدر منفي‪ ،‬والنكرة يف سياق النفي تعم كما مضى‪ ،‬ومثال الفعل املثبت قول بالل رضي اهلل عنه (صلى رسول‬
‫اهلل ‪ r‬داخل الكعبة)(‪ ،)3‬فهذا ال يعم الفرض والنفل‪ ،‬إذ ال يتصور أن هذه الصالة فرض ونفل معاً‪ .‬ومثال الفعل‬
‫املنفي قوله تعاىل‪] :‬وأخرى لم تقدروا عليها[(‪ )4‬أي ال قدرة لكم عليها‪ .‬فهو نفي جلميع أنواع القدرة(‪.)5‬‬
‫واملراد بقوله‪( :‬وما جيري جمراه) كالقضايا املعينة مثل حديث أيب رافع رضي اهلل عنه قال‪( :‬قضى رسول اهلل‬
‫‪ r‬بالشفعة للجار)(‪.)6‬‬
‫فهذا ال يعم كل جار‪ ،‬الحتمال اخلصوصية يف ذلك اجلار‪ .‬والراوي نقل صيغة العموم لظنه عموم احلكم‪،‬‬
‫هكذا مثل شراح الورقات‪ ،‬وهو رأي أكثر األصوليني‪.‬‬
‫ويرى آخرون ومنهم ابن احلاجب والعضد واآلمدي والشوكاين أن هذا يعم كل جار‪ ،‬ألن الصحايب‬
‫الراوي عدل عارف باللغة‪ ،‬فال ينقل صيغة العموم وهي كلمة (اجلار) املعرفة بالم اجلنس إال إذا علم أو ظن العموم‪.‬‬

‫() أخرجه البخاري (‪ )10/258‬ومسلم (‪ )14/304‬دون قوله‪( :‬فقالت ‪ ). .‬وأخرجه الرتمذي بتمامه (‪ )5/406‬والنسائي (‪ )8/209‬وإسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر تلقيح الفهوم ص‪.114‬‬ ‫‪2‬‬

‫() تقدم خترجيه‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة الفتح‪ ،‬آية‪.21 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر أضواء البيان (‪.)3/454( )1/452‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أخرجه النسائي (‪ )7/281‬هبذا اللفظ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪55‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ومثل هذا يفيد العموم‪ ،‬ألن الالم غالباً لالستغراق فحملها على الالم العهدية خالف الظاهر وخالف الغالب‬
‫وهذا هو الراجح‪.‬‬
‫خاصا يف غاية الوضوح)(‪ ،)2‬وألنه مؤيد‬
‫قال الشوكاين‪( :‬فرجحان عمومه وضعف دعوى احتمال كونه ّ‬
‫بعموم الشريعة لكل الناس‪ .‬والنيب ‪ r‬إذا حكم بقضاء يف واقعة معينة‪ ،‬مث حدث لنا مثلها وجب إحلاقها هبا‪ ،‬ألن‬
‫حكم املثلني واحد‪ ،‬وهو إحلاق باللفظ ال بالقياس‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() انظر اإلحكام لآلمدي (‪ )2/274‬شرح العضد على خمتصر ابن احلاجب (‪ ،)2/119‬إرشاد الفحول للشوكاين ص(‪ ،)125‬شرح الكوكب املنري (‪)3/231‬‬ ‫‪1‬‬

‫() إرشاد الفحول ص‪.125‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪56‬‬
‫الخـــاص‬
‫(والخ اص يقابل الع ام‪ .‬والتخص يص‪ :‬تمي يز بعض الجمل ة‪ .‬وهو ينقسم إلى‪ :‬متصل ومنفص ل‪،‬‬
‫فالمتصل‪ :‬االستثناء والشرط‪ ،‬والتقييد بالصفة)‪.‬‬
‫ملا فرغ من العام ذكر اخلاص ألن العام يدخله التخصيص‪ ،‬وألن العام قد يطلق ويراد به اخلاص‪ ،‬وقد ذكر‬
‫أن اخلاص يقابل العام‪.‬‬
‫فاخلاص لغة‪ :‬لفظ يدل على االنفراد وقطع االشرتاك يقال‪ :‬خص فالن بكذا‪ .‬انفرد به فلم يشاركه فيه‬
‫غريه‪ .‬واخلاصة ضد العامة‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬اللفظ الدال على حمصور‪.‬‬
‫فهو يقابل العام‪ ،‬فإذا كان العام هو اللفظ الشامل جلميع أفراده بال حصر‪ .‬فاخلاص يدل على احلصر‪ :‬إما‬
‫بشخص كاألعالم مثل‪ :‬جاء حممد‪ .‬أو اإلشارة حنو‪ :‬هذا خملص يف عمله‪ .‬أو بعدد كأمساء األعداد حنو‪ :‬عندي‬
‫عشرون كتاباً‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والتخصيص‪ ،‬متييز بعض اجلملة) عرف التخصيص ألنه هو املقصود هبذا البحث‪ .‬والتخصيص‪ :‬لغة‪:‬‬
‫اإلفراد‪ ،‬واصطالحا‪ :‬متييز بعض اجلملة‪ .‬فالتمييز مبعىن اإلخراج‪ .‬واملراد باجلملة‪ :‬العام‪ .‬فكأنه قال‪ :‬إخراج بعض‬
‫العام‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬التخصيص‪ :‬إخراج بعض أفراد العام‪ .‬أي جعل احلكم الثابت للعام مقصوراً على بعض أفراده‬
‫بإخراج البعض اآلخر عنه‪ .‬وهذا التعريف أوضح فإذا قلت‪ :‬حضر الضيوف إال خالداً‪ .‬فإن (خالداً) فرد من أفراد‬
‫العام‪ .‬وقد أخرج عن حكم العام فلم يثبت له احلضور‪ ،‬وهذا اإلخراج بواسطة االستثناء‪ .‬والعام إذا دخله‬
‫التخصيص يسمى العام املخصوص أو املخصص‪ ،‬والدليل الذي حصل به اإلخراج يسمى (املخصص) بزنة اسم‬
‫الفاعل وهو املراد عند األصوليني‪ ،‬ويطلق املخصص أيضاً على فاعل التخصيص وهو الشارع‪.‬‬
‫املخصص املفهوم من التخصيص فهو نوعان‪:‬‬
‫ّ‬ ‫قوله‪( :‬وهو ينقسم إىل متصل ومنفصل) الضمري يعود على‬
‫واملخصص يف نص واحد‪:‬‬
‫ّ‬ ‫متصل‪ :‬وهو الذي ال يستقل بنفسه‪ ،‬بل يكون العام‬ ‫‪)1‬‬
‫حج البيت من استطاع إليه سبيال[(‪ ،)1‬فقوله (من استطاع) بدل‬
‫كقوله تعاىل‪] :‬وهلل على الناس ُّ‬
‫خاصا باملستطيع‪ ،‬وقوله ‪ r‬عن ربه (كل عمل ابن آدم له إال الصوم)(‪.)2‬‬
‫من الناس‪ ،‬فيكون وجوب احلج ّ‬
‫() سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.97 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 1805‬ومسلم رقم ‪.1151‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪57‬‬
‫منفصل‪ :‬وهو الذي يستقل بنفسه بأن يكون العام يف نص‪ ،‬واملخصص يف نص آخر‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬ ‫‪)2‬‬
‫]يوصيكم اهلل في أوالدكم للذكر مثل حظ األنثيين[(‪ .)1‬خص بقوله ‪( :r‬ال يرث املسلم الكافر‪ ،‬وال‬
‫الكافر املسلم)(‪.)2‬‬
‫قوله‪( :‬فاملتصل االستثناء والشرط والصفة) أي أن املخصص املتصل هو االستثناء حنو‪ :‬هذا وقف على‬
‫أوالدي إال الغين‪ ،‬والشرط حنو‪ :‬إن قدم بكر فأكرمه‪ ،‬والصفة حنو‪ :‬أكرم العلماء العاملني‪ ،‬وسنفصل القول يف ذلك‬
‫إن شاء اهلل‪.‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.11 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 6383‬ومسلم رقم ‪.161‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪58‬‬
‫المخصـــصـ المتصـــل‬
‫‪ )1‬االستثناء‬

‫(واالستثناء‪ :‬إخراج ما لواله لدخل في الكالم‪ .‬وإ نما يصح بشرط أن يبقى من المستثنى منه‬
‫شيء‪ ،‬ومن شرطه‪ :‬أن يكون متصالً بالكالم‪ .‬ويجوز تقديم االستثناء على المستثنى منه‪ ،‬ويجوز‬
‫االستثناء من الجنس ومن غيره)‪.‬‬
‫هذا النوع األول من املخصص املتصل وهو االستثناء‪ ،‬وهو لغة‪ :‬مأخوذ من الثين أي العطف والصرف‪.‬‬
‫تقول‪ :‬ثنيت احلبل أثنيه‪ :‬إذا عطفت بعضه على بعض‪ .‬وتقول‪ :‬ثنيته عن الشيء‪ :‬إذا صرفته عنه‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬إخراج ما لواله لدخل يف الكالم‪ ،‬بإال أو إحدى أخواهتا‪.‬‬
‫حرم حالالً أو أحل حراماً‪ ،‬واملسلمون على شروطهم إال‬
‫كقوله ‪( :r‬الصلح جائز بني املسلمني إال صلحاً ّ‬
‫حرم حالالً أو أحل حراماً)(‪.)1‬‬
‫شرطاً ّ‬
‫وقوله‪( :‬إخراج)‪ :‬املراد باإلخراج‪ :‬الطرح بإسقاط ما بعد أداة االستثناء من املعىن الذي قبلها‪ .‬فيخالف ما‬
‫بعدها ما قبلها فيما تقرر من حكم مثبت أو منفي‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬ما لواله) الضمري عائد على اإلخراج أي لوال ذلك اإلخراج موجود‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬لدخل يف الكالم) أي لدخل ذلك املخرج يف حكم الكالم السابق‪ ،‬حنو‪ :‬جاء القوم إال زيداً‪ .‬فلوال‬
‫االستثناء لدخل (زيد) يف حكم الكالم السابق وصدق عليه اجمليء‪.‬‬
‫وقولنا‪ :‬بإال أو إحدى أخواهتا‪ :‬هذا قيد إلخراج املخصصات املتصلة األخرى كالشرط والصفة‪ ،‬ألن‬
‫تعريف املصنف يصدق عليها‪ ،‬ولعل املؤلف سكت عن هذا القيد لظهوره واهلل أعلم‪.‬‬
‫واعلم أن املعىن اللغوي لالستثناء متحقق يف املعىن االصطالحي‪ ،‬ألن املستثىن معطوف عليه بإخراجه من‬
‫حكم املستثىن منه‪ ،‬أو ألنه مصروف عن حكم املستثىن منه‪.‬‬
‫واالستثناء له شروط منها‪:‬‬
‫أن يبقى من املستثىن منه شيء‪ .‬كأن يقول‪ :‬له علي عشرة إال مخسة‪ .‬فيلزمه مخسة‪ ،‬فإن قال‪ :‬له‬ ‫‪)1‬‬
‫علي عشرة إال عشرة‪ ،‬بطل االستثناء باإلمجاع‪ ،‬كما نقله الرازي يف احملصول وابن احلاجب يف خمتصر‬

‫() أخرجه الرتمذي رقم ‪ 1352‬بتمامه‪ ،‬وأبو داود على قوله (على شروطهم) رقم ‪ 3594‬وهو حديث صحيح بشواهده‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪59‬‬
‫املنتهى إلفضائه إىل العبث‪ ،‬وكونه نقضاً كليّاً للكالم إال يف قول شاذ‪ ،‬وإذا بطل االستثناء لزمته العشرة‬
‫كلها‪.‬‬
‫أما إذا استثىن األكثر كأن يقول‪ :‬له علي عشرة إال ستة‪ .‬ففيه خالف فأكثر األصوليني على اجلواز‬
‫ورجحه الشوكاين‪ ،‬ومنعه آخرون منهم اإلمام أمحد وأصحابه‪ ،‬وهو قول للشافعي(‪ )1‬وهذا اخلالف فيما إذا‬
‫كان االستثناء من عدد‪.‬‬
‫أما إذا كان االستثناء من صفة فيصح استثناء األكثر أو الكل‪ .‬ومنه قوله تعاىل إلبليس‪] :‬إ ّن عبادي‬
‫ليس لك عليهم سلطان إال من اتّبعك من الغاوين(‪ )2([)42‬فاستثىن الغاوين وهم أكثر من غريهم بدليل‬
‫قوله تعاىل‪] :‬وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين(‪ )3([)103‬ولو قال‪ :‬أعط من يف البيت إال األغنياء‪.‬‬
‫فتبني أن اجلميع أغنياء صح االستثناء ومل يعطوا شيئاً‪.‬‬
‫أما استثناء أقل من النصف فهو جائز باإلمجاع‪ ،‬نقله الشوكاين يف اإلرشاد(‪ ،)4‬وأما استثناء النصف‬
‫ففيه اخلالف والصحيح‪ ،‬اجلواز كاملثال املتقدم وهو قول اجلمهور من الشافعية واملالكية واحلنفية‪ ،‬والراجح‬
‫عند احلنابلة‪.‬‬
‫الشرط الثاين من شروط االستثناء أن يكون متصالً بالكالم‪ :‬إما حقيقة أو حكماً‪ ،‬فاألول أن‬ ‫‪)2‬‬
‫يكون املستثىن عقب املستثىن منه مباشرة بأن يقول‪ :‬اعتق عبيدي إال سعيداً‪ .‬والثاين أن حيصل فاصل‬
‫اضطراري كالعطاس والسعال وحنومها فيحكم له باالتصال ويصح االستثناء‪.‬‬
‫وعلى هذا فإن حصل فاصل بينهما من سكوت أو كالم بطل االستثناء عند اجلمهور‪ ،‬وقيل يصح‬
‫مع السكوت أو الفاصل إذا كان الكالم واحداً‪ ،‬واستدل هؤالء حبديث ابن عباس رضي اهلل عنهما‪ .‬أن‬
‫النيب ‪ r‬قال يوم فتح مكة‪( :‬إن هذا البلد حرمه اهلل يوم خلق السموات واألرض ال يعضد شوكه وال خيتلى‬
‫خاله‪ .‬فقال العباس يا رسول اهلل‪ :‬إال األذخر‪ ،‬فإنه لقينهم وبيوهتم‪ .‬فقال‪ :‬إال األذخر)(‪ )5‬وهذا قوله وجيه‬
‫لقوة دليله كما ترى‪.‬‬

‫() انظر إرشاد الفحول للشوكاين ص‪.149‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة احلجر‪ ،‬آية‪.42 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫( ) سورة يوسف‪ ،‬آية‪.103 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر إرشاد الفحول للشوكاين ص‪.149‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 1736‬ومسلم رقم ‪.1353‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪60‬‬
‫قوله‪( :‬وجيوز تقدمي االستثناء على املستثىن منه) أي لوقوعه يف كالم العرب وغرض املصنف بيان‬
‫أنه ال يشرتط يف صحة االستثناء تأخري املستثىن عن املستثىن منه يف اللفظ‪ ،‬بل جيوز تقدميه وهو قول‬
‫اجلمهور‪ .‬ومنه قوله ‪( :r‬إين – واهلل – إن شاء اهلل ال أحلف على ميني فأرى غريها خرياً منها إال كفرت‬
‫عن مييين وأتيت الذي هو خري)(‪ ،)1‬هكذا ميثل بعض األصوليني وليس فيه استثناء باملعىن املتقدم‪ ،‬ولعله مبين‬
‫املسودة (يف أصول الفقه من أن االشرتاط باملشيئة هو استثناء يف كالم النيب ‪ r‬والصحابة‪،‬‬
‫على ما جاء يف ّ‬
‫وليس استثناء يف العرف النحوى)(‪ )2‬ا هـ‪.‬‬
‫وقد بوب البخاري رمحه اهلل يف صحيحه يف كتاب األميان والنذور فقال‪( :‬باب االستثناء يف األميان) مث أورد‬
‫احلديث‪ :‬فاالستثناء عند الفقهاء أعم‪ ،‬ومنه‪ :‬لك هذا املنـزل ويل هذه الغرفة‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وجيوز االستثناء من اجلنس ومن غريه) االستثناء من اجلنس هو االستثناء املتصل حنو‪ :‬قام القوم إال‬
‫علي ألف دينار إال‬
‫زيداً‪ .‬وهو من املخصصات‪ .‬واالستثناء من غري اجلنس هو املنقطع حنو‪ :‬جاء القوم إال فرساً‪ .‬وله ّ‬
‫ثوباً‪ .‬فيصح االستثناء وتسقط قيمة الثوب من األلف على القول بصحة االستثناء املنقطع‪.‬‬
‫ووجه اشرتاط كون املستثىن من جنس املستثىن منه‪ ،‬ألن االستثناء إخراج بعض ما دخل يف املستثىن منه‪،‬‬
‫وغري جنسه مل يدخل حىت حيتاج إىل إخراج‪ .‬وال خالف يف جواز االستثناء من اجلنس‪.‬‬
‫وأما من غري جنسه فاكثر األصوليني على جوازه لوروده يف القرآن الكرمي ويف كالم العرب‪ .‬قال تعاىل‪] :‬يا‬
‫أيها الذين ءامنوا ال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن تراض منكم[(‪ )3‬وقال تعاىل‪] :‬ال‬
‫يسمعون فيها لغواً إال سالما[(‪ )4‬وقال الراجز‪:‬‬
‫إال اليعـافيـر وإال العيـس‬ ‫وبلـدة ليـس بها أنيـس‬
‫واليعافري‪ :‬وهي أوالد بقر الوحش‪ .‬والعيس وهي اإلبل البيض خيالط بياضها شيء من الشقرة‪ .‬ليس واحد‬
‫منها من جنس األنيس ‪. .‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 2964‬ومسلم رقم ‪.1649‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املسودة ص‪.138‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.29 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة مرمي‪ ،‬آية‪.62 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪61‬‬
‫والقول باجلواز هو الصحيح لقوة مأخذه‪ ،‬وهو قول أكثر الشافعية واملالكية وبعض احلنابلة‪ .‬وأما الصحيح‬
‫من الروايتني عند اإلمام أمحد رمحه اهلل فهو القول باملنع‪ ،‬واختار الغزايل(‪ )1‬وقال اآلمدي (ومنع منه األكثرون)(‪.)2‬‬
‫علي ألف دينار ثوباً‪ .‬على القول باجلواز تسقط قيمة الثوب من األلف كما تقدم‪.‬‬
‫وعلى هذا فقوله‪ :‬له ّ‬
‫وعلى القول بعدم صحة االستثناء املنقطع يكون قوله‪ :‬إال ثوباً‪ .‬لغواً وتلزمه األلف كاملة‪ .‬جاء يف خمتصر اخلرقي‪:‬‬
‫(ومن أقر بشيء واستثىن من غري جنسه كان استثناؤه باطالً(‪ ). . )3‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() املنخول ص‪.159‬‬ ‫‪1‬‬

‫() إحكام األحكام (‪.)2/313‬‬ ‫‪2‬‬

‫() خمتصر اخلرقي ص‪ 74‬وانظر املغين (‪.)7/267‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪62‬‬
‫‪ )2‬الشـــرطـ‬

‫(والشرط يجوز أن يتأخر عن المشروط‪ ،‬ويجوز أن يتقدم على المشروط)‪.‬‬


‫هذا النوع الثاين من املخصص املتصل وهو الشرط‪ ،‬واملراد به الشرط اللغوي فهو املخصص للعموم‪ .‬وأما‬
‫الشرط الشرعي الذي يذكر يف األحكام الوضعية كاشرتاط الطهارة للصالة‪ ،‬والشرط العقلي وهو ماال ميكن‬
‫املشروط يف العقل بدونه كاحلياة للعلم‪ .‬فال ختصيص هبما‪.‬‬
‫والشرط‪ :‬هو تعليق شيء بشيء بإن الشرطية أو بإحدى أخواهتا‪ .‬مثل‪ :‬إن زرتين أكرمتك‪ .‬ففيه تعليق‬
‫اإلكرام بالزيارة بإن‪ ،‬فإن وجدت الزيارة وجد اإلكرام‪.‬‬
‫والشرط املخصص جيوز أن يتأخر عن املشروط‪ ،‬ألن املخصص شأنه أن يتأخر كقوله تعاىل‪] :‬ولكم نصف‬
‫ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد[(‪ .)1‬فالشرط وهو عدم الولد قصر استحقاق األزواج نصف املال على حالة‬
‫عدم الولد‪ ،‬ولو ال هذا الشرط الستحق األزواج النصف يف كل األحوال‪.‬‬
‫حملهن[‬
‫(‪)2‬‬
‫َّ‬ ‫عليهن حتى يضعن‬
‫َّ‬ ‫وجيوز أن يتقدم على املشروط كقوله تعـاىل‪] :‬وإن َّ‬
‫كن أوالت حمل فأنفقوا‬
‫واملراد التقدم والتأخر يف اللفظ‪ ،‬وأما يف الوجود اخلارجي فيجب أن يتقدم الشرط على املشروط‪ ،‬فإذا قال‪ :‬إن‬
‫دخلت الدار فأنت طالق‪ .‬فالبد من تقدم الدخول حىت يقع الطالق‪ ،‬وكالطهارة للصالة أو يقارنه كاستقبال القبلة‬
‫فيها‪.‬‬
‫وهذا النوع من الشرط هو الذي يذكره الفقهاء يف الطالق والعتق وحنومها فيقولون‪ :‬العتق املعلق على‬
‫شرط‪ ،‬والطالق املعلق على شرط‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.12 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة الطالق‪ ،‬آية‪.6 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪63‬‬
‫المطلـق والمقيـدـ‬

‫(والمقيد بالصفة يحمل عليه المطلق‪ ،‬كالرقبة قيدت باإليمان في بعض المواضع‪ ،‬وأطلقت في‬
‫بعض المواضع‪ ،‬فيحمل المطلق على المقيد)‪.‬‬
‫هنا حبثان‪:‬‬
‫األول‪ :‬يف املخصص الثالث وهو الصفة‪ .‬الثاين‪ :‬يف املطلق واملقيد‪.‬‬
‫أما األول‪ :‬فاملراد بالصفة واملخصصة للعام‪ :‬الصفة املعنوية وليس النعت املذكور يف علم النحو‪.‬‬
‫وهي‪ :‬ما أشعر مبعىن يتصف به بعض أفراد العام من نعت أو بدل أو حال(‪.)1‬‬
‫فمثال النعت‪ :‬هذا وقف على أوالدي احملتاجني‪.‬ومنه قوله ‪( :r‬من باع خنالً مؤبراً فثمرهتا للبائع إال أن‬
‫يشرتط املبتاع)(‪.)2‬‬
‫فقوله (مؤبراً) صفة للنخل‪ .‬ومفهومها أن النخل إن مل تؤبر فثمرهتا للمشرتي‪ .‬ومثال البدل‪ :‬هذا وقف على‬
‫أوالدي احملتاجني منهم‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪] :‬وهلل على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال[(‪ )3‬فقوله ]من‬
‫استطاع[ بدل من ]الناس[ فيكون وجوب احلج على املستطيع منهم‪.‬‬
‫ومثال احلال‪ :‬قوله تعاىل يف جزاء الصيد‪] :‬ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم[(‪.)4‬‬
‫فقوله (متعمداً) حال من املضمر املرفوع يف (قتله) وهو يدل على أن اجلزاء خاص بالعامد دون املخطئ‬
‫والناسي‪ ،‬وهذا على أحد القولني يف املسألة وهو األظهر إن شاء اهلل‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫أما املبحث الثاين فهو‪ :‬يف املطلق واملقيد‪ ،‬وإمنا ذكره هنا ألن املطلق شبيه بالعام واملقيد شبيه باخلاص‪ ،‬لكن‬
‫عموم العام مشويل وعموم املطلق بديل على املشهور‪ .‬فإذا قيل‪ :‬أكرم الطالب‪ .‬فاملراد الشمول فهذا عام‪ .‬وإذا قيل‪:‬‬
‫أكرم طالباً‪ .‬فهذا فيه عموم من جهة أنه ال خيص فرداً بعينه بل هو شائع يف مجيع األفراد‪ ،‬لكن ال يتناوله احلكم إال‬
‫على سبيل البدل ال اجلمع‪ .‬فإذا أكرم زيد – مثالً – مل يكرم غريه‪.‬‬
‫دل على شائع يف جنسه بال قيد‪.‬‬ ‫واملطلق لغة‪ :‬ما خال من القيد‪ .‬واصطالحاً‪ :‬ما ّ‬
‫فقولنا‪( :‬ما) أي لفظ‪ .‬وهذا يشمل املطلق واملقيد وقولنا (على شائع يف جنسه) خيرج العلم كزيد‪ .‬والعام‬
‫ألنه يستغرق مجيع أفراد اجلنس ال على أنه شائع فقط‪ ،‬وقولنا‪ :‬بال قيد‪ :‬خيرج املقيد‪.‬‬

‫() انظر املدخل ص‪.258‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 2090‬ومسلم رقم ‪ ،1543‬وأخرجه أصحاب السنن عن عبد اهلل ابن عمر رضي اهلل عنهما‪ .‬والتأبري‪ :‬تلقيح النخل‪ .‬بوضع شيء من‬ ‫‪2‬‬

‫طلع النخلة الذكر يف طلع األنثى‪.‬‬


‫() سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.97 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬آية‪.95 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪64‬‬
‫وأكثر مواضع املطلق النكرة يف سياق اإلثبات حنو‪ :‬أكرم طالباً‪ .‬ومنه قوله تعاىل‪] :‬والذين يظهرون من‬
‫نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا[(‪.)5‬‬
‫واملقيد لغة‪ :‬ما وضع فيه قيد من إنسان أو حيوان‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما دل على شائع يف جنسه مقيد بصفة من الصفات‪ .‬حنو‪ :‬أكرم طالباً مهذباً فـ (طالباً) فرد‬
‫شائع يف جنس الطالب‪ .‬قيد هنا مبا يقلل شيوعه‪ .‬فاملقيد هو مطلق حلقه قيد أخرجه عن اإلطالق إىل التقييد‪.‬‬
‫واعلم أن األلفاظ يف هذا الباب ثالثة أقسام‪:‬‬
‫األول‪ :‬ما جاء بال قيد‪ .‬فهذا جيب العمل به على إطالقه‪ .‬كقوله تعاىل‪] :‬وأمهات نسائكم[ فهذا نص‬
‫مطلق مل يقيد بالدخول فيعمل به على إطالقه‪ ،‬فتحرم أم الزوجة مبجرد العقد على بنتها‪ ،‬سواء دخل هبا أم مل‬
‫يدخل(‪.)2‬‬
‫الثاين‪ :‬ما جاء مقيداً فيلزم العمل مبوجب القيد الوارد فيه وال يصح إلغاؤه‪ ،‬كقوله تعاىل يف كفارة الظهار ]‬
‫فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا[ فورد الصيام مقيداً بالتتابع وبكونه قبل التماس‬
‫واالستمتاع‪ ،‬فيعمل به على تقييده هبذين القيدين(‪.)3‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يرد اللفظ مطلقاً يف نص ومقيداً يف نص آخر‪ ،‬فيحمل املطلق على املقيد‪ ،‬ومعىن محل املطلق‬
‫عليه أن يقيد املطلق بقيد املقيد‪ .‬وذلك إذا كان احلكم واحداً‪ .‬ومثاله‪ :‬ما ذكره املصنف من أن الرقبة قيدت باإلميان‬
‫]فتحرير رقبة‬ ‫يف كفارة القتل يف قوله تعاىل‪] :‬فتحرير رقبة مؤمنة[(‪ )4‬وأطلقت يف كفارة الظهار يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫من قبل أن يتماسا[(‪ )5‬واحلكم واحد وهو حترير رقبة‪ ،‬فيحمل املطلق على املقيد‪ ،‬ويشرتط اإلميان يف كفارة الظهار‬
‫على أحد القولني يف املسألة‪.‬‬
‫فإن اختلف احلكم عمل بكل منهما على ما ورد عليه من إطالق أو تقييد‪ .‬ومثاله‪ :‬آية الوضوء قيدت فيها‬
‫األيدي إىل املرافق‪ ،‬كما قال تعاىل‪] :‬فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق[(‪ )6‬ويف آية التيمم جاءت مطلقة‪،‬‬
‫قال تعاىل‪] :‬فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه[(‪ )7‬واحلكم خمتلف ألنه يف الوضوء غسل‪ ،‬ويف التيمم مسح‪ .‬فال‬
‫حيمل املطلق على املقيد عند اجلمهور‪ ،‬وقد دلت السنة على أن املسح يف التيمم للكفني‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫هذا وللمطلق واملقيد أحوال أخرى وقع فيها اخلالف أيضاً جتدها يف املطوالت‪.‬‬

‫() سورة اجملادلة‪ ،‬آية‪.3 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() انظر تفسري القرطيب (‪.)5/106‬‬ ‫‪2‬‬

‫() لشيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل رساله يف هذا املوضوع انظرها يف جمموع الفتاوى (‪.)19/235‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.92 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة اجملادلة‪ ،‬آية‪.3 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬آية‪.6 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬آية‪.6 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪65‬‬
‫المخصص المنفصل‬

‫(ويجوز تخصيص الكتاب بالكتاب‪ ،‬وتخصيص الكتاب بالسنة‪ ،‬وتخصيص السنة بالكتاب‪،‬‬
‫وتخصيص السنة بالسنة‪ ،‬وتخصيص النطق بالقياس‪ ،‬ونعني بالنطق قول اهلل تعالى وقول الرسول‬
‫‪.) r‬‬
‫ملا ف رغ من املخصص املتصل وذكر املطلق واملقيد ض مناً ش رع يف بي ان املخصص املنفص ل‪ ،‬وهو ال ذي‬
‫يستقل بنفسه كما تقدم‪ ،‬واملخصص املنفصل ثالثة‪:‬‬
‫احلس‪ :‬واملراد به املشاهدة واإلدراك باحلواس ومثاله‪ :‬قوله تعاىل عن ريح عاد‪] :‬تدمر كل شيء بأمر ربها[‬
‫(‪)1‬‬
‫‪)1‬‬
‫فاآلية عامة دخلها التخصيص باحلس حيث دل على أن الريح مل تدمر السموات واألرض واجلبال‪.‬‬
‫العقل‪ :‬ومثاله قوله تعاىل‪] :‬اهلل خالق كل شيء[(‪ )2‬فإن العقل دل على أن ذات اهلل تعاىل غري خملوقة مع أن‬ ‫‪)2‬‬
‫لفظ شيء يتناوله سبحانه‪ ،‬قال تعاىل‪] :‬كل شيء هالك إال وجهه[(‪ )3‬وقال تعاىل‪] :‬قل أي شيء أكبر‬
‫شهادة قل اهلل[(‪.)4‬‬
‫ومنع بعض العلماء أن يكون هذا وما قبله من باب التخصيص‪ ،‬وهو إخراج بعض أفراد العام‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬إن ذلك من باب العام الذي أريد اخلاص‪ ،‬وهو أن يكون املخصوص غري مراد عند املتكلم وال‬
‫املخاطب‪ ،‬مبعىن أنه غري داخل يف العام أصالً حبيث حيتاج إىل إخراج‪.‬‬
‫على أن بعضهم قال‪ :‬إن التخصيص قد يفهم من قوله تعاىل‪] :‬بأمر ربها[(‪ )5‬وقوله تعاىل‪] :‬ما تذر‬
‫من شيء أتت عليه إال جعلته كالرميم[(‪ ،)6‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫الشرع‪ :‬وهذا هو الذي بينه املصنف‪ ،‬وهو املراد يف أصول الفقه‪ .‬وحتته قسمان‪:‬‬ ‫‪)3‬‬
‫األول‪ :‬تخصيص الكتاب‪ .‬واملخصص له أربعة‪ :‬كتاب مثله‪ ،‬أو سنة‪ ،‬أو إمجاع‪ ،‬أو قياس‪.‬‬
‫‪ )1‬ختصيص الكتاب بالكتاب‪ :‬أي ختصيص بعض آياته العامة ببعض آخر‪.‬‬
‫وقوله (جيوز) أي بدليل وقوعه‪ .‬ومثاله قوله تعاىل‪] :‬والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثالثة قروء[‬
‫(‪)7‬‬

‫فهذه اآلية عامة يف املدخول هبا وغري املدخول هبا‪ ،‬فخصت بقوله تعاىل‪] :‬يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم‬

‫() سورة األحقاف‪ ،‬آية‪.25 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة الزمر‪ ،‬آية‪.62 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة القصص‪ ،‬آية‪.88 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة األنعام‪ ،‬آية‪.19 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة األحقاف‪ ،‬آية‪.25 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة الذاريات‪ ،‬آية‪.42 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.28 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪66‬‬
‫المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها[(‪ )1‬فخرجت غري‬
‫املدخول هبا من عموم اآلية األوىل فال عدة عليها هلذه اآلية‪.‬‬
‫ختصيص الكتاب بالسنة‪ :‬ومثاله‪ :‬قوله تعاىل‪] :‬وأحل لكم ما ورآء ذلكم[(‪ .)2‬خص حبديث‪( :‬ال‬ ‫‪)2‬‬
‫تنكح املرأة على عمتها وال على خالتها)(‪.)3‬‬
‫ختصيص الكتاب باإلمجاع‪ :‬وهذا مل يذكره املصنف وإمنا كان اإلمجاع خمصصاً ألنه مبثابة نص قاطع‬ ‫‪)3‬‬
‫شرعي‪ .‬أما العام فهو ظاهر ظين عند اجلمهور‪ ،‬فيقدم القاطع‪ .‬قال ابن بدران (واحلق أن التخصيص يكون‬
‫بدليل اإلمجاع ال باإلمجاع نفسه)(‪ )4‬ومثلوه بقوله تعاىل‪] :‬والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة‬
‫شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة[(‪ )5‬فاآلية عامة يف احلر والرقيق‪ ،‬فخصت باإلمجاع على أن العبد القاذف‬
‫جيلد على النصف من احلر‪.‬‬
‫ولكن هذا التمثيل فيه نظر‪ ،‬ألنه ثبت اخلالف يف املسألة فقد ذكر القرطيب(‪ )6‬رمحه اهلل‪ .‬أن من أهل‬
‫العلم من يرى أنه جيلد مثانني كاحلر‪ ،‬ومنهم ابن مسعود رضي اهلل عنه وعمر بن عبد العزيز رمحه اهلل‪ ،‬وإذا‬
‫ثبت اخلالف فال إمجاع‪ .‬وألنه قد يكون املخصص لآلية هو القياس‪ ،‬ومن األمثلة‪ :‬قوله تعاىل‪] :‬يا أيها‬
‫الذين ءامنوا إذا نودي للصالة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اهلل[ فإهنم أمجعوا على أنه ال مجعة على‬
‫عبد وال امرأة(‪.)7‬‬
‫ختصيص الكتاب بالقياس‪ :‬ومثاله قوله تعاىل ]الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة[(‪ )8‬فإن‬ ‫‪)4‬‬
‫عموم الزانية خص بالكتاب وهو قوله تعاىل‪] :‬فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من‬
‫العذاب[(‪ )9‬فيقاس العبد الزاين على األمة يف تنصيف العذاب واالقتصار على مخسني جلدة على املشهور‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬تخصيص السنة‪ .‬واملخصص هلا كتاب أو سنة مثلها أو قياس‪.‬‬
‫‪ )1‬ختصيص السنة بالكتاب‪ :‬ومثاله قوله ‪( :r‬أمرت أن أقاتل الناس حىت يقولوا‪ :‬ال إله إال اهلل)(‪ )10‬خص بقوله‬
‫تعاىل‪] :‬حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون[(‪.)11‬‬
‫() سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.49 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.24 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 4820‬ومسلم رقم ‪.1408‬‬ ‫‪3‬‬

‫() املدخل ص‪ ،249‬إرشاد الفحول ص‪.160‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة النور‪ ،‬آية‪.4 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() تفسري القرطيب (‪.)12/174‬‬ ‫‪6‬‬

‫() انظر البحر احمليط (‪.)3/363‬‬ ‫‪7‬‬

‫() سورة النور‪ ،‬آية‪.2 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.25 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 25‬ومسلم رقم ‪.22‬‬ ‫‪10‬‬

‫() سورة التوبة‪ ،‬آية‪.29 :‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ )2‬ختصيص السنة بالسنة‪ :‬ومثاله قوله ‪( :r‬فيما سقت السماء العشر)(‪ )1‬فهذا عام يف القليل والكثري‪ .‬خص‬
‫بقوله ‪( :r‬ليس فيما دون مخسة أوسق صدقة)(‪.)2‬‬
‫‪ )3‬ختصيص السنة بالقياس‪ :‬ومثاله قوله ‪( :r‬البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام)(‪ )3‬فخص من احلديث العبد‬
‫قياساً على األمة اليت ثبت تنصيف احلد عليها بالقرآن كما تقدم‪ .‬فيجلد العبد مخسني جلدة كما ذكرنا يف‬
‫ختصيص الكتاب بالقياس‪.‬‬
‫وختصيص الكتاب والسنة بالقياس هو املراد بقول املصنف (وختصيص النطق بالقياس) مث بني أن‬
‫املقصود بالنطق‪ :‬الكتاب والسنة‪ .‬وإمنا جاز ختصيص الكتاب والسنة بالقياس ألن القياس يستند إىل نص من‬
‫كتاب أو سنة‪ ،‬فكأن املخصص هو ذلك النص‪ ،‬فرجع األمر إىل ختصيص الكتاب والسنة مبثلهما واهلل أعلم‪.‬‬

‫() هذا طرف من حديث صحيح أخرجه البخاري رقم ‪ 1412‬انظر جامع األصول (‪.)4/611‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 1340‬ومسلم رقم ‪ 979‬وهو طرف من حديث أيب سعيد رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه مسلم رقم ‪ 1690‬والرتمذي رقم ‪ 1434‬وأبو داود رقم ‪.4415‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪68‬‬
‫المجــملـ ولمبيــن‬

‫(والمجمل ما افتقر إلى البيان‪ .‬والبيان إخراج الشيء من حيز اإلشكال إلى حيز التجلي‪ .‬والنص‬
‫ماال يحتمل إال معنى واحداً‪ .‬وقيل‪ :‬ما تأويله تنزيله‪ ،‬وهو مشتق من منصة العروس وهو‬
‫الكرسي)‪.‬‬
‫اعلم أن اللفظ من حيث الداللة على املعىن له حالتان‪:‬‬
‫‪ )1‬أن يدل على معىن واحد‪ .‬وهذا هو النص كما سيأيت إن شاء اهلل‪.‬‬
‫‪ )2‬أن حيتمل معنيني فأكثر‪ .‬فإن كانا على حد سواء فهذا جممل‪ ،‬وإن كان أحدمها أظهر من اآلخر وأرجح‬
‫فحمله على الراجح هو الظاهر‪ ،‬ومحله على املرجوح هو املؤول‪.‬‬
‫واجململ لغة‪ :‬اجملموع‪ ،‬ومنه أمجل احلساب إذا مجع وجعل مجلة واحدة‪ ،‬ويطلق على املبهم من أمجل األمر‬
‫أي أهبم‪ .‬واملبهم أعم من اجململ عموماً مطلقاً‪ ،‬فكل جممل مبهم‪ ،‬وليس كل مبهم جممالً‪ .‬فإذا قلت لشخص‪:‬‬
‫تصدق هبذا الدرهم على رجل‪ .‬فهذا فيه إهبام‪ .‬وليس فيه إمجال ألنه معناه ال إشكال فيه‪.‬‬
‫واجململ اصطالحاً عرفه بقوله‪( :‬ما افتقر إىل بيان) فقوله (ما) أي لفظ (افتقر) أي احتاج إىل بيان إما بقول‬
‫أو بفعل‪ ،‬ألن املراد منه مل يتضح‪ ،‬وقيل‪ :‬ما احتمل معنيني أو أكثر ال مزية ألحدمها أو أحدها على اآلخر‪.‬‬
‫وأسباب اإلمجال ثالثة‪:‬‬
‫عدم معرفة املراد‪ ،‬ومن أسبابه االشرتاك يف الداللة‪ :‬وهذا إما يف املركب أو يف املفرد‪ .‬فاملركب‪ :‬وهو ما‬ ‫‪)1‬‬
‫كان اإلمجال فيه بالنظر إىل املطلوب من الرتكيب كقوله تعاىل‪] :‬إال أن يعفون أو يعفوا الذي بيده‬
‫عقدة النكاح[(‪ )1‬الحتمال أن يكون الزوج وأن يكون الويل‪ ،‬واملفرد إما اسم كقوله تعاىل‪] :‬‬
‫والمطلقات يتربص بأنفسهن ثالثة قروء[(‪ )2‬فالقرء مرتدد بني معنيني‪ :‬الطهر واحليض‪ .‬ولذا وقع‬
‫اخلالف بني العلماء‪ :‬هل تكون الثالثة قروء هذه حيضات أو أطهاراً؟ وقد يكون املفرد فعالً كقوله‬
‫تعاىل‪] :‬والليل إذا عسعس[(‪ )3‬لرتدده بني أقبل وأدبر‪ ،‬أو حرفاً كقوله تعـاىل‪] :‬فتيمموا صعيداً طيبا‬
‫فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه[(‪ )4‬لرتدد (من) بني ابتداء الغاية أي مبدأ املسح من الصعيد الطيب‬
‫فال يتعني ما له غبار‪ .‬أو تكون للتبعيض‪ ،‬فيتعني الرتاب الذي له غبار يعلق باليد‪ .‬ولذا وقع اخلالف يف‬
‫ذلك‪ ،‬وال يزول اإلمجال فيما ذكر إال بتعيني املراد‪.‬‬
‫عدم معرفة الصفة‪ .‬ويزول اإلمجال ببيان الصفة‪ ،‬ومثاله قوله تعاىل‪] :‬وأقيموا الصالة[(‪ )5‬فإن صفة إقامة‬ ‫‪)2‬‬
‫الصالة جمهولة حتتاج إىل بيان‪ ،‬فحصل بياهنا بالقول والفعل من الرسول ‪.r‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.237 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.228 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة التكوير‪ ،‬آية‪.17 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬آية‪.6 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.43 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ )3‬عدم معرفة املقدار‪ .‬ويزول اإلمجال ببيان املقدار‪ .‬ومثاله قوله تعاىل‪] :‬وءاتوا الزكاة[(‪ )1‬فإن مقدار الزكاة‬
‫حيتاج إىل بيان فحصل بيانه بقول الرسول ‪.r‬‬
‫ومن أنوع اجململ ما أحدثه الشرع من داللة جديدة لبعض األلفاظ حبيث إن السامع اليهتدي إىل معناها بالطلب‬
‫والتأمل بل يف االستفسار من قائلها مثل ‪ :‬أتدرون من البخيل ؟ أتدرون من املفلس ؟ هلذا فاجململ باب واسع‬
‫ومبحث رحيب عند األصوليني ‪.‬‬
‫واعلم أن اإلمجال وإن كان قد ورد يف الشريعة وأنه نوع من تعبد اهلل تعاىل للعباد‪ ،‬فإنه مل يبق فيها جممل‪ ،‬ألن‬
‫النيب ‪ r‬قد بني ألمته مجيع شريعته‪ ،‬كما قال ‪" r‬لقد تركتم على مثل البيضاء‪ ،‬ليلها كنهارها ال يزيغ بعدي‬
‫عنها إال هالك"(‪ )2‬ومل يرتك البيان عند احلاجة إليه أبداً‪ .‬فإن وقع للمجتهد شيء من ذلك فقد يكون لعدم‬
‫اطالعه على املبنّي هلذا اإلمجال‪ .‬فيكون نسبيّاً واهلل أعلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والبيان إخراج الشيء من حيز اإلشكال إىل حيز التجلي) ملا عرف اجململ‪ .‬عرف البيان الفتقار اجململ‬
‫إليه‪ .‬وهو لغة‪ :‬الظهور والوضوح يقال‪ :‬بان األمر وتبني مبعىن اتضح وانكشف‪.‬‬
‫وأما يف االصطالح فهو يطلق على التبيني وهو فعل املبني‪ .‬ويطلق على الدليل الذي حصل به البيان‪ ،‬ويطلق‬
‫على العلم الذي يستفاد من الدليل‪ ،‬واملصنف جرى على األول وهو األشهر‪ ،‬فعرفه بأنه إظهار املعىن للمخاطب‬
‫وإيضاحه فقال (إخراج الشيء ‪ . .‬إخل)‪.‬‬
‫وهذا التعريف مبين على ما درج عليه أكثر األصوليني حيث خصوا البيان بإيضاح ما فيه خفاء‪ .‬ومنهم من‬
‫يطلقه على كل إيضاح‪ ،‬سواء تقدمه خفاء أم ال‪.‬‬
‫وقد انتقد املصنف نفسه هذا التعريف يف كتابه (الربهان)(‪ )3‬وذلك لورود عبارات ال ينبغي إيداعها التعاريف‬
‫مثل‪ :‬احليز‪ ،‬وذلك أن التبيني أمر معنوي‪ ،‬واملعىن ال يوصف باالستقرار يف احليّز‪ ،‬ألن احليّز هو الفراغ املتوهم الذي‬
‫يشغله شيء‪ ،‬وهو من ألفاظ املتكلمني‪.‬‬
‫وممن انتقده اآلمدي(‪ )4‬ألنه غري جامع‪ ،‬فإن املبنّي ابتداء‪ :‬الذي مل يسبق بإمجال مثل‪ :‬مساء‪ ،‬أرض‪ ،‬جدار‪ .‬ال‬
‫خاصاً ببيان اجململ كما ذكرنا‪.‬‬
‫يدخل يف هذا التعريف مع أنه بيان‪ .‬فيكون التعريف ّ‬
‫قوله‪( :‬إخراج الشيء)‪ :‬املراد باإلخراج إظهار معىن املبنّي للمخاطب وإيضاحه‪ ،‬وهذا على أن البيان يطلق على‬
‫فعل املبنّي ‪ ،‬وهو التبيني كما قدمنا‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬من حيز اإلشكال)‪ :‬أي من صفة وحال اإلشكال‪ .‬واإلشكال‪ :‬هو خفاء املراد حبيث ال يدرك املقصود‬
‫من اللفظ‪.‬‬
‫قوله‪( :‬إىل حيز التجلي)‪ :‬أي الظهور والوضوح‪ .‬وذلك يتم ببيان الصفة أو املقدار أو تعيني املراد كما تقدم‪.‬‬
‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.43 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه أمحد (‪ )4/126‬واحلاكم (‪ )1/96‬وابن ماجه رقم ‪ 43‬وهو حديث صحيح له شواهد فانظر السنة البن عاصم (‪.)1/27‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الربهان (‪.)1/124‬‬ ‫‪3‬‬

‫() إحكام األحكام (‪.)3/30‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪70‬‬
‫قوله‪( :‬والنص ما ال حيتمل إال معىن واحداً) ملا عرف اجململ وعرف البيان ذكر النص‪ ،‬ألنه هو املبني للمجمل‪.‬‬
‫وهو لغة‪ :‬عبارة عن الظهور‪ ،‬ومنه مسي كرسي العروسة منصة‪ ،‬لظهورها عليه‪ ،‬وسيذكر املصنف ذلك‪.‬‬
‫والنص اصطالحاً عرفه بقوله‪( :‬ماال حيتمل إال معىن واحداً)‪ .‬فقوله‪( :‬ما) أي لفظ‪ .‬وقوله (ال حيتمل إال معىن‬
‫واحداً) أي يدل على معىن واحد قطعاً‪ ،‬وال حيتمل غريه‪ .‬وهذا هو النص الصريح‪.‬‬
‫]للذين‬ ‫ومثاله قوله تعاىل‪] :‬محمد رسول اهلل[ فاآلية نص صريح يف أن حممداً ‪ r‬رسول اهلل‪ .‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر[(‪ )1‬فاآلية نص يف قدرة مدة الرتبص‪.‬‬
‫قال القاضي أبو يعلى‪( :‬والصحيح أن يقال‪ :‬النص ما كان صرحياً يف حكم األحكام وإن كان اللفظ حمتمالً يف‬
‫يعز وجوده ‪ ). .‬والظاهر أن هذا النص غري الصريح‪،‬‬
‫غريه‪ ،‬وليس من شرطه أال حيتمل إالمعىن واحداً‪ ،‬ألن هذا ّ‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫ويطلق النص عند الفقهاء على كل ما ورد يف الكتاب والسنة أنه نص‪ ،‬فيقال لنا النص واملعىن‪ ،‬ونصوص‬
‫الشريعة متضافرة بذلك ‪ . .‬وهو هبذا االصطالح يقابل اإلمجاع والقياس(‪.)2‬‬
‫وقوله‪( :‬وقيل ما تأويله تنـزيله) هذا تعريف آخر للنص‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬تأويله)‪ :‬أي محله على معناه وفهم املراد منه‪.‬‬
‫(تنـزيله)‪ :‬أي مبجرد نزوله يفهم معناه‪ ،‬وال يتوقف فهم املراد على تأويل أي‪ :‬على تفسري‪ .‬ألنه ال حيتمل إال‬
‫معىن واحداً كما تقدم(‪.)3‬‬
‫والتعريف األول الذي ذكره املصنف أدق من هذا‪ ،‬ألنه قد يدخل فيه الظاهر‪ ،‬ألنه مبجرد مساعه يفهم منه‬
‫معناه الظاهر من غري احتياج إىل شيء آخر‪ ،‬وإن احتمل غريه مرجوحاً‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وهو مشتق من منصة العروس وهو الكرسي) يشري بذلك إىل أن النص يف وضوحه يشبه العروس‬
‫اجلالسة على مرتفع ال ختفى على أحد‪ .‬وال حيتمل أن تكون غريها هي‪ ،‬فكذلك النص يف ظهوره الذي ال حيتمل إال‬
‫معىن واحداً‪.‬‬
‫والظاهر أن املراد بقوله‪( :‬وهو مشتق من منصة العروس) االشتقاق املعنوي وهو االرتفاع والظهور‪ .‬ال‬
‫االشتقاق اللغوي‪ .‬ألن (منصة) بكسر امليم اسم آلة مشتقة من املصدر وهو النص‪ .‬وليس النص مشتقاً منها‪ .‬واهلل‬
‫أعلم‪.‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.226 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر العدة أليب يعلى (‪ )1/138‬رسالة يف أصول الفقه للعكربي ص‪ ،105‬وأصول الفقه للربديسي ص‪ 366‬شرح تنقيح الفصول ص‪ ،36‬التأسيس يف‬ ‫‪2‬‬

‫أصول الفقه أليب إسالم مصطفى بن سالمة (‪.)2/10‬‬


‫() انظر غاية املرام ص‪.140‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪71‬‬
‫الظــاهر والمــؤول‬

‫(والظاهر ما احتمل أمرين أحدهما أظهر من اآلخر‪ .‬ويؤول الظاهر بالدليل‪ ،‬ويسمى الظاهر‬
‫بالدليل)‪.‬‬
‫الظاهر لغة‪ :‬الواضح‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬لفظه يغين عن تفسريه‪ .‬واصطالحاً عرفه بقوله‪( :‬ما احتمل أمرين‬
‫أحدمها أظهر من اآلخر)‪.‬‬
‫فقوله‪( :‬ما)‪ :‬أي لفظ‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬احتمل أمرين)‪ :‬أي معنيني أو أكثر‪ ،‬ألن الظاهر قد يكون له عدة احتماالت‪ ،‬هو يف أحدها أظهر‪.‬‬
‫وهذا خيرج النص ملا تقدم‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬أحدمها)‪ :‬أي أحد املعنيني‪ ،‬وهو املعىن الذي يتبادر إىل الذهن مبجرد السماع‪ ،‬وهذا خيرج اجململ‬
‫ألنه ال يتبادر فيه واحد من املعنيني‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬أظهر من اآلخر)‪ :‬للظهور أسباب منها‪:‬‬
‫‪ )1‬احلقيقة ويقابلها اجملاز‪ .‬حنو‪ :‬رأيت أسد‪ .‬فهو حيتمل أن يكون املراد احليوان املفرتس‪ ،‬وهو الظاهر ألنه‬
‫موضوع له‪ ،‬وحيتمل الرجل الشجاع‪ ،‬ومحله عليه تأويل ال يقبل إال بقرينة‪.‬‬
‫‪ )2‬االكتفاء وعدم التقدير‪ ،‬ألن هذا هو األصل‪ ،‬فقوله تعاىل‪] :‬وجاء ربك[(‪ )1‬ظاهره أن اهلل تعاىل جييء‬
‫بنفسه‪ ،‬وادعاء أن املراد (جاء أمر ربك) تأويل على خالف الظاهر‪.‬‬
‫‪ )3‬اإلطالق وعدم التقييد كقوله تعاىل يف كفارة الظهار‪] :‬فتحرير رقبة[(‪ )2‬الظاهر أن الرقبة غري مقيدة‬
‫باإلميان‪ ،‬وتقدم ذلك يف باب املطلق واملقيد‪.‬‬
‫‪ )4‬العموم‪ .‬فألفاظ العموم ظاهرة فيه مع احتمال اخلصوص‪ .‬ومحلها على اخلصوص تأويل(‪ )3‬ومن أمثلة‬
‫الظاهر ما ورد يف حديث الرباء بن عازب رضي اهلل عنه قال‪ :‬سئل رسول اهلل ‪ r‬عن الوضوء من حلوم‬
‫اإلبل‪ .‬فقال‪" :‬توضأوا منها ‪ " . .‬احلديث(‪.)4‬‬
‫فإن الظاهر من احلديث أن املراد غسل األعضاء األربعة‪ ،‬ألن الوضوء حقيقة شرعية حيمل يف كالم الشرع‬
‫على مراده‪ ،‬وال يصح محله على املعىن الثاين وهو النظافة إال بدليل وال دليل‪ ،‬فيكون ظاهراً يف املعىن األول‪.‬‬

‫() سورة الفجر‪ ،‬آية‪.22 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.92 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر الواضح يف أصول الفقه ص‪.135‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه أبو داود رقم ‪ 184‬وغريه وهو حديث صحيح وملسلم مبعناه‪ .‬انظر صحيح مسلم رقم ‪.360‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪72‬‬
‫قول ه‪( :‬وي ؤول الظ اهر بال دليل)‪ :‬أي يص رف اللفظ عن ظ اهره بال دليل‪ .‬وه ذا يفيد أن حكم الظ اهر أنه ال‬
‫يعدل عنه إال بدليل صحيح يصرفه عن ظاهره‪ ،‬ويكون الدليل أقوى من الظاهر‪ ،‬وإال فيجب العمل بالظاهر‪.‬‬
‫ومحل اللفظ على املعىن الظاهر ال حيتاج إىل دليل‪ ،‬ألن هذا هو األصل‪ ،‬وألن العمل بالظاهر طريقة السلف‬
‫الصاحل من هذه األمة‪ ،‬وألنه أحوط وأبرأ للذمة‪ ،‬وأقوى يف التعبد‪ ،‬وأدل على االنقياد‪ .‬فإذا صرف اللفظ عن ظاهره‬
‫بدليل صار مؤوالً‪.‬‬
‫واملؤول لغة‪ :‬مأخوذ من األول مصدر آل يؤول أوالً‪ :‬إذا رجع‪ .‬نقول‪ :‬آل األمر إىل فالن‪ .‬أي‪ :‬رجع إليه‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬محل اللفظ على املعىن املرجوح‪.‬‬
‫]‬ ‫أي‪ :‬ص رف اللفظ عن ظ اهره املتب ادر منه إىل معىن مرج وح غري متب ادر لل ذهن‪ .‬ومثاله قوله تع اىل‪:‬‬
‫فقولى إني نذرت للرحمن صوما[(‪ )1‬فلفظ الصوم يف اآلية حيتمل معنيني‪ :‬أحدمها وهو الظاهر مبعىن الصوم الشرعي‬
‫وهو اإلمساك عن املفطرات‪ .‬والثاين وهو املرجوح مبعىن اإلمساك عن الكالم‪ .‬وهذا هو املراد من اآلية بدليل ]فلن‬
‫أكلم اليوم إنسيّا[(‪.)2‬‬
‫وهذا هو التأويل يف اصطالح األصوليني(‪ .)3‬وهو ال يكون صحيحاً مقبوالً إال بثالثة شروط‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن يكون اللفظ قابالً للتأويل‪ .‬بأن يكون املعىن املرجوح مما حيتمله اللفظ‪ .‬فصرف العام – مثالً –‬
‫عن عمومه وإرادة بعض أف راده ب دليل هو تأويل ص حيح‪ ،‬ألن الع ام حيتمل اخلص وص فقوله تع اىل‪] :‬ح ّرمت عليكم‬
‫الميتة[(‪ )4‬نص ظ اهر يف حترمي جلد امليت ة‪ .‬لكن ص رف ه ذا العم وم عن ظ اهر قوله ‪" :r‬هال أخ ذمت إهاهبا ف انتفعتم‬
‫به"(‪.)5‬‬
‫فإن كان اللفظ ال حيتمل املعىن املرجوح أصالً فهو تأويل فاسد مردود‪ ،‬كقوله تع اىل‪] :‬الرحمن على الع رش‬
‫خاص ا يليق باهلل عز وجل‪ .‬وهذا وهو املراد‪ .‬وصرفه إىل‬ ‫استوى[ فإن ظاهره أن اهلل تعاىل عال على العرش ّ‬
‫علواً ّ‬
‫(‪)6‬‬

‫معىن االستيالء وامللك باطل‪ ،‬ألنه ال يعرف يف اللغة االستواء مبعىن االستيالء وامللك‪.‬‬
‫الش رط الث اني‪ :‬أن يق وم دليل ص حيح على ص حة ص رف اللفظ عن ظ اهره‪ ،‬إىل املعىن املرج وح‪ ،‬فال يصح‬
‫التأويل مبج رد االحتم ال‪ .‬ألن األصل العمل بالظ اهر وع دم ص رف ال دليل عن ظ اهره – كما تق دم – فالع ام على‬
‫عموم ه‪ .‬وال يقصر على بعض أف راده إال ب دليل‪ .‬واملطلق على إطالقة وال يع دل عن إطالقة إىل تقيي ده إال ب دليل‪.‬‬

‫() سورة مرمي‪،‬آية‪.26 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة مرمي‪ ،‬آية‪.26 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ويطلق التأويل على التفسري وهو توضيح الكالم بذكر معناه املراد به ويطلق على مال الكالم إىل حقيقته‪ .‬فإن كان خرباً فتأويله وقوع املخرب به وإن كان‬ ‫‪3‬‬

‫طلباً فتأويله امتثال املطلوب‪.‬‬


‫() سورة املائدة‪ ،‬آية‪.3 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() رواه البخاري (‪ )1421‬ومسلم(‪.)363‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة طه‪ ،‬آية‪.5 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪73‬‬
‫وظ اهر األمر الوج وب فال حيمل على الن دب أو غ ريه إال ب دليل‪ .‬وظ اهر النهي التح رمي فال حيمل على الكراهة –‬
‫مثالً – إال بدليل‪.‬‬
‫فإن مل يوجد دليل أص الً فهو تأويل فاسد مردود‪ ،‬ألنه دعوى بال برهان‪ ،‬كقولك‪ :‬رأيت أسداً‪ .‬تريد رجالً‬
‫شجاعاً‪.‬‬
‫وه ذا الن وع من التأويل متتلئ به كتب الش يعة والباطني ة‪ .‬حيث فس روا ألف اظ الق رآن مبا ال حتتمله من ق ريب‬
‫وال بعيد‪ .‬وحرفوها عن مدلوهلا احلقيقي إىل مدلوالت ال وجود هلا إال يف عقول أصحاهبا‪ ،‬فيفسرون (النور) يف قوله‬
‫تعاىل‪] :‬فآمنوا باهلل ورسوله والنور الذي أنزلنا ‪ )1([. . .‬بأن املراد‪ :‬نور األئمة من آل البيت‪ .‬ويف قوله تعاىل‪] :‬ال‬
‫تتخ ذوا إلهين اث نين إنما هو إله واح ٌد[(‪ )2‬ق الوا‪ :‬يعىن ب ذلك وال تتخ ذوا إم امني إمنا هو إم ام واح د‪ .‬وغري ذلك‬
‫كثري(‪.)3‬‬
‫ومن التأويل الفاسد املردود تأويل املعطلة يف باب األمساء والصفات‪ ،‬ألنه تأويل ليس عليه دليل صحيح‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون هناك موجب للتأويل‪ .‬بأن يكون ظاهر النص خمالف اً لقاعدة مقررة معلومة من‬
‫ال دين بالض رورة‪ ،‬أو خمالف اً لنص أق وى منه س نداً‪ .‬ومث ال ذل ك‪ .‬قوله ‪" :r‬اجلار أحق بص قبه"(‪ .)4‬والص قب‪ :‬الق رب‬
‫واملالص قة‪ .‬وهو املعىن ال راجح‪ .‬وحيتمل أن املراد الش ريك‪ .‬وهو املرج وح‪ .‬فلما ج اء ح ديث "إذا وض عت احلدود‬
‫وص ّرفت الط رق فال ش فعة"(‪ )5‬منع إرادة اجلار املالص ق‪ ،‬وتعني محل احلديث األول على الش ريك‪ ،‬ألنه ال ض رب‬
‫حلدود وال ص رف لط رق إال يف الش ركة‪ .‬أما اجلريان فكل على ح دوده‪ ،‬وطرق ه‪ .‬فمن محله على الش ريك ق ال‪ :‬ال‬
‫شفعة جلار‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ويسمى الظاهر بالدليل) أي أن املؤول يصري ظاهراً بسبب الدليل‪ ،‬ألن الظاهر نوعان‪ :‬ظاهر من جهة‬
‫اللفظ‪ ،‬وظاهر من جهة الدليل‪ ،‬فهو ظاهر مقيد‪ ،‬ويفهم منه أن الدليل البد أن يكون قويّاً ليكون املرجوح راجح اً‪،‬‬
‫ألن ماال يصريه الدليل راجحاً ال يكون ظاهراً‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() سورة التغابن‪ ،‬آية‪.8 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النحل‪ ،‬آية‪.51 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر (مسألة التقريب بني أهل السنة والشيعة) ‪ 1/214‬للدكتور ناصر القفاري‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() رواه البخاري (‪.)2139‬‬ ‫‪4‬‬

‫() رواه البخاري (‪ )2099‬ومسلم (‪.)1608‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪74‬‬
‫األفعـــالـ‬

‫(فعل صاحب الشريعة ال يخلو إما أن يكون على وجه القربة والطاعة أو غير ذلك‪ ،‬فإن د ّل الدليل‬
‫على االختصاص به يحمل على االختصاص‪ ،‬وإ ن لم يد ّل ال يختص به‪ ،‬ألن اهلل تعالى يق ول‪] :‬لقد‬
‫ك ان لكم في رس ول اهلل أس وة حس نة[(‪ )1‬فيحمل على الوج وب عند بعض أص حابنا‪ .‬ومن أص حابنا‬
‫من قال‪ :‬يحمل على الندب‪ .‬ومنهم من قال‪ :‬يتوقف فيه‪ .‬فإن كان على غير وجه القربة والطاعة‬
‫فيحمل على اإلباحة في حقه وحقنا)‪.‬‬
‫أفع ال الرس ول ‪ r‬من أقس ام الس نة‪ ،‬ألن الس نة هي قوله ‪ r‬وفعله وتقري ره‪ .‬وقد ذكر هنا األفع ال مث اإلق رار‬
‫وأما األقوال فذكرها فيما بعد يف باب (األخبار) وكان األوىل باملصنف أن جيمعها يف باب مستقل كما هي طريقة‬
‫كثري من األصوليني‪.‬‬
‫وقد عين األصوليون باألفعال‪ ،‬وأفردوا فيها مصنفات مستقلة‪ ،‬ألهنا من أدلة األحكام الشرعية‪ ،‬وال خالف‬
‫يف ذلك‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فعل صاحب الشريعة) أي النيب ‪.r‬‬
‫قوله‪( :‬ال خيلو إما أن يكون على وجه القربة والطاعة ‪ . . .‬إخل) أي أن األفعال هلا حالتان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يكون فعلها على وجه القربة والطاعة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أال يكون على وجه القربة والطاعة(‪.)2‬‬
‫فإن كان على وجه القربة والطاعة فال خيلو من حالني‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن يدل دليل على االختصاص به‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أال يدل دليل على االختصاص به‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬فإن دل ال دليل على االختص اص به حيمل على االختصاص) أي‪ :‬حيكم باخلصوصية لوجود الدليل‪،‬‬
‫وليس ألحد أن يفعله مثل ه‪ ،‬وذلك كزيادته يف النك اح على أربع نس وة لقوله تع اىل‪] :‬يا أيها الن بي إنّا أحللنا‬
‫أزواجك[(‪ )3‬وكن أك ثر من أرب ع‪ ،‬وكالوص ال يف الص وم‪ ،‬والنك اح بلفظ اهلب ة‪ ،‬وغري ذلك مما ي دل عليه الق رآن أو‬
‫السنة(‪.)4‬‬

‫() سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.21 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر شرح الكوكب املنري (‪ )1/385‬وانظر غاية املرام ص‪.148‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.50 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر كتاب ( غاية السول يف خصائص الرسول ‪ ) r‬البن امللقِّن‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪75‬‬
‫قول ه‪( :‬وإن مل ي دل ال خيتص ب ه) أي إن مل ي دل ال دليل على أن هذا الفعل خاص به مل حيكم باخلصوصية‪،‬‬
‫وه ذا هو األصل‪ ،‬أعين ع دم اخلصوص ية إال ب دليل‪ .‬ألن األصل التأسي به ‪ r‬لقوله تع اىل‪] :‬لقد ك ان لكم يف رس ول‬
‫اهلل أسوة حسنة[(‪ )1‬فيكون هذا النص معموالً به حىت يقوم الدليل املانع‪ ،‬وهو ما يوجب اخلصوصية‪.‬‬
‫وقوله تعاىل‪] :‬لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة[(‪ )2‬األسوة‪ :‬بضم اهلمزة وكسرها لغتان‪ .‬قرئ هبما‬
‫يف الس بعة مبعىن الق دوة‪ .‬ق ال ابن كثري رمحه اهلل‪( :‬ه ذه اآلية الكرمية أصل كبري يف التأسي برس ول اهلل ‪ r‬يف أقواله‬
‫وأفعاله وأحواله)(‪.)3‬‬
‫قول ه‪( :‬فيحمل على الوج وب عند بعض أص حابنا ‪ . .‬إخل) أي‪ :‬ف إذا ك ان الفعل على وجه القربة والطاعة‬
‫وال دليل على االختصاص ففيه خالف‪ ،‬ومثاله ما ورد عن شريح بن هانئ قال‪ :‬سألت عائشة رضي اهلل عنها‪ :‬بأي‬
‫شيء كان يبدأ الرسول ‪ r‬إذا دخل بيته‪ .‬قالت‪ :‬بالسواك(‪.)4‬‬
‫فالس واك عند دخول البيت فعل جمرد مل يرد به ق ول‪ ،‬وفعله على وجه القرب ة‪ ،‬فه ذا فيه خالف على أق وال‬
‫ذكر املصنف منها ثالثة‪:‬‬
‫قول ه‪( :‬فيحمل على الوج وب عند بعض أص حابنا) ه ذا الق ول األول وهو وج وب اتب اع األمة ل ه‪ .‬وقوله‬
‫(عند بعض أصحابنا) أي الشافعية‪ .‬يعين ابن سريج وابن أيب هريرة – ومها من كبار الشافعية‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام‬
‫أمحد ذكرها أبو يعلى وهو ق ول اإلم ام مال ك‪ .‬ودليلهم قوله تع اىل‪] :‬وما ءات اكم الرس ول فخ ذوه[(‪ .)5‬واس تبعد ه ذا‬
‫القول إمام احلرمني يف الربهان‪ .‬وأما اآلية فمعناها‪ :‬ما أمركم به الرسول ‪ r‬فخذوه بدليل ]وما هناكم عنه فانتهوا[‬
‫(‪)6‬‬

‫وعلى القول بأن اآلية ظاهرة يف غرض املستدل‪ ،‬لكن تطرق االحتمال يضعف االستدالل‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬ومن أصحابنا من قال‪ :‬حيمل على الندب) هذا القول الثاين وهو أنه يستحب لألمة اتباعه فيما فعله‬
‫على وجه القربة‪ .‬وهو قول لبعض الشافعية كما ذكر املصنف‪ ،‬وقول الظاهرية وهو قول أكثر احلنفية‪ ،‬ورواية عن‬
‫اإلم ام أمحد‪ .‬ذكرها القاضي أبو يعلى‪ .‬ورجح ه ذا إم ام احلرمني يف الربه ان‪ ،‬وتبعه الغ زايل يف املنخ ول‪ ،‬ورجحه‬
‫الش وكاين يف اإلرش اد‪ ،‬ألنه أقل ما يتق رب به هو املن دوب‪ ،‬وال دليل ي دل على زي ادة على الن دب‪ ،‬ف وجب الق ول‬
‫به(‪.)7‬‬

‫() سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.21 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.21 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() تفسري بان كثري (‪.)6/392‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه مسلم رقم ‪ 253‬وانظر جامع األصول (‪.)7/177‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة احلشر‪ ،‬آية‪.7 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة احلشر‪ ،‬آية‪.7 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() انظر الربهان إلمام احلرمني (‪ )1/322‬العدة يف أصول الفقه (‪ )3/734‬شرح تنقيح الفصول ص‪ 288‬املنخول ص‪ ،226‬إرشاد الفحول ص‪.36‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪76‬‬
‫قوله‪( :‬ومنهم من قال يتوقف فيه) هذا هو القول الثالث‪ ،‬وهو التوقف لعدم معرفة املراد ولتعارض األدلة‪.‬‬
‫وه ذا أض عف األق وال‪ ،‬ق ال الش وكاين‪( :‬وعن دي أنه ال معىن للوقف يف الفعل ال ذي قد ظهر فيه قصد القرب ة‪ .‬ف إن‬
‫قصد القربة خيرجه عن اإلباحة إىل ما فوقها‪ .‬واملتيقن مما هو فوقها الندب) ا هـ(‪.)1‬‬
‫وال راجح – واهلل أعلم – هو الق ول بالن دب‪ ،‬ألن القرب ة‪ ،‬طاعة وهي غري خارجة عن ال واجب واملن دوب‪،‬‬
‫والقدر املشرتك بينهما ترجيح الفعل على الرتك‪ ،‬وهذه حقيقة املندوب‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‪( :‬وما‬
‫فعله النيب ‪ r‬على وجه التعبد فهو عب ادة‪ ،‬يش رع التأسي به في ه‪ ،‬ف إذا خصص زمان اً أو مكان اً بعب ادة ك ان ختصيصه‬
‫تلك العبادة سنة ‪.)2() . . .‬‬
‫قول ه‪( :‬ف إن ك ان على غري وجه القربة والطاعة فيحمل على اإلباحة يف حقه وحقن ا)‪ .‬ه ذه هي احلال الثانية‬
‫لألفعال النبوية‪ .‬وهو الذي مل يظهر فيه قصد القربة‪ .‬ويدخل حتت هذا نوعان(‪.)3‬‬
‫‪ )1‬ما فعله مبقتضى اجلبلة والبشرية كالقيام والقعود والنوم واألكل والشرب‪ ،‬فهذا ال حكم له يف ذاته ألنه‬
‫ليس من ب اب التكليف‪ ،‬ألن التكليف فيما ميكن فعله وترك ه‪ ،‬وه ذه األفع ال ليست مش روعة ل ذاهتا أو‬
‫مقص وداً هبا التأس ي‪ ،‬ألن كل ذي روح من البشر ال خيلو عنها إال إذا ك ان ه ذا الفعل له هيئة معين ة‪،‬‬
‫كصفة أكله وشربه ونومه وحنو ذلك‪ ،‬فهذا له حكم شرعي‪ ،‬كما دلت عليه النصوص‪.‬‬
‫‪ )2‬ما فعله وفق الع ادات‪ ،‬وذلك كلباسه ‪ r‬فه ذا الن وع مب اح مل يقصد به التش ريع فال اس تحباب للمتابع ة‪،‬‬
‫ألن اللباس منظور فيه إىل العادة اليت اعتادها أهل البلد‪ ،‬وهلذا مل يغري الرسول ‪ r‬لباسه الذي كان يلبسه‬
‫قبل النبوة(‪ ،)4‬وإمنا وضع اإلسالم شروطاً وضوابط للباس الرجل واملرأة تستفاد من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وبقي من األفع ال ن وع آخر وهو ما فعله ‪ r‬بيان اً جململ‪ ،‬فه ذا حكمه حكم اجململ‪ ،‬ف إن ك ان واجب اً فالفعل‬
‫واجب‪ .‬وإن كان مندوباً فالفعل مندوب‪ .‬لكنه واجب على الرسول ‪ r‬مطلق اً حىت حيصل البالغ‪ ،‬مث يكون حكمه‬
‫كحكم األمة يف ذلك‪.‬‬
‫فمثال الواجب‪ :‬مسحه الرأس كله(‪ )5‬بياناً لقوله تعاىل‪] :‬وامسحوا برءوسكم[(‪.)6‬‬

‫() اإلرشاد ص‪.38‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جمموع الفتاوى (‪.)10/409‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر أصول الفقه اإلسالمي (‪.)1/480‬‬ ‫‪3‬‬

‫() للشيخ سليمان بن سحمان – رمحه اهلل – كالم ماتع حول هذا املوضوع يف رسالته (إرشاد الطالب إىل أهم املطالب) ص‪ 29‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 183‬ومسلم رقم ‪ 235‬من حديث عبد اهلل بن زيد رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬آية‪.6 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪77‬‬
‫ومث ال املن دوب‪ :‬ص الته ‪ r‬ركع تني عند املق ام بعد طوافه(‪ )1‬بيان اً لقوله تع اىل‪] :‬واختذوا من مق ام إب راهيم‬
‫مص لى[(‪ )2‬وقد نقل احلافظ ابن حجر يف فتح الب اري اإلمجاع على ج واز ركعيت الط واف على أي جهة من جه ات‬
‫الكعبة(‪ )3‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() ورد هذا يف حديث جابر عن مسلم رقم ‪.1218‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.125 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر فتح الباري (‪.)1/499‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪78‬‬
‫اإلقــــرار‬

‫(وإ قرار صاحب الشريعة على القول هو قول صاحب الشريعة‪ .‬وإ قراره على الفعل كفعله‪ .‬وما‬
‫فعل في وقته في غير مجلسه وعلم به ولم ينكره‪ ،‬فحكمه حكم ما فعل في مجلسه)‪.‬‬
‫ملا بني حكم الفعل ذكر بعده اإلقرار‪ ،‬ألنه من السنة كما تقدم‪ ،‬وصورته أن يسكت النيب ‪ r‬عن إنكار قول‬
‫أو فعل بني يديه أو يف عصره وعلم به‪ ،‬فكل أمر أقر الرسول ‪ r‬عليه ومل ينكر على فاعله‪ ،‬فإن كان قوالً فهو‬
‫كقوله ‪ ،r‬وإن كان فعالً فهو كفعله ‪ ،r‬ألنه ‪ r‬معصوم عن أن يقر أحداً على خطأ أو معصية فيما يتعلق بالشرع‪.‬‬
‫مثال اإلقرار على الفعل‪ :‬إقراره ‪ r‬احلبشة يلعبون يف املسجد من أجل التأليف على اإلسالم‪ ،‬كما يف حديث‬
‫عائشة رضي اهلل عنها قالت‪ :‬رأيت رسول اهلل ‪ r‬يوماً على باب حجريت واحلبشة يلعبون حبراهبم يف املسجد‪.‬‬
‫احلديث(‪.)1‬‬
‫ومثاله – أيضاً – إقراره ‪ r‬قيس بن عمرو رضي اهلل عنه على قضاء ركعيت الفجر بعد الصالة مع أن الوقت‬
‫وقت هني(‪ .)2‬ومثال اإلقرار على القول‪ :‬إقراره ‪ r‬أبا بكر رضي اهلل عنه على قوله بإعطاء سلب القتيل لقاتله(‪.)3‬‬
‫قوله‪( :‬وما فعل يف وقته يف غري جملسه ‪ . .‬إخل) أي‪ :‬وما فعله املكلف أو قاله (يف وقته) أي زمان حياته ‪r‬‬
‫(يف غري جملسه) أي‪ :‬حبيث ال يشاهده‪ ،‬ولكنه (علم به ومل ينكره فحكمه ما فعل يف جملسه) أي يف داللته على‬
‫جواز ذلك الفعل أو القول‪ ،‬وهذا يشمله ما تقدم يف قوله (وإقرار صاحب الشريعة ‪ ). . .‬لكنه صرح به لإليضاح‪،‬‬
‫ودفع توهم االختصاص مبا يف جملسه‪ .‬ومثال ذلك‪ :‬قصة معاذ رضي اهلل عنه حيث كان يصلي العشاء مع النيب ‪ r‬مث‬
‫ينصرف إىل قومه ويصلي هبم(‪ ،)4‬فهي له تطوع وهلم فريضة‪ ،‬وهذا ليس يف القوة كالواقع بني يديه ‪ r‬الحتمال أنه‬
‫مل يبلغه ‪ r‬وإن كان الغالب على الظن أن رسول اهلل ‪ r‬كان يعلم األئمة الذين يصلون يف قبائل املدينة‪ ،‬ومما يؤكد‬
‫ذلك قصة األعرايب الذي شكا إىل النيب ‪ r‬تطويل معاذ‪ ،‬كما يف حديث جابر رضي اهلل عنه(‪.)5‬‬
‫وقد استدل حبديث معاذ من أجاز صالة املفرتض خلف املتنفل‪ ،‬وهي مسألة خالفية‪ .‬واهلل أعلم بالصواب‪.‬‬

‫النســـخـ‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 443‬ومسلم رقم ‪ .892‬واحلراب‪ :‬بكسر احلاء مجع حربة وهي اآللة دون الرمح‪ .‬انظر كتاب (احلرف والصناعات يف احلجاز يف‬ ‫‪1‬‬

‫عصر الرسول ‪ ،r‬ص‪ 218‬لعبد العزيز بن إبراهيم العمري‪.‬‬


‫() أخرجه الرتمذي رقم ‪ 422‬وانظر حتفة األحوذي (‪ )2/487‬وهو حديث صحيح بطرقه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 2973‬ومسلم رقم ‪.1751‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 668‬ومسلم رقم ‪.465‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 669‬ومسلم رقم ‪.465‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪79‬‬
‫(وأما النسخ فمعناه لغة‪ :‬اإلزالة‪ ،‬يقال‪ :‬نسخت الشمس الظل‪ :‬إذا أزالته‪ .‬وقيل معناه‪ :‬النقل‪ .‬من‬
‫قولهم‪ :‬نسخت ما في هذا الكتاب أي نقلته‪.‬‬
‫وحده‪ :‬هو الخطاب الدال على رفع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم على وجه لواله لكان‬
‫ثابتاً مع تراخيه عنه)‪.‬‬
‫النسخ يف اللغة يطلق على معنيني‪:‬‬
‫‪ )1‬الرفع واإلزالة‪ .‬يقال‪ :‬نسخت الشمس الظل أي أزالته‪ .‬ونسخت الريح األثر‪ :‬أزالته‪ .‬قال تعاىل‪] :‬‬
‫فينسخ اهلل ما يلقى الشيطان[(‪.)1‬‬
‫‪ )2‬النقل‪ :‬يقال‪ :‬نسخت ما يف الكتاب أي نقلته مع بقائه يف نفسه‪ .‬ألن ما يف الكتاب مل ينقل حقيقة‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪] : :‬إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون[(‪.)2‬‬
‫قوله‪( :‬وحده‪ :‬اخلطاب الدال على رفع احلكم ‪ . .‬إخل) حده‪ :‬أي معناه االصطالحي‪ ،‬وهذا‬
‫تعريف الناسخ‪ ،‬ألنه هو اخلطاب‪ ،‬ال تعريف النسخ الذي هو رفع احلكم أو اللفظ‪ ،‬لكن يؤخذ منه‬
‫تعريف النسخ‪ ،‬ألنه يلزم من كون الناسخ هو اخلطاب الدال على الرفع أن يكون مدلول اخلطاب هو‬
‫النسخ الذي هو رفع احلكم‪ ،‬فالرافع هو اخلطاب‪ .‬والرفع هو النسخ‪ .‬فهما متالزمان إذ ال رفع إال‬
‫خبطاب‪.‬‬
‫قوله‪( :‬اخلطاب) املراد به‪ :‬الكتاب والسنة‪ .‬فالناسخ هو الكتاب والسنة‪ ،‬وال نسخ باإلمجاع وال القياس‪،‬‬
‫أما اإلمجاع فألنه ال ينعقد إال بعد وفاته ‪ ،r‬وبعد وفاته ال ميكن النسخ ألنه تشريع‪ ،‬وإمنا يقع النسخ مبستند اإلمجاع‪.‬‬
‫وأما القياس فألن النص مقدم عليه‪ .‬وال يصار إليه إال عند عدم النص‪.‬‬
‫والناسخ يف احلقيقة هو اهلل تعاىل ويطلق على النص الناسخ‪ ،‬فيقال‪ :‬هذه اآلية ناسخة لكذا‪.‬‬
‫قوله‪( :‬الدال على رفع احلكم) املراد برفع احلكم تغيريه من إجياب إىل إباحة كنسخ الصدقة عند مناجاة‬
‫الرسول ‪ r‬كما سيأيت إن شاء اهلل‪ .‬أو من إباحة إىل حترمي كنسخ إباحة اخلمر املنصوص عليه يف قوله تعاىل‪] :‬‬
‫تتخذون منه سكرا ورزقاً حسناً[(‪ )3‬وغري ذلك‪ .‬وقد يكون النسخ برفع اللفظ – كما سيذكره املصنف‪ .‬وإمنا‬
‫اقتصر على نسخ احلكم ألنه هو الغالب‪.‬‬
‫قوله‪( :‬الثابت باخلطاب املتقدم)‪ :‬هذا صفة للحكم املنسوخ‪ .‬وباخلطاب‪ :‬متعلق بالثابت‪ .‬واملتقدم‪ :‬أي يف‬
‫الورود إىل املكلفني‪ .‬فهو متقدم على اخلطاب الدال على الرفع‪.‬‬
‫وهذا القيد إلخراج رفع احلكم الثابت بالرباءة األصلية فليس بنسخ‪ ،‬ذلك أن ابتداء العبادات يف الشرع‬
‫مزيل حلكم الرباءة األصلية‪ ،‬وهي عدم التكليف‪ ،‬وليس هذا نسخاً‪ ،‬ألن الرباءة مل تثبت خبطاب من الشرع‪.‬‬

‫() سورة احلج‪ ،‬آية‪.52 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة اجلاثية‪ ،‬آية‪.29 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة النحل‪ ،‬آية‪.67 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪80‬‬
‫وقوله‪( :‬على وجه لواله لكان ثابتاً)‪ :‬وجه مبعىن‪ :‬حال‪ .‬والضمري يف قوله (لواله) يعود على اخلطاب الثاين‪.‬‬
‫واسم كان‪ :‬هو احلكم‪ .‬أي حال كونه على وجه لوال ذلك اخلطاب لكان ذلك احلكم ثابتاً‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬مع تراخيه عنه)‪ :‬أي مضي مدة بني الناسخ واملنسوخ‪ ،‬وهذا القيد إلخراج ما إذا كان اخلطاب‬
‫الثاين غري مرتاخ‪ ،‬بل كان متصالً باألول‪ ،‬فال يكون نسخاً بل يكون بياناً كالشرط والصفة واالستثناء‪.‬‬
‫فقوله تعاىل‪] :‬وهلل على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيال[(‪ )1‬فيه رفع حكم وجوب احلج عن غري‬
‫املستطيع‪ ،‬ولكنه ليس بنسخ‪ ،‬ألنه مل يرتاخ عنه‪ ،‬بل هو متصل‪ .‬هكذا قال بعض األصوليني‪.‬وهذا فيه نظر ألن‬
‫التخصيص باملخصص املتصل – وهو البدل هنا – ليس رفعاً للحكم‪ ،‬وإمنا هو بيان أن املخرج غري مراد باحلكم‪،‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫وهذا التعريف مطول ال يليق باملختصرات‪ .‬مع ما يرد عليه من اعرتاضات‪ .‬منها‪ :‬أنه عرف الناسخ دون‬
‫النسخ‪ .‬ومنها‪ :‬أنه غري جامع‪ ،‬ألنه مل يذكر نسخ اللفظ – كما سيأيت – ومنها‪ :‬أن قوله (على وجه ‪ . .‬إخل) زيادة‬
‫حمضة‪ .‬وقد ذكر املصنف هذا التعريف يف كتابه (الربهان)(‪ )2‬مث زيفه‪.‬‬
‫ولو قيل يف تعريفه‪ :‬هو رفع حكم دليل شرعي أو لفظه بدليل من الكتاب أو السنة(‪ ،)3‬لكان أوضح‬
‫وأخصر‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() سورة آل عمران‪،‬آية‪.97 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر الربهان (‪.)2/1294‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر األصول من علم األصول ص‪.33‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪81‬‬
‫أقسام النسخ باعتبار المنسوخ‬

‫(ويجوز نسخ الرسم وبقاء الحكم‪ .‬ونسخ الحكم وبقاء الرسم‪ .‬والنسخ إلى بدل وإ لى غير بدل‪،‬‬
‫وإ لى ما هو أغلظ وإ لى ما هو أخف)‪.‬‬
‫املنسوخ‪ :‬هو احلكم الشرعي الذي انتهى بالدليل املتأخر‪ .‬وقد يسمى الدليل األول منسوخاً‪ .‬وهو املراد‬
‫هنا‪ .‬وهذا الدليل إما قرآن‪ .‬أو سنة‪.‬‬
‫قوله (وجيوز نسخ الرسم وبقاء احلكم) هذا النوع األول‪ .‬فينسخ اللفظ ويبقى احلكم معموالً به‪ .‬وقد ذكر‬
‫اآلمدي رمحه اهلل أن العلماء متفقون على جواز نسخ الرسم دون احلكم خالفاً لطائفة شاذة من املعتزلة(‪.)1‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬آية الرجم‪ .‬فعن عمر رضي اهلل عنه أنه قال‪" :‬كان فيما أنزل آية الرجم فقرأناها ووعيناها‬
‫وعقلناها‪ .‬ورجم رسول اهلل ‪ r‬رمجنا بعده ‪ . . .‬احلديث"(‪.)2‬‬
‫فهذا يدل على نزول آية الرجم‪ .‬وأهنا نسخت‪ .‬وبقي حكمها لقوله‪( :‬ورمجنا بعده)‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما احلكمة من نسخ الرسم وبقاء احلكم؟ فاجلواب ما نقله الزركشي يف الربهان عن ابن اجلوزي‬
‫أنه قال‪( :‬إمنا كان كذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه األمة يف املسارعة إىل بذل النفوس بطريق الظن من غري‬
‫استفصال لطلب طريق مقطوع به‪ .‬فيسرعون بأيسر شيء‪ ،‬كما سارع اخلليل إىل ذبح ولده مبنام‪ ،‬أدىن طرق‬
‫الوحي)(‪ )3‬ا هـ‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ونسخ احلكم وبقاء الرسم) هذا النوع الثاين من أنواع النسخ باعتبار املنسوخ‪ .‬وهو أن ينسخ احلكم‬
‫الشرعي ويبقى اللفظ الدال عليه غري معمول به‪ .‬وهذا أكثر أنواع النسخ‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬قوله تعاىل‪] :‬إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفاً من‬
‫الذين كفروا بأنهم قوم ال يفقهون[(‪ )4‬فقد دلت اآلية على وجوب مصابرة العشرين من املسلمني املائتني من‬
‫الكفار‪ .‬ومصابرة املائة األلف‪ .‬فنسخ هذا احلكم بقوله تعاىل‪] :‬اآلن خفف اهلل عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن‬
‫يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين[(‪.)5‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ما احلكمة من بقاء التالوة مع نسخ احلكم؟ فاجلواب من وجهني‪:‬‬
‫األول‪ :‬بقاء ثواب التالوة‪ .‬فإن القرآن كما يتلى ليعرف احلكم منه ويعمل به‪ ،‬فهو يتلى ليثاب عليه القارئ‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬تذكري األمة حبكمة النسخ‪ ،‬وال سيما ما فيه ختفيف ورفع املشقة‪.‬‬

‫() اإلحكام لآلمدي (‪.)3/154‬‬ ‫‪1‬‬

‫() رواه البخاري (‪ )6442‬ومسلم ‪ .)1691‬وهو حديث طويل‪ .‬وانظر مقاالً يف أسانيد آية الرجم‪ .‬يف جملة (احلكمة) العدد السابع ص‪.235‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر الربهان يف علوم القرآن (‪.)2/37‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة األنفال‪ ،‬آية ‪.65‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة األنفال‪ ،‬آية‪.66 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪82‬‬
‫وبقي نوع ثالث مل يذكره املصنف وهو نسخ احلكم والرسم معاً‪ ،‬ومثاله‪ :‬ما ورد عن عائشة رضي اهلل‬
‫عنها قالت‪" :‬كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات حيرمن‪ ،‬مث نسخن خبمس معلومات فتويف رسول‬
‫اهلل ‪ r‬وهن فيما يقرأ من القرآن"‪ .‬ويف رواية‪( :‬نزل يف القرآن "عشر رضعات معلومات" مث أنزل أيضاً مخس‬
‫معلومات")(‪.)1‬‬
‫فآية التحرمي بعشر رضعات منسوخ لفظها وحكمها‪ .‬وهذا معلوم عند الصحابة رضي اهلل عنهم بدليل أهنم‬
‫مل يثبتوها حني مجعوا القرآن‪ .‬وأما آية اخلمس رضعات فهي مما نسخ رمسه وبقي حكمه‪ .‬بدليل أن الصحابة رضي‬
‫اهلل عنهم حني مجعوا القرآن مل يثبتوا رمسها‪ ،‬وحكمها باق عندهم‪.‬‬
‫وقول عائشة رضي اهلل عنها‪" :‬وهن فيما يقرأ من القرآن" أي يتلى حكمها دون لفظها‪ ،‬وقال البيهقي‪:‬‬
‫املعىن‪ :‬أنه يتلوه من مل يبلغه نسخ تالوته(‪.)2‬‬
‫قوله‪( :‬والنسخ إىل بدل وإىل غري بدل‪ ،‬وإىل ما هو أغلظ وأخف) هذا معطوف على ما قبله‪ .‬أي‪ :‬وجيوز‬
‫النسخ إىل بدل وإىل غري بدل‪ .‬ومعىن‪( :‬إىل بدل) أن يأيت حكم آخر بدل احلكم املنسوخ‪ .‬وهذا النوع ال خالف‬
‫فيه‪.‬‬
‫ومعىن (إىل غري بدل) أن يزول احلكم السابق وال خيلفه حكم آخر‪ .‬وهذا مذهب اجلمهور‪ .‬ومثلوه بنسخ‬
‫وجوب تقدمي الصدقة بني يدي جنوى رسول اهلل ‪ r‬يف قوله تعاىل‪] :‬يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا‬
‫بين يدي نجواكم صدقة[(‪ )3‬نسخت بقوله تعاىل‪] :‬ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذا لم تفعلوا‬
‫وتاب اهلل عليكم فأٌقيموا الصالة وءاتوا الزكاة[(‪.)4‬‬
‫وقد منع هذا النوع الظاهرية‪ .‬وأيّد ذلك الشيخ حممد األمني الشنقيطي رمحه اهلل‪ ،‬وقال‪ :‬إن القول بالنسخ‬
‫إىل غري بدل قول باطل‪ .‬وإن قال به مجهور العلماء‪ ،‬ألن اهلل تعاىل يقول‪] :‬ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير‬
‫منها أو مثلها[(‪.)5‬‬
‫وأجاب عن آية الصدقة بأن الذي نسخ هو الوجوب‪ ،‬وأما االستحباب فهو باق مل ينسخ‪ .‬فالنسخ إىل‬
‫بدل(‪ .)6‬وورد هذا اجلواب عن الكمال بن اهلمام صاحب التحرير(‪.)7‬‬
‫والقول باجلواز أظهر لقوة مأخذه‪ .‬وأما ما استدل به املانعون من اآلية الكرمية‪ .‬فعنه ثالثة أجوبة‪:‬‬

‫() رواه مسلم ‪.1452‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر إرشاد الفحول ص‪ 190 ،189‬وشرح النووي على حديث عائشة رضي اهلل عنها عند رقم ‪.1452‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة اجملادلة‪ ،‬آية‪.12 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة اجملادلة‪ ،‬آية‪.13 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.106 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() انظر أضواء البيان (‪ )3/362‬ومذكرة الشنقيطي على الروضة ص‪ .79‬وإرشاد الفحول ص‪.187‬‬ ‫‪6‬‬

‫() التحرير (‪.)3/386‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪83‬‬
‫األول‪ :‬أن املراد باآلية – هنا – نظم اجلملة ولفظها‪ .‬لورود ذلك يف كتاب اهلل تعاىل يف أكثر من موضع‪.‬‬
‫قال تعاىل‪] :‬يتلوا عليهم آياته ويزكيهم[(‪ )1‬واألصل يف اإلطالق احلقيقة‪ ،‬وال يصرف اللفظ عن ظاهره‪ .‬إال بدليل‪.‬‬
‫وال دليل هنا‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬سلمنا أن املراد نسخ احلكم‪ .‬وهذا ال يعارض النسخ إىل غري بدل‪ ،‬ألن اهلل تعاىل عليم حكيم‪ .‬فقد‬
‫يكون عدم احلكم خرياً من ذلك احلكم املنسوخ‪ .‬يف نفعه للناس‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬سلمنا أن املراد نسخ احلكم‪ .‬لكنه عام دخله التخصيص مبا نسخ إىل غري بدل‪ .‬وختصيص العموم‬
‫جائز‪ .‬واهلل أعلم(‪.)2‬‬
‫وأما إجابتهم عن آية الصدقة وأنه نسخ الوجوب وبقي االستحباب‪ .‬فهذا فيه نظر‪ .‬فإن اآلية (أأشفقتم) مل‬
‫تثبت حكماً تكليفياً آخر‪ .‬وكون التصدق مندوباً إليه‪ .‬إن كان هبذا الناسخ فال دليل فيه‪ .‬وإن كان باألدلة العامة‬
‫اليت ندبت إىل التصديق فهذا مسلم‪ .‬لكنها خاصة باملوسرين وهي عامة يف مجيع األوقات‪ .‬وتقدمي الصدقة عند‬
‫املناجاة كان واجباً على األغنياء والفقراء على السواء واهلل أعلم(‪.)3‬‬
‫قوله‪( :‬وإىل ما أغلظ وإىل ما هو أخف) أي‪ :‬أن النسخ على بدل‪ .‬قد يكون (إىل بدل أغلظ) أي‪ :‬إىل‬
‫حكم أثقل من احلكم املنسوخ‪( .‬وإىل بدل أخف) أي‪ :‬أقل مشقة من املنسوخ‪ .‬وبقي نوع ثالث وهو‪ :‬على بدل‬
‫مسا ٍو‪ .‬فاألنواع ثالثة‪.‬‬
‫أما األول‪ :‬وهو النسخ إىل بدل أثقل‪ .‬فجوزه اجلمهور لوقوعه‪ .‬ومثاله نسخ التخيري بني صيام رمضان‬
‫واإلطعام يف قوله تعاىل‪] :‬وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكني فمن تطوع خرياً فهو خري له وأن تصوموا خري‬
‫لكم إن كنتم تعلمون[(‪ .)4‬نسخ بقوله تعاىل‪] :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه[(‪ )5‬الدال على وجوب الصيام يف حق‬
‫املقيم الصحيح أداء‪ ،‬واملسافر واملريض قضاء‪ .‬وإجياب الصيام أثقل من التخيري بينه وبني اإلطعام‪.‬‬
‫ومنع ذلك بعض الظاهرية وبعض الشافعية حمتجني بآيات التيسري والتخفيف ورفع احلرج عن هذه األمة‪.‬‬
‫كقوله تعاىل‪] :‬يريد اهلل بكم اليسر وال يريد بكم العسر[(‪ )6‬وقوله تعاىل‪] :‬يريد اهلل أن خيفف عنكم[(‪ )7‬وال ختفيف يف‬
‫نسخ األخف إىل األثقل‪ ،‬بل هو التثقيل‪ .‬وإرادة العسر‪.‬‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.164 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر اإلحكام لآلمدي (‪ ،)150 ،3/149‬احملصول للرازي (‪.)1/3/479‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر كتاب (النسخ يف دراسات األصوليني) ص‪.268 ،267‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.184 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪185 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.185 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.28 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪84‬‬
‫وال دليل يف ذلك ألن احلكم اجلديد يكون ميسراً على املكلفني ال مشقة فيه‪ .‬وثقله وصف له بالنسبة إىل ما‬
‫قبله‪ .‬مع ما فيه من زيادة النفع‪ .‬وعظيم األجر‪.‬‬
‫وأما الثاين وهو النسخ إىل بدل أخف‪ .‬فال خالف يف جوازه‪ ،‬ومثاله‪ :‬آيتا املصابرة ]إن يكن منكم عشرون‬
‫صابرون يغلبوا مائتني[(‪ )1‬مث قال سبحانه ]فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتني[(‪ )2‬فمصابرة مسلم واحد الثنني‬
‫من الكفار أخف من مصابرة الواحد لعشرة منهم‪.‬‬
‫وأما الثالث وهو النسخ إىل بدل مساو فمثاله‪ :‬نسخ استقبال بيت املقدس الثابت بالسنة كما يف حديث‬
‫الرباء رضي اهلل عنه أنه ‪ r‬صلى إىل بيت املقدس بعد اهلجرة بضعة عشر شهراً(‪ .)3‬نسخ هذا باستقبال الكعبة الثابت‬
‫بقوله تعاىل‪] :‬فول وجهك شطر املسجد احلرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره[(‪ )4‬فاستقبال الكعبة مسا ٍو‬
‫الستقبال بيت املقدس بالنسبة لفعل املكلف‪ .‬وهذا النوع ال خالف فيه كالذي قبله‪.‬‬

‫() سورة األنفال‪ ،‬آية‪.65 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة األنفال‪ ،‬آية‪.66 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم (‪ )40‬ومسلم (‪.)525‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.144 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪85‬‬
‫أنواع النسخ باعتبار الناسخ‬

‫(ويجوز نسخ الكتاب بالكتاب‪ ،‬ونسخ السنة بالكتاب وبالسنة‪ ،‬ويجوز نسخ المتواتر بالمتواتر‪،‬‬
‫ونسخ اآلحاد باآلحاد وبالمتواتر‪ ،‬وال يجوز نسخ الكتاب بالسنة‪ .‬وال المتواتر باآلحاد‪ ،‬ألن الشيء‬
‫ينسخ بمثله وبما هو أقوى منه)‪.‬‬
‫تقدم أن الناسخ هو اهلل تعاىل ألنه هو الرافع للحكم‪ .‬دل على ذلك خطابه املتأخر الدال على انتهاء احلكم‬
‫الشرعي‪ .‬ويطلق الناسخ على الدليل نفسه – وهو املراد هنا – وهو إما كتاب أو سنة‪.‬‬
‫وقد ذكر املصنف مسائل النسخ بني الكتاب والسنة وبني ما جيوز وما ال جيوز‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وجيوز نسخ الكتاب بالكتاب) هذا النوع األول من أنواع الناسخ وهو أن يكون قرآنا‪ .‬واملنسوخ‬
‫قرآن مثله‪ .‬وهذا النوع ال خالف فيه‪ .‬وتقدمت أمثلته‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ونسخ السنة بالكتاب) هذا النوع الثاين وهو أن يكون الناسخ قرآنا واملنسوخ سنة‪ .‬وهذا قول‬
‫اجلمهور‪ .‬ألن القرآن والسنة من عند اهلل تعاىل‪ .‬غري أن القرآن متعبد بتالوته‪ .‬والسنة غري متعبد بتالوهتا‪ .‬ونسخ‬
‫حكم أحد الوحيني غري ممتنع‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬إن املباشرة واألكل والشراب يف ليايل الصيام كانت حمرمة بالسنة‪ .‬ملا ورد يف حديث ابن عباس‬
‫"كان الناس على عهد رسول اهلل ‪ r‬إذا صلوا العتمة حرم عليهم الطعام والشراب والنساء وصاموا إىل القابلة"(‪ .)1‬فنسخ‬
‫ذلك بقوله تعاىل‪] :‬أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم اهلل أنكم كنتم‬
‫تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فاآلن باشروهن[(‪.)2‬‬
‫ومنع الشافعي رمحه اهلل هذا النوع يف إحدى روايتيه لقوله تعاىل‪] :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل‬
‫إليهم[(‪ )3‬ووجه الداللة ‪:‬أنه سبحانه قد جعل السنة بيانًا للقرآن ‪ .‬والناسخ بيان للمنسوخ‪ .‬فلو كان القرآن ناسخاً‬
‫للسنة لكان القرآن بياناً للسنة‪ .‬وهذا ال جيوز‪.‬‬
‫والصحيح قول اجلمهور لوقوعه‪ ،‬وأما اآلية فال يتم االستدالل هبا على املنع‪ ،‬جلواز أن يكون املراد من قوله‬
‫(لتبني)‪ :‬لتبلغ‪ .‬والتبليغ عام‪ ،‬فحمل اآلية عليه أوىل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وبالسنة) أي وجيوز نسخ السنة بالسنة‪ ،‬وهذا هو النوع الثالث‪ ،‬وهو أن يكون الناسخ سنة‬
‫(‪)4‬‬
‫واملنسوخ سنة‪ ،‬ومثاله حديث بريدة رضي اهلل عنه أن النيب ‪ r‬قال‪" :‬كنت هنيتكم عن زيارة القبور فزوروها"‬
‫فقوله‪" :‬كنت هنيتكم" يدل على أن النهي ثابت بالسنة‪.‬‬

‫() حترمي األكل والشرب واملباشرة ورد يف حديث ابن عباس مقيداً بصالة العشاء‪ .‬وورد يف حديث الرباء بن عازب الذي رواه البخاري (‪ )4/129‬تقيد ذلك‬ ‫‪1‬‬

‫بالنوم‪ .‬وهو كذلك يف سائر األحاديث ولعل ذكر صالة العشاء لكون ما بعدها مظنة النوم غالباً وحديث ابن عباس رواه أبو داود (‪ )6/425‬عون املعبود)‪.‬‬
‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.187 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة النحل‪ ،‬آية‪.44 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() تقدم خترجيه ص‪ 86‬وانظر حتفة األحوذي (‪.)4/158‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪86‬‬
‫قوله‪( :‬وجيوز نسخ املتواتر باملتواتر) أي وجيوز نسخ املتواتر من الكتاب أو السنة‪ .‬باملتواتر‪ .‬فهما قسمان‪:‬‬
‫األول‪ :‬نسخ الكتاب بالسنة باملتواترة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬نسخ السنة املتواترة بالسنة املتواترة‪.‬‬
‫أما األول فمذهب اجلمهور جوازه‪ .‬وذهب الشافعي وأمحد يف املشهور عنه إىل عدم اجلواز‪ .‬احتج اجلمهور‬
‫بأن الكل وحي من اهلل‪ .‬واستدل الشافعي بقوله تعاىل‪] :‬ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها[‬
‫(‪)1‬‬

‫والسنة ليست خرياً من القرآن وال مثله(‪.)2‬‬


‫والراجح – واهلل أعلم – اجلواز‪ ،‬ألن الناسخ حقيقة هو اهلل عز وجل على لسان رسول اهلل ‪ r‬فإن كل ما‬
‫صح عن رسول اهلل ‪ r‬فأحكامه من اهلل‪ .‬قال تعاىل‪] :‬وما ينطق عن الهوى(‪ )3‬إن هو إال وحي يوحى(‪ )3([)4‬وحمل‬
‫النـزاع احلكم وليس اللفظ‪ ،‬وعليه فإن لفظ (خبري منها أو مثلها) يكون من السنة كما يكون من القرآن‪ .‬فاألحكام‬
‫كلها من اهلل تعاىل (إن احلكم إال هلل) واهلل أعلم‪.‬‬
‫وقد مثلوا لذلك بقوله تعاىل‪] :‬كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين‬
‫واألقربين[(‪ )4‬فنسخت هذه الوصية للوالدين حبديث "ال وصية لوارث"‪ .‬فإن اإلمجاع منعقد على معىن هذا احلديث‪.‬‬
‫وهذا املثال فيه نظر‪ .‬فإن احلديث آحاد(‪ .)5‬مث أن من شروط النسخ تعذر اجلمع بني الدليلني‪ ،‬وهنا ميكن‬
‫اجلمع عن طريق التخصيص‪ ،‬بأن خيرج من اآلية الوارث منهما فال وصية له مبقتضى احلديث فتكون اآلية يف حق‬
‫غري الوارث‪ ،‬واحلديث يف حق الوارث‪ .‬وقد ذكر بعض احملققني أن الناسخ هو آية املواريث‪ .‬واحلديث بيان للناسخ‬
‫واهلل أعلم(‪.)6‬‬
‫وأما الثاين‪ :‬وهو نسخ السنة املتواترة بالسنة املتواترة‪ ،‬فهو جممع عليه بني القائلني بالنسخ‪ .‬قال يف شرح‬
‫الكوكب املنري‪( :‬وأما مثال نسخ متواتر السنة مبتواترها فال يكاد يوجد ‪.)7() . .‬‬
‫قوله‪( :‬ونسخ اآلحاد باآلحاد) أي وجيوز نسخ اآلحاد باآلحاد‪ ،‬وهذا جممع عليه بني القائلني بالنسخ‪ .‬الحتاد‬
‫الناسخ واملنسوخ يف املرتبة والقوة‪ .‬ومثاله تقدم يف حديث بريدة رضي اهلل عنه‪ .‬قال يف شرح الكوكب املنري‪( :‬وله‬
‫أمثله كثرية)(‪.)8‬‬
‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.106 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الرسالة للشافعي (‪ )108 ،1/106‬وقد روى ذلك احلازمي عن الشافعي وأمحد بسند متصل إليهما يف كتابه (االعتبار ص‪.)57‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة النجم‪ ،‬اآليتان‪.4 ،3 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.180 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() لكن قالوا‪ :‬إنه متواتر معىن لإلمجاع على معناه‪ ،‬انظر نظم املتناثر من احلديث املتواتر ص‪.167‬‬ ‫‪5‬‬

‫() انظر نثر الورود (‪.)1/346‬‬ ‫‪6‬‬

‫() شرح الكوكب املنري (‪.)5613‬‬ ‫‪7‬‬

‫() املرجع السابق‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪87‬‬
‫قوله‪( :‬وباملتواتر)‪ :‬أي و جيوز نسخ اآلحاد باملتواتر‪ ،‬ألنه أقوى منه‪ .‬وهذا – أيضاً – حمل اتفاق‪ .‬قال يف‬
‫شرح الكوكب املنري‪( :‬ولكن مل يقع)(‪.)1‬‬
‫قوله‪( :‬وال جيوز نسخ الكتاب بالسنة) هذا هو النوع الرابع‪ ،‬وهو أن يكون الناسخ سنة واملنسوخ قرآناً‪.‬‬
‫واملراد بالسنة هنا‪ :‬غري املتواترة‪ .‬ألن نسخ القرآن بالسنة املتواترة تقدم ذكره عند قوله (وجيوز نسخ املتواتر‬
‫باملتواتر)‪ .‬فيكون املراد بالسنة هنا‪ :‬اآلحاد‪ .‬فاآلحاد ال ينسخ القرآن‪ ،‬ألن القوي ال ينسخ بأضعف منه كما سيأيت‪.‬‬
‫وهذه العبارة موجودة يف بعض نسخ الورقات‪ .‬ويشكل عليه قوله (وال جيوز نسخ املتواتر باآلحاد) ألن املتواتر‬
‫يشمل الكتاب والسنة‪ ،‬فيكون تكراراً إال أن يكون قوله (املتواتر) خاصاً بالسنة‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫وقد ذهب املؤلف رمحه اهلل يف كتابه (الربهان) إىل جواز نسخ الكتاب والسنة‪ .‬وذكر ما يؤيد ذلك(‪.)2‬‬
‫قوله‪( :‬وال املتواتر باآلحاد) أي ال جيوز شرعاً نسخ املتواتر كالقرآن والسنة املتواترة باآلحاد‪ .‬ألنه دونه يف‬
‫القوة‪ ،‬ألن املتواتر قطعي واآلحاد ظين‪ ،‬والشيء إمنا ينسخ مبثله‪ ،‬أو مبا هو أقوى منه‪ .‬كما تقدم‪.‬‬
‫وهذا مذهب اجلمهور‪ .‬وذهب مجاعة من أهل الظاهر منهم ابن حزم إىل جوازه‪ ،‬وهي رواية عن أمحد‪.‬‬
‫وهو الراجح إن شاء اهلل‪ ،‬ألن القطعي هو اللفظ وحمل النسخ هو احلكم‪ .‬وال يشرتط يف ثبوته التواتر‪ .‬ألن الداللة‬
‫باللفظ املتواتر قد تكون ظنية‪ .‬جلواز أن يكون املراد غري ذلك فحينئذ مل يرفع الظين إال بالظين‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬ما رواه عبد اهلل بن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬بينما الناس بقباء يف الصالة الصبح إذ جاءهم‬
‫آت فقال‪ :‬إن رسول اهلل ‪ r‬قد أنزل عليه القرآن‪ .‬وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها‪ .‬وكانت وجوههم إىل‬
‫الشام فاستداروا إىل الكعبة)(‪.)3‬‬
‫ووجه الداللة‪ :‬أن وجوب التوجه إىل بيت املقدس كان ثابتاً بالسنة املتواترة‪ ،‬ألنه مل يوجد يف القرآن ما‬
‫يدل عليه‪ .‬وهؤالء قبلوا خرب الواحد وعملوا به يف نسخ ما تقرر عندهم بطريق العلم‪ ،‬والنيب ‪ r‬مل ينكر عليهم‪ ،‬فدل‬
‫على اجلواز‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() املرجع السابق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الربهان (‪.)2/851‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه البخاري (‪ )395‬ومسلم (‪.)526‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪88‬‬
‫التعارض بين األدلة‬

‫(إذا تعارض نطقان فال يخلو‪ :‬إما أن يكونا عامين‪ ،‬أو خاصين‪ ،‬أو أحدهما عاما واآلخر خاصاً‪،‬‬
‫أو كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه‪ .‬فإن كانا عامين وأمكن الجمع بينهما جمع‪،‬‬
‫وإ ن لم يمكن الجمع بينهما يتوقف فيهما إن لم يعلم التاريخ‪ .‬فإن علم التاريخ فينسخ المتقدم‬
‫بالمتأخر‪ ،‬وكذلك إن كانا خاصين‪ .‬وإ ن كان أحدهما عاما واآلخر خاصاً فيخصص العام‬
‫بالخاص‪ .‬وإ ن كان كل واحد منهما عاماً من وجه وخاصاً من وجه فيخصص عموم كل واحد‬
‫منهما بخصوص اآلخر)‪.‬‬
‫عين األصوليون مبباحث التعارض والرتجيح بعد مباحث األدلة الشرعية – الكتاب والسنة واإلمجاع‬
‫والقياس – وذلك ألن هذه األدلة قد يقع بينها تعارض وال ميكن إثبات احلكم إال بإزالة هذا التعارض‪.‬‬
‫واعلم أن التعارض بني نصوص الشريعة غري موجود يف احلقيقة‪ ،‬لكن قد يقع ذلك حبسب نظر اجملتهد‪ :‬إما‬
‫لنقص يف علمه أو خلل يف فهمه‪ ،‬وهو تعارض يف الظاهر ال ميكن أن يقع على وجه ال ميكن فيه اجلمع أو النسخ أو‬
‫الرتجيح‪ .‬وذلك ألن األحكام الشرعية ما شرعت إال جللب املصاحل‪.‬‬
‫وكان األوىل باملصنف أن يؤخر حبث التعارض إىل هناية الكالم على األدلة‪ ،‬كما جرى على ذلك غريه من‬
‫أهل األصول‪ ،‬ألن التعارض يتعلق جبميع األدلة‪ ،‬لكنه خصصه بالكتاب والسنة لقوله (إذا تعارض نطقان) ألن املراد‬
‫هبما‪ :‬قول اهلل تعاىل‪ ،‬وقول الرسول ‪ r‬كما تقدم يف املخصص املنفصل‪.‬‬
‫قوله‪( :‬إذا تعارض نطقان) التعارض لغة‪ :‬تفاعل من العرض – بضم العني – وهو الناحية واجلهة‪ .‬كأن‬
‫الكالم املتعارض يقف بعضه يف عرض بعض أي ناحيته وجهته‪ ،‬فيمنعه من النفوذ إىل حيث وجهه‪ ،‬فهو إذن مبعىن‬
‫التقابل والتمانع‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬تقابل الدليلني حبيث خيالف أحدمها اآلخر‪.‬‬
‫وذلك كأن يكون أحد الدليلني يفيد اجلواز‪ ،‬واآلخر يدل على املنع‪ ،‬فكل منهما مقابل لآلخر وخمالف له‪.‬‬
‫قوله (فال خيلو ‪ ). .‬أي األمر والشأن‪ .‬من أربع حاالت‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬أن يكون بني دليلني عامني‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون بني دليلني خاصني‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن يكون بني دليلني أحدمها عام واآلخر خاص‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬أن يكون بني دليلني كل واحد منهما عام من وجه وخاص من وجه آخر‪.‬‬
‫واملراد بقول املصنف (إذا تعارض نطقان) أي نصان من قول اهلل تعاىل أو من قول رسول ‪.r‬‬
‫أما احلالة األوىل فللخروج من التعارض طرق‪:‬‬

‫‪89‬‬
‫األول‪ :‬أن ميكن اجلمع بني الدليلني املتعارضني‪ ،‬فيجمع بينهما حبيث حيمل كل منهما على حال ال يناقض‬
‫اآلخر‪ .‬واجلمع أوىل من الرتجيح باتفاق أهل األصول‪ ،‬ألن فيه العمل بكال الدليلني‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬قوله ‪" :r‬إذا دبغ اإلهاب فقد طهر"(‪ )1‬أخرجه مسلم عن ابن عباس‪ .‬وعند أهل السنن "أميا إهاب‬
‫دبغ فقد طهر"(‪ .)2‬وقوله ‪" r‬ال تنتفعوا من امليتة بإهاب وال عصب" وهو حديث عبد اهلل بن عكيم‪ ،‬فهذا معارض يف‬
‫الظاهر لألول‪.‬‬
‫فجمع بينهما بأن اإلهاب اسم ملا مل يدبغ‪ .‬وبعد الدبغ يقال له‪ :‬شن وقربه‪ .‬فيكون النهي عن االنتفاع‬
‫باإلهاب ما مل يدبغ‪ ،‬فإذا دبغ مل يسم إهاباً‪ ،‬فال يدخل حتت النهي‪ .‬قال يف سبل السالم (وهو مجع حسن)(‪ )3‬ويف‬
‫املسألة أقوال أخرى‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن جيعل أحدمها ناسخاً لآلخر‪ ،‬وهذا إذا علم التاريخ بأن علم السابق منهما‪ ،‬فيكون املتأخر ناسخاً‬
‫له‪ .‬ويعمل به دون املتقدم‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬قوله تعاىل‪] :‬فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم[(‪ )4‬فهذه اآلية تفيد التخيري بني‬
‫الصيام واإلطعام وترجح الصيام‪ .‬وقوله تعاىل‪] :‬فمن شهد منكم الشهر فليصمه[(‪ )5‬يفيد تعيني الصيام أداء يف حق‬
‫غري املريض واملسافر وقضاء يف حقهما‪ ،‬وهي متأخرة عن األوىل فتكون ناسخة هلا بدليل قول سلمة بن األكوع‬
‫رضي اهلل عنه‪ :‬ملا نزلت ]وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين[(‪ )6‬كان من أراد أن يفطر ويفتدي حىت نزلت‬
‫اآلية اليت بعدها فنسختها)(‪.)7‬‬
‫الثالث‪ :‬فإن مل يعلم التاريخ يتوقف فيهما إىل أن يظهر مرجح ألحدمها على اآلخر فيعمل به‪ .‬وهذا هو‬
‫الطريق الثالث وهو الرتجيح‪ ،‬وهو ال يكون إال بدليل‪ ،‬ألن الرتجيح بال مرجح باطل‪ ،‬والرتجيح هو تقوية أحد‬
‫الطرفني املتعارضني بدليل‪ ،‬وللرتجيح طرق كثرية‪ ،‬بعضها يرجع إىل املـنت‪ ،‬وبعضها يرجع إىل السند‪ ،‬وهي مذكورة‬
‫يف املطوالت‪.‬‬
‫ومثاله قوله ‪" :r‬من مس ذكره فال يصلي حىت يتوضأ"(‪.)8‬‬
‫وهذا مروي عن بسرة بنت صفوان وأيب هريرة وجابر رضي اهلل عنهم وغريهم‪.‬‬

‫() أخرجه مسلم رقم ‪ 366‬وأبو داود رقم ‪ 4123‬والرتمذي رقم ‪ 1728‬والنسائي (‪.)7/173‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه أبو داود رقم ‪ 4128 ،4127‬والرتمذي رقم ‪ 1729‬والنسائي (‪ )7/175‬وهو حديث صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سبل السالم (‪.)1/52‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.184 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.185 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.184 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 4237‬ومسلم رقم ‪.1445‬‬ ‫‪7‬‬

‫() أخرجه الرتمذي رقم ‪ 82‬وأبو داود (‪ )181‬والنسائي (‪ ،)1/100‬وهو حديث صحيح‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪90‬‬
‫وحديث قيس بن طلق عن أبيه رضي اهلل عنه أن النيب ‪ r‬سئل عن الرجل ميس ذكره أعليه الوضوء؟ قال‪:‬‬
‫"ال‪ ،‬إمنا هو بضعة منك"(‪.)9‬‬
‫فهذان حديثان متعارضان يف الظاهر‪ ،‬األول يوجب الوضوء من مس الذكر‪ ،‬والثاين ال يوجبه‪ .‬فريجح‬
‫األول على الثاين ملا يأيت‪:‬‬
‫‪ )1‬أن العمل به أحوط‪.‬‬
‫‪ )2‬ألنه أكثر طرقاً ومصححيه أكثر‪.‬‬
‫‪ )3‬ألنه ناقل عن الرباء األصلية‪ ،‬وهي عدم إجياب الوضوء والناقل يقدم على املبقي‪ .‬ألن مع الناقل زيادة‬
‫علم حيث أفاد حكماً شرعيّا ليس موجوداً عند املبقي على األصل‪ .‬وهذا عند اجلمهور‪.‬‬
‫والرتجيح هو أحد األقوال يف املسألة‪ ،‬ومن العلماء من قال بالنسخ‪ ،‬ومنهم من قال باجلمع(‪.)2‬‬
‫أما احلالة الثانية من أحوال التعارض فهي أن يكون بني دليلني خاصني كما تقدم‪ ،‬وللخروج من التعارض طرق‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫األول‪ :‬اجلمع كما تقدم‪ .‬ومثاله‪ :‬حديث جابر يف صفة حجة النيب ‪ r‬أنه ‪ r‬صلى الظهر يوم النحر مبكة‬
‫وحديث ابن عمر رضي اهلل عنهما أنه ‪ r‬صالها مبىن(‪.)4‬‬
‫قال النووي‪( :‬ووجه اجلمع بينهما أنه ‪ r‬طاف لإلفاضة قبل الزوال‪ ،‬مث صلى الظهر مبكة يف أول وقتها‪ ،‬مث‬
‫رجع إىل مىن‪ ،‬فصلى هبا الظهر مرة أخرى بأصحابه حني سألوه ذلك ‪.)5() . .‬‬
‫الثاين‪ :‬فإن مل ميكن اجلمع فالثاين ناسخ إن علم التاريخ‪ .‬ومثاله‪ :‬قوله تعاىل ]يا أيها النبي إنّا أحللنا‬
‫أزواجك التي آتيت أجورهن[(‪ )6‬وقوله تعاىل‪] :‬ال يحل لك النساء من بعد وال أن تبدل بهن من أزواج ولو‬
‫أعجبك حسنهن[(‪ )7‬اآلية‪ ،‬فالثانية ناسخة لألوىل‪ .‬فحرم اهلل تعاىل على نبيه ‪ r‬أن يتزوج على نسائه‪ ،‬واإلباحة دلت‬
‫عليها اآلية األوىل‪ .‬وهذا على أحد األقوال(‪.)8‬‬
‫الطريق الثالث‪ :‬إذا مل ميكن النسخ فالرتجيح‪ .‬ومثاله حديث ميمونة رضي اهلل عنها أن النيب ‪ r‬تزوجها وهو‬
‫حالل(‪ )9‬وحديث ابن عباس رضي اهلل عنهما أن النيب ‪ r‬تزوجها وهو حمرم(‪.)10‬‬
‫فريى مجع من أهل العلم ترجيح األول ملا يأيت‪:‬‬

‫() أخرجه أبو داود رقم ‪ 183 ،182‬والرتمذي رقم ‪ 85‬والنسائي (‪ )1/101‬وهو حديث صحيح‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫() انظر حتفة األحوذي (‪.)1/275‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه مسلم رقم ‪ 1218‬من حديث جابر رضي اهلل عنه‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه مسلم رقم ‪ .1308‬وانظر لزاما فتح الباري (‪ )3/567‬وتغليق التعليق البن حجر (‪.)3/101‬‬ ‫‪4‬‬

‫() شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)8/443‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.50 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() سورة األحزاب‪ ،‬آية‪.52 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫() انظر اإليضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ملكي ص‪.336‬‬ ‫‪8‬‬

‫() أخرجه مسلم رقم ‪.1411‬‬ ‫‪9‬‬

‫() أخرجه البخاري (‪ )4824‬ومسلم رقم ‪.1410‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪91‬‬
‫أن ميمونة صاحبة القصة‪ ،‬وال شك أن صاحب القصة أدرى مبا جرى له يف نفسه من غريه‪.‬‬ ‫‪)1‬‬
‫ومن قواعد الرتجيح أن خرب صاحب الواقعة املروية مقدم على خرب غريه‪ ،‬ألنه أعرف باحلال من غريه‪.‬‬
‫ألن حديثها مؤيد حبديث أيب رافع رضي اهلل عنه أن النيب ‪ r‬تزوجها وهو حالل‪ .‬قال‪ :‬وكنت‬ ‫‪)2‬‬
‫الرسول بينهما(‪ )1‬فأبو رافع رضي اهلل عنه هو رسوله إليها خيطبها عليه فهو مباشر للواقعة‪ ،‬وابن عباس‬
‫ليس كذلك‪.‬‬
‫أن ميمونة وأبا رافع كانا بالغني وقت حتمل احلديث املذكور‪ ،‬وابن عباس ليس ببالغ وقت‬ ‫‪)3‬‬
‫التحمل‪ ،‬وعند األصوليني ترجيح خرب الراوي املتحمل بعد البلوغ على املتحمل قبله‪ ،‬ألن البالغ أضبط‬
‫من الصيب ملا حتمل(‪.)2‬‬
‫احلالة الثالثة من أحوال التعارض‪ :‬أن يكون بني دليلني أحدمها عام واآلخر خاص‪ ،‬فيخصص العام باخلاص‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬قوله تعاىل‪] :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما[(‪ )3‬فهذه اآلية دلت على وجوب القطع يف القليل‬
‫والكثري‪ .‬وحديث‪" :‬ال تقطع يد سارق إال يف ربع دينار فصاعداً"(‪ )4‬يدل على حتديد نصاب القطع‪ ،‬فيكون احلديث‬
‫خمصصاً لعموم اآلية على مذهب اجلمهور واهلل أعلم‪.‬‬
‫احلالة الرابعة‪ :‬أن يكون التعارض بني دليلني أحدمها أعم من اآلخر من وجه‪ ،‬وأخص من وجه آخر‪ ،‬فيجمع‬
‫بينهما بأن خيصص عموم كل واحد منهما خبصوص اآلخر إن دل على ذلك دليل‪ .‬ومثاله‪ :‬قوله تعاىل‪] :‬والذين‬
‫بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا[(‪ )5‬فهذه اآلية عامة يف احلامل وغريها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن‬
‫حملهن[(‪ )6‬خاصة باحلامل عامة يف املتوىف‬
‫ّ‬ ‫أجلهن أن يضعن‬
‫ّ‬ ‫وخاصة باملتوىف عنها‪ .‬وقوله تعاىل‪] :‬وأوالت األحمال‬
‫عنها وغريها‪ .‬فيخصص عموم األوىل والثانية‪ ،‬فتخرج احلامل من عموم األوىل‪ ،‬وتكون عدهتا وبضع احلمل‪ ،‬سواء‬
‫كانت متوىف عنها أم غريها‪.‬‬
‫وقد دل على هذا التخصيص حديث سبيعة األسلمية أهنا وضعت بعد وفاة زوجها بليال‪ ،‬فأفتاها النيب ‪ r‬أن‬
‫تتزوج(‪ )7‬فدل ذلك على أن احلامل املتوىف عنها غري داخلة يف عموم آية البقرة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() أخرجه الرتمذي رقم ‪ 841‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر أضواء البيان (‪.)5/367‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة املائدة‪ ،‬آية‪.38 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 6407‬ومسلم رقم ‪ ،1684‬واللفظ له عن عائشة رضي اهلل عنها‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.234 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة الطالق‪ ،‬آية‪.4 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 3770‬ومسلم رقم ‪.1484‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪92‬‬
‫اإلجمــاع‬

‫(وأما اإلجماع فهو اتفاق علماء العصر على حكم الحادثة‪ .‬ونعني بالعلماء‪ :‬الفقهاء‪ .‬ونعني‬
‫بالحادثة‪ :‬الحادثة الشرعية‪ .‬وإ جماع هذه األمة حجة دون غيرها‪ ،‬لقوله ‪( r‬ال تجتمع أمتي على‬
‫ضاللة) والشرع ورد بعصمة هذه األمة)‪.‬‬
‫هذا هو الدليل الثالث من األدلة املتفق عليها‪ ،‬وهو اإلمجاع بعد الكتاب والسنة‪ .‬واإلمجاع لغة‪ :‬العزم‬
‫واالتفاق‪ .‬واصطالحاً‪ :‬اتفاق علماء العصر على حكم احلادثة‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬اتفاق)‪ :‬هذا قيد خيرج وجود خالف ولو كان املخالف واحداً إذا كان يعتد به فال ينعقد اإلمجاع‪.‬‬
‫قوله‪( :‬علماء العصر) فسره بأن املراد هبم الفقهاء وهم اجملتهدون‪،‬وهذا القيد خيرج املقلدين والعوام‪ ،‬فال‬
‫عربة هبم يف اإلمجاع وفاقاً وال خالفاً‪ .‬كما خيرج العلماء غري الفقهاء كالنحويني واللغويني وغريهم‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬على حكم احلادثة) اجلار واجملرور متعلق بقوله (اتفاق) واملراد هبا هنا احلادثة الشرعية‪ ،‬ألهنا حمل‬
‫نظر الفقهاء‪ ،‬وهذا القيد خيرج االتفاق على حكم غري شرعي كلغوي‪ ،‬فال مدخل له يف اإلمجاع‪ ،‬ألن الغرض‬
‫البحث يف اإلمجاع‪ ،‬على أنه من األدلة الشرعية‪.‬‬
‫وبقي قيدان‪:‬‬
‫األول‪ :‬علماء العصر من هذه األمة‪ :‬إلخراج اتفاق علماء الشرائع السابقة فال يعترب كما ذكره املصنف‪،‬‬
‫ولعله تركه لوضوحه أو اكتفاء بذكره مستقالً‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬بعد النيب ‪ :r‬إلخراج اتفاق الصحابة يف عهد النيب ‪ r‬فال يكون إمجاعاً من حيث كونه دليالً‪ ،‬ألن‬
‫الدليل حصل بسنة النيب ‪ r‬من قول أو فعل أو تقرير‪ ،‬وإذا قال الصحايب‪ :‬كنّا نفعل أو كانوا يفعلون كذا على عهد‬
‫النيب ‪ r‬كان ذلك من املرفوع حكماً‪ ،‬وليس نقالً لإلمجاع‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وإمجاع هذه اآلية حجة دون غريها) أي‪ :‬واإلمجاع حجة شرعية‪ ،‬جيب العمل به على كل مسلم‪.‬‬
‫واملراد اإلمجاع القويل الصريح‪ .‬وقوله‪( :‬دون غريها) أي غري هذه األمة من األمم السابقة‪ ،‬فليس إمجاعهم حجة‬
‫علينا جيب اتباعها‪ ،‬ومن األدلة على أن اإلمجاع حجة قوله تعاىل ]وكذلك جعلناكم أمة وسطا[(‪ )1‬أي عدوالً‪،‬‬
‫ومقتضى ذلك أهنم عصموا من اخلطأ فيما أمجعوا عليه قوالً وفعالً(‪.)2‬‬
‫ومن األدلة‪ :‬قوله ‪" r‬ال جتتمع أميت على ضاللة)(‪ )3‬ووجه الداللة‪ :‬أن عموم احلديث ينفي وجود الضاللة‪،‬‬
‫واخلطأ ضاللة فال جيوز اإلمجاع عليه‪ ،‬فيكون ما أمجعوا عليه ح ّقا فوجب اتباعه‪.‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.143 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر فتح الباري (‪.)13/317‬‬ ‫‪2‬‬

‫بعضا‪ ،‬وله شواهد تؤيد معناه‪ .‬انظر‬


‫() رواه أبو داود رقم ‪ 4253‬والرتمذي رقم ‪ 2167‬واللفظ له‪ .‬ويف سنده ضعف‪ ،‬ولكنه ورد من طرق يقوي بعضها ّ‬
‫‪3‬‬

‫(املعترب) للزركشي ص‪ 57‬وانظر السنة البن أيب عاصم (‪.)1/41‬‬


‫‪93‬‬
‫من مسائل اإلجماع‬

‫(واإلجماع حجة على العصر الثاني وفي أي عصر كان‪ ،‬وال يشترط انقراض العصر على‬
‫الصحيح‪ ،‬فإن قلنا‪ :‬انقراض العصر شرط يعتبر قول من ولد في حياتهم وتفقه وصار من أهل‬
‫االجتهاد‪ ،‬ولهم أن يرجعوا عن ذلك الحكم‪ ،‬واإلجماع يصح بقولهم وبفعلهم‪ ،‬وبقول البعض وبفعل‬
‫البعض‪ ،‬وانتشار ذلك وسكوت الباقين عنه)‪.‬‬
‫ذكر املصنف بعض مسائل اإلمجاع ومنها‪:‬‬
‫قوله‪( :‬واإلمجاع حجة على العصر الثاين ‪ ) . .‬أي أن اإلمجاع حجة جيب األخذ به على أهل العصر الثاين‬
‫بالنسبة لعصر أهل االجتهاد؛ فإذا أمجع الصحابة رضي اهلل عنهم على حكم شرعي فليس للتابعني أن خيالفوا هذا‬
‫اإلمجاع‪ ،‬بل هو حجة عليهم وعلى من بعدهم يف أي عصر من العصور‪ ،‬ألن اإلمجاع مينع من حدوث خالف‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬ويف أي عصر كان) أي‪ :‬وجد اإلمجاع من عصر الصحابة فمن بعدهم إىل آخر الزمان(‪.)1‬‬
‫قوله‪( :‬وال يشرتط انقراض العصر على الصحيح) أي‪ :‬ال يشرتط انقراض عصر اجملمعني‪ ،‬ومعناه‪ :‬أن ميوت‬
‫أهل اإلمجاع مث يبدأ االحتجاج بإمجاعهم‪ ،‬وهذه املسألة فيها قوالن‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه ال يش رتط انق راض العصر وه ذا م ذهب اجلمه ور‪ ،‬فينعقد اإلمجاع مبج رد اتف اق اجملته دين ولو‬
‫كانوا أحياء‪ ،‬فال جتوز خمالفته‪ ،‬ألن أدلة حجية اإلمجاع ال توجب انقراض العصر‪ ،‬وألن اإلمجاع هو االتفاق‪ ،‬وقد‬
‫حصل فما ال ذي مينع من قبول ه؟ وألن الت ابعني قد احتج وا بإمجاع الص حابة قبل انق راض عص رهم‪ ،‬ولو ك ان ذلك‬
‫شرطاً مل حيتجوا به‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أنه يشرتط انقراض العصر‪ ،‬وهو قول بعض الشافعية ورواية عن اإلمام أمحد‪ .‬ووجه اشرتاط‪ :‬احتمال‬
‫رجوع بعض اجملتهدين عن رأيه‪ ،‬فيؤول ذلك إىل اخلالف‪.‬‬
‫والق ول األول هو الص حيح كما ذكر املص نف لق وة أدلت ه‪ ،‬وألن الق ول باش رتاط انق راض العصر ي ؤدي إىل‬
‫تع ذر اإلمجاع‪ ،‬ألنه ال يك اد عصر ينق رض حىت حيدث من أوالده من ينشأ ويبلغ درجة االجته اد‪ ،‬وله أن خيالف‪،‬‬
‫ألن اإلمجاع مل ينعقد‪ ،‬وهذا يؤدي إىل إبطال انعقاد اإلمجاع‪ ،‬وما أدى إىل ذلك فهو باطل‪ .‬قال القرايف‪( :‬وانقراض‬
‫العصر ليس شرطاً خالفاً لقوم من الفقهاء واملتكلمني لتجدد الوالدة كل يوم فيعتذر اإلمجاع)(‪ )2‬ا هـ‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ف إن قلنا انق راض العصر ش رط ‪ . .‬إخل) بني ب ذلك مثرة اخلالف‪ .‬واملع ىن‪ .‬إن قلن ا‪ :‬انق راض العصر‬
‫مبوت أهله (ش رط) أي يف حجية اإلمجاع‪ .‬وه ذا الق ول مقابل للق ول الص حيح‪( .‬يعت رب) ب اجلزم على أنه ج واب‬

‫‪ )( 1‬اعلم أن اإلمجاع القطعي وهو ما يعلم وقوعه من األمة بالضرورة‪ .‬ال أحد ينكر ثبوته‪ .‬كاإلمجاع على وجوب الصالة وحترمي الزىن‪ .‬وأما اإلمجاع الظين وهو‬
‫ما يعلم بالتتبع واالستقراء فهذا خمتلف يف ثبوته‪ ،‬واألظهر أنه ممكن يف عصر الصحابة‪ ،‬ويف غريه متعذر غالباً‪ ،‬وهو رأي شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل‪ .‬فقد‬
‫قال‪( :‬وال يعلم إمجاع باملعىن الصحيح إال ما كان يف عصر الصحابة‪ ،‬أما بعدهم فقد تعذر غالباً)‪( .‬جمموع الفتاوى ‪ )13/341‬وقال‪( :‬واإلمجاع الذي ينضبط‬
‫ما كان عليه السلف الصاحل إذ بعدهم كثر االختالف وانتشرت األمة) (العقيدة الواسطية)‪.‬‬
‫‪ )(2‬التنقيح ص‪.330‬‬
‫‪94‬‬
‫الش رط‪ .‬أي‪ :‬يعترب ق ول من ولد يف عصر اجملمعني‪ ،‬وبلغ رتبة االجته اد يف حي اهتم أو يف حي اة بعض هم‪ .‬فله أن‬
‫خيالف‪ .‬وال يعد خمالفاً لإلمجاع‪ .‬ألنه مل ينعقد‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وهلم أن يرجع وا عن ذلك احلكم) ه ذه مثرة أخ رى‪ .‬أي‪ :‬وللمجمعني أو بعض هم – على الق ول‬
‫باالشرتاط – أن يرجعوا عن احلكم الذي أمجعوا عليه‪ .‬وال يعد ذلك نقضاً لإلمجاع‪ .‬ألن مل يستقر‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬واإلمجاع يصح بق وهلم وبفعلهم) أي‪ :‬أن اإلمجاع ينعقد ويتحقق بق ول اجملمعني وبفعلهم‪ ،‬أي‪ :‬بكل‬
‫منهم ا‪ ،‬وهلذا أع اد الب اء‪ ،‬ف إذا ق الوا جبواز ش يء فه ذا إمجاع على اجلواز‪ ،‬وك ذلك إذا فعل وا ش يئاً في دل فعلهم على‬
‫اجلواز لعصمتهم عن الباطل تقدم‪.‬‬
‫واإلمجاع البد له من مس تند‪ :‬إما من الكت اب أو الس نة‪ .‬س واء علمن اه أو جهلن اه‪ ،‬ألن الق ول يف ال دين بال‬
‫مستند ال جيوز‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وبق ول البعض وبفعل البعض وانتش ار ذلك وس كوت الب اقني) ه ذا إش ارة على اإلمجاع الس كويت‪،‬‬
‫وهو أن يق ول بعض اجملته دين ق والً أو يفعل فعالً مع انتش ار ذلك يف الب اقني وس كوهتم‪ ،‬وه ذا فيه خالف‪ ،‬ف أكثر‬
‫الش افعية واملالكية ورواية عن أمحد أنه إمجاع تنـزيالً للس كوت منـزلة الرضا واملوافقة إذا مضت م دة كافية للنظر يف‬
‫ذلك القول بعد مساعه‪ ،‬وكان قادراً على إظهار رأيه‪ ،‬وهذا ظاهر كالم املصنف‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يكون حجة ال إمجاع اً‪ .‬لرجحان املوافقة بالسكوت على املخالفة‪ ،‬وليس إمجاع اً ألن حقيقة اإلمجاع‬
‫مل تتحقق فيه‪ .‬وقيل‪ :‬ليس حبجة وال إمجاع‪ ،‬ألنه ال ينسب لساكت قول‪ .‬وقيل غري ذلك(‪.)1‬‬
‫وقول املصنف (وانتشار ذلك) مفهومه أنه إذا مل ينتشر يف الباقني فليس بإمجاع‪ ،‬الحتمال ذهوهلم عنه وعدم‬
‫اطالعهم عليه‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪ ) (1‬انظر إرشاد الفحول ص‪.84‬‬


‫‪95‬‬
‫قول الصحابي‬

‫(وقول الواحد من الصحابة ليس بحجة على غيره على القول الجديد‪ ،‬وفي القول القديم حجة)‪.‬‬
‫قول الصحايب من األدلة املختلفة يف حجيتها‪.‬‬
‫واملراد به‪ :‬ما أثر عن أحد من أصحاب النيب ‪ r‬من قول أو فعل أو تقرير يف أمر من أمور الدين‪.‬‬
‫والصحايب‪ :‬من صحب النيب ‪ r‬ولو ساعة‪ ،‬أو رآه مؤمناً به وما ت على ذلك‪.‬‬
‫وق ول الص حايب إن ثبت له حكم الرفع كقوله أمرنا أو هنينا أو من الس نة ك ذا فهو مرف وع حكم اً‪ ،‬وهو‬
‫حجة كما هو مق رر يف علم احلديث‪ ،‬وإن مل يثبت له حكم الرفع فقد أمجع العلم اء على أن ق ول الص حايب يف‬
‫مسائل االجتهاد ليس حبجة على صحايب آخر‪ ،‬ألن الصحابة رضي اهلل عنهم اختلفوا يف كثري من املسائل‪ ،‬ولو كان‬
‫قول أحدهم حجة على غريه ملا تأتى منهم هذا اخلالف‪ .‬كما أمجعوا عل األخذ بقول الصحايب فيما ال جمال للرأي‬
‫أو االجته اد في ه‪ ،‬ألنه من قبيل اخلرب الت وقيفي عن ص احب الرس الة ‪ .r‬كما أنه ال خالف فيما أمجع عليه الص حابة‬
‫ص راحة أو ك ان مما ال يع رف له خمالف‪ ،‬كما يف ت وريث اجلدات الس دس‪ .‬ومن العلم اء من اس تثىن من الص حايب‬
‫املعروف باألخذ عن اإلسرائيليات‪ .‬وإمنا اخلالف يف قول الصحايب العاري عن كل ما سبق‪ .‬ففيه قوالن‪:‬‬
‫الق ول األول‪ :‬إنه حج ة‪ .‬وهو م ذهب اإلم ام مالك وأيب حنيفة والش افعي يف أحد قولي ه‪ ،‬ورواية عن اإلم ام‬
‫أمحد‪ ،‬رجحها ابن القيم‪ ،‬وذكر أن اإلمام أمحد يأخذ بقول الصحايب‪ ،‬ويعتربه بعد السنة الصحيحة(‪.)1‬‬
‫ومن أدلة ه ؤالء قوله تع اىل‪] :‬كنتم خ ير أمة أخ رجت للن اس ت أمرون ب المعروف وتنه ون عن المنكر[‬
‫(‪)2‬‬

‫قالوا‪ :‬هو خطاب مع الصحابة بأن ما يأمرون به معروف‪ ،‬واملعروف جيب قبوله‪.‬‬
‫ومن األدلة أن اهلل تعاىل مدح الصحابة والتابعني هلم بإحسان‪ ،‬وإمنا استحق التابعون ذلك ألهنم اتبعوهم يف‬
‫كل شيء سواء من حيث الرجوع إىل الكتاب والسنة‪ ،‬أو اجتهادهم‪ ،‬أو االقتداء هبم‪ ،‬ألن االتباع جيب محله على‬
‫فرده الكامل‪ ،‬قال تعاىل‪] :‬والسابقون األولون من المهاجرين واألنصار والذين اتبعوهم بإحس ان رضي اهلل عنهم‬
‫ورض وا عنه[(‪ )3‬وألن اجته اد الص حايب أقر إىل الص واب من اجته اد غ ريه ملش اهدته ال وحي وقربه من الرس ول ‪،r‬‬
‫كيف والظاهر من حاله أن ال يقول ما قال إال مساعاً من رسول اهلل ‪ r‬ال سيما فيما خيالف القياس‪.‬‬
‫الق ول الث اين‪ :‬أنه ليس حبج ة‪ .‬وهو ق ول الش افعي يف اجلديد(‪ )4‬ورواية عن اإلم ام أمحد‪ ،‬واختي ار الغ زايل‬
‫واآلم دي وابن احلاجب واملص نف‪ .‬وذلك ألن اهلل تع اىل مل جيعل ق ول أحد من الن اس حجة إال ق ول رس ول اهلل ‪.r‬‬
‫والصحايب من أهل االجتهاد‪ ،‬واجملتهد غري معصوم‪ ،‬فيجوز عليه اخلطأ والسهو‪.‬‬

‫‪ )(1‬انظر أعالم املوقعني (‪.)4/120‬‬


‫‪ )(2‬سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.110 :‬‬
‫‪ )(3‬سورة التوبة‪ ،‬آية‪.100 :‬‬
‫‪ )( 4‬لقد نفى ابن القيم نسبة هذا القول للشافعي يف كالم ماتع جتده يف أعالم املوقعني (‪ )4/120‬وللزركشي – من بعده – كالم مفادة أن الشافعي يف مذهبه‬
‫اجلديد يرى أن قول الصحايب حجة‪ .‬فيكون له قوالن يف اجلديد واحد موافق للقدمي‪ .‬فانظر البحر احمليط (‪.)6/53‬‬
‫‪96‬‬
‫نص يف الكت اب والس نة وال إمجاع‪.‬‬ ‫وال ذي يظهر واهلل أعلم‪ .‬أنه جيوز األخذ بق ول الص حايب حيث ال ّ‬
‫الحتمال أن يكون مسع ذلك القول من النيب ‪ r‬ولكونه أعلم باهلل وكتابه ورسوله من التابعني فمن بعدهم‪ ،‬فاحتمال‬
‫الصواب يف اجتهاده كثرياً جداً‪ .‬ألنه شاهد التنـزيل‪ ،‬ووقف على حكمة التشريع‪ .‬وأسباب النـزول‪ .‬والزم النيب ‪.r‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬مل يزل أهل العلم يف كل عصر ومصر حيتجون مبا هذا سبيله من فتاوى الصحابة وأقواهلم وال ينكره‬
‫منكر منهم‪ .‬وتصانيف العلماء شاهدة بذلك ‪.)1() . .‬‬
‫ويشرتط لألخذ بقول الصحايب شرطان‪:‬‬
‫نص اً أخذ بالنص‪ .‬ومثاله قول عمر رضي اهلل عنه‪ :‬إن اجلنب ال يتيمم‪ ،‬مع‬ ‫نص اً‪ .‬فإن خالف ّ‬
‫أال خيالف ّ‬ ‫‪)1‬‬
‫أنه ورد يف تيمم اجلنب حديث عمار رضي اهلل عنه(‪.)2‬‬
‫أال خيالف ق ول ص حايب آخ ر‪ .‬ف إن خ الف ق ول ص حايب آخر أخذ ب الراجح منهم ا‪ ،‬ومثال ه‪ :‬ص يام ي وم‬ ‫‪)2‬‬
‫الثالثني من شعبان إذا حال دون رؤية اهلالل غيم وحنوه‪ ،‬فقد روي صيامه عن مجاعة من الصحابة منهم ابن‬
‫عمر رضي اهلل عن اجلمي ع‪ ،‬وروي عن آخ رين ع دم ص يامه‪ ،‬وهو ال راجح حلديث ابن عمر رضي اهلل عنهما‬
‫"ف إن غم عليكم ف أكملوا ع دة ش عبان ثالثني" فاجته اد ابن عمر رضي اهلل عنه وتفس ريه (فاق دوا ل ه) مبع ىن‪:‬‬
‫ضيقوا‪ ،‬ال يعارض به ما ثبت من قول الرسول ‪.r‬‬
‫وقول املانعني‪ :‬إنه غري معصوم كغريه‪ .‬نقول‪ :‬هذا صحيح‪ ،‬ولكن انتفاء العصمة ال ينفي إال احلجية القطعية‪.‬‬
‫وحنن ال نقول بقطعية حجية قول الصحايب‪ .‬وإمنا هو حجة ظنية(‪.)3‬‬
‫ومن أمثلة قول الصحايب قول الراوي‪ ،‬قال علي رضي اهلل عنه‪( :‬حدثوا الناس مبا يعرفون‪ ،‬أحتبون أن يكذب‬
‫اهلل ورسوله؟)(‪.)4‬‬
‫ومن أمثلة الفعل قول البخاري رمحه اهلل‪( :‬وأم ابن عباس وهو متيمم)(‪ )5‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() انظر أعالم املوقعني (‪ )4/152‬مذكرة الشنقيطي ص‪ 165‬حجية قول الصحايب يف جملة (أضواء الشريعة) العدد الثامن ص‪ 365‬جمموع فتاوى ابن تيمية (‬ ‫‪1‬‬

‫‪.)20/582‬‬
‫() انظر أعالم املوقعني (‪ )1/29‬وانظر طرح التثريب (‪.)1/103‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر أصول الفقه للربديسي ص‪.329‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر فتح الباري (‪.)1/225‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر فتح الباري (‪.)1/446‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪97‬‬
‫األخبــــار‬

‫(وأما األخب ار‪ :‬ف الحبر ما يدخله الص دق والك ذب‪ .‬والخ بر ينقسم إلى قس مين‪ :‬آح اد ومت واتر‪.‬‬
‫ف المتواتر ما ي وجب العلم‪ ،‬وهو أن ي روي جماعة ال يقع التواطؤ على الك ذب من مثلهم إلى أن‬
‫ينتهي إلى المخبر عنه‪ ،‬ويكون في األصل عن مشاهدة أو سماع ال عن اجتهاد)‪.‬‬
‫اعلم أنه ج رت ع ادة األص وليني ب إيراد مب احث من عل وم احلديث يف أص ول الفق ه‪ ،‬وذلك ألن الكت اب‬
‫والسنة مها مدار البحث يف علم األصول‪ .‬وملا كان القرآن ال حيتاج إىل نظر يف سنده‪ ،‬ألنه ثابت ثبوت اً قطعي اً بالنقل‬
‫املتواتر لفظاً ومعىن صار البحث مقتصراً على النظر يف داللة النص على احلكم‪.‬‬
‫أما السنة فإن املستدل هبا حيتاج إىل نظرين‪:‬‬
‫‪ )1‬نظر يف ثبوهتا‪.‬‬
‫‪ )2‬ونظر يف داللة النص على احلكم‪.‬‬
‫لذا أورد األصوليون هذه الشذرات من علوم احلديث‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وأما األخب ار‪ :‬ف اخلرب ما يدخله الص دق والك ذب)‪ :‬األخب ار‪ :‬مجع خ رب‪ .‬وه و‪ :‬ما يدخله الص دق‬
‫والك ذب‪ .‬أي‪ :‬حيتمل الص دق والك ذب‪ ،‬لكن أورد على ه ذا التعريف أن من األخب ار ما ال يدخله الك ذب‪ ،‬ومنها‬
‫ما ال يدخله الصدق‪ ،‬فإذا زيد على التعريف كلمة (لذاته) زال هذا اإليراد‪ ،‬إذ خيرج هبذا القيد اخلرب الذي ال حيتمل‬
‫الصدق أو ال حيتمل الكذب باعتبار املخرب به‪ ،‬فاألول كخرب مدعي الرسالة بعد الرسول ‪ ،r‬والثاين كخرب اهلل تعاىل‬
‫وخرب رسوله اهلل ‪ r‬الثابت عنه‪ ،‬فإذا قال إنسان‪ :‬قدم أخوك‪ .‬فهذا خرب حيتمل الصدق والكذب لذات اخلرب‪ ،‬فإن‬
‫طابق الواقع فهو صدق‪ ،‬وإن خالفه فهو كذب‪ .‬وذلك إما على السواء إن كان القائل جمهول احلال‪ ،‬أو مع رجحان‬
‫الصدق إن كان املخرب عدالً‪ ،‬أو الكذب إن كان فاسقاً‪.‬‬
‫قوله‪( :‬واخلرب ينقسم إىل قسمني‪ :‬آحاد ومتواتر) ملا عرف اخلرب ذكر أقسامه‪.‬‬
‫‪ )2‬متواتر‪.‬‬ ‫فاخلرب باعتبار وصوله إلينا قسمان‪ )1 :‬آحاد‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فاملتواتر ما يوجب العلم‪ ،‬وهو أن يروي مجاعة ‪ . . .‬إخل) ذكر تعريف املتواتر وبيان ما يفيده‪ ،‬وبدأ‬
‫املصنف باملتواتر لطول الكالم على اآلحاد والعتباره يف معىن اآلحاد نفي معىن املتواتر‪.‬‬
‫ف املتواتر لغ ة‪ :‬اسم فاعل من ت واتر الش يء أي‪ :‬ج اء بعضه يف إثر بعض‪ ،‬ومنه ت واتر املطر أي‪ :‬تت ابع نـزوله‪ .‬ق ال‬
‫األشياء إال إذا وقعت بينهما فرتة‪ ،‬وإال فهي مداركة ومواصلة ‪.)1(). . .‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬أن يروي مجاعة ال يقع التواطؤ على الكذب من مثلهم إىل أن ينتهي إىل املخرب عنه‪.‬‬
‫هذا تعريف املصنف‪ ،‬وهو تعريف حيتاج إىل تقدير‪ ،‬ألن املتواتر ليس هو رواية اجلماعة‪ ،‬بل ما يرويه مجاعة‪،‬‬
‫والرواية نفسها هي التواتر فيقدر‪ :‬حال املتواتر أن يرويه مجاعة‪ .‬ولو قال‪( :‬ما رواه مجاعة) لكان أحسن‪.‬‬
‫() الصحاح للجوهري (‪.)2/843‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪98‬‬
‫ومن هذا التعريف وما بعده يتبني أن شروط املتواتر أربعة‪:‬‬
‫‪ )1‬أن يرويه عدد‪ ،‬وقد أشار املصنف إىل ذلك بقوله‪( :‬أن يروي مجاعة) وقد اختلف العلماء يف العدد املطلوب‬
‫على أقوال كثرية‪ ،‬كلها ضعيفة لتكافئها يف الدعوى‪ ،‬وألن أدلتها ال تعلق لشيء منها باألخبار‪ ،‬والصحيح‬
‫ما قاله ش يخ اإلس الم ابن تيمية رمحه اهلل‪ ،‬ونس به إىل األك ثرين من أن الت واتر ليس له ع دد حمص ور ‪ ،‬بل قد‬
‫حيصل بكثرةاملخ ربين‪ ،‬وقد حيصل بص فاهتم لض بطهم ودينهم‪ ،‬وقد حيصل بق رائن حتتف ب اخلرب حيصل‬
‫مبجموعها العلم‪ .‬وقد حيصل بتلقي األمة له ب القبول‪ ،‬واألمة ال جتتمع على ض اللة‪ ،‬وقد حيصل إذا أمجع أهل‬
‫احلديث على صحته وحنو ذلك(‪.)1‬‬
‫‪ )2‬أن حتيل العادة تواطؤهم على الكذب‪ ،‬وأشار إليه بقوله‪( :‬ال يقع التواطؤ من مثلهم على الكذب)‪.‬‬
‫‪ )3‬أن يستوي مجيع طبقات السند بالشرطني السابقني إىل أن ينتهي إىل املخرب عنه‪ .‬وأشار إليه بقوله‪( :‬إىل أن‬
‫ينتهي إىل املخرب عنه)‪.‬‬
‫‪ )4‬أن يكون مستند خربهم عن مشاهدة أو مساع كقوهلم‪" :‬مسعنا أو رأينا" ال عن اجتهاد‪ ،‬ألن االجتهاد ميكن‬
‫فيه الغلط خبالف املشاهدة‪ ،‬فإن من أخرب عن وجود حادثة إخباراً عن مشاهدة مل جيز عليه الغلط‪ .‬وأشار‬
‫إليه بقوله‪( :‬ويكون يف األصل عن مشاهدة أو مساع ال عن اجتهاد)‪.‬‬
‫قوله (ف املتواتر ما ي وجب العلم) أي أن املت واتر يفيد العلم‪ .‬وهل هو العلم الض روري أو النظ ري؟ ق والن‪:‬‬
‫أرجحهما أن املتواتر يفيد العلم الضروري أي اليقيين الذي يضطر اإلنسان إىل التصديق به تصديقاً جازم اً‪ ،‬كوجود‬
‫األئمة األربع ة‪ ،‬ووج ود مكة ودمشق مثالً بالنس بة ملن مل يرمها‪ ،‬ولو أراد التخلص من العلم ب ذلك مل يس تطع‪ ،‬وقد‬
‫نسب الشوكاين هذا القول إىل اجلمهور‪ ،‬وقال‪ :‬إنه احلق(‪.)2‬‬
‫وكما يفيد املت واتر العمل يفيد العمل مبا دل عليه بتص ديقه إن ك ان خ رباً‪ ،‬وتطبيقه إن ك ان طلب اً‪ .‬ومث ال‬
‫علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)(‪.)3‬‬
‫املتواتر‪ :‬عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪( r‬من كذب ّ‬
‫ف ال املن ذري‪ :‬وه ذا احلديث قد روي عن غري واحد من الص حابة يف الص حاح والس نن واملس انيد وغريمها‪،‬‬
‫حىت بلغ مبلغ التواتر‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)4‬‬

‫اآلحــــاد‬
‫() انظر جمموع الفتاوى (‪.)148 ،18/16‬‬ ‫‪1‬‬

‫() إرشاد الفحول ص‪.46‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 110‬ومسلم رقم ‪.3‬‬ ‫‪3‬‬

‫() الرتغيب والرتهيب (‪ )1/111‬وانظر نظم املتناثر من احلديث املتواتر للكتاين‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪99‬‬
‫(واآلح اد‪ :‬هو ال ذي ي وجب العمل وال ي وجب العلم‪ .‬وينقسم إلى مرسل ومس ند‪ ،‬فالمس ند ما اتصل‬
‫إسناده‪ ،‬والمرسل ما لم يتصل إسناده‪ .‬فإن كان من مراسيل غير الصحابة فليس بحجة إال مراسيل‬
‫سعيد بن المسيب‪ ،‬فإنها فتشت فوجدت مسانيد عن النبي ‪.)r‬‬
‫هذا هو النوع الثاين من أنواع اخلرب باعتبار وصوله إلينا وهو اآلحاد‪.‬‬
‫واآلح اد لغ ة‪ :‬مجع أحد كأجل وآج ال مبعىن واح د‪ .‬ومهزته مبدلة من واو فأص له وح د‪ ،‬وخرب اآلح اد ما‬
‫يرويه الواحد‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬ما مل يتواتر‬
‫أي مل تبلغ نقلته مبلغ اخلرب املت واتر‪ ،‬س واء ك ان املخرب به واح داً أو اث نني أو أربعة أو مخسة أو غري ذلك من‬
‫األعداد اليت ال تشعر بأن اخلرب دخل يف حد التواتر‪.‬‬
‫قوله (يوجب العمل) أي جيب العمل مبا تضمنه خرب اآلحاد بتصديقه إن كان خرباً‪ ،‬وتطبيقه إن كان طلب اً‪،‬‬
‫بشرط صحته عن رسول اهلل ‪ r‬ال فرق يف ذلك بني األحكام والعقائد على القول الصحيح‪ ،‬لعموم األدلة يف وجوب‬
‫العمل خبرب الواحد‪ ،‬ومن ذلك حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما قال‪ :‬بينما الناس بقباء يف صالة الصبح إذ جاءهم‬
‫آت‪ ،‬فق ال‪ :‬إن النيب ‪ r‬قد أن زل عليه الليلة ق رآن‪ ،‬وقد أمر أن يس تقبل الكعبة فاس تقبلوها‪ ،‬وك انت وج وههم إىل‬
‫الشام‪ ،‬فاستداروا إىل الكعبة(‪.)1‬‬

‫فه ذا دليل ظ اهر يف العمل خبرب الواح د‪ ،‬ف إن الص حابة رضي اهلل عنهم حتول وا عن بيت املق دس على الكعبة‬
‫خبرب الواحد‪ ،‬فصدقوا خربه‪ ،‬وعملوا به‪.‬‬
‫ومن األدلة أن النيب ‪ r‬ك ان يبعث اآلح اد إىل الن واحي والقبائل لتبليغ األحك ام الش رعية‪ ،‬فل وال أنه جيب‬
‫العمل خبربهم مل يكن لبعثهم فائدة‪.‬‬
‫ومن األدلة أن الص حابة رضي اهلل عنهم قد أمجع وا على قب ول خرب الواحد والعمل به يف وق ائع ال ميكن‬
‫حصرها‪ ،‬فقد رجعوا إىل الغسل من الوطء من غري إنزال إىل قول عائشة رضي اهلل عنها‪ .‬ويف توريث اجلدة إىل قول‬
‫املغرية بن شعبة وحممد بن مسلمة وغري ذلك كثري(‪.)2‬‬
‫يق ول الن ووي‪( :‬وقد تظ اهرت دالئل النص وص الش رعية واحلجج العقلية على وج وب العمل خبرب الواح د‪،‬‬
‫وقد ق رر العلم اء يف كتب الفقه واألص ول ذلك بدالئل ه‪ ،‬وأبلغ وه أبلغ إيض اح‪ ،‬وص نف مجاع ات من أهل احلديث‬
‫وغريهم مصنفات مستكثرات يف خرب الواحد ووجوب العمل به‪ ،‬واهلل أعلم)(‪.)3‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 395‬ومسلم رقم ‪ .526‬وتقدم ذكره‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر روضة الناظر مع شرحها (‪.)1/268‬‬ ‫‪2‬‬

‫() شرح النووي على صحيح مسلم (‪.)1/177‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪100‬‬
‫وق ال أيض اً‪( :‬فال ذي عليه مجاهري املس لمني من الص حابة والت ابعني فمن بع دهم من احملدثني والفقه اء‬
‫وأص حاب األص ول أن خرب الواحد الثقة حجة من حجج الش رع‪ ،‬يل زم العمل هبا ويفيد الظن وال يفيد العلم‪ ،‬وأن‬
‫وجوب العمل به عرفناه بالشرع ال بالعقل ‪.)1() . .‬‬
‫واعلم أن التفريق بني العقائد واألحكام يف االستدالل بأحاديث اآلحاد قول غريب حمدث‪ ،‬ال دليل عليه من‬
‫كتاب وال سنة‪ .‬بل هو خمالف ملا عليه سلف األمة‪ ،‬فإن األدلة اليت يستدل هبا على وجوب األخذ حبديث اآلحاد يف‬
‫األحك ام الش رعية هي أدلة على وج وب األخذ هبا يف العقائد لعمومه ا‪ ،‬ومن أدعى ختصيص ها باألحك ام فعليه‬
‫الدليل(‪.)2‬‬
‫قوله‪( :‬وال يوجب العلم) هذا قول اجلمهور‪ :‬أن اآلحاد ال تفيد العلم‪ ،‬بل تفيد الظن‪ ،‬وهو رجحان صحة‬
‫نسبتها إىل من نقلت عنه‪ ،‬وخيتلف هذا باختالف رتبتها فالصحيح لذاته ليس كاحلسن لغريه‪ .‬وهكذا‪.‬‬
‫وذلك بأنه لو أف اد خرب كل واحد العلم لص دقنا كل خرب نس معه‪ ،‬وحنن ال نص دق كل خرب نس معه‪ ،‬ف دل‬
‫على أنه ال يفيد العلم‪ ،‬وألن أع دل رواة اآلح اد جيوز يف حقه الك ذب والغل ط‪ ،‬ف القطع بص دقه مع جتويز الك ذب‬
‫والغلط عليه ال معىن له‪.‬‬
‫وهن اك ق ول آخ ر‪ ،‬وهو أن أخب ار اآلح اد تفيد العلم‪ ،‬وهو م ذهب الظاهري ة‪ ،‬وقد نص ره ابن ح زم(‪ .)3‬وهو‬
‫قول مجاعة من أهل احلديث‪ ،‬وهلم أدلة ذكرها ابن القيم يف كتابه (الصواعق املرسلة على اجلهمية واملعطلة)(‪.)4‬‬
‫واملخت ار أن أخب ار اآلح اد تفيد الظن‪ ،‬ورمبا أف ادت العلم ب القرائن مثل أن تتلق اه األمة ب القبول تص ديقاً له‬
‫وعمالً به‪ ،‬أو كونه مروياً يف الصحيحني‪ ،‬وحنو ذلك‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وينقسم إىل مرسل ومس ند) أي أن أخب ار اآلح اد تنقسم إىل مرسل ومس ند‪ ،‬وه ذا باعتب ار اتص ال‬
‫السند وانقطاعه‪ .‬فاملسند لغة‪ :‬اسم مفعول من اإلسناد‪ ،‬وهو ضم جسم إىل آخر‪ ،‬مث استعمل يف املعاين يقال‪ :‬أسند‬
‫اخلرب إىل فالن إذا نسبه إليه‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فاملسند ما اتصل إسناده) هذا تعريف املسند‪.‬‬
‫اصطالحاً‪ :‬وهو ما اتصل إسناده‪ ،‬واملراد باالتصال أن يروي شخص عن شخص إىل املخرب عنه‪.‬‬
‫ومثال ه‪ :‬ق ول البخ اري رمحه اهلل يف ص حيحه‪ :‬ح دثنا عبد اهلل بن يوسف ق ال‪ :‬أخربنا مالك عن ابن ش هاب‬
‫عن أيب سلمة بن عبد الرمحن عن أيب هريرة رضي اهلل عنه‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ r‬قال‪( :‬من أدرك ركعة من الصالة فقد‬
‫أدرك الصالة)(‪.)5‬‬

‫() املصدر السابق (‪.)1/246‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر أصل االعتقاد ص‪ 57‬رسالة احلديث حجة بنفسه يف العقائد واألحكام لأللباين‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() اإلحكام يف أصول األحكام البن حزم (‪.)1/107‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر أصل االعتقاد للدكتور عمر األشقر ص‪.42‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 555‬ومسلم رقم ‪.607‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪101‬‬
‫وتعريف املص نف للمس ند فيه عم وم‪ ،‬ألنه يش مل كل ما اتصل إس ناده من رواية إىل منته اه‪ ،‬ب أن ذكر يف‬
‫السند رواته كلهم فيدخل فيه املوقوف إذا جاء بسند متصل(‪.)1‬‬
‫وأكثر ما يستعمل املسند يف املرفوع إىل النيب ‪ r‬دون ما جاء عن الصحابة وغريهم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬واملرسل ما مل يتصل إسناده)‬
‫املرسل لغ ة‪ :‬اسم مفع ول مش تق من اإلرس ال‪ :‬وهو اإلطالق فك أن املرسل أطلق اإلس ناد ومل يقي ده جبميع‬
‫رواته‪.‬‬
‫وأما يف االصطالح‪ :‬فذكره بقوله (ما مل يتصل إسناده) وهذا عند األصوليني‪.‬‬
‫ومعن اه‪ :‬أن يس قط بعض ال رواة‪ ،‬س واء ك ان الس اقط واح داً أو أك ثر من أي موضع يف الس ند‪ ،‬ففيه رواية‬
‫ال راوي عمن مل يس مع من ه‪ .‬وعليه فاملرسل يف اص طالح أهل األص ول يش مل أن واع االنقط اع‪ ،‬في دخل فيه املنقطع‬
‫واملعضل‪ ،‬كما يدخل فيه مرسل الصحايب‪.‬‬
‫قال ابن األثري‪( :‬املرسل من احلديث هو أن يروي الرجل حديثاً عمن مل يعاصره) ا هـ(‪.)2‬‬
‫واملنقطع هو الذي سقط من إسناده رجل غري الصحايب‪ .‬واملعضل هو الذي سقط منه اثنان‪.‬‬
‫وأما املرسل عند احملدثني فهو ما رفعه الت ابعي إىل النيب ‪ ،r‬وذلك ب أن يس قط منه الص حايب‪ .‬ومن أمثلته ما‬
‫أخرجه مس لم يف ص حيحه يف كت اب ال بيوع ق ال‪ :‬ح دثن حممد بن رافع ثنا حجني ثنا الليث عن عقيل عن ابن‬
‫شهاب عن سعيد بن املسيب أن رسول اهلل ‪ r‬هنى عن املزابنة واحملاقلة(‪.)3‬‬
‫فسعيد بن املسيب تابعي كبري روى هذا احلديث عن النيب ‪ r‬بدون أن يذكر الواسطة بينه وبني الرسول ‪r‬‬
‫وهو الصحايب‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ف إن ك ان من مراس يل غري الص حابة فليس حبج ة) ه ذا بي ان حكم االحتج اج باملرس ل‪ .‬وقد ذكر‬
‫املص نف حكم مرسل غري الص حايب‪ ،‬وس كت عن مرسل الص حايب وذلك ألنه حجة عند مجاهري أهل العلم ق ال‬
‫احلافظ‪( :‬وهو الذي عليه عمل أئمة احلديث) ا هـ(‪.)4‬‬
‫وذلك ألن مرسل الص حايب موص ول مس ند‪ ،‬ألن روايتهم غالب اً عن الص حابة‪ ،‬واجلهالة بالص حابة ال تض ر‪،‬‬
‫ألهنم كلهم عدول‪.‬‬
‫وهلذا مل يعد ابن الصالح مرسل الصحايب من احلديث املرسل‪ ،‬ألنه يف حكم املوصول املسند فقال‪( :‬مل نعد‬
‫يف أن واع املرسل وحنوه ما يس مى يف أص ول الفق ه‪ :‬مرسل الص حايب‪ ،‬مثل ما يرويه ابن عب اس وغ ريه من أح داث‬

‫() انظر شرح النخبة للحافظ ابن حجر ص‪.58‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جامع األصول (‪.)1/115‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه مسلم رقم ‪.1539‬‬ ‫‪3‬‬

‫() النكت على ابن الصالح (‪ )2/548‬وانظر اجملموع شرح املهذب (‪.)1/62‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪102‬‬
‫الص حابة عن رس ول اهلل ‪ r‬ومل يس معوه من ه‪ ،‬ألن ذلك يف حكم املوص ول املس ند‪ ،‬ألن روايتهم عن الص حابة‪،‬‬
‫واجلهالة بالصحايب غري قادحة‪ ،‬ألن الصحابة كلهم عدول‪ ،‬واهلل أعلم)(‪.)1‬‬
‫ومرسل الص حايب‪ :‬هو ما أخرب به الص حايب عن ق ول النيب ‪ r‬أو فعله ومل يس معه أو يش اهده‪ ،‬ألنه مل ي درك‬
‫زمانه إما لص غر س نه أو لت أخر إس المه أو غيابه ‪ .‬ومثاله ما أخرجه البخ اري يف ص حيحه بس نده عن عائشة رضي‬
‫اهلل عنها قالت‪ :‬كان أول ما بدئ به رسول اهلل ‪ r‬الرؤيا الصادقة يف النوم‪ ،‬فكان ال يرى رؤيا إال جاءت مثل فلق‬
‫الصبح ‪ . . .‬احلديث )(‪ )2‬فهذا من مراسيل الصحابة‪ ،‬ألن عائشة مل تدرك هذه القصة‪ ،‬ألهنا ولدت بعد املبعث بأربع‬
‫أو مخس سنني(‪.)3‬‬
‫ومثاله – أيض اً – ما أخرجه البخاري بسنده عن ابن الزبري أنه خطب فقال‪ :‬قال حممد ‪( :r‬من لبس احلرير‬
‫يف الدنيا لن يلبسه يف اآلخرة)(‪ )4‬فهذا مرسل صحايب ألن عبد اهلل بن الزبري ولد عام اهلجرة(‪.)5‬‬
‫وقد ذكر احلافظ يف الفتح(‪ )6‬أنه ت بني من الرواي تني الل تني أوردمها البخ اري بعد ه ذا املرسل أن ابن الزبري إمنا‬
‫محله عن النيب ‪ r‬بواسطة عمر رضي اهلل عنه‪ ،‬وذكر احلافظ أنه مل يقف يف شيء من الطرق املتفقة عن عمر أنه رواه‬
‫بلفظ (لن) بل احلديث عنه يف مجيع الطرق بلفظ (مل) واهلل أعلم‪.‬‬
‫قال السيوطي يف تدريب الراوي‪( :‬ويف الصحيحني من مراسيل الصحابة ما ال حيصى‪ ،‬ألن أكثر رواياهتم‬
‫عن الص حابة‪ ،‬وكلهم ع دول‪ ،‬ورواي اهتم عن غ ريهم ن ادرة‪ ،‬وإذا رووها بينوه ا‪ ،‬بل أك ثر ما رواه الص حابة عن‬
‫التابعني ليس أحاديث مرفوعة‪ ،‬بل إسرائيليات أو حكايات أو موقوفات) ا هـ(‪.)7‬‬
‫ه ذا يف مراس يل الص حابة‪ .‬وأما مراس يل غري الص حابة كمرسل الت ابعي ففيه خالف‪ ،‬وقد ذكر املص نف أهنا‬
‫ليست حبجة‪ ،‬وذلك للجهل بالساقط يف اإلسناد الحتمال أنه تابعي‪ ،‬مث حيتمل أنه ضعيف‪ .‬وبتقدير كونه ثقة حيتمل‬
‫أنه روى عن تابعي أيضاً‪ ،‬وحيتمل أنه ضعيف وهكذا‪ ،‬وهذا قول مجهور احملدثني‪ ،‬وكثري من أهل األصول والفقهاء‪.‬‬
‫يق ول اإلم ام مس لم رمحه اهلل يف مقدمة ص حيحه‪( :‬واملرسل من الرواي ات يف أصل قولنا وق ول أهل العلم باألخب ار‬
‫ليس حبجة)(‪ )8‬ومثل ذلك حكى ابن عبد الرب وابن الصالح والنووي وغريهم‪ .‬قال ابن حجر يف شرح النخبة (وإمنا‬
‫ذكر املرسل يف قسم املردود للجهل احملذوف) ا هـ(‪.)9‬‬

‫() مقدمة ابن الصالح ص‪.26‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر فتح الباري (‪.)1/23‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر اإلصابة البن حجر (‪.)12/38‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر فتح الباري (‪.)1/23‬‬ ‫‪4‬‬

‫() اإلصابة (‪.)6/83‬‬ ‫‪5‬‬

‫() فتح الباري (‪ )10/289‬وقد ذكر احلافظ ثالثة من مراسيل ابن الزبري فمن أرادها رجع إهليا‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫() تدريب الراوي (‪.)1/207‬‬ ‫‪7‬‬

‫() صحيح مسلم (‪.)1/245‬‬ ‫‪8‬‬

‫() شرح النخبة ص‪.41‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪103‬‬
‫وذهب األئمة الثالث ة‪ :‬مالك وأبو حنيفة وأمحد يف املش هور عنه إىل قب ول املرسل إذا ك ان املرسل ثق ة‪ ،‬وال‬
‫يرسل إال عن ثقة‪ ،‬وحجتهم أن التابعي الثقة ال يستحل أن يقول‪ :‬قال رسول اهلل ‪ . . . r‬إال إذا مسعه من ثقة‪.‬‬
‫وقال بعض أهل العلم ومنهم الشافعي‪ :‬حيتج مبراسيل كبار التابعني الذين أكثر روايتهم عن الصحابة كسعيد‬
‫بن املسيب وع روة بن الزبري‪ ،‬وذلك بشرط أن يعض ده مرسل آخر أو قول ص حايب أو قياس أو يفيت مبقتضاه أكثر‬
‫أهل العلم(‪.)1‬‬
‫وقد مشى املص نف على الق ول ب املنع ومل يس تثن إال مراس يل س عيد بن املس يب‪ ،‬وعلل ذلك بأنه فتش عنها‬
‫فوجد أن سعيدا أسقط الصحايب‪ ،‬وعزاها للنيب ‪ r‬والغالب أن يكون الصحايب هو صهره أبو زوجته أبو هريرة رضي‬
‫اهلل عنه‪ .‬واملفتش هلا هو الشافعي رمحه اهلل على ما نقله املصنف يف كتابه (الربهان)(‪ )2‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫واعلم أن املصنف ملا نص على أن مرسل غري الصحايب ليس حبجة فهم منه أن مرسل الصحايب حجة‪ ،‬كما‬
‫تقدم فيكون ذكر حكم النوعني‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() انظر الرسالة للشافعي ص‪ 461‬وانظر تفصيل هذه الشروط يف كتاب (احلديث املرسل) للدكتور حممد حسن هيتو ص‪ 36‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الربهان (‪.)1/411‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪104‬‬
‫صيغ أداء الحديث‬

‫(والعنعنة تدخل على األس انيد‪ .‬وإ ذا ق رأ الش يخ يجوز لل راوي أن يقول‪ :‬حدثني أو أخ برني‪ .‬وإ ذا‬
‫ق رأ هو على الش يخ يق ول‪ :‬أخ برني وال يق ول ح دثني‪ .‬وإ ن أج ازه الش يخ من غ ير ق راءة فيق ول‪:‬‬
‫أجازني وأخبرني إجازة)‪.‬‬
‫ملا ف رغ املص نف من بي ان أقس ام اخلرب ش رع يف ذكر كيفية حتمله وأدائه وللح ديث حتمل وأداء‪ .‬فالتحم ل‪:‬‬
‫أخذ احلديث عن الغري‪ .‬واألداء‪ :‬إبالغ احلديث إىل الغري‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والعنعنة تدخل على األسانيد) العنعنة من صيغ أداء احلديث‪ ،‬وهي رواية احلديث بلفظ عن فالن عن‬
‫فالن دون تصريح بالتحديث أو السماع‪.‬‬
‫وقوله (تدخل األسانيد) أي على األحاديث املسندة‪ ،‬وهذا يفيد أن احلديث املعنعن يف حكم احلديث املسند‬
‫يف القب ول والعمل ب ه‪ ،‬ال يف حكم املرسل يف رده وع دم العمل ب ه‪ ،‬وذلك التص ال س نده يف الظ اهر‪ ،‬وإمنا نبه عليه‬
‫دون غريه لوقوع اخلالف يف حكم املعنعن‪ ،‬فاجلمهور على أن املعنعن من املتصل‪ ،‬كما ذكر املصنف بشرطني‪:‬‬
‫األول متفق علي ه‪ :‬وهو س المة معنعنه وبراءته من الت دليس‪ ،‬فال حيكم باالتص ال من م دلس إال أن يص رح‬
‫بالتحديث‪.‬‬
‫الثاين خمتلف فيه‪ :‬وهو لقاء الراوي ملن روى عنه واجتماعهما ولو مرة واحدة‪ ،‬وبه قال البخاري وشيخه‬
‫ابن املديين وغريمها من أئمة احلديث‪ .‬وهذا الرأي هو املختار الصحيح الذي عليه أئمة هذا الفن‪ ،‬ما قال النووي يف‬
‫شرح مسلم(‪ :)1‬ومنهم من اكتفى بإمكان اللقاء واملعاصرة كاإلمام مسلم‪ ،‬واملعنعن كثري يف الصحيحني وغريمها‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬ما أخرجه البخاري يف صحيحه قال‪ :‬حدثنا عبد اهلل بن يوسف قال‪ :‬أخربنا مالك عن ابن شهاب‬
‫عن حممد بن جبري بن مطعم عن أبيه قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ r‬قرأ يف املغرب بالطور(‪.)2‬‬
‫فه ذا احلديث ص حيح وس نده متص ل‪ .‬وأما العنعنة فهي حممولة على االتص ال‪ ،‬ألن رواته غري مدلس ني‪،‬‬
‫فمالك إمام حافظ‪ ،‬وابن شهاب الزهري فقيه حافظ متفق على جاللته وإتقانه‪ ،‬وحممد بن جبري ثقة‪.‬‬
‫مث ذكر املؤلف ألفاظ الرواية من غري الصحايب‪ ،‬وهلا مراتب بعضها أقوى من بعض‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫قراءة الشيخ على التلميذ لريوي عنه‪ ،‬فيقرأ الشيخ على الرواة وهم يسمعون‪ .‬وهذه املرتبة هي‬ ‫‪)1‬‬
‫الغابة يف التحمل‪ ،‬وللراوي يف هذه املرتبة أن يقول‪ :‬حدثين فالن أو أخربين‪.‬‬
‫قراء التلميذ على الشيخ وهو يسمع‪ .‬فيقول‪ :‬نعم أو يسكت‪ .‬فتجوز الرواية عنه بذلك فيقول‬ ‫‪)2‬‬
‫التلميذ‪ :‬أخربين أو حدثين قراءة عليه‪ .‬وهل يسوغ له ترك (قراءة عليه)؟‬

‫() شرح صحيح مسلم (‪.)1/242‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 731‬وأخرجه مسلم رقم ‪.463‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪105‬‬
‫قوالن‪ :‬املصنف ومن وافقه يرى املنع‪ ،‬ألنه مل حيدثه‪،‬ألن التحديث يف عرفهم عبارة عن قراءة الشيخ وغريه يسمع ‪.‬‬
‫والقول الثاين‪ :‬اجلواز ألن القصد اإلعالم بالرواية عن الشيخ‪ ،‬وكل من الصيغتني صاحل لذلك‪ .‬واألول قال به مسلم‬
‫وهو مذهب الشافعي وأصحابه ورواية عن أمحد‪ ،‬وبالثاين قال البخاري وبعض أهل العلم‪.‬‬
‫اإلج ازة‪ :‬وهي أن ي أذن الش يخ للتلميذ أن ي روي عنه ما رواه‪ ،‬ك أن يق ول ل ه‪ :‬أج زت لك أن‬ ‫‪)3‬‬
‫تروي عين صحيح البخاري‪ .‬فيقول التلميذ‪ :‬أجازين‪ ،‬أو أخربين إجازة‪.‬‬
‫وقول ه‪( :‬من غري ق راءة) أي من غري ق راءة من الشيخ على ال راوي وال من ال راوي على الشيخ‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫القيـــاس‬

‫(وأما القي اس‪ :‬فهو رد الف رع إلى األصل في الحكم بعلة تجمعهم ا‪ .‬وهو ينقسم إلى ثالثة أقس ام‪:‬‬
‫قي اس عل ة‪ ،‬وقيسا دالل ة‪ ،‬وقي اس ش به‪ .‬فقي اس العل ة‪ :‬ما ك انت العلة فيه موجبة للحكم‪ .‬وقي اس‬
‫الداللة‪ :‬هو االستدالل بأحد النظيرين على اآلخر‪ ،‬وهو أن تكون العلة دالة على الحكم‪ ،‬وال تكون‬
‫موجبة للحكم‪ .‬وقي اس الش به هو الف رع الم تردد بين أص لين فيلحق بأكثرهما ش بهاً ب ه‪ ،‬وال يص ار‬
‫إليه مع إمكان ما قبله)‪.‬‬
‫هذا هو األصل الرابع من األصول اليت يستدل هبا وهو القياس‪ ،‬وخالف فيه الظاهرية وآخرون‪ ،‬وقالوا‪ :‬ليس‬
‫من األصول ألنه ال يفيد إال الظن‪.‬‬
‫والصواب مع اجلمهور‪ ،‬فإن القياس يثري ظنّاً غالب اً يعمل به يف األحكام الشرعية‪ ،‬وقوهلم‪ :‬ال يفيد إال الظن‪،‬‬
‫نقول‪ :‬خرب الواحد وحنوه ال يفيد إال الظن يف األصل‪ ،‬ومع هذا يستدل به‪.‬‬
‫وقد دل على اعتبار القياس دليالً كتاب اهلل تعاىل وسنة رسوله ‪ r‬وأقوال الصحابة‪ ،‬قال تعاىل‪] :‬لقد أرسلنا‬
‫رس لنا بالبين ات وأنزلنا معهم الكت اب والم يزان ليق وم الن اس بالقسط[(‪ ،)1‬امليزان ما ت وزن به األم ور ويق ايس به‬
‫بينها‪ .‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪( :‬والقياس الصحيح من العدل‪ .‬فإنه تسوية بني متماثلني‪ .‬وتفريق بني املختلفني‬
‫‪.)2(). .‬‬
‫ومن الس نة ما ورد عن أيب هري رة رضي اهلل عنه أن رجالً أتى النيب ‪ r‬فق ال‪( :‬يا رس ول اهلل ولد يل غالم‬
‫أسود‪ .‬فقال‪ :‬هل لك من إبل؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ .‬ما ألواهنا؟ قال‪ :‬محر‪ .‬قال‪ :‬هل فيها من أورق؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فأىن‬
‫ذلك؟ قال‪ :‬لعله نزعه عرق‪ .‬قال‪ :‬فلعل ابنك هذا نزعه عرق)(‪ )3‬متفق عليه‪.‬‬
‫قال ابن العريب‪( :‬فيه دليل على صحة القياس واالعتبار بالنظري)(‪.)4‬‬
‫ومن أقوال الصحابة ما ورد يف كتاب عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه إىل قاضيه أيب موسى األشعري رضي‬
‫اهلل عنه وفيه (مث الفهم فيما أدىل عليك مما ورد عليك مما ليس يف ق رآن وال س نة‪ ،‬مث قي اس األم ور عن دك واع رف‬
‫األمثال‪ .‬مث اعمد فيما ترى إىل أحبها إىل اهلل وأشبهها باحلق ‪.)5() . .‬‬

‫() سورة احلديد‪ ،‬آية‪.25 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جمموع الفتاوى (‪.)19/288‬‬ ‫‪2‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 4999‬ومسلم رقم ‪.1500‬‬ ‫‪3‬‬

‫() فتح الباري (‪.)9/444‬‬ ‫‪4‬‬

‫() هذا الكتاب من عمر رضي اهلل عنه كتاب جليل القدر تلقاه العلماء بالقبول‪ .‬وقد شرحه ابن القيم رمحه اهلل يف أعالم املوقعني‪ .‬ويف جملة البحوث اإلسالمية‬ ‫‪5‬‬

‫العدد السابع عشر حتقيق هذا الكتاب وبيان ما تضمنه من توجيهات للقضاة للدكتور ناصر الطريفي ص‪.254 – 196‬‬
‫‪107‬‬
‫ونقل ابن القيم يف أعالم املوقعني عن املزين من كب ار الش افعية أنه ق ال‪( :‬الفقه اء من عصر الرس ول ‪ r‬إىل‬
‫يومنا وهلم ج را اس تعملوا املق اييس يف الفقه يف مجيع األحك ام يف أمر دينهم) وق ال‪( :‬وأمجع وا على أن نظري احلق‬
‫حق‪ ،‬ونظري الباطل باطل)(‪.)1‬‬
‫قوله‪( :‬وأما القياس فهو رد الفرع على األصل ‪.). .‬‬
‫القي اس لغ ة‪ :‬التق دير واملس اواة‪ .‬تق ول‪ :‬قست الث وب بال ذراع إذا قدرته ب ه‪ ،‬وفالن ال يق اس بفالن أي ال‬
‫يساوي به‪.‬‬
‫واصطالحاً‪( :‬رد الفرع إىل األصل يف احلكم بعلة جتمعهما)‪ ،‬والباء يف قوله‪( :‬بعلة) سببية أي بسبب علة‪،‬‬
‫ومعىن رد الفرع إىل األصل جعله مساوياً له وراجع اً إليه يف احلكم‪ ،‬حيث إن الفرع مل يرد يف بيان حكمه نص وال‬
‫إمجاع‪ ،‬ألن موض وع القي اس طلب أحك ام الف روع املس كوت عنه ا‪ ،‬اليت مل ي رد فيها نص وال إمجاع‪ ،‬ف إذا وج دت‬
‫علة األصل يف الفرع أعطي حكم األصل‪.‬‬
‫ومثال ه‪ :‬قي اس األرز على الرب يف جري ان الربا(‪ ،)2‬والعلة اليت جتمعهما هي الطعم والكيل مثالً‪ .‬وقي اس العبد‬
‫على األمة يف تنصيف حد الزنا جبامع الرق يف كل منهما‪ .‬ودليل األصل آية سورة النساء‪ .‬كما تقدم يف التخصيص‪.‬‬
‫وأركان القياس أربعة‪:‬‬
‫‪ )1‬الف رع‪ ،‬وهو احملل ال ذي ي راد إثب ات احلكم في ه‪ ،‬ويس مى املقيس‪ .‬وهو األرز يف املث ال األول والعبد يف‬
‫املثال الثاين‪.‬‬
‫‪ )2‬األصل‪ ،‬وهو احملل املعلوم بثبوت احلكم فيه‪ ،‬ويسمى املقيس عليه‪ ،‬وهو الرب‪ ،‬واألمة‪.‬‬
‫‪ )3‬واحلكم‪ ،‬وهو األمر املقصود إحلاق الفرع باألصل فيه‪ .‬وهو جريان الربا يف املثال األول‪ .‬وتنصيف احلد‬
‫يف الثاين‪.‬‬
‫‪ )4‬العلة‪ ،‬وهي املعىن املشرتك بني األصل والفرع املقتضي إثبات احلكم يف الفرع‪ .‬وهي الطعم والكيل مثالً‬
‫يف األول‪ ،‬والرق يف الثاين‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وهو ينقسم إىل ثالثة أقسام) ملا ذكر تعريف القياس شرع يف تقسيمه حبسب علته‪ .‬فذكر أنه ثالثة‪:‬‬
‫قياس العلة وقياس الداللة‪ ،‬وقياس الشبه‪ .‬وعرف كل قسم منها‪.‬‬
‫قوله (فقياس العلة‪ :‬هو ما كانت العلة فيه موجبة احلكم)‪.‬‬
‫أي‪ :‬هو ما ك انت العلة اليت جتمع الف رع واألصل يف احلكم (موجبة احلكم) أي‪ :‬مقتض ية للحكم‪ ،‬مبعىن أنه‬
‫ال حيسن ختلف احلكم عنها يف الف رع ب أن توجد هي يف الف رع وال يوجد احلكم‪ .‬ومثال ه‪ :‬قي اس ض رب الوال دين أو‬
‫ُف[(‪ )3‬واحلكم هو التح رمي‪ ،‬والعلة هي اإلي ذاء‪.‬‬
‫أح دمها على الت أفيف املنص وص عليه يف قوله تع اىل‪] :‬فال تقل لهما أ ّ‬

‫() أعالم املوقعني (‪.)1/205‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر نثر الورود على مراقي السعود (‪.)2/451‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة اإلسراء‪ ،‬آية‪.23 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪108‬‬
‫فال حيسن عقالً ختلف احلكم يف الفرع بأن يباح الضرب‪ ،‬ومينع التأفيف مع وجود العلة يف الفرع على أمت وجه(‪.)1‬‬
‫وه ذا على ق ول من ي رى أن ثب وت احلكم يف الف رع يف ه ذا القسم بطريق القي اس فيك ون بطريق املنط وق ونقل يف‬
‫الربهان(‪ )2‬عن أكثر األصوليني أنه بطريق مفهوم املوافقة‪ ،‬وهو أن يوافق املسكوت عنه املنطوق يف احلكم‪ ،‬وقد يكون‬
‫أوىل وقد يكون مساوياً والضرب أوىل بالتحرمي من التأفيف‪.‬‬
‫واملشهور أن قياس العلة هو اجلمع بني الفرع واألصل بنفس العلة‪ ،‬كما إذا قلنا‪ :‬جيري الربا يف األرز قياس اً‬
‫على الرب جبامع الطعم والكيل مثالً‪ .‬وهو إما جلي أو خفي‪ ،‬وما ذك ره املص نف هو من قي اس العلة اجللي‪ ،‬وهو ما‬
‫علم من غري معاناة وفكر(‪.)3‬‬
‫قوله‪( :‬وقياس الداللة‪ :‬هو االستدالل بأحد النظريين على اآلخر‪ ،‬وهو أن تكون العلة دالة على احلكم وال‬
‫تكون موجبة للحكم) قوله‪( :‬هو االستدالل) أي هو أن يستدل بأحد النظريين على النظري اآلخر‪ .‬واملراد ب النظريين‪:‬‬
‫الشيئان املتشاركان يف األوصاف كاشرتاك األشنان والرب يف وصف الكيل‪ ،‬وقوله‪( :‬أن تكون العلة دالة على احلكم)‬
‫أي على ثبوت احلكم يف الفرع‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وال تكون موجبة للحكم) أي ال تكون مقتضية لثبوت احلكم كما يف قياس العلة‪.‬‬
‫ومثال ه‪ :‬قي اس األش نان(‪ )4‬على الرب يف جري ان الربا جبامع الكي ل‪ .‬فالعلة وهي الكيل دالة على احلكم‪ ،‬وهو‬
‫جريان الربا يف األشنان‪ ،‬ولكنها ليست موجبة لثبوت احلكم يف الفرع‪ ،‬جلواز خلو الفرع عن هذا احلكم‪ ،‬الحتمال‬
‫إجياد فرق بني األصل والفرع‪ ،‬بأن الرب مطعوم واألشنان غري مطعوم‪.‬‬
‫واملش هور أن قي اس الدالة هو اجلمع بني األصل والف رع ب دليل العل ة‪ ،‬ال بالعلة نفس ها‪ :‬كالش دة يف اخلمر أو‬
‫الرائحة‪ ،‬فإن الشدة أو الرائحة ليست هي العلة‪ .‬مسي بذلك ألن املذكور دليل العلة‪ .‬وقد يكون أثر العلة كأن يقال‪:‬‬
‫القتل مبثقل ي وجب القص اص‪ :‬كالقتل مبح دد جبامع اإلمث‪ ،‬وهو أثر العلة اليت هي‪ :‬القتل العمد الع دوان‪ .‬وقد يك ون‬
‫حكم العلة كأن يقال‪ :‬تقطع اجلماعة بالواحد‪ ،‬كما يقتلون به جبامع وجوب الدية‪ .‬وهو حكم العلة‪ ،‬وال منافاة بني‬
‫هذا وما ذكر املصنف جلواز تعدد االصطالح أو اختالفه واهلل أعلم(‪.)5‬‬
‫قوله‪( :‬وقياس الشبه‪ :‬هو الفرع املرتدد بني أصلني)‪.‬‬
‫مثاله(‪ :)6‬العب د‪ .‬هل ميلك بالتمليك أو ال؟ وهل إذا قتل فيه الدية أو القيم ة؟ فهو م رتدد بني أص لني خمتلفي‬
‫احلكم‪.‬‬

‫() ويسمى هذا قياس األوىل وهو أن يكون ثبوت احلكم يف الفرع أوىل منه يف األصل كهذا املثال أو مساوياً له كقياس حترمي إتالف اليتيم باللبس على حترمي‬ ‫‪1‬‬

‫إتالفه باألكل انظر حاشية البناين (‪.)2/224‬‬


‫() الربهان (‪.)2/573‬‬ ‫‪2‬‬

‫( ) انظر تفصيل ذلك يف البحر احمليط (‪.)5/36‬‬ ‫‪3‬‬

‫() األشنان‪ :‬بفتح اهلمزة وكسرها شجر معروف كان يستعمل قدمياً يف غسل الثياب‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر الشرح الكبري للورقات للعبادي (‪.)2/474‬‬ ‫‪5‬‬

‫() انظر أمثلة أخرى يف شرح الروضة البن بدران (‪ )2/296‬ومذكرة الشنقيطي ص‪.266‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪109‬‬
‫األول احلر فالعبد يشبه احلر من حيث إنه إنسان مكلف يثاب ويعاقب وينكح ويطلق‪ ،‬وتلزمه أوامر الشرع‬
‫ونواهيه‪.‬‬
‫األصل الثاين‪ :‬املال أو البهيمة كما عرب بعضهم‪ ،‬فهو يشبه هذا األصل من حيث إنه يباع ويوهب ويوصى‬
‫به ويرهن ويورث وغري ذلك من أحوال املال‪.‬‬
‫فالعبد ف رع أش به احلر فيملك بالتمليك وفيه الدي ة‪ ،‬وه ذا األصل األول‪ ،‬وأش به البهيمة فال ميلك بالتمليك‬
‫وفيه القيمة‪ .‬وهذا األصل الثاين‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فيلحق بأكثرمها شبهاً به) أي يلحق هذا الفرع بأكثر األصلني شبهاً به يف صفات مناط احلكم‪ .‬وهو‬
‫املال‪ .‬فيأخذ حكمه ‪ . .‬ألنه يشبهه يف احلكم والصفة معاً أكثر مما يشبه احلر فيهما‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وال يص ار إليه مع إمك ان ما قبل ه) ه ذه العب ارة ثابتة يف بعض النس خ‪ ،‬ومعناه ا‪ :‬أن ه ذا الن وع من‬
‫القياس أضعف من الذي قبله‪ ،‬فال يصار إليه مع إمكان القسمني األولني‪ ،‬إذ ليس بني الفرع واألصل علة مناسبة‪،‬‬
‫سوى أنه يشبهه يف أكثر األحكام‪ ،‬مع أنه ينازعه أصل آخر‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫من شروط القيــاس‬

‫(ومن ش رط الف رع أن يك ون مناس باً لألص ل‪ .‬ومن ش رط األصل أن يك ون ثابت اً ب دليل متفق عليه‬
‫بين الخص مين‪ .‬ومن ش رط العلة أن تط رد في معلوالتها فال تنتقض لفظ اً وال مع نى‪ .‬ومن ش رط‬
‫الحكم أن يك ون مثل العلة في النفي واإلثب ات‪ .‬والعلة هي الجالبة للحكم‪ ،‬والحكم هو المجل وب‬
‫للعلة)‪.‬‬
‫ملا ذكر تعريف القياس وأقسامه ذكر بعض شروط أركان القياس‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ومن شرط الفرع أن يكون مناسباً لألصل) أي‪ :‬ومن شروط الفرع ألنه مفرد مضاف فهو للعموم‪.‬‬
‫ِ‬
‫(وم ْن) للتبعيض‪ ،‬ألن له ش روطاً أخ رى‪ .‬واألظهر أن املراد باملناس بة‪ :‬املناس بة يف العلة ب أن تك ون علة احلكم وص فاً‬
‫مناس باً لكل من األصل والف رع‪ ،‬مثل تش ويش الفكر وانش غال القلب وصف مناسب ملنع احلاقن من القض اء قياس اً‬
‫على منع الغض بان من ه‪ ،‬وكاالس تعجال يف قي اس قتل املوصى له للموصي على قتل ال وارث مورث ه‪ ،‬وكاإلس كار‬
‫وصف مناسب لتح رمي النبيذ قياس اً على اخلمر(‪ ،)1‬وعلى ه ذا فيغين عن ذك ره ما تق دم يف التعريف من قوله (بعلة‬
‫جتمعهما) إال أن يقال‪ :‬إن الشرطية قد ال تستفاد من التعريف؛ ألن هذه الورقات وضعت للطالب املبتدئ الذي هو‬
‫قريب الغفلة عن استفادة ذلك من التعريف‪.‬‬
‫وحيتمل أن يراد باملناسبة كون حكم الفرع مماثالً حلكم األصل‪ ،‬كقياس القتل باملثقل على القتل باحملدد يف‬
‫وجوب القصاص‪ .‬فاحلكم يف األصل هو عني احلكم يف الفرع‪ ،‬ذكره يف غاية املرام(‪.)2‬‬
‫وقد ذكر الش وكاين أن من ش روط الف رع مس اواة علته لعلة األص ل‪ ،‬ومس اواة حكمه حلكم األص ل‪ ،‬فه ذا‬
‫يفسر به كالم املصنف(‪ .)3‬فال يقاس التفاح على الرب يف جريان الربا‪ ،‬ألن الفرع ليس مساوياً لألصل يف العلة‪ ،‬وهي‬
‫الكيل مثالً حيث إن التفاح ليس مكيالً واهلل أعلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ومن شرط األصل أن يكون ثابت اً بدليل متفق عليه بني اخلصمني) هذا شرط حلكم األصل كما عرب‬
‫به غ ريه‪ ،‬ومعىن ذلك أن يك ون حكم األصل ال ذي ي راد إثباته للف رع ثابت اً ب دليل نص أو إمجاع‪ ،‬متفق عليه بني‬
‫اخلص مني املتن ازعني‪ ،‬ألن البحث بينهما ف إذا ذكر املس تدل احلكم مقرتن اً بدليله من نص أو إمجاال مل يش رتط موافقة‬
‫اخلصم‪ ،‬ألن داللة النص الصريح أو اإلمجاع على احلكم يؤمن معه االنتشار‪.‬‬
‫وإمنا ش رط ذلك لئال مينع اخلصم احلكم فيحت اج اآلخر على إثباته فيك ون انتق االً من مس ألة على مس ألة‬
‫أخرى‪ ،‬وينتشر الكالم فيفوت املقصود‪.‬‬

‫() يكثر يف كتب األصول ذكر هذا املثال‪ .‬وفيه نظر ألن النيب ‪ r‬صرح بأن كل مسكر حرام‪ .‬ومن شرط الفرع أال يكون منصوصاً على حكمه‪ .‬ومن ال‬ ‫‪1‬‬

‫يشرتط ذلك جييز هذا القياس فانظر الشرح الكبري (‪( )2/287‬أضواء البيان (‪.))3/312‬‬
‫() غاية املرام ص‪.198‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر إرشاد الفحول ص‪ ،209‬غاية املرام شرح مقدمة اإلمام للتلمساين ص‪.197‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪111‬‬
‫ومثاله ق ول احلنبلي‪ :‬جلد امليتة جنس فال يطهر بال دباغ كجلد الكلب‪ .‬فيق ول احلنفي‪ :‬ال أس لم حكم‬
‫األصل‪ ،‬وهو أن جلد الكلب ال يطهر بالدباغ‪ ،‬بل هو يطهر به عندي‪.‬‬
‫فحكم األصل املقيس عليه ليس متفق اً عليه بينهم ا‪ ،‬فال يصح القي اس‪ ،‬وه ذا من الق وادح يف ب اب القي اس‪،‬‬
‫ويسمى (املنع)‪.‬‬
‫فإن مل يكن خصم‪ ،‬بل أريد جمرد إثبات ذلك احلكم يف الفرع‪ ،‬فالشرط ثبوت حكم األصل بدليل يقول به‬
‫القائس وهو املثبت للقياس‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ومن شرط العلة أن تطرد يف معلوالهتا)‪.‬‬
‫أي ومن شرط العلة من حيث إحلاق الفرع باألصل بواس طتها أن تطرد‪ ،‬ومعىن االط راد‪ :‬أنه كلما وج دت‬
‫العلة يف صورة من الصور وجد معها احلكم كاإلكسار‪ ،‬فكلما وجد اإلكسار يف شيء وجد التحرمي فيه‪ ،‬كالكيل‬
‫والطعم – مثالً – فكلما وجد الكيل والطعم يف شيء حرم الربا فيه‪.‬‬
‫واملراد مبعلوالهتا األحكام املعللة هبا كتحرمي الربا يف الرب معلل بالكيل والطعم على أحد األقوال‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬فال تنتقض لفظاً وال معىن) هذا تفريع على شرطية االطراد‪ ،‬واالنتفاض أن يوجد الوصف يف صورة‬
‫من الصور‪ ،‬وال يوجد معه احلكم‪ ،‬وهذا من القوادح اليت تبطل القياس ويسمى (النقض)‪.‬‬
‫وال حاجة لق ول املص نف (لفظ اً) ألنه إذا انتقض معىن انتقض لفظ اً‪ ،‬بل لو اقتصر املص نف على قوله (فال‬
‫تنتقض) لكفى‪ ،‬ألن العلة ال تك ون إال مع ىن‪ ،‬واأللف اظ دالة عليه ا‪ ،‬ولعله مجع بينهما لإليض اح والتأكي د‪ ،‬أي فال‬
‫ينتقض لفظ العلة وال معناها(‪ )1‬أو يق ال‪ :‬إن ك انت العلة مركبة من ع دة أوص اف نظر إىل اللف ظ‪ ،‬وإن ك انت أم راً‬
‫واحداً نظر على معىن‪ .‬وسيأيت إن شاء اهلل مثال ذلك(‪.)2‬‬
‫واعلم أن املص نف عمم النقض‪ ،‬وهو ختلف احلكم‪ ،‬س واء ك ان املانع أو لغري م انع‪ ،‬فيفسد القي اس‪ ،‬وهو ما‬
‫مشى عليه يف مجع اجلوامع(‪ .)3‬ونقله عن الش افعي واخت اره مجاع ة‪ .‬وي رى آخ رون أن ختلف احلكم عن الوصف فيه‬
‫تفص يل‪ :‬ف إن ك ان ألجل م انع منع من ت أثري العلة أو لفقد ش رط تأثريه ا‪ ،‬فال يك ون ذلك مبطالً للعل ة‪ ،‬بل هو‬
‫ختصيص هلا‪ ،‬وإال فهو نقض وإبطال‪ .‬وبه قال التلمساين يف مفتاح الوصول‪ ،‬ونسبة الشنقيطي ألكثر العلماء(‪.)4‬‬
‫ومث ال النقض أن يق ال‪ :‬القتل العمد الع دوان علة لوج وب القص اص إمجاع اً‪ ،‬لكن ينتقض ذلك بقتل الوالد‬
‫ول ده‪ ،‬فإنه ال جيب القص اص‪ ،‬فال يقتل به مع وج ود العل ة‪ ،‬وهي األوص اف الثالث ة‪ :‬القت ل‪ ،‬والعم د‪ ،‬والع دوان‪.‬‬
‫فيق ال‪ :‬إن العلة ختلفت ملانع وهو األب وة‪ ،‬ألهنا مانعة من ت أثري العلة يف احلكم‪ ،‬فال يق ال ه ذه العلة منقوضة لتخلف‬
‫احلكم عنها يف ه ذه الص ورة‪ ،‬بل هي علة منع من تأثريها م انع‪ ،‬فال تبطل يف غري األب‪ ،‬فكلما وجد القتل العمد‬

‫() انظر الشرح الكبري (‪.)2/493‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر قرة العني للحطاب ص‪.75‬‬ ‫‪2‬‬

‫() مجع اجلوامع حباشية البناين (‪.)2/294‬‬ ‫‪3‬‬

‫() مفتاح الوصول ص‪ ،142‬أضواء البيان (‪.)3/479 ،2/258‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪112‬‬
‫العدوان من غري األب وحنوه وجب القصاص‪ ،‬حيث ال مانع من تأثريها‪ .‬وهذا نقض على رأي األولني‪ ،‬وختصيص‬
‫على القول الثاين‪.‬‬
‫ومث ال فقد الش رط‪ :‬الزنا علة ال رجم إمجاع اً‪ .‬وش رطه‪ :‬اإلحص ان‪ .‬ف إذا ختلف احلكم – وهو ال رجم – مع‬
‫وجود العلة – وهي الزنا – فال يقال‪ :‬إهنا علة منقوضة‪ ،‬بل علة ختتلف شرط تأثريها‪.‬‬
‫وإن ك ان ختلفها لغري ذلك مل يصح التعليل هبا‪ ،‬كما لو قي ل‪ :‬جتب الزك اة يف املواشي قياس اً على األم وال‬
‫جبامع دفع حاجة الفقري ‪ .‬فيقال ‪ :‬إن التعليل بدفع حاجة الفقري قد ختلف احلكم عنها يف اجلواهر كالآليل لصالحيتها‬
‫لدفع حاجة الفقري‪ ،‬ومع هذا فال زكاة فيها‪ ،‬فهي علة منقوضة حيث وجد املعىن املعلل به‪ ،‬وهو دفع حاجة الفقري‪،‬‬
‫ومل يوجد احلكم وهو وجوب الزكاة‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ومن ش رط احلكم أن يك ون مثل العلة يف النفي واإلثب ات) املراد ب احلكم حكم األصل من حيث‬
‫صحة إحلاق الفرع فيه بسبب علته‪ ،‬أي‪ :‬ومن شروط احلكم أن يكون تابع اً للعلة يف النفي واإلثبات أي يف الوجود‬
‫والعدم‪ ،‬فإن وجدت العلة وجد احلكم‪ ،‬وإن انتفت انتفى‪ .‬وهذا الشرط أعم من الشرط املذكور يف العلة‪ ،‬ألن ذاك‬
‫خاص بوجود احلكم عند وجود العلة‪ ،‬وهذا عام للوجود واالنتفاء‪ ،‬فاألول هو الطرد‪ ،‬والثاين هو العكس‪ .‬وهذا إن‬
‫ك ان احلكم معلالً بعلة واح دة‪ :‬كتح رمي اخلمر لعلة اإلس كار‪ ،‬فمىت وجد اإلس كار وجد التح رمي‪ ،‬ومىت انتفى‬
‫اإلسكار انتفى التحرمي‪ ،‬فإن كان للحكم علل متعددة مل يلزم من انتفاء علة معينة منها انتفاء احلكم‪ ،‬فيثبت بالعلة‬
‫األخرى كالبول والغائط والنوم لنقض الوضوء‪ ،‬فلو عدم البول والغائط ثبت النقض بالنوم‪.‬‬
‫واعلم أن ظ اهر كالم املص نف اش رتاط االنعك اس يف العل ة‪ ،‬ومعن اه كلما انتفت العلة انتفى احلكم‪ ،‬ومن‬
‫يشرتط ذلك مينع تعليل احلكم بعلتني‪ ،‬ألنه إذا انتفت علة مل ينتف احلكم لوجود العلة األخرى وقيامها مقامها‪.‬‬
‫والص حيح أن ذلك ال يش رتط وإن ك ان هو الغ الب‪ .‬ونس به يف الش رح الكبري للورق ات إىل اجلمه ور(‪،)1‬‬
‫فيج وز تعليل احلكم الواحد بعل تني وذلك لوقوع ه‪ ،‬وألن العلة عالمة على وج ود احلكم‪ ،‬وال م انع من تع دد‬
‫العالمات‪.‬‬
‫ومثاله ما تق دم من تعليل إجياب الوض وء ب البول والغائط وال ريح والن وم‪ ،‬ومثاله أيض اً تعليل حرمة النك اح‬
‫بالقرابة والصهر والرضاع‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والعلة هي اجلالبة للحكم) هذا أحد تعاريف العلة‪ ،‬وهي الركن الرابع من أركان القياس كما تقدم‪.‬‬
‫مث إن أريد باجلالبة للحكم أي ب ذاهتا فغري ص حيح‪ ،‬ألن اهلل تع اىل ال حيمله على ش رع احلكم س وى إرادته‬
‫جل وعال‪ ،‬خيلق ما يشاء وخيتار‪.‬‬
‫وإن أريد أن الش ارع جعلها جالبة للحكم فه ذا ال ب أس ب ه‪ .‬ولكن التعبري (باملعرفة للحكم) أوىل من اجلالبة‬
‫للحكم لالحتم ال املذكور‪ ،‬وذلك ألن العلة معرفة لوج ود احلكم‪ ،‬فمىت ع رفت العلة ع رف ثب وت احلكم معه ا‪،‬‬
‫معرفة على حرمة‬‫بس بب أن بينهما مناس بة تقتضي ت رتيب احلكم عليه ا‪ ،‬فاإلس كار علة أي أن ه ذا الوصف عالمة ّ‬
‫() الشرح الكبري (‪.)2/497‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪113‬‬
‫املس كر كاخلمر والنبيذ‪ .‬فاخلل قبل أن يصري مس كراً مب اح‪ ،‬فإذا ظهرت فيه القوة املسكرة وصار مخراً حرم‪ .‬فعلة‬
‫التحرمي وهي اإلسكار تدل على ترتب احلكم عليها وتعلقه هبا‪ ،‬فإن وجدت وجد‪ ،‬وإن مل توجد مل يوجد احلكم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬واحلكم هو اجمللوب للعلة) هذا تعريف احلكم وهو أحد أركان القياس كما تقدم‪.‬‬
‫ومعىن ذلك أن احلكم هو ما جلبته العلة واقتض ته من حترمي وحتليل وص حة وفس اد ووج وب وانتف اء وحنو‬
‫ذل ك‪ ،‬فتح رمي اخلمر حكم ش رعي اقتض ته العلة وهي اإلس كار‪ .‬وإمنا ك ان احلكم جملوب اً للعلة ملناس بتها ل ه‪ ،‬فإنه ما‬
‫ثبت حكم األصل يف الفرع إال بسبب هذه العلة واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫الحظــر واإلباحــة‬

‫(وأما الحظر واإلباحة فمن الناس من يقول‪ :‬إن أصل األشياء على الحظر إال ما أباحته الشريعة‪.‬‬
‫فإن لم يوجد في الشريعة ما يدل على اإلباحة يتمسك باألصل وهو الحظر‪ .‬ومن الناس من يقول‪:‬‬
‫بضده‪ ،‬وهو أن األصل في األشياء على اإلباحة إال ما حظره الشرع [ومنهم من قال بالتوقف])‪.‬‬
‫ق ول (وأما احلظر واإلباح ة) معط وف على قوله يف أول الورق ات (وأما أقس ام الكالم) فهو من مجلة ما أراد‬
‫تفصيله بعد إمجاله‪.‬‬
‫واملراد باحلظر‪ :‬املنع‪ .‬واإلباحة ضده‪ .‬وهذه املسألة(‪ )1‬وهي مسألة األعيان املنتفع هبا ذكر املصنف فيها ثالثة‬
‫أقوال‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن األش ياء املنتفع هبا على احلظر إال ما دلت الش ريعة على إباحته فهو مب اح‪ ،‬ف إن مل يوجد يف‬
‫الشريعة ما يدل على اإلباحة فإنه يتمسك باألصل وهو احلظر‪ ،‬واحتج القائلون بذلك بأن مجيع األشياء مملوكة هلل‬
‫جل وعال‪ ،‬واألصل يف ملك الغري منع التصرف فيه إال بإذنه‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن األصل يف املنافع اإلباحة إال ما حظره الشرع‪ .‬ومن أدلة قوله تعاىل‪] :‬هو الذي خلق لكم‬
‫ما في األرض جميعا[(‪ )2‬ووجه الدالل ة‪ :‬أن اهلل تع اىل امنت على خلقه مبا يف األرض مجيع اً‪ ،‬وال مينت إال مبب اح إذ ال‬
‫منة يف حمرم‪ ،‬وخص من ذلك بعض األش ياء وهي اخلب ائث ملا فيها من الض رر هلم يف معاش هم أو مع ادهم‪ ،‬فيبقى ما‬
‫عداها مباحاً مبوجب اآلية‪.‬‬
‫والحب ذو‬
‫ّ‬ ‫وق ال تع اىل‪] :‬واألرض وض عها لألن ام (‪ )10‬فيها فاكهة والنخل ذات األكم ام (‪)11‬‬
‫العصف والريحان (‪ )3([ )12‬فامنت اهلل تعاىل على األنام بأن وضع هلم األرض‪ ،‬وجعل هلم فيها أرزاقهم من القوت‬
‫والتفكه‪.‬‬
‫وعن س عد بن أيب وق اص رضي اهلل عنه أن النيب ‪ r‬ق ال‪( :‬إن أعظم املس لمني جرم اً من س أل عن ش يء مل‬
‫خيرم فحرم من أجل مسألته)(‪.)4‬‬
‫ّ‬
‫ووجه الداللة من وجهني‪:‬‬
‫حترم إال بتحرمي خاص لقوله‪( :‬مل حيرم)‪.‬‬‫‪ )1‬أن األشياء ال ّ‬
‫‪ )2‬أن التحرمي قد يكون ألجل املسألة‪ .‬فبني هبذا أهنا بدون ذلك ليست حمرمة‪.‬‬

‫() انظر كتاب (املسائل املشرتكة بني أصول الدين وأصول الفقه) للدكتور حممد العروسي ص‪.84‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.29 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة الرمحن‪ ،‬اآليات‪.12 – 10 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه البخاري رقم ‪ 6859‬ومسلم رقم ‪ 2358‬وأبو داود رقم ‪.4610‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪115‬‬
‫والقول الثالث‪ :‬التوقف (وهذا ثابت يف بعض النسخ) ودليله أن املباح ما أذن فيه صاحب الشرع‪ ،‬واحملظور‬
‫ما حرمه صاحب الشرع‪ ،‬فإذا مل يرد الشرع وجب أال يكون مباحاً وال حمظوراً‪ ،‬فوجب أن يكون على التوقف‪.‬‬
‫والقول الثاين أرجح األقوال يف املسألة لقوة أدلته‪ .‬وما علل به األولون ضعيف ال يقف يف مقابلة النصوص‪.‬‬
‫وأما الثالث ففيه نظر‪ ،‬فإن اهلل تعاىل خلق لنا وسخر ]ما في السموات وما في األرض جميع اً منه[(‪ )1‬نستفيد منها‪،‬‬
‫فالتص رف فيها ينبغي أن يك ون مباح اً هبذا األصل الع ام‪ ،‬وقد نصر الق ول باإلباحة ش يخ اإلس الم ابن تيمية رمحه‬
‫اهلل(‪.)2‬‬
‫واعلم أن املس ألة خاصة باألعي ان املنتفع هبا‪ ،‬وكالم املص نف ع ام حيث عرب باألش ياء‪ ،‬وهي تش مل املن افع‬
‫واملضار‪ ،‬كما تشمل األقوال واألفعال‪ ،‬وقد فصل شارح الورقات جالل الدين احمللى وبني حكم املنافع وأنه احلل‪،‬‬
‫واملضار وأنه التحرمي‪ ،‬وقال‪ :‬إن هذا هو الصحيح(‪ .)3‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫() سورة اجلاثية‪ ،‬آية‪.13 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر جمموع الفتاوى (‪.)21/535‬‬ ‫‪2‬‬

‫() شرح الورقات ص‪.29‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪116‬‬
‫استصحــاب الحــالـ‬

‫(ومعنى استصحاب الحال‪ :‬أن يستصحب األصل عند عدم الدليل الشرعي)‪.‬‬
‫االستصحاب من األدلة املختلف فيها‪ .‬وقول املصنـف ( ومعىن استصحاب احلال ) يشعـر بأن االستصحاب‬
‫تق دم له ذكر كغ ريه من املب احث الس ابقة‪ .‬وليس ك ذلك ألن املص نف مل ي ذكره يف جممل األب واب أول الورق ات‪،‬‬
‫وكان األنسب أن يعنون له مبسألة وحنوها‪.‬‬
‫واالستصحاب لغة‪ :‬طلب الصحبة كاالستسقاء طلب السقيا‪ ،‬والصحبة مقارنة الشيء ومقاربته‪.‬‬
‫واصطالحاً‪ :‬هو احلكم بأن ما ثبت يف الزمن املاضي‪ ،‬فاألصل بقاؤه يف الزمن املستقبل‪.‬‬
‫فإذا ثبت شيء فاملستدل يطلب صحبته يف احلال واالستقبال حىت يدل دليل على رفعه‪.‬‬
‫فلو ادعى ش خص على آخر دين اً مل تقبل دع واه‪ .‬ويك ون الق ول ق ول املدعى عليه استص حاباً للح ال‪ .‬إذ‬
‫األصل براءة الذمة من احلقوق املالية حىت يدل دليل على خالف ذلك‪.‬‬
‫واالستصحاب أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬استصحاب العدم األصلي‪ ،‬حىت يرد الدليل الناقل عنه‪ ،‬وهذا النوع هو الذي ذكره املصنف بقوله‪:‬‬
‫(أن يستصحب األصل عند عدم الدليل الشرعي)‪ .‬واملراد باألصل‪ :‬العدم األصلي‪ .‬وهو ما يسمى بالرباءة األصلية‪.‬‬
‫فاألصل براءة الذمة من التكاليف الشرعية حىت يرد دليل شرعي على تغيريه‪ :‬كنفي صالة سادسة‪ .‬وعدم وجوب‬
‫صوم رجب‪.‬‬
‫وقول ه‪( :‬عند ع دم ال دليل الش رعي) املراد بع دم ال دليل باعتب ار ما يظهر للمجتهد ال ب النظر للواقع ونفس‬
‫األمر‪ .‬فإذا حبث اجملتهد ومل جيد الدليل استصحب الرباءة األصلية‪.‬‬
‫وه ذا الن وع حج ة‪ .‬ق ال الس بكي يف اإلهباج ش رح املنه اج‪( :‬واجلمه ور على العمل هبذا‪ ،‬وادعى بعض هم‬
‫االتفاق) ا هـ(‪ )1‬وقد ذكر املصنف أنه حجة يف كالمه على ترتيب األدلة كما سيأيت إن شاء اهلل‪.‬‬
‫دل الش رع على ثبوته ودوامه كاستص حاب الطه ارة بن اءً على ما مضى من‬ ‫الث اين‪ :‬االستص حاب ال ذي ّ‬
‫الوض وء حىت يثبت ن اقض‪ ،‬واستص حاب بق اء النك اح بن اء على عقد ال زواج الص حيح ش رعاً‪ ،‬وبق اء امللك يف املبيع‬
‫بن اء على عقد ال بيع الص حيح ش رعاً‪ ،‬وبق اء ش غل ذمة من أتلف ش يئاً بن اء على ما ص در منه من إتالف‪ .‬ف احلكم‬
‫بذلك استصحاب للحكم الذي دل الدليل الشرعي على ثبوته ودوامه‪ .‬ومل يقم دليل على تغيريه‪.‬‬
‫وهذا النوع ال خالف يف وجوب العمل به عند األصوليني على أن يثبت معارض له‪ .‬قاله الزركشي(‪.)2‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬استصحاب الدليل مع احتمال املعارض‪ .‬فالعموم يستصحب إىل أن يرد ختصيص‪ .‬ألن تعطيله‬
‫خمصص تعطيل للشريعة‪ .‬والنص يستصحب إىل أن يرد نسخ‪ .‬ومن أمثلة ذلك أن فريق اً من أهل‬ ‫بدعوى البحث عن ّ‬

‫() اإلهباج (‪.)3/168‬‬ ‫‪1‬‬

‫() البحر احمليط (‪ )6/20‬وانظر أصول الفقه اإلسالمي للزحيلي (‪.)2/863‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪117‬‬
‫أجلهن أن‬
‫ّ‬ ‫العلم ق الوا جبواز نك اح الزانية قبل وضع محله ا‪ .‬والص حيح ع دم اجلواز لقوله تع اىل‪] :‬وأوالت األحم ال‬
‫حملهن[(‪ )1‬فيجب استصحاب هذا العموم حىت يثبت ختصيصه مبا يدل على جواز الصورة املذكورة(‪.)2‬‬
‫ّ‬ ‫يضعن‬
‫النوع الرابع‪ :‬استصحاب احلكم الثابت باإلمجاع يف حمل اخلالف‪ ،‬وهذا النوع راجع إىل حكم الشرع‪ .‬بأن‬
‫يتفق على حكم يف حالة‪ ،‬مث تتغري صفة اجملمع عليه‪ .‬وخيتلف اجملمعون فيه‪ .‬فيستدل من مل يغري احلكم باستصحاب‬
‫احلال‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬استدالل من يقول‪ :‬إن املتيمم إذا رأى املاء يف أثناء صالته ال تبطل صالته‪ .‬ألن اإلمجاع منعقد‬
‫على صحتها قبل ذلك‪ .‬فاستصحب هذا اإلمجاع إىل أن يدل دليل على أن رؤية املاء مبطلة‪.‬‬
‫وه ذا الن وع هو حمل اخلالف‪ .‬ف أكثر احلنابلة وأص حاب أيب حنيفة والش افعي على أنه ليس حبج ة‪ .‬ألن‬
‫دل على دوام الصالة حال العدم‪ .‬فأما مع وجود املاء فهو خمتلف فيه‪ ،‬وال إمجاع مع االختالف‪.‬‬ ‫اإلمجاع إمنا ّ‬
‫وق ال بعض األص وليني والفقه اء‪ :‬إنه حج ة‪ .‬وبه ق ال داود الظ اهري واخت اره اآلم دي وابن احلاجب وابن‬
‫باق على أصل قائم يف مقام‬ ‫القيم وغريهم‪ .‬قال الشوكاين‪( :‬والقول الثاين هو الراجح‪ ،‬ألن املتمسك باالستصحاب ٍ‬
‫املنع‪ ،‬فال جيب عليه االنتقال عنه إال بدليل يصلح لذلك‪ ،‬فمن ادعاه جاء به)(‪.)3‬‬
‫لكن نوقش ذلك بأن البقاء على األصل القائم إمنا يكون مع النص أو العقل‪ .‬أما حني يكون دليله اإلمجاع‬
‫فال‪ .‬ألن اإلمجاع يف مسألة التيمم – مثالً – مشروط بالعدم‪ .‬فال يكون دليالً عند الوجود‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫ومن األدلة على ص حة االس تدالل باالستص حاب ما ع دا الن وع الرابع قوله تع اىل‪] :‬فمن ج اءه موعظة من‬
‫ربه ف انتهى فله ما س لف وأم ره إلى اهلل[(‪ .)4‬ووجه الدالل ة‪ :‬أنه ملا ن زل حترمي الربا خ افوا من األم وال املكتس بة من‬
‫الربا قبل التحرمي‪ ،‬فبينت اآلية أن ما اكتسبوا قبل التحرمي على الرباءة األصلية‪ ،‬فهو حالل وال حرج عليهم فيه(‪.)5‬‬
‫ومن األدلة أن ما ثبت يف الزم ان األول من وج ود أمر أو عدمه ومل يظهر زوال ه‪ ،‬فإنه يل زم بالض رورة‬
‫والبداهة أن حيصل الظن ببقائه كما كان‪ .‬والعمل بالظن واجب(‪.)6‬‬
‫ومن األدلة – أيض اً – قي ام اإلمجاع على اعتب ار االستص حاب يف كثري من الف روع الفقهية كبق اء الوض وء‬
‫واحلدث والزوجية وامللك – ما تقدم – مع وجود الشك يف رافعها(‪.)7‬‬
‫هذا وقد استنبط الفقهاء بعض القواعد من االستصحاب وأدلته ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ )1‬األصل بقاء ما كان على ما كان حىت يثبت تغيريه‪.‬‬
‫() سورة الطالق‪ ،‬آية‪.4 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر أضواء البيان (‪.)6/83‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر أعالم املوقعني (‪ )1/341‬رسالة يف أصول الفقه للعكربي ص‪ 136‬إرشاد الفحول ص‪ 238‬أدلة التشريع املختلف يف االحتجاج هبا للدكتور عبد‬ ‫‪3‬‬

‫العزيز الربيعة ص‪ 303‬وانظر الشرح املمتع على الزاد للشيخ حممد بن عثيمني (‪.)1/341‬‬
‫() سورة البقرة‪ ،‬آية‪.275 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() مذكرة الشنقيطي ص‪.159‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أصول الفقه اإلسالمي (‪.)2/869‬‬ ‫‪6‬‬

‫() املصدر السابق (‪.)2/870‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪118‬‬
‫‪ )2‬األصل يف األشياء النافعة اإلباحة‪.‬‬
‫‪ )3‬األصل يف األشياء الضارة التحرمي‪.‬‬
‫‪ )4‬اليقني ال يزول بالشك‪.‬‬
‫‪ )5‬األصل براءة الذمة من التكاليف واحلقوق‪.‬‬
‫‪ )6‬األصل يف الذبائح التحرمي‪.‬‬
‫‪ )7‬األصل يف العقود والشروط الصحة إال ما أبطله الشارع‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك ال يتسع له املقام واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫ترتيــب األدلـــة‬

‫(وأما األدلة فيق دم الجلي منها على الخفي‪ ،‬والم وجب للعلم على الم وجب للظن‪ ،‬والنطق على‬
‫القياس‪ ،‬والقياس الجلي على الخفي‪ .‬فإن وجد في النطق ما يغير األصل وإ ال فيستصحب الحال)‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وأما األدلة) أي وأما ترتيب األدلة كما ذكر ذلك يف أول الورقات‪.‬‬
‫واألدلة مجع دليل‪ ،‬واملراد به هنا ما تثبت به األحكام الشرعية من الكتاب والسنة واإلمجاع والقياس‪ ،‬وكذا‬
‫قول الصحايب على أحد القولني‪ ،‬واالستصحاب على القول املختار‪ .‬ومن املعلوم أن األدلة الشرعية متفاوتة يف القوة‬
‫فيحت اج إىل معرفة األق وى ليق دم على غ ريه عند التع ارض‪ ،‬وهلذا ك ان األوىل باملص نف أن ي ذكر ه ذه الكلم ات‬
‫اليسرية مع التعارض املتقدم حبثه‪ ،‬ألن ترتيب األدلة حيتاج إليه عند التعارض‪ ،‬وهذا ما فعله املؤلفون يف أصول الفقه‪،‬‬
‫ولعل املص نف أخر موض وع ال رتتيب إىل هن ا‪ ،‬ألنه جيري يف األدلة األربعة اليت آخرها القي اس‪ .‬فلما ف رغ من األدلة‬
‫شرع يف بيان الرتجيح بينها‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬فيق دم اجللي منها على اخلفي) أي يق دم من أدلة الكت اب والس نة (اجللي) وهو ما اتضح منه املراد‬
‫(اخلفي)‪ .‬وهو ما خفي املراد منه‪ ،‬وذلك كالظاهر واملؤول‪ ،‬سواء كان الظاهر ظاهراً بنفسه أو بالدليل كما تقدم‬
‫يف بابه‪ ،‬كما يقدم اللفظ املستعمل يف احلقيقي على املستعمل يف معناه اجملازي‪ ،‬ألن احلقيقي هو الظاهر من اللفظ‪.‬‬
‫وهذا على القول بوقوع اجملاز يف القرآن‪ ،‬وتقدم بيان ذلك‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬واملوجب للعلم على املوجب للظن) أي ويق دم ما يفيد العلم وهو اليقني على ما يفيد الظن‪ ،‬وذلك‬
‫كاملتواتر واآلحاد‪ ،‬فإن املتواتر يفيد العلم‪ ،‬واآلحاد يفيد الظن‪،‬كما مضى يف األخبار ‪ ،‬وما أفاد العلم أظهر مما أفاد‬
‫خاص اً‪ .‬فإن اآلحاد خيصص املتواتر‪ ،‬كما يف قوله تع اىل‪] :‬يوصيكم اهلل‬
‫عام اً واآلحاد ّ‬
‫الظنس إال أن يك ون املت واتر ّ‬
‫في أوالدكم[(‪ )1‬مع حديث "ال يرث املسلم الكافر‪ ،‬وال الكافر املسلم" وتقدم ذلك يف اخلاص‪.‬‬
‫قوله‪( :‬والنطق على القياس) أي ويقدم النطق على القياس‪ ،‬واملراد بالنطق قول اهلل تعاىل وقول الرسول ‪،r‬‬
‫خيص بالقياس‪ ،‬ومثاله تقدم يف‬
‫عاما فإنه ّ‬‫كما تقدم تعريفه يف التخصيص‪ ،‬فيقدم ذلك على القياس إال إن كان النص ّ‬
‫التخصيص‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬والقي اس اجللي على القي اس اخلفي) القي اس اجللي ما نص على علته أو أمجع عليها أو ك ان مقطوع اً‬
‫فيه بنفي الفارق بني الفرع واألصل‪.‬‬
‫ومن أمثلته قياس إحراق مال اليتيم على أكله املنصوص عليه يف آية سورة النساء يف التحرمي جبامع اإلتالف‬
‫إذ ال فرق بينهما‪.‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬آية‪.11 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪120‬‬
‫والقي اس اخلفي ما ثبتت علته باالس تنباط‪ ،‬ومل يقطع بنفي الف ارق بني الف رع واألص ل‪ ،‬كما تق دم يف قي اس‬
‫األش نان على الرب يف حترمي الربا جبامع الكيل مثالً‪ ،‬فإنه مل يقطع بنفي الف ارق الحتم ال أن يق ال‪ :‬إن الرب مطع وم‪،‬‬
‫واألشنان غري مطعوم‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ف إن وجد يف النطق ما يغري األصل وإال فيستص حب احلال)‪ :‬أي أن وجد يف الكت اب والس نة ما يغري‬
‫نص اً فإننا نعمل باالستص حاب‪ ،‬وهو الع دم‬
‫األصل وهو ال رباءة األص لية عمل ب النص وت رك األص ل‪ ،‬وإن مل جند ّ‬
‫األصلي كما تقدم‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫شــروطـ المفتــي‬

‫(ومن شرط المفتي أن يكون عالم اً بالفقه أص الً وفرع اً‪ ،‬خالف اً ومذهباً‪ ،‬وأن يكون كامل اآللة في‬
‫االجته اد‪ ،‬عارف اً بما يحت اج إليه في اس تنباط األحك ام من النحو واللغة ومعرفة الرج ال وتفس ير‬
‫اآليات الواردة في األحكام واألخبار الواردة فيها)‪.‬‬
‫ملا ف رغ املص نف من الكالم على األدلة ش رع يتكلم على ص فات من يش تغل باألدلة وهو اجملته د‪ ،‬ف ذكر‬
‫ش روطه‪ ،‬وه ذا مس لك لبعض األص وليني‪ ،‬وهو ت أخري مبحث االجته اد عن مبحث األدل ة‪ ،‬واألك ثرون ق دموا ب اب‬
‫االجتهاد على مباحث األدلة‪ ،‬ألهنا من عمل اجملتهد‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ومن ش رط املف يت) أي اجملته د‪ ،‬واملف يت‪ :‬اسم فاعل من أفىت الرب اعي‪ ،‬ومص دره اإلفت اء‪ .‬ق ال يف‬
‫القاموس‪( :‬أفتاه يف األمر‪ :‬أبانه له‪ .‬والفتيا والفتوى (وتفتح) ما أفىت به الفقيه) أهـ‪.‬‬
‫واملراد هنا‪ :‬املخرب عن حكم شرعي‪.‬‬
‫وللمفيت شروط ال يكون صاحلاً لإلفتاء إال هبا ذكر بعضاً منها‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬أن يك ون عاملاً بالفقه أص الً وفرع اً‪ ،‬خالف اً وم ذهباً) ه ذا الش رط األول من ش روط اجملته د‪ ،‬وإمنا‬
‫اشرتط علمه بالفقه ألنه املقصود‪ ،‬واملراد بالفقه هنا مسائل الفقه‪ ،‬وليس املراد ما تقدم يف أول الورقات‪ ،‬وهو معرفة‬
‫األحكام الشرعية لئال يصري املعىن‪ :‬أن يكون عاملاً مبعرفة األحكام وهذا غري مراد‪.‬‬
‫واملراد بقول ه‪ :‬أص الً وفرع اً‪ :‬أي أص ول الفقه وفروع ه‪ .‬فأص ول الفقه أدلة الفقه اإلمجالية وكيفية االس تفادة‬
‫منها وفروعه‪ :‬مسائله اجلزئية‪.‬‬
‫ويف إدخ ال أص ول الفقه يف الفقه كما ي دل عليه قوله (أن يك ون عاملاً بالفقه أص الً) مس احمة‪ ،‬ألن أص ول‬
‫الفقه ليس داخالً يف الفق ه‪ ،‬إال إن ك ان يريد باألصل أمه ات املس ائل اليت هي كالقواع د‪ ،‬لكن يفوته التنبيه على‬
‫معرفة أصول الفقه للمجتهد‪ ،‬إال أن يدخل يف قوله (كامل اآللة) كما سيأيت إن شاء اهلل(‪.)1‬‬
‫ق ال ابن اجلوزي‪( :‬ق ال العلم اء‪ :‬من ال واجب على الفقيه الالزم له طلب الوق وف على حق ائق األدلة‬
‫وأوضاعها اليت هي مباين قواعد الشرع) ا هـ(‪.)2‬‬
‫وقوله‪( :‬وفرعاً) أي يعرف املسائل الفقهية التابعة هلذه القواعد وغريها‪ ،‬وليس املراد حفظها‪ ،‬إمنا املقصود أن‬
‫حيفظ مجلة منها‪ ،‬ليتمكن من معرفة ما يرد عليه أثناء الفتوى‪ ،‬إذ ال يتصور العلم جبميعها‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬خالف اً ومذهباً) أي يشرتط يف املفيت مع علمه بالفقه وأصوله أن يكون مطلع اً على خالف العلماء‬
‫من الصحابة والتابعني ومن بعدهم‪ ،‬ليذهب إىل قول من أقواهلم‪ .‬كما أنه البد من معرفة اإلمجاع‪ ،‬لئال يفيت خبالف‬
‫ما أمجع عليه‪ .‬فيكون قد خرق اإلمجاع‪.‬‬

‫() انظر شرح احلطاب ص‪.80‬‬ ‫‪1‬‬

‫() اإليضاح ص‪.7‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪122‬‬
‫واملراد بقوله (ومذهباً) ما يستقر عليه رأيه‪ ،‬وما يسوغ الذهاب إليه سسألن العلم باخلالف سبب للعلم مبا‬
‫يس وغ ال ذهاب إليه وه ذا إن محل كالمه على اجملتهد املطل ق‪ .‬ف إن محل على اجملتهد املقيد فاملراد باملذهب ما يستقر‬
‫عليه رأي إمامه‪ .‬فيجب أن يكون عاملاً بقواعد مذهب إمامه‪ ،‬ليجتهد يف التخريج على أصوله‪ ،‬أو جيتهد يف ترجيح‬
‫بعض أق وال إمامه على بعض‪ ،‬وذكر يف مجع اجلوامع(‪ )1‬أنه ال يش رتط علم اجملتهد بتف اريع الفق ه‪ ،‬ألهنا إمنا حتصل بعد‬
‫االجتهاد فكيف تشرتط فيه؟! وهذا خالف ما عليه املصنف‪ .‬والظاهر بعض القواعد الفقهية كما تقدم‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وأن يكون كامل اآللة يف االجتهاد) هذا الشرط الثاين من شروط املفيت‪ ،‬واملراد بكمال اآللة‪ :‬صحة‬
‫الذهن‪ ،‬وجودة الفهم بعده‪ ،‬فيكون ما بعده شرطاً آخر‪ .‬أو يريد بكمال اآللة ما ذكره بعده فيكون تفسرياً‪ .‬وهذا‬
‫على أنه ال يفيت إال جمتهد‪ ،‬وبه قال مجع من أهل العلم‪ ،‬ويرى آخرون أن املفيت إذا كان متبحراً يف مذهب إمامه‪،‬‬
‫فامها لكالم ه‪ ،‬عاملا لراجحه من مرجوحه كفى‪ ،‬ولو مل يكن مس تطيعاً اس تنباط األحك ام من أدلته ا‪ ،‬وذلك ألن‬
‫اشرتاط االجتهاد املطلق يف املفيت يفضي إىل حرج عظيم واسرتسال اخللق يف أهوائهم‪ ،‬ويضاف إىل ذلك ما نشاهده‬
‫يف واقع األمة اإلسالمية من كثرة اجلهل بأحكام الدين يف كثري من أفرادها‪ ،‬وكثرة مشاغل املتخصصني يف أحكام‬
‫الشريعة مما قد حيول بينهم وبني بلوغ درجة االجتهاد‪ .‬والقضاء مع أنه مركز عظيم ال يشرتط فيه االجتهاد‪ ،‬فليكن‬
‫املفيت كالقاضي الذي ينفذ األحكام(‪ )2‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬عارف اً مبا حيت اج إليه يف اس تنباط األحك ام من النحو اللغ ة) أي‪ :‬البد أن يك ون اجملتهد عاملاً بالق در‬
‫الالزم لفهم الكالم من اللغة والنح و‪ .‬أما اللغة فألن الق رآن والس نة بلس ان الع رب وردا‪ ،‬فال يفهم نصوص هما من‬
‫جيهل اللغة‪ .‬وأما النحو فألن املعاين ختتلف باختالف اإلعراب‪ .‬فالبد من معرفة النحو واإلعراب‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ومعرفة الرجال) أي‪ :‬رواة احلديث ليأخذ برواية املقبول منهم دون اجملروح‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وتفسري اآلي ات ال واردة يف األحك ام واألخب ار ال واردة فيه ا) أي ومن ش رط اجملتهد أن يك ون عاملاً‬
‫بنصوص الكتاب والسنة اليت هلا تعلق مبا جيتهد فيه من األحكام‪ .‬فيعرف آيات األحكام وتفسريها واألحاديث اليت‬
‫تتعلق هبا األحكام‪ .‬وال يشرتط حفظها بل يكفي معرفة مظاهنا يف أبواهبا لرياجعها وقت احلاجة إليها‪.‬‬
‫ومن كما اآللة عند اجملتهد أن يك ون على علم بأص ول الفق ه‪ ،‬ألن ه ذا الفن هو الدعامة اليت يعتمد عليها‬
‫االجته اد‪ ،‬وتق دمت اإلش ارة إىل ذل ك‪ .‬ومن ش روط االجته اد أن يك ون اجملتهد عاملاً بالناسخ واملنس وخ لئال يعمل‬
‫ويفيت باملنسوخ واهلل أعلم‪.‬‬

‫() مجع اجلوامع (‪.)2/385‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر أعالم املوقعني (‪ )4/212‬وقد رأي هذا الرأي مجع منهم ابن السبكي فيما نقله عنه حممد علي بن حسني املالكي يف كتابه (هتذيب الفروق) ج‪2‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 117‬وانظر املفيت يف الشريعة للدكتور عبد العزيز الربيعة ص‪.12‬‬


‫‪123‬‬
‫ما يشترط في المستفتي‬

‫(ومن شرط المستفتي أن يكون من أهل التقليد‪ ،‬فيقلد المفتي في الفتيا‪ .‬وليس للعالم أن يقلد [وقيل‬
‫يقلد])‪.‬‬
‫ملا فرغ املصنف رمحه اهلل من بيان شروط املفيت شرع يف بيان ما يشرتط يف املستفيت‪ ،‬واملستفيت‪ :‬اسم فاعل‬
‫من االستفتاء مبعىن طلب الفتوى‪ ،‬فالسني والتاء للطلب‪ ،‬واملراد هنا‪ :‬السائل عن حكم شرعي‪.‬‬
‫قوله‪( :‬ومن شرط املستفيت أن يكون من أهل التقليد) أي‪ :‬أهل جواز التقليد ال من أهل االجتهاد‪ ،‬فيدخل‬
‫فيه العامي واملتعلم الذي مل يبلغ درجة االجتهاد‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬فيقلد املفيت يف الفتي ا) أي‪ :‬أن املقلد جيب عليه تقليد املفيت لقص وره عن إدراك األحك ام من أدلته ا‪.‬‬
‫وقوله (يف الفتيا) أي‪ :‬يف جواب املفيت عن السؤال املوجه إليه من املستفيت‪ .‬ومعىن تقليده‪ :‬قبول قوله والعمل به كما‬
‫سيأيت‪ ،‬وظاهر قوله يف (الفتيا) أنه يقلده يف الفتوى‪ ،‬وال يقلده يف الفعل‪ ،‬فلو رأى اجلاهل العامل يفعل فعال مل جيز له‬
‫تقليده فيه حىت يسأله‪ ،‬إذ لعله فعله ألمر مل يظهر للمقلد‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬وليس للع امل أن يقل د) أي‪ :‬وليس للمجتهد أن يقلد غ ريه لتمكنه من االجته اد إال إذا اجتهد بالفعل‬
‫ومل يظهر له احلكم‪ ،‬أو ن زلت به حادثة تقتضي الفوري ة‪ ،‬فيج وز أن يقلد حينئذ للض رورة‪ .‬أما إذا اجتهد وأداه‬
‫اجتهاده إىل حكم مل جيز له أن ينتقل عنه‪ ،‬ويقلد غريه من اجملتهدين باتفاق‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬وقيل‪ :‬يقلد) هذا ثابت يف بعض النسخ‪ .‬والظاهر أن اخلالف فيمن مل جيتهد‪ ،‬فهل له أن يقلد غريه؟‬
‫األرجح أنه ممنوع من التقليد إال يف احلالتني املذكورتني واهلل أعلم(‪.)1‬‬
‫واعلم أنه جيب على املستفيت أن يريد باستفتائه احلق والعمل به‪ .‬فال يسأل عما ال يعين‪ .‬أو يتتبع الرخص أو‬
‫يقصد إفحام املفيت‪ ،‬أو يقول‪ :‬أفتاين غريك بكذا‪ .‬أو حنو ذلك من املقاصد السيئة‪.‬‬
‫وال يس تفيت إال من يعلم أو يغلب على ظنه أنه أهل للفت وى‪ ،‬مبا ي راه من انتص ابه للفتيا واح رتام الن اس له‬
‫وأخذهم عنه‪ ،‬أو خبرب عدل عنه‪ .‬وينبغي أن خيتار أوثق املفتني علم اً وورع اً‪ .‬وقيل‪ :‬جيب ذلك ألن الغرض حصول‬
‫ظن اإلصابة‪ ،‬وهي إىل األفضل أقرب‪ ،‬واهلل أعلم(‪.)2‬‬

‫() انظر غاية املرام ص‪.216‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر األصول من علم األصول ص‪.56‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪124‬‬
‫التقلـــيدـ‬

‫(والتقلي د‪ :‬قب ول ق ول القائل بال حج ة‪ .‬فعلى ه ذا قب ول ق ول الن بي ‪ r‬يس مى تقلي داً‪ ،‬ومنهم من ق ال‪:‬‬
‫التقلي د‪ :‬قب ول ق ول القائل وأنت ال ت دري من أين قال ه‪ .‬ف إن قلن ا‪ :‬إن الن بي ‪ r‬ك ان يق ول بالقي اس‬
‫فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليداً)‪.‬‬
‫ملا بنّي املصنف أن اجملتهد ال يقلد بني حقيقة التقليد‪.‬‬
‫والتقليد لغ ة‪ :‬وضع الش يء يف العنق حميط اً ب ه‪ .‬وذلك الش يء (قالدة) واجلمع (قالئ د) ويطلق على تف ويض‬
‫األمر إىل الشخص كأن األمر جعل يف عنقه كالقالدة‪.‬‬
‫واصطالحاً عرفه بقوله‪( :‬قبول قول القائل بال حجة) أي بال حجة يذكرها القائل للسائل‪.‬‬
‫قوله (فعلى ه ذا قب ول ق ول النيب ‪ r‬يس مى تقلي داً) أي‪ :‬فعلى ه ذا التعريف يك ون قب ول ق ول النيب ‪ r‬تقلي داً‬
‫النطب اق التعريف علي ه‪ ،‬ألنه ‪ r‬ي ذكر احلكم‪ ،‬وال ي ذكر دليل احلكم‪ ،‬لكن ج اء عن املص نف يف (الربه ان) خالف‬
‫ذلك‪ ،‬فإنه قال‪( :‬وذهب بعضهم إىل أن التقليد قبول قول القائل بال حجة‪ ،‬ومن سلك هذا املسلك منع أن يكون‬
‫قب ول ق ول النيب ‪ r‬تقلي داً فإنه حجة يف نفس ه) ا هـ(‪ .)1‬ويظهر أن من أطلق عليه تقلي داً قصد اجملاز والتوس ع‪ ،‬ق ال‬
‫هـ(‪.)2‬‬ ‫اآلمدي‪ ( :‬وإن مسي ذلك تقليداً بعرف االستعمال فال مشاحة يف اللفظ) ا‬
‫قوله‪( :‬ومنهم من قال‪ :‬التقليد‪ :‬قبول قول القائل وأنت ال تدري من أين قاله) أي ال تعرف مأخذه‪ .‬وهذا‬
‫خيرج أخذ القول مع معرفة دليله فهذا اجتهاد‪.‬‬
‫ولو قيل يف تعريفه ه و‪( :‬اتب اع من ليس قوله حج ة) لك ان أخصر وأمشل وأوض ح‪ .‬ألن معظم األص وليني‬
‫خصصوا حدودهم بالقول‪ ،‬وال معىن لالختصاص به‪ ،‬فإن االتباع يف األفعال املبينة كاالتباع يف األقوال(‪.)3‬‬
‫وخيرج به اتب اع الرس ول ‪ r‬فليس تقلي داً ألنه اتب اع للحج ة‪ ،‬وك ذا اتب اع أهل اإلمجاع ألن اإلمجاع حج ة‪،‬‬
‫وكذا اتباع قول الصحايب على القول بأنه حجة‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فإن قلنا‪ :‬إن النيب ‪ r‬كان يقول بالقياس‪ ،‬فيجوز أن يسمى قبول قوله تقليداً) هذا تفريع على احلد‬
‫الث اين ال ذي ذك ره للتقلي د‪ .‬وهو أننا إذا قلنا إن الرس ول ‪ r‬جيوز له أن حيكم بالقي اس أي‪ :‬جيتهد وال يقتصر على‬
‫الوحي‪ ،‬وليس املراد خصوص القياس‪ ،‬بل املراد جواز مطلق االجتهاد كما عرّب يف الربهان(‪.)4‬‬
‫قول ه‪( :‬فيج وز أن يس مى قب ول قوله تقلي داً) أي‪ :‬ألننا ال نعلم مأخذ قوله من االجته اد أو من ال وحي‪ ،‬وإن‬
‫قلنا إنه ال جيوز له أن جيتهد فال يس مى قبوله تقلي داً‪ ،‬ألنا نعلم أن ما يقوله يقوله عن وحي‪ .‬فال ينطبق عليه ه ذا‬
‫التعريف‪.‬‬
‫() الربهان (‪.)2/888‬‬ ‫‪1‬‬

‫() اإلحكام (‪.)4/227‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر الشرح الكبري (‪.)2/562‬‬ ‫‪3‬‬

‫() انظر الربهان (‪.)2/888‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪125‬‬
‫والصحيح أن الرسول ‪ r‬جيوز له االجتهاد‪ ،‬وال يسمى قبول قوله تقليداً كما تقدم‪.‬‬
‫أما االجتهاد يف أمر الدنيا فهو جائز وواقع باإلمجاع‪ ،‬كما حكاه ابن حزم وغريه(‪ )1‬مثل قصة اجتهاده ‪ r‬يف‬
‫تأبري النخل(‪ )2‬وأما أمر الشرع فعلى أصح األقوال لقوله تعاىل‪] :‬وشاورهم في األمر[(‪ )3‬وطريق املشاورة‪ :‬االجتهاد‪.‬‬
‫وألنه قد وقع كما يف قصة أس ارى ب در(‪ )4‬وكما يف رجوعه ‪ r‬لق ول العب اس يف قول ه‪( :‬إال األذخ ر) كما تق دم يف‬
‫مباحث االستثناء يف باب التخصيص‪ ،‬ولو كان ذلك بوحي مل يتغري‪ ،‬فدل على أنه باجتهاد واهلل أعلم‪.‬‬

‫() انظر األحكام البن حزم (‪ )2/703‬وإرشاد الفحول (ص‪.)255‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه مسلم رقم ‪.2363‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬آية‪.159 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه مسلم رقم ‪.1763‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪126‬‬
‫االجتهـــادـ‬
‫(وأما االجته اد فهو بذل الوسع في بلوغ الغ رض‪ .‬فالمجتهد إن كان كامل اآللة في االجته اد فإن‬
‫اجتهد في الف روع فأص اب فله أج ران‪ ،‬وإ ن اجتهد وأخطأ فله أجر واح د‪ .‬ومنهم من ق ال‪ :‬كل‬
‫مجتهد في الف روع مص يب‪ .‬وال يج وز أن يق ال‪ :‬كل مجتهد في األص ول [الكالمي ة] مص يب‪ ،‬ألن‬
‫ذلك يؤدي إلى تصويب أهل الضاللة من النصارى والمجوس والكفار والملحدين‪ .‬ودليل من قال‪:‬‬
‫ليس كل مجتهد في الف روع مص يباً قوله ‪" r‬من اجتهد فأص اب فله أج ران‪ ،‬ومن اجتهد وأخطأ فله‬
‫أجر واحد"‪ .‬وجه الدليل‪ :‬أن النبي ‪ r‬خطّا المجتهد تارة وصوبه أخرى [واهلل سبحانه أعلم])‪.‬‬
‫ملا تكلم عن التقليد وش روط اجملته د‪ ،‬وأن االجته اد جيب على من اجتمعت فيه ش روطه ذكر تعريف‬
‫االجتهاد‪ ،‬ألن االجتهاد يقابل التقليد‪ .‬وهو لغة‪ :‬بذل اجلهد(‪ )1‬واستفراغ الوسع إلدراك أمر شاق‪ .‬وال يستعمل إال‬
‫فيما فيه مشقة‪ .‬تقول‪ :‬اجتهد يف محل الصخرة‪ .‬وال تقول‪ :‬اجتهد يف محل العصا‪.‬‬
‫واصطالحاً عرفه بقوله‪( :‬بذل الوسع يف بلوغ الغرض) والوسع‪ :‬بضم الواو‪ :‬الطاقة والقوة(‪.)2‬‬
‫وه ذا تعريف ع ام‪ ،‬هو التعريف اللغ وي أق رب‪ ،‬فالبد من تقيي ده ب احلكم الش رعي‪ ،‬ألن املراد البحث يف‬
‫االجته اد ال ذي هو طريق إلثب ات حكم ش رعي‪ .‬فيك ون املراد ب الغرض‪ :‬احلكم الش رعي املطل وب‪ .‬ولو قي ده بالفقيه‬
‫وق ال‪ :‬ب ذل الفقيه وس عه لبل وغ الغ رض لك ان كافي اً‪ ،‬كما يف مجع اجلوام ع‪ ،‬ألن الفقيه ال يتكلم إال يف األحك ام‬
‫الشرعية‪ .‬وللمجتهد شروط تقدم أكثرها يف الكالم على املفيت‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬فاجملتهد إن ك ان كامل اآللة يف االجته اد ‪ ) . .‬أي‪ :‬حمص الً جلميع آالت االجته اد كما تق دم بيان ه‪،‬‬
‫فيكون مستقال مبعرفة األحكام‪ .‬والظاهر أن مراده اجملتهد املطلق‪ .‬ألنه هو الذي يكون كامل اآللة‪ ،‬ويكون بذلك‬
‫اح رتز من جمتهد املذهب وجمتهد الفت وى(‪ )3‬وإن مل يتق دم هلما ذك ر‪ ،‬وإن ك ان ال ذي يظهر جري ان احلكم املذكور‬
‫فيهم ا‪ ،‬أو يك ون ل دفع ت وهم بعض املس احمة يف بعض شروط االجته اد‪ ،‬وعلى كل فلو أس قط قوله (إن ك ان كامل‬
‫اآللة) لكان أوىل واهلل أعلم‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فإن اجتهد يف الفروع) املراد هبا املسائل الفقهية الظنية اليت ليس فيها دليل قاطع‪ .‬ألن هذا هو موضع‬
‫االجتهاد‪.‬‬
‫قوله‪( :‬فأصاب فله أجران‪ ،‬وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) املراد باإلصابة أن يوافق ما أداه إليه اجتهاده‬
‫ما هو احلكم يف الواق ع‪ .‬وقول ه‪( :‬أج ران) أي‪ :‬نص يبان من الث واب يعلمهما اهلل كمية وكيفي ة‪ :‬أجر على اجته اده‪،‬‬
‫سن سنة يقتدي هبا فيتبعه املقلدون‪ ،‬ويظهر احلق‪ .‬وإن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد‬ ‫وأجر على إصابته احلق‪ ،‬لكونه ّ‬
‫على اجتهاده‪ ،‬وخطؤه مغفور له‪ ،‬ألنه غري مقصود إال إن قصر يف االجتهاد‪.‬‬

‫() اجلهد بالضم اجليم‪ :‬الطاقة‪ .‬وبفتحها‪ :‬املشقة‪ .‬انظر اللسان (‪ )3/133‬مادة (جهد)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() املصباح املنري (‪.)2/659‬‬ ‫‪2‬‬

‫() اجملتهد املطلق من توفرت فيه شروط االجتهاد‪ .‬وجمتهد املذهب هو العامل مبذهب إمامه املتمكن من ختريج ما مل ينص عليه إمامه على منصوصه وجمتهد‬ ‫‪3‬‬

‫الفتوى‪ .‬من قصر اجتهاده على ما صح عن إمامه ومل يتمكن من ختريج غري املنصوص [انظر أعالم املوقعني ‪.]4/212‬‬
‫‪127‬‬
‫وهذا هو القول الصحيح يف املسألة‪ ،‬أنه ليس كل جمتهد نصيباً‪ ،‬بل املصيب واحد‪ ،‬ومن عداه خمطئ‪ .‬وهو‬
‫قول مالك وأيب حنيفة يف قول‪ ،‬والشافعية واحلنابلة‪.‬‬
‫قول ه‪( :‬ومنهم من ق ال‪ :‬كل جمتهد يف الف روع مص يب) ه ذا الق ول الث اين يف املس ألة‪ ،‬وهو ق ول آخر أليب‬
‫حنيفة وبعض الشافعية وبعض املالكية وبعض املتكلمني‪ .‬فيكون له على هذا القول أجران‪.‬‬
‫ومنشأ اخلالف هل هلل تع اىل يف كل واقعة حكم معني يف نفس األمر قبل اجته اد اجملته د؟ أو ليس له حكم‬
‫معني‪ ،‬وإمنا احلكم فيها ما وصل إليه اجملتهد باجتهاده؟ فأصحاب حكمه ما أدى إليه اجتهاد اجملتهد‪ ،‬فما غلب على‬
‫ظنه فهو حكم اهلل‪.‬‬
‫وقال اجلمهور‪ :‬إن هلل تعاىل يف كل مسألة حكماً معيناً قبل االجتهاد فمن وافقه فهو مصيب‪ ،‬ومن مل يوافقه‬
‫فهو خمطئ‪.‬‬
‫قوله‪( :‬وال جيوز أن يقال‪ :‬كل جمتهد يف األصول الكالمية مصيب) املراد باألصول الكالمية‪ :‬مسائل العقيدة‬
‫املنس وبة إىل علم الكالم‪ .‬وهو ما أحدثه املتكلم ون يف أص ول ال دين من إثب ات العقائد ب الطرق اليت ابتكروها‬
‫وأعرض وا هبا عما ج اء يف الكت اب والس نة(‪ .)1‬واملع ىن‪ :‬أنه ال يصح أن يق ال كل من اجتهد يف أم ور العقائد فهو‬
‫مصيب‪ .‬بل املصيب واحد‪ ،‬ومن عداه خمطئ‪ ،‬وقد نقل بعضهم اإلمجاع على ذلك‪ .‬وخمالفة بعضهم ال يعتد هبا(‪.)2‬‬
‫قول ه‪( :‬ألن ذلك ي ؤدي إىل تص ويب أهل الضاللة من النص ارى واجملوس والكف ار وامللح دين) هذا تعليل ملا‬
‫تق دم‪ .‬أي‪ :‬ألن ه ذا الق ول ي ؤدي إىل تص ويب من أخطأ من أهل الض اللة‪ .‬وأن كل ما أدى إليه اجته ادهم فهو‬
‫موافق ملا هو احلق‪ .‬وتصويبهم باطل‪ .‬وما أدى إىل الباطل فهو باطل‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬أهل الضاللة) أي‪ :‬أهل الباطل‪.‬‬
‫وقوله‪( :‬من النصارى) وهم من ينتسبون يف ديانتهم إىل شريعة عيسى عليه السالم‪ .‬وأصلها دين منـزل من‬
‫اهلل‪ .‬لكنها ح رفت وب دلت‪ .‬وهم يقول ون ب التثليث‪ .‬ومعن اه‪ :‬أن اهلل عن دهم ثالث ة‪ :‬اإلله األب‪ .‬واإلله االبن‪ ،‬واإلله‬
‫الروح القدس‪ .‬تعاىل اهلل عما يقولون‪.‬‬
‫وقول ه‪( :‬واجملوس) هم ق وم يعب دون الن ور والن ار‪ ،‬والظلمة والش مس والقمر ويزعم ون أن للك ون إهلني‪.‬‬
‫أحدمها‪ :‬النور‪ .‬والثاين‪:‬الظلمة‪.‬‬
‫وقول ه‪( :‬والكف ار) مجع ك افر‪ .‬والكف ر‪ :‬كفر أكرب خمرج من املل ة‪ .‬وهو كفر التك ذيب‪ ،‬وكفر االس تكبار‪،‬‬
‫وكفر اإلعراض‪ ،‬وكفر الشك‪ ،‬وكفر النفاق‪ .‬وكفر أصغر ال خيرج من امللة‪ .‬ويتناول مجيع املعاصي(‪.)3‬‬
‫وقوله‪( :‬وامللحدين) مفرده‪ :‬ملحد وهو من كفر باألديان كلها‪.‬‬

‫() فتح رب الربية بتلخيص احلموية البن عثيمني ص‪.50‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر غابة املرام ص‪.323‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر تفصيل ذلك يف كتاب (الغلو يف الدين) ص‪.252‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪128‬‬
‫(‪)1‬‬
‫قوله‪( :‬ودليل من قال‪ :‬ليس كل جمتهد يف الفروع مصيباً‪ .‬قوله ‪" :r‬من اجتهد فأصاب فله أجران ‪ . .‬إخل"‬
‫أي من مجلة ما استدل به القائلون بأنه ليس كل جمتهد يف الفروع مصيباً‪ .‬هذا احلديث‪ .‬ووجه الداللة‪ :‬أن الرسول‬
‫‪ r‬جعل اجملتهدين قسمني‪ :‬قسماً مصيباً‪ .‬وقسماً خمطئ اً‪ ،‬ولو كان كل منهم مصيباً مل يكن هلذا التقسيم معىن‪ ،‬واهلل‬
‫أعلم‪ .‬وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫() رواه البخاري برقم ‪ 6919‬ومسلم برقم ‪ 1716‬عن عمرو بن العاص رضي اهلل عنه واللفظ املذكور مل أقف يف الكتب الستة‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪129‬‬
‫أسمــاء المراجـــع‬

‫اإلهباج يف ش رح املنه اج‪ ،‬لتقي ال دين علي بن عبد الك ايف الس بكي املت وىف س نة ‪ 756‬هـ وول ده عبد الوه اب‬ ‫‪)1‬‬
‫املتوىف سنة ‪771‬هـ‪ .‬دار الكتب العلمية يف بريوت‪ .‬توزيع مكتبة دار الباز‪.‬‬
‫اإلحكام يف أصول األحكام‪ .‬أليب حممد علي بن حممد بن حزم األندلسي الظاهري املتوىف سنة ‪456‬هـ أشرف‬ ‫‪)2‬‬
‫على طبعه أمحد شاكر‪ .‬توزيع دار االعتصام‪.‬‬
‫اإلحكام يف أصول األحكام‪ .‬لسيف الدين علي بن أيب علي بن حممد اآلمدي املتوىف سنة ‪631‬هـ‪ .‬حتقيق د‪.‬‬ ‫‪)3‬‬
‫سيد اجلميلي‪ .‬الناشر دار الكتاب العريب الطبعة األوىل سنة ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫آداب البحث واملناظرة‪ .‬للشيخ حممد األمني الشنقيطي املتوىف سنة ‪1393‬هـ‪ .‬الناشر مكتبة ابن تيمية القاهرة‪،‬‬ ‫‪)4‬‬
‫ومكتبة العلم جبدة‪.‬‬
‫أدلة التشريع املختلف فيها‪ .‬د‪ .‬عبد العزيز الربيعة (معاصر)‪ .‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬ ‫‪)5‬‬
‫احلدود األنيقة والتعريف ات الدقيقة للقاضي الش يخ زكريا بن حممد األنص اري املت وىف س نة ‪926‬هـ‪ .‬حتقيق د‪.‬‬ ‫‪)6‬‬
‫مازن املبارك‪ ،‬دار الفكر املعاصر‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫إرشاد الفحول إىل حتقيق احلق من علم األصول‪ .‬حملمد بن علي الشوكاين املتوىف سنة ‪1250‬هـ‪ .‬دار املعرفة يف‬ ‫‪)7‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫االستدالل عند األصوليني‪ .‬د‪.‬علي بن عبد العزيز العمرييين (معاصر)‪ .‬مكتبة التوبة‪.‬‬ ‫‪)8‬‬
‫االس تقامة أليب العب اس أمحد بن عبد احلليم بن تيمية املت وىف س نة ‪748‬هـ‪ ،‬حتقيق د‪ .‬حممد رش اد س امل‪ .‬طبعة‬ ‫‪)9‬‬
‫جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‪.‬‬
‫اإلص ابة يف متي يز الص حابة‪ .‬أليب الفضل أمحد بن علي بن حجر العس قالين املت وىف س نة ‪852‬هـ حتقي ق‪ .‬د‪ .‬طه‬ ‫‪)10‬‬
‫حممد الزيين‪ .‬الناشر مكتبة الكليات األزهرية‪.‬‬
‫أصل االعتقاد‪ .‬د‪ .‬عمر بن سليمان االشقر‪( .‬معاصر)‪.‬‬ ‫‪)11‬‬
‫أص ول السرخس ي‪ .‬أليب بكر حممد بن أيب س هل السرخسي املت وىف س نة ‪490‬هـ حتقيق أيب الوف اء األفغ اين‪.‬‬ ‫‪)12‬‬
‫مطابع دار الكتاب العريب بالقاهرة (‪1372‬هـ)‪.‬‬
‫أصول الفقه حملمد زكريا الربديسي (معاصر) املكتبة الفيصلية مبكة‪ .‬الطبعة الثالثة‪.‬‬ ‫‪)13‬‬
‫أصول الفقه اإلسالمي‪ .‬د‪ .‬وهبة الزحيلي (معاصر) دار الفكر‪.‬‬ ‫‪)14‬‬
‫األصول من علم األصول‪ .‬للشيخ حممد بن صاحل العثيمني‪ .‬ط‪ :‬جامعة اإلمام‪.‬‬ ‫‪)15‬‬
‫أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن‪ .‬للشيخ حممد األمني الشنقيطي املتوىف سنة ‪1393‬هـ‪.‬‬ ‫‪)16‬‬
‫أعالم املوقعني عن رب الع املني‪ .‬مشس ال دين أيب عبد اهلل حممد بن أيب بكر املع روف ب ابن قيم اجلوزية املت وىف‬ ‫‪)17‬‬
‫سنة ‪751‬هـ‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫األم‪ ،‬أليب عبد اهلل حممد بن إدريس الشافعي املتوىف سنة ‪204‬هـ‪ .‬دار الفكر‪.‬‬ ‫‪)18‬‬
‫األجنم الزاهرات على حل ألفاظ الورقات‪ .‬حملمد بن عثمان املارديين املتوىف سنة ‪871‬هـ‪ .‬حتقيق د‪ .‬عبد الكرمي‬ ‫‪)19‬‬
‫بن علي النملة‪ .‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫اإليضاح يف علوم البالغة‪ .‬للخطيب القزويين املتوىف سنة ‪739‬هـ املكتبة التجارية الكربى مبصر‪.‬‬ ‫‪)20‬‬
‫اإليضاح لقوانني االصطالح أليب حممد يوسف بن عبد الرمحن بن اجلوزي احلنبلي املتوىف سنة ‪656‬هـ حتقيق‪.‬‬ ‫‪)21‬‬
‫د‪ .‬فهد السدحان‪ .‬مكتبة العبيكان‪.‬‬
‫اإليض اح لناسخ الق رآن ومنس وخه‪ .‬ملكي بن أيب ط الب القيسي املت وىف س نة ‪437‬هـ حتقي ق‪ .‬د‪ .‬أمحد حسن‬ ‫‪)22‬‬
‫فرحات‪ .‬الطبعة األوىل مطابع الرياض‪.‬‬
‫البحر احمليط يف أصول الفقه‪ .‬لبدر الدين حممد بن هبادر بن عبد اهلل الزركشي املتوىف سنة ‪794‬هـ الطبعة الثانية‬ ‫‪)23‬‬
‫وزارة األوقاف والشئون اإلسالمية بالكويت‪.‬‬
‫ب دائع الفوائد أليب عبد اهلل حممد بن أيب بكر املع روف ب ابن القيم اجلوزية املت وىف ‪751‬هـ‪ .‬الناش ر‪ :‬مكتبة‬ ‫‪)24‬‬
‫القاهرة‪ .‬الطبعة الثانية ‪1392‬هـ‪.‬‬
‫الربهان يف أصول الفقه إلمام احلرمني أيب املعايل عبد امللك بن عبد اهلل اجلويين املتوىف سنة ‪478‬هـ حتقيق عبد‬ ‫‪)25‬‬
‫العظيم الديب‪ .‬مطابع دار الوفاء مبصر‪.‬‬
‫بطالن اجملاز‪ .‬ملصطفى عبد الصياصنة‪( .‬معاصر) دار املعراج للنشر والتوزيع‪.‬‬ ‫‪)26‬‬
‫تبص رة احلك ام إلب راهيم بن علي بن حممد بن فرح ون املت وىف س نة ‪799‬هـ مطب وع هبامش (فتح العلي املال ك)‬ ‫‪)27‬‬
‫ومطبوع وحده يف جملد‪ .‬مكتبة دار الباز‪.‬‬
‫التأس يس يف أص ول الفق ه‪ .‬ت أليف أيب إس الم مص طفى بن س المة (معاص ر) الناشر مكتبة خالد بن الوليد مبيت‬ ‫‪)28‬‬
‫عقبة‪.‬‬
‫حتفة األح وذي ش رح ج امع الرتم ذي‪ .‬لعبد ال رمحن بن عبد ال رحيم املب اركفوري املت وىف س نة ‪1353‬هـ‪ .‬دار‬ ‫‪)29‬‬
‫الفكر بريوت‪.‬‬
‫تدريب الراوي يف شرح تقريب النواوي‪ .‬جلالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر السيوطي املتوىف سنة ‪911‬هـ‬ ‫‪)30‬‬
‫حتقيق عبد الوهاب عبد اللطيف‪ .‬دار الكتب العلمية‪ .‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫تسهيل املنطق‪ .‬لعبد الكرمي بن مراد األثري (معاصر) دار مصر للطباعة‪.‬‬ ‫‪)31‬‬
‫التعريف ات‪ .‬لعلي بن حممد الش ريف اجلرج اين املت وىف س نة ‪816‬هـ دار الكتب العلمية ب ريوت‪ .‬الطبعة األوىل‬ ‫‪)32‬‬
‫‪1403‬هـ‪.‬‬
‫تفسري القرطيب‪ :‬اجلامع األحكام القرآن أليب عبد اهلل حممد بن أمحد األنصاري القرطيب املتوىف سنة ‪671‬هـ‪ .‬دار‬ ‫‪)33‬‬
‫إحياء الرتاث العريب‪ .‬بريوت‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫تفسري ابن كثري‪ :‬تفسري القرآن العظيم إلمساعيل بن عمر املعروف بابن كثري الدمشقي املتوىف سنة ‪774‬هـ دار‬ ‫‪)34‬‬
‫الشعب‪.‬‬
‫التقييد واإليضاح‪ .‬شرح مقدمة ابن الصالح لزين الدين عبد الرحيم بن احلسني العراقي املتوىف سنة ‪806‬هـ‪.‬‬ ‫‪)35‬‬
‫دار الفكر العريب‪.‬‬
‫تلقيح الفهوم يف تنقيح صيغ العموم للحافظ خليل بن كيكلدي العالئي املتوىف سنة ‪761‬هـ حتقيق د‪ .‬عبد اهلل‬ ‫‪)36‬‬
‫آل الشيخ‪ .‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫التمهيد يف أص ول الفقه أليب اخلط اب حمف وظ بن أمحد بن احلسن الكل وذاين احلنبلي املت وىف س نة ‪510‬هـ دراسة‬ ‫‪)37‬‬
‫وحتقي ق‪ :‬مفيد حممد أبو عمشة (ج‪ )2 ،1‬وحممد بن علي بن إب راهيم (ج‪ )4 ،3‬منش ورات مركز البحث‬
‫العلمي جبامعة أم القرى الطبعة األوىل ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫التمهيد يف ختريج الف روع علي األص ول‪ .‬جلم ال ال دين عبد ال رحيم بن احلسن األس نوي املت وىف س نة ‪772‬هـ‪.‬‬ ‫‪)38‬‬
‫حتقيق حممد حسن هيتو‪ .‬طبع مؤسسة الرسالة‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫ج امع األص ول يف أح اديث الرس ول ص لى اهلل عليه وس لم أليب الس عادات املب ارك بن حممد بن األثري اجلزري‬ ‫‪)39‬‬
‫املت وىف س نة ‪606‬هـ‪ .‬حتقيق عبد الق ادر األرن اؤوط‪ .‬طبع مكتبة احلل واين‪ .‬مطبعة املالح‪ .‬مكتبة دار البي ان‬
‫‪1389‬هـ‪.‬‬
‫مجع اجلوامع‪ .‬لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي املتوىف سنة ‪771‬هـ‪ .‬طبع مع (حاشية البناين على شرح‬ ‫‪)40‬‬
‫احمللي عليه) طباعة مصطفى البايب احلليب مبصر‪.‬‬
‫حاشية النفحات على شرح الورقات ألمحد اخلطيب اجلاوي‪ .‬طباعة مصطفى احلليب ‪1357‬هـ‪.‬‬ ‫‪)41‬‬
‫احلديث املرسل‪ .‬حملمد حسن هيتو (معاصر) دار البشائر اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪)42‬‬
‫احلكم التكليفي‪ .‬د‪ :‬حممد أبو الفتح البيانوين (معاصر) دار القلم دمشق‪.‬‬ ‫‪)43‬‬
‫احلكم الوضعي عند األصوليني‪ .‬سعيد بن علي احلمريي‪ .‬املكتبة الفيصلية مكة املكرمة‪ .‬ط األوىل‪.‬‬ ‫‪)44‬‬
‫الرسالة لإلمام أيب عبد اهلل حممد بن إدريس الشافعي املتوىف سنة ‪204‬هـ‪ .‬حتقيق أمحد حممد شاكر‪.‬‬ ‫‪)45‬‬
‫رسالة يف أصول الفقه لإلمام العالمة أيب علي احلسن بن شهاب بن احلسن العكربي احلنبلي املتوىف سنة ‪428‬هـ‬ ‫‪)46‬‬
‫حتقيق د‪ .‬موفق بن عبد القادر‪ .‬ط األوىل‪.‬‬
‫روضة الناظر وجنة املناظر‪ .‬ملوفق الدين عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي املتوىف سنة ‪620‬هـ (ومعها شرحها‬ ‫‪)47‬‬
‫نزهة اخلاطر العاطر) لعبد القادر بن بدران‪ .‬املطبعة السلفية مبصر ‪1342‬هـ‪.‬‬
‫سنن أيب داود‪ .‬أليب داود سليمان بن األشعث األزدي السجستاين املتوىف سنة ‪275‬هـ‪ .‬حتقيق حممد حميي الدين‬ ‫‪)48‬‬
‫عبد احلميد‪ .‬املكتبة العصرية‪.‬‬
‫سنن ابن ماجه‪ .‬أليب عبد اهلل حممد بن يزيد من ماجه القزويين املتوىف سنة ‪275‬هـ حتقي حممد فؤاد عبد الب اقي‪.‬‬ ‫‪)49‬‬
‫طباعة مصطفى البايب احلليب‪ .‬مصر‪.‬‬
‫‪132‬‬
‫س نن الرتم ذي (ج امع الرتم ذي) أليب عيسى حممد بن عيسى بن س ورة الرتم ذي املت وىف س نة ‪289‬هـ‪ .‬حتقيق‬ ‫‪)50‬‬
‫حممد أمحد شاكر وتكملة حممد فؤاد عبد الباقي وراجعه إبراهيم عطوة‪ .‬الناشر دار احلديث بالقاهرة‪.‬‬
‫س نن النس ائي‪ .‬أليب عبد ال رمحن أمحد بن ش عيب بن علي النس ائي املت وىف س نة ‪303‬هـ باعتن اء عبد الفت اح أبو‬ ‫‪)51‬‬
‫غدة‪ .‬الطبعة األوىل املفهرسة دار البشائر بريوت ‪1406‬هـ‪ .‬وهي مصورة عن الطبعة األوىل املصرية يف القاهرة‬
‫‪1348‬هـ‪ .‬مع شرح احلافظ جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر السيوطي املتوىف سنة ‪911‬هـ‪ .‬وحاشية أيب‬
‫احلسن نور الدين بن عبد اهلادي السندي احلنفي املتوىف سنة ‪1138‬هـ‪.‬‬
‫الس نة للحافظ أيب بكر عمر بن أيب عاصم الض حاك بن خملد الش يباين املت وىف س نة ‪287‬هـ‪.‬حتقيق األلب اين‪.‬‬ ‫‪)52‬‬
‫املكتب اإلسالمي‪.‬‬
‫سري أعالم النبالء‪ .‬لشمس الدين أيب عبد اهلل بن أمحد بن قامياز الذهيب املتوىف سنة ‪74 8‬هـ حتقيق جمموعة من‬ ‫‪)53‬‬
‫األساتذة بإشراف شعيب األرناؤوط‪ .‬مؤسسة الرسالة بريوت ‪1402‬هـ‪.‬‬
‫شرح تنقيح الفصول يف اختصار احملصول‪ .‬لشهاب الدين أمحد بن إدريس القرايف املتوىف سنة ‪684‬هـ‪ .‬حتقيق‬ ‫‪)54‬‬
‫طه عبد الرؤوف سعد ‪ . .‬طبعة مكتبة الكليات األزهرية‪ .‬ودار الفكر ‪1393‬هـ‪.‬‬
‫شرح صحيح مسلم‪ .‬حملي الدين أيب زكريا حيىي بن شرف النووي املتوىف سنة ‪676‬هـ‪ .‬مراجعة خليل امليس‪.‬‬ ‫‪)55‬‬
‫دار القلم بريوت‪.‬‬
‫ش رح العب ادي‪ .‬أمحد بن قاسم العب ادي الش افعي املت وىف س نة ‪922‬هـ على ش رح اجلالل احمللي املت وىف س نة‬ ‫‪)56‬‬
‫‪864‬هـ‪ .‬على الورقات هبامش (إرشاد الفحول للشوكاين)‪ .‬دار املعرفة يف بريوت‪.‬‬
‫شرح العضد على خمتصر ابن احلاجب‪ .‬للقاضي عضد الدين عبد الرمحن بن أمحد اإلجيي املتوىف سنة ‪756‬هـ‪.‬‬ ‫‪)57‬‬
‫وهبامشه حاش ية التفت ازاين املت وىف س نة ‪791‬هـ‪ .‬وحاش ية الش ريف اجلرج اين املت وىف س نة ‪816‬هـ‪ .‬دار الكتب‬
‫العلمية بريوت‪.‬‬
‫شرح الكوكب املنري‪ .‬حملمد بن أمحد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي احلنبلي املعروف بابن النجار املتوىف سنة‬ ‫‪)58‬‬
‫‪972‬هـ حتقيق حممد ال زحيلي ونزيه محاد‪ .‬طبع مركز البحث العلمي مبك ة‪ .‬جامعة أم الق رى‪ .‬الطبعة األوىل‬
‫‪1408‬هـ‪.‬‬
‫ش رح خمتصر الروض ة‪ .‬لنجم ال دين أيب الربيع س ليمان بن عبد الق وي بن عبد الك رمي بن س عيد الط ويف احلنبلي‬ ‫‪)59‬‬
‫املتوىف سنة ‪716‬هـ‪ .‬حتقيق د‪ .‬عبد اهلل الرتكي‪ .‬مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫شرح الورقات‪ .‬جلالل الدين حممد بن أمحد احمللي املتوىف سنة ‪864‬هـ‪ .‬املطبعة السلفية ومكتبتها‪ .‬مصر‪ .‬وينظر‬ ‫‪)60‬‬
‫طبعة مكتبة الرياض احلديثة بالرياض‪.‬‬
‫الص حاح إلمساعيل بن محاد اجلوهري املت وىف س نة ‪393‬هـ حتقيق أمحد عبد الغف ور عط ار‪ .‬مط ابع دار الكت اب‬ ‫‪)61‬‬
‫العريب بالقاهرة ‪1377‬هـ‪.‬‬
‫صحيح البخاري‪ .‬اعتين به د‪ .‬مصطفى ديب البغا‪ .‬دار ابن كثري ودار اليمامة يف بريوت ودمشق‪.‬‬ ‫‪)62‬‬
‫‪133‬‬
‫صحيح مسلم أليب احلسني مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري املتوىف سنة ‪261‬هـ حتقيق حممد فؤاد عبد‬ ‫‪)63‬‬
‫الباقي‪ .‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫ص فة الفت وى واملفيت واملس تفيت ألمحد بن محدان احلراين احلنبلي املت وىف س نة ‪695‬هـ خ رج أحاديثه حممد ناصر‬ ‫‪)64‬‬
‫الدين األلباين‪ .‬املكتب اإلسالمي بدمشق الطبعة الثالثة ‪1397‬هـ‪.‬‬
‫ضوابط املعرفة لعبد الرمحن حسن حبنكة امليداين‪ .‬دار القلم بدمشق الطبعة الثالثة ‪1408‬هـ‪.‬‬ ‫‪)65‬‬
‫طرح التثريب يف شرح التقريب أليب الفضل عبد الرحيم العراقي املتوىف سنة ‪806‬هـ وأكمله ولده أبو زرعة‬ ‫‪)66‬‬
‫أمحد بن عبد الرحيم املتوىف سنة ‪826‬هـ‪ .‬دار إحياء الرتاث العريب‪.‬‬
‫الع دة يف أص ول الفق ه‪ .‬للقاضي أيب يعلى حممد بن احلسني الف راء احلنبلي املت وىف س نة ‪458‬هـ حتقيق أمحد سري‬ ‫‪)67‬‬
‫املباركي ط الثانية ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫غاية املرام يف شرح مقدمة اإلمام‪ .‬أليب العباس أمحد بن حممد بن زكري التلمساين املالكي املتوىف سنة ‪899‬هـ‪.‬‬ ‫‪)68‬‬
‫دراسة وحتقيق األخ‪ /‬خالد بن شجاع العتييب (رسالة ما جستري)‪.‬‬
‫غاية الوص ول شرح لب األص ول‪ .‬لش يخ اإلس الم زكريا األنص اري املت وىف س نة ‪926‬هـ طبعة مص طفى الب ايب‬ ‫‪)69‬‬
‫احلليب مبصر ‪1360‬هـ‪.‬‬
‫فتاوى العز بن عبد السالم‪ .‬عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم عبد الرمحن بن عبد الفتاح‪ .‬دار املعرفة‪.‬‬ ‫‪)70‬‬
‫فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ .‬ألمحد بن علي بن حجر العسقالين املتوىف سنة ‪852‬هـ‪ .‬علق على األجزاء‬ ‫‪)71‬‬
‫الثالثة األوىل فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز‪ .‬توزيع رئاسة إدارة البحوث العلمية واإلفتاء بالرياض‪.‬‬
‫الف روق يف اللغ ة‪ .‬أليب هالل احلسن بن عبد اهلل بن س هل العس كري املت وىف بعد س نة ‪395‬هـ‪ .‬منش ورات دار‬ ‫‪)72‬‬
‫اآلفاق اجلديدة ببريوت‪.‬‬
‫الفوائد لشمس الدين أيب عبد اهلل حممد بن قيم اجلوزية املتوىف ‪751‬هـ حتقيق بشري حممد عيون‪ .‬الناشر‪ :‬مكتبة‬ ‫‪)73‬‬
‫دار البيان‪ .‬الطبعة األوىل ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫القاموس احمليط جملد الدين حممد بن يعقوب الفريوز آبادي املتوىف سنة ‪817‬هـ والرجوع إىل (ترتيب القاموس)‬ ‫‪)74‬‬
‫لألستاذ‪ .‬الطاهر أمحد الزاوي‪ .‬دار الكتب العلمية‪ .‬ودار املعرفة‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫قرة العني يف شرح ورقات إمام احلرمني للشيخ حممد بن حممد الرعيين املعروف باحلطاب املتوىف سنة ‪954‬هـ‬ ‫‪)75‬‬
‫دار ابن خزمية‪ .‬ومطبوع هبامش (لطائف اإلشارات على تسهيل الطرقات لنظم الورقات) طباعة احلليب‪.‬‬
‫القواعد النورانية الفقهية لتقي الدين أيب العباس أمحد بن عبد احلليم ابن تيمية املتوىف سنة ‪728‬هـ مطبعة السنة‬ ‫‪)76‬‬
‫احملمدية بالقاهرة ‪1370‬هـ‪.‬‬
‫القواعد والفوائد األصولية أليب احلسن علي بن حممد بن عباس احلنبلي الشهري بابن اللحام املتوىف سنة ‪803‬هـ‬ ‫‪)77‬‬
‫حتقيق حممد حامد الفقي مطبعة السنة احملمدية بالقاهرة ‪1375‬هـ‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫كشف األس رار عن أص ول فخر اإلس الم ال بزدوي‪ ،‬لعالء ال دين عبد العزيز بن أمحد البخ اري املت وىف س نة‬ ‫‪)78‬‬
‫‪730‬هـ الناشر دار الكتاب اإلسالمي بالقاهرة‪.‬‬
‫لس ان الع رب جلم ال ال دين حممد بن مك رم بن منظ ور اإلف ريقي املص ري املت وىف س نة ‪711‬هـ طبعة دار ص ادر‬ ‫‪)79‬‬
‫بريوت ‪1374‬هـ‬
‫لط ائف اإلش ارات‪ .‬ش رح منظومة العم ريطي للورق ات‪ .‬لعبد احلميد بن حممد بن علي ق دس‪ .‬طباعة مص طفى‬ ‫‪)80‬‬
‫البايب احلليب ‪1369‬هـ‪.‬‬
‫اللمع يف أص ول الفقه أليب إس حاق إب راهيم بن علي الش ريازي املت وىف س نة ‪476‬هـ‪ .‬حتقيق يوسف املرعش لي‬ ‫‪)81‬‬
‫ومعه كتاب (ختريج أحاديث اللمع)‪ .‬عامل الكتب ببريوت‪ .‬الطبعة األوىل ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫جمم وع الفت اوى لتقي ال دين أيب العب اس أمحد بن عبد احلليم بن عبد الس الم احلراين املت وىف س نة ‪748‬هـ‪ .‬مجع‬ ‫‪)82‬‬
‫وترتيب عبد الرمحن بن قاسم الطبعة األوىل بالرياض ‪1381‬هـ‪.‬‬
‫احملص ول يف علم األص ول لفخر ال دين أيب عبد اهلل بن حممد بن عمر بن حسن ال رازي الش افعي املت وىف س نة‬ ‫‪)83‬‬
‫‪606‬هـ‪ ،‬حتقيق طه جابر العلواين‪ ،‬نشر جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية بالرياض ‪1399‬هـ‪.‬‬
‫خمتصر الروضة وقد طبع باسم (البلبل يف أص ول الفق ه) لنجم ال دين أيب الربيع س ليمان بن عبد الق وي الط ويف‬ ‫‪)84‬‬
‫املتوىف سنة ‪716‬هـ‪ ،‬مكتبة اإلمام الشافعي بالرياض‪.‬‬
‫مدارج السالكني‪ .‬لشمس الدين أيب عبد اهلل حممد بن أيب بكر املعروف بابن القيم اجلوزية املتوىف سنة ‪751‬هـ‬ ‫‪)85‬‬
‫حتقيق حممد حامد الفقي‪ .‬دار الكتاب العريب‪ .‬بريوت‪.‬‬
‫املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد بن حنبل‪ .‬لعبد القادر بن أمحد املعروف بابن بدران املتوىف سنة ‪1346‬هـ حتقيق‬ ‫‪)86‬‬
‫د‪ .‬عبد اهلل الرتكي مؤسسة الرسالة ببريوت الطبعة الثالثة ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫مذكرة أصول الفقه للشيخ حممد األمني بن حممد املختار الشنقيطي املتوىف سنة ‪1393‬هـ‪ .‬ط اجلامعة اإلسالمية‬ ‫‪)87‬‬
‫باملدينة النبوية‪.‬‬
‫املس ائل املش رتكة بني أص ول الفق ه‪ .‬وأص ول ال دين‪ ،‬حملمد العروسي عبد الق ادر (معاص ر)‪ .‬دار حافظ للنشر‬ ‫‪)88‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1410‬هـ‪.‬‬
‫املستصفى من علم أصول الفقه أليب حامد بن حممد الغزايل املتوىف سنة ‪505‬هـ دار صادر‪.‬‬ ‫‪)89‬‬
‫مسند اإلمام أمحد بن حممد بن حنبل املتوىف سنة ‪241‬هـ‪ ،‬دار صادر‪.‬‬ ‫‪)90‬‬
‫املسودة يف أصول الفقه آلل تيمية‪ .‬حتقيق حممد حمي الدين عبد احلميد‪ .‬مطبعة املدين القاهرة ‪1384‬هـ‪.‬‬ ‫‪)91‬‬
‫املعترب يف ختريج أحاديث املنهاج واملختصر‪ .‬لبدر الدين حممد بن عبد اهلل الزركشي املتوىف سنة ‪794‬هـ حتقيق‬ ‫‪)92‬‬
‫محدي عبد اجمليد السلفي‪ .‬دار األرقم الكويت‪ .‬الطبعة األوىل ‪1404‬هـ‪.‬‬
‫معجم لغة الفقهاء‪ .‬وضع حممد رواس قلعة جي‪ ،‬حامد صادق قنييب جار النفائس‪ .‬الطبعة الثانية ‪1408‬هـ‬ ‫‪)93‬‬

‫‪135‬‬
‫‪ )94‬املغين شرح خمتصر اخلرقي‪ .‬ملوفق الدين عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي املتوىف سنة ‪620‬هـ‪ .‬حتقيق عبد اهلل‬
‫الرتكي وعبد الفتاح احللو‪ .‬هجر للطباعة والنشر الطبعة األوىل ‪1409‬هـ‪.‬‬
‫‪ )95‬مفتاح الوصول إىل بناء الفروع على األصول‪ .‬أليب عبد اهلل حممد بن أمحد املعروف بالشريف التلمساين املتوىف‬
‫سنة ‪771‬هـ‪ ،‬حتقيق عبد الوهاب عبد اللطيف‪ ،‬دار الكتب العلمية بريوت ‪1403‬هـ‪.‬‬
‫‪ )96‬املنخول من تعليقات األصول‪ .‬أليب حامد بن حممد الغزايل املتوىف سنة ‪505‬هـ‪ .‬حتقيق حممد حسن هيتو‪ .‬دار‬
‫الفكر بدمشق الطبعة الثانية ‪1400‬هـ‪.‬‬
‫‪ )97‬منع جواز اجملاز يف املنـزل للتعبد واإلعجاز‪ .‬للشنقيطي‪ .‬رسالة مطبوعة ضمن اجلزء العاشر من أضواء البيان‪.‬‬
‫‪ )98‬املنهاج يف ترتيب احلجاج‪ .‬أليب الوليد سليمان بن خلف الباجي املتوىف سنة ‪ 474‬هـ حتقيق عبد اجمليد تركي‪.‬‬
‫‪ )99‬املوافقات يف أصول الشريعة‪ .‬أليب إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطيب املتوىف سنة ‪790‬هـ تعليق عبد‬
‫اهلل دراز‪ .‬دار املعرفة بريوت‪.‬‬
‫‪ )100‬نثر الورود على مراقي السعود‪ .‬للشيخ حممد األمني بن حممد املختار الشنقيطي املتوىف سنة ‪1393‬هـ‪ .‬حتقيق‬
‫وإكمال تلميذه حممد ولد سيدي ولد حبيب الشنقيطي‪ .‬توزيع دار املنارة‪ .‬الطبعة األوىل ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ )101‬نزهة النظر ش رح خنبة الفكر يف مص طلح أهل األث ر‪ .‬لش هاب ال دين أيب الفضل أمحد بن علي بن حجر‬
‫العسقالين املتوىف سنة ‪852‬هـ طبع املكتبة العلمية‪.‬‬
‫‪ )102‬النسخ يف دراسات األصوليني‪ .‬نادية شريف العمري‪ .‬مؤسسة الرسالة‪ .‬الطبعة األوىل ‪1405‬هـ‪.‬‬
‫‪ )103‬نظم املتن اثر من احلديث املت واتر‪ .‬أليب عبد اهلل حممد بن جعفر الكت اين املت وىف س نة ‪1345‬هـ دار الكتب‬
‫السلفية مبصر‪ .‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ )104‬النكت على كتاب ابن الصالح‪ .‬أليب الفضل أمحد بن علي بن حجر العسقالين املتوىف سنة ‪852‬هـ‪ .‬حتقيق‬
‫ربيع بن هادي عمري‪ .‬دار الراية‪ .‬الطبعة الثانية ‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ )105‬النهاية يف غ ريب احلديث واألث ر‪ .‬جملد ال دين أيب الس عادات املب ارك ابن حممد املع روف ب ابن األثري اجلزري‬
‫املتوىف سنة ‪606‬هـ حتقيق طاهر أمحد الزاوي وحممود الطناحي‪ .‬املكتبة اإلسالمية‪ .‬الطبعة األوىل ‪1383‬هـ‪.‬‬
‫‪ )106‬نواسخ القرآن أليب الفرج عبد الرمحن بن اجلوزي احلنبلي املتوىف ‪597‬هـ حتقيق حممد أشرف علي امللباري‪.‬‬
‫طبع اجمللس العلمي إلحياء الرتاث اإلسالمي باملدينة النبوية‪.‬‬
‫‪ )107‬الواضح يف أصول الفقه‪ .‬حممد بن سليمان األشقر (معاصر) الدار السلفية‪ .‬الكويت‪.‬‬
‫‪ )108‬عدد من املخطوطات للورقات‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫فهـــرس الموضـوعـات‬

‫الصفحة‬ ‫الموضــوع‬
‫تقدمي‬
‫مقدمة الطبعة الثانية‬
‫مقدمة الطبعة الثالثة‬
‫مقدمة الطبعة األوىل‬
‫مبادئ علم أصول الفقه‬
‫مقدمة الورقات‬
‫تعريف أصول الفقه باعتبار مفرديه‬
‫األحكام الشرعية‬
‫الواجب‬
‫املندوب‬
‫املباح‬
‫احملظور‬
‫املكروه‬
‫الصحيح والباطل‬
‫الفقه‪ ،‬العلم‪ ،‬اجلهل‬
‫أقسام العلم‬
‫النظر‪ ،‬االستدالل‪ ،‬الدليل‬
‫الظن‪ ،‬الشك‬
‫تعريف أصول الفقه باعتباره علماً‬
‫أبواب أصول الفقه‬
‫الكالم‬
‫أقسام الكالم من حيث مدلوله‬
‫‪137‬‬
‫أقسام الكالم من حيث استعماله‬
‫احلقيقة وأنواعها‬
‫اجملاز وأنواعه‬
‫األمر‬
‫من مسائل األمر‬
‫من يدخل يف األمر والنهي ومن ال يدخل؟‬
‫هل األمر بالشيء هني عن ضده؟‬
‫النهي‬
‫العام‬
‫اخلاص‬
‫املخصص املتصل‬
‫‪ )1‬االستثناء‬
‫‪ )2‬الشرط‬
‫‪ )3‬الصفة‬
‫املطلق واملفيد‬
‫املخصص املنفصل‬
‫اجململ واملبني‬
‫الظاهر واملؤول‬
‫األفعال‬
‫اإلقرار‬
‫النسخ‬
‫أقسام النسخ باعتبار املنسوخ‬
‫أقسام النسخ باعتبار الناسخ‬
‫التعارض بني األدلة‬

‫‪138‬‬
‫اإلمجاع‬
‫من مسائل اإلمجاع‬
‫قول الصحايب‬
‫األخبار‬
‫‪ )1‬املتواتر‬
‫‪ )2‬اآلحاد‬
‫صيغ أداء احلديث‬
‫القياس‬
‫من شروط القياس‬
‫احلظر واإلباحة‬
‫االستصحاب‬
‫ترتيب األدلة‬
‫شروط املفيت‬
‫شروط املستفيت‬
‫التقليد‬
‫االجتهاد‬
‫أهم املراجع‬
‫متت املراجعة ‪1426 /8/2‬هـ واحلمد هلل‬

‫‪139‬‬

You might also like