You are on page 1of 3

‫الخطبة األولى في شروط وجوب الحج‬

‫الحمد هلل الذي أكمل لهذه األمة شرائع اإلسالم ‪ ،‬وفرض على‬
‫المستطيع منهم حج بيته الحرام ‪ ،‬ورتب عليه جزيل الفضل‬
‫واإلنعام ‪ ،‬فمن حج البيت ‪ ،‬ولم يرفث ‪ ،‬ولم يفسق خرج كيوم‬
‫ولدته أمه نقيا من الذنوب واآلثام ‪ ،‬وذلك هو الحج المبرور‬
‫ليس جزاء إال الفوز بالجنة دار السالم أحمده ‪ ،‬وأشكره ‪،‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال هللا هو الملك القدوس السالم ‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمدا عبده ورسوله أفضل من صلى ‪ ،‬وزكى ‪ ،‬وحج ‪ ،‬وصام‬
‫صلى هللا عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام ‪ ،‬وعلى‬
‫التابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الليالي واأليام ‪ ،‬وسلم تسليما ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬اتقوا هللا ‪ ،‬واحمدوا ربكم أن أكمل لكم‬
‫الدين ‪ ،‬وأتم عليكم النعمة ‪ ،‬ويسر لكم سبل الخيرات حتى‬
‫أصبحت في متناول أيديكم من غير كلفة ‪ ،‬فلقد كان الناس فيما‬
‫مضى يعانون من الوصول إلى البيت أنواع الكلفة والمشقات ‪،‬‬
‫يعانون كثرة النفقات المالية والمشقة البدنية ‪ ،‬وتحمل األخطار‬
‫‪ ،‬أما اليوم ‪ ،‬وهلل الحمد ‪ ،‬فقد أصبح األمر يسيرا ‪ ،‬ويسر هللا‬
‫بنعمته وفضله ما كان عسيرا ‪ ،‬فأصبحتم تصلون إلى البيت‬
‫الحرام بكل سهولة نفقات يسيرة ومراكب مريحة ‪ ،‬وأمن وافر‬
‫وطمأنينة كاملة ‪ ،‬وعيش رغد ‪ ،‬فاشكروا هللا أيها المسلمون‬
‫على هذه النعمة ‪ ،‬واغتنموها ‪ ،‬وانتهزوا فرص الخيرات ‪،‬‬
‫وابتدروها ‪ ،‬وأدوا ما فرض هللا عليكم من الحج ‪ ،‬وتزودوا من‬
‫التطوع به ‪ ،‬فإن التطوع تكمل به الفريضة ‪ .‬واعلموا أن هللا‬
‫فرض الحج على المسلم ‪ ،‬إذا تمت فيه شروط أربعة ( األول) ‪:‬‬
‫أن يكون بالغا ‪ ،‬فأما الذي لم يبلغ ‪ ،‬فإنه ال يجب عليه الحج ‪،‬‬
‫ولكن إذا حج ‪ ،‬فله أجره ‪ ،‬وإذا بلغ حج فريضة اإلسالم ‪ ،‬وإذا‬
‫سافرتم بالصغار إلى الحج ‪ ،‬فأنتم بالخيار إن شئتم ‪ ،‬فحججوهم‬
‫‪ ،‬وإن شئتم ‪ ،‬فاتركوهم ‪ ،‬وإذا حججتموهم ‪ ،‬فلهم أجر الحج ‪،‬‬
‫ولكم أجر المعونة ‪ ،‬والسبب ( الشرط الثاني) ‪ :‬أن يكون عاقال‬
‫‪ ،‬فأما المجنون الذي ال يعقل ‪ ،‬فال حج عليه إال أن يكون عاقال‬
‫بعد بلوغه ‪ ،‬ووجب عليه الحج ‪ ،‬ثم حصل له الجنون بعد ذلك ‪.‬‬
‫( الشرط الثالث ) ‪ :‬أن يكون حرا ‪ ،‬فأما العبد الرقيق الذي يباع‬
‫‪ ،‬ويشترى ‪ ،‬فال حج عليه ( الشرط الرابع ) ‪ :‬أن يكون‬
‫مستطيعا بماله ‪ ،‬وبدنه ‪ ،‬فمن لم يكن مستطيعا بماله ‪ ،‬وهو‬
‫س ِح ُّج‬‫الفقير ‪ ،‬فال حج عليه لقوله تعالى ‪َ { :‬وهَّلِل ِ َعلَى النَّا ِ‬
‫سبِياًل } ‪ .‬وإذا كان على اإلنسان دين ‪،‬‬ ‫ستَطَا َع إِلَ ْي ِه َ‬ ‫ا ْلبَ ْي ِ‬
‫ت َم ِن ا ْ‬
‫فإنه يقضي دينه ‪ ،‬ثم يحج ؛ ألن براءة الذمة أهم ‪ .‬وإذا كان‬
‫اإلنسان عاجزا عن الحج بنفسه ‪ ،‬وعنده مال ‪ ،‬فإن كان عجزا‬
‫مستمرا ال يرجى زواله ‪ ،‬فلينوب من يحج عنه مثل الكبير الذي‬
‫ال يستطيع بنفسه ‪ ،‬والمريض مرضا ال يرجى برؤه ‪ ،‬وإن كان‬
‫يرجى زوال عجزه ‪ ،‬فإنه ال ينيب ‪ ،‬بل يصبر حتى يزول العجز‬
‫‪ ،‬ثم يؤدي الفريضة بنفسه ومن االستطاعة أن يكون للمرأة‬
‫محرم ‪ ،‬فأما المرآة التي ال محرم لها ‪ ،‬فإنه ال يجب عليها الحج‬
‫‪ ،‬وال يجوز لها أن تسافر بال محرم ‪ ،‬فإن سافرت بال محرم ‪،‬‬
‫فهي في إثم ومعصية هلل ولرسوله من حين تخرج من بلدها‬
‫حتى يرجع إليه ‪ ،‬فلتمكث في بيتها حتى ييسر هللا لها محرما ‪،‬‬
‫وعن ابن عباس رضي هللا عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت النبي صلى‬
‫هللا عليه وسلم يخطب يقول ‪ « :‬ال يخلون رجل بامرأة ‪ ،‬إال‬
‫ومعها ذو محرم ‪ ،‬وال تسافر المرأة ‪ ،‬إال مع ذي محرم ‪ ،‬فقام‬
‫رجل ‪ ،‬فقال يا رسول هللا ‪ :‬إن امرأتي خرجت حاجة ‪ ،‬وإني‬
‫اكتتبت في غزوة كذا وكذا ‪ ،‬فقال النبي صلى هللا عليه وسلم ‪:‬‬
‫انطلق ‪ ،‬فحج مع امرأتك » ‪ .‬والمحرم هو زوجها ‪ ،‬وكل من‬
‫تحرم عليمه تحريما مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة مثل‬
‫األب والجد واالبن واألخ وابن األخت والعم والخال من نسب أو‬
‫رضاع ‪ ،‬ومثل أبي الزوج ‪ ،‬وإن عال وابنه ‪ ،‬وإن نزل ‪ ،‬وزوج‬
‫البنت ‪ ،‬وإن نزلت ‪ ،‬وزوج األم ‪ ،‬وإن علت لكن زوج األم ال‬
‫يكون محرما لبنتها حتى يطأ األم ‪ ،‬فكل هؤالء محارم للمرأة ‪،‬‬
‫والحكمة في وجوب استصحاب المحرم حفظ المرأة ‪ ،‬وصاينتها‬
‫‪ ،‬وأما قول بعض العوام ‪ :‬إن ذلك من أجل أن يفكك حزائمها لو‬
‫ماتت ‪ ،‬فهو غير صحيح ؛ ألن كل أحد يجوز أن يفكك حزائم‬
‫المرأة ‪ ،‬إذا ماتت سواء كان محرما لها ‪ ،‬أو غير محرم ‪ ،‬فقد‬
‫ثبت أن النبي صلى هللا عليه وسلم جلس على قبر ابنته ‪ ،‬وهي‬
‫تدفن ‪ ،‬وعيناه تدمعان ‪ ،‬فأمر أبا طلحة أن ينزل في قبرها ‪،‬‬
‫فنزل والرسول صلى هللا عليه وسلم حاضر زوجها وعثمان‬
‫رضي هللا عنه حاضر ‪ .‬أيها الناس ‪ :‬لقد شاع عند كثير من‬
‫العوام أن اإلنسان إذا لم يتمم له أي ‪ :‬يعق عنه فإنه ال يحج ‪،‬‬
‫والواقع أنه ال عالقة بين الحج ‪ ،‬وبين التميمة ‪ ،‬فاإلنسان إذا‬
‫حج ‪ ،‬فله حجه سواء تمم له ‪ ،‬أو ما تمم له ‪ .‬أعوذ باهلل من‬
‫س لَلَّ ِذي بِبَ َّكةَ ُمبَا َر ًكا‬
‫ض َع ِللنَّا ِ‬‫ت ُو ِ‬ ‫الشيطان الرجيم ‪ { :‬إِنَّ أَ َّو َل بَ ْي ٍ‬
‫ين }{ فِي ِه آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ َمقَا ُم إِ ْب َرا ِهي َم َو َمنْ َد َخلَهُ َك َ‬
‫ان‬ ‫َو ُه ًدى لِ ْل َعالَ ِم َ‬
‫سبِياًل َو َمنْ‬‫ستَطَا َع إِلَ ْي ِه َ‬‫ت َم ِن ا ْ‬‫س ِح ُّج ا ْلبَ ْي ِ‬ ‫آ ِمنًا َوهَّلِل ِ َعلَى النَّا ِ‬
‫ين } ‪.‬‬ ‫َكفَ َر فَإِنَّ هَّللا َ َغنِ ٌّي َع ِن ا ْل َعالَ ِم َ‬
‫بارك هللا لي ولكم في القرآن العظيم ‪ . .‬الخ ‪.‬‬

You might also like