You are on page 1of 3

‫الخطبة األولى في تنوع إنفاق المال‬

‫الحمد هلل الذي من علينا باألموال وشرع لنا إنفاقها فيما هو‬
‫مصلحة في الدين والدنيا ووعدنا على ذلك الخلف العاجل في‬
‫الدنيا والثواب الجزيل في األخرى ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا‬
‫وحده ال شريك له ذو الجود واإلحسان واألفضال ‪ ،‬وأشهد أن‬
‫محمدا عبده ورسوله الذي ينفق ماله هلل ويعيش في نفسه‬
‫عيش الفقراء ابتغاء مرضاة ذي اإلكرام والجالل صلى هللا عليه‬
‫وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت األيام‬
‫والليال وسلم تسليما ‪.‬‬
‫أما بعد أيها الناس ‪ :‬اتقوا هللا تعالى واشكروه على ما خولكم‬
‫من هذه األموال التي جعلها لكم قياما يقوم بها دينكم ودنياكم‬
‫وتصلح بها أحوالكم العامة والخاصة ‪ ،‬واشكروه إن أنعم عليكم‬
‫بها نعمة أخرى ‪ ،‬حيث شرع لكم إنفاقها فيما فيه مصلحة لكم‬
‫ووعدكم على ذلك الخلف واألجر ‪ ،‬ولو شاء لم يشرع لكم‬
‫إنفاقها ولم يتعبدكم بذلك فكان إنفاقها مغرما ‪ ،‬وليشكر هللا من‬
‫وفقه هللا تعالى فقام بإنفاقها على الوجه الذي أمر به فلم يقصر‬
‫في ذلك فيكون من الباخلين ‪ ،‬ولم يغل في ذلك ويزد فيكون من‬
‫المبذرين ‪ .‬واعلموا ‪ -‬رحمكم هللا ‪ -‬أن إنفاق األموال على‬
‫وجهين وجه يثاب عليه العبد ويؤجر ونوع يعاقب عليه ويوزر‬
‫‪ ،‬أما الذي يثاب عليه العبد ويؤجر فهو أن ينفقها في طاعة هللا‬
‫وما أمر به ‪ ،‬وأما الذي يعاقب عليه ويوزر فأن ينفقها في‬
‫معصية هللا وما ال فائدة فيه فإن ذلك من السفه والتبذير ‪.‬‬
‫واعلموا أن إنفاق األموال في طاعة هللا له أبواب كثيرة ‪ ،‬فمن‬
‫ذلك إنفاق األموال في الزكاة المفروضة التي هي أحد أركان‬
‫اإلسالم ‪ ،‬وال يكون العبد مسلما حتى ينفقها في الوجوه التي‬
‫أمر هللا بصرفها فيها ‪ ،‬ومن ذلك أن ينفق اإلنسان على نفسه‬
‫فإن إنفاقك على نفسك صدقة تثاب عليها ألنك مأمور بحفظ‬
‫نفسك بالطعام والشراب واللباس وغيرها مما تطلبه حاجتك أو‬
‫ضرورتك ‪ .‬فإذا أنفقت المال في ذلك فقد قمت بحفظ نفسك‬
‫ونيلها ما أباح هللا لها من الطيبات وهذا خير وأجر ‪ .‬ومن‬
‫اإلنفاق في طاعة هللا أن ينفق اإلنسان على أهله من الزوجات‬
‫واألمهات واآلباء واألوالد وغيرهم ‪ ،‬فإن اإلنفاق عليهم طاعة‬
‫هلل وبر وأجر ‪ « ،‬قال النبي صلى هللا عليه وسلم لسعد بن أبي‬
‫وقاص ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬وقد عاده في مرض ألم به واستشاره‬
‫في الوصية فقال له ‪ " :‬واعلم أنك لن تنفق نفقة تبتغي بها‬
‫وجه هللا إال أجرت عليها حتى ما تجعله في فم امرأتك » ‪.‬‬
‫أيها اإلخوان ‪ :‬إن بعض الناس يقصر أو يتثاقل في اإلنفاق على‬
‫أهله شحا وبخال ‪ ،‬والشح والبخل من أوامر الشيطان { َو َمنْ‬
‫ون } ولكن متى علم المؤمن‬ ‫س ِه فَأُولَئِ َك ُه ُم ا ْل ُم ْفلِ ُح َ‬
‫ق ش َُّح نَ ْف ِ‬
‫يُو َ‬
‫أن اإلنفاق على نفسه وأهله ليس بغرم وإنما هو مكسب‬
‫وغنيمة ‪ ،‬فاإلنفاق فيما أمر هللا به غنيمة ألنه زيادة في اإليمان‬
‫وسبب لبركة المال ونموه وسبب لألجر المدخر عند هللا ‪ ،‬أما‬
‫اإلمساك عما أمر هللا به فهو نقص في اإليمان وسبب لمحق‬
‫بركة المال ونقصه ولعقوبة هللا ومقته ‪ ،‬ثم أن الممسك البخيل‬
‫إن فاته المال ونزع منه في الدنيا فقد حرم خير الدنيا واآلخرة‬
‫‪ ،‬وإن بقي حتى مات صار لغيره غنمه وعليه غرمه وإثمه ‪.‬‬
‫أال وإن من إنفاق المال في طاعة هللا أن تنفقه في اإلحسان إلى‬
‫القرابات الذين ال تجب عليك نفقتهم ‪ ،‬إما لكون مالك ال يتحمل‬
‫اإلنفاق أو لغير ذلك ‪ ،‬فهديتك على غنيهم هدية وصلة ‪،‬‬
‫وصدقتك على فقيرهم صدقة وصلة ‪ .‬وإن بعض الناس في هذه‬
‫الناحية يقصر ويفرط ‪ ،‬فتجده يقتصر على اإلحسان إلى القرابة‬
‫الذين يتبادلون معه الصلة وهذا في الحقيقة ليس بصلة ‪ ،‬وإنما‬
‫هي مكافأة للصلة أو مجلبة لها ‪ ،‬فالواصل حقيقة هو الذي‬
‫يصل من قطعه ويعطي من حرمه ‪ .‬وأبواب إنفاق المال في‬
‫الخير كثيرة ‪ ،‬وكلما كان اإلنفاق أنفع لعمومه أو شدة الحاجة‬
‫إليه أو جلبه لمصالح أخرى كان أفضل وأجدى ‪ ،‬وكل نفقة‬
‫تبتغي بها وجه هللا فأنت مأجور عليها لدخولها في اإلحسان ‪.‬‬
‫أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم قال هللا تعالى ‪َ { :‬وأَ ْنفِقُوا فِي‬
‫يل هَّللا ِ َواَل تُ ْلقُوا بِأ َ ْي ِدي ُك ْم إِلَى التَّ ْهلُ َك ِة َوأَ ْح ِ‬
‫سنُوا إِنَّ هَّللا َ يُ ِح ُّب‬ ‫سبِ ِ‬ ‫َ‬
‫ين } ‪.‬‬ ‫سن ِ َ‬ ‫ا ْل ُم ْح ِ‬
‫بارك هللا لي ولكم في القرآن العظيم ‪ . . .‬إلخ ‪.‬‬

You might also like