You are on page 1of 8

‫رؤية يهودية ألحداث الشغب عام ‪ 1947‬في عدن‪:‬‬

‫أحداث الشغب عام ‪1947‬و العداء لليهود‬

‫‪ -1‬خلفية أحداث الشّغب‪:‬‬

‫خالفا لما ح دث في بقية البل دان العربي ة‪ ،‬ف ان االض طرابات ال تي تفج رت في‬
‫فلسطين بين اليه ود و المس لمين ع ام ‪ 1929‬لم ت ثر من اهتم ام ع رب ع دن إال في‬
‫القليل ج دا(‪ .)1‬ففي رس الة مؤرخة في األول من ين اير ع ام ‪ ،1934‬يفيد بنش ين‬
‫اهروني ‪ ،‬ممثل الوكالة اليهودية بعدن‪ ،‬انه لم يلحظ أي اهتمام عند ع رب ع دن بتلك‬
‫التيارات السياسية التي بدأت بالت أثير علـى الش رق األوس ط‪ ،‬خــاصة في ما يتعلق‬
‫بفلسطــين ‪ .‬ويـالحظ اهروني أن هـــذا ما حـصل بالضبـط‪ ،‬ذلك ألن " الص حف لم‬
‫تكن تنشر أو تطبع بعد في عدن‪ ...‬وال يبدو أنه كان هناك أي اتصال بين ع رب ع دن‬
‫وع رب فلس طين‪ ".‬ول ذلك‪ " ،‬ال يوجد أي مؤشر على وج ود حركة قومية أو‬
‫اسالموية بين عرب عدن الذين معظمهم أميون‪ )2(".‬ويبدو من الم أمون االس تنتاج‬
‫انه بغض النظر عن ندرة أح داث العنف المعادية لليه ود ألس باب دينية وك ذا أح داث‬
‫شغب ‪1932‬م فان مجتمع يهود عدن ‪ ،‬ال ذي بلغ ذروته ع ام ‪ 1947‬حين وصل ع دد‬
‫أفراده إلى ‪ )3(8550‬من إجمالي عدد السكان الم دنيين (‪ ، )4()78.400‬قد ع اش في‬
‫هدوء نسبي متمتعا بقدر ملموس من األمن والحماية في ظل الحكم البريطاني‪.‬‬

‫وقبيل انتهاء عقد الثالثينات بدأ عرب عدن فعال بإظهار وعي ق ومي واس الموي‬
‫ملح وظين ‪ .‬ففي رس الته المؤرخة في الث اني من ديس مبر ‪1938‬م يُطلع اه روني‬
‫الوكالة اليهودية بأورش ليم (الق دس ) أن خمسة من الق ادة الفلس طينيين ال ذين‬
‫أطلقتهم السلطات البريطانية من أحد معتقالت جزيرة سيش يل(‪ )5‬وص لوا إلى ع دن و‬
‫مكث وا فيها ثالثة أي ام‪ .‬ويالحظ اه روني أن المس لمين من س كان ع دن و اس تقبلوا‬
‫أولئك الفلسطينيين اس تقباال ح ارا ‪ ،‬وأن تواجد الخمسة الفلس طينيين في ع دن قد "‬
‫هيّج وسمم (أفكار)" العرب المحليين‪ ،‬األمر الذي أدى إلى تحويل ع دن إلى " جحيم‬
‫لليهود "‪ .‬وتشير التق ارير أيضا إلى أنه ألول م رة تم ترديد ش عار "تحيا فلس طين"‬
‫من قبل السواد األعظم من العرب المحليين(‪.)6‬‬

‫ومع حلول عقد الخمسينات ازدادت زيارات الفلسطينيين لعدن وشاع اإلفصاح عن‬
‫مشاعر العداء لليهود‪ .‬كذلك بدأت الصحف و المجالت المصرية بالوصول إلى ع دن‪،‬‬
‫خاصة إلى البيوت ات العربية األك ثر ثقاف ة وتعليم ا‪ .‬زد على ذلك ‪ ،‬انتش رت أجه زة‬
‫الراديو وس ماع اإلذاع ات انتش ارا س ريعا وواس عا ‪ ،‬وك ان الن اس يحتش دون في‬
‫المق اهي الم زودة بمك برات الص وت لس ماع مختل ف المحط ات اإلذاعية وخاصة‬
‫‪1‬‬
‫"ص وت الع رب" من الق اهرة‪ .‬و عجّلت المحط ات اإلذاعية من تن امي ال وعي‬
‫السياسي ومه دت الس بيل ليس فقط للمذبحة المعادية لليهود في نوفم بر ‪1947‬م‬
‫ولكن أيضا لطرد البريطانيين في ‪.1967‬‬
‫ومن الجدير بالمالحظة أنه منذ الحرب العالمية الثانية تزايد عدد السكان من عرب‬
‫ع دن بوص ول آالف من أف راد القبائل من اليمن والمحمي ات ال ذين أغ رتهم إمكانية‬
‫إيج اد ف رص عمل كحم الين وعم ال ب األجر الي ومي‪ .‬وهك ذا بعد أن ك ان ه ذا الع دد‬
‫ثالثين ألف ع ام ‪1932‬صارس تين ألفا ع ام ‪ .1947‬وك ان‪ %45‬فقط من إجم الي‬
‫الس كان ع ام ‪ 1947‬من المول ودين في ع دن أو من أبن اء ع دن األص ليين‪ .‬واغلب‬
‫الوافدين الجدد من العرب كانوا أميين و يعيشون في ظروف أكثر بدائية وتخلفا‪.‬‬

‫فمع ق رار األمم المتح دة بتأس يس الدولة اليهودية في فلس طين‪ ،‬غم رت البهجة‬
‫نفوس يهود عدن‪ .‬وأما بالنسبة لعرب عدن‪ ،‬وألسباب يمكن فهمها‪ ،‬فإن الق رار ك ان‬
‫مدعاة للحزن وال ِحداد‪ .‬ففي الثاني من ديسمبر ‪1947‬م ‪،‬وأس وة ب إخوتهم في أم اكن‬
‫أخرى‪ ،‬أعلن عرب عدن إضرابا تضامنيا ش امال لم دة ثالثة أي ام احتجاجا على ق رار‬
‫األمم المتحدة الصادر في ‪30‬نوفمبرالقاضي بتقسيم فلسطين‪ .‬إال أنه في الوقت ال ذي‬
‫كان فيه اإلض راب في البل دان العربية األخ رى محص ورا إلى ح ٍد ما في المظ اهرات‬
‫السلمية‪ ،‬فإنه تح ّول في عدن إلى " اندالع فاضح ألعمال العنف "‪ ،‬كما وصفه والي‬
‫ع دن(‪ .)7‬ووفقا للتق ارير الحكومية الرس مية‪ ،‬ك ان ع دد القتلى من اليه ود في ذلك‬
‫الش غب‪(82‬بمن فيهم ‪ 6‬من مجه ولي الهوية ُز ِعم أنهم من اليه ود)‪ ،‬كما ُج رح ‪76‬‬
‫يهوديا(‪ .)8‬وبالنس بة للخس ائر المادي ة‪ ،‬فقد ج رى نهب ‪106‬من دك اكين اليه ود نهبا‬
‫كامال (من إجم الي ‪170‬محالً تجاري ا ً مملوكة لليه ود)‪ ،‬ونُهبت جزئيا نهب ‪ 6‬محالت‬
‫و أُحرقت المدرستان اليهوديت ان الوحي دتان و‪30‬م نزال يهوديا في كري تر‪ .‬و دم رت‬
‫النيران تقريبا كل الس يارات الخصوص ية المملوكة لليه ود‪ .‬وفي الش يخ عثم ان‪ ،‬تم‬
‫إحراق ونهب ‪ 12‬بيتا‬

‫وس رقت‬
‫يهوديا؛ كما تمت سرقة ‪ 61‬منزال يهوديا مع إلحاق األضرار بها؛ وأح رقت ُ‬
‫خمسة دكاكين؛ كما تم إح راق وس لب معبد و مدرسة وإلى ج انب ذل ك‪ ،‬تم إح راق و‬
‫نهب أحد معامل تقطير المملوكة ألحد اليهود والواقعة في الصحراء المحيطة بالشيخ‬
‫عثمان(‪.)9‬‬

‫في الوقت الذي دمرت فيه أحداث الشغب البنية التحتية القتصاد يهود عدن ‪ ،‬فإنها‬
‫قد أرسلت أيضا إشارات تحذيرية إلى منظومة المال واألعمال في عدن برمتها‪ .‬فعلى‬
‫سبيل المث ال‪ ،‬ك انت الش ريحة الهندي ة‪ ،‬ال تي تس يطر على الج زء األك بر من تج ارة‬
‫ع دن‪ ،‬متخ ّوف ة‪ ،‬خصوصا إذا ما أخ ذنا في االعتب ار الص راع بين الهند وباكس تان‬
‫المسلمة من جهة و الحسد الذي أبداه عرب ع دن بص ورة مس تمرة نحو الهن ود من‬
‫جهة أخ رى‪ .‬ول ذلك أص درت الغرفة التجارية بع دن في ‪18/12/1947‬م ق رارا نص‬
‫على أن أح داث الش غب لم" تشل حركة التج ارة في المس تعمرة و المين اء" فحسب‬
‫‪2‬‬
‫ولكن أيضا "زع زعت إيم ان الن اس بحق وق كل الجماع ات في حماية أرواحهم و‬
‫ممتلكاتهم‪".‬‬

‫وطالبت الغرفة التجارية بلهجة قوية وصريحة‪ ,‬بتعيين قاضي مستقل من المحكمة‬
‫العليا مع ثالثة خ براء تثمين محاي دين ليش كلوا هيئة عليا للتحكيم؛ وإج راء تحقيق‬
‫شامل في األسباب وراء االختالف ات الراهنة وحل المش كلة في حينها ع بر الس لطات‬
‫المختصة المسئولة عن الحفاظ على النظام والق انون(‪ .)10‬ونتيجة الض غط ال ذي ك ان‬
‫يمارسه يهود عدن على الغرفة أمرت الغرفة التجارية ومعها جهات أخرى وص احب‬
‫السعادة السير ريجنالد ستيوارت شامبيون(‪,)Reginald Stuart Champion‬والي عدن (‪1944‬ـ‬
‫‪ ,)1951‬بتكليف لجنتين منفصلتين للتحقيق في تلك األح داث‪ .‬تع املت اللجنة األولى‬
‫مع أح داث الش غب وكفاية اإلج راءات المتخ ذة من قبل الق وات الحكومية لمواجهة‬
‫تلك األح داث وأداء الق وات ال تي ت دخلت ‪،‬وأوصت لجنة التحقيق ه ذه باتخ اذ‬
‫اإلجراءات الكفيلة بمنع تكرار مثل تلك األحداث في المستقبل وكذا اآللي ات المناس بة‬
‫التي ينبغي استخدامها في حالة حدوث شغب من أي نوع‪.‬وأما لجنة التحقيق األخرى‬
‫ال تي ك ان يرأس ها م أمور إدارة ع دن فقد رك زت على األض رار الناجمة عن‬
‫األحداث‪,‬ودراسة الشكاوى المتعلقة بالتعويضات‪.‬‬

‫أدار لجنة التحقيق األولى السير هاري ترس تيد (‪.)11( )Harry Trusted‬وتم إرس ال‬
‫نورمان بنت ويش (‪ )Norman Bentwich‬خصيصا إلى ع دن من قبل الجمعية اليهودية‬
‫البريطانية‪,‬ليدافع عن يهود عدن‪.‬وتم رفع قضية اليهود بواسطة السيد أ‪.‬س‪.‬دايموند‬
‫(‪ )A.S.Diamond‬ممثال عن لجنة الش ئون الخارجية للجمعية اليهوديةـ البريطاني ة‪.‬‬
‫كذلك‪،‬تم االس تماع إلى مح امين عن ع رب ع دن وحكومة ع دن والق وات البريطانية‬
‫إلى جانب العديد من شهود العيان(‪.)12‬‬

‫‪ -2‬مجرى أحداث الشغب‪:‬‬

‫في السابع من ابريل ‪1948‬م‪ ،‬سلّم السير هاري ترستد تقريره ‪ ،‬الذي كان محصلة‬
‫إجراءات دامت ‪13‬يوما ‪ ،‬إلى والي عدن‪ .‬وكان وصف ترستد لوقائع أح داث الش غب‬
‫ال تي اس تمرت ثالثة أي ام مطابقا في الغ الب لتلك التق ارير الص ادرة عن اليه ود(‪.)13‬‬
‫وينبغي التشديد من البداية على أن كل شهود العيان ال ذين بلغ ع ددهم ‪ ،61‬بما فيهم‬
‫الموظف ون البريط انيون وممثلو اليه ود‪ ،‬قد أش اروا إلى انه على ال رغم من وج ود‬
‫ب وادر ت وتر ومش احنات بين ع رب ويه ود ع دن إال أن احد من األط راف المعنية لم‬
‫تفجر األح داث ونتائجها الم دمرة‪ .‬وكل الم وظفين البريط انيين ال ذين أدل وا‬ ‫يتوقع ُ‬
‫بشهاداتهم أمام السير ترستد كانوا يظنون بأنه لم يكن هناك سبب معين لتوقُع ح دوث‬
‫مشاكل وبأن اإلضراب كان من الممكن أن يكون سلميا(‪ .)14‬ولذلك أدلى ناظر الش رطة‬
‫بالتالي‪ ":‬لم أظن أن العنف سيندلع نتيجة لقرار تقسيم فلس طين؛ بل اعتق دت أن ه ذا‬
‫‪3‬‬
‫العنف سيكون جراء دخول القرار حيز التطبيق‪ )15(".‬ونتيجة له ذا الخطأ في التق دير‪،‬‬
‫لم يتم اتخ اذ إج راءات بعينها للحيلولة دون ان دالع أعم ال الش غب‪ .‬وينبغي األخذ في‬
‫الحسبان أن قوة شرطة كري تر حينها ك انت تت ألف فقط من س تين ف ردا من الب وليس‬
‫المدني ومائة من البوليس المسلح‪.‬‬

‫وفقا للسيد ترستد‪ ،‬اندلعت أحداث الشغب حوالي الساعة السادسة من مس اء ي وم‬
‫الث اني من ديس مبر عن دما ق امت مجموعة محتجة من عامة ع رب ع دن برفع قطعة‬
‫قم اش عليها ش عار" تحيا فلس طين" وزحفت باتج اه الس يلة ب القرب من مدرس تي‬
‫اليه ود(‪.)16‬وهن اك خ رجت تلك المجموعة عن النظ ام و الق انون ف أحرقت س يارات‬
‫اليهود ورشقت منازلهم بالحجارة ثم أشعلت النيران في تينك‬

‫المدرستين أثناء حلول الظالم‪ .‬وقام المشاغبون بإحب اط كل مح اوالت رج ال اإلطف اء‬
‫إلخم اد الن يران؛ كما رم وا س يارة اإلطف اء بالحج ارة فحطم وا مص ابيحها وزج اج‬
‫نوافذها‪)17(.‬ومن جانب آخر‪ ،‬باءت كل المحاوالت التي قام بها رج ال الش رطة لتفريق‬
‫المحتشدين بالفشل؛ إذ استمر احتشاد عرب ع دن عند كل الط رق و األس واق القريبة‬
‫من حي اليهود‪ ،‬ونهب وا دك اكين اليه ود ثم أحرقوه ا‪ .‬وحينما ب ات جليا أن الوضع قد‬
‫خرج عن الس يطرة‪ ،‬س عى ن اظر الش رطة إلى طلب المس اعدة العس كرية من ال والي‬
‫الذي استجاب فأمر قائد القوات الجوية بع دن بالت دخل "لتح ُمل مس ئولية الحف اظ عن‬
‫النظام واألمن‪ )18(".‬و في نفس الليلة تم نشر سرية من أفراد كت ائب مجموعة ع دن‪،‬‬
‫اللي وي (‪ )19() Levies‬في كري تر‪ .‬و في س اعة مت أخرة من الليل تف رقت الحش ود‬
‫وأص بحت األم ور هادئة تقريبا طيلة ما تبقى من تلك الليلة باس تثناء تلك الن يران‬
‫المنبعثة من مدرستي اليهود وسياراتهم ودكاكينهم‪.‬‬

‫إال انه في حوالي الساعة الس ابعة من ص باح ي وم ‪ 3/12‬تج ددت أح داث الش غب‬
‫وبدأت حشود من عرب عدن بمهاجمة حي اليه ود نفسه وأش علت الن يران في بي وت‬
‫اليه ود الواقعة عند أط راف الحي‪ .‬وعلى ال رغم من إعالن حالة الط وارئ ومنع‬
‫التجول حتى الساعة الثانية بعد الظهر‪،‬وجدت السلطات البريطانية صعوبة في تطبيق‬
‫ذلك " لوجود األطفال والنساء ضمن مرتك بي عملية النهب‪ )20(".‬وأف ادت ش هادة كل‬
‫من الم وظفين البريط انيين والمص ادر األخ رى انه مع ان دالع أح داث الش غب ح اول‬
‫اليهود الدفاع عن أنفسهم ضد مرتكبي الشغب الذين س عوا جاه دين إلى اقتح ام الحي‬
‫اليه ودي عن وة؛ وما ك ان من اليه ود إال أن أمط روا المحتش دين من ع رب ع دن "‬
‫بوابل من الزجاج ات الثقيل ة" من على س قوف من ازلهم‪ )21(.‬ومع ذل ك‪ ،‬ف ان انتش ار‬
‫ق وات اللي وي‪ ،‬المك ّونة من ع رب المحمي ات المس لمين‪ ،‬ش ّكل كارثة حقيقية على‬
‫اليهود‪ .‬وفي هذا الصدد اشتكى الس يد ب نين‪ ،‬رئيس لجنة الط وارئ اليهودي ة‪ ،‬من أن‬
‫القائد البريط اني الس يد جويب ل(‪ ) Goepel‬وقواته بالفعل قد تجول وا في الش وارع‪،‬‬
‫شجع‬
‫ولكنهم " لم يتخذوا أية خطوات واضحة للحد من استفحال الموقف‪،‬األمر الذي ّ‬
‫(‪)22‬‬
‫الغوغاء على مضاعفة هجماتهم‪".‬‬
‫‪4‬‬
‫ويالحظ القاضي انه سمع " انتق ادا الذعا لتص ّرف ق وات اللي وي" مف اده أن ه ذه‬
‫الق وات ك انت " تطلق الن يران بص ورة عش وائية" ومباش رة باتج اه اليه ود ال ذين‬
‫حاولوا الهرب من بيوتهم المشتعلة مما أدى إلى قتل العديد من اليهود‪ )23(.‬إن الحادثة‬
‫التالية ال تي رواها القاضي تلقي نظ رة على اله رج والم رج ال ذي اكتنف ه ذا‬
‫الموضوع‪:‬‬

‫عـــند حوالي الساعة الثانية من ظهيرة يوم الخميس الموافق الرابــــــع من ديسمبر ع ام‬
‫‪ 1947‬تلـقت قي ادة شرطـــة كري تر مكالمة هاتفية من مجهــــــول مفادها أن الن يران‬
‫تــلتهم منزل مناحيم ميسا‪،‬وطلــب هذا المجهول من الشرطـة المساعدة إلنق اذ حي اة ‪300‬‬
‫الجئ مقيم هن اك‪ .‬وذهــــب إلى موقـع الحادثة كل من المالزم ب روس(‪ ،) Bruce‬ض ابط‬
‫من اوب من الب وليس‪،‬وبوك وك (‪ )Pocoke‬قائد س رب من الق وات الجوية واحد الض باط‬
‫المسئولين في الليوي‪ .‬وأفـــاد هؤالء أنهم لم يتمكنوا من أن يروا بوضوح أي شخص في‬
‫ذلك العقار المشتعل‪ .‬وبطـــلب من ه ؤالء الثالثة رافقهم الس يد ارمان دو نس يم إلى ال بيت‬
‫المع ني حيث وج دوا أشـــخاصا ع القين عند احد أرك ان العق ار‪ .‬وأمر قائد الس رب ثالثة‬
‫أف راد من ق وات اللي وي بالوقــوف عند كل ج انب إلخ راج األش خاص‪ .‬ت ردد اليه ود في‬
‫الخ روج خش ية أن يتم إطالق الن يران عليهم‪ ،‬ولكن بعد أن طم أنهم قائد الس رب والس يد‬
‫ارماندو (المالزم بروس كان حينها في الش ارع الخلفي للعق ار)‪ ،‬ب دأ اليه ود ب الخروج‪،‬و‬
‫فج أة تم إطالق الن ار عليهم من على بعد مما أدى إلى م وت ثالثة أش خاص في الح ال‬
‫(‪)24‬‬
‫وأربعة في وقت الحق‪ .‬وبأعجوبة ‪ ،‬نجا كل من قائد السرب و السيد ارماندو نسيم‪.‬‬

‫وعنــد الساعـــة الثالثة من فجر يوم الرابع مــــــن ديسمبر وصلــــت إلى ميناء‬
‫عــــدن المدمرتان كونتيست و كوكيد (‪ )Contest and Cockade‬ومنهما تم إرسال قوة‬
‫مكونة ح والي من مائة جن دي إلى كري تر‪ .‬وبعد ذل ك‪ ،‬تم تعزيز ه ذه الق وة بجن ود‬
‫بريطانيين آخرين وص لوا إلى ع دن‪ ،‬وبص ورة تدريجية انس حبت ق وات اللي وي‪ .‬ثم‬
‫‪)25(.‬‬
‫أقيمت حول حي اليهود ح واجز من األس الك الش ائكة على ش كل مق ابض س كين‬
‫وفيما بعد ذل ك‪ ،‬تمت الس يطرة على الوضع ت دريجيا و انتهت ب ذلك موجة العنف‬
‫الموجهة ضد اليهود‪.‬‬

‫يالحظ الس ير ه اري ترس تد أن القالقل قد نجمت عن " تلك المش اعر المعادية‬
‫لليهود التي تولّ دت عن أح داث وقعت خ ارج ع دن"‪ ،‬خاصة تلك األح داث المرتبطة‬
‫بفلس طين‪ .‬ومع ذل ك‪ ،‬فانه يش ير أيضا إلى عوامل عدي دة أخ رى هي أت األس باب‬
‫الن دالع أعم ال العنف ع ام ‪1947‬واث رت على مجراه ا‪.‬وتمثلت العوامل الرئيس ية‬
‫المس اعدة في تلك النزعة نحو اس تباحة الق انون ال تي نمت بين أوس اط بعض‬
‫الجماعات السكانية أثناء الحرب العالمية الثاني ة؛ وفي تلك السياس ات الرقابية ال تي‬
‫شجعت على الته ريب وال ربح الف احش وش دة‬ ‫فرضتها الحكومة على السلع‪ ،‬والتي ّ‬
‫‪5‬‬
‫ارتفاع األسعار‪ ،‬و انخفاض الق وة الش رائية للنق ود(‪)26‬؛ وفي إض راب ين اير ‪1947‬‬
‫الذي نظمه عمال النقل احتجاجا على منح ترخيص رسمي إلحدى الش ركات األجنبية‬
‫( أي غ ير عدني ة) األمر ال ذي أدى في النهاية إلى إذع ان الحكومة وانتص ار‬
‫المض ربين ال ذين اس تخدموا قليال من العنف(‪)27‬؛ وفي وص ول يه ود من اليمن‪،‬‬
‫والحقيقة " ال تي ربما تك ون قد أح دثت بعض المخ اوف‪ ،‬ال ريب في بطالنه ا‪ ،‬في‬
‫نفوس العمال الع رب المحل يين‪ ،‬ب ان اليه ود قد يزاحم ونهم‪ ".‬ووفقا لش هادة ن اظر‬
‫الب وليس‪ ،‬ف ان األح داث في فلس طين أدت إلى " ت دهور واض ح" في العالقة بين‬
‫اليهود والعرب في ع دن‪ ،‬تم التعب ير عنه في تلك االعت داءات البس يطة على اليه ود‬
‫‪،‬وفي ح وادث الش احنات المملوكة من قبل الع رب وال تي ك انت تس تهدف اليه ود‬
‫(‪)28‬‬
‫المارين في الصحراء‪.‬‬

‫من الواضح أن قادة الليوي البريط انيين ك انوا م ترددين في اس تخدام الق وة كي‬
‫يضعوا حدا للش غب‪ .‬ول ذلك‪ ،‬على س بيل المث ال‪ ،‬ذكر الس يد جوب ل‪ ،‬م أمور المنطقة‬
‫حين أدلى بش هادته أم ام لجنة التحقيق انه قد رأى بالفعل الغوغ اء وهم ينهب ون‬
‫دكاكين اليهود‪ ،‬وبينا كان يجتاز حي اليهود رأى العرب يكومون أسرة خشبية (قعائد‬
‫حب ال ) وس جاجيد قش ية (دعس ات) منقعة ب البترول أو الكيروس ين(الج از) عند‬
‫المداخل ‪ ،‬ثم يشعلونها ‪ ،‬وبذلك احترق العديد من منازل اليه ود‪ .‬ومع ذلك يقر جوبل‬
‫وفس ر ذلك انه من جهة رأى‬ ‫ّ‬ ‫بأنه لم يفعل شيئا لمنع الحشود من مواصلة اعت دائهم‪.‬‬
‫أنه " ليس من الحكمة " محاولة اعتقال أي من المعتدين ألن أفراد قواته (اللي وي)‬
‫" عس اكر من الجيش وليس وا من الب وليس‪ ".‬ومن جهة أخ رى‪ ،‬لم يتمكن من‬
‫إصدار أمر بإطالق النار على المعتدين ألن هذا قد يخاطر بالحشود ال تي إليها وبينها‬
‫" هرب و اندس" مرتكبو عملية النهب‪ )29(.‬وفي نفس ال وقت‪ ،‬ب رر الم أمور إطالق‬
‫أفراد الليوي النار على بيوت اليهود معتبرا ذلك ضروريا " ليبعد اليهود‬
‫من على سقوف من ازلهم"‪ ،‬مص ورا اعت داء الع رب على اليه ود على أنه " معركة‬
‫ضد اليهود‪ )30(".‬وهكذا‪ ،‬في حقيقة األمر‪ ،‬ساوى المأمور بين المعتدين و ضحاياهم‪.‬‬

‫بالفعل‪ ،‬وطيلة أيام الشغب‪ ،‬كانت هناك ادعاءات من قبل الليوي وك ذا الض باط و‬
‫الموظفين البريطانيين مفادها أنه كان يتم اقتن اص الع رب من بي وت اليه ود ‪ ،‬وه ذا‬
‫ادعاء قد أنكرته الجالية اليهودية بصورة " قطعية للغاية"‪ .‬ومع ذل ك‪ ،‬ف ان االته ام‬
‫الذي صرح به موظفو الحكومة بقــــــوة‬
‫وإصرار قد تبناه أيضا السير شامبيون ‪ ،‬والي ع دن‪ ،‬وذلك في تص ريحه الرس مي‬
‫الذي أدلى به أمام المجلس التشريعي ‪ ،‬حيث قال‪ " :‬إن النشاط المزع وم والمع ادي‬
‫لليه ود قد خلق ت وترا خط يرا و جدي د‪ ،‬خاصة بعد قتل احد جن ود اللي وي و ط بيب‬
‫(‪)31‬‬
‫هندي مسلم موظف في الحكومة بالتأكيد تقريبا من قبل قناصة يهود‪".‬‬

‫إال أن القاضي ترستد رفض تلك االدعاءات وبصورة قطعية مش يرا إلى انه على‬
‫الرغم من أن اليهود " بصورة ال تنم عن الحكمة بدون شك" رموا ب القوارير دفاعا‬
‫عن النفس‪ ،‬إال أن القاضي وجد أن األدل ة‪ ،‬ال تي تق دم بها أولئك ال ذين ادع وا أنهم‬
‫فعال شاهدوا القناصة‪ ،‬غير مقنعة‪ .‬وشدد القاضي على انه قد تم تفتيش المنازل ذات‬
‫‪6‬‬
‫العالقة ولكن " لم يتم إيج اد أي قناص ة‪ ...‬وال خ راطيش أو أية آث ار أخ رى قد ت دل‬
‫على وج ود أي قناص ة‪ ".‬وي ذهب القاضي في الق ول إلى أن تلك األدلة هي باألصح‬
‫أشارت إلى أن أفراد الليوي هم ال ذين ق اموا بعملية القنص ال تي أودت بحي اة العديد‬
‫من اليه ود وك ذا حي اة ال دكتور الهن دي(ف يروز ال دين) ال ذي ج اء إلى حي اليه ود‬
‫(‪)32‬‬
‫لمعالجة الجرحى من اليهود‪.‬‬

‫انتقد القاضي ترس تد ق ادة اللي وي البريط انيين‪ .‬وعلى ال رغم من أنه تم إرس ال‬
‫قوات كافية من الليوي الى عدن مباشرة بعيد لحظة اندالع الشغب‪ ،‬إال أن هذه الق وة‬
‫"فش لت في منع ح دوث بعض الخس ائر في األرواح والكث ير من األض رار في‬
‫الممتلكات‪ ".‬ويضيف القاضي بأنه من الواضح أنه " كان هن اك اس تخدام عش وائي‬
‫أو غير مالئم للبنادق ورشاشات البرين (‪ )Bren‬من قبل تلك الق وة‪ ،‬مما أدى الى قتل‬
‫و جرح العديد من األبري اء غ البيتهم من اليه ود‪،‬وأدى أيضا الى إح داث أض رار في‬
‫ممتلك اتهم‪ ".‬وقد ص دق القاضي ش هادة الش هود‪ ،‬أك انوا من اليه ود أو من غ ير‬
‫اليهود‪ ،‬التي وفقا لها‬

‫"بدت قوات الليوي متعاطفة مع المتفيدين"‪ ،‬ثم خلص الى الق ول‪":‬ليس بمق دوري‬
‫فعل شيئا سوى القول أنه إذا كانت هناك جه ود حاس مة قليال قد بُ ذلت‪ ،....‬لك ان من‬
‫الممكن الس يطرة على الموق ف؛ وان الجه ود ال تي بُ ذلت‪ ،‬إذا لم تح رض مرتك بي‬
‫الش غب فعال‪ ،‬ب دت وكأنها لم تفعل ش يئا لمنعهم‪ ".‬ولتعزيز انتقاداته لتص ُرف ق وات‬
‫الليوي‪ ،‬أشار القاضي الى تصريح القائد ريتشاردس ون ال ذي ق ال أن أف راد البحرية‬
‫البريطانية "كانوا قادرين على التعامل مع مخترقي حظر التج ول من خالل إطالق‬
‫أعيرة نارية متفرقة في اله واء مل وحين للن اس و ص ارخين فيهم ب ان يع ودوا الى‬
‫منازلهم‪ ".‬وأضاف القاضي ما من شك أن " الكثير من أفراد الليوي ك انوا يطلق ون‬
‫النيران عشوائيا"‪ ،‬وان بعضهــــم كان‬
‫" مته ورا‪ ".‬وأختتم القاضي ق ائال‪":‬أرى انه لم يكن هن اك م برر لالس تخدام‬
‫العشوائي للبنادق و الرشاشات البرين ضد قناصين مش تبه فيهم"‪ ،‬فنتيجة ذلك ك ان‬
‫إصابة و موت إحدى وثالثين يهوديا‪ ،‬من الرجال و النساء و األطفال فقط في كريتر‬
‫إما داخل بيوتهم أو على أسطح منازلهم أو في الشوارع‪.‬‬

‫لقد الحظ القاضي ترستد أنه نتيجة للتحقيق في تصرف أفراد اللي وي تم محاكمة‬
‫تس عة منهم عس كريا بتهمة التفيُ د‪:‬خمسة حكم عليهم س نة حبس‪ ،‬و أربعة س تة‬
‫أش هر‪ )33(.‬ويش ير القاضي الى أن أح داث الش غب ك ان لها أثر م دمر على وفي‬
‫المجتمع اليه ودي في ع دن‪ :‬إذ تم إح راق الكث ير من من ازلهم ‪ ،‬ومحالتهم و‬
‫س رقت‪ ،‬و دُم رت فقط مدرس تان يهوديت ان ت دميرا‬‫مس تودعاتهم إما أح رقت أو ُ‬
‫كامال‪.‬وجراء ذلك‪ ،‬فقدت اسر يهودية مصادر رزقها‪ ،‬وبات المئات منهم دون مأوى‪,‬‬
‫وأما أوالدهم وبن اتهم فظل وا دون تعليم لبعض ال وقت‪ .‬وأش ار القاضي ب ان س كان‬
‫عدن يتكونوا من أجناس وجماع ات دينية مختلفة "عرضة للت أثر بمختلف األح داث‬
‫خارج البالد"‪ ،‬مما يجعل عدن برمتها عرضة للقالقل‪ .‬ول ردع أية اض طرابات وفتن‬
‫‪7‬‬
‫اجتماعية في المس تقبل‪ ،‬اق ترح القاضي وج ود دائم على األقل لثالثمائة جن دي من‬
‫الق وات البريطانية بما فيهم فص يلة تتمركز في كري تر‪ .‬و اق ترح أيضا بمراجعة‬
‫سياسة هجرة العمالة من المناطق الداخلية الى ع دن على أمل أن تتم الس يطرة على‬
‫حركة ال دخول و الخ روج من و الى المس تعمرة‪ .‬إذ أن الوج ود الفعلي لآلالف من‬
‫العمالة الموس مية و الحم الين(الكوالي ة) في المس تعمرة وك ذا تنقلهم غ ير المنظم‬
‫يش ّكل "خط را كامنا على األمن" الحت وائهم أصال على "عناصر خارجة عن‬
‫القانون" مع ميلهم الى التفيُّد كلما تسنح الفرصة‪ .‬كذلك‪ ،‬نصح القاضي‬

‫الحكومة ب ان تراجع الق انون الجن ائي ال ذي تطبقه المح اكم البريطانية في ع دن‪ ،‬إذ‬
‫وجد أن " العقوب ات المفروضة ربما ك انت غ ير كافية ل ردع الحم الين ومن على‬
‫ش اكلتهم ممن اعت ادوا على ق وانين غاية في الص رامة"‪ .‬وقد ص ادق القاضي على‬
‫سياسة ترحيل الرعايا غ ير البريط انيين ممن ُحكم عليهم بتهم مخالفة الق انون‪ ،‬من‬
‫بينها العنف أو السرقة‪ .‬ومن بين اإلجراءات الوقائية ال تي أوصى بها القاض ي‪ ،‬عند‬
‫الضرورة‪ ،‬منع التظاهر و االجتماعات أو رفع األعالم والشعارات ال تي في جوهرها‬
‫(‪)34‬‬
‫إثارة حماس الناس أو استفزازهم‪.‬‬

‫لقد ش دد القاضي ترس تد على أهمية منع ح دوث أي اض طرابات من ش أنها أن‬
‫تزع زع األمن و االس تقرار مش يرا الى أنه ك ان ينبغي على ق وات األمن أن تك ون‬
‫متواجدة وفي الطليعة قبل وصول مرتكبي الشغب‪,‬وأال يتأخر ق دومها الى بعد ان دالع‬
‫(‪)35‬‬
‫الشغب‪.‬‬

‫‪ -3‬رد فعل المثقفين العرب تجاه أحداث الشّغب‪:‬‬

‫‪8‬‬

You might also like