You are on page 1of 26

‫الجزء األول ‪ :‬أسس حماية الدولة في عقود االستثمار‬

‫تسعى دول العالم خصوصا الدول النامية الى التقدم و النمو االقتصادي ‪ ،‬و االس تثمار يمث ل‬
‫قن اة رئيس ية يت دفق عبره ا رأس الم ال و الخ برة العلمي ة و الفني ة الالزم ة لخل ق اقتص اد‬
‫صناعي متطور ‪ ،‬لهذا تتسابق معظم الدول لجذب أكثر عدد من االستثمارات ‪.‬‬
‫و تتم يز الدول ة كط رف من أط راف عق د االس تثمار بخصوص يات عدي دة ‪ ،‬و ذل ك لع دة‬
‫إعتبارات فهي شخص من أشخاص القانون الدولي العام تتمتع بالسيادة و له ا مزاي ا خاص ة‬
‫بها ‪.‬‬
‫و الدولة الط رف في عق د االس تثمار هي الدول ة المض يفة ل ه ‪ ،‬أي ال تي س ينجز المش روع‬
‫االستثماري في إقليمها ‪ .‬و عادة ما تكون هذه ال دول هي ال دول النامي ة ال تي تك ون ع اجزة‬
‫عن بعث المشاريع االقتصادية الالزمة‪ ،‬ل ذلك وجب مراع اة خصوص يتها كط رف في عق د‬
‫االستثمار و بالتالي حمايتها (الفصل الثاني) ‪  ،‬العتب ارات عدي دة أق رت الق وانين الدولي ة و‬
‫الوطنية أسسها (الفصل األول) ‪.‬‬
‫الفصل األول ‪ :‬األساس القانوني للحماية‬
‫ال نجد قانون دولي لالستثمار مكتوب و منظم ‪ ،‬بالعودة إلى ما قبل القرن الماض ي و لم يكن‬
‫المجتمع العالمي يلحظ هذا الغياب إذ أنه لم يكن يمث ل ح اجزا أم ام تنق ل رؤوس األم وال و‬
‫حركيتها ‪ .‬لكن و مع تزايد أهمية االستثمار بالنسبة للدول سواء النامي ة منه ا أو المتقدم ة ‪،‬‬
‫لحاجة الدول النامية لرأس المال و الخبرة الفنية وحاجة الدول المتقدم ة إلى أس واق تس تثمر‬
‫فيه ا رؤوس األم وال الفائض ة ل ديها ‪ ،‬أص بح هن اك وعي من الس لط السياس ية بأهمي ة‬
‫النصوص المكتوبة لتنظيم اإلستثمار و تحقيق التنمية ‪.‬‬
‫فبدأت محاوالت حثيثة البرام اتفاقيات متعددة األطراف في عدة مناس بات و من هن ا ج اءت‬
‫اتفاقية ‪ bogota‬االقتصادية المبرمة في ‪ 1948‬في إطار المؤتمر التاسع للدول األمريكي ة‪،‬‬
‫و خالل السنوات االخيرة عرف الق انون ال دولي لالس تثمار إهتمام ا أك ثر تمث ل في الس عي‬
‫الحاطة االستثمار الدولي باطار قانوني يمكنه من أن يتمتع باكثر فاعلية‪.‬‬
‫ونالحظ من مختل ف ه ذه الق وانين و االتفاقي ات أن هن اك إهتم ام كب ير بخصوص ية الدول ة‬
‫كطرف في عقد االستثمار ‪ ،‬فهي شخص من أشخاص القانون الع ام له ا حص انة تتمت ع به ا‬
‫من الممكن أن تتراجع عند إبرامها لعقود دولية (المبحث األول)‬
‫كما حظيت مادة االستثمار باهتمام كبير من المشرع التونسي منذ االستقالل و ذلك لما يوفره‬
‫االستثمار من مزايا بالغة ‪ ،‬فهو عامل رئيسي يتحكم في معدل النمو االقتصادي للدولة ‪ .‬وقد‬
‫حاولت الدول ة التونس ية تحقي ق الت وازن المناس ب بين حقه ا في الس يادة و س ن التش ريعات‬
‫المالئمة للتشجيع على االستثمار (المبحث الثاني) ‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬الدولة كطرف في اإلستثمار على المستوى الدولي‬
‫تعتبر الدولة أهم شخص في القانون ال دولي الع ام‪ ،‬و ب النظر ألهمي ة مكان ة الدول ة يعطيه ا‬
‫القانون الدولي عدي د االمتي ازات المنص وص عليه ا في المعاه دات و المواثي ق الدولي ة ‪ ،‬و‬
‫تمثل الحصانة ركيزة من الركائز في تنظيم العالقات بين الدول (الفق‪,,‬رة األولى) إال أن ه ذه‬
‫الحصانة تتراجع عندما تق وم الدول ة ب ابرام عق ود أو القي ام بتص رفات قانوني ة تعام ل فيه ا‬
‫الدولة معاملة األفراد (الفقرة الثانية) ‪.‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬حصانة الدولة‬
‫يعد مبدأ حصانة الدولة من المب ادئ المس لم به ا في الق انون ال دولي الع ام فه و يع ني حري ة‬
‫الدولة في تسيير شؤونها الداخلية دون تدخل من دولة أجنبية ‪ ،‬فالعالقات بين الدول يجب أن‬
‫تؤسس على مبدأ المساواة في السيادة ‪( .‬يجب ذكر المرجع في ذلك )‬
‫و تمثل الحصانة قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي الملزمة لجميع الدول و ال تي ال يمكن‬
‫ألي دولة مخالفتها ‪ ،‬فهي بالتالي ضمانة حقيقي ة لتك ريس مفه وم س يادة الدول ة في المجتم ع‬
‫الدولي و ركيزة أساسية في تنظيم العالقات بين الدول ‪( .‬يجب ذكر المرجع في ذلك )‬
‫ويهدف مبدأ حصانة الدولة إلى منع بحث المسائل التي تتعلق بأفعال دولة ما في محاكم دولة‬
‫أخرى ‪ ،‬أي أنه ال يجوز لدول ة ذات س يادة أن تف رض س لطتها القض ائية على دول ة أخ رى‬
‫ذات سيادة ‪ ،‬نظرً ا ألنه ال توجد دولة تملك الح ق ‪ ،‬قض ائيًا وقانون ًي ا ‪ ،‬في الحكم على أفع ال‬
‫دولة أخرى ‪ ،‬وذلك استنا ًدا إلى مبدأ سيادة الدول والمساواة بينها الذي نصت عليه العديد من‬
‫المعاهدات والمواثيق الدولية ‪ ،‬وفي مقدمتها ميثاق األمم المتحدة ‪( .‬يجب ذكر بعض المرجع‬
‫في ذلك )‬
‫يع د الح ديث عن االس تثمار أم را مس تحدثا ‪ ،‬فق د ازده رت عملي ات االس تثمار ال دولي في‬
‫منتصف القرن الماضي ‪ ،‬و يرجع ذلك إلى أن أغلب دول العالم (باس تثناء الص ناعية منه ا)‬
‫ك انت دوال س ائرة في طري ق النم و و تمتل ك ث روات طبيعي ة هائل ة ‪ ،‬فتس ارعت ال دول‬
‫الصناعية و شركاتها بالحصول على امتيازات إس تثمارية للتنقيب عن ه ذه ال ثروات و ذل ك‬
‫عن طريق مشاركة الحكومات الوطنية لتلك الدول أو عن طريق دف ع مب الغ مالي ة من أج ل‬
‫إستثمار تلك الثروات ‪.‬‬
‫و لقد تطورت نوعية االستثمار في الدول النامية بالشكل الذي نراه حاليا عن طريق مشاركة‬
‫رأس الم ال األجن بي ل رأس الم ال الوط ني ‪ ،‬فأس اس االس تثمار مب ني على دع امتين هم ا‬
‫إستغالل الثروات الطبيعي ة لل دول النامي ة أو الس ائرة في طري ق النم و من جه ة ‪ ،‬و إيج اد‬
‫‪1‬‬
‫أسواق جديدة للشركات الصناعية الكبرى لتصريف منتجاتها من جهة أخرى‬
‫و قد تعاظمت ح دة المنافس ة الدولي ة على إس تجالب االس تثمارات االجنبي ة ‪ ،‬و على عكس‬
‫الص ورة ال تي ك انت س ائدة خالل ب دايات الق رن العش رين ال تي ك ان فيه ا المس تثمرون و‬
‫الشركات يتسابقون على كسب رضا الدول المضيفة و التأثير فيها ‪ ،‬أصبحنا اآلن نرى عددا‬
‫كب يرا من ال دول في حاج ة ش ديدة إلى رأس الم ال تتس ابق من أج ل أن تجت ذب إليه ا‬
‫االستثمارات األجنبية‪.‬‬
‫و قد كان القانون الدولي في البداية يراعي خصوص ية الدول ة كط رف و ي رى أن ه ال يمكن‬
‫تنظير الدولة بمجرد شخص خاص يبرم عقدا و أنه من الضروري إيجاد نظام متميز يمكنها‬
‫من ممارسة وظيفتها‪ .2‬و قد صدرت في هذا اإلطار العديد من القرارات التحكيمية التي تقر‬
‫بخصوصية الدولة في المنازعاتمثل الحكم التحكيمي الصادر عن غرفة التجارة الدولية س نة‬
‫‪ 1968‬تحت عدد ‪ 1526‬و الذي أكدت فيه هيئة التحكيم أن ه من الث ابت أن ه من ح ق الدول ة أن‬
‫تلغي اإلمتيازات و أن تسحبها بقرار إنفرادي و لو كانت مسندة بم وجب عق د تب ادلي و أن ه‬
‫ليس لقاضي دولة ما – و من باب أولى و أحرى ليس للمحكم – أن يراج ع أس باب الس حب و أن‬
‫يعيد الحالة إلى ما كانت عليه ‪ ،‬و ليس له سوى الحكم للمستثمر بالتعويض ‪. 3‬‬
‫‪1‬‬
‫رمزي ذكي ‪ ،‬التضخم في الوطن العربي ‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع ‪ ،‬لبنان بيروت سنة ‪ ، 1986‬ص ‪126‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Philippe Kahn « Contrat d’Etat et nationalisation , Les apports de la sentence arbitrale de 24 mars 1982 ,‬‬
‫‪Clunet 1982 , p 854 ; commentaire de la sentence Aminoil c / Etat Koweitien‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Sentence rendue dans l’affaire n°1526 en 1968 , recueil des sentences arbitrales de la CCI (1974-1985) , ICC‬‬
‫ذكر في كتاب ‪Publishing S.A Paris-New York , par Sigvard JARVIN Yves DERAINS , p 215 et ss Observations et Y.D‬‬
‫أحمد الورفلي ‪ ،‬التحكيم الدولي في القانون التونسي و القانون المقارن ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪830‬‬
‫كما جاء في القرار التحكيمي الصادر بتاريخ ‪ 24‬مارس ‪ 1982‬عن غرفة التج ارة الدولي ة‬
‫في القض ية المش هورة باس م "‪ "Aminoil‬أن عق د اإلمتي از النفطي الم برم بين الش ركة‬
‫المستثمرة و الدولة الكويتية هو "أحد العقود التي تتمتع الدولة في إطارها في جل تش ريعات‬
‫العالم بامتيازات خاصة ‪ ،‬بالتوازي مع إلتزامها باحترام التوازن التعاقدي"‪.4‬‬
‫إال أن األمر تغير بتطور القوانين الدولية بصفة عام ة و الق وانين الدولي ة لالس تثمار بص فة‬
‫خاصة و التي أصبحت تعتقد بتفوق الدولة على المستثمر‪ ،‬و ذل ك من خالل ص فتها كس لطة‬
‫عام ة تتمت ع بوس ائل قانوني ة لف رض س لطانها و إرادته ا و له ا الح ق في س ن التش ريعات‬
‫المالئمة مما يجعلها الطرف األقوى في العقد و أصبحت بالت الي الق وانين تتج ه نح و البحث‬
‫عن طرق لتفادي تعسف الدولة و تسلطها ‪.‬‬
‫و المتمعن في ق وانين االس تثمار الي وم يج دها تبحث عن الض مانات الكفيل ة بتوف ير األم ان‬
‫القانوني لالستثمار الوافد و المستثمر األجنبي ‪ ،‬فتهيئة االطار الق انوني المناس ب لالس تثمار‬
‫تعد أحد العناصر الهامة لتحسين بيئة االستثمار ‪ ،‬و استقرار المعامالت ‪ ،‬و رفع درجة الثقة‬
‫في جدارة النظام االقتصادي كك ل ‪ .‬والحماي ة القانوني ة و تيس يير المع امالت و االج راءات‬
‫تساهم في منح المستثمرين الشعور باالستقرار الحقيقي الذي يحتاج إلي ه أي اس تثمار طوي ل‬
‫األجل ‪.‬‬
‫و يعتبر هذا التوجه أن الدولة تقوم بصنفين من األنشطة ‪ :‬أنشطة مرتبطة بممارسة السيادة ‪،‬‬
‫و أخرى ذات صبغة صناعية و تجارية تتمثل في إدارة مشاريع أو أعم ال تجاري ة ‪ ،‬و ه ذه‬
‫األنشطة األخيرة تخرج عن نطاق الحصانة التي تتمتع بها الدولة ‪.‬‬
‫و في هذا الخصوص نجد و أن أغلب القوانين التي تنص على الحصانة ‪ ،‬غالب ا م ا تس تثني‬
‫تطبيق الحصانة إذا كان موضوع ال نزاع تج اري و ليس س يادي ‪ .‬فالدول ة في ه ذا اإلط ار‬
‫تعامل معاملة األفراد العاديين ‪ (،‬هل توجد امثلة في ذلك ‪ /‬احكام وقرارات قضائية ‪ /‬مرج ع‬
‫فقهي ) فتضطر إلى التنازل عن حص انتها في نط اق األعم ال التجاري ة بص فة عام ة و في‬
‫مجال االستثمار بصفة خاصة ‪.‬‬
‫لقد شهدت السنوات األولى للمنتصف الثاني للقرن العشرين (انحصار االستعمار من البل دان‬
‫النامية) أكثر الفترات معاداة لتواجد االستثمار األجنبي في البالد النامي ة‪ ،‬و يرج ع الب احثون‬
‫ه ذا الموق ف إلى اعتب ار البل دان النامي ة االس تثمار األجن بي مظه را من مظ اهر الس يطرة‬
‫االستعمارية الجديدة‪ ،‬أمام اعتزاز ه ذه البل دان باس تقالل قراره ا السياس ي و االقتص ادي و‬
‫سعيها إلى تقرير نظام اقتصادي دولي جديد ‪.‬‬
‫ولقد برزت أولى التحديات بالنسبة لقانون االستثمار في إيجاد توازن بين مص الح الش ركات‬
‫المتعددة الجنسيات في تحقيق هامش من الربح ي برر االس تثمار و المس عى الوط ني للبل دان‬

‫‪4‬‬
‫ذكر في كتاب أحمد الورفلي ‪ ،‬التحكيم الدولي في القانون التوني و القانون ‪Sentence du 24 mars 1982 , Clunet 1982 , p 854‬‬
‫المقارن ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪830‬‬
‫النامية الرامي إلى تحقيق تنمية اقتصادية ‪ .‬و هن ا ي أتي دور عق ود االس تثمار ال تي ح اولت‬
‫تحقيق هذا التوازن ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية ‪ :‬أهلية الدولة إلبرام عقود االستثمار‬


‫يحاول رجال االقتصاد تأصيل أسباب التخلف االقتصادي و تحدي د س بل دف ع ال دول النامي ة‬
‫إلى طري ق النم و االقتص ادي ‪ .‬وق د أجم ع االقتص اديون على أن رأس الم ال يع د من أهم‬
‫عوامل التنمية االقتصادية و هو العام ل ال ذي يتض افر م ع الم وارد الطبيعي ة والبش رية في‬
‫العملية اإلنتاجية ‪.‬‬
‫إن من أهم خص ائص اقتص اديات ال دول النامي ة‪ ،‬ن درة رأس الم ال الوط ني فيه ا وس وء‬
‫استخدامه وع دم كفايت ه لتموي ل االس تثمارات الالزم ة للنه وض باالقتص ادي‪ ،‬ويرج ع ه ذا‬
‫النقص ألسباب تتصل في النهاية بمقدار المعروض من رؤوس األم وال المس تثمرة ومق دار‬
‫الطلب عليها ‪.‬‬
‫ونتيجة لذلك تسعى الدول النامية إلى إبرام عقود استثمار مع المستثمرين األج انب‪ ،‬و خالف ا‬
‫التفاقيات تشجيع و حماية االس تثمارات ال تي تخض ع ألحك ام الق انون ال دولي الع ام و ال تي‬
‫تعت بر كمعاه دة‪ ،‬ف إن ه ذه العق ود ترتب ط ارتباط ا وثيق ا بخط ط التنمي ة االقتص ادية للدول ة‬
‫المضيفة لالس تثمار‪ ،‬فتح رص على مراقبته ا و ف رض بعض الش روط المتعلق ة بالمص لحة‬
‫العامة للمجتمع عليها‪.‬‬
‫و يشكل العقد‪ ،‬باعتب اره تواف ق إرادتين أو أك ثر على إح داث أث ر يرتب ه الق انون‪ ،‬أح د أهم‬
‫مصادر االلتزام‪ ،‬وهو التعبير القانوني إلجراء المعامالت سواء كانت على المستوى ال دولي‬
‫أو الداخلي‪.‬‬
‫يعت بر عق د االس تثمار ال دولي ثم رة التط ور الط بيعي ل دور الدول ة ووظائفه ا في العص ر‬
‫الحديث‪ ،‬حيث انتقلت وظيفة الدولة من الدولة الحارسة التي تحقق األمن والدفاع والعدل إلي‬
‫الدولة المتدخلة في كافة مج االت الحي اة االقتص ادية واالجتماعي ة والثقافي ة لتحقي ق رفاهي ة‬
‫المواطن‪ ،‬ومن ثم أصبحت عقود االستثمار هي األداة الفاعل ة في تحقي ق أه داف التنمي ة في‬
‫المجاالت المختلفة في دول العالم عامة والدول النامية خاصة ‪.‬‬
‫و تعتبر النظرية التأسيسية في القانون الدولي العام أن الدول ة تمث ل ف ردا من األف راد تتمت ع‬
‫باألهلية و لها أن تم ارس األعم ال القانوني ة و القض ائية المتص لة به ذه األهلي ة‪ ،‬و األهلي ة‬
‫المقصودة لممارسة األعمال القانونية هي أهلية التعاقد ‪.‬‬
‫و يخضع العقد الذي تبرمه الدولة في تكوينه للقواعد العامة للعقود حسب ما تنظمها النظرية‬
‫العامة للعقود في القانون الخاص ال تي تنص أن عناص ر العق د تتمث ل في األهلي ة‪ ،‬الرض ا‪،‬‬
‫المحل و السبب ‪.‬‬
‫و تتميز عقود أشخاص القانون الخاص بأنه يتم انعقادها بين أطـراف لهم إرادات متس اوية‪،‬‬
‫مما يجعل تطبيق القانون عليها ميسوراً‪ ،‬و على الجانب اآلخر فإن العقد الذي تبرم ه الدول ة‬
‫هو عقد يتم إبرامه بين الدولة وأشخاص آخرين ينتمون للقانون الخاص‪ ،‬والقاع دة أن للدول ة‬
‫هدف عام متفق عليه تسعى لتحقيقه‪ ،‬هو هدف الصالح العام‪ ،‬فـي حين أن المتعاقد معها ف رد‬
‫من أفراد القانون الخاص يسعى لتحقيق مصلحته الخاصة ‪ .‬ولما كان المنطق على أن يك ون‬
‫الصالح العام أفضل وأهم وأولى بالرعاية من الصالح الخاص‪ ،‬فقد ترتب على ذلك أن تكون‬
‫إرادة من يسعى لتحقيق الصالح العـام‪ ،‬أعلـى مـن إرادة الطرف الذي يسعى لتحقيق ص الحه‬
‫الخاص فقط ‪.‬‬
‫و لقد ترتب على ذلك أن صار العقد الذي تبرمه الدولة مخالف للقاع دة العام ة المس تقرة في‬
‫دائرة عالقات القانون الخـاص ‪ ،‬والتي تقرر المساواة المطلقة بين إرادات المتعاقدين‪ .‬وبه ذا‬
‫يقوم فـارق هـام وجوهري بين عقود القانون الخاص وعقود القانون العام ‪.‬‬
‫على أن الدولة ال تسير على مبدأ واحد‪ ،‬مفاده أن تكون فـي عقودهـا دائم ا ً ص احبة اإلرادة‬
‫العليا‪ ،‬وإنما تلجأ أحيان ا ً إلى قواع د الق انون الخـاص فـي تعاق داتها‪ ،‬متخلي ة عن امتي ازات‬
‫السلطة العامة التي يمنحها المشرع لها للقيـام على تحقيق الص الح الع ام‪ .‬ومن هن ا ص ارت‬
‫العقود التي تبرمها الدولة‪ ،‬دائرة بين نـوعين مـن التعاق دات‪ ،‬ن وع تتمس ك في ه بامتيازاته ا‪،‬‬
‫مما يجعل إراداتهـا أعلـى مـن إرادة المتعاق د معه ا‪ ،‬فيظه ر العق د في ش كل يخ الف شـكل‬
‫عقـود القـانون الخاص و متضمنا ً شروطا ً ال نظير لها في مج ال القـانون الخـاص‪ ،‬ول ذلك‬
‫يخضع هذا النوع من العقود‪ ،‬لنظام ق انوني يختل ف عن النظ ام الق انوني للعق ود في الق انون‬
‫الخ اص‪ .‬أم ا الن وع الث اني فيتمث ل‪ ،‬فيم ا تعق ده الدول ة من عق ود متخلي ة عن سـلطاتها‬
‫او لموق ع المتعاق د معهـا‪ ،‬وإرادتهـا مـساوية إلرادت ه‪،‬‬
‫وامتيازاته ا‪ ،‬فتك ون في موق ع مس ٍ‬
‫فيخضع العقد بالتالي في كل منازعاته لقواعد القانون الخاص‪.‬‬
‫إال أنه بتحليل النظام القانوني لعقود االستثمار نجده يحتل موقع وسط بين نوعي العقود ال تي‬
‫تبرمها الدولة‪ ،‬فال هي عقود تكون فيها إرادة الدولة أعلى من إرادة المستثمر‪ ،‬و الهي عقود‬
‫تتخلى فيها الدولة عن كامل سلطاتها و امتيازاتها لحساب الطرف الثاني ‪.‬‬
‫فالدولة في هذه العق ود تبقى هي ص احبة الخط ط و السياس ة العام ة للمش روع االس تثماري‬
‫حسب ما ت راه يتماش ى و نظامه ا االقتص ادي على أن حاج ة ال دول النامي ة لج ذب رؤوس‬
‫األموال األجنبية و تشجيع االستثمار يلزم هذه األخيرة على أن تضمن حقوق المس تثمرين و‬
‫مصلحتهم الخاصة و تتحمل التزامات قيامها بذلك ‪ ،‬و هذا ما يجع ل عق ود االس تثمار تتمت ع‬
‫بنظام قانوني خاص يختلف عن النظام القانوني للعقود التي تبرمها الدولة بصفة عامة و بقية‬
‫العقود الخاصة بصفة خاصة ‪.‬‬
‫و في هذا اإلطار حاولت الدولة التونسية عبر س نها للعدي د من الق وانين في م ادة االس تثمار‬
‫منذ االستقالل تحقيق أكثر ما يمكن من االستقرار لطرفي عقد االستثمار‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬الدولة كطرف في اإلستثمار على المستوى الوطني‬
‫يمثل االستثمار األجنبي رأس مال خارجي وافد إلى الدولة المضيفة لالستثمار ‪ ،‬ول ذلك فه و‬
‫يخضع للقواعد القانونية السارية فيها ‪.‬‬
‫وال شك في أن اإلجراءات التي تق وم به ا الدول ة تمث ل مظه را من مظ اهر س يادتها و حق ا‬
‫مشروعا من حقوقها القانونية ال يمكن إنكاره وهو م‪,,‬ا يع‪,,‬بر عن‪,,‬ه بامتي‪,,‬از الس‪,,‬يادة (الفق‪,,‬رة‬
‫األولى) ‪.‬كم ا أن لك ل دول ة ‪ ،‬أن تس ن و تطب ق الق وانين الالزم ة و المالئم ة لنظامه ا‬
‫االقتصادي (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬امتياز السيادة‬
‫تعتبر فكرة السيادة من المبادئ المتفق عليها في ميثاق األمم المتحدة و االتفاقيات الدولي ة‪ ،‬و‬
‫قد تم إقرار مبدأ السيادة ألول مرة ضمن معاهدة وستفاليا سنة ‪ ،1648‬فهذه المعاهدة أق رت‬
‫أن السيدة هي سلطة الدولة العليا و المطلقة على إقليمها‪ ،‬أي حق الدولة في ممارسة وظائفها‬
‫و صالحياتها و اختصاصاتها داخل اقليمها الوطني دون تدخل من أي دولة أخرى‪.‬‬
‫و ا ستقر رأي الفقه على أن لسيادة الدولة وجهين‪ ،‬السيادة الداخلية والسيادة الخارجية‪ .‬تعنى‬
‫السيادة الخارجية بتنظيم عالقاتها مع الدول األخ رى في ض وء أنظمته ا الداخلي ة‪ ،‬وحريته ا‬
‫في إدارة شؤونها الخارجية‪ ،‬وتحديد عالقاتها بغيرها من الدول وحريتها بالتعاق د معه ا‪ ،‬أم ا‬
‫الس يادة الداخلي ة ‪ ‬فتك ون ببس ط س لطانها على إقليمه ا ووالياته ا‪ ،‬وبس ط س لطانها على‬
‫األشخاص الذين يعيشون فيها ‪.‬‬
‫و يمثل االستثمار األجنبي رأس مال خارجي واف د إلى الدول ة المض يفة لالس تثمار ‪ ،‬ول ذلك‬
‫فهو يخضع للقواعد القانونية السارية فيها‪ ،‬وال شك في أن اإلجراءات التي تق وم به ا الدول ة‬
‫تجاه االستثمارات تمثل مظهرا من مظاهر سيادتها و حق ا مش روعا من حقوقه ا القانوني ة ال‬
‫يمكن إنكاره ‪.‬‬
‫فلكل دولة الح ق في تنظيم ملكي ة األج انب لألم وال و حيازته ا ‪ ،‬فيمكن أن تس مح لألجن بي‬
‫تملك أموال و إستثمارها بطريق قانوني في إقليمها ‪ .‬لكن ذل ك ال ي رتب للمس تثمر األجن بي‬
‫حقا مطلقا‪ ،‬فللدول ة أن تس تعمل من النظم و األدوات القانوني ة م ا يحق ق منفعته ا العام ة و‬
‫مصالحها الوطنية‪ .5‬و يع رف الق انون من ذ أق دم العص ور ص ورا مختلف ة لت دخل الدول ة في‬
‫تنظيم الملكية‪ ،‬و قد أطلق الفقهاء على جميع ص ور ت دخل الدول ة في ه ذا المج ال مص طلح‬
‫"نزع الملكية"‬
‫على الرغم من تقديس الملكية الفردية ووص فها بأنه ا ح ق ق انوني واجب االح ترام ‪ ،‬إال أن‬
‫التشريعات المختلفة و منذ القدم تعترف للدولة بالحق في نزع الملكية باعتباره يمث ل مظه را‬
‫من مظاهر سيادتها في أن تحدد الهيكل االقتصادي و االجتماعي الذي تختاره ‪.‬‬

‫‪ 5‬عصام الدين مصطفى بسيم ‪ ،‬النظام القانوني لالستثمارات االجنبية الخاصة في الدول النامية ‪ ،‬أطروحة دكتوراه ‪ ،‬كلية الحقوق جامعة عين‬
‫شمس ‪ ، 1975‬ص ‪244‬‬
‫و تختلف النظم القانونية التي يتم بمقتضاها نزع الملكي ة ‪ ،‬ت أميم أو مص ادرة أو إن تزاع من‬
‫أجل المصلحة العمومية ‪.‬‬
‫التأميم هو إجراء يتم بموجبه نقل الملكية من ملكية خاص ة إلى ملكي ة عام ة بواس طة ق انون‬
‫يصدر عن السلطات العامة المختصة بقصد تحقيق مص الح إجتماعي ة‪ ،‬و االن تزاع من أج ل‬
‫المصلحة العامة ه و إج راء إس تثنائي ي رد على العق ار عموم ا و ال يج وز اللج وء إلي ه إال‬
‫بصدور قانون و بشرط أن يتم ذلك لتحقيق المصلحة العام ة م ع دف ع تع ويض ع ادل لمال ك‬
‫العق ار‪ ،‬أم ا المص ادرة فهي عقوب ة توق ع على ش خص أو أش خاص معي نين ‪ ،‬و بمقتض اها‬
‫تستولي الدولة على كل أو بعض األموال المملوكة لهؤالء األشخاص دون أداء أي تعويض‪.‬‬
‫و تكون المصادرة إما قضائية أو تشريعية ‪.‬‬
‫بالنسبة لتونس‪ ،‬فقد اعتمدت آلية التأميم في فترة ما بعد االستقالل‪ ،‬و قامت باسترجاع العديد‬
‫من ممتلكات األجانب‪ .‬أما اإلنتزاع من أجل المصلحة العمومية فهو منظم بالقانون ع دد ‪53‬‬
‫لس نة ‪ 2016‬الم ؤرخ في ‪ 11‬جويلي ة ‪ 2016‬و المتعل ق ب االنتزاع من اج ل المص لحة‬
‫العمومية‪ ،‬الذي يسري على الوطنيين و األجانب دون تمييز و يتناول أم والهم و مص الحهم‬
‫المالية و االقتصادية الموجودة في إقليم الدولة‪ .‬و بالنسبة للمصادرة فهي التي تسلط بمقتضى‬
‫حكم قضائي نظمها المشرع بالمجلة الجزائي ة ‪ ،‬إذ نص عليه ا ص لب الفص ل ‪ 5‬من المجل ة‬
‫كعقوبة تكميلية ‪.‬‬
‫و يعت بر الت أميم أهم آلي ة ل دى الدول ة إلن تزاع ملكي ة االس تثمار من المس تثمر االجن بي‪ ،‬إذ‬
‫يؤسس الفق ه ال دولي مش روعية الت أميم و ح ق ممارس ته في الق انون ال دولي على ق رارات‬
‫الجمعية العام ة لالمم المتح دة ال تي تؤك د ع ل ح ق ال دول و الش عوب في تقري ر مص يرها‬
‫االقتصادي و حقها في سيادتها الدائمة على موارد ثرواتها الطبيعية ‪.‬‬
‫وقد وجدت تلك القرارات ص دى واس عا من الناحي ة السياس ية و القانوني ة و اس تندت عليه ا‬
‫الدول في صراعها مع الشركات االجنبية ‪ .‬و من بين تل ك الق رارات ‪ ،‬الق رار ع دد ‪1803‬‬
‫الص ادر في ‪ 14‬ديس مبر ‪ 1962‬ال ذي نص على أن "الت أميم او االس تيالء ينبغي ان يقوم ا‬
‫على أسس أو أسباب تخص النفع العام أو األمن أو المصلحة الوطنية ‪ ،‬و هي المع ترف به ا‬
‫بأنه تتقدم على المصالح الفردية او الخاصة البحتة ‪ ،‬المحلية و االجنبية معا ‪ .‬وفي مثل ه ذه‬
‫الحاالت يدفع المالك تعويض مناسب بموجب القواعد النافذة في الدولة ال تي تتخ ذ مث ل ه ذه‬
‫االجراءات في ممارستها لسيادتها وف ق الق انون ال دولي ‪ .‬و على اي ة ح ال ‪ ،‬فعن دما ت ؤدي‬
‫مسالة التعويض الى خالف ‪ ،‬يجري استنفاذ االختصاص الوط ني للدول ة ال تي اتخ ذت مث ل‬
‫‪6‬‬
‫تلك االجراءات هذا‪"...‬‬

‫‪ 6‬احمد عبد الرزاق خليفة السعيدان ‪ ،‬القانون و السيادة و امتيازات النفط مقارنة مع الشريعة االسالمية ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬الطبعة‬
‫االولى ‪ ، 1998‬ص ‪151-150‬‬
‫و بالرغم من وضوح فقه القضاء الدولي الذي ك رس مش روعية الت أميم بص فته حق ا س ياديا‬
‫للدول المضيفة لالستثمار إال أن ه يتج ه التس اؤل ح ول م دى إطالق ه ذا المب دأ و هن ا ي أتي‬
‫الحديث عن االلتزام بعدم التأميم ‪.‬‬
‫لم يقع إدراج ه ذا االل تزام في أي ق انون متعل ق باالس تثمار ‪ ،‬فت ونس ال تل تزم مب دئيا بع دم‬
‫التأميم من تلقاء نفسها بل البد أن يقع االتفاق على ذلك في إتفاقية ثنائية مع دولة المس تثمر ‪،‬‬
‫من ذلك ما ورد بالمادة ‪ 2‬من االتفاقية التونسية األلمانية المتعلقة بتشجيع و حماية االستثمار‬
‫" عدم تعرض رؤوس األموال المستثمرة في أي من البلدان للتأميم او المصادرة"‬
‫و قد قامت الكثير من النظريات بالربط بين سيادة الدولة و االلتزام بعدم الت أميم باعتب ار أن ه‬
‫ال يمكن قب ول تخلي الدول ة عن ج زء من حقوقه ا لص الح المس تثمر االجن بي مهم ا ك انت‬
‫األسباب و الدوافع ‪ ،‬كما لقي هذا االلتزام معارضة من قبل بعض الدول على أساس مخالفته‬
‫للقواعد اآلمرة في القانون الدولي العام ‪.‬‬
‫من المتفق عليه في القانون الدولي كذلك‪ ،‬بأن لكل دولة ذات سيادة الح ق في أن تف رض م ا‬
‫تشاء من ضرائب أو رسوم على األشخاص أو األموال الموجودة في إقليمه ا ‪ .‬و الدول ة في‬
‫الواقع تملك سلطات واس عة على األج انب ال ذين يقيم ون في إقليمه ا و ممتلك اتهم ‪ ،‬و يمكن‬
‫إنطالقا من سيادتها االقليمية أن تلزمهم بدفع الضرائب و األعباء ‪.‬‬
‫و يؤسس البعض من الفقه اء إلى أن خض وع المس تثمر األجن بي للض ريبة في الدول ة ال تي‬
‫يزاول النشاط االستثماري فيها إنما يعد مقابال لما توفره له تل ك الدول ة من الحماي ة و األمن‬
‫و الطمأنينة‪ . 7‬بينما يذهب جانب آخر إلى أن إلتزام األجن بي ب دفع الض رائب ال تي تفرض ها‬
‫الدولة يرجع في الواق ع إلى أن خض وع الف رد للض ريبة ال يق وم على فك رة تبعيت ه له ا من‬
‫الناحية السياسية بقدر ما يقوم على تبعيته له ا من الناحي ة االقتص ادية‪ ، 8‬بمع نى أن االل تزام‬
‫بأداء الضريبة ال يستند إلى جنس ية الش خص ب ل إلى إقامت ه في الدول ة أو إمتالك ه لم ال أو‬
‫قيامه بعمل فيها ‪.‬‬
‫و تمتلك الدولة المضيفة لالستثمار مبدئيا حرية واس عة في ف رض الض رائب المختلف ة على‬
‫األجانب الذين يمارس ون نش اطا إس تثماريا في إقليمه ا ‪ ،‬إذ يمكنه ا أن تف رض عليهم أعب اء‬
‫مالية تفوق تلك المفروضة على الوطنيين ‪.‬‬
‫اعتمدت الدولة التونسية منذ البداية سياسة تشجيعية لالستثمار و ك انت في ك ل م رة تح اول‬
‫أيج اد اآللي ات و الوس ائل المناس بة الس تقطاب االس تثمار األجن بي‪ ،‬فالض مانات القانوني ة‬
‫لالستثمار مازالت تمثل المحور الرئيسي الذي تدور من حوله جميع تش ريعات االس تثمار و‬
‫االتفاقيات الدولية المبرمة في هذا الصدد ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫أحمد مسلم ‪ ،‬القانون الدولي الخاص ‪ :‬في الجنسية ‪ ،‬و مراكز األجانب ‪ ،‬و تنازع القوانين (القاهرة ‪ ،‬دار النهضة المصرية ‪ ، )1954‬ص ‪320‬‬
‫‪8‬‬
‫فؤاد عبد المنعم رياض ‪ ،‬مبادئ القانون الدولي الخاص ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ، 1969‬ج ‪ ، 1‬ص ‪375‬‬
‫و حاولت ت ونس وض ع الحل ول القانوني ة المناس بة لع دم عرقل ة االس تثمار من ذل ك تبس يط‬
‫إج راءات إنج از المش روعات‪ ،‬إتاح ة ملكي ة األج انب لألراض ي الفالحي ة و التخفي ف من‬
‫العبء الض ريبي ال ذي يف رض على االس تثمار‪ .‬ك ل ذل ك في إط ار السياس ة التحرري ة‬
‫االقتصادية التي انتهجتها منذ االستقالل ‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬حق اختيار النظام االقتصادي المالئم‬
‫تختلف تشريعات االستثمار من دولة إلى أخرى باختالف عدة عوامل عادة ما تحدد توجهات‬
‫المشرع في هذه الدولة أو تلك في صياغة التشريع المنظم لالستثمار‪ ،‬ومن أهم هذه العوام ل‬
‫الظ روف االقتص ادية الس ائدة‪ ،‬مث ل م دى احتي اج الدول ة المض يفة ل رؤوس األم وال أو‬
‫التكنولوجي ا وم دى حاجته ا للم واد الطبيعي ة وم دى توف ير الي د العامل ة الوطني ة وحاجته ا‬
‫لتشغيلها ‪ ،‬وحجم السوق المحلي وم دى إس تعابه لمنتوج ات المش اريع االس تثمارية والق درة‬
‫الفنية والمالية واللوجستية لتصدير تلك المنتوجات ‪ ،‬يضاف إلى ذلك كله الظروف السياس ية‬
‫السائدة في الدولة والتي عادة ما تحدد السياسات االقتصادية التي تنعكس بالضرورة على م ا‬
‫يتبناه المشرع‪.‬‬
‫و يعتبر موضوع تدخل الدولة في النشاط االقتصادي من المواضيع ال تي تناوله ا المفك رون‬
‫االقتصاديون منذ القدم إلى غاية اليوم‪ ،‬فالدولة تحتل مكانة في المجتم ع باعتباره ا الم دبر و‬
‫المنظم لش ؤونه و تغلغ ل أجهزته ا في ش تى مج االت الحي اة السياس ية و االقتص ادية و‬
‫االجتماعية‪ ،‬و لقد أصبح واض حا ب أن للدول ة دورا كب يرا في قي ادة و توجي ه االقتص اد بم ا‬
‫يحقق األهداف التنموية ‪.‬‬
‫و اختلفت صور و حاالت هذا التدخل من دولة إلى أخ رى من حقب ة زمني ة ألخ رى و ذل ك‬
‫نظ را للمس تجدات ال تي تط رأ على الس احة الدولي ة من المتغ يرات الفكري ة و الوق ائع‬
‫االقتصادية‪ ،‬فالدولة ال يمكنها أن تكون حيادي ة ح تى ل و اجته دت في ذل ك‪ ،‬فهي تلعب دورا‬
‫محوريا حتى في أكثر النظم الرأسمالية‪ ،‬إذ يتطلب التطور االقتص ادي و االجتم اعي للدول ة‬
‫ق رارات اس تثمارية على درج ة كب يرة من األهمي ة و الض خامة و الخط ورة ال يمكن أن‬
‫يتحملها القطاع الخاص بناء الطرق العامة‪ ،‬حفظ األمن‪ ،‬تحقيق العدالة‪...‬‬
‫تحتل البالد التونسية الرتبة الثانية بعد ألمانيا من حيث األقدمي ة في إب رام االتفاقي ات خاص ة‬
‫الثنائي ة (أول إتفاقي ة أمض تها الجمهوري ة الفيدرالي ة االلماني ة م ع الباكس تان في‬
‫‪ ،)25/12/1959‬فقد أمضت يوم ‪ 2/12/1961‬أول إتفاقي ة في مج ال االس تثمار و ك ان‬
‫ذل ك في "ب ارن " م ع سويس را و ك ان موض وعها "حماي ة و تش جيع إس تثمارات رؤوس‬
‫األموال" ‪ ،9‬ثم صدرت مجلة االستثمارات و ذل ك بمقتض ى الق انون ع دد ‪ 35‬لس نة ‪1969‬‬
‫المؤرخ في ‪ 26‬جوان ‪. 1969‬‬

‫‪ 9‬بمقتضى القانون عدد ‪ 63-39‬بتاريخ ‪ ، 4/11/1963‬انظر الرائد الرسمي للجمهورية التونسية ‪ ،‬العدد ‪ 12-8 ، 53‬نوفمبر ‪1963‬‬
‫و انتهجت تونس منذ سنة ‪ 1986‬سياسة إقتصادية تحررية تنفيذا لبرنامج االص الح الهيكلي‬
‫لالقتصاد ‪ ،‬فتت الت الق وانين المع برة عن ه ذا الخي ار ‪ .‬و تمثلت أولى الخط وات الهام ة في‬
‫إصدار مجلة الضريبة على دخل األشخاص الطبيعيين و الض ريبة على الش ركات بمقتض ى‬
‫الق انون ع دد ‪ 114‬لس نة ‪ 1989‬الم ؤرخ في ‪ 30‬ديس مبر ‪ 1989‬ال تي بموجبه ا أعطت‬
‫الدولة للجباية مكانة هامة و دورا بارزا في تحقيق التنمية االقتصادية و تشجيع المستثمرين‪.‬‬
‫ثم أصدر المش رع الق انون ع دد ‪ 64‬الم ؤرخ في ‪ 29‬جويلي ة ‪ 1991‬المتعل ق بالمنافس ة و‬
‫األسعار و ذلك في إطار السير باالقتصاد الوطني نحو نظام اقتصاد السوق ‪ ،‬و هو م ا تأك د‬
‫بصدور مجلة تشجيع االستثمارات و ذلك بموجب القانون عدد ‪ 120‬لس نة ‪ 1993‬الم ؤرخ‬
‫في ‪ 27‬ديس مبر ‪ 1993‬ال تي جمعت مختل ف النص وص القانوني ة المتعلق ة باالس تثمار في‬
‫مجلة واحدة سهلة الفهم و اإلدراك‪.10‬‬
‫و بقي نسق إبرام هذه االتفاقيات يشهد ارتفاعا مستمرا حيث أبرمت ت ونس اتفاقي ات ش راكة‬
‫مع الغالبية العظمى من الدول المصدرة ل رؤوس االم وال و المنتمي ة لعدي د المن اطق اهمه ا‬
‫المناطق العربية و االوروبية المتوسطية ‪.‬‬
‫ثم‪ ،‬وفي ‪ ،2016‬و بعد تغير النظام السياس ي في ت ونس من ذ ث ورة ‪ ،2011‬ص در الق انون‬
‫عدد ‪ 71‬لسنة ‪ 2016‬المؤرخ في ‪ 30‬سبتمبر ‪ 2016‬و المتعل ق باالس تثمار ال ذي ح رص‬
‫على تحسين االستثمار و دفع مناخ األعمال‪ ،‬كما قام هذا القانون بإحداث هيئات جدي دة مث ل‬
‫المجلس األعلى لالس تثمار ال ذي يض بط سياس ة و اس تراتيجية و ب رامج الدول ة في مج ال‬
‫االستثمار ‪( .‬اين القانون الجديد عدد ‪ 47‬لسنة ‪) 2019‬؟؟؟؟؟‬
‫و تعت بر ت ونس من أهم البل دان ال تي أرس ت سياس ة تش ريعية مكنته ا من تك وين ش بكة من‬
‫العالقات اإلتفاقية في ميدان االستثمار الخارجي تتميز بكونها سلسة و متنوعة و ثرية ش كال‬
‫و موضوعا‪.‬‬
‫إن أغلب روابط االستثمار بطبيعتها ذات آجال طويلة إال أن هناك رواب ط اس تثمار ليس له ا‬
‫آجال طويلة‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لالستثمارات في البورصة التي تكون فوري ة أو مؤقت ة‪،‬‬
‫كما أنها تكون ذات صلة وثيقة بكيان الدول ة المض يفة س واء بطريق ة مباش رة عن دما يتعل ق‬
‫األمر باستغالل الثروات الطبيعية للبالد أو بطريقة غير مباشرة من خالل الت أثير في خط ط‬
‫التنمية االقتصادية للبالد‪ ،‬مما يجعل للدولة كطرف في هذه الروابط ص الحيات و امتي ازات‬
‫واسعة‪.11‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬األساس الموضوعي‪ ,‬للحماية‬

‫‪ 10‬نادر قيدارة ‪ ،‬دور القاضي في حماية االستثمار ‪ ،‬ملتقى حول اليات حماية االستثمار بكلسة الحقوق و العلوم السياسية بسوسة‪ ، 2006 ،‬ص‬
‫‪273‬‬
‫‪ 11‬لما احمد كوجان‪،‬التحكيم في عقود االستثمار بين الدولة و المستثمر االجنبي وفقا الحكام المركز الدولي لتسوية منازعات االستثمار في‬
‫واشنطن‪ ،‬منشورات زين الحقوقية‪ ،‬بيروت ‪ ،2008‬ص ‪75-74‬‬
‫قد يبدو للبعض أن الدولة تمثل الطرف األقوى و المهيمن في عقد االستثمار ‪ ،‬إال أنه واقعي ا‬
‫فاألمر على العكس من ذلك ‪ ،‬لهذا نتح دث عن حماي ة الدول ة من تعس ف المس تثمر خاص ة‬
‫األجنبي الذي يكون في العادة شركات متعددة الجنسية ‪.‬‬
‫و هذه الحماية تفترضها خصوصية مفهوم الدولة المتعاقدة مع المستثمر باعتبارها تنتمي إلى‬
‫نظام قانوني مختلف عنه (المبحث األول) ‪.‬‬
‫و بخالف الخصوصية التي يتمتع بها طرفا العق د ‪ ،‬ف إن عق د االس تثمار ب دوره يتم يز بع دة‬
‫خصوصيات جعلته مح ل ج دل فقهي دولي خاص ة ح ول مس ألة طبيعت ه القانوني ة (المبحث‬
‫الثاني) ‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬خصوصية الدولة الطرف في عقد االستثمار‬
‫تقوم عقود االستثمار كبقية العقود األخرى عن د ت وفر الش روط العام ة من أهلي ة و رض ا و‬
‫محل و سبب ‪ ،‬لكنها تتميز بخصوصية من حيث أطرافها إذ تجم ع بين ط رفين مختلفين من‬
‫حيث الطبيعة ‪ ،‬الدولة كشخص من أشخاص القانون العام و المستثمر كشخص من أشخاص‬
‫القانون الخاص ‪.‬‬
‫فتحديد ماهية الدولة و ما يدخل تحت وصف الدول ة من األش خاص المعنوي ة العام ة يتطلب‬
‫معرفة مدى تبعي ة أو إس تقاللية تل ك األش خاص عن س لطة اتخ اذ الق رار في الدولة(الفق‪,,‬رة‬
‫األولى)‪.‬‬
‫كما أن تحقيق التوازن بين ط رفي عق د االس تثمار المنتم يين إلى نظ امين ق انونيين مختلفين‬
‫يتطلب تحليل حقوق وواجبات كل طرف منهما(الفقرة الثانية)‪. ,‬‬
‫الفقرة االولى ‪ :‬صفة الدولة كمستثمر‬
‫اختلفت التعاريف المقدمة للدولة و تعددت إال أن أغلب هذه التعاريف أجمعت تقريبا على أن‬
‫وجود الدولة يفترض إجتماع ثالثة عناصر مادية وهي الشعب و اإلقليم و سلطة تكفل القي ام‬
‫بوظائف الدولة في النظام الداخلي و على المستوى ال دولي‪ ، 12‬و عنص ر ق انوني يتمث ل في‬
‫صدور إعتراف دولي بوجود الدولة‪. 13‬‬
‫و الدولة التي تثبت لها الشخصية الدولية بعناصرها السابقة هي الدولة التامة الس يادة ‪ ،‬ال تي‬
‫ال تخضع لسلطة أي دولة أخرى خارجية ‪.‬‬
‫فالدول ة إذا هي الش خص الق انوني الط بيعي في المجتم ع ال دولي ‪ ،‬أي أن له ا أهلي ة التمت ع‬
‫بالحقوق و تحمل االلتزامات ‪ ،‬كما تمل ك س لطة التعب يرعن إرادة ذاتي ة في إط ار العالق ات‬
‫الدولية ‪ .‬و في هذا اإلط ار يمكن أن ت برم الدول ة عق ود إس تثمار م ع المس تثمرين األج انب‬
‫بحسب حاجتها إلى تنفيذ خططها االقتصادية ‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪Paul Reuter , Les indtitutions Internationales , 6éd.Thémis , Paris 1967 , p 105 et ss‬‬
‫‪13‬‬
‫محمد حافظ غانم ‪ ،‬مبادئ القانون الدولي العام ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ، 1967 ،‬ص ‪ 235‬و ما بعدها‬
‫و عندما تبرم الدولة هذه العقود غالبا ما تبرمها بطرق مباش رة عن طري ق رئيس الدول ة أو‬
‫رئيس الحكومة أو أحد الوزراء ‪ ،‬كما يمكن أن تبرمها بطريقة غير مباشرة عن طري ق قي ام‬
‫أحد المؤسسات أو الهيئات التابعة لها بإبرامها‪. 14‬‬
‫و من المتفق عليه أنه في حالة قيام الدولة بابرام عقود االس تثمار بش كل مباش ر عن طري ق‬
‫الحكومة ‪ ،‬التي تتخذ القرارت الالزمة للنهوض باالستثمار و تحسين مناخ أعمال االس تثمار‬
‫فان هذا األمر ال يثير أي صعوبة ‪ ،‬حيث أن الدول ة بوص فها ش خص من أش خاص الق انون‬
‫الدولي العام لها الحق أن تبرم هذه العقود ‪.‬‬
‫تثار الصعوبة عن دما يك ون الط رف ال ذي أب رم عق د االس تثمار مؤسس ة أو هيئ ة عام ة أو‬
‫جماعة محلية تتمتع بالشخصية القانونية و ذمة مالية مستقلة عن الدولة لكن في عالقة تبعي ة‬
‫مع الدولة في نفس الوقت ‪ ،‬فهل تعتبر الدولة طرفا في عقد االستثمار في هذه الحالة ‪.‬‬
‫بالعودة للفقه و فقه القضاء نجد معيارين أساسيين يمكن الرجوع لهما لتحديد آثار العقد على‬
‫الدولة و هما المعيار القانوني و المعيار االقتصادي ‪.‬‬
‫*المعيار القانوني‬
‫يعتمد هذا المعيار على عملية التوقيع الم ادي للعق د و االس تقاللية القانوني ة ال تي تتمت ع به ا‬
‫المؤسسة التي قامت بتوقيع العقد‪ ،15‬و التي يجب أن تتحمل المسؤلية كاملة و ال دخل للدول ة‬
‫في هذا العقد بما أن هذه المؤسسة تتمتع بذمة مالية و شخصية قانونية مستقلة عن الدولة ‪.‬‬
‫و ق د تم األخ ذ به ذا المعي ار في قض ية هض بة االه رام ‪ ،‬حيث قض ت محكم ة االس تئناف‬
‫بباريس في ‪ 12/7/1984‬بابطال الحكم التحكيمي الذي أدان الدول ة المص رية إذ أن توقي ع‬
‫الهيئ ة العام ة للس ياحة و الفن ادق (ايج وت) ل بروتوكول نواي ا م ع ش ركة ممتلك ات جن وب‬
‫الباسيفيك ‪ S.P.P‬و شركة جنوب الباسيفيك للشرق االوسط ‪ S.P.P.M.E‬ال يل زم الدول ة‬
‫المصرية‪. 16‬‬
‫*المعيار االقتصادي‬
‫يستند هذا المعيارعلى تأثير األبعاد االقتصادية و االجتماعية و السياسية ال تي ته دف الدول ة‬
‫إلى تحقيقها جراء العقود التي تبرمها الهيئات و المؤسسات التابعة له ا ‪ ،‬أي أن مج رد تمت ع‬
‫الهيئات و المؤسسات العمومية بالشخصية القانونية يجب أن ال يحول دون القول بأنها تمث ل‬
‫الدول ة على المس توى الق انوني بم ا أن المؤسس ات العمومي ة ذات الص بغة االداري ة و‬
‫الجماع ات المحلي ة ال تي أب رمت العق د ووقعت علي ه مادي ا تق وم بتط بيق و تنفي ذ سياس ات‬

‫‪ 14‬رمضان علي عبد الكريم دسوقي عامر ‪ ،‬الحماية القانونية لالستثمارات االجنبية المباشرة‪ ،‬و دور التحكيم في تسوية المنازعات الخاصة بها ‪،‬‬
‫الطبعة االولى ‪ ، 2011‬دار النشر الحلبي ‪ ،‬ص ‪102‬‬
‫‪ 15‬سالمة فارس عزب ‪ ،‬وسائل معالجة اختالل توازن العالقات العقدية في قانون التجارة الدولية ‪ ،‬رسالة دكتوراه ‪ ،‬كلية الحقوق ‪ ،‬جامعة المنوفية‬
‫مصر ‪ ، 1998 ،‬ص ‪99‬‬
‫‪ 16‬ابراهيم محمد العناني ‪ ،‬اللجوء الى التحكيم الدولي ‪ ،‬الطبعة االولى ‪ ،‬دار الفكر العربي ‪ ، 1984 ،‬ص ‪35‬‬
‫مرسومة من قبل الدولة التي تنتمي اليها و تمثل مصالحها العام ة االقتص ادية و االجتماعي ة‬
‫و السياسية على الرغم من تمتعها باالستقاللية القانونية‪. 17‬‬
‫و قد أخذ المشرع التونسي بهذا المعيار‪ ،‬كما تبناه المركز الدولي لتسوية نزاعات االس تثمار‬
‫في قضية ‪ Emilio Agustin Maffezini‬ضد اسبانيا سنة ‪ 1997‬عندما تمسكت دول ة‬
‫إسبانيا بعدم إختصاص المركز ألن النزاع لم يكن بين المس تثمر ‪ Maffezini‬و إس بانيا ب ل‬
‫نشأ بين المستثمر و شركة ‪ Sodiga‬فقضت هيئة التحكيم ب أن تحدي د تبعي ة الجه از للدول ة‬
‫‪18‬‬
‫يكون من خالل معيارين احدهما عضوي و اآلخر وظيفي‪.‬‬
‫تبرم إذا الدولة في مجال التجارة الدولية بصفة عام ة و في مج ال االس تثمار بص فة خاص ة‬
‫عقودا بصفة غير مباشرة و ذلك عن طريق أحد الهيئات العمومي ة أو المؤسس ات العمومي ة‬
‫أو الجماعات المحلية ‪.‬‬
‫السلط العمومية أو الهيئة العمومية هي شخص معنوي من أشخاص القانون العام تعمل بإس م‬
‫و لحساب الدولة في إطار مرفق ع ام ‪ ،‬فالهيئ ة العمومي ة من خالل ه ذا التعري ف ال تش مل‬
‫فقط الهيئ ات المحلي ة ب ل تش مل ك ل ش خص معن وي لتحت وي إذا المؤسس ات ذات الص بغة‬
‫االدارية و المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية و التجارية‪.19‬‬
‫نالح ظ هن ا أن ه يجب التفري ق بين المؤسس ات العمومي ة و المنش آت العمومي ة إذ أن ه ذه‬
‫األخيرة ليست شخصا عموميا ‪ ،‬فيمكن ان تك ون ش ركة تجاري ة ‪ .‬و بالت الي فهي ال تعت بر‬
‫هيئة عمومية إال متى تم تكوينها في شكل مؤسسة عمومية و تسمى حينئ ذ مؤسس ة عمومي ة‬
‫ذات صبغة صناعية و تجارية‪ 20‬مثل الشركة التونسية للكهرباء و الغاز و الش ركة التونس ية‬
‫للسكك الحديدية ‪...‬‬
‫أما بالنسبة للمؤسسات العمومية ‪ ،‬فيتفق القانون و الفقه على وجوب ت وفر خص ائص معين ة‬
‫كي تكيف مؤسسة ما على أنها مؤسسة عمومية ‪ ،‬إذ يجب أن تتمتع بالشخصية المعنوية بم ا‬
‫يمكنها من إكتساب بعض االستقاللية و ذمة مالية مستقلة و أن تضطلع بتسيير مرفق ع ام و‬
‫يحق لها القيام بصفقات عمومية ‪.‬‬
‫و تنقس م المؤسس ات العمومي ة إلى مؤسس ات عمومي ة إداري ة و مؤسس ات عمومي ة غ ير‬
‫إدارية‪ ،‬و العقود التي تبرمها المؤسسات العمومية ذات الصبغة االداري ة تكي ف مب دئيا على‬
‫أنها عقود إدارية و ترجع بالنظر الى االختصاص المطلق للمحكمة االداري ة و ه و م ا أك ده‬
‫فقه قضاء هذه المحكمة ‪ ،‬فاختصاص ها ت برره ص بغة العق د بم ا أن موض وعه يمث ل إنج از‬
‫عمومي فهو عقد إداري باألساس‪. 21‬‬
‫‪ 17‬رمضان علي عبد الكريم دسوقي عامر ‪ ،‬الحماية القانونية لالستثمارات االجنبية المباشرة و دور التحكيم في تسوية المنازعات الخاصة بها ‪،‬‬
‫الطبعة االولى ‪ 2011 ،‬دار النشر الحلبي ‪ ،‬ص ‪102‬‬
‫‪18‬‬
‫‪Omar E.Garcia-Bolivar , Special Rpecial Report on ICSID . Jurisdiction‬‬
‫‪19‬‬
‫‪Ouerfelli Ahmed , L’arbitrage dans la jurisprudence tunisienne , éd.Latrach 2010 , p 118‬‬
‫‪ 20‬محمد بن عبد الغفار ‪" ،‬التحكيم و المؤسسات العمومية ‪ ،‬منشورات في التحكيم في ظل العولمة" ‪ ،‬ملتقى وطني بالمعهد االعلى للقضاء ‪ ،‬تونس‬
‫في ‪ 24‬افريل ‪ ، 1998‬ص ‪13‬‬
‫‪ 21‬قرار استئنافي صادر عن المحكمة االدارية عدد ‪ 1082‬بتاريخ ‪ 1‬فيفري ‪1993‬‬
‫أم ا الجماع ات المحلي ة فق د عرفه ا المش رع التونس ي ص لب أحك ام الفص ل ‪ 2‬من مجل ة‬
‫الجماعات المحلية بأنها "ذوات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية و االس تقاللية االداري ة و‬
‫المالية تتكون من بلديات و جهات و أقاليم يغطي كل صنف منها كام ل ت راب الجمهوري ة و‬
‫للقانون أن يحدث اصنافا خصوصية من الجماعات المحلية"‪.‬‬
‫و بوجه عام يمكن القول بأن أشخاص القانون العام االعتبارية تشمل الدولة و ك ذلك األقس ام‬
‫االدارية و السياسية التابعة لها ‪ ،‬فتقوم هذه الكيانات القانونية ضمن إختصاصها بإبرام عقود‬
‫إستثمار و ذلك لتنفيذ بعض جوانب خطة التنمية االقتصادية للدولة ‪ ،‬و في هاته الحالة تعه د‬
‫الدولة إلى هذه الهيئات االعتبارية بتنفيذ خططها التنموية فتتمتع بشخصية قانونية مستقلة في‬
‫إبرام العقود التي تتطلبها إدارة هذا المرف ق الحي وي و يقتص ر دور الدول ة هن ا على وض ع‬
‫‪22‬‬
‫الخطط و السياسة العامة ‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬إنتماء الدولة إلى نظام قانوني مختلف عن المستثمر‬
‫القانون الجديد‬
‫عرف المشرع التونسي المستثمر صلب الفصل الثالث من قانون ‪ 2016‬المتعلق باالستثمار‬
‫بكونه "كل شخص طبيعي أو معنوي ‪ ،‬مقيم أو غير مقيم ينجز استثمارا "‬
‫كما عرفته اتفاقية االستثمار المتعددة االطراف ‪ MAI‬الذي اعدته منظمة التعاون االقتصادي‬
‫و التنمي ة ‪ OECD‬بان ه "ليس فق ط ه و المتمت ع بجنس ية دول ة متعاق دة و لكن ه ايض ا من‬
‫المقيمين بصفة قانونية دائمة على اراضي دولة موقعة و هو أي شخص حقيقي أو إعتب اري‬
‫حتى و إن كان النشاط الذي يقوم به ليس ألغراض الربح"‬
‫عموما ‪ ،‬فالمستثمر الطرف الثاني في عقد االستثمار عادة ما يكون إحدى الشركات األجنبية‬
‫لكن هذا ال يمنع من أن يكون المستثمر شخص طبيعي مواطن في الدولة المضيفة لالستثمار‬
‫أو أجنبي عنها ‪ .‬و بالفعل نج د المش رع التونس ي في ق انون ‪ 2016‬لالس تثمار يتح دث عن‬
‫المستثمر التونسي و المستثمر األجنبي ‪.‬‬
‫يمكن للدولة المصدرة لرأس المال أن تكون طرف ثاني في عقد االستثمار سواء كانت طرفا‬
‫أصليا أو أحد الهيئات التابعة لها ‪ ،‬فال شيء يمنع من ذل ك منطقي ا ‪ ،‬و ذل ك ب الرجوع لمب دأ‬
‫السيادة الذي يخول للدولة المصدرة لرأس المال أن تبرم عق ودا ك ذلك‪ . 23‬و م ا يؤك ده الفق ه‬
‫أن هذا األمر ال يثير إشكال باعتبار أن طرفي العقد ينتميان لنفس النظام القانوني ‪.‬‬
‫بالعودة للفص ل الث الث الم ذكور س ابقا ‪ ،‬نج د أن المش رع التونس ي يعتم د معي ارين لتحدي د‬
‫طبيعة المستثمر وهما معيار اإلقامة و معيار الجنسية‬
‫*معيار الجنسية‬
‫‪ 22‬فؤاد محمد محمد ابو طالب ‪ ،‬التحكيم الدولي في منازعات االستثمار االجنبية وفقا الحكام القانون الدولي العام ‪ ،‬دار الفكر الجامعي ‪ 30‬شارع‬
‫سوتير االسكندرية ت‪ 4843132 :‬ص ‪85‬‬
‫‪ 23‬رمضان علي عبد الكريم دسوقي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪105‬‬
‫بالنسبة لألشخاص الطبيعيين ‪ ،‬فقد خص الق انون التونس ي الجنس ية بمجل ة كامل ة هي مجل ة‬
‫الجنس ية م يز من خالله ا بين المواط نين و األج انب ‪ .‬و التفرق ة بين المس تثمر التونس ي و‬
‫المستثمر األجنبي ت برز خاص ة في مس ألة التحكيم فالفص ل ‪ 24‬من ق انون االس تثمار لس نة‬
‫‪ 2016‬يسمح للمستثمر األجنبي باللجوء إلى التحكيم و ذل ك على عكس المس تثمر التونس ي‬
‫الذي قيده المش رع بوج وب ع رض ال نزاع على المص الحة أوال ‪ ،‬ف ان تع ذرت المص الحة‬
‫يمكن له اللجوء للتحكيم الدولي إذا كان لالستثمار صبغة دولية ‪.‬‬
‫بالنسبة للشخص المعنوي المسألة تمثل بعض الصعوبة ‪ ،‬حاول المش رع التونس ي حله ا من‬
‫خالل المرسوم عدد ‪ 14‬لسنة ‪ 1961‬الم ؤرخ في ‪ 30‬أوت ‪ 1961‬المتعل ق ببي ان ش روط‬
‫مباشرة بعض أنواع من النشاط التجاري الذي إعتم د ع دة مع ايير لتحدي د جنس ية الش خص‬
‫المعنوي (المقر ‪ ،‬ملكية رأس المال ‪ ،‬إقامة المدير العام ‪. )...‬‬
‫*معيار االقامة‬
‫تعد مسألة االقامة جوهرية في قوانين االستثمار الرتباطها بنتائج هامة على مستوى وضعية‬
‫المستثمر و امتيازاته و الضمانات الممنوحة له ‪ .‬و على الرغم من تعرض قوانين االستثمار‬
‫إلى عنصر االقامة إال أنه ال يوجد أي نص يظبط بدقة ووضوح معيار االقامة‪.‬‬
‫نجد المشرع التونسي قد نظم المقر بمجلة المرافعات المدنية و التجارية ‪ ،‬إذ أن أهمية المق ر‬
‫ت برز على مس توى المع امالت المدني ة و التجاري ة باعتباره ا المح ور األساس ي في نش اط‬
‫الشخصية القانونية ‪.‬‬
‫بصفة عامة ‪ ،‬االقامة هي مسألة واقعية تعتمد على عنص ر التواص ل و أحيان ا على عنص ر‬
‫مركز النشاط االقتصادي و المهني‪ ، 24‬كما عرفها فقه القضاء الفرنسي بأنها المكان الذي‬
‫يقيم في ه الش خص فعلي ا في أغلب األحي ان و المرك ز ال ذي تجتم ع في ه مص الحه‬
‫االقتصادية و المهنية‪. 25‬‬
‫و سواء كان المستثمر شخص طبيعي أو معنوي ‪ ،‬مواطن أو أجنبي ‪ ،‬و بخالف حالة الدولة‬
‫المصدرة لرأس المال الطرف في عقد االستثمار ‪ ،‬فان المستثمر يمثل ش خص من أش خاص‬
‫القانون الخاص له نظام قانوني مختلف عن الدولة ‪ ،‬المنتمية ألشخاص القانون العام ‪.‬‬
‫والقانون العام هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات التي تكون الدولة طرفا فيها‬
‫باعتبارها صاحبة السيادة والسلطان ‪ ،‬أما القانون الخاص فهو مجموع ة القواع د ال تي تحكم‬
‫العالقات بين األفراد بوصفهم أفرادا ‪.‬‬
‫وأساس التفرقة بين قواعد القانون العام و الخاص هو أن الدول ة باعتباره ا ص احبة الس لطة‬
‫العامة تهدف إلى تحقيق المص لحة العام ة للمجتم ع أم ا إذا ك انت ال تم ارس الس يادة فانه ا‬

‫‪24‬‬
‫‪Niclas Andier , La notion de résidence dans la réglementation des relations finances avec l’étranger , droit et‬‬
‫‪pratique du commerce international , 15 n°22 , 1989 p 326‬‬
‫‪25‬‬
‫‪Arret du conseil de l’Etat Français du 24 octobre 1979 , Dalloz 1979 , p 444‬‬
‫تهدف إلى تحقيق مصلحة خاصة ‪ ،‬وعلى أساس هذا التمييز فان الدولة إن وجدت طرف ا في‬
‫العالقة القانونية باعتبارها صاحبة السيادة كان القانون الذي يحكم العالقة ه و الق انون الع ام‬
‫وال يهم أن يكون الطرف اآلخر في العالقة فردا أو جماعة أو هيئ ة إداري ة أو دول ة أخ رى‬
‫أما إذا كانت العالقة ال تدخل فيها الدولة باعتبارها ص احبة الس يادة كابرامه ا لبعض العق ود‬
‫في مجال االستثمار مثال ‪ ،‬فان القانون المنطبق في مثل هذه األحوال يكون القانون الخاص‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أنه هن اك رأي فقهي ي رى أن عق ود اإلس تثمار ال يش ترط بالض رورة أن‬
‫تكون بين طرفين أحدهما الدول ة أو أح د أش خاص الق انون الع ام ‪ ،‬ب ل يج وز أن تك ون بين‬
‫طرفين من أفراد القطاع الخاص مستعملين عقود تعرف بعقود ‪( B.O.T‬البناء و التشغيل و‬
‫نقل الملكية)‪.‬‬
‫هذه العقود تق وم على تموي ل مش روع تعطي بموجب ه االدارة إمتي ازا لف ترة زمني ة مح ددة‬
‫لشركة خاصة تضم مجموعة مقاولين أو موظفين إلنجاز و تطوير و إستثمار مش روع ع ام‬
‫من البني ة التحتي ة ‪ ،‬فتت ولى ه ذه الش ركة على نفقته ا بن اء و إنج از األش غال و إس تثمار‬
‫المشروع طوال فترة العقد ‪ ،‬ثم تسترجع شركة االستثمار كلفة المشروع و األرباح المرتقب ة‬
‫‪26‬‬
‫من العملية و تعيد المشروع إلى االدارة المتعاقدة في نهاية العقد ‪.‬‬
‫تختص الدول ة ال تي يق ع فيه ا االس تثمار من حيث األص ل بتنظيم معامالت ه و حمايت ه عن‬
‫طريق وضع مجموعة من القواعد القانونية التي تراها كفيلة بتحقيق أهدافه ‪.‬‬
‫و في هذا الخص وص ‪ ،‬هن اك إلتزام ات ذات ط ابع ع ام يجب على المس تثمر االل تزام به ا‬
‫خاصة المستثمر األجنبي منها مثال إحترام القواع د الفني ة الس ائدة في المج ال مح ل العق د ‪،‬‬
‫إمداد الدولة بأفضل المواد و أكثرها مناسبة للمش روع مح ل التعاق د و إس تخدام التكنولوجي ا‬
‫المتطورة ‪ ،‬االعالم و االخبار ومكاشفة الدولة ‪ ،‬التنمية البشرية و تدريب العمالة المحلية ‪...‬‬
‫وفي المقاب ل تل تزم الدول ة ك ذلك بع دم عرقل ة المش روع االس تثماري و توف ير الض مانات‬
‫الالزمة له من خالل التخفيف من األعباء الضريبية و الجمركية المفروضة عليه مثال ‪.‬‬
‫كل هذه االلتزامات من الطرفين تدرج صلب عق د االس تثمار ال ذي ينتمي إلى نظ ام ق انوني‬
‫مميز نظرا لخصوصية أطرافه ‪ ،‬لكن كذلك لخصوصية طبيعته العقدية ‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬خصوصية عقد االستثمار التي تكون الدولة طرفا فيه‬
‫أصبحت عقود االستثمار األداة الفاعلة في تحقيق أه داف التنمي ة في المج االت المختلف ة في‬
‫دول العالم عامة والدول النامية خاصة ‪ ،‬إذ يعتبر عقد االستثمار ثمرة التطور الطبيعي لدور‬
‫الدولة ووظائفها في العصر الح ديث‪ ،‬حيث انتقلت وظيف ة الدول ة من الدول ة الحارس ة ال تي‬
‫تحق ق األمن وال دفاع والع دل إلي الدول ة المتدخل ة في كاف ة مج االت الحي اة االقتص ادية‬
‫واالجتماعية والثقافية لتحقيق رفاهية المواطن ‪.‬‬

‫‪ 26‬إلياس ناصيف ‪ ،‬العقود الدولية ‪ ،‬عقد البوت ‪ B.O.T‬في القانون المقارن ‪ ،‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪، 2011‬ص ‪241‬‬
‫وتتميز عقود االستثمار بطبيع ة خاص ة تختل ف عن العق ود األخ رى (الفق رة األولى) ‪ ،‬كم ا‬
‫تتع د أنواعه ا حس ب المج االت المختلف ة لالس تثمار خدمي ة ك انت أو س لعية أو رأس مالي ة‬
‫(الفقرة الثانية) ‪.‬‬
‫الفقرة األولى ‪ :‬الطبيعة القانونية لعقد االستثمار عامة‬
‫تجدر االشارة أوال إلى أن البعض من الفقهاء اعتبروا أن عقود االستثمار هي اتفاقيات دولية‬
‫فهي تصرفات قانونية تنشئ آثارا على عاتق الدولة المتعاقدة و يك ون االختص اص في فض‬
‫المنازعات الناشئة عنها مسند إلى هيئات دولية متمثلة في التحكيم الدولي ‪ ،‬وغالبا ما تستبعد‬
‫الق وانين الداخلي ة من التط بيق علي المنازع ات الناش ئة عن ه ذه العق ود ‪ .‬كم ا أن عق ود‬
‫االستثمار هي عقود تنمية ال تقوم بها إال الدولة من خالل االتفاقيات الدولية التي تبرمها م ع‬
‫أطراف دولية أخرى‪. 27‬‬
‫إال أن هذا االتجاه انتقده أغلب الفقهاء و ذل ك لك ون أن العق د ال دولي س واء ك ان ألغ راض‬
‫التنمية أو أن أحد أطرافه شخص قانوني دولي ال يخرجه من فئ ة العق ود الدولي ة ‪ ،‬ب ل تبقي‬
‫الصفة العقدية هي األساس في تحديد طبيعة هذه العقود ‪.‬‬
‫عالوة على أن إجراءات نفاذ هذه العقود يكون طبقا للشروط الواردة فيها وليس لم ا ورد في‬
‫االتفاقيات الدولية ‪ ،‬كذلك فإن محكمة العدل الدولية لم يحدث له ا أن فص لت في المنازع ات‬
‫الناشئة عن العقود الدولية بالرغم من اختصاصها األصيل في الفصل في المنازعات الناش ئة‬
‫عن االتفاقيات الدولية وفق نص المادة ‪ 38‬من نظامها األساسي‪.‬‬
‫اختلف الفقه الدولي حول تحديد طبيع ة عق ود االس تثمار ‪ ،‬و انقس م الج دل في الواق ع ح ول‬
‫مس ألتين ‪ :‬تمثلت األولى في المعي ار المح دد لدولي ة عق ود االس تثمار ‪ ،‬أم ا الثاني ة فك ان‬
‫االختالف حول ما إذا كانت هذه العقود إدارية أو مدنية ‪.‬‬
‫تعتبر عقود االستثمار من العقود الدولية (بخالف بعض الحاالت) ‪ ،‬باعتبار أن الدول ة تمث ل‬
‫طرفا في العقد من جهة ‪ ،‬كما أنها تمثل نشاطات ذات طابع دولي نظرا لوجود أحد العناصر‬
‫الدولية فيها من جهة أخرى‬
‫و لم يستقر الفقه القانوني على وضع معيار محدد إلضفاء صفة الدولية على عقود االستثمار‬
‫إذ إتجه جانب من الفقه إلى األخذ بالمعيار القانوني مدعما رأيه بجمل ة من الحجج واألس انيد‬
‫التي لم تسلم من النقد ‪ .‬و من الجانب اآلخ ر ال ذي اعتن ق معي ارا اقتص اديا ص رفا إلض فاء‬
‫صفة الدولية علي هذا النوع من العقود ‪ ،‬والذي بدوره لم يسلم من النقد‬
‫*المعيار القانوني‬
‫حسب المعيار القانوني ‪ ،‬يعد العقد دوليا بصفة عامة عندما تتصل عناص ره القانوني ة ب أكثر‬
‫من نظام قانوني واحد بمعنى أن إب رام العق د ك ان في دول ة أجنبي ة أو بين أطرافه ا ش خص‬
‫‪ 27‬صالح الدين جمال الدين ‪ ،‬عقود الدولة لنقل التكنولوجيا ‪ ،‬دراسة في اطار القانون الدولي الخاص و القانون التجاري الدولي ‪ ،‬جامعة عين‬
‫شمس ‪ ، 1993‬ص ‪102‬‬
‫أجنبي أو مقيم في دولة غير دولته أو كان تنفيذ العق د في دول ة أجنبي ة يض في علي ه الص فة‬
‫الدولية‪. 28‬‬
‫و ذهب جانب من الفقه الحديث مدعما المعي ار الق انوني في إكس اب عق د االس تثمار للص فة‬
‫الدولية إلى وجوب التفرقة بين العناصر الفاعلة والمؤثرة والعناصر غير الفاعلة أو المحايدة‬
‫التي تتطرق إلي الصفة األجنبية في العقد‪.‬‬
‫و قد اعتمد المشرع التونسي هذا المعيار صلب مجلة القانون ال دولي الخ اص عن دما ع رف‬
‫العالقة الدولي ة في الفص ل الث اني من المجل ة "تعت بر دولي ة العالق ة ال تي ألح د عناص رها‬
‫المؤثرة على األقل صلة بنظام أو بعدة أنظمة قانونية غير النظام القانوني التونسي" ‪.‬‬
‫إال أن هذا المعيار إنتقد لكون ه ي ترك تحدي د م دى فاعلي ة عناص ر العق د من ع دمها لس لطة‬
‫القاضي التقديرية ‪ ،‬كما أن هذا المعيار ال يستجيب للتفرق ة بين متطلب ات الحي اة االقتص ادية‬
‫الدولية والحياة االقتصادية الداخلية ‪.‬‬
‫*المعيار االقتصادي‬
‫استند فقه القضاء الفرنسي في تحديد الصفة الدولية للعقد على معيار إقتص ادي يع د بموجب ه‬
‫العق د دولي ا ً إذا ك ان يتص ل بمص الح التج ارة الدولي ة ‪ .‬أي ينط وي على رابط ة تتج اوز‬
‫االقتصاد الداخلي لدولة ما ‪ ،‬ويترتب عليها حركة لألموال وانتقالها من مكان إلى آخر‪.‬‬
‫بما يعني أن إعمال المعيار االقتصادي لدولية العقود ال يتعارض م ع المعي ار الق انوني‪ ،‬ألن‬
‫العقد الذي يترتب عليه حرك ة لألم وال وانتقاله ا من دول ة إلى أخ رى ه و عق د دولي وفق ا ً‬
‫للمعيار االقتصادي‪ ،‬وه و عق د يتص ل بالض رورة ب أكثر من نظ ام ق انوني واح د‪ ،‬وبالت الي‬
‫يكون عقداً دوليا ً وفق ا ً للمعي ار الق انوني في ال وقت نفس ه ‪ .‬إال أن العكس غ ير ص حيح‪ ‬فل و‬
‫اكتسب العقد طابعه الدولي وفقا ً للمعي ار الق انوني فليس بالض رورة أن يتحق ق مع ه المعي ار‬
‫االقتصادي ‪ .‬من هنا يتبين أن المعيار القانوني لدولية العقد أوسع من المعي ار االقتص ادي و‬
‫أن األخذ بالمعيار االقتصادي سيفضي بالض رورة إلى المعي ار الق انوني في حين أن العكس‬
‫غير صحيح بالضرورة ‪.‬‬
‫تجدر اإلشارة إلى أن المشرع التونسي إعتمد تعريفا موسعا جدا و خاصا لمسألة الدولي ة في‬
‫مجلة التحكيم و ذلك صلب الفصل ‪ 48‬من المجلة بص فة تس مح في بعض الح االت بت دويل‬
‫التحكيم رغم عدم وجود عنصر مؤثر و تسمح حتى إلرادة األطراف بت دويل التحكيم بص فة‬
‫مصطنعة ‪ ،‬لكن هذا الفصل يبقى استثنائي و خاص بمجال التحكيم‪. 29‬‬
‫ذهب جانب من الفقه إلى إعتبار أن عقود االس تثمار هي عق ود إداري ة و ذل ك لع دة أس باب‬
‫تتمثل أهمها في أن الدولة طرف في هذه العقود تتمتع بصفة السيادة و تمنح للمس تثمر مزاي ا‬

‫‪ 28‬فؤاد محمد محمد أبو طالب ‪ ،‬التحكيم الدولي في منازعات االستثمار االجنبية وفقا الحكام القانون الدولي العام ‪ ،‬دار الفكر الجامعي ‪ 30‬شارع‬
‫سوتير االسكندرية ت ‪ ، 4843132‬ص ‪66‬‬
‫‪ 29‬لطفي الشاذلي و مالك الغزواني ‪ ،‬تعليق على مجلة القانون الدولي الخاص ‪ ،‬مجمع األطرش للكتاب المختص ‪ ،‬تونس ‪ ، 2008‬ص ‪68‬‬
‫غ ير معت ادة في مج ال العق ود م ع األف راد مث ل اإلعف اء من الض رائب ‪ ،‬كم ا أن اله دف‬
‫األساسي لهذه العقود هو تحقيق منفعة عام ة أو تس يير مرف ق ع ام بغض النظ ر عن كونه ا‬
‫تهدف إلى الربح كذلك‪. 30‬‬
‫ظهر موقف فقهي معاكس ردا على االتجاه السابق ‪ ،‬و اعتبر هذا االتجاه أن عقود االستثمار‬
‫هي عقود مدنية تخضع للقانون الخاص ‪ ،‬فالعقود المدنية هي ال تي تك ون متوافق ة أك ثر م ع‬
‫متطلبات التجارة الدولية بصفة عامة ‪ ،‬إذ أن الدولة في هذه العقود تتعامل مثلها مثل األف راد‬
‫العاديين ‪.‬‬
‫و لكل ه ذه االختالف ات ظه ر فق ه ح ديث يعت بر أن عق ود االس تثمار و بص فة عام ة عق ود‬
‫التجارة الدولية ترتبط بنظام قانوني له كيانه الخ اص‪ ، 31‬فهي عق ود تتمت ع بخاص يتين ‪ ،‬من‬
‫جهة هي ت وفر الحماي ة للمس تثمر األجن بي ‪ ،‬و من جه ة أخ رى هي تمنح امتي ازات للدول ة‬
‫تكفل لها تحقيق المصلحة العامة و هذا ما يشكل التوازن في المراك ز القانوني ة بين أط راف‬
‫العقد ‪.‬‬
‫الفقرة الثانية ‪ :‬نطاق عقود االستثمار‬
‫ينقسم االستثمار عادة إلى شكلين رئيسيين ‪ ،‬االستثمار األجنبي غ ير المباش ر و يطل ق علي ه‬
‫االستثمار العام و االستثمار المباشر و يطلق عليه االستثمار الخاص ‪ ،‬ومعيار التفرقة بينهما‬
‫يقوم على أساس الهدف النهائي الذي يقوم عليه المشروع االستثماري ‪ :‬فاالس تثمار الخ اص‬
‫يكون هدفه األساسي هو الربح فقط بينما االستثمار العام تك ون أهداف ه باإلض افة إلى ال ربح‬
‫أهداف إجتماعية أو سياسية أو إقتصادية ‪.‬‬
‫*االستثمار غير المباشر‬
‫هو االستثمار الذي يتخذ شكل قروض مقدمة من األفراد أو الهيئات أو الش ركات األجنبي ة ‪،‬‬
‫أو يكون في شكل اكتتاب في األسهم و السندات الصادرة من الدولة المضيفة لرأس المال أو‬
‫هيئاتها العامة أو الشركات التي تنشأ فيها ‪ ،‬على أن ال يكون للمستثمر من األسهم م ا يخول ه‬
‫حق إدارة الشركة و السيطرة عليها‪. 32‬‬
‫عرفه المشرع التونسي في الفصل ‪ 3‬من قانون الستثمار بأن ه "المس اهمة النقدي ة أو العيني ة‬
‫في رأس مال الشركات بالبالد التونسية سواء عند تكوينها أو عند الترفيع في رأس ماله ا أو‬
‫اقتناء مساهمة في رأس مالها" ‪.‬‬
‫من خالل هذا الفصل ربط المشرع التونسي االستثمار بالمساهمة مع القانون ع دد ‪ 92‬لس نة‬
‫‪ 1988‬الم ؤرخ في ‪ 2‬أوت ‪ 1988‬المتعل ق بش ركات االس تثمار ‪ ،‬ال ذي يمكن ب اعث‬

‫‪ 30‬فؤاد محمد محمد أبو طالب ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪118‬‬


‫‪ 31‬منير عبد المجيد ‪ ،‬التنظيم القانوني للتحكيم الدولي و الداخلي ‪ ،‬منشأة المعارف باالسكندرية ‪ ، 1997‬ص ‪245‬‬
‫‪ 32‬خليل حسن خليل ‪ ،‬دور رؤوس االموال االجنبية في تنمية االقتصاديات المتخلفة مع دراسة خاصة باقليم مصر ‪ ،‬اطروحة دكتوراه جامعة‬
‫القاهرة ‪ ، 1960‬ص ‪81‬‬
‫المشروع من البحث عن شركاء وقتيين إذا كان في حاجة إلى ممول لمشروعه و لم تكن ل ه‬
‫القدرة أو الرغبة في االشتراك مع الغير في مشروعه ‪.‬‬
‫يتميز هذا الشكل من اإلستثمارات إذا بأن دور المستثمر يقتصر فيه على مج رد تق ديم رأس‬
‫المال إلى جهة معينة في الدولة المضيفة لالستثمارات‪ ،‬لكي تقوم هي نفسها بهـذا اإلس تثمار‬
‫دون أن تك ون ل ه أي ة س يطرة أو رقاب ة على المش روع ‪ ،‬و ال ي ترتب على ه ذا الن وع من‬
‫اإلس تثمار نقـل المهـارات أو الخبـرات الفنيـة والتكنولوجي ة الحديث ة للدول ة المض يفة‬
‫القتصاره على التمويل فقط‪. 33‬‬
‫من مزايا االستثمار العام أنه يعم ل على زي ادة س يولة و عم ق أس واق األوراق المالي ة عن‬
‫طري ق تموي ل الش ركات المحلي ة في الس وق إم ا في ص ورة إق راض للتموي ل أو في ش كل‬
‫مشاركة في ملكية األسهم ‪ ،‬حيث يمكن للمستثمر شراء األوراق و بيعها بسرعة و الحصول‬
‫على أمواله متى أراد ‪ .‬و ه ذا األم ر ي ؤدي إلى الزي ادة الطلب على ه ذه األس هم و ارتف اع‬
‫قيمتها و انخفاض تكلفة الحصول على رأس المال مما الشركات الوطنية على ط رح المزي د‬
‫من االصدارات‬
‫*االستثمار المباشر‬
‫يتمثل هذا النوع من االستثمار في قيام المستثمر األجنبي بممارسة نش اط تج اري في الدول ة‬
‫بحيث يخضع هذا النش اط لس يطرته و توجيه ه س واء ك ان ذل ك عن طري ق ملكيت ه الكامل ة‬
‫لرأس مال المشروع أو عن طريق مساهمته في رأس م ال بنس بة معين ة تكف ل ل ه الس يطرة‬
‫على إدارة المشروع‪.34‬‬
‫و قد اعتمد المشرع التونسي تعريفا موسعا لالس تثمار المباش ر ص لب الفص ل ‪ 3‬من ق انون‬
‫‪ 2016‬فعرفه بأنه "كل إحداث لمشروع مستقل بذاته بغرض إنتاج سلع أو إسداء خدمات أو‬
‫كل عملية توسعة أو تجديد تقوم بها المؤسسة قائمة في إطار ذات المشروع من شأنها الرف ع‬
‫من قدرتها االنتاجية أو التكنولوجية أو التنافسية" ‪.‬‬
‫و لم ينص المشرع التونسي على نسبة الحد األدنى لالس تثمار األجن بي المباش ر ال ذي ينش أ‬
‫حصة مسيطرة صلب قانون االستثمار و فضل تنظيمه ا في ق انون ش ركات االس تثمار ب أن‬
‫نص في الفص ل ‪ 17‬من الق انون على أن ه "ال يج وز لش ركات االس تثمار ذات رأس الم ال‬
‫المتغير امتالك العقارات عدى ماهو ضروري للقيام بنش اطها و ال يج وز له ا حي ازة أس هم‬
‫تمثل أكثر من ‪ % 10‬من رأس مال نفس المؤسسة" ‪ ،‬كما نص في الفصل ‪ 19‬على أنه "ال‬
‫يمكن للشركة امتالك أكثر من ‪ %10‬من األسهم المودعة لدى شركة االي داع و المقاص ة و‬
‫التسوية‪. "...‬‬

‫‪ 33‬بشار محمد االسعد ‪ ،‬عقود االستثمار في العالقات الدولية الخاصة ‪ ،‬منشورات الحلبي ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬الطبعة االولى ‪، 2006‬ص ‪40‬‬
‫‪ 34‬دريد محمود السامرائي ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪63‬‬
‫هذه التفرقة بين االستثمارات المباشرة و غير المباش رة لم تع د الي وم تتمت ع بنفس األهمي ة ‪،‬‬
‫فمازالت حتى اآلن جميع أشكال اإلستثمار المباشر وغيـر المباشر قائمـة‪ ،‬إال أن اإلس تثمار‬
‫المباشر أصبح هو السائد في العالم ‪.‬‬
‫و تسعى معظم البلـدان الناميـة اليـوم إلى االستثمار المباشر بمحاوالت جدية وبشتى الط رق‬
‫وذلك لما يترتب عليه من إنتقال التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬والخبرات الفنية والمهارات التنظيمي ة‬
‫إلى الدولة المضيفة ‪ .‬كم ا تعت بر اإلس تثمارات المباش رة مـن أفـضل اإلس تثمارات بالنس بة‬
‫للبل دان الص ناعية الرأس مالية إذ ي تيح له ا الس يطرة الفعلي ة على المش روعات اإلس تثمارية‬
‫وتوجيهها إلى أغراض اإلنتاج التى تخدم إقتصاده‪. 35‬‬
‫و اإلستثمارات المباشرة التى يقوم بها المستثمرون األجانب ال تتم إال من خالل إيجاد فروع‬
‫للشركات متعددة الجنسيات التـى تفـضل االنفـراد بملكيـة و إدارة المـشروع أو من خالل‬
‫إنشاء مشروعات مشتركة مع الدولة المضيفة‬
‫‪-‬الشركات متعددة الجنسية ‪:‬‬
‫تعرف هذه الشركات على أنها مجموعة شركات مستقلة قانونا ً تقع في أكثر من دولـة تكـون‬
‫فـي مجموعها مشروعا ً إقتصاديا ً واحداً أو على األق ل مش روعا ً إقتص اديا ً متناس قا ً يمـارس‬
‫أنشطة دولية ‪ ،‬و تعتبر من أهم األشكال ال تي يأخ ذها االس تثمار المباش ر فهي مس ؤولة عن‬
‫أكثر من ‪ %80‬من االستثمارات األجنبية على مستوى العالم ‪.‬‬
‫بالنسبة للدولة التونسية ‪ ،‬فقد انضمت إلعالن منطق ة التع اون و التنمي ة االقتص ادية ‪OCDE‬‬
‫حول االستثمار الدولي و الش ركات متع ددة الجنس ية س نة ‪ ، 2012‬و ه و م ا مث ل التزام ا‬
‫للدول األعضاء على تطوير المناخ االستثماري و توف ير الظ روف المالئم ة ل دعم مس اهمة‬
‫الشركات األجنبية في العمل التنموي لهذه البلدان على المستويين االقتصادي و االجتماعي ‪،‬‬
‫وشمل اإلعالن على أربع آليات تعلقت بدعم المؤسسات متعددة الجنسيات‪. 36‬‬
‫‪-‬االستثمارات المشتركة ‪:‬‬
‫االستثمار المشترك هو استثمار أجنبي ق ائم على أس اس المش اركة م ع رأس م ال وط ني و‬
‫بنسب متفاوتة تتحدد وفقا التفاق الشركاء و حسب القوانين المنظمة لذلك ‪.‬‬
‫بمع نى أن االس تثمار األجن بي المش ترك ينش أ بين حكوم ة أو مس تمثر محلي من جهـة‬
‫ومـستثمر أجن بي أو اك ثر من جه ة أخ رى‪ ،‬ويش ترك الطرف ان بموجب ه في ملكي ة وتموي ل‬
‫المشروع في إقليم الطرف األول ويتولى الطرف الث انى خ دمات اإلدارة والتوزي ع وماش ابه‬
‫ذلك ‪.‬‬ ‫‪37‬‬

‫‪ 35‬عمر هاشم محمد صدقة ‪ ،‬ضمانات االستثمار االجنبية في القانون الدولي ‪ ،‬دار الفكر الجامعي السكندرية ‪ ، 2006‬ص ‪10‬‬
‫‪ 36‬الموقع االلكتروني لمنظمة التعاون و التنمية القتصادية ‪.WWW.Oecd.org‬‬
‫‪ 37‬بشار محمد األسعد ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪44‬‬
‫و تتن وع العق ود ال تى تبرمه ا ال دول م ع المس تثمرين األج انب بهـدف تنميـة وتطـوير‬
‫اإلستثمارات في أقاليمها حسب حاجة الدول ة لتل ك العق ود و ال يمكن حص رها في أن واع أو‬
‫نماذج معينة ‪ ،‬بل أن الدول اليوم صارت تبرم هذه العقود بأشكال مختلفة و متنوع ة تناس ب‬
‫حاجتها في تنفيذ خططها التنموية واإلقتصادية ‪ .‬فقد تكون هذه العقود عبارة عن إسـتثمارات‬
‫فـي البنيـة التحتية االساسية (طرق ‪ -‬جسور ‪ -‬مدارس ‪ -‬مطارات – أنف اق‪ )...‬أو ق د تك ون‬
‫في عقود تمويل أو عقود نق ل التكنولوجي ا أو عق ود الش راء الحكـومى للطيـران أو عقـود‬
‫البترول وعقود قسمة االنتاج أو عقود ترميم وصيانة‬
‫و لكثرة هذه العقود و اختالفها ‪ ،‬فال يمكن حصرها فهي تتنوع حس ب المج ال يمكن ني فق ط‬
‫ذكر البعض منها على نحو مختصر يساعد في فهم و تحديد هذه العق ود بش كل أوض ح مث ل‬
‫عقد القرض الدولي ‪ ،‬و هو عقد تق وم بإبرام ه الدول ة بن اء على ق انون ص ادر عن الس لطة‬
‫التشريعية بشأن االستدانة من دولة أخرى أو مؤسسة نقدية دولية أو هيئ ة أو ش خص أجن بي‬
‫طبيعي أو معن وي ‪ ،‬وذل ك لغ رض إنش اء مش روعات تنموي ة أو لس د العج ز في الموازن ة‬
‫العامة للدولة ‪ .‬ومن تطبيقات هذه العقود تلك ال تي يبرمه ا البن ك ال دولي م ع ال دول النامي ة‬
‫بشأن االستثمار و التنمية و إنشاء مشروعات البنية األساسية في تلك الدول‪. 38‬‬
‫كذلك عقد التوري د ال دولي ‪ ،‬ال ذي يع رف بأن ه عق د بين ط رفين الدول ة أو أح د األش خاص‬
‫المعنوية العام ة التابع ة له ا من جه ة كط رف أول والعنص ر األجن بي س واء ك ان دول ة أو‬
‫شخص معنوي أو طبيعي كطرف ثاني ‪ ،‬يلتزم بمقتضاه الطرف الثاني بتوريد سلع وخدمات‬
‫للطرف األول بمقابل يتحصل عليه نظير هذه الخدمات ‪ .‬ويتضح من ذلك أن محل هذا العقد‬
‫يرد على منقول (سلع وخدمات) و يقترب في شكله و نظامه القانوني من عقد البيع المعمول‬
‫به في القوانين الداخلية ‪ .‬و من أهم تطبيق ات ه ذا العق د العق ود ال تي تبرمه ا الدول ة لتوري د‬
‫مستلزمات القوات المسلحة من عتاد ومعدات ومؤن‪. 39‬‬
‫و على اختالف هذه العقود و تنوعها ‪ ،‬إال أن ما نالحظه و أن االتفاقيات ال تميز أي ص نف‬
‫على اآلخر فهي تعامل كل صنف منها بنفس الليونة و السالسة مع اإلبقاء دائم ا على أهمي ة‬
‫اإلحالة على قانون البلد المضيف لالستثمار ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫أسعد طاهر أحمد ‪ ،‬الوجيز في المالية العامة ‪ ،‬دار النهضة العربية القاهرة ‪ ، 2001 ،‬ص ‪161‬‬
‫‪39‬‬
‫أسعد طاهر أحمد ‪ ،‬نظرية العقد االداري في الفقه و القضاء ‪ ،‬دار الكتب الوطنية ‪ ،‬بنغازي ‪ ، 2014‬ص ‪29‬‬
‫خاتمة الجزء األول‬

‫تمثل الدولة شخصا من أش خاص الق انون الع ام تتمت ع بالحص انة ال تي تكفله ا له ا المواثي ق‬
‫الدولية‪ ،‬و تتمثل هذه الحصانة أساسا في عدم خضوع الدولة للسلطة القضائية لدولة أخ رى‪،‬‬
‫فالقانون ال دولي يف رض عالق ة تق وم على المس اواة بين ال دول ‪ .‬إال أن ه و على ال رغم من‬
‫أهمية مبدأ الحص انة‪ ،‬نج د ه ذا المب دأ ي تراجع على مس توى التج ارة الدولي ة عام ة و على‬
‫مستوى االستثمار خاصة ‪ .‬فيرى جانب من الفق ه أن الدول ة عن دما تق وم بأعم ال تج ارة أو‬
‫أعمال استثمار فهي يجب أن تتخلى عن حصانتها و تعامل معاملة األفراد ‪.‬‬
‫فبتطور القوانين الدولية و قوانين االستثمار بصفة خاصة شاهدنا تراجع لمكان ة الدول ة على‬
‫حساب المستثمر الذي أصبح يمثل في أغلب األحي ان ش ركات متع ددة الجنس ية تتم يز بق وة‬
‫مالية و أقتصادية قادرة على مجابهة اقتصاد أقوى الدول ‪.‬‬
‫و يأتي إبرام الدولة لعقود االستثمار في ظل سعيها لتحقي ق التنمي ة االقتص ادية‪ ،‬فاالس تثمار‬
‫أصبح اليوم يمثل حاجة هامة و هدف أساسي بالنسبة للدول النامية‪ ،‬وفي ه ذا اإلط ار ق امت‬
‫الدولة التونسية بسن العديد من القوانين في هذا المجال محاولة قدر ما يمكن تحقيق الت وازن‬
‫بين سيدتها ال تي تخ ول له ا ف رض الق وانين ال تي تراه ا مناس بة‪ ،‬وتوف ير ق در مناس ب من‬
‫الضمانات للتشجيع على االستثمار في تونس ‪.‬‬
‫و تؤدي األدوات القانونية لتنظيم االستثمار في الدولة دورا كبيرا في توفير المناخ المالئم له‬
‫و في تقري ر مب دأ الت وازن بين ط رفي العالق ة االس تثمارية ‪ .‬و لع ل أهم تل ك األدوات هي‬
‫عقود االستثمار التي تعد وسيلة التعبير الرسمي عن سياسة الدول ة تج اه االس تثمار ‪ .‬و لكي‬
‫تكون هذه العقوج مثمرة فأنه ينبغي أن تتضمن قدرا من الحماية للدولة التي لم تع د الط رف‬
‫المهيمن في العقد على عكس ما يروجه له ‪.‬‬
‫إن عقود االستثمار تمثل نوعا من العقود الدولية التي تبرمها الدولة أو الوؤسس ات المعنوي ة‬
‫التابع ة له ا م ع ش خص خ اص أجن بي أو م واطن ط بيعي أو معن وي‪ ،‬يع بر عن ه بص فة‬
‫المستثمر‪ ،‬الذي يلتزم بمقتضى هذه العقود بنق ل القيم االقتص ادية في ش كل رؤوس أم وال و‬
‫خبرات و مهارات إلى الدولة المضيفة الستغاللها في مشروعات على أراضيها‪.‬‬
‫تتميز هذه العالقة التعاقدية بطبيعة خاصة‪ ،‬ترجع من ناحية إلى طبيعة أطرافه ا كونه ا ت برم‬
‫بين ط رف ع ام و ه و الدول ة و ط رف خ اص و ه و المس تثمر‪ ،‬و من ناحي ة أخ رى إلى‬
‫موضوعها إذ أن ما تهدف إليه ه ذه العق ود بش كل أساس ي هم المس اهمة في تحقي ق التنمي ة‬
‫االقتصادية للدول ة المض يفة مم ا يكس بها بع دا عام ا يتمث ل في االرتب اط بالمص لحة العام ة‬
‫للمجتمع ‪.‬‬

You might also like