You are on page 1of 8

‫نزول قباء‬

‫قبل أن يصل الرسول المدينة مر ب قباء وأقام بها عدة أيام أسس فيها مسجد قباء أول مسجد فى اإلسالم وجعل قبلته نحو المسجد األقصى‬
‫على ابن أبى طالب مكث بمكة ثالثا حتى أدى عن رسول هللا الودائع التى كانت عنده للناس ثم هاجر ماشيا على قدميه حتى لحق الرسول‬
‫‪ .‬ب قباء‬
‫دخول المدينة‬
‫بعد قباء سار الرسول نحو المدينة فاستقبله أهل المدينة بكل حفاوة وترحاب وكانت بنات األنصار تغنى وتقول " طلع البدر علينا من‬
‫‪ " .‬ثنيات الوداع ‪ -‬وجب الشكر علينا ما دعا هلل داع ‪ -‬أيها المبعوث فينا جئت باألمر المطاع‬
‫كلما مر الرسول بمنازل قبيلة دعاه سادات القبيلة كى ينزل عندهم حتى أن بعضهم كان يأخذ بزمام ناقته كى يحظى بشرف استضافته‬
‫(ص) فكان الرسول يقول لهم " خلوا سبيلها فإنها مأمورة " ثم سارت الناقة حتى بلغت أرضا بمنازل بنى النجار ‪ -‬أخواله ‪ -‬وبركت فيها‬
‫‪ .‬فقال الرسول " هنا المنزل ان شاء هللا " ثم نزل عنها فأسرع أبو أيوب األنصارى إلى الرسول وأخذه إلى بيته وكان قريبا‬
‫بناء مجتمع جديد‬
‫‪ .‬عندما قدم الرسول إلى المدينة أراد بناء دولة إسالمية على أسس راسخة فقام بعدة خطوات لتحقيق ذلك‬
‫بناء المسجد النبوى‬
‫‪ .‬أمر الرسول ب بناء مسجده فى نفس المكان الذى بركت فيها ناقته واشتراه من غالمين يتيمين فى المدينة كانا يملكانه‬
‫كان المكان مربدا يجفف فيه التمر وكان فيه قبور المشركين وخرب أكوام من التراب ونخل مهمل فأمر الرسول بقبور المشركين فنبشت‬
‫وبالخرب فسويت وبالنخل فقطع وصفه الصحابة قبلة المسجد ثم حفروا حدود المسجد بعمق ثالث أذرع وبنوا األساس من الحجارة‬
‫والجدران من اللبن والطين وجعلوا له ثالث أبواب شرقا وجنوبا وغربا والسقف من الجريد واألعمدة من جذوع النخل وفرشوا األرض‬
‫‪ .‬بالرمال والحصباء ثم بنوا جانب المسجد حجرات لنساء‪ H‬الرسول وبعد تكامل الحجرات انتقل إليها الرسول من دار أبى أيوب‬
‫شارك الرسول الصحابة العمل فى بناء المسجد فكان يحمل معهم‪ H‬الحجارة واللبن وينشد معهم ويقول " اللهم ال عيش إال عيش االخرة‬
‫فاغفر لألنصار والمهاجرة " كى يحمس الصحابة ويزيد من نشاطهم ويرغبهم أكثر فى العمل حتى أن أحد الصحابة قال " لئن قعدنا‬
‫‪ " .‬والنبى يعمل لذاك من العمل المضلل‬
‫كان الجهر بالصالة والتجمع دون خوف لعبادة هللا حلم وتحقق ب بناء المسجد فبعد عدة أعوام من حياة الخوف والقلق والمعاناة من الشدة‬
‫والتضييق والصالة بعيدا عن أعين الناس فى الشعاب واألودية أو خفية فى البيوت إذا بهم يجدون حريتهم الكاملة فى أداء صالتهم وإقامة‬
‫‪ .‬شعائرهم دون خوف أو جل ف بيوت هللا تعالى‬
‫لم يتوقف دور المسجد عند الصالة فقط بل صار موضع للحكم والقضاء وإدارة شئون الدولة وسياستها ومنطلق لقوافل الجهاد ومأوى‪ H‬لعدد كبير‬
‫‪ .‬من فقراء المهاجرين الذين ليس لهم دار وال مال ومنارة للعلم حتى يومنا هذا‬
‫المؤاخاة بين المهاجرين واألنصار‬
‫آ خى الرسول بين المهاجرين واألنصار فى دار أنس ابن مالك وكانو تسعين رجل نصفهم من المهاجرنين ونصفهم من األنصار آخى بينهم‬
‫على المواساة بالمال والمتاع ويتوارثون بعد الموت دون ذوى األرحام كى يذهب عن المهاجرين وحشة الغربة بعد أن تركوا األهل‬
‫‪ .‬والديار واألموال فى مكة فيؤنسهم بمؤاخاة األنصار وليغرس روح المواساة والتكافل والتعاون بين فئات المجتمع الجديد‬
‫عند مراجعة أسماء المتآخين الذين آ خى الرسول بينهم نجد أن تلك المؤاخاة لم تقم وزنا لإلعتبارات القبلية أو الفوارق الطبقية حيث جمعت بين‬
‫القوى والضعيف والحر والعبد والغنى والفقير واألبيض واألسود كى تذوب عصبيات الجاهلية فال حمية إال لإلسالم وأن تسقط فوارق النسب‬
‫‪ .‬واللون والوطن فال يتقدم أحد وال يتأخر إال بدينه وتقواه‬
‫ظل المهاجرى يرث األنصارى دون ذوى رحمه باألخوة التى عقدها الرسول بينهما حتى وقعت غزوة بدر ونزل قول هللا تعالى " وأولو‬
‫األرحام بعضهم أولى ببعض فى كتاب هللا " فألغى التوارث بعقد األخوة ورجع كما كان لذوى الرحم فقط بعد أن استقر أمر المهاجرين فى‬
‫المدينة ثم أغناهم هللا من فضله بأن حصلو على نصيبهم من الغنائم فى غزوة بدر فلم تعد هناك حاجة ليرث المهاجرى األنصارى كما أن‬
‫‪ .‬التآ خى والتعاون أصبحا الروح السائدة لدى الجميع فى المدينة‬
‫روى أن الرسول لما قدم المدينة وآ خى بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع فقال سعد لعبد الرحمن " إنى أكثر األنصار ماال فاقسم‬
‫مالى نصفين ولى امرأتان فانظر أعجبهما إليك فسمها‪ H‬لى أطلقها فإذا انقضت عدتها فتزوجها فقال عبد الرحمن " بارك هللا لك فى أهلك‬
‫ومالك وأين سوقكم " فدلوه على سوق بنى قينقاع فما انقلب إال ومعه فضل من أقط وسمن ثم جاء يوما وبه أثر صفرة فقال النبى " مهيم "‬
‫‪ " .‬قال " تزوجت إمرأة من األنصار " قال " كم سقت إليها " قال " نواة من ذهب " فقال النبى " أولم ولو بشاة‬
‫هذا يدل على ما كان عليه األنصار من الحفاوة البالغة بإخوانهم المهاجرين ومن التضحية واإليثار والبذل والعطاء وما كان عليه المهاجرين من‬
‫تقدير هذا الكرم حق قدره فلم يستغلوه ولم ينالو منه إال قدر ما يكفيهم فقط فهذا عبد الرحمن الذى استطاع بعد فترة وجيزة أن يكسب ما يعف به‬
‫‪ .‬نفسه ويحصن به فرجه وكان تاجر ماهر ويقدر المؤرخون أنه صار فيما بعد يملك مائة فرس وألف بعير وثالثة آالف شاة‬
‫مدح هللا األنصار فى كتابه الكريم فقال " والذين تبوؤوا الدار واإليمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم وال يجدون فى صدورهم حاجة مما أوتوا‬
‫ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون " كما حفظ النبى هذا الفضل لألنصار بقوله " اللهم اغفر‬
‫‪ " .‬لألنصار وألبناء األنصار وألزواج األنصار ولذرارى األنصار " وقال " لو أن األنصار سلكو واديا أو شعبا لسلكت فى وادى األنصار‬
‫المعاهدة مع اليهود‬
‫عندما قدم الرسول إلى المدينة وجد بها يهود ومشركين مستقرين فلم يتجه إلى سياسة اإلبعاد أو المصادرة والخصام بل قبل عن طيب‬
‫خاطر وجود اليهودية والوثنية بها وعقد مع اليهود معاهدة ترك لهم فيها مطلق الحرية فى الدين والمال وشملت نصرة المظلوم والتعاون‬
‫‪ .‬معا لصد أى عدوان على المدينة لتوفير األمن والسالم والسعادة والخير لكل من فى المدينة‬
‫بنود المعاهدة‬
‫اليهود أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم ‪ ..‬ومن ثم حرية العقيدة مكفولة للجميع كما قال هللا تعالى " ال إكراه‬
‫‪ " .‬فى الدين‬
‫‪ .‬على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم ‪ ..‬ومن ثم ترك لهم حرية التملك فالذمة المالية محفوظة للجميع‬
‫أن بينهم النصح والنصيحة والبر دون اإلثم وأن النصر للمظلوم وأنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو شجار يخاف فساده فإن‬
‫مرده إلى هللا عز وجل وإلى محمد رسول هللا ‪ ..‬ومن ثم اعترف اليهود بوجود سلطة قضائية عليا يرجعون إليها إذا حدث شجار أو خالف‬
‫‪ .‬بين يهودى ومسلم أما فى قضاياهم الخاصة وأحوالهم الشخصية يحتكمون للتوارة ويقضى بينهم أحبارهم وإن شاءوا احتكمو للرسول‬
‫‪ .‬أن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وعلى من دهم يثرب وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين‬
‫أن يثرب حرام جوفها ألهل هذه الصحيفة ‪ ..‬ومن ثم اعتبرت المدينة بلدا حرما ال يقطع شجره وال يقتل صيده لضمان األمن ومنع الحرب‬
‫داخل المدينة ‪.‬‬
‫جرح ‪ ..‬لما قد يحدثوا من مشاكل أو يدخلوا فى حروب مع قبائل خارج المدينة مما‬ ‫ٍ‬ ‫ال يخرج منهم أحد إال بإذن محمد وال ينحجز على ثأر‬
‫‪ .‬يؤثر على أمن المدينة واقتصادها‬
‫ال تجار قريش وال من نصرها ‪ ..‬لما سببته من أذى للرسول وأصحابه كما كان الرسول يستهدف أن يتعرض لتجارة قريش التى تمر‬
‫‪ .‬غرب المدينة فى طريقها للشام‬
‫ما قبل بدر‬
‫‪ .‬عندما قدم الرسول إلى المدينة استمر عداء قريش له وألصحابه وزاد غيظهم بعد أن استقر المسلمون بالمدينة ووجدوا مأمنا بها‬
‫‪ " .‬فأرسلت قريش تقول لهم " ال يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم فى عقر داركم‬
‫كما كتبوا إلى عبد هللا بن سلول بصفته رئيس األنصار قبل الهجرة وكان مازال مشركا كتبوا له وألصحابه يقولون " إنكم آويتم صاحبنا‬
‫وإنا نقسم باهلل لتقاتلنه أو لتخرجنه أو لنسيرن إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونستبيح نساءكم‪ " H‬وكان عبد هللا بن سلول يحقد على النبى‬
‫لما كان يراه أن سلبه ملكه فاجتمع مع أصحابه من مشركى المدينة لقتال النبى ولما بلغ ذلك النبى لقيهم وقال " لقد بلغ وعيد قريش منكم‬
‫المبالغ ما كانت تكيدكم بأكثر ما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم تريدون أن تقاتلوا أبناءكم وإخوانكم " فلما سمعوا ذلك من النبى تفرقوا وتلك‬
‫‪ .‬حكمة النبى التى كانت تطفىء شرهم حينا بعد حين‬
‫بذلك تأكد الرسول من مكائد قريش وإرادتها للشر فكان دوما ال يبيت إال ساهرا أو فى حرس من أصحابه حتى نزل قول هللا تعالى " وهللا‬
‫يعصمك من الناس " فخرج الرسول على الناس وقال " يا أيها الناس انصرفوا عنى فقد عصمنى هللا عز وجل " ‪ .‬كما كان الصحابة ال‬
‫‪ .‬يبيتون وال يصبحون إال بالسالح‬
‫فى ظل هذه المخاطر أنزل هللا تعالى اإلذن بالقتال ولم يفرضه عليهم فقال " أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن هللا على نصرهم لقدير "‬
‫وللحد من تلك المخاطر كان البد من الحد من قوة قريش والتأثيرعلى اقتصادها كيف ؟ بأن يسيطر المسلمون على طريق قريش التجارى‬
‫من مكة إلى الشام كنوع من التهديد فتقلق قريش على اقتصادها وأسباب معايشها‪ H‬فتجنح للسلم وتكف عن إرادة قتال المسلمين وعن الصد‬
‫‪ .‬عن سبيل هللا وعن تعذيب المستضعفين من المؤمنين فى مكة حتى يصير المسلمون أحرار فى إبالغ رسالة هللا فى ربوع الجزيرة‬
‫لذلك قام الرسول بإرسال البعوث واحدة تلو األخرى أشبه بدوريات استطالع الستكشاف الطريق المحيطة بالمدينة وعقد معاهدات حلف‬
‫‪ .‬أو عدم إعتداء مع القبائل التى كانت تجاور طريق قريش التجارى أو تقطن بينه وبين المدينة‬
‫السرايا والغزوات قبل بدر‬
‫سرية سيف البحر‬
‫فى رمضان سنة ‪ 1‬هـ بعث النبى حمزة بن عبد المطلب فى تالثين رجل من المهاجرين ل يعترض عير أو قافلة لقريش جاءت من الشام‬
‫كان فيها أبو جهل فى ثالثمائة رجل من المشركين فلما بلغوا سيف البحر أى ساحل البحر من ناحية العيص التقوا واصطفوا للقتال لكن‬
‫‪ .‬مجدى بن عمرو رجل من كبار قبيلة جهينة كان حليفا للفريقين فمشى بينهما كوسيط سلمى حتى نجح أن يحجز بينهم فلم يقتتلوا‬
‫سرية رابغ‬
‫فى شوال سنة ‪ 1‬هـ بعث النبى عبيدة بن الحارث فى ستين راكب من المهاجرين ل يعترض عير أو قافلة لقريش كان فيها أبو سفيان فى‬
‫‪ .‬مائتين رجل من المشركين ووقعت مناوشات بين الفريقين على ماء بوادى رابغ وترامى الفريقان بالنبل دون أن يقع قتال‬
‫سرية الخرار‬
‫فى ذى القعدة سنة ‪ 1‬هـ بعث النبى سعد بن أبى وقاص فى عشرين رجل ل يعترض عير أو قافلة لقريش وعهد إليه أال يجاوز الخرار‬
‫فخرجوا مشاة يكمنون بالنهار ويسيرون بالليل عدة أيام حتى بلغوا الخرار فوجدوا العير قد مرت باألمس ‪.‬‬
‫غزوة األبواء أو ودان‬
‫فى صفر سنة ‪ 2‬هـ خرج الرسول بنفسه فى سبعين رجل من المهاجرين ل يعترض عير أو قافلة لقريش حتى بلغ ودان فلم يلق كيدا أى‬
‫‪ .‬لم يقع قتال وكانت أول غزوة غزاها الرسول وكانت غيبته (ص) خمس عشرة ليلة‬
‫فى هذه الغزوة عقد النبى معاهدة حلف مع بنى ضمرة بأنهم آمنون على أنفسهم وأموالهم وأن لهم النصر على من رامهم إال أن يحاربوا‬
‫‪ .‬دين هللا وأن النبى إذا دعاهم لنصره أجابوه‬
‫غزوة بواط‬
‫فى ربيع األول سنة ‪ 2‬هـ خرج الرسول بنفسه فى مائتين من أصحابه ل يعترض عير أو قافلة لقريش كان فيها أمية بن خلف ومائة رجل‬
‫‪ .‬من قريش وألفان وخمسمائة‪ H‬بعير فبلغ بواطا من ناحية رضوى فوجد العير قد فاتته ولم يلق كيدا‬
‫غزوة سفوان أو غزوة بدر األولى‬
‫فى شهر ربيع األول سنة ‪ 2‬هـ أغار كرز بن جابر الفهرى فى قوات خفيفة من المشركين على مراعى المدينة ونهب بعض المواشى‬
‫فخرج الرسول بنفسه فى سبعين رجل من أصحابه لمطاردته حتى بلغ وادى يقال له سفوان من ناحية بدر ولكنه لم يدرك كرز وأصحابه‬
‫‪ .‬فعاد من دون حرب‬
‫غزوة ذى العشيرة‬
‫فى جمادى األولى وجمادى اآلخرة سنة ‪ 2‬هـ خرج الرسول بنفسه فى خمسين ومائة ويقال فى مائتين من المهاجرين ولم يكره أحد على‬
‫الخروج خرجوا على ثالثين بعير يعتقبونها يعترضون عير أو قافلة‪ H‬لقريش بعد أن جاء الخبر بخروجها من مكة إلى الشام فبلغ ذا العشيرة‬
‫‪ .‬فوجد العير قد فاتته بأيام وتلك كانت العير التي خرج الرسول فى طلبها حين عادت من الشام فصارت سبب لغزوة بدر الكبرى‬
‫‪ .‬فى هذه الغزوة عقد الرسول معاهدة عدم اعتداء مع بنى مدلج وحلفائهم من بنى ضمرة‬
‫سرية نخلة‬
‫فى رجب سنة ‪ 2‬هـ بعث النبى عبد هللا بن جحش إلى منطقة نخلة بين مكة والطائف فى اثنى عشر رجل من المهاجرين كل اثنين يعتقبان‬
‫على بعير ل يرصد بها عير لقريش ويعلم من أخبارهم ولما وصلوا نخلة مرت عير لقريش تحمل زبيب وخبز وتجارة فتشاور المسلمون‬
‫وقالوا نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام فإن قاتلناهم انتهكنا الشهر الحرام وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم ثم اجتمعوا على اللقاء‬
‫فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمى فقتله وكان أول قتيل في اإلسالم وأسروا عثمان بن عبدهلل بن المغيرة والحكم بن كيسان مولى بنى‬
‫المغيرة وكانا أول أسيرين فى اإلسالم ثم قدموا بالعير واألسيرين إلى المدينة فأنكر الرسول ما فعلوه وقال " ما أمرتكم بقتال فى الشهر‬
‫الحرام " ووقف التصرف فى العير واألسيرين ‪.‬‬
‫وجد المشركون فيما حدث فرصة التهام المسلمين بأنهم قد أحلوا ما حرم هللا بالقتال فى الشهر الحرام وكثر القيل والقال حتى حسم الوحى‬
‫األمر تماما بأن ما عليه المشركون أكبر وأعظم مما ارتكبه المسلمون فقال تعالى " يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير‬
‫وصد عن سبيل هللا وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند هللا والفتنة أكبر من القتل " مما يعنى أن الضجة التى افتعلها‬
‫المشركون إلثارة الريبة فى اإلسالم كانت بغير حق فالحرمات‪ H‬المقدسة كلها انتهكت فى محاربة اإلسالم واضطهاد أهله وسلب أموالهم‬
‫‪.‬وإخراجهم من ديارهم ومحاولة قتل نبيهم إذا فما الذى أعاد لهذه الحرمات‪ H‬قداستها فجأة ؟ فأصبح انتهاكها معرة وشناعة‬
‫بعد ذلك أطلق الرسول سراح األسيرين وأدى دية المقتول إلى أوليائه ‪.‬‬
‫تلك السرايا والغزوات قبل بدر لم يحدث فيها سلب أموال وال قتل أو أسر رجال إال بعد ما ارتكبه المشركون بقيادة كرز بن جابر الفهرى‬
‫فالبداية كانت من المشركين فضال عما فعلوه من قبل فى مكة من سلب ونهب وتعذيب وتهجير ‪.‬‬
‫بعدوقوع ما وقع فى سرية عبد هللا بن جحش علمت قريش أن المدينة فى غاية من التيقظ والتربص تترقب كل حركاتها التجارية وأن المسلمين‬
‫قادرون على أن يزحفوا نحو ثالثمائة ميل تقريبا ثم يقلتوا ويأسروا رجالهم ويأخذوا أموالهم ثم يعودوا سالمين غانمين لذا أدرك المشركون‪ H‬أن‬
‫تجارتهم إلى الشام أمام خطر دائم لكن بدل أن يفيقو من غيهم ويجنحو للسلم ازدادوا كبرا وغيظا وصموا على ما كانوا يهددون‪ H‬به من قبل من‬
‫إبادة المسلمين فى عقر دارهم وهذا هو الطيش الذى جاء بهم إلى بدر ‪.‬‬
‫كانت األحوال تقتضى فى هذا الوقت أن يستعد المسلمون لصد أى هجوم من جانب قريش فى أى وقت بعد وقوع ما وقع فى سرية نخلة‬
‫لذا فرض هللا القتال فى شهر شعبان سنة ‪ 2‬هـ وحثهم عليه قال تعالى " وقاتلوا فى سبيل هللا الذين يقاتلونكم وال تعتدوا إن هللا ال يحب‬
‫المعتدين واقتلوهم حيث تقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل وال تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه‬
‫فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين فإن انتهوا فإن هللا غفور رحيم وقاتلوهم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين هلل فإن انتهوا فال‬
‫عدوان إال على الظالمين " وقال تعالى " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما بعد وإما فداء حتى‬
‫تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء هللا النتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا فى سبيل هللا فلن يضل أعمالهم سيهديهم‬
‫" ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم يا أيها الذين آمنو إن تنصروا هللا ينصركم ويثبت أقدامكم‬
‫تحويل القبلة‬
‫‪ .‬فى رجب سنة ‪ 2‬هـ أمر هللا تعالى بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام‬
‫كان الرسول يصلى إلى قبلة بيت المقدس ويحب أن يصرف إلى الكعبة فقال لجبريل " وددت أن يصرف هللا وجهى عن قبلة اليهود "‬
‫فقال " إنما أنا عبد فادع ربك واسأله " فجعل يقلب وجهه فى السماء‪ H‬يرجو ذلك حتى نزل قول هللا تعالى " قد نرى تقلب وجهك في السماء‪H‬‬
‫فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من‬
‫‪ " .‬ربهم وما هللا بغافل عما يعملون‬
‫‪ .‬كان تحويل القبلة اختبار ل ا لمسلمين فى صدق إيمانهم وكشف لزيف المنافقين واليهود والمشركين‬
‫المسلمون قالوا " سمعنا وأطعنا " وقالو " آ منا به كل من عند ربنا " ‪ .‬يروى أن رجل صلى مع النبى صالة العصر ثم خرج فمر على‬
‫قوم من األنصار وهم ركوع فى صالة العصر يتجهون نحو بيت المقدس فقال " أشهد أنى صليت مع رسول هللا يتجه نحو الكعبة‬
‫فاستداروا كما هم حتى توجهوا نحو الكعبة " فلم تكن كبيرة عليهم كما ضربوا المثل فى التصديق واإلتباع واإلمتثال ألمر هللا علما بأن‬
‫‪ .‬األمر جاء فجأة دون تمهيد ف هؤالء هم الصحابة الذين إن كانوا وجهوا فى كل يوم مرات عدة إلى جهات‪ H‬عدة لفعلوا بال جدال‬
‫‪ " .‬المنافقون قالوا " ما يدرى محمد أين يتوجه إن كانت األولى حقا فقد تركها وإن كانت الثانية هى الحق فقد كان على باطل‬
‫‪ " .‬اليهود قالوا " خالف قبلة األنبياء قبله ولو كان نبيا لكان يصلى إلى قبلة األنبياء‬
‫‪ " .‬المشركون قالوا " كما رجع إلى قبلتنا يوشك أن يرجع إلى ديننا وما رجع إليها إال أنه الحق‬
‫‪ " .‬اليهود قالوا " خالف قبلة األنبياء قبله ولو كان نبيا لكان يصلى إلى قبلة األنبياء‬
‫يقول تعالى " سيقول السفهاء من الناس ما والهم عن قبلتهم التى كانوا عليها قل هلل المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم‬
‫وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إال لنعلم من يتبع‬
‫‪ " .‬الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إال على الذين هدى هللا وما كان هللا ليضيع إيمانكم إن هللا بالناس لرءوف رحيم‬
‫أفاد تحويل القبلة أن الضعفاء والمنافقين من اليهود الذين كانوا قد دخلوا اإلسالم إلثارة البلبلة انكشفوا عن المسلمين وعادوا إلى ما كانوا‬
‫عليه ف تطهرت صفوف المسلمين عن كثير من أهل الغدر والخيانة كما كان له دور هام فى زيادة حماس المسلمين قبل بدر إذ كان ال‬
‫‪ .‬يصح أن تكون قبلتهم بيد أعدائهم وأنه البد من تخليصها منهم ف اشتد شوقهم إلى الجهاد فى سبيل هللا ولقاء العدو إلعالء كلمة هللا‬
‫غزوة بدر‬
‫فى غزوة ذى العشيرة كانت عير قريش أفلتت من النبى فى ذهابها من مكة إلى الشام ف لما قرب رجوعها من الشام إلى مكة بعث النبى‬
‫طلحة بن عبيد هللا وسعيد بن زيد إلى الشمال ل يكتشفا خبرها فوصال إلى الحوراء ومكثا بها حتى مر بهما أبو سفيان بالعير وكان معه‬
‫‪ 1000‬بعير محملة بأموال ال تقل عن ‪ 50000‬دينار ذهبى ولم يكن معه من الحرس سوى ‪ 40‬رجل فأسرعا إلى المدينة وأخبرا رسول‬
‫هللا بالخبر فقال " هذه عير قريش فيها أموالهم فاخرجوا إليها لعل هللا ينفلكموها " ولم يعزم النبى على أحد بالخروج بل ترك األمر للرغبة‬
‫المطلقة إذ لم يكن يتوقع أنه يصطدم بجيش مكة اصطداما عنيفا فى بدر لذلك تخلف كثير من الصحابة فى المدينة وهم يظنون أن ما خرج‬
‫‪ .‬إليه الرسول لن يعدو ما ألفوه فى السرايا والغزوات الماضية لذلك لم ينكر على أحد تخلفه فى غزوة بدر‬
‫خرج الرسول ومعه ما يقرب من ‪ 300‬رجل وكان معه ‪ 70‬بعير ل يعتقب الرجالن والثالثة على بعير واحد فكان الرسول وعلى بن أبى‬
‫طالب ومرثد بن أبى مرثد يعتقبون بعير واحد ولم يكن معه سوى فرسان فرس للزبير بن العوام وفرس للمقداد بن األسود وقسم النبى‬
‫جيشه إلى كتيبتين كتيبة المهاجرين وعلمها لعلى بن أبى طالب وكتيبة األنصار وعلمها لسعد بن معاذ وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن‬
‫العوام وعلى الميسرة المقداد بن عمرو الفارسان الوحيدان فى الجيش وكان هو قائد أعلى للجيش خرج الرسول بجيشه غير المتأهب‬
‫‪ .‬قاصدا بدر ولما قرب من الصفراء بعث رسولين إلى بدر ل يتحسسان خبر العير‬
‫أبو سفيان كان فى غاية من الحيطة والحذر كان يعلم أن طريق مكة محفوف بالمخاطر لذلك كان يتحسس األخبار ويسأل كل من يلقاه‬
‫حتى علم أن الرسول قد استنفر أصحابه ليوقع بالعير حينئذ بعث أبو سفيان ضمضم بن عمرو الغفارى إلى مكة ل يستنجد بقريش حتى‬
‫يمنعوه من محمد وأصحابه فلما وصل مكة شق قميصه وصرخ يقول " يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع أبو سفيان قد عرض‬
‫لها محمد فى أصحابه ال أرى أن تدركوها الغوث الغوث " فتحفز الناس سريعا وقالو " أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير بن‬
‫الحضرمى " فكانوا بين رجلين إما خارج وإما باعث مكانه رجل ولم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبى لهب كان قد بعث مكانه رجل‬
‫كان له عليه دين وحشدو من حولهم من قبائل العرب حتى بلغ قوام جيش مكة فى بداية سيره ما يقرب من ‪ 1300‬مقاتل وكان معهم‬
‫‪ 100 .‬فارس و‪ 600‬درع وجمال كثيرة ال يعلم عددها بالضبط وكان أبو جهل بن هشام قائده العام‬
‫لما أجمعت قريش على السير ذكرت ما بينها وبين قبائل بنى بكر من العداوة فخافوا أن يضربوهم من الخلف ويكونوا بين نارين وكاد‬
‫ذلك يثنيهم عن الخروج حينئذ تبدى لهم إبليس فى صورة سراقة بن مالك سيد بنى كنانة وقال " أنا جار لكم من أن تأتيكم كنانة من خلفكم‬
‫بشىء تكرهونه " فاطمئنوا وانطلقوا صوب بدر ‪ .‬أما أبو سفيان فكان يسير على الطريق الرئيسى المؤدى إلى مكة ولما اقترب من بدر‬
‫لقى مجدى بن عمرو فسأله‪ H‬عن جيش المدينة فقال " ما رأيت أحدا أنكره إال أنى قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل ثم استقيا ثم انطلقا‬
‫" فأسرع إليه أبو سفيان وأخذ من أبعار بعيرهما فقال " وهللا هذه عالئف يثرب " ثم عاد سريعا إلى عيره وحول اتجاه سيره نحو ساحل‬
‫البحر األحمر تاركا الطريق الرئيسى الذى يمر ببدر على يساره وبذلك يكون نجا بالقافلة من الوقوع فى يد جيش المدينة ثم أرسل رسالته‬
‫إلى جيش مكة تلقاها عند الجحفة يقول لهم فيها " إنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجاها هللا فارجعوا " فهم جيش‬
‫مكة بالرجوع لكن قام أبو جهل فى كبرياء وقال " وهللا ال نرجع حتى نرد بدرا فنقيم بها ثالثا فننحر الجزور ونطعم الطعام ونسقى الخمر‬
‫وتعزف لنا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فال يزالون يهابوننا أبدا " لكن انشق بنو زهرة وعادوا وكان عددهم حوالى ‪300‬‬
‫رجل بعد رجوع بنى زهرة أصبح قوام جيش مكة حوالى ‪ 1000‬مقاتل فواصلوا السير حتى نزلوا قريبا من بدر وراء كثيب يقع بالعدوة‬
‫‪ .‬القصوى على حدود وادى بدر‬
‫أما استخبارات الرسول فنقلت إليه وهو فى طريقه خبر العير والنفير وتأكد لديه أن لم يعد هناك وقت أو مجال كى يعود للمدينة ويجتنب‬
‫لقاء دام ومن يضمن أن يتوقف جيش مكة وال يواصل سيره نحو المدينة ويغزو المسلمين فى عقر دارهم فيضعف المسلمون وتقوى‬
‫قريش ويزيد سلطانها فاستشار الرسول أصحابه حول الوضع الراهن وتبادل الرأى معهم العامة والقادة حينئذ تزعزع قلوب فريق من‬
‫الناس وخافوا اللقاء الدامى فقام أبو بكر فقال وأحسن ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال " يا رسول هللا‬
‫امض لما أراك هللا فنحن معك وهللا ال نقول لك كما قالت بنو اسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتال إنا هاهنا قاعدون ولكن اذهب أنت‬
‫وربك فقاتال إنا معكما‪ H‬مقاتلون فوالذى بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه " فقال له الرسول خيرا‬
‫ودعا له به وكان أبو بكر وعمر والمقداد من قادة المهاجرين وكانوا أقلية فى الجيش فأحب‪ H‬الرسول أن يعرف رأى قادة األنصار ألنهم‬
‫كانوا أغلبية فى الجيش فقال " أشيروا على أيها الناس " وكأنما يقصد األنصار ف فطن لذلك قائد األنصار وحامل لوائهم سعد بن معاذ‬
‫فقال " وهللا لكأنك تريدنا يا رسول هللا " فقال " أجل " فقال " قد آ منا بك فصدقناك وشهدنا أن ماجئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك‬
‫عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة فامض يا رسول هللا لما أردت فوالذى بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه‬
‫معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدوا غدا إنا لصبر فى الحرب صدق فى اللقاء ولعل هللا يريك منا ما تقر به عينك‬
‫فسر بنا على بركة هللا " فسر الرسول بقول سعد ثم قال " سيروا وأبشروا فإن هللا تعالى قد وعدنى إحدى الطائفتين وهللا لكأنى الآن أنظر‬
‫‪ .‬إلى مصارع القوم " فواصلوا السير حتى نزلوا قريبا من بدر‬
‫أثناء ذلك لقى الرسول شيخ من العرب وعلم منه أن جيش مكة نزل قريبا من بدر ثم بعث الرسول استخباراته على بن أبى طالب والزبير‬
‫بن العوام وسعد بن أبى وقاص فى نفر من الصحابة ليتحسسوا أخبار العدو فوجدوا غالمين يسقيان لجيش مكة من ماء بدر فألقوا القبض‬
‫عليهما وجاءوا بهما إلى الرسول فقال لهما " أخبرانى عن قريش " قاال " هم وراء هذا الكثيب الذى ترة بالعدوة القصوى " فقال لهما " كم‬
‫القوم " قاال " كثير " قال " ما عدتهم " قاال " ال ندرى " قال " كم ينحرون كل يوم " قاال " يوما تسعا ويوما عشرا " فقال " القوم فيما بين‬
‫التسعمائة‪ H‬إلى األلف " فقال " فمن فيهم من أشراف قريش " قاال " عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو البخترى بن هشام وحكيم بن حزام ونوفل‬
‫بن خويلد والحارث بن عامر وطعيمة بن عدى والنضر بن الحارث وزمعة بن األسود وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف واخرون " فقال‬
‫الرسول للناس " هذه مكة قد ألقت إليكم أفالذ كبدها " ثم تحرك الرسول بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر ويحول بينهم وبين االستيالء‬
‫عليه فنزل عشاء أدنى ماء من مياه بدر وهنا قام الحبار بن المنذر مخبير عسكرى وقال " يا رسول هللا أرأيت هذا المنزل أمنزال أنزلكه‬
‫هللا ليس لنا أن نتقدمه وال نتأخر عنه ؟ أم هو الرأى والحرب والمكيدة ؟ " قال " بل هو الرأى والحرب والمكيدة " قال " يا رسول هللا فإن‬
‫هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتى أدنى ماء من القوم أى قريش فننزله ونغور أى نخرب ما وراءه من القلب ثم نبنى عليه حوضا‬
‫فنمأله ماء ثم نقاتل القوم فنشرب وال يشربون " فقال الرسول " لقد أشرت بالرأى " وبعد أن نزل المسلمون على لماء أقترح سعد بن معاذ‬
‫على الرسول أن يبنى له مقرا لقيادته فقال " يا نبى هللا أال نبنى لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك ثم نلقى عدونا فإن أعزنا هللا‬
‫وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أ حببنا وإن كانت األخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا فقد تخلف عنك أقوام يا نبى‬
‫هللا ما نحن بأشد لك حبا منهم ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك يمنعك هللا بهم يناصحونك ويجاهون معك " فأثنى عليه الرسول‬
‫خيرا ودعا له بخير وبنى المسلمون عريشا على مرتفع يشرف على ساحة المعركة كما تم انتخاب فرقه من شبااب األنصار بقيادة سعد بن‬
‫معاذ يحرسون الرسول حول مقر قيادته ثم عبأ الرسول جيشه ومشى فى موضع المعركة وجعل يشير بيده " هذا مصرع فالن غدا إن‬
‫شاء هللا وهذا مصرع فالن غدا إن شاء هللا " ثم بات الرسول يصلى إلى جذع شجرة هنالك وبات المسلمون ليلهم هادىء األنفاس يأملون‬
‫أن يروا بشائر ربهم بعيونهم صباحا يقول تعالى " إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء‪ H‬ماءا ليطهركم به ويذهب عنكم‬
‫" رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به األقدام‬
‫لما طلع المشركون وتراى الجمعان قال الرسول " اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيالئها وفخرها تحادك وتكذب رسولك اللهم فنصرك الذى‬
‫وعدتنى اللهم أحنهم الغداة " ولما رأى الرسول عتبة بن ربيعة فى القوم على جمل له أحمر قال " إن يكن فى أحد من القوم خير فعند‬
‫صاحب الجمل األحمر إن يطيعوه يرشدوا " وعدل الرسول صفوف المسلمين وبينما هو يعدلها إذ وقع أمر غريب فقد كان فى يده قدح‬
‫يعدل به وكان سواد بن غزية مستنصال من الصف فطعن فى بطنه بالقدح وقال " استو يا سواد " فقال سواد " يا رسول هللا أوجعتنى‬
‫فأقدنى " فكشف الرسول عن بطنه وقال " استقد " فاعتنقه سواد وقبل بطنه فقال الرسول " ما حملك على هذا يا سواد " فقال " يا رسول‬
‫هللا قد حضر ما ترى فأردت أن يكون اخر العهد بك أن يمس جلدى جلدك " فدعا له الرسول بخير ولما تم تعديل الصفوف أصدر أوامره‬
‫إلى جيشه بأال يبدأوا القتال حتى يتلقوا منه األوامر األخيرة ثم قال لهم " إذا أكثبوكم أى كثروكم فارموهم واستبقوا نبلكم وال تسلوا‬
‫" السيوف حتى يغشوكم‬
‫كان أول وقود المعركة األسود بن عبد األسد المخزومى وكان رجل شرس سىء الخلق خرج قائال " أعاهد هللا ألشربن من حوضهم أو‬
‫ألهدمنه أو ألموتن دونه " فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب ولما التقيا ضربه حمزة حتى قتله ثم خرج بعده ثالثة من عائلة واحدة عتبة‬
‫وأخوه شيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة وطلبوا المبارزة فخرج لهم ثالثة من شباب األنصار عوف وعوف ابنا الحارث وعبد هللا بن‬
‫رواحة فقالوا " من أنتم ؟ " قالو " رهط من األنصار " قالوا " أكفاء كرام ما لنا بكم حاجه وإنما نريد بنى عمنا " فقال الرسول " قم يا‬
‫عبيدة بن الحارث وقم يا حمزة وقم يا على " فبارز حمزة شيبة وقتله وبارز على الوليد بن عتبة وقتله وبارز عبيدة عتبة فأصاب‪ H‬كل‬
‫منهما االخر ثم كر حمزة وعلى على عتبة فقتاله واحتمال عبيدة وقد قطعت رجله ومات بالصفراء فى طريق العودة إلى المدينة بعد أربعة‬
‫أو خمسة أيام من بدر‬
‫استشاط المشركون غضبا بعد أن فقدوا ثالثة من خيرهم فرسانهم دفعة واحدة وكروا كرة رجل واحد على المسلمين وتصدى لهم‬
‫المسلمون وهم مرابطون فى مواقعهم واقفون موقف الدفاع بكل ثقة وإيمان وهم يقولون " أحد أحد " أما الرسول فكان يناشد ربه ويقول "‬
‫أللهم أنجز لى ما وعدتنى اللهم إنى أنشدك عهدك ووعدك " ولما احتدم القتال أخذ يدعو ربه ويقول " اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم ال‬
‫تعبد اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدا " فأوحى هللا إلى مالئكته " أنى معكم فثبتو الذين امنو سألقى فى قلوب الذين كفرو الرعب "‬
‫وأوحى إلى رسوله " أنى ممدكم بألف من المالئكة مردفين " ثم أغفى الرسول إغفاءة واحدة ثم رفع رأسه فقال " أبشر يا أبا بكر هذا‬
‫جبريل على ثناياه النقع أى الغبار " ثم خرج من بااب العريش وقال " سيهزم الجمع ويولون الدبر " ثم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها‬
‫قريشا وقال " شاهت الوجوه " ورمى بها فى وجوههم فما من المشركين أحد إال أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تلك القبضة يقول تعالى‬
‫" " وما رميت إذ رميت ولكن هللا رمى‬
‫حينئذ أصدر الرسول أوامره األخيرة إلى جيشه بالهجمة المضادة فقال " شدوا " وحرضهم على القتال وقال " والذى نفس محمد بيده ال‬
‫يقاتلنهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبال غير مدبر إال أدخله هللا الجنة " وقال وهو يحضهم على القتال " قوموا إلى جنة عرضها‬
‫السماوات واألرض " وحينئ سأله عوف بن الحارث فقال " يا رسول هللا ما يضحك الرب من عبده" قال " غمسه يده فى العدو حاسرا "‬
‫فنزع درعا كانت عليه فقذفها‪ H‬ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل وحين أصدر الرسول األمر بالهجوم المضاد كانت حدة هجمات العدو قد‬
‫ذهبت وفتر حماسه‪ H‬وحينما تلقوا أمر الشد والهجوم قاموا بهجوم كاسح مرير فجعلوا يقلبون الصفوف ويقطعون األعناق وزادهم نشاطا‬
‫وحدة أن رأوا رسول هللا يثب فى الدرع ويقول " سيهزم الجمع ويولون الدبر " فقاتل المسلمون أشد القتال ونصرتهم المالئكة وكان يومئذ‬
‫يندر رأس الرجل ال يدرى من ضربه وتندر يد الرجل ال يدرى من ضربها وقال ابن عباس " بينما رجل من المسلمين يشتد فى إثر رجل‬
‫من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه فجاء فحدث بذلك رسول هللا فقال " صدقت ذلك مدد من السماء الثالثة " وقال أبو داود‬
‫المازنى " إنى ألتبع رجال من المشركين ألضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفى فعرفت أنه قد قتله غيرى " وجاء رجل من‬
‫األنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيرا فقال العباس " إن هذا وهللا ما أسرنى لقد أسرنى رجل أجلح من أحسن الناس وجها على فرس‬
‫" أبلق وما أراه فى القوم " فقال األنصارى " أنا أسرته يا رسول هللا " فقال الرسول " اسكت فقد أيدك هللا بملك كريم‬
‫ولما رأى إبليس وكان قد جاء فى صورة سراقة بن مالك ولم يكن فارقهم‪ H‬منذ ذلك الوقت فلما رأى ما يفعل المالئكة بالمشركين فر ونكص‬
‫على عقبيه وخرج هاربا وقال له المشركون " إلى أين يا سراقة ؟ ألم تكن قلت إنك جار لنا ال تفارقنا ؟ " فقال " إنى أرى ما ال ترون إنى‬
‫أخاف هللا وهللا شديد العقاب " ثم فر حتى ألقى بنفسه فى البحر‬
‫وحدث اضطراب فى صفوف المشركين وأخذت جموع المشركين فى الفرار واإلنسحاب وأخذ المسلمون يأسرون ويقتلون حتى ألحقوا‬
‫الهزيمة بهم واقتربت المعركة من نهايتها أما أبو جهل فلما رأى أول أمارات اإلضطراب فى صفوفه حاول يصمد وجعل يشجع جيشه‬
‫ويقول له مكابرا " ال يهزمنكم خذالن سراقة إياكم فإنه كان على ميعاد من محمد وال يهولنكم قتل عتبة وشيبة والوليد فإنهم قد عجلوا‬
‫فوالالت والعزى ال نرجع حتى نقرنهم بالحبال ولكن خذوهم أخذا حتى نعرفهم بسوء صنيعهم ولكن سرعان ما أخذت الصفوف تتصدع‬
‫أمام تيارات هجوم المسلمين يقول عبد الرحمن بن عوف " إنى لفى الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يمينى وعن يارى فتيان حديثا السن‬
‫فكأنى لم امن بمكانهما إذ قال لى أحدهما سرا من صاحبه " يا عم أرنى أبا جهل " فقلت يا ابن أخى فما تصنع به ؟ " قال " أخبرت أنه‬
‫يسب رسول هللا والذى نفسى بيده لئن رأيته ال يفارق سوادى سواده حتى يموت األعجل منا " فتعجبت لذلك وقال " غمزنى االخر فقال‬
‫لى مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبى جهل يجول فى الناس فقلت أال تريان ؟ هذا صاحبكما الذى تسأالنى عنه فابتدراه بسيفهما فضرباه‬
‫حتى قتاله ثم انصرفا إلى رسول هللا فقال " أيكما قتله ؟ " فقال كل واحد منهما " أنا قتلته " قال " هل مسحتما سيفكما ؟ " قاال " ال " فنظر‬
‫الرسول إلى السيفين فقال " كالكما‪ H‬قتله " وكانا معاذ بن عمرو بن الجموح ومعوذ بن عفراء‬
‫ولما انتهت المعركة قال رسول هللا " من ينظر ما صنع أبو جهل " فتفرق الناس فى طلبه فوجده عبد هللا بن مسعود وبه اخر رمق فوضع‬
‫رجله على عنقه وأخذ لحيته ليحتذ رأسه وقال " هل أخزاك هللا يا عدو هللا ؟ " فقال أبو جهل " وبما أخزانى ؟ لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا‬
‫رويعى الغنم " فاحتز ابن مسعود رأسه وجاء به إلى رسول هللا فقال " يا رسول هللا هذا رأس عدو هللا أبى جهل " فقال " هللا الذى ال إله‬
‫إال هو هللا أكبر الحمد هلل الذى صدق وعده ونصر عبده وهزم األحزاب وحده " ثم انطلق الرسول مع ابن مسعود ليريه إياه ولما راه قال "‬
‫" هذا فرعون هذه األمة‬
‫من روائع اإليمان‬
‫تجلت فى هذه المعركة مناظر رائعة تبرز قوة العقيدة وثبات المبدأ‬
‫روى أن الرسول قال ألصحابه " إنى قد عرفت أن رجاال من بنى هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرها ال حاجة لهم بقتالنا فمن لقى أحدا من‬
‫بنى هاشم فال يقتله ومن لقى أبا البخترى ابن هشام فال يقتله ومن لقى العباس ابن عبد المطلب فال يقتله فإنه إنما أخرج مستكرها " وكان‬
‫وكان النهى عن قتل أبى البخترى ألنه كان أكف القوم عن رسول هللا وهو بمكة وكان ال يؤذيه وال يفعل شىء يكرهه وكان ممن قام فى‬
‫نقض صحيفة مقاطعة بنى هاشم وبنى المطلب ولكن رغم هذا كله قتل وذلك أن المجذر بن زياد البلوى لقيه فى المعركة ومعه زميل له‬
‫يقاتالن سويا فقال المجذر " يا أبا البخترى إن رسول هللا قد نهانا عن قتلك فقال " وزميلى ؟ " قال " ال وهللا ما نحن بتاركى زميلك "‬
‫فقال " وهللا إذن ألموتن أنا وهو جميعا " ثم اقتتال فاضطر المجذر إلى قتله ومن لقى العباس ابن عبد المطلب فال يقتله فى أبا البخترى ابن‬
‫هشام فال يقتله‬
‫كان عبد الرحمن بن عوف وأمية بن خلف صديقين فى الجاهلية بمكة فلما كان يوم بدر مر به عبد الرحمن وهو واقف مع ابنه على بن‬
‫أمية اخذا بيده ومع عبد الرحمن أدراع قد استلبها وهو يحملها فلما راه قال " هل لك فى ؟ " فأنا خير من هذه األدراع التى معك ما رأيت‬
‫كاليوم قط أما لكم حاجة فى اللبن ؟ يريد أن يفتدى نفسه بإبل كثيرة اللبن فطرح عبد الرحمن األدراع وأخذهما يمشى بهما قال عبد‬
‫الرحمن قال له أمية بن خلف " من الرجل منكم المعلم بريشة النعامة فى صدره ؟ " قال " ذاك حمزة بن عبد المطلب " قال " ذاك الذى‬
‫فعل بنا األفاعيل " قال عبد الرحمن " فوهللا إنى ألقودهما إذ راه بالل معى وكان أمية هو الذى يعذب بالل بمكة فقال بالل " رأس الكفر‬
‫أمية بن خلف ال نجوت إن نجا " قال " أى بالل أسيرى " قال " ال نجوت إن نجا " قال " أتسمع يا ابن السوداء " قال " ال نجوت إن نجا‬
‫" ثم صرخ بأعلى صوته يا انصار هللا رأس الكفر أمية بن خلف ال نجوت إن نجا " قال " فأحاطوا بنا حتى جعلونا فى مثل المسكة وأنا‬
‫أذب عنه قال " فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط فقلت انج بنفسك وال نجاء بك فواهللا‬
‫ما أغنى عنك شيئا " قال فهبروهما بأسيافهم‪ H‬حتى فرغوا منهما فكان عبد الرحمن يقول " يرحم هللا بالل ذهبت أدراعى وفجعنى بأسيرى‬
‫" فى زاد المعاد بعض السيف أصاب رجل عبد الرحمن بن عوف‬
‫قتل عمر بن الخطاب يومئذ خاله العاص بن هشام بن المغيرة‬
‫نادى أبو بكر ابنه عبد الرحمن وهو يومئذ مع المشركين فقال " أين مالى يا خبيث ؟ " فقال عبد الرحمن " لم يبق غير شكة ويعبوب‬
‫" وصارم يقتل ضالل الشيب‬
‫بعد انتهاء المعركة مر مصعب‪ H‬بن عمير العبدرى بأخيه أبى العزيز بن عمير الذى خاض المعركة ضد المسلمين مر به وأحد األنصار‬
‫يشد يده فقال مصعب لألنصارى " شد يديك به فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك " فقال أبو عزيز ألخيه مصعب " أهذه وصاتك بى ؟‬
‫" فقال مصعب " إنه أى األنصارى أخى دونك‬
‫انتهت المعركة بهزيمة ساحقة للمشركين وبنصر مبين للمسلمين واستشهد من المسلمين فى المعركة أربعة عشر رجال أما المشركون فقتل‬
‫منهم سبعون وأسر سبعون ولما انقضت الحرب أقبل الرسول حتى وقف على القتلى فقال " بئس العشيرة كنتم لنبيكم كذبتمونى وصدقنى‬
‫الناس وخذلتمونى ونصرنى الناس وأخرجتمونى واوانى الناس " ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب من قلب بدر ولما كان ببدر اليوم الثالث‬
‫أمر براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى واتبعه أصحابه فجهل يناديهم بأسمائهم‪ H‬وأسماء أبائهم " يا فالن بن فالن يا فالن بن فالن أيسركم‬
‫أنكم أطعتم هللا ورسوله ؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ؟ " فقال عمر " يا رسول ما تكلم من أجساد ال‬
‫" أرواح لها ؟ فقال الرسول " والذى نفس محمد بيده ما انتم بأسمع لما اقول منهم ولكن ال يجيبون‬
‫فر المشركون من ساحة بدر فى صورة غير منظمة تبعثروا فى الوديان والشعاب‪ H‬واتجهوا صوب مكة مذعورين ال يدرون كيف يدخلونها‬
‫خجال‬
‫ولما تم الفتح للمسلمين أرسل الرسول بشيرين عبد هللا بن رواحة وزيد بن حارثة إلى اهل المدينة ليعجل لهم البشرى وكان اليهود‬
‫والمنافقين قد أرجفوا فى المدينة بإشاعة الدعايات الكاذبة حتى انهم أشاعوا خبر مقتل النبى ولما رأى أهل المدينة الرسوالن أحاطوا بهما‬
‫وأخذوا يسمعون منهما الخبر حتى تأكد لديهم فتح المسملمين فعمت البهجة والسرور واهتزت أرجاء المدينة تهليال وتكبيرا وخرج رؤوس‬
‫المسلمين الذين كانوا بالمدينة إلى طريق بدر ليهنئوا الرسول بهذا الفتح المبين حتى لقوا الرسول فى الروحاء فقال أسيد بن حضير " يا‬
‫رسول هللا الحمد هلل الذى أظفرك وأقر عينك وهللا يا رسول هللا ما كان تخلفى عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدوا ولكن ظننت أنها عير ولو‬
‫ظننت أنه عدو ما تخلفت " فقال رسول هللا " صدقت " ثم دخل الرسول المدينة مظفرا منصورا قد خافه‪ H‬كل عدو له بالمدينة وحولها فأسلم‬
‫بشر كثير من أهل المدينة وحينئذ دخل عبد هللا بن أبى وأصحابه فى اإلسالم ظاهرا‬
‫بعد أن قام الرسول ببدر ثالثة أيام تحرك بجيشه نحو المدينة ومعه األسارى من المشركين وعندما وصل إلى الصفراء أمر بقتل النضر‬
‫بن الحارث حامل لواء المشركين يوم بدر وكان من أكابر مجرمى قريش ومن أشد الناس كيدا لإلسالم وإيذاءا للرسول ولما وصل إلى‬
‫عرق الظبية أمر بقتل عقبة بن أبى معيط فهو الذى كان ألقى سال جزور على ظهر رسول هللا وهو فى الصالة وهو الذى خنقه بردائه‬
‫وكاد يقتله لوال اعتراض أبى بكر وكان قتل هذين الطاغيتين واجبا من حيث وجهة الحرب فلم يكونا من األسارى فحسب بل كانا من‬
‫مجرمى الحرب‬
‫وأقام الرسول ببدر بعد انتهاء المعركة ثالثة أيام وقبل رحيله من مكان المعركة وقع خالف بين الجيش حول الغنائم ولما اشتد الخالف‬
‫امر الرسول بأن يرد الجميع ما بأيديهم ففعلوا ثم نزل الوحى بحل هذه المشكلة فقسمها الرسول بين المسلمين على السواء بعد أن أخذ منها‬
‫الخمس وهو فى طريقه إلى المدينة‬
‫وقدم األسارى بعد بلوغه بيوم فقسمهم على اصحابه وأوصى بهم خيرا فكان الصحابة يأكلون التمر ويقدمون ألسرائهم الخبز عمال بوصية‬
‫الرسول‬
‫ولما بلغ الرسول المدينة استشار أصحابه فى األسارى فقال أبو بكر " يا رسول هللا هؤالء بنو العم والعشيرة واإلخوان وإنى أرى أن تأخذ‬
‫منهم الفدية فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار وعسى أن يهديهم هللا فيكونوا لنا عضدا " فقال الرسول " ما ترى يا ابن الخطاب ؟ " قال‬
‫عمر " وهللا ما أرى ما رأى أبو بكر ولكن أرى أن تمكننى من فالن ‪ -‬قريب لعمر ‪ -‬فأضرب عنقه وتمكن عليا من عقيل ابن أبى طالب‬
‫فيضرب عنقه وتمكن حمزة من فالن أخيه فيضرب عنقه حتى يعلم هللا أنه ليست فى قلوبنا هوادة للمشركين وهؤالء صناديدهم وأئمتهم‬
‫وقادتهم " فهوى الرسول ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت وأخذ منهم الفداء فلما كان من الغد قال عمر " فغدوت إلى النبى وأبى بكر وهما‬
‫يبكيان فقلت " يا رسول هللا أخبرنى ماذا يبكيك أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما‪ " H‬فقال الرسول "‬
‫للذى عرض على أصحابك من أخذهم الفداء فقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة " وأنزل هللا تعالى " ما كان لنبى أن يكون له‬
‫أسرى حتى يثخن فى األرض تريدون عرض الدنيا وهللا يريد األخرة وهللا عزيز حكيم لوال كتاب من هللا سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب‬
‫عظيم " والكتاب هو " فإما منا بعد وإما فداءا " فيه اإلذن بأخذ الفدية من األسارى ولذلك لم يعذبوا وإنما نزل العتاب ألنهم أسروا الكفار‬
‫قبل أن يثخنوا فى األرض ثم إنهم قبلوا الفداء من أولئك المجرمين الذين لم يكونوا أسرى حرب فقط بل كانوا أكابر مجرمى الحرب الذين‬
‫ال يتركهم قانون الحرب الحديث إال ويحاكمهم‪ H‬وال يكون الحكم فى الغالب إال باإلعدام أو الحبس حتى الموت واستقر األمر على رأى‬
‫الصديق فأخذ منهم الفداء وكان الفداء من أربعة االف درهم إلى ثالثة االف درهم إلى ألف درهم وكان أهل مكة يكتبون وأهل المدينة ال‬
‫يكتبون فمن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم فإذا حذقوا فهو فداء ومن رسول هللا على عدة من األسارى‬
‫فأطلقهم بغير فداء منهم المطلب بن حنطب وصيفى بن أبى رفاعة وأبو عزة الجمحى وهو الذى قتله أسرا فى أحد ومن على ختنه أبى‬
‫‪ .‬العاص بشرط أن يخلى سبيل زينب وكانت قد بعثت فى فدائه بمال بعثت فيه بقالدة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على العاص‬

You might also like