You are on page 1of 66

1

‫المناسبة في القرآن الكريم‬

‫مقدم من الطالب‪ :‬محمود حسن عمر جودة‬


‫إلى األستاذ الدكتور‪ :‬محمود شرف الدين‬
‫في مادة‪ :‬نحو النص‬

‫‪2‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫وفز ًعا‬ ‫ِ‬
‫شكرا على تفضُّله وهدايته‪َ ،‬‬
‫الحمد لله األول واآلخر‪ ،‬الظاهر الباطن‪ ،‬القادر القاهر‪ً ،‬‬
‫إلى توفيقه وكِفايته‪ ،‬ووسيلة إلى ِحفظه ورعايته‪ ،‬ورغبةً في المزيد من كريم آالئه‪ ،‬وجميل‬
‫عددها عن اإلحصاء‪ ،‬وصلى‬ ‫ِ‬
‫وجل ُ‬‫خطرها عن الجزاء‪َّ ،‬‬
‫وحمدا على ن َعمه التي َعظُ َم ُ‬
‫ً‬ ‫بالئه‪،‬‬
‫الله على محمد خاتم األنبياء‪ ،‬وعلى آله أجمعين‪ ،‬وسلَّم ً‬
‫تسليما‪.‬‬
‫موضوع البحث‪:‬‬

‫هذا بحث أتحدث فيه عن موضوع المناسبة في القرآن الكريم‪ ،‬مستعينًا في ذلك بكتب‬

‫وذاكرا جانبًا تطبيقيا؛ حتى تتَّضح أهمية‬


‫التراث والمؤلفات المعاصرة التي تناولت الموضوع‪ً ،‬‬
‫موضوعا مثل المناسبة ال تتم فائدته إال إذا‬
‫ً‬ ‫المناسبة في الربط بين اآليات والسور‪ ،‬وألن‬

‫تُنوِوَل بشكل تطبيقي‪.‬‬

‫المؤلفات التي تناولت علم المناسبة‪:‬‬

‫تنوعت المؤلفات التي تناولت علم المناسبة‪ ،‬فمنها ما جاءت المناسبة فيها بابًا من أبوابها؛‬
‫َّ‬

‫مثل‪:‬‬

‫‪ -1‬البرهان للزركشي‪ ،‬واإلتقان للسيوطي؛ فقد جاءت المناسبة بابًا من أبواب هذين‬

‫الكتابين‪.‬‬

‫ومنها ما ألف خصيصا لها؛ مثل‪:‬‬

‫‪ -1‬نظم الدرر في تناسب اآليات والسور؛ للبقاعي‪.‬‬

‫‪ -2‬والبرهان في تناسب سور القرآن؛ ألبي جعفر بن الزبير الغرناطي‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -3‬مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع؛ للسيوطي‪.‬‬

‫‪ -4‬تناسق الدرر في تناسب السور؛ للسيوطي‪.‬‬

‫‪ -4‬مصابيح الدرر في تناسب آيات القرآن الكريم والسور؛ للشيخ عادل بن محمد (أبو‬

‫العالء)‪.‬‬

‫‪ -5‬وعلم المناسبات في السور واآليات؛ للدكتور محمد بازمول‪.‬‬

‫‪ -6‬إمعان النظر في نظام اآلي والسور؛ للدكتور محمد عناية الله سبحاني‪.‬‬

‫‪ -7‬أثر المناسبة في توجيه المعنى في النص القرآني‪ ،‬رسالة دكتوراه للدكتور محمد عامر‬

‫محمد‪.‬‬

‫‪ -8‬دالئل النظام؛ للشيخ عبد الحميد الفراهي الهندي‪.‬‬

‫‪ -9‬المناسبات بين اآليات والسور‪ :‬فوائدها وأنواعها وموقف العلماء منها؛ للدكتور سامي‬

‫عطا حسن‪ ،‬جامعة آل البيت‪.‬‬

‫وهناك دراسات ورسائل علمية في المناسبة جاءت من باب التطبيق على سورة من القرآن‬

‫أو عدة سور‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬

‫‪ -1‬أثر النظم في تناسب المعاني في سورة العنكبوت‪ ،‬رسالة ماجستير للباحثة مقبولة علي‬

‫مسلم الحصيني‪ ،‬بإشراف األستاذ الدكتور‪ :‬عبد الحافظ بن إبراهيم البقري‪ ،‬جامعة أم القرى‬

‫بالسعودية‪ 428 ،‬هـ ‪ 2٠٠7 -‬م‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫‪ -2‬التناسب في سورة البقرة‪ ،‬رسالة ماجستير للباحث طارق مصطفى محمد حميدة‪،‬‬

‫بإشراف األستاذ الدكتور حاتم جالل التميمي‪ ،‬جامعة القدس فلسطين‪1428 ،‬هـ ‪-‬‬

‫‪2٠٠7‬م‪.‬‬

‫‪ -3‬المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها‪ :‬دراسة تطبيقية‪ ،‬رسالة ماجستير للباحث أحمد‬

‫محمد عطية المنيراوي‪ ،‬الجامعة اإلسالمية بغزة فلسطين ‪1431‬هـ ‪2٠1٠-‬م‪.‬‬

‫‪ -4‬سورة الدخان‪ :‬دراسة في علم المناسبة؛ للشيخ رفاعي سرور‪.‬‬

‫‪ -5‬المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها‪ :‬دراسة تطبيقية لسورة األعراف‪ ،‬رسالة ماجستير‬

‫للباحثة إيمان عيد علي درويش‪ ،‬إشراف الدكتور وليد محمد حسن العمودي‪ ،‬كلية أصول‬

‫الدين‪ ،‬الجامعة اإلسالمية ‪ -‬غزة‪ ،‬فلسطين‪1431 ،‬هـ ‪2٠1٠-‬م‪.‬‬

‫‪ -6‬المناسبة بين الفواصل القرآني وآياتها‪ :‬دراسة تطبيقية على سورة الحجر والنحل‬

‫واإلسراء‪ ،‬رسالة ماجستير للباحث عبد الله سالم سالمة‪ ،‬بإشراف األستاذ الدكتور زكريا‬

‫إبراهيم الزميلي‪ ،‬كلية أصول الدين في الجامعة اإلسالمية ‪ -‬غزة‪ ،‬فلسطين‪ 431 ،‬هـ ‪-‬‬

‫‪ 2٠1٠‬م‪.‬‬

‫خطة البحث‪:‬‬

‫جاء هذا البحث متمثل في مقدمة ذكرت فيها موضوع البحث‪ ،‬والمؤلفات التي‬

‫تناولت علم المناسبة‪ ،‬وخطة البحث‪ ،‬وقد قسمت ‪ -‬من خلل هذه الخطة ‪ -‬البحث‬

‫إلى أربعة مباحث‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التعريف بالمناسبة في القرآن‪ ،‬وتحته خمسة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المناسبة لغة واصطلحا‪:‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬القائلون بالمناسبة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬المعارضون للمناسبة والرد عليهم‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أهمية علم المناسبات‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬أنواع المناسبة في القرآن‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المناسبة بين اآليات في السورة‪:‬‬

‫وتحته ثلثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المناسبة بين اآلية وما قبلها مباشرة‪:‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المناسبة بين ختام اآلية وصدرها‪:‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬المناسبة بين فاتحة السورة وخاتمتها‪:‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها‪:‬‬

‫وتحته ثلثة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬نماذج تطبيقية من سورة البقرة‪:‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نماذج تطبيقية من سورة يوسف‪:‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬نماذج تطبيقية من سورة الرعد‪:‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬المناسبة بين مجموعة سور‪:‬‬

‫‪6‬‬
‫وتحته مطلبان‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المناسبة بين أول السورة وخاتمة ما قبلها‪:‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مناسبة مضمون كل سورة بما قبلها‪:‬‬

‫وختمت البحث بخاتمة بيَّنت فيها أهم النتائج التي توصلت‪ ،‬ثم قائمة بالمراجع التي‬

‫استعنت بها في إتمام البحث‪ ،‬وفهرس بالموضوعات التي جاءت في البحث‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫المبحث األول‪ :‬التعريف بالمناسبة في القرآن‪ ،‬وتحته خمسة مطالب‬

‫المطلب األول‪ :‬المناسبة لغة واصطلحا‪:‬‬

‫المناسبة لغة‪:‬‬

‫يقول ابن فارس ت ‪395‬هـ‪" :‬النون والسين والباء كلمة واحدة قياسها اتصال شيء بشيء‪،‬‬

‫ومنه النَّسب ُس ِمي التصاله ولالتصال به" ‪.‬‬

‫يقول الراغب األصفهاني ت ‪5٠2‬هـ‪" :‬والنسب والنسبة‪ :‬اشتراك من جهة أحد األبوين‪،‬‬

‫وذلك ضربان‪ :‬نسب بالطول؛ كاالشتراك بين اآلباء واألبناء‪ ،‬ونسب بالعرض؛ كالنسبة بين‬

‫بني اإلخوة وبني األعمام؛ قال تعالى‪{ :‬فَ َج َعلَهُ نَ َسبًا َو ِص ْهًرا} [الفرقان‪. ]54 :‬‬

‫يقول الزركشي ت ‪794‬هـ‪" :‬و ْاعلَ ْم أن المناسبة علم شريف تحزر به العقول‪ ،‬ويُعرف به قدر‬

‫قرب منه‪،‬‬
‫القائل فيما يقول‪ ،‬والمناسبة في اللغة‪ :‬المقاربة‪ ،‬وفالن يُناسب فالنًا؛ أي‪ :‬يَ ُ‬
‫ويُشاكله‪ ،‬ومنه النسيب الذي هو القريب المتصل؛ كاألخوين وابن العم ونحوه‪ ،‬وإن كانا‬

‫متناسبين بمعنًى رابط بينهما‪ ،‬وهو القرابة" ‪.‬‬

‫‪ 1‬مقاييس اللغة؛ ألحمد بن فارس‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪.422‬‬


‫‪ 2‬المفردات في غريب القرآن؛ للراغب األصفهاني‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.8٠1‬‬
‫‪ 3‬البرهان في علوم القرآن؛ للزركشي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.35‬‬

‫‪8‬‬
‫يقول الزبيدي ت ‪12٠5‬هـ‪" :‬ومن المجاز‪ :‬المناسبة‪ :‬المشاكلة‪ ،‬يقال‪ :‬بين الشيئين مناسبة‬

‫وتناسب؛ أي‪ :‬مشاكلة وتشا ُكل‪ ،‬وكذا قولهم‪ :‬ال نسبةَ بينهما‪ ،‬وبينهما نِسبة قريبة" ‪.‬‬
‫ُ‬
‫يتَّضح مما سبق أن مادة (نسب) تجمع أكثر من معنى‪ ،‬فهي تأتي بمعنى االتصال‬

‫َّسب والقرابة بين‬


‫عرضا كالن َ‬
‫طوال كاآلباء واألبناء‪ ،‬أو ً‬
‫والتشابك‪ ،‬ومعنى االشتراك في النَّ َسب ً‬

‫اإلخوة وبني األعمام‪ ،‬ومعنى المشاكلة والمشابهة‪.‬‬

‫المناسبة اصطلحا‪:‬‬

‫لل ترتيب أجزائه‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬


‫يقول البقاعي ت ‪885‬هـ‪" :‬علم مناسبات القرآن‪ :‬علم تُعرف منه ع ُ‬
‫سر البالغة"‪.5‬‬

‫يقول القاضي أبو بكر بن العربي ت ‪543‬هـ‪" :‬هو ارتباط آي القرآن بعضها ببعض؛ حتى‬

‫تكون كالكلمة الواحدة‪ُ ،‬متسقة المعاني‪ ،‬منتظمة المباني"‪.6‬‬

‫يقول الشيخ عبد الحميد الفراهي الهندي ت ‪1349‬هـ ‪ -‬وقد أطلق على التناسب اسم‬

‫النظام ‪" :-‬ومرادنا بالنظام أن تكون السورة َوحدة متكاملة‪ ،‬ثم تكون ذات مناسبة بالسورة‬

‫احدا ذا مناسبة وترتيب في‬


‫كالما و ً‬
‫السابقة والالحقة‪ ...‬وعلى هذا األصل‪ ،‬ترى القرآن كله ً‬
‫أجزائه من األول إلى ِ‬
‫اآلخر"‪.7‬‬

‫‪ 4‬تاج العروس؛ للزبيدي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.265‬‬


‫‪ 5‬نظم الدرر؛ للبقاعي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.6‬‬
‫‪ 6‬البرهان في علوم القرآن‪ ،‬للزركشي ج‪ ،1‬ص ‪.36‬‬
‫‪ 7‬دالئل النظام؛ للشيخ عبد الحميد الفراهي الهندي‪ ،‬ص ‪.75‬‬

‫‪9‬‬
‫ويقول الدكتور محمد بازمول‪" :‬هو معرفة مجموع األصول الكلية والمسائل المتعلقة بعلل‬

‫ترتيب أجزاء القرآن العظيم بعضها ببعض" ‪.‬‬

‫شديدا بين‬
‫ً‬ ‫يتَّضح من التعريفات السابقة لمصطلح المناسبة أو التناسب‪ ،‬أن هناك تقاربًا‬

‫سر البالغة؛ إذ إن المناسبة كما‬


‫علم المناسبة وعلم البالغة؛ مما حدا بالبقاعي أن يجعله َّ‬

‫هو معروف عند البالغيين هي ترتيب المعاني المتآخية والمتشابهة والمتسقة‪ ،‬وعلم‬

‫مر ‪ -‬هو معرفة علل ترتيب األجزاء‪ ،‬ومن هنا فإن علم المناسبة بالنسبة‬
‫المناسبة ‪ -‬كما َّ‬

‫ومقنِن لها‪،‬‬
‫ومعلل ترتيبها‪ُ ،‬‬
‫للمناسبة في البالغة‪ ،‬كأصول الفقه بالنسبة للفقه‪ ،‬فهو حاضنُها‪ُ ،‬‬
‫فالمناسبة البالغية الترتيب واالتساق والتآخي‪ ،‬وعلم المناسبة هو معرفة علل وأسباب هذا‬

‫الترتيب والتآخي‪.‬‬

‫‪ -‬داللة المناسبة االصطلحية عند علماء البلغة‪:‬‬

‫يقول الدكتور أحمد يحيى‪" :‬وأما داللته االصطالحية‪ ،‬فإن الناظر في المصادر البالغية ال‬

‫شارحا مفهومه اللغوي‬


‫يكاد يظفر بتعريف محدد يتفق عليه البالغيون‪ ،‬فمنهم من أشار إليه ً‬
‫عن طريق االستشهاد‪ ،‬ومنهم من أتى باألمثلة دون أن يُحدد داللته االصطالحية‪ ،‬إال‬

‫كثيرا" ‪.‬‬
‫تضمنت داللته االصطالحية التي لم تَختلف عن داللته اللغوية ً‬
‫إشارات مقتضبة َّ‬

‫‪ 8‬علم المناسبات في السور واآليات؛ للدكتور محمد بازمول‪ ،‬ص ‪.27‬‬


‫‪ 9‬التناسب في سورة محمد‪ :‬دراسة بالغية؛ للدكتور أحمد يحيى محمد‪ ،‬ص ‪.4‬‬

‫‪10‬‬
‫ومصداق قول الدكتور أحمد يحيى ما جاء عند الجاحظ ت ‪255‬هـ؛ حيث قال‪" :‬لكل‬

‫ضرب من الحديث ضرب من اللفظ‪ ،‬ولكل نوع من المعاني نوع من األسماء‪ :‬فالسخيف‬

‫للسخيف‪ ،‬والخفيف للخفيف‪ ،‬والجزل للجزل‪ ،‬واإلفصاح في موضع اإلفصاح‪ ،‬والكناية في‬

‫موضع الكناية‪ ،‬واالسترسال في موضع االسترسال"‪.1٠‬‬

‫فالجاحظ هنا يتحدث عن مناسبة األلفاظ مع األغراض‪ ،‬فيطابق بين المناسبة والقاعدة‬
‫ِ‬
‫ومطابقة الكالم لمقتضى الحال‪ ،‬وهذا بطبيعة‬ ‫البالغية التي تقتضي أن لكل مقام مقاالً‪،‬‬

‫الحال جزء من المناسبة‪ ،‬وهو مناسبة النص للواقع الذي يُلقى فيه‪.‬‬

‫نضوجا من تعريف غيره من البالغيين والمشتغلين باألدب‪،‬‬


‫ً‬ ‫وقد جاء تعريف النويري أكثر‬

‫فقد أوضح تعريفه معالم مصطلح التناسب؛ يقول‪" :‬هو ترتيب المعاني المتآخية التي تتالءم‬

‫وال تتنافر" ‪.‬‬

‫وقد علَّق الدكتور أحمد يحيى على هذا التعريف قائالً‪" :‬ومما يَلفت النظر في هذا التحديد‬

‫وصفه المعاني بالمتآخية المتالئمة‪ ،‬وهي صفة توحي ِ‬


‫بخلوها مما يَعتريها من صفات‬

‫تُخرجها عن طبقة البالغة‪ ،‬ونراه أغ َفل ِذكر األلفاظ‪ ،‬وهذا اإلغفال َّ‬
‫متعمد ومقصود؛ إذ إن‬

‫كثيرا ما نرى من أهل البالغة َمن يشير إلى مصطلح‬


‫المعاني هي التي تتطلب األلفاظ‪ ،‬و ً‬

‫‪ 1٠‬الحيوان؛ للجاحظ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.17‬‬


‫‪ 11‬نهاية األرب؛ للنويري‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.1٠7‬‬

‫‪11‬‬
‫المعاني ويريد به التركيب‪ ،‬على اعتبار أن بناء الكالم يحتاج إلى ركنين‪ ،‬هما المفردات‬

‫والمعاني المراد توصيلُها" ‪.‬‬

‫يقول الدكتور طارق مصطفى محمد‪" :‬وإذا انشغل أكثر البالغيين والمفسرين؛ كالجرجاني‪،‬‬

‫وصاحب الكشاف‪ ،‬وصاحب التحرير والتنوير‪ ،‬وغيرهم ‪ -‬بالنظم داخل اآلية القرآنية‬

‫المفردة غالبًا‪ ،‬أو بين اآليات المتجاورة‪ ،‬فإن علم التناسب ينظر إلى "النظام" الرابط بين‬
‫أجزاء السورة جميعها‪ ،‬بل يمتد إلى القرآن كله‪ِ ،‬‬
‫ومن ثَم فإن من تمام بالغة القرآن وبالغه‬

‫المبين أن يُتعامل معه باعتباره َوحد ًة واحدة؛ ولذلك تؤكد بعض التعريفات السابقة أن‬

‫السورة وحدة واحدة‪ ،‬بل إن آيات القرآن الكريم لترتبط حتى تكون كالكلمة الواحدة‪ ،‬وهو‬

‫تعبير غاية في تأكيد الوحدة العضوية للقرآن‪ ،‬فكما أن الكلمة يت َّ‬


‫هدم بُنيانها من أي تغيير‬

‫في حروفها أو زيادة أو حذف‪ ،‬فكذلك القرآن" ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬القائلون بالتناسب واآلخذون به‪:‬‬

‫‪ -1‬أبو جعفر الطبري ت ‪31٠‬هـ في تفسيره (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)‪ ،‬فقد‬

‫تحدث عن المناسبة في مواطن كثيرة من تفسيره‪ ،‬وانتصر لها‪ ،‬وإن لم يُصرح بلفظ‬

‫التناسب‪ ،‬وأغلب كالمه في المناسبة بين اآليات فحسب‪ ،‬أو بين اآليات وواقع الدعوة‪،‬‬

‫‪ 12‬التناسب في سورة محمد‪ :‬دراسة بالغية؛ للدكتور أحمد يحيى محمد‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪ 13‬التناسب في سورة البقرة؛ للدكتور طارق مصطفى محمد‪ ،‬ص ‪.14‬‬

‫‪12‬‬
‫المقدر المحذوف الذي تُِرك لداللة‬
‫َ‬ ‫الكالم‬
‫دمج تفسير آيتين؛ ليُبرز العالقةَ بينهما‪ ،‬و َ‬
‫وربما َ‬
‫ظهر من الكالم عليه َوفْق تعبيره ‪.‬‬
‫ما َ‬
‫‪ -2‬القاضي عبد القاهر الجرجاني ت ‪ 471‬هـ‪ :‬صاحب نظرية النظم الذي هو بحسب‬

‫تعبيره‪" :‬تعليق الكلم بعضها ببعض‪ ،‬وجعل بعضها بسبب من بعض" ‪ ،‬وعنده أن المعاني‬

‫تترتب في النفس أوالً وتَتبعها األلفاظ ُمرتبة على حسب ترتيب المعاني‪.‬‬

‫أيضا‪" :‬وأنك إذا َفرغت من ترتيب المعاني في نفسك‪ ،‬لم تحتج إلى أن‬
‫يقول عبد القاهر ً‬
‫فكرا في ترتيب األلفاظ‪ ،‬بل تجدها تترتَّب لك بحكم أنها َخ َدم للمعاني‪ ،‬وتابعة‬
‫تستأنف ً‬
‫لها‪ ،‬والحقة بها‪ ،‬وأن العلم بمواقع المعاني في النفس‪ ،‬علم بمواقع األلفاظ الدالة عليها في‬

‫النطق" ‪.‬‬

‫ولعل هذا ِ‬
‫يوضح أن النظم هو اإلعجاز الحقيقي للقرآن عند عبد القاهر‪.‬‬

‫يقول الدكتور طه جابر العلواني‪" :‬ومع أن الجرجاني لم ينص على مفهوم التناسب والوحدة‬

‫أسست لها‪َّ ،‬‬


‫وشقت الطريق‬ ‫البنائية في القرآن الكريم‪ ،‬فإن جهوده في بناء نظرية النظم قد َّ‬

‫إليها؛ من حيث إن الترتيب هو األساس في النظم‪ ،‬كما أنه السر في التناسب‪ ،‬والجرجاني‬

‫نظريا يُقرر أن ترتيب اآليات والسور واألعشار‪ ،‬هو على أكمل وجوه االتساق والنظام‬

‫‪ 14‬ينظر‪ :‬جامع البيان؛ للطبري‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،458‬وداللة السياق؛ للدكتور عبد الوهاب أبو صفية‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪ 15‬دالئل اإلعجاز؛ لعبد القاهر‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪ 16‬السابق‪ ،‬ص ‪.54‬‬

‫‪13‬‬
‫واإلتقان وااللتئام واإلحكام‪ ،‬لكنه في التقعيد والتطبيق رَّكز على الترتيب في الجملة واآلية‪،‬‬

‫ولم يتجاوز إلى وحدة السورة أو التناسب بين السور‪ ،‬أو الوحدة في القرآن كله" ‪.‬‬

‫كشافه نظرية الجرجاني في النظم‪ ،‬وهو‬


‫‪ -3‬الزمخشري ت ‪538‬هـ‪ :‬طبَّق الزمخشري في َّ‬

‫منظما‪ ،‬ونزله‬
‫كالما ُمؤل ًفا ً‬
‫منذ البداية يؤكد في مقدمته‪" :‬الحمد لله الذي أنزل القرآن ً‬
‫ختتما"‪.18‬‬
‫فتتحا‪ ،‬وباالستعاذة ُم ً‬
‫نجما‪ ،‬وجعله بالتحميد ُم ً‬
‫بحسب المصالح ُم ً‬
‫صرح الزمخشري بنظم الكلم القرآني‪ ،‬ولفت في حديثه عن‬
‫يقول الدكتور طارق مصطفى‪َّ " :‬‬

‫افتتاح القرآن واختتامه إلى كون القرآن وحدة واحدة‪ ،‬وألمح ‪ -‬وهو يُميز بين اإلنزال والتنزيل‬

‫‪ -‬إلى أن الترتيب توقيفي‪ ،‬وهو ما أكده في تفسير سورة القدر؛ فالقرآن ‪ -‬بحسب ما‬

‫يُفهم من كالم الزمخشري في المقدمة‪ ،‬حين أُنزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا ‪ -‬كان‬

‫فرقًا على النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لكن جمعه في المصاحف‬
‫تنزل ُم َّ‬
‫منظما‪ ،‬ثم َّ‬
‫مؤل ًفا ً‬
‫كان َوف ًقا للترتيب األول" ‪.‬‬

‫وتماسكه‪ ،‬فيصف نظم‬


‫ُ‬ ‫والناظر في الكشاف يجد الزمخشري يؤكد وحدة النص القرآني‬

‫القرآن الرصين بالبناء المحكم المرصف‪ ،‬وذلك في تفسير اآلية األولى من سورة هود‪{ :‬الر‬

‫‪ 17‬مقدمة كتاب‪ :‬الوحدة البنائية للقرآن المجيد؛ للدكتور طه جابر العلواني‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪ 18‬الكشاف؛ للزمخشري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.6‬‬
‫‪ 19‬التناسب في سورة البقرة؛ للدكتور طارق مصطفى محمد‪ ،‬ص ‪.18‬‬

‫‪14‬‬
‫ت ِم ْن لَ ُد ْن َح ِكيم َخبِير} [هود‪ ،]1 :‬قال‪" :‬أُحكمت آياته‪:‬‬ ‫ت آياتُه ثُ َّم فُ ِ‬
‫صلَ ْ‬
‫كِتَاب أ ِ‬
‫ُحك َم ْ َ ُ‬
‫ْ‬
‫المرصف" ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المحكم ُ‬
‫حكما‪ ،‬ال يقع فيه نَـ ْقض وال َخلل؛ كالبناء ُ‬
‫نظما رصينًا ُم ً‬
‫نُظمت ً‬
‫وهذا إن َّ‬
‫دل على شيء‪ ،‬فإنما يدل على أن الزمخشري أفضل َمن قرأ فكر عبد القاهر‬

‫البالغي‪.‬‬

‫‪ -4‬القاضي أبو بكر بن العربي ت ‪543‬هـ‪ :‬وهو من الذين انتصروا للمناسبة‪ ،‬وقد نقل عنه‬

‫الزركشي في البرهان قوله‪" :‬ارتباط آي القرآن بعضها ببعض‪ ،‬حتى تكون كالكلمة الواحدة؛‬

‫متسقة المعاني‪ ،‬منتظمة المعاني‪ ،‬علم عظيم‪ ،‬لم يتعرض له إال عالم واحد عمل فيه بسورة‬

‫فلما لم نَجد له َح َملةً‪ ،‬ورأينا الخلق فيه بأوصاف‬


‫البقرة‪ ،‬ثم فتح الله عز وجل لنا فيه‪َّ ،‬‬

‫البَطَلة‪ ،‬ختمنا عليه‪ ،‬وجعلناه بيننا وبين الله‪َ ،‬ورددناه إليه" ‪.‬‬
‫‪ - 5‬أبو جعفر بن الزبير ت ‪7٠8‬هـ في كتابيه‪ ":‬البرهان في تناسب سور القرآن"‪ ،‬و ِ‬
‫"مالك‬ ‫َ‬
‫التأويل"‪ ،‬وقد كان هذا الرجل من أشد المنتصرين للمناسبة ووجودها في القرآن‪ ،‬وقد َّ‬
‫حدد‬

‫خصصه لموضوعات‬
‫الدكتور طارق مصطفى موضوعات كتابيه‪ ،‬فقال‪" :‬فأما البرهان فقد َّ‬

‫السور واالرتباط فيما بينها‪ ،‬وقد نقل البقاعي أغلبه في تفسيره ُم ِ‬


‫صر ًحا بنسبة كالمه إليه‪،‬‬

‫كما نقل عنه غير واحد من تالميذه؛ كصاحب البحر المحيط ‪ -‬أبي حيان ‪ -‬وصاحب‬

‫التسهيل ‪ -‬ابن مالك ‪ -‬واألول تابَع أستا َذه واقتفى أثره في االهتمام وااللتفات إلى موضوع‬

‫خصصه لتفسير اآليات المتشابهات؛ حيث كان‬


‫التناسب‪ ،‬وأما (مالك التأويل)‪ ،‬فإنه قد َّ‬

‫‪ 2٠‬الكشاف؛ للزمخشري‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.771‬‬


‫‪ 21‬البرهان؛ للزركشي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.62‬‬

‫‪15‬‬
‫كثيرا ما يذكر أن السبب هو االرتباط باآلية السابقة والسياق‪ ،‬كما يلفت إلى المناسبة مع‬
‫ً‬
‫يتكرر فيها من األلفاظ و ِ‬
‫الصيَغ والمعاني التي تُميز كل سورة عما‬ ‫موضوع السورة‪ ،‬وما َّ‬

‫سواها" ‪.‬‬

‫‪ -6‬بدر الدين الزركشي ت ‪794‬هـ‪ :‬وقد تحدث في كتابه البرهان في علوم القرآن عن‬

‫فعرفه وذ َكر َّرواده‪ ،‬وأبرز المشتغلين به إلى زمانه‪،‬‬


‫احدا من علوم القرآن‪َّ ،‬‬
‫التناسب باعتباره و ً‬

‫وردودهم على المعترضين‪ ،‬ثم أفاض في الحديث عن وجوه التناسب‪.‬‬

‫‪ -7‬برهان الدين البقاعي ت ‪885‬هـ‪ :‬وله التفسير المسمى‪( :‬نظم الدرر في تناسب اآليات‬

‫أيضا‪( :‬مصاعد النظر في اإلشراف على مقاصد السور)؛ حيث كان دأب‬
‫والسور)‪ ،‬وله ً‬
‫البقاعي في نظم الدرر أن يُورد في بداية كل سورة مقصودها من خالل اسمها الدال على‬

‫هذا المقصود حسب رأيه‪ ،‬وال يكتفي بذلك‪ ،‬وإنما يتحدث عن كل أوجه التناسب؛ داخل‬

‫اآلية‪ ،‬وبين اآليتين‪ ،‬وفيما بين مقاطع السورة‪ ،‬والتناسب بين ختام السورة وبدايتها فيما‬

‫يُسميه‪" :‬رد المقطع على المطلع" بالنسبة للسورة‪ ،‬ثم بين السورة وجارتها‪ ،‬بل ويتحدث‬

‫عن "رد المقطع على المطلع" بالنسبة للقرآن؛ أي‪ :‬المناسبة بين السور التي في آخر‬

‫المصحف ونظيراتها في أوله‪ ،‬باعتبار القرآن جميعِه َوحد ًة واحدة ‪.‬‬

‫يقول الدكتور طارق مصطفى‪" :‬ولعل جهد البقاعي في نظم الدرر هو األجمع واألشمل‬

‫تفصيال‪ ،‬واألفضل من كل سابقيه وأغلب الذين جاؤوا من بعده؛ فإنه قد جعل‬


‫ً‬ ‫واألكثر‬

‫‪ 22‬التناسب في سورة البقرة؛ للدكتور طارق مصطفى محمد‪ ،‬ص ‪.2٠‬‬


‫‪ 23‬التناسب القرآني عند البقاعي؛ للدكتور مشهور موسى‪ ،‬ص ‪ 57‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫كنوزا من هذا الفن‪ ،‬وال عبرة بما‬
‫المناسبة من جميع جوانبها غايته من الكتاب الذي حوى ً‬
‫يقال أحيانًا عن تكلُّفه فيه‪ ،‬فبعضه من كالم األقران‪ ،‬أو الذين ال يقدرون هذا العلم حق‬

‫قدره‪ ،‬ثم هل يتوقع من البقاعي وقد أخذ على عاتقه استقصاء وجوه التناسب في القرآن كله‬

‫‪ -‬أن يهتدي إلى األصوب في كل موضع؟ وبحسب البقاعي أنه قد التفت إلى بعض أوجه‬

‫التناسب التي لم يُسبق إليها؛ كداللة اسم السورة على مقصودها‪ ،‬أو رد المقطع على‬

‫المطلع فيما يتعلق بالتناسب بين السور التي في آخر المصحف ونظيراتها في آخره‪ ،‬وهذه‬

‫الثانية لم يتابعه فيها أحد من المتأخرين‪ ،‬بحسب علم الباحث" ‪.‬‬

‫‪ -8‬السيوطي ت ‪911‬هـ‪ :‬انتصر السيوطي لوجود المناسبة في القرآن‪ ،‬وقد ألَّف كتبًا كثيرة‬

‫جاءت المناسبة جزءًا منها؛ مثل‪( :‬اإلتقان)‪ ،‬و(معترك األقران)‪ ،‬وقد نقل فيهما أغلب كالم‬

‫قصرها على المناسبة؛ مثل‪( :‬تناسق الدرر في‬ ‫الزركشي في (البرهان)‪ ،‬وألَّف ً‬
‫أيضا ُكتبًا َ‬
‫تناسب السور)‪ ،‬وقد ذكر السيوطي في مقدمته أن هذا الكتاب هو جزء من كتاب له كبير‬

‫في موضوع التناسب‪ ،‬واسمه (أسرار التنزيل)‪ ،‬وله‪( :‬قطف األزهار في كشف األسرار)‪،‬‬

‫و(مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع)‪.‬‬

‫‪ 24‬التناسب في سورة البقرة؛ للدكتور طارق مصطفى‪ ،‬ص ‪ 21‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬المعارضون والرد على اعتراضاتهم‪:‬‬

‫أوال‪ :‬المعترضون على المناسبة‪:‬‬

‫كان أبرز َمن نُِقل عنهم االعتراض على المناسبة‪ :‬الشيخ عز الدين بن عبد السالم ت‬

‫‪66٠‬هـ‪ ،‬واإلمام الشوكاني ت ‪125٠‬هـ‪ ،‬فأما العز بن عبد السالم فقد قال‪" :‬من محاسن‬

‫مقطعا‪ ،‬وهذا بشرط أن‬


‫الكالم أن يرتبط بعضه ببعض‪ ،‬ويتشبَّث بعضه ببعض؛ لئال يكون ً‬
‫يقع الكالم في أمر متحد‪ ،‬فيرتبط أوله بآخره‪ ،‬فإن وقع على أسباب مختلفة لم يَشترط فيه‬

‫ارتباط أحد الكالمين باآلخر‪ ،‬ومن ربط ذلك فهو متكلف لِما ال يقدر عليه إال بربط‬

‫ركيك‪ ،‬يُصان عن مثله حسن الحديث‪ ،‬فضالً عن أحسنه؛ فإن القرآن نزل في نيِف‬

‫وعشرين سنة في أحكام مختلفة‪ ،‬شرعت ألسباب مختلفة غير ُمؤتلفة‪ ،‬وما كان كذلك ال‬

‫تصرف اإلله في خلقه وأحكامه بعضها‬ ‫يتأتَّى ربط بعضه ببعض؛ إذ ليس يَ ُ‬
‫حسن أن يرتبط ُّ‬

‫ببعض‪ ،‬مع اختالف العلل واألسباب" ‪.‬‬

‫بتصرف الملوك والحكام والمفتين‪ ،‬وتصُّرف اإلنسان نفسه بأمور‬


‫وراح يضرب لذلك أمثلة ُّ‬

‫متوافقة ومتخالفة ومتضادة‪ ،‬وأنه ليس ألحد أن يطلب ربط بعض تلك التصرفات مع بعض‪،‬‬

‫مع اختالفها في نفسها واختالف أوقاتها ‪.‬‬

‫‪ 25‬اإلشارة إلى اإليجاز في بعض أنواع المجاز‪ ،‬وبذيله‪ :‬نبذ من مقاصد القرآن الكريم؛ للعز بن عبد السالم‪ ،‬ص‬
‫‪.339-338‬‬
‫‪ 26‬السابق‪ ،‬ص ‪.339‬‬

‫‪18‬‬
‫يقول الدكتور مشهور موسى‪" :‬وأما الشوكاني فقد انتصب للرد على األخذ بفن التناسب في‬

‫القرآن‪ ،‬وأنحى باللوم والتقريع على أئمة التفسير‪ ،‬وأطال في االستدالل برأيه‪ ،‬وأبدأ في ذلك‬

‫وأعاد" ‪.‬‬

‫كثيرا من المفسرين جاؤوا بعلم متكلف‪ ،‬وخاضوا في بحر لم‬


‫يقول الشوكاني‪ْ " :‬اعلَ ْم أن ً‬
‫يكلفوا سباحته‪ ،‬واستغرقوا أوقاتهم في فن ال يعود عليهم بفائدة‪ ،‬بل أوقعوا أنفسهم في‬

‫التكلم بمحض الرأي المنهي عنه في األمور المتعلقة بكتاب الله سبحانه؛ وذلك أنهم‬

‫أرادوا أن يذكروا المناسبة بين اآليات القرآنية المسرودة على هذا الترتيب الموجود في‬

‫تنزه عنها كالم البلغاء‪،‬‬


‫يتبرأ منها اإلنصاف‪ ،‬ويَ َّ‬ ‫المصاحف‪ ،‬فجاؤوا بتكلُّفات ُّ‬
‫وتعسفات َّ‬

‫فضالً عن كالم الرب سبحانه‪ ،‬حتى أفردوا ذلك بالتصنيف‪ ،‬وجعلوه المقصد األهم من‬

‫ومن تَقدَّمه حسبما ذكر في خطبته" ‪.‬‬


‫التأليف‪ ،‬كما فعله البقاعي في تفسيره‪َ ،‬‬
‫يقول الدكتور أحمد محمد الشرقاوي سالم‪" :‬ونحن نُوافق الشوكاني في أن التكلُّف منهي‬

‫عنه في التفسير أو في غيره‪ ،‬وأنه ال يجوز التكلم بمحض الرأي المنهي عنه‪ ،‬فعلم‬

‫المناسبات يحتاج إلى تدبُّر ُّ‬


‫وتفكر ال إلى تكلُّف ُّ‬
‫وتعسف‪ ،‬وهو علم ال بد منه وال غنى عنه‬

‫ألي مفسر؛ ألنه يُعين على فَـ ْهم المعنى والترجيح بين اآلراء‪ ،‬ومعرفة المقاصد العامة لآليات‬

‫تأمل دقيق‬
‫والسور‪ ،‬وغير ذلك من فوائد‪ ،‬والمناسبة قد تكون واضحة جلية‪ ،‬وقد تحتاج إلى ُّ‬

‫‪ 27‬التناسب القرآني عند البقاعي؛ للدكتور مشهور موسى‪ ،‬ص ‪.53‬‬


‫‪ 28‬فتح القدير؛ للشوكاني‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.86‬‬

‫‪19‬‬
‫إنكارها ونفيُها" ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وتدبُّر عميق‪ ،‬فإذا َخفيت المناسبة‪ ،‬فال ينبغي ُ‬

‫ثانيا‪ :‬الرد على المعترضين‪:‬‬

‫وفي اإلجابة عن كلم العالمين الجليلين‪ ،‬ربما تحسن اإلشارة إلى األمور اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬أنهما يتفقان في مجمل االعتراضات‪ ،‬بل يمكن القول‪ :‬إن كالم الشوكاني رحمه الله‬

‫هو بسط وتطويل لكالم العز بن عبد السالم‪ ،‬لكن في سياق خطابي‪ ،‬ولذلك لن أُفرد كل‬

‫واحد منهما بجواب خاص‪.‬‬

‫‪ - 2‬أن العز ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬ال يرفض التناسب مطل ًقا‪ ،‬بل يَشترط فيه أن يقع في أمر‬

‫مرتبط أوله بآخره‪ ،‬دون ما يقع على أسباب مختلفة‪ ،‬على حد تعبيره‪ ،‬وهذا سبب لوجازة‬

‫وخفة ِح َّدته كما يبدو‪.3٠‬‬


‫كالمه ِ‬

‫قديما وحديثًا‪ ،‬فإن رأي العز‬


‫وقد ذكر الدكتور مشهور موسى أنه باإلفادة مما كتبه الباحثون ً‬
‫مردوم أوالً بنقل الزركشي‪ ،‬وقد قال الزركشي عقب إيراده رأي العز مباشرة‪" :‬قال بعض‬

‫مشايخنا المحققين‪ :‬قد وهم من قال‪ :‬ال يطلب لآلي مناسبة؛ ألنها على حسب الوقائع‬

‫المتفرقة‪ ،‬وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيالً‪ ،‬وعلى حسب الحكمة ترتيبًا‬

‫سوره كلها‬
‫وتأصيالً‪ ،‬فالمصحف كالصحف الكريمة على َوفق ما في الكتاب المكنون ُمرتبة ُ‬

‫‪ 29‬موقف الشوكاني في تفسيره من المناسبات‪ ،‬بحث محكم بكلية أصول الدين جامعة األزهر ‪1425‬هـ؛ للدكتور‬
‫أحمد محمد الشرقاوي سالم‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫‪ 3٠‬ينظر التناسب في سورة البقرة؛ للدكتور طارق مصطفى‪ ،‬ص ‪.28‬‬

‫‪20‬‬
‫استُـ ْفتِي في أحكام متعددة‪ ،‬أو ناظَر فيها‪ ،‬أو‬
‫وآياته بالتوقيف‪ ،‬وحافظ القرآن العظيم لو ْ‬
‫يتل كما أفتى‪ ،‬وال كما‬ ‫ِ‬
‫أمالها ‪ -‬لذكر آية كل حكم على ما ُسئل‪ ،‬وإذا رجع إلى التالوة لم ُ‬
‫نزل ُمفرقًا‪ ،‬بل كما أُنزل ُجملة إلى بيت العزة" ‪.‬‬

‫يقول الدكتور مشهور موسى‪" :‬وعلى فرض أن اإلمام العز بن عبد السالم قد رام هذا‪ ،‬فإن‬

‫القرآن كالم الله األزلي المتصف بالكمال والمنزه عن النقص‪ ،‬ونزول آياته منجمة ألسباب‬

‫خاصة في أزمنة متباعدة‪ ،‬ال يمنع التناسب بينها‪ ،‬فهي متناسبة في اللوح المحفوظ قبل‬

‫معا أن هناك بناءً تاما‪ ،‬وفي وقت ما‬


‫نزولها‪ ،‬ولتقريب الصورة ‪ -‬مع فارق التشبيه ‪ -‬نتخيل ً‬
‫ورتِب على ما‬ ‫تفرق هذا البناء‪ ،‬وأخذ منه كل حسب حاجته‪ ،‬ثم جيء بعد ذلك‪ِ ،‬‬
‫وجمع ُ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬

‫قبل‪ ،‬وهو ما كان بالفعل من حال آيات الله وسوره‪ ،‬ولله المثل األعلى" ‪.‬‬
‫كان من ُ‬
‫وأما ملخص ما جاء في الرد على اإلمام الشوكاني‪ :‬أنا ما زلنا نرى دارسي األدب يُعنون‬

‫بإبراز التناسب بين أبيات القصيدة وارتباط أغراضها ببعضها‪ ،‬وحسن انتقال الشاعر أو‬

‫الكاتب من غرض إلى آخر‪ ،‬بما يَصون كالمه عن التفكك وعدم االنسجام ‪ -‬مع فارق‬

‫تصورا كليا لقضية ما‪ ،‬وأما النص القرآني فإن‬


‫التشبيه بين النصين؛ فالنص األدبي يعكس لنا ً‬
‫السورة الواحدة فيها حياة مليئة بكل حركة تفصيلية لشؤؤن الحياة جميعها ‪ -‬فكيف ال يَِرد‬

‫‪ 31‬البرهان في علوم القرآن؛ للزركشي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.37‬‬


‫‪ 32‬التناسب القرآني عند البقاعي؛ للدكتور مشهور موسى‪ ،‬ص ‪.54‬‬

‫‪21‬‬
‫هذا في أفصح كالم وأبلغ نظام‪ ،‬إضافة إلى ما يفيده هذا التناسب من ترجيح لبعض األقوال‬

‫أيضا من تَـ ْق ِوية المعنى والحث عليه ‪.‬‬


‫على بعض‪ ،‬وما يفيد ً‬
‫ومما سبق يتضح أن اإلمام الشوكاني واإلمام العز بن عبد السالم قد جانَبهما الصواب في‬

‫مسألة اعتراضهما على القول بالمناسبة في القرآن‪ ،‬وأن جميع الشبهات التي استندا إليها ال‬

‫تقوى على غمز علم المناسبة أو الحط من شأنه‪ ،‬ما دامت هناك ضوابط موجود متمثلة في‬

‫ُحسن الربط والبعد عن التكلُّف و ُّ‬


‫التعسف‪ ،‬وهذ بالطبع ما يوجد في القرآن ‪ -‬أي ُحسن‬

‫الربط والبُعد عن التكلف والتعسف ‪ -‬وعلى ذلك فالمناسبة تُعد من أدق العلوم والوسائل‬

‫وسبكه‪.‬‬
‫التي تساعد على التعمق في فَـ ْهم القرآن‪ ،‬واكتشاف دقائق ترابُطه َ‬

‫لكن الدكتور محمد عناية الله سبحاني كان له رأي آخر في معارضة الشوكاني‬

‫للمناسبة؛ إذ إنه يرى أن الشوكاني لم يكن يعارض المناسبة‪ ،‬ولم يُنكرها‪ ،‬فيقول‪" :‬إن‬

‫األمر‪ ،‬وإن عبارته هذه ال تكفي‬


‫اإلمام الشوكاني له فضله ومكانته‪ ،‬بحيث ال يُقطع دونه ُ‬
‫أزر القائلين‬ ‫نهجا ُّ‬
‫يشد َ‬ ‫للقطع بأنه من المعارضين لتلك الفكرة‪ ،‬كيف وهو يَنهج في تفسيره ً‬

‫بها‪ ،‬وال يجد فرصة إلبراز النظام ‪ -‬المناسبة ‪ -‬إال ويَنتهزها‪ ،‬ويقف عندها وقفة ال بأْ َ‬
‫س‬

‫بها؟!" ‪.‬‬

‫‪ 33‬السابق‪ ،‬ص ‪ 54‬بتصرف يسير‪.،‬‬


‫‪ 34‬إمعان النظر في نظام اآلي والسور؛ للدكتور محمد عناية الله سبحاني‪ ،‬ص ‪.36‬‬

‫‪22‬‬
‫ثم راح يأتي بأمثلة من تفسير الشوكاني يُدلل بها على أن الشوكاني لم يكن يعارض القول‬

‫بالمناسبة في القرآن‪ ،‬ومن هذه األمثلة التي جاء بها‪ :‬قول الشوكاني عند تفسيره قولَه تعالى‪:‬‬
‫ِ‬ ‫آل إِبـر ِاهيم و َ ِ‬
‫ين} [آل عمران‪:]33 :‬‬
‫آل ع ْمَرا َن َعلَى الْ َعالَم َ‬ ‫وحا َو َ ْ َ َ َ‬‫آد َم َونُ ً‬ ‫{إِ َّن اللَّهَ ْ‬
‫اصطََفى َ‬
‫محمدا صلى الله عليه وسلم‬
‫ً‬ ‫"لَ َّما َفرغ سبحانه من بيان أن الدين المرضي هو اإلسالم‪ ،‬وأن‬

‫يحب الله إال باتباعه‪ ،‬وأن اختالف أهل الكتابين فيه‪،‬‬


‫هو الرسول الذي ال يصح ألحد أن َّ‬

‫إنما هو لمجرد البغي عليه والحسد له ‪ -‬شرع في تقرير رسالة النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬

‫وبيَّن أنه من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة" ‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬أهمية علم المناسبات‪:‬‬

‫تناولوا موضوع المناسبة لذكر أهميتها‪ ،‬ومنهم اإلمام البقاعي‪ ،‬وأبو جعفر‬
‫تعرض كثير ممن َ‬
‫َّ‬

‫بن الزبير‪ ،‬وقد تشابهت أقوالهم في الحديث عن أهمية علم المناسبات‪ ،‬وكان بينها قواسم‬

‫مشتركة ومن مالمح أهمية علم المناسبة‪:‬‬

‫‪ -1‬ف هم مراد الله تعالى في كتابه‪ ،‬وعدم الوقوع في اللبس أو الخطأ أو التأويلت‬

‫المغالى فيها؛ يقول الدكتور صالح الخالدي‪" :‬استند كثير من القدامى والمعاصرين على‬

‫يصهُ قُ َّد ِم ْن ُدبُر قَ َال إِنَّهُ ِم ْن‬ ‫ِ‬


‫هذا الجزء من قوله تعالى على لسان العزيز‪{ :‬فَـلَ َّما َرأَى قَم َ‬
‫َكْي ِد ُك َّن إِ َّن َكْي َد ُك َّن َع ِظيم} [يوسف‪ ]28 :‬في القول بأن ذلك تقرير إلهي بأن كيد النساء‬

‫‪ 35‬فتح القدير؛ للشوكاني‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.333‬‬

‫‪23‬‬
‫عظيم؛ حيث غفلوا عن أن القائل هو العزيز‪ ،‬وكون القرآن أورد قوله ال يعني بالضرورة‬

‫موافقته عليه‪ ،‬وكم قد اقتبس القرآن من أقوال الكفار والمنافقين! فضالً عن أن هذا القول‬

‫ضعف شخصيته وعجزه أمام انحراف زوجته" ‪.‬‬


‫من العزيز دليل على َ‬

‫‪ -2‬أن المناسبة في أحايين كثيرة تكون مفتاح معرفة حكم القرآن ودرره‪:‬‬

‫والدليل على ذلك قول اإلمام الرازي‪" :‬إن أكثر لطائف القرآن ُمودعة في الترتيبات‬

‫والروابط" ‪ ،‬وقد أكد البقاعي أن المقصود بالترتيب معان جليلة الوصف‪ ،‬بديعة الرصف‪،‬‬

‫عالية األمر‪ ،‬عظيمة القدر ‪.‬‬


‫وقال الشيخ عبد الحميد الفراهي‪" :‬ولَ َّما كان أكثر ِ‬
‫الح َكم ومعالي األمور َمخبوءة تحت‬

‫عظمه" ‪.‬‬
‫فمن ترك النظر فيه َترك من معنى القرآن ُم َ‬
‫دالالت النظم‪َ ،‬‬
‫يقول الدكتور طارق مصطفى محمد‪" :‬ويجد القارئ أن المفسرين والمشتغلين بعلوم القرآن‬

‫كثيرا ما يتوقفون عند السر في اختتام آية ببعض األسماء الحسنى‬


‫والدراسات القرآنية‪ً ،‬‬
‫أس َم ْوه براعة االستهالل بالنسبة لسورة معينة‪ ،‬أو‬
‫واختتام غيرها بغيرها‪ ،‬وكذا التوقف عند ما ْ‬
‫ائدا على القول السابق في تفسير كل‬
‫ُحسن اختتامها‪ ،‬والمعنى من تتالي آيتين أو سورتين‪ ،‬ز ً‬

‫منهما على ِح َدة‪ ،‬ومثله في ترتيب المواضيع في اآلية الواحدة‪ ،‬كالسر في ترتيب أركان‬

‫‪ 36‬القصص القرآني؛ للدكتور صالح الخالدي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ،127‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪ 37‬التفسير الكبير؛ للرازي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.11٠‬‬
‫‪ 38‬نظم الدرر؛ للبقاعي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.8‬‬
‫‪ 39‬دالئل النظام؛ للشيخ عبد الحميد الفراهي‪ ،‬ص ‪.38‬‬

‫‪24‬‬
‫ول ‪[ }...‬البقرة‪ ،]285:‬أو الحكمة في ترتيب وجوه‬
‫الر ُس ُ‬
‫اإليمان في اآلية الكريمة { َآم َن َّ‬

‫س الْبَِّر‪[ }...‬البقرة‪ ،]177:‬والمعاني من كون الفاتحة في أول‬


‫البر في قوله تعالى‪{ :‬لَْي َ‬
‫المصحف‪ ،‬والمعوذتين في آخره" ‪.‬‬

‫فعال في إظهار اإلعجاز القرآني وأحد ركائزه‪:‬‬


‫‪ -3‬التناسب عامل َّ‬

‫مر وجه أصيل من وجوه اإلعجاز القرآني‪ ،‬ودليل آخر على ربانية هذا الكتاب‬
‫التناسب كما َّ‬

‫العظيم‪ ،‬وأنه معجز كله؛ يقول البقاعي في‪" :‬وبهذا العلم يرسخ اإليمان في القلب‪ ،‬ويتمكن‬

‫من اللب؛ وذلك أنه يكشف أن لإلعجاز طريقين‪ :‬أحدهما‪ :‬نظم كل جملة على حيالها‬

‫بحسب التركيب‪ ،‬والثاني‪ :‬نظمها مع أختها بالنظر إلى الترتيب" ‪.‬‬

‫وقد قال الشيخ أبو بكر النيسابوري‪" :‬إن إعجاز القرآن البالغي لم يرجع إال إلى هذه‬

‫المناسبات الخفية والقوية بين آياته وسوره‪ ،‬حتى كأن القرآن كله كالكلمة الواحدة ترتيبًا‬

‫وتماس ًكا" ‪.‬‬


‫ُ‬

‫‪ -4‬المناسبة تكشف أهمية األمور وقدرها‪:‬‬

‫‪ 4٠‬التناسب في سورة البقرة؛ للدكتور طارق مصطفى محمد‪ ،‬ص ‪.57‬‬


‫‪ 41‬نظم الدرر؛ للبقاعي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.7‬‬
‫‪ 42‬الفصل والوصل؛ للدكتور بسيوني عرفة‪ ،‬ص ‪ ،39‬مكتبة الرسالة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫وقد مثَّل الدكتور طارق مصطفى لذلك بقوله‪" :‬ومثال ذلك‪ :‬معرفة سر اقتران طاعة الرسول‬

‫صلى الله عليه وسلم بطاعة الله تعالى في كثير من اآليات‪ ،‬ومغزى مجيء الزكاة بعد‬

‫الصالة في عدة مواطن من كتاب الله‪ ،‬وأهمية اإلحسان بالوالدين؛ إذ جاء تاليًا لألمر‬

‫بالتوحيد في أكثر من موطن" ‪.‬‬

‫وينقل الدكتور محمد عناية الله سبحاني عن اإلمام عبد الحميد الفراهي الهندي قوله‪:‬‬

‫"وقد عظُم بيان الجمعة عندي حين علِمت كيف َّ‬


‫مهد الله قبلها من ِذكر تسبيح ما في‬

‫وخسران اليهود على استخفافهم‬


‫السموات واألرض‪ ،‬وصفاته الحسنى‪ ،‬وفضله على األمة‪ُ ،‬‬

‫بحكم الله‪ ،‬فقد رغَّب‪ ،‬ثم رغَّب‪ ،‬ثم َّ‬


‫رهب‪ ،‬ثم ذ َكر أحكام الجمعة" ‪.‬‬ ‫ُ‬

‫‪ -6‬ومن أهمية علم المناسبات دفع ما يتوهَّم أنه تكرار في القرآن‪:‬‬

‫تحدث كثير من المفسرين والبالغيين عن التكرار‪ ،‬وذكروا أن القرآن خال من التكرار‪ ،‬وأن‬
‫ما به مما ي ِ‬
‫وهم وجود التكرار‪ ،‬فإنما هو تشابه‪ ،‬وقد تحدث البقاعي عن التناسب وأهميته‬‫ُ‬
‫توهم التكرار بقوله‪ :‬وبه يتبيَّن لك أسرار القصص المكررات‪ ،‬وأن كل سورة أُعيدت‬
‫في دفع ُّ‬

‫فيها قصة‪ ،‬فلمعنى ُّاد ِعي في تلك السورة‪ ،‬استدل عليه بتلك القصة غير المعنى الذي‬

‫ِسيقت له ‪.‬‬

‫‪ 43‬التناسب في سورة البقرة؛ للدكتور طارق مصطفى‪ ،‬ص ‪.58‬‬


‫‪ 44‬إمعان النظر في نظام اآلي والسور‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ 45‬نظم الدرر؛ للبقاعي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ،8‬بتصرف يسير‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫يقول الشيخ سيد قطب‪" :‬ويحسب الناس أن هناك تَكر ًارا في القصص القرآني؛ ألن القصة‬

‫الواحدة يتكرر عرضها في سور شتى‪ ،‬ولكن النظرة الفاحصة تؤكد أنه ما من قصة أو حلقة‬

‫من قصة قد تكررت في سورة واحدة ‪ -‬من ناحية القدر الذي يساق وطريقة األداء في‬

‫السياق ‪ -‬وأنه حيثما تكررت حلقة‪ ،‬كان هناك جديد تُؤديه ينفي حقيقة التكرار" ‪.‬‬

‫‪ -7‬يساعد علم المناسبة في ملحظة اقتباس النبي وصحابته من القرآن ونظمه‪:‬‬

‫توجد أحاديث كثيرة ُوِجد فيها تناص ومناسبة مع كثير من آيات القرآن الكريم‪ ،‬يقول‬

‫نظام اآليات ورباط معانيها‪ ،‬ثم‬


‫تأمل الباحث َ‬
‫الدكتور محمد عناية الله سبحاني‪" :‬فإذا َّ‬

‫تياحا إلى ما فتح‬


‫تأييدا في كالم النبوة وآثارها ‪ -‬ازداد بذلك ثقة وار ً‬
‫وصل إلى ما يجد له ً‬

‫اقتناعا بصحة ذلك الحديث الذي وجد له‬


‫احا و ً‬‫الله عليه من خزائن حكمته‪ ،‬كما ازداد انشر ً‬
‫أصالً في تنزيله" ‪.‬‬

‫ومن أمثلة ذلك ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‪(( :‬يا معشر الشباب‪َ ،‬من‬

‫فمن لم يستطع فعليه‬


‫أحصن للفرج‪َ ،‬‬
‫أغض للبصر‪ ،‬و ُ‬
‫فليتزوج؛ فإنه ُّ‬
‫استطاع منكم الباء َة َّ‬

‫بالصوم‪ ،‬فإنه له ِوجاء)) ‪.‬‬

‫‪ 46‬في ظالل القرآن؛ للشيخ سيد قطب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.64‬‬


‫‪ 47‬إمعان النظر في نظام اآلي والسور؛ للدكتور محمد عناية الله سبحاني‪ ،‬ص ‪.258‬‬
‫‪ 48‬البخاري كتاب الصوم‪ ،‬حديث رقم (‪.)19٠5‬‬

‫‪27‬‬
‫صا ِرِه ْم‬ ‫فهذا الحديث مستفاد أو مسترفد من قوله تعالى‪{ :‬قُل لِْلم ْؤِمنِين يـغُ ُّ ِ‬
‫ضوا م ْن أَبْ َ‬ ‫ْ ُ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ض َن ِم ْن‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضْ‬ ‫ك أ َْزَكى لَ ُه ْم إِ َّن اللَّهَ َخبِير بِ َما يَ ْ‬
‫صنَـعُو َن * َوقُ ْل ل ْل ُم ْؤمنَات يَـ ْغ ُ‬ ‫وج ُه ْم َذل َ‬
‫َويَ ْح َفظُوا فُـ ُر َ‬
‫أَب ِ‬
‫صا ِره َّن َويَ ْح َفظْ َن فُـ ُر َ‬
‫وج ُه َّن} [النور‪.]31 ،3٠ :‬‬ ‫َْ‬
‫ففي اآليتين أمر للمؤمنين والمؤمنات بحفظ الفرج و َغ ِ‬
‫ض البصر؛ خشية الوقوع في الزنا‪،‬‬

‫وفي الحديث أمر بالزواج للمستطيع‪ ،‬وأمر بالصوم لمن ال يستطيع خشية الوقوع في الزنا‪،‬‬

‫ومعين‬
‫افدا للحديث‪َ ،‬‬
‫فحدثت بذلك مناسبة وتناص بين اآلية والحديث‪ ،‬فاآلية مثَّلت ر ً‬

‫أخذ منه النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬أنواع المناسبة في القرآن‪:‬‬

‫َّ‬
‫تعددت أنواع المناسبة في القرآن الكريم وتشاكلت‪ ،‬فمنها‪:‬‬

‫‪ -1‬المناسبة بين اآلية وما قبلها مباشرة‪.‬‬

‫عموما‪.‬‬
‫‪ -2‬المناسبة بين اآلية وما قبلها ً‬
‫‪ -3‬المناسبة بين اآلية وما بعدها من نفس الموضوع‪.‬‬

‫‪ -4‬المناسبة بين اآلية وأول السورة‪.‬‬

‫‪ -5‬المناسبة بين جزء اآلية وصدرها‪.‬‬

‫‪ -6‬المناسبة بين ختام اآلية وصدرها‪.‬‬

‫‪ -7‬المناسبة بين صدر اآلية وخاتمة التي قبلها مباشرة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ -8‬المناسبة بين ختام اآلية واآلية التي قبلها مباشرة‪.‬‬

‫عموما‪.‬‬
‫‪ -9‬المناسبة بين صدر اآلية وما قبلها من اآليات ً‬
‫‪ -1٠‬المناسبة بين أوائل السور وأواخر ما قبلها‪.‬‬

‫‪ -11‬المناسبة بين آخر السورة وأولها‪.‬‬

‫‪ -12‬المناسبة بين مجموعة سور‪.‬‬

‫‪ -13‬المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها‪.‬‬

‫‪ -14‬المناسبة بين اسم السورة ومضمونها‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المناسبة بين اآليات في السورة‬

‫وتحته أربعة مطالب‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المناسبة بين اآلية وما قبلها مباشرة‪:‬‬

‫وقد ظهر هذا النوع من المناسبة جليا عند اإلمام البقاعي‪ ،‬فقد كان يعرض لآليات القرآنية‬

‫مجتهدا ‪ -‬وجه االرتباط بين اآلية وأختها بنوع من الروابط‬


‫ً‬ ‫واحدة واحدة‪ ،‬وكان يُظهر ‪-‬‬

‫البالغية المعروفة‪ ،‬ومن ذلك ما تكون فيه المناسبة على أساس من االلتفات الذي يفيد‬

‫التنكيت والتبكيت‪ ،‬فااللتفات من األساليب البالغية الرفيعة التي تُظهر المناسبة أيَّما ظهور‪،‬‬

‫ومن فوائد هذا األسلوب وخصوصيته التأثيرية على النفس أن يربط آية بآية أخرى قبلها على‬

‫سبيل التنكيت والتبكيت‪ ،‬ومن هذا اللون ما يكون على سبيل االستئناف التبكيتي الممزوج‬
‫برائحة االلتفات؛ كما في قوله تعالى‪{ :‬إِ َّن الَّ ِذين يكْتُمو َن ما أَنْـزلْنَا ِمن الْبـيِنَ ِ‬
‫ات َوالْ ُه َدى ِم ْن‬ ‫ََ ُ َ َ َ َ‬
‫الال ِعنُو َن} [البقرة‪،]159 :‬‬ ‫َّاس فِي الْ ِكتَ ِ‬
‫اب أُولَئِ َ‬
‫ك يَـ ْل َعنُـ ُهم اللَّهُ َويَـ ْل َعنُـ ُهم َّ‬ ‫بَـ ْع ِد َما بَـيَّـنَّاهُ لِلن ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وذلك بعد قوله تعالى‪{ :‬إِ َّن َّ‬
‫الص َفا َوالْ َم ْرَوَة م ْن َش َعائ ِر اللَّه فَ َم ْن َح َّج الْبَـْي َ‬
‫ت أَ ِو ْاعتَ َمَر فَ َال‬

‫ع َخْيـًرا فَِإ َّن اللَّهَ َشاكِر َعلِيم} [البقرة‪. ]158 :‬‬ ‫اح َعلَْي ِه أَ ْن يَطََّّو َ‬
‫ف بِ ِه َما َوَم ْن تَطََّو َ‬ ‫ُجنَ َ‬
‫ناسبت ما قبلها‪ ،‬وهي آية‪{ :‬إِ َّن َّ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫الص َفا َوالْ َم ْرَوَة}؛ ذكر البقاعي‬ ‫فآية‪{ :‬إ َّن الذ َ‬
‫ين يَكْتُ ُمو َن} َ‬
‫وخْت ُم ما أتبع ذلك ‪ -‬أي‪ :‬الصفا والمروة ‪-‬‬ ‫أنه لَ َّما َّ ِ‬
‫تقدم كتمان بعض أهل الكتاب للحق‪َ ،‬‬
‫نصح لله واتَّبع شرعه‪ ،‬فالله يعلم خائنةَ األعين وما‬
‫بصفتي الشكر والعلم‪ ،‬فالشكر لمن َ‬

‫‪ 49‬التناسب القرآني عند البقاعي؛ للدكتور مشهور موسى‪ ،‬ص ‪.77‬‬

‫‪30‬‬
‫استترت‪ ،‬وبالَغ القوم في كِتمانها وإخفائها‪ ،‬وبعد‬
‫تُخفي الصدور‪ ،‬حتى وإن دقَّت األفعال و ْ‬

‫ذلك ‪ -‬أي‪ :‬اتِباع شرعه كامالً‪ُ ،‬‬


‫وشكر من يقوم بذلك ‪ -‬انعطف الكالم لتبكيت‬

‫المنافقين‪ ،‬وكذلك المصارحين‪ ،‬و َلعْنهم على كِتمانهم ما يعلمون من الحق ‪.‬‬

‫كبيرا في‬ ‫ِ‬


‫دورا ً‬
‫ب أسلوب االلتفات التبكيتي ً‬
‫ومما سبق يتَّضح للناظر المتفحص كيف لَع َ‬
‫إظهار المناسبة بين اآلية واآلية التي قبلها‪.‬‬

‫وقد يأتي العطف الذي يفيد التشريف والتكريم وسيلةً من وسائل المناسبة بين اآلية وما‬

‫ث ِشْئتُ َما‬
‫ك الْ َجنَّةَ فَ ُك َال ِم ْن َحْي ُ‬ ‫اس ُك ْن أَنْ َ‬
‫ت َوَزْو ُج َ‬ ‫آد ُم ْ‬
‫{ويَا َ‬
‫قبلها‪ ،‬ومثال ذلك قوله تعالى‪َ :‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َوَال تَـ ْقَربَا َه ِذهِ َّ‬
‫الش َجَرةَ فَـتَ ُكونَا م َن الظَّالم َ‬
‫ين} [األعراف‪ ،]19 :‬فقد جاء قبلها قوله تعالى‪:‬‬
‫َن جهنَّم ِمْن ُكم أ ِ‬ ‫{قَ َال اخرج ِمْنـها م ْذءوما م ْدحورا لَمن تَبِع َ ِ‬
‫ين}‬
‫َج َمع َ‬
‫ْ ْ‬ ‫ك مْنـ ُه ْم َأل َْم َأل َّ َ َ َ‬ ‫ُْ ْ َ َ ُ ً َ ُ ً َ ْ َ‬
‫[األعراف‪.]18 :‬‬
‫ذكر اإلمام البقاعي أن الله عز وجل لَ َّما أوجب للشيطان من الشقاوة ِ‬
‫لتماديه في حسد آدم‬

‫وذُريته‪ ،‬وما كان من أمره بعد ذلك‪ ،‬وكثرة كالمه في محسوده ‪ -‬التفت الله عز وجل إلى‬
‫محسوده الذي لم يتكلم فيه كلمة واحدة‪ ،‬بل إنه انشغل بنفسه واكتفى بجزائه‪ِ ،‬‬
‫ورضي‬

‫بقضاء الله‪ ،‬فقال الله عز وجل ‪ -‬وقد عطف عط ًفا تناسبيا معجًزا على اآلية التي قبلها‪:‬‬

‫‪ 5٠‬نظم الدرر؛ للبقاعي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ 273 - 272‬بتصرف يسير‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ِ‬
‫ك‪ ،}...‬فكان‬ ‫اس ُك ْن أَنْ َ‬
‫ت َوَزْو ُج َ‬ ‫آد ُم ْ‬
‫{ويَا َ‬
‫وما َم ْد ُح ًورا‪ - }....‬قال‪َ :‬‬
‫اخ ُر ْج مْنـ َها َم ْذءُ ً‬
‫{قَ َال ْ‬
‫هذا االلتفات الرباني فيه من التشريف واإليناس آلدم وزوجه ما فيه ‪.‬‬

‫فالناظر يجد نفسه أمام لوحتين معجزتين؛ األولى‪ :‬خاصة بإبليس اللعين‪ ،‬فالله عز وجل‬

‫يذمه ويَطرده من رحمته وجنته‪ ،‬جزاء حسده الدائم آلدم‪ ،‬وفي المقابل في اللوحة الثانية‬

‫وسكناها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫التي تختص بآدم وزوجه‪ ،‬وهما قد َرضيَا بحكم الله وصبَـَرا‪ ،‬فوعدهما الله الجنةَ ُ‬
‫آدم‪ ،‬فكل منهما كان في الجنة‪،‬‬
‫والمناسبة هنا تتَّضح من العالقة التي جمعت إبليس و َ‬
‫وحسد‪َ ،‬ور ِضي آدم وانشغَل بنفسه‪ ،‬فاختلف الجزاء بين اللعن والطرد‪،‬‬
‫فعصى إبليس َ‬
‫العطف وااللتفات من قصة إبليس إلى قصة آدم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫التناسب‬
‫َ‬ ‫وسكنى الجنة‪ ،‬وأظهر هذا‬
‫ُ‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المناسبة بين ختام اآلية وصدرها‪:‬‬

‫النموذج األول‪:‬‬

‫تعرض اإلمام البقاعي لهذا النوع من المناسبة‪ ،‬ومثَّل لها بقوله تعالى‪{ :‬إِ َّن َّ‬
‫الص َفا َوالْ َم ْرَوَة‬ ‫َّ‬

‫اح َعلَْي ِه أَ ْن يَطََّّو َ‬


‫ف بِ ِه َما َوَم ْن تَطََّو َ‬
‫ع َخْيـًرا‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َش َعائ ِر اللَّه فَ َم ْن َح َّج الْبَـْي َ‬
‫ت أَ ِو ْاعتَ َمَر فَ َال ُجنَ َ‬
‫فَِإ َّن اللَّهَ َشاكِر َعلِيم} [البقرة‪.]158 :‬‬

‫‪ 51‬السابق نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪ ،371‬بتصرف يسير‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫يقول اإلمام البقاعي‪" :‬لَ َّما كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يَقصدوا بترك الطواف‬
‫ِ‬
‫بينهما إال الطاعة‪ ،‬فأُعلموا أن الطواف بينهما طاعة‪ ،‬ولذلك عبَّر بما يفيد َ‬
‫مدحهم‪ ،‬فقال‬

‫ع}‪.‬‬
‫{وَم ْن تَطََّو َ‬
‫تعالى‪َ :‬‬
‫يقول الدكتور مشهور موسى في تعليقه على المناسبة في هذه اآلية‪" :‬إن التناسب في هذا‬

‫المقام هو على أساس المدح‪ ،‬والفصل كذلك في أمر دار خالف طويل حوله‪ ،‬يشير إلى‬

‫طوف‬
‫ذلك حديث عروة مع أم المؤمنين عائشة‪ ،‬حين قال لها‪ :‬ما أرى على أحد شيئًا أال يَ َّ‬

‫طوف بهما" ‪.‬‬


‫بهما‪ ،‬فقالت لو كان كما تقول‪ ،‬كان فال ُجناح عليه أال يَ َّ‬

‫النموذج الثاني‪:‬‬

‫تشوف سؤال‪،‬‬
‫ومثال آخر لهذا النوع من المناسبة تتحقق فيه هذه المناسبة على أساس ُّ‬
‫َح ِد ِه ْم ِم ْلءُ ْاأل َْر ِ‬
‫ض َذ َهبًا‬ ‫ِ‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫وهو قوله تعالى‪{ :‬إ َّن الذ َ‬
‫ين َك َف ُروا َوَماتُوا َوُه ْم ُكفَّار فَـلَ ْن يـُ ْقبَ َل م ْن أ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َولَ ِو افْـتَ َدى بِِه أُولَئِ َ‬
‫ك لَ ُه ْم َع َذاب أَليم َوَما لَ ُه ْم م ْن نَاص ِر َ‬
‫ين} [آل عمران‪.]91 :‬‬

‫تشوف إلى معرفة مصير الذين كفروا وماتوا على كفرهم‪،‬‬


‫ذكر اإلمام البقاعي أن السامع لَ َّما َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وما يحل بهم‪ ،‬أُجيب بقوله تعالى‪{ :‬أُولَئِ َ‬
‫ك لَ ُه ْم َع َذاب أَليم َوَما لَ ُه ْم م ْن نَاص ِر َ‬
‫ين}‪ ،‬وبهذا‬

‫يكون ختامها قد ارتبط برابط مع ُحسن أولها ‪.‬‬


‫ِ َّ ِ‬
‫فالله عز وجل بدأ اآلية بإخبار‪ ،‬فقال‪{ :‬إ َّن الذ َ‬
‫ين َك َف ُروا َوَماتُوا َوُه ْم ُكفَّار}‪ ،‬وهذا اإلخبار‬

‫يتشوف السامع من خالله ألن يسأل سؤاالً مفاده‪ :‬ما مصيرهم يا رب؟! فيأتي‬ ‫ُم ِ‬
‫شوق َّ‬

‫‪ 52‬التناسب القرآني عند البقاعي؛ للدكتور مشهور موسى‪ ،‬ص ‪.95‬‬


‫‪ 53‬نظم الدرر؛ للبقاعي‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ 478‬وما بعدها‪ ،‬بتصرف يسير‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الجواب أنهم لن يُقبل منهم ِملء األرض ذهبًا لو أَتَـ ْوا به لفداء نفوسهم من العذاب الواقع‬

‫قاطعا ‪ -‬عن طريق لن والفعل المضارع الذي يفيد‬ ‫ِ‬


‫فضا ً‬‫بهم‪ ،‬وطالَما أن الفداء قد ُرفض ر ً‬
‫ُّ‬
‫وتجدده ‪ -‬فإن‬ ‫التجدد واالستمرار‪ ،‬فقوله‪{ :‬فَـلَ ْن يـُ ْقبَ َل} ُمفاده تأبيد النفي واستمراه‬

‫مصيرهم المحتوم هو العذاب األليم‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬المناسبة بين فاتحة السورة وخاتمتها‪:‬‬

‫من الراسخ في الذهن أن فواتح السور القرآنية تَحمل براعة استهالل معجزة‪ ،‬فهي أول شيء‬

‫إعجازا؛ إذ هي آخر ما يسمعه‬ ‫يقع على السمع‪ِ ،‬‬


‫ومن ثَ َّم فخاتمة السور كذلك ال تقل عنها‬
‫ً‬
‫السامع من السورة‪ ،‬وقد ذكر السيوطي أن الخواتم تأتي متضمنة المعاني البديعية مع إيذان‬

‫تماما ‪.‬‬
‫تشوف إلى نقص يُريد ً‬
‫السامع بانتهاء الكالم؛ حتى ال يبقى معه للنفوس ُّ‬

‫النموذج األول‪:‬‬

‫ومن أمثلة هذا المناسبة قوله تعالى في ختام سورة األنعام‪{ :‬قُ ْل أَ َغْيـَر اللَّ ِه أَبْغِي َربا َوُه َو َر ُّ‬
‫ب‬

‫ُخَرى ثُ َّم إِلَى َربِ ُك ْم َم ْرِجعُ ُك ْم‬


‫ب ُك ُّل نَـ ْفس إَِّال َعلَْيـ َها َوَال تَ ِزُر َوا ِزَرة ِوْزَر أ ْ‬
‫ِ‬
‫ُك ِل َش ْيء َوَال تَكْس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ض ُك ْم فَـ ْو َق‬
‫ض َوَرفَ َع بـَ ْع َ‬ ‫فَـيُـنَبِئُ ُك ْم بِ َما ُكْنتُ ْم فيه تَ ْختَل ُفو َن * َوُه َو الَّذي َج َعلَ ُك ْم َخ َالئ َ‬
‫ف ْاأل َْر ِ‬

‫اب َوإِنَّهُ لَغَ ُفور َرِحيم} [األنعام‪:‬‬


‫ك س ِريع الْعِ َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بَـ ْعض َد َر َجات ليَْبـلَُوُك ْم في َما آتَا ُك ْم إ َّن َربَّ َ َ ُ‬
‫‪.]165 ،164‬‬

‫‪ 54‬اإلتقان؛ للسيوطي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 292‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫ذكر اإلمام البقاعي أن ختام سورة األنعام جاء في غاية التناسب مع أولها‪ ،‬فاالستفهام في‬

‫اآلية الخاتمة للسورة تعجبُّي استنكاري‪ ،‬يستنكر ممن يتخذ ربا غير الله‪ ،‬مع كونه قد خلق‬

‫السموات واألرض‪ ،‬وجعل الظلمات والنور‪ ،‬وهذان صنيعان يستوجبان الشكر الدائم ال‬

‫ض َو َج َع َل‬ ‫العصيان‪ ،‬فقال في مطلع السورة‪{ :‬الْحم ُد لِلَّ ِه الَّ ِذي خلَق َّ ِ‬
‫الس َم َوات َو ْاأل َْر َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬
‫ين َك َف ُروا بَِربِ ِه ْم يَـ ْع ِدلُو َن} [األنعام‪.]1 :‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الظُّلُ َمات َوالن َ‬
‫ُّور ثُ َّم الذ َ‬
‫يقول البقاعي‪" :‬يُسرع العالي إلى عقوبة السافل! فأُجيب بأن الله فوق الكل‪ ،‬وهو أسرع‬

‫عقوبة‪ ،‬فهو قادر على أن يُسلِط الوضيع أو أحقر منه على الرفيع‪ ،‬فيُهلكه‪ ،‬ثم رغَّب بعد‬

‫ذيل غفرانه ورحمته بإمهاله العُصاة‪،‬‬


‫هذا الترهيب في العفو بأنه على غناه عن الكل‪ ،‬أسبل َ‬
‫منافع لهم‪،‬‬
‫وقَبوله اليسير من الطاعات بأنه خلق السموات واألرض‪ ،‬وجعل الظلمات والنور َ‬
‫ثم هم به يَعدلون! ولوال غفرانه ورحمته‪ ،‬ألسرع عقابه لمن عدل به غيره‪ ،‬فأسقط عليهم‬

‫وخسف بهم األرض التي أنعم عليهم بالخالفة فيها‪ ،‬وأذهب عنهم النور‪ ،‬وأدام‬
‫السموات َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض}‬ ‫{وُه َو الَّذي َج َعلَ ُك ْم َخ َالئ َ‬
‫ف ْاأل َْر ِ‬ ‫الظالم‪ ،‬فقد ختم السورة بما به ابتدأها‪ ،‬فإن قوله‪َ :‬‬
‫{ه َو الَّ ِذي َخلَ َق ُك ْم ِم ْن ِطين} [األنعام‪ ،]2 :‬وقوله‪:‬‬
‫[األنعام‪ ]165 :‬هو المراد بقوله‪ُ :‬‬

‫{أَ َغْيـَر اللَّ ِه أَبْغِي َربا َوُه َو َر ُّ‬


‫ب ُك ِل َش ْيء} [األنعام‪ ،]164 :‬هو معنى قوله‪َ :‬‬
‫{خلَ َق‬

‫ين َك َف ُروا بَِربِ ِه ْم يَـ ْع ِدلُو َن} [األنعام‪. "]1 :‬‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َو َج َع َل الظُّلُ َمات َوالن َ‬
‫ُّور ثُ َّم الذ َ‬
‫َّ ِ‬
‫الس َم َوات َو ْاأل َْر َ‬

‫‪ 55‬نظم الدرر؛ للبقاعي‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.346‬‬

‫‪35‬‬
‫النموذج الثاني‪:‬‬

‫اصبِْر إِ َّن َو ْع َد‬


‫ومثال آخر لهذا النوع من المناسبة‪ ،‬وهو قوله تعالى في ختام سورة الروم‪{ :‬فَ ْ‬
‫ين َال يُوقِنُو َن} [الروم‪.]6٠ :‬‬ ‫اللَّ ِه حق وَال يست ِخ َّفن َّ ِ‬
‫َّك الذ َ‬
‫َ َ َ َْ َ‬

‫فالله سبحانه وتعالى يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر‪ ،‬ويذكر أن وعد الله حق‪ ،‬وهو‬

‫النبي على‬
‫بحملهم َّ‬
‫واقع ال َمحالة‪ ،‬ويُحذره من فتنة هؤالء المنافقين والكافرين‪ ،‬وذلك ْ‬
‫جزعا مما يقولون‪ ،‬فهؤالء قوم ليس لديهم يقين‪ ،‬منافقون‪ ،‬فهم ُّ‬
‫شاكون‬ ‫الخفة والقلق ً‬
‫أي شيء‪ ،‬ويُكذبون نصر الله ألوليائه المؤمنين‪ ،‬ودليل ذلك تكذيبهم وعد‬
‫بطبعهم؛ يُزلزلهم ُّ‬

‫الله للمؤمنين بنصر الروم وهزيمة الفرس‪ ،‬فتَراهم كأنهم على بيِنة وثقة من أمرهم ‪ -‬وهو أن‬

‫طمس الله على‬


‫نصر الروم لن يحدث ‪ -‬وهذا إن دل على شيء‪ ،‬فإنما يدل على مدى ْ‬
‫قلوبهم وإغالقها عن الحق‪ ،‬وبهذا يكون قد عطف آخر اآلية على أولها‪{ :‬الم * غُلِب ِ‬
‫ت‬ ‫َ‬
‫ين لِلَّ ِه ْاأل َْم ُر ِم ْن قَـْب ُل‬‫ض وهم ِمن بـع ِد َغلَبِ ِهم سيـ ْغلِبو َن * فِي بِ ْ ِ ِ‬
‫ض ِع سن َ‬ ‫ْ ََ ُ‬
‫ِ‬
‫وم * في أ َْدنَى ْاأل َْر ِ َ ُ ْ ْ َ ْ‬
‫الر ُ‬
‫ُّ‬

‫َوِم ْن بَـ ْع ُد َويَـ ْوَمئِذ يَـ ْفَر ُح الْ ُم ْؤِمنُو َن} [الروم‪.]4 - 1 :‬‬

‫فالله بعد أن ذكر هزيمة الروم وعد المؤمنين بنصرهم على الفرس في بضع سنين‪ ،‬وأن األمر‬

‫اصبِْر‬ ‫كله بيد الله عز وجل‪ ،‬وفي آخر السورة أمر الله نبيَّه بالصبر و َّ‬
‫أكد وعده بالنصر ‪{ -‬فَ ْ‬
‫إِ َّن َو ْع َد اللَّ ِه َحق} ‪ -‬فاألمر بالصبر يكون على نبأ هزيمة الروم‪ ،‬واستهزاء الكفار والمنافقين‬

‫بتأخر النصر‪ ،‬وذلك جاء آخر السورة‪ ،‬وتأكيد الوعد بنصر الروم‪ ،‬وهزيمة الفرس‪ ،‬يكون‬
‫ُّ‬

‫‪36‬‬
‫َغلَبِ ِه ْم‬ ‫{وُه ْم ِم ْن بَـ ْع ِد‬
‫النبي بنصر الروم وهزيمة الفرس في أول السورة‪َ :‬‬
‫متصالً بإخبار الله َّ‬
‫َسيَـ ْغلِبُو َن} [الروم‪.]3 :‬‬

‫وكما قال البقاعي‪" :‬عطف الحبيب على الحبيب‪ ،‬واتصل به اتصال القريب بالقريب‪،‬‬

‫والْتَ َحم التحام النسيب بالنسيب" ‪.‬‬

‫‪ 56‬السابق نفسه‪ ،‬ج ‪ ،15‬ص ‪.139‬‬

‫‪37‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها‬

‫مدخل‪:‬‬

‫والفاصلة في اصطالح أرباب الدراسات القرآنية يشيع إطالقها على آخر كلمة تختم بها‬

‫اآلية ‪ -‬مع فارق التنظير ‪ -‬كقافية الشعر وقرينة السجع ‪.‬‬

‫على َّ‬
‫أن اإلجماع منعقد على عدم تسمية الفاصلة قافية كما حكاه السيوطي؛ إذ قال‪" :‬وال‬

‫ب‬
‫ب َس ْل ُ‬
‫وج َ‬
‫اسم الشعر‪َ ،‬‬ ‫إجماعا؛ َّ‬
‫ألن الله تعالى لَ َّما سلَب عنه َ‬ ‫افي‬
‫ً‬ ‫يجوز تسميتها قو َ‬
‫أيضا؛ ألنَّها منه وخاصة في االصطالح‪ ،‬وكما يَمتنع استعمال القافية يَمتنع‬
‫القافية عنه ً‬
‫استعمال الفاصلة في الشعر؛ ألنها صفة لكتاب الله‪ ،‬فال َّ‬
‫تتعداه" ‪.‬‬

‫أسجاعا‪ ،‬وإطالق لفظ السجع عليها‪ ،‬فإن جمهور العلماء قد‬


‫ً‬ ‫وأما تسميةُ الفواصل القرآنية‬

‫الحمام إذا‬ ‫منعه‪ ،‬وهو المتعين؛ وذلك َّ‬


‫ألن أصل إطالق السجع في اللغة كان على صوت َ‬
‫سجع؛ أي‪ :‬هدل على جهة واحدة ‪.‬‬

‫وقد تَ َّنزه القرآن الكريم عن أن يُستعار لشيء منهُ لفظ هو صوت الطائر‪ ،‬ثم إن من السجع‬

‫ما يطلق على مذموم الكالم كسجع ال ُك َّهان‪ ،‬وأصل المنع في ذلك راجع إلى أن القرآن‬

‫الكريم هو كالم الله تعالى‪ ،‬وكالمه صفة من صفاته‪ ،‬فال يجوز وصفه بصفة لم يَِرد اإلذن‬

‫‪ 57‬ينظر‪ :‬النكت في ثالث رسائل في إعجاز القرآن‪ ،‬ص ‪ ،89‬وإعجاز القرآن للباقالني‪ ،‬ص ‪ ،83‬والبرهان؛‬
‫للزركشي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.149‬‬
‫‪ 58‬معترك األقران؛ للسيوطي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.25‬‬
‫‪ 59‬ينظر‪ :‬لسان العرب مادة (سجع) ‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫الشرعي بها؛ ألن ألفاظ أسماء الله تعالى وصفاته وما يتعلق بها توقيفية‪ ،‬وليس لالجتهاد‬

‫البشري فيها َمكنة وال مجال ‪.‬‬


‫ومصطلح الفاصلة مغرق في ِ‬
‫القدم‪ ،‬فقد عرفه أعالم العربية؛ كالخليل بن أحمد الفراهيدي‬ ‫ُ‬
‫ت ‪175‬هـ‪ ،‬فأطلقه هو وتلميذه سيبويه ت ‪18٠‬هـ على مقاطع القرآن‪ ،‬ثم استقرت داللته‬

‫على أواخر اآليات في طبقة الجاحظ ت ‪255‬هـ إلى أن استوى هذا المصطلح على يد‬

‫أبي الحسن األشعري ت ‪324‬هـ‪ ،‬وتلميذه أبي بكر الباقالني ت ‪4٠3‬هـ ‪.‬‬

‫وأصبح الناظر في إعجاز القرآن الكريم والواقف على مظاهر بالغته‪ ،‬يتناول هذا المصطلح‬

‫تطرقت إلى بيان القرآن الكريم ‪.‬‬


‫لطائف البالغة فيه‪ ،‬وذلك في أغلب البحوث التي َّ‬
‫َ‬ ‫ويُبرز‬

‫‪ 6٠‬ينظر‪ :‬ثالث رسائل في إعجاز القرآن؛ للباقالني‪ ،‬ص ‪.9٠‬‬


‫‪ 61‬الفاصلة في القرآن الكريم؛ للدكتور محمد الحسناوي‪. 87 - 33 :‬‬
‫‪ 62‬ومن هذه البحوث‪ :‬إعجاز القرآن؛ للرافعي‪ ،‬والتصوير الفني؛ لسيد قطب‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫المطلب األول‪ :‬نماذج تطبيقية من سورة البقرة‪:‬‬

‫‪ -‬النموذج األول‪:‬‬

‫ين} [البقرة‪.]2 :‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ك الْ ِكتَاب َال ري ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫ب فيه ُه ًدى ل ْل ُمتَّق َ‬
‫ُ َْ َ‬ ‫قال تعالى‪َ { :‬ذل َ‬

‫أوال‪ :‬التفسير اإلجمالي ليآية‪:‬‬

‫ورشادا‬
‫ً‬ ‫ب فيه‪ :‬ال شك في أنه من عند الله هداية‬
‫يقول د وهبة الزحيلي‪" :‬هذا الكتاب ال َريْ َ‬
‫للمتقين الذين َوقَـ ْوا أنفسهم مما يضرها‪ ،‬فالتزموا األوامر اإللهية‪ ،‬وتجنَّبوا النواهي‬

‫والمحظورات" ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التحليل النحوي للفاصلة‪:‬‬

‫خصص الله عز وجل كتابه وأخبر عنه بأنه هدى للمتقين‪ ،‬فالخبر يُخصص المبتدأ ويكون‬
‫َّ‬

‫وص ًفا له؛ مما يؤكد أن هذا الكتاب هدى للمتقين فحسب‪ ،‬وليس هدى لغيرهم‪ ،‬وقوله‪:‬‬

‫ين}‪ ،‬فهدى خبر للمبتدأ ذلك‪ ،‬وللمتقين جار ومجرور متعلق بمحذوف‬ ‫ِ ِ‬
‫{ ُه ًدى ل ْل ُمتَّق َ‬
‫مرفوع نعت لهدى‪ ،‬والتقدير‪ :‬هدى مستقر أو ثابت أو حاصل للمتقين‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مناسبة الفاصلة‪:‬‬

‫جاءت هذه الفاصلة مناسبة لداللة التخصيص التي في اآلية‪ ،‬فالفاصلة جاءت في كلمة‬

‫تخصيص‬
‫ُ‬ ‫فناسب‬
‫المتقين ‪ -‬وهي لفظة مخصوصة تدل على نوع معين من الناس ‪َ -‬‬
‫تخصيص الهدى بالمتقين فحسب‪.‬‬
‫َ‬ ‫الفاصلة‬

‫‪ 63‬التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج؛ للدكتور وهبة الزحيلي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.72‬‬

‫‪40‬‬
‫‪ -‬النموذج الثاني‪:‬‬

‫اه ْم يـُْن ِف ُقو َن} [البقرة‪.]3 :‬‬ ‫ب وي ِقيمو َن َّ ِ‬


‫الص َالةَ َوم َّما َرَزقْـنَ ُ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬الَّ ِذ ِ ِ ِ‬
‫ين يـُ ْؤمنُو َن بالْغَْي َ ُ ُ‬
‫َ‬
‫أوال‪ :‬التفسير اإلجمالي ليآية‪:‬‬

‫يقول الدكتور وهبة الزحيلي‪" :‬إن أولئك المتقين هم الذين يُصدقون بجميع ماُ أن ِزل على‬

‫أيضا تصدي ًقا‬


‫النبي محمد صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعلى سائر األنبياء والمرسلين‪ ،‬ويُصدقون ً‬

‫معا من القبور‪ ،‬وحساب‬ ‫ِ‬


‫تضمه من بَـ ْعث األجساد واألرواح ً‬
‫جازما ال شك فيه باآلخرة‪ ،‬وما ُّ‬
‫ً‬
‫وجزاء‪ ،‬وميزان وصراط‪ ،‬وجنة ونار‪ ،‬وهؤالء الموصوفون بما ذكر من اإليمان الحق بالغيب‪،‬‬

‫وإقامة الصالة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬واالعتقاد باليوم اآلخر‪ ،‬واإليمان بالقرآن وبالكتب المنزلة قبله‬

‫‪( -‬وهي التوراة واإلنجيل والزبور والصحف) ‪ -‬هم على نور وهداية من ربهم‪ ،‬وعلى منزلة‬

‫عالية عند الله‪ ،‬وهم الفائزون بالدرجات العالية في جنات الخلود"‪.64‬‬

‫ثانيا‪ :‬التحليل النحوي للفاصلة‪:‬‬

‫اه ْم يـُْن ِف ُقو َن}‪( :‬ومما) الواو حرف عطف‪ ،‬ومما جار ومجرور متعلقان‬ ‫ِ‬
‫{وم َّما َرَزقْـنَ ُ‬
‫َ‬
‫بـ(ينفقون)‪ ،‬و(رزقناهم)‪ :‬فعل ماض‪ ،‬و(نا) ضمير متصل في محل رفع فاعل‪ ،‬و(هم) ضمير‬

‫متصل في محل نصب مفعول به‪ ،‬وجملة (رزقناهم)‪ :‬ال محل لها من اإلعراب؛ ألنها صلة‬

‫الموصول‪ ،‬والعائد محذوف؛ أي‪ :‬رزقناهم إياه‪( ،‬ينفقون) فعل مضارع مرفوع معطوف على‬

‫‪ 64‬السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.75‬‬

‫‪41‬‬
‫(يُقيمون) داخل في حيِز الصلة‪ ،‬وفي استخدام الفعل المضارع (ينفقون) دليل على ُّ‬
‫تجدد‬

‫واستمرار اإلنفاق‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مناسبة الفاصلة‪:‬‬

‫جاء جمال الفاصلة هنا في التقديم والتأخير؛ حيث قدَّم اإلنفاق على غيره من صفاتهم؛‬

‫ألنه وصف إيجابي يدل على صفاء نفوسهم‪ ،‬وقوة إخالصهم‪ ،‬فإن المال شقيق الروح‪ ،‬فإذا‬

‫أنفقوه في حالتي السراء والضراء‪ ،‬كان ذلك دليالً على التزامهم العميق بتعاليم دينهم وطاعة‬

‫ربهم ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نماذج تطبيقية من سورة يوسف‪:‬‬

‫‪ -‬النموذج األول‪:‬‬

‫اب الْ ُمبِي ِن * إِنَّا أَنْـَزلْنَاهُ قُـ ْرآنًا َعَربِيا لَ َعلَّ ُك ْم تَـ ْع ِقلُو َن}‬
‫ات الْ ِكتَ ِ‬ ‫قال تعالى‪{ :‬الر تِْل َ‬
‫ك آيَ ُ‬
‫[يوسف‪.]2 ،1 :‬‬

‫أوال‪ :‬التفسير اإلجمالي ليآيتين‪:‬‬

‫ات الْ ِكتَ ِ‬


‫اب الْ ُمبِي ِن}؛ أي‪:‬‬ ‫يقول الشيخ السعدي‪" :‬يُخبر تعالى أن آيات القرآن هي‪{ :‬آيَ ُ‬
‫البيِن الواضحة ألفاظه ومعانيه‪ ،‬ومن بيانه وإيضاحه أنه أنزله باللسان العربي‪ ،‬أشرف األلسنة‪،‬‬
‫وأبينها‪ ،‬وكل هذا اإليضاح والتبيين {لَعلَّ ُكم تَـع ِقلُو َن}؛ أي‪ :‬لت ِ‬
‫عقلوا حدوده وأصوله وفروعه‪،‬‬‫َ‬ ‫َ ْ ْ‬

‫‪ 65‬المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها‪ :‬دراسة تطبيقية على الجزء األول من سورة البقرة؛ رسالة ماجستير للباحث‬
‫أحمد محمد عطية‪ ،‬ص ‪.45‬‬

‫‪42‬‬
‫وأوامره ونواهيه‪ ،‬فإذا ع َقلتم ذلك بإيقانكم واتَّصفت قلوبكم بمعرفتها‪ ،‬أثمر ذلك عمل‬

‫الجوارح واالنقياد إليه‪ ،‬و{لَ َعلَّ ُك ْم تَـ ْع ِقلُو َن}؛ أي‪ :‬تزداد عقولكم ُّ‬
‫بتكرر المعاني الشريفة‬

‫العالية على أذهانكم‪ ،‬فتنتقلون من حال إلى أحوال أعلى منها وأكمل" ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التحليل النحوي للفاصلة‪:‬‬

‫{لَ َعلَّ ُك ْم تَـ ْع ِقلُو َن}‪ :‬لعل حرف ُمشبه بالفعل من أخوات إن‪ ،‬و(كم) الكاف ضمير مبني‬

‫على الضم في محل نصب اسم لعل‪ ،‬و(الميم) عالمة جمع الذكور‪( ،‬تعقلون) فعل مضارع‬

‫مرفوع وعالمة الرفع ثبوت النون‪ ،‬والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل‪ ،‬وجملة تعقلون‬

‫في محل رفع خبر لعل‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مناسبة الفاصلة‪:‬‬

‫حكما ‪ -‬تُظهر‬
‫الفاصلة في هذه اآلية ‪ -‬بتمام اتصالها بما قبلها من السياق اتصاالً ُم ً‬
‫المعنى بكل وضوح‪ ،‬فهي تعليلية لما سبَقها؛ إذ إنه أنزل سبحانه وتعالى القرآن الكريم‬

‫ويتوصلوا بذلك إلى تمام‬


‫َّ‬ ‫باللغة العربية؛ حتى ي ِ‬
‫عقل الناس معانيه‪ ،‬ويتدبَّروا آياته وأحكامه‪،‬‬‫َ‬
‫لفعل‬
‫جمال الفاصلة في استخدامها ا َ‬
‫ُ‬ ‫اإليمان به وتوحيده على الوجه الذي طلَبه‪ ،‬ويَ ُبرز‬

‫المضارع الذي يفيد الحدوث والتجدد واالستمرار؛ ذلك ألن القرآن يحتاج استمراريةً في‬

‫التعقل وال َفهم‪ ،‬والعمل بما جاء ‪.‬‬

‫‪ 66‬تفسير السعدي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.393‬‬


‫‪ 67‬المناسبة بين الفواصل‪ :‬دراسة تطبيقية على سورة يوسف والرعد وإبراهيم‪ ،‬رسالة ماجستير للباحث نمر جبر سدر‪،‬‬
‫ص ‪.37‬‬

‫‪43‬‬
44
‫‪ -‬النموذج الثاني‪:‬‬

‫ت ِم ْن‬ ‫ص بِ َما أ َْو َحْيـنَا إِلَْي َ‬


‫ك َه َذا الْ ُق ْرآ َن َوإِ ْن ُكْن َ‬ ‫ص ِ‬
‫َح َس َن الْ َق َ‬
‫كأْ‬‫ص َعلَْي َ‬
‫قال تعالى‪{ :‬نَ ْح ُن نَـ ُق ُّ‬

‫ين} [يوسف‪.]3 :‬‬‫ِِ‬ ‫ِِ ِ‬


‫قَـْبله لَم َن الْغَافل َ‬
‫أوال‪ :‬التفسير اإلجمالي ليآية‪:‬‬

‫حسن القصص؛‬
‫يقول الشيخ محمد رشيد رضا‪ :‬نحن نقص عليك أيها الرسول المصطفى أ َ‬
‫أي‪ :‬نُحدثك أحسن االقتصاص والتحديث ‪ -‬بيانًا وأسلوبًا وإحاطة ‪ -‬أو أحسن ما يقص‬

‫موضوعا وفائدة‪ ،‬ويجوز الجمع بين المعنيين‪ ،‬فالقصص مصدر أو اسم من‬
‫ً‬ ‫ويتحدث عنه‬

‫صه إذا تتبَّعه‬ ‫قص الخبر إذا َّ‬


‫حدث به على أصح الوجوه وأصدقها؛ ألنه من قص األثر واقتَ َّ‬

‫نقصه عن اقتصاص وإحاطة‪ ،‬ويجوز أن يكون بمعنى اسم‬


‫خبرا‪ ،‬كأنه قال‪ُّ :‬‬
‫وأحاط به ً‬
‫المفعول‪ ،‬فيكون القصص بمعنى المقصوص من األخبار واألحاديث‪.‬‬

‫(بما أوحينا إليك هذا القرآن)؛ أي‪ :‬بإيحائنا إليك هذه السورة من القرآن؛ إذ هو الغاية‬

‫العليا في حسن فصاحته وبالغته وتأثيره‪ ،‬وحسن موضوعه‪.‬‬

‫(وإن كنت من قبله لمن الغافلين)؛ أي‪ :‬وإن الشأن وحقيقة ما يتحدث عنه من قصتك‬

‫أنت‪ ،‬أنك كنت من قبل إيحائنا من جماعة الغافلين عنه من قومك األُميين الذين ال يخطر‬

‫في بالهم التحديث بأخبار األنبياء وأقوامهم ‪.‬‬

‫‪ 68‬تفسير المنار؛ للشيخ محمد رشيد رضا‪ ،‬ج‪ ،12‬ص ‪.2٠8‬‬

‫‪45‬‬
‫ثانيا‪ :‬التحليل النحوي للفاصلة‪:‬‬

‫ين}‪( :‬الواو) واو الحال‪( ،‬إن) مخففة من الثقيلة‪ ،‬واسمها‬‫ِِ‬ ‫{وإِ ْن ُكْن ِ ِ ِ ِ‬
‫ت م ْن قَـْبله لَم َن الْغَافل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ضمير الشأن محذوف‪( ،‬كنت) فعل ماض ناقص ناسخ‪ ،‬و(التاء) اسم كان‪( ،‬من قبل)‬

‫جار ومجرور متعلق بالغافلين‪ ،‬و(الهاء) ضمير مضاف إليه‪( ،‬الالم) هي الفارقة ال عمل‬

‫لها‪( ،‬من الغافلين) جار ومجرور متعلق بخبر كنت وعالمة الجر الياء‪ ،‬وجملة‪( :‬إن كنت‬

‫‪ ) ...‬في محل نصب حال‪ ،‬وجملة‪( :‬كنت من الغافلين) في محل رفع خبر (إن)‬

‫المخففة‪ ،‬والجار والمجرور (من قبل) متعلق بمحذوف حال من اسم كان‪ ،‬والتقدير‪ :‬إن‬

‫كنت حالة كونك من قبله لمن الغافلين‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مناسبة الفاصلة‪:‬‬

‫امتن على نبيه أن‬


‫الفاصلة في (لمن الغافلين) تُناسب سياق اآلية؛ ذلك أن الله عز وجل َّ‬

‫أعلَ َمه قصص األمم واألنبياء السابقين‪ ،‬وما حدث بينهم وبين أقوامهم‪ ،‬وأن هذه القصص‬
‫ْ‬

‫تُعد أحسن القصص؛ ففيها تسلية وتثبيت للنبي ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ومن المعلوم أن‬

‫النبي قبل أن يُعلمه الله أخبار هؤالء األنبياء مع أقوامهم وقصصهم ‪ -‬عن طريق الوحي ‪-‬‬

‫سياق اآلية‬
‫ناسبت فاصلةُ اآلية (الغافلين) َ‬
‫كان غافالً عن هذه القصص وال يَعلمها‪ ،‬فبذلك َ‬
‫ومعناها وموضوعها‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬نماذج تطبيقية من سورة الرعد‪:‬‬

‫‪ -‬النموذج األول‪:‬‬

‫ت ُمْن ِذر َولِ ُك ِل قَـ ْوم َهاد}‬ ‫ِ ِ ِ‬


‫ين َك َف ُروا لَ ْوَال أُنْ ِزَل َعلَْيه آيَة م ْن َربِه إِن ََّما أَنْ َ‬
‫قال تعالى‪{ :‬ويـ ُق ُ َّ ِ‬
‫ول الذ َ‬ ‫ََ‬
‫[الرعد‪.]7 :‬‬

‫أوال‪ :‬التفسير اإلجمالي ليآية‪:‬‬

‫يقول الشيخ الجزائري‪" :‬يُخبر تعالى رسوله والمؤمنين عن قول الكافرين بالتوحيد والبعث‬

‫والنبوة‪{ :‬لوال}؛ أي‪ :‬هالَّ أُن ِزل على محمد ‪ -‬صلى الله عليه وسلم ‪ -‬آية من ربه كعصا‬
‫ِ‬
‫بنبوته ونُصدق رسالته‪ ،‬فيرد تعالى عليهم بقوله‪{ :‬إِنَّ َما أَنْ َ‬
‫ت‬ ‫موسى وناقة صالح؛ حتى نؤمن َّ‬

‫الزما أن تنزل معه اآليات‪ ،‬وعليه فال تَلتفت‬ ‫ِ‬


‫المخوف من العذاب‪ ،‬وليس ً‬ ‫ُمْن ِذر}‪ ،‬والمنذر‬
‫إلى ما يطالبون به من اآليات‪ ،‬و ِ‬
‫استمَّر على دعوتك؛ فإن لكل قوم هاديًا وأنت هاد هذه‬

‫اصبِر" ‪.‬‬
‫األمة‪ ،‬وداعيها إلى ربها‪ ،‬فادعُ و ْ‬
‫ثانيا‪ :‬التحليل النحوي للفاصلة‪:‬‬

‫ت ُمْن ِذر َولِ ُك ِل قَـ ْوم َهاد}‪( :‬إنما) كافة ومكفوفة‪( ،‬أنت) ضمير منفصل مبني في‬
‫{إِن ََّما أَنْ َ‬
‫محل رفع مبتدأ‪( ،‬منذر) خبر مرفوع‪( ،‬الواو) عاطفة‪( ،‬لكل) جار ومجرور متعلق بخبر‬

‫مقدم‪( ،‬قوم) مضاف إليه مجرور‪( ،‬هاد) مبتدأ مؤخر مرفوع وعالمة الرفع الضمة المقدرة‬

‫على الياء المحذوفة‪ ،‬فهو اسم منقوص‪ ،‬و(هاد) في أصلها نعت لمنعوت محذوف؛ أي‪:‬‬

‫‪ 69‬أيسر التفاسير لكالم العلي الكبير؛ للجزائري‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪.11‬‬

‫‪47‬‬
‫ِ‬
‫لكل قوم نبي هاد‪ ،‬فلما ُحذف المنعوت أُقيم النعت مقامه‪ ،‬و َ‬
‫أخذ إعرابه‪ ،‬وقال العكبري‪:‬‬

‫{ولِ ُك ِل قَـ ْوم َهاد}‪ :‬فيه ثالثة أوجه؛ أحدها أنه جملة مستأنفة؛ أي‪ :‬ولكل قوم‬
‫"قوله تعالى‪َ :‬‬
‫نبي هاد‪ ،‬والثاني‪ :‬أن المبتدأ محذوف تقديره وهو لكل قوم هاد‪ ،‬والثالث‪ :‬تقديره‪ :‬إنما‬

‫أنت منذر وهاد لكل قوم‪ ،‬وهذا فصل بين حرف العطف والمعطوف"‪.7٠‬‬

‫ومن الجدير بالذكر أن جملة (إنما أنت منذر) جملة اسمية َّ‬
‫أكدت أن النبي وظيفته‬

‫محصورة في إنذار قومه فحسب‪ ،‬أما الهداية واإليمان‪ ،‬فالله يـَ َهبُهما َمن يشاء من عباده‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مناسبة الفاصلة‪:‬‬

‫يقول البقاعي‪" :‬ولَ َّما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم راغبًا في إجابة مقترحاتهم‬

‫حصل لهم النجاةُ‪ ،‬فأُجيب بقوله‬


‫لشدة التفاته إلى إيمانهم‪ ،‬كان كأنه سأل في ذلك لتَ ُ‬
‫ت ُمْن ِذر}؛‬ ‫ِ‬
‫تعالى‪ - :‬مقد ًما ما السياق أَولَى به؛ ألنه لبيان أن األكثر ال يُؤمن ‪{ -‬إِنَّ َما أَنْ َ‬
‫أي‪ :‬نبي منذر هاد لهم‪ ،‬تهديهم ببيان ما أنزله عليك مما يوقع في الهالك‪ ،‬أو ي ِ‬
‫وصل إلى‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫النجاة‪ ،‬ال أنك ُمثبت لإليمان في الصدور‪ ،‬ولكل قوم داع يُبين لهم ما أرسلنا به من النذارة‬

‫والبشارة" ‪.‬‬

‫‪ 7٠‬إمالء ما من به الرحمن من وجوه اإلعراب والقراءات؛ للعكبري‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.61‬‬


‫‪ 71‬نظم الدرر؛ للبقاعي‪ ،‬ج‪ ،1٠‬ص ‪.286‬‬

‫‪48‬‬
‫‪ -‬النموذج الثاني‪:‬‬

‫قال تعالى‪{ :‬لَهُ ُم َع ِقبَات ِم ْن بَـْي ِن يَ َديْ ِه َوِم ْن َخ ْل ِف ِه يَ ْح َفظُونَهُ ِم ْن أ َْم ِر اللَّ ِه إِ َّن اللَّهَ َال يـُغَيُِر َما‬

‫بَِق ْوم َحتَّى يـُغَيُِروا َما بِأَنْـ ُف ِس ِه ْم َوإِ َذا أ ََر َاد اللَّهُ بَِق ْوم ُسوءًا فَ َال َمَرَّد لَهُ َوَما لَ ُه ْم ِم ْن ُدونِِه ِم ْن َوال}‬

‫[الرعد‪.]11 :‬‬

‫أوال‪ :‬التفسير اإلجمالي ليآية‪:‬‬

‫ميسرا لهذه اآلية‪ ،‬مفاده أن لكل إنسان منا‬


‫تفسيرا ً‬
‫ً‬ ‫ذكر الشيخ محمد محمود الحجازي‬

‫َح َفظَةً يحفظونه من بأس الله وعذابه‪ ،‬فإذا أُعلِم أنه ما يَلفظ من قول إال لديه رقيب عتيد‪،‬‬

‫وخ ِشي حسابَه‪ ،‬فاستقام أمره‪ ،‬وإذا كان الله قد جعل لإلنسان َح َفظَة يحفظونه‬
‫ب ربَّه َ‬
‫راقَ َ‬
‫بأمر الله‪ ،‬فكيف يُصاب بسوء؟ نعم يصاب إذا قُ ِدر له ذلك‪ ،‬فهم يَحفظونه من أمر الله؛‬
‫بمعنى‪ :‬أن ذلك مما أمرهم به؛ ألنهم ال ي ِ‬
‫قدرون أن يَدفعوا أمر الله‪ ،‬وإن الله ال يُغيِر ما‬‫َ‬
‫بقوم من نعمة وعافية وعز واستقالل‪ ،‬حتى يُغيروا ما بأنفسهم من الخير واألعمال الصالحة‬

‫التي تُرضي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وتُثبت دعائم الدولة‪ ،‬ولقد أثبت التاريخ‬

‫اإلسالمي صدق هذه النظرية القرآنية‪ ،‬فالله لم يُغير ما كان عند األمة اإلسالمية ‪ -‬من عز‬

‫ورفاهية‪ ،‬وعلم واقتصاد ‪ -‬حتى غيَّروا ما بأنفسهم من الخير واألعمال الصالحة التي تُرضي‬

‫الله ورسوله‪ ،‬وتُثبت ما بأنفسهم؛ حيث ح َكموا بغير القرآن‪ ،‬وتركوا دينهم‪ ،‬وقلَّدوا غيرهم‪،‬‬

‫ضعفنا إلى قوة‪،‬‬


‫حول الله َ‬ ‫الموبقات‪ ،‬وانحلَّت أخالقهم‪ ،‬و ُ‬
‫نأمل اآلن أن يُ ِ‬ ‫وشاعت بينهم ُ‬
‫وذُلَّنا إلى عزة‪ ،‬وفقرنا إلى ِغنى‪ ،‬واحتاللنا إلى استقالل‪ ،‬وإذا أراد الله بقوم سوءًا ‪ -‬من‬

‫‪49‬‬
‫احتالل أو ذل‪ ،‬أو مرض أو فقر‪ ،‬أو نحو ذلك من أسباب البالء التي تكون بسبب‬

‫لحكمه‪ ،‬وفي هذا إيماء إلى أنه ينبغي‬ ‫ِ‬


‫أعمالهم وما كسبته أيديهم ‪ -‬فال ر َّاد له وال ُمعقب ُ‬
‫أال يَستعجلوا السيئةَ قبل الحسنة؛ فإن ذلك كله مرجعه إلى عالم خبير ال يـَُرُّد له قضاء‪ ،‬وما‬

‫لهم من دونه من وال وناصر ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬التحليل النحوي للفاصلة‪:‬‬

‫{ َوَما لَ ُه ْم ِم ْن ُدونِِه ِم ْن َوال}‪( :‬الواو) عاطفة‪( ،‬ما) حرف ناف‪( ،‬لهم) جار ومجرور متعلِق‬

‫بخبر َّ‬
‫مقدم‪( ،‬من دونه) جار ومجرور متعلق بحال من وال‪ ،‬والتقدير‪ :‬ما لهم من وال حالة‬

‫كونه من دونه‪ ،‬و(من) حرف جر زائد‪( ،‬وال) مجرور لفظًا مرفوع محال مبتدأ مؤخر‪،‬‬

‫وعالمة الجر الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة‪ ،‬فهو اسم منقوص‪ ،‬وجملة‪( :‬ما لهم من‬

‫دونه من وال)‪ :‬ال محل لها معطوفة على جملة جواب الشرط‪( :‬فَال َمَرَّد لَه)‪ ،‬وقد ذكر‬

‫(الدعاس) أن الواو مستأنفة‪ ،‬وعلى ذلك تكون جملة (ما لهم من دونه من وال) غير‬

‫معطوفة‪ ،‬وفي كال الحالين ال محل لها من اإلعراب‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬مناسبة الفاصلة‪:‬‬

‫يقول الطاهر بن عاشور‪" :‬هذا تصريح بمفهوم الغاية المستفاد من (حتى يُغيروا ما‬

‫تأكيدا للتحذير؛ ألن المقام لكونه مقام خوف ووجل‪ ،‬يقتضي التصريح دون‬
‫ً‬ ‫بأنفسهم)‪،‬‬

‫قرب منه؛ أي‪ :‬إذا أراد الله أن يُغير ما بقوم حين يُغيرون ما بأنفسهم‪ ،‬ال‬
‫التعريض‪ ،‬وال ما يَ ُ‬

‫‪ 72‬التفسير الواضح؛ للشيخ محمد محمود حجازي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ،22٠‬بتصرف يسير‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫يرد إرادته شيء‪ ،‬وذلك تحذير من الغرور أن يقولوا‪ :‬سنَسترسل على ما نحن فيه‪ ،‬فإذا رأينا‬
‫ُّ‬

‫العذاب َآمنَّا‪ ،‬وجملة‪( :‬وما لهم من دونه من وال) زيادة في التحذير من الغرور؛ لئال‬

‫حسبوا أن أصنامهم شفعاؤهم عند الله" ‪.‬‬


‫يَ َ‬

‫‪ 73‬تفسير التحرير والتنوير؛ للطاهر بن عاشور‪ ،‬ج‪ ،13‬ص ‪.1٠2‬‬

‫‪51‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬المناسبة بين مجموعة سور‬

‫مدخل‪:‬‬

‫تقول الباحثة إقبال نجم‪" :‬على الرغم من االختالف في أمر ترتيب السور في المصحف‬

‫الشريف بوضعها الحالي‪ ،‬فإن هناك ما يوحي بوجود تناسب وترابط بينها‪ ،‬يظهر أحيانًا وجه‬

‫التناسب ويَخفى‪ ،‬ويدق أحيانًا أخرى‪ ،‬فيصعب إدراكه‪ ....‬وليس شرطًا أن ترتبط السورة‬

‫بسابقتها أو الحقتها ارتباطًا لفظيا بين آياتهما‪ ،‬أو بين خاتمة السورة السابقة وافتتاحية‬
‫الالحقة لها‪ِ ،‬‬
‫ومن ثَم فإن هناك خيوطًا دقيقة تربط بينهما" ‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬المناسبة بين أول السورة وخاتمة ما قبلها‪:‬‬

‫يقول الدكتور مشهور موسى‪" :‬من المعلوم أن أوائل السور هو ملخص لها‪ ،‬ودليل‬

‫دائما تكون داعمة وكاشفة لقصد التي تليها؛ إذ‬


‫لمقصدها‪ ،‬ثم إن ختام السورة التي قبلها ً‬
‫إن القرآن حلقة متصلة األجزاء‪ ،‬كل جزء يدفع باتجاه الذي يليه" ‪.‬‬

‫النموذج األول‪ :‬التناسب بين أوائل سورة األعراف وخواتيم سورة األنعام‪:‬‬

‫‪ 74‬التناسب ودوره في اإلعجاز القرآني‪ ،‬رسالة ماجستير للباحثة إقبال نجم‪ ،‬ص ‪.15٠‬‬
‫‪ 75‬التناسب القرآني عند البقاعي؛ للدكتور مشهور موسى‪ ،‬ص ‪.1٠7‬‬

‫‪52‬‬
‫{وُه َو الَّ ِذي َج َعلَ ُك ْم‬
‫ختَم الله تعالى سورة األنعام باتباع كتابه والتزامه إلى أن قال تعالى‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يع‬ ‫ض ُك ْم فَـ ْو َق بَـ ْعض َد َر َجات ليَْبـلَُوُك ْم في َما آتَا ُك ْم إِ َّن َربَّ َ‬
‫ك َس ِر ُ‬ ‫ف ْاأل َْر ِ‬
‫ض َوَرفَ َع بَـ ْع َ‬ ‫َخ َالئ َ‬
‫اب َوإِنَّهُ لَغَ ُفور َرِحيم} [األنعام‪.]165 :‬‬
‫الْعِ َق ِ‬

‫ِ‬
‫ص ْد ِرَك َحَرج‬ ‫ثم قال في بداية سورة األعراف‪{ :‬المص * كِتَاب أُنْ ِزَل إِلَْي َ‬
‫ك فَ َال يَ ُك ْن في َ‬
‫ين} [األعراف‪.]2 ،1 :‬‬‫ِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ‬
‫مْنهُ لتُـْنذ َر به َوذ ْكَرى ل ْل ُم ْؤمن َ‬
‫يقول البقاعي‪" :‬أخذ يستدل على ما ختم به تلك من سرعة العقاب وعموم البر والثواب‪،‬‬

‫مخبرا عن مبتدأ تقديره‪ :‬هو {كتاب}؛ أي‪ :‬عظيم أوضح الطريق‬ ‫وما تَ َّ‬
‫قدمه‪ ،‬فقال ً‬
‫خيرا إال أمر به‪ ،‬وال شرا إال نهى عنه‪ ،‬فإنزاله من‬
‫بسا‪ ،‬ولم يَ َذر ً‬
‫المستقيم‪ ،‬فلم يدع بها لَ ً‬

‫أكد ما أشار إليه من رحمته بقوله‪{ :‬أُنْ ِزَل إِلَْي َ‬


‫ك}؛ أي‪ :‬وأنت‬ ‫عظيم رحمته‪ ،‬ثم وصفه بما َّ‬

‫صدرا‪ ،‬وأجملهم قلبًا وأعرقهم أصالة‪ ،‬وأعرفهم باستعطاف‬


‫نفسا وأوسعهم ً‬
‫أكرم الناس ً‬
‫خصك به‪ ،‬فرفعك على جميع‬
‫المباعد‪ ،‬واستجالب المنافر المباغض‪ ،‬وهذا شيء قد َّ‬

‫ومراتب ال َّ‬
‫حد لها" ‪.‬‬ ‫الخلق درجات ال تُحصى ُ‬
‫يقول الدكتور مشهور موسى‪" :‬إن االبتالء الذي ينزله الله على عباده‪ ،‬وما يترتب عليه من‬

‫وضح التكاليف الشرعية‪ ،‬ويُبرهن عليها ويُدلل‪ ،‬ولَ َّما‬


‫عقاب أو ثواب‪ ،‬ال يكون إال بعد أن تُ َّ‬

‫{وَه َذا كِتَاب أَنْـَزلْنَاهُ ُمبَ َارك فَاتَّبِعُوهُ} [األنعام‪ ،]155 :‬أعاد‬
‫كان ذلك في السورة نفسها‪َ :‬‬
‫سبحانه في مطلع سورة األعراف التأكيد والتدليل على ما اختتمت به األنعام من االمتثال‬

‫‪ 76‬نظم الدرر؛ للبقاعي‪ ،‬ج‪ ،7‬ص ‪.348‬‬

‫‪53‬‬
‫والثبات على التكاليف الشرعية التي مصدرها كتاب الله‪ ،‬ولذلك كان الحديث في بدء‬

‫تقدم عن كتابه ووجوب التزامه؛ قال تعالى مدلالً على ما َّ‬


‫تقدم‪{ :‬المص‬ ‫سورة األعراف كما َّ‬

‫ين * اتَّبِعُوا َما‬‫ِ ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ك فَ َال يَ ُك ْن فِي َ ِ‬


‫* كِتَاب أُنْ ِزَل إِلَْي َ‬
‫ص ْدرَك َحَرج مْنهُ لتُـْنذ َر به َوذ ْكَرى ل ْل ُم ْؤمن َ‬
‫أُنْ ِزَل إِلَْي ُك ْم ِم ْن َربِ ُك ْم َوَال تَـتَّبِعُوا ِم ْن ُدونِِه أ َْولِيَاءَ قَلِ ًيال َما تَ َذ َّك ُرو َن} [األعراف‪. "]3 - 1 :‬‬

‫النموذج الثاني‪ :‬التناسب بين أوائل سورة الرحمن وأواخر سورة القمر‪:‬‬

‫ين فِي َجنَّات َونَـ َهر * فِي َم ْق َع ِد ِص ْدق ِعْن َد َملِيك ُم ْقتَ ِدر} [القمر‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال تعالى‪{ :‬إ َّن الْ ُمتَّق َ‬
‫‪.]55 ،54‬‬

‫س َوالْ َق َم ُر‬ ‫اإلنْ َسا َن * َعلَّ َمهُ الْبَـيَا َن * َّ‬


‫الش ْم ُ‬
‫{الر ْح َم ُن * َعلَّم الْ ُق ْرآ َن * َخلَ َق ِْ‬
‫َ‬ ‫وقال تعالى‪َّ :‬‬

‫ض َع الْ ِم َيزا َن} [الرحمن‪- 1 :‬‬ ‫َّج ُر يَ ْس ُج َد ِان * َو َّ‬


‫الس َماءَ َرفَـ َع َها َوَو َ‬ ‫بِ ُح ْسبَان * َوالن ْ‬
‫َّج ُم َوالش َ‬
‫‪.]7‬‬
‫ختم الله سورة القمر بذكر ملكه العظيم وبليغ قدرته‪ِ ،‬‬
‫ومن ثَ َّم فإن الملك القادر المقتدر ال‬ ‫ُ‬
‫يكمل ُملكه إال بذكر الرحمة‪ ،‬وال بد من عموم هذه الرحمة‪ ،‬فلذلك أتى بعده بسورة‬

‫جميعا‪ ،‬وهذا التعدد في‬ ‫وفرع َّ ِ‬


‫ونوع النعم واآلالء على الخلق ً‬ ‫الرحمن التي عدَّد فيها الرحمة‪َّ ،‬‬

‫النعم ال يكون إال من ملك قادر رحيم‪ ،‬وقد جاء ذكر النعم وما يَلقاه المتقون في جنات‬
‫النعيم مجمالً في سورة القمر‪ِ ،‬‬
‫ومن ثَ َّم فقد اقتضى هذا اإلجمال تفصيالً واستقصاءً‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬

‫‪ 77‬التناسب القرآني عند البقاعي؛ للدكتور مشهور موسى‪ ،‬ص ‪.11٠‬‬

‫‪54‬‬
‫عمه وآالءَه على عباده؛ يقول تعالى‪:‬‬‫ِ‬
‫فصل الله فيها ن َ‬
‫ما جاء في سورة الرحمن التي َّ‬

‫س َوالْ َق َم ُر بِ ُح ْسبَان *‬ ‫اإلنْ َسا َن * َعلَّ َمهُ الْبَـيَا َن * الش ْ‬


‫َّم ُ‬
‫{الر ْح َم ُن * َعلَّم الْ ُق ْرآ َن * َخلَ َق ِْ‬
‫َ‬ ‫َّ‬

‫ض َع الْ ِم َيزا َن} [الرحمن‪.]7 - 1 :‬‬ ‫َّج ُر يَ ْس ُج َد ِان * َو َّ‬


‫الس َماءَ َرفَـ َع َها َوَو َ‬ ‫َّج ُم َوالش َ‬
‫َوالن ْ‬
‫أجمل في آخر القمر من َم ِ‬
‫قر األولياء واألعداء في اآلخرة‪،‬‬ ‫وفصل فيها ما َ‬
‫يقول البقاعي‪َّ " :‬‬

‫بالملك‬ ‫َّ‬
‫وصدرها باالسم الدال على عموم الرحمة؛ براعةً لالستهالل‪ ،‬وموازنةً لما حصل ُ‬
‫واالقتدار من غاية التبرك والظهور والهيبة" ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مناسبة مضمون السورة بما قبلها‪:‬‬

‫النموذج األول‪ :‬مناسبة مضمون سورة الحج لمضمون سورة األنبياء التي قبلها في‬

‫ترتيب المصحف‪:‬‬

‫وتأتي مناسبة مضمون سورة الحج لمضمون سورة األنبياء من عدة أمور؛ منها‪:‬‬

‫‪ -1‬أنه في سورة األنبياء قد أُقيمت الحجج الطبيعية على الوحدانية‪ ،‬وفي الحج قد جعل‬

‫الله العلم الطبيعي من براهين ودالئل البعث والنشور‪ ،‬وفي هذا ما فيه من التسلسل‬

‫التأكيدي واالمتداد الذي يجعل المعنى متصالً‪.‬‬

‫‪ 78‬نظم الدرر؛ للبقاعي‪ ،‬ج ‪ ،19‬ص ‪.14٠‬‬

‫‪55‬‬
‫‪" -2‬في سورة األنبياء ورد ذكر قصص بعض األنبياء‪ ،‬والبراهين التي ساقوها من أجل أن‬

‫نعرف‬
‫قومهم‪ ،‬وفي سورة الحج خطاب يسترعي السمع ويوجب علينا ولو إجماالً أن َ‬
‫يؤمن ُ‬
‫صنع الله في أرضه وسمائه‪ ،‬وتدبيره وخلق ِ‬
‫األجنَّة والنبات والحيوان" ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وفصلها‪ ،‬وذكر‬
‫ففي األنبياء ذ َكر البراهين على لسان أنبيائه‪ ،‬وفي الحج زاد هذه البراهين َّ‬

‫تناسب مضمون السورتين‪.‬‬


‫ْنو َعها‪ ،‬وهذا يدل على ُ‬
‫‪ -3‬كذلك فإنه تعالى في سورة األنبياء لَما ذكر حال األنبياء مع أقوامهم‪ ،‬وما وجدوه من‬

‫العنَت واإلعراض منهم ‪" -‬ذكر في سورة الحج حال األشقياء والسعداء‪ ،‬وذكر الفزع‬
‫َ‬
‫األكبر‪ ،‬وهول ما يكون يوم القيامة‪ ،‬وكان مشركو مكة قد أنكروا المعاد‪ ،‬و َّ‬
‫كذبوه بسبب‬

‫انطوت عليه من ِذكر‬ ‫ِ‬


‫تحذيرا لهم وتخوي ًفا‪ ،‬لما َ‬
‫ً‬ ‫تأخر العذاب عنهم‪ ،‬فنزلت هذه السورة‬
‫ُّ‬
‫وشدة هولِها‪ِ ،‬‬
‫وذكر ما أُ ِع َّد لمنكرها‪ ،‬وتَنبيههم على البعث بتطويرهم في‬ ‫زلزلة الساعة ِ‬
‫َْ‬
‫بعد بالنبات" ‪.‬‬
‫خلقهم‪ ،‬وبهمود األرض واهتزازها ُ‬

‫عمه وفضله عليهم‪ ،‬ردا على‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫فكأن الله في سورة الحج يُبكت ويُوبخ المشركين بتذكيرهم بن َ‬
‫جميعا‬
‫إنكارهم الوحدانية وشركهم‪ ،‬وإعراضهم عن اتباع طريق الهدى الذي دعا إليه األنبياء ً‬
‫في سورة األنبياء‪.‬‬

‫‪ 79‬في رحاب التفسير؛ للشيخ عبد الحميد كشك‪ ،‬ج ‪ ،17‬ص ‪.2522‬‬
‫‪ 8٠‬البحر المحيط؛ ألبي حيان األندلسي‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪.324‬‬

‫‪56‬‬
‫النموذج الثاني‪ :‬مناسبة مضمون سورة النور لمضمون سورة المؤمنون التي قبلها في‬

‫ترتيب المصحف‪:‬‬

‫ُوِجد تناسب بين سورة النور وسورة المؤمنين التي قبلها‪ ،‬وقد تَمثَّل هذا التناسب فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬يقول الشيخ سعيد حوى‪" :‬تتحدث سورة النور عن أحكام تُطالَب بها األمة اإلسالمية‪،‬‬

‫وتتحدث عن أحكام لها صلة بالنظام االجتماعي لألمة اإلسالمية‪ ،‬ولذلك نجد سورة‬

‫{وإِ َّن َه ِذهِ أ َُّمتُ ُك ْم أ َُّمةً‬


‫المؤمنون تتحدث عن الوحدة اإلسالمية خالل العصور؛ قال تعالى‪َ :‬‬
‫وِ‬
‫اح َد ًة وأَنَا ربُّ ُكم فَاتَّـ ُق ِ‬
‫ون} [المؤمنون‪ ،]52 :‬فالسورة تتحدث عن موضوع وحدة األمة‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وتُنكر موضوع تقطيع أمر األنبياء واألخذ ببعضه وترك بعضه؛ ُمقدمةً لسورة‬

‫النور"‪.81‬‬

‫وج ِه ْم َحافِظُو َن}‬


‫‪ -2‬أنه سبحانه لَ َّما قال في سورة المؤمنين‪{ :‬والَّ ِذين هم لُِفر ِ‬
‫َ َ ُْ ُ‬
‫أحكاما كثيرة تدعو إلى حفظ الفروج‪ ،‬وتؤدي إلى‬
‫ً‬ ‫[المؤمنون‪ ،]5 :‬ذ َكر في سورة النور‬

‫سالمة المجتمع من الزنا ومظاهره؛ حيث تبدأ السورة بالحديث عن حد الزنا وحد القذف‪،‬‬
‫وتضع عقوبات رادعة صارمة للمستهترين ِ‬
‫بحفظ فروجهم‪ ،‬والمتطاولين على األعراض‪،‬‬

‫َّ‬
‫وتحدثت السورة بعد ذلك عن آداب االستئذان‪،‬‬ ‫والمنتهكين لطهارة المجتمع ِ‬
‫وعفته‪،‬‬
‫وأحكام غض البصر‪ ،‬وحثَّت على الزواج لمن ملَك االستطاعة والقدرة على أعبائه‪ ،‬وتُ ِ‬
‫وجه‬ ‫َ‬
‫خطابا لألولياء بتزويج األيامى من أبنائهم وبناتهم‪ ،‬ثم تُ ِ‬
‫وجه خطابًا آخر لألسياد لتزويج‬ ‫ً‬

‫‪ 81‬األساس في التفسير؛ للشيخ سعيد حوى‪ ،‬ج‪ ،3613 ،1‬دار السالم‪14٠5 ،‬هـ ‪1985 -‬م‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫الصالحين من عبيدهم وإمائهم‪ ،‬وكل هذه األحكام تدعو إلى حفظ الفروج ‪ -‬إما بصورة‬

‫نظرية أو عملية ‪ -‬وتلتقي مع سورة المؤمنون في هذا الهدف السامي النبيل‪.82‬‬

‫‪82‬‬
‫المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها‪ :‬دراسة تطبيقية لسورتي النور وفاطر‪ ،‬رسالة ماجستير للباحثة آمنة جمال‬

‫إسماعيل كحيل‪ ،‬ص ‪ ،18‬بتصرف يسير‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫خاتمة ونتائج‬

‫تحدثت في هذا البحث عن المناسبة في موضوع القرآن وذكرت تعريفا لغويا واصطالحيا‬

‫وافيا للمناسبة‪ ،‬وذكرت تعريفات البالغيين لها وداللة المصطلح عندهم‪ ،‬ثم ذكرت قول‬

‫المعارضين للقول بالمناسبة في القرآن والرد عليهم ‪ ،‬وأهمية علم المناسبة وأنواعه في‬

‫تفصيل غير ممل‪ ،‬ثم انتقلت إلى الجانب التطبيقي من البحث‪ ،‬فتحدثت عن المناسبة بين‬

‫آيات السورة الواحدة‪ ،‬وطبقت ذلك من خالل نماذج من آيات سور القرآن‪ ،‬ثم تحدثت‬

‫عن المناسبة بين فواصل اآليات‪ ،‬وذكرت أمثلة لذلك من فواصل آيات السور‪ ،‬وتحدثت‬

‫عن المناسبة بين السورة وما قبلها وذكرت أمثلة لذلك‪ ،‬ومن خالل ما سبق خرجت ومعي‬

‫مجموعة من النتائج كان من أهمها‪:‬‬

‫‪ -1‬أن هناك مؤلفات كثيرة دارت حول موضوع المناسبة‪ ،‬ومنها ما جاءت المناسبة بابًا من‬

‫خصيصا لها‪ ،‬ومنها رسائل عليمة طبَّقت موضوع المناسبة على بعض‬
‫ً‬ ‫أبوابها‪ ،‬ومنها ما أُلِف‬

‫سور القرآن‪.‬‬

‫‪ -2‬أن خالصة المعنى اللغوي للمناسبة ‪ -‬كما جاء في المعاجم ‪ -‬يدل على االتصال‬

‫والنسب والعالقة والربط‪.‬‬

‫‪ -3‬أن خالصة المعنى االصطالحي هو معرفة علل الترتيب بين آيات وسور القرآن‪،‬‬

‫واالرتباط بين أجزاء هذه السور واآليات‪ ،‬حتى تكون السورة واآلية كالكملة الواحدة ُمتسقة‬

‫المعاني والمباني‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ -4‬أن هناك داللة اصطالحية لمصطلح المناسبة عند البالغيين‪ ،‬فهي عندهم مطابقة‬

‫نضوجا ِمن سابقيه‪.‬‬


‫األلفاظ ألغراض المعاني‪ ،‬ولقد جاء تعريف التنويري للمناسبة أكثر ً‬
‫‪ -5‬أن هناك علماء ُكثُر قالوا بالمناسبة‪ ،‬وألَّفوا فيها أكثر من كتاب؛ مثل‪ :‬البقاعي‪،‬‬

‫والسيوطي‪.‬‬

‫‪ -6‬أن هناك َمن اعترض على القول بالمناسبة في القرآن‪ ،‬ومنهم‪ :‬اإلمام العز بن عبد‬

‫ودفِ َع اعتراضهم بأقوال العلماء اآلخرين‪ ،‬وهناك ِمن‬


‫السالم واإلمام الشوكاني‪ ،‬وقد ُرَّد عليهم ُ‬
‫المحدثين َمن‬

‫وقرر أنه لم يَعترض على المناسبة‪ ،‬وإنما اعترض على المتكلَّف منها‪،‬‬
‫دافع عن الشوكاني‪َّ ،‬‬

‫وهذا ليس فيه عيبًا‪.‬‬

‫‪ -7‬أن هناك أهمية بالغة لعلم المناسبة؛ فهي تساعد في فَـ ْهم مراد الله تعالى في كتابه‪،‬‬

‫مفتاح معر ِفة ِح َكم‬


‫وعدم الوقوع في اللبس أو الخطأ‪ ،‬أو التأويالت المغالى فيها‪ ،‬وتكون َ‬
‫ودرره ‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫القرآن ُ‬
‫‪ -8‬أن هناك عالقة وروابط قوية بين اآلية وجارتها‪ ،‬وبين صدر اآلية وخاتمة ما قبله‪.‬‬

‫‪ -9‬أن فواصل اآليات تقوم بدور كبير في تحقيق المناسبة والربط بين اآليات‪.‬‬

‫‪ -1٠‬أن هناك مناسبة وربط بين آخر آيات السورة وأوائل آيات السورة التي بعدها‪ ،‬وهذا‬

‫يجعل من سور القرآن سلسلة مترابطة ممتدة الحلقات‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫فهرس المراجع‬

‫وقد رتَّبتها ترتيبا ألفبائيًّا‪:‬‬

‫‪ -1‬نظم الدرر في تناسب اآليات والسور؛ إلبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي‬

‫بن أبي بكر البقاعي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ -2‬التناسب ودوره في اإلعجاز القرآني‪ ،‬رسالة ماجستير للباحثة إقبال نجم‪ ،‬جامعة الكوفة‬

‫العراق‪2٠٠9 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -3‬مقاييس اللغة؛ ألحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي‪ ،‬أبو الحسين؛ تحقيق‬

‫الشيخ عبدالسالم محمد هارون‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر‪1399 ،‬هـ ‪1979 -‬م‪.‬‬

‫‪ -4‬نهاية األرب في فنون األدب؛ ألحمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عبد الدائم‬

‫القرشي التيمي البكري‪ ،‬شهاب الدين النويري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب والوثائق القومية‪ ،‬القاهرة‬

‫الطبعة‪ :‬األولى‪ 1423 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪ -5‬التناسب في سورة محمد‪ :‬دراسة بالغية؛ رسالة ماجستير للدكتور أحمد يحيى محمد‪.‬‬

‫‪ -6‬موقف الشوكاني في تفسيره من المناسبات‪ ،‬بحث محكم بكلية أصول الدين جامعة‬

‫األزهر للدكتور أحمد محمد الشرقاوي سالم‪1425 ،‬ه‪.‬‬

‫‪ -7‬المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها‪ :‬دراسة تطبيقية على الجزء األول من سورة البقرة؛‬

‫رسالة ماجستير للباحث أحمد محمد عطية‪ ،‬الجامعة اإلسالمية غزة ‪ -‬فلسطين‪،‬‬

‫‪2٠1٠‬هـ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ -8‬المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها‪ :‬دراسة تطبيقية لسورتي النور وفاطر‪ ،‬رسالة‬

‫ماجستير للباحثة آمنة جمال إسماعيل كحيل‪ ،‬الجامعة اإلسالمية غزة ‪ -‬فلسطين‪،‬‬

‫‪2٠٠9‬م‪.‬‬

‫‪ -9‬الفصل والوصل؛ للدكتور بسيوني عرفة‪ ،‬مكتبة الرسالة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ -1٠‬أيسر التفاسير لكالم العلي الكبير؛ لجابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر‪ ،‬أبو‬

‫بكر الجزائري‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة العلوم والحكم‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‬

‫‪1424 ،5‬ه ‪2٠٠3 -‬م‪.‬‬

‫‪ -11‬المفردات في غريب القرآن؛ ألبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب‬


‫األصفهاني‪ ،‬تحقيق صفوان عدنان الداودي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار القلم‪ ،‬الدار الشامية ‪ -‬دمشق‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ 1412 ، 1‬هـ‪.‬‬
‫‪ -12‬في ظالل القرآن؛ للشيخ سيد قطب‪.‬‬
‫‪ -13‬األساس في التفسير؛ للشيخ سعيد حوى‪ ،‬الناشر‪ :‬دار السالم‪14٠5 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬القصص القرآني؛ للدكتور صالح الخالدي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ ‪-‬‬
‫‪1998‬م‪.‬‬
‫‪ -15‬التناسب في سورة البقرة‪ ،‬رسالة ماجستير للدكتور طارق مصطفى محمد‪ ،‬جامعة‬
‫القدس‪1428،‬ه ‪2٠٠7 -‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬الوحدة البنائية للقرآن المجيد؛ للدكتور طه جابر العلواني‪.‬‬
‫‪ -17‬الحيوان؛ لعمرو بن بحر بن محبوب الكناني بالوالء‪ ،‬الليثي‪ ،‬أبو عثمان‪ ،‬الشهير‬
‫بالجاحظ‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1424 ،2‬ه‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫‪ -18‬دالئل اإلعجاز؛ ألبي بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي األصل‪،‬‬
‫الجرجاني الدار‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود محمد شاكر أبو فهر‪ ،‬الناشر‪ :‬مطبعة المدني بالقاهرة ‪-‬‬
‫دار المدني بجدة‪ ،‬ط ‪1413 ،3‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬

‫‪ -19‬التفسير الكبير؛ ألبي عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي‪،‬‬
‫الملقب بفخر الدين الرازي‪ ،‬خطيب الري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء التراث العربي – بيروت‪،‬‬
‫ط‪ 142٠ - 3‬هـ‪.‬‬
‫‪ - 2٠‬إمالء ما من به الرحمن؛ للعكبري‪ ،‬ألبي البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله‬
‫العكبري البغدادي محب الدين‪،‬‬
‫‪ -21‬اإلشارة إلى اإليجاز وبعض أنواع المجاز؛ ألبي محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد‬
‫السالم بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي‪ ،‬الملقب بسلطان العلماء‪،‬‬
‫سمى (إعجاز القرآن ومعترك األقران؛ لعبد الرحمن‬
‫‪ -22‬معترك األقران في إعجاز القرآن‪ ،‬ويُ َّ‬
‫بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بيروت ‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫ط‪ 14٠8 ،1‬هـ ‪ 1988 -‬م‪.‬‬
‫‪ -23‬اإلتقان في علوم القرآن؛ لعبد الرحمن بن أبي بكر‪ ،‬جالل الدين السيوطي؛ تحقيق‬
‫محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬الناشر‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬طبعة عام ‪1394‬ه ‪-‬‬
‫‪ 1974‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬دالئل النظام؛ للشيخ عبد الحميد الفراهي الهندي‪.‬‬
‫‪ -25‬وداللة السياق؛ للدكتور عبد الوهاب أبو صفية‪.‬‬
‫‪ -26‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان؛ لعبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله‬
‫السعدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن معال اللويحق‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪142٠ ،1‬هـ‬
‫‪ 2٠٠٠-‬م‪.‬‬
‫‪ -27‬في رحاب التفسير؛ للشيخ عبد الحميد كشك‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ -28‬جامع البيان في تأويل القرآن؛ لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب اآلملي‪،‬‬
‫أبو جعفر الطبري‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪ 142٠ ،1‬هـ‬
‫‪ 2٠٠٠ -‬م‪.‬‬
‫‪ -29‬إعجاز القرآن للباقالني؛ ألبي بكر الباقالني محمد بن الطيب‪ ،‬تحقيق السيد أحمد‬
‫صقر‪ ،‬الناشر‪ :‬دار المعارف ‪ -‬مصر‪ ،‬ط ‪1997 ،5‬م‪.‬‬
‫‪ -3٠‬البحر المحيط؛ ألبي حيان األندلسي؛ ألبي حيان محمد بن يوسف بن علي بن‬
‫يوسف بن حيان‪ ،‬أثير الدين األندلسي تحقيق‪ :‬صدقي محمد جميل‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر ‪-‬‬
‫بيروت‪ ،‬طبعة عام ‪ 142٠‬هـ‪.‬‬
‫‪ -31‬لسان العرب؛ لمحمد بن مكرم بن علي‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬جمال الدين‪ ،‬ابن منظور‬
‫األنصاري الرويفعي اإلفريقي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار صادر ‪ -‬بيروت‪ ،‬ط ‪ 1414 ،3‬هـ‪.‬‬
‫‪ -32‬البرهان في علوم القرآن؛ ألبي عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر‬
‫الزركشي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم‪ ،‬ط‪ 1376 ،1‬هـ ‪ 1957 -‬م‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫صورته دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‬
‫إحياء الكتب العربية‪ :‬عيسى البابي الحلبي وشركاؤه‪( ،‬ثم َّ‬
‫‪ -‬وبنفس ترقيم الصفحات)‪.‬‬
‫‪ -33‬تاج العروس من جواهر القاموس؛ لمحمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني‪ ،‬أبو‬
‫الزبيدي‪ ،‬تحقيق مجموعة من المحققين‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الهداية‪.‬‬ ‫الفيض‪ ،‬الملقب بمرتضى َّ‬
‫‪ -34‬فتح القدير؛ لمحمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫ابن كثير‪ ،‬دار الكلم الطيب ‪ -‬دمشق‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬األولى ‪ 1414 -‬ه‪.‬‬
‫‪ -35‬تفسير المنار؛ للشيخ محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد‬
‫بهاء الدين بن منال علي خليفة القلموني الحسيني‪ ،‬الناشر‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫سنة النشر ‪ 199٠‬م‪.‬‬
‫‪ -36‬التحرير والتنوير‪( :‬تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب‬
‫المجيد)؛ لمحمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي‪ ،‬الناشر‪ :‬الدار‬
‫التونسية للنشر – تونس‪ ،‬سنة النشر ‪ 1984‬هـ‪.‬‬
‫‪ -37‬علم المناسبات في السور واآليات؛ للدكتور محمد بازمول‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫‪ -38‬إمعان النظر في نظام اآلي والسور؛ للدكتور محمد عناية الله سبحاني‪.‬‬
‫‪ -39‬الفاصلة في القرآن الكريم؛ للدكتور محمد الحسناوي‪.‬‬
‫‪ -4٠‬التفسير الواضح؛ للشيخ محمد محمود حجازي‪.‬‬
‫‪ -41‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل؛ ألبي القاسم محمود بن عمرو بن أحمد‪،‬‬
‫الزمخشري جار الله‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي ‪ -‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة ‪ 14٠7 -‬هـ‪.‬‬
‫‪ -42‬التناسب القرآني عند البقاعي؛ رسالة ماجستير للدكتور مشهور موسى‪ ،‬الجامعة‬
‫األردنية‪2٠٠1 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -43‬المناسبة بين الفواصل‪ :‬دراسة تطبيقية على سورة يوسف والرعد وإبراهيم‪ ،‬رسالة‬
‫ماجستير للباحث نمر جبر سدر‪ ،‬الجامعة اإلسالمية غزة فلسطين‪2٠11 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -44‬التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج؛ للدكتور وهبة الزحيلي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار‬
‫الفكر المعاصر ‪ -‬دمشق‪ ،‬ط ‪ 1418 ،2‬هـ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫الفه رس‬

‫المبحث األول‪ :‬التعريف بالمناسبة في القرآن‪ ،‬وتحته خمسة مطالب ‪8 ....................‬‬


‫المطلب األول‪ :‬المناسبة لغة واصطلحا‪8 .......................................... :‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬القائلون بالتناسب واآلخذون به‪12 ................................. :‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬المعارضون والرد على اعتراضاتهم‪18 .............................. :‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬أهمية علم المناسبات‪23 .......................................... :‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬أنواع المناسبة في القرآن‪28 ..................................... :‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المناسبة بين اآليات في السورة ‪33 .....................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المناسبة بين اآلية وما قبلها مباشرة‪33 .............................. :‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المناسبة بين ختام اآلية وصدرها‪32 ................................ :‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬المناسبة بين فاتحة السورة وخاتمتها‪33 ............................ :‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها ‪38 ..............................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬نماذج تطبيقية من سورة البقرة‪33 .................................. :‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نماذج تطبيقية من سورة يوسف‪32 ................................. :‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬نماذج تطبيقية من سورة الرعد‪34 .................................. :‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬المناسبة بين مجموعة سور ‪22 .........................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المناسبة بين أول السورة وخاتمة ما قبلها‪22 ........................ :‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مناسبة مضمون السورة بما قبلها‪22 ................................ :‬‬
‫خاتمة ونتائج ‪25 ...................................... ................................‬‬
‫فهرس المراجع ‪11 .................................... ................................‬‬

‫‪66‬‬

You might also like