You are on page 1of 5

‫‪ ‬‬

‫خطر الفتوى بغير علم على ثقافة وحياة الناس ‪‬‬

‫خطر الفتوى بغير علم على ثقافة وحياة الناس‬


‫منذ‪25-10-2017 ‬‬
‫متبــرّعون‬ ‫ِ‬ ‫من الالزم نصب المفتين في المناطق المتباعدة إن ظهرت الحاجة ولم يوجد‬
‫صب إال من كان لذلك أهاًل ‪ ،‬وينبغي أن ُينظر في أحوال المفتين‪ ،‬ف ُيمنع من‬ ‫بالفتيا‪ ،‬وال ُين َ‬
‫‪.‬يتص َّدر لذلك وليس بأهل‪ ،‬أو إذا كان مـمــن يسيء إلى الفتوى وال يحسنها‬
‫مون}‪[ ‬النحل‪،]43 :‬‬ ‫م اَل تَ ْعلَ ُ‬ ‫ذ ْك ِر إِنْ ُك ْن ُت ْ‬ ‫ل ال ِّ‬ ‫ه َ‬ ‫اسأَلُوا أَ ْ‬ ‫قال تعالى مخاط ًبا المستفتين‪َ { :‬ف ْ‬
‫أي ارجعوا إلى أهل المعرفة وأهل الخبرة‪،‬فسؤال أهل‪ ‬الذكر‪ ‬واجب‪ ،‬وهذه قاعدة في‬
‫يرجع إلى أهل االختصاص في‬ ‫ُ‬ ‫ولده‬ ‫الحياة كلها‪ ،‬فكما أن اإلنسان إذا مرض هو أو مرض ُ‬
‫أمور الدين‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أمر من األمور ومنها‬ ‫الطب‪ ،‬كذلك في كل ٍ‬
‫هذَا‬ ‫حاَل ل َو َ‬ ‫هذَا َ‬ ‫ب َ‬ ‫ك ِذ َ‬ ‫ُم ا ْل َ‬
‫س َن ُتك ُ‬ ‫َ‬
‫ف أ ْل ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫ما ت َ ِ‬ ‫وقال تعالى مخاط ًبا المفتين‪َ { :‬و اَل تَ ُقولُوا لِ َ‬
‫حونَ }‪[ ‬النحل‪.]116 :‬‬ ‫ب اَل ُي ْف ِل ُ‬ ‫ك ِذ َ‬ ‫ون َعلَى اللَّ ِ‬
‫ه ا ْل َ‬ ‫ين يَ ْف َت ُر َـ‬ ‫ب إِنَّ الَّ ِذ َ‬‫ك ِذ َ‬ ‫ه ا ْل َ‬ ‫م لِ َت ْف َت ُروا َعلَى اللَّ ِ‬ ‫ح َرا ٌ‬ ‫َ‬
‫وفي حياة‪ ‬النبي‪ ‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬أصيب أحد‪ ‬الصحابة‪ ‬بجرح‪ ،‬وكان عليه جنابة‪ ،‬والبد‬
‫ن معه بأن ينزل الماء ويغتسل مع هذه الجراحة‪ ،‬فكانت‬ ‫بعض َم ْ‬
‫ُ‬ ‫أن يغتسل ويتطهر‪ ،‬فأفتاه‬
‫خبر هذه‬ ‫ُ‬ ‫ي صلى هللا عليه وسلم‬ ‫النتيجة أن الرجل مات من آثار ذلك‪ ،‬فلما بلغ النب َّ‬
‫موا؛ َف ِإنَّ َ‬
‫ما‬ ‫م يَ ْعلَ ُ‬ ‫سألُوا إِ ْذ لَ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م اللَّ ُه‪ ،‬أاَل َ‬ ‫الحادثة‪ ،‬قال في شأن هؤالء الذين أفتوه‪َ « :‬ق َتلُو ُه‪َ ،‬ق َتلَ ُه ْ‬
‫ح‬ ‫س َ‬ ‫م َ‬‫م يَـ ْ‬ ‫خ ْر َق ًة‪ُ ،‬ث َّ‬‫ه ِ‬ ‫ح ِ‬ ‫ج ْر ِ‬‫ب َعلَى ُ‬ ‫ص َ‬ ‫م‪َ ،‬ويَ ْع ِ‬ ‫ه أَنْ يَ َتيَ َّ‬
‫م َ‬ ‫ما َكانَ يَ ْك ِفي ِ‬ ‫َال‪ ،‬إِنَّ َ‬
‫السؤ ُ‬‫ُّ‬ ‫ش َفا ُء ا ْل ِع ّـ ِّ‬
‫ِي‬ ‫ِ‬
‫س ِد ِه» (رواه اإلمام أبو داود)‪.‬‬ ‫َع ْ َ َ َ ْ ِ َ َ ِ َ َ َ‬
‫ج‬ ‫ر‬ ‫ئ‬ ‫ا‬ ‫س‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫غ‬‫ي‬ ‫و‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬
‫وكان النبي صلى هللا عليه وسلم ‪-‬وهو معلم‪ ‬الشريعة‪ُ -‬يسأل أحيانًا عن أشيا َء لم ينزل‬
‫فيها وحي‪ ،‬فيـنتظرـ الوحي ليعلمه بحكم هللا فيها‪ ،‬وآيات‪" ‬يسألونك" في كتاب هللا غير‬
‫قليلة وشاهدة على ذلك‪ .‬وكان كثير من الصحابة ال يجيب عن مسألة حتى يأخذ رأي‬
‫صاحبه‪ ،‬وكان الخلفاء الراشدون ‪-‬مع ما آتاهم هللا من سعة‪ ‬العلم‪ -‬يجمعون علماء الصحابة‬
‫وفضالءهم عندما تعرض لهم مشكالت المسائل يستشيرونـهم‪.‬‬
‫وعن الشعبي والحسن وأبي حصين التابعين قالوا‪" :‬إن أحدكم ليفتي في‬
‫المسألة ولو وردت على‪ ‬عمر بن الخطاب‪ ‬رضي هللا عنه لجمع لها أهل بدر"‪.‬‬
‫سمعت أحم َد بن حنبل ُيكثر أن يقول‪" :‬ال أدري"‪ ،‬وذلك فيما عرف‬ ‫ُ‬ ‫وعن األثرم قال‪ :‬‬
‫األقاويل فيه‪.‬‬
‫ن وأربعين مسألة‪ ،‬فقال في اثنتين‬ ‫ل عن ثما ٍ‬ ‫سئ َ‬ ‫كا ُ‬ ‫وعن الهيثم بن جميل‪" :‬شهدت مال ً‬
‫وثالثين منها‪ :‬ال أدري»‪ .‬وكان يقول‪« :‬من أجاب في مسألة‪ ،‬فينبغي قبل الجواب أن يعرض‬
‫نفسه على‪ ‬الجنة‪ ‬والنار وكيف خالصه‪ ،‬ثم يجيب"!!‬
‫وسئل القاسم بن محمد عن شيء‪ ،‬فقال‪ :‬إني ال أحسنه‪ ،‬فقال له السائل‪ :‬إني‬ ‫ُ‬
‫جئتك ال أعرف غيرك‪ ،‬فقال له القاسم‪ :‬ال تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي‪ ،‬وهللا‬
‫ما أحسنه! فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه‪ :‬يا ابن أخي الزمها فوهللا ما رأيناك في‬
‫م بما‬ ‫ي من أن أتكل َ‬ ‫مجلس أنبل منك اليوم! فقال القاسم‪" :‬وهللا ألن ُيقطع لساني أحب إل َّ‬
‫م لي به"‪.‬‬ ‫ال عل َ‬
‫وسئل الشعبي عن مسألة‪ ،‬فقال‪ :‬ال أدري‪ ،‬قيل له‪ :‬أال تستحي من قول "ال‬
‫أدري"‪ ‬وأنت فقيه العراق؟ فقال‪ :‬لكن‪ ‬المالئكة‪ ‬لم تستحِ حين قالوا‪:‬سبحانك ال علم لنا إال‬
‫ما علمتــنا‪.‬‬
‫ولذلك كان من الالزم نصب المفتين في المناطق المتباعدة إن ظهرت الحاجة ولم يوجد‬
‫صب إال من كان لذلك أهاًل ‪ ،‬وينبغي أن ُينظر في أحوال المفتين‪،‬‬ ‫متبــرّعون بالفتيا‪ ،‬وال ُين َ‬ ‫ِ‬
‫ف ُيمنع من يتص َّدر لذلك وليس بأهل‪ ،‬أو إذا كان مـمــن يسيء إلى الفتوى وال يحسنها‪.‬‬
‫قال فقهاء الحنفيَّة‪ :‬يحجر على المفتي الماجن‪ ،‬والطبيبـ الجاهل‪ ،‬والمكاري المفلس؛‬
‫سد على الناس‬ ‫ج ْر عليهم‪ ،‬فالمفتي الماجن ُي ْف ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ما فيه من الضرر الفاحش إذا لم ُي ْ‬ ‫لِ َ‬
‫َ‬
‫والمتطب ّب الجاهل ُي ْفسد أبدانَهم‪ ،‬والمكاري المفلس يتلف أموالهم‪ ،‬ف ُيمنعون من‬ ‫ِ‬ ‫دي َنهم‪،‬‬
‫حيَل ليحتالوا على‬ ‫م الناس ال ِ‬‫جن بأنه الذي ُيع ِل ّ ُ‬ ‫فسروا المفتي الما ِ‬ ‫َّ‬ ‫ذلك دفعًا للضرر‪ .‬وقد‬
‫الشريعة‪ ،‬كمن ُيع ِل ّم‪ ‬الزوجة‪ ‬أن ترت َّد لِ َتبين من زوجها‪ ،‬أو يع ِل ّم ما تسقط به‪ ‬الزكاة‪ ،‬وكذا من‬
‫يفتي عن جهل‪.‬‬
‫وقال الخطيب‪ 4‬البغدادي‪ :‬ينبغي‪ ‬لإلمام أن يتصفح أحوال المفتين‪ ،‬فمن صلح للفتيا‬
‫أق َّره‪ ،‬ومن ال يصلح منعه ونهاه وتوعده بالعقوبة إن عاد‪،‬قال‪ :‬وطريق اإلمام إلى معرفة من‬
‫يصلح للفتيا أن يسأل عنه علماء وقته‪ ،‬ويعتمد إخبار الموثوق بهم‪ .‬وقال‪ ‬ابن القيم‪ :‬من‬
‫ضا ‪.‬‬ ‫م أي ً‬‫عاص‪ ،‬ومن أق َّرهم من والة األمور فهو آث ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫م‬‫أفتى وليس بأهل فهو آث ٌ‬
‫ل‬
‫ي األمر من ُعهم‪ ،‬فهو ‪-‬يعني المفتي بغير علم‪ -‬بمنزلة من يد ُّ‬ ‫وقال ابن الجوزي‪ :‬يلزم ول َّ‬
‫اًل‬
‫الركب وال يعلم الطريق‪ ،‬وبمنزلة من يرشد الناس إلى القبلة وهو أعمى‪ ،‬بل أسوأ حا ‪.‬‬
‫ن لم يحسن الطب من مداواة المرضى‪ ،‬فكيف بمن لم‬ ‫منع َم ْ‬
‫ُ‬ ‫ي األمر‬
‫وإذا تعيَّن على ول ّ ِ‬
‫والسنة ولم يتفقَّه في الدين؟!! ووصف ابن الجوزي حال شيخه‪ ‬ابن تيمية‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫يعرف الكتاب‬
‫بعض‬
‫ُ‬ ‫شدي َد اإلنكار على هؤالء‪،‬فسمع ُته يقول‪ :‬قال لي‬ ‫خنا رضي هللا عنه َ‬ ‫ش ْي ُ‬ ‫فقال‪ :‬وكان َ‬
‫فقلت له‪ :‬يكون على الخـــبــــَّازين والطبَّاخين‬ ‫ُ‬ ‫سبًا على الفتوى؟‬ ‫ح َت ِ‬ ‫م ْ‬ ‫هؤالء‪ :‬أَ ُ‬
‫ج ِع ْل َت ُ‬
‫ب؟!!‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َت ِ‬
‫ب‪ ،‬وال يكون على الفتوى ُم ْ‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َت ِ‬
‫ُم ْ‬
‫ونقل أئمةُ األحناف عن أبي حنيفة رحمه هللا تعالى قولَه‪":‬ال يجوز‪ ‬الحج ُْر إال على‬
‫ب الجاهل‪ ،‬وعلى المكاري المفلِس‪".‬‬ ‫المتطب ّ ِ‬
‫ِ‬ ‫جن‪ ،‬وعلى‬ ‫ثالثة‪ :‬على المفتي الما ِ‬
‫إعداد‪ :‬الشيخ عبد اللطيف دريان‬
‫مفتي الجمهورية‪ 4‬اللبنانية‬

You might also like