You are on page 1of 30

‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬

‫ود في خبر الرايات الس ْ‬


‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫السو ْد‬
‫البنُو ْد في خبر الرايات ُّ‬
‫نَ ْش ُر ُ‬

‫صنفه‬

‫د‪ .‬بالل فيصل البحر‬

‫احلمد هلل الذي جعل طائف ةً من حزبه باحلق ظاهرة‪ ،‬وللباطل وأهله يف كل زمان قاهرة‪ ،‬وأيدها باحلُجج‬
‫كل‬ ‫واآليات الواضحة الباهرة‪ ،‬وصرَّي النصر معقوداً تـحت ألويتها وراياتـِها الظافرة‪ ،‬وأمخد برجاهلا ِّ‬
‫الص يد َّ‬
‫فتنة عمي اءَ نائرة‪ ،‬وص لى اهلل وسلم وب ارك على سيدنا حمم د وآله وأص حابه وأتباعه ال ذين كتب اهلل هلم‬
‫ِّح ل الكافرة‪ ،‬وأعوانـهم من الطغاة اجلائرين‬
‫النصر والغلبة والعلياء يف الدنيا واآلخرة‪ُ ،‬رغم أنوف امللل والن َ‬
‫الذين هم أحزابـها الفاجرة‪...‬وبعد‪:‬‬

‫فقد سألين بعض إخواين وأحبايب ممن ال يسعين التخلف عن إجابتِ ه‪ ،‬عن اآلثار الواردة عن النيب صلى اهلل‬
‫إيل ُمفسبكاً سائالً عن معناه‬
‫ب َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عليه وآله وسلم يف سنته‪ ،‬بظهور أصحاب الرايات السود يف أ َُّمت ه‪ ،‬و َكتَ َ‬
‫ورتبتِه‪ ،‬وطلب مين حترير جواب خمتصر يف علله وتبيني زيفه من صحتِه‪.‬‬‫ُ‬
‫ظهرت يف عصرنا‬
‫ْ‬ ‫إذ كان بعض الناس قد طعن يف األخبار الواردة يف الرايات‪ ،‬وادعى بعضهم أنـها اليت‬
‫هذا بالعراقني والشامات‪ ،‬وأن الرايات السود املعقودة املرفوعة اليوم هي اليت وردت بـها أحاديث الثقات‪.‬‬

‫فعقدت العزم على بذل اجملهود‪ ،‬يف حترير هذه العُجالة املسماة بنشر البنود‪ ،‬يف جواب السائل عن حديث‬
‫ُ‬
‫أهل الكرم واجلود‪ ،‬أن يوفقنا فيه لبلوغ‬
‫الرايات السود‪ ،‬راغباً إىل اهلل وهو امللك املعبود‪ ،‬وطالباً عونَه وهو ُ‬
‫مرجو ومأمول‪ ،‬آمني‪.‬‬
‫السول‪ ،‬ويلهمنا إصابة احلق احلقيق بالقبول‪ ،‬وهو سبحانه خري ّ‬
‫فصل‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫في تخريج طرق الحديث وألفاظه‬

‫املـخربة بظه ور الراي ات الس ود وحامليه ا من قب ل املش رق‪ ،‬ق د وردت عن‬
‫اعلم أن األح اديث واآلث ار ُ‬
‫ٍ‬
‫بألفاظ نذكر ما حضرنا منها‪ ،‬وتـهيّأَ لنا الوقوف عليه‪ ،‬فمن‬ ‫املعصوم صلى اهلل عليه وآله وسلم من ٍ‬
‫طرق‬
‫ذلك‪:‬‬

‫األول‪ :‬حديث ثوبان رضي اهلل عنه‪.‬‬

‫أخرجه أمحد [‪ ]22387‬ومن طريقه ابن اجلوزي يف (األحاديث الواهية) [‪ ]1445‬عن شريك عن علي‬
‫بن زيد عن أيب قالبة عن ثوبان مرفوع اً ولفظه (إذا رأيتم الرايات السود قد جاءت من قبل خراسان‪،‬‬
‫فائتوها فإن فيها خليفة اهلل المهدي)‪.‬‬

‫وهذا سند ضعيف‪ ،‬لض عف ش ريك وعلي بن زيد وه و ابن جدعان‪ ،‬وأيض اً فإن أبا قالبة مل يسمع من‬
‫ثوبان كما قاله العجلي‪ ،‬فهو منقطع‪ ،‬وأخرجه البيهقي يف (دالئل النبوة) [ ‪ ]6/515‬من هذا الوجه وقال‪:‬‬
‫(ليس بالقوي)‪.‬‬

‫لكن وصله ابن ماجه [‪ ]4084‬والبزار [‪ ]4163‬واحلاكم [‪ ]8432‬وأبو نعيم يف (صفة املهدي) كما‬
‫للس لمي [‪ ]192‬من طري ق س فيان الث وري عن خال د احلذاء عن أيب قالب ة عن أيب أمساء‬
‫يف (عق د ال درر) ُ‬
‫الرحيب عن ثوبان به ولفظه‪( :‬يقتتل عند كنزكم ثالث ةٌ‪ُ ،‬كلُّهم ُ‬
‫ابن خليفة‪ ،‬ثم ال يصل إلى واحد منهم‪،‬‬
‫ثم تقبل الرايات السود من قبل المشرق‪ ،‬فيقتلونكم قتالً لم يُقتله قوم‪ ،‬ثم ذكر شيئاً‪ ،‬فإذا رأيتموه‬
‫فبايعوه ولو حبواً على الثلج‪ ،‬فإنه خليفة اهلل المهدي) ويف لفظ‪( :‬يقتتل عند َح ّرتكم)‪.‬‬

‫وأخرج ه أب و عم رو ال داين يف (الفنت) [‪ ]548‬من طري ق أمحد بن منص ور الرم ادي عن عب د ال رزاق عن‬
‫الثوري به دون ذكر أيب أمساء‪ ،‬وهو خطأ‪ ،‬فقد رواه البزار عن الرمادي فذكر أبا أمساء فيه‪.‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫وهك ذا رواه مجاع ة عن عب د ال رزاق‪ ،‬منهم ابن معني عن د الروي اين يف (مس نده) [‪ ]637‬وابن كاس ب‬
‫والش بامي أخرج ه ال بيهقي يف (ال دالئل) [‪ ]6/515‬وعن ه ابن عس اكر يف (تارخيه) [‪]281-32/280‬‬
‫وحممد بن علي النجار عند الديلمي يف (الفردوس) [‪ ]3470‬وهو احملفوظ يف حديث عبد الرزاق‪.‬‬

‫احلسني بن‬
‫ُ‬ ‫عبد الرزاق عن الثوري به‪،‬‬
‫وقد ذكر البيهقي أن عبد الرزاق تفرد به‪ ،‬وليس كذلك‪ ،‬فقد تابع َ‬
‫حفص‪ ،‬أخرجه احلاكم [‪ ]4/463‬وصححه على شرط الشيخني ووافقه الذهيب‪.‬‬

‫وق د أخرج ه نُعيم يف (الفنت) [‪ ]896‬عن أيب نص ر اخلف اف ه و عب د الوه اب ابن عط اء عن خال د احلذاء‬
‫عن أيب قالبة عن ثوبان به مرفوعاً‪ ،‬وقد غلط فيه نعيم بن محاد يف موضعني منه‪ ،‬يف رفعه‪ ،‬ويف إسقاط أيب‬
‫أمساء منه‪.‬‬

‫فق د أخرج ه احلاكم [‪ ]4/502‬وص ححه على ش رطهما‪ ،‬ومن طريق ه ال بيهقي يف (ال دالئل) [‪]6/516‬‬
‫عن حيىي بن أيب طالب عن عبد الوهاب بن عطاء به موصوالً بذكر أيب أمساء بني أيب قالبة وثوبان‪ ،‬وهو‬
‫نفر ثالثة‪ ،‬كلُّهم ابن خليفة‪،‬‬
‫احملفوظ يف حديث عبد الوهاب‪ ،‬لكنه موقوف‪ ،‬ولفظه‪( :‬يقتتل عند كنزكم ٌ‬
‫الرايات السود من قبل خراسان‪ ،‬فائتوها ولو حبواً على‬
‫ُ‬ ‫الملك إلى أحد منهم‪ ،‬ثم تقبل‬
‫ُ‬ ‫ثم ال يصير‬
‫الركب‪ ،‬فإن فيها خليفة اهلل المهدي)‪.‬‬

‫وأخرجه موصوالً أيضاً املطهر املقدسي يف (تارخيه) [‪ ]2/174‬من طريق محاد الثقفي عن عبد الوهاب بن‬
‫عطاء به ولفظه ‪ ( :‬إذا رأيتم الرايات السود من قبل خراسان فاستقبلوها مشياً على أقدامكم ألن فيها‬
‫خليفة اهلل المهدي) قال املطهر‪( :‬يف هذا أخبار كثرية هذا أحسنها وأوالها إن صحت الرواية)‪.‬‬

‫تنبيه‪ :‬قال احلاف ظ ابن كثري يف (الت اريخ) [‪( :]10/55‬ورواه بعض هم عن ثوبان فوقفه وهو أشبه) وفيه‬
‫علم مما تقدم‪ ،‬إال إن كان يريد رواية عبد الوهاب بن عطاء‪ ،‬فهو صحيح كما مر‪.‬‬
‫نظر يُ ُ‬
‫وقد صحح حديث ثوبان هذا مجاعة من احلفاظ كأيب بكر البزار يف (مسنده) وأيب عبد اهلل احلاكم على‬
‫ش رطهما‪ ،‬ووافق ه ال ذهيب‪ ،‬وأيب العب اس البوص ريي يف (الزوائ د) [ ‪ ]2/204‬وق ال احلاف ظ ابن كث ري يف‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫(املالحم والفنت) [‪( :]1/55‬هذا إسناد قوي صحيح) وبه تعلم أن قول ابن حجر اهليتمي يف (الصواعق‬
‫بن زيد بن جدعان‪ ،‬ال وجه له‪!.‬‬
‫علي َ‬
‫ضعف له مناكري) يريد َّ‬
‫املـُحرقة) [‪( ]2/474‬ويف سنده ُم ّ‬

‫وأم ا إعالل ابن خل دون ل ه يف (تارخيه) [‪ ]1/399‬وتبع ه األلب اين يف (الص حيحة) [‪ ]85‬بعنعن ة أيب قالب ة‬
‫ألنه كما قال مدلس‪ ،‬فليس بصحيح‪ ،‬فإن عنعنته هنا ال تضر‪ ،‬ألن أبا أمساء الرحيب الذي دلّس عنه أبو‬
‫قالبة‪ ،‬ثق ةٌ‪ ،‬على أن احلافظ ابن حجر ذكر أبا قالبة يف (مراتب املدلسني) [‪ ]15‬يف املرتبة األوىل‪ ،‬وهم‬
‫الذين مل يوصفوا بالتدليس إال نادراً‪.‬‬

‫ووق ع يف (العل ل) لإلم ام أمحد [ ‪( :]2443‬قي ل البن عليّ ة يف ه ذا احلديث‪ ،‬فق ال‪ :‬ك ان خال د يروي ه فلم‬
‫أمره‪ ،‬يعين حديث خالد عن أيب قالبة عن أيب أمساء عن ثوبان عن النيب صلى‬
‫ابن علية َ‬
‫ف ُ‬ ‫ضع َ‬
‫لتفت إليه‪ّ ،‬‬
‫يُ ْ‬
‫اهلل عليه وآله وسلم يف الرايات)‪.‬‬

‫ضعفه لعدم شهرته‪ ،‬فهذا ال يقدح يف إسناده فيه إن ثبت‪ ،‬أو ملا قيل من تفرد عبد الرزاق‬
‫وقد حيتمل أنه ّ‬
‫به عن الثوري‪ ،‬وقد تبني أنه توبع عليه ومل ينفرد به‪ ،‬أو ألن عبد الرزاق فيه تشيّع‪ ،‬وهذا اخلرب مما يوافق‬
‫بدعته‪ ،‬وهو أيض اً ال يضر‪ ،‬ألن عبد الرزاق مل يكن يغلو يف تشيعه كما قال أمحد‪ ،‬وال هو بداعية إليه‪،‬‬
‫رده ببدعة التشيع‪ ،‬وقد قال عبد‬
‫على أن احلديث ليس فيه إال اإلخبار عن أمر غييب‪ ،‬وليس فيه ما يقتضي َّ‬
‫سألت أيب‪ :‬عبد الرزاق كان يتشيع ويفرط يف التشيع‪.‬؟ فقال‪ :‬أما أنا فلم أمسع منه يف هذا‬
‫ُ‬ ‫اهلل بن أَمحد‪:‬‬
‫شيئاً‪ ،‬ولكن كان رجالً تُعجبُه أخبار الناس‪ ،‬أو األخبار‪.‬‬

‫وظ اهر م ا حك اه أمحد عن ابن علي ة‪ ،‬يقتض ي أن ه إمنا ض َّعفه خبال د احلذاء‪ ،‬إم ا ألن ه دخ ل يف عم ل لب ين‬
‫العباس‪ ،‬وهذا اخلرب قد محله بعض الناس على دولة بين العباس كما يأيت‪ ،‬وهو بعيد جداً‪ ،‬أو ملا قيل من‬
‫ف من ه‬
‫تغرّي حفظ ه‪ ،‬وه و ال يض ر بتق دير ص حته‪ ،‬وحيتم ل أن ابن علي ة مل يُض ّعف أص َل اخلرب‪ ،‬وإمنا ض َّع َ‬
‫حديث عبد الوهاب ابن عطاء عن خالد احلذاء‪ ،‬وقد تقدم أنه موقوف‪ ،‬وهو األشبه‪ .‬واهلل أعلم‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫الثاني‪ :‬حديث ابن مسعود رضي اهلل عنه‪.‬‬

‫أخرجه ابن ماجه [‪ ]4082‬وابن أيب شيبة يف (مسنده) [‪ ]308‬و(مصنفه) [‪ ]37727‬ومن طريقه أبو‬
‫عمرو الداين يف (الفنت) [‪ ]546‬عن علي بن صاحل عن يزيد بن أيب زياد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن‬
‫مسعود قال‪ :‬بينما حنن عند رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسام إذ أقبل فتية من بين هاشم‪ ،‬فلما رآهم‬
‫النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم اغرورقت عيناه‪ ،‬وتغرّي لونه‪ ،‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬ما نزال نرى يف وجهك شيئاً‬
‫بالء‬
‫نكره ه‪ !.‬فق ال‪( :‬إن ا أه ل بيت اخت ار اهلل لن ا االخ رةَ على ال دنيا‪ ،‬وإن أه َل بي تي س يلقون بع دي ً‬
‫الخير فال يُعطَ ْونَه‪،‬‬
‫رايات سود‪ ،‬فيسألون َ‬
‫ٌ‬ ‫قوم من قبل المشرق معهم‬
‫وتشريداً وتطريداً‪ ،‬حتى يأتي ٌ‬
‫في ْعطَ ون ما سألوا‪ ،‬فال يقبلونه‪ ،‬حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي‪ ،‬فيملؤها‬
‫فيقاتلون فيُنصرون‪ُ ،‬‬
‫قسطاً كما ملؤوها جوراً‪ ،‬فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج)‪.‬‬

‫ورواه من هذا الوجه أبو بكر بن أيب عاصم يف (السنة) [‪ ]1499‬ومن طريقه البغوي يف (شرح السنة) [‬
‫‪ ]4047‬خمتصراً دون ذكر الرايات السود‪.‬‬

‫وأخرجه نعيم يف (الفنت) [‪ ]895‬من طريق حممد بن فضيل وعبد اهلل بن إدريس وجرير ثالثتهم عن يزيد‬
‫به‪.‬‬

‫وهكذا رواه البزار [‪ ]1556/1557‬من طريق جرير وعلي بن صاحل كالمها عن يزيد به‪.‬‬

‫وأخرجه اهليثم بن كليب يف (مسنده) [‪ ]329‬وأبو عمرو الداين [‪ ])547‬كالمها عن خالد بن عبد اهلل‬
‫عن يزيد به‪.‬‬

‫وأخرج ه أب و يعلى [‪ ]5084‬وأب و الش يخ بن حب ان يف (الفنت) كم ا يف (الآللئ املص نوعة) للجالل‬


‫ات‬
‫الس يوطي [‪ ]1/400‬كالمها من طري ق أيب بك ر ابن عي اش عن يزي د ب ه‪ ،‬ولف ظ أيب يعلى‪( :‬تجئ راي ٌ‬
‫دماء إلى ثُنَّته ا‪ ،‬يُظه رون الع دل‪ ،‬ويطلب ون الع دل‪ ،‬فال‬
‫س ود من قب ل المش رق‪ ،‬وتخ وض الخي ُل ال َ‬
‫العدل فال يُعطُونه)‪.‬‬
‫طلب منهم ُ‬
‫يُعطَ ْونه‪ ،‬فيَظهرون‪ ،‬فيُ ُ‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫اس الح َّق فال يُعط ونهم‪ ،‬فيق اتلونهم فيظف رون بهم‪ ،‬فيس ألونهم‬
‫ويف رواي ة أيب الش يخ‪( :‬ويس ألون الن َ‬
‫الذي سألوا فال يُعطونهم)‪.‬‬

‫والثُّنَة‪ :‬مؤخر الرسغ من الفرس‪ ،‬ويف رواية (ثُ ْن ُدوتها) وهو حلم الثدي‪.‬‬

‫وأخرجه العقيلي [‪ ]4/381‬من طريق عمرو بن عون عن يزيد به منقطعاً‪.‬‬

‫وأخرجه الطرباين يف (األوسط) [‪ ]5699‬من طريق صباح بن حيىي املزين عن يزيد به‪.‬‬

‫وأخرج ه أب و نعيم يف (أخب ار أص بهان) [‪ ]2/12‬من طري ق عم رو بن القاس م عن يزي د ب ه‪ ،‬دون ذك ر‬


‫الرايات‪.‬‬

‫واحلديث كما هو ظاهر يدور على يزيد بن أيب زياد هذا‪ ،‬وهو اهلامشي موالهم‪ ،‬الكويف وهو ضعيف‪.‬‬

‫إسناد أيب يعلى‪.‬‬


‫حسن احلافظ ابن كثري يف (تارخيه) [‪ ]6/246‬ويف (الشمائل) [‪َ ]2/274‬‬
‫وقد َّ‬

‫لكن حكى العقيلي يف (الض عفاء) [‪ ]381-4/380‬عن وكي ع وأمحد أنـهما ق اال‪( :‬ح ديث يزي د بن أيب‬
‫زياد يف الرايات ليس بشيء)‪.‬‬

‫وحكى عن أيب أس امة احلافظ الك ويف أنه ق ال يف خ رب الرايات الس ود‪( :‬ل و حلف عن دي –يع ين‪ :‬يزي د‪-‬‬
‫مخسني مييناً قسامة ما ص ّدقته‪ ،‬أهذا مذهب إبراهيم! أهذا مذهب علقمة! أهذا مذهب عبد اهلل!)‪.‬‬

‫وإمنا أعلّ ه أمحد ووكي ع ألن م داره على يزي د‪ ،‬فه و ال يص ح مبج رده‪ ،‬ألن ه تف رد ب ه ومل يت ابع علي ه‪ ،‬لكن ه‬
‫حسنه األلباين يف (الضعيفة) [‪ ]1/197‬مبجموع طرقه‪ ،‬وهو الصواب‪ ،‬لكثرة من‬
‫يتقوى مبا قبله‪ ،‬وألجله ّ‬
‫حس نه احلاف ظ ابن كث ري‪ ،‬ف إن ك ثرة الط رق يف‬
‫رواه عن يزي د من احلف اظ كم ا تق دم خترجيه‪ ،‬ولعل ه ألجله َّ‬
‫بئ ب أن ل ه أص الً‪ ،‬متام اً كم ا تُغتف ر هبا‬
‫حدث ل ه ق وة ينج رب هبا ض ع ُفه‪ ،‬وتُن ُ‬
‫احلديث الواح د عن ال راوي‪ ،‬تـُ ُ‬
‫عنعنة املـُدلس‪.‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫وأما إعالل أيب أسامة له فال أدري ما وجهه! إال أن الظاهر أنه أعلّه من جهة متنه‪ ،‬بأن ما تضمنه خيالف‬
‫م ذهب روات ه‪ ،‬ومل يت بنّي يل وج ه خمالفت ه ملذهب من ذك رهم من ال رواة‪ ،‬إال إن ك ان يري د أن ه خيالف‬
‫رد اخلرب كم ا ال‬
‫ذم املش رق‪ ،‬وأن من ه الفنت وال زالزل‪ ،‬وه ذا إن ثبت ال يقتض ي ّ‬
‫األخب ار ال يت وردت يف ّ‬
‫خيفاك‪.‬‬

‫وقد حيتمل أنه أراد أهنم يذهبون إىل املنع من اخلروج على والة اجلور بالسيف‪ ،‬وأن الصرب أوىل كما هو‬
‫م ذهب الس لف‪ ،‬وه ذا احلديث يقتض ي ظ اهره ال دعوة إىل اخلروج عليهم ومق اتلتهم وان تزاع احلق منهم‪،‬‬
‫وهو مذهب اخلوارج والرافضة‪ ،‬وقد يتعلقون بنحو هذا اخلرب‪ ،‬فمن هنا أنكره أبو أسامة‪ ،‬ويبعد أن يريد‬
‫أن ابن مسعود ومن رواه عنه‪ ،‬يدفعون خروج املهدي الذي تضمنه هذا احلديث‪ ،‬كما قد يبدو من ظاهر‬
‫ما حكاه‪ .‬واهلل أعلم‬

‫ول ه ش اهد عن د احلاكم [‪ ]4/464‬من طري ق حب ان بن س دير عن عم رو بن قيس املالئي عن احلكم عن‬
‫ول اهلل ص لى اهلل‬
‫إب راهيم عن علقم ة بن قيس وعبي دة الس لماين عن ابن مس عود مرفوع اً ولفظ ه‪ :‬أتين ا رس َ‬
‫عليه وآله وسلم‪ ،‬فخرج إلينا مستبشراً يعرف السرور يف وجهه‪ ،‬فما سألناه عن ٍ‬
‫شيء إال أخربنا به‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬
‫س كتنا إال ابت دأنا‪ ،‬ح ىت م رت فتي ة من ب ين هاش م فيهم احلس ن واحلس ني‪ ،‬فلم ا رآهم ال تزمهم وانـهملت‬
‫عين اه‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا رس ول اهلل م ا ن زال ن رى يف وجه ك شيئاً نكرهه‪ !.‬فقال‪( :‬إنا أه ل بيت اخت ار اهلل لنا‬
‫االخرة على الدنيا‪ ،‬وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البالد‪ ،‬حتى ترتفع رايات‬
‫س ود من المش رق‪ ،‬فيس ألون الح ق فال يُعطَون ه‪ ،‬ثم يس ألونه فال يُعطَون ه‪ ،‬ثم يس ألونه فال يُعطَون ه‪،‬‬
‫فيُق اتلون فيُنص رون‪ ،‬فمن أدرك ه منكم أو من أعق ابكم‪ ،‬في أت إم ام أه ل بي تي ول و حب واً على الثلج‪،‬‬
‫فإنه ا راي ات ه دى‪ ،‬ي دفعونها إلى رج ل من أه ل بي تي‪ ،‬ي واطئ اس ُمه اس مي‪ ،‬واس ُم أبي ه اس َم أبي‪،‬‬
‫فيملك األرض فيمألها قسطاً وعدالً كما ُملئت جوراً وظلماً)‪.‬‬

‫وقد سكت عليه احلاكم أو بيَّض له‪ ،‬وتعقبه الذهيب بأنه موضوع‪ ،‬وفيه حبان ابن سدير أو مدير الكويف‬
‫الص رييف ه ذا‪ ،‬وليس ب القوي كم ا نقل ه يف (امليزان) [ ‪ ]1684‬عن أيب الفتح األزدي‪ ،‬وق ال احلاف ظ يف‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫(اللسان) [‪( :]739‬وأنا أخشى أن يكون هذا هو حنان بفتح املهملة‪ ،‬ونونني خمفف اً‪ ،‬وأبوه سدير بفتح‬
‫السني املهملة بوزن قدير‪ ،‬تصحف امسه واسم أبيه)‪.‬‬

‫صح َفه يف (امليزان)‪.‬‬


‫ولذا أطلق األمني يف (أعيان الشيعة) [‪ ]6/256‬أن الذهيب َّ‬

‫ويقوي ه أن حن ان بن س دير ه ذا روى عن عم رو بن قيس املالئي‪ ،‬وه و من ش يوخ الش يعة كم ا ق ال‬
‫الدارقطين يف (املؤتلف) ويف (العلل) كما يف (اللسان) [‪ ]1510‬وله مناكري‪.‬‬

‫ويف (الفهرس ت) [‪ ]256‬أليب جعف ر الطوس ي و (ج امع األردبيلي) [‪ ]1/286‬وغريمها من رج ال‬


‫الشيعة‪ ،‬أنه ثقة‪ ،‬لكن نقل يف (تنقيح املقال) [‪ ]1/381‬عنه أنه توقف يف روايته‪ ،‬وعلّله بأنه واقفي‪ ،‬ولذا‬
‫صرح يف (التنقيح) بضعفه‪ ،‬وهو جرح مفسر‪ ،‬فيقدم على التوثيق‪ ،‬فحديثه هذا منكر‪.‬‬

‫شيخه أبا بكر بن دارم وهو الكويف‪ ،‬وقد قال احلاكم فيه (رافضي‬
‫على أن يف سنده أيض اً عند احلاكم‪َ ،‬‬
‫غري ثقة) كما يف (النبالء) [‪.]15/578‬‬

‫واخلرب أخرج ه أب و الفتح األزدي يف (الض عفاء) كم ا يف (الآللئ املص نوعة) للس يوطي [‪ ]1/399‬ومن‬
‫طريق ه ابن اجلوزي يف (املوض وعات) [‪ ]2/39‬من جه ة حب ان بن س دير عن عم رو بن قيس عن احلس ن‬
‫عن عبيدة عن ابن مسعود به مرفوع اً‪ ،‬وقال ابن اجلوزي‪( :‬هذا ح ديث ال أصل ل ه‪ ،‬وال نعلم أن احلس ن‬
‫مسع من عبيدة‪ ،‬وال عمرو مسع من احلسن‪ ،‬قال حيىي‪ :‬عمرو ال شيء)‪.‬‬

‫وقول ابن اجلوزي إن هذا اخلرب ال أص ل له‪ ،‬غلط ظاهر يُعلم مما تق دم‪ ،‬ول ذا تعقبه علي ه احلاف ظ يف اجلزء‬
‫الذي صنَّفه يف الذب عن (املسند) [‪.]42‬‬

‫وأخرج ه ال بزار [‪ ]1491‬من طري ق عب د اهلل بن داه ر ال رازي ثن ا أيب عن ابن أيب ليلى عن احلكم عن‬
‫إبراهيم عن علقمة واألسود كالمها عن ابن مسعود به‪ ،‬وأخرجه الطرباين يف (الكبري) [‪ ]10031‬من هذا‬
‫الوجه خمتصراً دون ذكر الرايات‪.‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫ق ال ال بزار‪( :‬ال نعلم رواه عن احلكم إال ابن أيب ليلى‪ ،‬وال نعلم ي روى إال من ح ديث داه ر بن حيىي‪ ،‬عن‬
‫ابن أيب ليلى‪ ،‬وداه ر ه ذا رج ل من أه ل ال رأي ص احل احلديث‪ ،‬وإمنا يُع رف من ح ديث يزي د بن أيب زي اد‬
‫عن إبراهيم)‪.‬‬

‫ومن طري ق ابن داه ر‪ ،‬أخرج ه ابن ع دي يف (الكام ل) [‪ ]4/228‬مط والً ب ذكر الراي ات‪ ،‬وس اق ه و‬
‫والعقيلي عن ابن معني أنه ُسئل عن ابن داهر فقال‪( :‬ليس بشيء ما يكتب عنه إنسان فيه خري)‪.‬‬

‫ويف (اللسان) [‪ ]1190‬أنه ٍ‬


‫واه‪ ،‬وأورده العقيلي يف (الضعفاء) [‪ ]804‬وقال‪( :‬رافضي خبيث)‪.‬‬

‫وأما أبوه داهر بن حيىي الرازي‪ ،‬وقيل إن امسه حممد وداهر لقب له‪ ،‬فقد قال العقيلي فيه كما يف (اللسان)‬
‫[‪( :]1704‬رافض ي بغيض ال يُت ابع على بالي اه) وألجل ه زاد الش يخ محدي الس لفي فض ّعف احلديث ب ه‬
‫أيض اً‪ ،‬لكن الظاهر أن احلمل فيه على ابنه كما قال احلافظ‪ ،‬فقد نقل اخلطيب عن ابن وارة أنه قال فيه‬
‫(شيخ صدوق) وتق ّدم قول البزار فيه (صاحل احلديث)‪.‬‬

‫فاحلديث خطأٌ غري حمفوظ من هذا الوجه‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫الثالث‪ :‬حديث أبي هريرة رضي اهلل عنه‪.‬‬

‫أخرج ه أمحد [‪ ]8775‬والرتم ذي [‪ ]2269‬ونعيم يف (الفنت) [‪ ]584‬والط رباين يف (األوس ط) [‬


‫‪ ]3536‬و (مس ند الش اميني) [‪ ]2138/2139‬وأب و العب اس األص م يف (جزئ ه) [‪ ]61‬وأب و حمم د‬
‫النخشيب يف (فوائد أيب القاسم احلنائي) [‪ ]58‬والبيهقي يف (الدالئل) [‪ ]6/516‬وأبو القاسم بن عساكر‬
‫يف (تارخيه) [‪ ]32/281‬وابن الظاهري يف (مشيخة الفخر ابن البخاري) [‪ ]1/1100‬كلهم من طريق‬
‫ِر ْش ِدين بن س عد عن ي ونس بن يزي د عن الزه ري عن قبيص ة بن ذؤيب عن أيب هري رة أن الن يب ص لى اهلل‬
‫رايات سود‪ ،‬ال يردُّها شيءٌ حتى تـُنصب بإيلياء)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫عليه وآله وسلم قال‪( :‬يـخرج من خراسان‬

‫وأخرجه البزار [‪ ]7625‬مرفوعاً خمتصراً من هذا الوجه ولفظه‪( :‬تخرج رايات سود من قبل المشرق)‪.‬‬

‫قال الرتمذي‪( :‬هذا حديث غريب)‪.‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫وقال الطرباين‪( :‬مل يرو هذا احلديث عن الزهري إال يونس‪ ،‬تفرد به رشدين)‪.‬‬

‫وق ال ال بيهقي‪( :‬تف رد ب ه رش دين بن س عد عن ي ونس بن يزي د‪ ،‬وي روى ق ريب من ه ذا اللف ظ عن كعب‬
‫األحبار‪ ،‬ولعله أشبه)‪.‬‬

‫خرج ه احلن ائي والفخ ر ابن‬ ‫ِ ِ‬


‫ور ْش دين بن س عد امله ري املص ري ض عيف‪ ،‬لكن ه توب ع ومل ينف رد ب ه‪ ،‬فق د ّ‬
‫البخاري من طريق رشدين مقروناً بعبد اهلل بن سويد كالمها عن يونس به‪.‬‬

‫وق ال احلاف ظ أب و حمم د النخش يب يف (احلنائي ات)‪( :‬ه ذا ح ديث غ ريب من ح ديث عب د اهلل بن س ويد‪،‬‬
‫ورشدين بن سعد املهري املصري‪ ،‬عن يونس بن يزيد اإليلي‪ ،‬عن الزهري‪ ،‬عن قبيصة بن ذؤيب‪ ،‬عن أيب‬
‫هريرة‪ ،‬ال نعرفه إال من هذا الوجه‪ ،‬ورشدين ضعيف احلديث‪ ،‬وعبد اهلل بن سويد أحسن حاالً منه)‪.‬‬

‫وعبد اهلل بن سويد هذا هو ابن حيان املصري‪ ،‬وهو صدوق كما يف (اجلرح والتعديل) [ ‪ ]5/310‬عن‬
‫أيب زرعة‪ ،‬وذك ره ابن حبان يف (الثقات) [‪ ]8/343‬وابن خلف ون يف (الثق ات) كم ا يف حاشية (هتذيب‬
‫الكمال) [‪.]15/73‬‬

‫وأورده احلافظ أبو سعيد بن يونس يف (تاريخ ثقات املصريني) كما يف (التهذيب) [‪.]5/219‬‬

‫ويف رواية يونس عن الزهري شيءٌ‪ ،‬لكن يونس مل ينفرد به عن الزهري‪ ،‬بل تابعه عقيل عنه‪ ،‬أخرجه ابن‬
‫عساكر مقروناً‪ ،‬فاحلديث حسن‪.‬‬

‫وروي من جه آخر عن أيب هريرة‪ ،‬أخرجه أبو الشيخ يف (الفنت) كما يف (الآللئ) للسيوطي [ ‪]1/401‬‬
‫من طريق علي بن أمحد الرقي عن عمر بن راشد حدثنا عبد اهلل بن حممد عن أبيه عن جده عن أيب هريرة‬
‫قال‪ :‬بعث رسول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم إىل عمه العباس وإىل علي بن أيب طالب‪ ،‬فأتياه يف منزل‬
‫أم سلمة‪ ،‬فقال فيما قال‪( :‬فإذا غُيّرت ُسنتي يخرج ناصرهم من أرض يقال لها خراسان برايات سود‪،‬‬
‫بيت المقدس)‪.‬‬
‫فال يلقاهم أحد إال هزموه وغلبوا على ما في أيديهم‪ ،‬حتى تقرب راياتهم َ‬

‫وإسناده جمهول‪ ،‬فيه من مل أقف له على ترمجة‪.‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫وعن أيب هريرة يف خرب الرايات رواية ثالثة يف خرب ٍ‬


‫واه‪ ،‬أخرجه نُعيم يف (الفنت) [‪ ]551‬والطرباين كما يف‬
‫(الآللئ املص نوعة) [‪ ]1/399‬واخلطيب يف (ت اريخ بغ داد) [‪ ]3/336‬ومن طريق ه ابن اجلوزي يف‬
‫(املوض وعات) [‪ ]2/38‬عن س ويد بن س عيد عن داود بن عب د اجلب ار عن أيب ش راعة ق ال‪ :‬كن ا عن د ابن‬
‫عباس يف البيت فقال‪ :‬هل فيكم غريب‪.‬؟ قالوا‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬إذا خرجت الرايات السود فاستوصوا بالفرس‬
‫مسعت من سول اهلل صلى اهلل عليه وآله وسلم‪..‬‬
‫خرياً‪ ،‬فإن دولتنا فيهم‪ .‬فقال أبو هريرة‪ :‬أال أح ّدثك ما ُ‬
‫قال‪ :‬وإنك منها حدث‪!.‬؟ مسعتُه يقول‪( :‬إذا أقبلت الرايات السود من قبل المشرق‪ ،‬فإن أولها فتنة‪،‬‬
‫هرج‪ ،‬وآخرها ضاللة)‪.‬‬
‫وأوسطها ْ‬

‫وأخرجه ابن عدي [‪ ]3/85‬عن سويد به خمتصراً دون قول ابن عباس‪ ،‬ولفظه كلفظ حديث أمحد الذي‬
‫مر‪ ،‬وضعفه ابن عدي بداود وأيب شراعة‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقال احلافظ أبو بكر اخلطيب‪( :‬أبو شراعة جمهول‪ ،‬وداود بن عبد اجلبار مرتوك)‪.‬‬

‫وأبو شراعة هو سلمة بن اجملنون الذي يف إسناد نُعيم‪.‬‬

‫الرابع‪ :‬حديث ذي مخمر رضي اهلل عنه‪.‬‬

‫مكرم البزار يف (الثاين من فوائده) [ ‪ :]232‬حدثنا عيسى بن إسحاق ابن موسى األنصاري حدثنا‬ ‫أخرجه ّ‬
‫أبو عقيل حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد عن ذي خممر ابن أخي النَّجاشي قال‪ :‬قال‬
‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬فال‬ ‫خليفة‪ ،‬في ٍ‬
‫يوم‬ ‫ٍ‬ ‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪( :‬يقتتل على كنزكم هذا سبعةٌ‪ ،‬كلُّهم ول ُد‬
‫الثلج‪ ،‬ثم‬ ‫ِ‬
‫المشرق‪ ،‬فاتَّبعوها ولو حبواً على ِ‬ ‫السود ِمن قبل‬
‫ُ‬ ‫ايات‬
‫الر ُ‬ ‫ِ‬
‫يص ُل إليهم‪ ،‬ثم يأتي بع َد ذلك َّ‬
‫المهدي خليفةُ اهلل)‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ذلك‬
‫يأتي بعد َ‬
‫وهذا سند صحيح رجاله ثقات كلهم‪ ،‬وأبو عقيل هو حممد بن عقيل املروزي احلنظلي الطالقاين املعروف‬
‫بـ(شاه) وهو صدوق‪ ،‬قاله أبو حامت كما يف (اجلرح والتعديل) [ ‪ ]1319‬إال أن احملفوظ يف خرب الرايات‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫الس ود عن عب د ال رزاق‪ ،‬ح ديث ثوب ان ال ذي م ّر‪ ،‬رواه الن اس عن ه‪ ،‬وال يبع د أن يتف رد احلاف ظ بس نة عن‬
‫أقرانه‪ ،‬وقوله (يقتتل على كنزكم هذا سبعةٌ) خمالف ملا تق ّدم من أنـهم ثالثة‪ .‬واهلل أعلم‬
‫ويف اجلملة فحديث الرايات السود ثابت صحيح مبجموع طرقه‪ ،‬عن النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم من‬
‫مر خترجيها والكالم على أسانيدها‪.‬‬
‫الوجوه اليت ّ‬
‫وقد وقع ذكر الرايات السود يف غري املرفوع‪ ،‬من آثار السلف من الصحابة والتابعني واألئمة‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬

‫ق ال نُعيم بن محّ اد يف (الفنت) [‪ :]573‬ح دثنا الولي د و ِرش دين عن ابن هليع ة عن أيب قَبي ل عن أيب ُروم ان‬
‫عن علي بن أيب ط الب رض ي اهلل عن ه ق ال‪( :‬إذا رأيتم الراي ات الس ود‪ ،‬ف الزموا األرض فال تُـحركوا‬
‫أصحاب الدولة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كزبَر الحديد‪ ،‬هم‬
‫قوم ضعفاء ال يؤبه لهم‪ ،‬قلوبهم ُ‬
‫أيديكم وال أرجلكم‪ ،‬ثم يظهر ٌ‬
‫ال يف ون بعه د وال ميث اق‪ ،‬ي دعون إلى الح ق وليس وا من أهل ه‪ ،‬أس ماؤهم ال ُك نى‪ ،‬ونس بتُهم الق رى‪،‬‬
‫و ُشعورهم مرخاةٌ كشعور النساء‪ ،‬حتى يـختلفوا فيما بينهم‪ ،‬ثم يؤتي اهلل الحق من يشاء)‪.‬‬

‫حي بن هانئ املصري‪ ،‬وثقه أمحد وابن معني وأبو زرعة والفسوي والعجلي وأمحد بن‬
‫أبو قبيل هذا هو ّ‬
‫صاحل املصري‪ ،‬وقال أبو حامت‪( :‬صاحل احلديث) وقال يعقوب بن شيبة‪( :‬كان له علم باملالحم والفنت)‬
‫كما يف (التهذيب) [‪.]3/64‬‬

‫وأما أبو ُرومان هذا الذي رواه عن علي فقد أخرج عنه احلاكم يف (املالحم) من (املستدرك) [‪-4/501‬‬
‫‪ ]502‬خرباً يف خروج السفياين هبذا اإلسناد من طريق نعيم بن محاد به مثله وسكت عليه‪ ،‬فتعقبه الذهيب‬
‫بأنه خرب ٍ‬
‫واه‪.‬‬

‫ابن من دة ذك ر أب ا ُروم ان يف (الك ىن) [ ‪ ]2882‬وق ال‪( :‬ح ّدث عن علي بن أيب ط الب يف الفنت‪،‬‬
‫ورأيت َ‬
‫ُ‬
‫روى حديثه عبد اهلل بن هليعة عن أيب قبيل عن أيب ُرومان) ومل يزد على هذا فهو مستور‪.‬‬

‫وأما ِرشدين فإن ضعفه ينجرب مبتابعة الوليد بن مسلم له‪ ،‬فلم يبق إال ابن هليعة‪ ،‬وفيه مقال معروف من‬
‫جهة حفظه‪ ،‬وإمنا يُعترب به وال حيتج حبديثه إذا انفرد‪ ،‬لكن هذه الرتمجة من طريق رشدين والوليد عن ابن‬
‫هليعة عن أيب قبيل عن أيب رومان عن علي يف الفنت واملالحم هلا أصل‪ ،‬وقد أكثر نعيم منها يف كتابه الذي‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫ص نّفه يف الفنت‪ ،‬وأخرج احلاكم منها يف (كتابه)‪ ،‬وتقدم أن أليب قبيل دراية هبذا الشأن‪ ،‬أعين باب الفنت‬
‫واملالحم‪.‬‬

‫وق د روى نعيم [‪ ]564‬حنوه عن الزه ري قول ه ولفظ ه‪( :‬تقب ل الراي ات الس ود من المش رق‪ ،‬يق ودهم‬
‫أنسابـهم الق رى‪ ،‬وأس ماؤهم ال ُك نى‪ ،‬يفتتح ون مدين ة‬
‫ُ‬ ‫المجلَّل ة‪ ،‬أص ُ‬
‫حاب ش عور‪،‬‬ ‫رج ال ك البُخت ُ‬
‫ثالث ساعات) لكنه يف رايات بين العباس‪ ،‬وليس يف رايات آخر الزمان‪.‬‬
‫دمشق‪ ،‬تُرفع عنهم الرحمةُ َ‬

‫ومنها ما أخرجه نُعيم أيض اً [‪ ]905‬ومن طريقه احلافظ أبو القاسم بن عساكر يف (تارخيه) [‪]177/34‬‬
‫عن الولي د بن مس لم عن روح بن أيب الع يزار ق ال ح دثين عب د ال رمحن بن آدم األودي ق ال مسعت عب د‬
‫رجن من‬
‫ال رمحن بن الغ از بن ربيع ة اجلرش ي ص احب رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم يق ول‪( :‬لتخ ّ‬
‫خراس ان راي ة س وداء‪ ،‬ح تى تُرب ط خيولُه ا به ذا الزيت ون ال ذي بين بيت لهي ا وحرس تا)‪ .‬قلن ا‪ :‬م ا بني‬
‫ط خيولَها بها)‪.‬‬
‫أهل تلك الراية‪ ،‬فترب َ‬
‫نصب بينهما زيتون‪ ،‬حتى ينزلَها ُ‬
‫هاتني زيتونة‪.‬؟ قال‪( :‬سيُ ُ‬
‫أهل الراية‬
‫ثت هبذا احلديث عبد الرمحن بن سلمان فقال‪( :‬إنما يربط بها ُ‬
‫قال عبد الرمحن بن آدم‪ :‬فح ّد ُ‬
‫خارجي من أهل هذه‪ ،‬فال يجد من‬
‫ٌ‬ ‫السوداء الثانية التي تخرج على األولى‪ ،‬فإذا نزلوها خرج عليهم‬
‫فيهزمهم)‪.‬‬
‫أهل الراية األولى إال ُمختفياً ُ‬
‫وفيه روح بن أيب العيزار ذكره ابن عساكر يف (التاريخ) وأنه روى عن عبد الرمحن بن آدم‪ ،‬وعنه الوليد‬
‫بن مس لم‪ ،‬ومل ي زد على ذل ك‪ ،‬فه و جمه ول‪ ،‬لكن ظ اهر رواي ة ابن عس اكر الثاني ة أن الولي د مسعه من ابن‬
‫آدم‪.‬‬
‫وقال ابن عساكر‪ :‬وقرأت خبط أيب احلسني الرازي أخربين أبو اجلهم أمحد بن احلسني بن طالب نا حممد‬
‫بن الوزير نا عثمان بن إمساعيل نا الوليد بن مسلم قال‪ :‬ذكرت لعبد الرمحن بن آدم أمر الرايات السوداء‬
‫فقال‪ :‬مسعت عبد الرمحن بن الغار بن ربيعة اجلرشي يقول‪ :‬إنه مسع عمرو بن مرة اجلهين صاحب رسول‬
‫اهلل ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم يق ول‪( :‬ليخ رجن من خراس ان راي ة س وداء ح تى ترب ط خيوله ا به ذا‬
‫الزيتون الذي بين بيت لهيا وحرستا)‪.‬‬
‫قال عمرو بن م رة‪( :‬إن ه سينصب فيها سهماً‪ ،‬ح تى تجئ أهل تلك الراية‪ ،‬فتنزل تحتها وتربط بها‬
‫خيولها)‪.‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫قال عبد الرمحن بن آدم‪ :‬فح دثت هبذا احلديث أبا األعيس عبد الرمحن بن سلمان السلمي فقال‪ ( :‬إنما‬
‫يربطها أصحاب الراية السوداء الثانية التي تخرج على الراية األولى منهم‪ ،‬فإذا نزلت تحت الزيتون‬
‫خرج عليهم خارج فهزمهم)‪.‬‬
‫وس اقه يف ترمجة عب د ال رمحن بن الغ از من (الت اريخ) [‪ ]35/310‬فق ال‪ :‬ق رأت خبط أيب احلس ني ال رازي‬
‫حدثين حممد بن أمحد بن غزوان نا أمحد بن املعلى نا عثمان بن امساعيل اهلذيل نا الوليد بن مسلم به حنوه‪.‬‬
‫ولـ ْهيَا‪ :‬موض ع على ب اب دمش ق‪ ،‬يق ال ل ه‪ :‬بيت هلـيا‪ ،‬قال ه ي اقوت يف ب اب الالم واهلاء من (البل دان) [‬
‫َ‬
‫‪]5/33‬‬
‫وأخرج اجلوزجاين يف (األباطيل) [‪ ]1/439‬والضياء يف (املنتقى من مسموعاته مبرو) [ق ‪ ]377‬كالمها‬
‫من طريق غسان بن الربيع عن حفص ابن ميسرة عن هالل بن خباب عن الربيع بن خثيم عن ابن عباس‬
‫قال‪( :‬إذا خرجت الرايات السود من خراسان فهن لنا أهل البيت)‪.‬‬
‫وه ذا س ند ال ب أس ب ه‪ ،‬رجال ه موثوق ون‪ ،‬إال أن غس ان بن الربي ع يف حفظ ه ش يء‪ ،‬وق ال ال بيهقي يف‬
‫(الدالئل) [‪( :]6/517‬وروي يف ذلك عن ابن عباس من قوله بإسناد ضعيف) ولعله يريد قول ابن عباس‬
‫الذي تقدم يف غضون حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫وعن الشعيب أنه قال‪( :‬تخرج من خراسان رايات سود‪ ،‬تدعو إلى ولد فالن‪ ،‬فال تُر ّد لهم راية‪ ،‬حتى‬
‫يأتوا مسجد دمشق‪ ،‬فيُلقونه حجراً حجراً‪ ،‬ثم اليزال المـُلك فيهم‪ ،‬حتى يخرج السفياني معه رايات‬
‫حم ر‪ ،‬ال تُ ر ّد لهم راية حتى ي أتوا الكوف ة‪ ،‬فيقتل ون الدجال‪ ،‬ويبق رون بط ون النس اء‪ ،‬يك ون ُم ْل ُكهم‬
‫ق ْد َر حمل امرأة تسعةَ أشهر‪ ،‬ثم يصير الناس غازين‪ ،‬حتى يخرج المهدي متى ما خرج)‪.‬‬
‫أخرج ه أب و بك ر اخلالل يف (العل ل) كم ا يف (منتخب ه) البن قدام ة [‪ ]204‬وه و من األح اديث ال يت هنى‬
‫إسحق بن داود عن التحديث هبا‪ ،‬وهو منكر تفرد به عثمان بن مطر وهو ضعيف‪ ،‬عن عبد‬ ‫َ‬ ‫اإلمام أمحد‬
‫اهلل بن جب ري وهو جمه ول‪ ،‬ويف متن ه غراب ة ونكارة‪ ،‬واحملف وظ أن الذي يقت ل الدجال‪ ،‬ن يب اهلل عيس ى ابن‬
‫مرمي عليه السالم‪ ،‬بعد ظهور املهدي ال قبله كما هو ظاهر هذا اخلرب‪ ،‬إال إن قصد به دجال آخر‪ .‬واهلل‬
‫أعلم‬
‫ويف الباب آثار أخرى عن السلف يف الرايات السود‪ ،‬وما يكون بينها وبني اخلارج السفياين من املالحم‪،‬‬
‫وغالبه ا ض عيف أو منك ر‪ ،‬فل ذا أعرض نا عن التطوي ل ب ذكره‪ ،‬فق د اس توعبناه يف ج زء مف رد مبس وط يف‬
‫(أخبار السفياين)‪ ،‬واملتأمل فيما صح من هذه اآلثار‪ ،‬يتبنّي له أنه من الغيب الذي ال جمال للرأي فيه‪ ،‬وال‬
‫ميكن أن يصدر إال من مشكاة النبوة‪ ،‬فال خيلو أن تكون مما مُس ع من النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم ورواه‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫من رواه موقوفاً‪ ،‬أو أنـها من بقايا علوم األوائل اليت أصلها ما أخربت به األنبياء والرسل‪ ،‬واتصل علمها‬
‫للسلف األول من طريق أهل الكتابني‪ .‬واهلل أعلم‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫فصل‬
‫في توجيه متون هذه األخبار‬
‫اعلم أن الناس قد أكثروا من رواية األحاديث واآلثار يف الفنت واملالحم‪ ،‬واحلامل هلم على ذلك الولوع‬
‫ـختص بآخر الزمان واقرتاب نـهاية الدنيا‪.‬‬
‫بالغرائب والعجائب من األخبار‪ ،‬وال سيما ما كان منها ي ُّ‬
‫وأيضاً فإنه باب من العلم جليل عظيم اخلطر‪ ،‬يـحتاج إىل معرفته وال يُستغىن عنه‪ ،‬لتحاشي مغبّة الولوج يف‬
‫الفنت‪ ،‬وق د ك ان من الس لف من يعت ين بدرايته وحتص يل أبوابه‪ ،‬حىت اشتهر بالعلم ب ه دون أقران ه‪ ،‬كعلي‬
‫وحذيفة وأيب هريرة وابن عباس وغريهم‪.‬‬
‫تضره الفتنة) ولذا قال‬
‫وامتدح النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم حممد بن مسلمة رضي اهلل عنه بقوله‪( :‬ال ّ‬
‫حذيفة‪( :‬ما أح ٌد من الناس تُدركه الفتنةُ‪ ،‬إال أنا أخافها عليه‪ ،‬إال محمد بن مسلمة) أخرجه أبو داود [‬
‫‪.]4663‬‬
‫وض ابط األم ر ق ول حذيف ة رض ي اهلل عن ه‪( :‬الفتن ة ح ق وباط ل يش تبهان‪ ،‬فمن ع رف الح َّق لم تض ّره‬
‫الفتنة) ذكره نعيم [‪.]132‬‬
‫وقد أسند احلافظ أبو بكر اخلطيب يف (اجلامع) [‪ ]1493‬عن اإلمام أمحد أنه قال‪( :‬ثالثة ُكتُب ليس لها‬
‫أصول‪ :‬المغازي والمالحم والتفسير)‪.‬‬
‫ق ال اخلطيب‪( :‬وه ذا الكالم حمم ول على وج ه‪ ،‬وه و أن املراد ب ه كتب خمصوص ة‪ ،‬يف ه ذه املع اين الثالث ة‬
‫غري معتمد عليها‪ ،‬وال موثوق بصحتها لسوء أحوال ُمصنفيها‪ ،‬وعدم عدالة ناقليها‪ ،‬وزيادات ال ُقصاص‬
‫فيها‪ ،‬فأما كتب املالحم فجميعها بـهذه الصفة‪ ،‬وليس يصح يف ذكر املالحم املرتقبة والفنت املنتظرة‪ ،‬غري‬
‫أحاديث يسرية اتصلت أسانيدها إىل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬من وجوه مرضية‪ ،‬وطرق واضحة‬
‫جلية)‪.‬‬
‫وكث ري مما روي يف املرف وع من الفنت واملالحم‪ ،‬مما تُلقي عن أه ل الكت ابني‪ ،‬وغل ط في ه من رواه مرفوع اً‪،‬‬
‫وكذا ما يروى من آثار السلف فيها‪ ،‬فإن منه ما أخذوه عن أهل الكتاب‪ ،‬إما بالتلقي والسماع منهم‬
‫كأيب هريرة وابن عباس وحذيفة وغريهم ممن روى من بعض أهل الكتاب‪ ،‬سواء من أسلم منهم كعبد اهلل‬
‫بن سالم رضي اهلل عنه وابنه يوسف‪ ،‬أو كعب األحبار وغريه كوهب بن ُمنَّبه الذي مجع علم كعب وابن‬
‫سالم‪ ،‬وأخيه مهام‪ ،‬وكانا من فارس‪ ،‬وكان عندمها من علوم األوائل كالفرس واهلند وأهل الكتابني‪.‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫أو ممن مل يس لم من أه ل الكت اب‪ ،‬أو باملطالع ة والنظ ر يف ص حفهم ال يت تق ع هلم‪ ،‬كم ا وق ع لعب د اهلل بن‬
‫عمرو بن العاص رضي اهلل عنه‪ ،‬فإنه أصاب زاملتني من كتب أهل الكتاب يوم الريموك‪ ،‬فكان يروي‬
‫منها ما غلب على ظنه صدقُه وامتناعُ كذبه‪.‬‬
‫وكما وقع ألمري املؤمنني عمر رضي اهلل عنه فيما رواه أبو بكر بن أيب شيبة [‪ ]26421‬وغريه أنه أتى‬
‫أصبت كتاب اً‬
‫ُ‬ ‫النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل إين‬ ‫َّ‬
‫ابن‬
‫تهوك ون فيه ا ي ا َ‬ ‫(أم ّ‬
‫حس ناً من بعض أه ل الكت اب‪ .‬فغض ب الن يب ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم وق ال‪ُ :‬‬
‫اء نقي ةً‪ ،‬ال تس ألوهم عن ش يء فيخ بروكم بح ق‬ ‫الخط اب! فوال ذي نفس ي بي ده لق د جئتُكم به ا بيض َ‬
‫فتُك ّذبوا به‪ ،‬أو بباطل فتصدقوا به‪ ،‬والذي نفسي بيده لو كان موسى حياً ما وسعه إال أن يتَّبعني)‪.‬‬
‫جزء مفرد‪ ،‬واستوعب طرقه من‬ ‫وهو خرب صحيح له طرق وألفاظ‪ ،‬استوعبتها وخرجتها رواية ودراية يف ٍ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫قبل الغماري يف جزء (إظهار ما كان خفيّا من طرق حديث لو كان موسى حيّا)‪.‬‬
‫ويف البخاري [‪ ]2685‬عن ابن عباس قال‪( :‬يا معشر المسلمين‪ ،‬كيف تسألون أهل الكتاب وكتابكم‬
‫ب؟ وقد حدَّثكم اهلل أن‬ ‫أحدث األخبار باهلل تقر ُؤونه لم يُ َش ْ‬
‫ُ‬ ‫صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم‬
‫الذي أُنزل على نبيه َ‬
‫اب فق الوا‪ :‬ه و من عن د اهلل ليش تروا ب ه ثمن اً‬ ‫أه ل الكت اب ب دَّلوا م ا كتب اهللُ وغ يروا بأي ديهم الكت َ‬
‫ط يسألُكم عن‬ ‫ساءلتهم؟ ال واهلل م ا رأين ا منهم رجالً ق ُ‬ ‫قليالً! أفال ينهاكم م ا ج اءكم من العلم عن ُم َ‬
‫الذي أُن ِزل عليكم)‪.‬‬
‫وال معارض ة بني ه ذا األخب ار‪ ،‬وبني م ا ص ح عنه علي ه الس الم من الرخص ة يف احلديث والرواية عن أه ل‬
‫الكت اب‪ ،‬ف إن ه ذا إمنا ه و حيث ال مناقض ة بني مروياتـهم وم ا ج اء ب ه ش رعنا‪ ،‬ف إن أخب ارهم تنقس م إىل‬
‫ثالثة أقسام‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬ما يؤمن كذبـهم فيه فيما رووه‪ ،‬ويُتيقن صدق حديثهم‪ ،‬فهذا مقبول وهو الذي أذن الشارع فيه‬
‫باحلديث والرواية عنهم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عكسه‪ ،‬وهو مردود‪ ،‬وعليه يـُحمل النهي الوارد عن النظر يف صحفهم والرواية عنهم‪.‬‬
‫الث الث‪ :‬أن ال يت بنَّي ص دقه من كذب ه‪ ،‬فه ذا ال ذي ج اء ب ه اخلرب أن ي روى لكن ال يُص دَّقون في ه وال‬
‫يُ َّ‬
‫كذبون‪.‬‬
‫وأخبار املالحم والفنت ما مل تكن باملرفوع الثابت الصحيح‪ ،‬تتنزل على هذه الثالثة األقسام‪.‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫وعلي ه ف إن املروي منه ا عن الس لف يـجيء ويتخ ّرج على ذل ك‪ ،‬ف إن أك ثره مما تلق وه عن أه ل الكت اب‬
‫برده وبطالنه إذا كان سنده حمتمالً للقبول‪ ،‬بل الواجب النظر يف متونه‬ ‫وحفظوه منهم‪ ،‬فليس ينبغي القطع ّ‬
‫وعرضها على نظائرها مما ورد يف شرعنا‪ ،‬فما مل يعارضه صحيح وإال فال‪.‬‬
‫وال ريب أن السلف مل يكونوا يستحلون روايته للناس وفيه مناقضة لشرعنا‪ ،‬أو ما يقطع العقل ببطالنه‪،‬‬
‫فال يُتصور إال أنـهم فحصوا عنه‪.‬‬
‫ومثَّ أص ل آخ ر ينبغي أن يَُت َفطَّن ل ه‪ ،‬وه و أن أخب ار الفنت واملالحم من املتش ابه ال ذي جيب اإلميان ب ه‪،‬‬
‫اخلراصني من‬ ‫والكف عن اخلوض يف تأويله وتكلّ ف املعاين له وتنزيله على الواقع‪ ،‬كما هو صنيع بعض ّ‬ ‫ُّ‬
‫املعاص رين‪ ،‬ال ذين يتكلف ون محل بعض ه ذه النص وص على معنّي أو حادث ة‪ ،‬دون علم أو بيّن ة‪ ،‬ب ل مبحض‬
‫الظن ال ذي ال يغ ين من احلق ش يئاً‪ ،‬كم ا محل بعض هم األخب ار ال واردة يف اخلارج الس فياين على ص دام‬
‫حسني أو غريه ! مث ظهر كذب تأويلهم وأفتضح أمرهم‪.‬‬
‫وذلك أن كثرياً منها قد ال يتأتى تأويله إال بوقوعه‪ ،‬إال إن كان هناك أمارة أو قرينة ظاهرة تعنّي املراد‪،‬‬
‫كما وقع يف خرب الكذاب واملبري اللذين أخرب النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم أنـهما يف ثقيف‪ ،‬فتأوهلا بعض‬
‫السلف كابن عمر وأمساء وغريمها على احلجاج واملختار‪.‬‬
‫ومثل اخلرب الوارد عند البخاري يف النار اليت خترج من احلجاز تضئ هلا أعناق اإلبل ببُصرى الشام‪ ،‬وقد‬
‫ابن كثري‬
‫محله احلافظ أبو شامة املقدسي يف (الذيل على تاريخ الروضتني) [‪ ]293-5/292‬وتبعه العماد ُ‬
‫يف (املالحم) [‪ ]27-1/26‬على ما وقع سنة (‪ )654‬من خروج نار باحلجاز مبدينة النيب صلى اهلل عليه‬
‫استمرت شهراً‪ ،‬وكان الناس بتيماء يسريون على ضوئها بالليل‪ ،‬وأن قاضي القضاة بدمشق‬ ‫ّ‬ ‫وآله وسلم‪،‬‬
‫مدرس احلنفية ببُصرى‪ ،‬أنه أخربه‬ ‫صدر الدين علي بن القاسم احلنفي أخرب عن والده الشيخ صفي الدين ّ‬
‫بعض األعراب ممن كان ببُصرى‪ ،‬أنـهم شاهدوا أعناق اإلبل يف ضوء هذه النار اليت باحلجاز‪.‬‬
‫وأصل ثالث وهو أن من السنن واملرويات ما يُـحتاج لفهمه وعقل معناه‪ ،‬إىل عرضه على التاريخ‪ ،‬فليس‬
‫ينبغي فهمه جمرداً عنه‪ ،‬وذلك أن التاريخ كان له كبري األثر يف وضع بعض األخبار واألحاديث وافتعاهلا‪،‬‬
‫رد اآلث ار واألخب ار الثابت ة‪ ،‬كم ا وق ع من بعض‬ ‫لكن ال ينبغي اإلس راف والغل و يف ذل ك‪ ،‬فإن ه يفض ي إىل ّ‬
‫املعاص رين‪ ،‬ومنهم األس تاذ ط اهر س ليمان يف كتاب ه عن (الس يوطي حيات ه وعص ره) [‪ ]156‬عن د كالم ه‬
‫رده ا يف اجلمل ة‪ ،‬ومحله ا على أن ه مما اف رتاه‬
‫على أخب ار الس فياين وأح اديث الراي ات الس ود‪ ،‬فإن ه غل ط يف ّ‬
‫دعاةُ العباسيني للدعوة إىل قيام دولة بين العباس‪ ،‬فهذا ليس على إطالقه كما يأيت‪.‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫وضابط ذلك بعد تسليم صحة السند‪ ،‬أن ينظر يف املنت ويفحصه‪ ،‬فإن اشتمل على ذكر ما ال يتالءم مع‬
‫س ياق التاريـخ‪ ،‬فال يتّج ه محلُ ه علي ه واحلال ه ذه‪ ،‬والق ول بأن ه موض وع ألس باب سياس ية وتارخيي ة‪ ،‬أو‬
‫حممول على عصر أو شخص معينني‪.‬‬
‫وذلك كاألخبار الواردة يف السفياين والرايات السود‪ ،‬فإن يف بعضها أن السفياين يغزو بيت املقدس‪ ،‬وفيه‬
‫أيضاً أن امسه عروة‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬وهذا ال يستقيم معه القول بأن واضعها من دعاة العباسيني الذين قصدوا‬
‫الطعن على السفياين األموي الذي خرج على دولتهم! فإن هذا باملدح أشبه منه بالذم‪ ،‬فض الً عن كونه مل‬
‫يقع أصالً‪!.‬‬
‫ونظريه دعوى أيب العباس الغماري يف (جؤنة العطار) [‪ ]1/128‬تبع اً للشيخ علي األسيوطي أن أحاديث‬
‫السفياين حتريف من الرواة‪ ،‬وإمنا هو بالتاء (السفيات) نسبة إىل الروس السفيات‪ ،‬ودولتهم العظمى‪!.‬‬
‫وهكذا القول يف أحاديث الرايات السود املرفوعة الصحيحة‪ ،‬فإن فيها من املعاين الواردة يف متونـها ما ال‬
‫يتأتى معه محلها على دولة بين العباس كما يأيت‪ ،‬وال سيما أن الواقع التارخيي للدولة العباسية يأباه‪ ،‬وليس‬
‫فيه ما يطابق منصوص أحاديث الرايات السود إال أن راياتـهم كذلك‪.‬‬
‫واألخبار الواردة يف ظهور الرايات السود تنقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬ال يصح وهو الوارد يف خروج رايات بين العباس‪ ،‬وظهور دولتهم‪ ،‬ويف بعضها التصريح‬
‫ب أن فيهم الس فاح واملنص ور وامله دي‪ ،‬وق د ذكره ا أب و الف رج بن اجلوزي وغ ريه ممن ص نَّف يف مجع‬
‫املوضوعات واألخبار الواهية‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬صحيح وهي هذه األحاديث واآلثار اليت ّ‬
‫مر تـخريـجها‪ ،‬وقد تنازع الناس فيها‪ ،‬فذهب‬
‫بوب عليه نُعيم يف كتابه الذي صنّفه يف‬ ‫بعضهم إىل محلها على خالفة العباسيني‪ ،‬وأنـها املراد منها كما ّ‬
‫الفنت‪ ،‬والبيهقي يف (دالئ ل النب وة) [‪ ]6/513‬وذك ره احلاف ظ ابن كث ري يف (تارخيه) [‪ ]6/247‬وغ ريهم‪،‬‬
‫وعليه بعض ال ُكتَّاب املعاصرين كما مر‪.‬‬
‫وذك ره ُمص نّف كت اب (أخب ار الدول ة العباس ية) [‪ ]245‬يف ب اب (ذك ر الس واد) وأن دعاتـهم أم روهم‬
‫بالسواد ألمور منها أن راية النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم كانت سوداء يقال هلا العقاب‪ ،‬وكذا راية‬
‫علي يوم صفني كانت سوداء‪ ،‬وفيها يقول القائل‪:‬‬
‫يخفق ظلُّها = إذا قيل ق ّدمها يزي ٌد تق ّدما‬
‫لم ْن رايةٌ سوداءُ ُ‬
‫َ‬
‫ومنها أن شعار داود عليه السالم وأصحابه ولباسهم وراياتـهم يوم لقي جالوت كان السواد‪ ،‬ومنها أنه‬
‫كان عندهم خرب عن آل البيت بظهور الرايات السود يف دولتهم‪ ،‬ومنها وهو األهم هذا الخبر الوارد‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫عن النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم في ظهور الرايات السود‪ ،‬وهو يقوي أن األحاديث الصحيحة‬
‫املرفوع ة املتقدم ة يف الراي ات الس ود ليس املقص ود منه ا دول ة ب ين العب اس‪ ،‬ولكن العباس يني ملا علم وا بـها‬
‫وبلغتهم‪ ،‬اس تعملوها واختذوا الس واد إلغ راء العام ة مبب ايعتهم واالنقالب على ب ين أمي ة‪ ،‬ب دعوى أن الن يب‬
‫بش ر األمة وأخربها بـظهور دولتهم يف هذه األخبار‪ ،‬حىت ذكر صاحب كتاب‬ ‫صلى اهلل عليه وآله وسلم ّ‬
‫(أخبار الدولة العباسية) [‪ ]186‬أن أبا مسلم اخلراساين كان يذكر ذلك يف كتبه ووفوده اليت يبعث بـها‬
‫لدعاة العباسيني‪ ،‬ويعلمهم أن هذه الرايات السود للعباسيني هي اليت يُسمع بـها يف األخبار‪ ،‬ويـحذرهم أن‬
‫يكونوا من صرعاها‪!.‬‬
‫وذكر أيض اً أن آل العباس كان عندهم من ذلك علم‪ ،‬بظهور الرايات السود يف دولتهم وملكهم‪ ،‬فساق‬
‫أهل المشرق‪ ،‬وراياتُنا سود‪،‬‬
‫[ص‪ ]207-199‬عن حممد بن علي أنه قال‪( :‬دعوتنا مشرقية‪ ،‬وأنصارنا ُ‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ :‬إذا رأيتم الرايات السود مقبلة من خراسان فأتوها ولو حبواً‬
‫على الثلج‪ ،‬وق ال عب د اهلل بن عب اس‪ :‬إذا ك انت س نة ثالثين ومائ ة لم يظه ر أح ٌد بالمشرق يرف ع راية‬
‫سوداء إلينا إاّل نُصر)‪.‬‬
‫علم من خرب دولة الرايات الس ود‪ ،‬وأن زوال ملكهم ودولتهم بظهورها‪،‬‬ ‫وأيض اً فقد كان عند بين أمية ٌ‬
‫يتخو فون أن تكون يف بين العباس ملا بني الفريقني من العداوة والنزاع على امللك‪.‬‬ ‫وكانوا ّ‬
‫وقد ذكر صاحب (أخبار الدولة العباسية) [‪ ]179-178‬بإسناده عن خالد ابن يزيد أنه أخرب الوليد بن‬
‫عبد امللك بزوال دولتهم إذا ظهرت الرايات السود من املشرق‪ ،‬وذلك حني وفد عليه حممد بن احلنفية‬
‫لكل داهية‪ ،‬وإن‬ ‫ِ‬
‫كالم ه ومستُه فقال‪ :‬ما رأيت يف بين هاشم رجالً أعدله به‪ ،‬وإنّه خلليق ّ‬ ‫الوليد ُ‬
‫فأعجب َ‬ ‫َ‬
‫كان احلزم عندي أن استودعه احلبس‪ ،‬فيكون مثواه حىت ميوت فيه! هل جتد يا أبا هاشم‪ -‬يعين خالد بن‬
‫يزيد‪ -‬هلذا صفةً يف ٍ‬
‫نقض علينا؟‬
‫فق ال خال د‪ :‬ال واهلل‪ ،‬م ا وج دت ذل ك‪ ،‬وال ه و ب املخوف‪ ،‬وال أح د من ب ين أبي ه‪ ،‬على دولتكم‪ ،‬ولك ين‬
‫دوخون هلا البالد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أتـخوف على مل ك ب ين أمي ة من أص لة كامن ة بناحي ة البلق اء تس عى هلا أه ُل الش رق‪ ،‬ي ّ‬ ‫ّ‬
‫ويقتلون هلا اجلبابرة‪.‬‬
‫وم ْن هذه األصلة؟‬
‫فقال الوليد‪َ :‬‬
‫قال‪ :‬ولد علي بن عبد اهلل بن عبّاس‪.‬‬
‫حتركوا يف شيء من هذا األمر‪ ،‬وال دبّوا فيه‪.‬‬ ‫قال الوليد‪ :‬غفر اهلل لك‪ ،‬ما بلغنا أ ّن أولئك ّ‬
‫قال خالد‪ :‬أجل وسيكفون ذلك‪.‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫قال الوليد‪ :‬فمىت يكون ذلك؟‬


‫قال‪ :‬لست أخافه عليك‪ ،‬وال على هذا القرن الّذي أنت فيه‪ ،‬وإمّن ا أخافه إذا قُتل مسيُّك‪ ،‬ووقع االختالف‬
‫مسي ج ّدك‪ ،‬فظهرت الرايات السود بالمشرق‪ ،‬فبؤس اً لبين أميّ ة‪ ،‬عند‬ ‫األمر منهم ُّ‬ ‫بني أهل بيتِ ك‪َّ ،‬‬
‫وابتز َ‬
‫األمر عنهم‪ ،‬وتُسفك دماؤهم‪ ،‬ويرثي هلم َم ْن كان يتمىّن هال َكهم‪!.‬‬
‫ذلك يزول ُ‬
‫وكان بنو أمية يتوارثون هذا اخلرب‪ ،‬حىت إن حممد بن علي العباسي وفد على هشام بن عبد امللك‪ ،‬يطلب‬
‫الرايات السود قضينا دينَك)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫منه قضاء دين كان عليه‪ ،‬فقال له هشام كاملستهزئ‪( :‬إذا طلعت‬
‫وق د ج اء ذل ك من ق ول كعب األحب ار‪ ،‬أخرج ه ال بيهقي يف (ال دالئل) [ ‪ ]6/517‬عن ه أن ه ق ال‪( :‬تظه ر‬
‫رايات سود لبني العباس حتى ينزلوا الشام‪ ،‬ويقتل اهلل على أيديهم كل جبار وع دو لهم) وال ريب أن‬
‫هذا قد كان‪ ،‬ولكن ليس هو املراد من خرب الرايات السود املرفوع املتقدم‪.‬‬
‫واعلم أن هذا األمر الذي هو اختاذ السواد شعاراً وراية ولباس اً‪ ،‬قد غدا سنة سنّها العباسيون لكل دولة‬
‫تقوم بالدعوة إىل حكمها‪ ،‬فهذا حممد بن هود ملا ثار على املوحدين باألندلس سنة (‪ )625‬وأقام إمار ًة‬
‫وتسمى بأمري املؤمنني‪ ،‬وقطع اخلطبةَ للموحدين‪ ،‬وأقامها للعباسيني‪ ،‬ونشر الرايات السود كما‬
‫مستقلة‪ّ ،‬‬
‫يف (تاريخ العرب يف األندلس) [‪.]366‬‬
‫ونظ ريه ظه ور احلارث بن ُس ريج اخلارج بـخراسان يف راي ات س ود‪ ،‬كم ا ذك ره أب و جعف ر بن جري ر يف‬
‫حوادث سنة (‪ )128‬من (تارخيه) بل كان احلارث هذا يدعي ويُظهر أنه صاحب الرايات السود على ما‬
‫ذكره أبو علي بن مسكويه يف (جتارب األمم) [‪ ]3/244‬وابن األثري يف (الكامل) [‪.]4/347‬‬
‫وممن رف ع الراي ات الس ود‪ ،‬البساس ريي يف فتنت ه عن د دخول ه بغ داد كم ا يف (ت اريخ دمش ق) [‪ ]146‬البن‬
‫القائم‪ ،‬ونشر الرايات‬
‫القالنسي‪ ،‬وكذا املعز ابن باديس صاحب إفريقية حني انـحرف عن العبيدين‪ ،‬وبايع َ‬
‫السود كما يف (اتعاظ احلنفاء) للمقريزي [‪ ]2/216‬وغري ذلك‪.‬‬
‫ب موع ُدها)‪!.‬‬
‫بل حىت اخلميين زعم ذلك‪ ،‬فكان يقول التباعه‪( :‬إني أرى الرايات السود قد َق ُر َ‬
‫ومن هن ا ساند العام ةُ العباس يني‪ ،‬لظنهم أنـهم إمنا ي دعون للق ائم الرض ا من آل حمم د ص لى اهلل علي ه وآله‬
‫املستقر عند أهل العلم والعامة أن األحاديث الواردة‬ ‫يدل على أن‬‫وسلم‪ ،‬وهو املهدي عليه السالم! وهذا ُّ‬
‫ّ‬
‫يف الرايات السود إمنا هي يف خروج املهدي عليه السالم‪ ،‬ألن الناس مل يساندوا العباس يني إال لظنهم أن‬
‫املهدي يف راياتـهم السود‪ ،‬والعباسيون استثمروا ذلك يف الدعوة لدولتهم‪ ،‬وأغروا العام ةَ بذلك التّباعهم‬
‫وتأييدهم‪ ،‬وهذا ظاهر‪ ،‬وقد ذكر املطهر املقدسي يف (تارخيه) [‪ ]2/175‬أن أبا مسلم اخلراساين أول من‬
‫وسود ثيابه‪.‬‬
‫عقد الرايات السود ّ‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫وهبذا يظهر أن محل األحاديث واآلثار الواردة يف ظهور الرايات السود على خالفة العباسيني‪ ،‬وحصرها‬
‫فيهم دون غريهم‪ ،‬غلط ال وجه له‪.‬‬
‫والص حيح ال ذي ج زم ب ه العلم اء أنـها إخب ار عن خ روج مه دي آخ ر الزم ان‪ ،‬وظه ور راي ات س ود من‬
‫املشرق َت ْق ُد ُم لتأييده ونُصرته‪ ،‬وقد قال احلافظ ابن كثري يف (املالحم) [‪( :]1/55‬وهذه الرايات السود‬
‫ليست هي اليت أقبل بـها أبو مسلم اخلراساين‪ ،‬فاستلهب هبا دولة بين أمية يف سنة اثنتني وثالثني ومائة‪ ،‬بل‬
‫راي ات س ود أخ ر ت أيت بص حبة امله دي وه و حمم د بن عب د اهلل العل وي الف اطمي احلس ين رض ي اهلل عن ه‪،‬‬
‫يصلحه اهلل يف ليلة أي يتوب عليه ويوفقه ويفهمه ويرشده بعد أن مل يكن كذلك‪ ،‬ويؤيده بناس من أهل‬
‫زي عليه الوقار‪،‬‬
‫املشرق ينصرونه ويقيمون سلطانه ويش ّدون أركانه‪ ،‬وتكون راياتـهم سوداء أيض اً‪ ،‬وهو ٌ‬
‫ألن راي ة رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وآل ه وس لم ك انت س وداء يق ال هلا العق اب)‪ ..‬ق ال‪( :‬واملقص ود أن‬
‫املهدي املمدوح املوعود بوجوده يف آخر الزمان‪ ،‬يكون أصل خروجه وظهوره من ناحية املشرق‪ ،‬ويُبايع‬
‫املهدي ُجزءاً على حدة وهلل احلمد)‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫أفردت يف ذكر‬
‫ُ‬ ‫نص احلديث‪ ،‬وقد‬‫دل على ذلك ُّ‬ ‫له عند البيت كما َّ‬
‫وق ال يف (الت اريخ) [‪( :]6/247‬وق د ورد عن مجاع ة من الس لف يف ذك ر الراي ات الس ود ال يت خترج من‬
‫خراسان مبا يطول ذكره‪ ،‬وقد استقصى ذلك نُعيم بن محاد يف كتابه‪ ،‬ويف بعض الروايات ما يدل على أنه‬
‫بعد‪ ،‬وأن ذلك يكون يف آخر الزمان)‪.‬‬ ‫مل يقع أمرها ُ‬
‫وق ال يف موض ع آخ ر [‪ ]6/248‬يف الكالم على األح اديث الض عيفة ال واردة يف خ روج أيب العب اس‬
‫الس فاح‪( :‬وتك ون الراي ات الس ود املذكورة يف ه ذه األح اديث إن ص حت‪ ،‬هي ال يت تك ون م ع امله دي‪،‬‬
‫ويكون أول ظهور بيعته مبكة‪ ،‬مث تكون أنصاره من خراسان‪ ،‬كما وقع قدمياً للسفاح)‪.‬‬
‫َّاريين يف (ش رح‬
‫الس ف ُّ‬
‫نص على أن الراي ات الس ود ال واردة يف الس نة‪ ،‬هي غ ري راي ات ب ين العب اس‪َّ ،‬‬ ‫وممن َّ‬
‫عقيدته) [‪.]2/80‬‬
‫ومما يؤكد أن ه ذه األخبار يف الرايات الس ود‪ ،‬إمنا هي يف امله دي دون غ ريه‪ ،‬أن ك ل من قام وادعى أنه‬
‫املهدي كابن تومرت وغريه‪ ،‬فإنه يتّخذ رايات سود‪ ،‬لنيل تأييد أهل العلم والعامة له‪!.‬‬
‫وبـهذا يظهر أن األخبار الواردة يف الرايات السود ثالثة أنواع‪:‬‬
‫األول‪ :‬يف ظه ور راي ات ب ين العب اس الس ود ال يت ترف ع لل دعوة إىل دولتهم وملكهم‪ ،‬وم ا روي يف ذل ك‬
‫مرفوع اً‪ ،‬ال يثبت كم ا قال ه ابن اجلوزي وابن كث ري وغريمها‪ ،‬لكن ص ح من ه م ا ج اء عن بعض الس لف‪،‬‬
‫(ويل ألمة محمد من‬
‫مر بدار مروان بن احلكم فقال‪ٌ :‬‬
‫كقول يوسف بن عبد اهلل بن سالم رمحه اهلل وقد َّ‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫أهل هذه الدار‪ ،‬حتى تـخرج الرايات السود من قبل خراسان) أخرجه نُعيم [‪ ]569‬بسند جيد‪ ،‬وهو‬
‫ظاهر يف أنـها رايات بين العباس‪.‬‬
‫وحنوه ق ول احلس ن بن حمم د بن علي عن د نعيم [‪( :]581‬الي زال بن و أميّ ة على َثبَج من أم رهم‪ ،‬ح تى‬
‫بيح ُهم)‪.‬‬
‫تخرج الرايات السود من المشرق فتُ ُ‬
‫الثاني‪ :‬نوعٌ ٌ‬
‫وارد فيمن يظهر لطلب احلكم وامللك لنفسه‪ ،‬وانتزاعه من غريه‪ ،‬ويرفع رايات سود‪ ،‬سواء‬
‫من ذل ك م ا تق دم ذك ره مما وق ع يف الت اريخ‪ ،‬أو مما ي أيت ومل يق ع بع ُد‪ ،‬وه ذه الراي ات ق د ليس هلا غ رض‬
‫سوى طلب احلكم لنفسها‪ ،‬سواء بـحق أو بباطل‪ ،‬متاماً كحال رايات بين العباس وغريهم‪.‬‬
‫وهذا النوع قسمان‪ :‬قسم يظهر باملشرق من خراسان وغريها من أقاليم املشرق كالعراق والشام وغريمها‪.‬‬
‫وقس م يظه ر من املغ رب كدول ة ب ين عبي د الفاطمي ة‪ ،‬وق د روى الزب ري بن بك ار يف (املوفقي ات) كم ا يف‬
‫(تاريخ اخللفاء) للسيوطي [‪ ]20‬من طريق ابن الكليب عن أبيه عن أيب صاحل عن ابن عباس قال‪( :‬الرايات‬
‫السود لنا أهل البيت‪ ،‬وقال‪ :‬ال يجيء هالكها إال من قبل المغرب)‪.‬‬
‫وق د محل بعض العلم اء كنُعيم وال بيهقي وابن اجلوزي وغ ريهم‪ ،‬ه ذا اخلرب وحنوه من األخب ار ال واردة يف‬
‫امللك‬
‫الرايات اليت تظهر من املغرب‪ ،‬على ما وقع من انتزاع بين عبيد الفاطميني الذين قدموا من املغرب‪َ ،‬‬
‫مبصر والشام من بين العباس‪ ،‬وهذا ظاهر‪.‬‬
‫الـحمر‪ ،‬وقد‬
‫وقد جاء أيضاً أن رايات صفراء تظهر من املغرب‪ ،‬وهي رايات فتنة‪ ،‬متاماً كرايات السفياين ُ‬
‫اإلمام أمحد عن رجل يـُخرج عيالَه إىل مصر لرخص السعر؟‬‫ذكر املروذي يف (الورع) [‪ ]426‬أنه سأل َ‬
‫بعد قال‪ :‬إن كان الرجل مل خيرج فقل له ال أرى أن تتجاوز بالذرية اليوم‪ ،‬قد‬ ‫فقال‪ :‬خيرج‪ .‬فلما كان ُ‬
‫األوزاعي‪( :‬إذا رأيتم‬
‫ُّ‬ ‫ك ان ذُك ر يل أن مث حرك ةً يف ناحي ة املغ رب‪ ،‬أخ اف أن يك ون ق د ج اء م ا ق ال‬
‫الراي ات الس ود من قب ل المش رق‪ ،‬والراي ات الص فر من قب ل المغ رب‪ ،‬فبطن األرض يومئ ذ خ ير‬
‫للمؤمنين)‪.‬‬
‫والذي ينبغي اجتناب هذه الرايات من الطرفني‪ ،‬فال يكون معهم وال عليهم‪ ،‬كما هو موقف أهل العلم‬
‫من رايات العباسيني‪ ،‬وكما ورد يف اآلثار اليت مر ذكر بعضها‪ ،‬وقد قيل لإلمام مالك يف الذين خرجوا‬
‫على العباسيني‪ :‬نسميهم خوارج؟ فأنكر ذلك‪ ،‬وقال‪ :‬لو خرجوا على مثل عمر بن عبد العزيز‪ .‬فقيل له‪:‬‬
‫نـخرج معهم؟ فنهى عنه وأمرهم باعتزاهلم‪ ،‬وقال‪ :‬دعوهم ينتقم اهلل بالظامل من الظامل‪ ،‬مث يويل من يصلح‪.‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫وه ذا عني م ا ج اء يف أث ر علي املتق دم عن د نعيم يف (الفنت) يف خ روج راي ات الدول ة الس وداء وفي ه‪( :‬إذا‬
‫رأيتم الرايات السود‪ ،‬فالزموا األرض فال تُـحركوا أيديكم وال أرجلكم) فأمر باعتزاهلم فال تكن معهم‬
‫وال عليهم‪ ،‬ألنـهم كما أخرب عنهم (ال يفون بعهد وال ميثاق‪ ،‬يدعون إلى الحق وليسوا من أهله)‬
‫مث أخ رب أن اهلل ي ؤيت احلق من يش اء‪ ،‬ومن هن ا هنى اإلم ام أمحد عن اخلروج إىل جهتهم ألنـها مظن ة الفنت‪،‬‬
‫والشارع إمنا أمر بالفرار من الفنت‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬خاص بظهور املهدي يف آخر الزمان ومل يقع ُ‬
‫بعد‪ ،‬كما قال ابن عباس فيما ذكره املطهر‬
‫يف (تارخيه) [‪( :]2/147‬إذا أقبلت الرايات السود من المشرق توطئون للمهدي)‪.‬‬
‫وهو املراد قطع اً بأحاديث الباب يف الرايات السود‪ ،‬وأصحاب الرايات السود هذه‪ ،‬هم أيض اً من خيرج‬
‫من املشرق كخراسان وعصائب العراق وأبدال الشام‪ ،‬لنُصرة املهدي عليه السالم‪ ،‬وهي رايات حق ال‬
‫ينبغي التخلف عنها وخذالهنا‪ ،‬وجيب اتّباعها ونُصرتـها‪ ،‬كما هو نص احلديث‪ ،‬فإنه قال (فليأته ولو حبواً‬
‫على الركب) وهو على سبيل املبالغة يف نصرته وعدم التخلف عنه‪ ،‬ويف رواية (ولو حبواً على الثلج)‬
‫وفيه إشارة للشام ألن الثلج يكون بـها‪ ،‬أو هو من دالئل النبوة‪ ،‬وأنه إشارة إىل أن الثلج سيكون يف بالد‬
‫العرب آخر الزمان‪ ،‬كما هو يف بالد العجم‪ ،‬وكما هو مشاهد يف بالد العرب هذه األيام‪ .‬واهلل أعلم‬
‫واعلم أن كث رياً من األخب ار واآلث ار ال واردة يف الفنت عن د نُعيم وغ ريه يف الراي ات غ ري م ا ذكرن اه‪ ،‬على‬
‫وارد يف رايات بين‬ ‫ضعف أسانيدها وكونـها متلقاة من علوم األوائل وأخبار أهل الكتابني‪ ،‬فإن غالبها ٌ‬
‫وم ْن خ رج عليهم‪ ،‬وقلي ٌل منه ا يتعل ق مبا يك ون من املالحم آخ ر‬ ‫العب اس‪ ،‬والعبي دين أدعي اء الفاطمي ة‪َ ،‬‬
‫الزمان‪ ،‬فليس ينبغي اإلمعان يف تنزيلها على واقع اليوم‪ ،‬واإلغراق يف تكلف توجيهها مبا يتالءم معه‪ ،‬فإن‬
‫ف م ا لَيس لَ َ ِ ِ‬
‫الس ْم َع‬ ‫ك بِ ه عل ٌ‬
‫ْم إِ َّن َّ‬ ‫ه ذا مظنّ ة الك ذب والتق ّول على الش ارع وق د ق ال تع اىل ( َواَل َت ْق ُ َ ْ َ‬
‫ك َكا َن َع ْنهُ َم ْسئُواًل ) [اإلسراء ‪ ]36‬وقال لنبيّه صلى اهلل عليه وآله وسلم (قُ ْل‬ ‫اد ُك ُّل أُولَئِ َ‬
‫ص َر َوالْ ُف َؤ َ‬
‫َوالْبَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين) [ص ‪.]86‬‬ ‫َج ٍر َو َما أَنَا م َن ال ُْمتَ َكلِّف َ‬
‫َسأَلُ ُك ْم َعلَْيه م ْن أ ْ‬
‫َما أ ْ‬
‫ويف حديث الباب‪( :‬يقتتل عند كنزكم هذا) واستظهر احلافظ ابن كثري يف (املالحم) [‪ ]1/55‬أن املراد‬
‫بالكنز يف احلديث كنز الكعبة‪ ،‬وأنه يقتتل عنده ليأخذه ثالث ةٌ من أوالد اخللفاء‪ ،‬حىت يكون آخر الزمان‪،‬‬
‫فيخرج املهدي ويكون ظهوره من بالد املشرق‪ ،‬كذا قال‪.‬‬
‫وقد أخرب النيب صلى اهلل عليه وآله وسلم أن الذي يستخرج كنز الكعبة‪ ،‬ذو السويقتني من احلبشة كما يف‬
‫(الص حيح) ووق ع عن د احلاف ظ أيب موس ى املديين يف (غ ريب احلديث) [ ‪( :]2/152‬ال يس تخرج ك نز‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫الكعبة إال ذو السويقتين من الحبشة) وهذا يقوي ما استظهره ابن كثري‪ ،‬ألنه قال يف حديث الرايات‬
‫(ثم اليصل إلى واحد منهم) أي‪ :‬الكنز‪ ،‬ال يستخرجه واحد من أوالد اخللفاء الثالثة الذين يقتتلون عليه‪،‬‬
‫حىت يكون الذي يستخرجه بعد ذلك هذا احلبشي‪.‬‬
‫ويـحتمل أن يكون املراد بالكنز‪ ،‬جبل الذهب الذي يـحسر عنه الفرات‪ ،‬وإن كان سياق احلديث يدفعه‪،‬‬
‫ألن ظاهر قوله (كنزكم هذا) اإلشارة إىل معهود عندهم‪ ،‬أو أن املخاطب به أهل احلجاز فيكون الكنز‬
‫مثَّ‪ ،‬وليس إال كنز الكعبة كما قاله ابن كثري‪.‬‬
‫واحلكم‪ ،‬وليس كنز الكعبة وال غريه‪ ،‬لثالثة وجوه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫امللك‬
‫وعندي أن املراد بالكنز يف خرب الرايات السود‪ُ ،‬‬
‫أحدهما‪ :‬أنه قال يف احلديث (ثم ال يصل الملك إلى واحد منهم) وامللك هو احلكم والرياسة‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أن املعروف من نزاع أوالد امللوك أنـهم إمنا يتنازعون على احلكم وامللك والرياسة‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه قال يف رواية (يقتتل عند َح ّرتكم) وهي املدينة‪ ،‬وليست مكة‪ ،‬واحلَ ّرة‪ :‬األرض ذات احلجارة‬
‫السود النخرة كأنـها أحرقت بالنار‪ ،‬وحرار العرب كثرية وأغلبها ما بني املدينة إىل الشام كما يف (معجم‬
‫رفت إىل َح ّرة املدين ة دون‬
‫ي اقوت) [‪ ،]2/245‬وأيض اً ف إن احلَ ّرة إذا أطلقت يف نص وص الش ارع انص ْ‬
‫غريها‪ ،‬ألنـها املعهودة عندهم‪ .‬واهلل أعلم‬
‫وظواهر ألفاظ اخلرب تقتضي أن نفس الرايات السود اليت تـخرج آخر الزمان نوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬رايات هدى وعدل‪ ،‬وهي اليت تـخرج من خراسان واملشرق‪ ،‬ويكون فيها عصائب أهل العراق‪،‬‬
‫وأبدال أهل الشام‪ ،‬وغايتُها نُصرة املهدي عليه السالم‪ ،‬فهذه الرايات يـجب نُصرتـها‪.‬‬
‫وه ذه الراي ات الس ود تـخرج لنُص رة امله دي حني يبلغه ا خ رب مبايعت ه مبك ة‪ ،‬تظه ر من خراس ان والع راق‬
‫والشام‪ ،‬وتقاتل رايات السفياين الصفر اليت بالعراق والشام‪ ،‬فيتوجه بعضها لقتاله بالشام حىت تنتزع منه‬
‫نص ب بإيلياء) وبعضها إىل العراق كما أخرج نُعيم [‬
‫بيت املقدس‪ ،‬كما يف اخلرب (ال ير ّدها شيء حتى تُ َ‬
‫ات الس ود ال تي تـخرج من‬
‫‪ ]909‬بس ند في ه ج ابر اجلُعفي عن أيب جعف ر الب اقر أن ه ق ال‪( :‬ت نزل الراي ُ‬
‫المهدي بمك ةَ بُعث إليه بالبيعة) يف الوقت الذي يكون السفياين مع قسم‬
‫ُّ‬ ‫خراسان الكوف ةَ‪ ،‬فإذا ظهر‬
‫آخر من راياته الصفر بدمشق‪ ،‬فيبلغه خرب املهدي‪ ،‬فيوجه إليه بـجـيش يـُخسف به وهو يف الطريق إليه‬
‫بالبيداء‪ ،‬وهو جيش البيداء الذي ذُكر خربه يف (الصحيح) مث يلتقي املهدي بالسفياين فيهزمه وعس َكَره‬
‫املهدي بدمشق‪ ،‬وتدفع له رايـاتـها وتبايعه‪ ،‬كما يف‬
‫َّ‬ ‫ويقتل السفياين‪ ،‬مث تأيت الرايات السود فتلتقي‬
‫ُ‬ ‫بالشام‪،‬‬
‫اسمه‬
‫مر وفيه‪( :‬فإنها رايات هدى‪ ،‬يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي‪ ،‬يواطئ ُ‬
‫خرب ابن مسعود الذي ّ‬
‫اسم أبي‪ ،‬فيملك األرض فيمألها قسطاً وعدالً‪ ،‬كما ملئت جوراً وظلماً)‪.‬‬
‫واسم أبيه َ‬
‫اسمي‪ُ ،‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫والنوع الثاني‪ :‬رايات سود تـخرج من املشرق أو املغرب‪ ،‬وغايتُها طلب احلكم وانتزاعه لصاحلها كما‬
‫روى نعيم يف (الفنت) [‪ ]523‬عن احلس ن ابن حمم د بن علي ق ال‪( :‬الي زال الق وم على َثبَج من أم رهم‬
‫حتى تنزل بهم إحدى أربع خالل‪ :‬يُلقي اهلل بأسهم بينهم‪ ،‬أو تجئ الرايات السود من قبل المشرق‬
‫النفس الزاكي ة في البل د الح رام فيتخلى اهلل منهم‪ ،‬أو يبعث وا جيش اً إلى البل د‬
‫ُ‬ ‫بيح ُهم‪ ،‬أو تُقت ل‬
‫فتس تَ ُ‬
‫الحرام في ُخسف بهم)‪.‬‬
‫وهذه الرايات يـجب اعتزاهلا فال يكون معها وال عليها‪ ،‬حىت يـحكم اهلل بينهم وبني خصومهم‪ ،‬مث يويل‬
‫اهلل احلكم من يعدل ويصلح‪.‬‬
‫والظ اهر أن الراي ات الس ود ال يت تطلب احلكم وامللك تـخرج أوالً‪ ،‬ف إذا ان تزعوا احلكم لص احلهم‪ ،‬بطش وا‬
‫املهدي وراياتُه السود‪ ،‬إلقامة العدل وقمع الظلم‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫بالناس وظلموهم‪ ،‬فيخرج عند ذلك‬
‫وأما هذه الرايات السود اخلارجة اليوم‪ ،‬فهي نوعان أيضاً‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬ما كان من نوع رايات بين العباس اليت تطلب احلكم لنفسها‪ ،‬وتنتزعه من أهل اجلور والبغي‪،‬‬
‫وال ذي ينبغي اعتزاهلا فال يك ون معه ا وال عليه ا‪ ،‬ح ىت يـحكم اهلل بينهم وبني خص ومهم‪ ،‬مث ي ويل اهللُ من‬
‫يصلح‪ ،‬كما تقدم عن اإلمام مالك رمحه اهلل‪ ،‬وكما هو صنيع أهل العلم مع رايات بين العباس ونـحوهم‪.‬‬
‫وهي من جنس م ا روي عن علي رض ي اهلل عن ه يف اخلرب املتق دم‪( :‬إذا رأيتم الراي ات الس ود‪ ،‬ف الزموا‬
‫كزبَر الحديد‪،‬‬
‫قوم ضعفاء ال يؤبه‪ ،‬لهم قلوبهم ُ‬
‫األرض فال تُـحركوا أيديكم وال أرجلكم‪ ،‬ثم يظهر ٌ‬
‫أصحاب الدولة‪ ،‬ال يفون بعهد وال ميثاق‪ ،‬يدعون إلى الحق وليسوا من أهله‪ ،‬أسماؤهم ال ُك نى‪،‬‬
‫ُ‬ ‫هم‬
‫ونسبتُهم القرى‪ ،‬و ُشعورهم مرخاةٌ كشعور النساء‪ ،‬حتى يـختلفوا فيما بينهم‪ ،‬ثم يؤتي اهلل الحق من‬
‫يشاء)‪.‬‬
‫وه ذا اخلرب بعين ه قد وق ع للعباسيني‪ ،‬وهو م ّنز ٌل على بعض ه ذه الراي ات الس ود اخلارجة يف ه ذا األوان‪،‬‬
‫وارد أيض اً يف راي ات سود تـخرج آخ ر الزم ان لطلب املل ك وانتزاعه ممن ه و بي ده آن ذاك‪ ،‬حىت إذا‬ ‫وه و ٌ‬
‫ظف روا ب ه ظلم وا وج اروا‪ ،‬واختلف وا فيم ا بينهم علي ه ح ىت يقتتل وا علي ه‪ ،‬كلُّهم ي ّدعي ه لنفس ه‪ ،‬فعن د ذاك‬
‫يـخرج الس فياين عليهم فين تزع املل ك منهم‪ ،‬كم ا يظه ر من ظ واهر األخب ار ال واردة عن د نُعيم وغ ريه يف‬
‫أخبار السفياين‪ ،‬وقد مجعتُها يف جزء مفرد‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬رايات تطلب رفع الظلم واجلور‪ ،‬وإقامة العدل والشرع‪ ،‬واالنتصار للمستضعفني من املؤمنني يف‬
‫الع راق والش ام وخراس ان‪ ،‬ودف ع ص ولة ال روافض والكف ار عنهم‪ ،‬فه ذه راي ات ح ق‪ ،‬لكن ليس ت هي‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫مر حتقيقه‪ ،‬بل هي من‬


‫الرايات السود اليت جاءت بـها األخبار‪ ،‬واليت تقوم مع املهدي لنُصرته وتأييده‪ ،‬ملا َّ‬
‫قبيل قول الشاعر‪:‬‬
‫فالح‬
‫فتشبَّهوا إ ْن لم تكونوا مثلَهم = إن التَّشبّهَ بالكرام ُ‬
‫تـحكم ال‬
‫ٌ‬ ‫فقول القائل إن هذه الرايات السود اليوم‪ ،‬هي بعينها اليت وقعت يف أثر علي واألخبار املرفوعة‪،‬‬
‫دليل عليه‪ ،‬وال موقع له من النصوص بوجه‪ ،‬ملا علم من أن الرايات السود اليت جاء بـها احلديث‪ ،‬ال تظهر‬
‫إال عقب ظه ور امله دي عليه الس الم‪ ،‬ألنـها إمنا تظه ر لنُص رته والقت ال حتت رايت ه‪ ،‬وألن جمم وع األخب ار‬
‫مر‪.‬‬
‫الواردة يف الرايات السود يدل على أن منها رايات جور وظلم‪ ،‬كما ّ‬
‫وأما تأويله قول علي بتقدير صحته‪( :‬ال يفون بعهد وال ميثاق) بأن املراد‪ :‬العهود واملواثيق الدولية‪ ،‬فهو‬
‫لكن ظاهر األخبار الواردة يف الرايات السود يدفعه‪ ،‬والسيما خرب علي رضي اهلل عنه‪ ،‬فإنه وارد‬‫حمتمل‪ْ ،‬‬
‫يف سياق الذم ال املدح‪ ،‬بدليل أن فيه األمر باعتزاهلم‪.‬‬
‫وفيه أنـهم (يدعون إلى الحق وليسوا من أهله) واحلق‪ :‬اخلالفة‪ ،‬وهو صريح يف ذمهم‪.‬‬
‫ذمهم‪ ،‬وال يـحتاج مع ه إىل تكل ف تأويل ه مبا‬
‫وفي ه أنـهم يـختلفون فيم ا بينهم‪ ،‬وه ذا أيض اً ظ اهر ج داً يف ّ‬
‫ذكر من أن االختالف املذكور يف حديث الرايات‪ ،‬إمنا هو االختالف بينهم يف تعيني األقرب نسباً منهم‬
‫ال ذي يلي اخلالف ة‪ ،‬فه ذا ظ اهر الفس اد‪ ،‬ألن س ياق اخلرب يقتض ي أن ه اختالف م ذموم يفض ي إىل ال نزاع‬
‫والفرقة فيما بينهم‪ ،‬بدليل قوله (ثم يؤتي اهلل الحق من يشاء) ّ‬
‫فدل على أن احلق ليس فيهم‪.‬‬
‫وأيضاً فإن اخلليفة الذي هو املهدي ال نعلم أنه يقع نزاع واختالف فيه إذا ظهر‪ ،‬بل جيمع اهلل الناس على‬
‫بيعته‪ ،‬ويُلقي يف قلوبـهم حمبته ومعرفة صفته وحليته‪ ،‬مبا ال يقع معه نزاع أص الً‪ ،‬وأيض اً فإن الرايات السود‬
‫تعرف ه وال تـختلف علي ه‪ ،‬ألنـهم إمنا يـخرجون بعقب ه لنُص رته‪ ،‬بع د أن يك ون ه و ق د خ رج واش تهر أم ره‬
‫وبلغهم خربه‪.‬‬
‫ويتفرق ون‪ ،‬وه ذا ذمٌّ هلم‪ ،‬وق د ظه ر ه ذا االختالف بني‬
‫وأيض اً فق د ذك ر في ه أهنم خيتلف ون فيم ا بينهم ّ‬
‫أصحاب الرايات السود اليوم‪ ،‬وافرتقوا فيما بينهم حىت اقتتلوا وك ّف ر بعضهم بعض اً‪ ،‬مما يدل على أنـهم‬
‫ليسوا املقصودين باحلديث‪ ،‬وال راياتـهم السود هي الرايات اليت ذُكرت فيه‪.‬‬
‫وعليه فليس هو بيقني يف رايات املهدي السود‪ ،‬بل هو كما قررنا يف رايات سود غريها‪ ،‬تطلب احلكم‬
‫وامللك لنفسها‪ ،‬كرايات العباسيني‪ ،‬وإمنا غلط يف هذا من غلط‪ ،‬لتومهه أن الرايات السود نوع واحد يف‬
‫األحاديث‪ ،‬وليس األمر على ما ظنَّه وتومهَه‪ ،‬كما تقدم شرحه مبسوطاً‪.‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫وخترج‬ ‫لطيفة‪ :‬اتصل يب حال حترير هذه األوراق‪ُ ،‬‬


‫إمام مسجد من روسيا‪ ،‬ممن كان يطلب العلم باألزهر ّ‬
‫فيه‪ ،‬وأعلمين أن نزاعاً نشب بني طالب العلم هناك‪ ،‬يتعلّق بـخروج املهدي‪ ،‬وأن رجالً ممن انتدب للقتال‬
‫يف املالحم الواقع ة الي وم ب العراق والش ام‪ ،‬خ رج فيهم ي زعم أن ه امله دي! وأن الراي ات الس ود ال يت خترج‬
‫ت من قلوب بعض الشباب فافتتنوا‪،‬‬ ‫لنُصرته هي هذه الرايات املرفوعة اليوم هناك! وأن الشبهة به قد متكنَ ْ‬
‫وشرعوا يف الدعوة لتأييده يف املساجد‪ ،‬وأخذ البيعة له هناك‪!.‬‬
‫فأعلمتُ ه أن ه ذه الراي ات ال يت ب العراق والش ام الي وم‪ ،‬ليس ت هي الراي ات الس ود ال يت تـخرج م ع امله دي‬
‫بعد زمان خروجه‪ ،‬وأنه إن قُ ّدر له أن يـخرج‪ ،‬فإمنا يكون مبدأُ خروجه من احلجاز ال‬ ‫بيقني‪ ،‬وأنه مل يأت ُ‬
‫من العراق والشام‪ ،‬بعد أن يعوذ بالبيت من قوم يطلبونَه‪ ،‬حيث يبايع له هناك بني الركن واملقام‪ ،‬مث يكون‬
‫ظه وره بع د ذل ك باملش رق كم ا ورد يف اآلث ار‪ ،‬وتـخرج الراي ات الس ود بع د ذل ك لنُص رته‪ ،‬وال يك ون‬
‫خروجها قبلَه‪.‬‬
‫ُ‬
‫وامللك لنفسه‪ ،‬وال يأخذ البيع ةَ له‪ ،‬وإمنا يُبايع له وهو‬
‫َ‬ ‫احلكم‬
‫َ‬ ‫وأيض اً فإن من عالمة املهدي أن ال يطلب‬
‫كاره كما يف األخبار الصحيحة‪ ،‬وبه يُعلم أن كل من قام وادعى املهدوية لنفسه فهو كاذب والبد‪.‬‬
‫وأيض اً فإنه إذا خرج اجتمع الكاف ةُ من أهل العلم والفضل على نُصرته وتأييده‪ ،‬كما قال القاضي حفص‬
‫المهدي‬
‫ُّ‬ ‫مر‬
‫بن غياث لسفيان الثوري‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ :‬قد أكثروا يف املهدي‪ ،‬فما تقول فيه؟ قال‪( :‬إن َّ‬
‫الناس عليه) يريد‪َ :‬‬
‫أهل العلم‪ ،‬ذكره احلافظ أبو عبد‬ ‫على بابك‪ ،‬فال تكن منه في شيء‪ ،‬حتى يجتمع ُ‬
‫اهلل الذهيب يف ترمجته من (النبالء) [‪.]7/253‬‬
‫وأما ما رواه أبو بكر بن املقرئ يف (معجمه) [‪ ]90‬وابن عدي يف (الكامل) [‪ ]6/516‬عن عبد اهلل بن‬
‫عمرو مرفوع اً‪( :‬خيرج املهدي من قرية باليمن يقال هلا َك ِر َع ة) فهو خرب منكر سنداً ومتن اً‪ ،‬تفرد به عبد‬
‫الوهاب بن الضحاك احلمصي وهو مرتوك‪ ،‬وهو خمالف ملا يف األحاديث الثابتة اليت أخربت بأنه إمنا يـخرج‬
‫شرفها اهلل‪.‬‬
‫من مكة ّ‬
‫منور الوجه‪،‬‬
‫لقيت بصنعاءَ رجالً ذا هيئة‪ ،‬وال أقول ذا هيبة‪ ،‬أبيض ّ‬ ‫ومن غرائب ما اتفق يل يف الرحلة‪ ،‬أين ُ‬
‫ويعتم بعمام ة بيض اء‪ ،‬وعلي ه ث وب ورداء أبيض ان‪ ،‬يف وس طهما‬ ‫له حلي ة س وداء طويل ة تض رب إىل ُس ّرته‪ّ ،‬‬
‫جوخ أخضر‪ ،‬وهو حيمل بيده عصا غريبة‪ ،‬ومسبحةً طويلة‪ ،‬وشنطةً دبلوماسية‪!.‬‬
‫فجلست إليه وسألته‪ :‬أمن‬
‫ُ‬ ‫رأيتُ ه يف (الباص) فلم أظفر باحلديث معه‪ ،‬مث رأيتُ ه بعد مدة جالس اً يف مقهى‪،‬‬
‫قلت‪ :‬فمن أهل العلم؟ فانتبه واعتدل يف جلسته وقال‪ :‬أنا املهدي‪!.‬‬ ‫أهل الدعوة أنت؟ فأومأ برأسه أن ال‪ُ .‬‬
‫فقلت له‪ :‬وماذا تفعل هنا‪.‬؟ فقال‪ :‬أنا املهدي‪ ،‬ويوشك أن يؤذن يل باخلروج فأخرج‪ ،‬وأصلح من حال‬ ‫ُ‬

‫‪ www.alukah.net‬‬
‫َن ْشرُ ال ُب ُن ْ‬
‫ود في خبر الرايات الس ْ‬
‫ُّود‬
‫‪ ‬‬

‫فقلت له‪ :‬وما هذه الشنطة الدبلوماسية‪.‬؟ فقال‪ :‬أنا موظف يف وزارة املالية‪!.‬‬
‫هؤالء البهائم‪ ،‬كذا قال‪ُ !.‬‬
‫فقلت ل ه‬
‫املدرس ني‪ُ ،‬‬ ‫أخرت وزارة املالي ة عن ص رف رواتب ّ‬‫ْ‬ ‫مدرس اً ب اليمن‪ ،‬وق د ت‬
‫وكنت يومه ا أعم ل ّ‬
‫ُ‬
‫كاملستهزئ‪ :‬قبل أن تُصلح من حال الناس‪ ،‬أصلح من حال الوزارة اليت أنت موظف فيها‪ ،‬كي يصرفوا‬
‫بعد‪ .‬واهلل أعلم‬
‫املدرسني‪ !.‬فقام مغضباً وتركين‪ ،‬ومل َأره ُ‬
‫رواتب ّ‬
‫آخره‬
‫واحلمد هلل رب العاملني وصلى اهلل على سيدنا ونبينا حممد وعلى آله وسلم‪.‬‬

‫‪ www.alukah.net‬‬

You might also like