You are on page 1of 29

‫المسلمون وضرورة الوعي‬

‫التاريخي‬
‫عبد القادر عبار‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫تقديم‬
‫هذه اخلواطر اليت تأخذ شكل املقاالت اليت كنت نشرهتا يف بعض الصحف واجملالت ‪ .‬وقد عزمت على َمل شتاهتا‬
‫وجتميعها يف هذا الكتيب قصد تعميم الفائدة من قراءهتا وتدبرها رغم تواضعها‪.‬‬
‫وإذا كانت مواضيعها خمتلفة وعناوينها متنوعة‪ ..‬إال أهنا تلتقي حول حمور واحد ׃ وهو حمور الوعي التارخيي‪.‬‬
‫وهو حمور حيتاج يف احلقيقة إىل ختصصات عالية وكفاءات ممتازة ملعاجلته معاجلة دقيقة وشاملة وإيفائه حقه يف‬
‫التحليل والطرح‪ ...‬إال أن ذلك ال يعين عدم املشاركة يف الكتابة فيه وإثارته من طرف اآلخرين ممن هم اقل كفاءة‬
‫وجتربة وختصصا‪ ..‬ما دامت تشغلهم مهوم املسلمني التارخيية واحلضارية وغريها‪ ...‬وهتمهم قضايا الرتشيد الثقايف‬
‫وتنمية الوعي احلضاري لدى شباب املسلمني حىت يستعيدوا دورهم اخلاليف والقيادي يف تعمري األرض وإقامة البديل‬
‫اإلسالمي املشرق׃ حيث العدل واألمن واحلرية‪.‬‬

‫عبد القادر عبار‬


‫بين الجزم والتميّع‬

‫‪ )1‬اإلسالم محجوب بالمسلمين‬


‫ما اقبح أن توضع صورة متقنة بديعة براقة في إطار بخس عتيق ال يالئمها البتة فهو بقدر ما يزهد العين في‬
‫النظر إليها وتأملها يصد النفس عن تذوقها وتلمس مالمح الحسن فيها ويحجبها عن أي تقييم صحيح ‪ .‬ومن‬
‫هذا المنطلق ندرك مدى عمق تلك المقالة الجامعة التي أعلنها الشيخ الداعية محمد عبده في قولته الحكيمة‬
‫"اإلسالم محجوب بالمسلمين" بعد تجربته الطويلة في أغوار النفس والمجتمع اإلسالمي‪.‬‬

‫اإلسالم بتعاليمه السمحاء وتشريعاته القومية ميثل الصورة‪ t‬الكاملة البديعة واملثالية لألديان السماوية غري أن اإلطار‬
‫الذي وجد فيه خالل السنني والقرون األخرية هو إطار فاسد متآكل ال يالئم حسنه وإشراقه ׃ إذ املسلمون‪ t‬الذين‬
‫انتسبوا إليه ومثلوه يف تلك السنني العجاف ببدعهم املظلمة وجتاوزاهتم اجملحفة وأعماهلم املخالفة وجهلهم وكسلهم‬
‫ومتيعهم‪ ..‬قد حجبوا اإلسالم وغطوا حقيقته مبا اقرتفوا من بدع العبادات وفساد العادات الشيء الذي مهد‬
‫‪-‬ولألسف‪ -‬لألعداء على اختالفهم فرص التجريح والنقد واهلدم واالهتامات القاسية هلذا الدين احلنيف الذي رأوا‬
‫فيه‪ -‬من خالل ما شاهدوا ال من خالل ما علموا وحتققوا‪ -‬سبب التخلف واجلهل واملرض والوسخ‪.‬‬
‫ويف هذا الصدد يقول املرحوم حممد فريد وجدي يف بيان هذا املوقف الذي يقفه الغرب منا ومن ديننا ׃ " جيب أن‬
‫نغفر لألوروبيني تصديقهم‪ t‬لكل االفرتاءات ضد اإلسالم واملسلمني‪ ..‬فهم‪ -‬أي األوربيون‪ -‬على حق إذا اظهروا‬
‫العداء جتاه ديننا طاملا كانوا ال جيدون أمامهم إال البدع اليت حذقها أناس تافهوا العقول وقبلها اجلمهور وزاد فيها‬
‫أشكاال أخرى من اخلطأ وخمالفة الطبيعة البشرية وقوانني احلضارة‪ ..‬وكيف نأمل أن يفهم األوروبيون لب ديننا‬
‫‪-‬الدين الوحيد الذي حيمل السعادة احلقة‪ -‬طاملا كانوا ال يعلمون إال مالمح خارجية معينة لإلسالم يشاهدوهنا كل‬
‫يوم مثل االجتماعات الصاخبة يف الشوارع سائرة خلف األعالم والطبول ( يشري هبذا إىل مواكب الصوفية‬
‫‪-‬احلضرة‪ -‬اليت تزحف يف الشوارع بأعالمها وطبوهلا متال اآلفاق صياحا مبا يسمونه ذكر اهلل)‪ ...‬واحلفالت‬
‫املمجوجة املخالفة لكل وعي واليت تقام يف عدد من املدن اإلسالمية يوم مولد‪ t‬الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪...‬‬
‫واالجتماعات يف حلقات واسعة أمام اآلالف من الناس والرتاتيل الصوفية اليت تؤدى بصوت قوي مصحوبة بالتمايل‬
‫ميينا ومشاال وحنو ذلك‪)1( "...‬‬

‫أ) قرآن يتحرك‬


‫وخالفا لذلك كان السلف الطيبون الصاحلون الرتمجان الصادق الناصع لإلسالم واإلطار املالئم البديع للدعوة فقد‬
‫كانت تعاليم الدين السمحاء وتشريعاته النقية ترى يف كل صغري وكبري فيهم׃ كانوا حبق واهلل إسالما ميشي يف‬
‫الطريق وقرآنا يتحرك يف األسواق مل يضيفوا إليه ما خيدش حسنه أو جيفف إشعاعه أو حيجب يف كثري أو قليل عن‬
‫العاملني كماله وهباءه‪.‬‬
‫واحلقيقة املرة أن املشاهد حلال املسلمني اآلن ويف فرتة التخلف والدارس حلقيقة اإلسالم وأحوال املسلمني األوائل‬
‫يقع يف حرية ويأسف للتناقض احلاصل ׃ " فالتاريخ يقول هلم عن اإلسالم شيئا ويرسم يف آبائهم األولني صورة‬
‫مشرقة آلثار اإلسالم فيهم وواقع احلال يقول هلم عن اإلسالم شيئا آخر خمتلفا اشد االختالف عما يقوله التاريخ‬
‫ويريهم يف أنفسهم صورة ختتلف متاما عن الصورة‪ t‬اليت يقال أن آباءهم األولني كانوا عليها‪)2( "...‬‬

‫فاملطلوب من املسلمني اآلن إذا كان هبم عزم صادق حقيقي يف إظهار حقيقة اإلسالم ناصعة للعيان‪ t‬ومؤثرة حقا‬
‫وحىت يتجنبوا املزالق واالهتامات والتجريح الذي يكيله أعداء اإلسالم هلذا الدين‪ ..‬املطلوب منهم أن يكونوا ترمجانا‬
‫عمليا ناصعا لتعاليم اإلسالم القيم يف سلوكياهتم وأعماهلم يف سرهم وجهرهم ويف الباطن والظاهر‪.‬‬

‫ب) شهادة لهذا الدين‬


‫يقول املفسر سيد قطب يف تفسري آية آل عمران (( ربنا آمنا مبا أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين)) يقول‬
‫׃ إن املسلم املؤمن بدين اهلل مطلوب منه أن يؤدي شهادة هلذا الدين شهادة تؤيد حق هذا الدين يف البقاء وتؤيد‬
‫اخلري الذي حيمله هذا الدين للبشر وهو ال يؤدي هذه الشهادة حىت جيعل من نفسه ومن خلقه ومن سلوكه ومن‬
‫حياته صورة حية هلذا الدين صورة يراها الناس فريون فيها مثال رائعا رفيعا يشهد هلذا الدين باألحقية يف الوجود‬
‫وباخلريية واألفضلية على سائر ما يف األرض من أنظمة وأوضاع وتشكيالت وهو ال يؤدي هذه الشهادة كذلك‬
‫حىت جيعل من هذا الدين قاعدة حياته ونظام جمتمعه وشريعة نفسه وقومه فيقوم جمتمع من حوله تدبر أموره وفق‬
‫هذا املنهج اإلهلي القومي‪.)3( "...‬‬
‫وهذا‪ -‬حبق‪ -‬ما فهمه اتباع األنبياء والصديقون واملخلصون‪ t‬وهذا ما حققه الذين اسلموا وجههم هلل ‪-‬حقيقة‪-‬‬
‫وشهد هلم به التاريخ (( أولئك هم املؤمنون حقا هلم درجات عند رهبم ومغفرة ورزق كرمي))‬

‫‪ )2‬لماذا شاخ المسلمون ؟‬


‫* متى افترش العنكبوت الغربي ديار المسلمين حتى التقم خيراتهم وكنز ذهبهم وفضتهم واستحم بعرق‬
‫عمالهم؟‬
‫* متى فقد المسلمون مقعد "الشهادة" على العالم وزج بهم في ذيل القافلة الحضارية في نومة عميقة لم‬
‫يستفيقوا منها حتى كادت خفاف الغرب‪ -‬رأسمالية وشيوعية وصهيونية‪ -‬أن تطأهم وطأ ال حراك بعده لوال‬
‫أن اهلل تعالى يقيض لهذه األمة على راس كل مائة عام من يجدد لها دينها ويبعث الوعي في اتباعها‪...‬؟‬

‫هذان السؤاالن يطرحهما واقع الوضع املرتدي الذي ركن إليه املسلمون يف فرتات االحنطاط الذي احتواهم ‪..‬‬
‫وواضح أن اجلواب على هذين السؤالني يتبلور جليا يف إرجاع ذلك إىل تلك الفرتة احلالكة اليت اعرتت املسلمني من‬
‫غياب اجلد وفتور روح اجلزم واحلسم يف تنفيذ تعاليم الدين على مستوى الفرد واجلماعة‪ ...‬ونبذهم ملقومات‬
‫الذاتية اإلسالمية وتركهم ألخالقية االستخالف اليت كرم اهلل تعاىل هبا بين آدم من أمر باملعروف وهني عن املنكر‪..‬‬
‫مع تكاسلهم عن حتقيق فريضة اجلهاد وخورهم عن اجملاهبة احلركية للظلم مبختلف أنواعه‪...‬‬
‫هذا باإلضافة إىل عوامل أخرى متشابكة سامهت بقسطها املخزي يف سقوط املسلمني وإضعافهم يف شىت اجملاالت‪.‬‬
‫أ) شيخوخة المسلمين‬
‫ضعف العامل اإلسالمي يف القرن التاسع عشر يف الدعوة والعقيدة والعقلية‪ t‬والعلم واجلهاد‪ ...‬وبدا عليه اإلعياء‬
‫والشيخوخة‪ .‬واإلسالم ال يعرف الشيخوخة واهلرم‪...‬انه جديد كالشمس ولكن املسلمني هم الذين شاخوا‬
‫وهرموا وضعفوا فال سعة يف العلم وال ابتكار يف التفكري وال إبداع يف اإلنتاج وال محاسة يف الدعوة وال عرضا مجيال‬
‫ومؤثرا لإلسالم ومزاياه ورسالته‪ ..‬وال صلة بالشباب املثقف والتأثري على عقليته وهوامه الغد وجيله املرجتى‪ ..‬ويف‬
‫هذه احلال هجمت أوروبا بفلسفتها" التمييعية" اليت تعب يف تدوينها كبار الفالسفة‪ ..‬وهكذا انتشر اإلحلاد‬
‫واالرتداد يف األوساط اإلسالمية مث تطور األمر وعظم اخلطب ومشلت اجملتمعات اإلسالمية على طوهلا ضبابية‬
‫حالكة‪ -‬عقليا وفكريا وعقائديا‪ -‬حىت فرتت يف املسلمني جدية االلتزام حبقائق هذا الدين وكسفت مشس احملاسبة‬
‫الواعية أفقيا وعموديا‪.‬‬

‫ب) عادات‪ ....‬ال عبادات‬


‫فالشعائر التعبدية ال حتس هلا تأثريا وال حياة يف الوجدان والسلوك ألهنا أصبحت تؤدى وكأهنا عادات ال عبادات‪..‬‬
‫حىت لكإمنا أصبحت الصلوات ترفيها رياضيا لتنشيط العضالت الرخوة‪ ...‬أو مسلكا صحيا ( رجييم) لتخفيف ثقل‬
‫الوزن طلبا للرشاقة‪ ..‬فتؤدى باجلسد ال بالروح‪ ..‬ال خشوع فيها وال لذيذ مناجاة وهزل اليقني يف النفوس وغاب‬
‫اإلخالص والصدق وتذبذبت العقيدة قي القلوب‪ ..‬وهذا له خطره‪ ..‬ويف هذا املضمار يقول أحد املفسرين " إن‬
‫الطاغوت ال يقوم إال يف غيبة الدين القيم والعقيدة اخلالصة عن قلوب الناس‪ ..‬فما ميكن أن يقوم وقد استقر اعتقاد‬
‫الناس فعال أن احلكم هلل وحده ألن العبادة ال تكون إال هلل وحده‪ .‬واخلضوع للحكم عبادة بل هي أصال مدلول‬
‫العبادة ‪".‬‬
‫وأما يف جمال االخوة والروابط االجتماعية‪ ...‬فقد أصبحت االخوة حتية عابرة باللسان‪ t‬و إشارة فاترة باليد‪ ..‬قد‬
‫بعدت عن مدلوهلا الصحيح اهلادف كتلك اليت مثلها الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم ׃ قسمة وإيثارا يف األهل‬
‫واملال والدماء‪.‬‬
‫وأما املساجد عندنا فقد أمست هياكل معمارية باهرة نتباهى زخرفتها ونغفل عن الدور األساسي الذي من اجله‬
‫جعلت‪.‬‬
‫ويتعرض أحد العلماء مبينا ومفسرا سنة من سنن التغيري اليت تصيب األمم وهي يف أوج حضارهتا ورقيها واملفضية‬
‫إىل احنالهلا ومتيعها فيقول " يف هذه املرحلة احلامسة‪ -‬أي مرحلة القناعة باحملصول والوقوف عند ذلك احلد احملرز‬
‫عليه من املعرفة‪ -‬تتخلى هذه اجلماعة عن مكاهنا يف القيادة ‪..‬إن مل يكن بالرضا واالختيار فبالقوة واجلرب لتحل‬
‫مكاهنا مجاعة أخرى أحرزت قدرا كبريا من املعرفة وحظا أوفر من العلم ويالزمها عزم وتصميم على بناء احلياة‪...‬‬
‫أما هؤالء الذين كانوا قادة فيصبحون اتباعا وبعد أن تقدموا القافلة ‪ ..‬حيتلون مكاهنم الرمزي من ذيلها‪."..‬‬

‫ج) التطرف الصوفي‬


‫ومتثله يف أنكى وجه "الطرقية" الغالية׃‬
‫فقد اقبل العامة‪ -‬بقيادة املتصوفني‪ -‬على الطقوس واألوراد‪ ...‬واقبل احلكام ومن كان يف ركاهبم وحواشيهم على‬
‫الشهوات وامللذات ‪ ...‬وهذا اخللط الصويف األمحق يعترب أول صدع أصاب التفكري اإلسالمي يف صميمه بل أول‬
‫صدع أصاب كيان األمة اإلسالمية فيما بعد باالهنيار‪ ...‬فاألفكار الصوفية إذن ال مبادئ اإلسالم هي اليت َحملت‬
‫اجلماهري أوزار االستعمار الداخلي واخلارجي ووطدت للمظامل اخلطرية وخذلت الناس‪ ...‬حىت تركوا اجلهاد وركنوا‬
‫إىل الكسل وامليوعة ال يعرفون معروفا وال ينكرون منكرا‪ ..‬األمر الذي اطمع يف استغالهلم األعداء وزين للظاملني‬
‫استعبادهم‪.‬‬

‫‪ )3‬حين يتخلى المسلمون عن الجد‪....‬‬


‫إن إرسال أمة من الرسل األخيار ‪ ..‬من سيدنا نوح إلى خاتم األنبياء والمرسلين وتحمل األتعاب التي تنوء‬
‫دون حملها شم الجبال وتلك االبتالءات ثم ذلك الجهاد وأخطاره والهجرة وأعباؤها كل ذلك إنما هو‬
‫برهان ساطع على جدية هذا الدين وجزم هذه العقيدة حيث يلخص ذلك في انسق عبارة المفسر الشهيد سيد‬
‫قطب رحمة اهلل تعالى عليه قائال " إن هذا الدين جد ال يقبل الهزل وجزم ال يقبل التميع وحق في كل نص‬
‫فيه وفي كل كلمة‪ .‬فمن لم يجد في نفسه هذا الجد وهذا الجزم وهذه الثقة فما أغنى هذا الدين عنه واهلل‬
‫غني عن العالمين"‬

‫لقد كانت يقظة املسلمني الصادقني األوائل يف حني جدهم ووعيهم بأمانات الدعوة والرسالة متثل قمعا صارما‬
‫وحتديا جازما لتحركات املغرضني واملرتبصني وسدا منيعا أمام مطامع ودسائس املناوئني والكائدين‪.‬‬
‫فحركة الردة السامة لوال جدية اخلليفة والصدّيق الراشد وحسمه الواعي يف وقفها وقطعها من جذورها لكانت‬
‫مبثابة جرثومة املوت للدعوة اإلسالمية يف شباهبا كما أن جدية اخلليفة اخلامس عمر بن عبد العزيز يف رد أمور‬
‫اخلالفة وشؤون الدولة إىل إطارها الصحيح قد قطعت خبث روح امللك العضوض الذي مد عنقه يف ذلك احلني‪.‬‬

‫أ) في غيبة الجد‬


‫بيد انه ما إن تفرت روح اجلد لدى املسلمني ويغيب عنهم العزم الصادق يف إقامة أمور الدين ‪ ...‬حىت تنقض عليهم‬
‫جيوش املرتبصني وتتداعى عليهم األمم كما تتداعى األكلة على قصعتها وهذا ما مهد للحركات اهلدامة أن تربز‬
‫وتنشط ومتتد هنا وهناك يف ديار املسلمني‪t.‬‬
‫فمع بداية القرن ظهرت حركات عدائية ماكرة تستهدف تشويه الساحة العقائدية المة اإلسالم من ماسونية‬
‫وقاديانية وهبائية وكلها ترضع من الصهيونية القذرة وتقف مع بعضها البعض يف تشويه وإلغاء‪ -‬مثال‪ -‬فكرة اجلهاد‬
‫من تصور املسلمني مع خلق بلبالت ونعرات مفتعلة لتشتيت وحدة املسلمني خدمة وتوطينا لالستعمار الغريب‬
‫ومساعدته على تدمري وختريب ديار املسلمني‪.‬‬
‫" هذا االستعمار الذي استهدف يف العصر األخري أن يضرب اإلسالم ضربة تقض جمامعه وتقض مضاجعه وتبعثر‬
‫أمته بعثرة نفسية وفكرية ال هناية هلا واخرتع من فنون الغزو الثقايف ما ميأل به الفراغ الروحي والعقلي‪ t‬الذي اصطنعه‬
‫يف كل ميدان ومهد له يف كل مكان‪"...‬‬
‫ب) حقائق عن بعض هذه الحركات‬
‫فمن حقائق البهائية يقول الشيخ العامل حممد الغزايل " عبد البها ميجد الصهيونية والصليبية ويزعم انه مسلم‪ ...‬وقد‬
‫التحمت البهائية أخريا باهلجوم اليهودي ووجدت من املال األمريكي ما يعينها على التمدد والبعث بل إن اغلب‬
‫خصوم اإلسالم والعرب يعينوهنا على اختطاف الشباب التائه ومسخ عقله وخلقه وماذا عليهم ؟ إن ذلك يف نظرهم‬
‫جبهة تفتح ضد اإلسالم وميكن أن تنال منه‪".‬‬
‫وأما يف القاديانية الفاسدة فانظر ماذا يقول القدياين صاحبها׃ " لقد خطوت اكرب مرحلة من حيايت يف نصرة الدولة‬
‫الربيطانية والدفاع عنها والفت كتبا كثرية احرم فيها اجلهاد ضدها‪ .‬لو مجع كل ما كتبته يف هذا الصدد لبلغ مخسني‬
‫كتابا ووزعت هذه الكتب كلها يف مجيع أقطار العامل‪ ...‬ووجب على كل مسلم ومسلمة‪ t‬تقدمي الشكر إىل هذه‬
‫احلكومة وحرام على كل مؤمن مقاتلتها بنية اجلهاد"‪.‬‬
‫وأما عن املآسي اليت حلقت املسلمني يف فرتات اخلمول وغياب اجلد والعزم من مسوم املاسونية العاملية فهذا بند من‬
‫بنودها الدنيئة اليت نفذهتا وترى يف جمتمعاتنا بعض آثارها املؤسفة فانظر ما توصي به جنودها ׃" على املاسونيني أن‬
‫ينفذوا يف صفوف اجلماعات الدينية وغريها ‪...‬ال بل عليهم إن احتاج األمر أن يقوموا بتأسيسها على أن ال تشم‬
‫منها أي رائحة حقيقية للدين‪ ..‬وعليكم أن تولوا أمورها السذج من الرجال ولتطمعوا‪ -‬خفية‪ -‬ذوي القلوب‬
‫الكبرية من الرجال بقطرات من مسومكم بغية التفرقة بني الفرد وأسرته‪ ...‬عليكم أن تنزعوا األخالق من أسسها‬
‫ألن النفوس متيل إىل قطع روابط األسرة واالقرتاب من األمور احملرمة ألهنا تؤثر الثرثرة يف املقاهي على القيام بتبعات‬
‫األسرة‪ ...‬ولتنفذوا هبم إىل مالذ احلياة البهيمية"‪.‬‬
‫إن هذا االعرتاف املخزي من املاسونيني لكاف للتدليل على مدى ما بلغت إليه روح املكر واهلدم واحلقد عندهم‬
‫إزاء اجلماعات الدينية بل إزاء اإلنسانية قاطبة‪.‬‬

‫ج) وبعد‪...‬‬
‫إننا مل نورد هذه احلقائق إال لنربهن على أن مجيع املآسي اليت خنرت يف كيان األمة اإلسالمية الشاهدة ‪ ...‬إمنا‬
‫حدثت كلها يف فرتات غاب فيها جد املسلمني وضعف فيها عزمهم وتركوا فيها جهادهم‪.‬‬
‫فتسلح "الذين آمنوا" بعنوان الدعوة احملمدية ‪-‬الذي هو اجلد واجلزم واحلق‪ -‬وحتقيقه حتقيقا كامال يف سلوكياهتم‬
‫وأعماهلم ميثل الغيظ املنغص ألهل الباطل وأصحاب القلوب املريضة‪ ...‬متاما كما حتقق ذلك يف سلفهم الصاحل‬
‫واعرتف هلم به عدوهم‪ .‬جاء ذلك على لسان أحد امللوك يف قوله ׃ " كيف يل بقوم لو اقسموا على أن يزيلوا جبال‬
‫من مكانه ألزالوه " ( أو كما جاء يف رواية أخرى " ال طاقة يل بقوم إذا أرادوا خلع اجلبال خللعوها")‪.‬‬

‫‪ )4‬المسجد‪ ....‬ليس مكانا لطقطقة المسابيح‬


‫المسجد في اإلسالم ليس مجرد مكان للكوع ولسجود وطقطقة المسابيح‪ .‬فذلك ما خطط له االستعمار وأقنعنا به نحن في‬
‫هذا العصر‪.‬‬
‫إنما المسجد هو أيضا مركب جامعي ومكان لمناقشة مشاغل الناس ومشاكلهم الحياتية واألخروية‪.‬‬
‫ونظرة منصفة إلى التاريخ تؤكد ذلك‪.‬‬
‫إن أول عمل بادر بإجنازه الرسول صلى اهلل عليه وسلم بطيبة‪ -‬املدينة املنورة‪ -‬هو وضعه حلجر األساس ألول‬
‫مسجد جامع هبا واملشاركة يف بنائه وجتهيزه‪.‬‬
‫وال خيفى على الدارس احلصيف أن الرسول إمنا أراد بعمله هذا أن يربط العباد خبالقهم من هذا املكان بعد أن غرس‬
‫فيهم بذور التوحيد وزين هلم اإلميان وحببه إليهم وشوقهم إىل الطاعات والعبادات‪ .‬فكان هذا املسجد النبوي البكر‬
‫مبثابة املكان "اللقيا" الذي يتجمع فيه املسلمون‪.‬‬
‫وكانت تربم داخله عناوين الفتوحات وتسوى فيه أمور الدولة وتفصل فيه قضايا ومشاغل األمة‪.‬‬
‫ومل يأخذ قط تلك الصبغة اإلدارية اجلافة اليت تردى فيها يف عصرنا احلاضر واملتمثلة يف فتحه وغلقه يف أوقات معينة‬
‫وحمدودة بعد أن كان‪ -‬يف أيام عزه‪ -‬مفتوحا على مصراعيه آناء الليل وأطراف النهار ال مينع من دخوله مسلم‪ t‬أيا‬
‫كان وكيف يغلق وهو منزل عابر السبيل وكلية التعليم ومنتدى التثقيف وجملس القضاء وخلوة الذكر والتسبيح ؟؟‬

‫أ) المسجد ׃ مركب جامعي‬


‫كان جامع "املنصور ببغداد" وهو اقدم جامع هبا اشهر مركز للتعليم يف اململكة اإلسالمية وقد أحصى املقدسي يف‬
‫تارخيه ( ص ‪ )205‬يف املسجد اجلامع بالقاهرة وقت العشاء مائة وعشرة من جمالس العلم أي مبصطلحاتنا املعاصرة‬
‫نقول ‪ 110‬كلية هذا بدون أن ننسى "األزهر" و"الزيتونة" و"عقبة"‪...‬‬
‫غري أن هذا مل يدم طويال لألسف " فقد كان تغري طريقة التعليم سببا يف إجياد نوع جديد من املؤسسات العلمية‬
‫ذلك انه ملا انتشرت طريقة التدريس نشأت املدارس ولعل من اكرب األسباب يف ذلك أن املساجد مل يكن حيسن‬
‫ختصيصها للتدريس‪ t‬مبا يتبعه من مناظرة وجدل قد خيرج بأصحاهبا أحيانا عن اآلداب اليت جتب مراعاهتا للمسجد‪.‬‬
‫فالقرن الرابع هجري كما يقول " آدم متز" يف كتابه عن احلضارة اإلسالمية ( ص‪ )336‬هو الذي اظهر هذه‬
‫املعاهد اجلديدة اليت بقيت إىل يومنا هذا‪.‬‬

‫ب) المسجد ׃ دار قضاء‬


‫يذكر صاحب األغاين ( ج‪ 10‬ص ‪ ) 123‬أن القاضي كان يف أول األمر جيلس يف مكان ال مينع أحد من املسلمني‬
‫من الدخول إليه وهو املسجد اجلامع حيث كان جيلس إىل اسطوانة من أساطني املسجد‪.‬‬
‫غري أن املعتضد ( سنة ‪ 279‬هجري) أمر أن ال يقعد القضاة يف املسجد حبجة أن جلوس القاضي يف املسجد يتناىف‬
‫مع ما جيب لبيوت اهلل من احلرمة‪.‬‬
‫أما يف عصرنا احلاضر فلم يبق للمسجد‪ t‬من اخلصوصيات وامليزات اليت كان يتمتع هبا قدميا واليت ذكرنا بعضها آنفا‬
‫‪ ...‬يف حاضر أيامه إال انه "مصلى"‪ t‬يفتح مخس مرات يف اليوم يلتقي عندها أعداد حمدودة ألداء الصالة‪.‬‬
‫والعجب يف ذلك إذا علمنا أن االستعمار ملا خطط إلسقاط األمة اإلسالمية كان مهه األساسي يستهدف تشويه‬
‫رسالة املسلم يف هذه احلياة وإضعاف دوره فيها واثباط فاعليته يف التمدن والتحضر وعرف انه لن ينجح يف ذلك إال‬
‫بتحقيق شرطني اثنني ׃‬
‫‪ -1‬متييع عالقة املسلم بكتابه‪ -‬القرآن‪ -‬وصرفه عن األخذ بآدابه والتحلي بأخالقياته والعمل بأحكامه والتناصح‬
‫بأوامره‪ .‬وهذا الشرط املاكر ال يؤيت أكله إال بتحقيق الثاين ׃‬
‫‪ -2‬تقزمي دور املسجد يف احلياة االجتماعية وهتميشه وحصر دوره يف جمال الركوع والسجود وطقطقة املسابيح‪...‬‬
‫ومن مث توىل‪ -‬االستعمار‪ -‬إجياد وبناء مؤسسات بديلة للتثقيف‪ t‬واللهو وخنق الفراغ حىت يستويل على اهتمام‬
‫املواطن املسلم ويزهده يف ارتياد املسجد‪.‬‬
‫واحلقيقة املرة أن هذه البدائل املائعة قد ضيعت على املواطن املسلم كثريا من فرص االستفادة احلقة والتلقي النافع‬
‫والرتبية القومية وهو ما ابطل فيه روح اإلبداع الواسع‪.‬‬
‫ونظرة منصفة إىل الواقع تبني بوضوح مدى جدوى وسلبية وسائل ومضامني هذه البدائل اليت استحوذت‬
‫باهتمامات الشباب وتبني أيضا مدى االحنطاط اخللقي والفساد الرتبوي الذي حصل عندما ختلى املسجد عن دوره‬
‫كمدرسة وكموجه‪.‬‬
‫وألهنم يدركون‪ -‬بالتجربة‪ -‬مدى خطر دور املسجد يف حتصني الفرد املسلم نرى األعداء (أعداء األمة اإلسالمية)‬
‫على اختالفهم خيططون بكل طرقهم ووسائلهم لتقليص دور املسجد ولو اقتضى األمر هدمه أو تشويهه‪ .‬واليك‬
‫بعض الشواهد׃‬
‫‪ -1‬يف روسيا الشيوعية مل يبق من مجلة ‪ 30‬ألف مسجد إال ‪ 30‬منها‪.‬‬
‫‪ -2‬جممع األحبار اإلسرائيلي شكل جلنة من ثالثة أعضاء متخصصني يف التلمود إلصدار فتوى حول جواز ممارسة‬
‫الطقوس الدينية اليهودية من فوق جبل املعبد الذي يطلقه اليهود على منطقة املسجد األقصى‪ ...‬وجتمع التقارير على‬
‫أن اهلدف الواضح من وراء ذلك هو هدم املسجد األقصى ومسجد‪ t‬إبراهيم برخصة تلمودية ( جملة األمة‪ -‬عدد‬
‫‪ -26‬ص ‪ )88‬ألهنم أيقنوا أن الفدائي الذي ينطلق من ثكنة املسجد ال ينهزم وال تقف أمامه قوة ما‪.‬‬

‫اهلوامش׃‬
‫(‪ )1‬فقرة حملمد فريد وجدي‪ -‬نقال عن كتاب "مسلمون وكفى"‪ -‬لعبد الكرمي اخلطيب‪ -‬ص ‪15/16‬‬
‫(‪" )2‬مسلمون وكفى" ‪-‬ص ‪38‬‬
‫(‪" )3‬الظالل "‪ -‬سيد‪ t‬قطب‪ -‬اجمللد األول‪ -‬ص ‪.402/ 401‬‬
‫(‪ " )4‬اإلسالم املفرتى عليه"‪ t-‬حممد‪ t‬الغزايل‬
‫(‪ )5‬ردة‪ -‬للندوي‬
‫(‪ )6‬منهج جديد يف الرتبية والتعليم‪ -‬املودودي‬
‫المسلمون وضرورة الوعي التاريخي‬

‫تعتبر الصحوة اإلسالمية المباركة مرشحة حضاريا قبل غيرها للقيام بدورين جد بالغين׃‬
‫األول دور" المنقذ من الضالل" للبشرية المصفوعة بمادية الغرب الملحد وجشع الصهيونية العالمية المدمرة‪.‬‬
‫والثاني ׃ دور "المنقذ من التخلف والتبعية" للمسلمين الذين تعصف بهم أطماع الشرق والغرب وتتربص بهم‬
‫القوى الغاضبة والحاقدة وتخطط لتقليص دورهم في حركة التاريخ بإذابة فاعليتهم ونشر األمية المثلثة في‬
‫وعيهم بدءا باألمية التاريخية فالدينية فالعقلية‪.‬‬

‫‪ )1‬تعميق البناء الداخلي وبعث الوعي التاريخي‬


‫إال أن هذين الدورين اجلليلني والثقيلني‪ -‬لكي يؤتيا نتائجهما املنشودة ويرتقيا إىل مستوى التأثري والفاعلية‬
‫‪-‬مشروطان أساسا بتحقيق عاملني هامني ׃ أن يكون املسلمون‪ t‬أبناء هذه الصحوة املباركة على مستوى الرسالة‬
‫اليت حيملوهنا وجياهدون من اجلها ويف الوقت نفسه أن يكونوا على مستوى العصر الذي فيه يعيشون‪ t‬عصر الوعي‬
‫والعلم والتقنية‪.‬‬
‫ولتحقيق العامل األول نرى وجوب تعميق البناء الداخلي والشامل للفرد املسلم وبعث الشخصية اإلسالمية الفذة يف‬
‫بعدها العقائدي السليم وتكوينها الشرعي والعلمي املوسوعي وفاعليتها املبدعة وواقعيتها اإلجيابية‪.‬‬
‫وأما عن العامل الثاين فنرى ضرورة بعث الوعي التارخيي واحلضاري عموما مع حذق أسباب النهوض وأساليب‬
‫التحدي احلضاري فكرا وثقافة وتقنية وفقه كل ما من شانه أن يعني على توثيق ارتباط املسلم بالسنن الكونية‬
‫واالجتماعية حىت يستعيد فاعليته وقدرته على التغيري والبناء وتنتفي العشوائية من حركته واالهنزامية من مواقفه ׃ "‬
‫ذلك أن اإلنسان املسلم عرب مسريته التارخيية وال سيما يف القرون األخرية قد فقد كثريا من مقومات شخصيته بفعل‬
‫عوامل االحتكاك احلضارية اليت واجهته وهو يف حالة ال تؤهله لالستجابة املالئمة للتحدي احلضاري‪ ...‬مث إن املسلم‬
‫يف مراحل انزالقه قد انفك ارتباطه بالسنن الكونية واالجتماعية وسرعان ما وجد أشباه فالسفة ومتصوفني يقدمون‪t‬‬
‫له التربيرات املطلوبة لفك ارتباطه باحلركة الكونية وللسري عشوائيا على ارض التاريخ فهو يتحرك دون وعي مسبق‬
‫يتحرك غريزيا‪ ( "...‬جملة منار اإلسالم‪ -‬العدد‪ -11‬السنة ‪- 5‬ص ‪ )56‬مما يوجب ضرورة بعث الوعي التارخيي‬
‫كما أشرت قبل قليل مع تفهم طبيعة الواقع الذايت واملوضوعي من خالل الرتكيز اجلاد على القراءة املتفهمة‬
‫لألحداث وتدبر السنن املؤثرة واملسرية حلركة التاريخ‪ ..‬لدى شبابنا اإلسالمي يف إطار الرتشيد الثقايف وتعميق الرتبية‬
‫وتأصيل التعليم ‪...‬‬
‫فماذا نعين بالوعي التارخيي ؟ مث ما هي املربرات الذاتية واملوضوعية اليت تلح على اكتسابه والتعامل والتحرك من‬
‫خالله ؟‬

‫‪ )2‬معنى الوعي التاريخي‪...‬‬


‫الوعي التارخيي نعين به ׃ ذلك التبصر الدائم واهلادف بالتاريخ القريب والبعيد الذايت واملوضوعي احلاصل‪ -‬أي‬
‫التبصر‪ -‬من غالل التوغل املركز يف قراءة صفحات التجارب البشرية الكثرية واملتنوعة وفحصها وتدبر أبعادها‬
‫وخلفياهتا واكتشاف املؤثرات والسنن اليت سامهت يف بعثها وإجيادها قصد التزود واالعتبار وحماولة تفهم األسس‬
‫السيكولوجية للكثري من األحداث والصراعات واالنفعاالت والتأثريات واحلروب‪ ...‬احلاصلة واملتولدة عرب األيام يف‬
‫تاريخ البشرية احلافل والطويل‪.‬‬

‫‪ )3‬قيمة الوعي التاريخي‪....‬‬


‫وقيمة الوعي التارخيي هبذا املفهوم‪ t‬ترجع أساسا إىل كون علم التاريخ ومعرفته جتربة وعربة أو كما يعرب عنه عالمتنا‬
‫ابن خلدون ׃ " فن التاريخ فن عزيز املذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال املاضني من األمم‬
‫يف أخالقهم واألنبياء يف سريهم وامللوك يف دوهلم وسياستهم حىت تتم فائدة االقتداء يف ذلك ملن يرومه يف أحوال‬
‫الدين والدنيا‪ ( "...‬املقدمة‪ )13 -‬ذلك أن التاريخ يف حقيقته " خرب عن االجتماع اإلنساين الذي هو عمران العامل‬
‫وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من األحوال" ( املقدمة‪)57 -‬‬
‫مث يف كونه أيضا " جتربة عطاء يف شىت جماالت املعرفة واحلركة اإلنسانية ‪ ...‬وانه حصيلة سنن حتكم الطبيعة‬
‫واإلنسان والعامل" ( يف النقد اإلسالمي املعاصر ‪ 123‬للدكتور عماد الدين خليل)ومن هنا نرى القرآن الكرمي يويل‬
‫املسألة التارخيية أمهية كربى‪.‬‬

‫‪ )4‬القرآن الكريم والدعوة إلى التبصر والتاريخ‬


‫كثريا ما يؤكد القرآن العظيم وهو الكتاب احلق واخلالد على ضرورة الوعي التارخيي ويدعو املسلمني إىل التبصر‬
‫اجلاد واملستمر بأحوال األولني والتمعن يف سريهم لالعتبار واالتعاظ مبا جرى هلم حىت ال تتكرر األخطاء وحىت‬
‫يتجنبوا مزالق التيه والضالل اليت وقع فيها من سبقهم من األمم ومن مث لينقذوا أنفسهم والبشرية من حوهلم مبا اهنم‬
‫شهداء عليها من سوء العذاب وخسران املصري‪.‬‬
‫كما أوضح هلم اكثر من مرة أن السنن املسرية حلركة التاريخ ال تقتصر على شعب دون شعب وال على إقليم دون‬
‫آخر حىت يأخذوا حذرهم‪.‬‬
‫فاملسائل التارخيية‪ -‬إذن‪ -‬املتعلقة بالشعوب السابقة ومبصري األمم وأحواهلا وعالقاهتا احلضارية مث أسباب سقوطها‪...‬‬
‫واهنيار احلضارات السالفة متوافرة ومطروحة يف القرآن الكرمي بشكل بارز ׃ "‪ ...‬إن آياته البينات ترحل باملؤمنني‬
‫عرب كل تالوة يف جمرى الزمن وحتكي هلم عن وقائع التاريخ املزدمحة وأحداثه املتالحقة ومعطياته املتمخضة عن القيم‬
‫والعرب والدالالت‪ ...‬ومعظم سور القرآن تضرب على الوتر نفسه فال تكاد ختلو من واقعة تارخيية أو حدث ماض‬
‫أو دعوة الستلهام املغزى من هذه التجربة أو تلك ‪ ..‬إن االمتداد الذهين والوجداين إىل املاضي يشكل مساحة‬
‫واسعة يف كتاب اهلل‪ ( "..‬األمة‪ -‬العدد‪ 18 -‬ص‪)8‬‬
‫وهذا ال يعين أن القرآن كتاب تاريخ أو مدونة تارخيية ذلك أن كلمة التاريخ مل تذكر ال يف القرآن وال يف السنة‬
‫‪-‬كما يؤكد العالمة عالل الفاسي‪ -‬و إن قص علينا القرآن قصصا لألولني ال لنعتربها تارخيا بأوقاهتا وظروفها‬
‫ولكن لنتعظ مبا فيها من عربة ألويل األلباب‪.‬‬
‫قال تعاىل ׃ (( أمل يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم يف األرض ما مل منكن لكم وأرسلنا السماء عليهم‬
‫مدرارا وجعلنا األهنار جتري من حتتهم فأهلكناهم بذنوهبم و أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين)) ( األنعام ‪.)6‬‬
‫وقال أيضا ׃ (( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم اشد منهم بطشا فنقًبوا يف البالد هل من حميص‪ .‬إن يف ذلك لذكرى‬
‫ملن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)) ( ق ‪)36/37‬‬
‫وقد عرض القرآن الكرمي املرتكزات األساسية هلذه السنن وطلب النظر والتبصر والسري يف األرض وحتقيق العربة‬
‫واالعتبار بأحوال األمم السابقة وسبب انقراضها وتداعيها لتكون األمة اليت حتمل الرسالة اخلامتة على بينة من أمرها‬
‫وبصرية مبوضع أقدامها ومعرفة بأعدائها‪ (...‬األمة‪ -‬العدد‪- 25 -‬ص‪.)5‬‬
‫وهكذا فإن الدارس للسور القرآنية مكيها ومدنيها يالحظ يف جالء عددا هائال من اآليات املتمحورة حول القصص‬
‫واحلافلة بالعروض التارخيية املتنوعة واهلادفة أساسا إىل ׃ "إثارة الفكر البشري ودفعه إىل التساؤل الدائم والدائب عن‬
‫احلق وتقدمي خالصات التجارب البشرية عربا يسري على هديها أولوا األلباب‪ .‬وإزاحة ستار الغفلة‪ t‬والنسيان يف نفس‬
‫اإلنسان وصقل ذاكرته وقدرته على املقاومة لكي تظل يف مقدمة‪ t‬قواه الفعالة اليت هو بأمس احلاجة إىل تفجري‬
‫طاقاهتا دوما" ( التفسري اإلسالمي للتاريخ‪ -‬ص ‪ -106‬للدكتور عماد الدين خليل) وقد دعانا القرآن اكثر من مرة‬
‫عند سرده وعرضه للواقعة التارخيية إىل ׃" تأملها واعتماد مدلوالهتا يف أفعالنا الراهنة ونزوعنا املستقبلي"‪ ( .‬التفسري‬
‫اإلسالمي للتاريخ‪ -‬ص ‪)97‬‬

‫‪ )5‬الرسول صلى اهلل عليه وسلم والتاريخ‪...‬‬


‫وقد حنا الرسول صلى اهلل عليه وسلم املنحى القرآين يف الدعوة إىل االعتبار باألولني واخذ املوعظة من جتارهبم‬
‫وذلك عند توظيفه للحدث املاضي ضمن قصص حية مرغبة ومرهبة آمرة وناهية حىت لقد اشتملت األحاديث‬
‫النبوية الشريفة على أربع وأربعني قصة تارخيية تضم قصصا عن الرسل واألنبياء وغريهم مثل قصة "أصحاب‬
‫األخدود" و"الثالثة املبتلون" و"أصحاب الغار" وهذا ال يعين أن الرسول صلى اهلل عليه وسلم كان مؤرخا أو مدونا‬
‫للتاريخ بإيراده هذا العدد اهلائل من القصص التارخيي وإمنا أراد أن يضع للمسلمني اإلطار الذي عليهم أن ميلؤوه مبا‬
‫يكتشفونه من أحداث وما يصنعونه من عمليات‪.‬‬

‫‪ )6‬التاريخ في نظر المسلم‪....‬‬


‫التاريخ يف نظر املسلم حسب تعبري " ولفرد كانتول مسيث" سجل احملاوالت البشرية الدائمة لتحقيق ملكوت اهلل يف‬
‫األرض ومن مث فكل عمل وكل شعور فرديا كان أو اجتماعيا ذو أمهية بالغة ألن احلاضر هو نتيجة املاضي‬
‫واملستقبل متوقف على احلاضر‪...‬‬
‫واإلنسان يف التصور اإلسالمي يشكل حمور فلسفة‪ t‬التاريخ ׃ "حبيث يصبح التاريخ اإلنساين من صنع اإلنسان‬
‫وبالتايل إبراز قدرة اإلنسان على صنع مصريه دون أن يتعارض ذلك مع قدرة اهلل على اخللق وما دام اإلنسان يصنع‬
‫تارخيه بنفسه فاألوىل به أن يعي هذا التاريخ وحياول تدبر علل ظواهره " ( سوسيولوجيا الفكر اإلسالمي‪ -‬ص‬
‫‪ -238‬للدكتور حممود إمساعيل) ذلك أن اجلربية غري موجودة يف اإلسالم‪ -‬كما يقول العالمة عالل الفاسي‪ -‬ألن‬
‫اإلنسان ليس خارج التاريخ بل هو من عوامله الداخلية والفاعلة واملفتعلة وليست عمليات التاريخ دون غاية‪.‬‬
‫وهذا ما جيعل اإلنسان املسلم اشد اهتماما بالتاريخ من غريه فهو على خالف املاركسي الذي يؤمن حبتمية التاريخ‬
‫وبالتايل يتبع عجلة التاريخ دون أن يوجهها أو يؤثر فيها مث هو أيضا على خالف النصراين الذي يرى يف التاريخ‬
‫نقطة الضعف البشري وسجل االحنرافات البشرية ‪.‬‬
‫ومن هنا احتل الفكر التارخيي مكانة مرموقة يف الثقافة اإلسالمية سواء يف التكوين الثقايف للرجل املسلم أو يف احلياة‬
‫االجتماعية واألدب أو يف النشاطات السياسية‪ ...‬وهو يتخذ أشكاال متنوعة من سري حياة وبالدرجة األوىل حياة‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم ومعاجم سري وسجالت مدن أو سالالت ووقائع وقصص‪...‬‬
‫وباختصار نريد أن نقول والعبارة للباحث ولفرد كانتول مسيث ׃" أن املسلم حيس إحساسا جادا بالتاريخ انه يؤمن‬
‫بأن اهلل قد وضع نظاما عمليا واقعيا يسري البشر يف األرض على مقتضاه وحياول دائما أن يصوغ واقع األرض يف‬
‫إطاره ومن مث فهو دائما يعيش كل عمل فردي أو اجتماعي وكل شعور فردي أو اجتماعي مبقدار قربه أو بعده من‬
‫ذلك النظام الذي وضعه اهلل والذي ينبغي حتقيقه يف واقع األرض ألنه قابل للتحقيق‪ ( "...‬اإلسالم والعامل املعاصر‪-‬‬
‫‪ -163‬لألستاذ أنور اجلندي)‬
‫فأين حنن من هذا اإلحساس ؟؟‬

‫‪ )7‬هل وعينا التاريخ ؟‬


‫لنصارح أنفسنا فنبادر باإلجابة ׃ ال‪ ..‬مل نع بعد تارخينا ألننا يف احلقيقة مل نشغل أنفسنا بعد بالبحث اجلازم يف هذه‬
‫القضية رغم حساسيتها وأمهيتها وذلك ناتج‪ -‬رمبا‪ -‬من جتاهلنا وعدم وعينا خبطورة تغييبها عن حسنا وتفكرينا فيما‬
‫وننظر وكذلك عدم إدراكنا ملدى مسامهتها وانعكاساهتا‪ -‬سلبا وإجيابا‪ -‬على حركتنا وممارستنا ومن‬ ‫خنطط وندرس ّ‬
‫هنا فيجب علينا أن ال خنجل من القول بأننا نعاين جفافا يف التعامل مع التاريخ وإال فبماذا تفسر مالمح ختلفنا يف‬
‫شىت اجملاالت وسلسلة اهلزائم والنكسات اليت تكبدناها إبان املواجهات العسكرية واجلوالت السياسية جتاه أعدائنا‬
‫من يهود وصليبيني وغريهم ؟؟ فقد اكتفينا‪ -‬أو باألصح اكتفى الذين يسطرون سياستنا التعليمية والساهرون ( ؟)‬
‫على مواردنا التثقيفية والرتبوية والتعليمية‪ -‬بالسرد السطحي اجلاف واملسلي لألحداث التارخيية والتلميح اهلزيل‬
‫شرقيه وغربيّه بينما نرى الغرب قد جنح‪ -‬بذكائه‬
‫واملعتم إىل األساس السيكولوجي لصراعنا وتعاملنا مع الغرب ّ‬
‫املاكر‪ -‬يف توظيف احلدث التارخيي خلدمة أغراضه رغم خبثها ودناءهتا׃ "‪ ..‬فخيال احلروب الصليبية‪ -‬اليت نتج عنها‬
‫تسمم العقل الغريب ضد العامل اإلسالمي ‪-‬ال يزال يرفرف فوق الغرب حىت يومنا هذا ‪ .‬كما أن مجيع اجتاهاهتا‬
‫وإرجاعها حنو اإلسالم والعامل اإلسالمي ال تزال حتمل آثارا واضحة جلية من ذلك الشبح العنيد اخلالد "‬

‫‪ )8‬اليهود ومدى الحرص على التاريخ‪...‬‬


‫وأما اليهود فقد أدركوا الدور اخلطري الذي يلعبه التاريخ يف حاضر الشعوب ومستقبلها ومدى اإلسهام والعطاء‬
‫الذي مينحه وعي احلدث التارخيي وفقه أبعاده ملن يهتم به ‪..‬ذلك أن التاريخ هو مبثابة ذاكرة األمة‪ ..‬وبقدر ما تسلم‬
‫لألمة ذاكرهتا وحتسن التعامل معها بقدر ما ميتد تأثريها وتربز قدراهتا وتقوى شخصيتها‪.‬‬
‫وهلذا فإن اليهود وهم أساتذة املكر املدروس‪ t‬قد ركزوا كثريا على التاريخ احتواء وتشويها خاصة يف إطار املناهج‬
‫التعليمية والرتبوية اليت حرصوا منذ وقت مبكر على احتوائها وتوجيهها تنفيذا ألغراضهم العدوانية وهذه الشواهد‬
‫الصارخة من بروتوكوالهتم السامة خري دليل على ذلك ‪ ..‬فقد جاء يف الربوتوكول السادس عشر ׃ "‪ ....‬سنتقدم‬
‫بدراسة مشكالت املستقبل بدال من الكالسيكيات وبدراسة التاريخ القدمي الذي يشتمل على مثل سيئة اكثر من‬
‫اشتماله على مثل حسنة وسنطمس يف ذاكرة اإلنسان العصور‪ t‬املاضية اليت تكون شؤما علينا وال نرتك إال احلقائق‬
‫اليت ستظهر أخطاء احلكومات يف ألوان قامتة‪."...‬‬
‫وجاء يف الربوتوكول الرابع عشر ׃ "‪...‬وسنوجه عناية خاصة إىل األخطاء التارخيية للحكومات األممية اليت عذبت‬
‫اإلنسانية خالل قرون كثرية جدا‪ "...‬أي أن اليهود سيدرسون‪ t‬للشباب صفحات التاريخ السوداء ليعرفوهم أن‬
‫الشعوب عندما كانت حمكومة بالنظم القدمية كانت حياهتا سيئة وال يدرسون هلم الفرتات اليت كانت فيها الشعوب‬
‫سعيدة لكي يقنعوهم هبذه الدراسة الزائفة الكاذبة أن النظام اجلديد افضل من القدمي‪.‬‬
‫وكانت عناية اليهود مركزة بصفة أدق وامشل على التاريخ اإلسالمي قصد تشويه حقائقه أو تقزميها وتضخيم نقاطه‬
‫السوداء إن وجدت وإال فاختالقها وإلصاقها به سهل يسري على أرباب املكر والدهاء وهلذا فقد خصت الصهيونية‬
‫العاملية مؤمتر " بلتيمور" يف الواليات املتحدة من اجل تزييف تاريخ اإلسالم وإثارة اجلدل حول قضايا الشعوبية‬
‫والباطنية وتوظيف بعض املواقف اهلدامة يف التاريخ إلضفاء مصطلحات عصرية "مغلفة" عليها كما فعلت يف‬
‫وصفها حلركة "القرامطة" بأهنا متثل حركة العدل االجتماعي وحركة الزنج اليت استغلها دعاة التفسري املادي وهم‬
‫يهود طبعا ألن جدهم ماركس يهودي وأبرزوها يف ثوب "حركة ثورية تقدمية بروليتارية" ‪ ...‬وغريها كثري ( منار‬
‫اإلسالم العدد ‪ 5‬السنة ‪ 7‬ص‪)103‬‬
‫وقد وجد هؤالء اليهود وغريهم من أعداء اإلسالم ‪ ...‬من القيادات الفكرية التغريرية والرموز الثقافية واإلعالمية يف‬
‫العامل العريب واإلسالمي مساعدات جمانية مشجعة على مستوى التأليف والدعاية والنشر‪....‬‬
‫هذه باختصار بعض مالمح احلرص اليهودي على تشويه ذاكرة األمم مبسخ تارخيها وتزييفه وتعتيمه وأما على‬
‫املستوى اآلخر‪ ..‬الذايت الداخلي لليهود فاألمر جد خمتلف فالربامج التعليمية اخلاصة باليهود تركز يف جانب كبري‬
‫منها على بعث احلس التارخيي والعقيدي‪ t‬وجتذيرمها يف النشء اليهودي‪...‬فأول كلمة يتعلمها الطفل اليهودي ضمن‬
‫حمفوظاته اليومية يف دور احلضانة هلا حس تارخيي " أورشليم حبيبيت" مث حني يشب األطفال عندهم يدرسون‪ t‬بدقة‬
‫وتفصيل وإحكام تاريخ الشعب اإلسرائيلي ׃ شعب اهلل املختار على األرض‪..‬؟؟‪ ...‬وحني يذهب شباهبم إىل‬
‫اجلامعات يستمرون يف تعميق تعاليم دينهم وأجماد تارخيهم يف دروس يومية ال هوادة فيها‪.‬‬
‫فأين حنن من هذا ؟؟‬

‫وبعد‪...‬‬
‫فخالصة القول من كل ما أوردناه تتلخص كآاليت ׃‬
‫أوال ׃ جيب علينا أن نضع حدا للجفاف الذي يصبغ تعاملنا مع التاريخ وان جندد رؤيتنا وفهمنا ودراستنا لتارخينا‬
‫اإلسالمي وان نعمل على إجياد صيغ سليمة ومتينة متكننا من التفاعل اهلادف مع التاريخ ومن التزود الواعي‬
‫واملستمر من معينه اخلصب‪ ...‬وهذا لن حيصل إال من خالل دراسة عميقة واعية ومتكاملة‪ t‬للتاريخ اإلسالمي ׃‬
‫"‪....‬إن دراسة تاريخ اإلسالم يف هذه املرحلة من حياتنا ضرورة ال سبيل إىل جتاوزها لفهم‪ t‬األحداث وتطور‬
‫اجملتمع وملعرفة مكان العامل اإلسالمي واألمة العربية من احلضارة العصرية‪ .‬فإن نظرتنا إىل األحداث ال تصدق إال إذا‬
‫قامت يف ظل مفهوم شامل ويف إطار تاريخ اإلسالم نفسه كما أن اتصالنا بالغرب اليوم جيب أن يقوم على مفهوم‪t‬‬
‫مرحلة هي ׃ رد فعل ملرحلة قد سبقتها حبسبان أن هذه احلضارة العصرية الغربية ليست منفصلة‪ t‬عن عامل اإلسالم‬
‫وإمنا قامت قواعدها على املنهج التجرييب اإلسالمي وعلى بناء صاغه العلماء املسلمون‪ t‬فنحن حني نتصل هبا اليوم ال‬
‫نكوم غرباء عن جذورها فهي ملك للبشرية كلها اليت صاغتها وشاركت يف تكوين جوانبها املختلفة‪ ( "...‬اإلسالم‬
‫وحركة التاريخ‪ -485 -‬لألستاذ أنور اجلندي)‪.‬‬
‫وثانيا ׃ جيب أن يتأكد لدينا أن قضية الوعي التارخيي أصبحت ضرورية بل مصريية يتحتم علينا أن نوليها اهتماما‬
‫بالغا وعناية فائقة ال على مستوى الرتف الفكري بتكديس الدراسات وحتبري املقاالت ولكن‪ -‬وهذا هو األهم‪-‬‬
‫على مستوى الوعي والرتبية واحلركة وعلى مستوى التعامل واملمارسات اليومية وهذا لن يتيسر إال ببعث سياسة‬
‫تعليمية وتربوية متأصلة تركز على بعث الوعي التارخيي اهلادف وتعميق البعد العقيدي يف براجمها على طول املراحل‬
‫التعليمية بدءا برياض األطفال وانتهاء بالتعليم العايل ويرادفها‪ -‬أي هذه السياسة التعليمية‪ -‬جهاز ثقايف وإعالمي يف‬
‫مستوى العصر جتهيزا وتقنية يؤثر وال يتأثر ويتوخى الصدق والعلمية واملوضوعية يف كل أعماله‪.‬‬
‫وبذلك حسب‪ -‬رأيي‪ -‬نتمكن من جتاوز كثري من العوائق املادية واملعنوية اليت حتول دون حتقيق أهدافنا وغاياتنا׃‬
‫من نشر الدعوة اإلسالمية مبا فيها من خري وأمن وعدل لإلنسانية ‪ ...‬إىل إقامة اجملتمع اإلسالمي املنشود الذي هو‬
‫أمل البشرية وربيعها املنتظر‪...‬‬
‫تعاملنا مع الحضارة الغربية‬
‫هل الحضارة تكديس لألشياء وتجميع للمنتجات وإحصائيات للمبتكرات والمستحدثات ؟؟ أم هي بناء‬
‫وهندسة وتصميم وتوجيه للطاقات واإلبداعات ورقي مستمر للخلق والقيم السامية ؟‬
‫إن المجتمع الذي يكتفي بأن يستورد حضارة من الخارج ثم يجهد نفسه في تركيبها وتجميعها دون االتكاء‬
‫الواعي على أصالته والتمسك بجذوره ودونما استعدادات ذكية وعمل جزمي على تغيير الفكر والتفكير‬
‫وتثبيت األسس الصالحة والقواعد السليمة والنابعة من ترابه الثقافي والتاريخي‪ ...‬مثل هذا المجتمع ال‬
‫يستطيع يوما أن يصبح ذا حضارة‪.‬‬
‫إذ أن احلضارة والثقافة بضاعة ال تصدر وال تستورد ‪ ..‬ليست احلضارة والثقافة يف الراديو والتلفزة والثالجة تنقل‬
‫من هناك إىل هنا مث توصل بالكهرباء فتعمل ‪.‬احلضارة والثقافة يوجدان بإعداد األرض والعمل فيها بصرب ودراسة‬
‫وجوه وباختبار البذور‪ ...‬إن‬
‫ووعي ومعرفة بتغيري اإلنسان وتغيري الفكر مع معرفة أرضية املكان الذي يعيش فيه ً‬
‫احلضارة اليت تصدر وتستورد عبارة عن تكرار مستمر خلدعة تستلفت األنظار لكنها خادعة كاذبة وال تصل إىل‬
‫نتيجة أبدا " (‪.)1‬‬

‫وهذا ما وقعت فيه اجملتمعات العربية واإلسالمية على السواء حني انتهجت سبيل هذا الظن اخلاطئ يف استرياد‬
‫احلضارة لقد ضيعت بذلك فرصة بناء أو باألحرى فرصة استئناف وإعادة بناء حضارة إسالمية ذاتية ‪ ...‬ذلك انه‬
‫حينما وقع التفاعل بني العامل الغريب املتحضر والعامل العريب اإلسالمي‪ ...‬وجد العريب املسلم نفسه أمام واجهة‬
‫حضارية فتانة أهبرته وملكت عليه لبه وسلبته عقله واستولت على تفكريه ووجدانه فلم يتمالك نفسه أن ارمتى يف‬
‫أحضاهنا ارمتاء اليتيم الضائع يف أول حضن مفتوح قابله حىت صاح امحد باي‪ -‬باي تونس‪ -‬يف غمرة نشوته عند‬
‫رحلته األوىل إىل فرنسا "باريس وما أدراك ما باريس‪ ..‬ليت هذا عندنا بتونس ليت هذا عندنا بتونس"‪ .‬وصرخ‬
‫رفاعة الطهطاوي من كل أعماقه " لقد سبقونا إىل احلضارة حىت صارت من طباعهم‪ ...‬سوف القي عماميت واحب‬
‫فرنسا"‬
‫ويف هذا اإلطار الواهي زمن خالل ذلك املفهوم‪ t‬الضيق املهزوم بدأت رحلة التعامل الغيب بني اجملتمعات اإلسالمية‬
‫والغرب املتبجح حبضارته‪ ...‬وامتد هذا التعامل حىت مشل جماالت الفكر والثقافة واملادة‪....‬‬

‫‪ )1‬على الصعيد الفكري‬


‫لقد ظلت اجملتمعات العربية اإلسالمية رازحة حتت ثقل االستعمار الغريب احلاقد ردحا من الزمن فكانت بذلك متثل‬
‫دور املستضعف املغلوب واملغلوب كما قال العالمة عبد الرمحان بن خلدون "‪....‬مولع باالقتداء بالغالب يف شعاره‬
‫وزيه وحنلته وسائر أحواله وعوائده" وهذه الظاهرة معروفة يف االصطالح احلديث "بقانون التكيف"‪.‬‬
‫ولكي تتبلور لنا مأساة تعاملنا الفكري‪ -‬اخلاطئ‪ -‬مع الفكر الغريب فمن الالزم تبيان بعض خصائص ومواصفات‬
‫هذا الفكر‪ ..‬إن له أربع ميزات مركزية فهو فكر علماين‪ -‬مادي ‪-‬قومي‪ -‬علماوي وهي مواصفات جاءت كرد‬
‫فعل منطقي وطبيعي ملا كانت عليه احلالة االجتماعية يف أوروبا فيما قبل ما يسمى بعصر النهضة‪.‬‬
‫" فمادية الفكر الغريب مل تكن مادية فيلسوف يضع الدنيا واألرض والسماء واملبادئ الفكرية قيد حبثه مث مييل إىل‬
‫املادية بل على العكس من ذلك جندها رد فعل طبيعي لألوضاع االجتماعية اليت كانت سائدة يف القرون ‪-14‬‬
‫‪. 16 -15‬أي مادية طبقة أهل الفكر يف أوروبا تعد رد فعل طبيعي جدا ومنطقي لإلفراط يف الروحانيات وامليل‬
‫‪-‬املنحرف‪ -‬إىل اآلخرة ‪ ...‬الذي كان سائدا يف جمتمعاهتا " (‪ )2‬يقول العالمة "جودي" أستاذ الفلسفة اإلجنليزية يف‬
‫كتابه " سخافات املدنية احلديثة" ׃ " إن املدنية احلديثة ليس فيها توازن بني القوة واألخالق ومنذ النهضة ظل العلم‬
‫يف ارتقاء واألخالق يف احنطاط وقد غلب على الفكر الغريب طابع التحرر املطلق يف جمال اجملتمع واملرأة والفن‪ ".‬وال‬
‫شك أن هذه احلركات كانت ردة فعل أكيد ملفاهيم املسيحية الغربية يف األخالق هذه املفاهيم اليت قامت على‬
‫أساس احلرمان والرهبنة وتعذيب األجساد ملا يعوق الفطرة مما خلف انفجارا طاغيا يف الدعوة إىل التحرر فالتحلل‪.‬‬
‫وهذا ما يؤكد ويربهن على أن احلضارة الغربية كلما امتدت وانتشرت إال وانتشرت معها الرذيلة وامتد معها‬
‫االحنالل وامليوعة والبغض‪.‬‬
‫فاملفكر العريب عندما يتعامل مع الفكر "الغالب" يف جانبه املادي يبدو شاذا وغبيا يف نفس الوقت ‪ ..‬ذلك أن املناخ‬
‫االجتماعي والديين الذي يتقلب يف أعطافه املسلم ال يقر الرهبانية اليت اصطدم هبا الفكر الغريب وال يعزل اإلنسان‬
‫عن طيبات الرزق بل هو مناخ له منهاجه احليايت والتوجيهي اخلاص والذي يضع اإلنسان يف مكانه احلق من حيث‬
‫هو بشر له مطالبه وحاجاته الروحية والرتابية دومنا غمط جانب على حساب جانب آخر‪.‬‬
‫مث إن القرآن على ‪-‬خالف النصرانية‪ -‬قد قرر أن احلياة البشرية ذات معىن و أن اإلنسان هو حمور فلسفة التاريخ‬
‫والقرآن ال يعترب الزاد إىل اآلخرة يف احلرمان والتعذيب والرضوخ‪ .‬واإلسالم‪ -‬كما قال حممد أسد‪" -‬ينظر إىل احلياة‬
‫هبدوء واحرتام ولكنه ال يعبدها والنجاح املادي مرغوب فيه ولكنه ليس غاية يف ذاته بل يقود اإلنسان حنو التبعية‬
‫األدبية يف كل ما يعمل والغاية من مجيع نشاطنا العملي جيب أن تكون خلقية" ‪.‬‬
‫وأما علمانية هذا الفكر "املتحضر" ونبذه للدين نبذا ساخرا حاقدا وركله لكل مقوماته وتعاليمه فهي أيضا جاءت‬
‫كرد فعل لتسلط الكنيسة وحتجرها واستبداد رجاالهتا وانغالقهم وجهاالهتم احلمقاء وحماربتهم‪ -‬باسم الدين‪ -‬لكل‬
‫اإلبداعات العلمية والفكرية وتصديهم الغيب واإلجرامي للخلق‪ t‬العلمي والتجارب واالستكشافات اخلارقة ملفاهيمهم‬
‫واملقوضة لتصوراهتم ومعتقداهتم ولعل إعدام "قاليلي" اشهرها وهو ليس بوحيدها‪.‬‬
‫ومن هنا نفهم عقدة الرفض يف موقف أوروبا من العطاء احلضاري اإلسالمي " فلقد‪ t‬أراد اإلسالم( كما يقول أنور‬
‫اجلندي) أن يهدي إىل أوروبا هدية اإلميان وهدية العلم ولكن أوروبا قبلت هدية العلم ورفضت هدية اإلميان وكان‬
‫هذا مصدر‪ t‬شقائها ومتاعبها" (‪)3‬‬

‫غري انه يبدو للدارس‪ t‬املتعمق للحضارة الغربية واملتمعن يف أي شيء من أشيائها أن البعد الديين مازال مسترتا وحافزا‬
‫للكثري من إبداعاهتا‪ .‬يقول املفكر " هرمان دي كيسرلنج" يف كتابه "البحث التحليلي ألوروبا" ׃ "كان اعظم ارتكز‬
‫حضارة أوروبا على روحها الدينية وتفسر هذه الروح بذلك العامل االجتماعي‪..‬ذلك الشعور يف اإلنسان والذي‬
‫تصدر عنه خمرتعاته وتصوراته وتبليغه لرسالته‪".‬‬
‫وبصرف النظر عن كل ذلك فإن اهلوة تبدو واسعة‪ -‬لو متعنا‪ -‬بني نبذنا ونبذهم للدين‪ .‬يقول حممد عبده ׃"أولئك‬
‫نبذوا الدين فنالوا احلرية والسيادة والسيطرة على العامل وحنن نبذناه فمنينا بالذلة‪ t‬واالنقسام والتفرقة واالحنطاط‬
‫واالستعداد لقبول كل ما ميلى علينا وجنرب عليه ويلقى أمامنا‪ ..‬ذلك أن فصل الدين عن الدولة نغمة ولدت يف‬
‫الغرب للخالص من القيود الكنيسية على حرية العقل والضمري مث نقلت إىل الشرق كي متهد العقبات أمام الزحف‬
‫االستعماري وهتدد قالع املقاومة اهلائلة اليت ثارت يف وجهه أي أهنا فشت هناك للحد من طغيان رجال الدين‬
‫وتعالت هنا هلدم دين كامل واإلتيان على بنيانه من القواعد" (‪.)4‬‬
‫" وأول ما فعله املفكر يف اجملتمع اإلسالمي والشرقي هو مقاومة الدين ׃ كان يف مثار مقاومة الدين يف أوروبا حرية‬
‫الفكر والنضج الفكري واملدنية املزدهرة وأنواع التقدم العلمي‪ t‬السريع واملدهش يف كل جماالت احلياة ‪ .‬لكن نفس‬
‫هذا األمر عندنا‪ -‬أي مقاومة الدين يف اجملتمعات اإلسالمية‪ -‬كانت أوىل مثارها وأسرعها وافدحها هي حتطيم السد‬
‫الذي كان يقف حائال يف وجه النفوذ اإلمربيايل واالحنطاط الفكري"‪)5( .‬‬

‫مث إن هناك مفارقة أخرى جيب أن ال هتمل وهي أن النصراين ال يستسهل ترك دينه إال إذا صار عاملا وذلك للتناقض‬
‫احلاصل الذي يلحظه بني استنتاجات العلم وتعاليم دينه احملرف خبالف املسلم فانه ال يهمل دينه وال يتقاعس عن‬
‫أداء فرائضه والتزاماته الدينية إال إذا صار جاهال‪ .‬إذ الدين اإلسالمي ال ميكن أن يبقى على قيد احلياة إال بانتشار‬
‫العلوم وتقدمها فإن بني اإلسالم والعلوم‪ t‬رابطة كلية متينة‪.‬‬
‫مث إن املفكر الغريب عندما واجه سطحية الفكر الكنسي وبدائية تصوراته ومعلوماته اخلاوية وتفسرياته الالعلمية‬
‫والقائمة على غري برهان للظواهر واألحداث‪ ...‬كان رد فعله‪ -‬املنطقي‪ -‬هو رفعه لشعار "العلماوية" أي انه قرر‬
‫جازما أن ال يقبل أي تفسري حلادث ما إال حتت الفحص العلمي وحتت جمهر التجربة‪ .‬وهلذا قال "كلود برنار"׃ "إذا‬
‫مل أر الروح حتت مبضع اجلراح فلن أؤمن بوجودها"‪.‬‬
‫واملفكر املسلم عندما يرفع هذا الشعار رفعا غبيا صبيانيا كما حصل فانه يكون غري واقعي وال منطقي ذلك أن‬
‫دستوره القرآين مل يكن يصده عن إعمال العقل واملطالبة بالربهان وانتهاج امليدان التجرييب (( قل هاتوا برهانكم إن‬
‫كنتم صادقني)) (( فاعلم انه ال اله إال اهلل))‪.‬‬
‫مث إن القرآن قد قاوم النظرة العفوية والنظرة الغبية االستسالمية لتفسري األحداث ذلك أن اإلنسان االعتيادي الذي‬
‫وجده القرآن يف اجلزيرة العربية كان يفسر األحداث التارخيية بوصفها كومة مرتاكمة من األحداث يفسرها على‬
‫أساس الصدفة تارة وعلى أساس القضاء والقدر‪ t‬تارة أخرى‪ ...‬واالستسالم ألمر اهلل تعاىل‪ ..‬القرآن قاوم هذه النظرة‬
‫العفوية واالستسالمية ونبه العقل البشري إىل أن هذه الساحة هلا سنن وهلا قوانني وانه لكي تستطيع أن تكون إنسانا‬
‫فاعال مؤثرا ال بد لك أن تكتشف هذه السنن‪)6( .‬‬

‫مث إن القرآن الكرمي مل يطرح نفسه بديال عن قدرة اإلنسان اخلالقة وعن مواهبه وقابلياته يف مقام الكدح والتجربة‬
‫‪ ..‬القرآن مل يطرح نفسه بديال عن هذه امليادين وإمنا طرح نفسه طاقة روحية موجهة لإلنسان مفجرة لطاقاته‬
‫حمركة له يف املسار الصحيح‪)7( .‬‬

‫فهل بعد هذا جيد املفكر يف اجملتمع اإلسالمي ثغرة يف منهاجه حىت يتبىن ذلك الشعار الذي رفعه الفكر الغريب؟‬

‫‪ )2‬على الصعيد الثقافي‬


‫هناك حادثة وقعت يف األربعينيات ملخصها‪ t‬أن شابا زيتونيا بعد أن اكمل دراسته الزيتونية طلب‪ t‬من إدارته السماح‬
‫له بالسفر إىل فرنسا الستكمال دراسته هناك‪ .‬فكان رد اإلدارة يف قوهلا ׃ ليست لنا حاجة يف تعلم اللغة الفرنسية‪..‬‬
‫(؟؟)‬
‫هذه املالحظة تبني جبالء‪ -‬كما يقول مالك بن نيب‪ -‬كيف يتصور اجملتمع اإلسالمي يف عصور االحنطاط دور‬
‫الطالب الذي يسافر إىل اخلارج‪ .‬فاهلدف الوحيد أن يدرس لغة أو يتعلم حرفة ال أن يكتشف ثقافة‪ .‬فكل ما يهمه‬
‫املنفعة العاجلة‪ .‬لكنا ‪-‬والكالم ملالك‪ -‬ال ينبغي أن نعزوا هذا االجتاه إىل عدم اكرتاث املسلم باحلضارة‪ t‬الغربية‬
‫فحسب بل إن املدرسة الغربية االستعمارية قد سامهت يف خلق هذا الوضع إذ مل تكن هتتم بنشر عناصر الثقافة‬
‫األوروبية بقدر ما حترص على توزيع نفاياهتا اليت حتيل املسلم عبدا لالقتصاد األورويب فهي ال تسعى إىل اكتشاف‬
‫ذكاء تالميذها أو دفع مواهبهم وإمنا تسعى إىل خلق آالت ذات كفاءات حمدودة(‪ ...)8‬ذلك أن األوروبي مل يتحمل‬
‫عناء السفر إىل الشرق ليقوم‪ t‬بدور املمدن وإمنا ليتوىل خطة املستعمر‪.‬‬
‫مث إن نظرتنا إىل حضارة الرجل األبيض‪ -‬يف إطار التفاعل والتعامل‪ -‬وخاصة على الصعيد الثقايف كانت مرتكزة‬
‫بصفة كلية على املظاهر الطافية واخلادعة وكان انبهارنا حمصورا فيما نرى ونشاهد بالعني اجملردة ليس إال‪ ..‬فنحن‬
‫نرى وننبهر بتلك املرأة القابعة يف املقهى واملرتحنة يف املرقص والضائعة يف الشارع واليت تصبغ أظافرها وشعرها‬
‫وتدخن وال نرى املرأة األوروبية اليت جتمع احلشيش ألرانبها أو تنشر احلب لدجاجها أو تنكب على حلب‬
‫بقراهتا‪ ...‬أو تلك اليت ال ترتك فرصة متر دون مطالعة جادة يف كتاب أو تأمل منظر متر إزاءه أو تفكر يف اثر يشد‬
‫انتباهها‪.‬‬
‫وبدل أن نعجب بذلك العامل احلريص على إتقان صنعته واملتفاين حد اهليام يف عمله أو بذلك الفنان املبدع‬
‫واملتعمق يف أثره‪ ...‬املنظم لدقائقه احلريص على اإلبداع واالبتكار‪ ...‬ترانا هنيم بذلك الفوضوي املتهور يف شوارع‬
‫أوروبا نقتبس منه شطحاته وفضوله‪ t‬وحناكي متيعه وجمونه ونقلد طريقة أكله ولباسه وحىت موضة نفثه لدخان‬
‫غليونه‪.‬‬
‫ومن هنا تولدت عندنا أشكال غريبة جدا يف سلوكياتنا وطفرت فجأة عندنا أخالقيات وقيم مشينة مل تعرف يف‬
‫عاداتنا وال تراثنا ولعل أقرهبا أظهرها موضات التسرحيات واللباس واالختالط املاجن‪ .‬وما نسمع ونشاهد ونقرأ‬
‫ونتعلم يف مدارسنا ومالهينا ووسائل إعالمنا‪.‬‬
‫لقد اختل‪ -‬حقا‪ -‬مزاجنا وفقدنا توازننا يف كل شيء ‪ .‬يقول مالك بن نيب ׃ " إن جمتمعاتنا قد فقدت توازهنا‬
‫األصيل وهي ال تزال تتذبذب وال تعرف هلا قرارا حىت اليوم وإننا لنشاهد عدم االستقرار هذا حىت يف أنفسنا ويف‬
‫تصوراتنا لألشياء حني ختتلف باختالف الناظرين إليها‪ ..‬فهناك منا من يشك يف كل شيء ويرى املدنية معركة‬
‫اقتصادية و إن ختليص الشعب لن يتأتى إال حبيلة اقتصادية ‪ ...‬أو بكارثة مالية يف السوق السوداء ومنا من يرى‬
‫املدنية يف األعراس االنتخابية واملظاهرات العمومية وهو يظن أن خطبة يهتف هلا تقلب النظام العاملي‪.‬‬
‫وهناك النظرة املخدرة يرى صاحبها أن املثل األعلى للمدنية يربق يف قعر كأسه ويلمع يف جو اخلمارة ومنا من يرى‬
‫حترير الشعوب يف حترير النساء ويظن انه ملك املدنية إذا ما فاز بامرأة عصرية" (‪)9‬‬

‫" إننا حبق مل نعد منلك اليوم أي ذاتية تستبني من خالهلا منطلقات فكرية أو ثقافية متميزة حتدد معامل وجودنا‬
‫احلضاري املستقل ‪ ...‬أصولنا الثقافية اليت كانت دعامة حضارتنا اإلسالمية العظمى ملقاة على رفوف اإلمهال بل‬
‫مرمية يف زوايا النسيان وإمنا نعكف اليوم على أصول ثقافية أخرى اقتطعناها كما هي من الغرب ففنون الرتبية‬
‫وعلوم النفس واالجتماع واألخالق اليت تدرس يف مدارسنا وجامعاتنا ليست إال جمموعة نظريات ومواصفات‬
‫وضعت تعبريا عن النظرة الغربية إىل الوجود ودعما ألصول الفلسفة االجتماعية اليت ارتضاها الغرب لنفسه" (‪)10‬‬

‫غري أننا‪ -‬يف غمرة نشوة االنبهار والتفاعل‪ -‬مل نفقه الصيغة السليمة لألخذ والرد ومل يدر خبلدنا أننا إذا احتجنا إىل‬
‫االستفادة من خربة الغرب وتفوقه يف الصناعات اآللية اليت كانت سببا يف جمده وسيادته فمن املؤكد أننا يف غري‬
‫حاجة إىل استرياد قواعد السلوك والرتبية واألخالق اليت تدل اإلمارات والبوادر على أهنا ستؤدي حتما إىل تدمري‬
‫حضارته والقضاء عليها قضاءا تاما يف القريب العاجل (‪.)11‬‬

‫‪ )3‬على الصعيد المادي أو الشيئي‬


‫إن تعاملنا على هذا الصعيد تعامل جتاري ‪-‬غيب‪ -‬فنحن نتعامل مع احلضارة كزبائن ال كتالميذ ׃ نريد من الغرب‬
‫املتحضر أن يفتح لنا‪ -‬بشره‪ -‬متاجره ومغازاته ويبعثر أمامنا سلعه ومنتجاته بدل أن يفتح لنا مدارسه ويكشف لنا‬
‫جتاربه وميدنا بأصول هنضته وتقدمه ويعلمنا تقنياته والياته وهبذه الصيغة‪ -‬الباهتة‪ -‬نكون قد حرصنا على مجع أكوام‬
‫من املنتجات احلضارية اكثر من أن هندف إىل تشييد حضارة‪.‬‬
‫" إن عالقتنا باحلضارة‪ t‬الغربية ال تستطيع أن تأتينا باحلضارة‪ t‬طاملا يوجد يف جمتمعنا من يستورد فرو السيدات الباهظ‬
‫الثمن وهو يف صحراء العرب حىت إذا أراد استعماله جعل داخل القصور مكيفا للهواء يف درجة الصفر لتستطيع‬
‫السيدات استعماله فإن هذا عبث وصبيانية وإتالف إلمكانيات اجملتمع" (‪.)12‬‬

‫وأسوق مثاال إلحصائية عادية من جملة جتارية عاملية ليتضح لنا اكثر سوء تعاملنا الشيئي اجلاف نع الغرب وهو مثال‬
‫يغين عن كثري من الكالم ׃‬
‫فقد نشرت جملة للتجارة الدولية (بوم) يف عددها الصادر يف نوفمرب ‪ 1949‬إحصائية جاء فيها ׃‬
‫دولة إسرائيل عرض ׃ إمسنت‪ -‬رخام‪ -‬امنيات‪ -‬حقائب‬
‫طلب ׃ حديد للصناعات والبناءات‪ -‬منتجات كيماوية وعالجية‪ -‬فلني‬
‫الدول العربية׃ ( العراق‪ -‬األردن‪ -‬الكويت‪)...‬‬
‫عرض׃ ال شيء‬
‫طلب ׃ جموهرات‪ -‬مالبس‪ -‬مساحيق‪ -‬عطور‪ -‬لعب‪ -‬حلوى‪ -‬فواكه حمفوظة ‪-‬‬
‫حرير‪ -‬أقطان‪.‬‬
‫فهل مبثل هذا التعامل وهذه العالقة نستطيع أن نرسي حضارة ؟؟‬

‫‪ )4‬من أين العلة ؟‬


‫بعد ما بينا أطوار هذا التعامل ‪ ..‬ومل يبق أدىن شك‪ -‬لدى العاقل‪ -‬يف انه تعامل سليب ومريض إذ برغم طول املسافة‬
‫الزمنية اليت قطعها مل يأت بنتيجة ومل ينب حضارة ومل يزد على أن قدم ختمة شيئية اثقل هبا كاهل اجملتمعات ‪...‬‬
‫بقي أن نتساءل جبد ׃ ما علة ذلك ؟ ما أسباب فساد تلك الصيغة يف التفاعل والتعامل مع حضارة الغرب ؟‬
‫أرى أن هناك أسبابا خارجية وأخرى داخلية ׃‬
‫أما السبب اخلارجي فهو االستعمار الذي ابتليت به اجملتمعات اإلسالمية ׃ هذا االستعمار الذي استخدم كل وسائله‬
‫واستعمل كل ذكائه ومكره ودهائه ووظف كل طاقاته يف إذابة فاعلية الشعوب اليت أخضعها لقوته ومتييع تصوراهتا‬
‫وإهدار إبداعاهتا وخنق طموحاهتا مما ولد فيها عقدة الشعور بالنقص واإلقرار الضمين باالهنزامية حىت لكأن لسان‬
‫حاهلا يقول‪..‬مل التعب ومشقة‪ t‬اخللق والبحث والغرب قد كفانا كل ذلك‪ ...‬فما علينا إال أن مند يدنا فنأخذ‬
‫ونشرتي ما نشاء‪ .‬وهذا ما الزمها على التبعية املضلة والذيلية الغبية للغرب ولكل ما هو غريب فهو مل يبسط نفوذه‬
‫على الشرق ليمدنه ويعلمه أسباب التقدم والقوة وإمنا جاءه ليسلبه خرياته ويسرق جهود رجاالته ويصرفه بأي حال‬
‫عن التطلع إىل الشروق املدين والبناء احلضاري‪ ...‬مبا نشر فيه من فلسفات هدامة وشبهات وأفكار متهمة ׃ فهو‬
‫مثال مل يفتح جامعاته أمام الوفود الطالبية‪ -‬املسلمة‪ -‬إال لتعليم‪ t‬العلوم اإلنسانية كالتاريخ والفلسفة‪ t‬والفنون وعلوم‬
‫النفس ‪ ..‬املواد اليت يسهل فيها التزييف والتضليل‪ ...‬أما كليات العلوم‪ t‬التجريبية اليت ليس فيها منافذ للتضليل‪ t‬فهي‬
‫موصدة أمامهم‪.‬‬
‫وأما عن السبب الثاين ׃ فناتج من أننا ابتعدنا عن مثلنا األعلى وهبت تطلعنا إليه واحنزنا إىل مثل أعلى أجنيب مستورد‪t‬‬
‫وناتج من أن أمة ما بعد أن تفتقد مثلها العليا النابعة منها تفقد فاعليتها وأصالتها ׃ إذ بقدر ما تتبىن األمة مثال أعلى‬
‫قابال للتحريك فاهلل سبحانه مينحها ويعطيها من خرياته ونعمه‪..‬فعندما‪ t‬تشبث املسلمون‪ t‬األوائل مبثلهم األعلى الذي‬
‫هو اهلل سبحانه وتعاىل بنوا حضارة وحازوا قيادة العامل وتربعوا على عرش األستاذية يعلمون األجيال مكارم‬
‫األخالق وميدون احلياة البشرية بأسباب السعادة واخلري واألمن‪.‬‬
‫ذلك أن عقيدهتم التوحيدية علمتهم كيفية التعامل الفعال والصاحل مع صفات اهلل وأخالق اهلل بوصفها حقائق عينية‬
‫وبوصفها رائدا عمليا وهدفا ملسريهتم ومؤشرات على الطريق حنو اهلل سبحانه‪.‬‬
‫واملسلمون من قرون فقدوا ذلك العطاء وخنلوا عن التكامل‪ ...‬عندما متيعت عالقتهم مع املثل األعلى ‪ ..‬عندما‬
‫ضيعوا الصيغة الرشيدة للتعامل‪ t‬السليم مع الكتاب‪ ...‬مع دستورهم اخلالد فقدوا بذلك الفاعلية ومل يسريوا يف اجتاه‬
‫التاريخ‪.‬‬
‫فالتاريخ‪ -‬كما يقول مالك بن نيب‪ -‬بيد اإلنسان املتكامل الذي يطابق دائما بني جهده وبني مثله األعلى وحاجاته‬
‫األساسية والذي يؤدي يف اجملتمع رسالته املزدوجة كممثل وكشاهد وينتهي التاريخ باإلنسان املتحلل وبالفرد الذي‬
‫يعيش يف جمتمع منحل مل يعد يقدم لوجوده أساسا روحيا أو أساسا ماديا‪.‬‬
‫مث هناك علة أخرى كامنة فينا وهي سوء فهمنا للحقيقة االجتماعية واحلقيقة العلمية ׃ فنحن يف تعاملنا مع الغرب مل‬
‫نفرق بني الصيغتني وكان ذلك مصدرا آخر لتخلفنا وترسيخا لتبعيتنا‪ ..‬فقد ظننا بعد أن تبينا الغرب كمثل أعلى‬
‫نرنو أتليه يف عليائه ونتمىن اللحاق به على عجل ودون كدح وجهد‪ ..‬ظننا أن كل ما يتقيؤه الغرب من نظريات‬
‫وأفكار وفلسفات ومطارحات هي مبثابة احلقائق والقضايا العلمية اليت مادامت صحتها ظهرت يف الغرب فمن‬
‫املؤكد أن تصح وتؤيت مثارها عندنا أيضا وغفلنا عن ترتيبها ضمن احلقائق والقضايا االجتماعية اليت ختضع ملعيار‬
‫آخر غري الصحة والبطالن‪..‬فهي خاضعة للزمان والبيئة والدافع فمثال قضية نبذ الدين وفصله عن الساسة‬
‫والنشاطات االجتماعية هي قضية اجتماعية وليست علمية‪ ..‬جنحت يف الغرب وآتت أكلها هناك ‪ ....‬وفشلت‪t‬‬
‫عندنا ألن الدافع والبيئة والزمان مغايرين ملا عند الغرب وقس على ذلك قضايا املرأة واألسرة واألخالق‪.‬‬

‫‪ )5‬خاتمة‬
‫فماهو السبيل إذن إىل تدارك خطئنا وماهو املسلك السليم لبناء حضارتنا؟‬
‫إن احلياة كما قال الفيلسوف املسلم حممد إقبال ׃ جهاد لتحصيل االختيار ومقصد‪ t‬الذات أن تبلغ االختيار جبهادها‪.‬‬
‫وبناء حضارة راقية صاحلة تسعد يف أعطافها البشرية ويعم فيها العدل واخلري واألمن وإخراج جمتمع متطور إنساين‬
‫حيتاج إىل أناس طيبني أحرارا يعتزون باستقالهلم يف كل اجملاالت وبكرامتهم ويثقون يف أنفسهم‪ ...‬أما التميع‬
‫والتبعية واإلمعية الغبية والشعور بالنقص فلن خيلق سوى نفوس مشوهة رخوة ال تستطيع بأي حال إرساء أسس‬
‫حضارية قابلة أن خترج اجملتمع اإلنساين من اجلور والظلم إىل العدل واحلرية والنور‪.‬‬
‫فالقضية إذن ليست قضية أدوات وال إمكانات ( هذا ال يعين النفي التام هلذه األسباب ) إن القضية كانت يف‬
‫أنفسنا إن علينا أن ندرس اجلهاز االجتماعي األول وهو اإلنسان فإذا حترك اإلنسان حترك اجملتمع والتاريخ وإذا‬
‫سكن سكن اجملتمع والتاريخ ذلك ما تشري إليه النظرة يف تاريخ اإلنسانية منذ بدأ التاريخ فرتى اجملتمع حينا يزخر‬
‫بوجوه النشاط وتزدهر فيه احلضارة وأحيانا تراه ساكنا ال يتحرك يسوده الكساد وتغمره الظلمات‪.‬‬
‫ومن جوامع احلكم القدمية ׃ غري نفسك تغري التاريخ‪..‬‬

‫هوامش ׃‬
‫(‪ )1‬الدكتور علي شريعيت‪ -‬املفكر ومسئوليته يف اجملتمع‬
‫(‪ )2‬نفس املصدر‬
‫(‪ )3‬أنور اجلندي‪ -‬اإلسالم والعامل املعاصر‬
‫(‪ )4‬حممد الغزايل‪ -‬من هنا نعلم‬
‫(‪ )5‬الدكتور علي شريعيت‪ -‬املفكر ومسئوليته يف اجملتمع‬
‫(‪ )6‬حممد باقر الصدر‪ -‬مقدمات يف التفسري املوضوعي للقرآن‬
‫(‪ )7‬حممد باقر الصدر‪ -‬مقدمات يف التفسري املوضوعي للقرآن‬
‫(‪ )8‬مالك بن نيب‪ -‬وجهة العامل اإلسالمي‬
‫(‪ )9‬مالك بن نيب‪ -‬وجهة العامل اإلسالمي‬
‫(‪ )10‬جملة‪" t‬األمة" ‪-‬عدد ‪ 31‬سنة ‪ -3‬صفحات ‪ 12‬و‪22‬‬
‫(‪ )11‬جملة‪" t‬األمة"‪ -‬عدد‪- 31‬سنة ‪- 3‬صفحات ‪12‬و‪22‬‬
‫(‪ )12‬مالك بن نيب‪ -‬أحاديث يف البناء اجلديد‪.‬‬
‫البشرية وتجارب العقائد‬
‫لقد صارعت البشرية على امتداد تاريخها الحافل والطويل حضارات عديدة وعايشت تجارب "أيدلوجيات"‬
‫واديانا ومذاهب مختلفة ومتفاوتة‪.‬‬
‫وبما أنها كانت بمثابة" فأر المخبر" لكل طارئ وجديد فقد لقي اإلنسان‪ -‬الضحية‪ -‬من ذلك الحلو والمر‬
‫والطيب والخبيث وعاين القسوة والرحمة وتحمل الظلم واإلنصاف ففي تجربة يؤله ويقدس وفي أخرى تراه‬
‫مهانا ومستعبدا وفي ثالثة يذبح ويدمر‪...‬‬
‫مع هذه األيدلوجية يذهب به إىل ذات اليمني ومع أخرى يطوح به إىل ذات اليسار هذه تبعده عن فطرته باإلفراط‬
‫واألخرى بالتفريط ‪.‬‬
‫هذه حترص على دوس كرامته وذبح أخالقياته وتلك تستهدف خنق مقوماته وأخرى ترى فيه صنو البهيمة مأكال‬
‫ومشربا ومنكحا‪....‬‬
‫ومل جيد املسكني طعما حقيقيا ملعىن ذاته كإنسان ومل ينعم بكرامته وإنسانيته إال يف ظل جتربة التوحيد يف واحة "‬
‫الفتح اإلسالمي الشامل"‪ ....‬الذي وقف من البشرية موقف الكرامة والعزة والسماحة أعادها إىل دائرة الفطرة النقية‬
‫واحلق الواضح واألمن الكامل ‪ ...‬والذي أعطى لكل فرد حق احلياة وحق العيش واالستمتاع حبياته بعيدا عن كل‬
‫وعرفه كما تقول الدكتورة بنت الشاطئ ׃‬ ‫خطر يتهدده ّ‬
‫انه ال ينبغي ألي كان أن ميلك إهناء حياة شخص ما‪ -‬إعداما أو وأدا أو ‪.-...‬فاهلل هو واهب احلياة لإلنسان ومن‬
‫مث فإهناء احلياة جيب أن ال يكون إال هلل سبحانه‪.‬‬

‫‪ )1‬النظرة المتباينة لإلنسان‪....‬‬


‫إن السؤال الدرامي القدمي الذي ظل اإلنسان يطرحه على نفسه يف حرية وقلق ׃ من أنا ؟ من أين أتيت ؟ إىل أين أنا‬
‫ذاهب ؟ ما هديف يف الوجود ؟‪ ....‬قد ولد عدة رؤى ومطارحات وإجابات متشائمة حينا ومتفائلة أحيانا خمتلفة‬
‫ومتباينة لدى مفكري ومنظري املذاهب واتباع العقائد على اختالفها‪.‬‬

‫‪ )2‬النظرة الوجودية لإلنسان‪....‬‬


‫فالوجودية ترى أن اإلنسان اله نفسه وسيد موقفه وموجه ذاته ومالك إرادته وبالتايل فهو حر يف كل تصرفاته وال‬
‫أحد حيد من طموحاته أو يعكر صفو أمانيه وكل السبل جيب أن تؤدي إىل حتقيق شهواته ورغباته فال قيود وال‬
‫رباطات وال رقيب وال حسيب و" اجلحيم هم اآلخرون" كما أعلنها سارتر‪.‬‬
‫" بينما نرى أرسطو حيدد للفرد فرديته وحريته ال جيعلها من حق الناس مجيعا بل يقصرها على السادة وعنده أن‬
‫لألعلى‪ -‬السيد‪ -‬أن يبسط نفوذه على األدىن‪ -‬العبد‪ -‬كما أن على األدىن أن خيضع لألعلى ويطيعه‪ .‬وعنده أن احلر‬
‫حر رغم استعباده و أن العبد عبد رغم ما حيقق من نصر‪.‬‬
‫أما أفالطون‪ t‬فانه جيرد الفرد من قيمته الفردية ليجعله أداة مسخرة خلدمة الدولة " (‪)1‬‬
‫‪ )3‬النظرة اليهودية‪...‬‬
‫والنظرة اليهودية اقذر ما تكون إذ هي مزيج من عنصرية بغيضة وحقد فائر فاإلنسان اآلخر‪ -‬غري اليهودي ‪-‬ال حق‬
‫له يف احلياة وخري دليل على ذلك ما جاء يف سفر يشوع ׃‬
‫" اهلكوا مجيع من يف املدينة من رجل وامرأة وطفل وشيخ حىت الغنم واحلمري‪ ...‬حبد السيف واحرقوا املدينة ومجيع‬
‫ما فيها بالنار"‪ .‬وما اجملازر الرهيبة والوحشية اليت يقرتفها اليهود إزاء املسلمني يف األرض احملتلة وبريوت ومذحبة‬
‫صربا وشاتيال ‪ ...‬عنا ببعيدة وال غائبة‪.‬‬

‫‪ )4‬اإلنسان عند الرومان‪...‬‬


‫أما الرومان فقد عرف عنهم القسوة اليت ال تعرف احلدود والظلم الذي يصل إىل ابعد الدرجات فكانوا يعمدون إىل‬
‫رمي العبيد إىل الوحوش الضارية واالستمتاع مبشاهدهتا وهي تنقض على اآلدميني وكان اإلعدام باإللقاء إىل‬
‫الوحوش على عهد اإلمرباطور أغسطس قيصر عقوبة قانونية‪.‬‬

‫‪ )5‬التفسيرات النصرانية‪...‬‬
‫بينما تذهب التفسريات النصرانية أن اإلنسان‪ -‬الطفل‪ -‬يولد شريرا بطبعه وانه يولد حممال بكثري من الشرور واآلثام‬
‫فيجب أن يقمع ذلك بالشدة والعنف و أن يسلك به سبل التعذيب واإليالم (‪.)2‬‬

‫‪ )6‬النظرية الماركسية‪....‬‬
‫وترى املاركسية أن الفرد وسيلة ال غاية وال يتعدى أن يكون اكثر من ذرة تذوب يف جسم الدولة ال حق له يف‬
‫ملكية وال يف مثار الكسب ‪ ...‬فاإلنسان يف الكهف املاركسي املظلم يعيش مأساة محراء مزدوجة معنوية ومادية ‪.‬‬
‫ورحم اهلل العالمة حممد باقر الصدر حيث يقول ׃ " إن إنسانا يعتصر اآلخرون طاقاته وال يطمئن إىل حياة طيبة‬
‫واجر عادل وتامني يف أوقات احلاجة هلو إنسان قد حرم من التمتع باحلياة وحيل بينه وبني احلياة اهلادئة املستقرة‬
‫كما أن إنسانا يعيش مهددا يف كل حلظة حماسبا على كل حركة معرضا لالعتقال بدون حماكمة وللسجن والنفي‬
‫ألدنى ريبة هلو إنسان مروع يسلبه اخلوف حالوة العيش وينغص الرعب مالذ احلياة" (‪)3‬‬

‫‪ )7‬اإلنسان في اإلسالم‪..‬‬
‫بينما يرى اإلسالم‪ -‬ذلك الدين القيم احلق‪ -‬أن اإلنسان حر اإلرادة و أن إرادته تلزمه التبعية واملسؤولية أمام ربه‬
‫وااللتزام األخالقي أمام الناس و أن ذلك كله مرتبط بالبعث‪ t‬واجلزاء األخروي‪)4( .‬‬

‫واإلسالم قد أعلى من شأن اإلنسان واعتربه خليفة اهلل يف أرضه وأكد كرامته واعتربها كرامة ذاتية أصيلة ال تنبع‬
‫من جنسه وال من لونه وال من بلده وال من قومه وال من عشريته وال من ماله وال من عرض من أعراض الدنيا‬
‫الزائلة وإمنا تنبع من كونه إنسانا من هذا اجلنس الذي أفاض عليه ربه التكرمي وسخر له ما يف السماوات واألرض‬
‫ورزقه من الطيبات وفضله على غريه من املخلوقات (‪ )5‬قال تعاىل (( ولقد كرمنا بين آدم ومحلناهم يف الرب والبحر‬
‫ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثري ممن خلقنا تفضيال)) (اإلسراء ‪.)70‬‬
‫واإلسالم‪ -‬من جهة أخرى‪ -‬يفرض كفالة مشرتكة بني أهله وجيعل العجزة والضعفاء واحملرومني موضع تقدير كبري‬
‫وال يطالب بإسقاطهم أو قتلهم بل على العكس يطلب هلم محايات وضمانات كاملة ويعتربهم موضع الرزق (( إمنا‬
‫ترزقون بضعفائكم)) (‪)6‬‬

‫وإذا كان القانوين الفرنسي "منتسكيو" يرى انه من املستحيل أن يرثي اإلنسان لإلفريقيني ذوي البشرة السوداء وانه‬
‫ال ميكن للمرء أن يتصور أن اهلل سبحانه وتعاىل‪ -‬وهو ذو احلكمة السامية‪ -‬قد وضع روحا طيبة داخل جسم‬
‫حالك السواد‪ ...‬فإن املؤرخ املسلم‪ -‬ابن خلكان‪ -‬قد أعلنها صرحية ׃ إن البشرة السوداء ال تقلل من شرف النفس‬
‫الطاهرة وال تنقص من علم العامل وال من مسو الفكر‪.‬‬

‫‪ )8‬النظرة المجحفة للحياة‪...‬‬


‫لقد قرر القرآن الكرمي أن احلياة البشرية ذات معىن و أن اإلنسان هو حمور فلسفة‪ t‬التاريخ والقرآن ال يعترب األرض‬
‫مكانا للعذاب أو سجنا يسجن فيه البشر اآلمثون يف أصول تكوينهم لسبب خطيئة أصلية ذلك انه ال توجد أصال‬
‫خطيئة للبشر و أن خطيئة آدم قد غفرها اهلل له‪.)7( .‬‬

‫وكما يقول صاحب كتاب " اإلسالم على مفرتق الطرق" ( اإلسالم ينظر إىل احلياة هبدوء واحرتام ولكنه ال‬
‫يعبدها‪ .‬إن النجاح املادي مرغوب فيه ولكنه ليس غاية يف ذاته بل يقود اإلنسان حنو الشعور بالتبعية األدبية يف كل‬
‫ما يعمل والغاية من مجيع نشاطنا العملي‪ t‬جيب أن يكون خامتيا (‪)8‬‬

‫ومن هنا نرى أن اإلسالم ال يقر الرهبنة اليت تعزل اإلنسان عن طيبات الرزق وال يقر يف الوقت نفسه اإلباحية‬
‫والتحلل الذي حيطم كيان اإلنسان وهو حني يفعل ذلك يضع اإلنسان يف مكانه احلق من حيث هو بشر له أمانته‬
‫ومسؤوليته وإرادته احلرة وحسابه وجزاؤه على أعماله ‪)9(.‬‬

‫بينما تقرر املاركسية بتبجح ال يرتكز على برهان يف مقولتها‪ t‬الواهية " ال اله واحلياة مادة "‪.‬‬
‫أما عند الرومان واليونان فاحلياة مسرح للذة والشهوة والبطوالت املتهورة وفرصة عفوية للتمتع باجلسد العاري‬
‫والتسلي مبشاهدة الصراعات الدرامية بني اآلهلة واإلنسان وبني السادة والعبيد وأما عند اليهود فهي تنافس بغيض‬
‫وفوضوي على مزيد من العنصرية والربا واملادية الطاغية والتخريب والتدمري لآلخرين مث جاءت النصرانية لتنحرف‬
‫هبا إىل الروحانيات اجلافة والزهد االهنزامي والرهبانية الذليلة والنفور املقيت من احلياة واجلهاد والتكسب‪.‬‬

‫وبعد‪...‬‬
‫يقول املفكر املسلم (أنور اجلندي) " إن أحق األديان بطول البقاء واألخذ بتجربتها وقيادهتا للبشرية ما وجدت‬
‫أحواله متوسطة بني الشدة واللني ليجد كل امرئ من ذوي الطبائع املختلفة ما يصلح به حاله يف معاده ومعاشه‬
‫ويستجمع له فيه خري دنياه وآخرته وكل دين أو مذهب مل يوجد على هذه الصفة بل أسس على مثال يعود هبالك‬
‫احلرث والنسل فمن احملال أن يسمى دينا فاضال‪.)10( " .‬‬
‫ولقد طوفت البشرية بني كثري من األديان واملذاهب وجربت كل األيدلوجيات املطروحة قدميا وحديثا فهل حققت‬
‫سعادهتا املنشودة واكتمل رشدها وهل حافظت على مقوماهتا وأخالقياهتا وكرامتها ؟ فلقد أذاقتها اليهودية مسوم‬
‫العنصرية احلمراء ولطختها بوحل املادية الطاغية مث جاءت النصرانية فعطلت طاقاهتا وطمست مواهبها وإبداعاهتا‬
‫وحالت بينها وبني زينة احلياة الدنيا بانتهاجها سبيل الرهبانية املبتدعة وال خيفى على عاقل ما القته وتالقيه من جمون‬
‫الوجودية واحنالهلا وشهوانيتها ومن بغي الشيوعية وطغياهنا األمحر احلاقد ومن جشع الرأمسالية وميوعتها ومن‬
‫علمانية الغرب وإحلاده‪.‬‬
‫فهال آن هلا أن تسرتيح يف ظالل التوحيد وتنعم بسماحة اإلسالم وتكرميه وتوقريه وتسرتد بالتايل نقاوة فطرهتا‬
‫وسالف عزها وأجمادها وما دنس وشوه من مقوماهتا حىت تعود إىل استئناف دورها اخلاليف يف األرض من اإلصالح‬
‫والتعمري إىل نشر اخلري والعدل واألمن‪..‬‬

‫هوامش ׃‬
‫(‪ )1‬اإلسالم والعامل املعاصر‪ -‬أنور اجلندي ‪-‬ص‪54‬‬
‫(‪ )2‬املصدر السابق نفسه‪ -‬ص ‪236‬‬
‫(‪ )3‬فلسفتنا‪ -‬حممد‪ t‬باقر الصدر‪ -‬ص ‪34‬‬
‫(‪ )4‬اإلسالم والعامل املعاصر‪ -‬ص ‪238‬‬
‫(‪ )5‬جملة األمة‪ -‬مقال النظرة اإلنسانية يف فلسفة الرتبية اإلسالمية‪ t-‬عيسى حسن اجلراجرة‪ -‬ص ‪ 33‬العدد ‪36‬‬
‫(‪ )6‬اإلسالم والعامل املعاصر‪ -‬ص ‪214‬‬
‫(‪ )7‬املصدر السابق نفسه‪ -‬ص ‪164‬‬
‫(‪ )8‬اإلسالم على مفرتق الطرق‪ -‬حممد أسد‬
‫(‪ )9‬اإلسالم والعامل املعاصر‪ -‬ص ‪250‬‬
‫(‪ )10‬املصدر السابق نفسه‪ -‬ص ‪.295‬‬
‫العطش الروحي‪ ...‬من يرويه ؟‬

‫يف الوقت الذي يظن فيه املشدوهون‪ t‬واملبهورون باحلضارة الغربية‪ ...‬إن الغرب املتحضر قد اكتمل رشده اإلنساين‬
‫وبلغ سعادته املثلى وحاز األهلية املطلقة يف السيادة والريادة والسيطرة األدبية واملادية على العامل‪ ...‬يف الوقت ذاته‬
‫تتعاىل صيحات عميقة منذرة من قلب هذا الغرب من عقالئه ومفكريه وفالسفته حتذر من إمهال الوجه الروحاين‬
‫للحضارة‪ t‬ومن فراغ هذه األخرية من املثل والقيم وااللتزامات األخالقية‪ ....‬مما يعتربه هؤالء املفكرون الغربيون‬
‫مؤشر هدم خطري وهو اعتبار واقعي وموضوعي‪.‬‬
‫أي إن ما ننعته حنن اآلن ومن سنني يف الشرق اإلسالمي بأسباب ختلفنا ومن مواصفات رجعيتنا ومجودنا وباملعوق‬
‫لتحضرنا وتقدمنا ‪ ...‬اصبح هو املؤمل املرجتى عند عقالء الغرب وأرباب هذه احلضارة‪.‬‬
‫ذلك أن األديان اليت نبذها يف أول العهد منظرو هذه احلضارة أزاحوا ظلها عن تفكريهم وحرصوا على حمو أي اثر‬
‫لتعاليمها فيما يقولون ويعملون ومل يتخذوا منها ولو لبنة واحدة كربت أم صغرت يف بنائهم حلضارهتم إذ اعتربوا‬
‫الدين والتدين مسألة شخصية‪ ...‬مث هو خمدر وأفيون يصرف الشعوب عن التمدن والبناء والتغيري و أن على اإلنسان‬
‫وحده أن يبحث عما يالئمه حىت بلغ األمر هبم أن علقوا إبان الثورة الفرنسية يف قرية ( هوتفيلر) منشورا يقول "‬
‫ابتداء من الغد على مواطين ومواطنات هذه القرية أن ال يعرتفوا بأية عبادة باستثناء عبادة العقل واحلرية واملساواة‬
‫وأما مبىن الكنيسة الذي اغلق اآلن فسوف يصبح معبدا للعقل‪ t‬وخيصص من اآلن لالحتفال باألعياد الوطنية"‪.‬‬
‫بعد كل ذلك العداء الظاهر والباطن والتهكم الصارخ اصبحوا اآلن ينظرون إىل الدين والتدين والقيم واملثل‬
‫وااللتزام اخللقي والروحانيات على أهنا الواقي الصلب الذي حيول بني احلضارة واالندثار بعد ما رأوا بطالن‬
‫اطروحاهتم وفساد نظرياهتم وشلل رؤيتهم‪.‬‬
‫ولن اذهب بكم بعيدا فهذا " توينييب" يقول يف إحدى حماضراته " إن األديان الكربى مجيعا مهملة‪ t‬وآخذة يف‬
‫االحنسار ورمبا توقف مستقبل اجلنس البشري على عودهتا ثانية إىل سيطرهتا السابقة على البشرية" "مث إن اإلنسان‬
‫الغريب وهو تائه يف غمار حضارته قد فشل يف دوره كإله ارضي و أقر بأنه يفتقر إىل شيء ما ليكون سعيدا "‬
‫( ماهو الغرب ؟ راشد الغنوشي)‬

‫سفينة بال قيادة ‪..‬‬


‫وهذا الطبيب الفيلسوف‪ t‬األملاين "الربت شفيتزر" يصرخ من كل أعماقه "‪ ....‬اخلاصية الروعة يف حضارتنا هي أن‬
‫تقدمها املادي اكرب بكثري من تقدمها الروحي ‪..‬لقد اختل توازهنا‪ ....‬واحلضارة اليت ال تنمو فيها إال النواحي املادية‬
‫دون أن يواكب ذلك النمو منو متكافئ يف ميدان الروح هي أشبه ما يكون بسفينة اختلت قيادهتا ومضت‪ t‬بسرعة‬
‫متزايدة حنو الكارثة اليت ستقضي عليها‪ ...‬إن توكيد العامل واحلياة قد تزعزع عندنا فلم يعد الرجل العصري‬
‫املتحضر يشعر بدافع إىل التفكري يف املثل العليا ذلك انه مل يعد يؤمن بالتقدم الروحي واألخالقي للناس واإلنسانية‬
‫مع أن هذا التقدم الروحي واألخالقي هو العنصر اجلوهري يف احلضارة‪."...‬‬
‫" ومن هنا نشأ اإلنسان الغريب املتحضر يتيما تافها ال يعدو أن يكون جمرد جسد وجمرد حاجيات مادية‪ ..‬نشأ يتيما‬
‫ألنه ال ينتظر أية مساعدة من اهلل‪ -‬كما قال " شبنهاور"‪ ... -‬ونشأ تافها ألنه اعترب العامل فوضى من املعقوالت‬
‫والقبائح" ( ما هو الغرب ؟ للغنوشي)‪. t‬‬
‫وحنن ال ننكر أن احلضارة الغربية بإقالعها املادي الباهر قد أشبعت اجلانب البطين الرتايب من اإلنسان ومألت‬
‫حياته‪ -‬حد التخمة‪ -‬بأسباب الرفاه والرتف الشيء الذي حبب إليه اجملون والالمباالة والتميع وأوقعه بالقلق‪t‬‬
‫والقسوة‪...‬‬
‫وإزاء هذه احلال املنذرة مبزيد من الشر وهو شر لن يتوقف خطره على الغرب فحسب إمنا هو قادم يف سباق حنونا‬
‫إن عاجال أو آجال‪ .‬وذلك حبكم التبعية العمياء اليت نسلكها إزاء الغرب واملنهج الذيلي الذي نطبقه يف شىت‬
‫اجملاالت‪ ....‬إزاء كل هذا فواجب على املسلمني الصادقني أن ينقذوا اإلنسانية من هذه الظلمات املرتاكمة و أن‬
‫يعجلوا بتقدمي اجلرعة الشافية للبشرية املريضة ذلك أن اهلل سبحانه قد محلهم الشهادة على العامل‪.‬‬

‫لقاح ضد جراثيم الفساد‪....‬‬


‫وهم لن يستطيعوا ذلك إال عندما يقدمون الدين للعاملني كموعظة للعقل׃ دعوة إىل اإلبداع واخللق واالبتكار‪..‬‬
‫وكشفاء للنفس حيميها ويلقحها من جراثيم الفساد واالحنالل والتميع ‪ ..‬وكهدى ورمحة للفرد واجلماعة يبصر به‬
‫سواء السبيل وحيفظ به عرض اإلنسانية ويذود عن شرفها وكرامتها من أن يتطفل عليها عابث ماجن‪.‬‬
‫وهذا شرط يؤهلنا‪ -‬كمسلمني‪ -‬للدخول يف اجملتمع العاملي وميكن لنا‪ -‬كمسلمني شهداء على الناس‪ -‬من قيادة‬
‫اإلنسانية قيادة هي يف اشد احلاجة إليها ‪ ..‬قيادة حنو النور حنو العدل حنو احلرية قيادة حنو دائرة الضوء الرباين‪....‬‬
‫ويف هذا الصدد يقول املفكر اجلزائري املسلم مالك بن نيب ׃ " إن شرط دخولنا يف اجملتمع العاملي يف أن يكون يف‬
‫نشاطنا الروحي ما تعرتف به اإلنسانية كحاجة مثل السلم واحلرية والدميقراطية‪ ....‬حاجة البد من إشباعها "‪.‬‬
‫الفهرس׃‬

‫‪3‬‬ ‫تقدمي‬
‫‪5‬‬ ‫بني اجلزم والتميع‬
‫‪5‬‬ ‫* اإلسالم حمجوب باملسلمني‬
‫‪9‬‬ ‫* ملاذا شاخ املسلمون‬
‫‪13‬‬ ‫* حني يتخلى املسلمون عن اجلد‬
‫‪17‬‬ ‫* املسجد‪..‬ليس‪ t‬مكانا لطقطقة املسابيح‬
‫‪23‬‬ ‫املسلمون وضرورة الوعي التارخيي‬
‫‪39‬‬ ‫تعاملنا مع احلضارة الغربية‬
‫‪57‬‬ ‫البشرية وجتارب العقائد‬
‫‪67‬‬ ‫العطش الروحي من يرويه‬

You might also like