You are on page 1of 9

‫انطلق حنو القمة‬

‫الجدية‬
‫طريق اخلريية‬
‫إعداد ‪ :‬خالد أبو صاحل‬

‫‪1‬‬
‫انطلق حنو القمة‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬
‫الحمد هلل رب الع المين ‪ ،‬والص الة والس الم على خ اتم األنبي اء والمرس لين ‪ ،‬نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪ ،‬أما بعد ‪...‬‬
‫فإن املسلم احلق يتم'يز بس'مات معينة تؤهله حلمل مع'اين اخلريية اليت فض'َّل اهلل ع َّ'ز وج َّ'ل‬
‫اس‬‫ه' ' ' ' ''ذه األمة على غريها بتحقيقها ‪ ،‬ق' ' ' ' ''ال تع' ' ' ' ''اىل ‪ُ ﴿ :‬ك ْن ُت ْم َخ ْي َر أ ُ َّم ٍة أ ُ ْخ ِر َج ْت لِل َّن ِ‬
‫َتأْ ُم ُرونَ ِبا ْل َم ْع ُروفِ َو َت ْن َه ْونَ َع ِن ا ْل ُم ْن َك ِر َو ُت ْؤ ِم ُنونَ ِباهَّلل ِ ﴾[آل عم ران‪ ]110:‬وق ''ال ج ' َّ'ل‬
‫س ول ُ‬ ‫الر ُ‬ ‫اس َو َي ُكونَ َّ‬ ‫دَاء َع َلى ال َّن ِ‬ ‫ش َه َ‬ ‫سطا ً لِ َت ُكو ُنوا ُ‬ ‫وعز‪َ ﴿ :‬و َك َذلِ َك َج َع ْل َنا ُك ْم أ ُ َّم ًة َو َ‬ ‫َّ‬
‫ش ِهيداً﴾[البقرة‪.]143 :‬‬ ‫َع َل ْي ُك ْم َ‬
‫جاد يف أقواله ‪ ،‬جاد يف‬ ‫ومن أهم السمات اليت يتميز هبا املسلم ‪ :‬مسة اجلدية ‪ ،‬فاملسلم ّ‬
‫أفعاله ‪ ،‬جاد يف تصرفاته ‪ ،‬ج'اد يف مظه'ره ‪ ،‬ج'اد يف خمربه ‪ ،‬ج'اد يف عالقاته وتعامالته مع‬
‫الن ''اس ‪ ،‬ج ''اد يف عبادته ومعاملته مع اهلل ‪ ،‬ج ''اد حىت مع نفسه ‪ ،‬فال جياملها وال يطريها ‪،‬‬
‫وإمنا حياسبها ويؤذيها ويعاتبها ويأخذ عليه العهود واملواثيق ‪.‬‬
‫إن جدية املس'لم نابعة من ت'أثره بكت'اب اهلل ع َّ'ز وج َّ'ل ‪ ،‬ف'القرآن الك'رمي كت'اب اهلل احلق‬
‫ل﴾[ الط ارق‪-13:‬‬ ‫صل ٌ * َو َما ه َُو ِبا ْل َه ْز ِ‬ ‫الذي ال لغو فيه وال هزل قال تعاىل ‪﴿ :‬إِ َّن ُه َل َق ْول ٌ َف ْ‬
‫‪. ]14‬‬
‫فاملسلم اجلاد متخلق بأخالق القرآن متأدب بآدابه ‪.‬‬
‫واملس ''لم يعلم أنه خلق ألمر عظيم ‪ ،‬وحتمل أمانة كب ''رية ‪ ،‬وهو مس ''ؤول عن ذلك ي ''وم‬
‫القيامة ‪ ،‬ول' ''ذلك فإنه ال وقت لديه لله' ''زل وللعب والعبث ‪﴿ :‬أَ َف َح ِس ْب ُت ْم أَ َّن َم ا َخ َل ْق َن ا ُك ْم‬
‫ض َنا اأْل َ َما َن َة‬‫َع َبثا ً َوأَ َّن ُك ْم إِ َل ْي َنا ال ُت ْر َج ُع ونَ ﴾[ المؤمن ون‪ . ]115:‬وق' ''ال تع' ''اىل ‪﴿ :‬إِ َّنا َع َر ْ‬
‫ش َف ْقنَ ِم ْن َه ا َو َح َم َل َه ا‬ ‫ال َف أ َ َب ْينَ أَنْ َي ْح ِم ْل َن َه ا َوأَ ْ‬ ‫ض َوا ْل ِج َب ِ‬ ‫ت َواأْل َ ْر ِ‬ ‫الس َم َاوا ِ‬‫َع َلى َّ‬
‫سانُ إِ َّن ُه َكانَ َظلُوما ً َج ُهوالً﴾ [ األحزاب‪. ]72:‬‬ ‫اأْل ِ ْن َ‬
‫إن للجدية مسات ومظ' ' ''اهر كث' ' ''رية ‪ ،‬ال ميكن للمس' ' ''لم أن يك' ' ''ون متس' ' ''ماً باجلدية حىت‬
‫حيقق تلك السمات ‪ ،‬وتكون واقعاً ملموساً يف حياته ‪ ،‬فمن مسات اجلدية ومظاهرها ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫انطلق حنو القمة‬

‫وجل ‪:‬‬
‫عز َّ‬
‫‪ -1‬اإلخالص هلل َّ‬
‫إن اإلخالص هلل ع' َّ'ز وج' َّ'ل هو الف''ارق األس''اس بني اجلاد وغري اجلاد ؛ ألن املخلص إما‬
‫أن يك' ''ون منافق ' 'اً ‪ ،‬وإما أن يك' ''ون مرائيّ ' 'اً ‪ ،‬واملس' ''لم اجلاد ال ميكن أن يك' ''ون منافق ' 'اً وال‬
‫﴿و َم ا‬‫مرائي ' 'اً ؛ ألن هدفه يف احلي' ''اة هو رضا اهلل ع' ' َّ'ز وج' ' َّ'ل وإح' ''راز ثوابه ‪ .‬ق' ''ال تع' ''اىل ‪َ :‬‬
‫أ ُ ِم ُروا إِاَّل لِ َي ْع ُبدُوا هَّللا َ ُم ْخلِصِ ينَ َل ُه الدِّينَ ُ‬
‫ح َن َفا َء ﴾ [البينة‪ :‬من اآلية‪. ]5‬‬
‫أما املن' ' ''افق واملرائي فإنه ذو شخص' ' ''ية متذبذبة ال إىل ه' ' ''ؤالء وال إىل ه' ' ''ؤالء ‪ ،‬فخ' ' ''رج‬
‫ب''ذلك عن مسة اجلدية إىل العبثية واالعوج''اج نتيجة لغي''اب اإلخالص ال''ذي هو أس''اس قب''ول‬
‫األعمال وروحها ‪.‬‬
‫‪ -2‬متابعة النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫وه' ''ذا هو الف' ''ارق الث' ''اين بني اجلاد وغري اجلاد ؛ ألن املس' ''لم اجلاد يس' ''عى ليك' ''ون عمله‬
‫مقبوالً ‪ ،‬والعمل' املقبول هو الذي' يتوافر فيه شرطان ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬اإلخالص ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬متابعة النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬
‫وال يعكر على ذلك اجتهاد أهل الكفر يف كفرهم ‪ ،‬وأهل األهواء يف أهوائهم' ‪ ،‬وأهل‬
‫الباطل يف باطلهم‪ ،‬فإن هذه ليست باجلدية املشروعة اليت توصل إىل الفوز' والفالح يوم‬
‫س ِرينَ أَ ْع َماالً‬ ‫القيامة‪ ،‬وإمنا هي جهود باطلة وسعي غري مشكور‪﴿ .‬قُلْ َهلْ ُن َن ِّب ُئ ُك ْم ِباأْل َ ْخ َ‬
‫ص ْنعاً﴾‬ ‫س ُبونَ أَ َّن ُه ْم ُي ْحسِ ُنونَ ُ‬ ‫س ْع ُي ُه ْم فِي ا ْل َح َيا ِة ال ُّد ْن َيا َو ُه ْم َي ْح َ‬ ‫* ا َّلذِينَ َ‬
‫ضل َّ َ‬
‫[الكهف‪ .]103:‬قال النبي صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس‬
‫منه فهو ر ٌّد )) [ متفق عليه ] وقال عليه الصالة والسالم‪(( :‬من عمل عمالً ليس‬
‫عليه أمرنا فهو ر ّد))[ رواه مسلم ]‪ .‬وقال تعالى‪َ ﴿ :‬ف ْل َي ْح َذ ِر ا َّلذِينَ ُي َخالِفُونَ َعنْ أَ ْم ِر ِه‬
‫اب أَلِي ٌم﴾ [النور‪ :‬من اآلية‪ . ]63‬وقال سبحانه ‪َ ﴿ :‬فال‬ ‫أَنْ ُتصِ ي َب ُه ْم فِ ْت َن ٌة أَ ْو ُيصِ ي َب ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫ش َج َر َب ْي َن ُه ْم ُث َّم ال َي ِجدُوا فِي أَ ْنفُسِ ِه ْم‬ ‫َو َر ِّب َك ال ُي ْؤ ِم ُنونَ َح َّتى ُي َح ِّك ُمو َك فِي َما َ‬
‫س ِّل ُموا َت ْسلِيماً﴾ [النساء‪. ]65:‬‬ ‫ض ْي َت َو ُي َ‬ ‫َح َرجا ً ِم َّما َق َ‬

‫‪3‬‬
‫انطلق حنو القمة‬
‫‪ -3‬االعتدال والوسطية ‪:‬‬
‫فالجدية ال تعني الغلو ‪ ،‬وإنما تعني االعتدال والوسطية ‪ ،‬وقد نهى هللا‬
‫عز وج َّل عن الغلو فقال ‪َ ﴿ :‬يا أَهْ ل َ ا ْل ِك َتا ِ‬
‫ب ال َت ْغلُوا فِي دِي ِن ُك ْم ﴾ [النساء‪.]171:‬وبين‬ ‫َّ‬
‫النبي صلى اهلل عليه وسلم أن الغلو هو سبب اهلالك والدمار' فقال عليه الصالة والسالم ‪:‬‬
‫(( إياكم والغلو يف الدين ‪ ،‬فإمنا هلك من كان قبلكم بالغلو يف الدين )) [ رواه أمحد والنسائي‬

‫وصححه األلباين ] ‪.‬‬


‫فاالعتدال والوسطية يؤديان إىل دميومة العمل ‪ .‬االستمرار يف الطاعات وعدم االنقطاع‬
‫والفتور‪ ،‬والنيب صلى اهلل عليه وسلم يقول‪(( :‬أحب األعمال إىل اهلل أدومها وأن قل))[ متفق‬

‫عليه]‪.‬‬
‫وقال صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬أحب األديان إىل اهلل احلنيفية السمحة )) [ أخرجه أمحد‬

‫والطرباين وحسنه األلباين ] ‪.‬‬


‫‪ -4‬اإلقبال على الطاعات ‪:‬‬
‫إن اإلقبال على طاعة اهلل تعاىل ‪ ،‬واغتنام األوقات يف عبادته وذكره وشكره ‪،‬‬
‫واالستزادة من ذلك ليس من الغلو بشرط أن يكون يف حدود املشروع ‪ ،‬وقد كان النيب‬
‫صلى اهلل عليه وسلم يصلي من الليل حىت تنفطر قدماه‪ ،‬فلما سئل يف ذلك قال‪(( :‬أفال‬
‫أكون عبداً شكوراً))‪.‬‬
‫وكان النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬يا أيها الناس توبوا إىل ربكم ‪ ،‬فواهلل إين ألتوب‬
‫إىل اهلل عز وجل يف اليوم' مائة مرة )) [ رواه مسلم ] ‪.‬‬
‫ومعلوم أن اإلميان عند أهل السنة يزيد وينقض ‪ ،‬يزيد بالطاعات وينقض باملعاصي ‪،‬‬
‫فاإلقبال على الطاعات والضرب يف كل باب من أبواهبا بسهم هو مما يزيد اإلميان ‪ ،‬وهو‬
‫كذلك من أكرب الدالئل على جدية املسلم يف عبادته هلل تعاىل ‪ ،‬قال تعاىل ‪ُ ﴿ :‬خ ُذوا َما‬
‫آ َت ْي َنا ُك ْم ِبقُ َّو ٍة َو ْاذ ُك ُروا َما فِي ِه َل َع َّل ُك ْم َت َّتقُونَ ﴾ [ألعراف‪ :‬من اآلية‪.]171‬‬
‫‪ -5‬وضوح الهدف وتبني الغايات الحميدة ‪:‬‬
‫لو سألت شرحية من غري املسلمني قوامها' مائة رجل مثالً عن أهدافهم يف احلياة‬

‫‪4‬‬
‫انطلق حنو القمة‬
‫لوجدت اختالفاً كبرياً' يف إجاباهتم ‪ ،‬فهذا' هدفه املال ‪ ،‬وهذا هدفه املنصب ‪ ،‬وهذا هدفه‬
‫املكانة االجتماعية ‪ ،‬وهذا هدفه الشهرة ‪ ،‬وهذا االخرتاع واالكتشاف ‪ ،‬وهذا هدفه التأثري‬
‫يف الناس وغري ذلك ‪.‬‬
‫أما املسلم احلق فمهما' مجعت له من شرائح ‪ ،‬ومهما تعددت اجتهاداهتم ‪ ،‬فإن اهلدف‬
‫األساس واضح عند كل مسلم وضوح الشمس وهو رضا اهلل تعاىل وإحراز ثوابه ‪ ،‬ولذلك‬
‫فإن املسلم جيعل مجيع أعماله األخرى ومجيع تطلعاته مبثابة خدم ووسائل وآليات متكنه من‬
‫اي َو َم َماتِي هَّلِل ِ َر ِّب‬ ‫صالتِي َو ُن ُ‬
‫سكِي َو َم ْح َي َ‬ ‫الوصول إىل هذا اهلدف الرئيس ﴿قُلْ إِنَّ َ‬
‫ت َوأَ َنا أَ َّول ُ ا ْل ُم ْسلِمِينَ ﴾ [األنعام‪. ]163 - 162:‬‬‫ش ِري َك َل ُه َو ِب َذلِ َك أُم ِْر ُ‬
‫ا ْل َعا َلمِينَ * ال َ‬
‫إن املسلم يستطيع بتبين الغايات احلميدة أن جيعل من نومه ومن أكله ومن شربه ‪،‬‬
‫ومن مجيع مناشط أوقاته فراغه ومناشط الرتفيه لديه ‪ ،‬ميكن أن جيعل من ذلك كله عبادات‬
‫يثاب عليها ‪ ،‬إذا استحضر النية الصاحلة عند مباشرهتا ‪ ،‬وهذا معىن اجلدية اليت ندندن‬
‫حوهلا ‪.‬‬
‫قال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ ((:‬ويف بضع أحدكم صدقة )) قالوا' ‪ :‬يا رسول اهلل ‪:‬‬
‫أيأيت أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال ‪(( :‬أرأيتم إن وضعها يف حرام أما كان عليه‬
‫وزر ؟)) قالوا' ‪ ،‬بلي ‪ .‬قال ‪ (( :‬كذلك إذا وضعها يف حالل كان له هبا أجر )) ‪.‬‬
‫إذن فالبد من ضبط احلياة كلها بضوابط احلالل واحلرام ‪ ،‬ويكون اهلدف يف ذلك‬
‫واضحاً مع وجوب التحلي باإلرادة القوية والعزمية الصادقة اليت تدفع' اإلنسان إىل النشاط‬
‫والعمل اجلاد من أجل حتقيق هذا اهلدف املراد ‪.‬‬
‫‪ -6‬علو الهمة ‪:‬‬
‫علو اهلمة من أكرب مسات اجلادين ‪ ،‬فإن صاحب اهلمة العالية ال يرضى بالكيل ‪ ،‬وال‬
‫يركن إىل الراحة والفتور' ‪ ،‬وال تستهويه سفاسف األمور' وتوافه القضايا ‪ ،‬وإمنا تقوده مهته‬
‫إىل معايل األمور' وعظائم القضايا ‪ ،‬فرتاه يريد بلوغ الكمال يف باب العلم ‪ ،‬وبلوغ‬
‫الكمال يف باب العبادة ‪ ،‬وبلوغ الكمال يف أبواب السلوك واآلداب واألخالق ‪ ،‬والعمر'‬

‫‪5‬‬
‫انطلق حنو القمة‬
‫قصري ولكنه جيد وجيتهد فينتقل من حال إىل حال أكمل منه ‪ ،‬ومن منزلة إىل منزل أعلى‬
‫اع ُبدْ َر َّب َك َح َّتى َيأْ ِت َي َ‬
‫ك ا ْل َيقِينُ ﴾ [الحجر‪:‬‬ ‫‪ ،‬ويستمر على ذلك حىت املوت قال تعاىل ‪َ :‬‬
‫﴿و ْ‬
‫‪ . ]99‬واليقني هو املوت بإمجاع املفسرين ‪.‬‬
‫السن وما‬
‫فعلت ُّ‬‫قال ابن اجلوزي رمحه اهلل ‪ " :‬خلقت يل مهة عالية تطلب الغايات ‪ِ ،‬‬
‫لت ‪ ،‬فأخذت أسأل تطويل العمر ‪ ،‬وتقوية البدن وبلوغ اآلمال ‪ ،‬فأنكرت‬ ‫بلغت ما َّأم ُ‬
‫علي العادات وقالت' ‪ :‬ما جرت عادة مبا تطلب ! فقلت ‪ :‬إمنا أطلب من قادر خيرق‬ ‫َّ‬
‫العادات ‪ ،‬وقد قيل لرجل‪ :‬لنا حوجية ‪ ،‬فقال ‪ :‬اطلبوا هلا رجيالً !! وقيل آلخر ‪ :‬جئناك يف‬
‫رؤك(‪ )1‬فقال ‪ :‬هالَّ طلبتم هلا سفاسف الناس! فإذا كان أهل األنفة من أرباب‬ ‫حاجة ال ْتز ُ‬
‫الدنيا يقولون ذلك ‪ ،‬فلم ال نطمع يف فضل كرمي قاد ٍر (‪ )2‬؟‪.‬‬
‫‪ -7‬صحبة الجادين ‪:‬‬
‫من أهم عوامل تثبيت املسلم على مسة اجلدية ‪ :‬صحبة اجلادين ؛ ألن اإلنسان يتأثر‬
‫مبخالطة ‪ ،‬والصاحب' ساحب ‪ ،‬فإذا صحب املسلم أهل اللغو واللعب' والبطالة وتضييع‬
‫األوقات تأثر بأحواهلم ورمبا صار واحداً منهم مع مرور الوقت' ‪.‬‬
‫وإذا خالط أهل اجلد واالجتهاد والعبادة والطاعة ‪ ،‬وعلو اهلمة تأثر هبم ‪ ،‬وقلدهم يف‬
‫أقواهلم وأفعاهلم ‪ ،‬ومبرور الوقت تصبح اجلدية وعلو اهلمة مسة له وصفة من صفاته ‪،‬‬
‫فالصاحب ينتفع أشد االنتفاع ويشقى أشد الشقاء بصاحبه ‪ ،‬ولذلك قال النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ (( :‬املرء على دين خليله فلينظر أحدكم من خيالل )) ‪.‬‬
‫‪ -8‬مواجهة المشكالت ‪:‬‬
‫إن صاحب اجلدية ال يهرب من مشكالته وال يرتكه دون حلول ‪ ،‬وال جيعلها حجر‬
‫عثرة يف طريقه ‪ ،‬وإمنا يواجه مشكالته حبكمة وتؤدة ‪ ،‬وجيعل من مشكالته وأزماته نقاط‬
‫انطالق جديدة ‪ ،‬يكتشف من خالهلا ما وهبه اهلل تعاىل من قدرة على التفكري وإجياد‬

‫‪1‬‬
‫ال تزرؤك ‪ :‬ال تتعبك ‪.‬‬ ‫()‬
‫‪2‬‬
‫صيد اخلاطر ص (‪. ) 418 ، 419‬‬ ‫()‬
‫‪6‬‬
‫انطلق حنو القمة‬
‫احللول لكل ما يعرتيه من حمن وابتالءات ‪.‬‬
‫وصاحب اجلدية خيتار الوقت' املناسب ملعاجلة مشكالته ‪ ،‬وهي أوقات الراحة والتأمل‬
‫وفراغ الذهن ‪.‬‬
‫وقد حيتاج إىل مساعدة اآلخرين ‪ ،‬ولكنه ال يعرض مشكالته على املتشائمني املثبطني‬
‫هم هلم سوى بث اليأس ‪ ،‬وداللة الناس على الطرق املسدودة ‪ ،‬وإمنا يعرض‬ ‫الذين ال َّ‬
‫مشكالته على من حيبه من أصدقائه الذين عرفوا' باإلجيابية ورجاحة العقل ودقة النظر ‪.‬‬
‫‪ -9‬الشمولية ‪:‬‬
‫إن املسلم اجلاد هو الذي يأخذ الدين كله كما جاء من عند اهلل تعاىل‪ .‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬يا‬
‫ش ْي َط ِ‬
‫ان إِ َّن ُه َل ُك ْم َعد ٌُّو‬ ‫ت ال َّ‬ ‫أَ ُّي َها ا َّلذِينَ آ َم ُنوا ادْ ُخلُوا فِي ِّ‬
‫الس ْل ِم َكا َّف ًة َوال َت َّت ِب ُعوا ُخ ُط َوا ِ‬
‫ُم ِبينٌ ﴾ [البقرة‪.]208:‬‬
‫قال ابن كثري رمحه اهلل ‪ " :‬يقول اهلل تعاىل آمراً عباده املؤمنني به املصدقني برسوله أن‬
‫يأخذوا جبميع عرى اإلسالم وشرائعه ‪ ،‬والعمل جبميع أوامره ‪ ،‬وترك مجيع زواجره ‪ ،‬ما‬
‫استطاعوا من ذلك ‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬أي اعملوا جبميع' األعمال ووجوه الرب(‪. )3‬‬
‫فليس من اإلسالم أن ينتقي املسلم من دين اهلل ما يشاء فيعمل به ويرتك ما يشاء ‪.‬‬
‫وليس من اجلدية أن يفعل اإلنسان ما سهل عليه ويرتك ما يراه صعباً من الفرائض'‬
‫﴿و َما َج َعل َ َع َل ْي ُك ْم‬ ‫والواجبات ‪ ،‬فالدين كله يسر وقد رفع اهلل عن عباده احلرج قال تعاىل ‪َ :‬‬
‫﴿و َل َقدْ َت َر ْك َناهَا آ َي ًة َف َهلْ مِنْ ُم َّدك ٍِر ﴾‬
‫ج ﴾ [الحج‪ :‬من اآلية‪ .]78‬وقال تعاىل ‪َ :‬‬ ‫ين مِنْ َح َر ٍ‬ ‫فِي ال ِّد ِ‬
‫[القمر‪.]15:‬‬
‫وقال النيب صلى اهلل عليه وسلم ‪ (( :‬إن الدين يسر ‪ ،‬وال يشاد الدين أحد إال غلبه ‪،‬‬
‫فسددوا وقاربوا' وأبشروا )) [ رواه البخاري ] ‪.‬‬
‫فعلى املسلم اجلاد أن يأخذ اإلسالم بشموليته حىت ال يتشبه بغري املسلمني الذين قال‬
‫ض َف َما َج َزا ُء َمنْ َي ْف َعل ُ َذلِ َك ِم ْن ُك ْم‬ ‫ب َو َت ْكفُ ُرونَ ِب َب ْع ٍ‬ ‫اهلل فيهم ‪ ﴿ :‬أَ َف ُت ْؤ ِم ُنونَ ِب َب ْع ِ‬
‫ض ا ْل ِك َتا ِ‬
‫‪3‬‬
‫تفسري ابن كثري ( ‪. ) 324 /1‬‬ ‫()‬
‫‪7‬‬
‫انطلق حنو القمة‬
‫ب َو َما هَّللا ُ ِب َغاف ٍِل َع َّما‬ ‫ي فِي ا ْل َح َيا ِة ال ُّد ْن َيا َو َي ْو َم ا ْلقِ َيا َم ِة ُي َردُّونَ إِ َلى أَ َ‬
‫ش ِّد ا ْل َع َذا ِ‬ ‫إِاَّل خ ِْز ٌ‬
‫َت ْع َملُونَ ﴾ [البقرة‪ :‬من اآلية‪.]85‬‬
‫‪ -10‬ترك التسويف ‪:‬‬
‫إن صاحب اجلدية ال يعرف التسويف وال يعتمد على األماين الكاذبة ‪ ،‬وإمنا يبادر إىل‬
‫الطاعات وإشغال الوقت بالعبادات ‪ ،‬واالنتظام يف سلم املؤمنني الصادقني ‪ .‬فيتوب كل يوم‬
‫وكل ساعة وبعد العمل وقلبه ‪ ،‬وال يقول سوف أتوب ويرتك التوبة ‪ ،‬حياسب نفسه مراراً‬
‫وال يقول سوف أحاسب نفسي فيما بعد ‪ ،‬حيافظ على الصالة يف مواقيتها' ‪ ،‬وال يضيعها‬
‫ويقول سوف أحافظ على صاليت ‪ ،‬يقرأ القرآن ويتدبره ويعمل به ‪ ،‬وال يقول سوف أقرأ‬
‫أو سوف أعمل ‪ ،‬وهكذا فإنه مشغول دائماً بأعمال اخلري وقضايا اإلسالم واملسلمني ‪ ،‬قد‬
‫قصر أمله يف هذه الدنيا ‪ ،‬فأثر ذلك يف سلوكه وأعماله ؛ مهة ونشاطاً وإقباالً على اهلل‬
‫تعاىل بال تردد وال تسويف ‪.‬‬
‫‪ -11‬إدامة النظر في السيرة النبوية وسير الصحابة ‪:‬‬
‫من أعظم األمور' اليت تدفع إىل اجلدية النظر يف سري أهل اجلد واالجتهاد من األنبياء‬
‫صصِ ِه ْم عِ ْب َرةٌ أِل ُولِي اأْل َ ْل َبابِ﴾‬
‫والصحابة رضوان اهلل عليهم‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ل َقدْ َكانَ فِي َق َ‬
‫[يوسف‪]111:‬‬
‫وتعد سرية النيب صلى اهلل عليه وسلم أعظم معني للجدية ‪ ،‬فقد واجه النيب صلى اهلل‬
‫عليه وسلم الكفر مبفرده ‪ ،‬وحتمل يف سبيل نشر اإلسالم كل صنوف األذى واالضطهاد ‪،‬‬
‫فلم تلن له قناة ‪ ،‬ومل تفرت له عزمية ‪ ،‬وإمنا أعلنها صرحية قوية يف وجوه أهل الكفر مجيعاً‬
‫(( واهلل لو وضعوا' الشمس يف مييين ‪ ،‬والقمر' يف يساري على أن أترك هذا األمر ما تركته‬
‫حىت يظهره اهلل أو أهلك دونه )) ‪ .‬إهنا جدية صاحب الدعوة الذي' آمن بدعوته ونذر هلا‬
‫نفسه ووقته وجهده وجاهه وكل شيء من أمره ‪.‬‬
‫‪ -12‬البعد عن الترف ‪:‬‬
‫الرتف من مسات أهل البطالة والكسل ؛ ألنه مورث اخلمول والدعة ‪ .‬وأمجع كل‬
‫عاقل على أنه ال يدرك نعيم بنعيم ‪ ،‬واملكارم ال يتوصل إليها إال باملكاره ‪ .‬فمنافاة الرتف‬

‫‪8‬‬
‫انطلق حنو القمة‬
‫‪ ،‬وهجر فضول التنعم' من مقومات اهلمة العالية (‪. )4‬‬
‫قال بعض السلف ‪ :‬ال ينال العلم براحة اجلسد ‪.‬‬
‫لقد ملك النيب صلى اهلل عليه وسلم مفاتيح خزائن األرض ‪ ،‬ولو شاء لكان ملكاً‬
‫رسوالً ‪ ،‬ولكنه رضي أن يكون عبداً رسوالً ‪ ،‬جيوع يوماً فيحمد ربه ‪ ،‬ويشبع يوماً‬
‫فيشكر ربه ‪ ،‬ولقد' ذكر عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه ما أصاب الناس من الدنيا فقال ‪:‬‬
‫لقد رأيت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ‪ ،‬ما يجد من الدقل ما‬
‫يمأل به بطنه )) [ رواه مسلم ] ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪4‬‬
‫اهلمة معامل يف طريق علي اهلمة ص ‪ 30‬باختصار ‪.‬‬ ‫()‬
‫‪9‬‬

You might also like