You are on page 1of 55

‫اململكة العربية السعودية‬

‫وزارة التعليم العايل‬

‫جامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية‬

‫عمادة التعليم اإللكرتوين‬

‫والتعليم عن بعد‬

‫قسم العقيدة واملذاهب املعاصرة‬

‫مقرر توحيد املعرفة واإلثبات‬


‫عقد‪114‬‬
‫املستوى األول – كلية أصول الدين‬

‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرمحن الرحيم‬

‫*أهداف املقرر‪-:‬‬

‫‪ -1‬أن يعرف الطالب املراد بأهل السنة واجلماعة‪ ،‬واهم خصائصهم‪.‬‬

‫‪ -2‬أن يعرف الطالب مصادر تلقي العقيدة عند أهل السنة واجلماعة‪ ،‬ومنهجهم يف العقيدة‪.‬‬

‫‪ -3‬أن يعرف الطالب التوحيد‪ ،‬وأمهيته‪ ،‬وأقسامه‪.‬‬

‫‪ -4‬أن يعرف الطالب املسائل املتعلقة بتوحيد الربوبية‪ ،‬وأدلته‪ ،‬ومظاهر االحنراف فيه إمجاالً‪.‬‬

‫‪ -5‬أن يعرف الطالب املسائل املتعلقة بتوحيد األمساء والصفات‪ ،‬وأدلته‪ ،‬ومظاهر االحنراف‬
‫فيه إمجاالً‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫(‪)1‬‬
‫*املراد بأهل السنة واجلماعة‪:‬‬

‫السنة يف اللغة‪ :‬الطريقة والسرية‪.‬‬

‫أما يف اصطالح علماء العقيدة؛ فإن السنة تطلق ويراد هبا‪ :‬طريقته صلى هللا عليه وسلم وطريقة‬
‫أصحابه يف أصول الدين اليت من خالفها خالف سبيل املؤمنني‪.‬‬

‫وهي هبذا اإلطالق تقابل‪ :‬البدعة‪ ،‬وهذا اإلطالق هو املراد هنا‪.‬‬

‫وتطلق السنة عند احملدثني على كل ما أضيف إىل النيب صلى هللا عليه وسلم من قول أو فعل أو‬
‫تقرير‪ ،‬وتطلق عند الفقهاء على ما يقابل الفرض والواجب‪ ،‬لكنه ليس مر ًادا هنا‪.‬‬

‫واجلماعة يف اللغة‪ :‬مأخوذة من مادة (مجع) وهي تدور على اجلمع واالجتماع؛ ضد الفرقة‪.‬‬

‫ويف الشرع يراد هبا‪ :‬الصحابة والتابعون هلم بإحسان إىل يوم الدين من أهل العلم واالتباع‪.‬‬

‫فأهل السنة واجلماعة‪ :‬هم من كان على مثل ما كان عليه النيب صلى هللا عليه وسلم وأصحابه‪،‬‬
‫وهم املتمسكون بسنة النيب‪ ،‬وهم الصحابة‪ ،‬والتابعون‪ ،‬وأئمة اهلدى املتبعون هلم‪ ،‬وهم الذين‬
‫استقاموا على االتباع‪ ،‬وجانبوا االبتداع يف أي مكان وزمان‪ ،‬وهم باقون منصورون إىل يوم القيامة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ومسوا بذلك؛ النتساهبم لسنة النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬واجتماعهم على األخذ هبا ظاهراً وباطناً‪،‬‬
‫يف القول‪ ،‬والعمل‪ ،‬واالعتقاد‪ ،‬والجتماعهم على إمام مسلم يطيعونه يف غري معصية‪ ،‬وجياهدون‬
‫معه‪ ،‬وينصحون له‪ ،‬ففارقوا هبذين الوصفني طوائف من أهل البدع الذين اليعظمون السنة وال‬
‫يدينون هلل بطاعة والة املسلمني‪.‬‬

‫‪ -‬أمساء أهل السنة واجلماعة‪:‬‬

‫أيضا‪:‬أهل السنة –بدون إضافة اجلماعة‪ ،-‬وأهل اجلماعة‪ ،‬واجلماعة‪،‬‬


‫أهل السنة واجلماعة يسمون ً‬
‫أيضا فيقال‪ :‬سلفيون‪ ،‬وأهل األثر‪ ،‬وأهل احلديث‪ ،‬والفرقة‬
‫والسلف الصاحل‪ ،‬وينتسبون للسلف ً‬
‫الناجية‪ ،‬والطائفة املنصورة‪ ،‬وأهل االتباع‪.‬‬

‫‪ -‬ألقاب السوء اليت وصف هبا املخالفون أهل السنة‪:‬‬

‫لقَّب أهل األهواء والبدع قدميًا وحديثًا أهل السنة واجلماعة بألقاب منفرة‪ ،‬قصدوا هبا صرف الناس‬
‫عنهم‪ ،‬وتشويه ما حيملونه من احلق‪ ،‬قال اإلمام أمحد‪":‬وقد أحدث أهل األهواء والبدع واخلالف‬
‫أمساء شنيعة قبيحة يسمون هبا أهل السنة؛ يريدون بذلك الطعن عليهم‪ ،‬واإلزراء هبم عند السفهاء‬
‫واجلهال"(‪.)1‬‬

‫فمن هذه األلقاب‪ :‬تسمية أهل الكالم هلم باحلشوية‪ ،‬واملشبهة‪ ،‬واجملسمة‪ ،‬والنابتة‪ ،‬والرافضة‬
‫تسميهم‪:‬الناصبة‪ ،‬واخلوارج يسموهنم‪ :‬مرجئة‪ ،‬والقدرية تسميهم‪ :‬جمربة‪ ...‬إخل‪.‬‬

‫(‪ )1‬طبقات احلنابلة ‪. 33/1‬‬


‫‪4‬‬
‫وهذا دليل إفالسهم من احلجج والرباهني‪ ،‬قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرمحن بن حسن آل‬
‫الشيخ‪" :‬ومن عادة أهل البدع إذا أفلسوا من احلجة‪ ،‬وضاقت عليهم السبل؛ تروحوا إىل عيب أهل‬
‫السنة وذمهم ومدح أنفسهم"(‪.)2‬‬

‫(‪)2‬‬
‫*أهم خصائص أهل السنة واجلماعة‪:‬‬

‫ألهل السنة خصائص وميزات ميتازون هبا عن غريهم من أهل امللل والنحل‪ ،‬وجيدر بكل من‬
‫انتسب إليهم أن يأخذ هبا‪ ،‬ويأطر نفسه عليها‪ ،‬حىت ينال ما نالوه من خري وفضل‪.‬‬

‫فمن تلك اخلصائص اليت متيز هبا أهل السنة واجلماعة ما يلي‪:‬‬

‫‪ _1‬االقتصار يف التلقي على الكتاب والسنة واإلمجاع‪ :‬فهم ينهلون من هذا املنهل العذب‬
‫عقائدهم‪ ،‬وعباداهتم‪ ،‬ومعامالهتم‪ ،‬وسلوَكهم‪ ،‬وأخالقهم‪ ،‬فكل ما وافق الكتاب والسنة قبلوه‬
‫َ‬
‫وأثبتوه‪ ،‬وكل ما خالفهما ردوه على قائله كائناً من كان‪.‬‬

‫‪ _2‬التسليم لنصوص الشرع‪ ،‬وفهمها على مقتضى منهج السلف‪ :‬فهم يسلِّمون لنصوص الشرع‪،‬‬
‫سواء فهموا احلكمة منها أم ال‪ ،‬وال يعرضون النصوص على عقوهلم‪ ،‬بل يعرضون عقوهلم على‬
‫النصوص‪ ،‬ويفهموهنا كما فهمها السلف الصاحل‪.‬‬

‫(‪ )1‬الدرر السنية ‪.100/5‬‬


‫‪5‬‬
‫‪ _3‬االتباع وترك االبتداع‪ :‬فهم ال يقدمون بني يدي هللا ورسوله‪ ،‬وال يرفعون أصواهتم فوق صوت‬
‫النيب وال يرضون ألحد كائناً من كان أن يرفع صوته فوق صوت النيب صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫‪ _4‬االهتمام بالكتاب والسنة‪ :‬فهم يهتمون بالقرآن حفظاً وتالوة‪ ،‬وتفسرياً‪ ،‬وباحلديث دراية‬
‫ورواية‪ ،‬فهم أعلم الناس بالكتاب والسنة‪.‬‬

‫‪ _5‬احتجاجهم بالسنة الصحيحة وترك التفريق بني املتواتر واآلحاد‪ :‬سواء يف األحكام أو العقائد‪،‬‬
‫فهم يرون حجية احلديث إذا صح عن رسول هللا ولو كان آحاداً‪.‬‬

‫‪ _6‬ليس هلم إمام معظم يأخذون كالمه كله‪ ،‬ويدعون ما خالفه إال الرسول صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫أما غري الرسول فإهنم يعرضون كالمه على الكتاب والسنة‪ ،‬فما وافقهما قُبِّل‪ ،‬وما ال فال‪ ،‬فهم‬
‫يعتقدون أن كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إال الرسول صلى هللا عليه وسلم‪.‬‬

‫أما غريهم من الفرق األخرى‪ ،‬ومن متعصبة املذاهب‪ ،‬فإهنم يأخذون كالم أئمتهم كله حىت ولو‬
‫خالف الدليل‪.‬‬

‫‪ _7‬تعظيم السلف الصاحل‪ :‬فأهل السنة يعظمون السلف الصاحل‪ ،‬ويقتدون هبم‪ ،‬ويهتدون هبديهم‪،‬‬
‫ويرون أن طريقتهم هي األسلم‪ ،‬واألعلم‪ ،‬واألحكم‪.‬‬

‫‪ _8‬احلرص على مجع كلمة املسلمني على احلق‪ :‬فهم حريصون كل احلرص على وحدة املسلمني‪،‬‬
‫وِّل شعثهم‪ ،‬ومجع كلمتهم على احلق‪ ،‬وإزالة أسباب النزاع والفرقة بينهم؛ لعلمهم أن االجتماع‬
‫رمحة‪ ،‬وأن الفرقة عذاب؛ وألن هللا_عز وجل_أمر باالئتالف‪ ،‬وهنى عن االختالف كما يف قوله‬
‫اّلل ح َّق تُ َقاتِِّّه وال متَُوتُ َّن إِّالَّ وأَنْتُم مسلِّمو َن (‪ )102‬و ْاعتَ ِّ‬
‫ص ُموا ِِّبَْب ِّل‬ ‫َّ ِّ‬
‫َ‬ ‫َ ُْْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ين َآمنُوا ات َُّقوا ََّ َ‬
‫تعاىل‪( :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫مجيعاً َوال تَ َفَّرقُوا) آل عمران‪.‬‬ ‫اّللِّ َِّ‬
‫َّ‬
‫‪6‬‬
‫خبالف الذين يسعون للفرقة بني املسلمني‪ ،‬ويبذرون بذور الشقاق يف صفوفهم‪ ،‬فيفرقوهنم عند أدىن‬
‫نازلة‪ ،‬وحيزبوهنم ويؤلبون بعضهم على بعض‪ ،‬ويُغرون بعضهم ببعض‪.‬‬

‫‪ _9‬ال يوالون وال يعادون إال على أساس الدين‪ ،‬فال ينتصرون ألنفسهم‪ ،‬وال يغضبون هلا‪ ،‬وال‬
‫ِّ‬
‫يوالون ل ُعبِّيَّة جاهلية‪ ،‬أو عصبية مذهبية‪ ،‬أو راية حزبية‪ ،‬وإمنا يوالون على الدين‪ُ ،‬‬
‫فوالؤهم هلل‪،‬‬
‫وبراؤهم هلل‪ ،‬ومواقفهم ثابتة‪ ،‬ال تتبدل وال تتغري‪ ،‬وال ينتسبون إال إىل السنة واجلماعة والسلف‪.‬‬

‫‪ _10‬اجلمع بني العلم والعبادة‪ :‬خبالف غريهم‪ ،‬فإما أن يشتغل بالعبادة عن العلم‪ ،‬أو بالعلم عن‬
‫العبادة‪ ،‬أما أهل السنة واجلماعة فيجمعون بني األمرين‪.‬‬

‫‪ _11‬ويدعون إىل مكارم األخالق وحماسن األعمال ويعتقدون معىن قوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫"أكمل املؤمنني إميانا أحسنهم خلقا" رواه أمحد وغريه‪ .‬ويندبون إىل أن تصل من قطعك ‪ ،‬وتعطي‬
‫من حرمك ‪ ،‬وتعفو عمن ظلمك ‪ ،‬ويأمرون برب الوالدين ‪ ،‬وصلة األرحام وحسن اجلوار واإلحسان‬
‫إىل اليتامى واملساكني وابن السبيل والرفق باململوك ‪ ،‬وينهون عن الفخر واخليالء والبغي واالستطالة‬
‫على اخللق ِبق أو بغري حق‪ ،‬ويأمرون مبعايل األخالق وينهون عن سفسافها‪.‬‬

‫‪ _12‬العدل‪ :‬فالعدل من أعظم املميزات ألهل السنة واجلماعة‪ ،‬فهم أعدل الناس‪ ،‬وأوالهم بامتثال‬
‫ني بِّالِّْق ْس ِّط ُش َه َداءَ َِّّّللِّ) النساء‪ .135‬وقوله‪َ ( :‬وإِّذَا‬ ‫ِّ‬
‫ين َآمنُوا ُكونُوا قَ َّوام َ‬
‫َّ ِّ‬
‫قول هللا عز وجل‪( :‬يَا أَيُّ َها الذ َ‬
‫اع ِّدلُوا َولَْو َكا َن َذا قُ ْرَب) األنعام ‪.152‬‬
‫قُْلتُ ْم فَ ْ‬

‫ك َج َعْلنَا ُك ْم أ َُّمةً َو َسطاً) البقرة‪ .143‬فالوسطية من أعظم ما‬ ‫ِّ‬


‫‪ _13‬الوسطية‪ :‬قال تعاىل‪َ ( :‬وَك َذل َ‬
‫يتميز به أهل السنة واجلماعة‪ ،‬فكما أن أمة اإلسالم وسط بني األمم اليت جتنح إىل الغلو الضار‪،‬‬

‫‪7‬‬
‫واألمم اليت متيل إىل التفريط املهلك_فكذلك أهل السنة واجلماعة؛ فهم متوسطون بني فرق األمة‬
‫املبتدعة اليت احنرفت عن الصراط املستقيم‪.‬‬

‫وتتجلى وسطية أهل السنة واجلماعة يف شىت األمور؛ سواء يف باب العقيدة‪ ،‬أو األحكام‪ ،‬أو‬
‫السلوك‪ ،‬أو األخالق‪ ،‬أو غري ذلك‪.‬‬

‫‪ _14‬عدم االختالف يف أصول االعتقاد‪ :‬فالسلف الصاحل ال خيتلفون_ِبمد هللا_يف أصل من‬
‫أصول الدين‪ ،‬وقواعد االعتقاد؛ فقوهلم يف أمساء هللا وصفاته وأفعاله واحد‪ ،‬وقوهلم يف اإلميان وتعريفه‬
‫ومسائله واحد‪ ،‬وقوهلم يف القدر واحد‪ ،‬وهكذا يف باقي األصول‪.‬‬

‫‪ _15‬سالمتهم من تكفري بعضهم لبعض‪ :‬فأهل السنة ساملون من ذلك‪ ،‬فهم يردون على املخالف‬
‫منهم‪ ،‬ويوضحون احلق للناس‪ ،‬فهم ُخي ِّطئون‪ ،‬وال يكفرون‪ ،‬وال يبدعون‪ ،‬وال يفسقون إال من‬
‫استحق ذلك‪.‬‬

‫خبالف غريهم من الطوائف األخرى كاخلوارج الذي يكثر فيهم االختالف والتضليل والتكفري؛ وهلذا‬
‫جتدهم يكفر بعضهم بعضاً عند أقل نازلة تنزل هبم من دقائق الفتيا وصغارها‪.‬‬

‫‪ _16‬سالمة قلوهبم وألسنتهم للصحابة رضوان هللا عليهم‪ ،‬فقلوهبم عامرة ِببهم‪ ،‬وألسنتهم تلهج‬
‫بالثناء عليهم‪ ،‬فأهل السنة يرون أن الصحابة خري القرون؛ ألن هللا_عز وجل_زكاهم وكذلك‬
‫رسوله‪.‬‬

‫‪ _17‬سالمتهم من احلرية واالضطراب‪ ،‬والتخبط والتناقض‪ :‬فأهل السنة واجلماعة أكثر الناس رضاً‬
‫ويقيناً‪ ،‬وطمأنينة‪ ،‬وإمياناً‪ ،‬وأبعدهم عن احلرية واالضطراب‪ ،‬والتخبط والتناقض‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫حىت إنه ليوجد عند عوام أهل السنة من بَ ْرِّد اليقني‪ ،‬وحسن املعتقد‪ ،‬والبعد عن احلرية_ما ال يوجد‬
‫وح َّذاقهم من أهل الكالم وغريهم‪ ،‬ممن اضطربوا يف تقرير عقائدهم‬
‫عند علماء الطوائف األخرى‪ُ ،‬‬
‫فحاروا وحريوا‪ ،‬وتعبوا وأتعبوا‪.‬‬

‫(‪)3‬‬
‫*مصادر التلقي يف العقيدة عند أهل السنة واجلماعة ‪:‬‬

‫العقيدة عند أهل السنة واجلماعة توقيفية ‪ ،‬ومعىن هذا ‪ :‬أنه ال جمال فيها لالجتهاد والرأي‪ ،‬بل‬
‫البد من داللة الكتاب أو السنة ‪ ،‬وهلذا فإن املصادر املعتمدة عند أهل السنة يف مسائل االعتقاد‬
‫ثالثة ‪:‬‬

‫‪ -3‬وإمجاع السلف ‪.‬‬ ‫‪ -2‬والسنة ‪.‬‬ ‫‪ -1‬الكتاب‪.‬‬

‫وميكن أن نسمي هذه امل صادر الثالثة ‪ ،‬مصادر أساسية أصلية استقاللية‪ ،‬يعين أننا ميكن أن‬
‫نستدل على مسألة عقدية بدليل واحد من هذه الثالثة ‪ ،‬ولو أتى مستقالً عن غريه ‪ .‬وقد يسأل‬

‫‪9‬‬
‫بعضهم ‪ :‬ملاذا أضيف اإلمجاع هلذه املصادر ؟ واجلواب ‪ :‬أهنما دال على أن اإلمجاع حجة قاطعة‪،‬‬
‫أيضا ال ميكن أن ينعقد اإلمجاع إالَّ مبستند من‬
‫فال ميكن أن جيتمع علماء األمة على ضاللة‪ ،‬و ً‬
‫الكتاب أو السنة ‪ ،‬فرجع إليهما‪.‬‬

‫‪ -‬بقي أن نشري إىل أن أهل السنة واجلماعة قد يستدلون يف بعض مسائل العقيدة مبصادر أخرى‬
‫كالعقل والفطرة‪ ،‬فإهنم إذا ذكروا مثالً مسألة "علو هللا على خلقه" يقولون‪ :‬هذا ثابت بالكتاب‬
‫والسنة واإلمجاع والعقل والفطرة‪ ،‬ومعىن هذا أهنم يستدلون هبذه املصادر(العقل‪،‬والفطرة) ؛ لكنهم‬
‫ال يستدلون هبا على وجه االستقالل ‪ ،‬بل جيعلوهنا مصادر عاضدة ومؤكدة ‪ ،‬فيؤيدون هبا ما ثبت‬
‫بالكتاب أو السنة أو اإلمجاع ‪ ،‬وال جيعلوهنا أي ‪ :‬العقل والفطرة وغريها تستقل يف االستدالل على‬
‫املسألة ‪.‬‬

‫فيمكن أن يقال إن املصادر هنا على قسمني‪-:‬‬

‫‪ -1‬أصلية أساسية استقاللية (الكتاب والسنة واإلمجاع)‪.‬‬


‫‪ -2‬وعاضده مؤكدة ال تستقل (ما عدا الثالثة كالعقل والفطرة)‪.‬‬
‫وإذا أطلق الكالم؛ فقيل‪ :‬ما مصادر أهل السنة يف االعتقاد؟ فإن اجلواب ينصرف إىل الثالثة‬
‫األوىل‪ ،‬أو يفصل الكالم ويبني مرتبة كل قسم ومىت يستدل به‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية بعدما ذكر األصول الثالثة املتقدمة‪(:‬وهم‪ -‬أي أهل السنة واجلماعة –‬
‫يزنون هبذه األصول الثالثة –أي‪:‬الكتاب والسنة واإلمجاع‪ -‬مجيع ما عليه الناس من أقوال وأعمال‬

‫‪10‬‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬وقال أيضاً ‪( :‬فدين املسلمني مبين على اتباع كتاب هللا‬ ‫باطنة وظاهرة مما له تعلق بالدين )‬
‫وسنة نبيه وما اتفقت عليه األمة‪ ،‬فهذه الثالثة أصول معصومة) (‪.)2‬‬

‫(‪)4‬‬
‫* عدم استقالل العقل مبعرفة أصول الدين ‪:‬‬

‫(‪ )1‬العقيدة الواسطية‪.‬‬


‫(‪ )1‬الفتاوى ‪.164/20‬‬
‫‪11‬‬
‫هذه املسألة متممة للحديث عن مصادر التلقي‪ ،‬وبياهنا‪ :‬أن العقل ال يستطيع أن يستقل مبعرفة‬
‫التوحيد وأمور العقيدة على وجه التفصيل ‪ ،‬وإن كان قد يعلم أشياء منها على وجه اإلمجال‬
‫كمعرفته للربوبية على وجه اإلمجال ‪ ،‬ومعرفته البعث واملعاد على وجه اإلمجال‪ ،‬ومعرفته أن الرب‬
‫البد أن يتصف بصفات الكمال على وجه اإلمجال‪ ،‬لكنه ال يستطيع معرفة تفاصيل ذلك ؛ فال‬
‫يستطيع أن يتعرف على أمساء هللا وصفاته اخلربية كصفة االستواء أو اليدين أوالوجه مثالً ‪ ،‬وال‬
‫يستطيع معرفة تفاصيل يوم املعاد من احلشر ودنو الشمس وانتظار الشفاعة واحلوض والصراط‬
‫وغريه‪ ،‬وهلذا كان مقتضى رمحته تعاىل أن بعث الرسل به معرفني ‪ ،‬ولو كانت العقول ميكن أن‬
‫تستقل بذلك أي‪ :‬مبعرفة تفاصيل العقيدة‪ ،‬لكانت احلجة قائمة على الناس بدون إنزال الكتب‬
‫ِّ‬
‫ث َر ُسوالً) اإلسراء‪ .15‬ول‬ ‫وإرسال الرسل‪ ،‬وهذا حمال ؛ وهلذا قال تعاىل ( َوَما ُكنَّا ُم َعذبِّ َ‬
‫ني َح َّىت نَْب َع َ‬
‫يقل‪ :‬عقالً أو حىت يكونوا عقالء‪.‬‬

‫*منزلة العقل عند السلف ‪:‬‬

‫وهذه املسألة متممة ملا سبق وجميبة على استفسار قد يطرح ‪ ،‬فقد يقول قائل‪ :‬على ما تقدم‬
‫من املسائل ما منزلة العقل عند أهل السنة؟‬

‫فيقال‪ :‬مما ال شك فيه أن العقل آلة للتمييز بني األشياء ومصدر من مصادر املعرفة ‪ ،‬وقد خاطب‬
‫وجعل العقل‬
‫هللا عز وجل يف كتابه أهل العقول واأللباب ‪ ،‬وأمر بالتفكر والتدبر يف غري ما آية‪ُ ،‬‬
‫مناط التكليف‪ ،‬فالعقل آلة للفهم والتدبر لكنه ال يستقل – كما تقدم – باملعرفة يف الشرع ‪،‬‬
‫فالتحليل والتحرمي واإلخبار بالغيب وغ ري ذلك مرده للشرع ‪ ،‬وإن كان العقل قد يدرك بعض أمور‬
‫العقيدة ‪-‬كما تقدم‪ -‬على وجه اإلمجال ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫واملقصود أن أهل السنة واجلماعة ينزلون العقل املنزلة الالئقة به‪ ،‬فال يهملون العقل وال يعطلونه ‪،‬‬
‫وكذلك ال جيعلونه فوق منزلته وال جيعلونه حجة بنفسه دون احلجة الرسالية؛ فهم وسط يف ذلك‬
‫بني طرفني ‪ .‬وهلذا فإهنم جيعلون من مهمة العقل ‪:‬‬

‫‪ -1‬التدبر والتفهم للنصوص الشرعية ‪.‬‬


‫‪ -2‬التفكر يف اآليات الكونية ‪.‬‬
‫عموما‪.‬‬
‫‪ -3‬استعمال احلجج والرباهني العقلية يف الرد على املخالفني ً‬
‫‪ -4‬االستدالل به اعتضاداً ال استقالالً كما تقدم يف مصادر التلقي ‪.‬‬
‫‪ -5‬العقل مناط التكليف‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫(‪)5‬‬
‫*منهج أهل السنة واجلماعة يف تقرير العقيدة والدفاع عنها‪:‬‬

‫من خالل تتبع كالم السلف رمحهم هللا فإنه ميكن أن نلخص بعض مساته العامة اليت منها ‪:‬‬

‫أهنم يبينون احلقائق العقدية بياناً واضحاً خالياً من التعقيد اللفظي أو املعنوي ‪ ،‬فال‬ ‫‪)1‬‬
‫يستعملون لفظاً يف غري معناه ‪ ،‬وال لفظاً جممالً حيتاج إىل بيان‪ ،‬وال حيملون اللفظ ما ال حيتمله من‬
‫وشرعا ‪ ،‬وال يستعملون مصطلحاً حادثاً ابتدعه املتكلمون ‪.‬‬
‫املعاين لغة ً‬

‫أهنم يستدلون على هذه احلقائق العقدية باألدلة الصحيحة من الكتاب والسنة واإلمجاع‬ ‫‪)2‬‬
‫والعقل الصحيح والفطرة ‪ ..‬وتقدمت اإلشارة إىل هذه املصادر‪ ،‬وبيان ما يستقل منها وما يكون‬
‫كدا‪.‬‬
‫عاضدا ومؤ ً‬
‫ً‬

‫أهنم يبينون اآلثار املرتتبة على االعتقاد الصحيح من حتقيق التسليم لنصوص الكتاب والسنة‬ ‫‪)3‬‬
‫وقوة اليقني والسالمة من البدع والنجاة من االحنراف عن سبيل هللا وسالمة القلب من الغل والبغض‬
‫ألهل السنة واجلماعة واالجتماع وعدم الفرقة يف الدين وبغض البدع وأهلها وغريها‪.‬‬

‫يبينون األصول العلمية الصحيحة لفهم الكتاب والسنة ومنها ‪:‬‬ ‫‪)4‬‬

‫‪ -1‬يؤمنون جبميع نصوص الكتاب والسنة إمجاالً وتفصيالً‪ ،‬ويسلمون بذلك كله‪ ،‬وهذا من‬
‫يما َش َجَر بَْي نَ ُه ْم ُثَّ الَ‬ ‫أعظم عالمات اإلميان قال تعاىل‪( :‬فَالَ وربِّك الَ ي ؤِّمنو َن ح َّىت ُحي ِّكم َ ِّ‬
‫وك ف َ‬ ‫ََ َ ُْ ُ َ َ َ ُ‬
‫ت َويُ َسلِّ ُمواْ تَ ْسلِّيماً) النساء ‪ ، 65‬وقال تعاىل‪َ ( :‬وَما َكا َن لِّ ُم ْؤِّمن‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َِّجي ُدواْ ِّيف أَن ُفس ِّه ْم َحَرجاً ممَّا قَ َ‬
‫ضْي َ‬
‫‪14‬‬
‫ض َّل‬
‫اّللَ َوَر ُسولَهُ فَ َق ْد َ‬
‫ص َّ‬‫اخلِّيَ َرةُ ِّم ْن أ َْم ِّرِّه ْم َوَمن يَ ْع ِّ‬
‫اّللُ َوَر ُسولُهُ أ َْمراً أَن يَ ُكو َن َهلُ ُم ْ‬
‫ضى َّ‬ ‫ِّ‬
‫َوَال ُم ْؤمنَة إِّ َذا قَ َ‬
‫ض َالالً ُّمبِّيناً) األحزاب‪. 36‬‬ ‫َ‬
‫الرس ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ول‬ ‫‪ -2‬يردون التنازع إىل الكتاب والسنة‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬فَإن تََن َاز ْعتُ ْم ِّيف َش ْيء فَ ُرُّدوهُ إ َىل اّلل َو َّ ُ‬
‫إِّن ُكنتم تُؤِّمنو َن بِّاّللِّ والْي وِّم ِّ ِّ‬
‫َح َس ُن تَأْ ِّويالً) النساء‪ . 59‬ومعىن الرد إىل هللا‬ ‫اآلخ ِّر ذَل َ‬
‫ك َخْي ر َوأ ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُْ ْ ُ‬
‫سبحانه‪ :‬الرد إىل كتابه‪ ،‬ومعىن الرد إىل رسوله صلى هللا عليه وسلم‪ :‬الرد إىل سنته بعد وفاته‪.‬‬

‫يدرؤون التعارض بني نصوص الشرع‪ ،‬وهذا التعارض إمنا حيصل يف أذهان بعض الناس؛‬ ‫‪-3‬‬
‫فيستشكلون داللة هذا النص ويظنون معارضتها لداللة النص اآلخر‪ ،‬أما يف حقيقة األمر فإنه‬
‫أبدا‪.‬‬
‫الميكن أن يتعارض نصان شرعيان صحيحان ً‬

‫يدرؤون التعارض بني العقل والنقل‪ ،‬وهذا التعارض متوهم كسابقه وإال فإن النقل الصحيح‬ ‫‪-4‬‬
‫ال ميكن أن يعارض العقل الصحيح‪ ،‬والشرع يأيت مبا حتار فيه بعض العقول لكنه ال يأيت مبا حتيله‬
‫العقول الصحيحة‪.‬‬

‫أن ظواهر النصوص عندهم مرادة للشارع‪ ،‬ومفهومة للمخاطبني‪ ،‬واملقصود بظواهر‬ ‫‪-5‬‬
‫النصوص هنا‪ :‬مدلوهلما املفهوم مبقتضى اخلطاب العريب‪ ،‬وقالوا باألخذ بظواهر النصوص وبكوهنا‬
‫مفهومة للمخاطبني؛ ألن هذا مقتضى اخلطاب الشرعي الذي أمرنا باالتباع واالنقياد لألمر والنهي‪،‬‬
‫وامرنا بتدبر النصوص الشرعية وفهمها‪ ،‬ث إن القول خبالف ذلك يرتتب عليه لوازم فاسدة من اهتام‬
‫املتكلم بالعي وعدم البيان والبالغة أو باإللغاز والتدليس يف الكالم وعدم النصح‪ ،‬وكالم هللا وكالم‬
‫رسوله منزهان عن ذلك بل مها موصوفان بالبيان والبالغة واهلدى والنصح للخلق‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫يؤمنون باملتشابه ويعملون باحملكم‪ ،‬فهم جيمعون النصوص الواردة يف الباب الواحد ويعلمون‬ ‫‪-6‬‬
‫مبحكمها وبينها وواضحها ويردون متشاهبها ومشكلها إىل احملكم فيعلمون ما أريد به ويفهمونه؛‬
‫اب ِّمْنهُ آيَات ُّْحم َك َمات ُه َّن أ ُُّم‬ ‫فيعملون هبذا النصوص كلها‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬هو الَّ ِّذي أَنزَل علَي َ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫َُ َ َ َ ْ‬
‫ين يف قُلُوهبِِّّ ْم َزيْغ فَيَتَّبِّ ُعو َن َما تَ َشابَهَ ِّمْنهُ ابْتِّغَاء الْ ِّفْت نَ ِّة َوابْتِّغَاء تَأْ ِّويلِّ ِّه‬ ‫َّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُخ ُر ُمتَ َشاهبَات فَأ ََّما الذ َ‬ ‫اب َوأ َ‬ ‫الْ ِّكتَ ِّ‬

‫ند َربِّنَا َوَما يَ َّذ َّك ُر إِّالَّ أ ُْولُواْ‬ ‫الر ِّاسخو َن ِّيف الْعِّْل ِّم ي ُقولُو َن آمنَّا بِِّّه ُكل ِّمن ِّع ِّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َوَما يَ ْعلَ ُم تَأْ ِّويلَهُ إِّالَّ اّللُ َو َّ ُ‬
‫اب) آل عمران‪.7‬‬ ‫األلْب ِّ‬
‫َ‬
‫يرون حجية فهم السلف للنصوص الشرعية؛ ألهنم هم أعلم األمة وأوالها بإصابة احلق‪،‬‬ ‫‪-7‬‬
‫فالصحابة حضروا التنزيل وعلموا أسبابه وفهموا مقاصد الشرع‪ ،‬والتابعون وتابعوهم الزموا الصحابة‬
‫ومن أخذ عن الصحابة واشتغلوا بالعلم وأخذوه قبل أن تتسع دائرة االختالف املذموم وتفرق‬
‫املسلمني‪ ،‬ث إن النيب صلى هللا عليه وسلم أخرب خبريية هذه القرون الثالثة‪ ،‬وهذه اخلريية خريية علم‬
‫وإميان وعمل؛ فهم أفضل ممن بعدهم يف كل فضيلة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫(‪)6‬‬
‫دح املعلى يف ذلك‬ ‫ِّ‬
‫‪ )5‬يراعون األمانة العلمية‪ ،‬فاألمانة زينة العلم وروحه‪ ،‬وأهل السنة هلم الق ُ‬
‫الشأن‪.‬‬

‫ومن مظاهر األمانة العلمية عندهم‪ :‬األمانة يف النقل‪ ،‬والبعد عن التزوير‪ ،‬وقلب احلقائق‪ ،‬وبرت‬
‫النصوص‪ ،‬وحتريفها‪ ،‬فإذا نقلوا عن خمالف هلم نقلوا كالمه تاماً‪ ،‬فإن كان حقاً أقروه‪ ،‬وإن كان‬
‫باطالً ردوه‪ ،‬وإن كان فيه وفيه‪ ،‬قبلوا احلق وردوا الباطل‪ ،‬كل ذلك بالدليل‪.‬‬

‫ومن مظاهر األمانة العلمية عندهم أهنم ال حيملون الكالم ما ال حيتمل‪ ،‬وأهنم يذكرون ما هلم وما‬
‫عليهم‪ ،‬وأهنم يرجعون للحق إذا تبني‪ ،‬وال يفتون وال يقضون إال مبا يعلمون‪.‬‬

‫كما أهنم أحرص الناس على نسبة الكالم إىل قائله‪ ،‬وأبعدهم من نسبته إىل غري قائله‪.‬‬

‫‪ )6‬حيذرون من البدع وأهلها ‪ ،‬ويبينون خمالفتهم للكتاب والسنة واإلمجاع‪ :‬من املسلمات عند أهل‬
‫السنة واجلماعة األمر بلزوم السنة والنهي عن البدع والتحذير من أهلها ‪ ،‬والنصوص يف ذلك‬
‫مستفيضة يف الكتاب والسنة ويف أقوال السلف‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ )7‬يعلمون مذاهب املخالفني وشبههم واصطالحاهتم‪ ،‬فإن معرفة حقيقة املذهب املخالف‬
‫واالطالع على شبهه وفهم اصطالحاته املستعملة كل هذا يعني على وقوع الرد يف حمله ‪ ،‬ومتام‬
‫نقض ذلك املذهب ‪ ،‬وإيصاد طريق احليدة على املخالف ‪ ،‬مع ما فيه من تأكيد اليقني وزيادة‬
‫اإلميان بسالمة مذهب السلف‪.‬‬

‫ضعيفا ‪ ،‬وال يتم له مقصوده من نقض‬ ‫ومن رد على املخالفني دون معرفة ذلك ؛ فإنه ِّ‬
‫يصور احلق ً‬
‫مذاهبهم ‪ ،‬ويرتك للمخالف ثغرات ينفذ من خالهلا إلظهار مذهبه يف صورة احلق ‪ ،‬مع ما قد يقع‬
‫بسبب عدم معرفة مذاهبهم من اهتامهم مبا ليس فيهم ‪ ،‬وقد أُمرنا بالعدل مع اجلميع‪.‬‬

‫‪ )8‬يبينون اللوازم الباطلة ملذاهب املخالفني‪ :‬الالزم هو‪ :‬ما ميتنع انفكاكه عن الشيء‪ ،‬واملراد‪ :‬الزم‬
‫شرعا أو عقالً أو لغةً‪.‬‬
‫القول واملذهب ‪ ،‬وهو‪ :‬ما ميتنع انفكاكه عن املذهب ً‬

‫ومن القواعد املقررة‪ :‬أن الزم احلق حق ‪ ،‬والزم الباطل باطل ‪ ،‬وفساد الالزم يدل على فساد امللزوم‬
‫؛ ألنه إذا حتقق امللزوم حتقق الالزم ‪ ،‬وإذا انتفى الالزم انتفى امللزوم ‪ ،‬فيستدل على بطالن الشيء‬
‫ببطالن الزمه ‪ ،‬ويستدل على ثبوته بثبوت الزمه ‪ ،‬فإذا كان الالزم باطالً فامللزوم مثله باطل‪.‬‬

‫واملقصود هنا بيان بطالن أقوال املخالفني من خالل بيان لوازمها الباطلة ‪ ،‬ومن فوائد ذلك‪ :‬تنبيه‬
‫العقالء منهم إىل ما يلزم قوله من اللوازم الفاسدة ؛ لريجع عن مذهبه الباطل ‪ ،‬ومنها‪ :‬محاية‬
‫اآلخرين من تطرق املذاهب الباطلة إليهم إذا وقفوا على لوازمها الباطلة‪.‬‬

‫‪ )9‬يبينون تناقض املخالفني‪ :‬التناقض يف الكالم‪ :‬اقتضاء بعضه إبطال بعض ‪َّ ،‬‬
‫كأن قوله الثاين‬
‫ينقض األول وينكثه بعد إبرامه‪ .‬ومن مسات أهل البدع اضطراهبم وتناقضهم ‪ ،‬وهذا نتيجة لضعف‬

‫‪18‬‬
‫اتباعهم للكتاب والسنة وطريقة السلف ‪ ،‬وهلذا فما من طائفة فيها نوع يسري من خمالفة السنة‬
‫تناقضا أبعدهم عن‬
‫احملضة واحلديث ؛ إال ويوجد يف كالمها من التناقض ِبسب ذلك ‪ ،‬وأعظمهم ً‬
‫السنة‪.‬‬

‫اعد عقليةً فاسدة ‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية –مبينًا أسباب تناقض‬
‫ويضاف إىل هذا التزامهم قو َ‬
‫أهل الكالم‪ ":-‬وهم ل يقصدوا هذا التناقض ‪ ،‬ولكن أوقعتهم فيه قواعدهم الفاسدة املنطقية اليت‬
‫زعموا فيها تركيب املوصفات من صفاهتا ‪ ،‬ووجود الكليات املشرتكة يف أعياهنا ‪ ،‬فتلك القواعد‬
‫املنطقية الفاسدة –اليت جعلوها قوانني متنع مراعاهتا الذهن أن يضل يف فكره‪ -‬أوقعتهم يف هذا‬
‫الضالل والتناقض"(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬الفتاوي ‪.341/5‬‬


‫‪19‬‬
‫(‪)7‬‬
‫*تعريف التوحيد ‪:‬‬

‫‪ -‬التوحيد يف اللغة ‪ :‬اإلفراد‪.‬‬

‫ويف الشرع ‪ :‬إفراد هللا بربوبيته وألوهيته وأمسائه وصفاته ‪.‬‬

‫*أمساء علم التوحيد ‪:‬‬

‫‪ -‬علم التوحيد له مسميات منها ‪:‬‬

‫‪ .1‬التوحيد‪ ،‬مسي بذلك؛ ألن وحدانيته سبحانه يف ربوبيته وألوهيته وأمسائه وصفاته أهم مباحثه‬
‫وأعظمها‪ ،‬وقد مسى بعض أهل العلم كتبهم يف االعتقاد هبذا االسم ككتاب التوحيد لإلمام‬

‫‪20‬‬
‫ابن خزمية‪ ،‬وكتاب التوحيد لإلمام ابن منده‪ ،‬وكتاب التوحيد لشيخ اإلسالم حممد بن عبد‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫الوهاب رمحهم هللا ً‬
‫‪ .2‬العقيدة‪ ،‬مسي بذلك؛ ألن املسلم يعقد قلبه على هذه األحكام املوضحة يف هذا العلم‪ ،‬فال‬
‫يتطرق إليه الشك‪ ،‬وقد مسى بعض أهل العلم كتبهم يف االعتقاد هبذا االسم ككتاب‬
‫"عقيدة السلف أصحاب احلديث" لإلمام الصابوين‪ ،‬وشرح أصول اعتقاد أهل السنة‬
‫واجلماعة لإلمام الاللكائي‪.‬‬
‫‪ .3‬السنة‪ ،‬وقد تقدم بيان املراد بالسنة هنا‪ ،‬وقد مسى بعض أهل العلم كتبهم يف االعتقاد هبذا‬
‫االسم ككتاب السنة لإلمام أمحد‪ ،‬والسنة لإلمام ابن أيب عاصم‪ ،‬والسنة لإلمام اخلالل‪.‬‬
‫‪ .4‬واإلميان ‪ ،‬مسي بذلك؛ لتصديق املسلم مبسائله وإقراره هبا لفظًا وعمله مبقتضاها‪ ،‬وألن‬
‫رؤوس مسائله مسيت بذلك كما يف حديث جربيل املشهور يف ذكر أركان اإلميان الستة‪،‬‬
‫وقد مسى بعض أهل العلم كتبهم يف االعتقاد هبذا االسم ككتاب اإلميان لإلمام أيب عبيد‬
‫القاسم بن سالم‪ ،‬واإلميان لإلمام ابن أيب شيبة‪ ،‬واإلميان لإلمام ابن منده‪.‬‬
‫‪ .5‬الفقه األكرب‪ ،‬وهذا االسم انفرد به اإلمام أبو حنيفة فسمى به كتابه يف االعتقاد؛ ألن الفقه‬
‫ملسائل هذا العلم أكرب بالنسبة لألحكام اليت اصطلح على تسميتها مبسائل الفقه أي‪:‬‬
‫األحكام العملية الفرعية‪.‬‬
‫‪ .6‬أصول الدين‪ ،‬ومراد العلماء احملققني من أهل السنة هبذا املصطلح‪ :‬املسائل الكبار اليت‬
‫تواردت عليها األدلة حىت صارت أصالً يف الدين ال يسوغ فيها االجتهاد‪ ،‬سواء كانت من‬
‫املسائل االعتقادية أو العملية‪ ،‬وملا كانت غالب مسائل االعتقاد من هذا النمط مسي‬
‫بذلك‪ ،‬وقد مسى بعض أهل العلم كتبهم يف االعتقاد هبذا االسم ككتاب الشرح واإلبانة‬

‫‪21‬‬
‫عن أصول الديانة لإلمام ابن بطة العكربي–وهي املعروفة باإلبانة الصغرى‪ ، -‬واإلبانة عن‬
‫أصول الديانة للشيخ أيب احلسن األشعري‪.‬‬
‫‪ .7‬الشريعة ‪ ،‬ويراد هبا‪ :‬ما شرعه هللا جلميع رسله من أصول الدين مما ال خيتلف من دعوة‬
‫ِّ‬ ‫ألخرى قال تعاىل‪( :‬شرع لَ ُكم ِّمن ِّ‬
‫صْي نَا‬ ‫صى بِِّّه نُوحاً َوالَّذي أ َْو َحْي نَا إِّلَْي َ‬
‫ك َوَما َو َّ‬ ‫الد ِّ‬
‫ين َما َو َّ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫ين َوَال تَتَ َفَّرقُوا فِّ ِّيه) الشورى‪ .13‬وقد مسى بعض‬ ‫ِّ‬
‫يموا الد َ‬
‫ِّ‬
‫يسى أَ ْن أَق ُ‬
‫ِّ‬
‫وسى َوع َ‬
‫يم َوُم َ‬
‫ِِّّ ِّ ِّ‬
‫به إبْ َراه َ‬
‫أهل العلم كتبهم يف االعتقاد هبذا االسم ككتاب الشريعة لإلمام اآلجري وكتاب اإلبانة عن‬
‫شريعة الفرقة الناجية لإلمام ابن بطة –وهي املعروفة باإلبانة الكربى‪ -‬؛ لكن هذه التسمية‬
‫استقر االصطالح على اختصاصها مبسائل الفقه أي‪ :‬األحكام العملية الفرعية‪.‬‬

‫‪ -‬وهل يسمى‪( :‬علم الكالم)؟‬

‫هذه التسمية استعملت عند املتكلمني فهم يسمونه هبذا؛ ألن أعظم مسألة وقع فيها اخلالف‬
‫مسألة "صفة الكالم"‪ ،‬وقيل‪ :‬بل مسي بذلك؛ لكثرة القيل والقال واجملادلة عند أهله حىت صار مسة‬
‫هلم‪ ،‬وقيل‪ :‬غريذلك‪.‬‬

‫أما أهل السنة واجلماعة فال يطلقون على علم التوحيد واالعتقاد هذا االسم؛ بل يطلقونه على‬
‫سبيل الذم‪ ،‬ويعنون به‪ :‬القواعد الفلسفية املخالفة للكتاب والسنة وإمجاع السلف‪ ،‬اليت يعتمدها‬
‫منهجا لالستدالل يف مسائل االعتقاد‪.‬‬
‫أهل الكالم ً‬
‫‪ -‬فالعلم الذي يبحث يف مسائل علم االعتقاد يسمى عند غري أهل السنة من املتكلمة واملتفلسفة‬
‫والصوفية واملستشرقني والغربيني وحنوهم‪ :‬بعلم الكالم‪ ،‬وعلم الفلسفة‪ ،‬وعلم التصوف‪ ،‬وعلم‬
‫اإلهليات‪ ،‬وعلم امليتافيزيقيا (أي‪:‬ما وراء الطبيعة)‪ ،‬فهذه األمساء ليست عند أهل السنة‪ ،‬ورمبا‬

‫‪22‬‬
‫وجدت كتب االعتقاد يف املكتبات العاملية –خارج هذه البالد‪ -‬حتت اسم من هذه األمساء‪ ،‬وإن‬
‫كانت توجد فوارق بني هذه املسميات لكنها تشرتك يف جزء من املسائل املبحوث يف كل منها‪.‬‬

‫(‪)8‬‬
‫*أمهية ومنزلة علم التوحيد بني سائر العلوم ‪:‬‬

‫التوحيد هو أعظم أركان اإلسالم وال ميكن للمرء أن يدخل يف اإلسالم إال إذا شهد بالتوحيد وأقر‬
‫بالعبودية هلل ونفاها عما سواه‪ ،‬والعبادات ال تقبل إال بالتوحيد فهو شرط قبوهلا وأساس صحتها‪،‬‬
‫اإلنس إَِّّال لِّي عب ُد ِّ‬
‫ون)‬ ‫ت ِّْ ِّ‬
‫َ ُْ‬ ‫اجل َّن َو ْ َ‬ ‫وهو احلكمة العظمى من خلق اجلن واإلنس قال تعاىل‪َ ( :‬وَما َخلَ ْق ُ‬
‫الذاريات‪.59‬‬

‫فعلم التوحيد أشرف العلوم الشرعية وأعالها منزلة‪ ،‬وتتبني منزلته بني العلوم بأمور منها‪:‬‬
‫‪23‬‬
‫‪ -1‬أن العلوم إمنا تشرف وتفضل ِبسب موضوعها ( موضوع البحث)‪ ،‬وهلذا فإنه أشرف العلوم‬
‫وأفضلها ؛ ألن املبحوث يف هذا العلم متعلق باهلل عز وجل وأمسائه وصفاته وأفعاله ‪ ،‬وشرف‬
‫العلم تابع لشرف املعلوم‪.‬‬
‫‪ -2‬ومن جهة أخرى ‪ :‬فإ ن حاجة الناس إليه فوق كل حاجة وضرورهتم إليه فوق كل ضرورة ؛‬
‫ألنه ال حياة للقلوب وال نعيم وال طمأنينة إالَّ بأن تعرف رهبا ومعبودها بأمسائه وصفاته‬
‫وأفعاله‪.‬‬
‫‪ -3‬ومما يدل على شرفه أيضاً ‪ :‬كونه مهمة الرسل األوىل ؛ فإن الرسل كانت تدعو أقوامها أول‬
‫ما تدعوهم إىل عبادة هللا وحده وترك الشرك والرباءة من أهله قال تعاىل‪َ ( :‬ولََق ْد بَ َعثْ نَا ِّيف ُك ِّل‬
‫وت) النحل‪ ،36‬وقال عز وجل‪َ ( :‬وَما أ َْر َسْلنَا ِّمن‬ ‫اجتَنبُواْ الطَّاغُ َ‬
‫أ َُّمة َّرسوالً أ َِّن ْاعب ُدواْ اّلل و ِّ‬
‫ََ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اعب ُد ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ ِّ‬ ‫قَبلِّ َ ِّ‬
‫ون) األنبياء‪ ،25‬وما من رسول يأيت‬ ‫ك من َّر ُسول إَّال نُوحي إلَْيه أَنَّهُ َال إلَهَ إَّال أَنَا فَ ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫اّللَ َما لَ ُكم ِّم ْن إِّلَه َغْي ُرهُ) املؤمنون‪ ،23‬وقد مكث نبينا حممد‬ ‫قومه إالَّ ويقول هلم ( ْاعبُ ُدوا َّ‬
‫عليه الصالة والسالم يف قومه ثالثة عشر سنة يدعوهم إىل توحيد هللا ل خيالطه يف تلك الفرتة‬
‫كثري من التشريعات‪.‬‬
‫‪ -4‬ومما يدل على سيادته للعلوم أيضاً ‪ :‬ما حيصل به من الفضائل العديدة اليت من أمهها النجاة‬
‫حرم على النار‬ ‫من النار ودخول اجلنة وتكفري السئيات‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬إن هللا َّ‬
‫من قال ‪ :‬ال إله أالَّ هللا يبتغي بذلك وجه هللا " رواه البخاري ومسلم‪ ،‬وقال عليه الصالة‬
‫والسالم ‪ " :‬من لقي هللا ال يشرك به شيئاً دخل اجلنة" رواه مسلم‪ ،‬إىل غري ذلك من فضائله‬
‫الكثرية ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫(‪)9‬‬
‫* أنواع التوحيد‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫استنادا على دليل االستقراء التام للنصوص الشرعية كتابًا وسنةً‪،‬‬
‫ً‬ ‫قسم العلماء التوحيد إىل أنواع؛‬
‫فإهنم نظروا يف النصوص الشرعية اليت تتحدث عن اإلميان باهلل؛ فوجدوا أهنا إما تتحدث عن‬
‫مطابقا للحقيقة الشرعية‪.‬‬
‫ربوبيته‪ ،‬أو عن ألوهيته أو عن أمسائه وصفاته؛ فصار هذا التقسيم ً‬

‫و هذا التقسيم معروف من قدمي عند العلماء فقد جاء يف كالم األئمة املتقدمني كأيب حنيفة وابن‬
‫جرير الطربي وابن أيب زيد القريواين وابن بطة العكربي وغريهم‪ ،‬ث بسطه ووضحه من جاء بعدهم‬
‫من أهل العلم كشيخ اإلسالم ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وشارح الطحاوية ابن أيب العز احلنفي‬
‫والشيخ اجملدد حممد بن عبد الوهاب وغريهم‪.‬‬

‫وألهل العلم طريقان يف ذكر تقسيمه‪-:‬‬

‫• األوىل‪ :‬قسمة ثالثية مشهورة‪-:‬‬


‫‪ -1‬توحيد الربوبية‪ ،‬وهو‪ :‬إفراد هللا بأفعاله‪.‬‬
‫‪ -2‬توحيد األلوهية‪ ،‬وهو‪ :‬إفراد هللا بأفعال العباد‪ .‬أو‪":‬إفراد هللا بالعبادة"‪.‬‬
‫‪ -3‬توحيد األمساء والصفات‪ ،‬وهو ‪ :‬إثبات ما أثبته هللا لنفسه يف كتابه أو على لسان رسوله‬
‫صلى هللا عليه وسلم من األمساء والصفات بال تكييف وال متثيل وال حتريف وال تعطيل‪.‬‬
‫• والثانية‪ :‬قسمة ثنائية‪-:‬‬
‫‪ -1‬توحيد املعرفة واإلثبات (التوحيد العلمي اخلربي)‪ :‬ويشمل إفراد هللا بربوبيته وأمسائه وصفاته‪،‬‬
‫وهو موضوع الدراسة يف هذا املقرر‪.‬‬
‫‪ -2‬توحيد القصد والطلب(التوحيد العملي الطليب)‪ :‬ويشمل إفراد هللا بألوهيته‪.‬‬

‫وال تعارض بني القسمتني الثالثية والثنائية؛ بل جاء تنوع القسمة بالنظر إىل التوحيد من جهتني‪-:‬‬

‫‪26‬‬
‫األوىل‪ :‬نظر من جهة الرب سبحانه وما جيب له‪ ،‬وعليها القسمة الثالثية‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬نظر من جهة العبد وما يطلب منه‪ ،‬وعليها القسمة الثنائية‪.‬‬

‫فال تعارض بينهما‪ ،‬وهلذا ف (توحيد املعرفة واإلثبات) هو بالنظر اآلخر= (توحيد الربوبية وتوحيد‬
‫األمساء والصفات)‪ ،‬وكذلك (توحيد القصد والطلب) هو بالنظر اآلخر= (توحيد األلوهية)‪.‬‬
‫يوضحه اجلدول اآليت‪:‬‬

‫أقسام التوحيد‬
‫‪-2‬توحيد القصد والطلب‬ ‫‪-1‬توحيد املعرفة واإلثبات‬ ‫القسمة‬
‫ويسمى‪ :‬التوحيد العملي الطليب‪.‬‬ ‫ويسمى‪ :‬التوحيد العلمي اخلربي‬ ‫الثنائية‬

‫‪(-1‬توحيد الربوبية) ‪(-2‬توحيد األمساء ‪(-3‬توحيد األلوهية)‬ ‫القسمة‬


‫والصفات)‬ ‫الثالثية‬

‫(‪)10‬‬
‫‪27‬‬
‫توحيد الربوبية‬

‫هذا هو النوع األول من أنواع التوحيد باعتبار القسمة الثالثية‪.‬‬

‫*تعريفه ‪:‬‬

‫هو ‪ :‬إفراد هللا بأفعاله عز وجل‪.‬‬

‫كاخللق وامللك والتدبري وحنو ذلك‪.‬‬

‫*أدلته ‪:‬‬

‫ني) ‪ ،‬وقوله تعاىل‪( :‬إِّ َّن‬ ‫ِّ‬


‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫احلم ُد ّللِّ ر ِّ‬
‫َ‬ ‫أدلة هذا النوع كثرية جداً منها قول هللا عز وجل‪ْ َْ ( :‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ربَّ ُكم اّلل الَّ ِّذي خلَق َّ ِّ‬
‫َّه َار‬‫استَ َوى َعلَى الْ َع ْر ِّش يُ ْغشي اللَّْي َل الن َ‬ ‫ض ِّيف ستَّة أَيَّام ُثَّ ْ‬ ‫الس َم َاوات َواأل َْر َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ني)‬ ‫ِّ‬ ‫وم ُم َس َّخَرات بِّأ َْم ِّرِّه أَالَ لَهُ ْ‬ ‫يطْلُبه حثِّ‬
‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫اخلَْل ُق َواأل َْم ُر تَبَ َارَك اّللُ َر ُّ‬ ‫ُّج َ‬
‫س َوالْ َق َمَر َوالن ُ‬
‫َ‬ ‫َّم‬
‫ْ‬ ‫الش‬
‫و‬ ‫َ‬ ‫ا‬
‫ً‬ ‫يث‬ ‫َ ُُ َ‬
‫ض َواّللُ َعلَ َى ُك ِّل َش ْيء قَ ِّدير) آل عمران‪،189‬‬ ‫ات َواأل َْر ِّ‬ ‫السماو ِّ‬
‫ك َّ َ َ‬
‫ِّ ِّ‬
‫األعراف‪ ،54‬وقوله‪َ ( :‬وّلل ُمْل ُ‬
‫إىل غري ذلك من النصوص‪.‬‬

‫وقد تنوعت طرق إثبات توحيد الربوبية فمنها‪-:‬‬

‫‪ .1‬دليل اخللق واإلجياد‪ ،‬فإن وجود املخلوقات وحدوثها –وهو أمر مشاهد باحلس معلوم‬
‫بالضرورة‪-‬؛ يدل بداهة على وجود خالقها وموجدها‪ ،‬وقد جاء التنبيه على داللة اخللق يف‬
‫اخلَالُِّقو َن{‪ }35‬أ َْم‬ ‫القرآن يف عدة مواضع منها قوله تعاىل‪( :‬أ َْم ُخلِّ ُقوا ِّم ْن َغ ِّْري َش ْيء أ َْم ُه ُم ْ‬
‫نسا ُن أَنَّا‬ ‫ِّ‬ ‫َّ ِّ‬ ‫خلَ ُقوا َّ ِّ‬
‫ض بَل ال يُوقنُو َن)الطور ‪ ،‬وقوله تعاىل‪( :‬أ ََوَال يَ ْذ ُك ُر ْاإل َ‬ ‫الس َم َاوات َو ْاأل َْر َ‬ ‫َ‬

‫‪28‬‬
‫َخلَ ْقنَاهُ ِّمن قَْب ُل َوَلْ يَ ُ‬
‫ك َشْيئاً)مرمي‪ ، 67‬وسائر اآليات اليت تذكر اخللق وتتحدث عن وجود‬
‫األشياء وصفاهتا تصلح دليالً هنا‪.‬‬
‫‪ .2‬دليل العناية واإلتقان والتقدير‪ ،‬فإن ما نشاهده من العناية باخللق وموافقة املوجودات بعضها‬
‫قطعا إال عن‬ ‫لبعض‪ ،‬وإتقان نظامها على أمت وجه وأكمله؛ يدل على أن ذلك ال يكون ً‬
‫خالق مريد لذلك مقدر له‪ ،‬وقد جاء التنبيه على داللة العناية واإلتقان يف القرآن يف عدة‬
‫الس َماء بُُروجاً َو َج َع َل فِّ َيها ِّسَراجاً َوقَ َمراً‬ ‫مواضع منها قوله تعاىل‪( :‬تَبَ َارَك الَّ ِّذي َج َع َل ِّيف َّ‬
‫َّه َار ِّخْل َفةً لِّ َم ْن أ ََر َاد أَن يَ َّذ َّكَر أ َْو أ ََر َاد ُش ُكوراً)الفرقان‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ُّمنرياً{‪َ }61‬و ُه َو الَّذي َج َع َل اللَّْي َل َوالن َ‬
‫ِّ‬
‫اّللِّ الَّ ِّذي أَتْ َق َن ُك َّل‬
‫صْن َع َّ‬ ‫اجلِّب َال َْحتسب ها ج ِّام َد ًة وِّهي متَُُّر مَّر َّ ِّ‬
‫الس َحاب ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫وقال تعاىل‪َ ( :‬وتَ َرى ْ َ‬
‫َش ْيء إِّنَّهُ َخبِّري ِّمبَا تَ ْف َعلُو َن)النمل‪.88‬‬
‫‪ .3‬ودليل الفطرة‪..‬‬
‫‪ .4‬ودليل العقل‪..‬‬

‫وستأيت بعض هذه األدلة بنوع من التفصيل يف مسألة وجود الرب سبحانه وتعاىل‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫(‪)11‬‬
‫*موقف الناس من الربوبية (إقرار عامة اخللق به) ‪:‬‬

‫اإلقرار بالربوبية أمر فطري جبلت عليه القلوب ‪ ،‬فال يكاد ينازع فيه أحد من األمم حىت‬
‫َىن‬
‫اّللُ فَأ َّ‬‫مشركي قريش كانوا مقرين به ‪ ،‬كما قال تعاىل ‪َ ( :‬ولَئِّن َسأَلْتَ ُهم َّم ْن َخلَ َق ُه ْم لَيَ ُقولُ َّن َّ‬
‫ض لَيَ ُقولُ َّن َخلَ َق ُه َّن‬ ‫ي ْؤفَ ُكو َن)الزخرف‪ ، 87‬وقال تعاىل (ولَئِّن سأَلْت هم َّمن خلَق َّ ِّ‬
‫الس َم َاوات َو ْاأل َْر َ‬ ‫َ َ َُ ْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫يم)الزخرف‪ ،9‬إىل غري ذلك من اآليات‪.‬‬‫ِّ ِّ‬
‫الْ َعز ُيز الْ َعل ُ‬
‫ول ينكر الربوبية إالَّ شذاذ من اخللق أفر ًادا وطوائف من املالحدة‪-:‬‬

‫ت لَ ُكم ِّم ْن إِّلَه َغ ِّْريي)القصص‪.38‬‬ ‫ِّ‬


‫كفرعون‪ ،‬الذي قال‪( :‬يَا أَيُّ َها الْ َم َألُ َما َعل ْم ُ‬
‫يم ِّيف ِّربِِّّه أَ ْن آتَ ُاه‬ ‫والنمرود الذي حاج إبراهيم عليه السالم‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬أَ َل تَر إِّ َىل الَّ ِّذي ح َّ ِّ ِّ‬
‫آج إبْ َراه َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫يم فَِّإ َّن اّللَ يَأِّْيت‬ ‫اّلل الْمْلك إِّ ْذ قَ َال إِّب ر ِّاهيم رِّيب الَّ ِّذي ُحييِّ ي وُميِّيت قَ َال أَنَا أُحيِّ ي وأ ُِّميت قَ َال إِّب ر ِّ‬
‫اه‬
‫َْ ُ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫ْ َ ُ‬ ‫َْ ُ َ َ‬ ‫ُ ُ َ‬
‫ت الَّ ِّذي َك َفَر َواّللُ الَ يَ ْه ِّدي الْ َق ْوَم‬ ‫ب فَبُ ِّه َ‬ ‫ت ِّهبا ِّمن الْم ْغ ِّر ِّ‬
‫َ َ َ‬
‫س ِّمن الْم ْش ِّرِّق فَأْ ِّ‬
‫َّم ِّ َ َ‬ ‫بالش ْ‬
‫ِّ‬
‫ِّ ِّ‬
‫ني)البقرة‪.258‬‬ ‫الظَّالم َ‬

‫والفالسفة الطبائعيون‪ ،‬الذين ينسبون وجود العال إىل فعل الطبيعة وأهنا أوجدت نفسها‪ ،‬وهذا ممتنع‬
‫خالقا وخملوقًا يف آن واحد‪ ،‬وسيأيت بيان ذلك مفصالً‪.‬‬
‫يف بدائه العقول؛ فإن الشيء ميتنع أن يكون ً‬

‫‪30‬‬
‫وطوائف من املالحدة الالدينيون‪ ،‬الذين ظهروا يف العصور املتأخرة كالشيوعيني وغريهم من احلركات‬
‫اإلحلادية‪.‬‬

‫مجيعا تشملهم بالرد آيةُ الدهرية‪ ،‬وهم‪ :‬طائفة من العرب أنكرت البعث فرد هللا عليهم يف‬ ‫وهؤالء ً‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ك‬‫َّه ُر َوَما َهلُم بِّ َذل َ‬
‫وت َوَْحنيَا َوَما يُ ْهل ُكنَا إَِّّال الد ْ‬
‫كتابه‪ ،‬قال تعاىل‪َ ( :‬وقَالُوا َما ه َي إَِّّال َحيَاتُنَا الدُّنْيَا َمنُ ُ‬
‫ِّم ْن ِّعْلم إِّ ْن ُه ْم إَِّّال يَظُنُّو َن)اجلاثية‪24‬؛ فبني سبحانه أن قوهلم هذا اليستند على علم من عقل وال‬
‫نقل وال حس وال فطرة‪ ،‬بل هو حمض خترص وتوهم‪.‬‬

‫مالزما هلم‪ ،‬وهلذا كان إنكار بعضهم ظاهرياً مع إقرارهم يف الباطن‪ ،‬كما‬ ‫وكل هؤالء كان التناقض ً‬
‫ف َكا َن‬ ‫ِّ‬
‫َنف ُس ُه ْم ظُْلماً َو ُعلُواً فَانظُْر َكْي َ‬
‫استَ ْي َقنَْت َها أ ُ‬
‫أخرب هللا عن فرعون وقومه بقوله‪َ (:‬و َج َح ُدوا هبَا َو ْ‬
‫ين)النمل‪ ،14‬فكان إنكارهم عناداً واستكباراً ‪.‬‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َعاقبَةُ الْ ُم ْفسد َ‬

‫*هل اإلقرار بتوحيد الربوبية وحده يكفي يف حصول اإلسالم ‪:‬‬

‫إن االعرتاف بوجود هللا تعاىل واإلقرار بربوبيته وأنه اخلالق الرازق املالك املدبر ‪ ...‬اخل من معاين‬
‫الربوبية ال يكفي يف حصول اإلسالم ؛ ألمور منها ‪:‬‬

‫‪ -1‬أن هذا النوع من التوحيد قد أقر به يف اجلملة غالب اخللق ومنهم كفار قريش‪ ،‬ومع ذلك‬
‫اإلسالم بل حكم هللا بكفرهم وكفرهم رسوله صلى هللا عليه وسلم وقاتلهم‬ ‫َ‬ ‫ل يدخلهم‬
‫على الكفر‪.‬‬
‫‪ -2‬وألن من أقر به ‪ ،‬ول يأت بالزمه وهو توحيد األلوهية كان إقراره هبذا التوحيد (الربوبية )‬
‫ناقصاً ‪ ،‬ومن املعلوم أن توحيد األلوهية هو املقصود األعظم وهو الذي ألجله أرسلت‬
‫الرسل ‪ ،‬وهو حمل اخلصومة بني الرسل وأعدائهم ‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫فالبد ملن أقر هبذا التوحيد إقراراً كامالً أن يأيت بالزمه وهو توحيد األلوهية ‪.‬‬

‫(‪)12‬‬
‫* توحيد الربوبية يستلزم توحيد األلوهية ‪:‬‬

‫ومعىن هذا ‪ :‬أن من أقر بأن هللا هو اخلالق الرازق املدبر املالك ‪...‬اخل من معاين الربوبية ‪ ،‬فإن‬
‫الزم ذلك اإلقرار أن ال يصرف العبادة إال هلل وحده أي ‪ :‬ملن تفرد مبعاين الربوبية‪.‬‬

‫وهلذا كان من طريقة القرآن الكرمي يف تقرير توحيد األلوهية ‪ ،‬االحتجاج بالربوبية اليت يقر هبا مشركو‬
‫العرب ‪-‬يف اجلملة‪ ، -‬وهذا يف القرآن كثري‪.‬‬

‫َّاس ْاعبُ ُدواْ َربَّ ُك ُم) هذا توحيد األلوهية ث احتج واستدل عليه بالربوبية‬ ‫مثاله ‪ :‬قوله تعاىل (يَا أَيُّ َها الن ُ‬
‫ض فَِّراشاً َو َّ‬
‫الس َماء‬ ‫ِّ‬ ‫ين ِّمن قَْبلِّ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَت ُ‬
‫َّقو َن * الَّذي َج َع َل لَ ُك ُم األ َْر َ‬
‫َّ ِّ‬ ‫َّ ِّ‬
‫فقال‪( :‬الذي َخلَ َق ُك ْم َوالذ َ‬
‫ات ِّرْزقاً لَّ ُك ْم) كل هذا توحيد الربوبية الذي يقرون به‬ ‫السم ِّاء ماء فَأَخرج بِِّّه ِّمن الثَّمر ِّ‬ ‫بِّنَاء وأ ِّ‬
‫َ ََ‬ ‫َنزَل م َن َّ َ َ ً ْ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫َنداداً َوأَنتُ ْم تَ ْعلَ ُمو َن)البقرة‪22‬؛ تعلمون ماذا؟ تعلمون‪ :‬تفرده بالربوبية‪،‬‬ ‫ِّ ِّ‬
‫‪ ،‬ث قال (فَالَ َْجت َعلُواْ ّلل أ َ‬
‫يقول ‪ :‬ملا كنتم تقرون بالربوبية فلماذا تصرفون العبادة ملن ال يستحقها وتشركون مع الرب املتفرد‬
‫بالربوبية غريه يف العبادة ؟! ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫* وجود هللا عز وجل ‪:‬‬

‫هذه املسألة مسألة ُم َسلَّمة ليس فقط عند املسلمني بل عند أكثر اخللق –كما تقدم بيانه يف‬
‫موقف الناس من الربوبية‪ ، -‬إذن فما الداعي لذكرها؟ اجلواب‪ :‬أن ِبث هذه املسألة يفيد يف‪:‬‬
‫حماجة املالحدة منكري وجود هللا عز وجل‪ ،‬ويف زيادة اإلميان والطمأنينة هلذه العقيدة الراسخة يف‬
‫قلوب املؤمنني‪.‬‬

‫وقد دلت األدلة املتنوعة على وجود هللا عز وجل فدليل‪ :‬الشرع ‪ ،‬والفطرة ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬واحلس‪ ،‬كلها‬
‫تدل على ذلك‪ ،‬وبيان هذه األدلة اجململة على النحو اآليت ‪:‬‬

‫أما الشرع ؛ فاالستدالل به على املالحدة من أوجه‪-:‬‬

‫األدلة الشرعية العقلية الواردة يف الكتاب والسنة‪ .‬فإن األدلة الشرعية على قسمني‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫أدلة شرعية حمضة كقوله تعاىل‪( :‬أقيموا الصالة) وهذه خياطب هبا أهل اإلسالم‪،‬‬
‫عموما‬
‫وأدلة شرعية عقلية أي‪ :‬متضمنة ألدلة عقلية وهذه خياطب هبا أهل العقول ً‬
‫وهذه هي املقصودة هنا‪ ،‬وهذه األدلة تشمل األدلة اإللزامية واآلمرة بالنظر والتفكر‬
‫وتأمل العناية اإلهلية‪.‬‬
‫اآليات اليت أيد هللا هبا الرسل اليت تسمى‪ :‬املعجزات‪ ،‬فإذا كانت من دالئل إثبات‬ ‫‪-2‬‬
‫النبوة؛ فهي من دالئل إثبات الربوبية من باب أوىل‪ ،‬فإن النبوة إذا ثبتت علمنا أن‬
‫هناك ِّ‬
‫مرسالً أرسله يبلغ شرعه‪.‬‬
‫وما جاءت به الرسل من األحكام املتضمنة للمصاحل الدنيوية واألخروية‪ ،‬فإذا‬ ‫‪-3‬‬
‫علمنا موافقة هذه األحكام للناس‪ ،‬ومشوهلا ملصاحلهم‪ ،‬وعدم تقصريها يف شيء من‬
‫اجلوانب؛ علمنا صدق الرسل وأن هذا الشرع ل يصدر عن بشر‪ ،‬بل هو من رب‬
‫حكيم عليم خبلقه‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫وما جاءت به الرسل من األخبار الكونية اليت صدَّقها الواقع‪ ،‬وهذا كالثاين فإنه إذا‬ ‫‪-4‬‬
‫علم صدق الرسول ثبتت الربوبية من باب أوىل‪.‬‬
‫وأما الفطرة ؛ فإن كل خملوق مفطور على اإلميان خبالقه دومنا سبق تفكري أو تعليم بل ضرورة‬
‫مغروسة يف قلوب اخللق ال ينصرف عن هذه الفطرة إالَّ من طرأت على قلبه الشبه والصوارف ‪،‬‬
‫ك‬ ‫اّللِّ الَِّّيت فَطَر النَّاس علَي ها َال تَب ِّديل ِّخلْل ِّق َِّّ ِّ‬
‫ين َحنِّيفاً فِّطَْرَة َّ‬ ‫وهلذا قال تعاىل (فَأَقِّم وجهك لِّ ِّ‬
‫لد ِّ‬
‫اّلل َذل َ‬ ‫َ َ َ َْ ْ َ َ‬ ‫ْ َ َْ َ‬
‫َّاس َال يَ ْعلَ ُمو َن)الروم‪ ، 30‬وقال تعاىل يف احلديث القدسي ‪" :‬خلقت‬ ‫ين الْ َقيِّ ُم َولَ ِّك َّن أَ ْكثَ َر الن ِّ‬ ‫ِّ‬
‫الد ُ‬
‫عبادي حنفاء كلهم فأتتهم الشياطني فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت هلم ‪ ،‬وأمرهتم‬
‫أن يشركوا يب ما ل أنزل به سلطاناً" رواه مسلم‪ ،‬وقال صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬ما من مولود إالَّ‬
‫ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو ميجسانه"رواه البخاري ومسلم‪ ،‬ول يقل ‪ :‬يسلمانه ؛‬
‫ألن اإلسالم هو األصل والفطرة ‪ .‬ولو سئل امللحد عن اعتقاده يف الصغر ألجاب أنه كعامة اخللق‬
‫يقر بوجود هللا إال أن يكون نشأ يف بيئة إحلادية فقد يعتقدها متأثرا من الصغر‪.‬‬

‫وأما داللة العقل على وجوده تعاىل ‪ ،‬فمن أوجه من أشهرها وأحسنها‪ :‬ما ذكره هللا يف كتابه قال‬
‫اخلَالُِّقو َن) الطور‪ ، 35‬وهذا تقسيم حاصر ؛ فإن‬‫تعاىل‪( :‬أ َْم ُخلِّ ُقوا ِّم ْن َغ ِّْري َش ْيء أ َْم ُه ُم ْ‬
‫االحتماالت ثالثة ‪-:‬‬

‫‪ -1‬أن توجد هذه املخلوقات صدفة بال خالق ‪ ،‬وهذا حمال ؛ ألن كل حادث البد له من‬
‫حمدث ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن توجد هذه املخلوقات نفسها ‪ ،‬وهذا أيضاً حمال ؛ ألن الشيء ال خيلق نفسه ؛ ألنه‬
‫قبل وجوده معدوم ‪ ،‬فكيف يكون خالقاً ؟!‬
‫‪ -3‬فإذا بطلت هذه االحتماالت ‪ ،‬فلم يبق إالَّ أن هلذه املخلوقات خالقاً خلقهم وهو هللا‬
‫سبحانه وتعاىل ليس هناك خالق غريه‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫فاملعىن‪ :‬إذا كان ال يعقل خملوق بغري خالق ‪،‬وال معدوم خيلق ؛ فالبد هلم من خالق هو هللا فلم‬
‫ال يوحدونه؟‬

‫وأما احلس ؛ فداللته على هذا من أوجه منها‪:‬‬

‫‪ -1‬إجابة الداعني الذين يدعون هللا فيستجيب هلم ‪ ،‬وحيصل مطلوهبم‪ ،‬وهذا دليل على‬
‫وجوده وإجابته للدعاء ‪.‬‬
‫‪ -2‬آيات ومعجزات األنبياء اليت شاهدها الناس وتناقلوها فصارت من املتواتر املستفيض عند‬
‫مجيع اخللق ‪ ،‬فهي دليل وبرهان على وجود مرسلهم وهو هللا تعاىل ‪.‬‬
‫‪ -3‬داللة األنفس ‪ ،‬فالتفكر يف خلق اإلنسان القومي وصورته احلسنة وما فيها من العجائب‬
‫واألسرار من تأمل يف هذا كله قاده ذلك إىل اإليقان بوجود هللا اخلالق احلكيم ‪.‬‬
‫‪ -4‬داللة اآلفاق ‪ ،‬فالتفكر يف اآليات الكونية وبديع صنعها وتناسقها كل ذلك مؤد إىل‬
‫اإلميان بوجود اخلالق املتفرد بالربوبية ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫(‪)13‬‬
‫*مظاهر االحنراف يف توحيد الربوبية‪:‬‬

‫مظاهر االحنراف يف هذا الباب كثرية‪ ،‬ومنها‪- :‬‬

‫‪ )1‬إنكار اخلالق‪ :‬وهؤالء املنكرون خيتلفون يف طرائق إنكارهم‪ ،‬وقد سبق بيان بعض‬
‫أفرادهم وطوائفهم‪.‬‬
‫خالقني‪ :‬إله النور؛ خيلق اخلري‪ ،‬وإله الظلمة؛‬
‫‪ )2‬شرك اجملوس الثنوية‪ :‬الذين يثبتون للعال َ‬
‫خيلق الشر‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ )3‬شرك النصارى القائلني باألقانيم الثالثة‪ :‬الذين جيعلون الرب عندهم ثالثة أقانيم‪ :‬األب‬
‫واالبن وروح القدس‪.‬‬
‫‪ )4‬شرك بعض مشركي العرب‪ :‬الذين يعتقدون يف آهلتهم شيئًا من التدبري والنفع والضر‬
‫املستقل‪.‬‬
‫‪ )5‬شرك القدرية النفاة‪ :‬الذين يقولون‪ :‬العبد خيلق فعل نفسه‪ .‬فأثبتوا مع هللا ِّ‬
‫خالقني كثريين‬
‫– وسيأيت تفصيل هذا عند دراسة مسائل القدر يف املستويات القادمة بإذن هللا‪.-‬‬
‫‪ )6‬شرك كثري من غالة املتصوفة والرافضة‪ :‬الذين يعتقدون يف معظميهم من األحياء‬
‫واألموات أهنم يتصرفون يف الكون ويقضون احلاجات استقالالً‪.‬‬

‫وباجلملة فكل من‪ :‬أنكر اخلالق‪ ،‬أو شيئًا من خصائص ربوبيته سبحانه‪ ،‬أو اعتقد يف أحد‬
‫املخلوقني شيئًا من خصائص الربوبية‪ ،‬أو نسبها لغريه تعاىل؛ فقد احنرف يف هذا الباب‪.‬‬

‫(‪)14‬‬
‫توحيد األمساء والصفات‬

‫هذا النوع الثاين من أنواع التوحيد‬

‫* واملراد به (تعريفه) ‪ :‬إفراد هللا بأمسائه وصفاته‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫أو تقول‪ :‬إثبات ما أثبته هللا لنفسه يف كتابه أو على لسان رسوله صلى هللا عليه وسلم من األمساء‬
‫الئقا جبالله وعظمته ‪ ،‬مع‬
‫والصفات من غري حتريف وال تعطيل وال تكييف وال متثيل إثباتًا حقيقيًّا ً‬
‫نفي النقائص عنه سبحانه‪.‬‬

‫* األسس اليت يقوم عليها توحيد األمساء والصفات عند أهل السنة ‪-:‬‬

‫‪ -1‬اإلثبات‪ :‬لكل ما أثبته هللا ورسوله من األمساء والصفات ‪ ،‬ألنه ال أعلم باهلل منه (قُ ْل أَأَنتُ ْم‬
‫أ َْعلَ ُم أَِّم اّللُ)البقرة‪ ،140‬وال أعلم باهلل بعد هللا من رسوله صلى هللا عليه وسلم الذي قال هللا‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫وحى) النجم‪ ،4-3‬واإلثبات‬ ‫عز وجل يف حقه ( َوَما يَنط ُق َع ِّن ا ْهلََوى * إ ْن ُه َو إَّال َو ْحي يُ َ‬
‫أيضا إثبات حقيقي ال‬ ‫تبعا ملا يف الكتاب والسنة‪ ،‬وهو ً‬ ‫عندهم‪ :‬األصل أنه يأيت مفصالً ً‬
‫جمازي‪ ،‬وإثبات ملا ورد يف الكتاب والسنة الصحيحة مبعىن أنه توقيفي‪ ،‬وإثبات بال متثيل وال‬
‫تكييف‪.‬‬
‫‪ -2‬التنزيه (النفي)‪ :‬تنزيه هللا عز وجل عن أن متاثل صفاته شيئاً من صفات املخلوقني ‪ ،‬قال‬
‫صريُ)الشورى‪ ، 11‬وقال تعاىل‪َ ( :‬وَلْ يَ ُكن لَّهُ ُك ُفواً‬ ‫الس ِّميع الب ِّ‬ ‫تعاىل ‪( :‬لَي ِّ ِّ ِّ‬
‫س َكمثْله َش ْيء َو ُه َو َّ ُ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ض ِّربُواْ ِّّللِّ األ َْمثَ َال إِّ َّن اّللَ يَ ْعلَ ُم َوأَنتُ ْم الَ تَ ْعلَ ُمو َن) النحل‪ ،74‬والنفي‬
‫َحد) ‪ ،‬وقال‪( :‬فَالَ تَ ْ‬‫أَ‬
‫أيضا نفي ملا ورد نفيه يف‬ ‫تبعا ملا يف الكتاب والسنة‪ ،‬وهو ً‬ ‫عندهم‪ :‬األصل أنه يأيت جممالً ً‬
‫الكتاب والسنة من مجيع النقائص ‪ ،‬والنفي عندهم يتضمن إثبات كما ضد الصفة املنفية ‪،‬‬
‫فإذا نفوا الظلم مثالً تضمن ذلك إثبات كمال عدله‪.‬‬
‫‪ -3‬نفي علم كيفية صفاته عز وجل ‪ ،‬فهم مع إثباهتم للصفة وعلمهم ملعناها ينفون علمهم‬
‫بكيفيتها؛ ألنه مما حجب هللا علمه عن خلقه ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ ( :‬وَال ُِّحييطُو َن بِِّّه ِّعْلماً) طه‪.110‬‬

‫‪38‬‬
‫(‪)15‬‬
‫* طريقة أهل السنة واجلماعة يف إثبات الصفات هلل ونفيها عنه عزوجل‪:‬‬

‫‪39‬‬
‫أوالً ‪ :‬يف اإلثبات ‪ ،‬يثبتون ما أثبته هللا لنفسه يف كتابه أو على لسان رسوله صلى هللا عليه وسلم‬
‫من غري حتريف وال تعطيل وال تكييف وال متثيل ‪ ،‬وأهنا صفات حقيقية تليق جبالل هللا تعاىل وال‬
‫متاثل صفات املخلوقني؛ فاإلثبات عندهم‪:‬‬

‫‪ -1‬األصل أنه يأيت مفصالً يف الكتاب والسنة‪ ،‬وقد يأيت جممالً يف مواضع‪.‬‬
‫‪ -2‬إثبات حقيقي ال جمازي‪.‬‬
‫‪ -3‬إثبات ملا ورد يف الكتاب والسنة الصحيحة مبعىن أنه توقيفي‪.‬‬
‫‪ -4‬إثبات بال متثيل وال تكييف‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬يف النفي ‪ ،‬ينفون ما نفاه هللا عن نفسه يف كتابه أو على لسان رسوله من صفات النقص ‪،‬‬
‫مع اعتقادهم ثبوت كمال ضد الصفة املنفية‪ ،‬فإذا نفينا الظلم عن هللا ؛ ألنه نفاه عن نفسه؛ أثبتنا‬
‫له كمال العدل؛ فالنفي عندهم‪:‬‬

‫‪ -1‬األصل أنه يأيت جممالً يف الكتاب والسنة‪ ،‬وقد يأيت مفصالً لسبب من األسباب‪.‬‬
‫‪ -2‬نفي ملا ورد نفيه يف الكتاب والسنة من مجيع النقائص‪.‬‬
‫‪ -3‬النفي عندهم يتضمن إثبات كمال ضد الصفة املنفية ‪ ،‬فإذا نفوا العجز مثالً تضمن ذلك‬
‫إثبات كمال قدرته‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬ما مل يرد إثباته وال نفيه‪ ،‬واملقصود هنا‪ :‬األلفاظ احلادثة اليت ل ترد يف الكتاب والسنة‪ ،‬وهذه‬
‫األلفاظ تكون حمتملة ملعان صحيحة وأخرى باطلة‪ ،‬وغالبًا تكون حدثت بعد القرون املفضلة‬
‫الثالثة‪ ،‬وترد يف كالم بعضهم إما على سبيل اإلثبات هلل سبحانه وإما على سبيل النفي؛ فهل‬
‫يوصف هللا هبا فتثبت له سبحانه أم تنفى عنه؟‬

‫‪40‬‬
‫اجلواب‪:‬‬

‫• أما اللفظ فال يثبت وال ينفى ‪ ،‬بل يتوقف فيه‪.‬‬


‫• وأما املعىن ؛ فيستفصل فيه‪:‬‬
‫▪ فإن كان معىن باطالً = ُرَّد‪.‬‬
‫صحيحا جاء يف النصوص ما يدل عليه= قُبِّ َل؛ ولكن يعرب عنه‬
‫ً‬ ‫▪ وإن كان معىن‬
‫بالتعبري الشرعي الوارد‪.‬‬

‫مثاله‪ :‬لفظ "اجلهة" فهذا ل يرد فيه إثبات وال نفي يف النصوص الشرعية‪ ،‬فأما اللفظ فنتوقف يف‬
‫لفظه؛ ال ننفي وال نثبت لفظه‪.‬‬

‫وأما املعىن فنستفصل فيه‪:‬‬

‫معىن باطالً كجهة سفل أو جهة حتيط به ؛ فهذا مردود منفي‪.‬‬


‫فإن كان املراد باجلهة ً‬
‫صحيحا وهو وصف هللا بصفة العلو؛ فهذا معىن صحيح نقبله لكن نعرب‬
‫ً‬ ‫أما إن أراد باجلهة معىن‬
‫عنه بالتعبري الشرعي وهو‪ :‬وصفه تعاىل ب "العلو"‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫(‪)16‬‬
‫*قواعد يف الصفات‪:‬‬

‫أمساء هللا كلها حسىن؛ أي‪ :‬بالغة يف احلسن كماله قال تعاىل‪َ ( :‬وِّّللِّ األ ْ‬
‫َمسَاء‬ ‫‪-1‬‬
‫احلُ ْس َىن)األعراف‪180‬؛ وذلك ألهنا متضمنة لصفات كاملة ال نقص فيها بوجه من‬ ‫ْ‬
‫الوجوه‪.‬‬
‫أمسا هللا تعاىل أعالم وأوصاف؛ فهي أعالم باعتبار داللتها على مسمى واحد وهو هللا‬ ‫‪-2‬‬
‫عز وجل‪ ،‬وهي هبذا االعتبار مرتادفة‪.‬‬
‫وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من املعاين‪ ،‬فلكل واحد منها معىن خاص‪ ،‬وهي هبذا‬
‫االعتبار متباينة؛ لداللة كل واحد منها على معىن خاص‪.‬‬
‫أمساء هللا إن دلت على وصف ٍّ‬
‫متعد تضمنت ثالثة أمور‪-:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أحدها‪ :‬ثبوت ذلك االسم هلل عز وجل‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬ثبوت الصفة اليت تضمنها ذلك االسم هلل عز وجل‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬ثبوت أثر وحكم تلك الصفة ومقتضاها‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬السميع ؛ تثبته امسًا هلل سبحانه‪ ،‬وتثبت الصفة اليت دل عليها وهي‪:‬‬
‫السمع‪ ،‬وتثبت أثرها وهو‪ :‬أنه يسمع السر والنجوى‪.‬‬
‫وإن دلت على وصف الزم غري ٍّ‬
‫متعد تضمنت أمرين‪-:‬‬
‫أحدمها‪ :‬ثبوت ذلك االسم هلل عز وجل‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬ثبوت الصفة اليت تضمنها ذلك االسم هلل عز وجل‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬احلي ؛ تثبته امسًا هلل سبحانه‪ ،‬وتثبت الصفة اليت دل عليها وهي‪ :‬احلياة‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫أمساء هللا سبحانه غري حمصورة بعدد معني؛ لقوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬أسألك بكل‬ ‫‪-4‬‬
‫أحدا من خلقك أو‬ ‫اسم هو لك مسيت به نفسك أو أنزلته يف كتابك أو علمته ً‬
‫احلديث رواه أمحد وغريه‪ .‬وما استأثر هللا به يف‬
‫َ‬ ‫استأثرت به يف علم الغيب عندك ‪"...‬‬
‫علم الغيب ال ميكن ألحد حصره وال اإلحاطة به‪.‬‬
‫وأما قوله صلى هللا عليه وسلم‪" :‬إن هلل تسعة وتسعني امسًا من أحصاها دخل اجلنة"‬
‫متفق عليه؛ فمعناه‪ :‬أن هذا العدد من شأنه أن من أحصاه دخل اجلنة‪ ،‬فال دليل فيه‬
‫على حصر مجيع األمساء يف هذا العدد‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫(‪)17‬‬
‫صفات هللا الثابتة له تعاىل كلها صفات كمال النقص فيها بوجه من الوجوه ‪ ،‬قال‬ ‫‪-5‬‬
‫تعاىل‪َ ( :‬وِّّللِّ الْ َمثَ ُل األ َْعلَ َى)النحل‪ ،60‬أي‪ :‬الوصف األعلى‪.‬‬
‫صفات هللا عز وجل تنقسم إىل قسمني‪ :‬ثبوتية ‪ ،‬وسلبية (منفية)‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫واملراد بالثبوتية ‪ :‬ما أثبته هللا لنفسه يف كتابه أو على لسان رسوله صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وكلها صفات كمال ال نقص فيها بوجه من الوجوه كما تقدم كاحلياة والعلم‬
‫والقدرة واالستواء على العرش والنزول إىل السماء الدنيا والوجه واليدين وغريها‪.‬‬

‫واملراد بالسلبية أو املنفية‪ :‬مانفاه هللا عن نفسه يف كتابه أو على لسان رسوله صلى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬وكلها صفات نقص يف حقه تعاىل ‪ ،‬كاملوت والنوم واجلهل والنسيان‬
‫والعجز وغريها‪.‬‬

‫الصفات الثبوتية تنقسم إىل قسمني‪ :‬ذاتية ‪ ،‬وفعلية‪.‬‬ ‫‪-7‬‬


‫واملراد بالذاتية ‪ :‬الصفات اليت ل يزل وال يزال عز وجل متصفا هبا ‪ ،‬وبعضهم يعرب‬
‫بقوله‪ :‬اليت ال تنفك عن الذات‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ومثاهلا‪ :‬العلم والقدرة والسمع والبصر والعزة واحلكمة والعلو‪.‬‬

‫واملراد بالفعلية ‪ :‬الصفات اليت تتعلق باملشيئة ‪ ،‬إن شاء فعلها وإن شاء ل يفعلها‪،‬‬
‫كاالستوء والرضا والغضب‪.‬‬

‫ومن الصفات ما يكون ذاتياً وفعلياً ‪ ،‬ذاتيا باعتبار أصله وفعليا باعتبار آحاده وأفراده‬
‫كصفة الكالم‪.‬‬

‫أمساء هللا وصفات هللا عز وجل توقيفية ؛ مبعىن أنه ال جمال فيها للعقل وال الرأي ‪،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫فاليثبت هلل تعاىل من األمساء والصفات إال ما دل الكتاب والسنة على ثبوته‪.‬‬
‫(طرق معرفة الصفات)‪ :‬داللة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة من أوجه منها‪:‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ )1‬التصريح بالصفة مثل قوله تعاىل (بل يداه مبسوطتان)‪.‬‬
‫‪ )2‬تضمن االسم للصفة كقوله (وهو السميع البصري) تضمنا صفة السمع والبصر‪.‬‬
‫‪ )3‬التصريح بالفعل الدال على الصفة كقوله (الرمحن على العرش استوى) ‪.‬‬
‫‪ )4‬نفي صفة نقص يتضمن ثبوت كمال ضد تلك الصفة املنفية ‪ ،‬مثاله‪ :‬نفي‬
‫الظلم عنه تعاىل كما يف اآليات يتضمن إثبات كمال عدله تعاىل‪ ،‬فأخذنا من‬
‫نفي صفة الظلم إثبات صفة العدل –وإن كانت الصفات الثابتة هبذا الطريق‬
‫ثابتة بالطرق الثالثة األخرى‪.-‬‬
‫‪ -10‬باب الصفات أوسع من باب األمساء؛ ألن كل اسم يؤخذ منه صفة‪ ،‬وال عكس‪ ،‬ومرد‬
‫هذا أن باب األمساء والصفات توقيفي‪ ،‬فال يثبت له من األمساء إال ما ورد تسميته به‬
‫كما سبق‪.‬‬
‫مثال ذلك‪" :‬الرمحن" اسم ثابت له سبحانه؛ فيؤخذ منه صفة الرمحة‪ ،‬لكن ال يؤخذ من‬
‫صفة "اجمليء واإلتيان" أمساء له سبحانه؛ فال يقال‪ :‬اجلائي واآليت‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫(‪)18‬‬
‫* بعض الصفات اإلهلية‪:‬‬

‫‪ )1‬صفة العلو‪:‬‬
‫‪ -‬العلو من الصفات الذاتية‪.‬‬
‫‪ -‬وعلو هللا تعاىل يشمل ثالثة أمور ‪- :‬‬
‫‪ .1‬علو الذات ‪ ،‬ومعناه أن هللا بذاته فوق خلقه ‪.‬‬
‫‪ .2‬علو القدر‪،‬ومعناه أن هللا ذو قدر عظيم ال يساويه فيه أحد من خلقه‪ ،‬وال يعرتيه‬
‫معه نقص ‪.‬‬
‫‪ .3‬علو القهر ‪ ،‬ومعناه أن هللا تعاىل قهر مجيع املخلوقات فال خيرج أحد منهم عن‬
‫سلطانه وقهره ‪.‬‬
‫‪ -‬وصفة العلو ثابتة بالكتاب والسنة واإلمجاع والعقل والفطرة‪-:‬‬
‫يم) البقرة‪.255‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫فمن الكتاب قوله تعاىل ‪َ (:‬و ُه َو الْ َعل ُّي الْ َعظ ُ‬
‫ومن السنة قوله صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬ربنا هللا الذي يف السماء"رواه أمحد‪ ،‬وإقراره اجلارية‬
‫حني سأهلا ‪" :‬أين هللا ؟"‪ ،‬قالت ‪:‬يف السماء ‪ ،‬فلم ينكر عليها ‪ ،‬بل قال لسيدها‪" :‬أعتقها‬
‫فإهنا مؤمنة" رواه مسلم‪ ،‬ويف حجة الوداع أشهد النيب صلى هللا عليه وسلم ربه على إقرار‬
‫‪46‬‬
‫أمته بالبالغ ‪ ،‬وجعل يرفع إصبعه إىل السماء ث ينكتها إىل الناس‪ ،‬وهو يقول ‪" :‬اللهم‬
‫اشهد" رواه مسلم‪.‬‬
‫وأما اإلمجاع على علو هللا؛ فهو معلوم بني السلف ول يُعلم أن أحدا منهم قال خبالفه ‪.‬‬
‫وأما العقل؛ فألن العلو صفة كمال ‪ ،‬وهللا سبحانه متصف بكل كمال ‪ ،‬فوجب ثبوت‬
‫العلو له‪.‬‬
‫وأما الفطرة؛ فإن كل إنسان مفطور على اإلميان بعلو هللا ‪ ،‬ولذلك إذا دعا ربه وقال ‪:‬‬
‫يارب ‪ ،‬ل ينصرف قلبه إال إىل السماء ‪.‬‬
‫‪ -‬والذي أنكره اجلهمية وحنوهم من املبتدعة من أقسام العلو؛ علو الذات‪ ،‬ونرد عليهم مبا‬
‫سبق يف األدلة‪.‬‬
‫‪ )2‬صفة الكالم‪:‬‬
‫‪ -‬وهو صفة ذاتية باعتبار أصله‪ ،‬وفعلية باعتبار آحاده‪.‬‬
‫‪ -‬وقول أهل السنة يف كالم هللا‪ :‬أنه صفة من صفاته‪ ،‬ل يزل وال يزال يتكلم‪ ،‬بكالم حقيقي‬
‫بصوت ‪-‬ال يشبه أصوات املخلوقني‪ -‬وحروف‪ ،‬يتكلم مبا شاء ومىت شاء وكيف شاء‪،‬‬
‫وأدلتهم على ذلك كثرية منها‪-:‬‬
‫وسى تَكْلِّيما)النساء‪. 164‬‬ ‫قوله تعاىل ‪َ (:‬وَكلَّ َم َّ‬
‫اّللُ ُم َ‬
‫وسى لِّ ِّم َيقاتِّنَا َوَكلَّ َمهُ َربُّهُ)األعراف‪.143‬‬
‫وقوله تعاىل ‪َ ( :‬ولَ َّما َجاءَ ُم َ‬
‫ور األمين َوقَ َّربْنَاهُ ََِّنيا)‬ ‫‪ -‬والدليل على أنه بصوت قوله تعاىل ‪(:‬ونَ َاديْنَ ُاه ِّم ْن َج ِّ‬
‫انب الطُّ ِّ‬
‫َ‬
‫مرمي‪ .52‬ومن السنة قوله صلى هللا عليه وسلم ‪" :‬يقول هللا تعاىل ‪ :‬يا آدم ‪ .‬فيقول ‪ :‬لبيك‬
‫وسعديك ‪ .‬فينادي بصوت أن هللا يأمرك أن خترج من ذريتك بعثاً إىل النار ‪ ،‬فيقول‪:‬يا‬
‫ريب‪،‬وما بعث النار"‪..‬احلديث متفق عليه‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫اجلَنَّةَ) البقرة‪35‬؛‬
‫ك ْ‬ ‫اس ُك ْن أنت َوَزْو ُج َ‬ ‫‪ -‬ودليلهم على أنه ِبروف قوله تعاىل‪َ (:‬وقُْلنَا يَا َاد ُم ْ‬
‫فمقول القول هنا حروف ‪.‬‬
‫وسى لِّ ِّم َيقاتِّنَا َوَكلَّ َمهُ َربُّهُ) األعراف‪143‬؛‬
‫‪ -‬ودليلهم على انه مبشيئة قوله تعاىل‪َ (:‬ولَ َّما َجاءَ ُم َ‬
‫فالتكليم حصل بعد جميء موسى عليه الصالة والسالم ‪.‬‬
‫‪ -‬وكالم هللا صفة ذات باعتبار أصله؛ فإن هللا ل يزل وال يزال قادراً على الكالم متكلماً‪،‬‬
‫وصفة فعل باعتبار آحاده؛ ألن آحاد الكالم تتعلق مبشيئته مىت شاء تكلم‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫(‪)19‬‬
‫‪ )3‬صفة االستواء‪:‬‬
‫‪ -‬استواء هللا على عرشه من الصفات الفعلية‪.‬‬
‫‪ -‬ومعىن استواء هللا على عرشه‪ :‬علوه واستقراره عليه ‪ ،‬وقد جاء عن السلف تفسريه بالعلو‬
‫واالستقرار والصعود واالرتفاع‪.‬‬
‫استَ َوى) ط ه‪ . 5‬وقد ذكر يف سبعة مواضع من‬ ‫الر ْمحَ ُن َعلَى الْ َع ْر ِّش ْ‬
‫‪ -‬ودليله‪ :‬قوله تعاىل‪َّ ( :‬‬
‫القرآن يف سورة‪ :‬األعراف‪ ،‬ويونس ‪ ،‬والرعد ‪ ،‬وطه ‪ ،‬والفرقان ‪ ،‬وتنزيل السجدة ‪ ،‬واحلديد‪.‬‬
‫‪ -‬واملبتدعة حيرفون صفة االستواء عن معناها الصحيح‪ ،‬ويفسروهنا باالستيالء وامللك ويرد‬
‫عليهم مبا يأيت ‪:‬‬
‫‪ .1‬أن هذا التفسري والتأويل خالف ظاهر النص‪.‬‬
‫‪ .2‬أنه خالف ما فسره به السلف‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫‪ .3‬أنه يلزم عليه لوازم باطلة‪.‬‬
‫‪ -‬واملراد بالعرش هنا ‪ :‬ما استوى هللا عليه ‪ ،‬وهو من أعظم خملوقات هللا ‪ ،‬بل أعظم ما علمنا‬
‫منها ‪ ،‬فقد جاء عن النيب صلى هللا عليه وسلم أنه قال ‪" :‬ما السماوات السبع واألرضون‬
‫السبع بالنسبة إىل الكرسي إال كحلقة ألقيت يف فالة من األرض‪ ،‬وإن فضل العرش على‬
‫الكرسي كفضل الفالة على تلك احللقة" رواه الطربي يف تفسريه‪.‬‬
‫‪ )4‬صفة الرؤية‪:‬‬
‫‪ -‬الرؤية صفة من صفات هللا الذاتية الثابتة له حقيقةً على الوجه الالئق به‪.‬‬
‫‪ -‬وهي مبعىن‪ :‬البصر‪ ،‬وهو إدراك املرئيات واملبصرات‪.‬‬
‫يع‬ ‫امسع وأرى)ط ه‪ .46‬وقوله تعاىل ‪ (:‬وهو َّ ِّ‬
‫السم ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫‪ -‬ودليلها قوله تعاىل ‪( :‬إنين َم َع ُك َما َْ ُ َ َ‬
‫صريُ)الشورى‪. 11‬‬‫الْب ِّ‬
‫َ‬
‫‪ -‬وقد تطلق الرؤية ويراد هبا‪ :‬العلم ‪ ،‬ودليلها قوله تعاىل‪(:‬اهنُ ْم يََرْونَهُ بَعِّيدا * َونََراهُ قَ ِّريبا)املعارج‪6‬‬
‫‪ 7 -‬؛أي‪ :‬نعلمه ‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬النصر والتأييد مثل قوله تعاىل ‪( :‬ال َختَافَا إنين‬‫وإذا أريد هبا البصر فإنه قد يتضمن ً‬
‫اّللَ يََرى)‬
‫أمسَ ُع َو َأرى)ط ه‪ ،46‬وقد يتضمن التهديد كقوله تعاىل ‪(:‬ا َلْ يَ ْعلَ ْم بأن َّ‬
‫َم َع ُك َما ْ‬
‫العلق‪. 14‬‬

‫‪50‬‬
‫(‪)20‬‬
‫*مظاهر االحنراف يف باب األمساء والصفات‪:‬‬

‫‪ -1‬التحريف وهو لغة‪ :‬التغيري‪.‬‬


‫وشرعا‪ :‬تغيري لفظ النص أو معناه ‪.‬‬
‫ً‬

‫تكليما) أراد بعض اجلهمية حتريف لفظه بنصب لفظ‬


‫ً‬ ‫مثاله‪ :‬قوله تعاىل‪( :‬وكلم هللاُ موسى‬
‫اجلاللة ليصري التكليم حاصال من موسى فينفي بذلك صفة الكالم عن هللا! ‪ ،‬ومثال حتريف‬
‫املعىن‪ :‬تفسري معىن االستواء باالستيالء كما يفسره بذلك األشاعرة وحنوهم‪.‬‬

‫‪ -2‬والتعطيل وهو لغة‪ :‬الرتك والتخلية‪.‬‬


‫إنكارا كلياً أو جزئياً‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬إنكار ما جيب هلل من األمساء والصفات ً‬
‫ً‬ ‫و‬
‫‪51‬‬
‫مثاله‪ :‬اإلنكار الكلي كفعل اجلهمية‪ ،‬واجلزئي كفعل املعتزلة واألشعرية وحنوهم‪.‬‬

‫‪ -3‬والتكييف لغة‪ :‬تعيني كنه الشيء وحقيقته‪.‬‬


‫اصطالحا‪ :‬تعيني كنه الصفة اإلهلية‪.‬‬
‫ً‬ ‫و‬

‫أو‪ :‬إثبات كيفية الصفة ‪ ،‬مثاله‪ :‬كأن يقول املكيف‪ :‬استواء هللا على عرشه كيفيته كذا وكذا‬
‫‪-‬تعاىل هللا عن ذلك‪.-‬‬

‫‪ -4‬والتمثيل ‪ :‬املثيل لغة‪ :‬النظري‪.‬‬


‫شرعا‪ :‬تعيني كنه الصفة اإلهلية بذكر مماثل هلا‪.‬‬
‫والتمثيل ً‬

‫أو‪ :‬إثبات مماثل للصفة ‪ ،‬مثاله‪ :‬كأن يقول ‪ :‬يد هللا مثل يد اإلنسان ‪-‬تعاىل هللا عن ذلك‪.-‬‬

‫والفرق بني التكييف والتمثيل‪ :‬أن التمثيل مقيد بذكر مماثل خبالف التكييف ؛ فصار التمثيل‬
‫تكييفا وزيادة‪.‬‬
‫ً‬

‫والتفويض‪ :‬واملراد بالتفويض يف الصفات‪ :‬إثبات ألفاظها مع ترك التعرض لبيان املعىن‬ ‫‪-5‬‬
‫وتفسريها‪ ،‬واعتقدوا أهنا جمهولة املعىن ال يعلمها إال هللا تعاىل‪.‬‬
‫وينتبه هنا إىل الفرق بني‪ :‬العلم مبعىن الصفة‪ ،‬والعلم بكيفية الصفة؛ فاألول معلوم‪،‬‬
‫والثاين ال سبيل إىل العلم به‪.‬‬
‫ويرد عليهم‪ :‬بأنه ميتنع أن يكون باب العلم باهلل –الذي هو أشرف أبواب الدين‪-‬‬
‫موصداً فال نقل وال عقل يؤدي إليه!‬

‫‪52‬‬
‫أيضا‪ :‬أن هللا أنزل كتابه بلسان عريب مبني وأمر عباده بتعقله وتدبر معانيه؛ فدل‬
‫ويقال ً‬
‫على إمكان العلم باملعاين‪ ،‬أما الكيفيات واحلقائق يف باب الصفات واألخبار الغيبية؛‬
‫فهي اليت يفوض علمها إىل هللا تعاىل‪ ،‬وليست املعاين اليت أمرنا بتدبرها‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬قولكم هذا يلزم منه جتهيل سلف هذه األمة وجعلهم مبنزلة األميني الذين‬
‫ويقال ً‬
‫ال يعلمون الكتاب إال أماين‪ ،‬وهلذا فقد وجل من قبلكم أهل الكالم إىل باب التأويل‪ ،‬ملا‬
‫ظنوا أن السلف جهلوا هذا الباب؛ فزعموا‪ :‬أن منهج السلف أسلم ومنهج أهل الكالم‬
‫أعلم وأحكم‪ ،‬فضللتم أنتم وإياهم يف عدم معرفة قدر السلف ووصفهم باجلهل‪.‬‬

‫وباجلملة فاللفظ اجلامع هلذه األلفاظ كلها هو‪( :‬اإلحلاد يف األمساء والصفات) الذي حذرنا هللا عز‬
‫َمسَآئِِّّه َسيُ ْجَزْو َن َما َكانُواْ‬
‫ين يُْل ِّح ُدو َن ِّيف أ ْ‬ ‫َّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫(وِّّللِّ األ ْ‬
‫احلُ ْس َىن فَ ْاد ُعوهُ هبَا َوذَ ُرواْ الذ َ‬
‫َمسَاء ْ‬ ‫وجل منه بقوله‪َ :‬‬
‫يَ ْع َملُو َن) األعراف‪. 180‬‬

‫واإلحلاد يف اللغة‪ :‬امليل‪.‬‬

‫واالصطالح‪ :‬امليل عما جيب اعتقاده يف أمساء هللا وصفاته‪.‬‬

‫أيضا‪-:‬‬
‫ومن أنواع اإلحلاد يف األمساء ً‬

‫إنكار شيء منها أو مما تضمنته من الصفات كفعل اجلهمية مثالً‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫تسمية هللا عز وجل مبا ل ِّ‬
‫يسم به نفسه كما مساه النصارى أبًا‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫اعتقاد داللتها على مماثلة هللا تعاىل خللقه كفعل املمثلة‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫اشتقاق أمساء منها للمعبودات غريه سبحانه كما اشتق مشركو العرب ألصنامهم ‪،‬‬ ‫‪-4‬‬
‫العزى من العزيز ‪ ،‬والالت من هللا على قول‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫*أشهر الفرق املخالفة يف باب األمساء والصفات‪:‬‬

‫‪ -1‬اجلهمية‪ :‬نسبة إىل اجلهم بن صفوان وهو من أوائل من قال بالتعطيل ونفي الصفات عن هللا‬
‫وقد أخذ عقيدته هذه عن اجلعد بن درهم ‪ ،‬ومذهبهم يف الصفات‪ :‬ينفون األمساء والصفات‬
‫مجيعا‪.‬‬

‫‪ -2‬املعتزلة‪ :‬رأسهم واصل بن عطاء الغزال‪ ،‬مسوا باملعتزلة ألن واصالً اعتزل جملس احلسن بعد أن‬
‫خالفه يف حكم مرتكب الكبرية‪ ،‬ومذهبهم يف الصفات‪ :‬يثبتون األمساء وينفون الصفات‪.‬‬

‫‪ -3‬األشاعرة‪ :‬نسبة إىل أيب احلسن علي بن إمساعيل األشعري –لكن يتنبه إىل أن أبا احلسن قد‬
‫أمورا أخرى‬
‫رجع إىل منهج أهل السنة واجلماعة لكن بقي األتباع على هذه العقيدة الفاسدة وزادوا ً‬
‫ل يكن يقل هبا أبو احلسن‪ ،‬وأبو احلسن مر مبراحل ثالث يف حياته‪ -1 :‬كان معتزليا ‪-2‬ث انتقل‬
‫ملذهب الكالبية مع آراء انفرد هبا وخالف فيها ابن كالب ‪ -3‬ث صرح برجوعه عن ذلك إىل‬
‫مذهب أهل السنة واجلماعة كما يف آخر كتبه واليت منها كتاب اإلبانة‪.-‬‬

‫واألشاعرة مذهبهم يف الصفات‪ :‬يثبتون األمساء ً‬


‫وسبعا من الصفات ويؤولون بقيتها على املشهور‬
‫من مذهب متأخريهم‪.‬‬

‫وهذه الفرق الثالث يشرتكون يف أن مذاهبهم تضمنت‪" :‬التعطيل ونفي الصفات"‪.‬‬

‫‪ -4‬املمثلة‪ :‬وهم الذين ميثلون صفاته تعاىل بصفات املخلوقني ‪ ،‬وهذا موجود يف بعض الفرق‬
‫املخالفة‪.‬‬

‫* وأهل السنة واجلماعة براء من هؤالء كلهم؛ ألهنم ينفون التحريف والتعطيل‪ ،‬وينفون التكييف‬
‫والتمثيل ‪ ،‬فهم يثبتون هلل عز وجل الصفات اليت أخرب عنها سبحانه يف كتابه أو على لسان رسوله‬
‫‪54‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬إثباتًا حقيقيًا يليق جبالل هللا وعظمته من غري مماثلة املخلوقني‪ ،‬على حد قوله‬
‫تعاىل‪(:‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصري)‪.‬‬

‫وصلى هللا وسلم وبارك على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪.‬‬

‫‪55‬‬

You might also like