You are on page 1of 10

‫الشخصية العربية وأزمة النهضة‬

‫‪ ‬فئة ‪  :‬مقاالت‬

‫‪02‬سبتمبر ‪2020‬بقلم‪ ‬عماد علي أحمد عبد الحافظقسم‪ :‬الدين وقضايا المجتمع الراهنة‬


‫حجم الخط‪+18- ‬للنشر‪:‬‬

‫يعيش العالم اإلسالمي منذ قرون طويلة في حالة من التخلف والتراجع على كافة األصعدة‪ ،‬رافق ذلك حالة من الجمود الفك ري‪،‬‬

‫جعلته غير قادر على تجاوز هذا الواقع‪ ،‬وقد بدأ منذ القرن السادس عش ر في الش عور بالض عف أم ام التق دم العس كري للغ رب‪،‬‬

‫ومن ثم كانت هناك بعض محاوالت لإلصالح في العديد من الدول اإلسالمية‪ ،‬سواء الواقعة تحت الخالف ة العثماني ة أم الخارج ة‬

‫عن سلطتها ك المغرب الع ربي‪ ،‬لكنه ا لم تس فر عن نتيج ة جوهري ة‪ ،‬ويرك ز ه ذا البحث على واق ع المجتم ع الع ربي ممثاًل في‬

‫المشرق العربي‪ ،‬والذي بدأ في االنتباه إلى وجود فجوة حضارية بينه‪ ،‬وبين الغرب كما أدرك أهمية العامل الثقافي في إنتاج هذه‬

‫الفجوة‪ ،‬وكان ذلك منذ دخول الحملة الفرنسية إلى مصر نهاي ة الق رن الث امن عش ر‪ ،‬ثم م ا تبعه ا من بعث ات علمي ة س اهمت في‬

‫التعرف أكثر على الحضارة الغربية‪ ،‬وق د أث ار ه ذا االتص ال ع دة اس تجابات متباين ة داخ ل المجتم ع الع ربي تحم ل ك ل منه ا‬

‫محاوالت لتش خيص أس باب أزم ة الواق ع الع ربي وتص ورات لكيفي ة إص الحه‪ ،‬وق د تمثلت ه ذه االس تجابات في مجموع ة من‬

‫التيارات الفكرية‪ ،‬لكن الواقع العربي ظل منذ ذلك الحين‪ ،‬وحتى اآلن مأزو ًما‪ ،‬ولم يستطع المجتمع الخروج من كبوت ه رغم تل ك‬

‫المحاوالت؛ األمر الذي جعلنا نتساءل عن أسباب ذلك‪ ،‬وهل من الممكن أن تكون طبيعة التكوين النفسي والفكري للفرد الع ربي‪،‬‬

‫وهو ما أسميناه الشخصية العربية‪ ،‬تعد سببًا في تعثر النهضة واإلصالح في المجتمع العربي؟‬

‫من هنا بدأنا محاولة اإلجابة عن هذا السؤال من خالل عدة مراحل‪ ،‬وهي أواًل متى بدأ العقل العربي في اليقظة لواقع ه الم أزوم‪،‬‬

‫ثم هل توجد شخصية عربية لها سمات مشتركة‪ ،‬ثم ما هي سمات هذه الشخصية‪ ،‬وأخيرًا وضحنا العالق ة بين طبيع ة الشخص ية‬

‫العربية طبقًا للسمات المذكورة‪ ،‬وبين تعثر النهضة في المجتمع العربي‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫ال يحتاج الناظر إلى واقع المجتم ع الع ربي لكث ير من التفك ير والتمحيص واألدوات‪ ،‬لكي ي درك من خالله ا طبيع ة ه ذا الواق ع‬

‫المأزوم في كل الج وانب وعلى جمي ع المس تويات؛ فعلى مس توى االقتص اد الزال الكث ير من أبنائ ه يعيش ون تحت خ ط الفق ر‪،‬‬

‫والزالت موارده مهدرة وطاقاته معطلة‪ ،‬والزالت العديد من دوله تعجز عن اإلنتاج وتعيش على ما ينتجه الغ رب من منتج ات‪،‬‬

‫وعلى مستوى السياسة الزالت الديمقراطية لم تترسخ بعد في ثقافت ه ونظم ه ومؤسس اته بش كل كام ل‪ ،‬وعلى مس توى االجتم اع‬
‫الزالت مجتمعاتنا تموج بالصراعات والخالفات التي تشق صفوفه‪ ،‬وتحدث الكثير من التصدعات في جسده‪ ،‬م ا بين ص راعات‬

‫طائفية ومذهبية وسياسية‪ ،‬وعلى مستوى الفكر الزالت مجتمعاتنا غير قادرة على إنتاج األفك ار‪ ،‬والزالت العق ول تحم ل الكث ير‬

‫من القناعات وأنماط التفكير التي تقف عائقًا أمام تقدمها‪ .‬ورغم سهولة االتفاق حول طبيعة الواقع المأزوم‪ ،‬إال أن هن اك ص عوبة‬

‫في االتفاق حول أسباب هذا الواق ع‪ ،‬إذ تختل ف اآلراء ح ول تل ك األس باب نظ رًا لطبيع ة األزم ة المركب ة‪ ،‬ولوج ود الكث ير من‬

‫العوامل واألسباب المتباينة والمتداخلة‪ ،‬لكننا نود هن ا أن نبحث عن العالق ة بين متغ يرين؛ بين طبيع ة الشخص ية العربي ة‪ ،‬وبين‬

‫واقعها المأزوم‪ ،‬حيث يتبلور سؤالنا البحثي بشكل واضح في اآلتي‪:‬‬

‫هل تع ّد طبيعة الشخصية العربية سببًا في تعثر نهضتها؟‬

‫ويتفرع عن هذا السؤال الرئيس‪ ،‬عدد من األسئلة الفرعية تمثل محاور البحث‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪  -‬متى تنبّه العقل العربي إلى واقعه المأزوم‪ ،‬وبدأ في البحث عن أسباب النهضة؟‬

‫‪  -‬هل هناك شخصية عربية لها سمات مشتركة؟‬

‫‪  -‬ما هي سمات الشخصية العربية؟‬

‫‪  -‬ما العالقة بين تلك السمات‪ ،‬وبين الواقع المأزوم والنهضة المتعثرة؟‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬سوف نتناول موضوعنا من خالل المحاور الرئيسة التالية‪:‬‬

‫أواًل ‪ :‬يقظة العقل العربي وسؤال النهضة‬

‫مرّت الدولة اإلسالمية منذ نشأتها بمراحل عديدة‪ ،‬اتس م بعض ها ب القوة وبعض ها بالض عف‪ ،‬وش هد بعض ها حال ة انتش ار وش هد‬

‫البعض اآلخر حالة انحسار‪ ،‬وكما شهدت وقتًا من الوحدة لم يدم طوياًل شهدت أوقاتًا وأزمنة من الفرقة ك انت هي الس مة الغالب ة‬

‫منذ نهايات القرن األول الهجري‪ .‬ورغم وج ود حلق ات من االتص ال بين الع الم اإلس المي‪ ،‬وبين الغ رب في ف ترات طويل ة من‬

‫التاريخ‪ ،‬سواء عن طريق الحروب والمواجهات العسكرية‪ ،‬أو عن طريق التعرف على ثقافة الغرب وفلسفته في بعض الفترات‪،‬‬

‫إال أن اللحظة الضاغطة التي مثلت تح ّديًا أمام العقل اإلسالمي‪ ،‬وجعلته ينتبه إلى الفجوة الكبيرة بينه وبين الغرب‪ ،‬وجعلته يدرك‬

‫أهمية البعد الثقافي في إحداث هذه الفجوة‪ ،‬لم تأت إال منذ القرن الثامن عشر وم ا بع دها‪ ،‬وال ذي ك ان ق د س بقته ع دة ق رون من‬
‫الشعور بالطمأنينة وعدم الحاجة إلى اإلصالح‪ ،‬سواء في بعض مراحل الضعف أو التقدم العسكري للدولة اإلس المية‪ ،‬وال ذي لم‬

‫يدم بسبب حالة الجمود الفكري الذي كان يعيشها المجتمع‪ ،‬مما جعله عرضة للحركة االستعمارية األوروبية في العصر الحديث‪.‬‬

‫وكانت محاوالت أوروبا االستعمارية بدأت منذ القرن السادس عشر‪ ،‬وحتى القرن العش رين على العدي د من البالد الواقع ة تحت‬

‫سلطة الخالفة العثمانية والبالد اإلسالمية األخرى التي تخرج عن سيطرتها مثل بالد المغ رب الع ربي؛ لكنن ا هن ا س وف نرك ز‬

‫على بدايات االتصال بين الغرب ودول المشرق العربي‪ ،‬والذي بدأ مع الحملة الفرنسية على مصر في الع ام ‪ ،1798‬إذ ب دأ من ذ‬

‫ذلك الحين إدراك الفجوة الحضارية الكبيرة بين الشرق والغرب‪ ،‬مما أثار السؤال ال ذي أرق المجتم ع الع ربي من وقته ا وح تى‬

‫اآلن وهو‪ ،‬لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا؟ منذ ذلك الحين بدأ المجتمع العربي في االقتراب من الحضارة الغربية والس عي في التع رف‬

‫على مكوناتها ومنطلقاتها الفكرية‪ ،‬وقد ساهمت في هذا االقتراب البعثات العلمية التي بدأت تزداد لهذا الغرض من بدايات الق رن‬

‫التاسع عشر‪.‬‬

‫‪ ‬بدأ المجتمع العربي في االنتباه إلى وجود فجوة حضارية بينه وبين الغرب‪ ،‬كما أدرك أهمية العامل الثقافي في إنتاج هذه الفجوة‬

‫لكن وألن هذا االقتراب تم في سياق حملة استعمارية‪ ،‬فقد تسلّل شعور بالخطر والخوف على الهوية من جانب شريحة كبيرة من‬

‫هذا المجتمع‪ ،‬األمر الذي تسبب في أن يكون ه ذا التع رف على الحض ارة الغربي ة مش وبًا بالح ذر‪ ،‬ومن ثم ال رفض لك ل المنتج‬

‫الحضاري الغربي من جانب تيار كبير من المجتمع‪ ،‬وبجانب هذه االستجابة من هذا التيار كانت هن اك اس تجابات أخ رى تمثلت‬

‫وداع إلى االقتداء بها بشكل مطل ق‪ ،‬وتي ار آخ ر تمث ل‬


‫ِ‬ ‫في تيارين فكريين رئيسين؛ فقد كان هناك تيار مرحب بالحضارة الغربية‬

‫في اتجاه توفيقي إصالحي يرى ضرورة االستفادة من الحضارة الغربية‪ ،‬لكن مع محاولة تكييفها مع واق ع المجتم ع‪ ،‬وض رورة‬

‫القيام بحركة إصالح ديني تجعل النصوص الدينية متوافقة مع العصر‪.‬‬

‫وعلى الرغم من تعدد االتجاهات ومحاوالت اإلص الح المتباين ة والمختلف ة‪ ،‬إال أن الحقيق ة المؤك دة ه و أن المجتم ع الع ربي لم‬

‫يستطع حتى اآلن الخروج من كبوته منذ أن تنبّه إليها قبل أكثر من قرنين من الزمان‪ ،‬األمر ال ذي يجع ل من الس ؤال المط روح‬

‫منذ بدايات القرن التاسع عشر‪ ،‬وهو‪ :‬لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا‪ ،‬قائ ًما يبحث عن إجابة حتى اللحظة!‬

‫‪ ‬‬

‫ثانيًا‪ :‬الشخصية العربية ومحدداتها‬


‫في وقت سابق خالل القرن التاسع عشر‪ ،‬كان هناك اهتمام حول معرفة سبب التنوع واالختالف بين البشر أو بين مجتم ع وآخ ر‬

‫في جوانب عديدة بيولوجية واجتماعية وثقافية‪ ،‬رغم انحدار البشر جميعًا من أص ل واح د‪ ،‬ومن أج ل اإلجاب ة عن ه ذا الس ؤال‬

‫تأسس علم األنثروبولوجيا الذي يسعى إلى دراسة اإلنسان دراس ة ش مولية‪ ،‬ليتع رف على الس بب في تل ك االختالف ات‪ ،‬وق د ر ّد‬

‫السبب إلى اختالف البيئة الذي تنتج عنه استجابات متنوعة من جانب األف راد‪ ،‬تختل ف حس ب طبيع ة البيئ ة ال تي يعيش ون به ا‪،‬‬

‫ويرجع ذلك إلى قدرة اإلنسان على التكيف بنا ًء على ما يمتلكه من لغة ومن قدرات ذهنية وبدنية تمنحه هذه اإلمكاني ة‪ ،‬ومن هن ا‬

‫نتج عن اختالف طبيعة وظروف كل بيئة أن اختلف البشر من مجتمع آلخر في جوانب عدي دة بداي ة من التك وين الجس ماني إلى‬

‫ثقافة المجتمع السائدة‪ ،‬وطبيعة التنظيم االجتماعي‪ ،‬وطبيعة العالقات االجتماعية القائمة داخل كل مجتمع‪.‬‬

‫وعلى الرغم من االختالف ح ول فك رة الشخص ية القومي ة ورفض البعض لفك رة وج ود س مات مش تركة تجم ع بين أف راد ك ل‬

‫مجتمع‪ ،‬إال أنه على الجانب اآلخر توجد الكثير من اآلراء التي ترى وجود ذلك الخط المشترك ال ذي يم يز األف راد المنتمين إلى‬

‫ك ل مجتم ع عن اآلخ ر بس بب بعض العوام ل منه ا اللغ ة وال دين والتح ديات المش تركة والواق ع المش ترك ال ذي يعيش ون في ه‬

‫والظروف والتأثيرات المتشابهة التي يتعرضون إليها‪.‬‬

‫ومما يؤكد عليه علم االجتماع‪ ،‬أن هناك سمات وثقافة مشتركة تميّز كل مجتمع عن اآلخر‪ ،‬وحتى داخ ل المجتم ع الواح د توج د‬

‫ثقافات فرعية مشتركة تميز كل بيئة عن األخرى‪ ،‬حيث تختلف بعض القيم وأشكال التنظيم االجتماعي في البيئة الحضرية عنه ا‬

‫في البيئة الريفية عنها في البيئة البدوية‪ ،‬وينتج ذلك عن اختالف طبيعة وظروف وتح ّديات كل بيئ ة مم ا ينتج قيمًا وثقاف ة معين ة‬

‫تتطلبها تلك البيئة‪ ،‬وال يعني ذلك أن هناك تماثال تا ّمًا في السمات المميزة لكل مجتمع‪ ،‬ولكن هناك خ ط رئيس وخط وط فرعي ة‪،‬‬

‫أو كما أطلق عليها الدكتور السيد ياسين أستاذ علم االجتماع "النسق الرئيسي واألنساق الفرعية" في إطار حديث ه عن الشخص ية‬

‫العربية‪.‬‬

‫على مستوى الفكر‪ ،‬الزالت مجتمعاتنا غير قادرة على إنتاج األفكار‪ ،‬والزالت العقول تحمل الكثير من القناعات وأنماط التفك ير‬

‫التي تقف عائقًا أمام تقدمها‬

‫وقد أصبح االتجاه نحو دراسة الشخصية القومية متزايدًا خالل النصف األول من القرن العشرين‪ ،‬وتحديدًا بع د الح رب العالمي ة‬

‫الثانية من جانب بعض الدول‪ ،‬والتي كانت تنطلق من "التسليم بوجود حد أدنى من التشابه في االتجاه ات وأنم اط التفك ير والقيم‬

‫واالستجابات لدى أبناء المجتمع الواحد أو القومية الواحدة‪ ،‬بحكم وجودهم معًا في ظل ظروف متشابهة"[‪ ،]1‬كم ا تزاي دت خالل‬

‫النصف الثاني من القرن العشرين وأثناء الحرب الباردة بهدف دراس ة الط ابع الق ومي لك ل ش عب والس مات المم يزة ل ه به دف‬
‫االستعداد في حالة قيام الحرب‪ ،‬كما أنه قد أُج ريت العدي د من الدراس ات الميداني ة من قب ل بعض المراك ز البحثي ة في المجتم ع‬

‫وأيض ا‬
‫ً‬ ‫العربي لدراسة الشخصية القومية‪ ،‬ومنها دراسة بعنوان (المصري المعاصر) للدكتور أحم د زاي د أس تاذ علم االجتم اع‪،‬‬

‫دراسة للدكتور جابر عبد الحميد أستاذ علم االجتماع الذي قام بعمل دراسة مقارنة بين الشخصية المصرية والشخص ية العراقي ة‬
‫العينتين‪]2[.‬‬ ‫من خالل عينة من المجتمعين‪ ،‬ليصل في النهاية إلى وجود ثالث عشرة صفة مشتركة بين أفراد‬

‫من هنا يمكننا القول بوجود خط رئيس يميز الشخصية العربية يتمثل في بعض السمات الفكرية والنفسية نظرًا لوجود العدي د من‬

‫العوامل المشتركة من أهمها اللغة والدين والموروث الثقافي والحضاري والتجرب ة التاريخي ة المش تركة والتح ديات المش تركة‪،‬‬

‫باإلضافة إلى العديد من الخطوط األخرى الفرعية التي تميز كل مجتمع قطري عن اآلخر‪ ،‬وتميز كل طبق ة وبيئ ة عن األخ رى‬

‫داخل المجتمع القطري الواحد‪ ،‬ونود أن نؤكد هنا على أهمية عام ل ال دين كمح دد رئيس للشخص ية العربي ة؛ فال دين اإلس المي‬

‫يحت ّل مكانة كبيرة في المجتمع العربي‪ ،‬ويتمتع بدور مركزي في تحديد المنطلقات التي ينطلق منها العقل‪ ،‬وفي تحديد تص وراته‬

‫وثقافته وقيمه وسلوكياته‪ ،‬وقد أصبح الدين بما له من دور مركزي في المجتمع العربي من أسباب األزم ة الرئيس ة ال تي يحياه ا‬

‫المجتمع؛ ليس لكونه غير صالح للحياة اليوم‪ ،‬أو ألنه يحمل بداخله عوامل األزمة‪ ،‬ولكن ألن قراءته من قبل المؤسسات ورج ال‬

‫الدين المعبرين عنه لم يكن على الوجه الذي يجعل منه رافعة للتقدم والنهوض‪ ،‬فلم تحدث جهود تجديدي ة تس عى إلى الول وج إلى‬

‫روح النصوص ال إلى ظاهرها‪ ،‬حيث تجعل الدين متوافقًا مع العصر دافعًا ومعينًا نحو التقدم ال عائقًا أمامه‪ ،‬وهكذا وقفت األم ة‬

‫أساس ا‬
‫ً‬ ‫موق ف الجم ود بين نقط تين؛ فهي لم تس تطع تج اوز ال دين والبحث عن مرجعي ة أخ رى من األفك ار تص لح ألن تك ون‬

‫للنهوض‪ ،‬وال هي استطاعت قراءة الدين بشكل يم ّكنها من ذلك‪.‬‬

‫وعلى ذلك‪ ،‬نستطيع أن نرسم بعض مالمح الشخصية العربية‪ ،‬ونصف بعض سماتها التي له ا عالق ة بتع ثر نهض تها‪ ،‬من خالل‬

‫المحور التالي‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬سمات الشخصية العربية‬

‫‪ -1‬غلبة العاطفة وغياب العقالنية‪:‬‬

‫يغلب على العق ل الع ربي النزع ة العاطفي ة‪ ،‬حيث تص بح هي المحرك ة لس لوكه والمح ددة لمواقف ه؛ فالعالق ات غالبًا في إط ار‬

‫المجتمع العربي تحكمها المعايير الشخص ية‪ ،‬وتتحكم مش اعر الحب والك ره واالنتم اء ال ديني والقبلي والوط ني في الممارس ات‬

‫والمواقف أكثر مما يتحكم فيها المنطق والعقل‪ ،‬فالوهم والخرافة في مجتمعاتنا قادرة على أن تتحكم فيها وتشكل أفكاره ا وتح دد‬

‫سلوكها بقدر ما تتحكم فيها الحقائق‪ ،‬بل ربما أكثر‪ ،‬والشخصية العربية بطبيعتها تميل إلى االرتجالي ة‪ ،‬وتته رب من النظ ام ق در‬

‫اإلمكان‪ ،‬وال تعطي قيمة لألسباب بقدر ما تعطيها ألمور خارج ة عن اإلرادة ك أن تمي ل إلى تفس ير أس باب المش كالت‪ ،‬إم ا إلى‬
‫مؤامرات خارجية أو قوى غير طبيعية وهكذا‪ ،‬ويؤدي هذا النمط من التفك ير إلى غي اب الحقيق ة عن حياتن ا بش كل كب ير بس بب‬

‫غياب المنطق‪ ،‬أو تغييبه في تفكيرنا وفي حكمنا على األشياء وتقديرنا لألمور‪ ،‬كما يؤدي إلى السطحية في تش خيص المش كالت‬

‫وعدم القدرة بالتالي على الوصول إلى حلول جذرية وناجحة لها‪.‬‬

‫‪ ‬تسلّل شعور بالخطر والخ وف على الهوي ة من ج انب ش ريحة كب يرة من ه ذا المجتم ع‪ ،‬األم ر ال ذي تس بب في أن يك ون ه ذا‬

‫التعرف على الحضارة الغربية مشوبًا بالحذر‪ ،‬ومن ثم الرفض لكل المنتج الحضاري الغربي من جانب تيار كبير من المجتمع‬

‫‪ -2‬النوستالجيا والتمسك بالماضي‪:‬‬

‫من سمات الشخصية العربية ك ذلك ه و ذل ك الح نين دومًا إلى الماض ي‪ ،‬والرغب ة في اس تعادة أمج اده والنظ ر إلي ه‪ ،‬باعتب اره‬

‫النموذج المثالي الذي يتمنى أن يعود‪ ،‬ورغم بروز ه ذه الس مة في التي ارات اإلس المية بش كل كب ير من حيث تمس كها بالتجرب ة‬

‫التاريخية للدولة اإلسالمية‪ ،‬ووقوفها على اجتهادات الفقه القديم واعتبارها ب أن ذل ك ه و أقص ى م ا يمكن الوص ول إلي ه‪ ،‬إال أن‬

‫الناظر في أحوال المجتمع العربي يرى أن الحنين إلى الماضي ورؤيته بصورة مثالية هو س مت الغالبي ة العظمى من أبن اء ه ذا‬

‫المجتمع‪ ،‬وقد تناول العديد من المفكرين هذه السمة‪ ،‬فيق ول علي أحم د س عيد(أدونيس) ب أن "شخص ية الع ربي كثقافت ه تتمح ور‬

‫أيض ا ال دكتور س يد ع ويس ق ائاًل ‪" :‬إنن ا كش عب‪ ،‬على وج ه العم وم‪ ،‬نعيش في‬
‫ح ول الماض ي"[‪ ،]3‬كم ا يص ف ه ذه الس مة ً‬
‫الماضي ‪ ...‬كما نعيش في الحاضر أكثر مما نعيش في المستقبل"[‪ ،]4‬وربما ي أتي ه ذا الش عور ب الحنين إلى الماض ي وض رورة‬

‫التمترس خلف أسواره إلى الرغبة في الهروب من الواقع والتخفيف من قسوة اإلحساس بالعجز وضعف اإلرادة تجاه المش كالت‬

‫القائمة‪ ،‬وعدم القدرة على تحقيق تقدم يعمل على التقليل من تلك الهوة الحضارية التي يقع فيها المجتمع‪.‬‬

‫‪ ‬يؤكد علم االجتماع‪ ،‬أن هناك سمات وثقافة مشتركة تميّز كل مجتم ع عن اآلخ ر‪ ،‬وح تى داخ ل المجتم ع الواح د توج د ثقاف ات‬

‫فرعية مشتركة تميز كل بيئة عن األخرى‬

‫‪ -3‬نقصان التقدير الذاتي‪:‬‬

‫ربما يعود السبب في الكثير من المشكالت والظواهر الموجودة في المجتمع إلى سبب خفي‪ ،‬وهو امتهان اإلنسان وع دم الش عور‬

‫بقيمته في المطلق؛ فكثيرًا ما نجد في مواقف كثيرة وبصور مختلفة أن يتم معامل ة الف رد في المجتم ع بش كل يفتق د إلى االح ترام‬

‫والتقدير‪ ،‬وقد يصل في بعض المواقف إلى حد اإلي ذاء الب دني أو االعت داء على الحي اة نفس ها‪ ،‬فق د نج د ه ذا الس مت في تعام ل‬

‫األفراد مع بعضهم البعض أو نجده في تعامل الدولة ومؤسساتها مع األفراد‪ ،‬وقد يفسر البعض كل موقف من هذه المواق ف على‬

‫حدة؛ فتارة يفسرها بغياب الديمقراطية أو بسبب الفساد في قطاع ما‪ ،‬أو داخل مؤسسة بعينها‪ ،‬لكن أظن أن األمر أعمق من ه ذا‪،‬‬
‫فربما تجد نفس الفرد الذي تم االعتداء على كرامته أو على بدنه في موقف ما يقوم هو اآلخر بنفس التصرف في موقف مختلف‪،‬‬

‫إذا ما أُتيحت له الفرصة‪ ،‬وهذا ما يجعلنا نفسر األمر بأن الفرد في المجتمع العربي يفتقد إلى احترام اإلنس ان في المطل ق كك ائن‬

‫خلقه هللا مكر ًما أيّا ما كان أصله أو شكله أو ديانته‪.‬‬

‫يمكننا القول بوجود خط رئيس يميز الشخصية العربية يتمثل في بعض السمات الفكرية والنفسية نظرًا لوجود العديد من العوامل‬

‫المشتركة من أهمها اللغة والدين والموروث الثقافي والحضاري والتجربة التاريخية المشتركة والتحديات المشتركة‬

‫‪ -4‬تقديم القوة على المعرفة‪:‬‬

‫يسود داخل المجتمع العربي نظ رة خاص ة نح و مفه وم الق وة‪ ،‬فتتمث ل غالبًا في الق وة المادي ة ال تي تعتم د على ق وة الس الح أو‬

‫العضالت أو المال‪ ،‬وربما يفسر لنا هذا جانبًا من سيطرة مفهوم الجه اد ل دى التي ار اإلس المي برمت ه ح تى اآلن‪ ،‬وال ذي الزال‬

‫يرى أن امتالك القوة المادية‪ ،‬سواء على مستوى الجماعة أو الدولة هي التي ستحقق له السيادة والتقدم على اآلخر‪ ،‬وعدم نظرته‬

‫للجهاد على أنه وسيلة‪ ،‬وليس هدفًا في حد ذاته‪ ،‬وأنه في العصر الحالي توجد العديد من الوسائل لنشر الدين وتعري ف اآلخ ر ب ه‬

‫غير وسيلة الغزو ودخول البلدان األخرى لنش ر ال دين عن طريق ه‪ ،‬والزال الش عور ب أن امتالك الق وة المادي ة ه و رم ٌز للع زة‬

‫والكرامة‪ ،‬بينما يقل في المقابل تقدير العلم والمعرفة وعدم اعتبارها أنها في الوقت الحالي هي السبيل للتق دم والوس يلة للس يطرة‬

‫وتحقيق النهضة بشكل أساسي‪ ،‬وقد تحدث عن هذا األمر ع الم االجتم اع األم ريكي ت الكوت بارس ونز ‪ Talcott Parsons‬في‬

‫إطار نظريته عن الفعل‪ ،‬حيث حدد أربعة عناصر يتكون منها نسق أي فعل‪ ،‬وهي‪ :‬الجسد والشخصية والمجتمع والثقافة‪ ،‬ويقول‬

‫بأن نسق الفعل الذي يملك قدرًا أكبر من الثقافة يتحكم ويسيطر على النسق الذي يمتلك ق درًا أك بر من الطاق ة والمع بر عنه ا في‬

‫النظرية بالجسد[‪ ،]5‬وهكذا فإن الدول التي تملك قدرًا أكبر من الثقافة والمعرف ة‪ ،‬تس تطيع أن تس يطر على تل ك ال تي تمتل ك ق درًا‬

‫أقل‪ ،‬ولو امتلكت قدرًا من الطاقة أو القوة‪.‬‬

‫من سمات الشخصية العربية ك ذلك ه و ذل ك الح نين دومًا إلى الماض ي‪ ،‬والرغب ة في اس تعادة أمج اده والنظ ر إلي ه‪ ،‬باعتب اره‬

‫النموذج المثالي الذي يتمنى أن يعود‬

‫‪ -5‬الطبيعة المحافظة والنزعة السلفية‪:‬‬

‫نقصد هنا بالطبيعة المحافظة والنزعة الس لفية نمط ا معين ا من التفك ير‪ ،‬وليس مج رد خي ارات فقهي ة‪ ،‬وه ذه الطبيع ة المحافظ ة‬

‫موجودة في كل المجتمعات‪ ،‬وفي كل األزمنة وتمثلها اتجاهات معينة‪ ،‬وهذا النمط له عدة مظاهر؛ منها التمس ك بالس ائد وتعظيم‬

‫الموروث‪ ،‬ورفض التغيير بدرجة كبيرة‪ ،‬كما يرفض أصحاب هذا النمط الفكر النقدي والتغيير الثوري الج ذري‪ ،‬ويس عى دائمًا‬
‫إلى الحفاظ على األوضاع القائمة والوقوف ضد محاوالت تغييرها أو تطويرها‪ ،‬وه ذا النم ط من التفك ير يع د ه و النم ط الس ائد‬

‫بشكل كبير في المجتمع العربي‪ ،‬وال يقتصر فقط على التيارات اإلسالمية‪ ،‬ولكنه نمط تشترك في ه العدي د من التي ارات وش رائح‬

‫واسعة من المجتمع‪ ،‬حتى وإن بدا بأشكال مختلفة‪ ،‬وقد يعود هذا األمر إلى سيطرة التيار المحافظ من ب دايات الدول ة اإلس المية‪،‬‬

‫عندما انتصر المذهب الحنبلي الذي يأخذ بظاهر النصوص‪ ،‬ويرفض التأوي ل وإعم ال العق ل في تفس يرها‪ ،‬على التي ار العقالني‬

‫الذي يتمثل في المعتزلة الذين يعلون من قيمة العقل‪ ،‬نتيجة أسباب عديدة من ضمنها تدخل اإلرادة السياسية التي كانت في جانب‬

‫االتجاه المحافظ في وقت من األوقات‪ ،‬والتي ساهمت في تقويض المذهب المعتزلي‪ ،‬وانحسار انتشاره‪ ،‬وس يادة النزع ة الس لفية‬

‫والفكر المحافظ في األمة‪ ،‬ولذلك فالمجتمع العربي في عمومه يتسم بهذه النزعة الس لفية‪ ،‬ويس يطر علي ه النم ط المحاف ظ‪ ،‬ال ذي‬

‫يرفض التغيير ويعتبره ه د ًما للث وابت‪ ،‬وإن ك ان ال يل تزم به ا على الج انب الف ردي بالض رورة؛ فالعق ل الع ربي عمومًا يكتفي‬

‫بظواهر األمور في كل شيء‪ ،‬ولم يعتد على الولوج على العمق‪ ،‬وربما يخاف من ذلك حتى ال يصدم في قناعاته وال أفكاره التي‬

‫تشكل عقله‪ ،‬فهو عقل ال يجرؤ على طرح األسئلة‪ ،‬ويزهد في غير المعتاد بالنسبة إلي ه‪ ،‬ويس عى دائمًا إلى االس تقرار في مكان ه‬

‫ولو كان في القاع!‬

‫والزال الشعور بأن امتالك القوة المادية هو رم ٌز للعزة والكرامة‪ ،‬بينما يقل في المقابل تقدير العلم والمعرفة‬

‫‪ -6‬تقديس االشخاص واألفكار‪:‬‬

‫تأتي هذه السمة كنتيجة للسمات السابقة‪ ،‬فالعقل العربي يفتقر إلى الشعور بالنجاح والق وة‪ ،‬ويش عر ب العجز والخ وف باس تمرار‪،‬‬

‫ومن ثم يبحث عن بعض العالمات التي يهتدي بها‪ ،‬وتمنحه شعورًا بالوجود والقيمة‪ ،‬كما أنه ع اجز عن إنت اج المعرف ة وتحقي ق‬

‫إنجازات حقيقية؛ ولذلك فهو دائ ًما ما يحمل قدرًا زائدًا من التقدير‪ ،‬والذي يصل إلى حد التقديس‪ ،‬لبعض األشخاص الذين يمثلون‬

‫في تاريخه عالمة بارزة‪ ،‬ولما يحملونه من أفكار كذلك‪ .‬غير أن التقدير هو حالة موضوعية تتسم باالتزان‪ ،‬ال تقوم على االتّب اع‬

‫األعمى والثقة المطلقة‪ ،‬وال تمنع من المراجعة والمخالفة‪ ،‬وال تتصف بالمبالغة الشديدة في اإليجابيات‪ ،‬وال تتغافل عن السلبيات‪،‬‬

‫بينما التقديس يضع هالة حول الشخص أو الفكرة يحول دون رؤية عيوبها وأوجه قصورها‪ ،‬كما يحول دون نقدها ومخالفتها‪ ،‬بل‬

‫ويجعلها من المحرمات!‬

‫‪ ‬فالنهض ة تحت اج إلى امتالك الج رأة على التفك ير أواًل ‪ ،‬تحت اج إلى ذل ك العق ل ال واعي الق ادر على إدراك واقع ه ومعطيات ه‬

‫وتحدياته‪ ،‬القادر على تشخيص مشكالته بشكل دقيق‬

‫راب ًعا‪ :‬عالقة الشخصية العربية بتعثر النهضة‬


‫تتمثل هذه العالقة ببساطة في غياب المقومات الالزمة للتغيير والنهضة‪ ،‬والتي تتعلق بشكل أساسي بالمقومات الفكرية والنفس ية‬

‫للفرد‪ ،‬وليس فقط بالمقومات المادية؛ فالنهضة تحتاج إلى امتالك الجرأة على التفكير أواًل ‪ ،‬تحتاج إلى ذلك العق ل ال واعي الق ادر‬

‫على إدراك واقعه ومعطياته وتحدياته‪ ،‬القادر على تش خيص مش كالته بش كل دقي ق‪ ،‬تحت اج إلى عق ل ق ادر على ممارس ة النق د‬

‫الذاتي ألقصى درجة‪ ،‬بهدف الوصول إلى الحقائق ال مج رد االكتف اء باألوه ام ال تي تجعل ه يتقب ل واقع ه ويتغاف ل عن مش كالته‬

‫وعيوبه وأسبابها‪ ،‬تحتاج النهضة إلى القدرة على التجدي د‪ ،‬والتجدي د ال ي أتي إال من خالل إدراك الماض ي ودراس ته بعين ناق دة‬

‫ونفس بعيدة عن التحيز ونظرة موضوعية تبتعد عن إضفاء هاالت القداسة على األفكار واألش خاص‪ ،‬النهض ة تحت اج إلى ق درة‬

‫على اكتساب العلم والمعرفة‪ ،‬وعلى إنتاجهما واستخدامهما‪ ،‬وقبل ذلك على تق دير قيم ة المعرف ة والنظ ر إليه ا على أنه ا أس اس‬

‫التقدم في العصر الحديث‪ ،‬كما تحتاج النهضة بشكل ض روري إلى حرك ة تجدي د وإص الح ديني ة حقيقي ة وج ادة وواعي ة‪ ،‬وإلى‬

‫توفير مناخ من التفاهم والحوار والقدرة على التعايش ونزع فتيل االستقطاب والتصدع الداخلي في المجتمع‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫من خالل المحاور السابقة‪ ،‬وال تي حاولن ا من خالله ا البحث عن العالق ة بين طبيع ة الشخص ية العربي ة والنهض ة المتع ثرة في‬

‫المجتمع العربي‪ ،‬والتي بدأت المحاوالت التي تسعى إلى تحقيقها منذ بدايات القرن التاس ع عش ر في المش رق الع ربي‪ ،‬وتحدي دًا‬

‫منذ قدوم الحملة الفرنس ية إلى مص ر‪ ،‬ومالحظ ة الفج وة الكب يرة بين الواق ع الع ربي والغ ربي‪ ،‬واالنتب اه ألهمي ة البع د الثق افي‬

‫وعالقته بهذا الواقع المأزوم‪ ،‬وتبين لنا أنه هناك سمات مشتركة للشخصية العربي ة تمث ل خطًا رئيس ا ال ينفي وج ود العدي د من‬

‫الخطوط الفرعية األخرى التي تميز كل مجتمع قطري عن اآلخر‪ ،‬وتميز بعض الجماعات داخل المجتمع القطري ذات ه‪ ،‬ورأين ا‬

‫أن الشخصية القومية‪ ،‬رغم اعتراض البعض عليها‪ ،‬إال أنها حقيقة واقعية تم إثباتها من خالل العدي د من الدراس ات الميداني ة‪ ،‬ثم‬

‫رأينا أن الشخصية العربية تتسم ببعض الس مات ال تي تق ف عائقًا أم ام نهض ة المجتم ع‪ ،‬وتجعله ا ع اجزة عن إح داث النهض ة‬

‫والتقدم‪ ،‬وهي أن الشخصية العربية تتحكم فيها العاطفة ويغيب عنها التفكير العقالني‪ ،‬كم ا أنه ا يس يطر عليه ا الح نين دومًا إلى‬

‫الماضي‪ ،‬حيث ترى فيه النموذج األمثل الذي تسعى إلى استعادته‪ ،‬كما أنها تعاني من الشعور بقيمة الفرد بشكل عام‪ ،‬ك ذلك فهي‬

‫ال تقدر قيمة العلم والمعرفة والزالت ترى في القوة المادية العامل ال رئيس في التف وق والتق دم‪ ،‬كم ا أنه ا تس يطر عليه ا النزع ة‬

‫المحافظة التي تمنعها من التجديد والتغيير‪ ،‬وأنها تضع هاالت من التقديس ح ول بعض األش خاص واألفك ار‪ ،‬مم ا يجعله ا غ ير‬

‫قادرة على تجاوز آراء وأفكار تلك األشخاص‪ ،‬مما يجعلها أسيرة لمجموعة من القناعات والتصورات؛ كل ذل ك يجع ل من أم ر‬

‫النهضة العربية أمرًا صعبًا‪ ،‬طالما ظلت الشخص ية العربي ة على تل ك الحال ة دون تغي ير‪ ،‬األم ر ال ذي يجعلن ا نق ول ب أن أزم ة‬

‫المجتمع العربي هي أزمة اجتماعية بشكل أساسي‪ ،‬وليست أزم ة سياس ية تتطلب حل واًل سياس ية فق ط‪ ،‬فهي أزم ة تتعل ق بفك ره‬
‫وثقافته وطريقة تفكيره وطبيعة عالقاته االجتماعية‪ ،‬فأزمة المجتم ع الع ربي ال تحت اج لحل ول سياس ية بق در م ا هي بحاج ة إلى‬

‫تغييرات وإصالحات اجتماعية وفكرية تتمثل في تغيير ثقافت ه وقناعات ه ومنطلقات ه الفكري ة‪ ،‬وفي تغي ير نظرت ه إلى نفس ه وإلى‬

‫العالم‪ ،‬إلى الماضي والمستقبل‪ ،‬ولذلك تظل النهضة العربية متعثرة‪ ،‬ويظل الواقع العربي في تأزم طالما ظلت الشخصية العربية‬

‫تحمل من السمات الفكرية والنفسية‪ ،‬ما يجعلها عاجزة عن تجاوز واقعها وتحقيق نهضتها المنشودة‪.‬‬

‫[‪ ]1‬فتحي أبو العينين‪ ،‬الثقافة والشخصية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،2015 ،‬ص‪139‬‬

‫[‪ ]2‬مذكور في‪ :‬حليم بركات‪ ،‬المجتمع العربي المعاصر‪ :‬بحث استطالعي اجتماعي‪ ،‬ب يروت‪ ،‬مرك ز دراس ات الوح دة العربي ة‪،‬‬

‫‪ ،1984‬ص‪45‬‬

‫[‪ ]3‬علي أحمد سعيد(أدونيس)‪ ،‬الثابت والمتحول‪ :‬بحث في االتباع واالبداع عند العرب‪ ،‬ج‪ ،3‬ب يروت‪ ،‬دار الع ودة‪ ،1974 ،‬ص‬

‫‪9‬‬

‫[‪ ]4‬سيد عويس‪ ،‬حديث عن الثقافة‪ :‬بعض الحقائق الثقافية المصرية المعاصرة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬األنجلو المصرية‪ ،‬ص‪277‬‬

‫[‪ ]5‬مذكور في‪ :‬أحمد زايد‪ ،‬علم االجتماع‪ :‬النظريات الكالسيكية والنقدية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬األنجلو المصرية‪ ،1983 ،‬ص‪120‬‬
‫البحث في الوسم‬

‫الشخصية العربية‪ ‬النهضة العربية‪ ‬الغرب‪ ‬السلفية‪ ‬الدين وقضايا المجتمع‪ ‬عماد علي‬

You might also like