Professional Documents
Culture Documents
Linguistik SMT 3
Linguistik SMT 3
المقارنة الداخلية
ق دميًا ق الوا :ال حيي ط باللُّغ ة إاَّل ن يب ،وه ذا ح ّق ،إذ ال يوج د إنس ان يع رف
«ك ل» اللغ ة ،وإمنا ك ل من ا يع رف «ج زءًا» من اللغ ة ،وق د يتغ ري ه ذا «اجلزء»
ل دى ك ل إنس ان حس ب تغ ري «األدوار» ال يت ينهض هبا يف احلي اة االجتماعي ة،
ومعظمن ا «ينس ى» بعض م ا يعرف ه من لغت ه ،و«يتعلم» أش ياء جدي دة يف مس رية
ه. حيات
ومن املس تحيل – ب دهيًّا– أن نعلِّم اللغ ة «كلَّه ا» ،وإمنا حنن مض طرون أن نعلم
«أج زاء» من اللغ ة .وه ذا املب دأ الط بيعي ال ب د أن يف رض مب دأ آخ ر ،ه و مب دأ
«االختيار»؛ إذ طاملا أنك ال تستطيع أن تأخذ الشيء «كله» ،وإمنا أنت مضطر أن
فأي أبعاضه ختتار؟
تأخذ «بعضه»؛ َّ
و«االختي ار» الب د أن يف رض مب دأ آخ ر ،ه و «املقارن ة»؛ ف أنت ال تس تطيع
أن «ختت ار» إاَّل بع د أن «تق ارن» ،من أج ل ذل ك الب د لتعليم اللغ ة من
«املقارنة» ،وهذه املقارنة ضربان ،مقارنة داخل اللغة ذاهتا ،ومقارنة خارج اللغة.
واملقارنة األوىل هي موضوع حديثنا اآلن.
واللغ ة ليس ت «ش يئًا» واح ًدا ميكن ك أن حتاص ره وتقبض علي ه يف ص ندوق
واحد؛ فال توجد لغة إنسانية جتري على منط واحد ،وال على مستوى واحد ،وإمنا
اللغ ة الواح دة مس تويات وأن واع ،ولكي «ختت ار» م ادة لتعليم اللغ ة ألبنائه ا أو لغ ري
أبنائها فإنه ال بد من االختيار بني أنواع اللغة الواحدة.
هناك هلجة الفرد Idiolect؛ إذ كل منا له طريقته يف النطق ،وله خصائصه
الص وتية ال يت متيزه من غ ريه ،ولك ل من ا اختيارات ه من األلف اظ ،ومن اجلم ل .وأنت
تع رف ص ديقك حني تس تقبل ص وته يف اهلاتف ،وكث ًريا م ا تق ول :نعم ه ذا كالم
فالن ،أو :ال ميكن أن يصدر هذا عن فالن.
وهن اك اللهج ات اإلقليمي ة اجلغرافي ة Regional dialects؛ إذ نلح ظ
خص ائص متيز هلج ة الس هول من هلج ة اجلب ال ،وهلج ة الص حراء من هلج ة احلواض ر،
وهلج ة املن اطق الزراعي ة من هلج ة الس واحل ،وهي خص ائص جتري على مس تويات
أيض ا .والبالد املتقدم ة تص نع «أط الس» لغوي ة ألقاليمه ا املختلف ة. اللغ ة كله ا ً
وهناك اللهجات االجتماعية Social dialectsحيث جند فروقًا واضحة بني هلجة
الطبقة العاملة ،وهلجة الطبقة الوسطى ،وهلجة الطبقات الغنية.
وهناك اللهج ات اخلاصة Les argotsال يت متيز مهنة من مهن ة ومي دانًا من
ميدان؛ فثمة هلجة لألطباء ،وللنجارين ،واحلدادين ،والصيادين ،واللصوص ،وهناك
لغ ة خاص ة بأه ل الق انون ،وبرج ال ال دعوة الديني ة ،وب دوائر االقتص اد...
أيض ا ليس ت
هن اك «عامي ات» جتري على مس تويات ،وهن اك اللغ ة الفص يحة ،وهي ً
واحدا ،وإمنا هلا مستويات كثرية.
«شيئًا» ً
يف كل لغة توجد فصيحة «عامة» ،متثل «النمط» العام ،وهي تلك اللغة اليت
نراه ا يف وس ائل اإلعالم املق روءة واملس موعة واملرئي ة ،ونراه ا يف احملاض رات العام ة،
والتقارير السياسية واالجتماعية وغريها .مث جتد لغة فصيحة لكل ميدان؛ فهناك لغة
ألهل القانون ،وأخرى للمعلقني الرياضيني ،وثالثة لعلماء النفس ...وهكذا.
مث جند اللغة «الفنية» يف فنون األدب املختلفة من شعر ومسرح وقصة ومقال،
وهي لغ ة ال تس ري على «النم ط» الع ام ،وإمنا هي «َت ْع ِدل» عن ه،
أو «تنحرف» عنه كما يقول اللغويون.
ويف معظم اللغ ات توج د فص يحة «معاص رة» ،وفص يحة «تراثي ة» .وفص يحة
ال رتاث ليس ت – ك ذلك– ش يئًا واح ًدا ،وإمنا هي جتري على «مس تويات» حتددها
بدعا يف شيء من ذلك ،وإمنا هي لغة طبيعية طبيعة الرتاث ذاته .واللغة العربية ليست ً
جيري عليها ما جيري على كل اللغات الطبيعية.
هينً ا كما
ماذا «خنتار» من كل ذلك حني خنطط لتعليم اللغة؟ إن األمر ليس ِّ
ترى؛ إذ ال بد من جهد علمي جاد ،يبدأ باملقارنة بني هذه املس تويات مث االختيار
منها وف ًق ا للمعايري اليت سنعرض هلا عند حديثنا عن «حمتوى» املقررات الدراسية.
على أنه من املهم أن نشري هنا إىل أن مثة اتفاقً ا بني العلماء على أن أفضل «منوذج»
ميكن اختياره من اللغة هو النموذج الذي ميتاز «بالعمومية» و«الشمول» بأن يكون
«أوس ع» انتش ًارا ،و«أك ثر» اس تعمااًل ،و«أق ل» تقي ًدا ،وأن تك ون ل ه «ج ذور»
تارخيي ة ،وامت داد «ثق ايف» .وس وف ن رى أمهي ة ه ذا املب دأ عن د ح ديثنا عن اختي ار
املستوى اللغوي يف العربية.
من الوسائل الفنية الضرورية يف مبدأ «املقارنة» الداخلية من أجل «اختيار»
األن واع اللغوي ة يف التعليم وس يلة «اإلحص اء» اللغ وي للوص ول إىل م ا يع رف
ة. يوع» يف اللغ «بالش
إن الظ واهر اللغوي ة ال تتس اوى يف نس بة «تردده ا» يف االس تعمال ،وهي ختتل ف من
ميدان آلخر ،ومن زمن آلخر ،والدراسات تؤكد أن نسبة شيوع ظاهر ٍة ما ختتلف
يف النصوص الرتاثية عنها يف النصوص املعاصرة.
ولك ل موق ف لغ وي «ش فراته» اخلاص ة ال يت تُع د عالم ة مميزة ل ه Marker
حني تك ون ذات نس بة عالي ة من الش يوع ،وق د تك ون ه ذه «الش فرة» حنوي ة
كاستعمال املبين للمجهول يف التقارير العلمية ،أو استخدام مجلة الشرط يف الصياغة
القانوني ة ،وق د تك ون –كم ا ه و يف األغلب– «معجمي ة» حني جند ألفاظً ا معين ةً
ترتفع نسبة شيوعها يف مواقف خاصة.
ودراس ة ه ذا الن وع من الش يوع مهم ج دًّا يف تعليم اللغ ة؛ ألن ه ن وع من
التحديد األسلويب ،وإن كنا منيزه عن علم األسلوب Stylisticsالذي يتوفر على
أديب م ا .لذلك يفض ل كث ري من العلماء أن يطل ق دراسة لغ ة أديب ف رد ،أو لغة فن ٍّ
على دراسة الشيوع يف «املواقف» اللغوية مصطلح علم األسلوب العام General
.Stylistics
أيض ا أن نلفت إىل أن «الشيوع» ليس مسألة «مطلقة» ،وإمنا هو مسألة ومن املهم ً
«نسبية»؛ ألن الشيوع معناه أن نقيس «حدوث» ظاهرة ٍ
لغوية ما بالنسبة «للزمن».
وليظه ر ل ك ذل ك نض رب مثاًل مبعجم لغ وي ينتظم نص ف ملي ون كلم ة ،إذا
حاولت أن تقرأه كلمة كلمة فإن قراءته تستغرق ثالثة أيام ،وإذا حاولت أن تعطي
لكل كلمة زمنً ا مساويًا لألخرى فإن كل كلمة قد تنتظر ثالثة أسابيع كي تتكرر
مرة أخرى .ذلك أن بعض الكلمات يتكرر كل مخس ثوان ،وبعضها ال يتكرر إاَّل
على فرتات زمنية متباعدة.
وقد أجريت دراسات إحصائية عن الشيوع اللغوي من مواد مكتوبة يف عدد
ف كلم ة األوىل ال يت هي أك ثر من اللغات توصلت إىل نتائج متقاربة؛ أمهه ا أن األَلْ َ
حنوا من % 90من اللغ ة املس تعملة ،وأن األل ف الثاني ة متث ل يوعا متث ل نس بتها ً
ش ً
،%6والثالث ة ،% 2.5والب اقي . %1.5وه ذه نت ائج مهم ة ج دًّا؛ ألهنا تكش ف
عن أن ال ذي حنتاج ه يف ص لب التعليم اللغ وي ي رتكز يف ه ذه األَلْ ف األوىل ،لكن
ا؟ ل إليه ف نص كي
إن منهج معرف ة «الش يوع» النس يب لظ اهرة لغوي ٍة م ا يقتض ينا أن نفحص «عين ة»
كبرية جدًّا من اللغة ،مث جنري عليها إحصاء يؤدي إىل التعبري الرقمي عن الشيوع.
واإلحصاء اللغوي – بطبيعته – عملية موضوعية ،وإن كان ال خيلو حىت اآلن
من عي وب؛ ألنن ا يف األغلب جنري اإلحص اء على م واد «مكتوب ة» ،وهي ال متث ل
اللغ ة كله ا ،وحنن حني خنت ار ه ذه املواد ف إن االختي ار يك ون «ذاتيًّا» إىل ح د م ا،
ولذلك نلحظ فروقًا يف نسبة الشيوع اليت أجراها باحثون عن ظاهرة واحدة نتيجة
واد. ارهم للم ة اختي طريق
ومع ذلك فإن هذا ال يقدح يف «منهجيتها» طاملا أهنا جتري على «مناذج متنوعة»،
وتستند إىل نظرية صاحلة يف علم اللغة االجتماعي عن االستعمال اللغوي.
على أن عملي ة اإلحص اء اللغ وي ليس ت آلي ة أو هين ة كم ا يب دو ،وإمنا هي
حتت اج إىل جه د حقيقي ،وإىل معرف ة لغوي ة تتس م بالش مول؛ فنحن حني
حنصي األلفاظ مثاًل فإننا ال حنصيها بوصفها ألفاظًا منطوقة فحسب؛ أي مكونة من
أص وات ،وإمنا حنص يها مرتبط ة «مبعانيه ا» ،وه ذه هي القض ية .وحنن ال نس تطيع أن
لفظة ما إاَّل مبعرفة جمموعة من «العالقات» اليت هلذه اللفظة باأللفاظ حندد «معىن» ٍ
األخرى ،وهذه هي اليت نطلق عليها العالقات الداللية Semantic relations
كالرتادف واالشرتاك والتقابل.
واحلق أن دراسة كل لفظة إمنا هي دراسة «لشبكة» من عالقات املعىن؛ أي
إنن ا يف احلق ال نع رف املع ىن الكام ل للفظ ٍة م ا إاَّل بع د أن نع رف مع ىن األلف اظ ال يت
ت دخل معه ا يف عالق ات داللي ة .ويف تعليم اللغ ة ال نبتغي من وراء دراس ة الش يوع
معرفة أن لفظةً ما «مقبولة» دالليًّا ،وإمنا لكي نعرف كيف «نستعملها» ،أي نعرف
كيف تكون «مالئمة» للموقف.
ودراس ة الش يوع يف األلف اظ ال غ ىن عن ه يف تعليم اللغ ة ،وال ميكن
مقياس ا موضوعيًّا ملا
تصور حمتوى تعليمي دون أن تسبقه هذه الدراسة؛ ألنه يقدم له ً
يع رف «ب التحكم يف املف ردات» Vocabulary controlولنض رب مثاًل على
فأي هذه الكلمات خنتار ذلك بكلمات مثل :روضة ،حديقة ،بستان ،جنة ،جنينةَّ .
للص ف األول االبت دائي ،وأيه ا خنت ار بع د ذل ك؟ من الواض ح أن ذل ك ال ميكن أن
يكون عشوائيًّا وإاَّل سقط تعليم اللغة يف االضطراب.
م ا ينطب ق على الش يوع يف األلف اظ ينطب ق على الظ واهر اللغوي ة األخ رى؛
الص رفية والنحوي ة .مثاًل :م ا نس بة ش يوع التص غري ،وبعض مجوع التكس ري ،وبعض
املصادر ،وبعض الصيغ الفعلية؟ وما نسبة شيوع «ما فتئ ،وما برح ،وما انفك» يف
األفع ال الناس خة؟ وم ا نس بة ش يوع «إ ْن ،وال ،والت» ال يت تعم ل عم ل ليس؟
وسوف نرى ما أفضى إليه غياب املنهج العلمي يف دراسة الشيوع على تعليم العربية
ه. ه يف مكان رض ل حني نع
من الواضح إذن أننا ال نستطيع أن نعلِّم اللغة بأن «نغرتف» منها حسبما نشاء ،أو
وف ق م ا تس وق إلي ه «الص دفة» ،وإمنا ال ب د من «اختي ار» موض وعي ،ينهض على
«مقارن ة» موض وعية داخ ل اللغ ة أواًل ،وه ذا املب دأ ج وهري يف تعليم اللغ ة ألبنائه ا
ولغري الناطقني هبا على السواء([.)]1