Professional Documents
Culture Documents
الإنطواء
الإنطواء
( دراسة حالة)
مقدمة /
" كثيراً ما يشعر معظم الناس بقلق خفيف في المواقف االجتماعية .وهذا أمر عادي تماماً ،حتى إن الشخصيات العامة المشهورة تشعر برفرفة في
صدورهم قبل ظهورهم في االجتماعات العامة الكبرى .وإن قليالً من القلق غالبا ً ما يعتبر أحسن مما لو لم يكن هناك قلق على اإلطالق ،إذ إنه
يساعد على أن يبقى الشخص يقظا ً وحذراً .وإنه فقط حينما يصبح القلق من المناسبات االجتماعية عظيما ً جداً ،فإنه يبدأ حينئذ أن يكون معوقا ً
للنشاط .يروى عن (ابقراط) حيث وصف شخصة المنطوي:
• ال يرى خارج البيت بسبب خجله ،وشكله ،وجبنه،
• وأنه يحب الظالم كحبه للحياة ،وال يمكنه تحمل الضوء أو الجلوس في أماكن مضيئة.
• وهو يضع قبعته على عينية بحيث ال يستطيع أن يرى أو أن يراه أحد.
• إنه ال يجرؤ على الوجود في مجموعة من الناس خوفا من أن تساء معاملته ،أو أن يهان /أن يرهق نفسه بتكلف اإليماءات أو الكالم ،أو أن
يمرض ،وهو يظن أن كل الناس يالحظونه ."..
المصدر :
(التعايش مع الخوف -إيزاك م .ماركس -ترجمة د .محمد عثمان نجاتي ص .)1455
و"تأثير العزلة االجتماعية (كالهجرة والعزوبية والطالق) على ظهر المرض العقلي يثير حلقة مفرغة من هذا النوع ..فهل العزلة هي التي أدت
إلى ذلك ،أم أن المضطربين نفسيا ً غالبا ً ما ينتهون إلى العزلة بسبب إثارتهم لالشمئزاز والنفور في اآلخرين .واتخاذهم لقرارات خرقاء؟؟ ..
المرجح أن "العزلة االجتماعية" تكون سببا ً لالضطراب العقلي ونتيجة له في نفس الوقت"
المصدر :
(العالج النفسي السلوكي المعرفي الحديث -د .عبدالستار إبراهيم ص)500-49
اسباب االنطواء :
المصدر:
(المرشد في علم النفس االجتماعي د .عبد الحميد محمد الهاشمي ص)3100-308
اسباب االنطواء تختلف من فرد آلخر وعالج االنطوائي يعتمد أساسا ً على كشف اسبابه ودوافعه التي تغذيه فالتشخيص الصحيح اول مراحل
العالج السليم ..أهم تلك االسباب ما يلي:
• اسباب جسدية :
تتصل بتركيب الغدد الصماء وهرموناتها وباأللياف الجهاز العصبي وحيويته .وبكيان الدم ونشاطه الدموي أو التكوين المزاجي – بعض الناس
يرث طاقة انفعالية خامدة ال تكفي لنشاط األجهزة العصبية والدموية – لقد قامت محاوالت لعالج هذا العامل الجسمي إذ تستخدم بعض المستشفيات
النفسية والعصبية إلثارة النشاط الحيوي (حمض اجلوماتيك) غير ان هذه العقاقير ال تصرف إال باستشارة طبيب وما تقدمه من تحسينات ال يدوم –
ونتائجها غير مضمونة .
• سبب نفسي انفعالي :
فبعض الناس يعانون من فقدان الثقة بالنفس وباآلخرين -أو يكرهون روح المنافسة والمناقشة أو لديهم سوء ظن بكل من حولهم – فهؤالء يجدون
عذابا ً في حياة الجماعة التي يظنون انها تتآمر عليهم وتكيد لهم .بينما يجدون الراحة في البعد .فهو انسان متشائم ..والخطأ يكمن في تعميم سوء
الظن بسبب خبرة سابقة فاشلة ..ومصادقة كل من هب ودب دون اختيار سليم.
• كراهية المجتمع لبعض افراده :
فهناك مجتمعات ال ينسجم الفرد مع عوامل العصبية السائدة ألنه غير مقبول فيجد في العزلة واالنطواء عزاء وراحة .
• قد ينشأ من خبرات مريرة عاناه الفرد مع افراد جماعته :
وعالج ذلك ان تقدم البيئة االجتماعية ألفرادها جميعا ً فرصا ً مناسبة وبسيطة للنجاح النسبي وتحقيق الذات – كما ان الفرد نفسه حين يقع في الفشل
عليه ان يعلم ان الفشل ليس ابدي .
• قد ينشأ االنطواء لدي افراد من أحب الناس اليهم :
وذلك بالدالل المسرف الذي يجده بعض االفراد في طفولتهم حيث يجدون كل رغباتهم مشبعة دون طلب او عناء .فيصطدم بالواقع فيجد هذا الفرد
في االنهزام واالنسحاب عامل راحة ..فليس لديه الشجاعة لمواجعه الحياة االجتماعية الجادة .وهذا ما يجعل اآلباء ان يعودوا أبنائهم على مواجهة
الحياة وتبعاتها بأسلوب متدرج يبدأ من الطفولة المبكرة .
• وقد يكون االنطواء استجابة مقصودة لدعوات انهزامية تدعو للبعد عن الجماعة :
كالصالحين وابتعادهم عن حياة انتشر فيها الفساد – فواجب الصالحين مواجهة الفساد وليس الهروب ..والبحث في نفس الوقت عن الجليس
الصالح.
نسبة كبيرة من الناس يقاسون من"الشخصية االنطوائية" التي يكونوا عليها ،ونسبة كبيرة من "مرضى العيادات النفسية" يعانون من ذلك.
ولعل ما سنورده يوضح (ابعاد هذا الشخصية) و(يوضح كيفية العالج النفسي) .
الحالة من كتاب/
(الطب النفسي معناه وابعاده -د .محمد محمد خليل -الطبعة األولى1982-م-14022-تهامة -جدة .ص)187-184
دراسة حالة :
( التنسيق بتصرف)
البيانات األولية :
• اإلسم - /
• الجنس /ذكر .
• العمر 34 /سنة.
• الحالة اإلجتماعية /متزوج .
• السكن - /
• المؤهل العلمي /جامعي – إقتصاد
• المهنة /يعمل محاسباً.
الشكوى عن لسان الحالة:
• أرق وتوتر األعصاب ورعشة في اليدين ،عندما يمسك بفنجان الشاي أمام الناس ،فكان يخشى تلك المواقف ويتجنبها.
• وكان دائما صامتا ً وال يتكلم إال قليالً ،وكان يشعر أنه ال يستطيع الكالم كما يتكلم اآلخرين ،وال يستطيع لفت انتباههم ،فينتابه شعور بالحرج
الشديد ويحدث له ارتباك إذا أراد عمل شيء أمام اآلخرين .وكان يتألم من ذلك وال يستطيع اإلفصاح عما يعاني منه ،وال يشعر أحد بمعاناته..
فعاش في عزله.
• وكان يشكو من ضعف في الذاكرة ،وعدم المقدرة على التركيز في تفكيره ،وينتابه نوبات من الضيق .
تاريخ المدرسي والحالة التعليمية /
• ابتدأ يشكوا من مشكالت منذ15سنة حينما كان طالبا ً بالسنة الثالثة بالمدرسة اإلعدادية (المتوسطة) رغم أنه طالب متقدم في دراسته .وفي العام
الذي بدأت فيها المشكلة أعطى المدرس التالميذ مسألة حسابية لحلها ،واستطاع كثير من الطلبة حلها في حين لم يستطع رغم تفوقه.
• وفي السنة الثالثة من المدرسة الثانوية صار ترتيبه في الفصل الثالث بعد أن كان متفوقا ً فكان هذا ألول مرة في حياته ،وحصل على مجموع
ضعيف من الدرجات في الثانوية العامة.
• والتحق بكلية االقتصاد .وفي السنة األلى بالكلية رسب في إحدى المواد ،وفي السنة الثالثة لم يتمكن من دخول االمتحانات وتقدم بشهادة مرضية.
وكان يعاني من ارق وصعوبة في النوم ،فكان يفكر أنه لو بذل مجهودا عضليا ً مرهقا ً قبل النوم ،يستطيع أن ينام بسهولة ،فبدأ يخرج للمشي ليالً
وكان أحيانا ً يقضي فترة طويلة يمشي داخل المنزل ،واألسرة نائمة حتى يتعب فينام.
الحالة األسرية واألمراض العائلية/
• لقد كان والده انطوائياً ،ال يزور وال يزار ،وال توجد أي عالقة قوية بينه وبين زمالء عمله.
الحالة اإلجتماعية/
• كان خاطبا لفتاة قريبة له ،تركته ألنه كان معها صامت دائماً ،وقد عولج عند أطباء كثيرين من مختلف التخصصات ومن أعرض مماثلة
ألعراض التي يشكو منها ،وقد تحسن بعض كما أنه عولج بأدوية تشمل المهدئات والمقويات .فكر أن الضعف الذي يعاني منه يمكن أن يزول إذا
مارس "الرياضة البدنية" وحاول ذلك مرات عديدة دون فائدة.
• وتزوج ومنذ االيام األولى هو في خالف مع زوجته .
التاريخ المهني والحياة العملية/
• بعد ذلك تحسن مستواه في الدراسة بعض الشيء ،وأكمل دراسته وعمل بالحكومة ،وكان يعاني من العزلة بين زمالئه في العمل وكان يتألم كثيرا
من ذلك ،يرغب أن يكون محبوبا ً ومندمجا ً مع اآلخرين ولكنه ال يستطيع وكان أثناء العمل يشعر بإرهاق فيذهب أحيانا ً يحاول النوم ليستريح ولكنه
ال يستطيع النوم .
تاريخ األمراض العضوية/
• أصيب بقرحة في المعدة نتيجة توتره المستمر ،ووصف له األطباء عالجا ً أدى إلى تحسنه بعض الشيء .
• وأصيب أيضا ً بارتفاع في ضغط الدم وعولج وتحسن بعض الشيء .
الحالة النفسة والعقلية الحاضرة/
• المظهر الحالي والسلوك العام :
• شكل الكالم وترابطه:
• التفكير ومحتوى الكالم:
• اإلدراك :
• المزاج:
• النوم واألكل:
• القدرات المعرفية:
مالحظة :
ما سبق (ما يجب أن يكون في التحليل لشخصية المريض) ويمكن عمل اختبار معين حسب الحالة.
التشخيص والعالج /
• وابتدأنا معه (العالج النفسي) الذي استمر مدة عام ،حيث كان يتردد خالله على العيادة مرة كل أسبوع ،ويقضي مدة نصف ساعة كل مرة.
• وعندما بدأنا العالج شمل ذلك أدوية الحموضة ،وأدوية ارتفاع الضغط.
• ولقد اتضح انه ال يملك القدرة على التعامل السليم مع الناس ،إذ ال توجد عنده معلومات كافية في الموضوعات التي يتكلم فيها الناس عندما
يلتقون ،فكان يجلس صامتاً ،ولقد شجعناه على التزود بالقراءة.
• وحيث ال يستطيع مجاملة الناس ،فشجعناه على ذلك.
• وتم تشجيعه على االختالط مع زمالئه في العمل وأقاربه وجيرانه ،ومحاوالته بائت بالفشل ثم يأتي ويناقش معنا هذه الصعوبة .وبالتدريج زادت
عالقاته ،وزادت معرفته بالناس وكيف يتكلم .وكيف يجامل وكيف يكتسب حب الناس.
• ثم بدأ يشعر بوجوده ،فأزدادت ثقته بنفسه من هذه الناحية ،ودفعه هذا إلى المزيد من االختالط وقل خوفه من الناس والمجتمعات.
• ووضحنا له أن الناس يختلفون من حيث طبيعة عالقاتهم االجتماعية ،فمنهم من يكون على عالقات كثيرة من الناس ومنهم من تكون عالقاتهم
محدودة والشخص صاحب العالقات الكثيرة ليس أحسن من الشخص القليل العالقات فكل ما يميزه .فاألول ينجح في الوظائف التي تلزم مثل هذه
العالقات ،أما الشخص ذو العالقات القليلة فيكون أعمق في تفكيره ويجد وقتا ً للتدقيق والتروي ،وكثير من العلماء والفالسفة من هذا النوع .وعلم أن
العبرة بالناحية االجتماعية ليست بالكثرة في العالقات ،المهم أن تكون العالقات عميقة ،يكفي أن يكون عند الشخص القدرة على مواجهة الناس
والتعامل معهم وال لزوم لإلكثار من ذلك ..وعندما أدرك ذلك ابتدأ يرضى نفسه ،ويقدر شخصيته ،وأدرك ان طبيعته من النوع القليل العالقات،
وأن الخطأ كان..
oفي قلة عن الحد األدنى.
oوعدم وجود المقدرة االجتماعية عنده.
oوأن الظروف التي نشأ فيها لم تكسبه هذه المقدرة ،فقد كان والده انطوائيا .وهذه القدرة يكتسبها الطفل تلقائيا عندما يختلط مع غيره من األطفال،
ولكن عندما يتأخر في االختالط ويكبر يجد صعوبة في اكتسابها .فهو معرض للخطأ في طريقة تعرفه واختالطه باآلخرين .والطفل ال يخاف
الخطأ وال يفكر فيه ..أما الكبار العكس .
• كان متعودا في اختزان انفعاالته السلبية حيث ينفعل ويكتم في نفسه ،فقد أوضحنا له خطأ ذلك فالصحيح أن يعبر اإلنسان عن انفعاالته ،وأن يتكلم
عن مشاكله مع أصدقائه.
• وكان ال يهتم بالترفيه عن نفسه ،ويدرك الجانب الجدي من الحياة فقط .فوضحنا له خطأ ذلك .وأن في الحياة أشياء مفروضة وأخرى يعملها
اإلنسان برغبة وتلقائية.
• وعندما (تعدلت شخصيته) و(اكتسب المقدرة اإلجتماعية) حلت مشاكله مع زوجته ،فصار يجاملها ويخرج بها للمجتمعات ،وكانت محرومة من
ذلك .وتحسنت قدرته الجنسية مع ازدياد ثقته بنفسه self confidenceوزوال توتر أعصابه ،ونقص مشاكله مع زوجته العاطفية بينهما – ولقد
كان يشعر بضعف جنسي قبل ذلك ،وكان عدم رضائع عن نفسه ،وهو ما يعبر عنه بالشعور بالنقص Inferiorityيجعله حساسا يغضب سريعا ً
ويتأثر من تعليقات وتصرفات غير مقصودة ،وكان هذا من أسباب المشاكل مع زوجته ولكن مع ازدياد ثقته بنفسه صار أهدأ وأكثر تحمالً وأقل
حساسية ،وكان توتر أعصابه سببا ً في شعوره دائما باإلرهاق ،وهذا يؤدي إلى سرعة االنفعال.
• وكان في البداية غير مقتنع بجدوى العالج فكان يتغيب عن الحضور كثيراً ،ولكن مع مرور الوقت أصبح يدرك حقيقة مشكلته ،صحيح أن التغيير
بدأ ولكن مع استمرار الشرح والتوضيح والتشجيع استطاع المريض أن يتغلب على مشكلته.
ما بعد العالج /
واآلن اصبح مريضنا على عالقات اجتماعية قوية مع بعض الزمالء واصدقائه ،ولكن ليست كثيرة ومتعددة،
وأصبح يتمتع بقدر معقول من الثقة بالنفس.
ويشعر انه محبوب من اآلخرين ،وعلى عالقة حسنة مع زوجته.
وزال شعوره بالضعف واإلرهاق والتوتر وبقية االعراض التي كان يشكو منها.
وتفوق في عمله ووثق به رؤساؤه.
الخالصة/
لعلنا نكون قد ادركنا من هذه العجالة شيئا عن االنطواء وما تعاني منه من عدم تكون المقدرة االجتماعية ،والكبت وضعف الثقة بالنفس والشعور
بالنقص والحياة الجافة التي يعيشها الشخص الذي يعاني من ذلك.
ولعلنا أدركنا كيف تعالج أمثال هذه الحاالت.
ولعلنا أدركنا دور العوامل النفسية في إحداث أعراض المرض.
وكيف تؤدي هذه العوامل إلى االمراض النفسية الجسمية كقرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم.