Professional Documents
Culture Documents
آفاق ومناهج تدريس نقد الترجمات
آفاق ومناهج تدريس نقد الترجمات
ليلى حممدي.أ
:امللخص
،يعد نقد الرتمجات من أهم اجملاالت اليت أفرزهتا تقسيمات دراسات الرتمجة جليمس هوملس
إال أنه مل حيظ-على الرغم من أمهيته- وهذا املقال يعىن بتسليط الضوء على تدريس نقد الرتمجات الذي
ودور وأمهية، وسنتطرق فيه إىل التطورات اليت شهدها هذا اجملال.بعد باملكانة اليت تليق به يف جامعاتنا
اضإاافة إىل اترتا للمتتو الذي ميكن أن يدرس،هذا النوع من التكوين بالنسبة للمرتمجني ونقاد الرتمجة
. مع التطرق بشيء من التفصيل إىل منهجي كل من بيرت نيومارك وأنطوان برمان وإمكانية تدريسهما،فيه
. القراءة، التقييم، منهج برمان، خطة نيومارك، مناهج التدريس، نقد الرتمجات:الكلمات املفتاحية
69
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
مقدمة:
يشهد التاريخ أن الرتمجة ظهرت حلاجة اضإنسان إليها ،وتطورت وجتذرت وازداد
االهتمام هبا لدرجة اعتبارها الوسيلة األهم لإلطالع على ما لد الغري من معار وثقافات
وتقاليد وأدب .وأن الرتمجة -منذ ظهورها إىل يومنا هذا -ما فتئت تتغري وتتطور ،إذ مل تعد
وسيلة للتواصل بني الشعوب واألجناس فتسب ،بل متوتعت بني العلم والفن ،وأخذت من
هذا وذاك .فنجدها تزداد مجاال -خصوصا األدبية منها -ملا تسمح به من إدخال حملسنات
وصور اللغة اهلد وانتقاء لأللفاظ ومجال لألسلوب ،ويف الوتت نفسه تتقيد ببعض معايري
العلم فتشاركت معه يف حماولة توخيها الدتة ،وتوظيفها املصطلتات ،وتبوهلا للتعديل
والتغيري ،وحتوهلا إىل نشاط إنساين عاملي بعد أن كانت حكرا على شعوب دون أخر .
ومتيز تاريخ الرتمجة بتعدد وتنوع اآلراء حوهلا ،وكانت خاصية هذه اآلراء هي
التناتض ،فما إن يبدأ احلديث عن األمانة إال وتظهر فكرة اخليانة ،وما إن تذكر تابلية
الرتمجة حىت تظهر استتالتها وتعذرها ،وتد احتدم الصراع بني املؤيدين للرتمجة كنشاط
تطبيقي جترييب حبت وبني املنظرين هلا ،بني أنصار النص األصل وأنصار النص اهلد ،بني
مؤيدي الرتمجة احلرفية والرتمجة املعنوية ،بني الرتمجة العلمية والرتمجة األدبية وغريها من
األفكار.
إن هذا الكم اهلائل من املعلومات عن الرتمجة وكذا املدونات اليت ال حصر هلا
عرب التاريخ وعرب أصقاع العامل ،دفع جيمس هوملس ( )James Holmesإىل
استتداث ميدان خاص هبا سنة 2791أطلق عليه اسم "الدراسات الرتمجية" وهي التسمية
اليت ميكنها أن تناسب حقا ميدان الرتمجة وجتنب العاملني هبذا امليدان الكثري من اللبس
1
وسوء الفهم
70
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
وتد امت الدراسات الرتمجية جليمس هوملس العديد من التقسيمات النظرية
والتطبيقية ،ومست الكثري من امليادين املوجودة من تبل ،واستتدثت ميادين أخر مل
يعر هلا وجود مستقل يف جمال الرتمجة ،ولعل نقد الرتمجات أبرزها .لقد كان نقد الرتمجات
وإىل وتت غري بعيد جزءا ال يتجزأ من النقد األديب ،إذ كان خيص النص املرتجم لوحده
بالدراسة ،ويصدر على الرتمجة أحكاما صارمة باجلودة أو الرداءة ،بالصتة أو اخلطأ ،بل
إن عديد النقاد الذين مارسوا هذا النقد مل يكونوا جييدون لغة األصل .وتد صنف عبد
الكبري الشرتاوي هذا النوع من الدراسات يف خانة "دراسة األدب املرتجم" 1وهو الذي
يعىن بتتليل النص ودراسته من حيث صتته ومستواه اللغوي والنتوي مع حماولة تقييمه
وتنقيته .وبذلك يعد نقدا ذاتيا سلبيا يتناول الرتمجة كنتاج فتسب ويتقفى اخلطأ فيها،
ويتجاهل بذلك املخاض العسري الذي مر به املرتجم أثناء عملية نقله للنص .لذا فإن ما
أتى به النقد الرتمجي احلديث من خالل اهتمامه بالنص األصل وبالنص اهلد وبالعملية
الرتمجية يف حد ذاهتا يف عملية النقل يعد مكسبا هاما ظفرت به الرتمجة.
تقوم املناهج املعتمدة يف تدريس الرتمجة على مقاييس نظرية وأخر تطبيقية ،ونقد
الرتمجات يعد "رابطا أساسيا بني نظرية الرتمجة وتطبيقاهتا" ،2فهو مهزة وصل مهمة يف تكوين
املرتمجني ونقاد الرتمجات على حد سواء ويُعىن برفع مستو معايري الرتمجة يف حد ذاهتا .كما
أنه "سال للدفاع عن املهنة" 3يستخدمه املرتجم ليثبت لنفسه ويقنعها ويقنع غريه أيضا
بدوافعه وصتة خياراته .إال أن نقد الرتمجات كمقياس مستقل -مع أمهيته -مل حيصل بعد
1حممد جدير ،يف ممارسة الرتمجة ،دمشق :دار الفرتد للطباعة والنشر والتوزيع ،1122 ،ص .44
2بيرت نيومارك ،اجلامع يف الرتمجة ،تر .حسن غزالة ،بريوت :دار ومكتبة اهلالل ،ط ،1112 ،2ص
.211
3Mona Baker assisted by Kirsten Malmkjaer, Routledge
Encyclopedia of Translation Studies, London & New York:
Routledge Taylor &Francis group, 1998, p 237.
71
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
على املكانة اليت تليق به يف معظم جامعاتنا اجلزائرية .فعلى الرغم من حضور النقد يف
خمتلف ممارساتنا الرتمجية ،بدءا من نقد أنفسنا عند مراجعة ترمجاتنا ،ونقد ترمجات الطلبة
عند تصتيتها ،مث نقد ترمجات متعددة ملؤلف واحد عند دراستها لتبيان نقاط اعفها أو
توهتا وغريها ،إال أن نقدنا هذا يبقى ذاتيا حناول فيه إظهار دوافع تفضيلنا لرتمجة دون أخر
دون االستناد إىل معايري علمية ،كما أن نتائجه يف كثري من األحيان غري تابلة للتعميم.
إن الدور اهلام الذي حيظى به نقد الرتمجات جيعلنا نركز على أمهية تدريسه عند
تكوين املرتمجني بوجه خاص ،ألن املرتجم اجليد تد يكون ناتدا جيدا ،كما يفضل أن يكون
الناتد مرتمجا ألن أهل مكة أدر بشعاهبا .عالوة على ذلك ،فإن النقد يضيف الكثري إىل
تكوين املرتجم ،فهو يسمح هلذا األخري بالنظر إىل العملية الرتمجية من وجهة نظر خمتلفة
عن تلك اليت عهدها .هذه النظرة اخلارجية لرتمجة غريه تعمق معرفته بالرتمجة ،وتد حتسن
من مستواه الرتمجي وتزيد معرفته بلغته األم وكذا باللغة األجنبية ،وتعرفه بالوسائل واملفاهيم
واملصطلتات اليت تستخدم يف النقد ،مما جيعله منتبها أكثر عند ممارسته للرتمجة .ويسمح
النقد للمرتجم بتتديد طريقته يف الرتمجة والنقد معا ،وأن خيتار بني اعتماد النص اهلد أو
النص األصل كمعيار للرتمجة وللنقد ،أو اختيارمها معا .كما أنه يكسب املرتجم ثقة بالنفس
عند اكتشافه هلفوات املرتجم واترتا البديل الذي يراه سليما هلا ،إذ جيب أن يرفق النقد
( )Critiqueبالبديل حىت ال يصنف امن النقد غري املؤسس أو االنتقاد
(.1 )Criticaillon
72
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
ويفهم من هذا أن كل تكوين للمرتمجني مهما اختلف التخصص جيب أن يرفق ويدعم
مبقياس لنقد الرتمجات حيث يراعي النقد فيه ويُ َكيف مع نوع النصوص املتخصصة فنقد
النص العلمي مثال خيتلف عن نقد النص األديب أو نقد الشعر.
يتعني على كل ميدان حبث حديث أن يواجه صعوبات وعراتيل ويتجاوزها حىت
يثبت وجوده ،ونقد الرتمجات ال خيرج عن هذه القاعدة .وأهم ما يواجهه هو تلة املمارسني
اجلادين له وعدم اتفاتهم على معايري تقييمية وااتة .إذ ال ميكن تدريس نقد الرتمجات
باالعتماد على الذوق واحلدس فقط ،بل جيب أن يرفق مبعايري مواوعية تابلة للتلقني .وهذا
يعين ارورة حتديد حمتو املقياس وإطار عمله ،وأن يكون مطواعا تابال للتكييف والتطبيق
على خمتلف أنواع النصوص.
وأول ما جيب أن يتطرق إليه مقياس نقد الرتمجات هو إطاللة تارخيية على نقد
الرتمجات وأدبياته من خالل تقدمي خمتلف تعريفاته تبعا للفرتات اليت ظهرت فيها ،واحلديث
عن أهم رواده تدميا وحديثا (أمثال فالرت بنجامني ( ، )Walter Benjaminماري
سنيل هورنيب ( ، )Mary Snell Hornbyجون دودس ()John Dodds
،هنري ميشونيك ( ، )Henri Meschonnicبيرت نيومارك ( Peter
، )Newmarkكاتارينا رايس (، )Katharina Reissأنطوان برمان
( ، )... )Antoine Bermanوعن توجهاهتم ،ونظرياهتم ،وكيف سامهوا يف تغيري
وتطوير مفهوم نقد الرتمجات ،ومناهجهم التتليلية مع واعها يف إطارها الزماين واملكاين.
و "مبا أنه ال يوجد هناك نظام عاملي ميكن تقييم األعمال طبقا له" ،1فإن التعريفات
والتوجهات سابقة الذكر تُقدَّم للطالب لتوجهه ولتمكنه من االستعانة هبا وإخضاع نقده
للرتمجات هلا .وتد يطر الطالب يف سياق نقده للرتمجة أو تبل البدء به أسئلة وحياول
73
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
اضإجابة عنها ،كأن يسأل نفسه إن كان نقده سيتم يف سياق تلقي الرتمجة (أي دون العودة
لألصل) أوال ،أم أنه سيدرس الطريقة اليت ترجم هبا النص يف اللغة اهلد ،هل مييل إىل
جهة اهلد أم إىل جهة األصل؟ أم أنه ميسك العصا من وسطها ويقف منتصف الطريق
بني اهلد واألصل؟ .1وهذا اخليار جد هام ألنه سيتتكم يف اضإسرتاتيجيات املعتمدة
وحيدد مد تنوع وجهات النظر اليت خيضع هلا نقد الرتمجات أو اكتفائه بوجهة نظر حمددة.
لقد كانت معظم األسس النظرية املواوعة لنقد الرتمجات وصفية 2حبتة يدرس
فيها النص األصل لوحده أو النص اهلد لوحده ،وهو ما دفع ماتيو غيدار إىل الدعوة إىل
التطرق إىل نقد الرتمجات من خالل تطبيقاته .أي أن يستفاد من تطبيق نقد الرتمجات يف
صياغة نظرياته ،وأن تستخرج املعايري من خالل عملية الرتمجة ومن خالل مقارنة النصوص
اليت تعد جزءا ال يتجزأ من املسار النقدي ،3وكذا من خالل تدريس نقد الرتمجات يف حد
ذاته .وتد يساهم هذا يف تطوير النقد الرتمجي من خالل مالحظة املشاكل وحتليلها
واستخالص النتائج ،وبلورهتا وتصنيفها ،وهو ما تد يعطي نقد الرتمجات الصبغة العلمية
ويسهل تلقينه.
ومبا أن الرتمجة متعددة االختصاصات فإن نقدها سيكون كذلك أيضا ،وعليه
فإن مقياسه تد يتطرق إىل امليادين املتصلة به من تريب أو من بعيد ،كدراسة عمليات الفهم
والتأويل ،أو املراجعة والتقييم والتطرق إىل االختالفات بينها ،ودراسة عالتة النقد الرتمجي
بالقراءة ليتمكن الدارس من حتديد أهدافه تبل البدء يف عمله .وهذه العناصر جد مهمة يف
عملية النقد الرتمجي إذ أهنا تعد دافعا يف كثري من األحيان إىل إعادة الرتمجة.
74
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
إن كون الرتمجة نشاطا إنسانيا فإن صاحبها سيسقط "ال حمالة يف فخ سوء الفهم،
أو سوء التفسري والـتأويل ،مما جيعل كل ترمجة عراة للنقد" ،1لذلك وجب على املرتجم
توخي احلذر يف فهم النصوص وتأويلها عند تراءهتا .والفهم أساس عملية التواصل سواء
كان فهما لألفكار الشفوية أو املكتوبة ،وهو يعين حتديد العالتات اليت تربطها ببعضها
البعض وكذا اهلد املرجو منها .2ولتتقيق فهم جيد للنص ينبغي أن تتوفر يف املرتجم
إمكانيات مبدئية ال غىن عنها ،وإال فلن حتقق الرتمجة مبتغاها وتكون بذلك عراة للنقد،
بل وحىت لالنتقاد .ومن هذه اضإمكانات ما عربت عنه ماريان لوديرار يف توهلا" :يستدعي
فهم النص كفاءة لغوية ومعرفة موسوعية معا" ،3ويعد هذا زاد املرتجم الذي ال غىن عنه
وتدتناوله العديد من املؤلفني بالتفصيل والشر كاجلاحظ مثال .وخيتلف الفهم تبعا مليادين
الدراسة ،فهد الفهم يف علوم الرتبية مثال هو اختبار مد حتقيق األهدا املنشودة من
العملية التعليمية ،أما يف الرتمجة فهدفه ليس تقصي أفكار الكاتب الستيعاهبا ،أو الكتشا
اجملهول،أو ضإاافتها إىل الرصيد املعريف فتسب ،بل لتبليغ هذه املكتسبات للمتلقي يف
اللغة اهلد ،فاملرتجم "ال يرتجم للفهم بل يرتجم لإلفهام" ،4والرتمجة تبدأ أوال بفهم
احملتو يف اللغة األصل ،وحتديد عالتة العناصر ببعضها البعض وكذا دالالت ألفاظه،
والتتري عن اختيارات الكاتب للبنيات الصرفية واألسلوبية والداللية ،وهو ما أطلق عليه
رومان جاكبسون () اسم الرتمجة امن اللغة الواحدة ( Traduction
)intralingualeأو الرتمجة النسقية 5لتصوغه بعدها يف اللغة اهلد .وعليه ،فالتطرق
1بغداد أمحد بلية ،مبابدئ نقد الرتمجة وتفسري النص :قراءة نقدية يف ترمجة جاك بريك لسورة يوسف،
اجلزائر :منشورات ليجوند ،1122 ،ص .22
2JeanDubois et al, Dictionnaire de linguistique, Paris:
Larousse- Bordas, 1e Ed., 1994, 106.
3ماريان لوديرار ،الرتمجة اليوم والنموذج التأويلي ،تر .نادية حفيز ،اجلزائر العاصمة :دار هومة للطباعة
والنشر والتوزيع ،1113 ،ص .22
4Jean-Paul Vinay, Jean Darbelnet, Stylistique comparée du
français et de l'anglais, Paris: Ed. Didier, 1977, p
5حممد جدير ،نفس املرجع ،ص .17
75
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
إىل آليات عملية الفهم امن مقياس النقد الرتمجي هو أمر اروري خصوصا أنه يتعد
الظواهر اللغوية املذكورة أعاله إىل الظواهر اخلارجية احمليطة بالكاتب إذ" :يفرض فهم النص
على املرتجم رصد الظواهر اللغوية وخارج اللغوية ،ما تعلق منها بصاحب النص أو حميطه
االجتماعي أو اجلوانب الثقافية املسامهة يف إنشاء النص" .1
1عيساين بلقاسم ،التناص بدراسة يف املنهج والتأويل ورهانات الرتمجة ،بريوت /الرباط/اجلزائر العاصمة:
كلمة للنشر والتوزيع /دار األمان /منشورات االختال ،1122 ،ص .133
ا2نفس املرجع ،ص .149
3بغداد أمحد بلية ،نفس املرجع ،ص .92
4عيساين بلقاسم ،نفس املرجع ،نفس الصفتة.
5التأويل والرتمجة مقاربات آلليات الفهم والتفسري ،تأليف مجاعي ،إشرا إبراهيم أمحد ،اجلزائر
العاصمة /بريوت :الدار العربية للعلوم ناشرون /منشورات االختال ،1117 ،ط ،2ص .91
76
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
فالفهم والتأويل ال غىن عنهما يف عملية الرتمجة ،ودورمها يف نقد الرتمجة أهم وأدق ،إذ على
الناتد العمل على حماولة فهم اترتاحات املرتجم على الرغم من اعرتااه عليها أحيانا،
ومقارنتها بتلك اليت يراها هو أصوب .إال أنه يتعني على الناتد أن يكون حريصا جدا يف
نقده فال يرتك لنفسه احلرية يف التطرق إىل كل تأويالت النص إذ تد "تصبح كل التأويالت
ممكنة ،ويف هذا خطر على النص املصدر من انفتا دالالته" .1فالتأويالت غري املؤسسة
أو اليت يستشهد هبا الناتد دومنا حاجة ،تد تؤدي إىل تشتيت الفكر بدال من توجيهه
وحصره.
أما تدريس عمليات املراجعة والتقييم يف مقياس نقد الرتمجات فيبتغى منه دفع
املرتجم إىل إجناز املراجعة والنقد الذاتيني والتدخل لتغيري ما ميكن تغيريه بنفسه ،إذ أن أول
مراجع للنص هو املرتجم نفسه .ومبا أن كل ممارس للرتمجة يعلم أن الرتمجة مهمة صعبة وأن
مراجعتها أصعب منها ،فإنه يفضل أن تراجع الرتمجة بعد "فاصل زمين كا [ ]...ليتترر
الذهن وتتزن الذاكرة وتنشط وتستعيد وتبدع" .2فالراحة بعد اجلهد الرتمجي واالبتعاد عن
النص وترمجته مينتان املرتجم نفسا جديدا ورؤية ناتدة أكثر مواوعية مما ميكنه من مقارنة
ترمجته باألصل بكل أرحيية ،ومن مث اكتشا أخطائه الداللية واللغوية والنتوية الصرفية
واألسلوبية واضإمالئية بنفسه ،لتأيت بعدها عملية تداركها وتقييمها وتقوميها بتتديد درجة
تأثري األخطاء على فهم وتبليغ النص األصل ،ويكون ذلك بالتصتيح والضبط والتدتيق.
وتد أشار يوجني نيدا ( )Eugène Nidaإىل املبادئ الثالثة اليت جيب أن حيتكم
إليها تقييم الرتمجات ،وتسمها إىل ثالثة أتسام هي -2 :الكفاءة العامة لعملية اضإيصال
(أي إيصال املعىن) -1استيعاب الفتو (ويقصد به الدتة) -2وتكافؤ االستجابة (أي
استجابة املتلقي للنص املرتجم) .3ومبا أن هد نيدا األول كان إيصال الرسالة اضإجنيلية
77
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
إىل أكرب عدد من الناس ،فإنه مل يول اهتماما كبريا للنص األصل ،وركز على مالءمة الرتمجة
للمتلقي.
فاملراجعة إذا تسبق التقييم "وهي عملية تبلية الغرض منها إمتام الرتمجة" .1وكما
تلنا ميكن أن تكون ذاتية منجزة من طر املرتجم نفسه ،أو تد يكلف هذا األخري غريه
ممن هم أوسع خربة أو أكثر ختصصا منه ملراجعة ترمجته وتقييمها للتأكد من مد مطابقة
املعاين للنص األصل -خصوصا إذا تعلق األمر بالنصوص املتخصصة -أو مد احرتامه
ملعايري اللغة والثقافة اهلد .فالتقييم إذا "تد يرافق املراجعة أو ينفصل عنها ،فريتبط بنقد
الرتمجة ،أما التقييم املرتبط باملراجعة فيسعى إىل تتبع دتائق معاين النص ونقلها نقال صتيتا،
مع تتبع مسات األسلوبني من حيث التشاكل والتباين ،كما يتتبع املقيم والناتد منهج املرتجم
2
من حيث املالءمة مع رو وثقافة اللغة املرتجم إليها"
يسها يتطلب
تتعدد مناهج نقد الرتمجات تبعا لتوجهات روادها ومؤسسيها ،وتدر ُ
التتكم اجليد يف مضامينها ،ومصطلتاهتا ،ومتييزها عن غريها ،وحتديد نقاط اشرتاكها مع
غريها ،وروادها وأتباعهم...فاملنهج النقدي للرتمجات عادة ما يتبع اضإجتاه النظري لصاحبه.
ويف هذا الصدد تسمت إيناس أوزكي ديربي ( )Inès Oséki-Dépréنظريات
الرتمجة إىل ثالثة أنواع هي :النظريات التقعيدية ( ،)Prescriptivesوالوصفية
( ، )Descriptivesواالستشرافية أو الفنية ( .3 )Prospectivesفالنظريات
التقعيدية عندها هي تلك اليت تفرض تواعد تلزم الرتمجة فيها أن تكون بطريقة أنيقة وتراعي
كال من اللغة اهلد واجلمهور املتلقي ،أما النظريات الوصفية فهي تعترب الرتمجة نتاج سلسلة
من العمليات اللسانية أو اجلمالية أو اضإيديولوجية واليت يتم وصفها مواوعيا أو ذاتيا تبعا
78
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
لتوجه املنظر ،فالوصف يكون مواوعيا إذا كان توجه املنظر لسانيا ،ويكون ذاتيا إذا كان
من أنصار الشعرية أو التأويلية .1أما النظريات االستشرافية فهي تلك اليت ال تنتمي ال إىل
الفئة األوىل وال إىل الفئة الثانية ،وهي تعد الرتمجة نشاطا مفتوحا ،وتد يكون فنيا ،وتسعى
هذه النظريات إىل عقلنة أو واع برامج للرتمجة صادرة عن مرتمجني ،هم أنفسهم من
يبتثون عن تعريف للميدان الذي ميارسون فيه .واملهم يف األمر أن إيناس أوزكي ديربي تر
أن هذه النظريات -حاهلا كتال مناهج نقد الرتمجات -ال ميكن أن تفصل فصال تاما،
وتد استشهدت بطر أنطوان برمان ألفكاره الرتمجية ،فقد كان تقعيديا ووصفيا واستشرافيا،
وهي تقول:
وميكن أن تشكل أنواع نظريات الرتمجة هذه منطلقا لتصنيف مناهج نقد الرتمجات ،إال أن
اضإشكال الذي تد يظهر هو وجود نقاط اشرتاك عديدة بينها وبالتايل صعوبة الفصل بينها،
لذا ارتأينا تقسيمها إىل تسمني :مناهج نقد الرتمجة الوصفية ومناهج نقد الرتمجة املقارنة.
فمن رواد املنهج الوصفي جند -على سبيل الذكر ال احلصر -أندريه لوفيفر ( André
)Lefevereالذي يركز يف نقده على الرتمجة يف سياق اللغة اهلد بدال من الرتمجة
كمسار ،3ومن رواد املنهج املقارن لنقد الرتمجات جند كال من بيرت نيومارك وأنطوان برمان
79
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
اللذين اخرتنامها كعينة لدراسة منهجيهما يف نقد الرتمجة ومن مث املقارنة بينهما مع بيان
مد إمكانية تدريسهما.
يعد بيرت نيومارك ممن حاولوا التأسيس لنقد الرتمجات كفرع أكادميي ،وتد تناول
نقد الرتمجات بالشر والتفصيل يف كتابه "اجلامع يف الرتمجة" ( A Textbook of
)Translationيف فصله السابع عشر والذي عنونه ب ـ ـ"نقد الرتمجة" .وبعد تعريفه
للميدان وذكر أمهيته وشيء من تارخيه،و كذا الصعوبات اليت تواجه املرتجم عند نقده لرتمجة
ما ،حتدث عن نقد الرتمجات كفرع أكادميي ،واترت للقيام به خطة نقد تقوم على مخسة
حماور رئيسة هي:
*4تقييم الرتمجة
1
*3مستقبل الرتمجة
فاحملور األول يعىن بتتليل النص املصدر ويضم حتديد مجهور القراء الذين يوجه هلم النص،
ونوع النص واللغة املستعملة فيه وهو ما سريسم للمرتجم حدود التصر يف نصه .فمعرفة
نوع النص عند نيومارك أمر غاية يف األمهية ،إال أنه ال يوافق كاتارينا رايس وتيودور سافوري
يف ربط النصوص األدبية بالشكل والنصوص غري األدبية باملضمون .فبيرت نيومارك ير أن
80
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
مرتجم النص األديب يهتم أكثر باضإحياءات واملشاعر اليت تستعمل لغة شاعرية أكثر من
1
غريها من النصوص
أما غرض املرتجم فهو عبارة عن حماولة تقمص الناتد لشخصية املرتجم ليتاول
رؤية النص من وجهة نظر املرتجم ،فاملرتجم ال حيذ من األصل وال يضيف له إال لغرض
ما .وتد يؤخذ الطول كمعيار ملقارنة الرتمجة بالنص األصلي ،ودراسة هذه األمور ال تعد
انتقادا يف حد ذاته ،بل إهنا حماولة لفهم أسباب جلوء املرتجم هلذه اضإجراءات.
أما احملور الثالث املتعلق مقارنة الرتمجة باألصل وهو ما أطلق عليه سابقا "فهم
انتقائي ولكنه متثيلي ومفصل للرتمجة واألصل معا" ،ففيه مقارنة بني الرتمجة واألصل ،وتتم
دراسة احللول املقرتحة من طر املرتجم للمشاكل اليت واجهها يف الرتمجة ،وبدل التطرق
إليها يف نقاط منفصلة يفضل نيومارك واعها يف جمموعات بشكل انتقائي وإدراجها امن
تقسيمات حمددة كالعناوين مثال ،وبنية النص وأدوات الربط ،واالستعارات ،والكلمات ذات
الشتنة الثقافية ،والرتمجات السيئة ،وأمساء العلم وغريها .وير بيرت نيومارك أن هذه املرحلة
هي أساس العملية النقدية إذ تتعدد االختيارات يف الرتمجة ويصبح البتث عن دوافع
اختيارات املرتجم أمرا اروريا.
وفيما خيص تقييم الرتمجة فهو يسعى لتتديد مد توفيق املرتجم أو إخفاته يف
الرتمجة مع بيان أخطائه وهفواته وحماولة معرفة أسباهبا اليت تد تكون بسبب عدم كفاءة
املرتجم أو بسبب نوع النص وصعوبته .وير نيومارك هنا أن الرتمجة تدرس مبعزل عن أصلها
وكأهنا كتبت أساسا يف اللغة اهلد .
ويف احملور اخلامس املتعلق مبستقبل الرتمجة حديث عن املكانة احملتملة للرتمجة يف
ثقافة اللغة اهلد ،وذلك من خالل التطرق ألمهية النص املرتجم وما ميكن أن يضيفه للغة
اهلد وثقافتها وأدهبا وأفكارها.
81
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
فإذا أردنا تدريس واعتماد هذا املنهج املهم يف نقد الرتمجات وجب علينا أوال أن نعر
الطالب به ومبا جاء به من جديد يف ميدان نقد الرتمجات مبقارنته مبن سبقه ،ومن مث اخلوض
يف تفاص يل خطواته بالشر املفصل والتمثيل ،والقيام يف هناية املطا مبثل ما تام به بيرت
نيومارك يف الصفتات األخرية من كتابه ،أي تتبع هذه اخلطوات وتطبيقها على نصوص
أصلية وترمجاهتا مع اعتماد واع اجلوانب املراد نقدها حتت عناوين شاملة.
أنطوان برمان من أهم املمارسني واملنظرين للرتمجة ،فقد ترجم العديد من الكتب
من األملانية واضإسبانية ،كما ترك لنا أفكارا هي من األمهية مبكان نظرا ملا أحدثته من تغيري
يف التفكري الرتمجي ،وخصوصا يف جمال الرتمجة األدبية ونقد الرتمجات.
وتد استقى أنطوان برمان أفكاره النقدية من التأويلية الفلسفية لبول ريكور ( Paul
)Ricœurوالتأويلية األدبية هلانس روبرت ياوس (،1 )Hans Robert Jauss
كما اعتمد على أفكار فريدريك شليجل ( )Friedrich Schlegelالنقدية ونظرة
فالرت بنجامني ( )Walter Benjaminللرتمجة .وجاء منهجه يف النقد كنتيجة
ملعاراته للنقد الرتمجي املوجود آنذاك واملتمثل أساسا يف النقد التتليلي الوصفي الذي
يكتفي بدراسة األجزاء الثانوية فتسب فيدرس جانبا من النقد ويهمل جانبا آخر ،كأن
تنقد الرتمجة دون البتث عن دوافع املرتجم أو دون اترتا بديل هلا ،أو أن تنقد الرتمجة تبعا
لسياق اجتماعي أو تارخيي حمدد .وتد تسم برمان هذا النقد إىل نوعني :نقد تائم على
النص األصلي ( )Source-orientedكنقد هنري ميشونيك ( Henri
)Meschonnicالذي جيسد ميوله اضإيديولوجية وأساليبه اجلمالية ،ونقد تائم على
82
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
( )Target-orientedكالتتليالت التصورية ذات التوجه االجتماعي النص اهلد
1
النقدي جلديون توري ()Gideon Toury
وير أنطوان برمان أنه إن أردنا تطوير الرتمجة وعلمها فال جيب أن هنمل أبدا
ميدان نقد الرتمجات“Aucune recherche traductologique- cela :
va sans dire- ne saurait se passer de telles analyses ou
critiques.”2
"ال ميكن بأي حال من األحوال أن ختلو البتوث الرتمجية من هذا النوع من التتليل أو
النقد( ".ترمجتنا)
"[ ]...هو حتليل صارم وجدي لرتمجة ما ،وملالحمها األساسية ،وللمشروع الذي ساهم يف
ظهورها ،ولألفق الذي برزت منه ،وكذا ملوتف املرتجم" (ترمجتنا)
وهذا التعريف يشمل أيضا املبادئ اليت يقوم عليها نقد الرتمجات عند برمان واليت تدخل
امن مراحله النقدية .وهو هبذا مينح نقد الرتمجات ميزات وأهدافا ومنهجية جديدة خمتلفة
عما كان عليه ولقرون .فقد أخرج برمان نقد الرتمجات من السلبية اليت ميزت املناهج النقدية
السابقة واليت ركزت على حتليل النص األصل أو النص اهلد وذلك بتتبع هفوات املرتجم
وزالته واحلكم على الرتمجة بالرداءة أو اجلودة ،وطلب يف املقابل الرتكيز على اجلانب اجليد
1Ibid.
83
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
من الرتمجة لالستفادة منه .كما جعل النقد موجها للقارئ بدل توجيهه للنص األصل أو
للنص اهلد كما سبق ذكره ،وعليه فقد أعطى القارئ أمهية كبرية يف العملية الرتمجية على
الرغم من أنه مل مينته دراسة نظرية مفصلة .1والنقد عند أنطوان برمان هو نقد منتج ،ولكي
يتتول احلكم السليب على الرتمجات بالرداءة أو الفساد إىل نقد منتج جيب أن يأخذ الناتد
الوتت الكايف لتعليل أسباب إخفاق املرتجم ومل ال اترتا البديل حىت ميكن للمتلقي أن
يدرك جيدا مواطن اخلطأ ،ويفتح بذلك اجملال ضإعادة الرتمجة ،2وهو هبذا يفصل بني النقد
والتقييم ،فالنقد عنده دراسة للفعل الرتمجي وحماولة لتتليل القرارات املتخذة من طر
املرتجم ،أما التقييم فهو احلكم على الرتمجة دون النظر يف تفاصيلها ودوافعها .باضإاافة إىل
هذا فإن النقد الربماين يتميز مبنهج خاص يتتبع مراحل حمددة استنبطها من خالل ممارسته
للرتمجة ودراسته هلا.
لقد مجع أنطوان برمان يف منهجه لتتليل الرتمجات خمتلف ما يقوم به املرتجم-
الناتد من عمليات ذهنية وممارسات فعلية ورتبها ترتيبا منطقيا ،وتسمها إىل مرحليتني
4
وااتتني مها :مرحلة ما تبل التتليل 3ومرحلة التتليل
وتبدأ هذه املرحلة أوال بقراءة متمعنة وإعادة تراءة للنص املرتجم ،وتكون مع تبين
الناتد لنظرة مشككة جتاه هذا النص ،لتصبح بعدها نظرة حيادية مواوعية ،وهذا التشكيك
مث احلياد أساس عملية النقد إذ جينبان الناتد التسرع يف احلكم على العمل املرتجم .وتتم
1Marina Villarroel,
https://papyrus.bib.umontreal.ca/xmlui/bitstream/handle/1866/51
52/Marina_Villarroel_2010_memoire.pdf;sequence=2 , p 31.
consulté le 28/05/2018.
2Antoine Berman , Op. Cit. p 17.
3Ibid, pp 65-82
84
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
عملية القراءة وإعادة القراءة دون العودة إىل األصل .وأهم ما تد يقوم به الناتد هنا هو
استخراج املناطق النصية الدالة اليت تد تطر إشكاليات عند ترمجتها ،فاملناطق النصية اليت
حتدث عنها برمان هي اليت حتوي حتويرات أو تغيريات يف مستو اجلملة أو الرتاكيب أو
األلفاظ حبيث تصبح غري مفهومة لدرجة تد جتعلنا نشعر أن املرتجم ليس كفئا.
وتأيت بعد القراءة املتمعنة للنص املرتجم مرحلة تراءات األصل واليت تكون دون العودة إىل
الرتمجات أيضا ،إال أن املهم هنا هو استذكار املناطق النصية الدالة وحماولة تبياهنا ملقارنتها
فيما بعد ،وهي مرحلة القراءات املوازية أيضا أي تلك اليت تتناول املواوع نفسه سواء بلغته
األصلية أو باللغة اهلد .
أما املرحلة الثالثة فهي مرحلة البتث عن املرتجم ،ويتم فيها رصد أعمال املرتجم وحتديد
توجهاته (موتفه الرتمجي) الستنباط منهجيته (أفق املرتجم) وهدفه من الرتمجة (مشروع
الرتمجة).
ير برمان أن هذه املرحلة حامسة يف نقد الرتمجات ،وهي مرحلة مقابلة النصني
األصلي واملرتجم .وتنبين هذه املرحلة على األسس اآليت ذكرها:
أ -شكل التتليل :ويرتبط شكل التتليل لربمان جبنس ونوع املدونة ،فنقد نص منفرد
كقصيدة ما مثال خيتلف عن نقد ديوان شعري أو مؤلف أديب بأكمله .وتد يستنتج من
هذا أن برمان أراد لنقده أن يكون تابال للتطبيق على خمتلف األعمال مهما كان نوعها.
كما أن شكل نقد ترمجة واحدة خيتلف عن نقد ومقارنة ترمجات متعددة لنفس العمل
األديب .وير برمان أن املقارنة بني عدة ترمجات ال ميكن إال أن يكون مفيدا يف نقد الرتمجة.
ب -مقابلة النصوص :وتد تنجز مقابلة النصوص عند برمان وفقا ألربعة أشكال ،كأن
تقابل عناصر ومقاطع خمتارة من النص األصلي مع ما يقابلها يف الرتمجة .أو -بالعكس-
أن تقابل املقاطع النصية اليت تطر إشكاليات يف الرتمجة مع ما يقابلها يف النص األصلي.
85
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
وتد تدمج الطريقتان معا لتقارن العناصر واملقاطع مع ترمجات أخر .ويف األخري هناك
مقابلة الرتمجة مع "مشروعها" لتبيان اهلد من إجنازها وإجياد تعليالت خليارات املرتجم.
ج -أسلوب املقابلة :مبا أن املقابلة ستكون مكتوبة فإن أهم ما جيب أن توليه االهتمام
الكايف هو إمكانية التواصل مع الغري ،أو مقروئيتها .وأساس هذا اضإشكال تد يكون توظيف
املصطلتات التقنية املبهمة للقارئ ،أو إدخال أمثلة من اللغة األصل غري مفهومة للقارئ
اهلد أو االستشهاد برتمجة أجنبية ،كما تد يعود هذا إىل الطابع املتخصص جدا للتتليل
والذي يقوم على املقارنة دون طر أي سؤال .وعليه فانتقاء األسلوب املناسب يؤدي إىل
تبليغ النقد وبالتايل تأديته للدور املنوط به.
د -تأسيس (بناء) التقييم :كما سبق وأن ذكرنا ،فإن تقييم الرتمجات يعكس ال حمالة أفكار
الناتد وتوجهاته والنظريات اليت مييل إليها .وير برمان أنه ملنح الرتمجة حقها من احليادية
واملواوعية فإنه يتوجب على الناتد أن يلتزم مببدأي أخالتيات الرتمجة وشعريتها مبعنامها
املوسع .ويشر شعرية الرتمجة مبد احرتام املرتجم لنسيج النص األصل ومد توفر النص
املرتجم على هذه اخلاصية .أما األخالتية فتتمثل يف احرتام النص األصل -ولو نسبيا-
1
والتتاور والتجادل معه بالشفافية التامة الالزمة لذلك
وبعد هذه املراحل أاا برمان مرحليتني هامتني األوىل تتعلق بتلقي الرتمجة،
والثانية بالنقد املنتج .وير برمان أن مرحلة تلقي الرتمجة تد تكون مستقلة بنفسها أو مدجمة
يف مرحلة من املراحل األخر .فالتلقي جد هام يف دراسة األدب إال أن دراسته يف األدب
املرتجم يعد أمرا صعبا ألنه تد يتعلق بالطريقة املستخدمة لنشر النقد ،فتلقي نقد الرتمجة
املنشور يف جريدة يومية مثال خيتلف عن تلقيه يف جريدة أسبوعية أو يف جملة أدبية أو يف
مؤلف نقدي أو غريه .كما أنه ير أن التلقي جيب أن يقرتن بتتليل الرتمجة وتقييمها ليكون
النقد ممكنا .وعلى تلقي الرتمجة أن يكون مقرونا بعدد الدراسات الرتمجية اليت أجنزت حول
1www.erudit.org
86
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
ترمجة ما ،إال أن الشيء املؤكد هو أن أعداد كبرية من الرتمجات مل تدرس فكيف لنا أن
1
ندرس تلقيها وفقا هلذه املعايري؟
أما املرحلة السادسة واألخرية من املنهج التتليلي النقدي لربمان فتتمثل يف النقد املنتج واليت
ال تطبق إال على الرتمجات اليت تدفعنا ضإعادة الرتمجة ألحد السببني اآلتيني :إما أن الرتمجة
املنجزة فاسدة أو غري مراية ،أو أنه مر وتت طويل على إجنازها .فالتتليل يف هذه احلالة
جيب أن يكون نقدا إجيابيا أي منتجا لرتمجة جديدة ،وهو ما يعر بإعادة الرتمجة.
إن هذه املبادئ اليت أترها برمان من أجل نقد مواوعي للرتمجات ،وما أبدي
حوهلا من مالحظات يبني لنا أن مساره يتخطى بكثري ما اترت تبله من مناهج ،فقد حاول
اضإملام باجلوانب اليت يقتضيها هذا النوع من الدراسات مع تبسيطها (وهذا بدوره شرط من
شروط نقد الرتمجات لديه).
.4بني خطة النقد لبيرت نيومارك واملنهج النقدي ملنهج أنطوان برمان
لقد كان للجهود العظيمة اليت بذهلا كل من بيرت نيومارك وأنطوان برمان أثر كبري
على الرتمجة وعلمها ونقدها ،فباضإاافة إىل كوهنا تسعى لإلحاطة بنقد الرتمجات كميدان
مستقل ،جندها متدنا بالكثري من املعلومات حول العملية الرتمجية يف حد ذاهتا وكذا حول
امليادين املرتبطة هبا من تريب أو من بعيد كعملية القراءة ودراسة األدب والتلقي.
87
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
بدل االكتفاء بالتطرق إليه يف املقاالت والكتب اليت تصعب من عملية فهم النقد وبالتايل
تطبيقه.
ومها يشرتكان أيضا يف اعتمادمها للتتليل كمرحلة أساسية يف عملية النقد واليت
اعتربها برمان مرحلة حامسة تتم فيها مقابلة النص األصل بالرتمجة ويتتقق باألسلوب املعتمد
فيها غرض النقد .إال أن االختال بينهما يكمن يف كون النقاط اليت تناوهلا برمان يف هذه
املرحلة ختتلف عن تلك اليت تتناوهلا مرحلة التتليل عند نيومارك ،فهو ير بأن مرحلة
التتليل هي اليت حيدد فيها اجلمهور ونوع النص .بعبارة أخر ميكن القول أن ما جاء يف
مرحلة التتليل عند نيومارك تد يوافق حمتو مرحلة ما تبل التتليل عند برمان ،يف حني
توافق مرحلة التقييم عند نيومارك مرحلة التتليل عند برمان.
وتد أوىل نيومارك وبرمان أمهية كبرية للمتلقي يف نقد الرتمجات ،إال أن بيرت نيومارك
جعل تلقي الرتمجة وحتديد القراء جزءا من املرحلة األوىل يف حني ترك برمان اجملال مفتوحا
فالتلقي تد يكون مستقال أو مدجما مع غريه من املراحل .وذكر برمان غرض املرتجم حتت
اسم "مشروع الرتمجة" وهو ما تطرق إليه أيضا نيومارك ،وهو ميثل مجلة الدوافع واألسباب
اليت دفعت املرتجم إىل ترمجة مؤلف ما واليت تد تفسر جلوءه إىل احلذ واضإاافة مثال .إن
هذا األمر مل يكن مقبوال فيما سبق بل إن اسم املرتجم مل يكن يذكر أبدا يف الرتمجة ،إال
أن التطور املنهجي الذي شهدته الرتمجة ودراساهتا جعل البتث عن املرتجم عند إجراء
الدراسات النقدية لألعمال املرتمجة أمرا شائعا.
88
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
الرغم من أن املرتجم والناتد يفضالن عدم تقييد حريتهما يف كثري من األحيان ،إال أننا
نعتقد أن حصر نيومارك هلذه اضإشكاليات وإدراجها حتت عناوين جلية حىت تتضح طريقة
التتليل أفضل وأفيد للناتد واملتلقي على حد سواء ،فإذا اتضح خمطط العمل كان العمل
أكثر دتة.
لقد تناول برمان يف منهجه اضإجراءات واخلطوات ،وشرحها مع التمثيل عند احلاجة ،وترك
جمال البتث مفتوحا للمرتمجني والنقاد ليبتثوا بدورهم ،وتد يفسر هذا توظيف برمان للفظة
'منهج" ( )Méthodeيف الوتت الذي استعمل فيه نيومارك لفظة "خطة" (،)Plan
فاملنهج أوسع معىن من اخلطة واخلطة جزء منه ،وباضإاافة إليها ميكن للمنهج أن حيتوي
على إرشادات لتنظيم احملتو واألهدا املرجوة.
كما أن منهج برمان أاا إىل خطة نيومارك أفكارا عديدة تفيد بشكل كبري الناتد والنقد،
فبدل االكتفاء بتبيان موااع خطأ الرتمجة أوصى برمان بضرورة مساءلة الرتمجة ملعرفة دوافع
املرتجم وفهمها ،كما أنه استعمل مصطلتات نقدية ليشر منهجه ،فهو يبتغي من هذا
عموم استعمال املنهج .والواتع يبني أن منهج برمان وظف يف العديد من الدراسات على
األعمال األدبية والدينية خصوصا يف رسائل املاجستري وأطروحات الدكتوراه ،وهو ما يثبت
أن هذا املنهج تابل للتكييف مع نوع النص ،وهو أيضا تابل للتدريس ،ألنه خطواته وأهدافه
وااتة وهو أمشل وأدق.
خامتة:
لقد سعت الرتمجة دوما لتتديد مفاهيمها ومصطلتاهتا وجماالت كل واحد منها،
إال أن الفصل التام بني هذه املفاهيم واملصطلتات يبقى أمرا جد صعب ألن الطبيعة البشرية
هي املتتكمة يف النشاط الرتمجي .والشيء نفسه ينطبق على ميدان نقد الرتمجات ،إذ جند
أن كل منظر أو ممارس للرتمجة يقرت منهجا أو طريقة معينة يف نقده للرتمجة يعتمد فيها
على جتربته وانتمائه النظري ،ونقد الرتمجات عند برمان من أهم هذه املناهج .إال أنه ال
ينتظر من النقد الربماين أن ميلي حرفيا على املرتجم كيف يرتجم ،وال على الناتد كيف ينقد،
89
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
ولكنه كالسراج الذي ينري درهبما ويدهلما على ما تد ال ينتبهان إليه .لذا فيجب أن مينح
مقياس نقد الرتمجات مكانة هامة يف تكوين كل من املرتجم واملرتجم الناتد.
90
مجلة ف توحات /حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس
-باللغة األجنبية:
- Baker Mona assisted by Kirsten Malmkjaer, Routledge
Encyclopedia of Translation Studies, London & New York:
Routledge Taylor &Francis group, 1998.
- Bassnett Susan, Translation Studies, London/New York:
Routledge Tylor & Francis Group, 3rd Ed., 2002.
- Berman Antoine, Pour une critique des traductions: John
Donne, Paris: Editions Gallimard, 1995.
91
حامعة خنشلة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ العدد الجامس/ مجلة ف توحات
- Darbelnet Jean, Jean-Paul Vinay, Stylistique comparée du
français et de l'anglais, Paris, Ed. Didier, 1977.
- Dubois Jean et al, Dictionnaire de linguistique, Paris:
Larousse- Bordas, 1e Ed., 1994.
- Guidère Mathieu, Introduction à la Traductologie, Penser
la traduction: hier, aujourd'hui, demain, Louvain- la - Neuve,
De Beock Supérieur, 3e éd., 2016.
- Reiss Katharina, La critique des traductions ses possibilités
et ses limites, Trad. Catherine Bocquet, Arra: Artois Presse
Université, 2002.
- Venuti Lawrence, The translation studies reader, London and
New York: Routledge Taylor&Francis group, 2000.
Sites Internet:
- "Compte rendu: Antoine Berman: Pour une critique des
traductions: John Donne", http://www.diva-
portal.org/smash/get/diva2:628366/FULLTEXT01 consulté le
26/05/2018.
- Marina Villarroel,
https://papyrus.bib.umontreal.ca/xmlui/bitstream/handle/1866/51
52/Marina_Villarroel_2010_memoire. pdf;sequence=2 , p 31.
consulté le 28/05/2018.
- www.erudit.org
92