You are on page 1of 19

‫الهرمنيوطيقا واإلشكالية المنهجية في فهم القرآن الكريم‬

‫الكريم‬
‫الطالبة ريمة عسكراتني‬

‫كلية أصول الدين جامعة األمير عبد القادر للعلوم اإلسالمية قسنطينة‬

‫الملخص‪:‬‬

‫يعرف هذا العرض املوجز باهلرمنيوطيقا كأحد أهم التيارات النّقديّة املتداولة على املستوى الغريب والعريب‪ ،‬خمتربا بذلك‬
‫ّ‬
‫احملركة للتفكري‬
‫توجه التّأويل‪ ،‬ومستكشفا اإلشكاليّة ّ‬‫قدرة هذا املنهج على صياغة أسس جديدة ومفيدة حتكم عملية الفهم و ّ‬
‫كل هذه اخلطوات جاءت خدمة هلدف رئيسي تصبو إليه ال ّدراسة والذي يكمن يف رصد فرص‬ ‫اهلرمنيوطيقي بشىت أطيافه‪ّ .‬‬
‫االستفادة املنهجية من عدمها داخل حقل تفسري القرآن الكرمي‪ ،‬ومن مث جاءت اخلطة على النحو اآليت‪ :‬مق ّدمة‪ :‬تعرف‬
‫باملوضوع وحت ّدد إشكاليّته الرئيسيّة‪ ،‬العرض وجاء فيه‪ :‬تعريف اهلرمنيوطيقا (أصل الكلمة ومنبتها)‪ ،‬اهلرمنيوطيقا الفلسفيّة‬
‫(إسهامات أكرب ّرواد املنهج اهلرمنيوطيقي)‪ ،‬أساسيّات التأويل اهلرمنيوطيقي‪ ،‬مبدأ التطابق وتع ّددية املعىن القرآين‪ ،‬وخامتة‬
‫تتضمن أهم نتائج البحث وما خرج به من توصيات‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪Abstract :‬‬

‫‪This brief article tries to do a simple definition to Hermeneutics as an‬‬


‫‪important critical stream used in western and Arabic world; It examine the‬‬
‫‪powerful of this method in forming new or important principles of‬‬
‫‪understanding and interpreting, from an other side this study tries to find the‬‬
‫‪essential problematic which moves the hermeneutic thinking. All these steps in‬‬
‫‪order to observe the possibilities of using this method in the scope of Coranic‬‬
‫‪Exegese. So, the plan of work contains: an introduction, crux (Hermeneutic’s‬‬
‫‪definition, philosophical Hermeneutic, basics of Hermeneutical interpretation,‬‬
‫‪the identification principle and the multiplicity of Coranic meaning) and‬‬
‫‪finally, a conclusion which consist of results and recommendations of research.‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫تعمق الفتوحات‬ ‫الساحة الفكريّة العربيّة يف اآلونة األخرية حت ّديات عديدة يف فهم وتفسري القرآن الكرمي‪ ،‬ومع ّ‬
‫شهدت ّ‬
‫العلميّة والفلسفيّة وال ّدراسات اللّسانيّة واللّغويّة يف الغرب‪ ،‬تعالت أصوات بعض املف ّكرين والكتّاب وذوي االختصاص‬
‫باالستفادة من املنجزات الغربية يف شىت اجملاالت السابقة الذكر هبدف استنطاق النّصوص القرآنية وإحياء املدلوالت بأثواب‬
‫جديدة توائم متطلبّات العصر وجتيب عن أسئلة اليوم‪ .‬ويف احلقيقة جاءت هذه ال ّدعوة إميانا بعامليّة املنهج وسالمة فكرة‬
‫فالركود الذي شهده تفسري القرآن الكرمي إىل بدايات القرن‬ ‫االستقطاب من جهة‪ ،‬وحتقيقا للتّجديد املنهجي من جهة أخرى؛ ّ‬
‫للسؤال عن جناعة املناهج املطروحة يف فهم كتاب اهلل‪ ،‬كما أ ّن تفاقم املشاكل يف البالد‬ ‫التاسع عشر ش ّكل دافعا قويّا ّ‬
‫نص مق ّدس مركزي يرت ّد إليه عند احلاجة زاد من مشروعيّة هذا ال ّسؤال‪ ،‬وأضحى املنهج التّفسريي‬ ‫اإلسالميّة رغم وجود ّ‬
‫(سواء كان قدميا أو حديثا) مطالبا بصياغة إجابات وافية عن انشغاالت املسلم املتج ّددة وعن إشباع تطلّعاته املعرفيّة وحبثه‬
‫يتوصل إليه من معلومات‪ .‬هكذا كلّما حت ّقق هذا املطلب اتّسم املنهج‬‫ال ّدؤوب عن احلقيقة تي ّقنا من وجود انسجام كلّي فيما ّ‬
‫الصالحيّة باإلضافة إىل إمكانيّة االستفادة املتواصلة من أدواته اإلجرائيّة على املدى الطّويل‪ ،‬وبنفس القدر من‬ ‫باملقبوليّة و ّ‬
‫جيف القلم عن العطاء تبدأ بوادر‬ ‫الراهنة؛ فعندما ّ‬‫فعالة لألزمات ّ‬
‫املتكرر عن إنتاج حلول ّ‬
‫القبول يكون الرفض حليف العجز ّ‬
‫السقوط‪ ،‬ويكون املنهج أمام خيارين‪ :‬إما أن يع ّدل يف حمتواه أو يتنازل عن مكانه آلخر يكون أكثر جناعة منه‪.‬‬‫ّ‬
‫املنزل‬
‫للمفسر فهم مراد اهلل من كالمه ّ‬‫ّ‬ ‫وتبقى النّقطة البؤريّة أو احملرقيّة يف سؤال املنهج هي قضيّة التّطابق‪ ،‬فمىت ثبت‬
‫بصورة ال يشوهبا لبس مت ّكنّا من القول بتطابق املعىن مع النّص‪ ،‬ويف هذه احلالة ما على البشريّة إالّ االتّباع واالنصياع نصرة‬
‫طور يقول سبحانه وتعاىل‪ :‬ﭽ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ حممد‪ .٧ :‬ولوال قداسة‬ ‫لدين اهلل وأمال يف التّق ّدم والتّ ّ‬
‫القرآن ما كان ملبدأ التّطابق أمهيّة؛ ففهم القصد اإلهلي شرط الب ّد منه حلصول التّكليف لإلنسان مث جمازاته بالثّواب أو‬
‫علوا كبريا بدليل قوله سبحانه ﭽ‬‫الشرط يغدو التّكليف الغيا واحلساب ظلما وتعاىل اهلل عن ذلك ّ‬ ‫العقاب‪ ،‬ودون حت ّقق هذا ّ‬
‫ﯮ ﯮ ﯮ ﯮ ﯮ ﯮ ﯮ ﯮ ﯮ ﯮ ﯮﯮ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﯮ ﯮ ﯮ ﯮ ﭼ‬ ‫ﯮ ﯮ‬
‫القصص‪ ،٥٩ :‬وقوله‪ :‬ﭽ ﯮ ﯮ ﯮ ﯮﯮ ﯮ ﯮ ﯮﯮ ﯮ ﯮ ﯮ ﯮ ﯮ ﭼ فصلت‪ .٤٦ :‬ويف هذا‬
‫متت للقصد اإلهلي بصلة‪.‬‬
‫السياق‪ ،‬يكون املنهج بال قيمة كلما حاد عن إشكاليّة التّطابق وانشغل بتحقيق أهداف أخرى ال ّ‬ ‫ّ‬
‫الصاحل عن اخلوض يف تفسري كتاب اهلل خوفا من االحنراف باملعىن إىل غري مراده‬ ‫السلف ّ‬ ‫حترج ّ‬
‫وإذا كان التّاريخ يثبت ّ‬
‫تعاىل‪ ،‬فإ ّن البعد عن زمن النّزول وتب ّدل األعراف والفهوم يزيد الوضع تأزما‪ ،‬وال جيد الباحث يف جمال التفسري انفالتا من‬
‫بقوة‪ ،‬أو منهج يطرح سؤاله بإحلاح شديد‪ ،‬يشهد بذلك انتقال االستخدام العريب الواسع ملناهج النّقد‬ ‫واقع يفرض نفسه ّ‬
‫حمل ال ّدراسة‪ -‬من دائرة املف ّكرين الكبار‬
‫السيميائيّة واهلرمنيوطيقا ّ‬
‫الغريب –كالفينومينولوجيا (علم الظّواهر) على سبيل املثال‪ ،‬و ّ‬
‫إىل صغار ال ّدارسني مبختلف اجلامعات الوطنيّة والعربيّة ال ّدوليّة‪ ،‬وهنا يغدو ال ّدارس يف العلوم الدينية اإلسالمية جمربا بني أمرين‬
‫وإما أن يسلك طريق احلوار‬ ‫حل جذري للقضيّة املنهجيّة‪ّ ،‬‬ ‫اثنني‪ :‬أن خيتار جتاهل األمر ّمّا قد يفيد يف تسكني األ م وليس يف ّ‬
‫حل مشكلة املنهج‪ ،‬فهو يساهم يف وضع لبنة يف ميدان البحث والتّنقيب‪ .‬وعند هذا الطرح‬ ‫واملناقشة‪ ،‬فإن م يفض ذلك إىل ّ‬
‫تجسر المسافة بين الماضي والحاضر‪،‬‬
‫تؤسس الهرمنيوطيقا لطريقة جديدة للفهم بحيث ّ‬
‫السؤال اآليت‪ :‬هل ّ‬
‫تزداد أمهية ّ‬
‫‪2‬‬
‫الراهنة؟ هل تعنى هذه الفلسفة بإشكاليّة التّطابق في محاولة لجمع المعنى والقصد‬
‫وتعرض حلوال ناجعة للمشكالت ّ‬
‫على بساط تأويلي واحد أم أنّها على العكس من ذلك‪ ،‬فلسفة تدعو إلى فوضى معرفيّة عن طريق االهتمام بإشكاليّة‬
‫مغايرة؟‬

‫ليس من نافلة القول أ ّن اهلرمنيوطيقا انتشرت بشكل هستريي ملفت يف السنوات األخرية حىت صار احلديث عنها موضة‬
‫كل من جيهل هذا املصطلح يف خانة سلبيّة عنواهنا االنطواء على النّفس وعدم االلتفات إىل منجزات الغري‬ ‫العصر‪ ،‬وصنّف ّ‬
‫األول‬
‫وترددت على املسامع حىت صارت قناعات ومسلّمات‪ ،‬كقوهلم‪ ' :‬م يرتك ّ‬ ‫تكررت ّ‬ ‫جتربا‪/‬تصديقا مبقوالت ّ‬ ‫تكربا‪ّ /‬‬
‫عجزا‪ّ /‬‬
‫وتقبل‬
‫الصريح'‪ ،‬إخل‪ ..‬يف وقت يعترب التيار اهلرمنيوطيقي نفسه قادرا على مجع املتناقضات ّ‬‫لآلخر شيئا'‪' ،‬ال اجتهاد مع النّص ّ‬
‫كل احملاوالت اليت ترمي إىل فهم اخلطاب القرآين على بساط واحد يتساوى فيه السلف‬ ‫االختالفات يف الفهم بل ومجع ّ‬
‫بكل أنواعها؛ ذلك أل ّن التّأويل يعىن بالنّص ذاته وفق عمليّة‬
‫واخللف‪ ،‬وتذوب عليه الفوارق املذهبيّة واالنتماءات واملسميّات ّ‬
‫تنفك عن البناء‬
‫بالسؤال املتج ّدد وطبيعة الوجود اليت ال ّ‬‫سريّة عجيبة تطلق العنان للحوار والتّفاهم وااللتقاء مع النّقيض إميانا ّ‬
‫والتّشييد‪ .‬وقبل اخلوض يف مدى صالحيّة هذا املنهج يف فهم وتفسري القرآن الكرمي الب ّد من بيان معىن اهلرمنيوطيقا‪ ،‬كيف‬
‫نشأ وتطور هذا املصطلح وما هي سياقات استعماله؟‬

‫تعريف الهرمنيوطيقا‪:‬‬

‫فسر‪ ،‬واالسم‪hermeneia :‬‬


‫اهلرمنيوطيقا كلمة تعود أصوهلا إىل الفعل اليوناين ‪ hermeneuein‬مبعىن‪ّ :‬أول‪ّ /‬‬
‫مبعىن‪ :‬تأويل‪/‬تفسري‪ 1،‬تقابلها يف اللغة الفرنسية ‪ ،Hermeneutique‬ويف اإلجنليزية ‪ 2،Hermeneutics‬وهي‬
‫بالنظر إىل أصلها االشتقاقي تشمل ثالث معاين‪:3‬‬

‫‪ -‬التعبري بصوت عال يف شكل كلمات‪.An oral recitation :‬‬


‫‪ -‬الشرح‪ :‬كشرح حالة أو موقف ما‪.A reasonable explanation :‬‬
‫‪ -‬الرتمجة من لغة ألخرى‪.Translation from another language :‬‬

‫املفكر فيه إىل منطوق أو مكتوب ال يش ّكل‬‫وكل هذه املعاين تشتمل يف احلقيقة على عمليّة تأويليّة حبتة؛ أل ّن حتويل َّ‬
‫ّ‬
‫الشرح ال ميكن أن يدافع عن نفسه‬ ‫جمرد انعكاس بسيط للفكرة كما سيأيت بيانه وكذلك شرح قضيّة ما‪ ،‬ذلك أ ّن موضوع ّ‬ ‫ّ‬
‫وتتدخل يف تنقية األلفا أو اإلشارات يف إعادة‬
‫ّ‬ ‫الشرح‪،‬‬
‫تسري عمليّة التبسيط و ّ‬ ‫بذاته بل الب ّد من شخص له خربات وجتارب ّ‬
‫الرتمجة فهي‬
‫الطّرح‪ ،‬هذا ما يعين بشكل مباشر أ ّن الكالم ال ينقل كما هو بل حيدث عليه تغيري وهذا هو عني التّأويل‪ّ .‬أما ّ‬
‫األقرب إىل اهلرمنيوطيقا من غريها؛ أل ّن الوضع الذي ينقل فيه املرتجم لفظ من لغة إىل أخرى حيتاج إىل مراعاة سياق الكالم‬
‫منو األلفا وتبلور معانيها‪ ،‬وتب ّدل استعماالهتا من عصر آلخر‪ ،‬وأهم شيء أن يتم ّكن املرتجم‬ ‫يف اللغتني‪ ،‬مبا يف ذلك طبيعة ّ‬
‫كل‬
‫الشخصية وبني ما يفصح عنه النّص؛ فوضعيّة املرتجم وخصوصيّة ّ‬ ‫لعمل شخص آخر من وضع حاجز يفصل بني آرائه ّ‬
‫لغة جعلت الرتمجة يف الطرح اهلرمنيوطيقي عبارة عن عمليّة تأويليّة بامتياز‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫تتحرك فيه‬
‫ّ‬ ‫الذي‬ ‫اجملال‬ ‫فهم‬ ‫على‬ ‫تساعد‬ ‫تدل على ّمارسة فكرية دليلها اآللية أو الفن‪،‬‬
‫أما الالّحقة » ‪ « ique‬اليت ّ‬
‫بفن الفهم‪ ،‬ويف احلقيقة اهلرمنيوطيقا جتمعهما معا حىت وإن‬
‫تعرف تارة بعلم الفهم وتارة أخرى ّ‬
‫اهلرمنيوطيقا بداية؛ ذلك ّأهنا ّ‬
‫السؤال الذي يشغلها متاشيا مع هذا التّعريف ميكن‬
‫وفن الفهم يف ذات الوقت‪ ،‬و ّ‬ ‫بدى ّأهنما متناقضان‪ ،‬اهلرمنيوطيقا هي علم ّ‬
‫صياغته بشكل واضح ج ّدا‪ :‬كيف تتم عمليّة الفهم؟ ما المقصود بعمليّة الفهم في ِّ‬
‫حد ذاتها؟‬

‫هذا وقد نسبت اهلرمنيوطيقا إيتيمولوجيا إىل "هرمس"‪ Hermes 5‬الذي تباينت اآلراء حول طبيعته؛ فقيل هو رسول‬
‫مهمته األوىل نقل الكالم من زيوس كبري اآلهلة إىل غريه‪ ،‬أما الثانية أن يلعب دور الوسيط‪،‬‬‫آهلة األوملب اإلثنا عشر‪ ،‬كانت ّ‬
‫يرتجم للبشر كالم اآلهلة حسب قدراهتم وإمكاناته يف الفهم واالستيعاب‪ 6،‬وقيل هو رمز احلكمة‪ ،‬إله اخلطباء ودليل األرواح‬
‫امليّتة إىل العا م السفلي‪ ،‬نسب إليه إجياد مجيع العلوم الصاحلة للمجتمع اإلنساين حىت السحر والكيمياء السحريّة‪ 7،‬وقيل هو‬
‫السالم الذي وضع أمساء الربوج والكواكب السيارة‪ 8،‬كما قيل أيضا غري ذلك‪...‬‬ ‫النيب إدريس عليه ّ‬ ‫من األنبياء الكبار‪ ،‬وهو ّ‬
‫الصغرى‪ ،‬اآلهلة والبشر‪ ،‬األحياء‬
‫الربط ذاته؛ أل ّن دور الوسيط بني خمتلف العوا م‪ :‬اآلهلة الكربى و ّ‬
‫ويكمن مربط الفرس يف هذا ّ‬
‫واألموات‪ ،‬الغيب واحلاضر يوازيه يف األصل دور اهلرمنيوطيقا يف عبور فجوة الزمان بني املاضي واحلاضر وعبور البون الفاصل‬
‫لفن التّأويل‪.‬‬
‫بني القدمي واجلديد تأسيسا ّ‬
‫مرت اهلرمنيوطيقا مبراحل منهجيّة عديدة سواء على املستوى ال ّديين أو الفلسفي‪ ،‬وما يهمنا يف هذا البحث هو‬ ‫على العموم ّ‬
‫أهم املراحل الفلسفيّة اليت رّكزت على صياغة رؤية واضحة لإلشكالية اليت حترك التأويل اهلرمنيوطيقي وفيما يلي أهم هذه‬
‫املراحل‪.‬‬

‫الهرمنيوطيقا الفلسفيّة‪:‬‬

‫بدأت رحلة اهلرمنيوطيقا فلسفيّا مع األملاين فريدريك شاليرماخر ‪1768(Friedrich Schleiermacher‬م‪-‬‬


‫‪1834‬م) الذي كان يعتقد أ ّن النّصوص على اختالف جماالهتا تشريعية أدبيّة ودينيّة تتفق يف كوهنا ذات بنية لغوية قابلة‬
‫ختصصاهتا‪ 9.‬هذه‬‫تنوع ّ‬‫للفهم والتّفسري‪ ،‬وبالتايل فاألداة النّحويّة هي خري ما يلجأ إليه لتأويل حمتوى هذه النّصوص على ّ‬
‫املبادرة جاءت يف وقت كانت تعاين فيه النّظريّة التّأويليّة من تشتّت كبري‪ ،‬حىت الفيلولوجيا (فقه اللغة العام) م يكن منضبطا‬
‫املتفرقة الغري متّسقة منهجيا واليت ال تصلح‬
‫كل ما كان هناك جمموعة من املالحظات ّ‬ ‫بقواعد حم ّددة حتكم عمليّة الفهم‪ ،‬بل ّ‬
‫كل فهم لغوي‪ ،‬وجتمع التّأويل‬
‫عامة ختدم ّ‬
‫أصال أن تكون علما قائما بذاته األمر الذي دفع بشاليرماخر لتأسيس هرمنيوطيقا ّ‬
‫‪10‬‬
‫الفيلولوجي والقانوين والالّهويت حتت سقف منهجي واحد‪.‬‬

‫تنوع‬
‫من هنا التغت فكرة القداسة‪ ،‬و م يعد للنّص اإلجنيلي خصوصيّة تفصله عن باقي النّصوص األخرى على ّ‬
‫جماالهتا‪ ،‬وكان على القارئ أن يتبع منهجني أساسيني من أجل الوصول إىل املعىن‪ :‬املنهج الوضعي اللّغوي واملنهج النّفسي؛‬
‫‪11‬‬
‫الصعيد املوضوعي‬ ‫املؤول ال يغوص على مراد النّص إالّ مبلكة لغويّة ثريّة وقدرة على استبطان النّفوس البشريّة‪ ،‬وعلى ّ‬
‫أل ّن ّ‬
‫فك شفرة املعىن نظرا خلضوعها لقانون التّواضع واملمارسة‪ ،‬أ ّما‬ ‫ِ‬
‫املخاطب واملخاطَب من أجل ّ‬ ‫فعال بني‬
‫تعمل اللّغة كوسيط ّ‬
‫الصعيد ال ّذايت يأخذ القارئ مكان املؤلّف يف حماولة لفهم العصر الذي عاش فيه هذا األخري وما هي دوافع الكتابة‬ ‫على ّ‬

‫‪4‬‬
‫الشاغل الوحيد للهرمنيوطيقا هو الظّفر باملعىن األصلي‬
‫الصلة املباشرة بشخص الكاتب‪ .‬وهنا كان ّ‬ ‫واملؤثّرات اخلارجيّة ذات ّ‬
‫حترك التّأويل إذن هي إشكاليّة تطابق‪.‬‬
‫كما أراده منتجه فعال‪ ،‬فاإلشكاليّة اليت ّ‬
‫تواصل هذه الفلسفة طريقها إىل نقطة أبعد مع وليام دلثي ‪1833( Wilhelm Dilthey‬م‪1911-‬م) بعد أن‬
‫املادة‬
‫خاصا بالعلوم اإلنسانيّة يف مقابل مناهج العلوم الطّبيعيّة‪ ،‬فإذا كان اإلنسان يتميّز عن ّ‬ ‫جعل من اهلرمنيوطيقا منهجا ّ‬
‫السبل‬
‫الشعور واإلرادة‪ّ ..‬ما ال يقبل التّكميم واحلصر املنهجي‪ ،‬فإ ّن اخلربة والتّعبري والفهم هي أفضل ّ‬ ‫اجلامدة باملعرفة و ّ‬
‫الزمنيّة بني املاضي‬
‫الشخص احلياة –يف منظور دلثي‪ -‬فقط عندما يلغي احلواجز ّ‬ ‫للوصول إىل فهم هذا املخلوق املميّز؛ وخيرب ّ‬
‫كل واحد‪ 12،‬فاحلاضر ال يش ّكل حلظة ّمت ّدة ولكنه‬
‫واحلاضر واملستقبل‪ ،‬وحيث تغدو التجربة انصهارا فريدا لل ّذاكرة والتّوقّع يف ّ‬
‫‪13‬‬
‫جزء صغري من تدفّق منظّم على وجه تغتين فيه دائما اخلربة احلاضرة (الفوريّة) من الوعي باملاضي‪ ،‬ومن توقّعات املستقبل‪.‬‬
‫جمرد إخراج لواقع‬‫مثّ يأيت التّعبري يف صيغة دلثي الثّالثيّة كإخراج لواقع اجتماعي تارخيي يكشف عن نفسه يف اخلربة وليس ّ‬
‫حي منتعش‪ ،‬وهذا ال حيصل‬ ‫فردي وشخصي حمض‪ ،‬فالنّصوص عوا م تنتقل من عصر لعصر‪ ،‬ومن زمن غرب وانتهى إىل زمن ّ‬
‫‪15‬‬ ‫‪14‬‬
‫كل أنا اكتشاف نفسها يف اآلخر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وتعيد‬ ‫إالّ بالفهم (العنصر الثالث يف صيغة دلثي) أين تفهم احلياة احلياة‪،‬‬

‫جمرد مرآة تعكس احلقائق وتبوح باملعىن‬


‫يلعب التّاريخ إذن دورا حموريّا يف هذا طّرح؛ فالنّص من وجهة النّظر هذه ليس ّ‬
‫تعرب عن نفسها من زاوية معيّنة ووفق شاغل ما‪ ،‬وحتدث عمليّة الفهم عندما‬‫كما هو‪ّ ،‬إمنا النّص مثرة تفاعل خلربات طويلة ّ‬
‫لكن دخول العنصر التّارخيي يف تشكيل الفهم ال يعيق‬
‫يسائل القارئ النّص وحي ّكم خرباته إىل مقوالت الكاتب وحتريراته‪ّ .‬‬
‫األول ال تزال قائمة‪.‬‬
‫الطّريق أمام إمكانيّة فهم اآلخر‪ ،‬أي أ ّن فرصة حماصرة املعىن ّ‬
‫وخيتلف الوضع متاما مع األملانيني مارتن هيدجر ‪1889( Martin Heidegger‬م‪1976-‬م) وهانس جيورج‬
‫غادامري ‪1900( Hans-Georg Gadamer‬م‪2002-‬م) وكذلك الفرنسي بول ريكور ‪Paul Ricœur‬‬
‫يؤسس ملقولة "ال ّدازاين"‪ 16‬كبديل هنائي عن قسمة ذات وموضوع‪ ،‬أين تنتفي هذه االزدواجيّة‬ ‫فاألول ّ‬
‫(‪1913‬م‪2005-‬م)؛ ّ‬
‫الرتحال‬
‫بسر فريد مينع األشياء من االستقرار والثّبات‪ ،‬ومينحها تأشرية ّ‬
‫ليحل حملّها سؤال الوجود الذي يتمتّع ّ‬
‫وصفة االنفصال ّ‬
‫اخلاصة ووجوده‬
‫ّ‬ ‫مستقر‪ ،‬وهذا هو حال النّص أيضا؛ فلهذا األخري كينونته‬ ‫ّ‬ ‫وتتحول دون أن يكون هلا‬
‫ّ‬ ‫تتغري تتب ّدل‬
‫حبيث ّ‬
‫بث العمل من خالله وخيرج‬ ‫ومستمر‪ّ ،‬أما املؤلّف فال ميثّل إالّ جسرا يُ ُّ‬
‫ّ‬ ‫املستقل بذاته والذي جيعل منه موضع تأويل دائم‬
‫ّ‬
‫الفن العظيم بال ّذات‪ ..‬يف مقابل عمله شيئا مهمال فاترا‪ ،‬يكاد‬ ‫يظل يف ّ‬‫للوجود حمسوسا ملموسا‪ ،‬إنّه بال فائدة‪" :‬فالفنّان ّ‬
‫الفين"‪ ،17‬وإذا كان األمر كذلك مع صاحب العمل‬ ‫يكون معربا حمطّما لذاته أثناء عمليّة اإلبداع من أجل إنتاج العمل ّ‬
‫تأججا‪ ،‬فهو ال ميثّل إالّ وسيلة لتحقيق إمكان من ّمكنات النّص العديدة والغري منتهية‪،‬‬ ‫األصلي فإ ّن الوضع مع القارئ يزداد ّ‬
‫ويكف احتماالته‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إنّه عامل أساسي يف إسقاط املعىن على الواقع وليس طرفا هنائيّا يقف عنده الفهم‬

‫تعمقا –كفكرة مناقضة ملبدأ التطابق‪ -‬مع غادامري عندما حي ّدد عالقة القارئ‬ ‫وتزداد فكرة استقالل النّص يف ذاته ّ‬
‫تعرب يف الواقع عن جتريد‬
‫بالكاتب على النّحو اآليت‪" :‬يقع الفهم وعدم الفهم بني "األنا" و"األنت"‪ .‬صيغة "أنا" و"أنت" ّ‬
‫هائل‪ ،‬اليوجد مثل هذا على اإلطالق‪ ،‬ال جيود "أنا" وال "أنت"‪ ،‬هناك فقط "أنا" الذي يقول "أنت"‪ ..‬ويقول "أنا" أمام‬
‫ومستقر"‪.18‬‬
‫ّ‬ ‫"أنت"‪ ،‬لكن يتعلّق األمر هنا بوضعيّات يسبقها دوما االتّفاق أو التّفاهم‪ ..‬يستند هذا االتّفاق على أمر ثابت‬
‫‪5‬‬
‫ّأما التّفاهم فال يشرتط فيه التّطابق أبدا أل ّن الوصول إىل القصد الفعلي للمؤلّف أمر شبه مستحيل مع وجود العنصر التّارخيي‬
‫مستمر‪ ،‬فالقول بأ ّن املعىن "س" هو عني ما أراده صاحبه‬‫ّ‬ ‫الذي يفصل بشكل حاسم بني عصر انقضى وعصر حاضر‬
‫املستقر فهو النّص حبروفه‬
‫صحته وسالمته الفعليّة‪ .‬و ّأما األمر الوحيد الثابت و ّ‬‫جمرد ّادعاء ال ميكن التّأ ّكد من ّ‬‫األصلي يبقى ّ‬
‫حيس املتلقي باالنتماء الفعلي‬
‫املاديّة والذي حيمل موضوعا يقبل التّأويل باستمرار‪ ،‬ومن أجل احلصول على املعىن الب ّد أن ّ‬
‫وإمنا من أجل صياغة فهومنا‬‫السابقة ّ‬
‫للرتاث وأن مي ّد جسر التّواصل مع األجيال املاضية‪ ،‬ليس من أجل إعادة‪/‬اجرتار املعاين ّ‬
‫الراهنة وجتيب عن انشغاالتنا احلالية‪ .‬وعلى هذا املنوال يكون للواقع احلايل أمهيّة أكرب بكثري من‬
‫اخلاصة اليت ختدم مشاكلنا ّ‬
‫ّ‬
‫املاضي الغابر‪ ،‬ويتجلى التّأويل اهلرمنيوطيقي يف أهبى صوره عندما ينصهر أفق القارئ يف أفق النّص وتلتحم العوا م تشييدا‬
‫كل إحداثيّة زمانيّة ومكانيّة‪.‬‬
‫للمعىن عند ّ‬
‫جمرد رموز وإشارات‬‫مفر منه؛ فالنّص ّ‬ ‫ومن منظور بول ريكور‪ ،‬يع ّد اإلفصاح عن موت املؤلّف ووالدة القارئ أمر ال ّ‬
‫ميّتة‪ ،‬القارئ وحده من ميلك القدرة على إحيائها وبعثها للوجود من جديد‪ ،‬يف حني ترتبط وظيفة املؤلّف بالكتابة وإخراج‬
‫لكل بنية‬
‫النّص إىل عا م التّلقي‪ ،‬وحيث تكون هناك رموز يكون هناك تأويل مضاعف يقول ريكور‪" :‬أُعطي اسم "رمز" ّ‬
‫األويل واحلريف فضال ع ن نفسه إىل معىن آخر غري مباشر‪ ،‬وثانوي وجمازي‪ ،‬وال ميكن أن يفهم‬ ‫دالّة‪ ،‬يشري فيها املعىن املباشر و ّ‬
‫األول‪ .‬وتش ّكل هذه الظّاهرة من التّعبريات ذات املعىن املضاعف احلقل التّأويلي باملعىن ال ّدقيق"‪19‬؛ حييل‬
‫إالّ من خالل املعىن ّ‬
‫حريف‪/‬مادي‪ ،‬اجتماعي متداول وسائد إالّ وكان هناك باملقابل معاين‬
‫ّ‬ ‫األمر هنا إىل انفجار هائل للّغة‪ ،‬فما أن يكون مثّة معىن‬
‫تنفك عن الظّهور وال تتوقّف عن التّوالد‪ .‬وعلى أرضيّة هذا الفكر املنفتح متوت القصديّة وحتيا‬ ‫جمازيّة روحيّة ووجوديّة ال ّ‬
‫تردد‪.‬‬
‫تأويالت القارئ الالّمنتهية بغري ّ‬
‫السابق يتص ّدى إيريك دونالد هريش ‪1928( Eric Donald Hirsch‬م)‬ ‫ويف مواجهة شرسة ألفكار الثّالثي ّ‬
‫ملقولة ضياع املعىن األصلي بالتّأكيد من جديد على مبدأ القصديّة؛ فالنّص ‪-‬بالنسبة له‪ -‬يعين عني ما عناه املؤلّف على‬
‫يؤدي إىل سيادة ال ّذاتيّة والنّسبيّة‪ ،‬ويف‬ ‫أساس أنّه اعتقاد معقول ميكن فهمه‪ ،‬كما أ ّن استبعاد الكاتب من العمليّة التأويلية ّ‬
‫‪20‬‬
‫الرتكيز على املؤلّف كورقة‬ ‫يرتدد هريش هنائيّا يف ّ‬
‫صحة التّأويل‪ ،‬من هنا ال ّ‬ ‫هذه احلالة يتع ّذر وجود مبدأ كاف للحكم على ّ‬
‫الصريح‪:‬‬
‫الص ّحة بدل التّعمية والفوضى وااللتباس‪ ،‬يشهد بذلك قوله ّ‬ ‫راحبة بيد القارئ تساعده يف استجالء املعىن والقرب من ّ‬
‫الصحة"‪ .21‬وهبذه‬ ‫"إزالة املؤلّف كمح ّدد للمعىن هو رفض للمبدأ املعياري ال ّدامغ الوحيد الذي ميكنه قيادة تأويل ما إىل ّ‬
‫لكل قارئ كفئ استعادته مىت شاء‪ .‬ورغم إميان هذا الفيلسوف بقدرة املتلقي على‬ ‫الصفة يبقى املعىن ثابتا عرب العصور‪ ،‬ميكن ّ‬
‫ّ‬
‫يقرر هريش أ ّن‬
‫ص م تغفل عن ناظره‪ ،‬لذلك ّ‬ ‫املتغري والنّ ّ‬
‫اسرتجاع املعىن الذي أراده املنتج األصلي فإ ّن نقطة التّماس بني الواقع ّ‬
‫فتختص مبا يعنيه النّص بالنّسبة حلاضرنا‪ ،‬وهبذا‬ ‫ّ‬ ‫فاألول يعود على مراد املؤلّف ّأما ال ّداللة‬
‫هناك فرقا بني املعىن وال ّداللة؛ ّ‬
‫‪22‬‬
‫بالش ّق األول من إعادة اسرتداد املعىن‪ ،‬وينفرد النّقد األديب باستكشاف ال ّداللة‪.‬‬
‫تنشغل اهلرمنيوطيقا ّ‬

‫‪6‬‬
‫أساسيّات التأويل الهرمنيوطيقي‪:‬‬

‫وحنو وثبة أبعد يف احلديث عن أساسيّات الفهم داخل هذه الفلسفة‪ ،‬تع ّد العالقات اآلتية على قدر عال من األمهيّة‬
‫يف حبك خيوط التأويل اهلرمنيوطيقي‪:‬‬

‫ملخصا يف‬ ‫عالقة الفهم بالتّفسري‪ :‬تتمتّع هذه الثّنائية جبدليّة حثيثة يف اهلرمنيوطيقا‪ ،‬وأبرز طرح يعرضه ريكور ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫التّواضع على أ ّن التّفسري عبارة عن إسقاط حايل راهين ملعىن النّص بينما يأخذ الفهم اجملال األوسع‪ 23،‬فهو‬
‫تنفك عن الظّهور إالّ مع وجود إمكانات أخرى ومعان منضوية داخل‬ ‫ومستمر وحماولة ال ّ‬
‫ّ‬ ‫شك دائم‬‫عبارة عن ّ‬
‫السقف الذي الهناية له‪ ،‬يغطّي التفسري وال حي ّده أبدا‪.‬‬‫النّص الواحد‪ ،‬إنّه مبثابة ّ‬
‫ص والقارئ‪ :‬هذه الثّالثية موجودة عند أغلب الفالسفة وهي تش ّكل معادلة الفهم اليت ال ميكن‬ ‫عالقة الواقع بالنّ ّ‬ ‫‪-2‬‬
‫االستغناء عنها؛ فالفهم ناتج التّأثري املزدوج للواقع على النّص من جهة وعلى القارئ من اجلهة الثانية‪.‬‬
‫عالقة األحكام املسبقة باستخراج املعىن‪ :‬يلعب احلكم املسبق دورا حموريّا يف اهلرمنيوطيقا الغادامرييّة باخلصوص؛‬ ‫‪-3‬‬
‫فكل فعل‬ ‫وقد يكون هذا احلكم إجيايب حيمل يف طيّاته توقّعات وتنبّؤات ّأولية حول ما يتح ّدث عنه النّص‪ّ ،‬‬
‫قرائي مستحيل التّح ّقق دون وجود مثل هذا التّنبّؤ وإالّ أفضى بنا احلال إىل القول بالتّخمني والتّنجيم‪ .‬وقد‬
‫‪24‬‬
‫ويتحول املعىن إىل جتسيد‬ ‫ّ‬ ‫ص‪،‬‬
‫يعرب عن ميوالت القارئ وليس عن مقوالت النّ ّ‬ ‫يكون هذا احلكم أيضا سلبيّا ّ‬
‫ص من‬ ‫الرئيسي هلذه الفلسفة‪ :‬كيف ميكننا أن حنمي النّ ّ‬ ‫الشاغل ّ‬‫لفكر أيديولوجي دكتاتوري صارم؛ ويبقى ّ‬
‫سيطرة ميوالتنا ال ّذاتيّة وحنافظ أكثر على حوارنا مع املوضوع املطروح أمامنا‪.‬‬
‫لكن فكرة‬ ‫تغري احلديث عن ال ّدور التّأويلي من مرحلة فلسفيّة إىل أخرى ّ‬ ‫ال ّدائرة اهلرمنيوطيقيّة والتّأويل الالّهنائي‪ّ :‬‬ ‫‪-4‬‬
‫ال هنائيّة املعىن ظلّت حاضرة باستمرار‪ ،‬وميكن أن جنمل تعريف ال ّدائرة اهلرمنيوطيقيّة على النّحو اآليت‪:‬‬
‫الكل أي‬
‫ّ‬ ‫الكل‪ :‬حيث ميثّل اجلزء اجلملة كوحدة صغرى ال ميكن أن تفهم إال بإرجاعها إىل‬ ‫‪-‬عالقة بني اجلزء و ّ‬
‫الكل الذي‬ ‫الرجوع إىل ّ‬ ‫ص كوحدة كربى‪ .‬ومن زاوية أخرى قد ميثّل اجلزء النّص الذي يتع ّذر تأويله دون ّ‬ ‫النّ ّ‬
‫يقصد به املنتوج الفكري للمؤلّف والسياق التارخيي الذي عاش فيه‪.‬‬
‫الراهن مع املاضي بأفقه السابق على أرض تأويليّة‬ ‫‪-‬عالقة بني املاضي واحلاضر‪ :‬حيث يلتقي احلاضر بأفقه ّ‬
‫واحدة منها ينبت املعىن‪ ،‬ونظرا حملدوديّة الفكر البشري وارتباطه الوثيق بالظروف التّارخيية ّأوال‪ ،‬ونظرا للطّبيعة‬
‫يضل املعىن دائما يف حالة عدم استقرار‪ ،‬والعالقة خلف (املاضي) أمام‬ ‫املتغرية اليت يتميّز هبا احلاضر ثانيا‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬
‫(احلاضر واملستقبل) ترسم دور غري منتهي للتّأويل‪.‬‬
‫ومن املالحظ أ ّن احلالة األوىل تتح ّدث عن عالقة بني القارئ واملؤلّف على حنو يسقط فيه املعىن على قصد‬
‫معني مثلما هو احلال عند شاليرماخر ودلثي وهريش‪ ،‬عكس احلالة الثّانية اليت تصف عالقة بني القارئ‬ ‫ّ‬
‫وموضوع النّص يف وضعيّة تستبعد خطاب القصديّة وتفسح اجملال للقول مبوت املؤلّف وال هنائيّة املعىن لصاحل‬
‫املستمرة‪ ،‬وهذا ما ورد يف فلسفة هيدجر‪ ،‬غادامري وبول ريكور‪.‬‬‫ّ‬ ‫إبداعيّة املتل ّقي وإنتاجيّته‬

‫‪7‬‬
‫مؤسسوا اهلرمنيوطيقا على وجود فارق كبري بني كالم منطوق‪/‬مسموع وكالم‬ ‫يصر ّ‬
‫عالقة اللّغة باخلطاب‪ّ :‬‬ ‫‪-5‬‬
‫مكتوب‪/‬مادي‪/‬مقروء؛ ففي حالة حمادثة سؤال‪-‬جواب يأخذ الفعل اخلطايب عند ريكور ثالث مستويات‪:‬‬ ‫ّ‬
‫مستوى الفعل التّعبريي أو االفرتاضي‪ :‬فعل القول ‪Niveau de l’acte locutionaire: ou‬‬
‫‪ .acte de dire propositionnel‬مستوى الفعل (أو ّقوته) الالّتعبرييّة‪ :‬ما نفعله قوال‪Niveau de .‬‬
‫‪ l’ acte (ou de la force ) illocutoire: ce que nous faisons en disant.‬مستوى‬
‫الفعل التّأثريي‪ :‬ما نفعله بكوننا نتكلّم‪Nireau de l’acte perlocutionaire: ce que .‬‬
‫‪nous faisons par le fait que nous parlons.25‬‬
‫املادي‬
‫أما يف حالة الكتابة ميكن نقل الفعل التّعبريي عن طريق رسم احلروف والكلمات يف شكلها ّ‬
‫احملسوس‪ ،‬لكن باملقابل يصعب ‪-‬من وجهة نظر بول ريكور‪ -‬نقل املستوى الالّتعبريي‪ ،‬ويتع ّذر نقل املستوى‬
‫الصورة‬
‫السمعيّة إىل ّ‬‫الصورة ّ‬
‫تحول من ّ‬ ‫التّأثريي متاما‪ ،‬وهلذا تفقد الكتابة بعض العناصر األساسيّة عندما ت ّ‬
‫القرائيّة‪ ،‬وخيتفي املعىن وراء احلروف وتغيب املدلوالت بني اجلمل‪ ،‬ووظيفة القارئ هنا تكمن يف استكناه‬
‫احملذوف واستنطاق النّص ليخرج من صمته الكثري‪.‬‬

‫مبدأ التطابق وتع ّددية المعنى القرآني‪ :‬أيّة عالقة؟‬

‫املنزل على نبيّه حممد صلى اهلل عليه‬


‫إذا كان التفسري كما يعرفه الزركشي هو العلم الذي "يفهم به كتاب اهلل تعاىل ّ‬
‫وسلم‪ ،‬وبيان معانيه‪ ،‬واستخراج أحكامه وحكمه‪26"..‬؛ فإنّه هبذا التعريف يكون املقابل العريب للهرمنيوطيقا الغربية اليت‬
‫اعتنت بدورها بسؤال الفهم وكيفيّة معاجلة خمتلف النّصوص تأويليّا‪ ،‬إالّ أ ّن الفاحص للمنظومة التفسرييّة يف الرتاث اإلسالمي‬
‫يلحظ أ ّن اإلشكاليّة الرئيسيّة اليت حترك الفهم بداخلها هي إشكالية تطابق باألساس على عكس بعض التيّارات الفلسفيّة يف‬
‫اهلرمنيوطيقا املعاصرة اليت مالت يف طرحها إىل اجلانب الرباغمايت‪/‬النفعي منتصرة للموقف القرائي على حساب مقوالت النص‬
‫ومقاصد مؤلّفه‪.‬‬

‫وإذا كان التفسري يصدق عليه وصف من قال أنّه علم من العلوم اليت ال نضجت وال احرتقت تعبريا عن قلة وضوح‬
‫الغاية من التأليف وإمكان انفصاله عن علوم أخرى من جهة املنهجيّة والع ّدة املعرفية"‪27‬؛ فإنّه باملقابل أيضا من غري املعقول‬
‫أن نتحدث عن وجود تراث تفسريي متعدد األطياف سبّاق إىل استيعاب اخلطاب القرآين على مدى قرون من الزمن دون‬
‫وجود منهجية حم ّددة يقع االشتغال عليها‪" ،‬صحيح ال يقع التصريح هبا‪ ،‬لكنّها تظل قائمة بشكل واع يف أذهان املفسرين‬
‫القدامى"‪ .28‬وبناء عليه ووفق عملية استقرائية للمنتوج التفسريي يلحظ القارئ أ ّن تأويل املفسر للنص القرآين ال يبعد شاغله‬
‫يلخص يف مبدأ التطابق بأنواعه الثّالثة‪:‬‬
‫عن حتقيق هدف رئيسي ّ‬

‫‪-‬تطابق املعىن مع النّص‪ :‬أي احتمال النّص للمعىن لغويّا وحنويا‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪-‬تطابق املعىن مع اخلطوط العريضة للنص‪ :‬أي املقاصد العامة للقرآن‪.‬‬

‫‪-‬تطابق معىن النص مع الواقع تنزيال وتطبيقا‪.‬‬

‫ورغم جت ّذر هذا املبدأ يف وعي املفسر م مينع ذلك من إدراك تع ّددية املعىن القرآين بل كان هناك انسجام كلي بني فكرة‬
‫املطابقة وقضيّة االنفتاح ال ّداليل؛ ذلك أ ّن اللغة العربية ذاهتا تفرض نفسها بقوة ضمن هذه الرؤيا وتنأى بنفسها عن اإلطار‬
‫الصوري اجلامد إىل حركة املدلول وجت ّدد املعىن؛ ولذلك يقول الشاطيب يف معرض احلديث عن نزول القرآن على معهود‬
‫ّ‬
‫"أهنا فيما فطرت عليه من لساهنا‪ ،‬ختاطب بالعام يراد به ظاهره‪ ،‬وبالعام يراد به العام يف وجه واخلاص يف وجه‪،‬‬
‫العرب‪ّ :‬‬
‫عرف من أول الكالم أو وسطه أو آخره‪ ،‬وتتكلّم بالكالم‬
‫وبالعام يَُراد به اخلاص‪ ،‬والظاهر يراد به غري الظاهر‪ ،‬وكل ذلك يُ َ‬
‫سمي الشيء الواحد بأمساء‬ ‫عرف باإلشارة‪ ،‬وتُ ِّ‬
‫ينبئ أوله عن آخره‪ ،‬أو آخره عن أوله‪ ،‬وتتكلّم بالشيء يُعرف باملعىن كما يُ َ‬
‫كثرية واألشياء الكثرية باسم واحد‪ ،‬وكل هذا معروف عندها‪ ،‬ال ترتاب يف شيء منه هي وال من تعلّق بعلم كالمها‪ ،‬فإذا‬
‫كان كذلك فالقرآن يف معانيه وأساليبه على هذا الرتتيب‪."29‬‬

‫الشكل وال ّدالالت املتعاقبة؛ فقد‬


‫بل إ ّن أسلوب القرآن فاق أساليب القرآن يف م ّد اجلسر بني النّظام اللغوي الثّابت ّ‬
‫راعى واقع القراءة املزامنة بنفس القدر الذي راعى فيه موقع القارئ االفرتاضي‪ ،‬ولذلك مجع بني طبيعتني‪ :‬طبيعة اللغة العربية‬
‫اليت تقتضي العموم واخلصوص‪ ،‬اإلطالق والتّقييد‪ ،‬احلقيقة واجملاز‪ ،‬اإلمجال والتفصيل‪ ،‬اإلظهار واإلضمار واالشرتاك اللّفظي‬
‫كل حرف حيتوي على قراءات عديدة تفيد الكثري‬
‫كنص إهلي نزل على سبعة أحرف‪ّ ،‬‬
‫اخلاصة ّ‬
‫السمات‪ ..‬وطبيعته ّ‬
‫وغريها من ّ‬
‫من املعاين وتتفاعل مع املوقف القرائي لتخلق فرص فهم جديدة‪ .‬وهذا يظهر مدى تعايل لغة القرآن باخلصوص؛ كوهنا لغة‬
‫تالحق املعىن املطلق وال ّداللة املمت ّدة عرب الزمان واملكان‪ ،‬بل يبدو جليّا أ ّن املعايري اليت أجراها علماء أصول الفقه جمرى‬
‫تتأسس بداءة على ما يف طاقة اللغة من قدرات تعبرييّة سواء يف مستواها االصطالحي املتعارف عليه‪ ،‬أو يف‬ ‫القواعد املطّردة ّ‬
‫مستوياهتا الكامنة القادرة على عقد اصطالحات جديدة للتعبري عن املقصديّة املرادة‪ ،‬ولذلك فعل التّأويل ‪-‬يف حقيقته‪ -‬هو‬
‫الكشف عن هذه االصطالحات اجلديدة اليت خترج "ال ّدال" من حقله ال ّداليل القدمي‪ ،‬ليدخل يف حقل داليل جديد تطلبه‬
‫‪30‬‬
‫البيئة املعرفيّة اجلديدة‪.‬‬

‫ﮓ‬ ‫نستدل يف هذا املقام بقوله تعاىل‪ :‬ﭽﮑ ﮒ‬


‫ّ‬ ‫واألمثلة على تع ّدديّة املعىن القرآين تفوق احلصر‪ ،‬ويكفي أن‬
‫تنوعت القراءات‬
‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﭼ آل عمران‪ّ ،١٦١ :‬‬ ‫ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫وضم الغني‪ ،‬وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الغني‪.‬‬
‫"يغل"‪ :‬فقرأ ابن كثري وأبو عمرو وعاصم بفتح الياء ّ‬
‫يف قوله تعاىل ّ‬
‫"يغل" هو خيون‪ ،‬خيانة املال أو خيانة الوحي‪ 31،‬أما القراءة األوىل "يَغُ ّل" من "غَ َّل" جاء الفعل فيها مبنيّا للفاعل‪،‬‬
‫ومعىن ّ‬
‫النيب معصوم من املعاصي‪ ،‬فال ميكن أن يقع يف شيء‬
‫أي ال ميكن ذلك منه صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬أل ّن الغلول معصية‪ ،‬و ّ‬
‫‪9‬‬
‫توهم فيه ذلك‪ ،‬وال أن ينسب إليه شيء من ذلك‪ .‬خبالف القراءة الثّانية بضم‬
‫منها‪ ،‬وهذا النفي إشارة إىل أنّه ال ينبغي أن يُ ّ‬
‫‪32‬‬
‫النيب صلى اهلل عليه وسلم وال أن ينسب إليه الغلول‪.‬‬
‫يغل ّ‬ ‫الياء وفتح الغني‪ ،‬فالفعل فيها مبين للمفعول‪ ،‬أي ليس ألحد أن ّ‬
‫املتأمل يف القراءتني سيجد أ ّن الثانية أضافت على األوىل معنا جديدا‪ ،‬فهما يشرتكان بداية يف نفي صفة اخليانة عن الرسول‬
‫و ّ‬
‫صلى اهلل عيه وسلم يف شكل خرب‪ ،‬مث تنفرد الثّانية بنهيني؛ هني عن ّاهتام الرسول صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهني للنّاس عن‬
‫اخليانة‪ ،‬خاصة خيانة نيب هذه األمة‪.‬‬

‫ص يتع ّدد نصوصا؛ وطبعا‬


‫كل قراءة تغدو مبثابة آية وكأ ّن النّ ّ‬
‫فالقراءة إذن تلعب دورا فاعال يف توسيع دائرة املعىن‪ ،‬بل ّ‬
‫تبني معىن اآلية‪ ،‬قراءات‬
‫كل قراءة تلعب هذا ال ّدور‪ ،‬بل تأخذ القراءات يف عالقتها مع املعىن ثالثة مناحي‪ :‬قراءات ّ‬
‫ليست ّ‬
‫توسع معىن اآلية‪ ،‬وقراءات تعمل على إزالة اإلشكال الذي يظهر يف معىن اآلية‪ 33.‬وإذا كان احلديث هنا يتعلّق يف أكثره‬ ‫ّ‬
‫طرق إىل‬
‫الشاذة؛ فإ ّن املوضوع التّأويلي يأخذ بعدا أوسع عند التّ ّ‬
‫بالقراءات املتواترة وبنزر يسري ج ّدا ّما وصلنا من القراءات ّ‬
‫السؤال اآليت أكثر إحلاح‪ :‬ما هو ال ّدور الفاعل‬
‫السبعة اليت نزل القرآن بداية وقد اشتمل عليها مجيعا‪ ،‬ويغدو ّ‬
‫مفهوم األحرف ّ‬
‫الستة يف عمليّة فهم القرآن؟ فبالقدر الذي نتوقّع أن ختدم القراءات األخرى –‬
‫الذي كان من املفرتض أن تلعبه باقي احلروف ّ‬
‫على باقي احلروف الستّة‪ -‬املعىن وتعمل على حماصرته ومضاردته‪ ،‬بقدر ما يكون احتمال مسامهتها يف تفجري ال ّدالالت‬
‫األول‪.‬‬
‫يقل ّقوة عن االحتمال ّ‬
‫وتوسيع دائرة املعىن إىل أضعاف مضاعفة ال ّ‬
‫تصر اهلرمنيوطيقا على ازدواجيّة املسموع واملكتوب‪ ،‬حيث تتعارض معادلة كالم‪-‬مسع مع معادلة كتابة‪-‬قراءة‬‫وفيما ّ‬
‫الشكليّة؛ ميكننا‬
‫الصورة اللغويّة ّ‬
‫السمعيّة املرئيّة إىل ّ‬
‫الصورة ّ‬
‫بسبب فقدان اخلطاب لعناصر دالليّة مهمة أثناء حتوله من ّ‬
‫الرسم العثماين فقد عناصر يف غاية األمهيّة بالنّسبة لعمليّة الفهم‪ ،‬وهذا يتجاوز‬
‫القول أ ّن اخلطاب القرآين بدخوله عا م ّ‬
‫طرح بول ريكور الذي يعتقد أ ّن للخطاب ثالثة مستويات على تراتبيّة أفعال تابعة‪ :‬مستوى الفعل التّعبريي أو‬
‫االفرتاضي‪ ،‬مستوى الفعل الالّتعبريي ومستوى الفعل التّأثريي؛ فبهذا اخلصوص خيتلف النّص القرآين عن باقي النّصوص‬
‫مبجرد دخول‬
‫كونه نزل على سبعة أحرف مث انتهى إىل حرف واحد‪ ،‬فقد بدى التّأثر واضحا يف مستوى الفعل التعبريي ّ‬
‫القراءة حتت شرط موافقة الرسم العثماين‪ ،‬أما خبصوص باقي املستويات املذكورة آنفا‪ ،‬فإ ّن تنقل القرآن يف شكله‬
‫املسموع متواترا من جيل إىل آخر‪ ،‬من خالل صفات احلروف وخمارج الكلمات وطريقة النّطق‪ ،‬حفظ له مسات الفعل‬
‫الالتعبريي والفعل التّأثريي بدرجة عالية‪ ،‬وإن م ترق إىل مثاليّة التّلقي األول (أي حالة نزول الوحي)‪ ،‬وكذلك قراءته‬
‫ينم عن الفهم‬‫صلى اهلل عليه وسلم وقراءة اجليل األول من الصحابة والتابعني‪ ،‬فمن املعلوم أن أسلوب القراءة املتقنة ّ‬
‫السامع الفاهم عكس قراءة‬ ‫اجليّد‪ ،‬وقراءة فرد من اجليل األول الذي شهد الوحي أكيد سيكون هلا وقع كبري على أذن ّ‬
‫اجليل الذي م يشهد شيئا من ذلك‪.‬‬

‫كل‬
‫الرمز على عاتقه استيعاب ّ‬
‫وإذا كان بول ريكور قد انتهى بعد هذا التحليل إىل القول برمزيّة اللغة‪ ،‬حيث يأخذ ّ‬
‫حل ف ّكر فيه عثمان رضي اهلل عنه‪،‬‬
‫ما هو مضمر وخمتفي يف الكلمات احملسوسة املرئيّة‪ ،‬فإ ّن الرسم العثماين كان أذكى ّ‬
‫‪10‬‬
‫مستوعبا بفضله العديد من القراءات داخل اآلية الواحدة‪ّ ،‬أما باقي القراءات على األحرف الستّة األخرى عدا احلرف الذي‬
‫وصلنا‪ ،‬فإهنا تبقى هي األخرى مضمرة داخل رسم املصحف العثماين‪ ،‬حىت وإن كانت صامتة فإ ّن التّأويل وحده القادر على‬
‫استنطاقها؛ يؤيّد هذه الفكرة االستشهاد بالقراءات ما فوق السبع املتواترة يف التفسري وتطويعها خلدمة املعىن داخل اآلية‬
‫الواحدة‪ ،‬بل يف مواضع تأخذ هذه القراءات دور ختصيص اآلية‪ ،‬تقييدها أو تفصيل ما جاء جممال فيها‪.‬‬

‫السبعة منها‪ :‬ما اختلف لفظه واتفق معناه حنو‪ :‬العهن والصوف‪ ،‬ذقية‬ ‫هذا ويشري ابن اجلزري إىل أ ّن األحرف ّ‬
‫‪34‬‬
‫كل هذه‬‫رب‪ ،‬خيادعون وخيدعون‪ ،..‬وبالتايل فإ ّن ّ‬ ‫رب وقل ّ‬ ‫وصيحة‪ ،..‬ومنها ما اختلف لفظه ومعناه حنو‪ :‬قال ّ‬
‫لكن غياهبا قراءة ال‬
‫تتفرق مراعاة ملصلحة اجلميع‪ ،‬و ّ‬ ‫االختالفات اختصرت يف صورة مصحف واحد حىت جتتمع األمة وال ّ‬
‫يعين أبدا غياب معناها‪ ،‬وما كان مق ّدرا أن تؤديه من مدلوالت يبقى مضمرا يف رسم املصحف يستحضره التّأويل‪ .‬وعلى هذا‬
‫النّحو يتّفق علم التّفسري مع اهلرمنيوطيقا على قضيّة تع ّدديّة املعىن واالنفتاح ال ّداليل إىل أبعد ح ّد‪ ،‬وتفاديا لفوضويّة التّفسري‬
‫وضياع املدلول حتت تأثري التّأويالت الفاسدة‪/‬املفرطة‪ ،‬جاءت جهود األصوليني متتالية يف ضبط عمليّة الفهم وتوجيه دفّة‬
‫املعىن حنو مبدأ التّطابق‪ ،‬وقد جاء ذلك عرب مراحل نذكر أمهّها‪:‬‬

‫الشاطيب لتحقيق ذلك شرطني‬ ‫الصحيح‪ :‬من أجل سالمة التّأويل من اخلطأ يضع ّ‬ ‫تعيين معايير التّأويل ّ‬ ‫‪-1‬‬
‫أساسيّني‪ :‬أن يكون التّأويل قد أحال اللّفظ على معىن صحيح يف االعتبار‪ ،‬متفق عليه يف اجلملة بني‬
‫املختلفني‪ .‬وأن يكون وضع اللفظ قابال للتأويل لغة بوجه من وجوه ال ّداللة حقيقة أو جمازا أو كناية‪ ،‬جاريا يف‬
‫‪35‬‬
‫ذلك على أسس اللغة العربيّة‪.‬‬

‫الشرطني سيلحظ أ ّن هذه اخلطوة من قبل األصوليّني سامهت جبزء قليل يف تضييق دائرة املعىن حم ّققة‬
‫املتفحص هلذين ّ‬
‫و ّ‬
‫املؤولون مجلة وإن‬‫فكل ما اتفق عليه ّ‬
‫بذلك ّأول نوع من أنواع التّطابق املذكورة آنفا‪ ،‬وهو ضرورة احتمال النّص للمعىن‪ّ ،‬‬
‫اختلفوا تفصيال‪ ،‬وكان جاريا على معهود العرب فهو من املعاين اليت حيتملها النّص قطعا‪ .‬لكن إذا كان االتفاق ال يقع بني‬
‫أهل التّأويل إالّ بوجود دليل يصرف اللفظ إىل غري مدلوله الظّاهر؛ فإ ّن توظيف األدلّة الشرعية يف فهم مراد اهلل م يكن‬
‫السابقة‪ ،‬بل كان ال ّدليل أيديولوجيّا لدرجة‬
‫موضوعيا بالوجه الذي مي ّكن من االكتفاء هبذا القدر من توجيه املعىن وفق الشروط ّ‬
‫انعكست فيها املسألة يف الرتاث التفسريي فبدل االشتغال على استنطاق النّص القرآين وتسديد الفكر بناء على ذلك‪،‬‬
‫للمفسر‪ .‬واحلاصل أ ّن املعىن على هذا الوضع مت‬
‫ّ‬ ‫ومت استغالل ال ّدليل خلدمة املذهب الفقهي أو العقدي‬‫انعكست املسألة ّ‬
‫ظل تائها دون مسكن يؤويه ‪ ،‬ومن هنا م يكتف األصوليون هبذه املرحلة وجاء ما يعرف‬ ‫تضييق جماله جزئيا ولكنّه رغم ذلك ّ‬
‫السابق‪.‬‬
‫ب طرق الكشف عن ال ّداللة استكماال للمسار ّ‬

‫‪36‬‬
‫نلخصها‬
‫ّ‬ ‫طرق الكشف عن ال ّداللة‪ :‬يذكر احلنفيّة يف طرق داللة النّص على احلكم الشرعي أربعة أنواع‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫على النحو اآليت‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫أوال ‪ :‬عبارة النص وهي داللة الكالم على املعىن املقصود منه أي املعىن املتبادر فهمه منه‪ ،‬سواء أكان مقصودا‬
‫أصالة أم تبعا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إشارة النّص وهي داللة الكالم على معىن غري مقصود من ّ‬
‫السياق وليس مرادا به مباشرة‪ ،‬وإمنا هو معىن‬
‫التزامي الزم للحكم األصلي املفهوم ألول وهلة من النّص‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬داللة النّص‪ :‬وهي داللة اللفظ من طريق مناط احلكم أو علته‪ ،‬ال من طريق العبارة أو اإلشارة‪ .‬كأن‬
‫تشرتك واقعتان يف علة احلكم أو يكون املسكوت عنه أوىل من املنطوق‪ ،‬ويفهم ذلك من طريق اللغة من غري‬
‫حاجة إىل االجتهاد أو القياس‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬اقتضاء النّص وهو ما ّ‬
‫يدل عليه النّص من طريق املعىن الذي ال يستقيم الكالم إالّ بتقديره‪.‬‬
‫وهذه الدالالت األربع هي داللة المنطوق عند الجمهور‪ ،‬أي منطوق النّص وهي تقابل داللة مفهوم‬
‫المخالفة عندهم؛ وهذا األخري يطلق عندما ّ‬
‫يدل اللفظ على ثبوت نقيض حكم املنطوق للمسكوت عنه‪ ،‬أي‬
‫‪37‬‬
‫أن يكون املسكوت عنه خمالفا للمنطوق به يف احلكم‪.‬‬

‫الشك أنّه ساهم بشكل ملفت يف رسم صورة واضحة للتأويل‪ ،‬عكس ما تراه اهلرمنيوطيقا‬ ‫ّ‬ ‫ومهما يكن هذا التقسيم‪،‬‬
‫من أ ّن النّص كلّه ملغّز‪ ،‬ويبقى دائما يف حالة هروب من فكرة احلسم النّهائي للمعىن؛ فهذه الطرق تنتهي بال ّداللة إىل القطع‬
‫واليقني يف انعدام وجود صارف هلا إىل الظّن‪ .‬كما أ ّن هذه الطرق دفعت إىل تقسيم النّص ذاته إىل مراتب؛ فمنه ما هو‬
‫‪38‬‬
‫املفسر‪ ،‬واحملكم‪ ،‬ومنه ما هو غري واضح ال ّداللة وهو اخلفي‪ ،‬املشكل‪ ،‬اجململ واملتشابه‪.‬‬
‫واضح ال ّداللة وهو الظاهر‪ ،‬النّص‪ّ ،‬‬
‫القوي يف باقي املراتب جعل هذا‬‫املفسر واحملكم (على خالف كبري يف تعيني احملكم) وحضوره ّ‬ ‫إالّ أ ّن خروج التّأويل من ّ‬
‫ظل‬
‫التسقيف لتع ّدديّة املعىن ضمن ما تعود به الطرق السابقة غري كاف‪ ،‬إذ م يش ّكل ذلك رادعا قويا للتأويل الفاسد بل ّ‬
‫املعىن يتأرجح بني الظاهر تارة –كما هو احلال عند أهل الظاهر الذين ال يعتدون إال بسطح النص‪ -‬والباطن تارة أخرى –‬
‫كما هو احلال عند الباطنيّة ّمن غرقت تفسرياهتم يف عمق النص‪-‬؛ وهلذا كان من الضروري وضع ضابط ثالث لعملية فهم‬
‫القرآن حىت حيتل التأويل مكانا متزنا يوفّق فيه بني السطح والعمق‪.‬‬

‫خطاب المقصديّة‪ّ :‬قرر علماء التأويل جمموعة من املبادئ ّ‬


‫العامة اليت الب ّد من مراعاهتا أثناء تفسري القرآن حىت‬ ‫‪-3‬‬
‫تتمرد املدلوالت وخترج عن مراد الشارع‪ ،‬واصطلحوا على تسميتها باملقاصد العامة للشريعة اإلسالميّة‪ ،‬وقد‬‫ال ّ‬
‫برزت يف شكل تقسيمات خمتلفة فالشاطيب مثال وإمام احلرمني اجلويين والغزايل والرازي واآلمدي والعز بن عبد‬
‫السالم وغريهم يقسموهنا إىل ثالث‪:‬‬

‫مقاصد ضرورية‪ :‬يقصد هبا املصاحل اليت تتوقف عليها حياة الناس وقيام اجملتمع واستقراره‪ ،‬حبيث إن فاتت اختل نظام‬
‫احلياة وساد الناس هرج ومرج‪ ،‬وحلقهم الشقاء يف الدنيا والعذاب يف اآلخرة؛ وهي مخسة‪ :‬حفظ الدين‪ ،‬النفس‪ ،‬العقل‪،‬‬
‫‪39‬‬
‫النسل واملال‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫مقاصد حاجيّة‪ :‬وهي األمور اليت حيتاج إليها النّاس لرفع احلرج واملشقة عنهم‪ ،‬وإذا فاتت يلحق الناس مشقة وعنت‬
‫‪40‬‬
‫وضيق‪.‬‬

‫مقاصد حتسينيّة‪ :‬وهي اليت جتعل أحوال الناس جتري على مقتضى اآلداب العالية واخللق القومي‪ ،‬وإذا فاتت تصري حياهتم على‬
‫‪41‬‬
‫لكل هذه املصاحل البشريّة وكان‬
‫خالف ما تقتضيه املروءة ومكارم األخالق والفطر السليمة‪ .‬وقد جاء القرآن الكرمي مراعيا ّ‬
‫كل تشريعاته وأحكامه‪.‬‬
‫داعما هلا يف ّ‬
‫على الصعيد ذاته ينظر بعض العلماء اآلخرين إىل مقاصد الشريعة من زاوية أعم‪ ،‬لذلك فضلوا تقسيمها على شكل‬
‫آخر؛ ونأخذ كمثال تلخيص ابن عاشور هلذه املقاصد يف مثانية‪ :‬إصالح االعتقاد‪ ،‬هتذيب األخالق‪ ،‬التشريع‪ ،‬سياسة األمة‪،‬‬
‫القصص وأخبار األمم السالفة للتأسي بصاحل أحواهلم‪ ،‬التعليم‪ ،‬الوعظ واإلنذار والتحذير والتبشري‪ ،‬وأخريا اإلعجاز‪ .‬هذا‬
‫النبوة‪ ،‬احلشر‬
‫ويرى بديع الزمان النورسي تقليص العدد إىل أربعة ذات عمق وسعة‪ ،‬وهي على التوايل‪ :‬إثبات الصانع الواحد‪ّ ،‬‬
‫اجلسماين والعدل‪ .‬وكيفما كانت زاوية النظر إىل هذه اخلطوط العامة للنص القرآين فإ ّن احلاصل واحد‪ ،‬هو وقوعها يف دائرة‬
‫االتفاق املبدئي بني مجيع العقول فال ظلم تتصف به الذات اإلهلية باتفاق‪ ،‬وال معىن للرسالة دون توحيد اهلل قطعا‪ ،‬وغري‬
‫ذلك كثري ّما ال خيتلف فيه اثنان‪ .‬وما يهمنا هنا هو ما أفرزه خطاب املقصديّة من نتائج تتصل بفهم القرآن‪ ،‬وفيه قضيّتني‪:‬‬

‫بأمت بيان حيتمله املعىن وال يأباه اللفظ‬


‫املفسر بيان ما يصل إليه أو ما يقصده اهلل سبحانه وتعاىل من كتابه ّ‬
‫األوىل‪ :‬أ ّن غرض ّ‬
‫كل ما يوضح املراد من مقاصد القرآن‪ ،‬أو ما يتوقّف عليه فهمه أكمل فهم أو خيدم املقصد تفصيال وتفريعا مع إقامة‬ ‫من ّ‬
‫احلجة على ذلك‪ 42،‬فالقرآن نزل بغرض التّفهيم املتبع بالتّكليف‪ ،‬ولوال أهليّة اإلنسان للفهم واستيفاء الشريعة بالتبليغ‪،‬‬
‫وجل‬
‫عز ّ‬ ‫التصف اهلل بالظلم وتعاىل اهلل عن ذلك؛ إمنا يف كالمه مقاصد الب ّد من حتصيلها‪ .‬مث إذا رجعنا إىل تفسري كتابه ّ‬
‫الب ّد أن نرجع إليه كما يقول سيّد قطب‪" :‬بشعور التلقي للتنفيذ والعمل‪ ،‬ال بشعور الدراسة واملتاع‪ ،‬نرجع إليه لنعرف ماذا‬
‫يطلب منّا أن نكون‪ ،‬لنكون‪ .‬إ ّن هدفنا األول أن نعرف‪ :‬ماذا يريد منّا القرآن أن نعمل؟ ما هو التّصور الكلي الذي يريد منا‬
‫‪43‬‬
‫أن نتصور؟ كيف يريد القرآن أن يكون شعورنا باهلل؟ كيف يريد أن تكون أخالقنا وأوضاعنا ونظامنا الواقعي يف احلياة؟"‪.‬‬

‫فال فائدة ترجتى إذن من إنتاج دالالت لذات األلفا يف منأى عن قصد الشارع‪ ،‬إذ العربة والقول البن القيم بإرادة‬
‫املتكلّم ال بلفظه‪ 44،‬وحشد املعاين بعيدا عن غرض الواضع ال طائل من ورائه‪ ،‬وإن صلح احلديث عنه يف النّصوص البشريّة‪،‬‬
‫وتقول على اهلل مبا م يقل‪ .‬وعليه خيرج التأويل املطروح هنا عن الصورة الرباغماتية‬
‫فهو ظاهر الفساد يف نص مقدس إهلي‪ّ ،‬‬
‫اليت فرضتها لغة هيدجر الوجوديّة‪ ،‬ورمزية ريكور الالّهنائية‪ ،‬لريتضي لغة القرآن الطبيعيّة اليت تتميّز بقدرة هائلة يف استيعاب‬
‫املعىن املتج ّدد دون تن ّكر ملقاصد الشارع ومراده‪ .‬فالقصد اإلهلي واحد وإن تع ّدد الفهم وجت ّددت الداللة وارحتل التأويل‪ .‬وعند‬
‫هذا احل ّد يظهر مدى تركيز املنهج التفسريي على حتقيق التطابق بني املعىن املسقط على النّص واخلطوط العريضة للقرآن‪ ،‬فإن‬
‫لكن الواقع متج ّدد غري ثابت‪ ،‬وهذا‬‫قيل‪ :‬كيف يتع ّدد املعىن والقصد واحد؟ قلنا إ ّن الكتاب واحد واإلنسان هو اإلنسان و ّ‬
‫هو مربط الفرس وفحوى القضيّة الثانية‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫القوي له‬
‫احملرك وال ّدافع ّ‬
‫جمرد ضابط للتأويل بل هي أكثر من ذلك؛ ّإهنا ّ‬
‫العامة يف احلقيقة ليست ّ‬
‫القضيّة الثانية‪ :‬هذه املقاصد ّ‬
‫أيضا‪ ،‬فاجملتهد عند علماء األصول ال تتح ّقق فيه القدرة على إسقاط النّص على الواقع بصورة سليمة إالّ بإدراك أسرار‬
‫كل حكم إىل مقاصده األصليّة‪ ،‬وإذا حاولنا أن نتساءل‪ :‬ما هو مقدار تأثري القصد على‬ ‫قوي يف إرجاع ّ‬
‫التّنزيل‪ ،‬وحت ّكم ّ‬
‫فكل شيء قابل للتغيري والتّجديد وفق جدليّة حثيثة تربط بني حاجات القارئ‬
‫تفسري النّص؟ سنقول أنّه تأثري بال حدود‪ّ ،‬‬
‫ومتغريات الواقع‪.‬‬
‫وقصديّة النّص ّ‬
‫الزعم كثرية‪ ،‬نذكر منها تأكيد األصوليني على أ ّن األحكام الواردة بنصوص قطعيّة ال ّداللة والثّبوت هي‬ ‫واألدلّة على هذا ّ‬
‫الشخصيّة؛ إالّ أهنم باملقابل يؤّكدون يف مسالك‬
‫ّما ال اجتهاد فيه‪ ،‬أي ّأهنا تثبت رغم تب ّدل الظرف الزماين واملكاين واألحوال ّ‬
‫غري وفق ما متليه الظروف واملصلحة؛ وحتقيق املناط هو "النظر يف‬ ‫العلّة على مبدأ حتقيق املناط ّما يسمح للحكم بالتب ّدل والتّ ّ‬
‫معرفة وجود العلة يف آحاد الصور الفرعية اليت يراد قياسها على األصل‪ ،‬سواء أكانت علة األصل منصوصة أم مستنبطة‪،‬‬
‫كالنظر يف حتقيق اإلسكار الذي هو علة حترمي اخلمر يف أي نبيذ آخرمصنوع من متر أو شعري‪ ،‬والتّح ّقق من أ ّن النّباش‬
‫‪45‬‬
‫بالضبط ميكننا أن‬
‫(سارق أكفان املوتى) يع ّد سارقا إلقامة احل ّد عليه‪ ."...‬ويف هذا السياق تأيت اجتهادات عمر؛ فهنا ّ‬
‫لضرر نستطيع أن نستوعب أيضا‬ ‫نستوعب سبب إسقاطه حل ّد السرقة عام اجملاعة‪ ،‬وانطالقا من مبدأ جلب املنفعة ودفع ا ّ‬
‫تأكيد الطويف على ضرورة رعاية مصلحة املكلّف بل توسيعه امللفت لدور املصلحة يف فهم النّصوص الشرعية حىت وصل إىل‬
‫درجة تقدميها على النص واإلمجاع يف جمال املعامالت وتفعيلها يف نطاق واسع عكس سابقيه‪ .‬كلّه من أجل تنزيل سليم‬
‫للنّص على أرض الواقع‪ ،‬واخلروج باملتلقي من حالة اإلميان التقليدي املوروث إىل حالة اإلميان التحقيقي املشهود‪.‬‬

‫ومن هذه الزاوية نتفق بقوة مع فلسفة غادامري الرباغماتيّة فهو يرى أننا ننتمي بشكل ما إىل الرتاث‪ ،‬وهذا الشعور‬
‫باالنتماء وحده كفيل بأن يستخرج فهوم جديدة‪ ،‬وعرب منطق السؤال واجلواب الذي ال ينقطع يصاغ املعىن عندما تتشابك‬
‫خيوط الزمن احلايل مع الزمن املاضي‪ ،‬فيما يصطلح على تسميته غادامري بالتحام العوا م أو انصهار اآلفاق‪ ،‬أفق النص من‬
‫جهة وأفق القارئ املتج ّدد من جهة أخرى‪ .‬ويف جمال تفسري القرآن يدخل املقصد كعنصر وسيط بني أسباب النزول وسياق‬
‫اآليات حىت ال يرمتي التأويل يف سجن املاضي وال يرحتل أبعد من موطنه األصلي‪ ،‬بل يأخذ املنطقة الوسط اليت تراعي واقع‬
‫التنزيل والواقع احلايل‪ ،‬وتراعي املستوى الظاهري للنص واملستوى الباطين‪ ،‬وهذا هو املوقف الذي حنصل فيه على تأويل‬
‫تعني أ ّن العدل يف الوسط فما مأخذ الوسط رمبا كان جمهوال‪ ،‬واإلحالة على جمهول ال‬
‫معتدل كما يقول الشاطيب‪" :‬فإنّه إذا ّ‬
‫يعول عليه يف مأخذ الفهم‪ ،‬والقول يف ذلك واهلل املستعان أن املساقات ختتلف باختالف‬ ‫فائدة فيه‪ ،‬فالب ّد من ضابط ّ‬
‫األوقات واألحوال والنّوازل‪ ..‬فالذي يكون على بال من املستمع املتفهم االلتفات إىل أول الكالم وآخره حبسب القضية وما‬
‫اقتضاه احلال فيها‪ ،‬ال ينظر يف أوهلا دون آخرها‪ ،‬وال يف آخرها دون ّأوهلا‪ ،‬فإ ّن القضيّة وإن اشتملت على مجل فبعضها‬
‫‪46‬‬
‫متعلق ببعض‪ ،‬ألهنا قضية واحدة نازلة يف شيء واحد‪."..‬‬

‫وكذلك هو حال القرآن‪ ،‬ينسجم بعضه مع بعض‪ ،‬املكي مع املدين واآليات مع السور لدرجة يصبح فيها الكالم وكأنه‬
‫نزل دفعة واحدة‪ ،‬وال سبيل حينئذ لفهم القرآن إال بإدراك تشابك العالقات بني أجزائه‪ ،‬وال جمال أيضا لتحقيق مقصود‬
‫الشارع إال باستيعاب دواعي نزوله‪ ،‬ومن هنا يواصل الشاطيب‪" :‬وإذ ذاك حيصل مقصود الشارع يف املكلف‪ ،‬فإن فرق النظر‬
‫‪14‬‬
‫يف أجزائه فال يتوصل به إىل مراده فال يصح االقتصار يف النظر على بعض أجزاء الكالم دون بعض إالّ يف موطن واحد‪ ،‬وهو‬
‫النظر يف فهم الظاهر حبسب اللسان العريب وما يقتضيه‪ ،‬ال حبسب مقصود املتكلم‪ ،‬فإذا صح له الظاهر على العربية رجع إىل‬
‫نفس الكالم‪ ،‬فعما قريب يبدو له منه املعىن املراد‪ ،‬فعليه بالتعبد به‪ ،‬وقد يعينه على هذا املقصد النّظر يف أسباب التنزيل‪،‬‬
‫تبني كثريا من املواضع اليت خيتلف مغزاها على الناظر"‪.47‬‬
‫فإهنا ّ‬
‫يتنزل النّص القرآين على الواقع بشكل صحيح‪،‬‬ ‫هكذا ننتهي إىل القول بأن آخر عنصر من عناصر التطابق يتحقق عندما ّ‬
‫املفسر على إدراك أسرار التنزيل‪ ،‬ووعيه العميق بضرورة إخراج النّص من دائرة الفهم املروث إىل‬
‫وهذا املطلب ال ينال إال بقوة ّ‬
‫دائرة املمارسة العصريّة‪ ،‬ومن موقف االختزال للدالالت إىل موقف التفعيل هلا مبا خيدم مراد اهلل ومصلحة اإلنسان‪ .‬ويف هذا‬
‫الطرح متضي تع ّدديّة املعىن القرآين يف طريقها جنبا إىل جنب مع مبدأ التطابق‪ ،‬فال تنافر بينهما ولكن العالقة اليت تربطهما‬
‫هي عالقة تكامل وانسجام‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫أهم ما ميكن بيانه من خالل ما سبق يكمن يف أ ّن اهلرمنيوطيقا يف بداياهتا األوىل انطلقت من فرضيّة الوصول إىل‬ ‫إ ّن ّ‬
‫كل البعد عن الفرضيّة‬
‫توصلت إليها هذه الفلسفة بعيدة ّ‬ ‫لكن النّتائج اليت ّ‬
‫العصمة من سوء الفهم وتفادي الوقوع يف اخلطأ‪ّ ،‬‬
‫األوىل اليت وضعت بداية‪ ،‬إذ انتقل احلديث من إمكانيّة الظّفر باملعىن األصلي وحتصيل مراد املؤلّف إىل اللّهث وراء سراب‪،‬‬
‫الرئيسيّة‬
‫حتولت اإلشكاليّة ّ‬
‫فال ّداللة ليس هلا حجام يكبحها مع فكرة موت املؤلّف ووالدة القارئ بدال منه‪ ،‬وعلى هذا ال ّدرب ّ‬
‫يهمها اإلنتاج املتج ّدد أكثر من استعادة املعىن الذي‬‫للهرمنيوطيقا من البحث عن التطابق إىل إشكاليّة براغماتيّة‪/‬نفعيّة‪ّ ،‬‬
‫ص‪ .‬ومثل هذا الطّرح ال غبار عليه عندما يتعلّق األمر بنصوص بشريّة؛ فمعادلة إنتاج بشري قبالة تلقي‪/‬نقد‬ ‫ينطوي عليه النّ ّ‬
‫مستمر دون قيود‪ ،‬وعلى العكس من ذلك عندما يتعلّق الوضع بوحي مق ّدس‪/‬مساوي به أوامر‬ ‫ّ‬ ‫بالضرورة إبداع‬
‫بشري تعطينا ّ‬
‫املفسر باآليات‬
‫ونواهي الب ّد من فهمها حىت حيصل التّكليف مثّ الثّواب والعقاب األخروي‪ ،‬وكذا العمليّة التّأويليّة اليت تربط ّ‬
‫ظل انعدام القصديّة وعدم حت ّقق التّطابق‪ ،‬أل ّن مثل هذه املقوالت تفضي إىل ضياع‬ ‫القرآنيّة ال حتتمل االنفتاح الالّحمدود يف ّ‬
‫أدق حنن أمام إعالء‬
‫الشا ّذة الالّهنجيّة‪ ،‬وبعبارة ّ‬
‫للرسالة اإلهليّة مقابل القراءة املهيمنة والتّفاسري ّ‬
‫الشرعيّة وتغييب ّ‬ ‫األحكام ّ‬
‫واضح جلانب الفهم البشري على جانب التّوجيه اإلهلي‪.‬‬

‫ورغم أ ّن بعض اآلراء الفلسفيّة فيما ّمت بيانه تنأى بنفسها عن إشكاليّة التّطابق حنو اإلشكاليّة الرباغماتيّة فإ ّن هذا ال‬
‫ينقص أبدا من أمهيّة الطّرح التّأويلي الذي جاءت به يف بعض اجلزئيّات؛ فمسائل الوعي التّارخيي‪ ،‬القبليّات املعرفيّة‪ ،‬جدليّة‬
‫الواقع والنّص والقارئ‪ ،‬ال ّدائرة اهلرمنيوطيقيّة تع ّد فتحا منهجيّا فعليّا قد يثري العديد من األسئلة على مستوى فهم القرآن‬
‫بالرأي من حيث ال ّدرجة يف‬ ‫الكرمي‪ ،‬من ذلك على سبيل املثال ال احلصر‪ :‬كيف ميكن أن نغاير بني تفسري باملأثور وتفسري ّ‬
‫وجود فكرة ذاتيّة القارئ؟ ما هي نسبة احملكم من املتشابه يف فهم النّصوص القرآنيّة؟ كيف نوفق بني الشكل الثابت للنص‬
‫ظل انعدام مقولة النسخ؟‬ ‫القرآين والواقع املتج ّدد يف ّ‬

‫‪15‬‬
‫املتغري على فهم النّص‪ ،‬خبالف القضيّة اجلوهريّة‬
‫ومن الواضح أيضا أ ّن القضيّة األهم اليت تشغل اهلرمنيوطيقا هي تأثري الواقع ّ‬
‫الشاغل دعوة قويّة‬
‫اليت شغلت الفكر اإلسالمي لعقود طويلة وهي عالقة العقل بالنّقل وأسبقيّة أحدمها على اآلخر‪ ،‬ففي هذا ّ‬
‫بالرتاث وكيف ميكن أن حن ّقق انسجاما بني تطلّعاتنا املستقبليّة ومشاكلنا احلاليّة وكنوز املاضي وأسراره اليت‬
‫ملراجعة عالقتنا ّ‬
‫تضيء طريقنا وهتدينا سبل الفالح‪.‬‬

‫على صعيد آخر‪ ،‬يطرح االستخدام العريب للهرميوطيقا على مستوى النّقد املنهجي والتّطويع اإلجرائي يف جمال فهم‬
‫القرآن الكرمي وتفسري آياته العديد من التّساؤالت؛ ملاذا يعترب مثال املصري نصر حامد أبو زيد القرآن "منتجا ثقافيّا"‪ 48‬عندما‬
‫يوظّف العنصر التّارخيي يف الفهم؟ يف وقت متثل فيه اآليات اليت نزلت لسبب معني جزء ضئيال جدا من القرآن مقارنة‬
‫حتركها هي‬
‫باآليات اليت نزلت ابتداء من غري سبب‪ .‬وملاذا حيكم حيىي حممد على اهلرمنيوطيقا حكما هنائيّا بأ ّن اإلشكاليّة اليت ّ‬
‫‪49‬‬
‫القوي عن قصديّة‬
‫إشكالية براغماتيّة نفعيّة؟ يف وقت يغفل فيه متاما الطرح املوضوعي لشاليرماخر ودلثي ودفاع هريش ّ‬
‫ملقومات التّأويل اهلرمنيوطيقي يف سبعة‪ :‬انتفاء‬ ‫الريسوين ّ‬
‫نفسر حصر قطب ّ‬ ‫املؤلّف وإمكانيّة اسرتداد املعىن‪ .‬وكيف ميكن أن ّ‬
‫الرباءة يف القراءة‪ ،‬موت املؤلّف وتأليه القارئ‪ ،‬وهم القصديّة‪ ،‬ال هنائيّة املعىن وصراع التّأويالت‪ ،‬التّناص‪ ،‬الفجوات البيضاء‪،‬‬
‫‪50‬‬
‫املقومات ذاهتا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫هذه‬ ‫حول‬ ‫اء‬‫ر‬‫اآل‬ ‫بة‬
‫ر‬ ‫متضا‬ ‫بأكملها‬ ‫ومدارس‬ ‫ختالفات‬ ‫اال‬ ‫من‬ ‫طويل‬ ‫يخ‬‫ر‬‫تا‬ ‫بذلك‬ ‫متجاهال‬ ‫الرمزيّة املطلقة‪،‬‬
‫وّ‬
‫فأتباع هريش مثال ينتصرون للقصديّة خمالفني أتباع هيدجر وغادامري وبول الريكور الذين يؤسسون ملوت املؤلّف‪ ،‬ومن أمثلة‬
‫الفالسفة املشتغلني على النّقد أيضا هابرماس‪ ،‬وإمييليو بييت‪....‬‬

‫ولعلّه من باب اإلنصاف أن نشيد برأي الباحث أمحد بوعود يف املسألة؛ إذ يرى أنّه من املمكن تطبيق اهلرمنيوطيقا‬
‫هبدف احلصول على قراءة جديدة للقرآن الكرمي وفق شروط معيّنة يوجزها يف‪ :‬التزود بفنون اللغة‪ ،‬إدراك مقاصد القرآن‬
‫وأسباب نزوله‪ ،‬فقه الواقع الذي ينتمي إليه القارئ‪ ،‬ويدخل هنا مجيع مكونات هذا الواقع بكل علومه وخمرتعاته‪ 51 .‬ويف‬
‫هذا لفتة يف غاية ال ّدقة إىل ضرورة مجع التّأويل العريب بالتّأويل اهلرمنيوطيقي الستحالة استقامة هذا األخري منفردا‪ ،‬وذلك‬
‫ببساطة أل ّن التّأويل يف النّسق العريب اإلسالمي يتم وفق عمليّة ارتداديّة حنو املرجع املؤطّر‪ :‬الديين‪ ،‬والعقدي‪ ،‬واللغوي‪،‬‬
‫نص استقصاء وتكوينا‬ ‫والنّحوي‪ ،‬والبالغي‪ ،‬والتارخيي واالجتماعي‪ ،‬وعمليّة امتداديّة تعتمد على االجتهاد فيما م يرد فيه ّ‬
‫للمعىن‪ 52،‬باملقابل يشتغل التّأويل اهلرمنيوطيقي ضمن ال ّدائرة االمتداديّة فحسب فهو عبارة عن عالقة مباشرة للذات مع‬
‫أي مركزيّة ارتداديّة أخرى‪.‬‬
‫املوضوع‪ ،‬تتكئ على اخلربة واحلدس يف غياب ّ‬
‫هتتم بالواقع بشكل ملفت ّما‬
‫والنّتيجة احملوريّة اليت خيرج هبا هذا التّحليل هي أ ّن اهلرمنيوطيقا منهج حيمل أسسا معرفيّة ّ‬
‫حتسر على ماضي األمة ال ّذهيب وغلق األسوار على‬ ‫الراهنة بدل العيش يف حالة ّ‬ ‫حل املشاكل ّ‬
‫يساهم يف تسليط الضوء على ّ‬
‫حترك التّأويل يف الفلسفة اهلرمنيوطيقيّة انتقلت من وضعيّة‬
‫السلف واالنطواء على ال ّذات‪ .‬ورغم أ ّن اإلشكاليّة اليت ّ‬
‫معاين ّ‬
‫التّطابق إىل وضعيّة براغماتيّة فإ ّن هذا ال ينفي وجود إمكانيّة لالستفادة املنهجيّة من بعض اآلراء املطروحة ضمن دوائر‬
‫االتفاق بني الفكر العريب اإلسالمي والفكر الغريب‪ .‬ومن باب التّحري يبقى احلكم النّهائي على مدى صالحيّة املنهج من‬
‫عدمه يف جمال تفسري القرآن الكرمي منوط بتتبّع دقيق لتفاصيل هذا املنهج ومراجعة متأنيّة للخلفيّات الفكريّة الباعثة على‬
‫متخصصة جتمع بني‬
‫ّ‬ ‫يستحق دراسة‬
‫ّ‬ ‫الرديء وفرزا ملا ميكن تطبيقه من املستحيل تطويعه‪ ،‬وهذا‬‫إنتاجه‪ ،‬متحيصا للجيّد من ّ‬
‫‪16‬‬
‫عامة واهلرمنيوطيقا‬
‫النّظري والتّطبيقي؛ لذلك أوصي املهتمني وذوي االختصاص بالتّص ّدي للمناهج النّقديّة الغربيّة بصفة ّ‬
‫خاصة بالتّحليل والنّقد الذي يعود بفائدتني‪:‬‬
‫بصفة ّ‬
‫ّأوال‪ :‬اختبار صمود هذه املناهج أمام القرآن الكرمي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬معرفة مدى صالحيّة هذه املناهج يف إحداث جتديد فعلي يف تفسري القرآن الكرمي وإنتاج فهوم ختدم فعال الواقع وتس ّد‬
‫احلاجة املعرفيّة ملسلم اليوم‪.‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Richard E-palmer : Hermeneutics, publisher : North westen university press (USA), edition: 1969,‬‬
‫‪p :12.‬‬
‫‪ 2‬أندريه الالند‪ :‬موسوعة الالند الفلسفية‪ ،‬ترمجة‪ :‬خليل أمحد خليل‪ ،‬إشراف‪ :‬أمحد عويدات‪ ،‬الناشر‪ :‬عويدات (بريوت‪/‬باريس)‪ ،‬ط‪ :‬الثانية (‪2001‬م)‪ ،‬ج‪،1 :‬‬
‫ص‪.555 :‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Richard E-palmer, p :12-14.‬‬
‫‪ 4‬هانس جيورج غادامري‪ :‬فلسفة التأويل (األصول املبادئ واألهداف)‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد شوقي الزين‪ ،‬الناشر‪ :‬الدار العربية للعلوم (لبنان) واملركز الثقايف العريب‬
‫(املغرب‪/‬لبنان) ومنشورات االختالف (اجلزائر)‪ ،‬ط‪ :‬الثانية (‪1427‬ه ‪2006/‬م)‪ ،‬ص‪.61 :‬‬
‫‪ 5‬انظر‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.61 :‬‬
‫‪ 6‬انظر‪ ،‬عادل مصطفى‪ :‬فهم الفهم مدخل إىل اهلرمنيوطيقا نظرية التأويل من أفالطون إىل غادامري‪ ،‬الناشر‪ :‬رؤية للنشر والتوزيع (مصر‪-‬القاهرة)‪ ،‬ط‪ :‬األوىل‬
‫(‪2007‬م)‪ ،‬ص‪.26-24 :‬‬
‫‪ 7‬مراد وهبة‪ :‬املعجم الفلسفي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار قباء احلديثة (مصر‪-‬القاهرة)‪ ،‬ط‪ :‬اخلامسة (‪2007‬م)‪ ،‬ص‪ .664 :‬مجيل صليبا‪ :‬املعجم الفلسفي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب‬
‫اللبناين ومكتبة املدرسة (لبنان ‪-‬بريوت)‪ ،‬ط‪1982( :‬م)‪ ،‬ج‪ ،2 :‬ص‪ .519 :‬يقول الشهرستاين يف امللل والنحل‪" :‬نسبت إليه ع ّدة كتب ورسائل مشكوك يف‬
‫جوا من التلفيق والتوفيق بني املذاهب الفلسفيّة‬ ‫مصادرها وتعود إىل القرنني الثاين والثالث بعد امليالد‪ .‬واملظنون أهنا ألّفت يف مدينة اإلسكندريّة‪ .‬وتعكس يف جمموعها ّ‬
‫الشرقيّة املختلفة‪ .‬وهي عناصر جملموعة أخرى من الكتابات تسمى 'الوحي الكلداين' وبينهما عناصر كونيّة مشرتكة عديدة‪ ،".‬حممد بن عبد الكرمي‬ ‫وال ّدينيّة‪ ،‬اليونانيّة و ّ‬
‫الشهرستاين‪ :‬امللل والنحل‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمري علي مهنا وعلي حسن فاعود‪ ،‬الناشر‪ :‬دار املعرفة (لبنان‪-‬بريوت)‪ ،‬ط‪ :‬الثالثة (‪1414‬ه‪1993/‬م)‪ ،‬ج‪،2 :‬‬
‫ص‪.308/307:‬‬
‫‪ 8‬املرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،2 :‬ص‪.353/308 :‬‬
‫‪9‬‬
‫‪Richard E.Palmer, p : 84.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪See, Kurt Mueller-Volmer : The hermeneutics reader (text of the German tradition from the‬‬
‫‪enlightement to the present) , publisher: Burns and Oates imprint (London), edition: June 1988, p :‬‬
‫‪73/74.‬‬
‫‪ 11‬قطب الريسوين‪ :‬النص القرآين من هتافت القراءة إىل أفق التدبّر‪ ،‬الناشر‪ :‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية (املغرب)‪ ،‬ط‪ :‬األوىل (‪1431‬ه‪2010/‬م)‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.258‬‬
‫‪ 12‬غادامري‪ :‬احلقيقة واملنهج‪ ،‬ترمجة‪ :‬حسن ناظم وعلي حاكم صاحل‪ ،‬مراجعة‪ :‬جورج كتوره‪ ،‬الناشر‪ :‬دار أويا (املغرب)‪ ،‬ط‪ :‬األوىل (‪2007‬م)‪ ،‬ص‪.315 :‬‬
‫‪13‬‬
‫‪See, H.P.Rickman : Dilthey selected writings, publisher: Syndics of the Cambridge university press‬‬
‫‪(London), first edition: 1976, p : 17.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪Richard E.Palmer, p : 114/115.‬‬
‫‪15‬‬
‫‪See, H.P.Rickman, p : 15/208.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ « Dasein » 16‬كلمة أملانية مؤلّفة من قسمني‪ « Sein » :‬مبعىن "الوجود"‪ ،‬والالّحقة » ‪ « Da‬اليت تأخذ معاين ع ّدة يف اللّغة األملانيّة‪ ،‬فال هي "هنا"‪ ،‬وال‬
‫كل ترمجة لالّحقة » ‪« Da‬‬ ‫هي "هناك"‪ ،‬وال هي "هنا‪-‬هناك"‪ ،‬بل تأخذ معىن الكشف الذي معه يصبح "هنا"‪" ،‬هناك" وما بينهما ّمكنا‪ ،‬وعلى وجه أكثر دقّة؛ ّ‬
‫حتل حملّها‪See, Martin Hidegger : The basic problem of Phenomenology, .‬‬ ‫تدخل ضمن منابع وأصول الكلمة لكنّها ال ّ‬
‫‪translation/introdaction and lexicon by : Albert Hofstadter, publisher: Indiana university press (USA),‬‬
‫‪first edition: 1988, p :335/336.‬‬
‫‪17‬‬
‫الفين‪ ،‬ترمجة‪ :‬أبو العيد دودو‪ ،‬الناشر‪ :‬منشورات اجلمل (اجلزائر)‪ ،‬ط‪ :‬األوىل (‪2003‬م)‪ ،‬ص‪.95/94 :‬‬ ‫مارتن هيدجر‪ :‬أصل العمل ّ‬
‫‪18‬‬
‫التاويل (األصول‪ ،‬املبادئ واألهداف)‪ ،‬ص‪.105 :‬‬ ‫هانس جيورج غادامري‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬فلسفة ّ‬
‫‪ 19‬بول ريكور‪ :‬صراع التّاويالت دراسات هرمنيوطيقيّة‪ ،‬ترمجة‪ :‬منذر عيّاشي‪ ،‬مراجعة‪ :‬جورج زينايت‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب اجلديدة (لبنان‪-‬بريوت)‪ ،‬ط‪ :‬األوىل‬
‫(‪2005‬م)‪ ،‬ص‪.44 :‬‬
‫‪20‬‬
‫‪Eric Donald Hirsch.JR : Validity in interpretation, publisher: Yule university press (USA), edition:‬‬
‫‪1967, p : 1/3.‬‬
‫‪21‬‬
‫‪Eric Donald Hirsch.JR, p : 5.‬‬
‫‪ 22‬انظر‪ ،‬عادل مصطفى‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.386 :‬‬
‫‪23‬‬
‫‪See, Jean Grondin : Que sais-je L’hermeneutique, éditeur : presses universitaires de France (France-‬‬
‫‪Paris), troisième édition : 2006, p : 84.‬‬
‫‪ 24‬انظر‪ ،‬هانس جيورج غادامري‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬احلقيقة واملنهج‪ ،‬ص‪ ،372-371 :‬مطاع صفدي‪ :‬نقد العقل الغريب احلداثة ما بعد احلداثة‪ ،‬الناشر‪ :‬مركز اإلمناء‬
‫القومي (لبنان‪-‬بريوت)‪ ،‬ط‪1990( :‬م)‪ ،‬ص‪.233/232 :‬‬
‫‪25‬‬
‫حممد برادة وحسان بورقيّة‪ ،‬الناشر‪ :‬عني للدراسا ت والبحوث اإلنسانية واالجتماعية (مصر)‪ ،‬ط‪ :‬األوىل‬
‫انظر‪ ،‬بول ريكور‪ :‬من النّص إىل الفعل‪ ،‬ترمجة‪ّ :‬‬
‫(‪2001‬م)‪ ،‬ص‪.81 :‬‬
‫‪ 26‬بدر الدين حممد الزركشي‪ :‬الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬حتقيق‪ :‬أمحد علي الدمياطي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار احلديث (مصر)‪ ،‬ط‪1427 :‬ه‪2006/‬م)‪ ،‬ص‪.22 :‬‬
‫‪ 27‬النيفر‪ :‬اإلنسان والقرآن وجها لوجه‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر املعاصر (لبنان‪-‬بريوت) ودار الفكر (سوريا‪-‬دمشق)‪ ،‬ط‪ :‬األوىل (‪1421‬ه‪2000/‬م)‪ ،‬ص‪.15 :‬‬
‫‪ 28‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 29‬أبو إسحاق الشاطيب‪ :‬املوافقات يف أصول الشريعة‪ ،‬حتقيق‪ :‬عبد اهلل دراز وحممد عبد اهلل دراز وعبد السالم عبد الشايف حممد‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية (لبنان‪-‬‬
‫بريوت)‪ ،‬ط‪ :‬األوىل (‪1425‬ه‪2004/‬م)‪ ،‬ص‪.256 :‬‬
‫‪ 30‬منقور عبد اجلليل‪ :‬النّص والتّأويل دراسة داللية يف الفكر املعريف الرتاثي‪ ،‬الناشر‪ :‬ديوان املطبوعات اجلامعية (اجلزائر)‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ص‪.25/22 :‬‬
‫‪ 31‬مجال الدين اجلوزي‪ :‬زاد املسري يف علم التفسري‪ ،‬الناشر‪ :‬املكتب اإلسالمي (بريوت‪/‬دمشق)‪ ،‬ط‪ :‬الثالثة (‪1404‬ه‪1984/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1 :‬ص‪.491 :‬‬
‫‪32‬‬
‫حممد بن يوسف أبو حيان األندلسي‪ :‬البحر احمليط‪ ،‬حتقيق‪ :‬عادل أمحد عبد املوجود وآخرون‪ ،‬دار‪ :‬الكتب العلمية (لبنان‪-‬بريوت)‪ ،‬ط‪ :‬األوىل‬

‫(‪1413‬ه ‪1993/‬م)‪ ،‬ج‪ ،3 :‬ص‪.106 :‬‬

‫‪ 33‬انظر‪ ،‬حممد بازمول‪ :‬القراءات وأثرها يف التفسري واألحكام‪ ،‬أطروحة‪ :‬دكتوراه يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬إشراف‪ :‬عبد الستار فتح اهلل سعيد‪ ،‬كلية‪ :‬أصول الدين‪،‬‬
‫قسم‪ :‬الكتاب والسنة‪ ،‬جامعة‪ :‬أم القرى (السعودية)‪ ،‬نوقشت بتاريخ‪1413/12/29( :‬ه)‪ ،‬ط‪ :‬األوىل (‪1417‬ه‪1996/‬م)‪ ،‬ج‪ ،1 :‬ص‪.587-324 :‬‬
‫‪ 34‬حممد ابن اجلزري‪ :‬النشر يف القراءات العشر‪ ،‬تصحيح ومراجعة‪ :‬علي حممد الضباع‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية (لبنان‪-‬بريوت)‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ج‪ ،1 :‬ص‪.30/29 :‬‬
‫‪ 35‬أبو إسحاق الشاطيب‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.526 :‬‬
‫‪ 36‬وهبة الزحيلي‪ :‬الوجيز يف أصول الفقه‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر املعاصر (لبنان‪-‬بريوت) ودار الفكر (سوريا‪-‬دمشق)‪ ،‬ط‪ :‬األوىل (‪1419‬ه‪1999/‬م)‪ ،‬ص‪-164 :‬‬
‫‪.169‬‬
‫‪ 37‬عبد الكرمي زيدان‪ :‬الوجيز يف أصول الفقه‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة قرطبة (العراق‪-‬بغداد)‪ ،‬ط‪ :‬السادسة (‪1396‬ه‪1976/‬م)‪ ،‬ص‪.366/365 :‬‬
‫‪ 38‬انظر‪ ،‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.353- 338 :‬‬
‫‪ 39‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.379 :‬‬
‫‪ 40‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.380 :‬‬
‫‪ 41‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.381 :‬‬
‫‪18‬‬
‫‪ 42‬ابن عاشور‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬الناشر‪ :‬الدار التونسية للنشر (تونس)‪ ،‬ط‪1984 :‬م‪ ،‬ص‪.41 :‬‬
‫‪ 43‬سيد قطب‪ :‬معا م يف الطريق‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الشروق (بريوت‪/‬القاهرة)‪ ،‬ط‪ :‬السادسة (‪1399‬ه‪1979/‬م)‪ ،‬ص‪.18 :‬‬
‫‪ 44‬ابن القيم اجلوزية‪ :‬إعالم املوقعني‪ ،‬حتقيق‪ :‬حميي الدين عبد احلميد‪ ،‬الناشر‪ :‬املكتبة التجارية (مصر‪-‬القاهرة)‪ ،‬ط‪ :‬األوىل (‪1955‬م)‪ ،‬ج‪ ،1 :‬ص‪.21 :‬‬
‫‪ 45‬وهبة الزحيلي‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.83/82 :‬‬
‫‪ 46‬أبو إسحاق الشاطيب‪ :‬املصدر السابق‪ ،‬ص‪.716 :‬‬
‫‪ 47‬املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.717 :‬‬
‫‪ 48‬نصر حامد أبو زيد‪ :‬مفهوم النص دراسة يف علوم القرآن‪ ،‬الناشر‪ :‬املركز الثقايف العريب (لبنان‪-‬بريوت)‪ ،‬ط‪ :‬السابعة (‪2008‬م)‪ ،‬ص‪.24 :‬‬
‫‪ 49‬انظر‪ ،‬موقع حيىي حممد على الشبكة العنكبوتية‪.www.fahmaldin.com ،‬‬
‫‪ 50‬انظر‪ ،‬قطب الريسوين‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.268-264 :‬‬
‫‪ 51‬انظر‪ ،‬أمحد بوعود‪ :‬اهلرمنيوطيقا وعبور الفجوة التارخيية يف فهم النص القرآين‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة مؤمنون بال حدود‪ ،‬قسم‪ :‬الدراسات الدينية‪ ،‬نشر بتاريخ‪:‬‬
‫‪2014/10/31‬م‪ ،‬موقع‪.www.mominoun.com :‬‬
‫‪ 52‬حممد بازي‪ :‬التأويلية العربية حنو منوذج تساندي يف فهم النصوص واخلطابات‪ ،‬الناشر‪ :‬الدار العربية للعلوم (لبنان‪-‬بريوت) ومنشورات االختالف (اجلزائر)‪ ،‬ط‪:‬‬
‫األوىل (‪1431‬ه ‪2010/‬م)‪ ،‬ص‪.21 :‬‬

‫‪19‬‬

You might also like