You are on page 1of 114

‫‪7‬‬

‫َو َأ ِع ُّدوا‬
‫مواعظ في األسرة والجهاد‬
‫الـــــكـــــتـــــاب‪َ :‬و�أَ ِعدُّوا ‪ -‬مواعظ يف الأ�سرة واجلهاد‬
‫إعـــــــــــــــداد‪ :‬مركز املعارف للت�أليف والتحقيق‬
‫إصــــــــــــــدار‪ :‬دار املعارف الإ�سالم َّية الثقاف َّية‬
‫تصميم وطباعــة‪:‬‬
‫الطـبـعــة األولــى‪2020 :‬م‬
‫‪ISBN 978-614-467-155-9‬‬
‫‪books@almaaref.org.lb‬‬
‫‪00961 01 467 547‬‬
‫‪00961 76 960 347‬‬
‫‪7‬‬

‫َو َأعِ ُّدوا‬


‫مواعظ في األسرة والجهاد‬
‫الفهرس‬

‫املحور األ ّول‪ :‬األرسة‬


‫املوعظة األوىل‬
‫األرسة السليمة‪9...............................................................................‬‬
‫املوعظة الثانية‬
‫العالقة الزوج ّية بني الحقوق والواجبات‪19.........................................‬‬
‫املوعظة الثالثة‬
‫القدوة ودورها يف حياة األرسة (األب منوذجاً)‪28.................................‬‬
‫املوعظة الرابعة‬
‫األرسة‪ ،‬مخاطر وتهديدات‪36.............................................................‬‬
‫املوعظة الخامسة‬
‫الرؤية اإلسالم ّية يف تربية الفتاة‪44.....................................................‬‬

‫‪5‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫املوعظة السادسة‬
‫ع ٌّيل وفاطمة ‪ ،L‬النموذج األمثل للحياة الزوج ّية‪53....................‬‬

‫املحور الثاين‪ :‬الجهاد والشهادة‬


‫املوعظة السابعة‬
‫سنن النرص ‪62..................................................................................‬‬
‫املوعظة الثامنة‬
‫الجها ُد ع ُّز األ ّمة‪71............................................................................‬‬
‫املوعظة التاسعة‬
‫الشهادة يف اإلسالم‪78........................................................................‬‬
‫املوعظة العارشة‬
‫املق ّدسات يف اإلسالم ووجوب الدفاع عنها‪86......................................‬‬
‫املوعظة الحادية عرشة‬
‫فاطمة الزهراء ‪ ،O‬جهادها واأليّام األواخر‪95.............................‬‬
‫املوعظة الثانية عرشة‬
‫جهاد املرأة‪ ،‬السيّدة زينب ‪ O‬منوذجاً‪103..................................‬‬

‫‪6‬‬
‫ّ‬
‫المقدمة‬

‫وصل الله عىل س ّيدنا مح ّمد وآله‬ ‫رب العاملني‪ّ ،‬‬ ‫الحمد لله ّ‬
‫الطاهرين‪.‬‬
‫ك ْم َو ُيثَ ّبتْ‬ ‫َّ َ َ ُ ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ َ‬
‫نصوا الل ينص‬ ‫َ‬
‫قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬يا أيها الِين آمنوا إن ت ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََْ َ ُ‬
‫ك ْم﴾(((‪.‬‬ ‫أقدام‬
‫إ ّن النرص من السنن اإلله ّية التي يجريها الله ‪-‬سبحانه‪ -‬عىل‬
‫من يستحقّها‪ ،‬والنرصة لله تكون بات ّباع دينه‪ ،‬وتحكيم رشعه يف‬
‫خلقه‪ .‬وأه ّم ميادين نرصة الله هو األرسة؛ فهي نواة املجتمع‬
‫املؤمن‪ ،‬واملدرسة التي ينبغي أن يتخ ّرج منها املجاهدون النارصون‬
‫لدين الله بالقول والسلوك والجهاد‪ ،‬فحفظها وصونها من أه ّم‬
‫ككل‪.‬‬
‫اإلسالمي ّ‬ ‫أثرها عىل املجتمع َ ّ‬ ‫الواجبات التي ينعكس‬
‫نف َس ُه ْم َوأَ ْهل ِيه ْم يَ ْومَ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ ْ‬
‫ِ‬ ‫اسين الِين خ ِسوا أ‬ ‫قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬إِن ال ِ ِ‬
‫ْ َ َ َ َ َ َ ُ َ ُْ ْ َ ْ‬
‫س ُان ال ُمبِ ُني﴾(((‪.‬‬ ‫القِيامةِ أل ذل ِك هو ال‬

‫((( سورة مح ّمد‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬


‫((( سورة الزمر‪ ،‬اآلية ‪.15‬‬

‫‪7‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫وضمن سلسلة زاد الواعظ‪ ،‬جاء كتاب «وأعــدُّ وا»‪ ،‬ليتح ّدث‬
‫عن األرسة السليمة‪ ،‬موضّ حاً الرؤية اإلسالم ّية يف تشكيل األرسة‬
‫اإللهي‪ ،‬مبيّناً أسبابه وسننه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وتربيتها‪ ،‬ومتح ّدثاً عن النرص‬
‫رب العاملني‬
‫والحمد لله ِّ‬

‫‪8‬‬
‫األول‬
‫المحور ّ‬
‫األسرة‬
‫الموعظة األولى‬

‫األسرة السليمة‬

‫محاور الموعظة‬

‫أهم ّية األسرة في اإلسالم‬


‫‪ّ 1.1‬‬
‫‪2.2‬عوامل النجاح في بناء األسرة‬
‫ّ‬
‫المودة والرحمة‬ ‫‪3.3‬من موجبات‬
‫هدف الموعظة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أهم ّية األسرة في اإلسالم‪ ،‬وما ُيسهم في جعلها أسرة سليمة قادرة‬
‫إظهار ّ‬
‫ّ‬
‫بمسؤولياتها‪.‬‬ ‫على القيام‬

‫تصدير الموعظة‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ ُ ُ َ‬ ‫َ َّ ُ َ َ ُ‬
‫ٱلل َج َعل لكم ّم ِۡن أنفسِك ۡم أ ۡز َو ٰ ٗجا َو َج َعل لكم ّم ِۡن أ ۡز َو ٰ ِجكم بَن َِني‬ ‫﴿و‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َو َح َف َد ٗة َو َرزقكم م َِن َّ‬
‫َ‬
‫ٱلط ّيِبٰتِ ۚ أفبِٱلبٰ ِط ِل يُؤمِنون َوبِنِع َمتِ ٱللِ ه ۡم يَكف ُرون﴾(((‪.‬‬
‫أهم ّية األسرة في اإلسالم‬
‫ّ‬

‫الزواج ارتباط مرشوع بني الرجل واملرأة‪ ،‬وهو طريق التناسل‬


‫البرشي‪ ،‬وهو باب التواصل‪ ،‬وسبب األلفة‬ ‫ّ‬ ‫والحفاظ عىل الجنس‬
‫يتحصن الجنسان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫واملح ّبة‪ ،‬واملعونة عىل العفّة والفضيلة‪ ،‬وبه‬
‫ُ ْ‬ ‫ََ‬
‫ومن هنا‪ ،‬كان استحبابه استحبابا ً مؤكّدا ً‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬وأنكِحوا‬
‫ُ ُ ْ َُ ٓ‬ ‫َ ۡ َ ُ ۡ َٓ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َۡ‬
‫ِإَومائِك ۡ ۚم إِن يَكونوا فق َرا َء‬ ‫حني مِن عِبادِكم‬
‫ُ‬
‫م مِنك ۡم َوٱلصٰل ِ ِ‬ ‫ٱل َي ٰ َ ٰ‬
‫ٱلل مِن فَ ۡضلِهِۦ َو َّ ُ‬
‫ٱلل َوٰس ٌِع َعل ‪ِٞ‬يم﴾(((‪.‬‬ ‫ُي ۡغنِه ُم َّ ُ‬
‫ۗ‬ ‫ِ‬

‫((( سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.72‬‬


‫((( سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.32‬‬

‫‪10‬‬
‫يلسلا ةرسألا ‪:‬ىلوألا ةظعوملا‬

‫أحب إىل الله‬


‫وعن رسول الله‪« :P ‬ما بُني بناء يف اإلسالم ّ‬
‫‪-‬تعاىل‪ -‬من التزويج»(((‪.‬‬
‫وعن أمري املؤمنني‪« :Q ‬تز ّوجوا؛ فإنّ رسول الله‪ P ‬قال‪:‬‬
‫أحب أن ي ّتبع س ّنتي‪ ،‬فإنّ من س ّنتي التزويج»(((‪.‬‬
‫َم ْن ّ‬
‫عوامل النجاح في بناء األسرة‬
‫ـي ببناء األرسة عىل قواعد اإلســام‬ ‫اعتنى الدين اإلســامـ ّ‬
‫وإرشاداته‪ ،‬من حيث األخالق والسلوك وااللتزام واالنقياد ألوامر‬
‫الله ‪-‬سبحانه‪-‬؛ فاألرسة تحتاج إىل دعائم متينة وأسس قويّة يف‬
‫العالقات بني أركانها‪ ،‬تضمن استمرارها وبقاءها بشكل صحيح‬
‫وسليم‪ ،‬ومن أه ّم العوامل املساعدة يف بناء األرسة‪:‬‬
‫‪ .1‬المو ّدة‬
‫الحب الذي ينعكس أثرا ً خارج ّياً‪،‬‬
‫يل‪ ،‬هي ّ‬ ‫الحب العم ّ‬
‫املو ّدة هي ّ‬
‫الحب الظاهر أثره‬ ‫يل فقط‪« ،‬املو ّدة كأنّها ّ‬
‫وليس مج ّرد شعور داخ ّ‬
‫الحب كنسبة الخضوع الظاهر‬ ‫يف مقام العمل‪ ،‬فنسبة املو ّدة إىل ّ‬

‫((( الح ّر العام ّ‬


‫يل‪ ،‬الشيخ مح ّمد بن الحسن‪ ،‬الفصول امله ّمة يف أصول األ ّمئة‪ ،‬تحقيق وإرشاف مح ّمد‬
‫إسالمي إمام رضا‪ 1376 - 1418 ،Q ‬ش‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مؤسسة معارف‬
‫بن مح ّمد الحسني القائيني‪ّ ،‬‬
‫ط‪ ،1‬ج‪ ،2‬ص‪.321‬‬
‫الكليني‪ ،‬الشيخ مح ّمد بن يعقوب بن إسحاق‪ ،‬الكايف‪ ،‬تحقيق وتصحيح عيل أكرب الغفاري‪ ،‬دار‬‫ّ‬ ‫(((‬
‫الكتب اإلسالم ّية‪ ،‬إيران ‪ -‬طهران‪1363 ،‬ش‪ ،‬ط‪ ،5‬ج‪ ،5‬ص‪.329‬‬

‫‪11‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫أث ُره يف مقام العمل إىل الخشوع الذي هو نوع تأث ّ ٍر نفسا ّين عن‬
‫العظمة والكربياء»(((‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َۡ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫قال ‪-‬تعاىل‪َ ﴿ :-‬وم ِۡن َءايٰتِهِۦٓ أن خل َق لكم ّم ِۡن أنفسِك ۡم أ ۡز َو ٰ ٗجا‬
‫َٰ ّ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ َ ۡ ُ ُ ٓ ْ َ ۡ َ َ َ َ َ َ ۡ َ ُ َّ َّ ٗ َ َ ۡ َ ً َّ‬
‫ت ل ِق ۡو ٖم‬
‫لها وجعل بينكم م َودة ورحة ۚ إِن ِف ذٰل ِك ٓأَلي ٖ‬ ‫ل ِتسكنوا إ ِ‬
‫َ َ َ َّ ُ َ (((‬
‫يتفكرون﴾ ‪.‬‬
‫دخلت تلقّتني‪،‬‬
‫ُ‬ ‫النبي‪ P ‬فقال‪ :‬إ ّن يل زوجةً‪ ،‬إذا‬
‫رجل إىل ّ‬
‫جاء ٌ‬
‫وإذا خرجت ش ّيعتني‪ ،‬وإذا رأتني مهموماً قالت‪ :‬ما يه ّمك؟! إن‬
‫كنت تهت ّم لرزقك فقد تكفّل به غريك‪ ،‬وإن كنت تهت ّم بأمر آخرتك‬
‫«بشها بالج ّنة‪ ،‬وقل لها‪:‬‬
‫همً‪ ،‬فقال رسول الله‪ّ :P ‬‬ ‫فزادك الله ّ‬
‫كل يوم أجر سبعني شهيداً» ‪.‬‬
‫(((‬
‫عمل الله‪ ،‬ولك يف ّ‬
‫إنّك عاملة من ّ‬
‫‪ .2‬الرحمة‬
‫إ ّن من أبرز موار ِد الرحم ِة األرسةَ؛ فإ ّن الزوجني يتالزمان باملو ّدة‬
‫وخاصة الزوجة‪ ،‬ويرحامن الصغار من األوالد لضعفهم‬ ‫ّ‬ ‫والرحمة‪،‬‬
‫وعجزهم‪.‬‬

‫اإلسالمي التابعة‬
‫ّ‬ ‫مؤسسة النرش‬ ‫((( الطباطبا ّيئ‪ّ ،‬‬
‫العلمة الس ّيد مح ّمد حسني‪ ،‬امليزان يف تفسري القرآن‪ّ ،‬‬
‫لجامعة املد ِّرسني بقم املرشَّفة‪ ،‬إيران ‪ -‬قم‪1417 ،‬ه‏ـ‪ ،‬ط‪ ،5‬ج‪ ،16‬ص‪.166‬‬
‫((( سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬
‫الطربيس‪ ،‬الشيخ الحسن بن الفضل‪ ،‬مكارم األخالق‪ ،‬منشورات الرشيف الريضّ ‪ ،‬إيران ‪ -‬قم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫(((‬
‫‪1392‬هـ ‪1972 -‬م‪ ،‬ط‪ ،6‬ص‪.200‬‬

‫‪12‬‬
‫يلسلا ةرسألا ‪:‬ىلوألا ةظعوملا‬

‫وهي صفة أخالقيّة عظيمة‪ ،‬أشار إليه الله ‪-‬تعاىل‪ -‬مخاطباً‬


‫َ َ ُ ۡ َ َ ۡ ُ َ َ ًّ‬ ‫َّ‬ ‫رسوله األعظم‪﴿ :P ‬فَب َما َر ۡ َ‬
‫نت فظا‬ ‫ح ٖة ّم َِن ٱللِ لِ ت لهمۖ ولو ك‬ ‫ِ‬
‫َ َ ُّ ْ ۡ َ ۡ َ (((‬ ‫ۡ ۡ‬
‫َغل َِيظ ٱل َقل ِب لنفضوا مِن حول ِكۖ﴾ ‪.‬‬
‫حسن إليك‪ ...‬ارحم‬ ‫ِ‬
‫«أحسن يُ َ‬ ‫وعن أمري املؤمنني‪:Q ‬‬
‫تُر َحم»(((‪.‬‬
‫‪ .3‬التعاون‬
‫حثّ اإلســام أف ـراد األرسة عىل التعاون والتكاتف يف ما‬
‫بينهم‪ ،‬وال س ّيام بني الزوجني‪ ،‬فهام ركنا األرسة األساس ّيان؛ فلهذا‬
‫األمر تداعيات إيجابيّة كربى عىل نفوس األبناء يف عمليّة الرتبية‬
‫يل ضمن‬ ‫والتنشئة الصحيحة املحفّزة عىل التفاعل اإليجا ّيب والتكام ّ‬
‫األرسة‪ ،‬وتالياً ضمن املجتمع‪.‬‬
‫وقــد ُروي أ ّن أمــر املؤمنني‪ Q ‬كان يشارك الس ّيدة‬
‫الزهراء‪ O ‬يف تدبري شؤون املنزل وكنسه ورعاية األوالد‪.‬‬

‫((( سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.159‬‬


‫مؤسسة البعثة‪،‬‬
‫((( الصدوق‪ ،‬الشيخ مح ّمد بن عيل بن بابويه‪ ،‬األمايل‪ ،‬تحقيق قسم الدراسات اإلسالم ّية ‪ّ -‬‬
‫مؤسسة البعثة‪ ،‬إيران ‪ -‬قم‪1417 ،‬ه‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.278‬‬ ‫مركز الطباعة والنرش يف ّ‬
‫‪13‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫‪ .4‬المصابرة‬
‫لكل من أفراد األرسة‪ ،‬وعدم‬ ‫وذلك من خالل حفظ الحقوق ٍّ‬
‫التع ّدي والبغي؛ ولهذا أثره البالغ يف تثبيت ُعرى املح ّبة واملو ّدة‪،‬‬
‫ومن أبرز مصاديق ذلك أن يغفر املرء زلّة اآلخر وعرثته‪ ،‬وأن ال‬
‫يتت ّبع أخطاءه‪.‬‬
‫عن رسول الله‪« :P ‬من صرب عىل سوء خلق امرأته أعطاه‬
‫الله من األجر ما أعطى أيوب‪ Q ‬عىل بالئه‪ ،‬ومن صربت عىل‬
‫سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ثواب آسية بنت مزاحم»(((‪.‬‬
‫وعنه‪ P ‬أيضاً‪« :‬خري الرجال من أ ّمتي الذين ال يتطاولون‬
‫عىل أهليهم‪ ،‬ويح ّنون عليهم‪ ،‬وال يظلمونهم»(((‪.‬‬
‫واألهل هم اآلباء والزوجات واألبناء‪.‬‬
‫‪ .5‬االهتمام بعبادة اهلل‬
‫يخص االلتزام بالواجبات‪ ،‬حيث أمر الله ‪-‬تعاىل‪-‬‬ ‫وذلك يف ما ّ‬
‫َ‬
‫ۡ َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫وجل‪َ ﴿ :-‬وأ ُم ۡر أهلك‬ ‫األب أن يعتني بعالقة أبنائه بالله‪ ،‬قال ‪-‬ع ّز ّ‬
‫ۡ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ ٰ َ ۡ َ ۡ َ َ ۡ َ َ َ ۡ َ ُ‬
‫سل َك رِ ۡز ٗقاۖ ۡن ُن نَ ۡر ُزقُ َك ۗ َوٱلعٰق َِبة ل ِلتق َو ٰى﴾(((‪.‬‬
‫ۡ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫بِٱلصلوة ِ وٱصط ِب عليهاۖل ن ‍ٔ‬

‫الطربيس‪ ،‬مكارم األخالق‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.214‬‬


‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫((( املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.216‬‬
‫((( سورة طه‪ ،‬اآلية ‪.132‬‬

‫‪14‬‬
‫يلسلا ةرسألا ‪:‬ىلوألا ةظعوملا‬

‫َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ ٓ ْ‬
‫يأيها ٱلِين ءامنوا قوا‬ ‫يخص الحثّ عىل التقوى‪ٰٓ ﴿ :‬‬ ‫َ وقال َيف ما ّ‬
‫‪ٞ‬‬ ‫َ‬ ‫ُ ۡ َ ٗ َ ُ ُ َ َّ ُ َ ۡ َ َ ُ َ ۡ َ َ ٰٓ ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أنف َسك ۡم َوأهل ِيكم نارا وقودها ٱنلاس وٱل ِجارة عليها ملئِكة غِلظ‬
‫َ‬
‫َ ‪َ ُ َ ۡ ُ َ َ ُ َ ۡ َ َ ۡ ُ َ َ ٓ َ َ َّ َ ُ ۡ َ َّ ٞ‬‬
‫ون﴾(((‪.‬‬ ‫شِداد ل يعصون ٱلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمر‬
‫ّ‬
‫المودة والرحمة‬ ‫من موجبات‬
‫مث ّة العديد من األفعال التي تكسب املو ّدة وتزرع الرحمة بني‬
‫الزوجني‪ ،‬وتُسهم يف تثبيت معامل السعادة والسالم يف األرسة‪ ،‬نذكر‬
‫منها‪:‬‬
‫‪ .1‬مدح أحدهما اآلخر‬
‫كثريا ً ما يق ّدم أحد الطرفني بأعامل جليلة ومه ّمة‪ ،‬ويكون‬
‫ذلك يف سبيل راحة اآلخر‪ ،‬فال ب ّد حينها أن يظهر أحدهام الشكر‬
‫واالمتنان لآلخر‪ ،‬وهذا من اإلدارة السليمة التي تحفظ الو ّد بينهام‪.‬‬
‫‪ .2‬مراعاة مشاعر اآلخر‬
‫قد يقع الزوج أو الزوجة يف حالة اضطراب أو مرض وما شاكل‪،‬‬
‫فال ب ّد لهام من أن يحفظا مشاعر بعضهام‪ ،‬وأن يعفيا بعضهام يف‬
‫مثل هذه الحاالت من الواجبات وااللتزامات املضنية‪.‬‬

‫((( سورة التحريم‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬

‫‪15‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫نرضب لذلك مثلني يف الزوجة ويف الزوج‪:‬‬


‫دوري‪ -‬تقع يف ما تراه النساء عادة‪ ،‬وهذا‬‫ّ‬ ‫فإ ّن املرأة ‪-‬وبشكل‬
‫النفيس‪ ،‬بسبب‬
‫ّ‬ ‫طبيعي‪ ،‬وهذا قد يجعلها يف حالة من التوت ّر‬‫ّ‬ ‫أمر‬
‫االضطرابات الجسديّة التي تشعر بها‪ ،‬ما يتطلّب حينها شيئاً من‬
‫املراعاة من الزوج‪.‬‬
‫وكذلك قد يقع الزوج يف ضيق ما ّدي لخسارة مال ّية أو لعدم‬
‫إيجاد العمل املناسب وما شاكل‪ ،‬فحينها ال ب ّد للمرأة من مراعاة‬
‫هذا األمر‪ ،‬وأن ال تح ّمله ما ال يُطيق‪.‬‬
‫‪ .3‬لين الكالم‬
‫ۡ َ َ َ ُ َ َ َّ ّ َ ُ ۡ َ ۡ َّ‬ ‫َ َ‬
‫ٱلت ِ َ‬
‫ه‬ ‫ٱلسنة ول ٱلسيِئة ۚ ٱدفع ب ِ ِ‬ ‫قال الله –تعاىل‪َ ﴿ :-‬ول ت ۡس َتوِي‬
‫َ َّ ٓ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ك َو َب ۡي َن ُهۥ َع َد ٰ َوة ‪َ ٞ‬كأنَّ ُهۥ َو ٌّل َح ‪ٞ‬‬
‫ِيم ‪َ 34‬و َما يُلقى ٰ َها إِل‬
‫ََۡ َ‬
‫أ ۡح َس ُن فإِذا ٱلِي بين‬
‫ِ‬
‫َّ َ َ َ ُ ْ َ َ ُ َ َّ َ ٓ َّ ُ َ ّ َ‬
‫ِيم﴾(((‪.‬‬ ‫ٱلِين صبوا وما يلقىٰها إِل ذو ح ٍظ عظ ٖ‬
‫إ ّن للكلمة الحسنة أثرا ً عظيامً يف ثبات املو ّدة والرحمة بني‬
‫َُ ُ ْ‬
‫﴿وقولوا‬
‫الزوجني‪ ،‬وهذا مطلوب مع جميع الناس‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫ل َِّلن ِاس ُح ۡس ٗنا﴾(((‪ ،‬فكيف يف ما بني الزوجني؟‬

‫فصلت‪ ،‬اآليتان ‪.35-34‬‬‫((( سورة ّ‬


‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.83‬‬

‫‪16‬‬
‫يلسلا ةرسألا ‪:‬ىلوألا ةظعوملا‬

‫النبي‬
‫ّ‬ ‫وقد ورد ما يحثّ عىل الكالم الطيّب بينهام عن‬
‫األكرم‪« :P ‬قول الرجل للمرأة‪ّ :‬إن أح ّبك‪ ،‬ال يذهب من قلبها‬
‫أبداً»(((‪.‬‬
‫‪ .4‬اإلكرام والرفق‬
‫ورد العديد من األحاديث التي تحثّ عىل الرفق واإلكرام بني‬
‫الزوجني‪.‬‬
‫أ ّما يف إكرام الزوجة فقد ورد عن رسول الله‪« :P ‬أكمل‬
‫املؤمنني إمياناً أحسنهم خلقاً‪ ،‬وخياركم خياركم لنسائه»(((‪.‬‬
‫ويف إكرام الزوج‪ ،‬ورد عن اإلمام الصادق‪« :Q ‬ملعونة‬
‫ملعونة امرأة تؤذي زوجها أو تغ ّمه‪ ،‬وسعيدة سعيدة امرأة تُكرم‬
‫زوجها وال تؤذيه‪.(((»...‬‬
‫واإلكرام يكون من خالل القول والفعل والرفق بها؛ ولذلك‬
‫مصاديق كثرية يف الحياة اليوميّة‪ ،‬منها أن ال يرفع الزوج صوته‬
‫عليها‪ ،‬وال يستخدم الكلامت الخشنة معها‪ ،‬وال يقاطعها وهي‬
‫خاصة أمام أوالدهام‪.‬‬
‫تتكلّم‪ ،‬ويرفع من شأنها‪ّ ،‬‬

‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.569‬‬


‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫ّ‬
‫((( الح ّر العاميل‪ ،‬الشيخ مح ّمد بن الحسن‪ ،‬تفصيل وسائل الشيعة إىل تحصيل مسائل الرشيعة‪ ،‬تحقيق‬
‫مؤسسة آل البيت ‪ ،R‬إيران ‪ -‬قم‪1414 ،‬ه‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪ ،12‬ص ‪.157‬‬ ‫ونرش ّ‬
‫((( املصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.280‬‬

‫‪17‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫وقد ورد ما ّ‬
‫يدل عىل أه ّميّة بعض األمور التي تضمن السالم‬
‫بني الزوجني‪ ،‬فعن اإلمام الصادق‪« :Q ‬إنّ املرء يحتاج يف‬
‫منزله وعياله إىل ثالث خاللٍ يتكلّفها‪ ،‬وإن مل يكن يف طبعه ذلك‪:‬‬
‫معارشة جميلة‪ ،‬وسعة بتقدير‪ ،‬وغرية بتحصني»(((‪.‬‬
‫‪ .5‬حسن الخلق‬
‫إ ّن حسن الخلق من الطرفني يُ َع ُّد عامالً أساس ّياً يف زيادة املو ّدة‬
‫األرسيّة‪ ،‬فعن اإلمام الصادق‪« :Q ‬ال غنى بالزوج عن ثالثة‬
‫أشياء يف ما بينه وبني زوجته‪ ،‬وهي‪ :‬املوافقة ليجتلب بها موافقتها‬
‫ومح ّبتها وهواها‪ ،‬وحسن خلقه معها‪ ،‬واستعامله استاملة قلبها‬
‫بالهيئة الحسنة يف عينها‪ ،‬وتوسعته عليها»(((‪.‬‬

‫((( الح ّراين‪ ،‬الشيخ ابن شعبة‪ ،‬تحف العقول عن آل الرسول‪ ،P ‬تصحيح وتعليق عيل أكرب‬
‫اإلسالمي التابعة لجامعة املد ِّرسني بقم املرشَّفة‪ ،‬إيران ‪ -‬قم‪1404 ،‬هـ‬
‫ّ‬ ‫مؤسسة النرش‬
‫الغفاري‪ّ ،‬‬
‫‪1363 -‬ش‪ ،‬ط‪ ،2‬ص‪.322‬‬
‫((( املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.323‬‬

‫‪18‬‬
‫الموعظة الثانية‬

‫ّ‬
‫العالقة الزوجية‬
‫بين الحقوق والواجبات‬

‫محاور الموعظة‬

‫‪1.1‬حقوق الزوج‬
‫‪2.2‬حقوق الزوجة‬
‫هدف الموعظة‬

‫بيان الحقوق والواجبات يف العالقة بني الزوجني‪.‬‬

‫تصدير الموعظة‬

‫عن رسول الله‪« :P ‬أوصاين جربئيل‪ Q ‬باملرأة‪ ،‬ح ّتى‬


‫ظننت أنّه ال ينبغي طالقها ّإل من فاحشة مب ّينة»(((‪.‬‬
‫إ ّن الله ‪-‬سبحانه وتعاىل‪ ،-‬قد أعظم أمر الزواج‪ ،‬عا ّدا ً إياه آية‬
‫ُ ۡ َۡ َ ٗ َّ ۡ ُ ُ ْٓ‬ ‫َ ُ‬ ‫َۡ َ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫من آياته‪َ ﴿ :‬وم ِۡن َءايٰتِهِۦٓ أن خل َق لكم ّم ِۡن أنفسِكم أزوٰجا ل ِتسكنوا‬
‫َ ٰ َ َ ٰ ّ َ ۡ َ َ َ َّ ُ َ‬ ‫َ ۡ َ َ َ َ َ َ ۡ َ ُ َّ َّ ٗ َ َ ۡ َ ً َّ‬
‫ون﴾(((‪،‬‬ ‫ت ل ِقو ٖم يتفكر‬ ‫لها وجعل بينكم م َودة ورحة ۚ إِن ِف ذل ِك ٓأَلي ٖ‬ ‫إِ‬
‫ذلك أ ّن الطرفني مهام كانا متباعدين‪ ،‬فبمج ّرد صيغة مخترصة‬
‫اإلسالمي يف أحكامه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ضمن رشوطها الرشعيّة التي بيّنها الرشع‬
‫يصبح ما كان مح ّرماً بينهام حالالً‪ ،‬وتوجب ما مل يكن واجباً‪ ،‬وتثبت‬
‫بعض الحقوق‪ ،‬ويصبح الطرفان متالصقني متالزمني‪ ،‬كأنّهام واحد‪.‬‬

‫يل بن بابويه‪ ،‬من ال يحرضه الفقيه‪ ،‬تصحيح وتعليق عيل أكرب‬ ‫((( الصدوق‪ ،‬الشيخ مح ّمد بن ع ّ‬
‫اإلسالمي التابعة لجامعة املد ِّرسني بقم املرشَّفة‪ ،‬إيران ‪ -‬قم‪1414 ،‬هـ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مؤسسة النرش‬
‫الغفاري‪ّ ،‬‬
‫ط‪ ،2‬ج‪ ،3‬ص‪.440‬‬
‫((( سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬

‫‪20‬‬
‫ةّيجوزلا ةقالعلا ‪:‬ةيناثلا ةظعوملا‬ ‫ابجاولاو قوقحلا نيب‬

‫حقوق الزوج‬
‫‪ّ .1‬‬
‫حق القيمومة‬
‫حق القيمومة واإلرشاف عىل األرسة إىل‬ ‫أوكل الله ‪-‬تعاىل‪ّ -‬‬
‫الحق املنسجم مع‬ ‫الزوج‪ ،‬فالواجب عىل الزوجة مراعاة هذا ّ‬
‫لكل من الزوجني‪.‬‬ ‫طبيعة الفوارق البدن ّية والعاطف ّية ٍّ‬
‫َ‬ ‫ٓ‬ ‫ّ َ ُ َ َّ ٰ ُ َ َ َ ّ‬
‫ٱلن َِساءِ ب َما فَ َّض َل َّ ُ‬
‫ٱلل َب ۡعض ُه ۡم‬ ‫ِ‬ ‫ٱلرجال قومون ع‬ ‫قال ‪-‬تعاىل‪ِ ﴿ :-‬‬
‫َ‬ ‫َٓ‬
‫ْ‬ ‫َ َٰ‬
‫ع َب ۡع ٖض َوب ِ َما أ َنف ُقوا م ِۡن أ ۡم َوٰل ِ ِه ۡ ۚم﴾(((‪.‬‬
‫‪ّ .2‬‬
‫حق الطاعة‬
‫حق الطاعة‪ ،‬فعن‬ ‫حق القيمومة ّ‬ ‫ومن الحقوق املرتتّبة عىل ّ‬
‫رسول الله‪« :P ‬أن تطيعه وال تعصيه‪ ،‬وال تصدّ ق من بيتها شيئاً‬
‫ّإل بإذنه‪ ،‬وال تصوم تط ّوعاً ّإل بإذنه‪ ،‬وال متنعه نفسها‪ ،‬وإن كانت‬
‫عىل ظهر قتب‪ ،‬وال تخرج من بيتها ّإل بإذنه‪.(((»...‬‬
‫‪ .3‬العالقة العاطف ّية‬
‫حرصت الرشيعة اإلسالميّة ‪-‬إىل جانب الواجبات‪ -‬عىل إرساء‬
‫أفضل العالقات العاطفيّة‪ ،‬واألخالقيّة بني الزوجني‪ ،‬فعن اإلمام‬

‫((( سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬


‫((( الشيخ الصدوق‪ ،‬من ال يحرضه الفقيه‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.438‬‬

‫‪21‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫الصادق‪« :Q ‬جاءت امرأة إىل رسول الله‪ P ‬فقالت‪ :‬يا‬


‫حق الزوج عىل املرأة؟ قال‪ :‬أكرث من ذلك(((‪،‬‬ ‫رسول الله‪ ،‬ما ّ‬
‫فخبين عن يشء منه‪ ،‬فقال‪ :‬ليس لها أن تصوم ّإل بإذنه‬ ‫فقالت‪ّ :‬‬
‫[أي تط ّوعاً]‪ ،‬وال تخرج من بيتها ّإل بإذنه‪ ،‬وعليها أن تَطَ َّي َب‬
‫بأطيب طيبها‪ ،‬وتلبس أحسن ثيابها‪ ،‬وتزيَّن بأحسن زينتها‪،‬‬
‫وتعرض نفسها عليه غدوة وعش ّية‪ ،‬وأكرثُ من ذلك حقو ُقه‬
‫عليها»(((‪.‬‬
‫يل بن الحسني‪« :Q ‬إظهار‬ ‫ويستحب لها كام يقول اإلمام ع ّ‬
‫ّ‬
‫العشق له بالخالبة والهيئة الحسنة لها يف عينه» ‪.‬‬
‫(((‬

‫‪ .4‬عدم فعل ما يسخط زوجها‬


‫ال ينبغي للزوجة أن تعمل ما يسخط زوجها ويؤمله يف ما‬
‫يتعلّق بالحقوق العائدة إليه‪ ،‬كإدخال بيته من يكرهه‪ ،‬أو سوء‬
‫ُخلقها معه‪ ،‬أو إسامعه كلامت غري الالئقة‪.‬‬
‫«أيا امرأة آذت زوجها بلسانها مل يقبل‬
‫فعن رسول الله‪ّ :P ‬‬

‫((( أي حقوقهم أكرث من أن تُذكر‪.‬‬


‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.508‬‬
‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫((( الشيخ الح ّراين‪ ،‬تحف العقول عن آل الرسول‪ ،P ‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.323‬‬

‫‪22‬‬
‫ةّيجوزلا ةقالعلا ‪:‬ةيناثلا ةظعوملا‬ ‫ابجاولاو قوقحلا نيب‬

‫وجل‪ -‬منها رصفاً وال عدالً وال حسنة من عملها ح ّتى‬ ‫الله ‪-‬ع ّز ّ‬
‫ترض َيه»(((‪.‬‬
‫«أيا امرأة باتت وزوجها عليها‬ ‫وعن اإلمام الصادق‪ّ :Q ‬‬
‫وأيا امرأة‬
‫حق‪ ،‬مل تُقبل منها صالة ح ّتى يرىض عنها‪ّ ،‬‬ ‫ساخط يف ّ‬
‫تط ّيبت لغري زوجها‪ ،‬مل تُقبل منها صالة ح ّتى تغتسل من طيبها‪،‬‬
‫كغسلها من جنابتها»(((‪.‬‬
‫رشعي‪ ،‬فعن‬
‫ّ‬ ‫ويحرم عىل الزوجة أن تهجر زوجها دون مس ِّو ٍغ‬
‫«أيا امرأة هجرت زوجها‪ ،‬وهي ظاملة‪ُ ،‬حرشت‬ ‫رسول الله‪ّ :P ‬‬
‫يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون يف الدرك األسفل من‬
‫النار‪ّ ،‬إل أن تتوب وترجع»(((‪.‬‬
‫‪ .5‬عدم تكليف الزوج بما ال يطيق‬
‫أكّدت الروايات عىل الزوجة أن ال تكلّف زوجها ما ال يطيق يف‬
‫«أيا امرأة أدخلت عىل زوجها يف‬ ‫أمر النفقة‪ ،‬فعن رسو الله‪ّ :P ‬‬
‫أمر النفقة وكلّفته ما ال يطيق‪ ،‬ال يقبل الله منها رصفاً وال عدالً ّإل‬
‫أن تتوب وترجع‪ ،‬وتطلب منه طاقته»(((‪.‬‬

‫الطربيس‪ ،‬مكارم‬
‫ّ‬ ‫((( الشيخ الصدوق‪ ،‬من ال يحرضه الفقيه‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ .14‬الشيخ‬
‫األخالق‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.430‬‬
‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.507‬‬
‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫الطربيس‪ ،‬مكارم األخالق‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.202‬‬
‫ّ‬ ‫الشيخ‬ ‫(((‬
‫((( املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.202‬‬

‫‪23‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫‪ .6‬استقبال الزوج وإرضاؤه‬


‫وحثّ ‪ P ‬املرأة عىل إصالح شؤون البيت واستقبال الزوج‬
‫«حق الرجل عىل املرأة إنارة الرساج‪،‬‬
‫بأحسن استقبال‪ ،‬فقال‪ّ :‬‬
‫وإصالح الطعام‪ ،‬وأن تستقبله عند باب بيتها فرت ّحب به‪ ،‬وأن‬
‫تقدّ م إليه الطشت واملنديل‪.(((»...‬‬
‫ويستحب للزوجة أن تكسب رضا الزوج وتنال مو ّدته‪ ،‬فعن‬
‫ّ‬
‫اإلمام الصادق‪« :Q ‬خري نسائكم التي إن غضبت أو أغضبت‬
‫ٍ‬
‫بغمض ح ّتى ترىض ع ّني»(((‪.‬‬ ‫قالت لزوجها‪ :‬يدي يف يدك ال أكتحل‬
‫حقوق الزوجة‬
‫وضع اإلسالم حقوقاً للزوجة يجب عىل الزوج مراعاتها‪ ،‬وأه ّمها‪:‬‬
‫‪ّ .1‬‬
‫حق النفقة‬
‫حق‬
‫حيث جعله الله ‪-‬تعاىل‪ -‬من الحقوق التي يتوقّف عليها ّ‬
‫َ ََ‬ ‫ّ ُ َ‬
‫ٱلر َجال ق َّو ٰ ُمون ع‬ ‫القيمومة للرجل‪ ،‬كام جاء يف قوله ‪-‬تعاىل‪ِ  ﴿ :-‬‬
‫َ‬ ‫َٓ‬
‫ْ‬ ‫ٱلل َب ۡع َض ُه ۡم َ َ ٰ‬
‫ع َب ۡع ٖض َوب ِ َما أ َنف ُقوا م ِۡن أ ۡم َوٰل ِ ِه ۡ ۚم﴾(((‪.‬‬ ‫ٱلن َِسآءِ ب َما فَ َّض َل َّ ُ‬
‫ِ‬
‫ّ‬

‫الطربيس‪ ،‬مكارم األخالق‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.215-214‬‬


‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫((( املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.200‬‬
‫((( سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬

‫‪24‬‬
‫ةّيجوزلا ةقالعلا ‪:‬ةيناثلا ةظعوملا‬ ‫ابجاولاو قوقحلا نيب‬

‫املقص يف‬
‫وش ّدد رسول الله‪ P ‬عىل هذا الواجب حتّى جعل ّ‬
‫أدائه ملعوناً‪ ،‬فعنه‪« :P ‬ملعون ملعون من يض ّيع من يعول»(((‪.‬‬
‫والنفقة الواجبة هي اإلطعام والكسوة للشتاء والصيف وما‬
‫تحتاج إليه من الزينة حسب يسار الزوج‪ ،‬والضابط يف النفقة‬
‫القيام مبا تحتاج إليه املرأة من طعام وأداء وكسوة وفراش وغطاء‬
‫وإسكان وإخدام وآالت تحتاج إليها لرشبها وطبخها وتنظيفها‪ ،‬قال‬
‫«حق املرأة عىل زوجها أن يسدَّ جوعتها‪ ،‬وأن‬‫رسول الله‪ّ :P ‬‬
‫يسرت عورتها‪ ،‬وال يق ّبح لها وجهاً‪ ،‬فإذا فعل ذلك أ ّدى ‪-‬والله‪-‬‬
‫حقّها»(((‪.‬‬
‫‪ .2‬معاشرتها بالمعروف‬
‫وحثّ اإلسالم عىل ات ّخاذ التدابري املوضوعية للحيلولة دون‬
‫وقوع التقاطع‪ ،‬فدعا إىل توثيق روابط املــو ّدة واملح ّبة‪ ،‬وأمر‬
‫َ‬ ‫وه َّ ۡ ۡ‬ ‫َ َ ُ ُ‬
‫ــن بِٱل َمع ُر ِ ۚ‬
‫وف فإِن‬ ‫بالعرشة باملعروف‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬وع ِش‬
‫َ‬ ‫يا َو َي ۡج َع َل َّ ُ‬‫َ ۡ ُ ُ ُ َّ َ َ َ ٰٓ َ َ ۡ ُ ْ َ ۡ ٗ‬
‫ٱلل فِيهِ َخ ۡ ٗيا كث ِٗريا﴾(((‪.‬‬ ‫س أن تك َرهوا ش ‍ٔ‬ ‫ك ِرهتموهن فع‬

‫((( الشيخ الصدوق‪ ،‬من ال يحرضه الفقيه‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.168‬‬
‫((( ابن فهد الحيل‪ ،‬عدة الداعي ونجاح الساعي‪ ،‬تصحيح احمد املوحدي القمي‪ ،‬مكتبة وجداين‪،‬‬
‫إيران ‪ -‬قم‪ ،‬ال‪.‬ت‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫((( سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬

‫‪25‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫ومن مصاديق العرشة باملعروف حسن الصحبة‪ ،‬فعن رسول‬


‫الله‪« :P ‬خريكم خريكم لنسائه‪ ،‬وأنا خريكم لنسايئ»(((‪ ،‬وعنه‬
‫أيضاً‪« :‬من اتّخذ زوجة فليكرِمها»(((‪ ،‬وعن أمري املؤمنني‪ Q ‬يف‬
‫وصيّته ملح ّمد بن الحنفيّة‪« :‬إنَّ املرأة ريحانة وليست بقهرمانة؛‬
‫ف عيشك»(((‪.‬‬‫كل حال‪ ،‬وأحسن الصحبة لها‪َ ،‬في ِْص ُ‬
‫فدارِها عىل ِّ‬
‫‪ .3‬اإلكرام والرحمة‬
‫ومن حقّها اإلكرام‪ ،‬والرفق بها‪ ،‬وإحاطتها بالرحمة واملؤانسة‪،‬‬
‫حق رع ّيتك مبلك النكاح‪،‬‬
‫يل بن الحسني‪« :Q ‬وأ ّما ُّ‬ ‫فعن اإلمام ع ّ‬
‫فأن تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومسرتاحاً وأُنساً وواقية‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫كل‬
‫واحد منكام يجب أن يحمد الله عىل صاحبه‪ ،‬ويعلم أنّ ذلك نعمة‬
‫منه عليه‪ ،‬ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها‪،‬‬
‫وإن كان حقّك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم يف ما أح ّبت وكرهت‬
‫حق الرحمة واملؤانسة وموضع السكون‬ ‫ما مل تكن معصية‪ ،‬فإنّ لها ّ‬
‫إليها قضاء اللذة التي ال بدّ من قضائها‪. »...‬‬
‫(((‬

‫((( الشيخ الصدوق‪ ،‬من ال يحرضه الفقيه‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.443‬‬
‫مؤسسة آل‬
‫الطربيس‪ ،‬املريزا حسني النوري‪ ،‬مستدرك الوسائل ومستنبط املسائل‪ ،‬تحقيق ونرش ّ‬
‫ّ‬ ‫(((‬
‫البيت‪ R ‬إلحياء الرتاث‪ ،‬لبنان ‪ -‬بريوت‪1408 ،‬هـ ‪1987 -‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬ج‪ ،1‬ص‪.412‬‬
‫الطربيس‪ ،‬مكارم األخالق‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.218‬‬
‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫((( الشيخ الح ّراين‪ ،‬تحف العقول عن آل الرسول‪ ،P ‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.262‬‬

‫‪26‬‬
‫ةّيجوزلا ةقالعلا ‪:‬ةيناثلا ةظعوملا‬ ‫ابجاولاو قوقحلا نيب‬

‫‪ .4‬عدم استخدام القسوة‬


‫حق‬
‫ونهى‪ P ‬عن استخدام القسوة مع املرأة‪ ،‬وجعل من ّ‬
‫الزوجة عدم رضبها والصياح يف وجهها‪ ،‬ففي جوابه عن سؤال‬
‫حق املرأة‪ ،‬قال‪« :P ‬حقّك عليه أن‬ ‫خولة بنت األسود حول ّ‬
‫مم يلبس‪ ،‬وال يلطم وال يصيح يف‬ ‫مم يأكل‪ ،‬ويكسوك ّ‬ ‫يطعمك ّ‬
‫وجهك»(((‪.‬‬
‫وعنه‪« :P ‬خري الرجال من أُ ّمتي الذين ال يتطاولون عىل‬
‫أهليهم‪ ،‬ويح ّنون عليهم‪ ،‬وال يظلمونهم»(((‪.‬‬
‫‪ّ .5‬‬
‫حق المضاجعة‬
‫حق املضاجعة‪ ،‬فإذا حرمها الزوج من‬‫ومن حقوق الزوجة ّ‬
‫حق الخيار‪ ،‬إن شاءت صربت عليه أبدا ً‪ ،‬وإن شاءت‬
‫ذلك‪ ،‬فللزوجة ّ‬
‫الرشعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫خاصمته إىل الحاكم‬

‫الطربيس‪ ،‬مكارم األخالق‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.218‬‬


‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫((( املصدر نفسه‪ ،‬ص‪ 216‬ـ ‪.217‬‬

‫‪27‬‬
‫الموعظة الثالثة‬

‫القدوة ودورها في حياة األسرة‬


‫ً‬
‫(األب نموذجا)‬

‫محاور الموعظة‬

‫‪1.1‬معنى القدوة‬
‫ّ‬
‫‪2.2‬االقتداء الحق‬
‫‪3.3‬األب قدوة‬
‫ّ‬
‫‪4.4‬كيف يؤثر اآلباء في أبنائهم؟‬
‫ّ‬
‫مسؤوليات األب ووظائفه‬ ‫‪5.5‬‬
‫هدف الموعظة‬

‫إظهار مكانة القدوة وأه ّم ّيتها يف األرسة واألوالد (األب منوذجاً)‪.‬‬

‫تصدير الموعظة‬
‫ٱل َِج َارةُ‬‫َ َ ُّ َ َّ َ َ َ ُ ْ ُ ٓ ْ َ ُ َ ُ ۡ َ َ ۡ ُ ۡ َ ٗ َ ُ ُ َ َّ ُ َ ۡ‬
‫﴿يأيها ٱلِين ءامنوا قوا أنفسكم وأهل ِيكم نارا وقودها ٱنلاس و‬ ‫ٰٓ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ۡ َ َ َ َ ٌ َ ‪َ ٓ َ َ َّ َ ُ ۡ َ َّ ٞ َ ٞ‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫لئِكة غِلظ شِداد ل يعصون ٱلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون﴾(((‪.‬‬ ‫عليها م ٰٓ‬

‫معنى القدوة‬
‫قال الخليل يف كتاب العني‪ :‬القدوة بفتح القاف‪ ،‬األصل الذي‬
‫انشعب منه االقتداء‪ ،‬وبعض يكرس فيقول‪ِ :‬قدوة‪ ،‬أي‪ :‬به يُقتدى(((‪.‬‬
‫وقال يف ما ّدة «أسوة»‪ :‬تقول‪ :‬هؤالء القوم أسوة يف هذا األمر؛‬
‫أي‪ :‬حالهم فيه واحدة‪ .‬وفالن يأتيس بفالن؛ أي يرى أ ّن له فيه أسوة‬
‫إذا اقتدى وكان يف مثل حاله(((‪.‬‬
‫فمعنى القدوة إذا ً‪ ،‬أن يحذو فالن حذو آخر‪ ،‬فهو يقتدي به‪،‬‬
‫يتأس به؛ أي يتّخذه أسوة‪ ،‬فيصريان‬ ‫وأ ّن الذي يقتدي بأمرك فهو ّ‬
‫يف الحال سواء‪ ،‬والقدوة واألسوة يف معرض واحد‪.‬‬
‫((( سورة التحريم‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬
‫املخزومي‬
‫ّ‬ ‫اهيدي‪ ،‬أبو عبد الرحمن بن أحمد‪ ،‬العني‪ ،‬تحقيق الدكتور مهدي‪،‬‬ ‫((( الخليل الفر ّ‬
‫والدكتور إبراهيم السام ّرا ّيئ‪ّ ،‬‬
‫مؤسسة دار الهجرة‪ ،‬إيران ‪ -‬قم‪ 1409 ،‬ه‪ ،‬ط ‪ ،2‬ج ‪ ،5‬ص ‪.19‬‬
‫((( املصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.333‬‬

‫‪29‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫ّ‬
‫االقتداء الحق‬
‫حثّ اإلسالم عىل االقتداء باألشخاص والرموز الذين تجتمع فيهم‬
‫معايل الفضائل‪ ،‬ومكارم األخالق؛ وذلك ألنّهم وسيلة فضىل لالتّصال‬
‫قدو ًة يف الحياة الدنيا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أحق بأن يُتَّخذوا‬
‫بالحق‪ ،‬فهم ّ‬ ‫ّ‬
‫َ ۡ َ َ ۡ َ ُ ۡ ۡ َ ٌ َ َ َ ‪((( ٓ ُ َ َ َ َّ َ َ ٰ َ ۡ ٓ ٞ‬‬
‫يقول ‪-‬تعاىل‪ُ ﴿ : -‬قد كنت لكم أسوة حسنة ِف إِبرهِيم وٱلِين معهۥ﴾ ‪،‬‬
‫َ َ ۡ َ َ َ ُ ۡ ۡ ۡ َ ٌ َ َ َ ‪ۡ َ َّ ْ ُ ۡ َ َ َ َ ّ ٞ‬‬
‫ٱلل َوٱلَ ۡو َم ٱٓأۡلخ َِر ۚ ﴾(((‪.‬‬ ‫﴿لقد كن لكم فِي ِهم أسوة حسنة ل ِمن كن يرجوا‬
‫والنبي األعظم‪ P ‬هو خري منوذج لنا يف مجاالت الحياة كلّها؛‬ ‫ّ‬
‫كل من معنويّاته العالية‪ ،‬وصربه واستقامته وصموده وذكائه‬ ‫«فإ ّن ّ ً‬
‫ودرايته وإخالصه وتو ّجهه إىل الله‪ ...‬وعدم خضوعه أمام الصعاب‬
‫ُ‬
‫كل املسلمني»(((‪.‬‬ ‫واملشاكل‪ ،‬منوذج يحتذي به ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َّ ۡ َ ٌ َ َ َ ‪ٞ‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َّ َ ۡ َ َ َ ُ‬
‫قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬لقد كن لكم ِف رسو ِل ٱللِ أسوة حسنة ل ِمن كن‬
‫َ َ َ َ َ َّ َ َ‬ ‫َ ۡ ُ ْ َّ َ ۡ‬
‫ٱلل كث ِٗريا﴾(((‪.‬‬ ‫ٱلل َوٱلَ ۡو َم ٱٓأۡلخِر وذكر‬ ‫يرجوا‬
‫كل‬ ‫«فإنّه‪  ‬أسمى مقتدى‪ ،‬وأحسن أسوة للمؤمنني يف ّ‬ ‫‪P‬‬
‫امليادين‪ ...‬فإنّكم تستطيعون باالقتداء به وات ّباعه أن تصلحوا‬
‫أموركم وتسريوا عىل الرصاط املستقيم»(((‪.‬‬

‫((( سورة املمتحنة‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬


‫((( سورة املمتحنة‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬
‫ازي‪ ،‬الشيخ نارص مكارم‪ ،‬األمثل يف تفسري كتاب الله املنزل‪ ،‬مدرسة اإلمام ع ّ‬
‫يل بن أيب‬ ‫((( الشري ّ‬
‫طالب‪ ،‬إيران ‪ -‬قم‪1426 ،‬هـ‪ ،‬ط‪ ،1‬ج‪ ،13‬ص‪.197‬‬
‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬
‫ازي‪ ،‬األمثل يف تفسري كتاب الله املنزل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.198‬‬
‫((( الشيخ نارص مكارم الشري ّ‬
‫‪30‬‬
‫ةرسألا ةايح يف اهرودو ةودقلا ‪:‬ةثلاثلا ةظعوملا‬

‫وأيضاً يجب اتّباع أهل البيت ‪ R‬واالقتداء بهم بعد رسول‬


‫الله‪P ‬؛ فهم وعاء الس ّنة والرصاط املستقيم وعدل القرآن الكريم‪.‬‬
‫لعمر‬
‫النبي‪ P ‬يقول ّ‬ ‫األنصاري قال‪ :‬سمعت ّ‬ ‫ّ‬ ‫عن أيب أيّوب‬
‫عمر‪ ،‬إذا رأيت عل ّياً سلك وادياً‪ ،‬وسلك الناس‬
‫بن يارس‪ ...« :‬يا ّ‬
‫يل ودع الناس؛ إنّه لن يدليك يف ردى‪،‬‬ ‫وادياً غريه‪ ،‬فاسلك مع ع ّ‬
‫ولن يخرجك من الهدى‪. »...‬‬
‫(((‬

‫األب قدوة‬
‫ميثّل األبوان‪ ،‬وال سيّام الوالد‪ ،‬أمثولة للولد‪ ،‬وقدوة تقتدى‪،‬‬
‫كل ما يأتيه من فعل أو قول‪ .‬لذلك‪ ،‬كان ال ب ّد من ال ّرحمة‬ ‫يف ّ‬
‫بالنفس‪ ،‬والرفق بالولد‪ .‬فإذا كان الرجل حريصاً عىل عاقبة أوالده‪،‬‬
‫فَل ُ ِْي أوالده ما يعينهم يف الدنيا عىل آخرتهم‪.‬‬
‫فعن أمري املؤمنني‪« :Q ‬علّموا أنفسكم وأهليكم الخري‪،‬‬
‫وأ ّدبوهم»(((‪.‬‬
‫وعن اإلمام زين العابدين‪ Q ‬يف حقوق األبناء‪« :‬وأ ّما حقّ ولدك‪،‬‬
‫رشه‪ ،‬وأنّك‬
‫فأن تعلم أنّه منك‪ ،‬ومضاف إليك يف عاجل الدنيا بخريه و ّ‬
‫وجل‪،-‬‬
‫عم ول ّيته به من حسن األدب‪ ،‬والداللة عىل ربّه ‪-‬ع ّز ّ‬ ‫مسؤول ّ‬
‫املجليس‪ّ ،‬‬
‫العلمة مح ّمد باقر بن مح ّمد تقي‪ ،‬بحار األنوار الجامعة لدرر أخبار األ ّمئة األطهار‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫(((‬
‫مؤسسة الوفاء‪ ،‬لبنان ‪ -‬بريوت‪1403 ،‬هـ ‪1983 -‬م‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪ ،38‬ص‪.32‬‬ ‫ّ‬
‫السيوطي‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن بن أيب بكر‪ ،‬الدر املنثور يف التفسري باملأثور‪ ،‬دار املعرفة‬
‫ّ‬ ‫(((‬
‫للطباعة والنرش‪ ،‬لبنان ‪ -‬بريوت‪ ،‬ال‪.‬ت‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.244‬‬

‫‪31‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫ثاب عىل‬
‫واملعونة له عىل طاعته؛ فاعمل يف أمره عمل من يعلم أنّه ُم ٌ‬
‫اإلحسان إليه‪ُ ،‬معا َق ٌب عىل اإلساءة إليه»(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫كيف يؤثر اآلباء في أبنائهم؟‬
‫إ ّن أش ّد سبل التأثري يف اآلخر نصحاً وإرشادا ً‪ ،‬وأمرا ً باملعروف‬
‫ونهياً عن املنكر‪ ،‬يكون من خالل السلوك واملواقف والسرية لتلك‬
‫األوامر والنواهي واإلرشادات والنصائح‪.‬‬
‫عن أمري املؤمنني‪ ...« :Q ‬يأمرون بالقسط ويأمترون به‪،‬‬
‫وين َهون عن املنكر ويتنا َهون عنه»(((‪.‬‬
‫وعنه‪ Q ‬أيضاً‪« :‬وان َهوا عن املنكر وتناهوا عنه‪ ،‬فإنّ ا أمرتم‬
‫بالنهي بعد التناهي»(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫مسؤوليات األب ووظائفه‬
‫لكل شجرة مثرة‪ ،‬ومثرة القلب‬
‫عن رسول الله‪« :P ‬إنّ ّ‬
‫ويحب أن تظهر الخصال التي‬
‫ّ‬ ‫الولد»(((؛ لذلك يسعى الرجل‬

‫((( الشيخ الصدوق‪ ،‬األمايل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.454‬‬


‫((( الريض‪ ،‬الس ّيد أبو الحسن مح ّمد بن الحسن املوسوي‪ ،‬نهج البالغة (خطب اإلمام عيل ‪،)Q‬‬
‫تحقيق وتصحيح صبحي الصالح‪ ،‬ال‪.‬ن‪ ،‬لبنان ‪ -‬بريوت‪1387 ،‬هـ ‪1967 -‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.342‬‬
‫((( املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.152‬‬
‫املتقي بن حسام الدين‪ ،‬كنز العامل يف سنن األقوال واألفعال‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫يل‬ ‫ع‬ ‫الدين‬ ‫الهندي‪ ،‬عالء‬
‫ّ‬ ‫((( املتّقي‬
‫مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫ضبط وتفسري الشيخ بكري ح ّياين ‪ -‬تصحيح وفهرسة الشيخ صفوة السقا‪ّ ،‬‬
‫لبنان ‪ -‬بريوت‪1409 ،‬هـ ‪1989 -‬م‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.457‬‬

‫‪32‬‬
‫ةرسألا ةايح يف اهرودو ةودقلا ‪:‬ةثلاثلا ةظعوملا‬

‫يريدها‪ ،‬واآلمال التي يصبو إليها‪ ،‬فيعقد اآلمال فيها عىل ولده‪،‬‬
‫وإذا حصل ذلك فهو من سعادة املرء‪ ،‬فعن اإلمام الباقر‪:Q ‬‬
‫«من سعادة الرجل أن يكون له الولد ُيعرف فيه شبهه؛ َخلْقَه‬
‫و ُخلُقَه وشامئله»(((‪.‬‬
‫وحيث إ ّن لألب دورا ً يف تأمني متطلّبات األرسة املا ّديّة واملعنويّة‬
‫عىل ح ّد سواء‪ ،‬فال ب ّد من النظر ‪-‬ولو قليالً‪ -‬يف تلك الوظائف‬
‫واملسؤول ّيات‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫واألخالقي‬
‫ّ‬ ‫اإليماني‬
‫ّ‬ ‫‪ .1‬البناء‬
‫وحث أهل بيته عىل اإلميان بالله‬ ‫وذلك من خالل تربية أبنائه ّ‬
‫وتقوى الله وااللتزام بطاعته وعبادته‪ ،‬وهو بذلك كغريه من عباد‬
‫الله الذين وجه األمر إليهم بالدعوة َ إىل األمر باملعروف والنهي‬
‫ُ‬ ‫ْ ُ َْ ُ‬ ‫يأ ُّي َها َّٱل َ‬‫عن املنكر‪ ،‬كام يف قوله ‪ -‬تعاىل‪ٰٓ َ ﴿ :-‬‬
‫ِين َء َام ُنوا ق ٓوا أنف َسك ۡم‬
‫‪َّ ٞ‬‬ ‫ُ ۡ َ ٗ َ ُ ُ َ َّ ُ َ ۡ َ َ ُ َ َ ۡ َ َ َ ٰٓ َ ٌ َ ‪ٞ‬‬ ‫َۡ‬
‫لئِكة غِلظ ش َِداد ل‬ ‫َوأهل ِيكم نارا وقودها ٱنلاس وٱل ِجارة عليها م‬
‫َ ۡ ُ َ َّ َ َ ٓ َ َ َ ُ ۡ َ َ ۡ َ ُ َ َ ُ ۡ َ ُ َ‬
‫ون﴾(((‪.‬‬ ‫يعصون ٱلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمر‬
‫ُۡ‬
‫ويف آية أخرى ُوجه الخطاب له مبارشة بقوله ‪-‬تعاىل‪َ ﴿ :-‬وأم ۡر‬
‫َ‬ ‫ٱلصلَ ٰوة ِ َو ۡ‬ ‫ََۡ َ‬
‫ٱص َط ِ ۡب َعل ۡي َهاۖ ﴾(((‪.‬‬ ‫ك ب َّ‬
‫أهل ِ‬

‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.306‬‬


‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫((( سورة التحريم‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬
‫((( سورة طه‪ ،‬اآلية ‪.132‬‬

‫‪33‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫وقد ورد أنّه مل ّا نزلت هذه اآلية‪ ،‬جلس رجل من املسلمني‬


‫يبيك‪ ،‬وقال‪ :‬أنا عجزت عن نفيس‪ ،‬وكُلّفت أهيل! فقال النبي‪:P ‬‬
‫عم تنهى عنه‬
‫«حسبك أن تأمرهم مبا تأمر به نفسك‪ ،‬وتنهاهم ّ‬
‫نفسك»(((‪.‬‬
‫اإلميان أ ّن عىل األب أن يستخدم‬
‫ّ‬ ‫ولنا أن نذكر ضمن البناء‬
‫أسلوب الوعظ واإلرشاد مع أبنائه‪ ،‬وله يف ذلك أسوة حسنة يف ما‬
‫ذكره القرآن الكريم عن لقامن الحكيم كيف كان يخاطب ابنه‪:‬‬
‫َ ُ َ َ ُ ُ َ ُ َ َّ َ ُ ۡ ۡ َّ َّ ّ ۡ َ ُ ۡ‬ ‫ۡ َ َ ُۡ َ ُ ۡ‬
‫ٱلش َك لظل ٌم‬ ‫﴿ِإَوذ قال لقمٰن ِلبنِهِۦ وهو يعِظهۥ يٰبن ل ت ِ‬
‫شك بِٱللِۖ إِن ِ‬
‫َعظ ‪ٞ‬‬
‫ِيم﴾(((‪.‬‬
‫والفكري‬
‫ّ‬ ‫الثقافي‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬البناء‬
‫فإنّ له دوراً بارزاً يف توجيه أفراد أرسته وأوالده عىل مالزمة‬
‫الثقافة وتحديد بوصلة اهتامماتهم الفكر ّية األصيلة‪ ،‬سواء أكان مبا‬
‫يتع ّلق باألمور الدين ّية أم السياس ّية أم غريهام‪.‬‬
‫‪ .3‬تنظيم األوقات وتحديد األولو ّيات‬
‫صحيح أنّ لأل ّم يف ذلك دوراً يف تنظيم وقت األرسة وتحديد‬
‫األولويات التي يسري عليها أفراد األرسة‪ّ ،‬إل أنّ لألب أيضاً دوراً‬

‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.62‬‬


‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫((( سورة لقامن‪ ،‬اآلية ‪.13‬‬

‫‪34‬‬
‫ةرسألا ةايح يف اهرودو ةودقلا ‪:‬ةثلاثلا ةظعوملا‬

‫تكامل ّياً مع األ ّم يف ذلك‪ّ ،‬‬


‫خاصة يف ما يتع ّلق بأوقات الفراغ وكيف ّية‬
‫استغاللها يف صالح األبناء‪.‬‬
‫‪ .4‬المراقبة الحثيثة‬
‫بأن يعمد إىل مراقبة تح ّركات أفراد أرسته وأفعالهم‪ ،‬بشكل‬
‫سلس ومدروس‪ ،‬يف أن يتأ ّمل ألفاظهم وأفعالهم‪ ،‬ويعرف األماكن‬
‫التي يقصدونها وصفات أصدقائهم وما شاكل ذلك‪ ...‬فإذا ما كان‬
‫عىل ّاطالع بها‪ ،‬فإنّه بذلك يستطيع تحديد الصالح لهم من الفاسد‪،‬‬
‫فينهاهم إذا ما كان فاسداً ويدعمهم إذا ما كان صالحاً‪.‬‬
‫‪ .5‬العدالة بين األوالد‬
‫«إن لهم عليك من الحقّ أن تعدل‬ ‫عن الرسول األكرم‪ّ :P ‬‬
‫بينهم‪ ،‬كام ّأن لك عليهم من الحقّ أن ي ّربوك»(((‪.‬‬
‫الحب بالقول والفعل‪.‬‬‫وهذه العدالة تشمل مظاهر ّ‬

‫الهندي‪ ،‬كنز العامل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص‪.446‬‬


‫ّ‬ ‫((( املتّقي‬

‫‪35‬‬
‫الموعظة الرابعة‬

‫األسرة‪ ،‬مخاطر وتهديدات‬

‫محاور الموعظة‬

‫‪1.1‬األسرة نواة المجتمع‬


‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪2.2‬األسرة بين اإلسالم والثقافة المادية‬
‫‪3.3‬المخاطر والتهديدات‬
‫هدف الموعظة‬

‫بيان أه ّم ّية األرسة يف املجتمع‪ ،‬وإظهار املخطر والتهديدات‪،‬‬


‫وسبل املعالجة‪.‬‬ ‫ُ‬

‫تصدير الموعظة‬
‫ُ َۡ‬ ‫ْ ُ ْ َ ُ‬ ‫َ َ‬
‫اس‬
‫ُ ۡ َ ٗ َُ ُ‬
‫ود َها ٱنلَّ ُ‬ ‫يأ ُّي َها َّٱل َ‬
‫ِين َء َام ُنوا ق ٓوا أنف َسك ۡم َوأهل ِيكم نارا وق‬ ‫﴿ ٰٓ‬
‫َ ۡ َ َ ُ َ َ ۡ َ َ َ ٰٓ َ ٌ َ ‪َ ُ َ ۡ َ َ ۡ ُ َ َ َ ٓ َ َ َّ َ ُ ۡ َ َّ ٞ َ ٞ‬‬
‫وٱل ِجارة عليها ملئِكة غِلظ شِداد ل يعصون ٱلل ما أمرهم ويفعلون‬
‫َ ُۡ َُ َ‬
‫ون﴾(((‪.‬‬ ‫ما يؤمر‬

‫األسرة نواة المجتمع‬


‫تشكّل األرسة وحد ًة اجتامعيّ ًة كاملة‪ ،‬وهي متثّل صورة حيّة‬
‫وواقع ّية للمجتمع‪ .‬وينبغي أن تكون العالقات بني أفراد األرسة‬
‫األوثق واألقوى يف املجتمع؛ وذلك بالنظر إىل الروابط ال َّرحميّة‬
‫القامئة بينهم‪ ،‬فهي عالقات بني الزوجني‪ ،‬وبني األم وأبنائها‪ ،‬وبني‬
‫األب وأبنائه‪ ،‬وبني األبناء اإلخوة‪.‬‬
‫شك فيه‪ ،‬أنّه كلّام كانت عالقات أفراد األرسة وثيقة‬ ‫ومم ال ّ‬‫ّ‬
‫وقويّة‪،‬كانت الروابط االجتامعيّة أقوى وأفضل‪ ،‬ملناسبة العالقة‬
‫الطرديّة القامئة بني األرسة وبني املجتمع؛ إذ هي‪-‬أي العالقة‪ -‬ترسي‬

‫((( سورة التحريم‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬

‫‪37‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫من أفراد األرسة الصغرية‪ ،‬إىل األعامم واألخوال واألجداد‪ ،‬والقرابات‬


‫األخرى‪ ،‬وإىل الجريان واألصهار والعالقات السبب ّية الناشئة من‬
‫التفاعالت االجتامعيّة‪.‬‬
‫األسرة بين اإلسالم والثقافة ّ‬
‫الماد ّية‬
‫ال ب ّد يف الحديث عن األرسة‪ ،‬أن نؤكّد أ ّن مث ّة نظرتني تجاه دور‬
‫األرسة ومعاملها‪.‬‬
‫النظرة اإلسالم ّية‪ :‬وهي التي تنظر إىل األرسة عىل أنّها محور‬
‫حركة املجتمع وحضارته وثقافته‪ ،‬وأ ّن العالقات األرسيّة ال ب ّد من أن‬
‫تُبنى عىل التامسك والتكاتف واملح ّبة والعطف والرحمة‪.‬‬
‫النظرة املا ّديّة‪ :‬وهي النظرة الغربيّة القامئة عىل أنانيّة أفراد‬
‫األرسة واستقالل ّيتهم‪ ،‬وعىل إشباع الغريزة بجعلها أمرا ً أساس ّياً‬
‫وأصيالً يف منظومة عالقة اإلنسان باآلخر!‬
‫وإ ّن بني هاتني النظرتني بوناً شاسعاً كام هو واضح‪.‬‬
‫المخاطر والتهديدات‬
‫والحضاري‬
‫ّ‬ ‫واالقتصادي‬
‫ّ‬ ‫والتكنولوجي‬
‫ّ‬ ‫الصناعي‬
‫ّ‬ ‫إ ّن التط ّور‬
‫يات‬‫غي أساليب املعيشة يف أكرث بقاع العامل‪ ،‬حمل معه تح ّد ٍ‬ ‫الذي َّ‬
‫يف غاية الخطورة‪ ،‬ته ِّدد بناء األرسة املسلمة‪ ،‬وتستهدف أسسها‬
‫وروابطها ووظائفها‪ ،‬وأه ّم هذه التح ّديات‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫الموعظة الرابعة‪ :‬األسرة‪ ، ‬مخاطر وتهديدات‬

‫أ ّو ًال‪ :‬المشاكل االقتصاد ّية‬


‫تُع ّد املشاكل االقتصاديّة من أبرز املخاطر التي ته ّدد كيان‬
‫األرسة‪ ،‬خصوصاً مع ضعف اإلميان والتوكّل عىل الله‪ ،‬وكثريا ً ما‬
‫تؤ ّدي توابع املشاكل االقتصاديّة من شجا ٍر وخالفات وعدم احرتام‬
‫إىل حدوث الطالق‪ ،‬وينبغي االلتفات يف بناء األرسة وإدارتها إىل‬
‫أمرين ها ّمني‪:‬‬
‫‪ .1‬االقتصاد وحسن التدبري‬
‫َ َّ َ َ ٓ َ َ ُ ْ َ‬
‫ِين إِذا أنفقوا ل ۡم‬
‫﴿وٱل‬
‫قال ‪-‬تعاىل‪ -‬يف وصف عباد الرحامن‪:‬‬
‫ْ َ‬ ‫ُۡ ْ َ‬
‫سفُوا َول ۡم َي ۡق ُ ُتوا َوك َن َب ۡ َي َذٰل َِك قَ َو ٗاما﴾(((‪.‬‬
‫ي ِ‬
‫وعن اإلمــام الصادق‪« :Q ‬ضمنت ملن اقتصد أن ال‬
‫يفتقر»(((‪.‬‬
‫‪ .2‬عاقبة سوء التدبري‬
‫ُ َّ‬ ‫ُۡ ًَ َ ُ َ َ َ‬ ‫َ َۡ ۡ‬
‫قال ‪-‬تعاىل‪َ ﴿ :-‬ول ت َعل يَ َد َك َمغلولة إ ِ ٰل ع ُنقِك َول ت ۡب ُس ۡط َها ك‬
‫ۡ َ ۡ َ َ ۡ ُ َ َ ُ ٗ َّ ۡ‬
‫م ُس ً‬
‫ورا﴾(((‪.‬‬ ‫ٱلبس ِط فتقعد ملوما‬
‫الغربي‬
‫ّ‬ ‫االجتماعي‬
‫ّ‬ ‫ثانياً‪ :‬النمط‬
‫تتخل عن منطها املعهود‪،‬‬
‫فقد بدأت الكثري من األرس املسلمة ّ‬

‫((( سورة الفرقان‪ ،‬اآلية ‪.67‬‬


‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.53‬‬
‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫((( سورة اإلرساء‪ ،‬اآلية ‪.29‬‬

‫‪39‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫وتغرق يف أسلوب الحياة املستورد‪ ،‬والذي يق ّدمه بعض اإلعالم‬


‫االجتامعي عىل أنّه النموذج الصحيح‪ ،‬ومن أبرز‬
‫ّ‬ ‫ووسائل التواصل‬
‫معامل هذا النمط‪:‬‬
‫‪ .1‬ثقافة االستقالل ّية‬
‫يف الوقت الذي نرى فيه اإلسالم يدعو إىل توحيد األرسة ومتاسكها‬
‫والتزامها بالضوابط األخالق ّية والعباديّة والعاطف ّية‪ ،‬نجد أ ّن مث ّة‬
‫دعوات رصيحة ومبطّنة إىل إرساء ثقافة االستقالل ّية ألفراد األرسة‪،‬‬
‫حتّى يشعر الفرد بأنّه مستغنٍ ع ّمن حوله استغنا ًء تا ّماً‪ ،‬األمر الذي‬
‫يجعل األرسة مفكّكةً‪ ،‬ويؤ ّدي إىل التحلّل من املسؤول ّيات امللقاة‬
‫عىل اإلنسان تجاه أفراد أرسته‪.‬‬
‫ّ َ ُ َ َّ ٰ ُ َ َ َ ّ‬
‫ٱلن َِسآءِ ب َما فَ َّض َل َّ ُ‬
‫ٱلل َب ۡع َض ُهمۡ‬
‫ِ‬ ‫ٱلرجال قومون ع‬ ‫يقول ‪-‬تعاىل‪ِ ﴿ :-‬‬
‫َ َٰ‬
‫ع َب ۡع ٖض﴾(((‪.‬‬
‫وكل را ٍع مسؤول عن‬ ‫وعنه‪« :P ‬الرجل را ٍع عىل أهل بيته‪ّ ،‬‬
‫رع ّيته‪ ،‬واملرأة راعية عىل مال زوجها‪ ،‬ومسؤولة عنه»(((‪.‬‬
‫‪ .2‬استقالل ّية املرأة‬
‫وإ ّن أخطر النامذج يف هذا الشأن ما يعملون عليه تجاه املرأة‪،‬‬

‫((( سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬


‫((( اإلحسا ّيئ‪ ،‬ابن أيب جمهور‪ ،‬عوايل اللئايل العزيز ّية يف األحاديث الدين ّية‪ ،‬تقديم الس ّيد شهاب‬
‫النجفي املرعيشّ ‪ ،‬تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقي‪ ،‬ال‪.‬ن‪ ،‬ال‪.‬م‪1403 ،‬هـ ‪1983 -‬م‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الدين‬
‫ط‪ ،1‬ج‪ ،1‬ص‪.255‬‬

‫‪40‬‬
‫الموعظة الرابعة‪ :‬األسرة‪ ، ‬مخاطر وتهديدات‬

‫حيث يزداد عندها الشعور باالستقالليّة واالستغناء حتّى عن‬


‫زوجها ووالديها‪ ،‬وأنّها قادرة عىل العمل واإلنتاج والحركة دون‬
‫استنادها إىل أحد‪ ،‬ما يزرع يف داخلها ‪-‬إن مل تكن عىل ب ّينة من أمر‬
‫دينها وأخالقها‪ -‬الشعور بح ّريّتها التا ّمة عىل جميع األصعدة‪ ،‬حتّى‬
‫ينتج عن ذلك الكثري من املشكالت االجتامعيّة‪ ،‬بل واألخالقيّة‪.‬‬
‫‪ .3‬ثقافة إشباع الغريزة‬
‫مث ّة ترويج ضخم لثقافة إشباع الغريزة‪ ،‬وتصويرها عىل أنّها أمر‬
‫يحق للمرء إشباعها بأيّة وسيلة وبأيّة طريقة‪ ،‬حتّى كاد‬ ‫مق ّدس ّ‬
‫أي ضابطة أخالقيّة أو‬ ‫ذلك يكون مركوزا ً يف أذهان الكثريين دون ّ‬
‫رشع ّية! فال ه ّم لهؤالء إلّ إشباع تلك الغريزة مهام كانت الوسيلة‪،‬‬
‫تحت عنوان وشعار الحريّة الجنس ّية!‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ج ِه ۡم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حٰفِظون ‪ 5‬إل ٰٓ ۡ َ‬‫ُ‬ ‫يقول ‪-‬تعاىل‪َ ﴿ :-‬و َّٱل َ‬
‫ِين ُه ۡم ل ُِف ُروجه ۡم َ‬
‫ع أزو ٰ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ََ ََٰۡ ٓ َ َ‬
‫غ َو َرا َء ذٰل ِك‬ ‫ِني ‪ 6‬فم ِن ٱبت‬ ‫ت َأيۡ َم ٰ ُن ُه ۡم فَإ َّن ُه ۡم َغ ۡ ُ‬
‫ي َملُوم َ‬ ‫َۡ َ َ َ َ‬
‫ك ۡ‬ ‫أو ما مل‬
‫ِ‬
‫َ ْ َ ٰٓ َ ُ ُ ۡ َ ُ َ (((‬
‫ُ‬
‫فأولئِك هم ٱلعادون﴾ ‪.‬‬
‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫‪ .4‬التحلّل‬
‫األخالقي‪ ،‬وضياع‬
‫ّ‬ ‫تصب يف صالح االبتذال‬ ‫ّ‬ ‫بل نجد دعوات‬
‫القيم اإلنسانيّة‪ ،‬كدعم العالقات املثليّة الشاذّة‪ ،‬وتسويغ العالقات‬

‫((( سورة املؤمنون‪ ،‬اآليات ‪.7-5‬‬

‫‪41‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫الزوجي‪ ،‬وكذلك نرش ثقافة اإلباحيّة بعنوان‬


‫ّ‬ ‫الجنسيّة خارج اإلطار‬
‫الص ّحة الجنس ّية‪.‬‬
‫‪ .5‬اإلجهاض‪ ،‬من مفردات الدعوات الشيطان ّية‬
‫مث ّة دعوات خطرية للغاية‪ ،‬وهي تلك الدعوات التي تطالب‬
‫بالسامح باإلجهاض لدى الحامل مهام كان سبب الحمل‪ ،‬سواء‬
‫أكانت متز ّوج ًة أم غري متز ّوجة‪ ،‬وأن ال تُج ّرم أمام قوانني الدول‪،‬‬
‫وهذا بنفسه يعطي دافعاً للعالقات املح ّرمة‪ ،‬ما يجعل األرسة يف‬
‫حالة من الخطر الجسيم‪.‬‬
‫العاطفي‬
‫ّ‬ ‫ثالثاً‪ :‬اإلهمال‬
‫يتست األزواج عليها‪ ،‬وتعترب‬
‫ّ‬ ‫وهي من أه ّم املشاكل التي‬
‫أكرث أسباب الخالف بني الزوجني‪ ،‬عىل الرغم من أ ّن الروايات‬
‫أضفت عىل هذه العالقة أجوا ًء روح ّيةً‪ ،‬وجعلت فيها رضا الله‬
‫‪-‬تعاىل‪.-‬‬
‫عن رسول الله‪« :P ‬أما أنّه إذا أقبل اكتنفه ملكان‪ ،‬وكان‬
‫تحات عنه الذنوب‪،‬‬
‫كالشاهر سيفه يف سبيل الله‪ ،‬فإذا هو جامع ّ‬
‫تتحات ورق الشجر‪ ،‬فإذا هو اغتسل انسلخ من الذنوب»(((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كام‬

‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.496‬‬


‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬

‫‪42‬‬
‫الموعظة الرابعة‪ :‬األسرة‪ ، ‬مخاطر وتهديدات‬

‫يستحب للرجل االستجابة لزوجته يف هذه العالقة عند‬ ‫ّ‬ ‫لذا‪،‬‬


‫ميلها إىل ذلك‪ ،‬بل إ ّن بعض املراجع قد جعل تلبية الرجل للمرأة‬
‫عند طلبها يف حاالت حرجها أو خوفها من الوقوع يف الحرام واجباً‬
‫عىل األحوط‪ ،‬من دون تحديد ذلك مب ّدة زمن ّية‪ ،‬وإن كان الوجوب‬
‫كحق قانو ٍّين له‪،‬‬
‫كل أربعة أشهر ٍّ‬ ‫الرشعي واضحاً يف تلبية املرأة ّ‬
‫ّ‬
‫برصف النظر عن حرجها أو ما شاكل‪.‬‬
‫ويف املقابل أوجب اإلسالم عىل املرأة أن تستجيب لزوجها يف‬
‫رشعي له‪ ،‬فعن رسول الله‪« :P ‬إذا‬ ‫ٍّ‬ ‫كحق‬
‫الخاصة ٍّ‬
‫ّ‬ ‫طلبه العالقة‬
‫الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأتِه‪ ،‬وإن كانت عىل الت ُّنور» ‪.‬‬
‫(((‬

‫ويف الختام تنبي ٌه ها ّم من اإلمام الصادق‪« :Q ‬قال رسول‬


‫فليأت أهله؛ فإنّ‬ ‫ِ‬ ‫الله‪ :P ‬إذا نظر أحدكم إىل املرأة الحسناء‬
‫الذي معها مثل الذي مع تلك‪ ،‬فقام رجل‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول الله‪،‬‬
‫فإن مل يكن له أهل فام يصنع؟ قال‪« :‬فلريفع نظره إىل السامء‬
‫ولرياقبه وليسأله من فضله»(((‪.‬‬

‫الرتمذي‪ ،‬أبو عيىس مح ّمد بن عيىس بن سورة‪ ،‬الجامع الصحيح (سنن الرتمذي)‪ ،‬تحقيق‬
‫ّ‬ ‫(((‬
‫الوهاب عبد اللطيف‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬لبنان ‪ -‬بريوت‪،‬‬
‫وتصحيح عبد ّ‬
‫‪1403‬هـ ‪1983 -‬م‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪ ،2‬ص‪.314‬‬
‫((( الح ّر العام ّ‬
‫يل‪ ،‬وسائل الشيعة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.105‬‬

‫‪43‬‬
‫الموعظة الخامسة‬

‫ّ‬
‫الرؤية اإلسالمية في تربية الفتاة‬

‫محاور الموعظة‬

‫‪1.1‬ميزة الفتيات في اإلسالم‬


‫ّ‬
‫اإلسالمية في تربية الفتيات‬ ‫‪2.2‬الرؤية‬
‫‪3.3‬التربية على العفاف‬
‫هدف الموعظة‬

‫اإلسالمي يف تربية الفتيات‪ ،‬والحثّ عىل‬


‫ّ‬ ‫تع ّرف نظر ِة الدين‬
‫العفّة‪.‬‬

‫تصدير الموعظة‬

‫عن اإلمام الصادق‪« :Q ‬البنون نعيم‪ ،‬والبنات حسنات‪،‬‬


‫والله يسأل عن النعيم ويثيب عىل الحسنات»(((‪.‬‬
‫ميزة الفتيات في اإلسالم‬
‫خاصاً وعناي ًة بارزة بالفتيات؛ وذلك ملا له ّن‬
‫أوىل اإلسالم اهتامماً ّ‬
‫وحساسة وتكاليف ُملقاة عىل عاتقه ّن يف املستقبل‪.‬‬ ‫من أدوار مه ّمة ّ‬
‫فالفتيات سوف يتع ّهدن تربية جي ٍل شجاع صادق مؤمن‪ ،‬وسي ُك ّن َ‬
‫أساس‬
‫وأساس السكون والهدوء يف نظام الحياة‪.‬‬
‫َ‬ ‫العائلة وركنها‬
‫وقد ُجعلت للفتيات امتيازاتٌ أكرث من امتيازات الفتية كام‬
‫يظهر يف الروايات‪.‬‬
‫بيت فيه البنات ّإل نزلت ّكل يوم‬ ‫فعن رسول الله‪« :P ‬ما من ٍ‬
‫عليه اثنتا عرشة بركة ورحمة من السامء‪ ،‬وال ينقطع زيارة املالئكة من‬
‫ذلك البيت؛ يكتبون ألبيهم ّكل يوم وليلة عبادة سنة»(((‪.‬‬
‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.7‬‬
‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫النوري‪ ،‬مستدرك الوسائل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،15‬ص‪.116‬‬
‫ّ‬ ‫((( املريزا‬

‫‪45‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫وعنه‪« :P ‬نِ ْع َم الولد البنات املخدَّ رات؛ من كانت عنده‬


‫واحدة جعلها الله سرتاً من ال ّنار‪ ،‬ومن كانت عنده اثنتان أدخله‬
‫الله بها الج ّنة‪ ،‬ومن يكن له ثالث أو مثله ّن من األخوات وضع‬
‫والصدق ُة»(((‪.‬‬
‫عنه الجهاد ّ‬
‫وعن أمري املؤمنني‪« :Q ‬كان رسول الله‪ P ‬إذا بُ ّش‬
‫بجاري ٍة قال‪ :‬ريحانة‪ ،‬ورزقها عىل الله ‪-‬ع ّز ّ‬
‫وجل‪.(((»-‬‬
‫ّ‬
‫اإلسالمية في تربية الفتاة‬ ‫الرؤية‬
‫لقد جاء اإلسالم بنظر ٍة مخالف ٍة ملا كانت عليه الجاهليّة تجاه‬
‫الفتاة واملرأة بشكلٍ عام‪ ،‬حيث كانت النظرة األساس لها قامئة‬
‫عىل اعتبارها موطناً إلشباع الغرائز والشهوات؛ ولذا كانت القبائل‬
‫الضعيفة ترى البنات مجلب ًة للعار‪ ،‬فكانوا يعمدون إىل وأد فتياتهم‪،‬‬
‫ويف ذلك يص ّور القرآن الكريم حال اإلنسان آنذاك عندما تولد له‬
‫أنثى‪ ،‬يقول ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫نث َظ َّل َو ۡج ُه ُهۥ ُم ۡس َو ّٗدا َو ُه َو َكظ ‪ٞ‬‬ ‫ُۡ‬ ‫َ ُّ َ‬
‫ى‬‫ِيم ‪َ 58‬ي َت َو ٰ َر ٰ‬ ‫ش أ َح ُد ُهم بِٱل َ ٰ‬
‫﴿ِإَوذا ب ِ َ‬
‫اب‬ ‫ُّ َ‬ ‫ع ُه َ ۡ َ ُ ُّ ُ‬ ‫ُ ٓ َ ُّ َ ٓ َُ ۡ ُ‬
‫ِك ُهۥ َ َ ٰ‬ ‫َۡ‬
‫م َِن ٱلق ۡو ِم مِن سوءِ ما ب ِش بِهِۚۦ أيمس‬
‫ون أم يدسهۥ ِف ٱلت ِ ۗ‬ ‫ٍ‬
‫ََ َ َٓ َ َۡ ُ ُ َ‬
‫ون﴾(((‪.‬‬ ‫أل ساء ما يكم‬

‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،101‬ص‪.91‬‬


‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬
‫((( املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.98-97‬‬
‫((( سورة النحل‪ ،‬اآليتان ‪.59-58‬‬

‫‪46‬‬
‫تفلا ةيبرت يف ةّيمالسإلا ةيؤرلا ‪:‬ةسماخلا ةظعوملا‬

‫خاصة‬
‫أ ّما يف الرؤية اإلسالميّة فالفتيات يتمتّعن بامتيازات ّ‬
‫وتفضيل واضح؛ إذ ذُكرن يف الروايات عىل أنّه ّن أفضل من األبناء‪،‬‬
‫فعن رسول الله‪« :P ‬خري أوالدكم البنات»(((‪.‬‬
‫وعن اإلمام الصادق‪« :Q ‬البنات حسنات‪ ،‬والبنون نعمة؛‬
‫فالحسنات يُثاب عليها‪ ،‬وال ِنعم يُسأل عنها»(((‪.‬‬
‫ومن الخطوات التي رسمها اإلسالم يف عمل ّية حفظ الفتاة‬
‫وتبي مدى اهتاممه بها‪ ،‬ما يأيت‪:‬‬
‫وتربيتها‪ّ ،‬‬
‫‪ .1‬إنقاذها من ظلم المجتمع‬
‫جاء اإلسالم فقىض عىل كافّة أشكال ظلم الفتاة‪ ،‬ومل يكن‬
‫ذلك ر ّدة فعل ملا حصل يف الجاهلية فقط‪ ،‬بل ملا تشكّله الفتاة يف‬
‫املستقبل من دور ف ّعال وكبري يف بناء املجتمع وصالحه‪ ،‬فهي اليوم‬
‫بنت‪ ،‬وغدا ً زوجة‪ ،‬وبعده أ ّم تريب األجيال القادمة‪.‬‬
‫لذا‪ ،‬نرى بأ ّن الله ‪-‬تعاىل‪ -‬وعد بالحساب واملساءلة يوم القيامة‬
‫حق‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫عىل الظلم الذي كان يقع َ عىل الفتاة دون وجه ّ‬
‫َ‬
‫ۢنب قُتِل ۡت﴾(((‪.‬‬ ‫ّ َ‬ ‫َ َۡ ُۡ َُ ُ َ ۡ‬
‫﴿ِإَوذا ٱلموءۥدة سئِلت ‪ 8‬بِأ ِي ذ ٖ‬
‫‪ .2‬االهتمام بتربيتها تربي ًة صالحة‬
‫لقد اهت ّم اإلسالم برتبية البنات وتعليمه ّن وتثقيفه ّن وتكرميه ّن‬

‫الطربيس‪ ،‬مكارم األخالق‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.219‬‬


‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫((( الشيخ الصدوق‪ ،‬من ال يحرضه الفقيه‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.481‬‬
‫((( سورة التكوير‪ ،‬اآليتان ‪.9-8‬‬

‫‪47‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫وغرس االحرتام يف نفوسه ّن‪ ،‬فذلك من حقوقه ّن عىل الوالدين‪ ،‬فعن‬


‫رسول الله‪« :P ‬من عال ثالث بنات أو ثالث أخوات‪ ،‬وجبت له‬
‫الج ّنة»‪ ،‬فقيل‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬واثنتني؟ قال‪« :‬وإن كانتا اثنتني»‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫يا رسول الله‪ ،‬وواحدة؟ فقال‪« :‬وواحدة»(((‪.‬‬
‫وعنه‪ P ‬أيضاً‪« :‬من كانت له ابنة فأ ّدبها وأحسن أدبها‪،‬‬
‫وعلّمها فأحسن تعليمها‪ ،‬فأوسع عليها من نِ َعم الله التي أسبغ‬
‫عليه‪ ،‬كانت له منعة وسرتاً من النار»(((‪.‬‬
‫‪ .3‬إسعادها والرأفة بها‬
‫ففي الروايات أ ّن الله ‪-‬تعاىل‪ -‬أرحم به ّن من الصبيان‪.‬‬
‫عن رسول الله‪« :P ‬إنّ الله ‪-‬تبارك وتعاىل‪ -‬عىل اإلناث أرأف‬
‫منه عىل الذكور‪ ،‬وما من رجل يُدخل فرح ًة عىل امرأة بينه وبينها‬
‫حرمة‪ّ ،‬إل ف ّرحه الله ‪-‬تعاىل‪ -‬يوم القيامة»(((‪.‬‬
‫‪ .4‬إكرامها وتقديرها‬
‫الحرص عىل احرتام البنات وتقديره ّن وإشعاره ّن باملحبّة‬
‫وباألخص من جانب األب؛ فينبغي له‬
‫ّ‬ ‫واملو ّدة من ِقبل األبوين‪،‬‬
‫أن يراعي عواطفها ومزاجها ويج ّنبها الغضب‪.‬‬

‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.6‬‬


‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫الهندي‪ ،‬كنز العامل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،16‬ص ‪.452‬‬
‫ّ‬ ‫((( املتّقي‬
‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.6‬‬
‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬

‫‪48‬‬
‫تفلا ةيبرت يف ةّيمالسإلا ةيؤرلا ‪:‬ةسماخلا ةظعوملا‬

‫عن رسول الله‪« :P ‬ما أكرم النساء ّإل كريم‪ ،‬وما أهانه ّن‬
‫ّإل لئيم»(((‪.‬‬
‫‪ .5‬مراعاتها واالهتمام بعواطفها‬
‫أكرث ما يتح ّمل ذلك هو األب‪ ،‬فينبغي ّأل يخدش عواطفها‬
‫ويكرس قلبها‪ ،‬وإذا أراد أن يعاقبها فال ب ّد من ات ّخاذ األسلوب الذي‬
‫يج ّنبها األذى واالضطراب املؤ ّدي إىل العقد النفسيّة‪.‬‬
‫عن رسول الله‪« :P ‬نِ ْع َم الولد البنات؛ ملطّفات‪ ،‬مج ّهزات‪،‬‬
‫مؤنِسات‪ ،‬مباركات‪ ،‬مفليات»(((‪.‬‬

‫التربية على العفاف‬


‫العفاف قيم ٌة تربويّة لها أه ّميّة كبري وأثر بالغ يف عمليّة الرتبية‪،‬‬
‫خاصاً‪ ،‬فحثّ عليها وأمر بها يف اآليات‬ ‫وقد أوالها اإلسالم اهتامماً ّ‬
‫والروايات‪ ،‬ويف الحديث ننطلق من محورين‪:‬‬
‫األ ّول‪ :‬النظر يف ما ورد يف الرشيعة اإلسالم ّية يف العفاف‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬النظر يف األسباب التي تؤ ّدي إىل االبتذال‪.‬‬
‫الهندي‪ ،‬كنز العامل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.371‬‬
‫ّ‬ ‫((( املتّقي‬
‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.5‬‬
‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬

‫‪49‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫المحور األ ّول‪ :‬كيف تعاملت الشريعة مع قض ّية التربية على العفاف؟‬
‫مث ّة مجموعة من األصول‪ ،‬وضعتها الرشيعة اإلسالم ّية وحثّت‬
‫عليها‪:‬‬
‫الحث عىل عفّة البطن والفرج‬ ‫‪ّ .1‬‬
‫ع أَ ۡز َوٰجه ۡم أَوۡ‬
‫َّ َ َٰٓ‬ ‫ۡ َٰ ُ َ‬
‫ج ِهم حفِظون ‪ 29‬إِل‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ َ ُ ۡ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬وٱلِين هم ل ِفرو ِ‬ ‫قال‬
‫َ (((‬ ‫َ َ َ َ ۡ َ ۡ َ ٰ ُ ُ ۡ َ َّ ُ ۡ َ ۡ ُ َ ُ‬
‫ما ملكت أيمنهم فإِنهم غي ملومِني﴾ ‪.‬‬
‫«أحب العفاف إىل الله ‪-‬تعاىل‪ -‬عفاف‬ ‫ّ‬ ‫وعن رسول الله‪:P ‬‬
‫البطن والفرج»(((‪.‬‬
‫أعف بطنه وفرجه»(((‪.‬‬ ‫وعن اإلمام عيل‪« :Q ‬إذا أراد الله بعب ٍد خرياً َّ‬
‫وعن اإلمام الباقر‪« :Q ‬ما ُعبد الله بيشء أفضل من عفّة‬
‫بطن وفرج»(((‪.‬‬
‫‪ .2‬الحرص عىل عفّة الجوارح األخرى‬
‫يعف يده ورجله وعينه وأذنه عن الحرام فال تغلبه‬‫املسلم ّ‬
‫يعف نفسه ويحفظ جوارحه‬ ‫كل مسلم أن ّ‬ ‫شهواته‪ ،‬وقد أمر الله ّ‬

‫((( املعارج‪ ،‬اآليتان ‪.30-29‬‬


‫األشرتي‪ ،‬تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام)‪ ،‬دار الكتب‬
‫ّ‬ ‫((( ورام بن أيب فراس املال ّ‬
‫يك‬
‫اإلسالم ّية‪ ،‬إيران ‪ -‬طهران‪1368 ،‬ش‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪ ،2‬ص‪.349‬‬
‫((( التميمي اآلمدي‪ ،‬عبد الواحد بن مح ّمد‪ ،‬غرر الحكم ودرر الكلم‪ ،‬تحقيق وتصحيح الس ّيد مهدي‬
‫اإلسالمي‏‪ ،‬إيران‪ -‬قم‏‪1410 ،‬هـ‪ ،‬ط‪ ،2‬ص‪.289‬‬
‫ّ‬ ‫رجايئ‏‪ ،‬نرش دار الكتاب‬
‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.79‬‬
‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬

‫‪50‬‬
‫تفلا ةيبرت يف ةّيمالسإلا ةيؤرلا ‪:‬ةسماخلا ةظعوملا‬

‫عن الحرام‪.‬‬
‫َ ً َ َّ ٰ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫ََۡ ۡ َۡ‬
‫ت ُيغن َِي ُه ُم‬ ‫ي ُدون ن ِكاحا ح‬
‫قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬وليستعف ِِف ٱلِين ل ِ‬
‫ٱلل مِن فَ ۡضلِهِۗۦ﴾(((‪.‬‬
‫َّ ُ‬
‫وح َّرم اإلسالم النظر إىل املرأة األجنب ّية‪ ،‬وأمر الله املسلمني أن يغضّ وا‬
‫وج ُه ۡ ۚم﴾(((‪،‬‬‫ِني َي ُغ ُّضوا ْ م ِۡن َأبۡ َصٰره ِۡم َو َي ۡح َف ُظوا ْ فُ ُر َ‬
‫أبصارهم‪ ،‬فقال‪﴿ :‬قُل ّل ِۡل ُم ۡؤ ِمن َ‬
‫ِ‬
‫وج ُه َّن﴾(((‪.‬‬ ‫﴿ َوقُل ّل ِۡل ُم ۡؤم َِنٰت َي ۡغ ُض ۡض َن م ِۡن َأبۡ َصٰره َِّن َو َي ۡح َف ۡظ َن فُ ُر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحث عىل السرت‬ ‫‪ّ .3‬‬
‫رسته إىل ركبتيه‪ ،‬وعىل املسلمة أن‬ ‫فعىل املسلم أن يسرت ما بني ّ‬
‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬
‫َ َ‬
‫ضب َن‬‫تلتزم بالحجاب؛ أل ّن شيمتها العفّة والوقار‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ول ِ‬
‫ُ ُ َّ َ َ ٰ ُ ُ َّ ((( َ ٰٓ َ ُّ َ َّ ُّ ُ َّ ۡ َ َ َ َ َ َ َ َ ٓ‬
‫جك وبنات ِك ون ِساءِ‬ ‫ب قل ِلزو ٰ ِ‬ ‫ِبم ِرهِن ع جيوب ِ ِهنۖ﴾ ‪﴿ ،‬يأيها ٱنل ِ‬
‫ِني َعلَ ۡيه َّن مِن َج َلٰبيبه َّن َذٰل َِك أَ ۡد َ ٰٓ َ ُ ۡ ۡ َ َ ُ ۡ َ ۡ‬ ‫ٱل ۡ ُم ۡؤ ِمن َ‬
‫ِني يُ ۡدن َ‬
‫ن أن يع َرف َن فل يؤذي َنۗ‬ ‫ِ ِِ ۚ‬ ‫ِ‬
‫َو َك َن َّ ُ‬
‫ٱلل َغ ُف ٗورا َّرح ِٗيما﴾(((‪.‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬نظرة في األسباب‬
‫يتحل بها من أراد السمو‬
‫العفّة هي برنامج حياة‪ ،‬يجب أن ّ‬

‫((( سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬


‫((( سورة النـور‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬
‫((( سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.31‬‬
‫((( سورة النور‪ ،‬اآلية ‪.31‬‬
‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.59‬‬

‫‪51‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫واملروءة‪ ،‬وإ ّن من أه ّم أسباب متاسك املجتمعات واألرس هو تربية‬


‫املجتمع عىل العفّة القويّة الراسخة‪ ،‬ومن أه ّم أسباب تفكّك‬
‫املجتمعات واألرس‪ ،‬هو ضعف العفّة وعدم الرتبية عليها‪ ،‬وكرثة‬
‫االبتذال‪ ،‬والتحلّل من القيود والضوابط الدين ّية‪.‬‬
‫ومن أه ّم األسباب التي تــؤ ّدي إىل االبتذال وعدم وجود‬
‫العفاف‪ ،‬والتي يجب أن نلتفت إليها‪ ،‬ما يأيت‪:‬‬
‫‪ .1‬وسائل اإلعالم املرئ ّية واملسموعة‪ ،‬وما تق ّدمه من سموم‬
‫عرب شاشاتها وبرامجها املختلفة‪.‬‬
‫املوجهة إىل املرأة‪ ،‬وذلك بالدعوة إىل‬ ‫‪ .2‬حملة اإلفساد ّ‬
‫الت ّربج والسفور‪ ،‬وترك الحجاب‪.‬‬
‫‪ .3‬اعتامد جسد املرأة كوسيلة إعالن ّية وتجار ّية لإلغراء‬
‫واإلثارة‪.‬‬
‫‪ .4‬تأخّ ر الزواج عند الفتيات والشباب‪ ،‬بسبب صعوبة‬
‫املعيشة وارتفاع املهور‪.‬‬
‫‪ .5‬ق ّلة الورع‪ ،‬وق ّلة األمانة‪ ،‬وعدم املباالة بالحالل والحرام‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫الموعظة السادسة‬

‫ٌّ‬
‫‪L‬‬ ‫علي وفاطمة‬
‫ّ‬
‫النموذج األمثل للحياة الزوجية‬

‫محاور الموعظة‬

‫‪1.1‬فاطمة كمال القدوة واألسوة‬


‫‪ّ 2.2‬‬
‫قصة زواج النورين‬
‫‪3.3‬مهر الزهراء ‪ O‬وزفافها‬
‫ّ‬
‫الزوجية تعاون وإيثار‬ ‫‪4.4‬الحياة‬
‫‪5.5‬هكذا تكون الزوجة‬
‫هدف الموعظة‬

‫املؤمنني‪Q ‬‬ ‫تع ّرف الحيا ِة الزوج ّية النموذج ّية ألمري‬


‫والس ّيدة الزهراء ‪ ،O‬واالقتداء بهام‪.‬‬

‫تصدير الموعظة‬

‫وجل‪ -‬قد‬
‫يل؛ فإنّ الله ‪-‬ع ّز ّ‬
‫رشك يا ع ّ‬‫عن رسول الله‪« :P ‬أب ّ‬
‫ز ّوجكها يف السامء من قبل أن أز ّوجكها يف األرض»(((‪.‬‬
‫فاطمة كمال القدوة واألسوة‬
‫الس ّي بذكر جوانب الكامل والقدوة‬ ‫تضافرت الروايات وأخبار ِ‬
‫يف شخصيّة سيّدة نساء العاملني فاطمة بنت مح ّمد ‪ ،O‬ويكفي‬
‫للداللة والشهادة عىل ذلك ما ورد عن رسول الله‪« :P ‬يا فاطمة‪،‬‬
‫أال ترضني أن تكوين س ّيدة نساء هذه األ ّمة أو نساء املؤمنني»(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫قصة زواج النورين‬
‫يل ‪ ،L‬أ ّن‬ ‫قصة زواج السيّدة الزهراء من اإلمام ع ّ‬
‫ورد يف ّ‬
‫اإلمام‪ Q ‬جاء إىل رسول الله‪ P ‬وهو يف منزل أُ ّم سلمة‪،‬‬

‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،43‬ص‪.127‬‬


‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬
‫((( الشيخ الصدوق‪ ،‬األمايل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.692‬‬

‫‪54‬‬
‫الزوجية‬
‫ّ‬ ‫علي وفاطمة ‪ ،L‬النموذج األمثل للحياة‬
‫ٌّ‬ ‫الموعظة السادسة‪:‬‬

‫النبي‪« :P ‬أتَ ْي َت‬


‫ّ‬ ‫فسلّم عليه‪ ،‬وجلس بني يديه‪ ،‬فقال له‬
‫لِحا َجة؟»‪ ،‬فقال اإلمام‪ Q ‬بعد كالم طويل‪ ...« :‬وقد أت ُ‬
‫َيت‬
‫أنت ُمز ِّوجي؟»‪.‬‬ ‫خاطباً ابنتك فاطمة‪ْ ،‬‬
‫فهل َ‬
‫قالت أ ّم سلمة‪ :‬فرأيت وجه رسول الله‪ P ‬يتهلّل فرحاً‬
‫ورسورا ً(((‪.‬‬
‫يل بن أيب‬ ‫النبي‪ P ‬قال لفاطمة ‪« :O‬إنّ ع ّ‬ ‫و ُروي أ ّن ّ‬
‫وإن سألت‬ ‫طالب م ّمن قد عرفت قرابته وفضله من اإلسالم‪ّ ،‬‬
‫رب أن يز ّوجك خري خلقه وأح ّبهم إليه‪ ،‬وقد ذكر من أمرك شيئاً‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فام ت َرين؟»‪ ،‬فسكتت‪ ،‬فخرج رسول الله‪ ،‬وهو يقول‪« :‬الله أكرب!‬
‫سكوتها إقرارها»(((‪.‬‬
‫إخبار الناس‬
‫أمر رسول الله‪ P ‬أنس بن مالك أن يجمع الناس ل ُيعلِن عليهم‬
‫فلم اجتمعوا قال‪P ‬‬ ‫يل‪ّ ،Q ‬‬ ‫نبأ تزويج فاطمة من اإلمام ع ّ‬
‫وجل‪ -‬أمرين أن أز ّوج كرميتي فاطمة بأخي‬ ‫لهم‪« :‬وإنّ الله ‪-‬ع ّز ّ‬
‫يل بن أيب طالب‪ ،Q ‬وإنّ الله‬ ‫وابن ع ّمي وأوىل الناس يب ع ّ‬

‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،43‬ص‪.127‬‬


‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬
‫((( ابن شهر آشوب‪ ،‬مشري الدين أبو عبد الله مح ّمد بن عيل‪ ،‬مناقب آل أيب طالب‪ ،‬تصحيح‬
‫ورشح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف األرشف‪ ،‬املكتبة الحيدر ّية‪ ،‬العراق ‪ -‬النجف األرشف‪،‬‬
‫‪1376‬ه ‪1956 -‬م‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.127‬‬

‫‪55‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫قد ز ّوجه يف السامء بشهادة املالئكة‪ ،‬وأمرين أن أز ّوجه وأُشهِدكم‬


‫عىل ذلك»(((‪.‬‬
‫خطبة النبي‪ P ‬عند تزويجهما ‪L‬‬
‫وورد أ ّن رسول الله‪ P ‬خطب يف هذه املناسبة قائالً‪« :‬الحمد‬
‫لله املحمود بنعمته‪ ،‬املعبود بقدرته‪ ،‬املُطاع بسلطانه‪ ،‬املرهوب‬
‫من عذابه‪ ،‬املرغوب إليه يف ما عنده‪ ،‬النافذ أمره يف أرضه وسامئه‪،‬‬
‫الذي خلق الخلق بقدرته‪ ،‬وم ّيزهم بأحكامه‪ ،‬وأع ّزهم بدينه‪،‬‬
‫وأكرمهم بنب ّيه مح ّمد‪.‬‬
‫ثم إنّ الله جعل املصاهرة نسباً الحقاً‪ ،‬وأمراً مفرتضاً‪ّ ،‬‬
‫وشج‬ ‫ّ‬
‫بها األرحام‪ ،‬وألزمها األنام‪ ،‬فقال ‪-‬تبارك اسمه‪ ،‬وتعاىل جدّ ه‪: -‬‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ََ َ َۡٓ ََ ٗ َ َ َ َ‬ ‫ُ َّ‬
‫ج َعل ُهۥ ن َس ٗبا َوصِ ۡه ٗراۗ َوكن َر ُّبك‬ ‫﴿ َوه َو ٱلِي خلق مِن ٱلماءِ بشا ف‬
‫قَد ِٗيرا﴾(((‪.‬‬
‫وإن أشهد ّأن قد‬
‫يل‪ّ ،‬‬ ‫ثم إنّ الله أمرين أن أز ّوج فاطمة من ع ّ‬
‫ّ‬
‫أرضيت؟»‪ ،‬فقال‪:Q ‬‬‫َ‬ ‫ز ّوجتها إ ّياه عىل أربعمئة مثقال فضّ ة‪،‬‬
‫«رضيت يا رسول الله»‪ ،‬ث ّم خ ّر ساجدا ً‪ ،‬فقال رسول الله‪:P ‬‬

‫النوري‪ ،‬مستدرك الوسائل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،14‬ص‪.311‬‬


‫ّ‬ ‫((( املريزا‬
‫((( سورة الفرقان‪ ،‬اآلية ‪.54‬‬

‫‪56‬‬
‫الزوجية‬
‫ّ‬ ‫علي وفاطمة ‪ ،L‬النموذج األمثل للحياة‬
‫ٌّ‬ ‫الموعظة السادسة‪:‬‬

‫«بارك الله عليكام‪ ،‬وبارك فيكام‪ ،‬واسعد جدّكام‪ ،‬وجمع بينكام‪،‬‬


‫وأخرج منكام الكثري الط ّيب»(((‪.‬‬
‫مهر الزهراء ‪O‬‬
‫ُروي يف مهر الس ّيدة الزهراء ‪ O‬أنّه كان بقيمة خمسمئة‬
‫درهم من الفضّ ة؛ وهو القول املشهور‪ ،‬واملعروف مبهر الس ّنة‪ ،‬وقد‬
‫ثبت ذلك من طريق أمئّة أهل البيت‪ ،R ‬والخمسمئة درهم‬
‫تساوي ‪ 250‬مثقاالً من الفضّ ة تقريباً‪.‬‬
‫زفافها‬
‫ومل ّا كانت ليلة الزفاف‪ ،‬أىت‪ ...P ‬وأخذ علياً‪ Q ‬بيمينه‬
‫وفاطمة ‪ O‬بشامله‪ ،‬وض ّمهام إىل صدره‪ ،‬فقبّل ما بني أعينهام‪،‬‬
‫يل‪ ،‬وقال‪« :‬بارك الله لكَ يف ابنة‬
‫وأخذ بيد فاطمة فوضعها يف يد ع ّ‬
‫رسول الله!»‪.‬‬
‫يل‪ ،‬نِ ْعم الزوجة زوجتك!»‪ ،‬وقال‪« :‬يا فاطمة‪،‬‬‫وقال‪« :P ‬يا ع ّ‬
‫نِ ْعم البعل بعلك!»‪ ،‬ث ّم قال لهام‪« :‬اذهبا إىل بيتكام‪ ،‬جمع الله‬
‫بينكام وأصلح بالكام»‪ ،‬وقام مييش بينهام حتّى أدخلهام بيتهام(((‪.‬‬

‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،43‬ص‪.119‬‬


‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬
‫((( املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.96‬‬

‫‪57‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫أثاث بيتهما‬
‫اللي‪ ،‬ونصب‬
‫ج ّهز اإلمام‪ Q ‬داره‪ ،‬وفرش بيته بالرمل ّ‬
‫خشبة من الحائط إىل الحائط لتعليق الثياب عليها‪ ،‬وبسط عىل‬
‫األرض إهاب كبش ومخ َّدة ليف‪.‬‬
‫ّ‬
‫الزوجية تعاون وإيثار‬ ‫الحياة‬
‫ورد أ ّن أمري املؤمنني والس ّيدة فاطمة ‪ L‬كانا يتشاركان‬
‫أعامل املنزل‪ .‬ويف يوم دخل عليهام رسول الله‪ ،P ‬فوجدهام‬
‫النبي‪« :P ‬أيّكام أعيى؟»‪ ،‬فقال‬‫يطحنان يف الجاروش‪ ،‬فقال ّ‬
‫يل‪« :Q ‬فاطمة‪ ،‬يا رسول الله»‪ ،‬فقال‪« :P ‬قومي يا بن ّية»‪،‬‬ ‫ع ّ‬
‫يل‪ ،Q ‬فواساه يف‬ ‫النبي‪ P ‬موضعها مع ع ّ‬ ‫فقامت وجلس ّ‬
‫الحب(((‪.‬‬
‫طحن ّ‬
‫وعن اإلمــام الصادق‪« :Q ‬كــان أمري املؤمنني‪Q ‬‬
‫يحتطب ويستقي ويكنس‪ ،‬وكانت فاطمة ‪ O‬تطحن وتعجن‬
‫وتخبز»(((‪.‬‬
‫ايش‪ ،‬عن اإلمام الباقر‪« :Q ‬إنّ فاطمة‬ ‫وجاء يف تفسري الع ّي ّ‬
‫وقم البيت‪،‬‬ ‫يل‪ Q ‬عمل البيت والعجني والخبز ّ‬ ‫ضمنت لع ّ‬

‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،43‬ص‪.51‬‬


‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬
‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.86‬‬
‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬

‫‪58‬‬
‫الزوجية‬
‫ّ‬ ‫علي وفاطمة ‪ ،L‬النموذج األمثل للحياة‬
‫ٌّ‬ ‫الموعظة السادسة‪:‬‬

‫يل ما كان خلف الباب؛ نقل الحطب وأن يجيء‬ ‫وضمن لها ع ٌ‬
‫بالطعام‪ ،‬فقال لها يوماً‪ :‬يا فاطمة‪ ،‬هل عندك يشء؟ قالت‪ :‬والذي‬
‫عظّم حقّك‪ ،‬ما كان عندنا منذ ثالثة أ ّيام يشء نقريك به‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أفال أخربتِني؟ قالت‪ :‬كان رسول الله‪ P ‬نهاين أن أسألك شيئاً‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ال تسألني ابن ع ّمك شيئاً أن جاءك بيشء [عفو]‪ّ ،‬‬
‫وإل فال‬
‫تسأليه»(((‪.‬‬
‫تضحيات ّ‬
‫السيدة فاطمة أمام أسرتها‬
‫النبي األكرم‪ P ‬تبذل قصارى جهدها‬
‫ّ‬ ‫لقد كانت بنت‬
‫كل‬ ‫إلسعاد أرستها‪ ،‬ومل تستثقل أداء مهام البيت عىل الرغم من ّ‬
‫رق لحالها‬ ‫واملشاق‪ ،‬حتّى أ ّن أمري املؤمنني‪ّ Q ‬‬
‫ّ‬ ‫الصعوبات‬
‫وامتدح صنعها‪ ،‬وقال لرجل من بني سعد‪« :‬أال أحدّ ثك ع ّني وعن‬
‫أحب أهله‪ P ‬إليه‪،‬‬ ‫فاطمة؟ إنّها كانت عندي‪ ،‬وكانت من ّ‬
‫وإنّها استقت بالقربة ح ّتى أثّر يف صدرها‪ ،‬وطحنت بالرحى ح ّتى‬
‫مجلت يداها‪ ،‬وكسحت البيت ح ّتى اغربّت ثيابها‪ ،‬وأوقدت النار‬
‫تحت القدر ح ّتى دكنت ثيابها‪ ،‬فأصابها من ذلك رضر شديد‪،‬‬
‫رض ما ِ‬
‫أنت‬ ‫ِ‬
‫يكفيك ّ‬ ‫أتيت ِ‬
‫أباك‪ ،‬فسألتيه خادماً‬ ‫فقلت لها‪ :‬لو ِ‬
‫ُ‬
‫النبي‪ ،P ‬فوجدت عنده حدّ اثاً‪،‬‬ ‫فيه من هذا العمل‪ ،‬فأتت ّ‬

‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،14‬ص‪.197‬‬


‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬

‫‪59‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫النبي‪ P ‬أنّها جاءت لحاجة؛ فغدا‬ ‫فاستحت فانرصفت‪ ...‬فَعلم ّ‬


‫علينا رسول الله‪ ...P ‬فقال‪ :‬أفال أعلّمكام ما هو خري لكام من‬
‫الخادم؟ إذا أخذمتا منامكام‪ ،‬فس ّبحا ثالثاً وثالثني‪ ،‬واحمدا ثالثاً‬
‫وكبا أربعاً وثالثني»(((‪.‬‬
‫وثالثني‪ّ ،‬‬
‫هكذا تكون الزوجة‬
‫كانت ‪ O‬تش ّجع زوجها‪ ،‬ومتتدح شجاعته وتضحيته‪ ،‬وتش ّد‬
‫عىل يده للمعارك املقبلة‪ ،‬وتسكّن جراحه‪ ،‬حتّى قال اإلمام‪Q ‬‬
‫يف ذلك ‪« :‬ولقد كنت انظر إليها‪ ،‬فتكشف ع ّني الغموم واألحزان‬
‫بنظري إليها»(((‪.‬‬
‫كل الحرص يف القيام مبهام الزوج ّية‪،‬‬ ‫ولقد كانت حريصة ّ‬
‫يل‪Q ‬‬ ‫وما أسخطته يوماً وما عصت له أمرا ً‪ ،‬وقابلها اإلمام ع ّ‬
‫باالحرتام والو ّد‪ ،‬وهو يعلم مقامها ومنزلتها الرفيعة‪ ،‬حتّى قال‪:‬‬
‫«فوالله‪ ،‬ما أغضبتها‪ ،‬وال أكرهتها عىل أمر ح ّتى قبضها الله ‪-‬ع ّز‬
‫وجل‪ ،-‬وال أغضبتني‪ ،‬وال عصت يل أمراً»(((‪.‬‬‫ّ‬

‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،43‬ص‪.82‬‬


‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬
‫مؤسسة‬
‫املحمودي ‪ّ -‬‬
‫ّ‬ ‫الخوارزمي‪ ،‬املوفق بن أحمد بن مح ّمد امليك‪ ،‬املناقب‪ ،‬تحقيق الشيخ مالك‬
‫ّ‬ ‫(((‬
‫اإلسالمي التابعة لجامعة املد ِّرسني بقم املرشَّفة‪ ،‬إيران‬
‫ّ‬ ‫مؤسسة النرش‬
‫س ّيد الشهداء‪ّ ،Q ‬‬
‫‪ -‬قم‪1414 ،‬هـ‪ ،‬ط‪ ،2‬ص‪.353‬‬
‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،43‬ص‪.134‬‬
‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬

‫‪60‬‬
‫الزوجية‬
‫ّ‬ ‫علي وفاطمة ‪ ،L‬النموذج األمثل للحياة‬
‫ٌّ‬ ‫الموعظة السادسة‪:‬‬

‫يل بن أيب طالب‪Q ‬‬


‫الخدري‪ ،‬قال‪ :‬أصبح ع ّ‬
‫ّ‬ ‫وعن أيب سعيد‬
‫ذات يوم ساغباً‪ ،‬فقال‪« :‬يا فاطمة‪ ،‬هل عندك يشء تغ ّذينيه؟»‪،‬‬
‫قالت‪« :‬ال‪ ،‬والذي أكرم أيب بالنب ّوة وأكرمك بالوص ّية‪ ،‬ما أصبح‬
‫الغداة عندي يشء‪ ،‬وما كان يشء أطعمناه مذ يومني إالّ يشء‬
‫ابني هذين الحسن والحسني!»‪،‬‬‫كنت أؤثرك به عىل نفيس وعىل ّ‬
‫يل‪« :Q ‬يا فاطمة‪ ،‬أال كنت أعلمتني‪ ،‬فأبغيكم شيئاً»‪،‬‬ ‫فقال ع ّ‬
‫فقالت‪« :‬يا أبا الحسن‪ّ ،‬إن ألستحي من إلهي أن أكلّف نفسك ما‬
‫ال تقدر عليه»(((‪.‬‬

‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،37‬ص‪.103‬‬


‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬

‫‪61‬‬
‫المحور الثاني‬
‫الجهاد والشهادة‬

‫الموعظة السابعة‬

‫سنن النصر‬

‫محاور الموعظة‬

‫ّ‬
‫التاريخية في القرآن الكريم‬ ‫‪1.1‬السنن‬
‫ّ‬
‫‪2.2‬هل النصر سنة؟‬
‫‪3.3‬قوانين النصر وسننه‬
‫‪4.4‬الثورة والمقاومة وتجسيد قوانين النصر‬
‫هدف الموعظة‬

‫تع ُّر ُف سننِ النرص وقواني ِنه‪.‬‬

‫تصدير الموعظة‬
‫َّ‬ ‫َ ّ َ َ َ َ َ َ ۡ َ ٗ َ َ َ ۡ َّ‬
‫ٱللِ َو َّ ُ‬
‫ٱلل َم َع ٱلصٰ ِ ِب َين﴾(((‪.‬‬ ‫﴿كم مِن ف ِئةٖ قل ِيل ٍة غلبت ف ِئة كث ِرية ۢبِإِذ ِن ۗ‬
‫ّ‬
‫التاريخية في القرآن الكريم‬ ‫السنن‬
‫اهت ّم القرآن الكريم بالسنن التاريخ ّية‪ ،‬فم ّرة يخربنا عن التاريخ‬
‫البرشي وخضوعه ملجموعة من السنن عىل نح ٍو ۡعام‪ ،‬كام يف قوله‬ ‫ّ‬
‫َ ُ ّ ُ َّ َ َ ‪َ َ ٗ َ َ َ ُ َ ۡ َ َ ۡ ُ ُ َ َ َ ٓ َ َ َ ٞ‬‬
‫ِك أم ٍة أجل ۖ فإِذا جاء أجلهم ل يستأخِرون ساعة ول‬ ‫‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ول ِ‬
‫َۡ َۡ ُ َ‬
‫ون﴾(((‪ ،‬وأخرى يخربنا عن سننٍ بعينها من خالل ذكر‬ ‫يستقدِم‬
‫ّ‬ ‫َََ ۡ ُ َّ ۡ ُ ُ ‪ٞ‬‬
‫أمثلتها ومصاديقها‪ ،‬كام يف قوله ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ولقد كذِبت رسل مِن‬
‫ت َأتَى ٰ ُه ۡم نَ ۡ ُ َ َ ُ ّ َ َ َ‬ ‫َ ۡ َ َ َ َ ُ ْ َ َٰ َ ُ ّ ُ ْ َ ُ ُ ْ‬
‫وذوا َح َّ ٰٓ‬
‫ت‬‫صنا ۚ َول م َبدِل ل ِك ِم ٰ ِ‬ ‫قبل ِك فصبوا ع ما كذِبوا وأ‬
‫َّ‬
‫ٱللِۚ﴾(((‪ ،‬وثالث ًة ميزج القرآن بني النظريّة والتطبيق‪ ،‬فيب ّي املفهوم‬
‫الكل كام يف إطار املصداق‪ ،‬ورابع ًة يدعونا إىل النظر يف التاريخ‬
‫ّّ‬
‫والتأ ّمل يف ما سلف من األمم الغابرة يك نكتشف القانون ونَ ِعي‬

‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.249‬‬


‫((( سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬
‫((( سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.34‬‬

‫‪63‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫َ ُ ْ َ َ‬ ‫َۡ‬ ‫َََۡ َ ُ ْ‬
‫ۡرض ف َينظ ُروا ك ۡيف‬
‫ِريوا ِف ٱل ِ‬
‫الس ّنة‪ ،‬كام يف قوله ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬أفلم يس‬
‫َّ‬
‫َك َن َعٰق َِب ُة ٱل َِين مِن َق ۡبلِ ِه ۡمۗ﴾(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫هل النصر سنة؟‬
‫عىل ضوء ما تق ّدم‪ ،‬ومن خالل استقراء آيات النرص يف الكتاب‬
‫الكريم يظهر أ ّن النرص س ّنة من السنن التي كتب الله عىل نفسه‬
‫االلتزام بها‪ ،‬ومن الشواهد والقرائن العا ّمة الدالّة عىل ذلك تعبري‬
‫الله عن منحه النرص لبعض الرسل واألمم السابقة بصيغة املضارع‪.‬‬
‫ومن دالالت الفعل املضارع يف اللغة االستمرار والتكرار‪ .‬وهاتان‬
‫السمتان من سامت القانون‪ .‬ومن اآليات التي وردت بهذه الصيغة‬
‫َ َ َ ُ َ َّ َّ ُ َ َ ُ ُ ُ ٓ َّ َّ َ َ‬
‫ٱلل ل َقوِ ٌّي َع ِز ٌيز ﴾(((‪.‬‬ ‫قوله ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ولنصن ٱلل من ينصه ۚۥ إِن‬
‫أيضاً‪ ،‬اتّسمت بعض اآليات القرآن ّية املتح ّدثة عن الصرب بالتأكيد‬
‫املضاعف‪ ،‬وهذا يكشف عن أ ّن النرص س ّنة من السنن اإلله ّية التي‬
‫َ َ َ َّ ُ َ َ ۡ َ َّ َ َ ۠‬
‫وجل‪ -‬عىل من يستحقّها‪﴿ :‬كتب ٱلل لغل ِب أنا‬ ‫يجريها الله ‪-‬ع ّز ّ‬
‫َ ُ ُ ٓ َّ َّ َ َ ٌّ َ ‪((( ٞ‬‬
‫ورس ِل ۚ إِن ٱلل قوِي ع ِزيز﴾ ‪ ،‬فالم القسم ونون التوكيد يف هذه اآلية‬
‫واآلية السابقة‪ ،‬تفيدان التوكيد‪ ،‬باإلضافة إىل أ ّن فعل «كتب» ّ‬
‫يدل‬
‫عىل الجزم؛ فـ«الكتابة هي اإلثبات والقضاء الحتم»(((‪.‬‬

‫((( سورة يوسف‪ ،‬اآلية ‪.109‬‬


‫الحج‪ ،‬اآلية ‪.40‬‬
‫((( سورة ّ‬
‫((( سورة املجادلة‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬
‫((( ّ‬
‫العلمة الطبطبا ّيئ‪ ،‬امليزان يف تفسري القرآن‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.26‬‬

‫‪64‬‬
‫رصنلا ننس ‪:‬ةعباسلا ةظعوملا‬

‫قوانين النصر وسننه‬


‫ح ّدد الله ‪-‬تعاىل‪ -‬يف كتابه الكريم سنن النرص وقوانينه؛ ل َيعرفها‬
‫عباده املؤمنون ويتعاملوا معها عىل بصرية‪ ،‬ويسريوا وفق هديها‪:‬‬
‫‪ .1‬النرص مِن عند الله ‪-‬تعاىل‪ :-‬ف َمن نرصه الله لن ُيغلب أبداً‪،‬‬
‫ولو اجتمع عليه َمن بأقطارها‪ ،‬و َمن خذله فلن ُينرص أبداً‪،‬‬
‫ك ُم َّ ُ‬
‫َ ُ ۡ ُ‬
‫والع َّدة‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪ ﴿ :-‬إِن ينص‬
‫ٱلل‬ ‫ولو كان معه ال َعدد ُ‬
‫َ ُ ُ ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫َۡ ُۡ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ َ‬
‫نصكم ّ ِم ۢن َب ۡع ِدهِۗۦ‬ ‫فل غل َِب لك ۡمۖ ِإَون يذلك ۡم ف َمن ذا ٱلِي ي‬
‫ٱس َت َ‬ ‫ۡ َ ۡ َ ُ َ َ َّ ُ‬
‫ك ۡم فَ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َّ َ ۡ َ َ َ َّ ۡ ۡ‬
‫اب‬ ‫ج َ‬ ‫ك ٱل ُمؤم ُِنون﴾(((‪ ﴿ ،‬إِذ تستغِيثون رب‬ ‫وع ٱللِ فليتو ِ‬
‫َ‬
‫ِني ‪َ 9‬و َما َج َعل ُه َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ۡ َ ّ ُ ُّ ُ‬
‫لئكةِ ُم ۡردِف َ‬ ‫ّ َ َ‬
‫ٱلل‬ ‫لكم أ ِن م ِمدكم بِأل ٖف مِن ٱلم ٰٓ ِ‬
‫ٱللِ إ َّن َّ َ‬
‫ٱلل‬
‫َّ‬ ‫ك ۡم َو َما ٱنلَّ ۡ ُ َّ ۡ‬ ‫ُُ ُ ُ‬ ‫ش ٰ َ َ ۡ َ َّ‬ ‫إ َّل ب ُ ۡ َ‬
‫ص إِل مِن عِن ِد ۚ ِ‬ ‫ى ولِ طمئِن بِهِۦ قلوب ۚ‬ ‫ِ‬
‫َعزِ ٌيز َحك ٌِيم﴾(((‪.‬‬
‫نرصه‪ ،‬وقد جاء‬ ‫‪ .2‬النرص للمؤمنني‪ :‬إنّ الله ال ينرص ّإل من َ‬
‫هذا القانون بصيغة الرشط والجزاء يف القرآن الكريم‪ ،‬قال‬
‫َ َ‬
‫ت‬
‫َ ُ ُ ْ َّ َ َ ُ ۡ ُ‬
‫ك ۡم َو ُيثَ ّب ۡ‬ ‫ْ‬ ‫يأ ُّي َها َّٱل َ‬
‫ِين َء َام ُن ٓوا إِن تنصوا ٱلل ينص‬ ‫‪-‬تعاىل‪ٰٓ ﴿ :-‬‬
‫ِ‬
‫َۡ َ َ ُ‬
‫ك ۡم﴾(((‪.‬‬ ‫أقدام‬

‫((( سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.160‬‬


‫((( سورة األنفال‪ ،‬اآليتان ‪9‬ـ‪.10‬‬
‫((( سورة مح ّمد‪ ،‬اآلية ‪.7‬‬

‫‪65‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫ وجاء يف صورة الخرب الثابت املؤ َّكد بالم القسم ونون‬


‫َ َ َ ُ َ َّ َّ ُ َ َ ُ ُ ُ ٓ َّ َّ َ َ‬
‫ٱلل ل َقوِ ٌّي َع ِز ٌيز ﴾(((‪.‬‬ ‫التوكيد‪﴿ :‬ولنصن ٱلل من ينصه ۚۥ إِن‬
‫وإنا تتح َّقق ال ُّنرصة لله ‪-‬تعاىل‪ -‬ب ُنرصة دينه‪ ،‬وإعالء كلمته‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ ‬
‫ينرصون‬
‫َۡ‬
‫وتحكيم رشعه يف خلقه‪ ،‬وبهذا جاء يف وصف َمن‬
‫َّ َّ‬
‫ِين إِن َّمكنٰ ُه ۡم ِف ٱل ِ‬
‫ۡرض‬ ‫الله ‪-‬تعاىل‪ -‬عقب اآلية السابقة‪َّ ﴿ :‬ٱل َ‬
‫َّ‬ ‫َ ْ َ ۡ َ‬ ‫ْ ۡ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٱلصلَ ٰوةَ َو َءاتَ ُوا ْ َّ َ َ‬
‫اموا ْ َّ‬
‫أقَ ُ‬
‫ٱلزك ٰوة َوأ َم ُروا بِٱل َمع ُر ِ‬
‫وف َون َه ۡوا ع ِن ٱل ُمنك ِرۗ َو ِلِ‬
‫ُ‬ ‫ۡ‬
‫َعٰق َِب ُة ٱل ُمورِ﴾(((‪.‬‬
‫‪ .3‬النرص باملؤمنني واملالئكة‪ :‬كام أنّ النرص ال يكون ّإل للمؤمنني‪،‬‬
‫كذلك ال يكون ّإل ِباملؤمنني؛ فالنرص لهم‪ ،‬والنرص بهم‪ ،‬فهم‬
‫رسوله الكريم‬ ‫وع َّدته‪ َ ،‬ويف هذا يخاطب الله‬ ‫غاية النرص ُ‬
‫َ َ َّ َ َ َۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ِي أيَّ َدك ب َنصه ِۦ َوبٱل ُمؤ ِمن َ‬ ‫َّ‬
‫بقوله‪ُ ﴿ :‬ه َو ٱل ٓ‬
‫ِني ‪ 62‬وألف بي‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫قُلُوب ِ ِه ۡ ۚم﴾(((‪ ،‬وقد ينرص الله من يريد نرصه باملالئكة ين ّزلهم‬
‫من السامء إىل األرض‪ ،‬كام َ يف غزوة بدر والخندق وحنني‪:‬‬
‫ْ‬ ‫ْ َّ‬ ‫ۡ ُ ِ َ ُّ َ َ ۡ َ َ ٰٓ َ ّ َ َ ُ‬
‫ك ۡم َف َث ّبِ ُتوا ٱل َِين َء َام ُن ۚوا﴾(((‪،‬‬ ‫﴿إِذ يوح ربك إِل ٱلملئِكةِ أ ِن مع‬
‫َ‬
‫﴿فَأ ۡر َس ۡل َنا َعلَ ۡي ِه ۡم رِ ٗيحا َو ُج ُن ٗودا ل َّ ۡم تَ َر ۡو َها ۚ﴾(((‪ ،‬ويقول ‪-‬ع ّز ّ‬
‫وجل‪:-‬‬
‫الحج‪ ،‬اآلية ‪.40‬‬
‫((( سورة ّ‬
‫الحج‪ ،‬اآلية ‪.41‬‬
‫((( سورة ّ‬
‫((( سورة األنفال‪ ،‬اآليتان ‪62‬ـ‪.63‬‬
‫((( سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.12‬‬
‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬

‫‪66‬‬
‫رصنلا ننس ‪:‬ةعباسلا ةظعوملا‬

‫ٗ َّ‬ ‫َ ََ ُۡ ۡ َ ََ ََ‬ ‫ٱلل َسكِينَ َت ُهۥ َ َ ٰ‬ ‫﴿ ُث َّم أَ َ‬


‫نز َل َّ ُ‬
‫نزل ُج ُنودا ل ۡم‬ ‫ع َر ُس ِ‬
‫ولِۦ وع ٱلمؤ ِمن ِني وأ‬
‫َ َ ۡ َ َ َ َّ َ َّ َ َ ْ‬
‫ك َف ُر ۚوا﴾(((‪.‬‬ ‫تروها وعذب ٱلِين‬
‫وقد ينرص الله من يريد نرصه بالظواهر الطبيعية يُ َس ِّخ ُرها يف‬
‫خدمته‪ ،‬أو يسلِّطها عىل عد ّوه‪ ،‬كام سلَّط الريح عىل املرشكني يف‬
‫يحا﴾(((‪ ،‬وكام أنزل املطر رحم ًة عىل‬ ‫الخندق‪﴿ :‬فَأَ ۡر َس ۡل َنا َعلَ ۡيه ۡم ر ٗ‬
‫ِ ِ‬
‫ٱلس َمآءِ َما ٓ ٗء ّ ِلُ َط ّه َر ُكم بهِۦ َو ُي ۡذهِبَ‬
‫كم ّم َِن َّ‬ ‫ََُُّ َ َۡ ُ‬
‫نل علي‬
‫ِ َ ِ‬ ‫املسلمني يف بدر‪﴿ :‬وي ِ‬
‫ۡ ۡ َ َ (((‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ ۡ ۡ َ َّ ۡ َ ٰ َ َ ۡ َ َ َ ٰ ُ ُ ُ ۡ َ ُ َ‬
‫عنكم رِجز ٱلشيط ِن ول ِيبِط ع قلوبِكم ويثبِت بِهِ ٱلقدام﴾ ‪ ،‬وقد‬
‫ينرص الله من يريد نرصه بأيدي أعدائه وأعداء الله أنفسهم‪ ،‬مبا‬
‫يَقذف يف قلوبهم من رعب يُد ِّمر معن ِويَّاتهم‪ ،‬ويَقتل شخص ّياتهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ ُ ُ ُّ ۡ َ ُ ۡ َ‬ ‫َََ َ‬
‫ب ي ِر ُبون ُب ُيوت ُهم‬ ‫كام ح َدث ليهود بني النضري‪﴿ :‬وقذف ِف قلوب ِ ِهم ٱلرع ۚ‬
‫َۡ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُۡ ۡ َ َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ٱع َت ِ ُبوا َ ٰٓيأ ْو ِل ٱلبۡ َصٰ ِر﴾(((‪.‬‬ ‫بِأيۡدِي ِه ۡم َوأيۡدِي ٱلمؤ ِمن ِني ف‬
‫العسكري‪ :‬فالجهوز ّية القتال ّية‪ ،‬من حيث تو ّفر الع ّدة‬ ‫ّ‬ ‫‪ .4‬اإلعداد‬
‫ُعد من العوامل املا ّد ّية‬ ‫العسكري‪ ،‬ت ُّ‬
‫ّ‬ ‫والعتاد والتدريب‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫املؤ ّثرة يف النرص‪ ،‬وبهذه أمر الله ‪-‬تعاىل‪َ  ﴿ :-‬وأع ُِّدوا ل ُهم َّما‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َۡ ُ‬ ‫ُ‬
‫ٱل ۡي ِل ت ۡره ُِبون بِهِۦ َع ُد َّو ٱللِ َو َع ُد َّوك ۡم‬ ‫ٱس َت َط ۡع ُتم ّمِن ق َّوة ٖ َومِن ّرِ َب ِ‬
‫اط‬ ‫ۡ‬

‫((( سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.26‬‬


‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬
‫((( سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.11‬‬
‫((( سورة الحرش‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬

‫‪67‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫ٱلل َي ۡعلَ ُم ُه ۡ ۚم َو َما تُنف ُِقوا ْ مِن َ ۡ‬ ‫ُ ۡ َ ََُۡ َ‬


‫ون ُه ُم َّ ُ‬ ‫اخر َ‬ ‫ََ َ‬
‫شءٖ‬ ‫ين مِن دون ِ ِهم ل تعلم‬ ‫وء ِ‬
‫َّ ُ َ َّ َ ۡ ُ ۡ َ َ ُ ۡ َ ُ ۡ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ون﴾(((‪.‬‬ ‫يل ٱللِ يوف إِلكم وأنتم ل تظلم‬ ‫ِف سب ِ ِ‬
‫‪ .5‬التو ّكل عىل الله واألخذ باألسباب‪ :‬التو ّكل عىل الله مع إعداد‬
‫َ ُ ۡ ُ‬
‫نصك ُم‬ ‫الق ّوة من أعظم عوامل النرص؛ لقوله ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬إِن ي‬
‫َ ۡ ُ ۡ ُ ۡ َ َ َ َّ َ ُ ُ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ ُ َ َ َ‬
‫نصكم ّ ِم ۢن َب ۡع ِدهِۗۦ‬ ‫ٱلل فل غل َِب لك ۡمۖ ِإَون يذلكم فمن ذا ٱلِي ي‬
‫َ َ َ َّ َ ۡ َ َ َ َّ ۡ ُ ۡ ُ َ ((( َ َ َ َ ۡ َ َ َ َ ۡ َّ َ َ َّ َّ َ َّ‬
‫ٱلل إِن ٱلل‬ ‫ك ٱلمؤمِنون﴾ ‪﴿ ،‬فإِذا عزمت فتوك ع ِ‬ ‫وع ٱللِ فليتو ِ‬
‫ۚ‬
‫ُي ُِّب ٱل ۡ ُم َت َو ّ ِك َِني﴾(((‪ .‬وال ب ّد يف التو ّكل من األخذ باألسباب؛ ألنّ‬
‫التو ّكل يقوم عىل االعتامد عىل الله والثقة بوعده ونرصه‬
‫‪-‬تعاىل‪ ،-‬واألخذ باألسباب الطبيع ّية كالتخطيط والتدريب‬
‫والتجهيز ومعرفة العد ّو وخططه وتقن ّياته‪ ،‬واالستفادة من‬
‫مختلف التقن ّيات العسكر ّية املمكنة‪.‬‬
‫الثورة والمقاومة وتجسيد قوانين النصر‬
‫عندما نتت ّبع أحــداث الــثــورة اإلسالم ّية بقيادة اإلمــام‬
‫الخميني‪ { ‬نجد أ ّن اإلمام‪ { ‬قد استند إىل مجموعة من‬ ‫ّ‬

‫((( سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.60‬‬


‫((( سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.160‬‬
‫((( سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.159‬‬

‫‪68‬‬
‫رصنلا ننس ‪:‬ةعباسلا ةظعوملا‬

‫الثوابت يف مواجهة النظام الظامل يف إيران والعمل عىل إسقاطه‪،‬‬


‫أه ّمها‪:‬‬
‫‪ .1‬الثقة املطلقة بنرص الله‪ ،‬وأنّ النرص للمؤمنني وباملؤمنني‪،‬‬
‫فقد وعد الله املؤمنني بالنرص املبني عىل أعدائهم؛ وذلك‬
‫بإظهار دينهم‪ ،‬وإهالك عدوهم وإن طال الزمن‪ ،‬قال‬
‫ُّ ۡ َ (((‬
‫ٱل َي ٰوة ِ ٱدلنيا﴾‬ ‫ِين َء َام ُنوا ْ ِف ۡ َ‬
‫نص ُر ُسلَ َنا َو َّٱل َ‬
‫‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬إِنَّا َلَ ُ ُ‬

‫ومن أعظم أسباب النرص‪ :‬نرص دين الله والقيام به قوالً‬


‫نصهُ ۚ ٓۥ إ َّن َّ َ‬
‫ٱلل‬ ‫ٱلل َمن يَ ُ ُ‬ ‫ال ودعوة‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪َ ﴿ :-‬و َلَ ُ َ‬
‫نص َّن َّ ُ‬ ‫وعم ً‬
‫ِ‬
‫لَ َقوِ ٌّي َع ِز ٌيز﴾(((‪.‬‬
‫‪ .2‬التسليم املطلق والتو ّكل عىل الله ‪-‬تعاىل‪ ،-‬والرضا بقضائه‬
‫وقدره‪.‬‬
‫حب الشهادة‪ ،‬وهــذا واضــح من خالل‬ ‫‪ .3‬تكريس ثقافة ّ‬
‫قافلة الشهداء الكبرية من القادة الكبار‪ ،‬وسائر رشائح‬
‫املجتمع التي ق ّدمتها الثورة واملقاومة دفاعاً عن الحقّ ‪،‬‬
‫واملقدسات‪ ،‬قال اإلمام‬ ‫ّ‬ ‫وحفظاً للكرامات‪ ،‬واألوطــان‬

‫((( سورة غافر‪ ،‬اآلية ‪.51‬‬


‫الحج‪ ،‬اآلية ‪.40‬‬
‫((( سورة ّ‬
‫‪69‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫الخميني‪« :{ ‬حقّ الشهداء الكبري علينا أن نوضّ ح‬ ‫ّ‬


‫للجميع ثقافة الشّ هادة ومكانة الجهاد يف سبيل الله»‪.‬‬
‫‪ .4‬الشجاعة والثبات والق ّوة‪ ،‬فمن عوامل النرص الثبات عند‬
‫النبي‪ P ‬يف‬‫اللقاء‪ ،‬وعدم االنهزام والفرار فكام ثبت ّ‬
‫جميع معاركه التي خاضها‪ ،‬فقد ثبتت الثورة أمام أش ّد‬
‫ال ِقوى يف هذا العامل‪ ،‬املتم ّثلة بالشيطان األكرب وقوى‬
‫االستكبار األخرى‪ ،‬وكذا الحال مع املقاومة اإلسالم ّية يف‬
‫ّ‬
‫املخططات املحل ّية والعرب ّية‬ ‫لبنان التي واجهت بشجاعة‬
‫والعامل ّية ك ّلها‪ ،‬وصمدت ح ّتى هزمت إرسائيل يف امليدان‪،‬‬
‫وأسقطت املشاريع السياس ّية والدميوغراف ّية التي كانت‬
‫مق ّررة للمقاومة وأهلها‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫الموعظة الثامنة‬

‫ّ‬ ‫ُ ُّ‬
‫الجهاد عز األمة‬

‫محاور الموعظة‬

‫ّ‬
‫‪1.1‬بذل الدماء طريق العزة والكرامة‬
‫‪2.2‬القتال بما هو ليس قيمة ّ‬
‫ذاتية‬
‫‪3.3‬اإلنسان والجهاد‬
‫‪4.4‬فضل الجهاد‬
‫ّ‬
‫العدو الحقيقي؟ّ‬ ‫‪5.5‬من هو‬
‫َّ‬
‫‪6.6‬عليكم بالجهاد األكبر لتوفقوا في الجهاد األصغر‬
‫هدف الموعظة‬

‫إظهار دور الجهاد والشهادة يف ع ّزة األ ّمة ومنعتها‪.‬‬

‫تصدير الموعظة‬

‫أرشف األعامل بعد اإلسالم‪،‬‬


‫عن اإلمام عيل‪« :Q ‬إنّ الجها َد ُ‬
‫وهو ِقوام الدين‪ ،‬واألجر فيه عظيم مع الع ّزة واملنعة‪. »...‬‬
‫(((‬

‫ّ‬
‫بذل الدماء طريق العزة والكرامة‬
‫الحق والباطل‪،‬‬
‫مذ ُوجد اإلنسان عىل األرض‪ُ ،‬وجد الرصاع بني ّ‬
‫وبني العدل والظلم‪ ،‬وبني اإلميان والكفر‪ ،‬وكان الجهاد وبذل الدماء‬
‫طريقاً ملناهضة الظلم واالضطهاد‪ ،‬لحفظ كرامة اإلنسان وع ّزته‪،‬‬
‫النبي‪ :P ‬اغــزوا‪ ،‬تُورِثوا‬
‫ّ‬ ‫فعن اإلمام الصادق‪« :Q ‬قال‬
‫أبنا َءكم مجداً»(((‪.‬‬
‫وأشارت العديد من الروايات الرشيفة إىل أ ّن ترك الجهاد يف‬
‫سبيل الله هو سبب يف مذلّة األ ّمة وانسالخ الع ّزة والكرامة عنها‪،‬‬
‫وتخبّطها بالعار والفقر‪ ،‬كام يف كالم أمري املؤمنني‪« :Q ‬أ ّما بعد‪،‬‬
‫لخاصة أوليائه‪ ،‬وهو‬‫فإنّ الجهاد باب من أبواب الج ّنة‪ ،‬فتحه الله ّ‬

‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.37‬‬


‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫((( املصدر نفسه‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.8‬‬

‫‪72‬‬
‫مألا ُّزع ُداهجلا ‪:‬ةنمالا ةظعوملا‬
‫ث‬

‫لباس التقوى ودرع الله الحصينة وج ّنته الوثيقة؛ فمن تركه رغب ًة‬
‫الذل وشمله البالء‪ ،‬و ُّدي َِث بالصغار والقامءة‪،‬‬
‫عنه ألبسه الله ثوب ّ‬
‫الحق منه بتضييع الجهاد‪،‬‬‫ّ‬ ‫(((‬
‫وضب عىل قلبه باألسداد ‪ ،‬وأُديل‬
‫(((‬
‫ُ‬
‫يم الخسف و ُم ِنع ال َنصف» ‪.‬‬
‫(((‬
‫وس َ‬ ‫ِ‬
‫القتال بما هو ليس قيمة ّ‬
‫ذاتية‬
‫إ ّن القتال ال يُع ُّد يف اإلسالم بذاته قيم ًة من القيم؛ ذلك‬
‫سبب يف الخراب والتدمري‪ ،‬وإزهــاق األنفس‪ ،‬وإهدار‬ ‫ٌ‬ ‫أنّه‬
‫القوى واإلمكانيّات التي ميكن أن تُس َّخر لخدمة اإلنسان‬
‫ّ‬
‫مصاف‬ ‫وسعادته؛ ولذلك ُج ِعل يف بعض اآليات القرآن ّية يف‬
‫ُ ۡ ُ َ ۡ َ ُ َ َ ٰٓ َ َ ۡ َ َ‬
‫العقوبات اإللهيّة‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪ ﴿ :-‬قل هو ٱلقادِر ع أن يبعث‬
‫ُ‬ ‫ُ َ ۡ‬ ‫َۡ َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ّ َ‬ ‫ََ ُ َ َ‬
‫ت أ ۡر ُجل ِك ۡم أ ۡو يَلب ِ َسك ۡم‬
‫عل ۡيك ۡم عذ ٗابا مِن ف ۡوق ِك ۡم أ ۡو مِن ت ِ‬
‫ض﴾(((‪.‬‬ ‫َٗ َ ُ َ َ ۡ َ ُ َۡ َ َ ۡ‬
‫شِيعا و يذِيق بعضكم بأ س بع ٍ ۗ‬
‫أ ّما إذا تع ّرض وجود األ ّمة للخطر‪ ،‬أو أ ّن أهدافه املق ّدسة‬
‫السامية أصبحت مه ّددة بالسقوط‪ ،‬فإ ّن القتال هنا يصبح قيم ًة‬
‫سامية‪ ،‬ويكتسب عنوان الجهاد يف سبيل الله‪.‬‬

‫((( باألسداد‪ ،‬أي ُسدّت عليه الطرق وعميت عليه مذاهبه‪.‬‬


‫((( اإلدالة‪ :‬النرص والغلبة والدولة‪.‬‬
‫((( الس ّيد الريضّ ‪ ،‬نهج البالغة (خطب اإلمام عيل ‪ ،)Q‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.69‬‬
‫((( سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.65‬‬

‫‪73‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫اإلنسان والجهاد‬
‫كل ما يسلب‬ ‫متيل غريزة اإلنسان نحو الراحة ِ‬
‫والدعة‪ ،‬وتكره ّ‬
‫منها تلك الراحة‪ .‬وإ ّن أحكام الرشيعة تضبط هذه الغرائز مبا‬
‫يتالءم مع مصلحة الفرد واملجتمع عىل ح ٍّد سواء‪ .‬ومن هنا كان‬
‫ُ‬
‫ترشيع الجهاد مبا فيه من اآلثار امله ّمة‪ ،‬يقول الله ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬كت َِب‬
‫َ َ ۡ ُ ُ ۡ َ ُ َ ُ َ ُ ۡ ‪ُ َّ ٞ ۡ َ ُ ٗ ۡ َ ْ ُ َ ۡ َ َ ٰٓ َ َ َ ۡ ُ َّ ٞ‬‬
‫يا َوه َو خي لك ۡمۖ‬ ‫عليكم ٱلقِتال وهو كره لكمۖ وعس أن تكرهوا ش ‍ٔ‬
‫َ‬
‫ُ ُّ ْ َ ۡ ٗ َ ُ َ َ ّ ‪((( َ ُ َ ۡ َ َ ۡ ُ َ ُ َ ۡ َ ُ َّ َ ۡ ُ َّ ٞ‬‬
‫َ َ َ َ‬
‫يا وهو ش لك ۚم وٱلل يعلم وأنتم ل تعلمون﴾ ‪.‬‬ ‫س أن تِبوا ش ‍ٔ‬‫وع ٰٓ‬
‫ويشري القرآن الكريم إىل أمثلة كثرية لتخلِّف الناس عن جهاد‬
‫النبي موىس‪ ،Q ‬تخلّفوا‬ ‫العد ّو‪ ،‬ففي سرية بني إرسائيل أنّهم بعد ّ‬
‫عن االلتزام بهذا الواجب املقدس‪ ،‬إلّ القليل منهم‪ ،‬قال ‪-‬سبحانه‬
‫َ ۡ ُ َ ٰٓ ۡ َ ُ ْ َ ّ َّ‬ ‫َ َ ۡ َ َ َ ۡ َ َ ۢ َ ٓ ۡ َ ٰٓ َ‬
‫ب ل ُه ُم‬‫ِٖ‬ ‫لِ‬ ‫وا‬‫ال‬‫ق‬ ‫ذ‬‫ِ‬ ‫إ‬ ‫وس‬‫م‬ ‫د‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ِيل ِم ۢ‬
‫ن‬ ‫ل ِمن ب ِن إِسرء‬
‫وتعاىل‪﴿ :-‬ألم تر إِل ٱلم ِ‬
‫َ ُ ۡ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ َ َ ۡ‬ ‫ٗ ُّ َ ۡ‬ ‫ۡ َ‬
‫يل ٱللِۖ قال هل َع َس ۡي ُت ۡم إِن كت َِب َعل ۡيك ُم ٱلق َِتال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ۡٱب َعث لَا َمل ِك نقٰت ِل ِف َسب‬
‫َ َ َ ٓ‬ ‫َّ َ ُ ۡ‬ ‫َ َّ ُ َ ٰ ُ ْ َ ُ ْ َ َ َ َ ٓ َ َّ ُ َ ٰ َ‬
‫يل ٱللِ َوق ۡد أخرِ ۡج َنا مِن دِيٰرِنا َوأ ۡب َنائ ِ َناۖ‬ ‫َ‬
‫أل تقت ِل ۖوا قالوا وما لا أل نقت ِل ِف سب ِ ِ‬
‫َ َ َّ ُ َ َ َ ۡ ُ ۡ َ ُ َ َ َّ ۡ ْ َّ َ ٗ ّ ۡ ُ ۡ َ َّ ُ َ ُ ۢ َّ‬
‫ٱلظٰلِ ِم َني﴾(((‪.‬‬ ‫فلما كت ِب علي ِهم ٱلقِتال تولوا إِل قل ِيل مِنه ۚم وٱلل عل ِيم ب ِ‬
‫وهكذا هم اليهود‪ ،‬جبناء يف القتال‪ ،‬ال يقاتلون ّإل من وراء‬
‫ُجدر‪ ،‬فإذا حمي البأس ف ّروا وولَّ ْوا األدبار؛ ذلك أنّهم ال يرجون‬
‫اآلخرة‪.‬‬

‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.216‬‬


‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.246‬‬

‫‪74‬‬
‫مألا ُّزع ُداهجلا ‪:‬ةنمالا ةظعوملا‬
‫ث‬

‫فضل الجهاد‬
‫تشري بعض اآليات القرآن ّية والروايات الرشيفة إىل فضل الجهاد‬
‫يف سبيل الله ‪-‬تعاىل‪ ،-‬وتفضيل اإلنسان املجاهد عىل القاعد‪،‬‬
‫َّ َ‬ ‫َۡ ُ َ َ ُۡ ۡ َ َ ُۡ ُْ‬ ‫َّ َ ۡ َ‬
‫يقول ‪-‬سبحانه‪﴿ :-‬ل يستوِي ٱلقٰعِدون مِن ٱلمؤ ِمن ِني غي أو ِل ٱلضرِ‬
‫نف ۡ َ َّ َ َّ ُ ۡ ُ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َّ َ ۡ‬ ‫َ ُۡ َ ُ َ‬
‫جٰهد َ‬
‫ِين‬ ‫س ِه ۚم فضل ٱلل ٱلم ِ‬ ‫يل ٱللِ بِأم َوٰل ِ ِه ۡم َوأ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫و َٱلمجٰ ِهد َون ِف سب ِ‬
‫ن َوفَ َّض َل َّ ُ‬ ‫ٱلل ۡ ُ ۡ َ‬
‫ك َو َع َد َّ ُ‬ ‫ۡ َ ۡ َ ُ ۡ َ َ ۡ َ ٰ َ َ َ َ ٗ َ ُ ّٗ‬
‫ٱلل‬ ‫ٱلس ٰ ۚ‬ ‫س ِهم ع ٱلقعِدِين درجة ۚ و‬ ‫بِأموٰل ِ ِهم وأنف ِ‬
‫َ َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ َ‬ ‫ٱل ۡ ُم َ‬
‫ِين َع ٱلقٰعِدِين أج ًرا عظِيما﴾ ‪.‬‬
‫ٗ (((‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫جٰ ِهد‬
‫وتشري بعض الروايات إىل املكانة املرموقة التي يحتلّها‬
‫الجهاد يف سبيل الله بني العبادات الرشيفة‪ ،‬فعن أحدهم‪ ،‬عن‬
‫اإلمام الباقر‪« :Q ‬أال أخربك باإلسالم؛ أصله وفرعه وذروة‬
‫سنامه؟»(((‪ ،‬قلت‪ :‬بىل‪ُ ،‬ج ِعلت فداك! قال‪« :‬أ ّما أصله فالصالة‪،‬‬
‫وفرعه الزكاة‪ ،‬وذروة سنامه الجهاد»(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫الحقيقي؟‬ ‫ّ‬
‫العدو‬ ‫من هو‬
‫تقع الكثري من الجهات التي ترفع راية الجهاد يف الشبهات‪،‬‬
‫وتص ّنف األعداء من دون أن تستند يف ذلك إىل مس ّوغ‪ .‬إ ّن العد ّو‬

‫((( سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.95‬‬


‫((( والسنام هو املكان املرتفع يف ظهر الجمل‪ ،‬وهي أعىل نقطة يف الظهر‪ ،‬والتشبيه بالسنام يف‬
‫الرواية‪ ،‬بل وذروة السنام‪ ،‬واضح يف تبيان مكانة الجهاد يف رأس هرم الرشيعة‪.‬‬
‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.24‬‬
‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬

‫‪75‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫الحقيقي هو الذي يشكّل تهديدا ً حقيقيّاً من خالل أمور ع ّدة‪،‬‬


‫ّ‬
‫أبرزها‪:‬‬
‫تهب األ ّمة‬
‫‪ .1‬الهجمة العسكر ّية‪ :‬وينبغي يف هذا اإلطار أن ّ‬
‫جمعاء ملقاومة هذا الغزو والدفاع عن األرض والعرض‬
‫والكرامات‪ ،‬وهذا حقّ لإلنسان تك ّفلت مبنحه إ ّياه الرشائع‬
‫السامو ّية والقوانني الوضع ّية‪.‬‬
‫‪ .2‬الهجمة الثقاف ّية‪ :‬وينبغي أن تجابه بالعلم والفكر والحوار‬
‫الب ّناء الساعي للوصول إىل الحقيقة‪ ،‬بدون استعالء وال‬
‫ويتم بأساليب يف غاية‬ ‫مراء‪ ،‬وللجهاد الثقا ّيف دور ها ّم ّ‬
‫بالطب‪ ،‬من حيث االهتامم‬ ‫ّ‬ ‫املرونة‪ ،‬وهو أشبه ما يكون‬
‫والحرص واملداراة‪ ،‬وهو ما يس ّمى بالتبليغ‪.‬‬
‫الحقيقي ّ‬
‫لألمة اليوم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫العدو‬
‫نحن نعيش يف زمن سقطت فيه األقنعة وظهر األعداء بشكل‬
‫وعلني‪ ،‬وال نحتاج إىل كثري من الوعي لتشخيص العدو‬ ‫ّ‬ ‫واضح‬
‫يك والصهيو ّين‪ ،‬فاإلدارة األمريك ّية التي‬
‫املتمثّل باالحتالل األمري ّ‬
‫تعمل وفق أولويّة الحفاظ عىل الكيان الصهيو ّين يف منطقتنا‬
‫كرشطي مينع من قيام األ ّمة ويسيطر عليها ويستعبدها عسكريّاً‬ ‫ٍّ‬
‫وسياس ّياً واقتصاديّاً‪ ...‬ال ّ‬
‫شك أ ّن هذه اإلدارة هي العد ّو‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫مألا ُّزع ُداهجلا ‪:‬ةنمالا ةظعوملا‬
‫ث‬

‫َّ‬
‫عليكم بالجهاد األكبر لتوفقوا في الجهاد األصغر‬
‫قسم الرسول األكرم‪ P ‬الجهاد قسمني‪ ،‬والذي تح ّدثنا عنه هو‬ ‫ّ‬
‫الجهاد األصغر‪ ،‬وليك يوفَّق اإلنسان يف هذا الجهاد ويصل به إىل‬
‫مرتبة يصبح فيها عبادة حقيق ّية لله ‪-‬تعاىل‪ -‬وليكون سناماً لذروة‬
‫الدين كام يف الحديث‪ ،‬ينبغي عىل املسلم أن ال يغفل عن الجهاد‬
‫األكرب التي أشارت له الرواية املشهورة‪ ،‬فعن اإلمام الصادق‪:Q ‬‬
‫النبي‪ P ‬بعث برسيَّ ٍة‪ّ ،‬‬
‫فلم رجعوا‪ ،‬قال‪ :‬مرحباً بقوم قضَ وا‬ ‫«إنّ ّ‬
‫الجهاد األصغر وبقي الجهاد األكرب‪ ،‬قيل‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬وما الجهاد‬
‫األكرب؟ قال‪ :‬جهاد النفس»(((‪.‬‬
‫ولنتذكّر يف خطبة الجهاد تعبري أمري املؤمنني‪« :Q ‬فتحه‬
‫الحقيقي هو من أولياء الله‬
‫ّ‬ ‫الله لخاصة أوليائه»‪ ،‬فإ ّن املجاهد‬
‫الذين استطاعوا أن يهذِّبوا أنفسهم‪ ،‬ويبتعدوا بها عن األخالق‬
‫حقيقي دون تهذيب النفس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السيّئة واملعايص الرذيلة‪ ،‬فال جهاد‬

‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.12‬‬


‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬

‫‪77‬‬
‫الموعظة التاسعة‬

‫الشهادة في اإلسالم‬

‫محاور الموعظة‬

‫‪1.1‬معنى الشهادة والشهيد‬


‫‪2.2‬قيمة الشهادة ومنزلة الشهيد‬
‫‪3.3‬رسول الله‪ P ‬والقادة الشهداء‬
‫هدف الموعظة‬

‫بيان قيمة الشهادة‪ ،‬ومنزلة الشهيد يف اإلسالم‪ ،‬وتكريس ثقافة‬


‫الشهادة يف ع ّزة اإلسالم واملسلمني‪.‬‬

‫تصدير الموعظة‬
‫عن رسول الله‪« :P ‬أرشف القتل موت الشهادة» ‪.‬‬
‫(((‬

‫معنى الشهادة والشهيد‬


‫اللغوي املأخوذ منه لفظ الشهادة‬ ‫ّ‬ ‫اختُلف يف أصل املعنى‬
‫أو الشهيد‪ ،‬واختُلف يف معناه أيضاً‪ ،‬فقيل هو شهي ٌد ألن مالئكة‬
‫الرحمة تَشهده‪ ،‬أو هو شهيد لسقوطه عىل األرض‪ ،‬وهي ت ُس ّمى‬
‫الشاهدة‪ ،‬أو أل ّن الله ومالئكته شهو ٌد له بالج ّنة‪ ،‬أو ألنّه يشهد يوم‬
‫حض عند ربّه حيّاً‪...‬‬‫القيامة عىل من قَتله‪ ،‬أو ألنّه يَ ُ ُ‬
‫االصطالحي للشهادة فهو‪ :‬القتل يف سبيل الله ‪-‬ع ّز‬ ‫ّ‬ ‫وأ ّما املعنى‬
‫فكل من قُتل يف سبيل الله‪ ،‬ضمن الرشائط املح ّددة فقهيّاً‪،‬‬ ‫وجل‪ّ ،-‬‬ ‫ّ‬
‫نصت الروايات عليهم‪ ،‬م ّمن‬ ‫فهو شهيد‪ ،‬ويلحق بهم طائفة م َّمن َّ‬
‫قُتل دون ماله ورحله ونفسه فهو شهيد‪ ،‬ويقرتن معنى الشهادة‬

‫((( ابن أيب الحديد‪ ،‬عبد الحميد بن هبة الله‏‪ ،‬رشح نهج البالغة‪ ،‬تحقيق وتصحيح مح ّمد أبو‬
‫الفضل إبراهيم‪ ،‬نرش مكتبة آية الله املرعيشّ النجفي‏ّ‪ ،‬إيران ‪ -‬قم‪1404 ،‬ه‏‪ ،‬ودار إحياء الكتب‬
‫العرب ّية‪1378 ،‬ه ‪1959 -‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬ج‪ ،5‬ص‪.245‬‬

‫‪79‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫بتضحية املرء بنفسه يف سبيل الله‪ ،‬يف مواقف الدفاع عن اإلسالم‬


‫وإعالء كلمة الله‪.‬‬
‫قيمة الشهادة ومنزلة الشهيد‬
‫ح ّدد القرآن الكريم والسنة الرشيفة مقام الشهداء عند الله ‪-‬ع َّز‬
‫وجل‪ ،-‬ففضّ لهم حتّى غدت الشهادة أعظم وسائل القرب من رحمة‬ ‫َّ‬
‫قتل‬ ‫كل ذي ب ٍّر ب ٌّر‪ ،‬ح ّتى يُ َ‬ ‫الله ‪-‬تعاىل‪ ،-‬فعن رسول الله‪« :  ‬فوق ّ‬
‫‪P‬‬
‫الرجل يف سبيل الله‪ ،‬فإذا ُقتل يف سبيل الله فليس فوقه ب ّر» ‪.‬‬
‫(((‬

‫فالتضحية بالنفس هي أعىل أنواع التضحية‪ ،‬وفيها يجود املسلم‬


‫ِني‬‫ى م َِن ٱل ۡ ُم ۡؤ ِمن َ‬
‫ت ٰ‬ ‫َّ َّ َ ۡ‬
‫ٱش َ َ‬ ‫بنفسه لله ‪-‬سبحانه‪ ،-‬يقول ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬إِن ٱلل‬
‫َّ َ ۡ ُ َ ۡ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َّ َ ُ ُ ۡ َ َ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يل ٱللِ ف َيق ُتلون َو ُيق َتلونۖ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٱل َّنة ۚ يُقٰت ِلون ِف َسب‬ ‫أنف َس ُه ۡم َوأ ۡم َوٰل ُهم بِأن لهم‬
‫َ‬ ‫ُۡ‬ ‫َّ ۡ َ ٰ َ ۡ‬ ‫َ ۡ ً َ َ ۡ َ ّٗ‬
‫َّ‬ ‫ان َو َم ۡن أ ۡو َ ٰ‬
‫ف ب ِ َع ۡه ِده ِۦ م َِن ٱللِۚ‬ ‫يل َوٱلق ۡر َء ِ ۚ‬
‫ِ‬ ‫جن‬
‫ٱل ِ‬
‫وعدا عليهِ حقا ِف ٱتلورىةِ و ِ‬
‫ِيم﴾(((‪.‬‬ ‫ِك ُم َّٱلِي بَ َاي ۡع ُتم بهِۦ َو َذٰل َِك ُه َو ۡٱل َف ۡو ُز ۡٱل َعظ ُ‬
‫َ ۡ َۡ ُ ْ َۡ ُ‬
‫فٱستب ِشوا بِبيع‬
‫ِۚ‬
‫والنصوص يف مقام الشهادة والشهيد كثريةٌ‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫َ َ َ ۡ َ َ َّ َّ َ ُ ُ ْ‬
‫‪ .1‬الشهادة حياة عند الله‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ول تسب ٱلِين قت ِلوا‬
‫َ َ َُ ُ ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ٱللِ أَ ۡم َوٰتَۢا بَ ۡل أَ ۡح َيا ٓ ٌء ع َ‬
‫ِند َر ّب ِ ِه ۡم يُ ۡر َزقون﴾(((‪ ﴿ ،‬ول تقولوا‬
‫َّ‬
‫يل‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ۚ‬ ‫ِف سب ِ ِ‬
‫َۡ ُُ َ‬ ‫ٓ َ‬ ‫َّ ۡ َ ٰ ُ ۢ ۡ‬ ‫َ َُُۡ‬
‫ون﴾(((‪.‬‬ ‫تۚ بَل أ ۡح َياء‪َ ٞ‬ولٰكِن ل تشعر‬ ‫يل ٱللِ أمو‬ ‫َ‬
‫ل ِمن يقتل ِف سب ِ ِ‬

‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.348‬‬


‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫((( سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.111‬‬
‫((( سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪. 169‬‬
‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.154‬‬

‫‪80‬‬
‫لسإلا يف ةداهشلا ‪:‬ةعساتلا ةظعوملا‬

‫حب الرسول واآلل األطهار ‪ R‬للشهادة‪ ،‬فعن رسول الله‪:P ‬‬ ‫‪ّ .2‬‬
‫«والذي نفيس بيده‪ ،‬لوددت أن أغز َو يف سبيل الله ُفأقتل‪ّ ،‬ثم‬
‫أغزو ُفأقتل‪ّ ،‬ثم أغزو ُفأقتل»(((‪ ،‬وعن أمري املؤمنني‪:Q ‬‬
‫وإن للشهادة َل ُم ّ‬
‫حب»(((‪.‬‬ ‫«فوالله‪ّ ،‬إن لعىل حقّ ‪ّ ،‬‬
‫‪ .3‬الشهادة متحو الذنوب‪ ،‬فالله ‪-‬تعاىل‪ -‬يك ّرم الشهيد بتكفري‬
‫ما عليه من الذنوب التي بينه وبني الله‪ ،‬فعن اإلمام‬
‫ذنب يك ّفره القتل يف سبيل الله ‪-‬ع ّز‬ ‫«كل ٍ‬ ‫الباقر‪ّ :Q ‬‬
‫وجل‪ّ -‬إل الدَين‪ ،‬ال ك ّفارة له ّإل أداؤه‪ ،‬أو يقيض صاحبه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫أو يعفو الذي له الحقّ »(((‪.‬‬
‫‪ .4‬أرشف املوت‪ ،‬فعن رسول الله‪« :P ‬أرشف املوت قتل‬
‫الشهادة»(((‪.‬‬
‫وخصال الشهيد وخصوص ّياته كثرية‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫ست‬
‫ما ورد عن رســول الله‪« :P ‬للشهيد عند الله ّ‬

‫الدمشقي‪ ،‬رشح صحيح مسلم‪ ،‬دار الكتاب العر ّيب‪ ،‬لبنان ‪-‬‬
‫ّ‬ ‫النووي‪ ،‬أبو زكر ّيا يحيى بن رشف‬
‫ّ‬ ‫(((‬
‫بريوت‪1407 ،‬ه ‪1987 -‬م‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪.22‬‬
‫((( ابن أيب الحديد‪ ،‬رشح نهج البالغة‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.100‬‬
‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.94‬‬
‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫((( الشيخ الصدوق‪ ،‬األمايل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.577‬‬

‫‪81‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫خصال‪ :‬أن يُغفَر له يف أ ّول دفعة من دمه‪ ،‬ويرى مقعده من‬


‫حل حلّة اإلميان‪ ،‬ويُز َّوج من الحور العني‪ ،‬ويُجار‬ ‫الج ّنة‪ ،‬ويُ ّ‬
‫من عذاب القرب‪ ،‬ويأمن من الفزع األكرب يوم الفزع األكرب‪،‬‬
‫و ُيوضع عىل رأسه تاج الوقار‪ ،‬الياقوتة منه خري من الدنيا وما‬
‫فيها‪ ،‬ويُز َّوج اثنتني وسبعني زوج ًة من الحور العني‪ ،‬ويُشفَّع يف‬
‫سبعني إنساناً من أقاربه»(((‪.‬‬
‫مس املوت‪ ،‬فعن رسول الله‪:P ‬‬ ‫ومنها أنّه يُخفّف عنه ّ‬
‫مس القتل ّإل كام يجد أحدكم من ّ‬
‫مس‬ ‫«ما يجد الشهيد من ّ‬
‫القرصة»(((‪.‬‬
‫ومنها أ ّن باب الشهداء يف الج ّنة أحسن الدور وأفضلها‪ ،‬فعن‬
‫رسول الله‪« :P ‬رأيت الليلة رجلني أتياين‪ ،‬فصعدا يب الشجرة‪،‬‬
‫فأدخالين داراً هي أحسن وأفضل‪ ،‬مل أ َر ّ‬
‫قط أحسن منها‪ ،‬قاال يل‪:‬‬
‫أ ّما هذه‪ ،‬فدار الشهداء»(((‪.‬‬
‫أحب إىل الله‬
‫ومنها ما عن اإلمام الباقر‪« :Q ‬ما من قطرة ّ‬
‫من قطرتني‪ :‬قطرة دم يف سبيل الله‪.(((»...‬‬

‫((( أحمد بن حنبل‪ ،‬املسند (مسند أحمد)‪ ،‬دار صادر‪ ،‬لبنان ‪ -‬بريوت‪ ،‬ال‪.‬ت‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.131‬‬
‫الرتمذي)‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.109‬‬
‫ّ‬ ‫الرتمذي‪ ،‬الجامع الصحيح (سنن‬‫ّ‬ ‫(((‬
‫البخاري‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنرش والتوزيع‪،‬‬
‫ّ‬ ‫البخاري‪ ،‬أبو عبد الله مح ّمد بن إسامعيل‪ ،‬صحيح‬
‫ّ‬ ‫(((‬
‫ال‪.‬م‪1401 ،‬ه ‪1981 -‬م‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.202‬‬
‫((( املفيد‪ ،‬الشيخ مح ّمد بن مح ّمد بن النعامن‪ ،‬األمايل‪ ،‬تحقيق حسني األستاد ويل‪ ،‬عيل أكرب‬
‫الغفاري‪ ،‬دار املفيد للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬لبنان ‪ -‬بريوت‪1414 ،‬ه ‪1993 -‬م‪ ،‬ط‪ ،2‬ص ‪.11‬‬

‫‪82‬‬
‫لسإلا يف ةداهشلا ‪:‬ةعساتلا ةظعوملا‬

‫يحب أن‬
‫النبي‪« :P ‬ما من أحد يدخل الج ّنة ّ‬ ‫ومنها ما عن ّ‬
‫يرجع إىل الدنيا وله ما عىل األرض من يشء ّإل الشهيد‪ ،‬فإنّه‬
‫يتم ّنى أن يرجع ف ُيقتل عرش م ّرات‪ ،‬ملا يرى من الكرامة»(((‪.‬‬
‫رسول الله‪ P ‬والقادة الشهداء‬
‫عندما نستقرىء تاريخ املرحلة املدن ّية من الدعوة اإلسالم ّية‬
‫النبي‪ P ‬قد شكّل جيشاً يدافع عن املسلمني وعقيدتهم‬ ‫نجد أ ّن ّ‬
‫داخل املدينة وخارجها‪ ،‬ما ساهم يف تبديد قوى الرشك والكفر‪.‬‬
‫وقد كان رسول الله‪ P ‬قائدا ً عسكريّاً يخطّط ويو ّجه ويقاتل‬
‫يفس كرثة عدد الغزوات التي قادها‬ ‫ويقود الجبهة‪ ،‬وهذا ما ّ‬
‫فالنبي‪P ‬‬‫ّ‬ ‫النبي‪ P ‬بنفسه‪ ،‬حيث بلغت سبعاً وعرشين ‪.‬‬
‫(((‬
‫ّ‬
‫كان أشجع الناس‪ ،‬بل أكملهم شجاعة وإقداماً يف هذه الحروب‪.‬‬
‫عب‬ ‫وقد ظهرت شجاعته يف املعارك الكربى‪ ،‬ففي معركة بدر‪ّ ،‬‬
‫اإلمــام عيل‪ Q ‬عن شجاعة رسول الله‪ P ‬قائالً‪« :‬لقد‬
‫رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله‪ P ‬وهو أقربنا إىل‬
‫العد ّو‪ ،‬وكان من أشدّ الناس يومئ ٍذ بأساً»(((‪ ،‬وعنه‪« :Q ‬ك ّنا‬

‫الهندي‪ ،‬كنز العامل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.411‬‬


‫ّ‬ ‫((( املتّقي‬
‫الحمريي‪ ،‬السرية النبو ّية‪ ،‬تحقيق وضبط وتعليق مح ّمد محيي الدين عبد الحميد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫((( ابن هشام‬
‫مكتبة مح ّمد عيل صبيح وأوالده‪ ،‬مرص ‪ -‬القاهرة‪1383 ،‬ه ‪1963 -‬م‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.486‬‬
‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.232‬‬
‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬

‫‪83‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫إذا حمي البأس‪ ،‬ولقي القوم القوم اتّقينا برسول الله‪ ،P ‬فال‬
‫يكون أحد أدىن إىل القوم منه»(((‪.‬‬
‫فحضور القادة يف امليدان مع املجاهدين له أثر كبري عىل‬
‫املعركة واملجاهدين معاً‪ ،‬ومجريات األحداث ونتائج املعركة‪،‬‬
‫شهاد ًة كانت أو انتصارا ً‪ .‬وإ ّن حضور رسول الله‪ P ‬يف املعارك‪،‬‬
‫الشخيص يف ميدان الحرب‪ ،‬له دالالت ترشيع ّية وتربويّة‬
‫ّ‬ ‫ووجوده‬
‫وروح ّية عميقة‪ ،‬رسخت عرب التاريخ يف قلوب املجاهدين‬
‫واملقاومني‪ ،‬وأصبحت عنرصا ً فاعالً يف النرص‪ ،‬ومن هذه املدرسة‬
‫تخ ّرج القادة الشهداء واملجاهدون يف املقاومة اإلسالميّة‪.‬‬
‫رس االنتصار بشهادتهم ودمائهم الزكية له أركان وثوابت‪،‬‬ ‫وإ ّن ّ‬
‫أه ّمها‪:‬‬
‫األ ّول‪ :‬اإليمان بنصر اهلل‬
‫اإلميان عقيدة وعمل واحتامل وأمل وثقة‪ ،‬يقول الله ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫َ َ َ َ ًّ َ َ ۡ َ َ ۡ ُ ۡ‬
‫ص ٱل ُم ۡؤ ِمن َِني﴾(((‪.‬‬ ‫﴿وكن حقا علينا ن‬
‫الثاني‪ :‬االعتقاد بوجوب الجهاد‬
‫االعتقاد بأ ّن الجهاد والدفاع واجب كبق ّية الواجبات‪ ،‬بل من‬
‫كل قادر دفاعاً عن املق َّدسات والحرمات‪،‬‬
‫أه ّمها‪ ،‬وقد فرضه الله عىل ّ‬
‫ِ‬
‫وعن العقيدة واملبدأ‪ ،‬وعن الح َمى والوطن‪ ،‬وقد جاءت يف القرآن‬
‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج ‪ ،16‬ص‪.2‬‬
‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬
‫((( سورة الروم‪ ،‬اآلية ‪.47‬‬

‫‪84‬‬
‫لسإلا يف ةداهشلا ‪:‬ةعساتلا ةظعوملا‬

‫آياتٌ كثرية تحثُّ عىل استشعار روح هذا الجهاد‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫َ َّ َ َ ٰ َ ُ ْ َ َ َ ۡ َ َّ ُ ۡ ُ ُ َ َ َّ َّ َ َ ۡ‬
‫ٱلل ل َم َع ٱل ُم ۡح ِسن َِني﴾(((‪.‬‬ ‫﴿وٱلِين جهدوا فِينا لهدِينهم سبلنا ۚ ِإَون‬
‫الثالث‪ :‬االعتقاد بأنّ الشهادة حياة‬
‫لقد زخرت آيات الكتاب العزيز‪ ،‬واستفاضت نصوص السنة‬
‫أحياء‪ ،‬قال‬‫َ‬
‫الشهداء‬
‫َّ َ‬
‫الرشيفة يف الحديث عن فضل الشهادة‪ ،‬وأ ّن‬
‫ٱللِ أ ۡم َوٰتَۢا ۚ بَ ۡل أ ۡح َيآءٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ۡ َ َ َّ َّ َ ُ ُ ْ‬
‫يل‬
‫الله ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ول تسب ٱلِين قت ِلوا ِف سب ِ ِ‬
‫َ َّ ۡ ُۡ َُ َ‬
‫ون﴾(((‪.‬‬ ‫عِند رب ِ ِهم يرزق‬
‫النبي‪  ‬وآل بيته ‪ R‬قيمة الشهادة ودرجتها‬ ‫‪P‬‬ ‫ونظرا ً إلدراك ّ‬
‫العليا عند الله ‪-‬تعاىل‪ ،-‬ويف طلب الشهادة ورد عن رسول الله‪:  ‬‬
‫‪P‬‬
‫«من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو مل تصبه»((( و«من سأل‬
‫الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء‪ ،‬وإن مات عىل فراشه»(((‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬االعتقاد بأنّ الجهاد باب من أبواب الج ّنة‬
‫ورد عن أمري املؤمنني‪« :Q ‬أ ّما بعد‪ ،‬فإنّ الجها َد باب من‬
‫لخاصة أوليائه‪ ،‬وهو لباس التقوى ودرع‬ ‫أبواب الج ّنة‪ ،‬فتحه الله ّ‬
‫الله الحصينة وج ّنته الوثيقة» ‪.‬‬
‫(((‬

‫((( سورة العنكبوت‪ ،‬اآلية ‪.69‬‬


‫((( سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪. 169‬‬
‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،67‬ص‪.201‬‬
‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬
‫((( املصدر نفسه‪.‬‬
‫((( الس ّيد الريضّ ‪ ،‬نهج البالغة (خطب اإلمام عيل ‪ ،)Q‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.69‬‬

‫‪85‬‬
‫الموعظة العاشرة‬

‫ّ‬
‫المقدسات في اإلسالم‬
‫ووجوب الدفاع عنها‬

‫محاور الموعظة‬

‫ّ‬
‫المقدس والقداسة‬ ‫‪1.1‬معنى‬
‫ّ‬ ‫‪ّ 2.2‬‬
‫المقدسات في اإلسالم والشرائع السماوية‬
‫ّ‬
‫خصوصية الرسول األكرم‪P ‬‬ ‫‪3.3‬‬
‫ّ‬
‫‪4.4‬األماكن المقدسة عند المسلمين‬
‫مقدساتهم‬‫‪5.5‬واجب المسلمين تجاه ّ‬
‫هدف الموعظة‬

‫إظهار أه ّم ّية املق ّدسات يف ديننا‪ ،‬ووجوب احرتامها وحفظها‬


‫والدفاع عنها‪.‬‬

‫تصدير الموعظة‬
‫َّ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ َ َّ ُ َ‬
‫‪.‬‬‫(((‬
‫ٱللِ ف ُه َو َخ ۡي ُلۥ عِند َربِهِۗۦ﴾‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫‪ٞ‬‬ ‫﴿ذٰل ِك ۖ َومن ُيعظ ِۡم ح ُرم ٰ ِ‬
‫ت‬
‫ّ‬
‫المقدس والقداسة‬ ‫معنى‬
‫القدس والقداسة والتقديس يف اللغة والكتاب واالستعامل‬
‫العر ّيف مبعنى التطهري‪ ،‬والتنزيه عن النقص والعيب‪ ،‬والزم هذا‬
‫كامل املق ّدسات‪ ،‬واحرتامها وتعظيمها‪ ،‬ووجوب الدفاع عنها بالغايل‬
‫املعنوي واإلميا ّين للبرش‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والنفيس؛ ألنّها متّثل الكيان‬
‫ورد يف اللغة‪ :‬قَ ُد َس ق ْدساً وقُ ُدساً طَ ُهر وتبارك‪ ،‬وتق ّدس‪ ،‬أي‬
‫تط ّهر‪ ،‬والقداسة الطهارة‪ ،‬يُقال‪ :‬ق ّدس الل ُه فالناً‪ :‬ط ّهره وبارك عليه‪،‬‬
‫كل نقص وعيب‪...‬‬ ‫والقدوس من أسامء الله الحسنى‪ ،‬أي املن ّزه عن ّ‬
‫والتقديس‪ :‬التطهري اإللهي الوارد يف قوله ‪-‬تعاىل‪َ ﴿ :-‬و ُي َط ّه َر ُكمۡ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬
‫َت ۡط ِه ٗريا﴾(((‪.‬‬

‫الحج‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬


‫((( سورة ّ‬
‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬

‫‪87‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫وقد ورد يف الكتاب العزيز ما يؤكّد هذا املعنى‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬


‫َ ٰ َ ۡ ِ ۡ ُ ُ ْ ۡ َ َ ۡ ُ َ َّ َ َ َّ َ َ َ َّ ُ َ ُ‬
‫ك ۡم﴾(((‪.‬‬ ‫﴿يقوم ٱدخلوا ٱلۡرض ٱلمقدسة ٱل ِت كتب ٱلل ل‬
‫قيل‪ :‬إنّها الج ّنة‪ ،‬وقيل‪ :‬الرشيعة‪ ،‬وكالهام صحيح‪ ،‬فالرشيعة‬
‫َۡ‬
‫حظرية منها يُستفاد الق ُدس‪ ،‬أي الطهارة‪ ،‬وقال ‪-‬تعاىل‪َ ﴿ :-‬ون ُن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن َس ّبِ ُح ِبَ ۡمد َِك َو ُن َق ّد ُِس ل َكۖ﴾(((؛ «أي نط ّهر األشياء ارتساماً لك‪ ،‬وقيل‬
‫نق ّدسك‪ ،‬أي نصفك بالتقديس»(((‪.‬‬
‫ّ‬
‫السماوية‬ ‫ّ‬
‫المقدسات في اإلسالم والشرائع‬
‫تشرتك الرشائع السامويّة يف أصولها ومبانيها‪ ،‬وتتّفق عىل قداسة‬
‫هذه األصول وحرمتها ووجوب الدفاع عنها‪ ،‬ومل ّا كانت الرشيعة‬
‫اإلسالم ّية هي خامتة الرساالت‪ ،‬سنكتفي بتحديد املق ّدسات من‬
‫خالل ما جاء يف الرشيعة اإلسالم ّية‪ .‬وينبغي االلتفات إىل أ ّن‬
‫املس ببعض‬‫املق ّدسات ال تنحرص يف األصول دامئاً‪ ،‬بل قد يكون ُّ‬
‫الفروع أحياناً هتكاً للمق ّدسات‪.‬‬

‫((( سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬


‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬
‫((( الراغب األصفها ّين‪ ،‬أبو القاسم الحسني بن مح ّمد‪ ،‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬دفرت نرش الكتاب‪،‬‬
‫ال‪.‬م‪1404 ،‬ه‪ ،‬ط‪ ،2‬ص‪.396‬‬

‫‪88‬‬
‫نع عافدلا بوجوو مالسإلا يف تاسّدقملا ‪:‬ةرشاعلا ةظعوملا‬

‫ميكن تصنيف املق ّدسات يف اإلسالم إىل األصناف اآلتية‪:‬‬


‫‪ .1‬قداسة اإلله (الله تعاىل)‪ :‬يف ما يتع ّلق بذاته وتوحيده‬
‫‪-‬سبحانه‪ -‬وصفاته وعدله‪...‬‬
‫َ‬ ‫َ ۡ‬ ‫َّ ُ َ ٓ َ ٰ َ َّ ُ َ ۡ َ ُّ ۡ‬
‫ح ٱل َق ُّي ُوم ۚ ل تَأ ُخ ُذهُۥ س َِنة‪َ ٞ‬ول نَ ۡوم‪.(((﴾ۚ ٞ‬‬ ‫قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ٱلل ل إِله إِل هو ٱل‬ ‫ ‬
‫ومفصلة يف هذا املجال‪.‬‬ ‫ واآليات والروايات واملص ّنفات كثرية ّ‬
‫اإلسالمي‬
‫ّ‬ ‫‪ .2‬قداسة الرشيعة والدين‪ :‬مبعنى قداسة الدين‬
‫إلهي من عند‬ ‫وخصوص ّيته بك ّليته وكيانه الكامل‪ ،‬وأنّه دين ّ‬
‫الله ‪-‬تعاىل‪.-‬‬
‫َ‬ ‫ۡ َۡ ُ َ ُ ۡ َ ُ‬
‫ك ۡم َوأ ۡت َم ۡم ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬
‫ت‬ ‫ قال الله ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ٱلَ ۡو َم أكملت لكم دِين‬
‫ُ َ ُ ۡ‬ ‫َ ُ‬
‫ك ُم ِٱل ۡس َل ٰ َم د ِٗينا ۚ﴾(((‪ ،‬وقال ‪-‬تعاىل‪:-‬‬ ‫َعل ۡيك ۡم ن ِۡع َم ِت َو َرضِ يت ل‬
‫َ َّ ۡ‬
‫ٱللِ ِٱل ۡس َل ٰ ُمۗ﴾(((‪.‬‬ ‫ٱدل َ‬
‫ِين عِند‬ ‫﴿إ َّن ّ‬
‫ِ‬
‫‪ .3‬قداسة القرآن الكريم‪ :‬وأنّه كالم الله املن َزل عىل نب ّيه‪،P ‬‬
‫ّۡ‬ ‫َ َ ۡ َ ُ َ‬
‫ب فِي ۛهِ ُه ٗدى لِل ُم َّتق َِني﴾(((‪،‬‬
‫ب ل َر ۡي َ ۛ‬ ‫قال الله ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ذٰل ِك ٱلكِتٰ‬

‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.255‬‬


‫((( سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.3‬‬
‫((( سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬
‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬

‫‪89‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ َۡ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َ َ ۡ ُ َ‬


‫ه أق َو ُم﴾(((‪َ ﴿ ،‬ولق ۡد َءات ۡي َنٰك َس ۡب ٗعا‬ ‫﴿إِن هٰذا ٱلق ۡر َءان َي ۡهدِي ل ِل ِت ِ‬
‫ّ َ ََۡ َ ُۡ ۡ َ َ‬
‫ان ۡٱل َعظ َ‬
‫ِيم﴾(((‪.‬‬ ‫ان وٱلقرء‬ ‫مِن ٱلمث ِ‬
‫‪ .4‬قداسة الوحي والرسل واألنبياء واأل ّمئة‪ :R‬فالوحي واسطة‬
‫ُ ۡ َّ َ ٓ َ َ ۠ َ َ ‪ُ ُ ۡ ٞ‬‬
‫ش ّمِثلك ۡم‬ ‫بني الله ورسله‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬قل إِنما أنا ب‬
‫‪ٞ‬‬ ‫ُ َ ٰٓ َ َّ َ َّ َ ٓ َ ٰ ُ ُ ۡ َ ٰ ‪ۡ ۡ َ ۡ َ ْ ٓ ُ َ ۡ َ ٞ ٰ َ ٞ‬‬
‫ٱس َتغف ُِروهُ ۗ َو َو ۡيل‬ ‫يوح إِل أنما إِلهكم إِله وحِد فٱستقِيموا إِلهِ و‬
‫َ ُۡ َُ‬ ‫ّ َ ُّ ُ َ َ ٓ َ ۡ‬ ‫ّل ِۡل ُم ۡشك َ‬
‫ِني﴾(((‪﴿ ،‬قُ ۡل َما ُك ُ‬
‫مِن ٱلرس ِل وما أدرِي ما يفعل‬ ‫نت‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ُ ۡ ۡ َّ ُ َّ َ ُ َ ٰٓ َ َّ َ َ ٓ َ ۠ َّ َ ‪((( ٞ ُّ ٞ‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِب َول بِكمۖ إِن أتبِع إِل ما يوح إِل وما أنا إِل نذِير مبِني﴾ ‪.‬‬
‫واألنبياء والرسل‪ R‬ميثّلون النب ّوة التي هي سفارة بني‬
‫الله وبني ذوي العقول من عباده‪ ،‬وقد بعثهم الله ‪-‬تعاىل‪ -‬لهداية‬
‫البرشيّة وتعليمها‪.‬‬
‫ت َوأَ َ‬
‫نز ۡلَا َم َع ُهمُ‬ ‫ََ ۡ َۡ َ َۡ ُ ُ ََ ۡ‬
‫ٱلَ ّينَٰ‬
‫قال الله ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬لقد أرسلنا رسلنا ب ِ ِ ِ‬
‫َّ ّ‬ ‫َََ َ‬ ‫ۡ‬ ‫ان ِلَ ُق َ‬
‫وم ٱنلَّ ُ‬ ‫ۡ َٰ َ َ ۡ َ َ‬
‫يۧنَ‬‫ُ ٱنلب ِ ِ ‍‬ ‫ط﴾(((‪﴿ ،‬فبعث‬ ‫اس بِٱلق ِۡس ِ ۖ‬ ‫ٱلكِتب وٱل ِمزي‬
‫ۡ َ ّ (((‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ ۡ َٰ‬ ‫َُ ّ‬
‫ش َين َو ُمنذِرِين وأنزل معهم ٱلكِتب بِٱل ِق﴾ ‪.‬‬
‫َ‬
‫مب ِ ِ‬

‫((( سورة اإلرساء‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬


‫((( سورة الحجر‪ ،‬اآلية ‪.87‬‬
‫فصلت‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬ ‫((( سورة ّ‬
‫((( سورة األحقاف‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬
‫((( سورة الحديد‪ ،‬اآلية ‪.25‬‬
‫((( سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.213‬‬

‫‪90‬‬
‫نع عافدلا بوجوو مالسإلا يف تاسّدقملا ‪:‬ةرشاعلا ةظعوملا‬

‫ّ‬
‫خصوصية الرسول األكرم‪P ‬‬
‫النبي‬
‫ال ميكن فصل الحديث بني قدس ّية وعظمة شخص ّية ّ‬
‫مح ّمد‪ P ‬وبني عظمة نب ّوته ورسالته العامليّة الخالدة‪ ،‬وموقعه‬
‫يف السامء واألرض قبل وبعد اإلسالم‪ ،‬ونشري يف ما يأيت إىل بعض‬
‫النبي مح ّمد‪ ،P ‬الذي ُعرف قبل اإلسالم‪ ،‬بالصادق‬ ‫خصوصيّات ّ‬
‫األمني‪.‬‬
‫‪ .1‬هدف بعثته ورسالته‬
‫ُ َّ‬
‫الرحمة بالبرش والتزكية والرتبية لهم‪ ،‬قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬ه َو ٱلِي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫ٗ‬ ‫ُۡ ّ‬ ‫َ‬
‫ِي َۧن َر ُسول ّم ِۡن ُه ۡم َي ۡتلوا َعل ۡي ِه ۡم َءايٰتِهِۦ َو ُي َزك ِي ِه ۡم َو ُي َعل ُِم ُه ُم‬
‫َب َعث ِف ٱل ّم ِ ‍‬
‫ۡ َ َ َ ۡ ۡ َ َ ((( َ َ ٓ َ ۡ َ ۡ َ َ َّ َ َ ۡ ّ ۡ َ‬
‫ح ٗة لِل َعٰل ِم َني﴾(((‪.‬‬ ‫ٱلكِتٰب وٱل ِكمة﴾ ‪﴿ ،‬وما أرسلنٰك إِل ر‬
‫‪ .2‬األسوة الحسنة وصاحب الخلق العظيم‬
‫‪ٞ‬‬ ‫َّ ُ‬ ‫َّ َ َ َ َ ُ‬
‫‪،‬‬ ‫(((‬
‫ٱللِ أ ۡس َوةٌ َح َس َنة﴾‬ ‫قال الله ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬لق ۡد كن لك ۡم ِف َر ُسو ِل‬
‫ِيم﴾(((‪.‬‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َّ َ‬
‫خل ٍق عظ ٖ‬ ‫﴿ِإَونك‬
‫‪ .3‬س ّيد الرسل وأعظمهم وخاتمهم‬
‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ َ َُ َ ٓ َ‬
‫قال ‪-‬تعاىل‪َّ ﴿ :-‬ما كن م َّم ٌد أبَا أ َح ٖد ّمِن ّرِ َجال ِك ۡم َولٰكِن َّر ُسول‬

‫((( سورة الجمعة‪ ،‬اآلية ‪.2‬‬


‫((( سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.107‬‬
‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.21‬‬
‫((( سورة القلم‪ ،‬اآلية ‪.4‬‬

‫‪91‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫َ ٗ (((‬ ‫ك ّل َ ۡ‬
‫َّ َ َ َ َ َّ ّ َ َ َ َ َّ ُ ُ‬
‫ش ٍء علِيما﴾ ‪ ،‬وقال ّ‬
‫النبي‪P ‬‬ ‫يۧنۗ وكن ٱلل ب ِ ِ‬
‫ٱللِ وخاتم ٱنلب ِ ِ ‍‬
‫ألمري املؤمنني‪« :Q ‬أنت م ّني مبنزلة هارون من موىس‪ّ ،‬إل أنّه‬
‫نبي بعدي»(((‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫‪ .4‬تخصيصه باإلسراء والمعراج‬
‫َۡٗ ّ َ َۡ ۡ‬ ‫س ٰ َۡ‬ ‫ُ ۡ َ َ َّ ٓ َ‬
‫ج ِد‬ ‫ِي أ ۡ َ‬‫قال ‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬سبحٰن ٱل‬
‫ى بِعب ِده ِۦ لل مِن ٱلمس ِ‬ ‫َۡ‬ ‫َ ۡ‬ ‫َۡ‬
‫ٱل َر ِام إِل ٱل َم ۡس ِج ِد ٱل ۡق َصا﴾(((‪.‬‬
‫‪ .5‬األمر اإللهي بوجوب طاعته واحترامه‬ ‫ّ‬
‫ولۥ َو َل تَ َنٰ َز ُعوا ْ َف َت ۡف َشلُوا ْ َوتَ ۡذ َهبَ‬
‫ٱلل َو َر ُس َ ُ‬ ‫قال ‪-‬تعاىل‪َ ﴿ :-‬وأَط ُ‬
‫ِيعوا ْ َّ َ‬
‫ُ ُ‬
‫ك ۡمۖ﴾(((‪ ،‬والشواهد القرآن ّية يف ذلك كثرية‪.‬‬ ‫رِيح‬
‫ّ‬
‫المقدسة عند المسلمين‬ ‫األماكن‬
‫ميكن إيراد عدد من األماكن التي تُع ّد أماكن مق ّدسة عند‬
‫املسلمني‪ ،‬منها‪ :‬املساجد بشكل عام‪ ،‬واملسجد الحرام‪ ،‬ومسجد‬
‫خاص‪ ،‬قال‬
‫الكوفة بشكل ّ‬ ‫النبي‪ P ‬واملسجد األقىص‪ ،‬ومسجد‬ ‫ّ‬
‫َ ٗ (((‬
‫َ‬ ‫َ َ َّ ۡ َ َ ٰ َ َّ َ َ َ ۡ ُ ْ َ َ َّ‬
‫‪-‬تعاىل‪﴿ :-‬وأن ٱلمس ِجد ِلِ فل تدعوا مع ٱللِ أحدا﴾ ‪.‬‬

‫((( سورة األحزاب‪ ،‬اآلية ‪.40‬‬


‫الكليني‪ ،‬الكايف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.107‬‬
‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫((( سورة اإلرساء‪ ،‬اآلية‪.1‬‬
‫((( سورة األنفال‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬
‫((( سورة الجنّ ‪ ،‬اآلية ‪.18‬‬

‫‪92‬‬
‫نع عافدلا بوجوو مالسإلا يف تاسّدقملا ‪:‬ةرشاعلا ةظعوملا‬

‫وكذلك مقامات األمئّة املعصومني ‪ R‬ومشاهدهم‪.‬‬


‫ونجد أ ّن لهذه األماكن أحكاماً تتعلّق بها‪ ،‬من حيث حرمة‬
‫تنجيسها ووجوب تطهريها من النجاسة كام يف املساجد‪ ،‬وحرمة‬
‫هتكها وإهانتها كام يف جميعها‪ ،‬وما شاكل ذلك من أحكام مذكورة‬
‫يف محلّها ضمن فتاوى فقهائنا العظام‪ ،‬وهذا ّ‬
‫يدل أيضاً عىل‬
‫خصوصيّة هذه األماكن والبقاع‪.‬‬
‫واجب المسلمين تجاه ّ‬
‫مقدساتهم‬
‫أجمع فقهاء اإلسالم باإلجامل عىل وجوب الدفاع عن بيضة‬
‫اإلسالم‪ ،‬بل إ ّن فلسفة ترشيع الجهاد يف الرشيعة اإلسالم ّية قامئة‬
‫كل ما‬
‫عىل مبدأ الدفاع عن الرشيعة وحفظ مق ّدساتها وكيانها من ّ‬
‫يه ّدده بالخطر أو التشويه ونحوه‪ ،‬ولهذا‪:‬‬
‫‪ .1‬يجب عىل املسلمني أنفسهم املحافظة عىل مق ّدساتهم‬
‫كا ّفة‪ ،‬بالقول والعمل الدؤوب والدائم‪ ،‬وعدم اإلساءة إليها‬
‫من خالل احرتام مق ّدسات اآلخرين وخصوص ّياتهم‪.‬‬
‫ميس املق ّدسات اإلسالم ّية‪ ،‬أياً‬
‫كل من ّ‬ ‫‪ .2‬يجب مواجهة ّ‬
‫كان موقعه أو الجهة التي ينتمي إليها ضمن الضوابط‬
‫الرشع ّية‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫‪ .3‬يجب تنويع وسائل املواجهة والردع‪ ،‬من ثقاف ّية‪ ،‬إعالم ّية‪،‬‬
‫سياس ّية‪ ،‬قانونية‪ ،‬إداريــة‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬إىل ح ّد الجهاد‬
‫والشهادة‪.‬‬
‫‪ .4‬يجب تربية مجتمعاتنا عىل احرتام املق ّدسات‪ ،‬والسعي‬
‫الدائم لنقل هذه الثقافة إىل اآلخرين‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫الموعظة الحادية عشرة‬

‫‪O‬‬ ‫فاطمة الزهراء‬


‫ّ‬
‫جهادها واأليام األواخر‬

‫محاور الموعظة‬

‫السيدة الزهراء ‪O‬‬‫‪1.1‬مكانة ّ‬


‫‪2.2‬ومضات من جهاد ّ‬
‫السيدة الزهراء ‪O‬‬
‫َ‬
‫‪3.3‬فقدها رسول الله‪ P ‬وحزنها الشديد‬
‫ّ‬ ‫‪ّ 4.4‬‬
‫السيدة الزهراء ‪ O‬نصيرة الحق‬
‫هدف الموعظة‬

‫تسليط الضوء عىل جوانب من جهاد الس ّيدة الزهراء ‪.O ‬‬

‫تصدير الموعظة‬

‫عن رسول الله‪« :P ‬وأ ّما ابنتي فاطمة‪ ،‬فإنّها س ّيدة نساء‬
‫العاملني ِم َن األ ّولني واآلخرين‪.(((»...‬‬
‫مكانة السيدة الزهراء ‪O‬‬
‫ّ‬
‫ورد عن رسول الله‪ P ‬يف ابنته الس ّيدة فاطمة ‪ O‬أنّها‬
‫املاليك عن مجاهد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫«س ّيدة نساء العاملني»(((‪ ،‬وذكر ابن الص ّباغ‬
‫النبي‪ P ‬وهو آخذ بيد فاطمة‪ ،‬فقال‪َ « :‬م ْن عرف هذه‬ ‫قال‪ :‬خرج ّ‬
‫فقد عرفها‪ ،‬و َم ْن مل يعرفها فهي فاطمة بنت مح ّمد‪ ،‬وهي بضعة‬
‫جنبي؛ فمن آذاها فقد آذاين‪،‬‬
‫م ّني‪ ،‬وهي قلبي وروحي التي بني ّ‬
‫و َم ْن آذاين فقد آذى الله»(((‪.‬‬

‫((( الشيخ الصدوق‪ ،‬األمايل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.175‬‬


‫النيسابوري‪ ،‬أبو عبد الله الحاكم‪ ،‬املستدرك عىل الصحيحني‪ ،‬إرشاف يوسف عبد الرحمن‬ ‫ّ‬ ‫(((‬
‫املرعشيل‪ ،‬دار املعرفة للطباعة والنرش‪ ،‬لبنان ‪ -‬بريوت‪ ،‬ال‪.‬ت‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.156‬‬
‫يل بن مح ّمد أحمد املال ّ‬
‫يك (ابن الص ّباغ)‪ ،‬الفصول امله ّمة يف معرفة األ ّمئة‪ ،‬تحقيق سامي‬ ‫((( ع ّ‬
‫الغريري‪ ،‬ال‪.‬م‪ ،‬دار الحديث للطباعة والنرش‪1422 ،‬ه‪ ،‬ط‪ ،1‬ج‪ ،1‬ص‪.664‬‬

‫‪96‬‬
‫واأليام األواخر‬
‫ّ‬ ‫الموعظة الحادية عشرة‪ :‬فاطمة الزهراء ‪ ،O‬جهادها‬

‫ّ‬
‫ومضات من جهاد السيدة الزهراء ‪O‬‬
‫تُظهر بعض املجريات رسوخ قدم الس ّيدة فاطمة ‪ O‬يف‬
‫فجسدت بذلك الدور األصيل‬ ‫كل موقع يقتيض الواجب‪ّ ،‬‬ ‫الجهاد‪ ،‬يف ّ‬
‫رب الع ّزة باملرأة‪ ،‬فهي بالقدر الذي كانت فيه حريصة‬‫الذي أناطه ّ‬
‫عىل أن ال ترى رجالً وال يراها رجل‪ ،‬كانت مقدامة ومندفعة يف‬
‫أداء أدوار الجهاد يف سبيل الله باملعنى األع ّم‪ ،‬ومن تلك املواقف‪:‬‬
‫‪ .1‬الحصار الذي فرضته قريش عىل رسول الله‪ P ‬وأهله يف‬
‫شعب أيب طالب‪ ،‬وكان ذلك من أعظم الجهاد‪ ،‬فقد مكثوا‬
‫فيه ثالث سنني ّإل شهراً‪ ،‬وأنفق أبو طالب وخديجة جميع‬
‫مالهام‪ ،‬وال يقدرون عىل الطعام ّإل من موسم إىل موسم‪،‬‬
‫فلقوا من الجوع والعرى ما الله أعلم به(((‪.‬‬
‫‪ .2‬الهجرة من م ّكة إىل املدينة‪ ،‬فقد قال ّ‬
‫النبي‪ P ‬ألمري‬
‫املؤمنني‪ّ ...« :Q ‬ثــم ّإن أستخلفك عىل فاطمة‬
‫رب عليكام»‪ ،‬وأمره أن يبتاع رواحل‬ ‫ابنتي ومستخلف ّ‬
‫له وللفواطم ومن يهاجر معه من بني هاشم‪ ،‬وقال له‪:‬‬

‫مؤسسة‬
‫الرواندي‪ ،‬أبو الحسني سعيد بن هبة الله‪ ،‬الخرائج والجرائح‪ ،‬تحقيق ّ‬
‫ّ‬ ‫((( قطب الدين‬
‫مؤسسة اإلمام املهدي‪،‬‬
‫اإلمام املهدي‪ Q ‬بإرشاف الس ّيد مح ّمد باقر املوحد األبطحي‪ّ ،‬‬
‫إيران ‪ -‬قم‪1409 ،‬ه‪ ،‬ط‪ ،1‬ج‪ ،1‬ص‪.85‬‬

‫‪97‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫«إذا أبرمت ما أمرتك به‪ ،‬فكن عىل أه ّبة الهجرة إىل الله‬
‫ورسوله»(((‪.‬‬
‫‪ .3‬يف الحروب يف غزوة أحد‪ ،‬فقد ُروي أنّه ملّا انتهت فاطمة‬
‫النبي] إىل رسول الله‪ ،P ‬ونظرتا‬ ‫‪ O‬وصف ّية [ع ّمة ّ‬
‫يل‪« :Q ‬أ ّما ع ّمتي فاحبسها عنّي‪ ،‬وأ ّما‬ ‫إليه‪ ،‬قال لع ّ‬
‫فلم دنت فاطمة ‪ O‬من رسول‬ ‫فاطمة فدعها»‪ّ ،‬‬
‫الله‪ ،P ‬ورأته قد ُش ّج يف وجهه ُوأدمي فوه إدما ًء‪ ،‬صاحت‬
‫وجعلت متسح الدم‪ ،‬وتقول‪« :‬اشت ّد غصب الله عىل من‬
‫أدمى وجه رسول الله»(((‪.‬‬
‫يف معركة الخندق‪ ،‬ورد عن أمري املؤمنني‪« :Q ‬ك ّنا مع‬
‫النبي‪ P ‬يف حفر الخندق‪ ،‬إذ جاءته فاطمة ومعها كرسة خبز‪،‬‬ ‫ّ‬
‫النبي‪ :P ‬ما هذه الكرسة؟ قالت‪:‬‬‫ّ‬ ‫فقال‬ ‫‪،‬‬ ‫‪P‬‬ ‫‪ ‬‬ ‫النبي‬
‫ّ‬ ‫إىل‬ ‫فدفعتها‬
‫قرصاً خبزتها للحسن والحسني‪ ،‬جئتك منه بهذه الكرسة‪ ،‬فقال‬
‫النبي‪ :P ‬أما إنّه أ ّول طعام دخل فم أبيك منذ ثالث»(((‪.‬‬‫ّ‬

‫ّّ‬
‫اإلربل‪ ،‬عيل بن أيب الفتح‪ ،‬كشف الغ ّمة يف معرفة األ ّمئة‪ ،‬دار األضواء‪ ،‬لبنان ‪ -‬بريوت‪1405 ،‬ه‬ ‫(((‬
‫‪1985 -‬م‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪ ،2‬ص‪.32‬‬
‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.96‬‬
‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬
‫((( الصدوق‪ ،‬الشيخ مح ّمد بن عيل بن بابويه‪ ،‬عيون أخبار الرضا‪ ،Q ‬تصحيح الشيخ حسني‬
‫مؤسسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬لبنان ‪ -‬بريوت‪1404 ،‬ه ‪1984 -‬م‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.43‬‬ ‫األعلمي‪ّ ،‬‬
‫‪98‬‬
‫واأليام األواخر‬
‫ّ‬ ‫الموعظة الحادية عشرة‪ :‬فاطمة الزهراء ‪ ،O‬جهادها‬

‫وتذكر الروايات أنّها ‪ O‬خرجت مع أبيها‪ P ‬يوم فتح‬


‫مكّة‪ ،‬وشهدت مع أبيها وبعلها نرص الله بالفتح والقضاء عىل‬
‫الوثنيّة يف بيت الله وحرمه‪.‬‬
‫ث ّم بعد ذلك ما اضطلعت به من مسؤول ّية منع اضطرام أوار‬
‫الفتنة‪ ،‬ولو عىل حساب حياتها وحساب جنينها‪ ،‬عندما تص ّدت‬
‫النبوي‬
‫ّ‬ ‫لحرق البيت بنفسها‪ .‬وكذلك‪ ،‬من خالل دفاعها عن اإلرث‬
‫يف الرسالة اإللهيّة‪ ،‬من خالل املواجهة املبارشة يف خطبتها يف املسجد‬
‫النبوي‪ ،‬وهي التي ب ّينت فيها بعض أرسار الترشيع‪ ،‬مدافع ًة عن‬‫ّ‬
‫األصول وعن حريم الوالية‪.‬‬
‫َ‬
‫فقدها رسول الله‪ P ‬وحزنها الشديد‬
‫كانت الس ّيدة فاطمة‪ O ‬آخر من كان له عهد برسول‬
‫رس لها فبكت طويالً!‬‫الله‪ P ‬بعد أمري املؤمنني‪ ،Q ‬وقد أ ّ‬
‫رس‬
‫رس لها ثانية فتهلّل وجهها! فقيل لها ‪ :O‬ما الذي أ ّ‬ ‫ثم أ ّ‬
‫َس َي عنك ما كنت عليه من الحزن والقلق‬ ‫إليك رسول الله‪ P ‬ف ُ ِ‬
‫خبين أنّني أ ّول أهل بيته لحوقاً به‪،‬‬
‫بوفاته؟ قالت ‪« :O‬إنّه ّ‬
‫وأنّه لن تطول املدّ ة يب بعده ح ّتى أدركه؛ فرسي ذلك ع ّني» ‪.‬‬
‫(((‬

‫((( املفيد‪ ،‬الشيخ مح ّمد بن مح ّمد بن النعامن‪ ،‬اإلرشاد يف معرفة حجج الله عىل العباد‪ ،‬تحقيق‬
‫مؤسسة آل البيت‪ R ‬لتحقيق الرتاث‪ ،‬دار املفيد للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬لبنان ‪-‬‬ ‫ّ‬
‫بريوت‪1414 ،‬ه ‪1993 -‬م‪ ،‬ط‪ ،2‬ج‪ ،1‬ص‪.187‬‬

‫‪99‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫تبق الزهراء ‪ O‬بعد أبيها‪ P ‬سوى أشه ٍر معدودة‪،‬‬ ‫ومل َ‬


‫قضتها بالبكاء‪ ،‬والنحيب‪ ،‬واألنني‪ ،‬حتّى ُع ّدت من البكّائني‪ ،‬ومل ت ُ َر‬
‫ضاحكة ق ّط(((‪ .‬وذات يوم‪ ،‬دخلت أ ّم سلمة عىل فاطمة ‪،O‬‬
‫أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله‪P ‬؟ قالت‬ ‫ِ‬ ‫فقالت لها‪ :‬كيف‬
‫الويص» ‪.‬‬
‫(((‬
‫ّ‬ ‫النبي‪ ،‬وظُلِم‬
‫‪« :O‬أصبحت بني كم ٍد وكرب؛ ُف ِقد ّ‬
‫ّ‬
‫الزهراء ‪ O‬نصيرة الحق‬
‫كانت السيد ُة الزهرا ُء ‪ O‬أ ّو َل من نادى بنرص ِة ِّ‬
‫الحق بعد‬
‫الرغم م َن امل ّد ِة القصري ِة زماناً والفاصل ِة‬
‫وفا ِة رسو ِل الل ِه‪ ،P ‬فعىل ِ‬
‫لها عن اللحاقِ بأبيها‪ P ‬نج ُد أنَّها استفادتْ من كافّ ِة الوسائلِ‬
‫املمكن ِة لالنتصا ِر لنه ِج الوالي ِة املتمثّلِ بأمريِ املؤمن َني‪.Q ‬‬
‫اعتمدت الزهرا ُء ‪ O‬يف املواجه ِة عىل أمورٍ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫لقد‬
‫واجهت ‪ O‬منطقَ القو ِم مبا ب ّرروا به ما جرى من‬ ‫ْ‬ ‫‪.1‬‬
‫فقالت ‪« :O‬ابتداراً زعمت ُْم َ‬
‫خوف الفتنةِ‪ ،‬أال‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫أحداث‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ملحيطة بالكافرينَ »(((‪.‬‬ ‫يف الفتن ِة سقطوا َّ‬
‫وإن جهن َّم‬

‫((( ابن سعد‪ ،‬الطبقات الكربى‪ ،‬دار صادر‪ ،‬لبنان ‪ -‬بريوت‪ ،‬ال‪.‬ت‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ج‪ ،2‬القسم ‪ ،2‬ص‪ ،84‬وحلية‬
‫األولياء‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.43‬‬
‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،43‬ص‪.156‬‬
‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬
‫يل بن أيب طالب‪ ،‬االحتجاج عىل أهل اللجاج‪ ،‬تعليق‬‫الطربيس‪ ،‬الشيخ أيب منصور أحمد بن ع ّ‬
‫ّ‬ ‫(((‬
‫الس ّيد مح ّمد باقر الخرسان‪ ،‬دار النعامن للطباعة والنرش‪ ،‬العراق ‪ -‬النجف األرشف‪1386 ،‬ه‬
‫‪1966 -‬م‪ ،‬ال‪.‬ط‪ ،‬ج‏‪ ،1‬ص‪.137‬‬

‫‪100‬‬
‫واأليام األواخر‬
‫ّ‬ ‫الموعظة الحادية عشرة‪ :‬فاطمة الزهراء ‪ ،O‬جهادها‬

‫الصحيح للوصولِ إىل الحقِّ من‬ ‫ِ‬ ‫الطريق‬


‫ِ‬ ‫كشفت لهم عن‬ ‫ْ‬ ‫‪.2‬‬
‫فقالت ‪:O‬‬ ‫ْ‬ ‫وجل‪،-‬‬‫كتاب الل ِه ‪-‬ع َّز َّ‬ ‫الرجوع إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫خاللِ‬
‫اهرة‪،‬‬ ‫ظاهرة‪ ،‬وأحكا ُمه ز ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫«وكتاب الل ِه بني أظهركِم‪ ،‬أمو ُره‬ ‫ُ‬
‫واضحة‪ ،‬قد‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫اليحة‪ ،‬وأوام ـ ُره‬ ‫باهرة‪ ،‬وزواج ـ ُره‬ ‫ٌ‬ ‫وأعال ُمه‬
‫خ ّلفتموه ورا َء ظهورِكم‪ ،‬أرغب ًة عنه تريدون؟ أم بغ ِري ِه‬
‫ني بد ًال»(((‪.‬‬ ‫تحكمون؟ بئس للظامل َ‬
‫األعلم‬
‫َ‬ ‫ني‪ Q ‬بوص ِفه‬ ‫كشفت مرجع ّي َة أم ِري املؤمن َ‬ ‫ْ‬ ‫‪.3‬‬
‫الرجوع إليه‪ ،‬وأنَّهم لو اعتمدوا‬ ‫َ‬ ‫بينهم‪ ،‬مبا يح ّت ُم عليهم‬
‫الرجوع إىل القرآنِ ملا اهت َدوا إىل الحقِّ ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أنفسهم يف‬ ‫عىل ِ‬
‫أخرج‬‫َ‬ ‫«أفخصكم الل ُه بآي ٍة (من القرآنِ )‬ ‫ّ‬ ‫قالت ‪:O‬‬
‫ني ال‬ ‫أهل م ّلت ِ‬ ‫أيب مح ّمداً‪ P ‬منها؟ أم هل تقولون َّإن َ‬
‫لست أنا وأيب من أهلِ م ّل ٍة واحدةٍ؟ أم أنتم‬ ‫يتوارثانِ ؟ أَ َو ُ‬
‫وابن ع ّمي؟»(((‪.‬‬
‫بخصوص القرآنِ وعمومِه من أيب ِ‬ ‫ِ‬ ‫أعلم‬
‫ُ‬
‫‪ .4‬إنَّ العدالة اإلله ّية تبقى هي الحاكم ُة‪ ،‬وإنّ البع َد اإلميا َّين‬
‫يشد من عزمي ِة أهلِ اإلميانِ ؛ ولذا‬ ‫املرتبط باآلخر ِة هو الذي ُّ‬ ‫َ‬

‫الطربيس‪ ،‬االحتجاج‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.137‬‬


‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬
‫((( املصدر نفسه‪ ،‬ص‪.138‬‬

‫‪101‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫والزعيم‬
‫ُ‬ ‫الح َك ُم اللهُ‪،‬‬
‫«فنعم َ‬‫َ‬ ‫قالت ‪ O‬يف خطب ِتها‪:‬‬ ‫ْ‬
‫يخرس‬
‫ُ‬ ‫مح ّمد‪ ،P ‬واملوعدُ القيام ُة‪ ،‬وعند الساع ِة‬
‫ولكل نبإٍ مستق ٌّر‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫تندمون‪،‬‬ ‫ينفعكم إ ْذ‬ ‫َ‬
‫املبطلون‪ ،‬وال ُ‬
‫ُّ‬
‫ويحل عليه‬ ‫عذاب يخزيه‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬
‫تعلمون من يأتيه‬ ‫وسوف‬
‫عذاب مقيم»(((‪.‬‬
‫ٌ‬

‫الطربيس‪ ،‬االحتجاج‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.139‬‬


‫ّ‬ ‫((( الشيخ‬

‫‪102‬‬
‫الموعظة الثانية عشرة‬

‫جهاد المرأة‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫السيدة زينب ‪ O‬نموذجا‬

‫محاور الموعظة‬

‫‪1.1‬نظرة اإلسالم إلى المرأة‬


‫ّ‬
‫‪2.2‬جهاد المرأة ُحسن التبعل‬
‫ّ‬
‫كفائي‬ ‫‪3.3‬الجهاد واجب‬
‫‪4.4‬جهاد النساء في صدر اإلسالم وعصرنا الحاضر‬
‫‪5.5‬المرأة في الميدان‬
‫‪6.6‬كربالء وزينب ‪O‬‬
‫هدف الموعظة‬

‫الجهادي للمرأة‪ ،‬رشعاً وواقعاً‪ ،‬من خالل التاريخ‬


‫ّ‬ ‫تع ّرف الدور‬
‫والس ّيدة زينب ‪.O‬‬

‫تصدير الموعظة‬

‫واجب عىل النساء‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫الخميني{‪« :‬الجها ُد غري‬
‫ّ‬ ‫يقول اإلمام‬
‫ولكن‪ ،‬إذا ما حدث هجوم ضدّ البالد اإلسالم ّية‪ ،‬فإنّ عىل الجميع‪،‬‬
‫يهب للدفاع»(((‪.‬‬
‫نسا ًء ورجاالً‪ ،‬أن ّ‬
‫نظرة اإلسالم إلى المرأة‬
‫العلمة الشهيد مرتىض مط ّهري‪« :{ ‬إ ّن القرآن‬ ‫يقول ّ‬
‫نظر إىل املرأة كام نظرت إليها الطبيعة‪ ،‬ومن هذه الناحية‪ ،‬نجد‬
‫االنسجام الكامل بني أوامر القرآن وأوامر الطبيعة‪ .‬املرأة يف القرآن‬
‫هي نفس املرأة يف الطبيعة‪ ،‬إ ّن هذين الكتابني اإللهيني‪ ،‬أحدهام‬
‫تكويني واآلخر تدويني‪ ،‬مع بعضهام»(((‪.‬‬

‫الخميني{‪ ،‬إعداد ونرش دار املعارف اإلسالم ّية الثقاف ّية‪ ،‬لبنان ‪ -‬بريوت‪،‬‬
‫ّ‬ ‫((( املرأة يف فكر اإلمام‬
‫‪2009‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.47‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬إيران ‪ -‬قم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫((( الشيخ الشهيد مرتىض مط ّهري‪ ،‬نظام حقوق املرأة يف اإلسالم‪ ،‬دار الكتاب‬
‫‪2005‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.22‬‬

‫‪104‬‬
‫السيدة زينب ‪ O‬نموذجاً‬
‫ّ‬ ‫الموعظة الثانية عشرة‪ :‬جهاد المرأة‪،‬‬

‫فالقرآن يق ّدم النظرة اإلسالميّة للمرأة‪ ،‬وهي التي تتوافق مع‬


‫الطبيعي‪ ،‬فيطلب منها الدور الذي يتوافق مع طبيعتها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫تكوينها‬
‫ويعطيها الحقوق التي متكّنها من أداء هذا الدور‪.‬‬
‫جهاد المرأة حسن ُّ‬
‫التبعل‬
‫وفدت أسامء بنت يزيد من سكن بن رافع بن امرئ القيس‬
‫األشهل ّية األنصارية عىل رسول الله‪ P ‬يف جامعة من النساء‪،‬‬
‫فقالت‪ :‬بأيب أنت وأمي يا رسول الله! أنا وافدة النساء إليك‪.‬‬
‫وجل‪ ،-‬بعثك إىل الرجال والنساء كافّة‪ ،‬فآم ّنا بك‬ ‫إ ّن الله ‪-‬ع َّز َّ‬
‫وبإلهك‪ .‬وإنّا‪ ،‬معرش النساء‪ ،‬محصورات‪ ،‬مقصورات‪ ،‬قواعد يف‬
‫بيوتكم‪ ،‬ومقىض شهواتكم‪ ،‬وحامالت أوالدكــم‪ .‬وإنّكم معرش‬
‫الرجال‪ ،‬فُضّ لتم علينا بال ُجمع والجامعات‪ ،‬وعيادة املرىض وشهود‬
‫الحج‪ ،‬وأفضل من ذلك الجهاد يف سبيل الله‬ ‫والحج بعد ّ‬
‫ّ‬ ‫الجنائز‪،‬‬
‫وجل‪ .-‬وإ ّن الرجل إذا خرج حا ّجاً أو معتمرا ً‪ ،‬أو مجاهدا ً‪،‬‬ ‫‪-‬ع َّز َّ‬
‫حفظنا لكم أموالكم‪ ،‬وغزلنا لكم أثوابكم‪ ،‬وربّينا لكم أوالدكم‪.‬‬
‫أفام نشارككم هذا األجر والخري؟ فالتفت رسول الله‪ P ‬إىل‬
‫أصحابه‪ ،‬وقال‪« :‬هل سمعتم مقالة امرأ ٍة أحسن سؤاالً عن دينها‬
‫ِم ْن هذه؟»‪ ،‬فقالوا‪ :‬بىل يا رسول الله‪ ،‬فقال رسول الله‪:P ‬‬
‫«انرصيف يا أسامء‪ ،‬وأعلِمي َم ْن وراءك من النساء أنّ ُح ْس َن تب ُّعل‬

‫‪105‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫إحداك ّن لزوجها‪ ،‬وطلبها ملرضاته‪ ،‬واتّباعها ملوافقته‪ ،‬يعدل ما‬


‫وتكب استبشارا ً مبا‬
‫ذكرت للرجال»‪ .‬فانرصفت أسامء‪ ،‬وهي تهلّل ّ‬‫ِ‬
‫قال لها رسول الله‪.(((P ‬‬
‫ّ‬
‫كفائي‬ ‫الجهاد واجب‬
‫يؤكّد اإلسالم ‪-‬كام هو واضح من فتاوى الفقهاء يف الرسائل‬
‫واألمني يف مواجهة األعداء‪ ،‬إنّ ا هو‬
‫ّ‬ ‫العسكري‬
‫ّ‬ ‫العمل ّية‪ -‬أ ّن الجهاد‬
‫واجب كفا ّيئ‪ .‬وهذا واضح يف سرية املعصومني ‪ R‬وحياتهم‪،‬‬
‫فعندما كانت الكفاية متحقّقة يف الجهاد يف وجه أعداء اإلسالم‬
‫والوالية‪ ،‬مل تكن هناك أيّة مشاركة للنساء‪.‬‬
‫جهاد النساء في صدر اإلسالم وعصرنا الحاضر‬
‫لقد ّبي التاريخ مشاركات نسائ ّية رائدة يف مواجهة األعداء‪،‬‬
‫مبا يتناسب مع طبيعة املرأة وقدراتها‪ .‬فقد شاركت النساء مع‬
‫النبي‪ P ‬يف مواجهة العقبات والصعاب التي اعرتضت الدعوة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫بدءا ً من الس ّيدة خديجة بنت خويلد التي عوقبت باعتزال النساء‬
‫لها‪ ،‬وأنفقت يف سبيل دعوته ثروتها وجاهها‪ ،‬ث ّم الس ّيدة فاطمة بنت‬
‫أسد ‪ ،O‬أ ّم أمري املؤمنني‪ ،Q ‬التي حمته ووقته بنفسها‬

‫((( ابن عبد ال ّرب‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬تحقيق عيل مح ّمد البجاوي‪ ،‬دار الجيل‪ ،‬لبنان ‪ -‬بريوت‪1412 ،‬ه ‪-‬‬
‫‪1992‬م‪ ،‬ط‪ ،1‬ج‪ ،4‬ص‪.1788‬‬

‫‪106‬‬
‫السيدة زينب ‪ O‬نموذجاً‬
‫ّ‬ ‫الموعظة الثانية عشرة‪ :‬جهاد المرأة‪،‬‬

‫كل أصناف املعاناة يف ِشعب أيب‬ ‫وزوجها وأبنائها‪ ،‬وقاست معه ّ‬


‫طالب‪ ،‬ث ّم سم ّية أ ّم يارس التي كانت مع زوجها أ ّول شهيدين يف‬
‫اإلسالم‪ ،‬ث ّم النساء الاليت باي ْع َنه يف العقبتني والشجرة والرضوان‪ ،‬ث ّم‬
‫النساء الاليت هجرن األهل والديار إىل الحبشة‪ ،‬ث ّم إىل املدينة‪ ،‬والاليت‬
‫يقل دوره ّن‬‫هاجرن إىل املدينة من مكّة‪ ،‬ث ّم نساء األنصار الاليت مل ّ‬
‫النبي‪ P ‬مرورا ً‬‫عن جهاد الرجال‪ ،‬وهذا ما ينطبق أيضاً عىل ما بعد ّ‬
‫بعرص األمئّة األطهار ‪ ،R‬وصوالً إىل يف عرصنا الحارض‪ ،‬يقول‬
‫الخميني‪« :{ ‬اآلن‪ ،‬حيث تتواجدون يف جبهات القتال‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫اإلمام‬
‫الحساسة‪َ ،‬م ْن الذي يقوم‬‫ويتواجد جنودنا‪ ،‬ينرصهم الله‪ ،‬يف األماكن ّ‬
‫بتوفري احتياجاتهم؟ إ ّن النساء ه ّن الاليئ يقمن بإعداد الخبز لكم‪...‬‬
‫إ ّن النساء يف صدر اإلسالم ك ّن يخرجن إىل الحرب‪ ،‬وكان معظمه ّن‬
‫يعمل طوال الوقت يف إسعاف املصابني ومداواة الجرحى»(((‪.‬‬
‫المرأة في الميدان‬
‫«إذا مل تتوفّر الكفاية يف الرجال‪ ،‬فإ ّن النساء ينزلن إىل امليدان‬
‫ملساعدة الرجال‪ ،‬كنسيبة املازن ّية األنصاريّة‪ ،‬التي خرجت يف أُ ُحد‬
‫مع رسول الله‪ ،P ‬حامل ًة قربة املاء تسقي أصحابه‪ .‬وعندما تف ّرق‬
‫األصحاب عنه‪ ،‬بعد ترك التلّة ونفاذ خالد يف أصحابه ووصولهم إىل‬

‫الخميني الثقا ّيف‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪.50‬‬


‫ّ‬ ‫الخميني{‪ ،‬إصدار مركز اإلمام‬
‫ّ‬ ‫((( املرأة يف فكر اإلمام‬

‫‪107‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫رسول الله‪ P ‬حملت عىل األعداء‪ ،‬تار ًة بالسيف‪ ،‬وأخرى بالفأس‪،‬‬


‫حتّى أُصيب بدنها بجراحات كثرية»(((‪.‬‬
‫ومثل صفيّة بنت عبد املطلب‪ ،‬التي قامت يف معركة األحزاب‬
‫للتجسس وإلقاء‬
‫ّ‬ ‫النبي‪P ‬‬
‫بقتل من حاول التسلّل إىل معسكر ّ‬
‫الفتنة وجمع املعلومات‪ ،‬وهو من اليهود‪ ،‬وبعد أن قتلته قامت‬
‫مم ألقى الرعب يف قلوبهم(((‪.‬‬
‫برمي رأسه إىل قومه أسفل الحصن‪ّ ،‬‬
‫وغري ذلك الكثري من النساء يف هذا املضامر‪.‬‬
‫كربالء وزينب ‪O‬‬
‫يف كربالء‪ ،‬كان دور املرأة رائدا ً يف الجهاد‪ ،‬حتّى يف أرض امليدان‪.‬‬
‫وكانت السيّدة زينب ‪ O‬عىل رأسه ّن‪ ،‬وقد أظهرت مواقف‬
‫قل نظريها‪:‬‬
‫بطول ّية ثابتة ّ‬
‫‪ .1‬حضورها في أرض المعركة‬
‫هاجرت مع أخيها اإلمــام الحسني‪ ،Q ‬تارك ًة ديارها‬
‫وأرستها‪ ،‬مصطحب ًة معها ولديها عون ومح ّمد‪ ،‬اللذين قُتال مع‬
‫أخيها‪ ،Q ‬ث ّم واكبته حتّى استشهد‪.Q ‬‬

‫العلمة الشيخ ذبيح الله مح ّاليت‪ ،‬رياحني الرشيعة يف ترجمة عاملات نساء الشيعة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪،80‬‬
‫((( ّ‬
‫اإلصابة‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.418‬‬
‫((( ابن األثري الجزري‪ ،‬أسد الغابة يف معرفة الصحابة‪ ،‬دار الكتاب العريب‪ ،‬لبنان ‪ -‬بريوت‪ ،‬ال‪.‬ت‪،‬‬
‫ال‪.‬ط‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.492‬‬

‫‪108‬‬
‫السيدة زينب ‪ O‬نموذجاً‬
‫ّ‬ ‫الموعظة الثانية عشرة‪ :‬جهاد المرأة‪،‬‬

‫الخامنئي‪« :} ‬عندما وصلت زينب إىل حيث‬ ‫ّ‬ ‫يقول اإلمام‬


‫أي ر ّد فعل‪،‬‬‫يرقد جسد عزيزها عىل رمضاء كربالء‪ ،‬بدل أن تبدي ّ‬
‫بدل أن تشتيك‪ ،‬ذهبت يف اتّجاه جسد عزيزها أيب عبد الله وارتفع‬
‫صل عليك مليك‬ ‫صوتها‪ ،‬وهي تخاطب ج ّدها‪« :‬يا رسول الله‪ّ ،‬‬
‫السامء‪ ،‬هذا حسينك مر ّمل بالدماء‪ ،‬مقطّع األعضاء» ؛ أي يا‬
‫(((‬

‫ج ّدي العزيز‪ ،‬انظر نظر ًة إىل صحراء كربالء الحارقة‪ ،‬هذا حسني‬
‫معفَّر بالرتاب مخضّ ب بالدماء‪ ،‬ث ّم ينقلون أ ّن زينب وضعت يديها‬
‫«اللهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يل وارتفع نداؤها إىل السامء‪:‬‬
‫تحت جسد الحسني بن ع ّ‬
‫تق ّبل من آل مح ّمد هذا القربان!» ‪.‬‬
‫(((‬

‫موكب السبايا وابنَ أخيها‬


‫َ‬ ‫‪ .2‬حمايتها‬
‫ث ّم حمت العيال واألطفال من كربالء إىل الكوفة إىل الشام‪،‬‬
‫جاد‪Q ‬‬ ‫ث ّم إىل املدينة‪ ،‬وعندما حاول الشمر قتل اإلمام الس ّ‬
‫العليل‪ ،‬رمت بنفسها عليه‪ ،‬وقالت‪ :‬ال يُقتل حتّى أُقتل دونه‪.‬‬
‫باإلضافة إىل ذلك كلّه‪ ،‬مواجهة ابن زياد يف الكوفة‪ .‬وم ّر ًة أخرى‬
‫تحمي اإلمام الس ّجاد‪ Q ‬عندما أراد ابن زياد قتله قائلة‪:‬‬

‫((( ابن منا ّ‬


‫الحل‪ ،‬مثري األحزان‪ ،‬املطبعة الحيدر ّية‪ ،‬العراق ‪ -‬النجف األرشف‪1369 ،‬ه‪1950 -‬م‪،‬‬
‫ال‪.‬ط‪ ،‬ص‪.65‬‬
‫((( من خطبة له‪ } ‬يف صالة الجمعة‪ ،‬يف ‪ 27‬أيلول ‪1985‬م‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫هجلاو ةرسألا يف ظعاوم ‪ -‬اوُّدِعَأَو‬

‫ُبق م ّنا أحداً‪ ،‬فإن عزمت عىل قتله فاقتلني‬ ‫«يابن زياد‪ ،‬إنّك مل ت ِ‬
‫قائال‪ :‬الحمد لله الذي‬ ‫معه»(((‪ .‬وعندما خاطبها ابن مرجانة ً‬
‫فضحكم وقتلكم‪ ،‬وأبطل أحدوثتكم‪ ،‬أجابته ‪ O‬بشجاعة أبيها‬
‫محتقرة له‪« :‬الح ْمدُ لل ِه الَّذي أَكْ َر َم َنا ِب َن ِب ِّي ِه‪َ ،‬وطَ َّه َرنا ِم َن ال ِّر ْج ِس‬
‫َاس ُق َويَكْ ِذ ُب الْفَاجِ ُر‪َ ،‬و ُه َو غ ْ َُينَا والح ْمدُ‬ ‫تَطْ ِهرياً‪ ،‬إِنَّ َا يَ ْف َت ِض ُح الْف ِ‬
‫لل ِه»(((‪ .‬ث ّم بعد ذلك مواجهة الطاغية يزيد يف دمشق الشام‪.‬‬
‫‪ .3‬تسليمها وثباتها‬
‫ِ‬
‫بأخيك؟‬ ‫رأيت صنع الله‬ ‫عندما خاطبها ابن زياد مستهزئاً‪ :‬كيف ِ‬
‫أجابته بكلامت الظفر والنرص‪« :‬ما َرأَيْ ُت ّإل َج ِميالً‪ ،‬ه ُؤالَ َء َق ْو ُم‬
‫كَ َت َب اللهُ َعلَ ْيه ُِم الْ َق َت َل‪ ،‬ف َ ََبزُوا إِىل َمضَ اجِ ِعه ِْم‪َ ،‬و َس َي ْج ُ‬
‫مع اللهُ بَ ْي َنكَ‬
‫َاص ُم‪ ،‬فَانْظُ ْر لِ َم ِن الْ َفل َُج يَو َم ِئ ٍذ‪ ،‬ثَكَلَتْكَ أُ ُّمكَ‬
‫اج َوتُخ َ‬ ‫َوبَ ْي َن ُه ْم‪َ ،‬ف ُت َح ُّ‬
‫يابْ َن َم ْر َجانَ َة‪.(((»...‬‬
‫وكذا عندما دخل موكب السبايا الكوفة‪ ،‬وخرج الناس يتف ّرجون‪،‬‬
‫أومأت زينب إليهم أنِ اسكتوا‪ ،‬فارت ّدت األنفاس‪ ،‬وسكنت األجراس‪،‬‬
‫ىل َجدِّ ي ُم َح َّم ٍد َوآلِ ِه‬ ‫الصالَ ُة َع َ‬ ‫ث ّم قالت‪« :O ‬الْ َح ْمدُ لل ِه‪َ ،‬و َّ‬
‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،45‬ص‪.117‬‬
‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬
‫((( الشيخ املفيد‪ ،‬اإلرشاد يف معرفة حجج الله عىل العباد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‏‪ ،2‬ص‪.115‬‬
‫املجليس‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ج‪ ،45‬ص‪.116‬‬
‫ّ‬ ‫((( ّ‬
‫العلمة‬

‫‪110‬‬
‫السيدة زينب ‪ O‬نموذجاً‬
‫ّ‬ ‫الموعظة الثانية عشرة‪ :‬جهاد المرأة‪،‬‬

‫ال َّط ِّي ِب َني األَ ْخ َيارِ‪ ،‬يَا أَ ْه َل ا ْلكُو َف ِة‪ ،‬يَا أَ ْه َل ا ْل َخ ْتلِ والْغَدْ رِ‪ ،‬أَتَ ْبكُونَ ؟!‬
‫ول هَدَ أَ ِت ال َّرنَّ ُة‪ ،‬إِنَّ َا َم َثلُك ُْم كَ َمثَلِ الَّ ِتي نَقَضَ ْت‬ ‫ف ََل َر َقأَ ِت الدَّ ْم َع ُة‪َ ،‬‬
‫َغ ْزلَ َها ِم ْن بَ ْع ِد ُق َّو ٍة أَنْكَاثاً‪ ،‬تَ َّت ِخ ُذونَ أَ ْيَانَك ُْم َد َخالً بَ ْي َنك ُْم‪ ...‬أَتَ ْبكُونَ‬
‫َوتَ ْن َت ِح ُبونَ ؟! إِ ْي َوالل ِه‪ ،‬فَابْكُوا كَ ِثرياً‪ ،‬واضْ َحكُوا َقلِيالً‪َ ،‬فلَ َقدْ َذ َه ْب ُت ْم‬
‫ِب َعا ِر َها َوشَ ناَ ِر َها‪.(((»...‬‬

‫الحسيني‪ ،‬اللهوف يف قتىل الطفوف‪،‬‬


‫ّ‬ ‫((( ابن طاووس‪ ،‬الس ّيد ريضّ الدين عيل بن موىس الحسني‬
‫أنوار الهدى‪ ،‬إيران ‪ -‬قم‪1417 ،‬ه‪ ،‬ط‪ ،1‬ص‪.87‬‬

‫‪111‬‬

You might also like