You are on page 1of 24

‫معلومات الكتاب‪:‬‬

‫العنوان‪ :‬فتاوى ابن تيمية يف امليزان‪.‬‬


‫أتليف‪ :‬حممد بن أمحد مسكة بن العتيق اليعقويب‪.‬‬
‫اتريخ الطبع‪ :‬ذي احلجة ‪1423‬هـ املوافق ‪2003‬م‪.‬‬
‫الناشر‪ :‬مركز أهل السنة بركات رضا‪.‬‬

‫القسم األول‪ :‬التعريف ابلكتاب‬


‫الكتاب يقع يف مقدمة ومتهيد وعشرة أبواب‪ ،‬وحتت بعض األبواب فصول ومباحث‬
‫وتفصيلها كالتايل‪:‬‬

‫املقدمة‪:‬‬

‫حتدث فيها املؤلف ع ن انتشار كتب ابن تيمية بني الناس وتوزيعها ابجملان‪ ،‬وأن هذا‬
‫كان سببا يف افتتان العامة هبا واملثقفني‪ ،‬وإصغاء العلماء هلا‪ ،‬وإشادهتم هبا‪ ،‬وردهم على التهم‬
‫املوجهة إىل ابن تيمية‪.‬‬
‫ورأى املؤلف فيما ذكر سببا لقراءة كتب ابن تيمية‪ ،‬وبعد قراءهتا على حد تعبري املؤلف‬
‫"وجدها موسوعة بدع مل تكد تدع بدعة إال أتت هبا ونصرهتا"(‪ ،)1‬وقد كان املؤلف ‪-‬على حد‬
‫تعبريه‪ -‬يعتقد أن بدع ابن تيمية منحصرة يف القول ابجلهة والتشبيه‪ ،‬وإنكار التوسل وشد‬
‫الرحال إىل قبور الصاحلني؛ لكن املؤلف وجد أن ابن تيمة يقول بقدم العامل‪ ،‬وحبدوث القرآن‪،‬‬
‫وجيوز القول خبلق القرآن وحبلول احلوادث يف هللا سبحانه وتعاىل! ويقول بفعل األسباب بطبعها‪،‬‬
‫كما يقول بعدم عصمة األنبياء‪ ،‬وبفناء النار‪ ،‬ويسب األولياء والصاحلني(‪.)2‬‬
‫ويرى املؤلف أنه من الواجب عليه بعد أن رأى كل ما ذكر‪ :‬أن ينصح للعلماء‪ ،‬ويبني‬
‫هلم ما اطلع عليه من بدع ابن تيمية‪ ،‬ويف نفس السياق نبه على عدم وجود اإلضافة يف كالم‬

‫(‪ )1‬فتاوى ابن تيمة يف امليزان (ص‪.)10 :‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق (ص‪.)11 :‬‬
‫ابن تيمة وأن كالمه جمرد تكرار وإعادة لنفس القضااي يف أثواب متعددة وأساليب خمتلفة‪ ،‬ورأى‬
‫أن تبين كتب ابن تيمية يعد تضليال لعامة األمة من أهل املذاهب األربعة واألشعرية واملتصوفة‪،‬‬
‫وقد سرد أمساء لكبار احملدثني من الفقهاء والعلماء واملفسرين وختم جبمع من علماء شنقيط‬
‫يرى أهنم خيالفون عقيدة ابن تيمية؛ بعضهم من ذويه وبعضهم من موافقيه وهم مربط الفرس‬
‫عنده(‪)1‬؛ ألنه يريد محاية التدين احمللي‪.‬‬

‫التمهيد‪ ،‬وفيه ثالثة فصول‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬يف أقوال العلماء يف ابن تيمية‪:‬‬

‫وقد حشد فيه املؤلف أقوال معارضي شيخ اإلسالم ابن تيمية فيه‪ ،‬ومن أبرز هؤالء‪:‬‬
‫تقي الدين السبكي‪ ،‬وحيىي بن إمساعيل بن جهبل‪ ،‬والزملكاين‪ ،‬واألخنائي قاضي املالكية‪ ،‬وابن‬
‫مجاعة(‪ ،)2‬وأتى املؤلف بنقول عن ابن دقيق العيد وابن حجر والسخاوي يرى فيها على حد‬
‫قوله إدانة وتبديعا البن تيمية‪ ،‬وخلص إىل أن االستفادة من كتب ابن تيمية متعذرة؛ ألن البدعة‬
‫غالبة فيها كاجلهة‪ ،‬ووصف هللا حبلول احلوادث‪ ،‬ومنع التوسل واالستغاثة‪ ،‬وسب الصاحلني‬
‫واألولياء(‪.)3‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬يف احلشوية وهم طائفة ابن تيمية‪:‬‬

‫وقد عرف يف هذا الفصل الطائفة احلشوية‪ ،‬وذكر أن منها اجملسمة‪ ،‬مث ذكر أن بعض‬
‫املنتسبني ألمحد بن حنبل كانوا غالة يف اإلثبات فأثبتوا صفات ال تليق ابلباري سبحانه وتعاىل‪،‬‬
‫وأشاد بردود ابن اجلوزي عليهم يف كتابه‪" :‬دفع شبه التشبيه أبكف التنزيه"‪.‬‬
‫مث عرج على أن ابن تيمية التزم لوازم مذهبه الباطلة‪.‬‬
‫مث ذكر أقوال العلماء يف ذم احلشوية ونقدهم‪ ،‬وذكر طرفا من معتقداهتم‪ ،‬واليت منها‬
‫حلول هللا يف العرش‪ ،‬ونقل عن ابن اجلوزي محله على احلنابلة يف موضوع الصفات وإجرائها‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق (ص‪.)13 :‬‬


‫(‪ )2‬املرج السابق (ص‪.)26 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق (ص‪.)46 :‬‬
‫على ظواهرها اليت ال تنفك عن معىن احلدوث(‪ ،)1‬ومل خيرج يف نقله عما ذكره ابن اجلوزي يف‬
‫"دفع شبه التشبيه"‪ ،‬مث أحال يف الكالم على احلشوية احلديثة إىل كتاب الشيخ أمحد بن فىت‬
‫احلسين الشنقيطي املوسوم بـ "فتح املبني املبني"(‪ ،)2‬وإىل كتاب حممد بن حبيب هللا بن ماايىب‬
‫اجلكين الشنقيطي املوسوم بـ "فتح املنعم على زاد املسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم"‪ ،‬و‬
‫"تكملة الرد على نونية بن القيم للكوثري"(‪ ،)3‬وختم كالمه أبن احلشوية القدمية واحلديثة‬
‫تشرتكان يف حتريف كالم أهل العلم ليأيت موافقا ألغراضهم(‪.)4‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬عقيدة أهل السنة واجلماعة‪:‬‬

‫وقد ذكر فيه العقيدة األشعرية يف الصفات‪ ،‬ووجوب أتويل ما ظاهره التشبيه‪ ،‬وأدلتهم‬
‫يف ذلك‪ ،‬ومعتقدهم يف نفي احلرف والصوت عن هللا عز وجل‪ ،‬ونفي األسباب وأتثريها‪،‬‬
‫واستدل لكل ذلك مبا يسمح به موضوع الكتاب من منقول ومعقول(‪.)5‬‬

‫مث بعد هذا التمهيد شرع يف األبواب‪:‬‬

‫الباب األول‪ :‬الصفات البارزة لفتاوى ابن تيمية‪ .‬وحتته مخس فصول‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬شيوع التشبيه والتجسيم يف الفتاوى‪:‬‬

‫وأتى فيه بنصوص يرى أهنا تدين ابن تيمية يف قضية التشبيه‪ ،‬من ذلك أن ابن تيمية‬
‫يرى أن التشبيه ال يعين شيئا كثريا(‪ ،)6‬ويف هذا هتوين من عظمة التشبيه وخطورته‪ ،‬ويرى املؤلف‬
‫من خالل النقول اليت نقل أن ابن تيمية يقيس هللا على خلقه‪ ،‬ويرد عليه أبن ما يقوله يرده‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق (ص‪.)41 :‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق (ص‪.)47 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق (ص‪.)48 :‬‬
‫(‪ )4‬املرجع السابق (ص‪.)50 :‬‬
‫(‪ )5‬املرجع السابق (ص‪ :53‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )6‬المرجع السابق (ص‪)54 :‬‬
‫يع البَصري} [سورة‬
‫س َكمثْله َش ْيء َوُه َو السم ُ‬
‫العقل والنقل‪ ،‬فأما النقل فلقوله‪{ :‬لَْي َ‬
‫الشورى‪ .]11:‬والعقل يدل على استحالة التشبيه يف حق هللا تعاىل‪.‬‬
‫وكذلك رأى الكاتب أن ابن تيمية يصف هللا ابجلسم وينظر لذلك(‪ ،)1‬وقد أحال يف‬
‫بعض ما يريد إثباته إىل تكملة الرد للكوثري(‪ ،)2‬وبقية نصوص الباب تدور حول نفس املسألة‪.‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬حتامل ابن تيمية على خصومه وحتريفه لكالمهم‪:‬‬

‫وقد افتتح الفصل بنقل عن السبكي يف رده على ابن القيم‪ ،‬يبني فيه أن ابن القيم‬
‫يقصد ابملعطلة واجلهمية األشاعرة‪ ،‬وتربع املؤلف بقياس ابن تيمية عليه جبامع االعتقاد‪،‬‬
‫وطفق ينقل عن ابن تيمية بعض ما يقوله يف األشاعرة أثناء الرد عليهم وتقومي مذهبهم‪.‬‬
‫مث عقد مقارنة بينه وبني ابن حجر‪ ،‬وفضل ابن حجر عليه‪ ،‬ورأى أن ابن تيمية ليس‬
‫له قيمة عند احلنابلة وال هو معدود يف مذهبهم عند املخالفة‪ ،‬كما ادعى املؤلف على ابن تيمية‬
‫حتريفه لكالم حمي الدين ابن عريب(‪.)3‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬أسلوب ابن تيمية يف املراوغة والتضليل‪:‬‬

‫وقد افتتح هذا الفصل مبمارسة ما يشبه الدعاية االنتخابية على حد تعبريه‪ ،‬وهذه‬
‫املراوغة اليت يتكلم عنها املؤلف عند ابن تيمية هلا مستان‪:‬‬
‫السمة األوىل‪ :‬التسرت على اآلراء‪.‬‬
‫السمة الثانية‪ :‬تصوير أن قوله هو احلق‪.‬‬
‫وضرب لذلك مثاال وهو نقل ابن تيمية خلالف املتكلمني يف قياس الغائب على‬
‫الشاهد‪ ،‬وعلق الكاتب قائال‪" :‬فهو هنا ‪-‬أي ابن تيمية‪ -‬ميهد ألمر خطري‪ ،‬وهو إثبات‬
‫التجسيم بقياس اخلالق على املخلوق يف صفاته‪ ،‬وهذا هو عني التشبه والتمثيل‪ ،‬ولكنه ال يهجم‬
‫صراحة ومنذ الوهلة األوىل على مراده‪ ،‬بل حياول أن يقيم عليه الدليل من اآلية قبل أن يتحدث‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق (ص‪.)117 :‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق (ص‪.)118 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق (ص‪123 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫عنه‪ ،‬مث يعزوه بعد ذلك لطائفة من املتكلمني ومن أصحابه أي من سلفه‪ ،‬مث يذكر بعض‬
‫خمالفيهم مث يقيم نفسه حكما بني الطائفتني"(‪.)1‬‬
‫وذكر أمثلة من نفس الباب أتيت مناقشتها يف النقد للكتاب‪ ،‬وكذلك تعقبه يف حكاية‬
‫اإلمجاع على كروية األرض‪ ،‬وقال إن ابن تيمية أقحم اإلمجاع يف املسألة‪ ،‬وذكر أن ذلك من‬
‫أساليب املراوغة‪ ،‬ومن تلك األساليب أيضا‪ :‬ذكر أقوال أهل السنة ونسبتها للجهمية(‪،)2‬‬
‫وكذلك تسميته ألهل السنة أبتباع فرعون‪ ،‬وأنه يشبه قوهلم يف االستواء بقول اليهود(‪.)3‬‬
‫وقد ذكر املؤلف يف هذا الفصل مبحثا صغريا أمساه‪ :‬موضحة‪ ،‬وال أدري هل يقصد‬
‫التعبري الفقهي عند الفقهاء يف ابب اجلناايت أم هي على ابهبا‪ ،‬وهذه املوضحة هي جناية من‬
‫املؤلف خص هبا ابن القيم ليثبت هبا مراوغة ابن تيمية‪ ،‬فقد تكلم عن كالم ابن القيم يف فناء‬
‫النار وأتى مبا قدم به الباب وجعله منوذجا للمراوغة(‪ ،)4‬وداوى املوضحة بذكر اإلمجاع على‬
‫القول أبن النار ال تفىن وختم به الباب‪.‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬يف عدم أمانة ابن تيمية العلمية‪:‬‬

‫وقد ذكر لذلك أمثلة عديدة‪ ،‬منها‪ :‬نقله لكراهة مالك لوضع اليد على املنرب‪ ،‬ورأى‬
‫أن ابن تيمية قد حرف القصة‪ ،‬ومنها‪ :‬زايدته ونقصه يف حديث األعمى‪ ،‬ومنها‪ :‬حكاية‬
‫االتفاق على أن التمين يف اآلية هو القراءة‪ ،‬ومنها‪ :‬كالمه على حديث اجللوس على العرش(‪،)5‬‬
‫ومنها أيضا ادعاؤه أن السلف واخللف خمتلفون يف فناء النار(‪ ،)6‬ومثله وصف هللا ابلسكوت‪،‬‬
‫ونسبة األشعرية لإلرجاء(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق (ص‪.)142 :‬‬


‫(‪)2‬املرجع السابق (ص‪.)149 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬املرجع السابق (ص‪.)158 :‬‬
‫(‪ )5‬املرجع السابق (ص‪169 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )6‬املرجع السابق (ص‪.)176 :‬‬
‫(‪ )7‬املرجع السابق (ص‪184 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫الفصل اخلامس‪ :‬منهاج ابن تيمية‪:‬‬

‫وقد خلص فيه إىل أن طريقة ابن تيمية هي التمحل على اخلصوم‪ ،‬والكذب عليهم‪،‬‬
‫وخصوصا يف الرد على متكلمي أهل السنة على حد زعم املؤلف‪ ،‬وقد ادعى عليه التنقص من‬
‫آل البيت عليهم السالم‪ ،‬وهو يف ذلك معتمد على نقل النبهاين(‪.)1‬‬

‫الباب الثاين‪ :‬يف قوله ابجلهة ورد ذلك‪ .‬وفيه مخسة فصول‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬قول ابن تيمية يف اجلهة‪:‬‬

‫وقد حتدث فيه عن اجلهة‪ ،‬وعن معناها يف اصطالح املتكلمني‪ ،‬واالستدالل هلا‪ ،‬مث‬
‫ذكر إثبات ابن تيمية لصفة العلو واستدالله هلا‪ ،‬ورأى أن يف القول بذلك قول ابجلهة على‬
‫طريقة املتكلمني‪ ،‬ونقل عن ابن تيمية كالمه يف اجلهة وتفصيله يف املسألة ورأى فيه إدانة له(‪.)2‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬رد القول ابجلهة من الكتاب والسنة‪:‬‬

‫وذكر أن أدلة رده نوعان‪:‬‬


‫األدلة املصرحة بذلك‪ ،‬وهي كل اآلايت اليت تنفي التشبيه‪ ،‬وأكثرها إحكاما قوله‬
‫يع البَصري} [سورة الشورى‪ .]11:‬وذكر عدة آايت‬ ‫س َكمثْله َش ْيء َوُه َو السم ُ‬
‫سبحانه‪{ :‬لَْي َ‬
‫أخر من سورة اإلخالص وما تضمنته من نفي التشبيه‪ ،‬وتكلم يف معىن الكفء‪ ،‬وقوله‪َ { :‬ه ْل‬
‫وردا للقول هبا‪.‬‬
‫تَـ ْعلَ ُم لَهُ َمسيًّا} [سورة مرمي‪ .]65:‬ورأى أن يف هذه اآلايت نفيا للجهة‪ًّ ،‬‬
‫النوع الثاين من األدلة على نفي اجلهة‪ :‬ظواهر األدلة املومهة لوجوده جل وعال يف جهة‬
‫غري جهة الفوق‪ ،‬مثل القرب واإلحاطة واملعية وغريها(‪.)3‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬رد القول ابجلهة من جهة النظر العقلي‪:‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق (ص‪.)194 :‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق (ص‪ 220 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق (ص‪232 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫وقد قدم له مببحثني‪ :‬األول عن االستدالل العقلي يف القرآن‪ ،‬ووجوده(‪ ،)1‬مث تكلم عن‬
‫فساد طريقة احلشوية املتكلمة ابلباطل‪ ،‬املتبلدة يف النقل‪ ،‬األعجمية يف الفهم(‪.)2‬‬
‫والثاين‪ :‬إنكار ابن تيمية ملصطلحات علم الكالم وذمه هلا‪ .‬وقد تكلم فيه عن‬
‫اصطالحات أهل الفنون من مصطلح وفقه وحنو وصرف وغريها‪ ،‬وأهنا مصطلحات للتفاهم‬
‫والتخاطب‪ ،‬وسوغ هبذا املقدمات اصطالحات املتكلمني من حنو احليز واجلوهر والعرض‪ ،‬ورأى‬
‫يف هذا التسويغ ردا على قول ابن تيمية(‪ ،)3‬وأدخل حتت هذا املبحث ما ليس داخال حتت‬
‫عنوانه من تبديع ابن تيمية االنتساب لألشعري‪ ،‬ودعواه أن ابن تيمية تناقض يف رد‬
‫املصطلحات؛ فأحيان يستخدمها‪ ،‬وأحيان يردها إذا ألزم(‪.)4‬‬
‫مث ذكر معاذير أهل الكالم يف استخدام املصطلحات الكالمية(‪.)5‬‬
‫مث ذكر أربعة براهني عقلية يراها أدلة على ما يقول يف نفي اجلهة‪ ،‬وكل هذه الرباهني‬
‫نقله عن عامل استهلك ثناؤه عليه من السطور ما هو أكثر من الربهان نفسه أو قريب منه‪،‬‬
‫والرباهني اليت ذكرها هي‪:‬‬
‫الربهان األول‪ :‬أنه لو كان يف جهة لكان مشارا إليه ابحلس‪ ،‬وإذا كان يف جهة مشارا‬
‫إليه لزم تناهيه الحنصاره يف تلك اجلهة دون غريها‪.‬‬
‫الربهان الثاين‪ :‬أن العرش وهو اجلهة اليت يشريون إىل هللا هبا إما أن تكون معدومة أو‬
‫حمدثة‪ ،‬والقول ابلعدم مكابرة؛ ألن املعدوم ال يشار إليه‪ ،‬وإما أن تكون موجودة‪ ،‬ووجودها إما‬
‫أن تكون حمدثة أو قدمية‪ ،‬فإن كانت قدمية فهذا قول بقدمي مع هللا‪ ،‬وإن كانت حمدثة فهو قول‬
‫حبصول التحيز هلل‪.‬‬

‫(‪ )1‬املرجع الساق (ص‪253 :‬وما بعدها)‪.‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق (ص‪254 :‬وما عبدها)‪.‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق (ص‪260 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )4‬املرجع السابق (ص‪.)261 :‬‬
‫(‪ )5‬املرجع السابق (ص‪.)264 :‬‬
‫الربهان الثالث‪ :‬أنه لو كان يف جهة فإما أن يكون أكرب أو أصغر أو مساواي‪ ،‬والقول‬
‫أبنه أكرب يلزم منه القول ابلتجزئة‪ ،‬وإن كان مساواي للجهة فإنه يلزم منه كونه منقسما‪ ،‬وإن‬
‫علوا كبريا‪ ،‬فإن كان مساواي جلوهر فرد فقد رضوا أن يكون‬
‫كان أصغر منها تعاىل هللا عن ذلك ًّ‬
‫إهلهم قدر جوهر فرد‪ ،‬وإن كان أكرب منه انقسم(‪.)1‬‬
‫الربهان الرابع‪ :‬أن القول ابجلهة يلزم منه القول ابالفتقار إىل التحيز(‪.)2‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬مناقشة أدلة القائلني ابجلهة ورد استدالهلم هبا‪:‬‬

‫وقد أتى فيه ابآلايت الدالة على العلو وأتوهلا‪ ،‬وسلك هلذا التأويل مسلكا وهو اإلتيان‬
‫مبعاين األفعال واحلروف يف اللغة العربية واختيار ما يناسب ما يراه أتويال سائغا مناسبا للتنزيه‪،‬‬
‫وبعيدا عن الظاهر املوهم للتشبيه(‪ ،)3‬وبعد نقل غري متوسع يف املسألة خلص إىل أن التفويض‬
‫هو مذهب السلف‪ ،‬والتفويض الذي يرجح هو التفويض مبعناه عند املتأخرين‪ ،‬وأن التأويل‬
‫مذهب اخللف‪ ،‬واحلمل على الظاهر مذهب املشبهة(‪.)4‬‬

‫الفصل اخلامس‪ :‬موقف أهل السنة ممن يقول ابجلهة يف جانب هللا سبحانه وتعاىل‪ :‬وحاصل‬
‫ما ذكره اتفاقهم على التبديع والتضليل والتفسيق واختالفهم يف التكفري‪ ،‬وقد نقل عن القرطيب‬
‫معتمدا على تكملة الرد للكوثري ترجيح القول بكفرهم وختم به الفصل(‪.)5‬‬

‫الباب الثالث يف قوله بقيام احلوادث ابهلل تعاىل والقول بقدم العامل والرد على ذلك‪ .‬وفيه‬
‫ثالثة فصول‪:‬‬

‫الفصل األول إثبات ذلك من كالمه‪:‬‬

‫(‪ )1‬المرجع السابق(ص‪)271‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق (ص‪.)271 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق (ص‪.)286 :‬‬
‫(‪ )4‬املرجع السابق (ص‪.)288 :‬‬
‫(‪ )5‬املرجع السابق (ص‪.)355 :‬‬
‫وقد بني أن هذا االصطالح من عندايته‪ ،‬وهو إلزام البن تيمية يف قوله ابحلرف والصوت‬
‫والنزول‪ ،‬وألزمه املؤلف يف قوله بذلك أن يكون قائال ابحلوادث‪ ،‬وكل نقوالته تصب يف هذا‬
‫املعىن(‪.)1‬‬
‫كما تكلم عن مسألة تسلسل احلوادث‪ ،‬أو حوادث ال أول هلا‪ ،‬وملا أورد كالما البن تيمية‬
‫أتبعه بقوله‪ :‬هذا كالم غث ركيك‪ ،‬وأحيان يراه استغاثة ابجملوس والنصارى وغريهم من أرابب‬
‫امللل الكفرية(‪ ،)2‬ويف تعليق ابن تيمية على حديث عمران ورواية (كان هللا وال شيء معه)‪،‬‬
‫أورد كالم ابن تيمية وعلق عليه أبنه‪ :‬اتباع للهوى‪ ،‬وعمل ابلرأي(‪.)3‬‬
‫وختم الباب بنقول ظاهر اإلتيان هبا تكفري ابن تيمية يف قضية القول حبوادث ال‬
‫أول هلا واليت يسميها املؤلف يف اصطالحه قدم العامل‪.‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬يف رد قوله بقدم العامل‪:‬‬

‫ومن مجلة مارد به على ابن تيمية‪ :‬التصريح يف مذهب اإلمام مالك وخصوصا يف‬
‫خمتصر خليل بكفر القائل بقدم العامل‪ ،‬ومثله الغزايل من الشافعية‪ ،‬والقاضي عياض من املالكية‪،‬‬
‫وبعض الردود العقلية اليت ليست بدهية‪ ،‬ووضحها ابملثال(‪.)4‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬تنزيهه سبحانه وتعاىل عن قيام احلوادث به‪:‬‬

‫وقد حتدث يف صفحتني عن استحالة قيام احلوادث‪ ،‬والتأكيد على زيغ ابن تيمية‪،‬‬
‫وأحال يف الرد على الفصل الذي قبله(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق (ص‪.)366 :‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق (ص‪.)366 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق (ص‪.)368 :‬‬
‫(‪ )4‬املرجع السابق (ص‪373 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )5‬املرجع السابق (ص‪ 277 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫الباب الرابع‪ :‬قوله حبدوث القرآن العظيم‪ ،‬وأنه تعاىل يتكلم بصوت ورد ذلك‪ .‬وفيه‬
‫فصالن‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬الفصل األول إثبات قوله بذلك من نصوصه‪:‬‬

‫وقد أورد البن تيمية نصوصا يراها تشهد ملا يذهب إليه‪ ،‬وعلق عليها أبن ابن تيمية‬
‫املبتدع ال ميكن تتبع نصوصه كلها(‪.)1‬‬

‫الفصل الثاين‪ :‬رد قوله بذلك‪:‬‬

‫قرر فيه مذهب األشاعرة املعروف يف الكالم النفسي‪ ،‬واستشهد له مبا استطاع من‬
‫اآلاثر واألشعار‪ ،‬مث أتى بردود السلف على املعتزلة يف خلق القرآن‪ ،‬مث علق بعد النقوالت‬
‫بقوله‪" :‬لقد غر هذا املسكني شيطانه‪ ،‬واختذ اجلهة هواه‪ ،‬فبئس ما صنع"(‪ ،)2‬ويرى أن معتمد‬
‫ابن تيمية يف النقل عن اإلمام أمحد هو كتاب "الرد على اجلهمية" وهو كتاب ال تصح نسبته‬
‫إىل اإلمام أمحد (‪ ،)3‬وقد اعتمد يف رد أحاديث الصوت على قول ابن العريب ونظار األشعرية‪،‬‬
‫وما خلص إليه الكوثري يف املسألة رادا لقول ابن حجر والبخاري(‪.)4‬‬

‫الباب اخلامس‪ :‬يف قوله بعدم عصمة األنبياء‪:‬‬

‫وابتدأ القول يف الباب حبكاية اإلمجاع يف عصمة األنبياء‪ ،‬ونقل عن ابن تيمية ذكر‬
‫اخلالف يف العصمة‪ ،‬وجعل قوله هو القول بعدم العصمة‪ ،‬وبناء عليه نسبه إىل الضالل! وبدأ‬
‫يورد الرواايت يف حديث الغرانيق‪ ،‬وجعل يورد أقواله يف تعظيم شأن النبوة ويتأوهلا ويرى أهنا‬
‫جمرد إيهام ال غري(‪ ،)5‬وبعد ذكره للخالف يف الصغائر وجوازها من عدمه على األنبياء رد على‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق (ص‪ 383 :‬وما بعدها)‪.‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق (ص‪.)394 :‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق (ص‪.)394 :‬‬
‫(‪ )4‬املرجع السابق (ص‪.)401 :‬‬
‫(‪ )5‬املرجع السابق (ص‪.)420:‬‬
‫ابن تيمية بكالم أحد العارفني ‪-‬على حد تعبري املؤلف‪ -‬وهو عبد العزيز الدابغ(‪ ،)1‬وبكالم‬
‫أيب العباس التجاين(‪.)2‬‬
‫وختم الكتاب ببعض اآلداب املأخوذة من كتب الرتبية وبعضها نزل يف النقل(‪.)3‬‬

‫الباب السادس‪ :‬أن السفر لزايرة قربه صلى هللا عليه وسلم معصية‪ ،‬وأن التوسل به شرك‬
‫أو وسيلة إىل الشرك‪:‬‬

‫ومل يبتدئ بنقل كالم ابن تيمة لشهرته وإمنا اكتفى بنقل الردود عليه‪ ،‬وهذه الردود بني‬
‫مبدع له ومكفر يف مسألة منع شد الرحال إىل قرب النيب صلى هللا عليه وسلم(‪ ،)4‬ومل يورد كالمه‬
‫يف التوسل وإمنا رد عليه ابهتامه ابلزيغ والضالل‪ ،‬وسوء املعتقد‪ ،‬والقول بتأثري األسباب(‪.)5‬‬

‫الباب السابع‪ :‬يف قوله بفناء النار ويف رأيه يف البعث‪:‬‬

‫وقد أحال يف قوله بفناء النار إىل كتب أتباع ابن تيمية‪ ،‬وإىل نسبة العلماء له هذا‬
‫القول‪ ،‬ومل ينقل عنه شيئا يف املسألة وإمنا اكتفى بنقل الردود عليه(‪ ،)6‬وقول ابن تيمية يف البعث‬
‫مل يتضح له واهتمه فيه أبنه يريد شيئا مل يفهمه‪ ،‬وأنه يراوغ فيه‪ ،‬ومل ينقل عنه شيئا يف املسألة(‪.)7‬‬

‫الباب الثامن‪ :‬يف هلجه بسب عباد هللا الصاحلني‪:‬‬

‫وعباد هللا الصاحلني على حد تعبري املؤلف هم‪ :‬حميي الدين بن عريب‪ ،‬وابن الفارض‪،‬‬
‫وأبو احلسني الشاذيل وغريهم‪ ،‬وقد نقل كالم ابن تيمية فيهم(‪.)8‬‬

‫(‪ )1‬املرجع السابق (ص‪.)423:‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق (ص‪.)425:‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق (ص‪.)430:‬‬
‫(‪ )4‬املرجع السابق (ص‪.)443:‬‬
‫(‪ )5‬املرجع السابق (ص‪.)445:‬‬
‫(‪ )6‬املرجع السابق (ص‪ 449:‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )7‬املرجع السابق (ص‪.)453 :‬‬
‫(‪ )8‬املرجع السابق (ص‪ 457 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫الباب التاسع‪ :‬يف قوله أبقوال الفالسفة وأتثره هبم وبغريهم من أهل الزيغ‪:‬‬

‫وقد أعاد فيها ما قاله يف بداية الكتاب من نسبة القول بقدم العامل اىل ابن تيمية‪ ،‬وقوله‬
‫بقيام احلوادث ابهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬وقوله بتأثري األسباب(‪.)1‬‬

‫الباب العاشر‪ :‬يف املسائل اليت خرق فيها االمجاع‪:‬‬

‫وهي نفس املسائل اليت نقم عليه يف أول الكتاب مع زايدة مسائل أخرى‪ ،‬و اعتمد يف‬
‫نقل هذه األقوال على احلافظ العالئي‪ ،‬ومنها أيضا أن التوراة واإلجنيل مل تبدل ألفاظهما‪،‬‬
‫ابإلضافة إىل أمور أخر من مسائل الفقه ال خطام هلا وال زمام نقلها عن الكوثري(‪.)2‬‬
‫وختم كتابه أبن ابن تيمية مبتدع ال جيوز وصفه بشيخ اإلسالم‪ ،‬وال الرتويج لكتبه‪ ،‬وال‬
‫تبين آرائه(‪.)3‬‬

‫( ‪ )1‬املرجع السابق (ص‪ 467 :‬وما بعدها)‪.‬‬


‫(‪ )2‬املرجع السابق (ص‪478 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق (ص‪ 481 :‬وما بعدها)‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬نقد الكتاب‬
‫أوال‪ :‬ظروف أتليف الكتاب‪:‬‬
‫يف بداية التسعينات وأوائل األلفية الثالثة شهد القطر الشنقيطي انتشارا واسعا للمعتقد‬
‫السلفي مل يشهد قبله مثله منذ سقوط دولة املرابطني‪ ،‬وهلذا النشاط عدة عوامل منها‪ :‬وجود‬
‫املعهد السعودي‪ ،‬وإقبال طالب العلم الشرعي عليه‪ ،‬ومتيزه يف التدريس‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬تبين اإلمام العالمة بداه بن البصريي الشنقيطي لعقيدة السلف‪ ،‬وكذا العالمة اللغوي‬
‫الوزير حممد سامل بن عدود هلا كذلك‪ ،‬ورفعهما الصوت ابلدفاع عنها وعن شيخ اإلسالم ابن‬
‫تيمية؛ مما جعل األشاعرة يرون يف تبين األعالم يف هذا القطر هلذه العقيدة هتديدا لوجودهم‬
‫ولكياهنم الذي ظل حيتكر الوجود يف هذا القطر قرون عديدة‪ ،‬فانتدبوا كل ابن حرة هلذه احلرب‪،‬‬
‫وأقبلوا خبيلهم ورجلهم‪ ،‬ومل يتخلف عن هذه احلرب منهم من له لسان أو قلم‪ ،‬وكتبوا يف هذه‬
‫العقائد نظما ونثرا؛ لكن السد املنيع الذي بناه هذان العاملان مل يستطع األشاعرة وال أكابر‬
‫الصوفية له نقبا‪ ،‬وألمور اجتماعية ختص البلد مل يكن ابإلمكان تصدير فتاوى بتكفري هاذين‬
‫اإلمامني وال من يصدر عن أقواهلم من أكابر أهل العلم ومن أجاويد الطالب‪ ،‬فكان ابن‬
‫تيمية يف مرمى سهام القوم‪ ،‬فحملوا عليه محلة رجل واحد‪ ،‬وكان صراخهم على قدر أملهم‪،‬‬
‫فخرج هذا الكتاب على حني غفلة من الناس وعجلة من التأليف؛ ألن احلاجة العقدية تدعو‬
‫إليه‪.‬‬
‫وقد تظاهر ابلرد العلمي واالعتماد على كتب ابن تيمية والنقل منها‪ ،‬وهو يف‬
‫احلقيقة يعنون للمسألة وينسبها البن تيمية مث يعتمد يف إثباهتا على تبين أتباع ابن تيمية هلا‪،‬‬
‫أو نقل خصومه! وسوف أييت لذلك أمثلة؛ لكن الرجل كان حديث عهد ابلبادية وابلرأي‬
‫الواحد فكان صرحيا يف ما يريد‪ ،‬وال تزال نفسية اآلابء واألجداد وعقيدة التدين احمللي غالبة‬
‫عليه‪ ،‬ففي معرض حماكمة ابن تيمية حيتج عليه بشعراء الشناقطة وببعض علماء اللغة منهم‪،‬‬
‫وهم من الناحية العلمية ما كان ينبغي أن يذكروا يف معرض الرد على شيخ اإلسالم؛ ألهنم‬
‫متأخرون عنه جدا‪ ،‬وليسوا يف مرتبته يف أي ابب من أبواب الدين‪ ،‬فهم علماء ابملقارنة مع‬
‫أهل زماهنم ال مبن تقدم هم من أكابر العلماء وحفاظ اإلسالم‪ ،‬لكن السر يف ذكرهم هو‬
‫االستكثار هبم‪ ،‬وتبيني االنتصار ملا هم عليه مما بدأ يندثر مع الوجود السلفي‪ ،‬وحماولة توسيع‬
‫دائرة احلشد ضد معتقد السلف‪ ،‬فمن مل ينتصر لألشعرية ابحلجة انتصر هلا ابلتعصب لآلابء‬
‫واألجداد‪ ،‬وهذه النفسية هي اليت جعلت مؤلف الكتاب يظهر مستشيطا غضبا من ابن تيمية‬
‫وحنقا عليه إىل درجة وصفه بعبارات ال يليق صدروها عن مثله يف حق من هو يف حجم شيخ‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬الكتاب غري منضبط منهجيا وال علميا‪ ،‬وهو يعتمد على االستكثار من النقل‬
‫ولو مل يكن ذلك يف صاحله!‬
‫فقد حشد أئمة كالذهيب وابن كثري وابن اهلادي وجعلهم يف صفه‪ ،‬وغفل عن تراثهم‬
‫العلمي يف نصرة عقيدة شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وهذا ما يدل على العجلة يف التأليف‪ ،‬وتدخل‬
‫احلماس يف صناعة الكتاب‪ ،‬فغالب نقل املؤلف عن الذهيب وابن اهلادي وابن كثري يوهم خمالفتهم‬
‫لشيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا؛ وهذا خالف واقعهم العلمي وتراثهم‪ ،‬فالذهيب مع مناصرته‬
‫لشيخ اإلسالم اليت ال جيهلها أحد‪ ،‬فهو منابذ لألشعرية اليت ينتصر هلا املؤلف وجيعلها عقيدة‬
‫أهل السنة حصرا‪ ،‬فللذهيب كتاب "العرش"‪ ،‬وله كتاب "العلو"‪ ،‬واملسألة اليت أعاد الكاتب فيها‬
‫وأبدى وكفر فيها شيخ اإلسالم وهي مسألة العلو وادعى عليها اإلمجاع أفردها الذهيب ابلتأليف‪،‬‬
‫ونقل فيها أقوال متقدمي األشاعرة‪ ،‬وأهنم موافقون ملذهب السلف‪ ،‬وقد افتتح الذهيب كتابه‬
‫وجلى ابليقني قلوب صفوته‬ ‫العرش بقوله‪" :‬احلمد هلل الذي ارتفع على عرشه يف السماء‪َ ،‬‬
‫األتقياء‪ ،‬وبلى خلقه ابلسعادة والشقاء"(‪ .)1‬ونقل عن ابن فورك وأيب احلسن األشعري إثبات‬
‫ك‬
‫ك َرب َ‬
‫{ع َسى أَن يـَْبـ َعثَ َ‬
‫العلو وتفسري االستواء به‪ ،‬وعن الضحاك‪ ،‬عن ابن عباس يف قوله‪َ :‬‬
‫َم َقاما ْحم ُمودا}‪ .‬قال‪" :‬يقعده على العرش"(‪ ،)2‬قال الذهيب‪" :‬حىت إن عبد هللا بن اإلمام أمحد‬
‫قال عقيب حديث جماهد‪" :‬وأن منكر على من رد هذا احلديث‪ ،‬وهو عندي رجل سوء‪ ،‬متهم‬
‫على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومسعت هذا احلديث من مجاعة‪ ،‬وما رأيت أحدا من‬

‫(‪ )1‬العرش للذهيب (ص‪.)5 :‬‬


‫(‪ )2‬أخرجه اخلالل يف السنة (‪ ،)251/1‬والذهيب يف العلو (ص‪.)99 :‬‬
‫احملدثني ينكره‪ ،‬وكان عندن وقت ما مسعناه من املشايخ أنه إمنا ينكره اجلهمية"(‪ .)1‬فهل الذهيب‬
‫كافر أم جمسم أم قائل ابجلهة؟‬
‫وما حكم متقدمي األشعرية ممن نقل عنهم هذا االعتقاد؟‬
‫وابن اهلادي الذي حيفل به املؤلف كثريا هو مؤلف كتاب "الصارم املنكي يف الرد على السبكي"‪،‬‬
‫وقد تتبع قوله يف الزايرة اليت ادعى املؤلف عليها اإلمجاع ورد ابن اهلادي كالم السبكي أبلفاظه‪.‬‬
‫وابن كثري تلميذ ابن تيمية وقد أشاد به يف كتبه وأثىن عليه‪ ،‬ووافقه يف مسائل املعتقد‬
‫اليت ينقمها عليه مؤلف الكتاب‪ ،‬فقد أورد يف البداية والنهاية رواية لإلمام أمحد حلديث عباس‬
‫ال‪ :‬قُـلْنَا َوالْ ُم ْز ُن‪.‬‬
‫ال‪َ :‬والْ ُم ْز ُن‪ .‬قَ َ‬
‫اب‪ .‬قَ َ‬
‫ابن عبد املطلب وفيها "أَتُ ْد ُرو َن َما َه َذا قَالَ؟ قُـلْنَا‪ :‬الس َح ُ‬
‫ال‪ :‬قُـلْنَا اَّللُ َوَر ُسولُهُ‬
‫ني الس َماء َو ْاأل َْرض؟ قَ َ‬ ‫ال‪َ :‬ه ْل تَ ْد ُرو َن َك ْم بَ ْ َ‬ ‫ال‪ :‬فَ َس َكْتـنَا‪ ،‬فَـ َق َ‬‫ال‪َ :‬والْ َعنَا ُن‪ .‬قَ َ‬ ‫قَ َ‬
‫أ َْعلَ ُم‪.‬‬
‫ال‪ :‬بـَْيـنَـ ُه َما َمس َريةُ َخَْسمائَة َسنَة َوم ْن ُكل َمسَاء إ َىل َمسَاء َمس َريةُ َخسمائة سنة‪ ،‬وكشف ُكل‬ ‫قَ َ‬
‫ني السماء‬ ‫َس َفله َوأ َْع َالهُ َك َما بَْ َ‬‫ني أ ْ‬‫َمسَاء َمس َريةُ َخَْسمائَة َسنَة‪َ ،‬وفَـ ْو َق الس َماء الساب َعة َْحبر بَ ْ َ‬
‫ني الس َماء َو ْاأل َْرض‪ ،‬مث على‬ ‫ني ُرَكبهن َوأَظْ َالفهن َك َما بَ ْ َ‬ ‫واألرض‪ ،‬مث فوق ذلك مثانية أو عال بَ ْ َ‬
‫س َخيْ َفى َعلَْيه‬ ‫ك َولَْي َ‬ ‫ني الس َماء َو ْاأل َْرض‪َ ،‬واَّللُ فَـ ْو َق َذل َ‬ ‫َس َفله َوأ َْع َالهُ َك َما بَ ْ َ‬
‫ني أ ْ‬
‫ش بَ ْ َ‬
‫ظهورهم الْ َع ْر ُ‬
‫من أعمال بين آدم شيء "(‪.)2‬‬
‫ونقل مثله عن احلافظ املزي(‪ ،)3‬وكل تلك النقوالت عند مراجعتها ال يتضح منها إال معتقد‬
‫ابن تيمية وأتباعه فما وجه استثناء ابن كثري؟!‬
‫اثلثا‪ :‬التهويل يف قضية اجلهة والتجسيم‪ :‬لقد هول مؤلف الكتاب على ابن تيمية‬
‫ومحل كالمه على اصطالح املتكلمني‪ ،‬وألزمه مذهبهم‪ ،‬وأن القائل ابلعلو قائل ابجلهة‪ ،‬وقائل‬
‫ابلتحيز‪ ،‬ومل يستطع أن أييت بنص يف ذلك عن شيخ اإلسالم يصرح ابلتحيز أو ابجلهة!‬
‫وإمنا يقف عند الكتاب ولفظه وهو العلو‪ ،‬وكل ما أتى به املؤلف من التأويل ال يستقيم؛‬
‫فأحاديث القرب ال تنايف العلو بل القرب نسيب‪ ،‬وكذا املعية؛ ألهنا مبعىن العلم كما هو بني يف‬

‫(‪ )1‬العرش (ص‪.)281 :‬‬


‫(‪ )2‬البداية والنهاية (‪.)11/6‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق (‪.)12/1‬‬
‫اببه‪ ،‬وهل الكاتب يتهم النيب صلى هللا عليه وسلم على إقرار التشبيه والتحيز حني قال ابن‬
‫رواحة‪:‬‬
‫شهدت أبن وع ـ ـد هللا حـ ـق ‪ ...‬وأن النار مثوى الكافرينـ ـ ـا‬
‫وأن العرش فوق املاء طاف ‪ ...‬وفوق العرش رب العاملينا‬
‫(‪)1‬‬
‫فضحك وقال‪" :‬غفر لك كذبك بتمجيدك ربك"؟!‬
‫وكل األوجه اليت ذكرها يف اللغة متعقبة؛ ألن السياق حكم وال ميكن أن تكون آايت‬
‫من املتشابه مث تتكرر أكثر من عشر مرات يف القرآن بلفظها ومعناها وكلها يف مقام املدح‪.‬‬
‫وقد مر معنا يف نقول الذهيب أن إثبات االستواء اثبت عن متقدمي األشاعرة وهو‬
‫إمجاع السلف قبلهم‪ ،‬واملؤلف قد عاصر علماء أجالء يف هذا القرن منتسبون ملذهبه‪ ،‬ومنكرون‬
‫هلذه األلفاظ املبتدعة ومنهم الشيخ حمنض ابب‪ ،‬وهو من هو يف العلم وال يقارن بصاحبنا‪،‬‬
‫يقول الشيخ حمنض ابب‪:‬‬
‫وال كالم السلف الذي غرب‬ ‫ومل يرد يف آية وال خرب‬
‫ليس بداخل وال خبارج‬ ‫أن إله العرش ذا املعارج‬
‫متصفا وال ابالنفصال‬ ‫أو أنه ليس ابالتصال‬
‫تنزيهه من فضلهم غري خفي‬ ‫أو غري ذا مما به ابلغ يف‬
‫ل آمنوا مبا عن الرسول جا‬ ‫وأبعد الناس عن الكفر رجا‬
‫من غري تشبيه لبارئ الورى جل جالله مبا له برا‬
‫غري معاندين يف ما فهموا‬ ‫ولو بدا أهنم قد ومهوا‬
‫ث الظن غري جاهل أو ملحد(‪.)2‬‬ ‫وال يسيء أبئمة احلدي‬
‫فاملسألة خالفية بني املتقدمني ومن أراد املؤلف هبم التكاثر من املتأخرين‪ ،‬فمن الغريب أن‬
‫يشنع يف مسألة هو يف اعتقادها غري مصيب‪ ،‬وهو أوىل ابلتماس العذر لنفسه من غريه‪ ،‬وحاصل‬
‫ما البن تيمة يف مسألة التجسيم عند املتكلمني هو كاآليت‪:‬‬

‫(‪ )1‬العرش للذهيب (‪.)137/2‬‬


‫(‪ )2‬نظم املباحث الفقهية (ص‪.)35 :‬‬
‫‪ .1‬خمالفته ملفهوم اجلسم عند أهل اللغة‪ ،‬وهي اليت نزل هبا القرآن‪ ،‬وخوطب هبا الناس‪،‬‬
‫واملعاين اليت أحال إليها املتكلمون معاين مولدة مل تكن معروفة عند أهل اللسان وقت‬
‫اخلطاب‪.‬‬
‫‪ .2‬أنه ال ميكن بناء العقيدة إثباات أو نفيا على هذا املفهوم الذي اختلف أصحابه فيه‬
‫اختالفا مل يصلوا فيه إىل شيء‪ ،‬هذا مع أن ما نفوه خوفا من التجسيم ميكن قلبه‪،‬‬
‫فيقال هلم ما اثبتم من السمع والبصر والذات ميكن نفيه بنفس املنطق‪ ،‬وهو دعوى‬
‫التجسيم!! وما كان هذا شأنه فال ميكن استعماله يف العقائد لتضاربه وكونه ال يفيد‬
‫علما‪.‬‬
‫‪ .3‬خمالفة هذا املصطلح لطريقة السلف‪ ،‬فالسلف مل يرد عنهم أهنم محلوا اجلسم على‬
‫خالف معناه اللغوي‪ ،‬ومل ينفوا الصفات‪ ،‬ومل يعتقدوا فيها أهنا تفيد معاين ال تليق ابهلل‬
‫فيلزم أتويلها أو تفويضها كما هو حال املتكلمني(‪.)1‬‬
‫رابعا‪ :‬املؤلف حيمل على ابن تيمية يف مسائل ويدعي أن ابن تيمية قال فيها قوال مل‬
‫يبسق إليه‪ ،‬وادعى فيها إمجاعا‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪ :‬كروية األرض حيث تعقب ابن تيمية فيها‪،‬‬
‫وقال إن ابن تيمية مل يسبق إىل هذا القول مع أن املؤلف لو كان طالبا للحق‪ ،‬مطلعا على تراث‬
‫املسلمني‪ ،‬لعلم أن دعوى اإلمجاع فيها سابق على ابن تيمية‪ ،‬فقد حكى األمجاع عليها ابن‬
‫حزم(‪.)2‬‬
‫وكذلك قضية فناء النار‪ ،‬فلم أيت بكالم البن تيمية يف املسألة‪ ،‬وإمنا نزع إىل كالم ابن‬
‫القيم واهلراس يف شرح الواسطية‪ ،‬ومل يثبت هل يقولون بفنائها أو حيكون اخلالف‪ ،‬ومل يبني فيها‬
‫حقا من ابطل‪ ،‬وبدأ حيكي إمجاعا يف مسألة مل يثبت قوهلم خبالف اإلمجاع فيها‪ ،‬وحاصل كالم‬
‫ابن تيمية يف املسألة أن له كالما جممال وكالما مفصال‪ ،‬فاألوىل بصاحب األمانة العلمية أن‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)324/17‬‬


‫(‪ )2‬الفصل بني أهل امللل والنحل (‪.)78/2‬‬
‫ينقل الكالم بكامله ال أن جيتزأ وحييل إىل املناوئني‪ ،‬وها أن آتيك ابلكفاف من كالمه يف‬
‫املسألة قال رمحه هللا‪" :‬وقد اتفق سلف األمة وأئمتها‪ ،‬وسائر أهل السنة واجلماعة على أن من‬
‫املخلوقات ما ال يعدم‪ ،‬وال يفىن ابلكلية كاجلنة والنار‪ ،‬والعرش وغري ذلك"(‪ .)1‬وقال أيضا‪" :‬مث‬
‫أخرب ببقاء اجلنة والنار بقاءا مطلقا‪ ،‬ومل خيربن بتفصيل ما سيكون بعد ذلك"(‪.)2‬‬
‫وهذه نصوص من الشيخ يف حمل النزاع والدعوى‪ ،‬ومثلها عن تلميذه ابن القيم رمحهما هللا‬
‫مجيعا؛ لكن ابن القيم ليس موضوع البحث إال مؤلف الكتاب أدجمه حني مل جيد ما يدين به‬
‫ابن تيمة يف بعض األبواب‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬قضية التسلسل ونسبة األقوال للسلف‪:‬‬


‫وهذه مسألة مل حيررها مؤلف الكتاب‪ ،‬ومل يفهم وجهها من انحيتني‪ :‬الناحية األوىل‪:‬‬
‫يف حقيقة نسبة القول للسلف‪ ،‬والناحية الثانية‪ :‬قضية التسلسل‪.‬‬
‫أما الناحية األوىل وهي‪ :‬نسبة القول للسلف‪ ،‬فالظاهر أن املؤلف يتجاهل أمرا معروفا‬
‫عند أهل العلم‪ ،‬وهو الذي على أساسه أتسست املذاهب‪ ،‬وهو ما يعرف ابلتخريج‪ ،‬فكثري مما‬
‫يقول أهل املذاهب أنه مذهب إمامهم يكون يف الغالب خترجيا على قول اإلمام‪ ،‬ويف كتب‬
‫الطلب يف احملظرة يكرر الطالب قولة صاحب املراقي‪:‬‬
‫إن مل يكن لنحو مالك ألف قول بذي ويف نظريها عرف‬
‫وقيل عزوه إليها حرج(‪.)3‬‬ ‫فذاك قوله هبا ملخرج‬
‫وشراح خليل عند قول خليل‪" :‬فقد سألين مجاعة أابن هللا يل وهلم معامل التحقيق‪ ،‬وسلك بنا‬
‫وهبم أنفع طريق‪ ،‬خمتصرا على مذهب اإلمام مالك بن أنس رمحه هللا تعاىل"(‪ ،)4‬يبينون أن‬
‫التخريج أحد وسائل اعتماد األقوال‪ ،‬قال العدوي‪" :‬تنبيهان‪:‬‬

‫(‪ )1‬الفتاوى (‪.)307/18‬‬


‫(‪ )2‬بيان تلبيس اجلهمية (‪.)614/1‬‬
‫(‪ )3‬مراقي السعود (ص‪.)45 :‬‬
‫(‪ )4‬خمتصر خليل (ص‪.)10 :‬‬
‫األول‪ :‬يطلق املذهب عند املتأخرين من أئمة املذهب على ما به الفتوى من إطالق الشيء‬
‫على جزئه األهم‪ ،‬كاحلج عرفة؛ ألن ذلك هو األهم عند الفقيه املقلد‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬املراد مبذهبه ما قاله هو وأصحابه على طريقته ونسب إليه مذهبا؛ لكونه جيري على‬
‫قواعده وأصله الذي بين عليه مذهبه‪ ،‬وليس املراد ما ذهب إليه وحده دون غريه من أهل‬
‫مذهبه"(‪.)1‬‬
‫وابن تيمة رمحه هللا قد بني طريقة نسبة األقوال للسلف فقال‪" :‬النقل نوعان‪ :‬أحدمها‪:‬‬
‫أن ينقل ما مسع أو رأى‪ .‬والثاين‪ :‬ما ينقل ابجتهاد واستنباط‪ .‬وقول القائل‪ :‬مذهب فالن كذا‬
‫أو مذهب أهل السنة كذا قد يكون نسبه إليه العتقاده أن هذا مقتضى أصوله وإن مل يكن‬
‫فالن قال ذلك‪ .‬ومثل هذا يدخله اخلطأ كثريا‪ .‬أال ترى أن كثريا من املصنفني يقولون‪ :‬مذهب‬
‫الشافعي أو غريه كذا ويكون منصوصه خبالفه؟ وعذرهم يف ذلك‪ :‬أهنم رأوا أن أصوله تقتضي‬
‫ذلك القول فنسبوه إىل مذهبه من جهة االستنباط ال من جهة النص"(‪.)2‬‬
‫الناحية الثانية‪ :‬تسلسل احلوادث‪ ،‬وهذه قضية حادثة دقيقة ليست من أصول الدين‬
‫وال أمهات العقائد‪ ،‬فلو افرتض أن ابن تيمية خالف فيها الصواب فليست مما يكفر به أو‬
‫يبدع‪ ،‬وقد فطن الكاتب لضعف مأخذه فيها‪ ،‬وأن ما قاله حمض تشنيع فعقد فصال لقول ابن‬
‫تيمة يف البعث‪ ،‬ومل أيت فيه بنقل واحد عن ابن تيمية؛ وإمنا سجل اشتباه األمر عليه يف ابن‬
‫تيمية‪ ،‬وأنه مل يتبني له هل هو موافق ملعتقد أهل السنة واحلديث أم خمالف له؟‬
‫أليس للمؤلف علم وورع ينهيانه عن مثل هذه التمحالت والتنقيبات يف التجرمي والتخطئة؟!‬
‫سادسا‪ :‬عقد املؤلف اباب بعنوان هلج ابن تيمية بسب عباد هللا الصاحلني‪ ،‬وعباد هللا‬
‫الصاحلني هم ابن عريب وابن الفارض وغريهم من أئمة احللول‪ ،‬وهذا الفصل يكفي يف إدانة‬
‫املؤلف وتبيني احنراف منهجه‪ ،‬وأن منهجه ليس منهجا أشعرًّاي سنيًّا كما يدعي‪ ،‬بل هو متسرت‬
‫هبم لتمرير ابطله! فجل من استشهد هبم يوافقون ابن تيمية يف تضليل أئمة احللول مثل ابن‬
‫عريب وبن الفارض وغريهم‪ ،‬ومنهم تقي الدين السبكي فقد قال عنهم‪" :‬ومن كان من هؤالء‬
‫الصوفية املتأخرين كابن عريب وابن سبعني والقطب القونوي والعفيف التلمساين… فهؤالء‬

‫(‪ )1‬شرح خمتصر خليل للخرشي مع حاشية العدوي (‪.)35/1‬‬


‫(‪ )2‬جمموع الفتاوى (‪.)137/11‬‬
‫ضالل جهال‪ ،‬خارجون عن طريق اإلسالم‪ ،‬فضال عن العلماء"(‪ ،)1‬هذا وابن عريب مصرح‬
‫بقدم العامل الذي ينكره مؤلف الكتاب على شيخ اإلسالم وقد قال العز بن عبد السالم‬
‫األشعري عن ابن عريب‪" :‬شيخ سوء كذاب‪ ،‬يقول بقدم العامل‪ ،‬وال حيرم فرجا"(‪ ،)2‬وقد استقرأ‬
‫أحد الباحثني من صرح من علماء املذاهب بتكفريه فزادوا على املائة(‪.)3‬‬
‫وإن تعجب فعجب أن حيتج على ابن تيمية أبيب العباس التيجاين الذي كفره أهل‬
‫عصره‪ ،‬وشهدوا بضاللته‪ ،‬وما يفتخر به املؤلف من علماء شنقيط كانوا من أول من ابدر إىل‬
‫تكفري حنلته حني قدمت إىل أرضهم وألفوا يف ذلك الكتب‪ ،‬ومن أشهرها‪ :‬كتاب "اخلارف‬
‫اجلاين يف رد التيجاين اجلاين" البن ما ايىب الشنقيطي‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬الكتاب منوذج للمصادرة والتقليد األعمى‪ ،‬فاملصادرة ظاهرة حني يطلق من‬
‫يرضى لنفسه مرتبة التقليد عبارات من حنو اتباع اهلوى والتضليل والبدعة‪ ،‬وأحيان التكفري‪،‬‬
‫على عامل يف مرتبة شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه هللا‪ ،‬وما ذاك إال أنه خالف أقواال لعلماء ليسوا‬
‫أعلم منه‪ ،‬وال حجة عليه‪ ،‬واملدافع عنهم ليس يف مرتبة أحد منهم وإمنا يدافع تقليدا‪.‬‬
‫فقد بدع اإلمام أبمور ال خترج عن مسألتني‪:‬‬
‫املسألة األوىل‪ :‬أن تكون عقيدة املؤلف فيها خمالفة للكتاب والسنة ولعقيدة من سلف‬
‫من الصحابة والتابعني‪ ،‬كما هو احلال يف مسألة الصفات وأتويلها أو تفويضها وإلزام من‬
‫خالف ذلك أبنه مشبه‪.‬‬
‫املسألة الثانية‪ :‬أقوال مذهبية خالفية بني السلف‪ ،‬وكل ما يف األمر أن ابن تيمية نزع‬
‫ابجتهاده فيها إىل خمالفة املعتمد عند متأخري أهل املذاهب‪ ،‬ونصر قوله ابلدليل‪ ،‬فيأيت املؤلف‬
‫ليجعل املتأخر املقلد حجة على اجملتهد املتبصر احملدث وهو خطأ علمي ومنهجي‪.‬‬
‫اثمنا‪ :‬املؤلف ضحية من ضحااي كثرية للوجبات العلمية السريعة!‬
‫وهو وإن أظهر أنه قرأ الفتاوى ونقل منها إال أنه يف كثري من نقده مل ينقل من الفتاوى‬
‫وإمنا نقل ابلواسطة وعن اخلصوم‪ ،‬وكثريا ما ينقل عن السبكي وعن الكوثري وال حييل إىل‬

‫(‪ )1‬ينظر النجم الوهاج يف شرح املنهاج (‪.)285/6‬‬


‫(‪ )2‬مصرع التصوف (ص‪.)152 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬ابن عريب عقيدته وموقف علماء املسلمني منه (‪.)706 -349‬‬
‫الفتاوى وال إىل ما هو قريب منها وهذا خطأ منهجي‪ ،‬وما حييل فيه إىل الفتاوى ال يستقيم إال‬
‫على أتويله هو ودعواه‪.‬‬
‫ومما يدل على عدم التفحص أن املؤلف حني عقد فصال يف الرد على ابن تيمية يف‬
‫قضية املوقف من ابن عريب مل يكن مدركا أن مجيع من نقل عنهم خيتلفون معه ويوافقون ابن‬
‫تيمية ومل يكلف نفسه عناء أتويلهم‪.‬‬
‫ودليل اثن وهو أنه مل ينتبه يف مسألة التأويل أن ابن حجر الذي يشيد به رد على‬
‫اخلطاب أتويله األصابع‪ ،‬وأتويله ضحك النيب صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬ومل يبني هل هذا القول‬
‫من ابن حجر تشبيه أو نزوع إىل طريقة ابن تيمية‪ ،‬فابن حجر بعد أن عرض أقوال املؤولة يف‬
‫حديث‪" :‬إن هللا ميسك السموات على إصبع‪ ،‬واألرضني على إصبع‪ ،‬واجلبال على إصبع‪،‬‬
‫والشجر على إصبع‪ ،‬واخلالئق على إصبع‪ ،‬مث يقول‪ :‬أن امللك"(‪ )1‬قال ابن حجر‪" :‬وقد اشتد‬
‫إنكار بن خزمية على من ادعى أن الضحك املذكور كان على سبيل اإلنكار‪ ،‬فقال بعد أن‬
‫أورد هذا احلديث يف كتاب التوحيد من صحيحه بطريقه‪ :‬قد أجل هللا تعاىل نبيه صلى هللا عليه‬
‫وسلم عن أن يوصف ربه حبضرته مبا ليس هو من صفاته‪ ،‬فيجعل بدل اإلنكار والغضب على‬
‫الواصف ضحكا‪ ،‬بل ال يوصف النيب صلى هللا عليه وسلم هبذا الوصف من يؤمن بنبوته"(‪.)2‬‬
‫ولنا أن نتساءل حني يقرر األشاعرة أن مجع أحاديث الصفات املتفرقة وجعلها يف ابب‬
‫ليس له معىن إال التشبيه‪.‬‬
‫فنقول ما ظن هؤالء ابلبخاري الذي أتى هبا متوالية يف كتاب التوحيد من صحيحه؟‬
‫اتسعا‪ :‬الكتاب مجع من النقد ما تفرق يف غريه والرد عليه مجيعا خيرج الورقة النقدية‬
‫عن موضوعها وحجمها‪ ،‬فالكتاب مواضيعه متشتتة وحسبنا أن خنتم الكالم عليه بقاعدتني‬
‫هتدمان بنيانه‪:‬‬
‫أوالمها‪ :‬أن احملكم من القرآن والسنة هو األغلب واألعم مصداق ذلك قوله سبحانه‬
‫آايت ْحم َك َمات ُهن أُم الْكتَاب} [سورة آل‬
‫اب مْنهُ َ‬
‫ك الْكتَ َ‬
‫َنزَل َعلَْي َ‬
‫ي أَ‬‫وتعاىل‪ُ { :‬ه َو الذ َ‬
‫عمران‪ .] 7:‬وال ميكن أن تعدد اآلايت واألحاديث مبعىن مث يكون هذا املعىن غري مراد وغري‬

‫(‪ )1‬البخاري (‪.)7414‬‬


‫(‪ )2‬فتح الباري (‪.)399/13‬‬
‫الئق ابهلل سبحانه فذلك من احملال‪ ،‬فاالستواء واليد وغريمها من الصفات كلها تتعدد معانيها‬
‫ابلقرآن لدرجة ال ميكن أتويلها‪ ،‬وال ادعاء أهنا غري الئقة؛ ألهنا ال ترد إال يف مقام املدح ونفي‬
‫النقص‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬التأويل الذي يقبل يف الشرع ال بد أن يستند إىل دليل ولذلك شروط منها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن يبني احتمال الكالم للمعىن الذي يريده لغة‪ ،‬والبد‪ ،‬هلذا البيان أن مير مبراحل‪:‬‬
‫‪ -‬أن حيتمله اللفظ بوضعه‪ ،‬فيكون مستعمال فيه‪ ،‬كتفسري االستواء ابإلقبال‪ ،‬فإنه ال‬
‫يعرف يف لغة العرب(‪.)1‬‬
‫‪ -‬أن حيتمله اللفظ ببنيته اخلاصة من تثنية ومجع‪ ،‬فإن املعىن قد حيتمله اللفظ مفردا‬
‫لكنه ال حيتمله ابلتثنية واجلمع‪ ،‬كتفسري اليد ابلقدرة‪ ،‬فإهنا وإن احتملتها مفردة‪،‬‬
‫ك أَن تَ ْس ُج َد ل َما‬
‫ال اي إبليس َما َمنَـ َع َ‬
‫فإهنا ال حتتملها مثناة‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪{ :‬قَ َ‬
‫نت م َن الْ َعالني} [سورة ص‪ .]75:‬فإنه ال ميكن أن‬
‫ت أ َْم ُك َ‬
‫ْرب َ‬
‫َستَك َ ْ‬
‫ت بيَ َدي أ ْ‬
‫َخلَ ْق ُ‬
‫تكون قدريت‪ ،‬وكذلك من فسروا العني ابحلفظ والرعاية‪ ،‬فإهنا‪ ،‬وإن احتملت هذا‬
‫املعىن مفردة‪ ،‬فإهنا ال حتتمله يف حالة اجلمع‪.‬‬
‫‪ -‬أن حيتمله السياق والرتكيب‪ ،‬إذ قد يكون اللفظ حمتمال للمعىن يف سياقات أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون املعىن مألوفا استعماله يف عهد املخاطب‪ ،‬خبالف ما إذا كان املعىن حاداث‬
‫بعده‪ ،‬كما فهم املتكلمون من الصفات اخلربية أهنا تفيد التجسيم وغري ذلك (‪.)2‬‬
‫اثنيا‪ :‬أن ينب الوجه الذي ألجله كان هذا املعىن هو املختار عنده‪.‬‬
‫اثلثا‪ :‬أن يقيم الدليل والقرينة الصارفة للكالم عن ظاهره‪ ،‬وهذه القرينة البد أن تكون معلومة‬
‫عند املخاطب مألوفة لديه‪ ،‬واليكفي أن تكون معلومة إمجاال‪ ،‬وأن تكون لفظية‪ ،‬وإن كانت‬
‫عقلية؛ فالبد أن تكون ضرورية بدهية ال ختفى على السامع‪.‬‬

‫(‪ )1‬الصواعق املرسلة (‪. )184/1‬‬


‫(‪ )2‬الفتاوى (‪.)355/5‬‬
‫(‪.)1‬‬
‫رابعا‪ :‬أن جييب عن دليل املعارض‬
‫وبدون االلتزام هبذه الضوابط يكون التأويل لعبا وشغبا وحتريفا لكالم هللا وكالم رسوله صلى هللا‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫وهبذا يظهر أن ما حنى إليه املؤلف يف كتابه من الداللة اللغوية للكلمة الواحدة ليس‬
‫كافيا بل هو جمرد تطويل‪ ،‬وحز يف غري مفصل‪ ،‬وضرب يف غري مقتل‪.‬‬
‫عاشرا‪ :‬صاحب الكتاب عجز عن إثبات دعواه‪ ،‬منها نسبة ابن تيمية للتجسيم‬
‫والتشبيه‪ ،‬وهذه مسألة مل يقم عليها دليال وكذلك عنون ملوقف ابن تيمية من البعث وأراد أن‬
‫يوهم أنه ينكره ومل أيت يف الباب بشيء‪ ،‬ونفسه يف مسألة عصمة األنبياء واألخرية من عجائب‬
‫املؤلف‪ ،‬وقد نسب إىل ابن القيم أنه استتيب من الردة واعرتف على نفسه واتب ومل يثبت هذا‬
‫النقل ومل يوثقه‪.‬‬
‫أخريا‪ :‬مسألة أتثري األسباب مل يفهمها املؤلف عند شيخ اإلسالم وجعلها نظري قول‬
‫الفالسفة‪ ،‬وقد فصل شيخ اإلسالم فيها مبا ال يسع املقام لذكره‪ ،‬وقد كتبنا فيها حبثا مفردا‪،‬‬
‫وقارن فيه بني ما يراه شيخ اإلسالم وما يراه األشعرية واكتفينا ابإلمام الغزايل(‪.)2‬‬
‫والكتاب ميثل التعصب لآلابء واألجداد‪ ،‬وللعقائد‪ ،‬وميثل الظلم واجلور يف حق‬
‫املخالف‪ ،‬كما أنه خارطة طريقة للشبه حول ابن تيمية والطريقة اليت يفكر هبا خصومه‬
‫التقليديون‪ ،‬وهي تعظيم أقوال أشياخهم واالعتزاز هبا وجعلها مسامتة للنص‪ ،‬مساوية له‪ ،‬وهو‬
‫أمر غري شرعي وغري مقبول‪ ،‬وما ترك من شبه الكتاب لعل املركز إبذن هللا يتناوله يف مقاالت‬
‫مفردة‪.‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الصواعق املرسلة (‪ ،)188/1‬البحر احمليط (‪ ،)40/5‬إرشاد الفحول (‪.)250/1‬‬


‫(‪ )2‬هذ رابط البحث‪/https://salafcenter.org/4397 :‬‬

You might also like