You are on page 1of 6

‫محمد سمير جمعة‬

‫‪125 30 415‬‬

‫الحضارة العربية اإلسالمية‬


‫الحضارة‪  ‬هي نظام اجتماعي يعين اإلنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي‪ ،‬وإنما تتألف الحضارة من عناصر‬
‫أربعة‪ :‬الموارد االقتصادية‪ ،‬والنظم السياسية‪ ،‬والتقاليد ال ُخلقية‪ ،‬ومتابعة العلوم والفنون؛ وهي تبدأ حيث ينتهي‬
‫االضطراب والقلق‪ ،‬ألنه إذا ما أم َِن اإلنسان من الخوف‪ ،‬تحررت في نفسه دوافع التطلع وعوامل اإلبداع‬
‫[‪]1‬‬
‫واإلنشاء‪ ،‬وبعدئذ ال تنفك الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها‪.‬‬
‫ترتكز الحضارة على البحث العلمي والفني التشكيلي بالدرجة األولى ‪،‬فالجانب العلمي يتمثل في االبتكارات‬
‫التكنولوجيا وعلم االجتماع‪...‬أما الجانب الفني التشكيلي فهو يتمثل في الفنون المعمارية والمنحوتات وبعض‬
‫الفنون التي تساهم في الرقي‪ .‬فلو ركزنا بحثنا على أكبر الحضارات في العالم مثل الحضارة الرومانية سنجد‬
‫أنها كانت تمتلك علماء وفنانين عظماء‪ .‬فالفن والعلم هما عنصران متكامالن يقودان أي حضارة‪.‬‬
‫و يذهب البعض إلى اعتبار الحضارة أسلوب معيشي يعتاد عليه الفرد من تفاصيل صغيرة إلى تفاصيل أكبر‬
‫يعيشها في مجتمعه وال يقصد من هذا استخدامه إلى احدث وسائل المعيشة بل تعامله هو كإنسان مع األشياء‬
‫المادية والمعنوية التي تدور حوله وشعوره اإلنساني تجاهها‪ .‬ومن الممكن تعريف الحضارة على أنها الفنون‬
‫والتقاليد والميراث الثقافي والتاريخي ومقدار التقدم العلمي والتقني الذي تمتع به شعب معين في حقبة من‬
‫التاريخ‪ .‬إن الحضارة بمفهوم شامل تعني كل ما يميز أمة عن أمة من حيث العادات والتقاليد وأسلوب المعيشة‬
‫والمالبس والتمسك بالقيم الدينية‪ M‬واألخالقية ومقدرة اإلنسان في كل حضارة على اإلبداع في الفنون واآلداب‬
‫والعلوم‪.‬‬
‫و قد برزت أسباب مختلفة أدت إلى إنتشار الحضارة العربية اإلسالمية منها‪:‬‬

‫حث القرآن على دراس الطبيعة _‬ ‫_‬ ‫_ تشجيع القرآن و السنة اكتساب العلم‬

‫تشجيع العلماء و توفير االمكانات للبحث و التعلم‬ ‫_‬ ‫_ التحريض على اكتساب العلم حيثما وجد‬

‫التزام اتباع البرهان _‬ ‫_‬ ‫سيادة روح التسامح‬ ‫_‬ ‫_ الشعور بالمواطنة العالمية عند العلماء المسلمين‬

‫_ اجتهاد العلماء المسلمين في اكتساب المعرفة‬ ‫_ طلب البحاثة للحقيقة _ شمولية العلوم االسالمية و وحدتها‬
‫ا‬
‫ن الدافع االول الذي حمل المسلمين على تعلم العلوم المختلفة من شتى المصادر اليونانية والمصرية والهندية@ و‬
‫غيرها هو وصية االسالم بذلك في جميع االحوال‪ ،‬والتقدير الذي اواله الهل العلم‪ ،‬وقال الرسول(ص)‪« :‬هل‬
‫يستوي الذين يعلمون و الذين ال يعلمون »؛ »من اراد الدنيا فعليه بالعلم‪ ،‬ومن اراد اآلخرة فعليه بالعلم‪ ،‬ومن‬
‫ارادهما معا فعليه بالعلم» ‪ .‬يكرر القرآن الكريم حث الناس على التدبير‪ M‬والتفكر في احوال الكائنات ويحذرهم‬
‫من سطحية النظر الي آيات هللا في الطبيعة‪« :‬افال ينظرون الي االبل كيف خلقت ‪ ،‬و الي السماء كيف رفعت ‪،‬‬
‫والي الجبال كيف نصبت و الي االرض كيف سطحت »‪.‬‬
‫من عوامل ظهور الحضارة االسالمية التشجيع والدعم للذين كان الخلفاء واالمراء والوزراء وكبار رجال‬
‫المجتمع يسبغونهما على اهل العلم واعدادهم لهم ما يمكنهم من مواصلة الدرس والتدريس والبحث والتحقيق ‪.‬‬
‫وفيما يلي امثلة علي االجراءات التي كانت تتخذ لترويج العلم ‪:‬‬

‫ج‪ .‬اعانة الطلبة ماليا‬ ‫ب‪ .‬اعانة العلماء ماليا‬ ‫ا‪ .‬اعظام العلماء‬

‫و‪ .‬تخصيص الموقوفات لترويج العلوم‬ ‫د‪ .‬انشاء المدارس ه‪ .‬كثرة المكتبات‬
‫كانت صفة سعة الصدر وتحمل آراء اآلخرين والتزام االنصاف في التعامل مع الف@@رق االخ@@رى االس@@المية‪ ،‬س@@ببا‬
‫في فتح باب المناظرة بين مختلف االقوام في دار االسالم‪ ،‬و التعاون في تطوير العلوم والفنون وتقدمها ‪ .‬ك@@ان من‬
‫سيرة اولياء الدين قبول الحوار الحر مع اصحاب االديان االخرى ‪ .‬تعامل المسلمين مع غير المس@@لمين ك@@ان قائم@@ا‬
‫علي اساس االمر القرآني‪:‬‬
‫وجادلوهم بالتي هي احسن‪ ،‬في المسائل العلمية والفلسفي‪.‬‬
‫محمد سمير جمعة‬
‫‪125 30 415‬‬

‫و إذا أردنا أن نلقي الضوء على أسس الحضارة اإلسالمية‪ ,‬فينبغي أن ن@@درك جي@@دا انه@@ا مث@@ل اي حض@@ارة لم‬
‫تظهر من العدم‪ ,‬بل إنها إستمدت مصادرها مما سبقها من حضارات‪ .‬فإن اي حضارة قائمة هي دائما خالصة لم@@ا‬
‫سبقها من حضارات و إن أضيف إليها عناصر جديدة‪ ,‬تميزها بشخصية خاصة‪ ,‬فإن اي حضارة ما إنم@@ا هي أخ@@ذ‬
‫و عطاء‪ ,‬و نتيجة مشتركة لعناصر قديم@@ة و أخ@رى جدي@@دة‪ ,‬و ل@@ذلك يمكنن@@ا أن نق@ول ببس@@اطة أن أس@@س الحض@ارة‬
‫اإلسالمية ترجع أوال إلى العرب‪ ,‬و ثانيا إلى سكان البالد التي فتحها العرب‪ .‬و قد ساهم الع@رب بنص@يب كب@@ير في‬
‫الحضارة التي نحن بصدد دراستها‪ ,‬بعد ظهور الدين اإلسالمي على يد رسولنا الك@@ريم علي@@ه الص@@الة و الس@@الم‪ ,‬و‬
‫ذلك لما ترتب على ظهور هذا الدين من إنتشار للعرب في الألرض كغزاة و فاتحين‪ ,‬بدينهم اإلسالمي ال@@ذي يع@@بر‬
‫عن الحياة العربية بما فيها من تقاليد‪ ,‬باإلضافة إلى ما يحتوي@@ه من تنظيم و تش@@ريع‪ ,‬مم@@ا أس@@هم في إنش@اء حض@@ارة‬
‫ذات طابع عربي إسالمي‪ .‬فإن األديان دائما ما يك@@ون له@@ا اث@@ر كب@@ير في الحض@@ارات‪ ,‬حيث أن الفن@@ون و اآلداب و‬
‫العلوم في أي حضارة أو أمة ما‪ ,‬دائما ما يدور فلكها حول الدين الس@@ائد في ه@@ذي اال ّم@@ة او في ه@@ذي الحض@ارة‪ .‬و‬
‫في نفس الوقت ال يمكن أن ننكر أبدا أن سكان البالد التي فتحها العرب‪ ,‬الذين كانوا ورثة لحضارات قديمة‪ @,‬س@@واء‬
‫في البحر االبيض أو الحضارات األسيوية‪ ,‬كان لهم أثرهم في الحضارة اإلسالمية‪ .‬و قد كانت هناك ع@@ ّدة عوامل‬
‫ساعدت على المزج بين حضارة العرب و الحضارات األخرى و أدى بدوره إلى ظهور الحض ارة اإلس المية‪ .‬و‬
‫هذه العوامل هي‪:‬‬
‫العامل االول‪ :‬هو التعريب‪ ,‬و يقصد به جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية في الدواوين‪.‬‬
‫العامل الثاني‪ :‬هو ترك شعوب الخالفة العرب من غير المسلمين ألديانهم و تحولهم إلى اإلسالم‪.‬‬
‫العامل الثالث‪ :‬فهو يتصل بالعاملين السابقين‪ ,‬و هو‪ :‬ثورة الشعوب المفتوحة على الخالفة األموية‪.‬‬
‫العامل الرابع‪ :‬و هذا العامل يتصل أيضا بالعامل السابق‪ ,‬و هو‪ :‬التفتت السياسي لوحدة الخالفة العباسية‪.‬‬
‫م‬
‫ن أهم مقومات الحضار في اإلسالم " العلم والبحث العلمي " فهو المقدمة األولى لبناء الصرح الحضاري وبدونه‬
‫يصبح اإلنسان كائنا ينتظر المعونة من الغير‪ .‬وقد حافظ القرآن العظيم على اللغة العربية ونشرها في ربوع‬
‫األرض وجعلها من اللغات الحية في العالم‪ ..‬وقد استوعبت اللغة العربية جميع علوم األرض ‪ ,‬والدليل على ذلك‬
‫ما قام به علماء اإلسالم بالترجمة لكتب العلوم في العصر الذهبي للدولة اإلسالمية ‪ ,‬والبحث العلمي في جميع‬
‫أصول المعرفة سواء الرياضية في الجبر والهندسة أو العلوم الكيمائية أو الطبية أو علم الفلك من نجوم وكواكب‬
‫أو الجغرافية أو التاريخية والشريعة والقانون ‪...‬والتفوق في العلوم الصناعية في كافة المجاالت مثل صناعة‬
‫السفن واألساطيل البحرية وإنشاء الترع والسدود و إنشاء المدن وما ترتب عليها من مرافق وإضاءة ‪ ...‬‬
‫من مقومات الحضارة اإلسالمية‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬العقيدة ‪ :‬تقوم العقيدة في اإلسالم على تنظيم صلة اإلنسان باهلل وتعطيه قيما ً معينة وشريعة تنظم الحياة‬
‫االجتماعية حسب هداية هللا سبحانه وتعالى أن ترتكز هذه العقيدة على شهادة أن ال إله إال هللا وأن محمداً رسول‬
‫هللا‪ .‬وهي تعني اإلفراد بالعبودية هلل وحده دون سواه واالعتراف بالخلق والسلطان له سبحانه وتعالى وتنزيهه عن‬
‫الشريك‪ .‬هذه العقيدة القائمة على التوحيد لها معطيات كانت وراء ما حققته‪ ‬الحضارة‪ ‬اإلسالمية من سمو وإعجاز‬
‫أدهش العالم وأثار تساؤالت علمائه عن هذه المعطيات ومن هذه المعطيات‪:‬‬
‫‪ -1‬السمو اإلنساني‬

‫‪ -2‬النمو الحقيقي لألشياء‬

‫‪ -3‬الرجاء وطمأنينة القلب‬

‫‪ -4‬الجراءة والشجاعة في مواجهة الشدائد‬

‫‪ -5‬اإلحاطة والشمول‪ ‬‬
‫محمد سمير جمعة‬
‫‪125 30 415‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬النظام االجتماعي‪ ‬‬
‫األساس الثاني للحضارة اإلسالمية هو النظام االجتماعي المتكامل الذي جاء به اإلسالم ‪ ،‬وصبغ به الحياة‬
‫اإلسالمية ‪ ،‬وهو نظام رباني اختاره هللا للبشرية لينظموا حياتهم عليه ‪ ،‬ويحييهم به حياة طيبة ‪ ،‬ويسعدهم به في‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ‬ومن أهم أسس النظام‪:‬‬
‫األخوة _‬ ‫العدالة المطلقة‪_  ‬‬ ‫_‬ ‫المساواة بين البشر‪ ‬‬

‫_ الحرية ‪ :‬‬
‫تتجلى الحرية في المجتمع اإلسالمي في أجل معانيها وأسمى مقاصدها وأروع مظاهرها‪ ،‬ومن هذه الحريات ‪ :‬‬
‫حرية القول‬ ‫حرية التفكير‬ ‫حرية االعتقاد‬

‫_ األخالق والفضائل ‪:‬‬

‫وهكذا نجد أن الحضارة اإلسالمية وصلت إلى ما وصلت إليه من إعجاز فاق جميع الحضارات ألنها قامت@ على‬
‫أسس متينة@ ‪ ‬إذ نظر اإلسالم إلى اإلنسان نظرتين‪:‬‬
‫_نظرة تكريم أعطاه فيها كل ما حفظ به كرامته ‪ ،‬حفظه من كل ظلم وبغي وعنت ‪ ،‬وتولى رزقه وعطاء‬
‫توجيهه وإرشاده ‪ ،‬وأطلق حريته واحترم إرادته وأجاب دعوته‪.‬‬
‫_نظرة تقييم ‪ :‬إن نظر إليه بمعيار خلقه ونفعه وعطائه وإيمانه‪.‬‬
‫أما المجتمعات فقد نظر إليها‪ ‬بمنظار ما فيها من قيم ‪ ،‬من مساواة وعدالة وحرية وأخوة واتحاد وتعاون وفضائل ‪،‬‬
‫فإذا كملت هذه األوصاف ووجدت هذه النماذج كان اإلنسان متحضراً وكان المجتمع كذلك ‪ ،‬وإذا فقدت كان‬
‫المجتمع غير متحضر وكان اإلنسان فيه غير حضاري وإن رفل في النعيم ووصل إلى الفضاء ألن اإلسالم يبحث‬
‫عن حضارة اإلنسان ورقيه ‪ ،‬ال عن زخرفة البناء وعلوه ‪ ،‬يبحث أوالً سعادة المكرم ال زخرفة المسخر‪ ،‬ألنه‬
‫منطقي في نظرته ‪ ،‬واقعي في حكمه‪.‬‬
‫فالحضارة التي تقوم على هذه األسس هي بال ريب سيدة الحضارات‪.‬‬
‫اإلسالم في تم ُّكنِها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫افعي عامل َ‬ ‫ش ُّ‬ ‫ذكر لنا ال ّ‬ ‫الدّين‪ .‬وقد َ‬ ‫ِ‬ ‫وبعامل‬
‫ِ‬ ‫غة العرب ّي ُة بذاتِها‬ ‫ت اللّ ُ‬ ‫لقد انتشر ِ‬
‫القرن‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫القديم بدأ منذ‬ ‫العلمي‬
‫ِّ‬ ‫ث‬‫حيث إنّ ا ّتصالَها بال ّترا ِ‬ ‫ُ‬ ‫االنتشار؛‬
‫ِ‬ ‫وتتحدَّث األخبا ُر عن قدرتِها على‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫جوم وال َفلَكِ‬
‫معاوية‬ ‫برعاي ِة خالِد ْب ِن يزيدَ ِ‬
‫بن‬ ‫ب والكيمياءِ ‪ِ ،‬‬ ‫والط ِّ‬ ‫ب في ال ّن ِ‬ ‫األو ِل في حرك ِة ترجم ٍة ل ُك ُت ٍ‬ ‫ّ‬
‫وضعا رسم ّيا‪ .‬ومن‬ ‫ً‬ ‫اسي‬
‫العصر الع ّب ِّ‬ ‫ّ‬
‫لوم إلى أن اتخذت في‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫األموي‪ ،‬وما زال ِ‬
‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ت العربية في اتصالِها بال ُع ِ‬ ‫ِّ‬
‫غيرها من‬ ‫ً‬
‫كيف تأ ّتى لِل ُ َغ ٍة عاشت في بيئ ٍة بدو ّي ٍة صحراو ّي ٍة معزولة عن ِ‬ ‫يتساءل َ المر ُء‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫ال ُمفي ِد أن‬
‫واالنتشار‬
‫ِ‬ ‫تتفوقَ في ال ّت ِ‬
‫عبير‬ ‫والجواب أ ّنها استطاعت أن ّ‬ ‫ُ‬ ‫هائلة من ال ّت ِ‬
‫عبير؟‬ ‫ً‬ ‫ت أن تتض ّمنَ طاقا ٍ‬
‫ت‬ ‫اللّغا ِ‬
‫طو ِر‬‫الضواب َط والقوانينَ التي م َّكن ْتها من ال ّت ُّ‬ ‫ت واللّهجاتِ؛ أل ّنها تض ّمنت ّ‬ ‫كثير من اللّغا ِ‬ ‫هور على ٍ‬ ‫والظ ِ‬ ‫ّ‬
‫ت والمقاماتِ‪ ،‬إ ّنها قوانينُ نمو اللّغةِ‪،‬‬ ‫عبير في مختلِفِ المجاال ِ‬ ‫فريع وال ّت ِ‬ ‫وال ُمواكبةِ‪ ،‬ومن ال ّتولي ِد وال ّت ِ‬
‫ث عن‬ ‫واالرتِجالُ‪ ...‬ونعو ُد إلى الحدي ِ‬ ‫ْ‬ ‫والقلب واإلبدال ُ وال ّنحتُ‬ ‫ُ‬ ‫ِياس واالشتقاقُ‬ ‫وهذه القوانينُ هي الق ُ‬
‫وتأثير الحضار ِة‬ ‫ِ‬ ‫بالفكر‪،‬‬
‫ِ‬ ‫يتحدّث الباحثون عن عالق ِة اللّغ ِة‬ ‫ُ‬ ‫فكثيرا ما‬ ‫ً‬ ‫سان بالحضار ِة اإلسالم ّيةِ‪،‬‬ ‫صِ ل ِة اللّ ِ‬
‫نصيب‬
‫ٌ‬ ‫شأن؛ فقد كان لها‬ ‫ت في هذا ال ّ‬ ‫سائر اللّغا ِ‬
‫ِ‬ ‫بدعا من‬ ‫غة العرب ّي ُة ً‬ ‫في اللّغ ِة وتأ ّث ِرها بها‪ ،‬وليست اللّ ُ‬
‫القديم‬
‫ِ‬ ‫ب منذ‬ ‫رف عن العر ِ‬ ‫أثير فيها‪ ،‬و ُع َ‬ ‫يسير من ال ّتأ ّث ِر بالحضار ِة العربي ِة اإلسالم ّي ِة وال ّت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫غير‬
‫ت حياتِهم‬ ‫عبير عن أغراضِ هم ومستجدّا ِ‬ ‫بتفوقِها وقدرتِها على ال ّت ِ‬ ‫اعتزا ُزهم بل ُ َغتِهم‪ ،‬وشعو ُرهم ّ‬
‫تحض ِر ال ّناطقينَ بالعرب ّي ِة أل ّنهم كانوا‬ ‫ّ‬ ‫مظاهر‬
‫ِ‬ ‫مظهرا من‬ ‫ً‬ ‫والع َقد ّي ِة والعلم ّيةِ‪ ،‬وكانَ هذا‬ ‫االجتماع ّي ِة َ‬
‫خالص‪ ،‬وال يعتمدون على أنماطٍ أخرى أجنب ّي ٍة عنهم إالّ‬ ‫ٍ‬ ‫عربي‬
‫ّ‬ ‫بنسيج‬
‫ٍ‬ ‫خيوط أنماطِ حياتِهم‬ ‫َ‬ ‫يصوغونَ‬
‫الض ّيق ِة إلى‬ ‫ب من الجاهل ّي ِة ّ‬ ‫والغزو‪ .‬بل يع ُّد ا ْنتقال ُ العر ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاعل ال الهيمن ِة‬ ‫سبيل االستفاد ِة وال ّت ِ‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫ف أَ ْنماطِ‬ ‫عوامل نهض ِة لغتِهم و ُرق ِِّي أساليبِها وا ِّتساعِ ها لمخ َتلِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫عامل من‬‫ٍ‬ ‫اإلسالم الواسع ِة َ‬
‫أكبر‬ ‫ِ‬ ‫حضار ِة‬
‫محمد سمير جمعة‬
‫‪125 30 415‬‬
‫ساع نِطاقِها وتخلُّصِ ها م ّما عسى أن‬
‫ب ل ُ َغتِهم وس ُمو أساليبِها وا ِّت ِ‬
‫ب تهذي ِ‬‫ب من أسبا ِ‬ ‫ال َّت ِ‬
‫عبير‪ ،‬وأه َّم سب ٍ‬
‫يكونَ بها من ُخشون ٍة وغراب ٍة‪.‬‬

‫إن حركة الترجمة ترجع إلى صدر اإلسالم في عهد الرسول الكريم صلى هللا عليه وسلم وبتكليف منه‪ ،‬ف ُنقل‬
‫عن‪ ‬الصحابة رضوان هللا عليهم‪" :‬من عرف لغة قوم أمن شرهم" ‪ .‬وأقدم بردة في اإلسالم تعود إلى سنة ‪22‬هـ‪،‬‬
‫وعليها نص باسم‪ ‬عمرو بن العاص‪  ‬رضي هللا عنه‪ ،‬وبه ثالثة اسطر باليونانية والترجمة بالعربية تحتها‪،‬‬
‫وبالتالي الترجمة ظهرت في صدر اإلسالم وليس منذ العصر األموي‪.‬‬
‫أخذت حركة الترجمة إلى العربية تتسع وتزداد قوة في‪ ‬العصر العباسي‪ ‬بفضل‪:‬‬

‫تشجيع الخلفاء العباسيين ورعايتهم لهم‪ ،‬وقد فتحوا بغداد‪ M‬أمام العلماء وأجزلوا لهم العطاء وأضفوا‬ ‫‪-1‬‬
‫عليهم ضروب التشريف والتشجيع بصرف النظر عن مللهم وعقائدهم‪ .‬في حين أن حركة الترجمة في‬
‫العصر األموي كانت محاوالت فردية ال يلبث أن تذبل بذوال األفراد‪.‬‬
‫غدت ركنا من أركان سياسة الدولة‪ ،‬فلم يعد‪ M‬جهد فردي سرعان ما يزول بزوال األفراد سواء حكام‬ ‫‪-2‬‬
‫أوغير ذلك بل أصبح أمرا من أمور الدولة وركنا من أركانها‪.‬‬

‫وفي حين أن الترجمة في العصر األموي اقتصرت على‪ ‬الكيمياء‪ ‬والفلك‪ ‬والطب‪ ،‬نجد أنه في العصر العباسي‬
‫صارت أوسع نطاقا بحيث شملت الفلسفة والمنطق والعلوم التجريبية والكتب األدبية‪.‬‬
‫من أمثلة اهتمام الخلفاء العباسيين بالعلماء والمترجمين‪:‬‬
‫الخليفة أبا جعفر المنصور( ‪158 -136‬هـ)‬
‫وقد عني بترجمة الكتب إلى العربية سواء من اليونانية أو الفارسية‪ ،‬وفي تلك المرحلة نقل حنين بن إسحاق‬
‫بعض كتب أبقراط وجالينوس في الطب ونقل ابن المقفع كتاب "كليلة ودمنة" من الفهلوية‪.‬‬

‫هارون الرشيد (‪193 - 170‬هـ)‬


‫عندما كثر أعداد العلماء في‪ ‬بغداد‪ ‬أنشأ لهم‪ ‬دار الحكمة؛ لتكون بمثابة أكاديمية علمية يجتمع في رحابها‬
‫المعلمون والمتعلمون وحرص على تزويدها بالكتب التي نقلت من آسيا الصغرى والقسطنطينية‪.‬‬

‫المأمون (‪218-198‬هـ)‬
‫ازداد اهتماما ببيت الحكمة‪ ،‬فوسع من نشاطها وضاعف العطاء للمترجمين وقام بإرسال البعوث إلى‬
‫القسطنطينية الستحضار ما يمكن الحصول عليه من مؤلفات يونانية في شتى ألوان المعرفة‪ ،‬فاخرج المأمون‬
‫لذلك جماعة منهم الحجاج بن مطر‪ ،‬وابن البطريق فاخذوا مما اختاروا وقد ذكر ابن النديم انه كان بين المأمون‬
‫وإمبراطور القسطنطينية راسالت بهذا الشأن‪.‬‬

‫ونخص بالذكر حنين بن إسحاق الذي ترجم كتبا عديدة‪ M‬في المنطق والفلسفة والطبيعة‪ ،‬لكن أغلب ما نقله كان‬
‫في الطب وقد ترجم من اليونانية إلى السريانية والعربية فترجم لجالينوس ‪ 95‬كتابا إلى السريانية نقل منهم إلى‬
‫العربية ‪ 39‬كتابا فقط‪.‬‬

‫تعد النظرية السياسية اإلسالمية من النظريات التي قدمت نماذج مشرفة في مفاهيم الحوار و التسامح‬
‫مع اآلخرين ألن الدين اإلسالمي هو دين منفتح على الديانات و الحضارات األخرى على عكس مما يشاع ضد‬
‫هذا الدين من قبل بعض الذين يشوهون التاريخ من أنه أكثر األديان صدامية مع باقي الحضارات و األديان‬
‫األخرى‪ ,‬و قد جاء األسالم بأفكار و نظريات صححت العديد من المسارات و األفكار التي كانت سائدة في‬
‫الموروث اإلنساني‪ ,‬و التي كان يشوبها العديد‪ M‬من المغالطات و االهواء‪ ,‬و ساهم اإلسالم بجعلها تسير في‬
‫المسار الصحيح‪ ,‬كونه دين سماوي وضع الخالق عزوجل اركان نظريته القائمة على العدل و المساواة‪.‬‬

‫و قد صاغ اإلسالم نظرية سياسية متكاملة و واضحة المعالم و التوجهات‪ ,‬و إن كان هناك إختالفات جوهرية‪,‬‬
‫بينها و بين النظم السياسية الوضعية‪ ,‬فكان ذلك مرده إلى الثانية التي كان مصدرها نظريات وضعية‪ ,‬حاولت أن‬
‫تؤسس نظرتها إلى السياسة و الحياة بصورة عامة‪ ,‬من قوانين مفترضة‪ ,‬تحاول ان تقيم أنظمة تقترب بهذا القدر‬
‫محمد سمير جمعة‬
‫‪125 30 415‬‬
‫او ذاك من العدالة و الحرية و المساواة‪ ,‬وصوال إلى ما يطلق عليه اليوم ب(( الديمقراطية ))‪ .‬و فحوى النظرية‬
‫السياسية في اإلسالم هي األمانة التي تقوم على مبايعة أهل الحل و العقد‪ ,‬و شروطها‪ :‬العدالة و العلم و الرأي و‬
‫الحكمة‪.‬‬

‫تصارعت اإلمبراطوريتان الفارسية و الرومانية على النفوذ‪ ,‬السيما في بالد شبه الجزيرة العربية‪ ,‬دون‬
‫أن تنهي إحداهما األخرى‪ ,‬إلى إن إستطاع الجرمان القضاء على اإلمبراطورية الرومانية التي إنتهت بسقوط‬
‫روما سنة ‪ 476‬م‪ ,‬بعدما كانت قد بلغت أوجها‪ ,‬حتى حولت البحر األبيض المتوسط إلى بحيرة رومانية‪ ,‬و‬
‫حولت كتيرا من الممالك و اإلمارات إلى واليات روماتية‪.‬‬

‫في الوقت الذي كانت فيه أوروبا غارقة في عصور من الظالم واالنحطاط‪ ،‬كانت الحضارة العربية القديمة تقدم‬
‫للبشرية جمعاء أفضل اإلنجازات العلمية في عصرها الذهبي‪ ،‬عندما كانت مدن مثل بغداد‪ M‬والقاهرة ودمشق‬
‫والقيروان وفاس وقرطبة تعج بالعلماء والمخترعين والصناع المهرة‪ ،‬الذين قدموا العديد من النظريات العلمية‪،‬‬
‫التي نحيا بها إلى يومنا هذا‪.‬‬

‫إليكم االبتكارات واالختراعات القديمة التي قدمتها الحضارة العربية واإلسالمية للعالم‪:‬‬

‫الجبر ‘‘الرياضيات‘‘ _‬ ‫_‬ ‫الطيران‬ ‫_‬ ‫الجراحة وأدواتها‬

‫الطاحونة الهوائية‪.‬‬ ‫_‬ ‫الفلك والجغرافيا‬ ‫_‬ ‫البصريات‬

‫كما يجب أال ننسى أول مستشفى أسسه أحمد بن طولون في القاهرة‪ ،‬كل هذه اإلنجازات العلمية في تاريخنا البد‬
‫لها أن تشكل الحافز الحقيقي لنا للمضي على درب المعرفة الذي سلكوه أسالفنا‪.‬‬

‫إنه النور المشرق على سماء الدنيا‪ ،‬الذي جعل الصلة وثيقة بين السماء واألرض‪ ،‬ووحد بين الروح والمادة‪،‬‬
‫وجعل خالص اإلنسان وراحته في تسليم أمره هلل‪ ،‬إنه اإلسالم الذي ربط الحرية والمساواة في شرع هللا بعقيدة‬
‫اإليمان باهلل‪ ،‬وأقام التوازن بين الحق والواجب‪ ،‬وبين حق الفرد وحق الجماعة‪ ،‬فنطق بذلك ميزان العدالة اإللهية‪:‬‬
‫وال يظلم ربك أحدا ‪ ،‬وهو تحديد قيم وشامل وعميق‪ .‬‬
‫إن اختيارنا لهذا الموضوع ينبع من قناعات خاصة مفادها أن المستقبل لهذا الدين‪ ،‬ومهما سالت أقالم الغيورين‬
‫على موضوع البناء الحضاري لإلسالم‪ ،‬فلن نوفيه حقه‪ ،‬دراسة وتحليالً‪ ،‬ولن نستفرغ مكنون همومنا نحو عدالة‬
‫وأحقية هذا الدين‪ ،‬الذي به تحيا قلوب الماليين من المسلمين في زمن كثر فيه اإلحباط النفسي‪ ،‬والملل من‬
‫الضوضاء والتيه بعيداً عن الحقيقة المشرقة‪ ،‬التي تنطق بها آيات القرآن الكريم كل يوم‪ ،‬وتقرع آذانا ً كثيرة وقلوبا ً‬
‫عديدة‪ ،‬تخاطبهم بأن النصرة والتمكين لدين اإلسالم الذي حملت لواءه وجذوره أول رسالة في األرض لـ ّما خلق‬
‫هللا آدم‪ ،‬عليه السالم‪ ،‬واستخلفه واستعمره في األرض وأرشده بالوحي والعلم‪ .‬ثم أرسل سبحانه من بعده نوحاً‪،‬‬
‫عليه السالم‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬عليه السالم‪ ،‬إلى أن أرسل لبنة التمام محمداً صلى هللا عليه وسلم خاتم األنبياء والرسل‪ .‬‬
‫ألجل ذلك حاولت في هذا العمل المتواضع أن أرصد جذور الحضارة اإلسالمية‪ ،‬وأبحث عن قدم رسوخها في رسالة‬
‫األنبياء والرسل‪ ،‬تذكيراً بأن الدين عند هللا اإلسالم‪ ،‬عند جميع األنبياء‪ ،‬عقيدة واحدة وإلها ً واحداً ومعبوداً ال ثاني‬
‫له‪ ،‬نطق بالحق ومكن النصرة ألهل الحق‪ .‬‬
‫فحاولت استخالص العبر من خالل وقفات رسالية لبعض األنبياء والرسل‪ ،‬وتفصيل القول في مقومات الحضارة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬التي تجلت في عقيدة التوحيد والعلم واالنفتاح على الحضارات األخرى‪.‬‬
‫وكانت غايتي من ذلك إبراز بعض معالم الحضارة اإلسالمية انطالقا ً من جـذورها ومنابعها الصـافية‪ ،‬السامية‪،‬‬
‫بطريقة آمل أن تضيف شيئا ً إلى ما كتبه رواد الفكر اإلسالمي والحضارة في الموضوع‪ ،‬من خالل تلمس نبض‬
‫حركتها في تاريخ الرساالت النبوية واستنباط مالمحها من منجزاتها السامية‪ ،‬وجعلها مؤلفا ً مختصراً أرجو أن‬
‫يفيد الطالب والباحث وكل من له اهتمام بقضايا الحضارة اإلسالمية وقيمها السامية‪ .‬‬
‫و أمالً في أخذ العبرة من معالمها وإنجازاتها العظيمة‪ ،‬لتجديد وبناء مسار حضارة إسالمية معاصرة تعيد األمل‬
‫وتفتح أبواب التقدم والنماء بعيداً عن أي استالب‪ ،‬بل باعتماد االجتهاد والتجديد وإعمال النظر وفق تعاليم وروح‬
‫اإلسالم الحضارية التي شهد الجميع بسموها‪ ،‬قديما ً وحديثاً‪ .‬‬
‫محمد سمير جمعة‬
‫‪125 30 415‬‬
‫كم نحن اليوم في حاجة ماسة إلى كتابات تؤكد من جهة إمكانية بعث هذه الحضارة ونمائها بعيداً عن كل تجريح أو‬
‫تزييف‪ ،‬وتثبت من جهة أخرى أن المستقبل لهذا الدين رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين‪ ،‬ولن نبلغ هذه الغاية إال‬
‫من خالل تأصيل تعاليمه وفقه مقاصده والنهل من ينابيعه الصافية‪ ،‬فهما ً وتفسيراً وضبطا ً وتطبيقاً‪ ،‬أمالً في تحقيق‬
‫نماء حضاري ينفع الناس جميعا ً و يمكث في األرض‪ ،‬بإذن هللا تعالى وقوته‪ .‬‬

You might also like