Professional Documents
Culture Documents
الحضارة العربية الإسلامية
الحضارة العربية الإسلامية
125 30 415
حث القرآن على دراس الطبيعة _ _ _ تشجيع القرآن و السنة اكتساب العلم
تشجيع العلماء و توفير االمكانات للبحث و التعلم _ _ التحريض على اكتساب العلم حيثما وجد
التزام اتباع البرهان _ _ سيادة روح التسامح _ _ الشعور بالمواطنة العالمية عند العلماء المسلمين
_ اجتهاد العلماء المسلمين في اكتساب المعرفة _ طلب البحاثة للحقيقة _ شمولية العلوم االسالمية و وحدتها
ا
ن الدافع االول الذي حمل المسلمين على تعلم العلوم المختلفة من شتى المصادر اليونانية والمصرية والهندية@ و
غيرها هو وصية االسالم بذلك في جميع االحوال ،والتقدير الذي اواله الهل العلم ،وقال الرسول(ص)« :هل
يستوي الذين يعلمون و الذين ال يعلمون »؛ »من اراد الدنيا فعليه بالعلم ،ومن اراد اآلخرة فعليه بالعلم ،ومن
ارادهما معا فعليه بالعلم» .يكرر القرآن الكريم حث الناس على التدبير Mوالتفكر في احوال الكائنات ويحذرهم
من سطحية النظر الي آيات هللا في الطبيعة« :افال ينظرون الي االبل كيف خلقت ،و الي السماء كيف رفعت ،
والي الجبال كيف نصبت و الي االرض كيف سطحت ».
من عوامل ظهور الحضارة االسالمية التشجيع والدعم للذين كان الخلفاء واالمراء والوزراء وكبار رجال
المجتمع يسبغونهما على اهل العلم واعدادهم لهم ما يمكنهم من مواصلة الدرس والتدريس والبحث والتحقيق .
وفيما يلي امثلة علي االجراءات التي كانت تتخذ لترويج العلم :
ج .اعانة الطلبة ماليا ب .اعانة العلماء ماليا ا .اعظام العلماء
و .تخصيص الموقوفات لترويج العلوم د .انشاء المدارس ه .كثرة المكتبات
كانت صفة سعة الصدر وتحمل آراء اآلخرين والتزام االنصاف في التعامل مع الف@@رق االخ@@رى االس@@المية ،س@@ببا
في فتح باب المناظرة بين مختلف االقوام في دار االسالم ،و التعاون في تطوير العلوم والفنون وتقدمها .ك@@ان من
سيرة اولياء الدين قبول الحوار الحر مع اصحاب االديان االخرى .تعامل المسلمين مع غير المس@@لمين ك@@ان قائم@@ا
علي اساس االمر القرآني:
وجادلوهم بالتي هي احسن ،في المسائل العلمية والفلسفي.
محمد سمير جمعة
125 30 415
و إذا أردنا أن نلقي الضوء على أسس الحضارة اإلسالمية ,فينبغي أن ن@@درك جي@@دا انه@@ا مث@@ل اي حض@@ارة لم
تظهر من العدم ,بل إنها إستمدت مصادرها مما سبقها من حضارات .فإن اي حضارة قائمة هي دائما خالصة لم@@ا
سبقها من حضارات و إن أضيف إليها عناصر جديدة ,تميزها بشخصية خاصة ,فإن اي حضارة ما إنم@@ا هي أخ@@ذ
و عطاء ,و نتيجة مشتركة لعناصر قديم@@ة و أخ@رى جدي@@دة ,و ل@@ذلك يمكنن@@ا أن نق@ول ببس@@اطة أن أس@@س الحض@ارة
اإلسالمية ترجع أوال إلى العرب ,و ثانيا إلى سكان البالد التي فتحها العرب .و قد ساهم الع@رب بنص@يب كب@@ير في
الحضارة التي نحن بصدد دراستها ,بعد ظهور الدين اإلسالمي على يد رسولنا الك@@ريم علي@@ه الص@@الة و الس@@الم ,و
ذلك لما ترتب على ظهور هذا الدين من إنتشار للعرب في الألرض كغزاة و فاتحين ,بدينهم اإلسالمي ال@@ذي يع@@بر
عن الحياة العربية بما فيها من تقاليد ,باإلضافة إلى ما يحتوي@@ه من تنظيم و تش@@ريع ,مم@@ا أس@@هم في إنش@اء حض@@ارة
ذات طابع عربي إسالمي .فإن األديان دائما ما يك@@ون له@@ا اث@@ر كب@@ير في الحض@@ارات ,حيث أن الفن@@ون و اآلداب و
العلوم في أي حضارة أو أمة ما ,دائما ما يدور فلكها حول الدين الس@@ائد في ه@@ذي اال ّم@@ة او في ه@@ذي الحض@ارة .و
في نفس الوقت ال يمكن أن ننكر أبدا أن سكان البالد التي فتحها العرب ,الذين كانوا ورثة لحضارات قديمة @,س@@واء
في البحر االبيض أو الحضارات األسيوية ,كان لهم أثرهم في الحضارة اإلسالمية .و قد كانت هناك ع@@ ّدة عوامل
ساعدت على المزج بين حضارة العرب و الحضارات األخرى و أدى بدوره إلى ظهور الحض ارة اإلس المية .و
هذه العوامل هي:
العامل االول :هو التعريب ,و يقصد به جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية في الدواوين.
العامل الثاني :هو ترك شعوب الخالفة العرب من غير المسلمين ألديانهم و تحولهم إلى اإلسالم.
العامل الثالث :فهو يتصل بالعاملين السابقين ,و هو :ثورة الشعوب المفتوحة على الخالفة األموية.
العامل الرابع :و هذا العامل يتصل أيضا بالعامل السابق ,و هو :التفتت السياسي لوحدة الخالفة العباسية.
م
ن أهم مقومات الحضار في اإلسالم " العلم والبحث العلمي " فهو المقدمة األولى لبناء الصرح الحضاري وبدونه
يصبح اإلنسان كائنا ينتظر المعونة من الغير .وقد حافظ القرآن العظيم على اللغة العربية ونشرها في ربوع
األرض وجعلها من اللغات الحية في العالم ..وقد استوعبت اللغة العربية جميع علوم األرض ,والدليل على ذلك
ما قام به علماء اإلسالم بالترجمة لكتب العلوم في العصر الذهبي للدولة اإلسالمية ,والبحث العلمي في جميع
أصول المعرفة سواء الرياضية في الجبر والهندسة أو العلوم الكيمائية أو الطبية أو علم الفلك من نجوم وكواكب
أو الجغرافية أو التاريخية والشريعة والقانون ...والتفوق في العلوم الصناعية في كافة المجاالت مثل صناعة
السفن واألساطيل البحرية وإنشاء الترع والسدود و إنشاء المدن وما ترتب عليها من مرافق وإضاءة ...
من مقومات الحضارة اإلسالمية:
أوالً :العقيدة :تقوم العقيدة في اإلسالم على تنظيم صلة اإلنسان باهلل وتعطيه قيما ً معينة وشريعة تنظم الحياة
االجتماعية حسب هداية هللا سبحانه وتعالى أن ترتكز هذه العقيدة على شهادة أن ال إله إال هللا وأن محمداً رسول
هللا .وهي تعني اإلفراد بالعبودية هلل وحده دون سواه واالعتراف بالخلق والسلطان له سبحانه وتعالى وتنزيهه عن
الشريك .هذه العقيدة القائمة على التوحيد لها معطيات كانت وراء ما حققته الحضارة اإلسالمية من سمو وإعجاز
أدهش العالم وأثار تساؤالت علمائه عن هذه المعطيات ومن هذه المعطيات:
-1السمو اإلنساني
-5اإلحاطة والشمول
محمد سمير جمعة
125 30 415
ثانيا ً :النظام االجتماعي
األساس الثاني للحضارة اإلسالمية هو النظام االجتماعي المتكامل الذي جاء به اإلسالم ،وصبغ به الحياة
اإلسالمية ،وهو نظام رباني اختاره هللا للبشرية لينظموا حياتهم عليه ،ويحييهم به حياة طيبة ،ويسعدهم به في
الدنيا واآلخرة ومن أهم أسس النظام:
األخوة _ العدالة المطلقة_ _ المساواة بين البشر
_ الحرية :
تتجلى الحرية في المجتمع اإلسالمي في أجل معانيها وأسمى مقاصدها وأروع مظاهرها ،ومن هذه الحريات :
حرية القول حرية التفكير حرية االعتقاد
وهكذا نجد أن الحضارة اإلسالمية وصلت إلى ما وصلت إليه من إعجاز فاق جميع الحضارات ألنها قامت@ على
أسس متينة@ إذ نظر اإلسالم إلى اإلنسان نظرتين:
_نظرة تكريم أعطاه فيها كل ما حفظ به كرامته ،حفظه من كل ظلم وبغي وعنت ،وتولى رزقه وعطاء
توجيهه وإرشاده ،وأطلق حريته واحترم إرادته وأجاب دعوته.
_نظرة تقييم :إن نظر إليه بمعيار خلقه ونفعه وعطائه وإيمانه.
أما المجتمعات فقد نظر إليها بمنظار ما فيها من قيم ،من مساواة وعدالة وحرية وأخوة واتحاد وتعاون وفضائل ،
فإذا كملت هذه األوصاف ووجدت هذه النماذج كان اإلنسان متحضراً وكان المجتمع كذلك ،وإذا فقدت كان
المجتمع غير متحضر وكان اإلنسان فيه غير حضاري وإن رفل في النعيم ووصل إلى الفضاء ألن اإلسالم يبحث
عن حضارة اإلنسان ورقيه ،ال عن زخرفة البناء وعلوه ،يبحث أوالً سعادة المكرم ال زخرفة المسخر ،ألنه
منطقي في نظرته ،واقعي في حكمه.
فالحضارة التي تقوم على هذه األسس هي بال ريب سيدة الحضارات.
اإلسالم في تم ُّكنِها، ِ افعي عامل َ ش ُّ ذكر لنا ال ّ الدّين .وقد َ ِ وبعامل
ِ غة العرب ّي ُة بذاتِها ت اللّ ُ لقد انتشر ِ
القرن
ِ َ
القديم بدأ منذ العلمي
ِّ ثحيث إنّ ا ّتصالَها بال ّترا ِ ُ االنتشار؛
ِ وتتحدَّث األخبا ُر عن قدرتِها على ُ
ِ
َ ّ جوم وال َفلَكِ
معاوية برعاي ِة خالِد ْب ِن يزيدَ ِ
بن ب والكيمياءِ ِ ، والط ِّ ب في ال ّن ِ األو ِل في حرك ِة ترجم ٍة ل ُك ُت ٍ ّ
وضعا رسم ّيا .ومن ً اسي
العصر الع ّب ِّ ّ
لوم إلى أن اتخذت في ّ ُ األموي ،وما زال ِ
ً ِ ت العربية في اتصالِها بال ُع ِ ِّ
غيرها من ً
كيف تأ ّتى لِل ُ َغ ٍة عاشت في بيئ ٍة بدو ّي ٍة صحراو ّي ٍة معزولة عن ِ يتساءل َ المر ُءَ : َ ال ُمفي ِد أن
واالنتشار
ِ تتفوقَ في ال ّت ِ
عبير والجواب أ ّنها استطاعت أن ّ ُ هائلة من ال ّت ِ
عبير؟ ً ت أن تتض ّمنَ طاقا ٍ
ت اللّغا ِ
طو ِرالضواب َط والقوانينَ التي م َّكن ْتها من ال ّت ُّ ت واللّهجاتِ؛ أل ّنها تض ّمنت ّ كثير من اللّغا ِ هور على ٍ والظ ِ ّ
ت والمقاماتِ ،إ ّنها قوانينُ نمو اللّغةِ، عبير في مختلِفِ المجاال ِ فريع وال ّت ِ وال ُمواكبةِ ،ومن ال ّتولي ِد وال ّت ِ
ث عن واالرتِجالُ ...ونعو ُد إلى الحدي ِ ْ والقلب واإلبدال ُ وال ّنحتُ ُ ِياس واالشتقاقُ وهذه القوانينُ هي الق ُ
وتأثير الحضار ِة ِ بالفكر،
ِ يتحدّث الباحثون عن عالق ِة اللّغ ِة ُ فكثيرا ما ً سان بالحضار ِة اإلسالم ّيةِ، صِ ل ِة اللّ ِ
نصيب
ٌ شأن؛ فقد كان لها ت في هذا ال ّ سائر اللّغا ِ
ِ بدعا من غة العرب ّي ُة ً في اللّغ ِة وتأ ّث ِرها بها ،وليست اللّ ُ
القديم
ِ ب منذ رف عن العر ِ أثير فيها ،و ُع َ يسير من ال ّتأ ّث ِر بالحضار ِة العربي ِة اإلسالم ّي ِة وال ّت ِ ٍ غير
ت حياتِهم عبير عن أغراضِ هم ومستجدّا ِ بتفوقِها وقدرتِها على ال ّت ِ اعتزا ُزهم بل ُ َغتِهم ،وشعو ُرهم ّ
تحض ِر ال ّناطقينَ بالعرب ّي ِة أل ّنهم كانوا ّ مظاهر
ِ مظهرا من ً والع َقد ّي ِة والعلم ّيةِ ،وكانَ هذا االجتماع ّي ِة َ
خالص ،وال يعتمدون على أنماطٍ أخرى أجنب ّي ٍة عنهم إالّ ٍ عربي
ّ بنسيج
ٍ خيوط أنماطِ حياتِهم َ يصوغونَ
الض ّيق ِة إلى ب من الجاهل ّي ِة ّ والغزو .بل يع ُّد ا ْنتقال ُ العر ِ ِ فاعل ال الهيمن ِة سبيل االستفاد ِة وال ّت ِ ِ على
ف أَ ْنماطِ عوامل نهض ِة لغتِهم و ُرق ِِّي أساليبِها وا ِّتساعِ ها لمخ َتلِ ِ ِ عامل منٍ اإلسالم الواسع ِة َ
أكبر ِ حضار ِة
محمد سمير جمعة
125 30 415
ساع نِطاقِها وتخلُّصِ ها م ّما عسى أن
ب ل ُ َغتِهم وس ُمو أساليبِها وا ِّت ِ
ب تهذي ِب من أسبا ِ ال َّت ِ
عبير ،وأه َّم سب ٍ
يكونَ بها من ُخشون ٍة وغراب ٍة.
إن حركة الترجمة ترجع إلى صدر اإلسالم في عهد الرسول الكريم صلى هللا عليه وسلم وبتكليف منه ،ف ُنقل
عن الصحابة رضوان هللا عليهم" :من عرف لغة قوم أمن شرهم" .وأقدم بردة في اإلسالم تعود إلى سنة 22هـ،
وعليها نص باسم عمرو بن العاص رضي هللا عنه ،وبه ثالثة اسطر باليونانية والترجمة بالعربية تحتها،
وبالتالي الترجمة ظهرت في صدر اإلسالم وليس منذ العصر األموي.
أخذت حركة الترجمة إلى العربية تتسع وتزداد قوة في العصر العباسي بفضل:
تشجيع الخلفاء العباسيين ورعايتهم لهم ،وقد فتحوا بغداد Mأمام العلماء وأجزلوا لهم العطاء وأضفوا -1
عليهم ضروب التشريف والتشجيع بصرف النظر عن مللهم وعقائدهم .في حين أن حركة الترجمة في
العصر األموي كانت محاوالت فردية ال يلبث أن تذبل بذوال األفراد.
غدت ركنا من أركان سياسة الدولة ،فلم يعد Mجهد فردي سرعان ما يزول بزوال األفراد سواء حكام -2
أوغير ذلك بل أصبح أمرا من أمور الدولة وركنا من أركانها.
وفي حين أن الترجمة في العصر األموي اقتصرت على الكيمياء والفلك والطب ،نجد أنه في العصر العباسي
صارت أوسع نطاقا بحيث شملت الفلسفة والمنطق والعلوم التجريبية والكتب األدبية.
من أمثلة اهتمام الخلفاء العباسيين بالعلماء والمترجمين:
الخليفة أبا جعفر المنصور( 158 -136هـ)
وقد عني بترجمة الكتب إلى العربية سواء من اليونانية أو الفارسية ،وفي تلك المرحلة نقل حنين بن إسحاق
بعض كتب أبقراط وجالينوس في الطب ونقل ابن المقفع كتاب "كليلة ودمنة" من الفهلوية.
المأمون (218-198هـ)
ازداد اهتماما ببيت الحكمة ،فوسع من نشاطها وضاعف العطاء للمترجمين وقام بإرسال البعوث إلى
القسطنطينية الستحضار ما يمكن الحصول عليه من مؤلفات يونانية في شتى ألوان المعرفة ،فاخرج المأمون
لذلك جماعة منهم الحجاج بن مطر ،وابن البطريق فاخذوا مما اختاروا وقد ذكر ابن النديم انه كان بين المأمون
وإمبراطور القسطنطينية راسالت بهذا الشأن.
ونخص بالذكر حنين بن إسحاق الذي ترجم كتبا عديدة Mفي المنطق والفلسفة والطبيعة ،لكن أغلب ما نقله كان
في الطب وقد ترجم من اليونانية إلى السريانية والعربية فترجم لجالينوس 95كتابا إلى السريانية نقل منهم إلى
العربية 39كتابا فقط.
تعد النظرية السياسية اإلسالمية من النظريات التي قدمت نماذج مشرفة في مفاهيم الحوار و التسامح
مع اآلخرين ألن الدين اإلسالمي هو دين منفتح على الديانات و الحضارات األخرى على عكس مما يشاع ضد
هذا الدين من قبل بعض الذين يشوهون التاريخ من أنه أكثر األديان صدامية مع باقي الحضارات و األديان
األخرى ,و قد جاء األسالم بأفكار و نظريات صححت العديد من المسارات و األفكار التي كانت سائدة في
الموروث اإلنساني ,و التي كان يشوبها العديد Mمن المغالطات و االهواء ,و ساهم اإلسالم بجعلها تسير في
المسار الصحيح ,كونه دين سماوي وضع الخالق عزوجل اركان نظريته القائمة على العدل و المساواة.
و قد صاغ اإلسالم نظرية سياسية متكاملة و واضحة المعالم و التوجهات ,و إن كان هناك إختالفات جوهرية,
بينها و بين النظم السياسية الوضعية ,فكان ذلك مرده إلى الثانية التي كان مصدرها نظريات وضعية ,حاولت أن
تؤسس نظرتها إلى السياسة و الحياة بصورة عامة ,من قوانين مفترضة ,تحاول ان تقيم أنظمة تقترب بهذا القدر
محمد سمير جمعة
125 30 415
او ذاك من العدالة و الحرية و المساواة ,وصوال إلى ما يطلق عليه اليوم ب(( الديمقراطية )) .و فحوى النظرية
السياسية في اإلسالم هي األمانة التي تقوم على مبايعة أهل الحل و العقد ,و شروطها :العدالة و العلم و الرأي و
الحكمة.
تصارعت اإلمبراطوريتان الفارسية و الرومانية على النفوذ ,السيما في بالد شبه الجزيرة العربية ,دون
أن تنهي إحداهما األخرى ,إلى إن إستطاع الجرمان القضاء على اإلمبراطورية الرومانية التي إنتهت بسقوط
روما سنة 476م ,بعدما كانت قد بلغت أوجها ,حتى حولت البحر األبيض المتوسط إلى بحيرة رومانية ,و
حولت كتيرا من الممالك و اإلمارات إلى واليات روماتية.
في الوقت الذي كانت فيه أوروبا غارقة في عصور من الظالم واالنحطاط ،كانت الحضارة العربية القديمة تقدم
للبشرية جمعاء أفضل اإلنجازات العلمية في عصرها الذهبي ،عندما كانت مدن مثل بغداد Mوالقاهرة ودمشق
والقيروان وفاس وقرطبة تعج بالعلماء والمخترعين والصناع المهرة ،الذين قدموا العديد من النظريات العلمية،
التي نحيا بها إلى يومنا هذا.
إليكم االبتكارات واالختراعات القديمة التي قدمتها الحضارة العربية واإلسالمية للعالم:
كما يجب أال ننسى أول مستشفى أسسه أحمد بن طولون في القاهرة ،كل هذه اإلنجازات العلمية في تاريخنا البد
لها أن تشكل الحافز الحقيقي لنا للمضي على درب المعرفة الذي سلكوه أسالفنا.
إنه النور المشرق على سماء الدنيا ،الذي جعل الصلة وثيقة بين السماء واألرض ،ووحد بين الروح والمادة،
وجعل خالص اإلنسان وراحته في تسليم أمره هلل ،إنه اإلسالم الذي ربط الحرية والمساواة في شرع هللا بعقيدة
اإليمان باهلل ،وأقام التوازن بين الحق والواجب ،وبين حق الفرد وحق الجماعة ،فنطق بذلك ميزان العدالة اإللهية:
وال يظلم ربك أحدا ،وهو تحديد قيم وشامل وعميق .
إن اختيارنا لهذا الموضوع ينبع من قناعات خاصة مفادها أن المستقبل لهذا الدين ،ومهما سالت أقالم الغيورين
على موضوع البناء الحضاري لإلسالم ،فلن نوفيه حقه ،دراسة وتحليالً ،ولن نستفرغ مكنون همومنا نحو عدالة
وأحقية هذا الدين ،الذي به تحيا قلوب الماليين من المسلمين في زمن كثر فيه اإلحباط النفسي ،والملل من
الضوضاء والتيه بعيداً عن الحقيقة المشرقة ،التي تنطق بها آيات القرآن الكريم كل يوم ،وتقرع آذانا ً كثيرة وقلوبا ً
عديدة ،تخاطبهم بأن النصرة والتمكين لدين اإلسالم الذي حملت لواءه وجذوره أول رسالة في األرض لـ ّما خلق
هللا آدم ،عليه السالم ،واستخلفه واستعمره في األرض وأرشده بالوحي والعلم .ثم أرسل سبحانه من بعده نوحاً،
عليه السالم ،وإبراهيم ،عليه السالم ،إلى أن أرسل لبنة التمام محمداً صلى هللا عليه وسلم خاتم األنبياء والرسل .
ألجل ذلك حاولت في هذا العمل المتواضع أن أرصد جذور الحضارة اإلسالمية ،وأبحث عن قدم رسوخها في رسالة
األنبياء والرسل ،تذكيراً بأن الدين عند هللا اإلسالم ،عند جميع األنبياء ،عقيدة واحدة وإلها ً واحداً ومعبوداً ال ثاني
له ،نطق بالحق ومكن النصرة ألهل الحق .
فحاولت استخالص العبر من خالل وقفات رسالية لبعض األنبياء والرسل ،وتفصيل القول في مقومات الحضارة
اإلسالمية ،التي تجلت في عقيدة التوحيد والعلم واالنفتاح على الحضارات األخرى.
وكانت غايتي من ذلك إبراز بعض معالم الحضارة اإلسالمية انطالقا ً من جـذورها ومنابعها الصـافية ،السامية،
بطريقة آمل أن تضيف شيئا ً إلى ما كتبه رواد الفكر اإلسالمي والحضارة في الموضوع ،من خالل تلمس نبض
حركتها في تاريخ الرساالت النبوية واستنباط مالمحها من منجزاتها السامية ،وجعلها مؤلفا ً مختصراً أرجو أن
يفيد الطالب والباحث وكل من له اهتمام بقضايا الحضارة اإلسالمية وقيمها السامية .
و أمالً في أخذ العبرة من معالمها وإنجازاتها العظيمة ،لتجديد وبناء مسار حضارة إسالمية معاصرة تعيد األمل
وتفتح أبواب التقدم والنماء بعيداً عن أي استالب ،بل باعتماد االجتهاد والتجديد وإعمال النظر وفق تعاليم وروح
اإلسالم الحضارية التي شهد الجميع بسموها ،قديما ً وحديثاً .
محمد سمير جمعة
125 30 415
كم نحن اليوم في حاجة ماسة إلى كتابات تؤكد من جهة إمكانية بعث هذه الحضارة ونمائها بعيداً عن كل تجريح أو
تزييف ،وتثبت من جهة أخرى أن المستقبل لهذا الدين رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين ،ولن نبلغ هذه الغاية إال
من خالل تأصيل تعاليمه وفقه مقاصده والنهل من ينابيعه الصافية ،فهما ً وتفسيراً وضبطا ً وتطبيقاً ،أمالً في تحقيق
نماء حضاري ينفع الناس جميعا ً و يمكث في األرض ،بإذن هللا تعالى وقوته .