Professional Documents
Culture Documents
/http://www.saaid.net
1
حقوق الطبع
حقوق طبع هذا الكتاب مهداة من المؤلف إلى كل مسلم وجزى اهلل خيراً من طبعه أو أعان على
طبعه وغفر اهلل له ولوالديه ولجميع المسلمين
الطبعة الثانية
ربيع األول 1412هجرية
سبتمبر 1991ميالدية
مقدمة
2
ان احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده
اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له ،وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأن حممداً عبده
ورسوله.
وبعد ايها القارئ الكرمي والقارئة الكرمية فكلنا يعرف أن األنسان يتعلم ويعمل حيدوه األمل يف الوصول
إىل السعادة ،وكلنا يعرف أيضاً أن كثرياً ممن نالوا ما يتمنون من شهادة أو مال أو منصب أو غري ذلك
ليسوا بسعداء وما دام األمر كذلك فإنه من الضروري قبل أن نندفع للعمل أن نتأكد أن الطريق الذي
نسلكه سيوصلنا بإذن اهلل إىل السعادة ،وبالتايل علينا أن جنيب أوالً إجابه صحيحه عن السؤال التايل :ما
هي السعادة؟ وأقول إجابة صحيحة ،ألن هناك إجابات كثرية جداً خاطئه عن هذا السؤال فنجد من
خيربك أن السعادة يف املال أو املنصب أو الزواج أو الفساد أو غري ذلك ،ولكن اإلجابة الصحيحة هي أن
السعادة كتبها اهلل فقط ملن اتبع هداه وكتب الشقاء ملن أعرض عن ذكره ولن جتد لسنة اهلل تبديال.
فسعادة اإلنسان حتقق إذا عرف كيف يعبد اهلل بإخالص أما من مل يعرف كيف يعبد اهلل أو عرف ومل
يلتزم فقد شقى فالتوحيد ليس كالشرك وحصاد احلسنات ليس كعاقبة السيئات .ومع أن األدلة من
القرأن والسنة تؤيد هذه احلقيقة بصورة واضحة اإل أن الغريب أن كثرياً من املسلمني ال يعرفون ذلك
فكأننا نكتشف ألول مرة أن هدف الرسل ليس فقط حتقيق سعادة اإلنسان يف األخرة بل أيضاً حتقيق
سعادته يف الدنيا وذلك عن طريق تصحيح عقائد الناس وترشيد وتنظيم أعماهلم وأهدافهم فالعلم
الصحيح والعمل لصاحل مها العمود الفقري لسعادة األفراد واألمم .وقد يقول قائل :ملاذا إذن نفتقد
السعادة يف حياة كثري من املسلمني؟ واجلواب على ذلك أن كثرياً من املسلمني غري ملتزمني باالسالم بل
هم يقلدون الغرب أو الشرق ويتبعون أهوائهم ومصاحلهم وشهواهتم .ولألسف فقد ابتعدنا كثرياً عن
اإلسالم إىل درجة أنك تكاد ترى النفاق يف كل مكان من اجملتمعات اإلسالمية مع أن موقف اإلسالم
الرافض للنفاق واملنافقني موقف واضح ،بل أصبح يتهم بالسذاجة واملثالية من يدعو إىل الصدق واألمانة
واألخالص .وجيب أن نعي أن السعادة ليست مثرة سهلة نقطفها بعلم قليل أو بأعمال صغرية بل هي
تتطلب الكثري من اجلهد فالطريق إىل السعادة طريق طويل ،ولنعلم أننا كلما ازددنا علما وعمال
واخالصا زاد نصيبنا من السعادة ،وكلما ازددنا جهال ومعاصيا ونفاقا ازددنا شقاء وما ربك بظالم
للعبيد .وال أريد أن أطيل على القارئ واتركه مع الكتاب سائال اهلل تعايل أن جيد فيه ما يفيد ويف اخلتام
أسال اهلل سبحانه وتعايل أن جيزي خري اجلزاء كل من ساعدين يف كتابة هذا الكتاب واساله أن ينفع به
3
خلقاً كثرياً وأن جيعل عملي خالصا لوجهه الكرمي وأسال كل من انتفع بشئ منه أن يدعو يل ولوالدي
وللمسلمني أمجعني.
4
السعادة ..ما هي؟
علينا أن نفرق بين السعادة كحالة دائمة
وبين أمور مفرحة تسعد اإلنسان لدقائق أو أيام
من الطبيعي أن نسعى ألن نعيش حياة سعيدة وأن نبحث عن السعادة فكل إنسان عاقل يريد أن يبتعد عما
يكدره وما يشقيه ويقترب مما يفرحه ويسعده ولهذا نجد اإلنسان يفكر ويخطط -ويعمل حتى يحقق ما يريد أي حتى
يكون سعيدا ،وال شك أن بعضنا يظن أن السعادة في الحصول على المال ولكننا نعلم أن الغنى ال يجعل اإلنسان
سعيدا ولقد قيل ((إن الفقراء يعتقدون إن السعادة في المال في حين أن االغنياء ينفقون المال بحثاً عن السعادة))
وبعضنا يظن أن السعادة في الزواج أو حياة العزوبية أو المنصب أو الشهادة أو غيرذلك ولكننا نعلم أيضاً أن
السعادة ليست في الزواج وليست في المناصب أو الشهادات .فما هي السعادة إذن؟ وكيف يمكننا أن نعيش
سعداء؟ ان علينا أوال ان نفرق هنا بين السعادة كحالة دائمة وبين أمور مفرحة تسعد االنسان لدقائق أو ايام
فالحصول -على الشهادة مثال يفرح االنسان ولكن ال يجعله سعيدا وكذلك علينا أن نوضح ان المصائب كموت احد
االقارب أو غير ذلك تحزن االنسان ولكن قد ال يجعله مهموما -شقيا قال ابن القيم قال بعض العلماء "فكرت فيما
يسعى فيه العقالء فرأيت سعيهم كله في مطلوب واحد وان اختلفت طرقهم في تحصيله رأيتهم جميعهم انما
يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم -فهذا باالكل والشرب وهذا بالتجارة والكتب وهذا بالنكاح وهذا بسماع
الغناء واالصوات -المطربة وهذا باللهو واللعب فقلت هذا المطلوب مطلوب العقالء ولكن الطرق كلها غير
موصلة إليه بل لعل اكثرها إنما يوصل إلى ضده ولم أر في جميع هذه الطرق -طريقاً موصلة إليه اال االقبال على
اهلل ومعاملته وحده وايثار مرضاته على كل شئ فان سالك هذه الطريق ان فاته حظه من الدنيا فقد ظفر بالحظ
الغالي الذي ال فوت معه وان حصل للعـبد حصل له كل شئ وان فاته فاته كل شئ وان ظـفر بحظه من الدنيا ناله
()1
" على أهنا الوجوه فليـس للعبد أنفع من هذه الطـريق وال أوصل منها إلى لذته وبهجته وسعادته وباهلل التوفيق
السعادة إذن في الراحة النفسية والتي ال تتم اال بالقرب من اهلل والسعادة أيضا في المقدرة على التعامل مع افراح
ومصائب الحياة بكفاءة .وحتى تتضح صورة السعادة نقول ان المجتمع الغربي ليس سعيداً مع كل ما يملكه من
مستوى مادي مرتفع وحريات كثيرة فالقلق والملل من األمراض الرئيسية للحضارة الغربية .فال االباحية
الجنسية وال المال وال االستقالل وال غير ذلك جعل الغرب سعيدا وعلينا أن ال نخدع باقوالهم وبادعائهم -السعادة
فحياتهم شقاء في شقاء قال ابن القيم"وقد -حكم اهلل تعالى حكما ال يبدو أبدا :أن العاقبة للتقوى والعاقبة للمتقين
فالقلب لوح فارغ والخواطر نقوش تنقش فيه فكيف يليق بالعاقل أن يكون نقوش لوحه ما بين كذب وغرور وخدع
وأماني باطلة وسراب ال حقيقة له؟ فأي حكمة وعلم وهدى ينتقش مع هذه النقوش؟"( )2وقال ابن القيم أيضا "أنه
امتثال المراهلل الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده فليس للعبد في دنياه وأخرته انفع من امتثال أومر
1
ص 199الجواب الكافي لمن يسال عن الدواء الشافي – ابن القيم ()
2
ص 165المصدر السابق ()
5
ربه تبارك وتعالى وما سعد من سعد في الدنيا واالخرة اال بامتثال أومراه وما شقى في الدنيا واالخرة اال بتضييع
أوامره"(.)3
السعيد اذن هو االنسان المؤمن باهلل والراضي -عن أعماله والقادر على التعامل مع الحياة بكفاءة عالية فالمؤمن
سعيد النه يشعر انه قريب من اهلل القادر العزيز الجبار المتكبر الرحمن الرحيم .وهذا القرب يعطي االنسان
اطمئنانا نفسيا كبيرا الن االنسان ينسجم مع فطرته ويشعر -أن اهلل قادرعلى ان يحميه ويعطيه وينصره .وعندما
يقترب االنسان من الكتاب والسنة فإنه يبتعد عما يشقيه ويقترب مما يسعده بقدر تمسكه ،فكلما زاد التمسك زادت
سعادته ،فالتوحيد يربط االنسان باكبر قوة في الوجود -وااللتزام باالسالم -يجعل االنسان راضيا عن تصرفاته في
أقواله وأفعاله فهو يحاول اال يقول أو يفعل اال الخير ،ومعنى ذلك أن السعادة ال تكون اال بأخذنا بأمرين االول
معرفة اهلل واحكام -االسالم وهذه المعرفة تعرفنا -الحق من الباطل والصواب من الخطأ في االقوال واالفعال -أي
أننا سنعرف -بالقراءة واالطالع واالستماع -والنقاش والتفكير ما يجب أن نقول ونفعل في مسيرة الحياة وما يجب
أن نتجنب من أقوال وأعمال والجهل في هذا كثير وما زال مما جعل البعض يعيش حياة قلقة النه يرتكب
االخطاء الكثيرة في عقائده وأعماله فيعيش نادما على أعمال عملها أو اقوال تلفظ بها والعلم وحده ال يكفي فالبد
من االمر الثاني وهو :تطبـيق ما نعرفه من حق وصـواب -وخير فالمعرفة وحدها التجـعلنا سعداء فاذا علمنا أن
السـعادة هي في طاعة اهلل ولكـننا أخذنا نعصيه فكأننا -تركنا بلد خير وسعادة وذهبنا -ونحن نعلم إلى بلد شر وشقاء
أي البد ان نطبق ما نعرف واال فلن ننال السعادة ابدا ولم نتصرف تصرف -العقالء فالمعرفة ال تكفي .قال سفيان
بن عيينة" :ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر -أنما العاقل الذي اذا راى الخير اتبعه واذا رأي الشر اجتنبه"
ومعنى ذلك أن معرفتنا كيف نزرع ال تعني أننا سنحصل على انتاج طيب فالبد من العمل وحرث االرض
وسقيها .فقراءة االالف من الكتب الزراعية لن يكون لها أثر في الفرد أو المجتمع ان لم يكن هناك عمل وتطبيق
فبدون العمل لن نحصل إال على المجاعة والفقر مهما تعلمنا .وكذلك السعادة لن نحصل عليها ان لم نطبق ما
نعرف من احكام االسالم فاذا علم الموظف ان الرزق من اهلل فلن يشعر بالشقاء والهم عندما يفصل من وظيفته
النه يؤمن بأن اهلل كتب رزقه ولن يستطيع احد أن يأخذ من رزقه دينارا واحدا.
وكلما كان ايمان الفرد قويا -كلما كان تأثره بالهموم والمشاكل -أقل أي ال تجد الهموم لقلبه مدخال .قال ابن
تيمية كلمته المشهورة "ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني -في صدري أين رحت فهي معي ال تفارقني ،أنا
حبسي خلوة وقتلي شهادة واخراجي من بلدي سياحة" فانظر -الى الكفاءة العالية في التعامل مع الحياة عند من
قرن العلم الصحيح بالعمل الصالح .قال ابن القيم "قال تعالي "أال ان أولياء اهلل ال خوف عليهم وال هم يحزنون
الذين أمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي -االخرة ال تبديل لكلمات اهلل ذلك هو الفوزالعظيم"-
يونس .64-62فالمؤمن المخلص هلل من أطيب الناس عيشاً وأنعمهم باال وأشرحهم -صدرا وأسرهم قلبا وهذه
ومن المهم أن ننتبه في األية السابقة الى أن سعادة المؤمن في الدنيا واالخرة ()4
جنة عاجلة قبل الجنة االجلة"
3
ص 186املصدر السابق ()
4
ص 203المصدر -السابق ()
6
وليست فقط في االخرة كما يظن بعض الناس ولنؤمن فعال كما تدعونا االية الى أنه ال تبديل لكلمات اهلل وال
قوانينه وان اهلل ولي المؤمنين في الدنيا فهل نحن مؤمنون بذلك؟ ام نظن أن البشرى -والسعادة هي في المال
والشهادة والمركز والملذات؟
ان صاحب االيمان الضعيف -او الكافر -يصبح مهموما -اذا فصل من عمله يحمل هم االطفال والزوجة
وهو غير مقتنع بأن اهلل موجود وهو يرزق -من يشاء وهو من قسم بين الناس ارزاقهم -وهو الذي طمأن عباده
المؤمنين وأرشدهم -الى القول بأنه "لن يصيبنا -اال ما كتب اهلل لنا" ومصادر -الهموم ومنابعها كثيرة وليست هي فقط
الفصل من العمل وهي كثيرة وتصيب المسلم والكافر -فمن الهموم موت قريب أو صديق -والزواج الفاشل
والمرض والولد العاق أو الكسول وغير ذلك وحين يتعامل االنسان مع كل هذه القضايا منطلقا من عقائد االسالم
وأحكامه فال شك أنه سيتعامل معها بما يرضى اهلل فاذا مات له عزيز قال انا هلل وانا اليه راجعون وعلم أن
االعمارقد قدرها -اهلل والعبد يرضى -بما قدر مواله وبكاء االنسان وحزنه ال ينفي اطمئنان نفسه وال يتعارض
معها .أما تعامل المسلم ضعيف -االيمان أو الكافر مع هذه القضايا فهو في غالبه تعامل القلق والساخط -والمتذمر
يظن أنه لو فعل كذا لما مات ابنه أو خسرت تجارته أو اصطدمت سيارته والمؤمن عندما تنزل به مصيبه يقول
قدر اهلل وما شاء فعل .والتعامل -مع المصائب بهذا االسلوب ناتج عن اقتناع بان اهلل ال يظلم وهو ارحم بعباده من
االم بابنها فعقابه عدل وجزء مما نستحق -على معاصينا في حين انه تجاوز عن أجزاء .ويعلم المسلم أن
المصائب تأتي احيانا كاختبار لتكشف الصادقين من الكاذبين ومن يتخذ االسباب ويبذل الجهد ويرى -االمور تسير
على غير ما يريد يثق بأن هذه مشيئة اهلل وال رد لحكمه ويعلم يقينا بان اهلل لو اراد لمنع حدوث المصيبة.
والتوحيد -الصحيح واالعمال الصالحة تسعد النفس وتفرحها -وصحيح ان بعض الطاعات فيها بعض التعب
والعناء ولكن الصحيح أيضا ان السير في طريق -الطاعة يوصل الى سعادة عظيمة ال ياتي بها المال والمركز-
والشهادة .قال احد الصالحين" :لوعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا -عليه بالسيوف" ففي القرب من
اهلل جنة دنيوية ال يعملها كثيرون والطريق الى هذه الجنة يتاتى بعمل الطاعات واجتناب المعاصي -وهذا هو
الطريق الى السعادة فالسعادة هي سعادة القلب والشقاء هو شقاء القلب قال ابن القيم "وال تحسب أن قوله تعالي
﴿ان االبرار لفي نعيم وان الفجار لفي جحيم﴾ مقصور على نعيم االخرة وجحيمها فقط بل في دورهم الثالثة هم
كذلك أعنى دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار فهؤالء في نعيم وهؤالء في جحيم وهل النعيم اال نعيم القلب؟
وهل العذاب اال عذاب القلب؟ وأي عذاب اشد من الخوف والهم والحزن وضيق -الصدر وأعراضه عن اهلل والدار
قال تعالي ﴿يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ()5
االخرة وتعلقه بغير اهلل وانقطاعه عن اهلل بكل واد منه شعبة"
ربك راضية مرضية فادخلي -في عبادي وادخلي -جنتي﴾.
5
ص 87المصدر -السابق ()
7
نور الحقائق الكبرى
عقائد البشر وأراؤهم -وأهدافهم -كثيرة جدا ومتنوعة ومتناقضة فمن البشر من يؤمن بوجود اهلل كالمسلمين
والنصارى -واليهود ومنهم -من هو ملحد ومنهم من يؤمن بمصلحته أو لذته ومنهم من تحركه مفاهيم عنصرية
فيتعصب لشعب أو أمة ومن الناس من يقلدون اآلباء أو الزعماء أو الفالسفة والحكماء ومنهم -من هو ضائع لم
يستقر على عقيدة والمؤمنون بوجود اهلل ينقسمون الى أديان وطوائف -وفرق -ويختلفون في بعض أو كثير من
العقائد واالحكام -وان تشابهوا في بعضها فالعقيدة في صفات اهلل سبحانه وتعالي -فيها اختالف كبير ليس فقط بين
من يؤمنون باهلل بل حتى بين من يدينون باالسالم ولهذا اظهرت الفرق الكثيرة واختلف -الناس حول القوانين
العادلة فأصبحت هناك دساتير وأنظمة وقوانين متناقضة وكل أصحاب مبدأ أو دين وحزب يرون أن ما يتبنون
هو الحق وما عداه باطل فما يراه البعض مثال من االمور -االجتماعية حالال وحقا يراه أخرون حراما وباطال.
وباختصار شديد االختالفات بين البشرية فيما يعتقدون أنها حقائق كبرى كثيرة ولن يصل إلى السعادة من يسير
في ظالم عقائد مشوهة أو شرائع ظالمة أو اقتناعات خاطئة ألنه سيصطدم -بالعقل الواعي وبالفطرة البشرية
السليمة فالنفس تسعد في ظل العقائد الصحيحة واالحكام العادلة والحقوق -والواجبات المنصفة فكما أن من ال
يعرف حقائق الفيزياء والهندسة والطيران لن يتمكن من الطيران فكذلك لن يتمكن من يجهل الحقائق الفكرية من
أن يعيش حياة سعيدة فلن يرى السعادة من يفضل طبقة على أخرى أو يعبد مصلحته أو يتبع الخرافات واالوهام-
فاصحاب العقائد الباطلة يتخبطون في سيرهم -ويرتكبون كثيرا من االخطاء السياسية واالجتماعية واالقتصادية
وهذا واقع مشاهد فعقائد الشيوعيين .أنتجت االستبداد والفقر والكسل وعقائد الغرب أنتجت الحروب واالنانية
واالمراض النفسية والجنسية والخوارج تبنوا عقائد منحرفة فكفروا -كثيرا من الناس فحصدوا العنف والشر-
واالسالم الصحيح هو الطريق -للحقائق الكبرى والصغرى والعالقة بين نور الحقائق وبين السعادة هي عالقة
وثيقة جدا فمن الحقائق الكبرى أن االطمئنان النفسي ال يأتي من سلطة أو ثروة أو قبيلة أو عائلة أو حلف بل
يكون من نصيب من يحميه اهلل العزيز الجبار القادر فمن كان اهلل معه فل يحزن وممن يخاف ولمن يحتاج؟ اليس
من المفروض أن نؤمن كمسلمين بأن اهلل على كل شئ قدير وأنه وحده القادر على أن ينصرنا ويعزنا -ويبدل
أحزاننا أفراحا وفقرنا -غنى وضعفنا قوة ومرضنا -صحة وأن نعلم أن اهلل يعز من يشاء ويذل من يشاء ويحيط -بكل
شئ علما فيعلم خائنة االعين وما تخفي الصدور -وأهم الحقائق الكبرى يتعلق بصفات اهلل وأسمائه قال ابن القيم
رحمه اهلل" :فاطيب ما في الدنيا معرفته ومحبته وألذ ما في الجنة رؤيته ومشاهدته فمحبته ومعرفته قرة العيون
ولذة االرواح وبهجة القلوب ونعيم الدنيا وسرورها -بل لذات الدنيا القاطعة عن ذلك تنقلب آالما وعذابا ويبقى
()6
صاحبها في المعيشة الضنك فليست الحياة الطيبة اال باهلل".
فمن قابل نعم اهلل بالجحود -فهو قد تنكر لمن خلقه ورزقه ووهب له العقل والصحة والماء والهواء فتنكره
لوالديه أو لمن أحسن إليه أمر متوقع.
ومن الحقائق الكبرى أن نعلم أن ما عند اهلل من خير وفضل -في الحياة الدنيا وفي االخرة أكبر مما يمكن
أن يحققه لنا ربا أو رشوة أو نفاق أو امتناع عن الزكاة وأن نعلم أن اهلل شديد العقاب وله جنود السموات واالرض
وأنه قادر علينا فمن الحكمة أن نخافه ونحذر وعيده وأذا آمنا بذلك سيرتدع -القوى فينا عن ظلم الضعيف -وسنعمل
الخير ونتجنب الشر فرأس الحكمة مخافة اهلل والظلم يأتي في غالبيته ممن ال يخاف اهلل.
ومن الحقائق الكبرى أن نعلم أنه ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق سواء كان هذا المخلوق عالما أو حاكما أو
ابا أو اما أو قبيلة أو حزباأو جماعة فالطاعة لهؤالء جميعا هي في حدود ما شرع اهلل وهي طاعة في المعروف
وليست طاعة في المنكر وااليمان بذلك يحقق فوائدعظيمة للفرد واالمة منها أن الطاعة في الباطل مرفوضة
وأن الوالء هو الحق وليس لالفراد ومنها أنه لن تتعارض واجبات الطاعة للدولة واالحزاب واالفراد مع بعضها
البعض بل ستتكامل ولن يحتار االنسان فيمن يرضي ومن يسخط ورضي -الناس غاية ال تدرك النه جعل رضى-
اهلل هو أساس كل قول وعمل ومن الحقائق الكبرى أن يزن االنسان االنظمة واالفكار -واالجتهادات واالحزاب
والجماعات وأقوال -العلماء والجهالء بميزان القرآن والسنة حتى يعرف الحق والصواب .واذا استخدم -هذا
الميزان فسيعرف ما يأخذ من حضارة الغرب وما يدع وسيجعل انفعاالته من غضب وحب وكره وغير ذلك
خاضعة الحكام الشريعة فال تنفجر فيندم على نتائجها وسيعرف أن الوحدة الحقيقية ليست وحدة المصلحة أو
الجنس أو اللغة بل هي وحدة الفكر وااليمان قالى تعالي ﴿وإ ن يريدوا -أن يخدعوك فإن حسبك اهلل هو الذي أيدك
بنصره وبالمؤمنين )62( .وألف بين قلوبهم -لو أنفقت ما في االرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن اهلل ألف
بينهم إنه عزيز حكيم ( ﴾)63فإذا كان جزء من سعادة االمم في وحدتها -وجزء من شقائها في تفرقها فإن من شقاء
ومن الحقائق الكبرى أن نعلم أن المسلم الملتزم هو أساس سعادة االسر والوظائف -واالنظمة فالمسلم
يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه االخرون ويمنع نفسه عن الظلم أو عن أخذ الرشاوي -أو الكذب أو النفاق أو غير
ذلك ومن السهل ارجاعه الى الصواب إذا أخطأ أو ظلم وذلك بتذكيره بأيات القرأن أو بأحاديث الرسول ( )أما
ضعيف االيمان أو فاقده فمن الصعب أن تجعله يرتدع عن ظلمه أو عن اهماله في عمله أو تعصبه لباطل
فالرقابة لها حدود والنصيحة قد ال تؤثر وسلطة القوانين محدودة وال تطول كل االقوال والتصرفات ولنعلم أن
النوعيات الرديئة ال تبني أمة قوية أو أسرة سعيدة فغياب االيمان يفتح الباب واسعاً أمام أمراض كثيرة كالظلم
والحسد والغرور والطمع والتسلط -واألنانية والفسق والكذب والتبذير والتعصب لقبيلة أو شعب أو أمة فضيعف-
االيمان أو فاقده إذا لم يردعه عقل أو سلطان يتعامل بالواسطة ويظلم -ويأكل الحرام ويحرص على المنصب
حرصا شديدا وكم مأل حب المناصب من قلوب فأعماها ولو ملئت هذه القلوب بااليمان لما وجد حب المناصب
مكانا له.
ومن الحقائق الكبرى أن يعلم االنسان أن الفهم الخاطئ للقضاء والقدر وااليمان والكفر والتوكل -ودور
العقل ومفهوم العبادة والحالل والحرام -من شأنه أن ينتج الكسل والتفرق والتعصب والجدل والدروشة وعموما
فالحقائق الكبرى كثيرة وهي تبين صفات اهلل واسمائه والطريق -إلى النصر وعاقبة الذنوب ومتطلبات االسرة
السعيدة وغير ذلك فمن آمن بها فقد سار في ظل أنوار عظيمة تنير له طريق -الحياة ولقد جهل الغرب والشرق-
كثيرا من هذه الحقائق ولهذا يتخبطان في ظلمات الشقاء ويفتقدان الجزء االكبر من السعادة والقرآن والسنة هما
المصدر لمعرفة الحقائق الكبرى قالى تعالى ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى-
للمسلمين﴾ ( )89سورة النحل .فكلما فهمنا آية أو حديثا ازددنا سعادة وال بد أن نذكر أن هناك أحاديث موضوعة
فلنحذرها فخطرها -كبير وأحدأكبر أبواب الجهل والشقاء والتفرق والبدع قديما -وحديثا هو الجهل بأحدايث
الرسول ( )الصحيحة فلنبذل الغالي والرخيص في سبيل معرفتها ودراستها ولقد قال االمام أحمد بن حنبل
كلمات قيمة جدا حين قال في تفسير حديث رسول اهلل ( )عن الفرقة الناجية "أن لم يكونوا أصحاب الحديث فال
أدري من هم؟".
وال بدأن ننبه أن حفظ اآليات القرأنية واالحاديث النبوية وتطبيقها من غير علم وفقه ومعرفة بالواقع-
وبأقوال -العلماء يضر وال ينفع الن المعرفة السطحية تؤدي -إلى ظالل ومن هذا الباب ضل الخوارج فالحفظ من
غير وعي وفقه لم يكن يوما ما علما وال بد أن نذكر ايضا قضية مهمة جدا وهي أن نصيب االفراد -واالمم من
السعادة والشقاء في الدنيا واآلخرة مرتبط بدرجة نصيبهم من العقائد الصحيحة واالعمال الصالحة فكلما زاد
علمهم وعملهم زاد نصيبهم من السعادة وقل نصيبهم من الشقاء وهذا النصيب يختلف من فرد إلى أخر ومن بلد
إلى آخر ومن جيل إلى آخر فالسعادة ليست مرتبطة بمسمى المسلمين بل هي مرتبطة بالعقائد واالعمال والنوايا
ومن المهم أيضا أن نذكر أن معنى السعادة ال يستنبط -بناء على اراء شخصية أو نظرة سطحية فالبعض يظن أن
10
االنسان السعيد لن تصيبه مصائب وأن حدوث المصائب والكوراث -ينفي عن الفرد واالمة صفة السعادة وهذا فهم
خاطئ فاالنبياء من اكثر الناس ابتالء بالمصائب ومع هذا فهم اسعد الناس فهم واثقون من نصر اهلل وتأييده
ورضوان بقضائه وقدره وعالمون بالحقائق الكبرى فهذا رسول اهلل ( )تطرده ثقيف وترميه بالحجارة وتؤذيه
فال يخشى اال أن تكون هذه المصيبة غضبامن اهلل سبحانه وتعالى ولهذا قال مخاطبا ربه "أن لم يكن بك غضب
علي فال أبالي" فسعادة الرسول هي في محبة اهلل له ومحبته فمن السعادة التعرف على الحقائق الكبرى والتمسك-
بها وجعلها على رأس االولويات والسير -في ظل نورها -قال تعالى "ومن لم يجعل له نورا فماله من نور" ()40
سورة النور وال بد من نشر هذه الحقائق بأسلوب كله حكمه وموعظة حسنة ال تكفير وتنفير وشدة وذلك ألن هذا
هو األسلوب الصحيح فكثير ممن اقتنع بعقائد وأفكار -خاطئة جاء اقناعه بناء على أحاديث موضوعة أو كتب
ملوثة أو أمية أو سوء فهم أو تأثر بحضارة الغرب أو بجمود -فكري متوراث فلكل هذه االسباب البد من الترفق
فاسلوب تصحيح الخطأ يجب أن يكون أسلوبا صحيحا فالصبر -واللين والحوار -الهادي سيؤدي بإذن اهلل إلى خير
كثير قال تعالى ﴿وال تستوي الحسنة وال السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم.
( )34وما يلقاها إال الذين صبروا وما بلقاء إال ذو حظ عظيم ( ﴾)35سورة فصلت.
()8
وقال رسول اهلل (" )ان الرفق -ال يكون في شئ اال زانه ،وال ينزع من شئ اال شانه"
من الحقائق الثابتة في الكتاب والسنة أن السعادة في الدنيا هي من نصيب المؤمنين وأن الشقاء هو
للكافرين والعصاة وهذه الحقيقة من سنن اهلل في الكون واالدلة على قولنا -هذا كثيرة نذكر منها:
-1قال تعالي ﴿قال اهبطا منها جميعا بعضكم -لبعض عدو فإما يأتينكم -مني هدى فمن اتبع هداي فال يضل وال
يشقى( )123ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى( ﴾)124سورة طه.
خاطب اهلل بهذه األية أدم وحواء وبين لهما ان من اتبع هداه ودينه فال يضل وال يصيبه الشقاء أما من عصى
وكفر فله الشقاء والمعيشة الضنك في الحياة الدنيا وله العمى يوم القيامة وبهذه االية بين اهلل لالنسان االول
ولكل انسان أن معرفة دينه وطاعته هي الطريق الى السعادة وان جهل دينه والمعاصي -والكفر هي الطريق-
الى الشقاء.
-2قال تعالي ﴿أم حسب الذين اجترحوا -السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم
ومماتهم؟ -ساء ما يحكمون ( )21وخلق اهلل السموات واالرض بالحق ولتجزي كل نفس ما كسبت وهم ال
يظلمون ( ﴾ )22سورة الجاثية.
-3قال ابن القيم "واألبرار في النعيم وان اشتد بهم العيش وضاقت -عليهم الدنيا والفجار في جحيم وان اتسعت
عليهم الدنيا قال تعالى ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة( ﴾)97سورة
()9
النحل"
-4قال ابن القيم قال تعالي ﴿ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى﴾ وفسرت
المعيشة الضنك بعذاب القبر وال ريب أنه من المعيشة الضنك واالية تتناول ما هو أعم منه وان كانت نكرة
في سياق االثبات فان عمومها من حيث المعنى فانه سبحانه رتب المعيشة الضنك على االعراض عن ذكره
فالمعرض عنه له من ضنك المعيشة بحسب اعراضه وان تنعم في الدنيا باصناف -النعم ففي قلبه من الوحشة
والذل والحسرات التي تقطع القلوب واالماني -الباطلة والعذاب الحاضر -ما فيه وانما يواريه عنه سكرات
الشهوات والعشق -وحب الدنيا والرياسة وان لم ينضم الى ذلك سكر الخمر فسكر هذه االمور -أعظم من سكر
الخمر فأنه يفيق صاحبه ويصحو -وسكرالهوى وحب الدنيا ال يصحو صاحبه االذا كان صاحبه في عسكر
االموات فالمعيشة الضنك الزمة لمن أعرض عن ذكر اهلل الذي أنزله على رسوله ( )في دنياه وفي
البرزخ ويوم -ميعاده وال تقر العين وال يهدأ القلب وال تطمئن النفس اال بالهها ومعبودها -الذي هو حق وكل
معبود -سواه باطل فمن قرت عينه باهلل قرت به كل عين ومن لم تقر عينه باهلل تقطعت نفسه على الدنيا
حسرات واهلل تعالى انما جعل الحياة الطيبة لمن أمن به وعمل صالحا كما قال تعالى ﴿من عمل صالحا من
ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ( ﴾)97سورة النحل.
9
ص 203الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي -ابن القيم ()
12
فضمن الهل االيمان والعمل الصالح الجزاء في الدنيا بالحياة الطيبة والحسنى يوم القيامة فلهم أطيب
()10
الحياتين فهم أحياء في الدارين"
فاذا كان اهلل عالي قد حكم أن السعادة في الدنيا هي من نصيب المؤمنين وال أحد سواهم فكيف نصل الى السعادة؟
والجواب كما بين ابن القيم رحمه اهلل في كتابه "زاد المهاجر الى ربه" هي في معرفة ما جاء به الرسول ( )علما
والقيام به عمال ودعوة الخلق اليه والصبر واالجتهاد -على تلك الدعوة فالمدخل إلى السعادة هي هذه االمور
االربعة وما لم نأخذ بها فلن نصل أبدا الى السعادة فكما أن الوصول الى بلد بعيد يتطلب االنتقال له بوسيلة
كالطائرة أو السيارة أو غير ذلك وال وصول -له بدون ذلك فكذلك االمر ال وصول -للسعادة دون اتخاذ الطاعة
وسيلة وسببا -وطريقا ومنهجا -وسلوكا وال بد من التنبيه هنا على ضرورة فهم االسالم فهما صحيحا والحذر -من
التفسيرات الخاطئة واالحاديث الموضوعة وبالتأكيد فان هداية اهلل للفرد ال تتحقق والفرد مصر على معاصيه
وتارك للصالة والطاعات فالبعض عندما تسأله لماذ ال تصلي أو ال تبتعد عن المعاصي -يجيب سأفعل عندما
يهديني اهلل وهذا من الجهل الكبير وهو من تلبيس ابليس فالهداية والسعادة ال تأتيان ان لم تبدأ أوال بعمل الطاعات
قال تعالي ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم -سبلنا وان اهلل لمع المحسنين﴾ ( )69سورة العنكبوت .أي الذين بذلوا
الجهد في السعي لمعرفتنا وطاعتنا سنهدينهم للسعادة والفوز بالدنيا واآلخرة فهؤالء من وعد اهلل بهدايتهم أما من
لم يفعل ذلك فقد عاش في ظنو حول الهداية ال تغني من اهلل شيئا ولم يخدع اال نفسه الن اآليات واألحاديث
واضحة جداً في هذا الصدد قال تعالي﴿ :واهلل ال يهدي القوم الفاسقين﴾ وقال تعالى ﴿واهلل ال يهدي القوم
الظالمين﴾ فال عذر لمن جهل أو تجاهل وخاصة من الذين يقرأون ويكتبون فالعقائد الباطلة والمعاصي -هي سبب
الشقاء والتعاسة وتأمل في حياة كثيرة من ممثلي الغرب ومطربيهم فستجد -ان لديهم الشهرة والمال والمعجبين
ويتمتعون بالملذات المحرمة ولكنهم -ليسوا سعداء فعقائدهم -ومعاصيهم -أشقت نفوسهم فالنفس البشرية ال تستقر اذا
كان العقل مملوءا بتصورات خاطئة أو كان الجسد منغمساً بملذاته وكثير -منا ال يعرفون أن القلق والملل من
االمراض الرئيسية في الغرب ولهذا انتشرت عندهم العيادات النفسية ولم يحقق لهم المال والحريات -والتكنولوجيا
أي سعادة ولقد بحث الغرب عن السعادة في المال فلم يجدها ولم يجدها في الملذات وهكذا يستمر -الى ماال نهاية
االنسان العاصي في بحثه عن السعادة على هذه االرض وال يصل اال الى التعاسة مهما حقق من آمال كلما وصل
الى أمل اكتشف أن السعادة ليست فيه ومن تأمل في حياتهم يعلم صدق ما نقول فالهم والقلق والندم والطمع
واالنانية أمراض ال تعالج اال بااليمان والقناعة وقراءة القرأن والصبر وكمثال الطمئنان المؤمن وسعادته نذكر
ان المؤمن يربي أبناءه تنفيذا الحكام االسالم فهو يريد االجر والثواب من اهلل وليس من أبنائه واذا عقه أبناءه فلن
يندم ألنه اضاع عمره في تربيتهم -بل سيطمئن أن ثواب عمله عند اهلل واهلل ال يضيع أجر العاملين فالمؤمن يختزن
عمره وماله في صالة وصوم -وصدقات -وأعمال طيبة يزرعها ليحصد بعض ثمارها في الدنيا وليحصد أكثرها
في األخرة أما عمر ومال الكافر فهو يمضي سريعا -فالشباب يذوي والمال يستهلك واآلمال هي أمال دنيوية
زجاجية سرعان ما تتحطم فيعيش خائفا على استثماره في حين أن المسلم استثمر -حياته مع اهلل وهو استثمار-
10
ص – 130المصدر السابق ()
13
مضمون وهناك تصور خاطئ وهو الظن أن االنسان المؤمن يعيش في عالم من المحرمات والقيود تحرمه
السعادة والصحيح ان المحرمات هي األشياء القذرة كالكذب والدعارة والنفاق والجشع والغيبة فالمؤمن زاهد في
االمور الخبيثة فقط وليس زاهدا في الطيبات من مأكل وملبس ومسكن وسياحة وتجارة وعلم وطرائف -وغير ذلك
من الطيبات وهي كثيرة جدا قال تعالى ﴿قل من حرم زينة اهلل التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق -قل هي
للذين أمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل اآليات لقوم يعلمون ( )32قل إنما حرم ربي الفواحش
ما ظهر منها وما بطن واالثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا -باهلل ما لم ينزل به سلطانا -وأن تقولوا على اهلل ما ال
تعلمون ( ﴾)33سورة األعراف .وال تكتمل السعادة بالتنعم بالطيبات بل ال بد من الصبر على المصائب فالحياة
بحاجة الى قدر هائل من الصبر فصعوباتها كثيرة ولهذا نجد آيات كثيرة تدعو للصبر فقد صبر االنبياء
والمؤمنين وعلموا أن اهلل أمرهم بالصبر -وعلموا أن اهلل ال يضيع أجر الصابرين قال تعالي﴿ :يا أيها الذين آمنوا
استعينوا بالصبر -والصالة أن اهلل مع الصابرين ( ﴾)153سورة البقرة .وفقنا اهلل واياكم -إلى سعادة الدنيا واآلخرة
وباعد بيننا وبين السراب واآلماني -الباطلة.
14
مثقونا .....وتعاسة الغرب
ان احد االسباب الرئيسية الفتقادنا -السعادة تأثرنا -بمفاهيم وعقائد وعادات غربية ضارة ،فكما استوردنا
أشياء كثيرة مفيدة من الغرب وخاصة في مجال التكنولوجي -فكذلك استوردنا -كثيرا من الشقاء الننا قلدنا االنسان
الغربي في كثير من أهدافه وعقائده وأخالقه ونظمه التعليمية واستيراد -الشقاء الغربي يرجع إلى أننا كشعوب
وأفراد أرهقنا تخلفنا السياسي -والتكنولوجي واالداري -فتنكرنا -لكل ما عندنا من خير وشر وسحرتنا الحضارة
الغربية فاصبح المثقف في نظرنا هو من يتكلم بلغة الغرب ويستشهد بأقواله ويعرف -ثقافته واصبحت المراة
المثقفة والمتحضرة هي التي تتابع الموضة وتعرف الماركات العالمية في المالبس واالحذية والعطور -وهي التي
زارت أو تحلم بزيارة لندن وباريس .نفعل كل هذا وغيره الننا نعتقد أن االنسان الغربي سعيد ومتحضر فهل هو
كذلك؟ وهل الحضارة الغربية حضارة راقية؟ قبل اإلجابة على هذا السؤال نقول ان انتقادنا حضارة الغرب ال
يتضمن بصورة مباشرة أو غير مباشرة تبريراً أو رضى -عن واقعنا ،فواقعنا -له ايجابياته وسلبياته وهو ليس
موضوع -نقاشنا في هذا المقال كما ان ذكر تخلف الغرب في مجاالت ليس معناه أن الغرب لم يحقق التقدم
والتطور -في مجاالت اخرى ،فال شك أن الغرب متقدم جدا في مجاالت الصناعة والزراعة والطب والسياحة
وغير ذلك واالدلة التي تبين تخلف الغرب وشقائه كثيرة نذكر منها:
( )1تبين االحصائيات أن الحضارة الغربية حضارة متخلفة وإ ليكم ما تقوله هذه االحصائيات:
( أ ) بلغ عدد جرائم القتل في الواليات المتحدة سنة 19.526 – 1986جريمة قتل أي 100جريمة لكل مليون
أما في الكويت فكانت هناك 19جريمة قتل 1986أي 10لكل مليون.
(ب) بلغت عدد الجرائم في أمريكا في سنة 1986حوالي عشرة ماليين جريمة أي ما يعادل حوالي %5من
عدد السكان ارتكبوا جرائم في حين أن عدد الجرائم في الكويت في 1987كان 11.171جريمة أي ما
يعادل %0.6من عدد السكان أي أن معدل الجرائم في الواليات المتحدة هو ثمان أضعاف معدلها في
الكويت.
(حـ) نسبة حاالت الطالق إلى الزواج في الواليات المتحدة في سنة 1986هي %48في حين أنها في مصر
%18في سنة 1984أما في الكويت فكانت النسبة %27في سنة .1987
( د ) سجلت سنة 1986في أمريكا 72.626جريمة اغتصاب وحصلت حوالي سبعمائة الف جريمة تعاطي-
المخدرات وبلغت حاالت اإلجهاض في سنة ( 1.574.000 1983مليون وخمسمائة وأربع وسبعون -ألف)
أما عدد األطفال غير الشرعيين فكان سنة 828.200 -1985طفل (ثمانمائة وثمانية وعشرون ألف ومائتا
طفل) وهؤالء يشكلون %22من المواليد في تلك السنة في حين نسبة االطفال غير الشرعيين في سنة
1960كانت %5.3وال شك أن الفرق شاسع بين الواليات المتحدة والوطن العربي في احصائيات جرائم
االغتصاب وااليدز -والمخدرات واالبناء غير الشرعيين ،وهذه االحصائيات تبين بوضوح -أن عالمنا العربي
أكثر تقدما في الجانب االجتماعي مقارنة مع الغرب فكيف -لو تمسكنا أكثر باألسالم؟!
15
( )2ان الغرب ال يعرف هل اهلل واحد أو ثالثة وال يعرف صفات اهلل ،وال الهدف من خلق اإلنسان وال أين يذهب
من يموت من البشر وال يعرف الصواب من الخطأ في قصص االنبياء فهم لديهم معلومات كثيرة وحقائق
قليلة ولديهم ثقافة ال علم قال تعالى "يعلمون ظاهراً من الحياة وهم عن األخرة غافلون" ( )7سورة الروم.
وهذا الضياع جعل عقائد الغرب متناقضة كالرأسمالية والشيوعية والعلمانية والفلسفات القديمة والحيثة وما
أكثر فالسفتهم ومفكروهم الذين يتباهون بهم ،فطالما سمعنا عن سقراط وهو احد أكبر فالسفتهم والذي قال
"انني جاهل وأعرف إني جاهل وأما هم فجهلة ويجهلون أنهم يجهلون" ( )11وسقراط صادق -في قوله فهو
يعترف أنه احتار في فهم الكون واإلنسان وحكماء الغرب الحاليون على شاكلة حكيم اليونان وفيلسوفها -قديما
فأقوالهم -يختلط فيها الحق بالباطل والصواب -بالخطأ أما علمؤنا فهم يعلمون ويعلمون أنهم يعلمون وعلى
رأسهم الرسول صلى اهلل عليه وسلم وابن عباس والشافعي -وابن حنبل وابن تيمية وغيرهم كثيرون قال
رسول اهلل صلى اهلل علية وسلم "فواهلل أني ألعلمهم باهلل واشدهم -له خشية" (.)12
( )3تجعل الحضارة الغربية المال في رأس إهتماماتها وأهدافها -ونشاطها -وتفكيرها ولهذا فحضارتهم -حضارة
مادية أو رأسالمية ،ودول هذه الحضارة على استعداد الن تشعل الحروب وتضطهد -الشعوب وتدبر االنقالب
من أجل الحفاظ على مصالحها -المادية ،والدول الغربية هي الدول االستعمارية خالل القرون الثالثة
الماضية .وال تزال دولهم ال تطبق العدل والمساواة والحرية عندما تتعارض مع مصالحهم -االقتصادية
وتاريخ االستعمار فيه الكثير من االدلة على جرائم الغرب ،فقد أعادوا عهود الرقيق وساندوا االنظمة
العنصرية واستنزفوا الثروات وأشعلوا -الفتن والحروب -وقتلوا االحرار وعذبوهم -فأين هم من العدل
والمساواة والحرية؟ وعندما يقتصر العدل على شعب أو أمة ويمنع عن البقية فهذا دليل تخلف وليس معنى
قولنا هذا أنه ال توجد جوانب إنسانية في الغرب بل توجد ولكن االولوية تعطي للمصالح وليس للمبادئ
فالمال أعمى بصائرهم -قال جون جونز في كتابه في داخل أوربا " ان االنجليز يعبدون بنك انجلترا ستة أيام
ومن قلد الغرب في مناهجه أصيب ببعض شقائه ()13
في األسبوع ويتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة"
وتخلفه قال محمد اقبال "مسلمون ولكن عقولهم تطوف -حول االصنام ،ان االفرنج قد قتلوه من غير حرب
وضرب عقول وقحة ،وقلوب قاسية ،وعيون ال تعف عن المحارم ،وقلوب -ال تذوب بالقوراع ،كل ما عندهم
من علم وفن ودين وسياسة ،وعقل وقلب ،يطوف حول الماديات قلوبهم ال تتلقى الخواطر المتجددة وأفكارهم-
ال تساوي شيئاً حياتهم جامدة ،واقفة ،متعطلة" (.)14
( )4من االمور المعروفة أن النظافة دليل تقدم وأن القذراة دليل تخلف ونظافة االجسام عندنا واجب شرعي
وعند الغرب كانت وال زالت قناعات شخصية وقبل قرون قليلة فقط كان االنجليز نادرا ما يستحمون في حين أن
11
جريدة القبس الكويتية 88-6-18 ()
12
كتاب األدب – المجلد العاشر-فتح الباري شرح صحيح البخاري- -للعسقالني ()
13
ص 225كتاب أقوال اعجبتني – صالح الشاهد ()
14
ص 43نحو التربية اإلسالمية الحره – أبو الحسن على الحسني الندوي ()
16
المسلمين الملتزمين ومنذ أربعة عشر قرنا يستحمون على االقل كل اسبوع مرة ولو قارنا بين أحكام االسالم
واحكام الغرب في الزواج والطالق واالخالق -وبر الوالدين والبيع والربا -والخمر وغير ذلك التضحت جوانب
من تقدمنا وتخلفهم فاحكام -الطالق تتغير عندهم باستمرار فقد كان الطالق محرما اال في حاالت نادرة فلما
إكتشفوا ضرر ذلك اباحوه واختلفوا في احكامه والحقوق -المترتبة عليه وتخلف الغرب في االحكام شئ طبيعي-
وذلك الن احكامهم وضعية تصيب في جوانب وتخطي في جوانب أخرى في حين ان احكام االسالم شرعها اهلل
سبحانه وتعالى -وهو يعرف النفس البشرية وما يناسبها -قال تعالى "اال يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" ()14
سورة الملك وقد -ال يشعر البعض بتقدمنا أو بتخلف الغرب وذلك ألن الغرب نجح نجاحاً كبيرا باعالمه الذكي في
اظهار عيوبنا وأخطأئنا -وفي ستر عيوبه وأخطائه فهو يتهمنا بالهمجية حتى لو أعدمنا مجرما واحدا في حين أن
ضحايا الحرب العالمية الثانية كانوا أكثر من أربعين مليونا اغلبهم من المدنين ،فمن الهمجي؟ وليت الغرب
يشرح لنا كيف تم اقتسام الشعوب واالراضي بين الحلفاء بعد انتصارهم -في هذه الحرب؟ أليس من النفاق انه في
نفس الوقت الذي كان يتم فيه توزيع "الغنائم" -كان يتم إنشاء هيئة األمم المتحدة كأن الغرب حريص فعال على
العدل والحرية وعموما فان تخلف الغرب واضح في ظلمه وشرائعه واخالقه ،ولكن هناك من ال يريد أن يراه،
وتكاد تكون الحريات ودور الشعب في الحكم هما المجالين الذين حقق فيهما الغرب نجاحاً كبيراً فكراً وممارسة.
( )5عدد االبناء المجهولي -األب أو الوالدين في الغرب عدد كبير وال يشفع للغرب أن يوفر -لهؤالء األطفال
حضانات ،فحنان األم ال يعوضه أي شئ وقيم -الغرب وعقائده واهدافه حطمت الكثير من األسر ،ودعونا
نتأمل صورة ونفسية طفل ال يعرف أمه او ابيه أو كليهما ،كم ارتكب المجتمع بحق هذا الطفل البرئ من
جرائم ومن قال أن االنسان حر في أن يمارس الجنس ثم يلقي نتيجة لذته في الشارع ليضيع طفل رضيع ان
مثل هذا االنسان رجال أو أمراة يرتكب جريمة من اكبر الجرائم في حق االنسانية النه سلب من طفل رضيع
حق أن تكون له أم وأب واخوة وأسرة ،وقارنوا هذا الوضع باطفال االمة االسالمية الذين يعيشون مع اسرهم
وفي كل االحوال يعرفون اباءهم وأمهاتهم -وما أعدل واحكم قوانين الشريعة اإلسالمية التي تنصفنا أطفاالً
ورجاال ونساءا وتعلمنا -حدود الحريات الصحيحة.
( )6قدمت الحضارة الغربية الكثير للمراة فقد فتحت لها المدارس والجامعات وشجعتها على العمل وأعطتها
الحرية في اختيار الزوج ،ولكنها من ناحية اخرى اضرت المرأة ،فقد فككت االسرة والتي تعتبر مملكة
المرأة وازهدت الناس في الزواج ،واستسهلت الطالق ،وضيعت حقوق االم ،فال يرى االبناء حقوقا عظيمة
المهم وقد ال يذكرونها اال في أعياد الميالد ويتركونها للوحدة ومن يعرف حنان األم وعطاءها يعرف كم هي
قاسية هذه الحضارة التي ال تعرف لالم حقوقا عظيمة وظلمت الحضارة الغربية المرأة عندما استغلت
جمالها الجسدي أسوأ استغالل فدور -المرأة في كثير من األفالم ال يزيد عن دور جنسي والرجل الغربي يجد
الباب مفتوحاً أمامه إلقامة عشرات العالقات الجنسية دون أن يتحمل أي تكاليف أو مسئوليات قانونية،
وعندما يذبل جمال المرأة تكسد في سوق الرجال وتعيش وحيدة منبوذة أما في شريعتنا فال يسمح إطالقا
للرجل بإقامة عالقة جنسية إال ضمن إطار الزواج الذي يلزم الرجل بمهر ومسكن ومصاريف -وما يترتب
17
على هذا الزواج من أبناء بينما المرأة الغربية وباسم -الحرية المزورة تفقد كل هذه الحقوق فالفرق -شاسع بين
رابطة زوجية ورابطة شيطانية واختيار -الرجل للمرأة كزوجة معناه االحترام -والحب واالقتناع فقد اختار
شريكة لحياته وأما ألبنائه واختيار للمرأة كعشيقة هو اختيار لجسد يلهو به وال يحترم صاحبته وال يراها
أهال ألن تحمل اسمه أو تكون أما ألبنائه والحضارة التي تسمح قانونا وعرفا بأن تكون المرأة جسدا بال
كرامة هي حضارة متخلفة النها تخالف القيم االنسانية السامية التي تدعو لها جميع االديان السماوية .بعد
هذه االدلة الواضحة على تخلف الغرب وتعاسته والتي تثبت أن الحضارة الغربية ليست حضارة راقية
وبالتالي ال تصلح الن تكون مثالً يحتذى أو نموذجا يقلد .نقول رحم اهلل أحمد شوقي الذي لخص جزءاً هاما
من الرقي الحضاري -في قوله:
وإ نما االمم االخالق ما بقيت ف-- - - - - - - -ان همو ذهبت أخالقهم -ذهب-- - - - - - - -وا وما يحز في النفس أن نجد بعض مثقفينا ال
يزالون يقلدون الغرب في عقائده وفلسفته وعاداته ويظنون أن ديننا هو سبب تخلفنا ،وهم ال يعرف--ون من ديننا
إال القليل وال يعرفون ما كتب علماؤنا وليتهم -تعلموا من الغرب كيف ن--زرع ونحصد ونص--نع ونبحث ونخطط-
ولكنهم فشلوا -في أغلب هذا ولم يأخذوا من الغرب اال تخلفه الفكري ونهمس بإذن هؤالء وحجم التخلف الهائل
الذي نعيشه يرهقنا ونقول المثل المصري (( جيتك يا عبدالمعين تعين لقيتك يا عبدالمعين تنعان)).
كالمستجير -من الرمضاء بالنار ونقول :المستجير بعمرو -عند كربته
18
كم من مريد للخير لن يصيبه!
قال عمر بن عبالعزيز رضي -اهلل عنه:
" من عبداهلل بغير علم كان يفسد أكثر مما يصلح".
األه -- - - -داف العامة لكث -- - - -ير من العقائد والسياس -- - - -ات -والنظم أه -- - - -داف نبيلة الغب -- - - -ار عليها ومع ذلك نجد أن األف -- - - -راد-
المخلص-- - -ين من حملة المب-- - -ادىء اليحقق-- - -ون الس-- - -عادة ال-- - -تي يري-- - -دونها لق-- - -ومهم أو للبش-- - -رية أي أن نواي-- - -اهم الطيبة
وإ خالص--هم -لم تكن كافية لتحقيق ما يري--دون بل أن بعض ه--ؤالء المخلص--ين قد يص--بحون من أك--ثر الن--اس إجراما
واس --تبداد -وش --را ،فالش --يوعية مثال ه --دفت إلى إنص --اف -الفق --راء والعم --ال ومس --اواة البشر وحققت ج --زءا من أه --دافها
ولكنها أنتجت ك---ذلك االس---تبداد والتخلف -االقتص---ادي -واألنظمة البوليس --ية ومنعت الن --اس ح --تى من حرية الخ---روج
واله--رب من الجنة الش--يوعية المزعومة بل ح--تى ه--دف القض--اء على الفقر وهو اله--دف ال--ذي ق--امت من أجله فش--لت
في تحقيقه .فالعالم -الغربي أك--ثر غ--نى ورفاهية من الع--الم الش--يوعي ،والرأس--مالية الغربية حملها المؤمن--ون بالحرية
والعدل والمساواة وحقق المخلصون بعض أهدافهم ولكنهم -فشلوا في قضايا -مهمة فقد عبدوا المال وتفككت األسرة
وأنتجت الحض-- -ارة الغربية االس-- -تعمار -والقلق واالي-- -دز -والمخ-- -درات وغ-- -ير ذل-- -ك،والبوذية رك-- -زت على الج-- -وانب
الروحية واألخالقية وأهملت الج --وانب المادية والتش --ريعية ،والنازية تم --ادت في اع --تزاز اإلنس --ان بوطنه وجنس --يته
ف-- -أنتجت الغ-- -رور والح-- -روب -وباختص-- -ار ف-- -إن األه-- -داف النبيلة والنوايا الحس-- -نة يض-- -يع أص-- -حابها -أن لم يه-- -دهم اهلل
للطريق المس--تقيم وله--ذا قي--ل :الطريق -إلى جهنم مف--روش بالنوايا الحس--نة وق--ال العلم--اء :العمل ب--دون علم ،والشك
أن بعض ه--ؤالء المخلص--ين الض--ائعين قد حقق--وا ايجابي--ات في المس--اواة والحرية والق--وة والتق--دم التكنول--وجي -ولكن
الحقيقة الواض-- -حة أن المحص---لة النهائية إلعم-- -الهم هي الفشل ال---ذريع فروس --يا -تئن من الض --ياع الش-- -يوعي وأمريكا
عمالق تنتشر -األم-- - -راض في عقله وجس-- - -ده ،والنج-- - -اح ه-- - -دف ق-- - -امت من أجله ث-- - -ورات وأنظمة ومع ه-- - -ذا لم يصل
أص --حابها إلى ما يري --دون من أه --داف فحقق --وا بعض --ها وفش --لوا في أكثرها وكم من مخلص --ين وقفت معهم ش --عوبهم-
ووصلوا -إلى الحكم ومع هذا وبعد سنوات أصبحوا مكروهين كما أصبحوا أك--ثر ض--ررا -على ش--عوبهم من س--ابقيهم
مع أن نواياهم -كانت وما زالت نوايا طيبة وأصحاب النوايا الحسنة ضاعوا ألنهم يجهلون الحياة والكون واالنس--ان
ومن لم يجعل اهلل له ن --ورا فما له من ن --ور ومن يضل اهلل فال ه --ادي له واالس --الم -يعمل على ترش --يد النوايا الحس --نة
واأله---داف النبيلة ويحققها فيعطي الفق---راء والعم---ال حق---وقهم كاملة ويس --مح ك --ذلك بوج --ود الغ --نى الش---ريف ويعطي-
مج---اال الع---تزاز الف---رد بش---عبه وأمته دون أن يتح---ول ه---ذا االع---تزاز الى عنص --رية ويعطي -ك --ذلك مج---اال لالخالق
والروحاني --ات ومج --اال للمادي --ات ويحقق االس --الم المس --اواة والع --دل والحرية بطريقة واقعية وس --ليمة فاالس --الم -دين
ش-- -امل يعطي كل ذي حق حقه وال يعطي االغني-- -اء والفق-- -راء أقل أو أك-- -ثر من حق-- -وقهم -وال يجعل الج-- -وانب المادية
تطغى على الجوانب الروحية أو العكس كما أنه ال يكبت الغريزة الجنسية وال يتركها -بال قي--ود -أو ض--وابط -هو دين
وسط يحقق الت--وازن والع--دل في كل ش--ىء فهن--اك حق--وق اهلل وحق--وق -للعب--اد والدولة والحكومة والوال--دين واالق--ارب
وهكذا وما لم يستطع أن يحققه كثير من أصحاب النوايا الحسنة هو معرفة تحقيق هذا الت-وازن ،وقد رأت الش-عوب
الفشل واض --حا -واقتنعت ب --أن النظرية الدافعة له --ؤالء المخلص --ين نظرية فاش --لة وأص --بح المخلص --ون يتح --دثون عن
19
تص--حيح نظري--اتهم وعقائ--دهم وهك--ذا يس--تمر -مسلسل التص--حيح الى االبد ويس--تمر خ--داع الش--عوب واالمم بش--عارات
جدي-- -دة ونبيلة وتكتشف الش-- -عوب مع االي-- -ام ومع زي-- -ادة ال-- -وعي أن الس-- -عادة حلم وس-- -راب والبش-- -رية الي-- -وم ح-- -ائرة
وضائعة فالتوازن عملية ال تتم اال في ظل االسالم وحرص الرسول ( )على التوازن وح--ذر بش--دة من االنح--راف
حتى لو كانت النية طيبة ولهذا قال لمن كان يقوم الليل يص--لي وال ين--ام ولمن يص--وم وال يفطر ولمن اع-تزل النس-اء
فال ي --تزوج أنا أص --وم وأفطر وأق --وم الليل وأن --ام وأت --زوج -النس --اء فمن رغب عن س --نتي فليس م --ني ،والحظ --وا -ت --برأ
الرس--ول ممن يفقد الت--وازن ويبت--دع في ال--دين الن التم--ادى ح--تى في الخ--ير غالبا ما يك--ون ش--را الن الت--وازن للف--رد
والحكومة واالمة يختل وفق --دان الت --وازن ح --دث لكث --ير من الف --رق واالتجاه --ات االس --المية فالمتص --وفة رك --زوا -على
االخالق والزهد ترك--يزا ش--ديدا ففق--دوا الت--وازن العقائ--دي والتش--ريعي -والمعتزلة تم--ادوا في االعت--داد بالعقل وال--رأي
فأص-- -ابتهم بعض عي-- -وب الفالس-- -فة كالج-- -دل والقيل والق-- -ال والخ-- -وارج فق-- -دوا الت-- -وازن النهم تمس-- -كوا -تمس-- -كا أعمى
بالنصوص القرأنية وأهملو العقل والفهم فضلوا .وفقدان التوزان حدث في عصرنا لحكومات وأحزاب وجماع--ات
وأف-راد وذلك مع وج-ود -حسن النية فهن-اك من أعطى الحكوم-ات س-لطة أكبرها مما لها في ش-رع اهلل فض-ل .وهن-اك
من أعطى الش--عوب أو العلم--اء أو االولي--اء أو الحك--ام أو الجماع--ات أك--ثر أو أقل مما يجب وهنالك أيضا من أعطى
مص--الحه الشخص--ية أك--ثر مما لها فضل وهن--اك من أهتم بال--دنيا على حس--اب االخ--رة ،وهم كث--يرون فض--لوا وهن--اك
العكس وهم قليل -- -ون فض -- -لوا -أيضا وهن -- -اك من اعطى زوجته أو أوالده أو أص -- -دقائه أك -- -بر أو أقل مما ينبغي فضل
وش--قى والت--وازن مطل--وب أيضا في دائ--رة الف--رد فهن--اك حق--وق اهلل وحق--وق -للنفس وحق--وق لالهل وهك--ذا فمن الخطأ
أن يكون عقلك نشيطا .وجسمك كسوال ،وهناك من فقد التوازن نتيجة لظروفه فاحساسه بظلم حكومة أو ح--زب أو
اتجاه جعله يتطرف في العداوة أو البغضاء وقد -يس--تدل بآي--ات وأح--اديث ولكنه يتجاهل آي--ات أخ--رى ال تحقق م--راده
وتفضح تطرف--ه .والت-وازن -ووضع -كل ش-ىء في موض-عه الس--ليم مطل-وب ح--تى في قض--ايا االص--الح اإلداري ال--ذي
يط--الب به كث--يرون ونواي--اهم -حس--نة ولكن قلة هم من ل--ديهم العلم بالتخطيط -والتط--وير -ال--وظيفي والت--دريب والتق--ييم
وغير ذلك من معلومات أساسية.
ونق --ول باختص --ار -إن أس --باب فق --دان الت --وازن كث --يرة ج --دا ح --تى ق --ال القائ --ل" :ال أعجب ممن هلك كيف هلك ولك --ني
أعجب ممن نجا كيف نجا" ولعل أهم أسباب الضياع التطرف في عقيدة او خلق أو ع--ادة أو فك--رة أو عب--ادة أو ش--دة
أو لين كما أوض--حنا -أعاله وقد يك--ون س--بب الض--ياع هو جزئية ال--دعوة وغموض--ها بمع--نى أن المعلن من ال--دعوة ال
ب--أس به ومقب--ول عقال كما ح--دث مع الش--يوعية ،فحق--وق -الفق--راء أمر مطل--وب ولكن موقف -الش--يوعية من الحري--ات
واالنتخاب--ات -واالغني--اء الش--رفاء وحق--وق االنس--ان وغ--ير ذلك ك--ان ش--يئا مجه--وال وال بد لمن يح--رص على اص--الح
االمة أن يط -- -الب كل ق -- -وة رئيس -- -ية في االمة بتص -- -ورها الش -- -مولي للقض -- -ايا المهمة ومن الخطأ الظن ب -- -أن الت -- -اريخ
النض--الي لالف--راد واالح--زاب والحكوم--ات -يكفي للوص--ول -لخ--ير االمة فالنوايا الحس--نة ال تكفي وح--دها وفي الخت--ام
نقول أن أسباب الشقاء والضالل كثيرة والنجاة منها تكون أساسا باستخدام -العقل في فهم القرآن والسنة على ضوء
ما قاله العلماء المخلصون فإذا كان مصدرنا في ترشيد -نوايانا وأعمالنا هو الق-رآن والس-نة فنحن بخ-ير وعلى ه-دى
في جميع أمورنا -العقائدية والسياس-- - -ية واالجتماعية والشخص-- - -ية وس-- - -نكون كما ق-- - -ال رس-- - -ول اهلل ( )على المحجة
البيض--اء ال يزيغ عنها اال هالك والتمسك بكن--وز العلم والت--وازن والع--دل في الكت--اب والس--نة في ظل فهم س--ليم ليس
20
جم-- -ودا وتعص-- -با ورجعية بل هو فطنه وذك-- -اء ون-- -ور -وهداية والمتأمل في عقائد البشر وع-- -اداتهم وأس-- -باب ش-- -قائهم
ي-- -درك ما نق-- -ول فلنق-- -رأ الكتب المفي-- -دة والواقع ولنبحث عن الحق-- -ائق فكلما ازددنا -علما ازددنا س-- -عادة فالجهل ظالم
والعلم نور ونترككم -مع هذه الحادثة التي تحمل الكث-ير من المع-اني والع-بر -ق-ال عم-رو بن س-لمة(( :كنا نجلس على
ب---اب عبداهلل بن مس---عود -قبل ص---الة الغ---داة ف---اذا خ---رج مش---ينا معه الى المس --جد فجاءنا أبو موسى االش---عري فق---ال:
أخرج اليكم أبو عبدالرحمن بع-د؟ قلن-ا :ال فجلس معنا ح--تى خ--رج فلما خ--رج قمنا اليه جميعا فق-ال له أبو موس-ى :يا
أبا عب --دالرحمن إني رأيت في المس --جد أنفا أمر أنكرته ولم أر والحمد اهلل إال خ --يرا ق --ال :فما ه --و؟ فق --ال :ان عشت
فس --تراه ق --ال :رأيت في المس --جد قوما حلقا جلوسا ينتظ --رون الص --الة في كل حلقة رجل وفي أي --ديهم حصا فيق --ول:
كبروا مائة فيك-برون مائة فيق-ول :هلل-وا مائة فيهلل-ون مائة ويق-ول س-بحوا مائة فيس-حبون مائة ق-ال :فم-اذا قلت لهم؛
قال :ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك أو انتظار أمرك ق--ال :أفال أم--رتهم أن يع--دوا س--يئاتهم وض--منت لهم أن ال يض--يع
من حس-- - - -ناتهم .ثم مضى ومض-- - - -ينا معه ح-- - - -تى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فق-- - - -ال :ما ه-- - - -ذا ال-- - - -ذي أراكم
تص--نعون؟ ق--الوا :يا أبا عب--دالرحمن حصا نعد به التكب--ير والتهليل والتس--بيح ق--ال :فع--دوا س--يئاتكم فأنا ض--امن أن ال
يض--يع من حس--ناتكم ش--ىء ويحكم -يا أمة محمد ما أس--رع هلكتكم ه--ؤالء ص--حابه ن--بيكم ( )مت--وافرون وه--ذه ثيابه لم
تبل وآنيته لم تكسر وال--ذي نفسي بي--ده انكم لعلى ملة أه--دى من ملة محمد أو مفتتحو ب--اب ض--اللة .ق--الوا واهلل يا أبا
عب--دالرحمن ما أردنا إال الخ--ير ق--ال :وكم من مريد للخ--ير لن يص--يبه أن رس--ول اهلل ( )ح--دثنا (( أن قوما -يق--رأون
الق--رآن ال يج--اوز -ت--راقيهم)) وايم اهلل ما أدري لعل أك--ثرهم منكم ثم ت--ولى عنهم فق--ال عم--رو بن س--لمة :رأينا عامة
أولئك الحلق يطاعنونا -يوم النهروان مع الخوارج" (.)15
15
ص 15 ، 14البدعه وأثرها السيء في األمة االستاذ سليم الهاللي. ()
21
العلم سعادة والجهل شقاء
كلما ازددنا -علما ازددنا سعادة
عندما تض-يع الحق-ائق يض-يع المخلص-ون فالحي-اة في ظالم الجهل ش-قاء والحي-اة في ن-ور العلم س-عادة ق-ال تع-الى﴿ :
أومن ك --ان ميتا فأحيين --اه وجعلنا له ن --ورا يمشي به في الن --اس كمن مثله في الظلم --ات ليس بخ --ارج منها ك --ذلك زين
للكافرين ما كانوا يعملون﴾ ( )122سورة االنعام.
وق--ال تع--الى ﴿ يه--دي اهلل لن--وره من يش--اء﴾ س--ورة الن--ور وما أك--ثر الن--ور في الكت--اب والس--نة لو درس--ناهما وتفكرنا-
وعقلنا فلنحرص على العلم بكافة أنواعه فجزء من شقائنا منبعه االقتناع بآراء ومفاهيم وعقائد خاطئة فكلما عرفنا
الحقائق الفكرية والمادية وحقائق الواقع والتاريخ ازددنا -سعادة والطرق التي أضاعت الحقائق كثيرة وهذه الطرق-
جعلت ج-- -زءا غ-- -ير قليل من مثقفينا يرتكب-- -ون كث-- -يرا من االخط-- -اء العقائدية والسياس-- -ية ويجهل-- -ون أسس االص-- -الح
وطب -- -ائع -البشر ونخطىء عن -- -دما نظن أن المقص -- -ود بالجهل هو االمية بل الجهل هو ع -- -دم معرفة الحق من الباطل
والص--واب من الخطأ فالجاهل قد يك--ون من أص--حاب ش--هادة ال--دكتوراه ولكنه مقتنع ب--أن ال خ--الق له--ذا الك--ون أو أن
االس --تبداد نظ --ام ص --حيح أو لديه تعصب وعنص --رية لش --عب أو أمة أو غ --ير ذلك وعموما فقد دخل الجهل وال ي --زال
يدخل للعقل البشري -من أبواب كثيرة نذكر منها.
22
والمالحدة يقولون أن اهلل غير موجود ودليلهم -اننا ال نراه فهو اذن غ--ير موج--ود -والعقل والعلمية يفرض--ان علينا أن
ال نحكم بوجود شيء من عدمه اال بعد بحث فمثال ال نقول أنه ال يوجد في هذا ال--بيت جه--از تلف--از إال بعد أن نبحث
في جميع حج--رات ال--بيت ف--إذا لم نجد تلف--ازا يص--بح كالمنا حقيقة ودليل الش--يوعيين م--زور النهم لم يبحث--وا في ه--ذا
الك --ون العظيم عن اهلل ولم يج --دوه بل أن اهلل حسب اعتقادنا هو خ --الق ه --ذا الك --ون ففي ه --ذا الك --ون ك --واكب ونج --وم
ومجرات تحتاج الى ماليين الس-نين ح-تى نع-رف ما يوجد فيها فكيف -يحق للش-يوعيين اعتب-ار ع-دم وج-ود اهلل حقيقة
علمية فكالمهم -م--دعوم ب--دليل م--زور ومع ه--ذا نف--وا ص--حة ال--دين وص--دق -االنبي--اء وش--رعوا -لالنس--ان وال دليل ل--ديهم
يقبله العقل.
26
السعادة بين النظرية والتطبيق
بينا في مقاالت سابقة أن الطريق إلى السعادة يتطلب االلتزم بعقائد االسالم الصحيح وأحكامه واحيانا-
نظن اننا نعبد اهلل وملتزمون باالسالم -ولكن حقيقة األمر أن عبادتنا مشوهة او مفرغة من معانيها ولهذا تبقى
السعادة سرابا ال حقيقة له في حياة الكثيرين فمثال شهر رمضان هو شهر العبادة والقرآن والذكر والصدقات
ولكننا حولناه إلى شهر األكل ومألناه بالسهرات الطويلة والبرامج التلفازية المنوعة والصالة التي هي عمود
الدين ال يلتزم بها كثيرون فكيف -نبحث عن السعادة واهلل سبحانه وتعالي -يقول ﴿فويل للمصلين الذين هم عن
صالتهم ساهون﴾ ( )5سورة الماعون وترك -الصالة ليس اهمال جزئية بسيطة من الدين بل تركها هو ترك للدين
كله كما بين االمام احمد بن حنبل في كتابه رسالة الصالة حيث قال [وجاء الحديث عن النبي ( )أنه قال" :اول
ما تفقدون من دينكم االمانة وأخر ما تفقدون منه الصالة وليصلين أقواما ال خالق لهم"( .)16وجاء الحديث "ان أول
ما يسال عنه العبد يوم القيامه من عمله الصالة فان تقبلت منه صالته تقبل منه عمله وان ردت عليه صالته رد
سائر عمله" فصالتنا اخر ديننا وهي أول مانسأل عنه غدا من أعمالنا فليس بعد ذهاب الصالة اسالم وال دين فاذا
صارت الصالة آخر ما يذهب من االسالم فكل شئ يذهب أخر فقد ذهب جميعه].
والحديث في شرح واقع المسلمين اليوم ونصيب االسالم الصحيح من التطبيق -حديث يطول ولكن ساكتفي
بالتطرق -بشئ من التفصيل لعبادة الشكر فنحن مقصورن في فهم وأداء هذه العبادة فكثير -منا يظنون ان أكبر نعم
اهلل علينا وأهمها هي نعمة المال ولو فكرنا -لوجدنا أن نعم اهلل ال تحصى وأنها متاحة للفقير والغني فالسمع
والبصر والعقل واالهل واالبناء والصحة والهواء والماء والتوحيد وغير ذلك كثير هي بعض من نعم اهلل قال
الحسن "من ال يرى هلل عز وجل عليه نعمة اال في مطعم أو مشرب او لباس فقد قصر -علمه وحضر -عذابه" ومن
الجهل الشديد أال يعرف االنسان هذه النعم ويشكر -اهلل عليها فنحن ولالسف ال نشكر اهلل على نعمة الصحة إال بعد
أن تصيبنا -االمراض ونحن ال نرضى بأن نفقد عينا أو يداً حتى لو دفع لنا المال الكثير ومع هذا ال نشعر بقيمة
هذه النعمة كما اننا نادرا ما نشكر اهلل على نعمة العقل وهي نعمة كبيرة نميز بها الخير من الشر وال نشعر بنعمة
االقارب إالبعدأن نعيش في غربة وال نشعر بنعمة الماء إال بعد أن تجف االرض وتحل بنا المجاعات ومن الغفلة
اال نشعر بهذه النعم اال بعد أن نفقدها مع أننا نعلم أن النعم بالشكر -تدوم وبالكفر تزول قال تعالى ﴿واذ تأذن ربكم
لئن شكرتكم الزيدنكم -ولئن كفرتم ان عذابي لشديد﴾ ( )7سورة ابراهيم وقال ابن قدامة المقدسي في مختصر-
منهاج القاصدين بعدأن ذلك جملة من النعم التي أنعم اهلل عز وجل بها على بنى آدم" أعلم :أن الخلق لم يقصروا-
عن شكر النعمة اال للجهل والغفلة فانهم -منعوا بذلك عن معرفة النعم ،وال يتصور شكر النعمة اال بعد معرفتها،
ثم أن عرفوا نعمة ظنوا أن الشكر عليها أن يقول احدهم بلسانه :الحمدهلل ولم يعرفوا -ان معنى الشكر أن تستعمل
النعمة في اتمام الحكمة التي اريدت بها وهي طاعة اهلل تعالى .أما الغفلة عن النعم فلها أسباب :أحدها :أن الناس
لجهلهم ال يعدون ما يعم الخلق في جميع أحوالهم نعمة فلذلك اليشكرون على جملة مما ذكرناه من النعم النها
16
ال خالق لهم :ال نصيب لهم من الدين وال من الخير والصالح ()
27
عامة الخلق مبذولة لهم في جميع أحوالهم فال يرى واحد منهم اختصاصا به فال يعده نعمة فال تراهم يشكرون اهلل
على الهواء ولو أخذ بمخنقهم لحظة حتى انقطع الهواء عنهم ماتوا ولو حبسوا في حمام أو بئر ماتوا غما فان
ابتلى احدهم بشئ من ذلك ثم نجا قدر ذلك نعمة يشكر اهلل عليها وهذا غاية الجهل اذ صار شكرهم -موقوفا على أن
تسلب عنهم النعمة ثم ترد اليهم في بعض االحوال ،فالنعم -في جميع االحوال أولى بالشكر -فال ترى البصير -يشكر
صحة البصر اال أن يعمى فإذا أعيد بصره أحس بالنعمة وشكرها -حينئذ وعدها نعمة وهو مثل عبد السوء يضرب
دائما فاذا ترك ضربه ساعة شكر وأن ترك ضربه أصال غلبه البطر وترك -الشكر"ومن الشكر أن ال ننفق أموالنا
في الحرام وان ال نخدع بعقولنا الذكية من هو أقل منا ذكاء وان ال نستغل قوة االهل أو القبيلة أو المركز في ظلم
الضعفاء وأن ال ننظر إلى ما حرم اهلل قال ابن تيمية في تعريف -الشكر "هو أداء الواجبات الشرعية" وقال -ابن
القيم "هو العمل بالطاعة".
وكثير من الناس ال يقدر ما عنده من النعم ويطمع بالمزيد -ويخدعه الشيطان باألماني -ويهلكه بالطمع فال يدعه
يحس بنعم اهلل ويغريه كل يوم بأمل جديد في مال يزيد أو منصب رفيع أو شهادة أعلى وليس عيبا أن يكون
االنسان طموحا -ولكن العيب أن ينسى شكر ما عنده من النعم ولو نظر االنسان لمن هم أقل منه في الشهادة أو
العلم أو المال أو الصحة الستحى أن يعصى اهلل وخجل من نفسه قال رسول اهلل (" )أنظروا -الى من اسفل منكم
ونترككم مع بعض ما ()17
وال تنظروا -الى من هو فوقكم -فهو أجدر أن ال تزدروا نعمةاهلل (قال ابو معاوية) عليكم"
قاله عقالء المسلمين وجمعه ابي بكر عبداهلل بن ابي الدنيا في كتاب الشكر:
17
مختصر صحيح مسلم حديث رقم.2087 - ()
28
امرأة فقال :يا فتى ما هذا جزاء نعم اهلل عز وجل عليك". ()18
-10مر محمد بن المنكدر بشاب يقاوم
18
في عدة الصابرين "يغامز"-. ()
29
()19
الذنوب منبع الشقاء
ابتلينا والحمد هلل على كل حال ببعض المثقفين الذين ال يؤمنون بأن اخطر أعدائنا هي معاصينا،
فالطاعات هي سبب كل خير وسعادة ونصر ،والمعاصي هي سبب كل شر وشقاء وهزيمة ،قال ابن القيم [وقد -دل
العقل والنقل والفطرة وتجارب االمم على اختالف أجناسها ومللها ونحلها على ان التقرب إلى رب العالمين
وطلب مرضاته والبر واالحسان إلي خلقه من أعظم االسباب الجالبة لكل خير واضدادها من أكبر االسباب
الجالبة لكل شر فما استجلبت نعم اهلل تعالى وأستدفعت نقمه بمثل طاعته والتقرب إليه واالحسان إلى خلقه وقد-
رتب اهلل سبحانه حصول الخيرات في الدنيا واالخرة وحصول الشرور -في الدنيا واالخرة في كتابه على االعمال
ترتب الجزاء على الشرط والمعلول على العلة والمسبب على السبب وهذا في القرأن يزيد على ألف موضع
فتارة يرتب الحكم الخبري الكوني واالمر الشرعي على الوصف المناسب له كقوله تعالي ﴿فلما عتوا عن ما نهوا
عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين﴾ سورة االعراف ،وقوله ﴿فلما ءاسفونا انتقمنا منهم﴾ سورة الزخرف] -وقال
عبداهلل بن مسعود" -إذا ظهر الزنى والربا -في قرية أذن اهلل عز وجل بهالكها" وقال ابن القيم [وها هنا نكته دقيقه
يغلط فيها الناس في أمر الذنب وهي أنهم اليرون تأثيره في الحال وقد يتأخر تأثيره فينسى"] .وقال ["وسبحان اهلل
ماذا أهلكت هذه النكتة من الخلق؟ وكم أزالت من نعمة؟ وكم جلبت من نقمة؟ وما أكثر المغترين بها من العلماء
والفضالء ،فضال عن الجهال؟ ولم يعلم المغتر أن الذنب ينقض ولو بعد حين كما ينقض السم وكما ينقض الجرح
المندمل على الغش والدغل] ،ولقد بين اهلل سبحانه وتعالى ان رحمته للمحسنين والطائعين والتائبين وليست
للعاصين قال تعالى ﴿ان رحمة اهلل قريب من المحسنين﴾ سورة االعراف ،وقال ابن القيم [فياهلل ما ظن أصحاب
الكبائر والظلمة باهلل اذا لقوه ومظالم -العباد عندهم فان كان ينفعهم قولهم حسنا ظنونا -بك أنك لم تعذب ظالما
والفاسقا فليصنع -العبد ما يشاء وليرتكب -كل ما نها اهلل عنه وليحسن ظنه باهلل فان النار ال تمسه فسبحان اهلل؟ما
يبلغ الغرور -بالعبد وقد قال ابراهيم لقومه ﴿أئِفكا آلهة دون اهلل تريدون؟ فما ظنكم برب العالمين﴾ سورة
الصافات ،اي ما ظنكم به ان يفعل بكم اذ لقيتموه وقد -عبدتم غيره ومن تأمل هذا الموضوع حق التأمل علم أن
حسن الظن باهلل هو حسن العمل نفسه فان العبد انما يحمله على حسن العمل حسن ظنه بربه أنه يجازيه على
أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه فالذي حمله على حسن العمل حسن الظن فكلما حسن ظنه بربه حسن عمله واال
فحسن الظن مع اتباع الهوى عجز كما في الترمذي -والمسند من حديث شداد بن أوس عن النبي (" )قال الكيس
من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز -من اتبع نفسه هواها وتمنى على اهلل" وبالجملة فحسن الظن انما
يكون مع انعقاد أسباب النجاة واما مع انعقاد أسباب الهالك فال يتأتي إحسان الظن].
وقال الحسن "ان قوما ألهتهم أماني المغفرة حتىخرجوا من الدنيا بغير توبه يقول أحدهم :ألني أحسن الظن
بربي وكذب لو أحسن الظن ألحسن العمل" ومما يثبت كذب هؤالء قوله تعالى ﴿إنما المؤمنون الذين أمنوا باهلل
19
ناقش االمام ابن القيم موضوع الذنوب وأثارها -في كتابه "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء ()
الشافي" وهذا المقال شبه تلخيص لبعض االفكار -الرئيسية في الكتاب.
30
ورسوله ثم لم يرتابوا -وجاهدوا بأموالهم -وأنفسهم في سبيل اهلل واولئك -هم الصادقون﴾ سورة الحجرات ،فمن
عمل هذه االعمال فهو الصادق -وال عذر لمن علم ،وقال ابن القيم [ومن تأمل أحوال الصحابة رضي اهلل عنهم
وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف] وال بد من اإلشارة هنا إلى أن الكثيرين ال يقدرون بصورة سليمة خطر
تقصيرهم في العبادات أو فعلهم للمعاصي -فقد جاء في صحيح البخاري عن أنس بن مالك أنه قال "انكم لتعلمون
أعماال هي ادق في أعينكم من الشعر وان كنا لنعدها على عهد رسول اهلل ( )من الموبقات" وذكر البخاري في
صحيحه عن ابن مسعود -قال " أن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه وان الفاجر يرى
ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار" -واليكم بعض االدلة الواضحة لالرتباط القوي بين المعاصي
والخسران في الدنيا واالخرة وبين الطاعات والفوز في الدنيا واالخرة.
-2حرمان العلم:
المعاصي تذهب العلم وتزرع -الجهل ،والطاعات تورث الحكمة والبصيرة واالمم المطيعة هي االمم المهتدية
والقوية الن البناء في نور العلم ليس كالبناء في ظلمات الجهل فالصواب في االسس واالجتهادات السياسية
واالجتماعية واالقتصادية والعقائدية مرتبط ارتباطا -وثيقا بالطاعات قال تعالى ﴿ومن لم يجعل اهلل له نورا فما له
من نور﴾ سورة النور ،وقال تعالى ﴿يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر اال
أولو االلباب﴾ سورة البقرة ،فجهل الشعوب وتخلفها العلمي ال يعالج فقط ببناء المدارس والجامعات بل ال بد من
العمل بالطاعات واجتناب المعاصي .ولنفرق بين العلم والمعرفة النظرية للحق والصواب -فالطاعة تحول ما
ندرس من معلومات صحيحة وأخالق فاضلة إلى واقع عملي نطبقه والمعصية تجعله مثاليات ندرسها ولكننا لسنا
على استعداد لتطبيقها ،وبالتالي -فبركة المعرفة ونور العلم ال تظهر في المجتمعات العاصية فالعلم بدون تطبيق
كالجهل تماما .قال ابن القيم [لما جلس االمام الشافعي بين يدى االمام مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور-
فطنته وتوقد -ذكائه وكمال فهمه فقال :اني أرى اهلل قد ألقى على قلبك نورا فال تطفئه بظلمة المعصية].
31
اهلل خبير بما تعملون وال تكونوا كالذين نسوا اهلل فأنساهم -أنفسهم أولئك هم الفاسقون﴾ سورة الحشر ،فامر -بتقواه
ونهى أن يتشبه عباده المؤمنون بمن نسيه بترك تقواه وأخبر -أنه عاقب من ترك التقوى بأن أنساه نفسه أي أنساه
مصالحها وما ينجيها من عذابه وما يوجب له الحياة االبدية وكمال لذتها وسرورها -ونعيمها وقال ابن القيم
["ونسيانه سبحانه للعبد إهماله وتركه وتخليه عنه واضاعته فالهالك أدنى إليه من اليد للفم واما أنساؤه نفسه فهو
أنساؤه لحظوظها العالية واسباب سعادتها -وفالحها وصالحها -وما تكفل به ينسيه ذلك جميعه فال يخطر بباله وال
يجعله على ذكره وال يصرف إليه همته فيرغب فيه فأنه ال يمر بباله حتى يقصده ويؤثره ايضا فينسيه عيوب
نفسه ونقصها وآفاتها -فال يخطر بباله إزالتها].
20
الطقطقة :صوت قوائم الخيل على األرض الصلبة. ()
21
الهمالج :حسن سير الدابة مع التبختر. ()
22
البرذون :يطلق على الدابة. ()
23
حديث رقم 11 -المجلد األول – سلسلة األحاديث الصحيحة لأللباني. ()
24
الحوت :السمك. ()
32
وبمقدور -اى مسلم عاقل أن يالحظ هذا الختم على القلوب الذي يترتب على المعصية تلو ()25
اهلل على قلوبهم"
المعصية فاالقدام على جريمة الزنى او شرب الخمر يكون أمرا صعبا للمرة االولى ولكنه يضحي في غاية
السهولة لدى الموغلين في المعصية وهذا الختم على القلوب ليس قصرا على تكرار الكبائر قد يؤدي -االصرار
على صغار الذنوب إلى مصير مشابه" (.)26
-7حرمان الغيرة:
ومن عقوبة المعاصي ما قال االمام ابن القيم [كلما إشتدت مالبسته (العبد) للذنوب أخرجت من قلبه الغيره على
نفسه وأهله وعموم الناس وقد -تضعف في القلب حداً حتى ال يستقبح بعد ذلك القبيح ال من نفسه وال من غيره وإ ذا
وصل إلى هذا الحد فقد دخل في باب الهالك وكثير من هؤالء ال يقتصر على عدم االستقباح بل يحسن الفواحش
والظلم لغيره ويزينه له ويدعوه إليه ويحثه عليه ويسعى -له في تحصيله ولهذا كان الديوث أخبث خلق اهلل والجنة
حرام عليه] وقال -أيضاً [وهذا يدلك على أن اصل الدين الغيرة ومن ال غيرة له ال دين له فالغيرة تحمي القب
فتحمي له الجوارح فتدفع السوء والفواحش وعدم الغيرة تميت القلب فتموت له الجوارح].
25
حديث رقم 426 -مختصر -صحيح مسلم لأللباني. ()
26
ص 23من كتاب عذاب الدنيا لالستاذ احمد باقر. ()
33
الطريق الى النصر
هل ما يصيبنا -من هزائم وتفرق وضياع -هو عقاب من اهلل تعالى على معاصينا؟ -وهل يعاقب اهلل الكافرين
والعصاة في الحياة الدنيا؟ ولماذا ينتصر -بعض هؤالء كالصهاينة علينا في اكثر من حرب مع الحادهم؟ هذه
االسئلة وغيرها يمكن أن تطرح حول موضوع -النصر وحول أي موضوع مهم آخر كالقضاء والقدر وااليمان
والكفر .وما زلنا نخطئ عندما نسرع إلى الدخول في نقاش حول هذه المواضيع -المهمة دون أن نكون من أهل
العلم فيها أو حتى دون أن نكون قد قرأنا ما يكفي حول هذه المواضيع المتشعبة.فنحن مثال ال نلم بااليات
واألحاديث المتعلقة بهذه المواضيع -ولسنا على اطالع على بعض ما قاله اهل العلم في ذلك والتزاما باحترام -العلم
وأهله فقد بذلت بعض الجهد بحثا عن بعض الحقائق في موضوع النصر والتي ألخص أهمها في النقاط التالية:
-1بين اهلل سبحانه وتعالى أن الذنوب والمعاصي -والكفر مصدر الهزيمة والشقاء والهالك قال تعالى ﴿كداب
ءال فرعون والذين من قلبهم كذبوا بأيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا -ءال فرعون وكل كانوا ظالمين﴾
( )54سورة االنفال وبين سبحانه وتعالى -أن السير في طريق -الطاعة هو منبع الخير والنصر -والتوفيق .قال
تعالى ﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء واألرض ولكن كذبوا فاخذناهم -بما
كانوا يكسبون﴾ ( )96سورة األعراف وقال تعالى ﴿ولينصرن اهلل من ينصره ان اهلل لقوى عزيز﴾ ()40
سورة الحج وقال تعالى ﴿ولقد نصركم اهلل ببدر وأنتم أذلة فاتقوا اهلل لعلكم تشكرون﴾ ( )123سورة أل
عمران وقال تعالى ﴿ان تنصروا -اهلل ينصركم﴾ سورة محمد وان هنا هي ان الشرطية أي ان لم تنصروا -اهلل
فلن يكون هناك نصر ونصر اهلل يكون بطاعته واالبتعاد -عن المعاصي وبالتالي -فلن يكون مع ترك الصالة
ومنع الزكاة وانحطاط االخالق واالستهتار بالدين أي نصر وفي -أحداث الماضي ما يثبت ما نقول ولقد ظننا
في الستينات أن النصر يحتاج فقط إلى سالح واستعداد -مادي وتحالف مع روسيا -وتعالت أصوات
الشيوعيون وأشباهم واضطهد المصلون والعلماء فماذ حدث؟ لقد أذل اهلل األمة وهزمها وبين لها أن النصر
من عنده.
-2ان االلتزام بالطاعات ال ياتي بالنصر اذا كان التزاما جزئيا وليس شامال فمن االلتزام بالطاعات تنفيذ االمر
الرباني في اآلية الكريمة ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم -من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو اهلل وعدوكم
وءاخرين من دونهم -ال تعلمونهم اهلل يعلمهم﴾ ( )60سورة االنفال فاألخذ باألسباب المادية من الفنون
العسكرية وحسن اإلدارة والتدريب والحرص على المعنويات وغير ذلك مما يفرضه الشرع والعقل عملية ال
اختالف حولها فالمسلمون هزموا في غزوة أحد مع أن معهم رسول اهلل ( )ومع أنهم كانوا أفضل القرون
وذلك ألنهم أخطأوا في األخذ باالسباب المادية فاستغل -العدو تخلى الرماة عن مواقعهم -فانتصر ،وكان
الرسول ( )يأخذ باألسباب المادية والفكرية فمن راه كيف يأخذ باالسباب المادية في هجرته مثال قد يظن أن
الرسول ال يؤمن بوجود -أسباب فكرية للنجاح كالدعاء والصالة واللجوء إلى اهلل وقد -طبق الرسول كل ما
34
يستطيع لخداع قريش وفي غزوة بدر أخذ باالسباب المادية والفكرية ايضا واخذ يدعو اهلل بالحاح شديد ألنه
يعلم ان النصر من عند اهلل ونصره اهلل مع ان ميزان القوى المادية كان يميل بشدة لصالح الكفار .ولقد قيل
ان من يرى الرسول ياخذ باالسباب المادية للنصر يظن أنه ال يؤمن بوجوب أسباب فكرية ومن يراه ياخذ
باالسباب الفكرية يظن أنه ال يؤمن بوجود اسباب مادية للنصر واالخذ باالسباب الفكرية والمادية معا
وبأقصى -ما يمكن من جهد هو أسلوب الرسول (.)
-3االيمان بان الرجوع -للدين وااللتزام بأمر اهلل هو الطريق -إلى النصر ليس فيه اطالقا الغاء لدور العقل أو
هروب من الواقع فمن االلتزام بأوامر -اهلل أن نستخدم عقولنا في البحث عن االسباب المنطقية والمادية التي
تؤدي للهزائم ونعالجها -كالتخلف التكنولوجي -والتفرق والفوضى -والكسل وغير ذلك فال بد من االخذ
باالسباب المادية ليس في الحرب فقط بل البد من اخذها في كل مجال فهي مطلوبة في الزراعة والصناعة
والتجارة والتدريس وعالج الفقر وغير ذلك فعدم -االخذ باالسباب المادية دروشة وجهل فالمنهج االسالمي
يتبنى نظرية "اعقلها وتوكل -على اهلل" واالخذ بنصف هذه النظرية باب من أبواب شقاء االفراد -واالمم قديما
وحديثاً.
-4قال االستاذ محمد حسنين هيكل "ولعلي -اذكر بعض هؤالء الذين حاولوا -ايهامنا بأننا نسينا اهلل فنسينا -بأن
اسرائيل ليست مجتمع العودة الى اهلل وإ نما هي مجتمع من الملحدين طبقاً الستفتاء عام جرى ونشر -علنا في
إسرائيل بل أن مؤسس الدولة وهو ديفيد بن غريون كان ملحدا بنص ما قاله عن نفسه في مذكراته" ،لقد فكر
االستاذ هيكل بطريقة منطقية ولكنه لم يفكر بطريقة علمية الن الطريقة العلمية التي نؤمن بها كمسلمين
تفرض علينا أن نرجع للقرآن والسنة ولو فعلنا ذلك لعلمنا أن مقارنتنا مع من هم اشر منا ثم محاولة أثبات أن
هزائمنا ومصائبنا -ليس من اسبابها المتوقعة بعدنا عن اهلل بدليل أن اليهود أكثر منا بعدا راي ينطوي -على فهم
خاطئ الن القرآن بين ان اهلل ينسى من ينساه ويعاقب من يعصيه الننا نجد أن اهلل عاقب يونس عليه السالم
وهو نبي والقاه في بطن الحوت النه خرج مغاضبا -قومه بعدما يئس منهم مع أن اهلل لم ياذن له بالخروج
وظن يونس أن اهلل لن يقدر عليه بمعنى لن يضيق -عليه ولكن اهلل عاقبه والقاه في بطن الحوت ولوال فضل
اهلل ورحمته لظل في بطن الحوت إلى يوم القيامة .وعرف يونس معصيته وعلم أن اهلل عاقبه ولهذا قال ﴿ال
إله إال أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ سورة األنبياء ولم يقل يا رب أنا من الموحدين ،وأفضل -من
غيري ومن هنا نسنتنج أن مقارنتنا مع غيرنا ممن أهم أظلم منا والظن بأن اهلل لن يعاقبنا -على ذنوبنا الن
الغير أكثر ذنوبا عملية تعطي الفرد واالمة اطمئنانا كاذبا وظنونا ال تغني من الحق شيئا .فاهلل أرسل لنا
محمد ( )وأنزل القرآن بلغتنا وبلغنا وعده ووعيده فاذا عصينا فال شك أن جرمنا كبير.
واعتراف بن غريون بأنه ملحد أي ال يؤمن بوجود اهلل ليس دليال على أنه ليس عندنا ملحدون عن جهل أو
عن علم فالقول الشائع بأن الملحد هو فقط من ال يؤمن بوجود -اهلل خطأ يجب أن يصحح ،فجزء من االلحاد
هو انكار وجود -اهلل وعندنا ولالسف -ملحدون عرب فكل من اقتنع بأن هناك نظام حكم افضل من االسالم فهو
35
ملحد ومن سخر من الصالة أو الحج أو أي حكم من الشريعة فهو ملحد ومن عادى الصالحين وأبغضهم فهو
ملحد ومن أعطى االولياء أو الحكام أو العلماء حقوقا ال تعطى إال هلل وحده كالطاعة المطلقة فهو ملحد ومن
أحب أعداء الدين فهو ملحد ألن محبة اهلل ومحبة أعداءه ال تجتمع في قلب واحد وال نريد أن نسترسل أكثر
ونقول ما اكثر الملحدين والمنافقين والعصاة في أمتنا.
-5خطأ فادح ذلك الذي نرتكبه عندما نعتقد أن أسباب النجاة والنصر -هي فقط اسباب مادية أي أن اهلل ال يتدخل
في أمور النصر والعزة والقوة والخير فكم من ضيعف -انتصر وهو ال يملك من اسباب النصر المادية اال
القليل أو ال شئ .وكم من ظالم لم يستطع أن يضر رجال تقيا أو أمراة ضعيفة أو طفال رضيعا فاهلل حمى
موسى طفال ورجال من فرعون وظلمه .قالى تعالى لموسى وهارون ﴿ال تخافا إنني معكما اسمع وأرى﴾ (
)46سورة طه ولم يكون لموسى -عليه السالم نصيب في القوة المادية مقارنة مع فرعون وعندما طارد
فرعون وجنوده موسى -وجدنا اهلل يتدخل ويأمر -البحر بانقاذ موسى -واغراق فرعون .وابراهيم عليه السالم
كان بالموازين المادية هالكا ال محالة فقد ألقى في النار ولكن اهلل امر النار ان تكون بردا وسالما .فلماذا
النفهم هذه األيات والقصص ونعتبر -.ألم نقرأ قوله تعالى ﴿ان اهلل يدافع عن الذين أمنوا ان اهلل ال يحب كل
خوان كفور﴾ ( )38سورة الحج .الم نقرأ قوله تعالى ﴿وما رميت اذ رميت ولكن اهلل رمى﴾ ( )17سورة
االنفال .وعموما فتدخل اهلل سبحانه وتعالى -قد ال يكون واضحا -في كل االحوال ولكنه موجود -وهو ليس
تدخال مقصورا -على االنيياء أو على العهود الماضية بل اهلل ولي المؤمنين والمؤمنات في كل وقت فقد ينشر
العدواة بين أعداء دينه فينشغلوا -عن ظلم أوليائه أو يسلط بعض الظالمين على بعض فينتقم وهو يمهل وال
يهمل وله جنود السموات واالرض ومن ظن بعد الذي قلنا أن اهلل ال يتدخل في تسيير -أمور الناس السياسية
ةاالقتصادية وغيرها في الحياة الدنيا فقد ضل ضالال بعيدا قال تعالى ﴿قل اللهم مالم الملك تؤتي الملك من
تشاء وتنزع -الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير﴾ ()26
سورة ال عمران.
36
الالمباالة في قراءة الواقع
السعادة واألنانية
ال تجتمعان في فرد وال أمة
من السهل على المتأمل في اوضاع االمة العربية أن يقتنع بأنها تواجه تحديات هائلة تتمثل في الفقر واالمية
والفرقة والتخلف -العلمي واالقتصادي -وغير ذلك .وتشير الحقائق واالرقام -الى أن المستقبل القريب سيكون أكثر
مرارة من الحاضر -واالمر الغريب هو هذه الالمباالة التي تكاد تكون رد فعلنا الوحيد على ما نرى .فهل نحن
جاهلون بهذه الحقائق أم اننا أنانيون ال تهمنا اال مصالحنا الخاصة وراحتنا واذا لم نتحرك نحن لنغير الواقع فمن
سيتحرك؟ وهل ستمطر السماء ذهبا وفضة؟ ام أن اهلل ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم من الالمباالة
والمعاصي -والجهل والكسل؟ االجابة معروفة فما ننتظر؟ -وقد ال يشعر بعض المخلصين بمرارة الواقع النهم
يعيشون في أجزاء يقل فيها حجم التخلف نسبيا مقارنة باجزاء اخرى ،ونقول لهؤالء ان اخطبوط التخلف قد أطبق
على أغلب أجزاء االمة ،واصبحت أمتنا كالمريض الميئوس من شفائه من كثرة أمراضه والبعض ال يدرك حجم
التخلف ومرارة الواقع ولكن لنثق باننا كلما ازددنا علما بواقعنا -السياسي واالدراي -واالجتماعي والعقائدي -وغير
ذلك ادركنا بالفعل أننا نعيش في كوارث وان المستقبل القريب يحمل كوارث اخرى.
ان المطلوب ان يتحرك شعورنا -لنحس بمرارة واقع امتنا وان من سافر -لبعض أجزاء الوطن العربي فان
بامكانه اذ شاء أن يرى شدة فقر الفقراء وشدة جهل الجهالء وصعوبة شراء دواء لمريض أو اجراء عملية
واستحالة الحصول على مسكن متواضع -وبامكانه ان يرى كذلك الفوضى والتخلف االداري ،وغير ذلك ،بل
اصبح الحصول على عمل متواضع عملية شبه مستحيلة للبعض وبعضنا -لالسف يرى هذا ويتحرك -شعوره ولكنه
ينسى بعد ان تبتعد مناظر الفقر الشديد واالنتفاضة والبؤس عن عينيه كأن البؤس اختفى من واقعنا وكأنه يشاهد
فيلما مأساويا انتهى وليس واقعا يزداد كل يوم مرارة وبؤسا فهل هذه أنانية؟ أم أن الضمائر ماتت والحياة تفرض
علينا أن ننفعل ونتأثر -واال فنحن أموات.
37
أو اسرته أو بلده ،وهناك المقتنع بأنه حتى لو عمل فلن يكون لعمله اثرأو فائدة فالتخلف شديد وهناك من يقول
أنني في ال مباالتي أفعل ما يفعله االخرون ،أو من يضمن لي أن ما ابذله من مال سيصل الى شخص محتاج؟
وما أكثر التبريرات التي نستخدمها -،ولكنها مرفوضة شرعا فلكل مشكلة حلول ،وتبرير -الكسل والالمباالة
انحراف كبير عن الصراط المستقيم وليس هذا مجال التفصيل فمثال ال يسال االنسان يوم القيامة عما فعله الناس
بل يسال عما فعله هو اي هو مسؤول عن كسله وال مبالته.
فانحراف -الناس ال ينفعك وال يضرك -وباختصار فان قاموس التبريرات الواهية لن يفيد االنسان الالمبالي
وهو ال يخدع اال نفسه .وكثيرا ما وجدنا نتائج عدم المباالة تعم الجميع أو االغلبية ،فاذا شب حريق في بيت
جارك فان النار ستصل لبيتك اذا لم تساعده ،فقد يصيبك من مساعدة جارك في اطفاء الحريق جروح بسيطة
ولكن ان لم تفعل قد يسبب الحريق لك كارثة وفي -حكاية االسد والثيران الثالثة التي اتبعت اسلوب الالمباالة عبرة
كبيرة ،فتبريرات االسد أقنعت ثورين من الثيران باتخاذ موقف -اسلوب الالمباالة ولهذا افترسهم -جميعاً ،وقال
الثور االخير حكمة خالدة وهي "أكلت يوم أكل الثور االبيض" فكأنه قال بأن الالمباالة تهلك االفراد -واألمم.
ونحن مطالبون كأفراد -وحكومات وتكتالت تذكير المواطن العربي بمشاكله والصعوبات التي تواجه االمة
فعالج المشاكل يكون بمعرفتها -وتتبع جذورها ووضع -الحلول وليس بتجاهلها ،فمعرفة المشكلة نصف الحل
وكشف نقاط الضعف هو قوة وشجاعة وحكمة وتجاهلها هو الضياع فالواقع ال تحركه اال الحقائق سواء نشرناها
ام كتمناها ،فاليابان وهي البلد المتطور -تكنولوجيا -تعلم أطفالها بأن بلدهم في خطر اذا لم يعلموا بجد واجتهاد-
فالموارد -محدودة وبذلك تزرع في نفوسهم االحساس بالمشكلة واالندفاع -للعمل أما نحن فنعيش في قلب الخطر
والمعاناة والمرارة ومع هذا نتصرف كأننا نعيش في رخاء وتقدم وليت الجمعيات التربوية والخيرية تقوم بتنظيم-
رحالت لشبابنا ورجالنا -ونسائنا ليشاهدوا -صورا على الطبيعة من واقعنا العربي واالسالمي -،ونريد رحالت ال
تتعامل مع فنادق الدرجة االولى وال مع الشوارع -الرئيسية بل مع واقع االغلبية ،وهناك دروس كثيرة في عالمنا
العربي اذا قرأنا -الواقع بصورة صحيحة فإنه من شاهد فقراء بنغالديش سيري -الفقر ومن راى ليس كمن سمع
ومن شاهد جراح اطفال أفغانستان -سيتعلم اشياء كثيرة وال سعادة المة ال تعرف قراءة واقعها التي هي ضرورية
حتى جعلها بعض العلماء شرطاً -لالجتهاد وكلما كنا كنا قادرين على قراءة الواقع السياسي -واالداري واالخالقي
كلما كنا أكثر صوابا في قراراتنا واجتهادتنا وأفكارنا فان هذا وليس الشعارات واالقوال تعطينا -تصورا صحيحا
عن وضع الشعوب وبالتالي يمكننا وضع خطط تتناسب مع كفاءة الشعوب وما تعلق عليها من أمال.
ان مرارة الواقع تعنى ان المعركة بل المعارك هي على اشدها فكيف -يتصرف الجنود في قلب المعركة؟
اليس باستغالل كل دقيقة في صناعة أو حراسة أو توفير أو تخطيط ونخطئ -اذا ظننا أن المعارك العسكرية
والسياسية واالقتصادية تحددها خطوط المواجهة وساعاتها بل نتائجها تحددها سنوات االستعداد -والعمل الطويلة
التي تمت قبل ذلك فليسأل كل واحد فينا نفسه ماذا قدم وهل أخلص في عمله؟ وهل تبرع بجزء من ماله؟ وهل
قال كلمة الحق؟ وهل أعطى جزءا من وقته لعمل خيري او تربوي أو غير ذلك واالحساس -بمرارة الواقع يجب
ان يترجم -في كل مجال واحد أهم المجاالت هو في استخدامنا للمال ،اننا نحتاج الى الكثير من الترشيد في هذا
38
المجال وعلى القادرين فينا ان يقوموا بإثبات احساسهم -بواقع االمة فحسن استخدام -المال يعالج مصائب كثيرة
فلنبتعد عن المظاهر والعادات والتقاليد التي نتمسك بها رجاال ونساء وليست من الشرع في شئ فالمبالغ التي
نصرفها -على المهور وحفالت الزواج والفساتين هي مبالغ طائلة واذا اضفنا لها التبذير في المساكن والسيارات-
والرحالت واالثاث والوالئم تصبح عندنا باليين ضائعة فليس قيمة المراة فيما تلبس من فساتين والجمال ال
تصنعه المساحيق -وغيرها وقيمة الرجال ال يدخل في حسابها ما يملكون من مال وعقار وتجارة ،فقد كان
الصحابة رجاال تتجسد فيهم معاني الرجولة مع أنهم كا نوا ال يملكون شيائا أو يملكون القليل وكانت ثياب بعضهم-
ممزقة ونحن ال ندعو لالمتناع عن الطيبات ولكن ندعوا الى حسن استخدام -المال فاهلل هو الذي رزقنا -والمال
مال اهلل ونحن مستخلفون فيه وسيسألنا -اهلل عما فعلناه به قال تعالى ﴿والذين يكنزون الذهب والفضة وال ينفقونها
في سبيل اهلل فبشرهم -بعذاب أليم ( )34يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى -بها جباههم وجنوبهم وظهورهم -هذا
ما كنزتم -النفسكم فذقوا -ما كنتم تكنزون﴾ ( )35سورة التوبة والن كثير من المال يبذر في القضايا االجتماعية
فاننا ندعو المراة المسلمة بأن تثبت احساسها بالواقع -في توفير -المال وانفاقه على المحتاجين والمشاريع الخيرية
والدنانير -القليلة التي توفرها -المراة من اكتفائها بفساتين قليلة من شأنها أن تسعد عائالت كثيرة ،والمراة اليوم
حصلت على كثير من حقوقها -فلتساهم في بناء المجتمع الذي ال يكون بشراء الفساتين والجري وراء الموضة
واالناقة والتباهي بالمسكن واالثاث والمجوهرات وطبعا -بعض النساء بحاجة للذهب والموجوهرات حتى تصبح
لهن قيمة وليت نساءنا يعلمن بأن جمال المراءة الدائم واالصيل -هو جمال اخالقها وحنانها وعطائها أما جمال
الفساتين والذهب فهو جمال مزور يتعامل فقط مع القشرة الحارجية ومع الجسد وليس الروح وما أكثر ولالسف-
ما نحرص على الجمال المادي واكتسابه وما اقل ما نحرص على الجمال الروحي -واكتسابه ومن ترشيد -استخدام
المال ان يصطاف من يريد منا في البالد العربية واالسالمية ،والسياحة صناعة تدر الباليين لو احسنا
استخدامها ،وعموما فان جروح االمة عميقة وكثيرة ،فلنتأثر بهذه الجروح وليظهر -هذا التأثر في اعمالنا واقوالنا-
وسلوكنا -واال فنحن أنانيون ال تهمنا اال مصالحنا الدنيوية التي سرعان ما تتالشى والمبكي -هو أننا قد نكتشف
متاخرين أن ما ظنناه حكمة وذكاء ومصلحة تحول الى جهل وغباء وضرر ففي االسالم خير الناس أنفعهم للناس
والرسول ( )تاثر بمصائب الناس ومشاكلهم .اما تجاهل مصالح االمة وجروحها فليس فيه فقط هالك لالمم
والشعوب والمجتمعات -والمؤسسات -واالسر بل هو ايضا هالك للفرد نفسه الن االنسان مسؤول -أمام اهلل عن
اهماله وأنانيته وهو بذلك قد عرض نفسه لسخط اهلل وغضبه وحرم -نفسه من ابواب عظيمة للخير والثواب فقد
غفر اهلل لمن سقى كلباً عطشانا فكيف بمن أحس باحساس اخيه االنسان واروى -ظمأه قال رسول اهلل صلى اهلل
عليه وسلم "من نفس عن مؤمن كربه من كرب الدنيا ،نفس اهلل عنه كربة من كرب يوم القيامة ،ومن يسر على
معسر يسر اهلل عليه في الدنيا واالخرة ،ومن ستر مسلما ستره اهلل في الدنيا واالخرة ،واهلل في عون العبد ماكان
في عون أخيه" (.)27
27
حديث رقم – 1888 -مختصر -صحيح مسلم .لاللباني. ()
39
فهل في الالمباالة التي نشاهدها حكمة؟ وهل هناك أعمال قادمة تثبت فعال أننا نريد أن نتصرف -كمسلمين؟ ام أن
اكثرها ما نقدر عليه هو أن تتاثر نفسياتنا دون أن يكون هناك رد فعل عملي؟
فلنعلم ان كل يوم يمضي لن يعود وسيسألنا -اهلل عماً عملناه في أيامنا ولنحذر -أن يكون جوابنا أننا قد قضيناه في
االستماع إلى األغاني وحضور -الحفالت والوالئم والديوانيات ولم نتفاعل مع هموم الناس ،والحمدهلل الذي جعل
االعمال هي المرجع والمقياس حتى لاليمان والحمدهلل الذي ذكرنا في أيات كثيرة في القرآن الكريم بأهمية العمل
بقوله "الذين آمنوا وعملوا الصالحات" والحمدهلل الذي جعل الناس تصدق -االعمال فجعل من الفطرة احترام وحب
وتقدير من يضحي بوقته وماله وصحته في سبيل االخرين وما أكثر ما شاهدنا من بين قومنا -من ال يتقنون غير
التنظير والتحليل والكتابة والكالم ،ولم نشاهد لهم أفعاال فهم بخالء وأنانيون -ولو كان االحتكام للكالم لتساوى-
البخالء والكرماء والصادقون والكاذبون والمنافقون والمخلصون فما اسهل الكالم وما اصعب العمل وهذا غاندي
يعكس احساسه بالواقع في شبابه عندما سأله رجل رآه يركب في الدرجة الثانية في قطار :أنت غاندي وتركب
بقطار الدرجة الثانية؟ فقال :النه لم توجد هناك درجة ثالثة .فغاندي -ترجم احساسه بفقر بالده بأعماله ولهذا
أثرت أعماله في مئات الماليين ولقد قيل "عمل رجل في الف رجل أبلغ من قول الف رجل في رجل".
وقال ابن تيمية "ولما كان صالح بني آدم ال يتم في دينهم ودنياهم اال بالشجاعة والكرم -بين اهلل سبحانه أنه من
()28
تولى عنه بترك الجهاد بنفسه ابدل اهلل به من يقوم بذلك ومن تولى عنه بانفاق ماله أبدل اهلل به من يقوم بذلك"
ونقول ونكرر ان االنتماء لالسالم ليس هو انتماء اسمى أو وراثي كما يظن كثير من الناس بل هو أيمان وافعال
وااليات القرآنية واضحة جدا وجاءت بلسان عربي يفهمه كل عاقل فال عذر الحد .وتأملوا في قوله تعالى ﴿قل
ان كان أباؤكم -وأبناءكم واخوانكم وعشيرتكم -وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب
إليكم من اهلل ورسوله وجهاد -في سبيله فتربصوا حتى يأتي اهلل بأمره واهلل ال يهدي القوم الفاسقين﴾ ( )24سورة
التوبة.
28
ص 66كتاب األمر بالمعروف -والنهي عن المنكر لشيخ االسالم ابن تيمية. ()
40
وذهب ملك سليمان
قال أبو عمران الجوني :مر سليمان بن داود عليهما السالم في موكبه والطير -تظله والجن واالنس عن يمينه
وشماله قال :فمر عابد من عباد بني اسرائيل فقال :واهلل يا ابن داود لقد اتاك اهلل ملكا عظيما قال :فسمع سليمان
كلمته فقال :تسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما أعطى ابن داود وما أعطى ابن داود يذهب والتسبيحة تبقى" فاذا
كان ملك سليمان وما أعظمه من ملك قد ذهب ،فهل سيبقى ما يسعى له أهل الدنيا من ثروة ومركز وجاه؟ وماذا
نقول لمن شغل حب الدنيا قلوبهم فاندفعوا -يعملون نهارا ويسهرون ليال وكل اعمالهم تدور -حول االستثمار -في
الدنيا وليس لالخرة نصيب من وقتهم أو مالهم وال حتى من تفكيرهم؟ يقضون نهارهم -في السعي الجل المال أو
الشهرة أو المركز أو غير ذلك بينما يجعلون ليلهم لراحتهم وحفالتهم وشهواتهم ،كل همومهم -تدور حول شراء
سيارة أو بناء بيت أو بيع عقار أو استيراد بضاعة .ماذا نقول الهل الدنيا الذين اتبعوا أهواءهم ومصالحهم-
وتخلوا عن حمل راية االسالم؟ فال غيرة لهم على دينهم أو أوطانهم -وما أكثر أهل الدنيا فينا وأخشى أن ال نصحو
من غفلتنا اال بالموت وهي صحوة نتأخرة ال تنفع قال تعالى ﴿حتى اذا جاء أحداهم الموت قال رب ارجعون (
)99لعلي أعمل صالحا فيما تركت ،كال أنها كلمة هو قائلها ومن ورآئهم -برزخ الى يوم يبعثون (( ﴾)100سورة
المؤمنون).
نقول الهل الدنيا ان المال ال يجلب السعادة وال يصنع الرجال والغريب أن الذين يتفاخرون بأموالهم -وعقاراتهم
كأنهم يقولن أن قيمة االنسان بما يملك وهذا اعتراف منهم بأنهم اذا فقدوا ثروتهم فال قيمة لهم وحقيقة االمر أن
هذه هي قيمتهم -الفعلية عند اهلل ورسوله والعقالء .وأهل الدنيا حريصون على توفير -المال ألبنائهم -وتشجيعهم-
على الدراسة حتى يصبحوا أطباء ومهندسين ومحامين وهم ليسوا بحريصين على تعليم أبنائهم الصالة واالخالق-
فالمهم أن ينجحوا في متطلبات الدنيا وليس مهما أن ينجحوا في متطلبات االخرة فالخسارة هي أن نخسر مناصبنا-
وأموالنا أما ان نخسر االخرة وديننا وشرفنا وصدقنا فهذه خسارة بسيطة وتعصب ال داعي له فما أسوأ ما نربي
أبناءنا عليه.
وأهل الدنيا أنواع فمنهم -من لم يستعبده المال لقلة طمعه فيه ولكن استعبده المنصب والجاه فال هم له اال
الطواف حول الكرسي والسجود لمن يملكه فتجد هؤالء ينافقون لرؤسائهم -في العمل أو ينافقون للشعب هم
يجاملون الحق والباطل فالمهم -عندهم الوصول -للمنصب وكم للمناصب من عبيد صرفوا المال والوقت والجهد
فمنهم من وصل ومنهم -كثيرون لم يصلوا؟ ومن وصل لم تدم له ولو دامت لغيره ما اتصلت اليه وليتهم -تذكروا
أن ملك سليمان لم يدم.
ونقول لهؤالء جميعا كل أعمالكم ستحاسبون عليها ولن ينفعكم من حرصتم -على ارضائهم -ان كنتم اسخطتم-
وعموما فنحن ()29
ربكم ولقد حذركم -رسول اهلل ( )حين قال "الطاعة في معصية اهلل انما الطاعة في المعروف"-
29
حديث رقم 1225 -مختصر صحيح مسلم لاللباني. ()
41
لسنا ضد أهل الدنيا فهم أحرار في اختيارهم -ولكننا أردنا أن نحذر من أن نكون منهم أو تكون فينا بعض صفاتهم
واردنا أن تنتبه أمة تسعى إلى السعادة والتقدم على خطر هؤالء فتنبذهم فأمه ال تعرف االحرار من العبيد غير
قادرة على اختيار قيادات صالحة وعزيزة ،فلنبتعد عن بيئة ال تحرص على العلم والعمل الصالح وحبها للدنيا
كبير قال ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي -يريدون وجهه وال تعد عيناك عنهم تريد زينة
الحياة الدنيا وال تطع من أغفلنا قبله عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا﴾ (سورة الكهف) ولنتأمل طويال في
()30
قول الرسول (" )ما ذئبان جائعان أرسال في غنم بأفسد -لها من حرص المر على المال والشرف لدينه"
والمطلوب هو تحرير النفس من حب المال والمظاهر واالزياء والمناصب -وااللقاب واالهواء قال رسول اهلل ()
"فواهلل ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها-
وقال رسول اهلل (" )من كانت الدنيا همه فرق اهلل عليه أمره ،وحعل فقره ()31
كما تنافسوها وتهلككم -كما اهلكتهم"
بين عينيه ،ولم يأته من الدنيا إال ما كتب له ،ومن كانت اآلخرة نيته ،جمع اهلل له أمره ،وجعل غناه في قلبه ،وأتته
وإ ليكم أخيرا بعض ما قاله أهل العلم في موضوعنا اخترت معظمها من كتاب األخ ()32
الدنيا وهي راغمة"
عبدالملك الكليب "من روضة الزاهدين":
-1قال حسن البصري :والذي نفسي بيده لقد أدركت أقواما -كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي
تمشون عليه.
-2عن أبي موسى االشعري -رضي اهلل عنه قال :انما أهلك من كان قبلكم هذا الدينار والدرهم وهما
مهلكاكم.
-3قال سفيان الثوري"الزهد في الدنيا قصر -االمل ليس بأكل الغليظ وال لبس العبا".
-4قال الفضيل "ان قدرت أن ال تعرف فافعل وما عليك ان لم يثن عليك وما عليك أن تكون مذموما -عند
الناس اذا كنت عند اهلل محموداً".
-5قال ابو الدرداء" :اللهم أني اعوذ بك من تفرقة القلب قيل وما تفرقة القلب؟ قال أن يوضع لي في كل
واد مال".
-6عن محمد بن زيد قال سمعت سفيان الثوري -يقول :بلغني أنه يأتي على الناس زمان تمتلي قلوبهم في
ذلك الزمان من حب الدنيا فال تدخله الخشية قال سفيان :وانت تعرف ذلك اذا مألت جرابا من شئ
حتى يمتلئ فاردت ان تدخل فيه غيره لم تجد لذلك من خالء.
-7قال مالك بن دينار :خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا -أطيب شيئ فيها قالوا :وما هو يا ابا يحيى
قال معرفة اهلل تعالى.
-8قال اليتمي :كم بينكم وبين القوم؟ أقبلت عليهم الدنيا فهربوا منا وادبرت عنكم فاتبعتموها.
30
حديث صحيح – رواه الترمذي. ()
31
حديث رقم 2080 -مختصر صحيح مسلم لاللباني. ()
32
حديث رقم -950 -المجلد الثاني – سلسلة األحاديث الصحيحة – لاللباني. ()
42
-9قال الفضيل بن عياض :ما حليت الجنة المة ما حليت لهذه االمة ثم ال ترى لها عاشقاً.
-10عن قتادة عن طرف بن عبداهلل قال :ان هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم فأطلبوا نعيما ال
موت فيه.
-11قال عمرو بن مرة :من طلب االخرة أضر بالدنيا ومن طلب الدنيا أضر باالخرة فاضروا -بالفاني
للباقي.
-12قال وهب بن منبه :مر رجل عابد على رجل عابد فقال :مالك؟ قال عجبت من فالن كان قد بلغ من
عبادته ومالت به الدنيا فقال :تعجل ،ال تعجب ممن تميل به الدنيا ولكن أعجب ممن استقام.
-13قال محمد بن كعب القرظي :اذا أراد اهلل تعالى بعبد خيرا جعل فيه ثالث خالل :فقه في الدين وزهاده
في الدنيا وبصرا -بعيوبه.
-14قال سفيان بن عيينه :ان كان يغنيك ما يكفيك فادني -عيشك يكفيك وان كان ال يغنيك ما يكفيك فليس
في الدنيا شئ يغنيك.
-15قال وهيب :لوقمت قيام هذ ه السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك حالل أم حرام.
-16قيل :ما مضى من الدنيا فحلم وما بقى فأماني.
-17انتهى حكيم الى قوم يتحدثون فوقف عليهم وسلم عليهم فقال :تحدثوا بكالم قوم يعلمون ان اهلل يسمع
كالمهم والمالئكة يكتبون.
-18قال رجل لمحمد بن واسع :أوصني -قال :أوصيك -أن تكون ملكا في الدنيا واالخرة قال :كيف لي بذلك
قال :ازهد في الدنيا.
-19قال بالل بن سعد :ال تكون وليا هلل في العالنية وعدوه في السر.
-20عن ابن السماك :قال أوصاني أخي داود بوصية :أنظر أن ال يراك اهلل حيث نهاك وان ال يفقدك حيث
امرك واستح من قربه منك وقدرته عليه.
-21قيل لعبد اهلل بن المبارك :اذا صليت معنا لم ال تجلس معنا؟ قال :أذهب مع الصحابة والتابعين قلنا
ومن أين الصحابة والتابعون؟ قال :أذهب في علمي فادرك -آثارهم وأعمالهم فما أصنع معكم؟ أنتم
تغتابون الناس.
-22قال بعض السلف :احذروا الدنيا فانها اسحر من هاروت وماروت فانهما -يفرقان بين المرء وزوجة
والدنيا -تفرق بين العبد وربه.
-23قيل للفضيل بن عياض :ما أزهدك قال :أنتم أزهد مني قيل كيف قال :ألني أزهد في الدنيا وهي فانية
وأنتم تزهدون في األخرة وهي باقية.
-24قال عالم لتاجر :كم مضى عليك وأنت تطلب الدنيا؟ قال :خمس وعشرون عاماً قال :هل نلت ما تريد
منها؟ قال :ال قال :فكيف -بالتي لم تطلبها "يقصد األخرة".
-25قال يوسف بن الحسين :في الدنيا طغيانان طغيان العلم وطغيان المال والذي ينجيك من طغيان العلم
العباده والذي ينجيك من طغيان المال الزهد فيه.
43
-26كان عبد الواحد بن زيد يحلف باهلل لحرص المرء على الدنيا أخوف عليه عندي من أعدى أعدائه.
-27قال أبو علي الروذبائي "في طلب الدنيا مذلة النفوس وفي -طلب االخرة عز النفوس فيا عجباً ثم يا
عجباً لمن يؤثر -مذلة النفوس في طلب ما يفنى على عز النفوس في طلب ما يبقى".
-28قال الحسن :اذا رأيت الرجل ينافسك -في الدنيا فنافسه في اآلخرة.
-29قيل :يا ابن أدم إذا أفنيت عمرك في طلب الدنيا فمتى تطلب األخرة؟
44
االسرة السعيد ...كيف نبنيها؟
نقضي جزءا كبيرا من وقتنا -في بيوتنا فاذا وجدنا -بيوتا سعيدة ،فقد حصلناعلى جزء أساسي من السعادة
أما اذا وجدنا بيوتا قلقة فقد خسرنا جزءا أساسيا من السعادة ،فلنحاول أن نبنى البيت االسالمي ،فقد انتشرت
أفكار وأعمال وأقوال ضارة حولت كثيرا من االسر إلى اسر تعيسة وقضايا االسرة كثيرة ومتشبعة ولهذا
سأمر مرورا سريعا -على بعض القضايا المهمة والتي منها:
-1هناك أسباب كثيرة قد تجعل حياتنا االسرية تعيسة ،منها العناد واالنانية والدلع واالهمال وتقليد
الناس وتصرفات ظالمة الحد الزوجين أو كليهما ،والحل األساسي لكل هذا وغيره هو تطبيق -أحكام االسالم
في األسرة ،فبهذا سيقوم الزوج بواجباته االسرية التي فرضها -اهلل فسيعطي زوجته حقوقها -وسيرعى
أطفاله ،وسيحاول أن يكون قدوة في االقوال واالفعال ،وكذلك ستقوم الزوجة باحترام زوجها -وطاعته
بالمعروف.
وتطبيق -الشريعة في األسرة معناه أن ال يتعدى طرف -على حقوق الطرف االخر ،وال يتخلى عن
مسؤوليته وال يظلمه ،ومعناه ايضا أن نرجع في خالفتنا إلى حكم الشريعة في موضوع -الخالف ونطبقه،
وهو يعني ايضا أن نتساهل ونعفو ونتسامح واال يقوم طرف بالتحكم في مال الطرف االخر .وكم سببت
االمور المالية من خالفات وذلك لغياب االلتزام باحكام االسالم في هذه االمور!
-2مطلوب تشجيع الزواج بشتى الوسائل وذلك لفوائده الكبيرة للفرد والمجتمع ،وهذا يتطلب نسف
بعض العادات والتقاليد التافهة ،ويتطلب تقديم تسهيالت مادية ،كتخفيض المهور والبساطة في الحفالت
واالثاث ومطلوب كذلك التساهل في شروط -اختيار الزوج والزوجة فمثال نجد بعض الفتيات يضعن شروطا-
ليست جوهرية ،كاشتراط حصول الزوج على شهادة جامعية أو راتب مرتفع او غير ذلك ،واالمثلة كثيرة،
والغريب أننا نعقد حياتنا قبل الزواج وبعده ونعيش في صعوبات وقيود نحن صنعناها -بايدنا ولو التزمنا
بشريعتنا -السمحاء السترحنا -وما ظلمنا اهلل ولكن نحن الظالمين وكثيرا -ما عانى الشباب من هذه الصعوبات-
فعلينا أن نتذكر دائما فوائد -الزواج السعيد البنائنا وبناتنا ففيه راحة نفسية واشباع -جنسي وأبناء وغير ذلك
كثير قال االمام أحمد بن حنبل "ليس العزوبة من أمر االسالم في شئ" فلنعمل على تسهيل الزواج
وتشجيعه ،ونقول لالباء واالمهات :ال تكرهوا ابناءكم وبناتكم -على شريك ال يريدونه ،وال تحرموهم من
شريك يريدونه اذا كان حسن االخالق ،ولقد قيل "تزوج االبناء باالكراه ،ليس في حد ذاته جريمة وقتية
وانما مقدمة لجرائم كثيرة في مستقبل حياتهم" وقال أحد العلماء لرجل استشاره في من يزوج ابنته "زوجها-
لرجل صالح فان احبها أكرمها وان كرهها لم يظلمها".
-3المرأة المسلمة ضاعت بين عقليتين :عقلية متخلفة تنفر من تعليمها وعملها وتفضل سجنها في البيت
وترفض أي دور لها في بناء المجتمع ،وعقلية متفسخة تريد لها أن تعمل في كل مكان وزمان وأن تتبرج
وتعصي الزوج وتهمل االطفال.
45
العقلية االولى حرمت المرأة من العلم والعمل ،والعقلية الثانية حرمتها من الزوج واالمومة والراحة
النفسية ،ونحن نريد أن ترفض المرأة كال العقليتين وأن تعيد بناء حياتها بصورة اسالمية صحيحة تنسجم
مع فطرة المرأة واهتماماتها -وامكاناتها ،فنعم لتعليم المرأة ونعم للمساهمة الجادة في بناء المجتمع من خالل
العمل الرسمي -والتطوعي وال للتبرج وال للتضحية باألسرة .وال بد أن تعرف المرأة دورها الصحيح في
األسرة والمجتمع وال بد أن يساهم الرجال في ايجاد البيئة السليمة حتى تتمكن المرأة من القيام بواجبها دون
ان نرهقها باالعمال الوظيفية والمنزلية وال بد أن نعترف -كرجال أننا قصرنا كثيرا في حق امهاتنا وزوجاتنا
وبناتنا فقد حرمناهن من أشياء كثيرة والمطلوب -االن القيام بثورة اجتماعية تنصف -المرأة وترفض لها
الدور الهامشي في بناء المجتمع وحسنا فعلت بعض دولنا ببناء أماكن خاصة للصالة للنساء في المساجد
ويمكن بناء االندية البحرية للنساء ،فالرياضة عملية ضرورية لتنشيط -الجسد والترفيه عن النفس ويمكن
كذلك اعطاء النساء فرصة الستخدام أندية الرجال الرياضية اياما محددة في األسبوع اذا لم تتوفر حاليا
ميزانيات لبناء أندية خاصة بهن واالفكار -كثيرة لو بحثنا عنها ،وأحسن الشاعر الذي قال:
أعددتها *** أعددت شعبا طيب االعراق االم مدرســة إذا
-4كثيرون هم الذين ال يعرفون أصول التريبة السليمة فأحيانا يقتلون ابناءهم بالدلع واحيانا -يحطمونهم-
بالضرب والتخويف ،ومن الجهل أن نظن أن المقصود بالتربية هو توفير -الماكل والمشرب -والمسكن البنائنا ،بل
المقصود منها تعليمهم العقائد الصحيحة واالخالق -الفاضلة والحكم المفيدة ،فتربيتهم واهلل أهم من تلبية كثير من
رغباتهم وهي أهم بكثير كذلك من شهادة جامعية يحملها من ال أخالق له ،إن أكبر عمل يمكن أن نقوم به هو أن
نحاول أخراج ابنائنا من الظلمات إلى النور ومن شقاء الطمع والمصالح والشهوات -إلى سعادة الدنيا واالخرة،
وسنحصد -ما زرعنا فيهم ،فقد وجدت اباء يتعجبون من جحود أبنائهم أو سخافة أفكارهم ولكن عجب هؤالء يزول
لو عرفوا أنهم ساهموا في وصول ابنائهم لهذه النتيجة النهم اهتموا فقط بالمأكل والملبس والشهادة واهتموا
بأمراض الجسد ولم ينتبهوا -إلى أمراض الروح والفكر وأهملوا بذلك واجبهم -الرئيسي فلم يعطوه الوقت وال
التفكير وأحسن الشاعر الذي قال:
46
ولذلك البد من أن نسامح ونتحمل ونصبر فال يوجد انسان مثالي والقضايا -التي يمكن أن يختلف حولها الزوجان
كثيرة جداً .فمثال قد يعارض الزوج عمل الزوجة فاذا أصرت الزوجة على العمل فقد يكون رد فعل الزوج
عنيفا ،ولكن لو استجابت لطلبه فقد يغير رأيه بعد فترة وقيل يؤخذ باللين ماال يؤخذ بالعنف وإ ذا لم يغير رأيه
فلتتنازل الزوجة عن رغبتها حتى تسير السفينة الزوجية ومن المهم أن نقتنع بأن االنسان لن يتمكن غالبا من
تحقيق كل ما يريده ودائما -عليه أن يتحمل بعض ماال يريده ،فعلى اإلنسان أن يأخذ ويعطي فقد يطلق الزوج
زوجته لبعض سلبياتها ،ولكن ال يدرك اال متأخرا أنه طلق ايجابياتها أيضا وكذلك االمر بالنسبة للزوجة ولقد قال
الشاعر:
رب يـوم بكيـت منه فلما *** صرت في غيـره بكيـت عليه
ومن العادات السيئة جدا تدخل االهل واالصدقاء -تدخال سيئا يعقد االمور ويصعبها والواجب الشرعي
عليهم أن يساهموا في حل المشاكل ال زيادتها -ولقد كانت االم العربية قديما عاقلة جدا عندما قالت توصي ابنتها:
"كوني له أمة يكن لك عبدا".
47
من حصون السعادة
أحكام االسالم حصون
تحمينا ال سالسل تقيدنا
قال االمام ابن القيم "فان الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد -وهي
عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها ،فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى
ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة الى العبث فليست من الشريعة ،وان أدخلت فيها بالتأويل-
فالشريعة عدل اهلل بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسول اهلل ()
هذه هي شريعتنا ولكن لالسف كثير من أحكام االسالم تم تشويهها -فأصبح اإلسالم في ()33
أتم داللة وأصدقها"-
نظر البعض قسوة وتعصبا واستبدادا -وقيودا.
وليت هؤالء فهموا الدين وأهدافه وأحكامه ،وليتهم فهموا -الواقع بعيدا عن المثالية والخيالية والجهل .وال
نريد أن نذكر فوائد -الزكاة والشورى والعدل ومضار الربا والخمر -والكذب ،فهذه أمور معروفة بل نريد أن
نتحدث عما يمكن أن نسميه االختالط الردئ وهو االختالط غير الملتزم بأحكام االسالم وأدابه ،قد زاد االختالط
زيادة كبيرة في هذا العصر مما أشقى الكثيرين .فقد زاد تبرج النساء وأصبح الفرد رجال أو أمراة يتعامل مع
كثيرين من الجنس اآلخرة وأصبحت االحاديث بين جنس واخر طويلة كانها أحاديث رجل إلى رجل أو امرأة إلى
امرأة ،وزاد االختالط الردئ في العمل والحفالت والجامعات .وكل هذا أحدث مفاسد كثيرة منها العزوف -عن
الزواج وعدم الثقة بالطرف االخر ،وانتشر الفساد االخالقي وأصبح بعض الرجال ال يقنع بجمال زوجته،
فالجمال المنافس يراه كل يوم ،وكلما مضى قطار -العمر قلت قدرة الزوجان على المنافسة بل أن الزوجة الشابة
والجميلة لن تسطيع منع زوجها -من التأثر بالجمال المتوفر -فلكل جمال فتنته وأنتج االحتالط الردئ شباب مائعا
يعتبر الزواج سجنا والفساد حرية واالحتشام تخلفا والحياء سذاجة ومعرفته في الغناء والطرب أغزر من معرفته
في الدين وقضايا -االمة ،وهذا الشباب المخدر ال يبني أمة ،فاألمم -ال تبنيها النوعيات الرديئة .ويظن بعض هؤالء
أنهم سعداء وأنهم أهل الحب ونقول :ال سعادة مع المعاصي -بل معها القلق والكذب والملل ،أما حديث هؤالء عن
الحب فكارثة .فالحب الشريف -هدفه الزواج والطريق إلى الزواج هو أقصر -الطرق وأصدقها قال رسول اهلل ()
"لم ُير للمتحابين مثل النكاح"( )2وعموما فبيئة االختالط الردئ تساعد على االنحراف -النفسي والجسدي -للرجال
والنساء ،ونحن ال ندعو الى منع االختالط فهذه عملية مستحيلة وغير إسالمية ولكن ندعو إلى تقليله قدر
المستطاع وضبطه وترشيده بآداب االسالم ،الن ذلك من شأنه المساهمة في عالج أمراض اجتماعية كثيرة
كالطالق والخيانة الزوجية والشك واالغتصاب وهذه األمراض تتناسب طرديا مع رداءة االختالط وحجمه وقد
يظن البعض أننا نبالغ في تصوير -هذه القضية ونقول لهؤالء ،تأملوا في أنواع كثيرة من الشقاء االجتماعي
كالمشاكل االجتماعية والجرائم ،وشاهدوا االفالم والتمثيليات -واقرأوا -كثيرا مما قال الشعراء لتجدوا أن جذور
33
ص -3الجزء الثالث – اعالم الموقعين عن رب العالمين – ابن القيم. ()
48
كثير من هذا الشقاء سببها االختالط الردئ .فهذه زوجة تغار على زوجها -من زميالته في العمل ولهذا حولت
حياته الى جحيم -والغيرة ال تعني عدم الثقة فالغيرة شئ فطري – وهذه أخرى وجدت الكالم الرقيق -عند زميلها
وافتقدت مثله عند زوجها فزهدت فيه وهذا زوج تعاظم -سلبيات زوجته عندما رأي الحنان الصادق أو الكاذب
من أمراة أخرى .وهذه فتاة خدعت لسنين طويلة بكالم معسول من شاب يجيد الغزل والتهرب من الزواج ،وهذا
حب من طرف واحد وما أكثر هذا النوع ،وهذه اشاعة تناقلتها -االلسن واضرت .وهذا رجل يغازل زوجة أو
اخت صديقه في حفلة وهكذا .وما دام أخر المطاف في أكثر الحاالت هو الطالق والفساد والخيانة والعشق وغير
ذلك ،فلماذا نسير في طريق االختالط الردئ ونحن قادرون على تالفي كثير من هذه النتائج لو توقفنا -منذ
الخطوات االولى قال تعالى ﴿يا أيها الذين أمنوا ال تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فانه يأمر
بالفحشاء والمنكر -ولوال فضل اهلل عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن اهلل يزكي من يشاء واهلل سميع
عليم﴾ ( )21سورة النور .ونحب أن ننبه إلى أن االنسان الطبيعي قد ال يستطيع -منع نفسه من أغواء الشيطان في
بعض االحيان قال تعالى ﴿وخلق االنسان ضعيفا﴾ ( )28سورة النساء .ولهذا نبه اهلل سبحانه وتعالى -الصحابة
وهم من أفضل البشر الى الحذر من االختالط الردئ قال تعالى ﴿وإ ذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب
ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن﴾ ( )53سورة األحزاب .ونبه زوجات الرسول ( )وهن أشرف النساء وأعفهن
فقال تعالى ﴿فال تخضعن بالقول فيطمع -الذي في قلبه مرض وقلن قوال معروفا﴾ ( )32سورة االحزاب .وأمر
المؤمنين بغض البصر وما أدراك ما غض البصر فقال عز وجل ﴿قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم -ويحفظوا
فروجهم -ذلك أزكى لهم ان اهلل خبير بما يصنعون ( )30وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن
فروجهن وال يبدين زينتهن اال ما ظهر﴾ ..الى آخر االية ( )31سورة النور.
وهناك رأى مفاده أن االختالط يقلل من نسبة العنوسة ويؤدي -الى التعارف -وحسن اختيار الزوج
والزوجة ونقول ال مانع من أن يتعارف الرجل والمرأة خالل فترة الخطبة وبوجود الضوابط -الشرعية فاذا اقتنعا
ببعض فعلى بركه اهلل أما اذا كانت االخرى فاهلل ولي التوفيق -واللقاء في هذه الحالة تم بين أناس جادين وندعو
الى ايجاد طرق -سليمة تسهل اختيار االزواج والزوجات ونقول ليس من الصواب أن يقيم الرجل أو المرأة عدة
عالقات حتى يكون قادرا على اختيار الشريك المناسب فامكانية التعرف بهذه الطريقة هي امكانية محدودة
وسلبياتها -أكبر من ايجابياتها بكثير جدا كما أن الظن أن المعرفة بهذه الطريقة هي معرفة كافية ظن خاطئ الن
المعرفة الفعلية ال تحدث اال بعد الزواج أما قبله فغالبا ما تكون معرفة سطحية وال أدري لماذا نعقد االمور وهي
بسيطة وسهلة فاذا كان هناك اقتناع كاف فلنعجل بالزواج فالزواج -ليس اخر المطاف والطالق -ليس نهاية الدنيا
فتسهيل الزواج عملية مطلوبة لسعادة المجتمع ولكننا ولالسف جعلنا عملية الزواج معقدة وصعبة بل أصبحت
أبواب الحرام اسهل دخوال واقل تكلفة .أما بالنسبة الرتفاع نسبة العنوسة فنقول ان للعنوسة اسباب كثيرة
ومعروفة ولعل أهمها قلة االمكانات المادية والشروط الصعبة أو التافهة التي يضعها الرجال والنساء واالهل
وتفضيل البعض لحياة العزوبية لضعف الوازع الديني أو لما يسمعونه من مشاكل الزواج الفاشل ونقول
للمدافعين عن االختالط الردئ انظروا الى نتائج االختالط في الغرب فستجدون الغرب أكثر عنوسة وطالقا
49
وفسادا -واغتصابا بل نقول لهؤالء انظروا -الى كثير ممن انغمسوا -في االختالط الردئ فسترونهم أكثر الناس
عزوفا عن الزواج فما عاد جمال أمراة واحدة يكفيهم وهم أكثر الناس خيانة اذا تزوجوا -وبعض هؤالء يدافع عن
االختالط الردئ فقط النه يفتح المجال لهم للفساد ونقول لهؤالء قال تعالى ﴿فلما زاغوا أزاغ اهلل قلوبهم -واهلل ال
يهدي القوم الفاسقين﴾ ( )5سورة الصف.
وفي الختام نقول أنه من صالح الفرد والمجتمع أن نقلل من االختالط بصورة عامة ونرفض -االختالط
الرديء ولعل من أهم االماكن التي يحدث فيها االختالط واالختالط -الرديء الجامعات وأماكن العمل والحياة
االجتماعية فبالنسبة للجامعات ال نعتقد أن االغلبية الساحقة من الطالب قادرون على تحمل تكاليف الحياة
الزوجية أما بالنسبة الماكن العمل فالمفروض أن تكون أماكن انتاج وعمل وليس اختيار زوج أو زوجة وبالنسبة
للحياة االجتماعية فاالفضل -هو لقاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء فمثل هذه اللقاءات أكثر فائدة وصراحة
وطرافة .ونعود -لما بدأنا به المقال وهو أن في تطبيق -احكام االسالم فائدة عظيمة ليس فقط في عالقة الرجل
بالمرأة بل في كل القضايا التي تهم االنسان ولم تأت هذه االحكام لتشقينا أو تعقدنا فاحكام االسالم هي حصون
تحمينا وليست سالسل تقيدنا فاذا كان خروج الجندي من حصونه يعرضه لالخطار فليس هذا من الشجاعة والثقة
بل من التهور والغرور فكذلك المسلم اذا خرج من حصون السعادة عرض نفسه لسهام الشقاء.
50
()34
تسلية أهل المصائب
المصائب تصيب المسلم والكافر
وسعادة المسلم بتعامله معها بكفاءة عالية
كلما زاد فهمنا لالسالم والحياة وزادت أعمالنا الصالحة بنينا حصونا -قوية تصيبها -سهام المصائب
والمشاكل فتسقط دون أن تؤثر -في نفسياتنا فتأثر العالم ليس كتأثر الجاهل وتأثر -المطيع ليس كتأثر العاصي فلنبن
حصوننا فمصائب -الدنيا الشخصية واالجتماعية والسياسية كثيرة وفي -االسالم تصور لعالج المصائب ولن يكون
لهذا التصور -والعالج مفعول اذا تأخر االخذ به قال تعالى ﴿ءآلئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين﴾()91
سورة يونس فلنحذر الجهل والمعاصي -فقد قال الحسين بن أرجك وما أصدق ما قال "من خير المواهب العقل
وقد قام بعض علمائنا ببيان المنهج الصحيح في التعامل مع المصائب ولقد جمعت ()35
ومن شر المصائب الجهل"
بعض ما قالوا لعله باذن اهلل ينفعنا جميعاً .ورأيهم أن الصمود للمصائب يتطلب اآلتي:
-1العلم بأن الدنيا دار ابتالء واختبار -:ومعرفة ذلك يؤدي الى توقع االنسان للمصائب واستعداده
النفسي لها وكثيرا ما يكون االنسان المتوقع للمصائب أكثر صالبة من االنسان المطمئن الى الدنيا فيفاجأ
بالمصائب والفتن قال تعالى ﴿أحسب الناس أن يتركوا -أن يقولوا ءامنا وهم ال يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم
فليعلمن اهلل الذين صدقوا -وليعلمن الكاذبين﴾ ( )13سورة العنكبوت .والفتنة واالختبارات تكون بالمصائب كالفقر
والمرض والسجن وموت الولد وغير ذلك وتكون بالنعم كالثروة والمركز -والصحة وغير ذلك والفائز هو من
يتعامل مع المصائب والنعم بما يرضي -اهلل فاذا دفعه الفقر العادي للغش والرشوة فقد رسب في االختبار -واذا
دفعه الظلم الى رد فعل أظلم فقد رسب باالمتحان ولكن اذا تعامل مع كل مصيبة بما يرضي -اهلل فقد نجح واال فهو
من الكاذبين والخاسرين وال ندعو هنا للتشاؤم -بل ندعو لالستعداد -النفسي لالحتماالت السيئة ..قال أحمد شوقي-
رحمه اهلل:
مبتســم حسـن منهـا يا نفـس دنيــاك تخـفي كل مبكيــة *** وإ ن بـدا لك
-2يجب أن يعلم االنسان علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه قال تعالى
﴿ما أصاب من مصيبة في االرض وال في أنفسكم اال في كتاب ( )36من قبل أن نبرأها ( )37ان ذلك على اهلل يسير (2
34
فكرة المقال مستوحاة من كتاب "تسلية أهل المصائب" ألبي عبداهلل محمد الصالحي المنبجي ()
المتوفي سنة 785هـ وفي هذا المق--ال اقتب--اس لبعض فق--رات من ه--ذا الكت--اب والمقص--ود -بالتس--لية التخفيف
عن أصحاب الهموم والمصائب.
35
ص 101كتاب بستان العارفين للنووي. ()
36
أي في اللوح المحفوظ. ()
37
اي من قبل أن يخلق هذه الكائنات المذكورة في األرض واالنفس والمصائب. ()
51
( ﴾)23سورة ()41
فخور- ()40
بما ءاتاكم واهلل ال يحب كل مختال ()39
على ما فاتكم -وال تفرحوا ()38
)2لكيال تأسوا
المصائب فاالقتناع بان الموت أو المرض ()42
الحديد .ومن تأمل في هذه األية الكريمة وجد فيها شفاء من أدواء
أو الفشل أو الخسارة أو غير ذلك قدر مكتوب ال مفر منه مهما فعلنا يجعلنا أكثر قدرة على تحملها وهذا االقتناع
وااليمان ال يعني اطالقا الكسل والخمول -والتهور -وترك العمل بحجة أن ما كتبه اهلل سيحدث بل االحتياط -من
الموت والمرض والفشل والهزيمة واجب البد منه ولكن عندما تحدث المصائب بعد استنفاد كل الجهد البشري-
في منعها فهو قدر اهلل الذي ال مفر منه واذا اخذنا باالسباب فبعد ذلك فلنقرأ هذه الحكاية :يروي أن حكيما رأى
رجال حزينا فقال له :هل ينقص من رزقك -شئ كتبه اهلل لك قال ال قال هل ينقص من عمرك شئ كتبه اهلل لك قال
ال قال هل يجري في هذا الكون شيء ال يريده اهلل قال ال قال فلم الحزن؟ ومعنى ال يريده اهلل أي ال يقع جبرا على
اهلل فاهلل ال يجب الظلم والفساد ولكن سمح أن يقع في ملكه.
-3النظر في حال من ابتلى بمثل هذا االبتالء فان التأسي راحة عظيمة :المقصود هنا مقارنة االنسان
بالسلف الصالح وبالعقالء من الناس في تعاملهم مع المصائب فاذا قلت مثال كثيرون هم المصابون بمثل مرضي-
فلم يؤثر فيهم فلماذا أتاثر بشدة واذا قلت هناك كثيرون في مثل مستواي -المعيشي ومع هذا صابرون فلماذا أكون
أقلهم صبرا وأكثرهم جزع وهكذا فقد أصابت االخيار مصائب كثيرة وضربوا -أمثلة رائعة في التعامل معها فلنقلد
هؤالء الكرام فالتشبه بالكرام -فالح ولنحذر -أن نتصرف -كما يتصرف -الكفار والمنافقون والعصاة والجهالء.
-4النظر في من ابتلى اكبر من هذا البالء :لنا في رسول ( )قدوة حسنة فقد ابتلى هو واالنبياء
والصالحون بأشد مما أصابنا ومع هذا صبروا فالرسول ( )كان من الفقراء وحاربه قومه ومات ابنه وأخرج من
بلده وصبر على كل هذا وغيره وأيوب أصابه المرض وصبر ويعقوب فقد ابنه يوسف لسنين طويلة وصبر-.
وفي عصرنا هذا نرى المصائب الكثيرة ونجد هناك من صبر عليها ولو قارنا جزعنا على بعض مصائبنا وصبر-
غيرنا على مصائب اكبر لكان علينا أن نخجل من أنفسنا ونعاتبها ولنعلم أن كثيرا ممن صبروا نالوا ما يتمنون
فالتقوى والصبر -سالحان فعاالن فالعاقبة للمتقين واهلل مع الصابرين فعن عبداهلل خباب بن االرت رضي اهلل عنه
قال :شكونا -إلى رسول اهلل ( )وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا :األ تستنصر -لنا؟ األ تدعو لنا؟ فقال كان
من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في األرض فيجعل فيها ثم يؤتي بالمنشار فيوضع -على رأسه فيجعل نصفين
ويمشط بأمشاط -الحديد ما دون لحمه وعظمة ما يصده ذلك عن دينه ،واهلل ليتمن اهلل هذا االمر حتى يسير الراكب
من صنعاء إلى حضرموت ال يخاف اال اهلل والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون" -رواه البخاري -وفي رواية وهو
متوسد بردة وقد لقينا من المشركين شدة.
38
اي لكيال تحزنوا حزن قنوط -ويأس ()
39
اي ال تفرحوا فرح بطر واختيال. ()
40
اي متكبر. ()
41
متباه. ()
42
أدواء :جمع داء وهو المرض. ()
52
-5أن يقدر وجود -ما هو أكثر من تلك المصيبة :مما يجب أن تعالج به المصائب أن يحمد اهلل على أن
المصيبة كان من الممكن أن تكون أكبر ولكن اهلل لطف فكثير -من المصائب تهون عندما تقارن بغيرها فاذا مات
لك طفل فهناك من مات لهم أطفال ولكن اهلل لطف بك وإ ذا أصابتك جروح في حادث سيارة فهناك من جروحهم
أشد واذا شكوت غربة أو ظلما فهناك من هو أكثر منك غربة وظلما وهكذا واذا اقتنع االنسان بأن أكبر نعمة هي
االيمان واالعمال الصالحة ولم يفرط بها فكل مصيبة تهون واذا اقتنع أن اكبر المصائب الشرك والكبائر وما لم
يصب من ذلك بشيء فليحمد -اهلل فاذا حافظ -االنسان على ربح االيمان والطاعة فهو رابح مهما كانت خسارته من
المصائب واذا خسر االيمان والطاعة فهو خاسر مهما كان ربحه من النعم .قال شريح اني ال صاب بالمصيبة
فاحمد اهلل عليها أربع مرات وأشكره اذا لم تكن أعظم مما هي عليه واذا رزقني -الصبر عليها واذ وفقني
لما ارجوه فيه من الثواب واذا لم يجعلها في ديني (.)44 ()43
االسترجاع
-6ان يعلم العبد كيف جرى القضاء فهو خير له :قال رسول اهلل (" )عجبا ألمر المؤمن ان أمره كله له
()45
خير وليس ذاك الحد اال المؤمن أن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"
فالمسلم يستطيع -أن يستثمر -المصائب بالصبر والرضى فيكون صبره على المصائب منبعا لالجر والخير -فقد
بشر اهلل المسلم الصابر -على موت ابنه أو ابنائه بالخير الكثير فتحويل المصيبة الى خير وثواب فضل أعطاه اهلل
للمسلمين فالحمدهلل على كرمه وفضله ورحمته ولذلك وجدنا -بعض الصالحين يتمنون المصائب حتى يصبروا-
ويناولوا -خيرها وهذا ليس من سنة الرسول ( )فالرسول -أمرنا أن نسأل اهلل العافية والخير قال (" )يا ايها الناس
ال تتمنوا لقاء العدو واسالوا -اهلل العافية فاذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظالل السيوف".)46( -
-7ان هذا الواقع وقع برضى -المالك فيجب على العبد أن يرضى بما رضى به السيد :شاء اهلل أن يختبر
الناس بالخير والشر -وأن يكتب للناس رزقهم -وأعمارهم وما يصيبهم وهو عدل في قضائه حكيم في تقديره عالم
بما ينفع عباده الصالحين وهو ولي المتقين في الدنيا واالخرة وال يضيعهم فما دام اهلل هو الذي قدر لي رزقي
فعلي أن أرضى -بما رضي -اهلل عنه وكتبه لي وما يخشاه المسلم ليس المصيبة بل الخوف هو أن تكون هذه
المصيبة ناتجة عن غضب اهلل عليه وهنا يجب أن يكون الحزن والرجوع الفوري الى اهلل واالستغفار -.وعلى
العموم فالتوبة كما يقول العلماء واجبة فورا ومن الجهل انتظار -المصائب الشخصية والعامة حتى نتوب فهذا من
تبليس ابليس وكم أهلك تاجيل التوبة من بنى ادم فهل ننتبه ونصلي -ونتوب أم نكون من الهالكين وعموما فالرضى
يجلب السعادة ويخفف المصيبة قال تعالى ﴿فلنحيينه حياة طيبة﴾ قيل في تفسيرها الرضى -والقناعة وقال ابو
الدرداء رضي -اهلل عنه" :ان اهلل اذا قضى -قضاء أحب ان يرضى -به" ومن الضروري أن نعلم أن النعم ليست
43
أي قولي :انا هلل وانا إليه راجعون. ()
44
أي سلم اهلل لي ديني ولم يجعل المصيبة منقصة في ديني. ()
45
حديث رقم 2092 -مختصر صحيح مسلم (لاللباني). ()
46
حديث رقم 1126 -مختصر صحيح مسلم (لاللباني). ()
53
دائما دليل رضى -من اهلل والمصائب -ليست دليل غضب وااليات القرآنية تدل على ذلك كما يدل عليه قول رسول
(" )إن اشد الناس بالء االنبياء ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم" (.)47
-8ال ملجا من اهلل اال إليه :النفس البشرية السوية ال تشعر باالطمئنان اال بااللتجاء الى اهلل قال تعالى
﴿الذين أمنوا وتطمئن قلوبهم -بذكر اهلل أال بذكر اهلل تطمئن القلوب﴾ سورة الرعد فااللتجاء إلى اهلل هو ما يجب أن
يكون رد فعل كل مسلم كجزء اساسي من عالج اية مصيبة فاذا كان المظلوم -يلجأ إلى القضاء النصافه والمحتاج
يلجأ لمن عنده مال والمريض للطبيب وهكذا فالشك أن االطمئنان االكبر هو في اللجوء الى اهلل مع األخذ
باالسباب فاهلل لديه القوة والغنى والعزة والصحة وكل خير وهو على كل شئ قدير قال تعالى ﴿وقال ربكم
ادعوني استجب لكم﴾ وقال تعالي ﴿امن يجيب المضطر -اذا دعاه ويكشف السوء﴾ سورة النمل واستجابة الدعاء
امر لجأ ()48
من اهلل في دفع مصيبة أو تحقيق أمنية لها شروط -منها االخذ باالسباب .والرسول )( -كان اذا حز به
إلى الصالة كما جاء في البخاري واللجوء الى اهلل يكون بالدعاء واالستغفار والصالة وقراءة القرآن وغير ذلك
قال تعالى ﴿وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين وال يزيد الظالمين اال خسارا﴾ سورة االسراء،
ولنحذر من الغفلة قال تعالى﴿ فلوال إذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا
يعلمون﴾ ( )43سورة االنعام .ولنحذر -أشد الحذر من أن نكون ممن يلجأ الى اهلل في فقره أو مرض أبنه أو وقت
اإلمتحان أو غير ذلك ،ثم بعد ذلك ينسى نعمة اهلل واستجابته لدعائه قال تعالى ﴿واذا مس االنسان الضر دعانا
لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا
يعملون﴾ سورة يونس.
-9أن يعلم أن المصائب أحيانا تكون نتائجها ذات فوائد -كبيرة على مستوى -الفرد واالمة فقد تكون
المصيبة تنبيها للعبد من غفلته أو غروره أو ظلمه أو تعامله بالربا أو انغماسه بالزنا وقد تأتي المصائب كعقاب
من اهلل على ذنوب عملها فتسقط عنه عذاب األخرة أو جزء منه ففي بعض المصائب خير كثير فهزيمة حزيران
1967كانت مصيبة كبرى تألمنا منها ولكن فوائدها كانت كبيرة فقد كشفت لنا االهمال والفوضى والفساد والبعد
عن اهلل وما كان من الممكن أن تنكشف هذه األمور -في ظل االستبداد -واالعالم المتخلف والجهل العقائدي
والسياسي -لو لم تحدث كارثة بهذا الحجم والفقر الذي يكاد يراه الجميع مصيبة فيه فوائد للبعض قال تعالى ﴿ولو
بسط اهلل الرزق -لعباده لبغوا في االرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء أنه بعباده خبير بصير﴾ ( )27سورة الشورى.
ومن فوائد -المصائب ما ذكره الشيخ محمد المنبجي حيث قال" وليعلم أهل المصائب أنه لوال محن الدنيا ومصائبها
الصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هالكه عاجال أو أجال فمن رحمة أرحم
الراحمين أن يتفقده في االحيان بانواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه االدواء وحفظ لصحة عبوديته
واستفراغا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة ،فسبحان من يرحم ببالئه ويبتلي بنعمائه فلوال أنه سبحانه وتعالي يدواي-
عباده بادوية المحن واالبتالء لطغوا وبغوا -وعتوا وتجبروا -في األرض ،وعاثوا فيها الفساد فان من شيم النفوس
47
حديث رقم 145 -المجلد األول – سلسلة األحاديث الصحيحة لاللباني. ()
48
أصابه واشتد -عليه. ()
54
اذا حصل لها أمر ونهي وصحة وفراغ -وكلمة نافذة من غير زاجر شرعي يزجرها -تمردت وسعت في األرض
فسادا مع علمهم بما فعل بمن قبلهم فكيف لو حصل لهم مع ذلك اهمال" (.)49
-10معاتبة النفس عند الجزع .أن هذا االمر البد منه فما وجه الجزع مما البد منه :قال الشيخ محمد
المنبجي " وليعلم -المصاب أن الجزع ال يرد المصيبة بل يضاعفها وهو في الحقيقة يزيد في مصيبته بل يعلم
المصاب أن الجزع يشمت عدوه ويسوء -صديقه ويغضب ربه ويسر شيطانه ويحبط -أجره ويضعف -نفسه واذا
صبر واحتسب أخزى شيطانه وأرضى -ربه وسر صديقه وساء عدوه" (.)50
وقال االشعث بن قيس" :انك ان صبرت ايمانا واحتسابا -واال سلوت كما تسلو البهائم" -وقال الشيخ
المنبجي "وليعلم المصاب الجازع وان بلغ به الجزع غايته ونهايته فآخر أمره الى صبر اإلضطرار -وهو غير
محمود" وعزى ابن السماك رجال فقال "عليك بالصبر فبه يعمل من احتسب وإ ليه يصير -من جزع" وقال عمرو
بن دينار قال عبيد بن عمير "ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب ولكن الجزع القول السيئ والظن السيء"
وقيل "ال تجمع الى ما اصبت به من المصيبة الفجيعة باالجر فانها أعظم المصيبتين عليك" وعزى رجل رجال
فقال "يا أخي العاقل يصنع في أول يوم ما يفعله الجاهل بعد عام" وقال بعض السلف وقد عزى مصابا " ان
صبرت فهي مصيبة واحدة وان لم تصبر -فهما مصيبتان".
-11انما هي ساعة فكأن الصبر لم يكن :ان الحياة بحاجة الى كمية هائلة من الصبر فالصبر مطلوب
في تعاملنا مع االهل والناس والعمل والنعم والمصائب والطاعات فمن يصبر -ويخطط غالبا ما يصل الى ما يريد
وكم من جيش انهزم لقلة الصبر وكم من مشكلة فجرها الغضب والتسرع فالدراسة والبناء واالنتاج والتعاون كل
ذلك بحاجة الى صبر حتى يعطي ثماره والصبر عالج للمصائب واالنسان بحاجة له في النعمة والمصيبة قال
االمام علي رضي اهلل عنه "الصبر -ثالثة صبر على المصيبة وصبر -على الطاعة وصبر -عن المعصية".
وألهمية الصبر أمر اهلل سبحانه وتعالى رسوله والمؤمنين -به في آيات كثيرة قال تعالى ﴿فاصبر -كما صبر اولى
العزم من الرسل﴾ ( )35االحقاف.
وقال تعالى ﴿وبشر الصابرين الذين اذا أصباتهم -مصيبة قالوا انا هلل وانا اليه راجعون أولئك عليهم
صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون﴾ وقال تعالى ﴿ولمن صبر وغفر ان ذلك من عزم االمور﴾.
قال االمام على بن أبي طالب كرم اهلل وجهه :أال ان الصبر من االيمان بمنزلة الرأس من الجسد فاذا
قطع الرأس بار الجسد ثم رفع صوته فقال :أال أنه ال ايمان لمن ال صبر له" وقال -الحسن" :الصبر كنز من كنوز-
الخير ال يعطيه اهلل اال لعبد كريم عنده" .وقال بعض السلف" :البالء يصبر -عليه المؤمن والكافر -وال يصبر -على
العافية اال صديق" -وقال عبدالرحمن بن عوف رضي -اهلل عنه "ابتلينا بالضراء فصبرنا -وابتلينا بالسراء فلم
نصبر".
49
ص 35من كتاب" ،تسلية أهل المصائب" البي عبداهلل محمد المنبجي. ()
50
المصدر السابق ص .40 ()
55
من ادوات السعادة
ان سعادة الفرد واالمة ليستا قضيتين قابلتين للتحقق بالقليل من العلم أو البسيط من العمل فالطريق -الى
السعادة طريق -طويل أساسه العمل والعمل واالخالص وقد -بينت في مقاالت سابقة بعض متطلبات السعادة
وأساسياتها ، -وسأذكر هنا بإختصار -المزيد من هذه المتطلبات:
( )1االعتماد على الذات-:
قالوا قديما "ما حك جلدك مثل ظفرك" فال بد من االعتماد على النفس والعمل ونحن ال نحصد قبل أن نزرع،
ولن نزرع اذا اعتمدنا على اآلخرين ولن نزرع اذا انتظرنا نتائج حوار الشمال مع الجنوب ومن تعاسة الفرد
واالمة اللجوء الى تبريرات للكسل واالعتماد على الغير ،فاذا لم تتوفر -البيئة المناسبة للنجاح فلنصنعها ،وصحيح
أن الصعوبات -كثيرة ولكن الصحيح ايضاً أن االمكانيات المتوفره هائلة ،فال بد من األخذ باالسباب االيمانية
والمادية معاً ،وال بد من حسن االدارة والتخطيط والتنظيم ولقد وجدنا دوالً كثيرة في عصرنا هذا تحقق نجاحات
كثيرة في الصناعة والزراعة وغيرها وجميع هذه الدول شمرت عن سواعدها وانطلقت تفكر وتخطط -وتبني
وتتعلم من أخطائها -وتنمي خبراتها -وتطور -أنظمتها وقوانينها .أما الذي يظن أن السماء ستمطر ذهبا وفضة
فسيطول -انتظاره ،فالطريق إلى العزة والغنى والقوة واضح وهو ليس طريقا مفروشاً بالورود -بل البد من التعب
والتضحية والسهر والتدريب -والصبر وال بديل لهذا إال الفقر والجوع والذل ويعجبني الفرد الذي يعتمد على نفسه
وينطلق يبني نفسه علميا وعمليا ال تعيقه الصعوبات في كال المجالين بل يفكر بحلول لها ويتخطاها وال يتكاسل
وال يبحث عن تبرايرات وال يتنظر -حتى تعطى له الفرصة بل يبحث عن الفرص ويقتنصها -وال ييأس ،وكثيراً-
ماوجدنا موظفين يقولون ال نجد الفرصة المناسبة حتى نتعلم ونطور -مهاراتنا وال يدري هؤالء أن الوسيلة
الرئيسية للتعليم هي أن تعلم نفسك بنفسك ال أن يعلمك اآلخرون .بإختصار -ان الذين ينتظرون مساعدة الغير
يضيعون وقتهم وللعمل فوائده الكثيره منها أنه يساهم في ابتعاد الفرد عن الفراغ والوحده والملل وينسى -االنسان
جزءاً من همومه.
56
باالسالم أمما كثيرة في الخالفة االموية والعباسية والعثمانية ،فكيف بأمه واحده فإذا توفر المنهج والفكر وهو
موجود في االسالم وتوفر االخالص والحكمة والصبر والتخطيط فال شك أبدا في أن تعاونا -جاداً أو اتحاداً أو
وحده ستكون ثمرة لذلك.
( )5الشورى:
تساهم الشورى مساهمة رئيسية في ترشيد السياسات واالهداف -والقرارات السياسية واالقتصادية واالدارية،
فمثالً نجد كثيراً من القرارات االدارية التي تصدر بدون شورى تفشل وذلك النها تعكس خبره عدد محدود
57
وتتجاهل خبرة عشرات أومئات أو حتى آالف العقول بل تفشل هذه القرارات حتى لوكانت صحيحه ألن العاملين
ال يشعرون ان القرارات قراراتهم -أو أنهم شاركوا فيها بصوره جدية فال يتحسمون لتنفيذها وال يدركون أهميتها
ولقد قيل قديما "ما خاب من استشاره" وقيل "شاور -العاقل يكن عقله لك".
( )7التفاؤل:
العالم من حولنا يتطور -تكنولوجيا -بسرعة كبيرة ونحن متخلفون ،وتتجه دول كبيرة الى الوحدة ونحن
متفرقون،وهناك -االعداء الطامعون وهناك المتخاذلون والمنافقون والمرتشون واالنانيون ،وهناك االختالف
العقائدي والسياسي -وقد يقول قائل :فأي سعادة أو تقدم يمكن أن يحدث مع كل هذا؟ ونقول أن الصعوبات كثيرة
ولكن الصحيح أيضا أن القوة الموجودة في االمة قوة هائلة يمكنها أن تحقق قفزات هائلة في عقدين او ثالثة أو
خمسة لو أحسنا استخدامها -واستغاللها فالمعلمون -بالماليين والخبره السياسية تراكمت خالل الخمسين سنة
الماضية ،ولنا تجارب سياسية واقتصادية واجتماعية كثيره يمكن أن نتعلم منها الكثير ،وما حققته االمة خالل
العشرين سنة الماضية من طرق وموانئ -ومدراس وجامعات وشركات -هو انجازات كبيره مقارنه بما كان
الوضع عليه قبل خمسين سنة فقط ،ولو يئس هؤالء لما شقوا طريقا وال بنوا مدرسه وقد قيل ألن تشعل شمعه
خير من أن تلعن الظالم ونقول ان االنهار الكبيرة عبارة عن قطرات مطر صغيرة فالمطلوب من كل واحد منا
أن يعمل قدر استطاعته وجهده حتى تتكون عندنا أعمال صغيرة وكثيرة لنجمعها ونشكل منها أنهاراً كبيره تغذي
االمة فتأليف مسرحيه هادفه انجاز رائع ،وتشجيع -المدرس لطلبته على حب العلم عمل جبار .وايجاد -حلول
لمشاكل اجتماعية عالج لجروح مؤلمة وليس مطلوب من أي واحد منا فوق -طاقته أو أن يغير واقع االمة في
سنين قليله ،فهذا خيال واحالم الن التحديات والصعوبات -كبيره .ولنعلم أن اهلل قد أمرنا بالعمل ولسنا مسئولين
عن النتائج فالمسلم -عليه أن يعمل بجد وإ خالص ونحن ننال أجر أعمالنا حتى لو لم نر لها فائدة في الواقع ،ان
المتشائمين واليائسين يضرون أمتهم وأنفسهم بل يضيفون صعوبه جديدة تعيق تقدم األمة ونقول لهم ما اسهل
58
الهروب والكسل واالهمال والالمباالة وما اصعب العمل وحمل المسئوليه قال تعالى" :أنه ال ييأس من روح اهلل
إال القوم الكافرون" ( )87سورة يوسف.
59
المحتوى
الصفحة الموضوع-
7 مقدمة ...........................................................................
9 السعادة ...ما هي؟ .............................................................
13 نور الحقائق الكبرى .............................................................
18 الطريق إلى السعادة .............................................................
22 مثقفونا ...وتعاسة الغرب .......................................................
27 كم من مريد للخيرلن يصيبه .....................................................
31 العلم سعادة والجهل شقاء ........................................................
38 السعادة بين النظرية والتطبيق................................................... -
41 الذنوب منبع الشقاء ..............................................................
46 الطريق إلى النصر ..............................................................
50 الالمباالة في قراءة الواقع .......................................................
55 وذهب ملك سليمان ..............................................................
60 األسرة السعيدة ..كيف نبنيها؟ ..................................................
64 من حصون السعادة .............................................................
68 تسلية أهل المصائب .............................................................
75 من أدوات السعادة ...............................................................
60
كتب المؤلف
-1الطريق -إلى الوحدة الشعبية "دعوة لبناء الجسور بين االتجاهيين القومي واإلسالمي".
-6الكويت الجديدة.
61