You are on page 1of 61

‫عيد الدويهيس‬

/http://www.saaid.net

1
‫حقوق الطبع‬

‫حقوق طبع هذا الكتاب مهداة من المؤلف إلى كل مسلم وجزى اهلل خيراً من طبعه أو أعان على‬
‫طبعه وغفر اهلل له ولوالديه ولجميع المسلمين‬

‫الطبعة الثانية‬
‫ربيع األول ‪ 1412‬هجرية‬
‫سبتمبر ‪ 1991‬ميالدية‬

‫مقدمة‬

‫‪2‬‬
‫ان احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده‬
‫اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأن حممداً عبده‬
‫ورسوله‪.‬‬

‫وبعد ايها القارئ الكرمي والقارئة الكرمية فكلنا يعرف أن األنسان يتعلم ويعمل حيدوه األمل يف الوصول‬
‫إىل السعادة‪ ،‬وكلنا يعرف أيضاً أن كثرياً ممن نالوا ما يتمنون من شهادة أو مال أو منصب أو غري ذلك‬
‫ليسوا بسعداء وما دام األمر كذلك فإنه من الضروري قبل أن نندفع للعمل أن نتأكد أن الطريق الذي‬
‫نسلكه سيوصلنا بإذن اهلل إىل السعادة‪ ،‬وبالتايل علينا أن جنيب أوالً إجابه صحيحه عن السؤال التايل‪ :‬ما‬
‫هي السعادة؟ وأقول إجابة صحيحة‪ ،‬ألن هناك إجابات كثرية جداً خاطئه عن هذا السؤال فنجد من‬
‫خيربك أن السعادة يف املال أو املنصب أو الزواج أو الفساد أو غري ذلك‪ ،‬ولكن اإلجابة الصحيحة هي أن‬
‫السعادة كتبها اهلل فقط ملن اتبع هداه وكتب الشقاء ملن أعرض عن ذكره ولن جتد لسنة اهلل تبديال‪.‬‬
‫فسعادة اإلنسان حتقق إذا عرف كيف يعبد اهلل بإخالص أما من مل يعرف كيف يعبد اهلل أو عرف ومل‬
‫يلتزم فقد شقى فالتوحيد ليس كالشرك وحصاد احلسنات ليس كعاقبة السيئات‪ .‬ومع أن األدلة من‬
‫القرأن والسنة تؤيد هذه احلقيقة بصورة واضحة اإل أن الغريب أن كثرياً من املسلمني ال يعرفون ذلك‬
‫فكأننا نكتشف ألول مرة أن هدف الرسل ليس فقط حتقيق سعادة اإلنسان يف األخرة بل أيضاً حتقيق‬
‫سعادته يف الدنيا وذلك عن طريق تصحيح عقائد الناس وترشيد وتنظيم أعماهلم وأهدافهم فالعلم‬
‫الصحيح والعمل لصاحل مها العمود الفقري لسعادة األفراد واألمم‪ .‬وقد يقول قائل‪ :‬ملاذا إذن نفتقد‬
‫السعادة يف حياة كثري من املسلمني؟ واجلواب على ذلك أن كثرياً من املسلمني غري ملتزمني باالسالم بل‬
‫هم يقلدون الغرب أو الشرق ويتبعون أهوائهم ومصاحلهم وشهواهتم‪ .‬ولألسف فقد ابتعدنا كثرياً عن‬
‫اإلسالم إىل درجة أنك تكاد ترى النفاق يف كل مكان من اجملتمعات اإلسالمية مع أن موقف اإلسالم‬
‫الرافض للنفاق واملنافقني موقف واضح‪ ،‬بل أصبح يتهم بالسذاجة واملثالية من يدعو إىل الصدق واألمانة‬
‫واألخالص‪ .‬وجيب أن نعي أن السعادة ليست مثرة سهلة نقطفها بعلم قليل أو بأعمال صغرية بل هي‬
‫تتطلب الكثري من اجلهد فالطريق إىل السعادة طريق طويل‪ ،‬ولنعلم أننا كلما ازددنا علما وعمال‬
‫واخالصا زاد نصيبنا من السعادة‪ ،‬وكلما ازددنا جهال ومعاصيا ونفاقا ازددنا شقاء وما ربك بظالم‬
‫للعبيد‪ .‬وال أريد أن أطيل على القارئ واتركه مع الكتاب سائال اهلل تعايل أن جيد فيه ما يفيد ويف اخلتام‬
‫أسال اهلل سبحانه وتعايل أن جيزي خري اجلزاء كل من ساعدين يف كتابة هذا الكتاب واساله أن ينفع به‬

‫‪3‬‬
‫خلقاً كثرياً وأن جيعل عملي خالصا لوجهه الكرمي وأسال كل من انتفع بشئ منه أن يدعو يل ولوالدي‬
‫وللمسلمني أمجعني‪.‬‬

‫عيد بطاح الدويهيس‬


‫الكويت في ‪ 6‬جمادي األولى ‪1410‬‬
‫‪ 4‬ديسمبر ‪1989‬‬

‫‪4‬‬
‫السعادة ‪ ..‬ما هي؟‬
‫علينا أن نفرق بين السعادة كحالة دائمة‬
‫وبين أمور مفرحة تسعد اإلنسان لدقائق أو أيام‬
‫من الطبيعي أن نسعى ألن نعيش حياة سعيدة وأن نبحث عن السعادة فكل إنسان عاقل يريد أن يبتعد عما‬
‫يكدره وما يشقيه ويقترب مما يفرحه ويسعده ولهذا نجد اإلنسان يفكر ويخطط‪ -‬ويعمل حتى يحقق ما يريد أي حتى‬
‫يكون سعيدا‪ ،‬وال شك أن بعضنا يظن أن السعادة في الحصول على المال ولكننا نعلم أن الغنى ال يجعل اإلنسان‬
‫سعيدا ولقد قيل ((إن الفقراء يعتقدون إن السعادة في المال في حين أن االغنياء ينفقون المال بحثاً عن السعادة))‬
‫وبعضنا يظن أن السعادة في الزواج أو حياة العزوبية أو المنصب أو الشهادة أو غيرذلك ولكننا نعلم أيضاً أن‬
‫السعادة ليست في الزواج وليست في المناصب أو الشهادات‪ .‬فما هي السعادة إذن؟ وكيف يمكننا أن نعيش‬
‫سعداء؟ ان علينا أوال ان نفرق هنا بين السعادة كحالة دائمة وبين أمور مفرحة تسعد االنسان لدقائق أو ايام‬
‫فالحصول‪ -‬على الشهادة مثال يفرح االنسان ولكن ال يجعله سعيدا وكذلك علينا أن نوضح ان المصائب كموت احد‬
‫االقارب أو غير ذلك تحزن االنسان ولكن قد ال يجعله مهموما‪ -‬شقيا قال ابن القيم قال بعض العلماء "فكرت فيما‬
‫يسعى فيه العقالء فرأيت سعيهم كله في مطلوب واحد وان اختلفت طرقهم في تحصيله رأيتهم جميعهم انما‬
‫يسعون في دفع الهم والغم عن نفوسهم‪ -‬فهذا باالكل والشرب وهذا بالتجارة والكتب وهذا بالنكاح وهذا بسماع‬
‫الغناء واالصوات‪ -‬المطربة وهذا باللهو واللعب فقلت هذا المطلوب مطلوب العقالء ولكن الطرق كلها غير‬
‫موصلة إليه بل لعل اكثرها إنما يوصل إلى ضده ولم أر في جميع هذه الطرق‪ -‬طريقاً موصلة إليه اال االقبال على‬
‫اهلل ومعاملته وحده وايثار مرضاته على كل شئ فان سالك هذه الطريق ان فاته حظه من الدنيا فقد ظفر بالحظ‬
‫الغالي الذي ال فوت معه وان حصل للعـبد حصل له كل شئ وان فاته فاته كل شئ وان ظـفر بحظه من الدنيا ناله‬
‫(‪)1‬‬
‫"‬ ‫على أهنا الوجوه فليـس للعبد أنفع من هذه الطـريق وال أوصل منها إلى لذته وبهجته وسعادته وباهلل التوفيق‬
‫السعادة إذن في الراحة النفسية والتي ال تتم اال بالقرب من اهلل والسعادة أيضا في المقدرة على التعامل مع افراح‬
‫ومصائب الحياة بكفاءة‪ .‬وحتى تتضح صورة السعادة نقول ان المجتمع الغربي ليس سعيداً مع كل ما يملكه من‬
‫مستوى مادي مرتفع وحريات كثيرة فالقلق والملل من األمراض الرئيسية للحضارة الغربية‪ .‬فال االباحية‬
‫الجنسية وال المال وال االستقالل وال غير ذلك جعل الغرب سعيدا وعلينا أن ال نخدع باقوالهم وبادعائهم‪ -‬السعادة‬
‫فحياتهم شقاء في شقاء قال ابن القيم"وقد‪ -‬حكم اهلل تعالى حكما ال يبدو أبدا‪ :‬أن العاقبة للتقوى والعاقبة للمتقين‬
‫فالقلب لوح فارغ والخواطر نقوش تنقش فيه فكيف يليق بالعاقل أن يكون نقوش لوحه ما بين كذب وغرور وخدع‬
‫وأماني باطلة وسراب ال حقيقة له؟ فأي حكمة وعلم وهدى ينتقش مع هذه النقوش؟"(‪ )2‬وقال ابن القيم أيضا "أنه‬
‫امتثال المراهلل الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده فليس للعبد في دنياه وأخرته انفع من امتثال أومر‬

‫‪1‬‬
‫ص ‪ 199‬الجواب الكافي لمن يسال عن الدواء الشافي – ابن القيم‬ ‫()‬
‫‪2‬‬
‫ص ‪ 165‬المصدر السابق‬ ‫()‬
‫‪5‬‬
‫ربه تبارك وتعالى وما سعد من سعد في الدنيا واالخرة اال بامتثال أومراه وما شقى في الدنيا واالخرة اال بتضييع‬
‫أوامره"(‪.)3‬‬
‫السعيد اذن هو االنسان المؤمن باهلل والراضي‪ -‬عن أعماله والقادر على التعامل مع الحياة بكفاءة عالية فالمؤمن‬
‫سعيد النه يشعر انه قريب من اهلل القادر العزيز الجبار المتكبر الرحمن الرحيم‪ .‬وهذا القرب يعطي االنسان‬
‫اطمئنانا نفسيا كبيرا الن االنسان ينسجم مع فطرته ويشعر‪ -‬أن اهلل قادرعلى ان يحميه ويعطيه وينصره‪ .‬وعندما‬
‫يقترب االنسان من الكتاب والسنة فإنه يبتعد عما يشقيه ويقترب مما يسعده بقدر تمسكه‪ ،‬فكلما زاد التمسك زادت‬
‫سعادته‪ ،‬فالتوحيد يربط االنسان باكبر قوة في الوجود‪ -‬وااللتزام باالسالم‪ -‬يجعل االنسان راضيا عن تصرفاته في‬
‫أقواله وأفعاله فهو يحاول اال يقول أو يفعل اال الخير‪ ،‬ومعنى ذلك أن السعادة ال تكون اال بأخذنا بأمرين االول‬
‫معرفة اهلل واحكام‪ -‬االسالم وهذه المعرفة تعرفنا‪ -‬الحق من الباطل والصواب من الخطأ في االقوال واالفعال‪ -‬أي‬
‫أننا سنعرف‪ -‬بالقراءة واالطالع واالستماع‪ -‬والنقاش والتفكير ما يجب أن نقول ونفعل في مسيرة الحياة وما يجب‬
‫أن نتجنب من أقوال وأعمال والجهل في هذا كثير وما زال مما جعل البعض يعيش حياة قلقة النه يرتكب‬
‫االخطاء الكثيرة في عقائده وأعماله فيعيش نادما على أعمال عملها أو اقوال تلفظ بها والعلم وحده ال يكفي فالبد‬
‫من االمر الثاني وهو‪ :‬تطبـيق ما نعرفه من حق وصـواب‪ -‬وخير فالمعرفة وحدها التجـعلنا سعداء فاذا علمنا أن‬
‫السـعادة هي في طاعة اهلل ولكـننا أخذنا نعصيه فكأننا‪ -‬تركنا بلد خير وسعادة وذهبنا‪ -‬ونحن نعلم إلى بلد شر وشقاء‬
‫أي البد ان نطبق ما نعرف واال فلن ننال السعادة ابدا ولم نتصرف تصرف‪ -‬العقالء فالمعرفة ال تكفي‪ .‬قال سفيان‬
‫بن عيينة‪" :‬ليس العاقل الذي يعرف الخير والشر‪ -‬أنما العاقل الذي اذا راى الخير اتبعه واذا رأي الشر اجتنبه"‬
‫ومعنى ذلك أن معرفتنا كيف نزرع ال تعني أننا سنحصل على انتاج طيب فالبد من العمل وحرث االرض‬
‫وسقيها‪ .‬فقراءة االالف من الكتب الزراعية لن يكون لها أثر في الفرد أو المجتمع ان لم يكن هناك عمل وتطبيق‬
‫فبدون العمل لن نحصل إال على المجاعة والفقر مهما تعلمنا‪ .‬وكذلك السعادة لن نحصل عليها ان لم نطبق ما‬
‫نعرف من احكام االسالم فاذا علم الموظف ان الرزق من اهلل فلن يشعر بالشقاء والهم عندما يفصل من وظيفته‬
‫النه يؤمن بأن اهلل كتب رزقه ولن يستطيع احد أن يأخذ من رزقه دينارا واحدا‪.‬‬
‫وكلما كان ايمان الفرد قويا‪ -‬كلما كان تأثره بالهموم والمشاكل‪ -‬أقل أي ال تجد الهموم لقلبه مدخال‪ .‬قال ابن‬
‫تيمية كلمته المشهورة "ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني‪ -‬في صدري أين رحت فهي معي ال تفارقني‪ ،‬أنا‬
‫حبسي خلوة وقتلي شهادة واخراجي من بلدي سياحة" فانظر‪ -‬الى الكفاءة العالية في التعامل مع الحياة عند من‬
‫قرن العلم الصحيح بالعمل الصالح‪ .‬قال ابن القيم "قال تعالي "أال ان أولياء اهلل ال خوف عليهم وال هم يحزنون‬
‫الذين أمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي‪ -‬االخرة ال تبديل لكلمات اهلل ذلك هو الفوزالعظيم"‪-‬‬
‫يونس ‪ .64-62‬فالمؤمن المخلص هلل من أطيب الناس عيشاً وأنعمهم باال وأشرحهم‪ -‬صدرا وأسرهم قلبا وهذه‬
‫ومن المهم أن ننتبه في األية السابقة الى أن سعادة المؤمن في الدنيا واالخرة‬ ‫(‪)4‬‬
‫جنة عاجلة قبل الجنة االجلة"‬

‫‪3‬‬
‫ص ‪ 186‬املصدر السابق‬ ‫()‬
‫‪4‬‬
‫ص ‪ 203‬المصدر‪ -‬السابق‬ ‫()‬
‫‪6‬‬
‫وليست فقط في االخرة كما يظن بعض الناس ولنؤمن فعال كما تدعونا االية الى أنه ال تبديل لكلمات اهلل وال‬
‫قوانينه وان اهلل ولي المؤمنين في الدنيا فهل نحن مؤمنون بذلك؟ ام نظن أن البشرى‪ -‬والسعادة هي في المال‬
‫والشهادة والمركز والملذات؟‬
‫ان صاحب االيمان الضعيف‪ -‬او الكافر‪ -‬يصبح مهموما‪ -‬اذا فصل من عمله يحمل هم االطفال والزوجة‬
‫وهو غير مقتنع بأن اهلل موجود وهو يرزق‪ -‬من يشاء وهو من قسم بين الناس ارزاقهم‪ -‬وهو الذي طمأن عباده‬
‫المؤمنين وأرشدهم‪ -‬الى القول بأنه "لن يصيبنا‪ -‬اال ما كتب اهلل لنا" ومصادر‪ -‬الهموم ومنابعها كثيرة وليست هي فقط‬
‫الفصل من العمل وهي كثيرة وتصيب المسلم والكافر‪ -‬فمن الهموم موت قريب أو صديق‪ -‬والزواج الفاشل‬
‫والمرض والولد العاق أو الكسول وغير ذلك وحين يتعامل االنسان مع كل هذه القضايا منطلقا من عقائد االسالم‬
‫وأحكامه فال شك أنه سيتعامل معها بما يرضى اهلل فاذا مات له عزيز قال انا هلل وانا اليه راجعون وعلم أن‬
‫االعمارقد قدرها‪ -‬اهلل والعبد يرضى‪ -‬بما قدر مواله وبكاء االنسان وحزنه ال ينفي اطمئنان نفسه وال يتعارض‬
‫معها‪ .‬أما تعامل المسلم ضعيف‪ -‬االيمان أو الكافر مع هذه القضايا فهو في غالبه تعامل القلق والساخط‪ -‬والمتذمر‬
‫يظن أنه لو فعل كذا لما مات ابنه أو خسرت تجارته أو اصطدمت سيارته والمؤمن عندما تنزل به مصيبه يقول‬
‫قدر اهلل وما شاء فعل‪ .‬والتعامل‪ -‬مع المصائب بهذا االسلوب ناتج عن اقتناع بان اهلل ال يظلم وهو ارحم بعباده من‬
‫االم بابنها فعقابه عدل وجزء مما نستحق‪ -‬على معاصينا في حين انه تجاوز عن أجزاء‪ .‬ويعلم المسلم أن‬
‫المصائب تأتي احيانا كاختبار لتكشف الصادقين من الكاذبين ومن يتخذ االسباب ويبذل الجهد ويرى‪ -‬االمور تسير‬
‫على غير ما يريد يثق بأن هذه مشيئة اهلل وال رد لحكمه ويعلم يقينا بان اهلل لو اراد لمنع حدوث المصيبة‪.‬‬
‫والتوحيد‪ -‬الصحيح واالعمال الصالحة تسعد النفس وتفرحها‪ -‬وصحيح ان بعض الطاعات فيها بعض التعب‬
‫والعناء ولكن الصحيح أيضا ان السير في طريق‪ -‬الطاعة يوصل الى سعادة عظيمة ال ياتي بها المال والمركز‪-‬‬
‫والشهادة‪ .‬قال احد الصالحين‪" :‬لوعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا‪ -‬عليه بالسيوف" ففي القرب من‬
‫اهلل جنة دنيوية ال يعملها كثيرون والطريق الى هذه الجنة يتاتى بعمل الطاعات واجتناب المعاصي‪ -‬وهذا هو‬
‫الطريق الى السعادة فالسعادة هي سعادة القلب والشقاء هو شقاء القلب قال ابن القيم "وال تحسب أن قوله تعالي‬
‫﴿ان االبرار لفي نعيم وان الفجار لفي جحيم﴾ مقصور على نعيم االخرة وجحيمها فقط بل في دورهم الثالثة هم‬
‫كذلك أعنى دار الدنيا ودار البرزخ ودار القرار فهؤالء في نعيم وهؤالء في جحيم وهل النعيم اال نعيم القلب؟‬
‫وهل العذاب اال عذاب القلب؟ وأي عذاب اشد من الخوف والهم والحزن وضيق‪ -‬الصدر وأعراضه عن اهلل والدار‬
‫قال تعالي ﴿يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى‬ ‫(‪)5‬‬
‫االخرة وتعلقه بغير اهلل وانقطاعه عن اهلل بكل واد منه شعبة"‬
‫ربك راضية مرضية فادخلي‪ -‬في عبادي وادخلي‪ -‬جنتي﴾‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫ص ‪ 87‬المصدر‪ -‬السابق‬ ‫()‬
‫‪7‬‬
‫نور الحقائق الكبرى‬

‫عقائد البشر وأراؤهم‪ -‬وأهدافهم‪ -‬كثيرة جدا ومتنوعة ومتناقضة فمن البشر من يؤمن بوجود اهلل كالمسلمين‬
‫والنصارى‪ -‬واليهود ومنهم‪ -‬من هو ملحد ومنهم من يؤمن بمصلحته أو لذته ومنهم من تحركه مفاهيم عنصرية‬
‫فيتعصب لشعب أو أمة ومن الناس من يقلدون اآلباء أو الزعماء أو الفالسفة والحكماء ومنهم‪ -‬من هو ضائع لم‬
‫يستقر على عقيدة والمؤمنون بوجود اهلل ينقسمون الى أديان وطوائف‪ -‬وفرق‪ -‬ويختلفون في بعض أو كثير من‬
‫العقائد واالحكام‪ -‬وان تشابهوا في بعضها فالعقيدة في صفات اهلل سبحانه وتعالي‪ -‬فيها اختالف كبير ليس فقط بين‬
‫من يؤمنون باهلل بل حتى بين من يدينون باالسالم ولهذا اظهرت الفرق الكثيرة واختلف‪ -‬الناس حول القوانين‬
‫العادلة فأصبحت هناك دساتير وأنظمة وقوانين متناقضة وكل أصحاب مبدأ أو دين وحزب يرون أن ما يتبنون‬
‫هو الحق وما عداه باطل فما يراه البعض مثال من االمور‪ -‬االجتماعية حالال وحقا يراه أخرون حراما وباطال‪.‬‬
‫وباختصار شديد االختالفات بين البشرية فيما يعتقدون أنها حقائق كبرى كثيرة ولن يصل إلى السعادة من يسير‬
‫في ظالم عقائد مشوهة أو شرائع ظالمة أو اقتناعات خاطئة ألنه سيصطدم‪ -‬بالعقل الواعي وبالفطرة البشرية‬
‫السليمة فالنفس تسعد في ظل العقائد الصحيحة واالحكام العادلة والحقوق‪ -‬والواجبات المنصفة فكما أن من ال‬
‫يعرف حقائق الفيزياء والهندسة والطيران لن يتمكن من الطيران فكذلك لن يتمكن من يجهل الحقائق الفكرية من‬
‫أن يعيش حياة سعيدة فلن يرى السعادة من يفضل طبقة على أخرى أو يعبد مصلحته أو يتبع الخرافات واالوهام‪-‬‬
‫فاصحاب العقائد الباطلة يتخبطون في سيرهم‪ -‬ويرتكبون كثيرا من االخطاء السياسية واالجتماعية واالقتصادية‬
‫وهذا واقع مشاهد فعقائد الشيوعيين‪ .‬أنتجت االستبداد والفقر والكسل وعقائد الغرب أنتجت الحروب واالنانية‬
‫واالمراض النفسية والجنسية والخوارج تبنوا عقائد منحرفة فكفروا‪ -‬كثيرا من الناس فحصدوا العنف والشر‪-‬‬
‫واالسالم الصحيح هو الطريق‪ -‬للحقائق الكبرى والصغرى والعالقة بين نور الحقائق وبين السعادة هي عالقة‬
‫وثيقة جدا فمن الحقائق الكبرى أن االطمئنان النفسي ال يأتي من سلطة أو ثروة أو قبيلة أو عائلة أو حلف بل‬
‫يكون من نصيب من يحميه اهلل العزيز الجبار القادر فمن كان اهلل معه فل يحزن وممن يخاف ولمن يحتاج؟ اليس‬
‫من المفروض أن نؤمن كمسلمين بأن اهلل على كل شئ قدير وأنه وحده القادر على أن ينصرنا ويعزنا‪ -‬ويبدل‬
‫أحزاننا أفراحا وفقرنا‪ -‬غنى وضعفنا قوة ومرضنا‪ -‬صحة وأن نعلم أن اهلل يعز من يشاء ويذل من يشاء ويحيط‪ -‬بكل‬
‫شئ علما فيعلم خائنة االعين وما تخفي الصدور‪ -‬وأهم الحقائق الكبرى يتعلق بصفات اهلل وأسمائه قال ابن القيم‬
‫رحمه اهلل‪" :‬فاطيب ما في الدنيا معرفته ومحبته وألذ ما في الجنة رؤيته ومشاهدته فمحبته ومعرفته قرة العيون‬
‫ولذة االرواح وبهجة القلوب ونعيم الدنيا وسرورها‪ -‬بل لذات الدنيا القاطعة عن ذلك تنقلب آالما وعذابا ويبقى‬
‫(‪)6‬‬
‫صاحبها في المعيشة الضنك فليست الحياة الطيبة اال باهلل"‪.‬‬

‫ص ‪ 240‬الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي – البن القيم‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫()‬
‫‪8‬‬
‫وقال ابن القيم ايضا "وال شئ على االطالق أنفع للعبد من اقباله على اهلل واشتغاله بذكره وتنعمه بحبه‬
‫ومن الحقائق الكبرى أن نعلم أنه لو اجتمع‬ ‫(‪)7‬‬
‫وايثاره لمرضاته بل ال حياة وال نعيم وال سرور وال بهجة اال بذلك"‬
‫الناس على أن يضرونا‪ -‬بشئ لن يضرونا اال بشئ قد كتبه اهلل علينا وان اجتمعوا على أن ينفعونا بشئ لن ينفعونا‬
‫اال بشئ قد كتبه اهلل لنا وأن نعلم أن من العقيدة الصحيحة أن نؤمن بأن رزقنا‪ -‬قد كتبه اهلل وال سلطة للبشر عليه‬
‫مطلقا وااليمان بذلك سيطمئن نفوسا كثيرة تعيش قلقة على رزقها وبعض هؤالء ينافقون ويغشون‪ -‬لظنهم أن‬
‫الرزق بيد العباد فيخافون أن ينقطع أو ال يأتي‪.‬‬
‫ومن الحقائق الكبرى أن نعلم أن نعم اهلل علينا ال تحصى فاالنسان الذي ال يقابل كرم اهلل واحسانه وفضله‬
‫بالطاعة والشكر هو انسان جاهل أو لئيم قال الشاعر‪:‬‬
‫ان انت اكرمت الكريم ملكته *** وان أنت أكرمت الئيم تمردا‬

‫فمن قابل نعم اهلل بالجحود‪ -‬فهو قد تنكر لمن خلقه ورزقه ووهب له العقل والصحة والماء والهواء فتنكره‬
‫لوالديه أو لمن أحسن إليه أمر متوقع‪.‬‬
‫ومن الحقائق الكبرى أن نعلم أن ما عند اهلل من خير وفضل‪ -‬في الحياة الدنيا وفي االخرة أكبر مما يمكن‬
‫أن يحققه لنا ربا أو رشوة أو نفاق أو امتناع عن الزكاة وأن نعلم أن اهلل شديد العقاب وله جنود السموات واالرض‬
‫وأنه قادر علينا فمن الحكمة أن نخافه ونحذر وعيده وأذا آمنا بذلك سيرتدع‪ -‬القوى فينا عن ظلم الضعيف‪ -‬وسنعمل‬
‫الخير ونتجنب الشر فرأس الحكمة مخافة اهلل والظلم يأتي في غالبيته ممن ال يخاف اهلل‪.‬‬

‫ومن الحقائق الكبرى أن نعلم أنه ال طاعة لمخلوق في معصية الخالق سواء كان هذا المخلوق عالما أو حاكما أو‬
‫ابا أو اما أو قبيلة أو حزباأو جماعة فالطاعة لهؤالء جميعا هي في حدود ما شرع اهلل وهي طاعة في المعروف‬
‫وليست طاعة في المنكر وااليمان بذلك يحقق فوائدعظيمة للفرد واالمة منها أن الطاعة في الباطل مرفوضة‬
‫وأن الوالء هو الحق وليس لالفراد ومنها أنه لن تتعارض واجبات الطاعة للدولة واالحزاب واالفراد مع بعضها‬
‫البعض بل ستتكامل ولن يحتار االنسان فيمن يرضي ومن يسخط ورضي‪ -‬الناس غاية ال تدرك النه جعل رضى‪-‬‬
‫اهلل هو أساس كل قول وعمل ومن الحقائق الكبرى أن يزن االنسان االنظمة واالفكار‪ -‬واالجتهادات واالحزاب‬
‫والجماعات وأقوال‪ -‬العلماء والجهالء بميزان القرآن والسنة حتى يعرف الحق والصواب‪ .‬واذا استخدم‪ -‬هذا‬
‫الميزان فسيعرف ما يأخذ من حضارة الغرب وما يدع وسيجعل انفعاالته من غضب وحب وكره وغير ذلك‬
‫خاضعة الحكام الشريعة فال تنفجر فيندم على نتائجها وسيعرف أن الوحدة الحقيقية ليست وحدة المصلحة أو‬
‫الجنس أو اللغة بل هي وحدة الفكر وااليمان قالى تعالي ﴿وإ ن يريدوا‪ -‬أن يخدعوك فإن حسبك اهلل هو الذي أيدك‬
‫بنصره وبالمؤمنين‪ )62( .‬وألف بين قلوبهم‪ -‬لو أنفقت ما في االرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن اهلل ألف‬
‫بينهم إنه عزيز حكيم (‪ ﴾)63‬فإذا كان جزء من سعادة االمم في وحدتها‪ -‬وجزء من شقائها في تفرقها فإن من شقاء‬

‫ص ‪ 204‬المصدر السابق‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫()‬
‫‪9‬‬
‫األمم أن ال يلتزم أفرادها باالسالم‪ -‬فيصل االختالف بين االفراد إلى درجة التناقض واالختالف‪ -‬االساسي شر كله‬
‫ومثل هذا االختالف ليس اختالفا اجتهاديا‪ -‬يحدث في ظل اتفاق على اسس واحدة‪.‬‬

‫ومن الحقائق الكبرى أن نعلم أن المسلم الملتزم هو أساس سعادة االسر والوظائف‪ -‬واالنظمة فالمسلم‬
‫يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه االخرون ويمنع نفسه عن الظلم أو عن أخذ الرشاوي‪ -‬أو الكذب أو النفاق أو غير‬
‫ذلك ومن السهل ارجاعه الى الصواب إذا أخطأ أو ظلم وذلك بتذكيره بأيات القرأن أو بأحاديث الرسول (‪ )‬أما‬
‫ضعيف االيمان أو فاقده فمن الصعب أن تجعله يرتدع عن ظلمه أو عن اهماله في عمله أو تعصبه لباطل‬
‫فالرقابة لها حدود والنصيحة قد ال تؤثر وسلطة القوانين محدودة وال تطول كل االقوال والتصرفات ولنعلم أن‬
‫النوعيات الرديئة ال تبني أمة قوية أو أسرة سعيدة فغياب االيمان يفتح الباب واسعاً أمام أمراض كثيرة كالظلم‬
‫والحسد والغرور والطمع والتسلط‪ -‬واألنانية والفسق والكذب والتبذير والتعصب لقبيلة أو شعب أو أمة فضيعف‪-‬‬
‫االيمان أو فاقده إذا لم يردعه عقل أو سلطان يتعامل بالواسطة ويظلم‪ -‬ويأكل الحرام ويحرص على المنصب‬
‫حرصا شديدا وكم مأل حب المناصب من قلوب فأعماها ولو ملئت هذه القلوب بااليمان لما وجد حب المناصب‬
‫مكانا له‪.‬‬
‫ومن الحقائق الكبرى أن يعلم االنسان أن الفهم الخاطئ للقضاء والقدر وااليمان والكفر والتوكل‪ -‬ودور‬
‫العقل ومفهوم العبادة والحالل والحرام‪ -‬من شأنه أن ينتج الكسل والتفرق والتعصب والجدل والدروشة وعموما‬
‫فالحقائق الكبرى كثيرة وهي تبين صفات اهلل واسمائه والطريق‪ -‬إلى النصر وعاقبة الذنوب ومتطلبات االسرة‬
‫السعيدة وغير ذلك فمن آمن بها فقد سار في ظل أنوار عظيمة تنير له طريق‪ -‬الحياة ولقد جهل الغرب والشرق‪-‬‬
‫كثيرا من هذه الحقائق ولهذا يتخبطان في ظلمات الشقاء ويفتقدان الجزء االكبر من السعادة والقرآن والسنة هما‬
‫المصدر لمعرفة الحقائق الكبرى قالى تعالى ﴿ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى‪-‬‬
‫للمسلمين﴾ (‪ )89‬سورة النحل‪ .‬فكلما فهمنا آية أو حديثا ازددنا سعادة وال بد أن نذكر أن هناك أحاديث موضوعة‬
‫فلنحذرها فخطرها‪ -‬كبير وأحدأكبر أبواب الجهل والشقاء والتفرق والبدع قديما‪ -‬وحديثا هو الجهل بأحدايث‬
‫الرسول (‪ )‬الصحيحة فلنبذل الغالي والرخيص في سبيل معرفتها ودراستها ولقد قال االمام أحمد بن حنبل‬
‫كلمات قيمة جدا حين قال في تفسير حديث رسول اهلل (‪ )‬عن الفرقة الناجية "أن لم يكونوا أصحاب الحديث فال‬
‫أدري من هم؟"‪.‬‬

‫وال بدأن ننبه أن حفظ اآليات القرأنية واالحاديث النبوية وتطبيقها من غير علم وفقه ومعرفة بالواقع‪-‬‬
‫وبأقوال‪ -‬العلماء يضر وال ينفع الن المعرفة السطحية تؤدي‪ -‬إلى ظالل ومن هذا الباب ضل الخوارج فالحفظ من‬
‫غير وعي وفقه لم يكن يوما ما علما وال بد أن نذكر ايضا قضية مهمة جدا وهي أن نصيب االفراد‪ -‬واالمم من‬
‫السعادة والشقاء في الدنيا واآلخرة مرتبط بدرجة نصيبهم من العقائد الصحيحة واالعمال الصالحة فكلما زاد‬
‫علمهم وعملهم زاد نصيبهم من السعادة وقل نصيبهم من الشقاء وهذا النصيب يختلف من فرد إلى أخر ومن بلد‬
‫إلى آخر ومن جيل إلى آخر فالسعادة ليست مرتبطة بمسمى المسلمين بل هي مرتبطة بالعقائد واالعمال والنوايا‬
‫ومن المهم أيضا أن نذكر أن معنى السعادة ال يستنبط‪ -‬بناء على اراء شخصية أو نظرة سطحية فالبعض يظن أن‬

‫‪10‬‬
‫االنسان السعيد لن تصيبه مصائب وأن حدوث المصائب والكوراث‪ -‬ينفي عن الفرد واالمة صفة السعادة وهذا فهم‬
‫خاطئ فاالنبياء من اكثر الناس ابتالء بالمصائب ومع هذا فهم اسعد الناس فهم واثقون من نصر اهلل وتأييده‬
‫ورضوان بقضائه وقدره وعالمون بالحقائق الكبرى فهذا رسول اهلل (‪ )‬تطرده ثقيف وترميه بالحجارة وتؤذيه‬
‫فال يخشى اال أن تكون هذه المصيبة غضبامن اهلل سبحانه وتعالى ولهذا قال مخاطبا ربه "أن لم يكن بك غضب‬
‫علي فال أبالي" فسعادة الرسول هي في محبة اهلل له ومحبته فمن السعادة التعرف على الحقائق الكبرى والتمسك‪-‬‬
‫بها وجعلها على رأس االولويات والسير‪ -‬في ظل نورها‪ -‬قال تعالى "ومن لم يجعل له نورا فماله من نور" (‪)40‬‬
‫سورة النور وال بد من نشر هذه الحقائق بأسلوب كله حكمه وموعظة حسنة ال تكفير وتنفير وشدة وذلك ألن هذا‬
‫هو األسلوب الصحيح فكثير ممن اقتنع بعقائد وأفكار‪ -‬خاطئة جاء اقناعه بناء على أحاديث موضوعة أو كتب‬
‫ملوثة أو أمية أو سوء فهم أو تأثر بحضارة الغرب أو بجمود‪ -‬فكري متوراث فلكل هذه االسباب البد من الترفق‬
‫فاسلوب تصحيح الخطأ يجب أن يكون أسلوبا صحيحا فالصبر‪ -‬واللين والحوار‪ -‬الهادي سيؤدي بإذن اهلل إلى خير‬
‫كثير قال تعالى ﴿وال تستوي الحسنة وال السيئة أدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم‪.‬‬
‫(‪ )34‬وما يلقاها إال الذين صبروا وما بلقاء إال ذو حظ عظيم (‪ ﴾)35‬سورة فصلت‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫وقال رسول اهلل (‪" )‬ان الرفق‪ -‬ال يكون في شئ اال زانه‪ ،‬وال ينزع من شئ اال شانه"‬

‫حديث رقم ‪ 1784‬مختصر صحيح مسلم – االلباني‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫()‬
‫‪11‬‬
‫الطريق الى السعادة‬

‫من الحقائق الثابتة في الكتاب والسنة أن السعادة في الدنيا هي من نصيب المؤمنين وأن الشقاء هو‬
‫للكافرين والعصاة وهذه الحقيقة من سنن اهلل في الكون واالدلة على قولنا‪ -‬هذا كثيرة نذكر منها‪:‬‬
‫‪ -1‬قال تعالي ﴿قال اهبطا منها جميعا بعضكم‪ -‬لبعض عدو فإما يأتينكم‪ -‬مني هدى فمن اتبع هداي فال يضل وال‬
‫يشقى(‪ )123‬ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى(‪ ﴾)124‬سورة طه‪.‬‬
‫خاطب اهلل بهذه األية أدم وحواء وبين لهما ان من اتبع هداه ودينه فال يضل وال يصيبه الشقاء أما من عصى‬
‫وكفر فله الشقاء والمعيشة الضنك في الحياة الدنيا وله العمى يوم القيامة وبهذه االية بين اهلل لالنسان االول‬
‫ولكل انسان أن معرفة دينه وطاعته هي الطريق الى السعادة وان جهل دينه والمعاصي‪ -‬والكفر هي الطريق‪-‬‬
‫الى الشقاء‪.‬‬
‫‪ -2‬قال تعالي ﴿أم حسب الذين اجترحوا‪ -‬السيئات أن نجعلهم كالذين ءامنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم‬
‫ومماتهم؟‪ -‬ساء ما يحكمون (‪ )21‬وخلق اهلل السموات واالرض بالحق ولتجزي كل نفس ما كسبت وهم ال‬
‫يظلمون (‪ ﴾ )22‬سورة الجاثية‪.‬‬
‫‪ -3‬قال ابن القيم "واألبرار في النعيم وان اشتد بهم العيش وضاقت‪ -‬عليهم الدنيا والفجار في جحيم وان اتسعت‬
‫عليهم الدنيا قال تعالى ﴿من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة(‪ ﴾)97‬سورة‬
‫(‪)9‬‬
‫النحل"‬
‫‪ -4‬قال ابن القيم قال تعالي ﴿ومن أعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى﴾ وفسرت‬
‫المعيشة الضنك بعذاب القبر وال ريب أنه من المعيشة الضنك واالية تتناول ما هو أعم منه وان كانت نكرة‬
‫في سياق االثبات فان عمومها من حيث المعنى فانه سبحانه رتب المعيشة الضنك على االعراض عن ذكره‬
‫فالمعرض عنه له من ضنك المعيشة بحسب اعراضه وان تنعم في الدنيا باصناف‪ -‬النعم ففي قلبه من الوحشة‬
‫والذل والحسرات التي تقطع القلوب واالماني‪ -‬الباطلة والعذاب الحاضر‪ -‬ما فيه وانما يواريه عنه سكرات‬
‫الشهوات والعشق‪ -‬وحب الدنيا والرياسة وان لم ينضم الى ذلك سكر الخمر فسكر هذه االمور‪ -‬أعظم من سكر‬
‫الخمر فأنه يفيق صاحبه ويصحو‪ -‬وسكرالهوى وحب الدنيا ال يصحو صاحبه االذا كان صاحبه في عسكر‬
‫االموات فالمعيشة الضنك الزمة لمن أعرض عن ذكر اهلل الذي أنزله على رسوله (‪ )‬في دنياه وفي‬
‫البرزخ ويوم‪ -‬ميعاده وال تقر العين وال يهدأ القلب وال تطمئن النفس اال بالهها ومعبودها‪ -‬الذي هو حق وكل‬
‫معبود‪ -‬سواه باطل فمن قرت عينه باهلل قرت به كل عين ومن لم تقر عينه باهلل تقطعت نفسه على الدنيا‬
‫حسرات واهلل تعالى انما جعل الحياة الطيبة لمن أمن به وعمل صالحا كما قال تعالى ﴿من عمل صالحا من‬
‫ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (‪ ﴾)97‬سورة النحل‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ص ‪ 203‬الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي‪ -‬ابن القيم‬ ‫()‬
‫‪12‬‬
‫فضمن الهل االيمان والعمل الصالح الجزاء في الدنيا بالحياة الطيبة والحسنى يوم القيامة فلهم أطيب‬
‫(‪)10‬‬
‫الحياتين فهم أحياء في الدارين"‬
‫فاذا كان اهلل عالي قد حكم أن السعادة في الدنيا هي من نصيب المؤمنين وال أحد سواهم فكيف نصل الى السعادة؟‬
‫والجواب كما بين ابن القيم رحمه اهلل في كتابه "زاد المهاجر الى ربه" هي في معرفة ما جاء به الرسول (‪ )‬علما‬
‫والقيام به عمال ودعوة الخلق اليه والصبر واالجتهاد‪ -‬على تلك الدعوة فالمدخل إلى السعادة هي هذه االمور‬
‫االربعة وما لم نأخذ بها فلن نصل أبدا الى السعادة فكما أن الوصول الى بلد بعيد يتطلب االنتقال له بوسيلة‬
‫كالطائرة أو السيارة أو غير ذلك وال وصول‪ -‬له بدون ذلك فكذلك االمر ال وصول‪ -‬للسعادة دون اتخاذ الطاعة‬
‫وسيلة وسببا‪ -‬وطريقا ومنهجا‪ -‬وسلوكا وال بد من التنبيه هنا على ضرورة فهم االسالم فهما صحيحا والحذر‪ -‬من‬
‫التفسيرات الخاطئة واالحاديث الموضوعة وبالتأكيد فان هداية اهلل للفرد ال تتحقق والفرد مصر على معاصيه‬
‫وتارك للصالة والطاعات فالبعض عندما تسأله لماذ ال تصلي أو ال تبتعد عن المعاصي‪ -‬يجيب سأفعل عندما‬
‫يهديني اهلل وهذا من الجهل الكبير وهو من تلبيس ابليس فالهداية والسعادة ال تأتيان ان لم تبدأ أوال بعمل الطاعات‬
‫قال تعالي ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم‪ -‬سبلنا وان اهلل لمع المحسنين﴾ (‪ )69‬سورة العنكبوت‪ .‬أي الذين بذلوا‬
‫الجهد في السعي لمعرفتنا وطاعتنا سنهدينهم للسعادة والفوز بالدنيا واآلخرة فهؤالء من وعد اهلل بهدايتهم أما من‬
‫لم يفعل ذلك فقد عاش في ظنو حول الهداية ال تغني من اهلل شيئا ولم يخدع اال نفسه الن اآليات واألحاديث‬
‫واضحة جداً في هذا الصدد قال تعالي‪﴿ :‬واهلل ال يهدي القوم الفاسقين﴾ وقال تعالى ﴿واهلل ال يهدي القوم‬
‫الظالمين﴾ فال عذر لمن جهل أو تجاهل وخاصة من الذين يقرأون ويكتبون فالعقائد الباطلة والمعاصي‪ -‬هي سبب‬
‫الشقاء والتعاسة وتأمل في حياة كثيرة من ممثلي الغرب ومطربيهم فستجد‪ -‬ان لديهم الشهرة والمال والمعجبين‬
‫ويتمتعون بالملذات المحرمة ولكنهم‪ -‬ليسوا سعداء فعقائدهم‪ -‬ومعاصيهم‪ -‬أشقت نفوسهم فالنفس البشرية ال تستقر اذا‬
‫كان العقل مملوءا بتصورات خاطئة أو كان الجسد منغمساً بملذاته وكثير‪ -‬منا ال يعرفون أن القلق والملل من‬
‫االمراض الرئيسية في الغرب ولهذا انتشرت عندهم العيادات النفسية ولم يحقق لهم المال والحريات‪ -‬والتكنولوجيا‬
‫أي سعادة ولقد بحث الغرب عن السعادة في المال فلم يجدها ولم يجدها في الملذات وهكذا يستمر‪ -‬الى ماال نهاية‬
‫االنسان العاصي في بحثه عن السعادة على هذه االرض وال يصل اال الى التعاسة مهما حقق من آمال كلما وصل‬
‫الى أمل اكتشف أن السعادة ليست فيه ومن تأمل في حياتهم يعلم صدق ما نقول فالهم والقلق والندم والطمع‬
‫واالنانية أمراض ال تعالج اال بااليمان والقناعة وقراءة القرأن والصبر وكمثال الطمئنان المؤمن وسعادته نذكر‬
‫ان المؤمن يربي أبناءه تنفيذا الحكام االسالم فهو يريد االجر والثواب من اهلل وليس من أبنائه واذا عقه أبناءه فلن‬
‫يندم ألنه اضاع عمره في تربيتهم‪ -‬بل سيطمئن أن ثواب عمله عند اهلل واهلل ال يضيع أجر العاملين فالمؤمن يختزن‬
‫عمره وماله في صالة وصوم‪ -‬وصدقات‪ -‬وأعمال طيبة يزرعها ليحصد بعض ثمارها في الدنيا وليحصد أكثرها‬
‫في األخرة أما عمر ومال الكافر فهو يمضي سريعا‪ -‬فالشباب يذوي والمال يستهلك واآلمال هي أمال دنيوية‬
‫زجاجية سرعان ما تتحطم فيعيش خائفا على استثماره في حين أن المسلم استثمر‪ -‬حياته مع اهلل وهو استثمار‪-‬‬

‫‪10‬‬
‫ص ‪ – 130‬المصدر السابق‬ ‫()‬
‫‪13‬‬
‫مضمون وهناك تصور خاطئ وهو الظن أن االنسان المؤمن يعيش في عالم من المحرمات والقيود تحرمه‬
‫السعادة والصحيح ان المحرمات هي األشياء القذرة كالكذب والدعارة والنفاق والجشع والغيبة فالمؤمن زاهد في‬
‫االمور الخبيثة فقط وليس زاهدا في الطيبات من مأكل وملبس ومسكن وسياحة وتجارة وعلم وطرائف‪ -‬وغير ذلك‬
‫من الطيبات وهي كثيرة جدا قال تعالى ﴿قل من حرم زينة اهلل التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق‪ -‬قل هي‬
‫للذين أمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل اآليات لقوم يعلمون (‪ )32‬قل إنما حرم ربي الفواحش‬
‫ما ظهر منها وما بطن واالثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا‪ -‬باهلل ما لم ينزل به سلطانا‪ -‬وأن تقولوا على اهلل ما ال‬
‫تعلمون (‪ ﴾)33‬سورة األعراف‪ .‬وال تكتمل السعادة بالتنعم بالطيبات بل ال بد من الصبر على المصائب فالحياة‬
‫بحاجة الى قدر هائل من الصبر فصعوباتها كثيرة ولهذا نجد آيات كثيرة تدعو للصبر فقد صبر االنبياء‬
‫والمؤمنين وعلموا أن اهلل أمرهم بالصبر‪ -‬وعلموا أن اهلل ال يضيع أجر الصابرين قال تعالي‪﴿ :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫استعينوا بالصبر‪ -‬والصالة أن اهلل مع الصابرين (‪ ﴾)153‬سورة البقرة‪ .‬وفقنا اهلل واياكم‪ -‬إلى سعادة الدنيا واآلخرة‬
‫وباعد بيننا وبين السراب واآلماني‪ -‬الباطلة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫مثقونا ‪ .....‬وتعاسة الغرب‬

‫ان احد االسباب الرئيسية الفتقادنا‪ -‬السعادة تأثرنا‪ -‬بمفاهيم وعقائد وعادات غربية ضارة‪ ،‬فكما استوردنا‬
‫أشياء كثيرة مفيدة من الغرب وخاصة في مجال التكنولوجي‪ -‬فكذلك استوردنا‪ -‬كثيرا من الشقاء الننا قلدنا االنسان‬
‫الغربي في كثير من أهدافه وعقائده وأخالقه ونظمه التعليمية واستيراد‪ -‬الشقاء الغربي يرجع إلى أننا كشعوب‬
‫وأفراد أرهقنا تخلفنا السياسي‪ -‬والتكنولوجي واالداري‪ -‬فتنكرنا‪ -‬لكل ما عندنا من خير وشر وسحرتنا الحضارة‬
‫الغربية فاصبح المثقف في نظرنا هو من يتكلم بلغة الغرب ويستشهد بأقواله ويعرف‪ -‬ثقافته واصبحت المراة‬
‫المثقفة والمتحضرة هي التي تتابع الموضة وتعرف الماركات العالمية في المالبس واالحذية والعطور‪ -‬وهي التي‬
‫زارت أو تحلم بزيارة لندن وباريس‪ .‬نفعل كل هذا وغيره الننا نعتقد أن االنسان الغربي سعيد ومتحضر فهل هو‬
‫كذلك؟ وهل الحضارة الغربية حضارة راقية؟ قبل اإلجابة على هذا السؤال نقول ان انتقادنا حضارة الغرب ال‬
‫يتضمن بصورة مباشرة أو غير مباشرة تبريراً أو رضى‪ -‬عن واقعنا‪ ،‬فواقعنا‪ -‬له ايجابياته وسلبياته وهو ليس‬
‫موضوع‪ -‬نقاشنا في هذا المقال كما ان ذكر تخلف الغرب في مجاالت ليس معناه أن الغرب لم يحقق التقدم‬
‫والتطور‪ -‬في مجاالت اخرى‪ ،‬فال شك أن الغرب متقدم جدا في مجاالت الصناعة والزراعة والطب والسياحة‬
‫وغير ذلك واالدلة التي تبين تخلف الغرب وشقائه كثيرة نذكر منها‪:‬‬

‫(‪ )1‬تبين االحصائيات أن الحضارة الغربية حضارة متخلفة وإ ليكم ما تقوله هذه االحصائيات‪:‬‬
‫( أ ) بلغ عدد جرائم القتل في الواليات المتحدة سنة ‪ 19.526 – 1986‬جريمة قتل أي ‪ 100‬جريمة لكل مليون‬
‫أما في الكويت فكانت هناك ‪ 19‬جريمة قتل ‪ 1986‬أي ‪ 10‬لكل مليون‪.‬‬
‫(ب) بلغت عدد الجرائم في أمريكا في سنة ‪ 1986‬حوالي عشرة ماليين جريمة أي ما يعادل حوالي ‪ %5‬من‬
‫عدد السكان ارتكبوا جرائم في حين أن عدد الجرائم في الكويت في ‪ 1987‬كان ‪ 11.171‬جريمة أي ما‬
‫يعادل ‪ %0.6‬من عدد السكان أي أن معدل الجرائم في الواليات المتحدة هو ثمان أضعاف معدلها في‬
‫الكويت‪.‬‬
‫(حـ) نسبة حاالت الطالق إلى الزواج في الواليات المتحدة في سنة ‪ 1986‬هي ‪ %48‬في حين أنها في مصر‬
‫‪ %18‬في سنة ‪ 1984‬أما في الكويت فكانت النسبة ‪ %27‬في سنة ‪.1987‬‬
‫( د ) سجلت سنة ‪ 1986‬في أمريكا ‪ 72.626‬جريمة اغتصاب وحصلت حوالي سبعمائة الف جريمة تعاطي‪-‬‬
‫المخدرات وبلغت حاالت اإلجهاض في سنة ‪( 1.574.000 1983‬مليون وخمسمائة وأربع وسبعون‪ -‬ألف)‬
‫أما عدد األطفال غير الشرعيين فكان سنة ‪ 828.200 -1985‬طفل (ثمانمائة وثمانية وعشرون ألف ومائتا‬
‫طفل) وهؤالء يشكلون ‪ %22‬من المواليد في تلك السنة في حين نسبة االطفال غير الشرعيين في سنة‬
‫‪ 1960‬كانت ‪ %5.3‬وال شك أن الفرق شاسع بين الواليات المتحدة والوطن العربي في احصائيات جرائم‬
‫االغتصاب وااليدز‪ -‬والمخدرات واالبناء غير الشرعيين‪ ،‬وهذه االحصائيات تبين بوضوح‪ -‬أن عالمنا العربي‬
‫أكثر تقدما في الجانب االجتماعي مقارنة مع الغرب فكيف‪ -‬لو تمسكنا أكثر باألسالم؟!‬

‫‪15‬‬
‫(‪ )2‬ان الغرب ال يعرف هل اهلل واحد أو ثالثة وال يعرف صفات اهلل‪ ،‬وال الهدف من خلق اإلنسان وال أين يذهب‬
‫من يموت من البشر وال يعرف الصواب من الخطأ في قصص االنبياء فهم لديهم معلومات كثيرة وحقائق‬
‫قليلة ولديهم ثقافة ال علم قال تعالى "يعلمون ظاهراً من الحياة وهم عن األخرة غافلون" (‪ )7‬سورة الروم‪.‬‬
‫وهذا الضياع جعل عقائد الغرب متناقضة كالرأسمالية والشيوعية والعلمانية والفلسفات القديمة والحيثة وما‬
‫أكثر فالسفتهم ومفكروهم الذين يتباهون بهم‪ ،‬فطالما سمعنا عن سقراط وهو احد أكبر فالسفتهم والذي قال‬
‫"انني جاهل وأعرف إني جاهل وأما هم فجهلة ويجهلون أنهم يجهلون" (‪ )11‬وسقراط صادق‪ -‬في قوله فهو‬
‫يعترف أنه احتار في فهم الكون واإلنسان وحكماء الغرب الحاليون على شاكلة حكيم اليونان وفيلسوفها‪ -‬قديما‬
‫فأقوالهم‪ -‬يختلط فيها الحق بالباطل والصواب‪ -‬بالخطأ أما علمؤنا فهم يعلمون ويعلمون أنهم يعلمون وعلى‬
‫رأسهم الرسول صلى اهلل عليه وسلم وابن عباس والشافعي‪ -‬وابن حنبل وابن تيمية وغيرهم كثيرون قال‬
‫رسول اهلل صلى اهلل علية وسلم "فواهلل أني ألعلمهم باهلل واشدهم‪ -‬له خشية" (‪.)12‬‬
‫(‪ )3‬تجعل الحضارة الغربية المال في رأس إهتماماتها وأهدافها‪ -‬ونشاطها‪ -‬وتفكيرها ولهذا فحضارتهم‪ -‬حضارة‬
‫مادية أو رأسالمية‪ ،‬ودول هذه الحضارة على استعداد الن تشعل الحروب وتضطهد‪ -‬الشعوب وتدبر االنقالب‬
‫من أجل الحفاظ على مصالحها‪ -‬المادية‪ ،‬والدول الغربية هي الدول االستعمارية خالل القرون الثالثة‬
‫الماضية‪ .‬وال تزال دولهم ال تطبق العدل والمساواة والحرية عندما تتعارض مع مصالحهم‪ -‬االقتصادية‬
‫وتاريخ االستعمار فيه الكثير من االدلة على جرائم الغرب‪ ،‬فقد أعادوا عهود الرقيق وساندوا االنظمة‬
‫العنصرية واستنزفوا الثروات وأشعلوا‪ -‬الفتن والحروب‪ -‬وقتلوا االحرار وعذبوهم‪ -‬فأين هم من العدل‬
‫والمساواة والحرية؟ وعندما يقتصر العدل على شعب أو أمة ويمنع عن البقية فهذا دليل تخلف وليس معنى‬
‫قولنا هذا أنه ال توجد جوانب إنسانية في الغرب بل توجد ولكن االولوية تعطي للمصالح وليس للمبادئ‬
‫فالمال أعمى بصائرهم‪ -‬قال جون جونز في كتابه في داخل أوربا " ان االنجليز يعبدون بنك انجلترا ستة أيام‬
‫ومن قلد الغرب في مناهجه أصيب ببعض شقائه‬ ‫(‪)13‬‬
‫في األسبوع ويتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة"‬
‫وتخلفه قال محمد اقبال "مسلمون ولكن عقولهم تطوف‪ -‬حول االصنام‪ ،‬ان االفرنج قد قتلوه من غير حرب‬
‫وضرب عقول وقحة‪ ،‬وقلوب قاسية‪ ،‬وعيون ال تعف عن المحارم‪ ،‬وقلوب‪ -‬ال تذوب بالقوراع‪ ،‬كل ما عندهم‬
‫من علم وفن ودين وسياسة‪ ،‬وعقل وقلب‪ ،‬يطوف حول الماديات قلوبهم ال تتلقى الخواطر المتجددة وأفكارهم‪-‬‬
‫ال تساوي شيئاً حياتهم جامدة‪ ،‬واقفة‪ ،‬متعطلة" (‪.)14‬‬
‫(‪ )4‬من االمور المعروفة أن النظافة دليل تقدم وأن القذراة دليل تخلف ونظافة االجسام عندنا واجب شرعي‬
‫وعند الغرب كانت وال زالت قناعات شخصية وقبل قرون قليلة فقط كان االنجليز نادرا ما يستحمون في حين أن‬

‫‪11‬‬
‫جريدة القبس الكويتية ‪88-6-18‬‬ ‫()‬
‫‪12‬‬
‫كتاب األدب – المجلد العاشر‪-‬فتح الباري شرح صحيح البخاري‪- -‬للعسقالني‬ ‫()‬
‫‪13‬‬
‫ص ‪ 225‬كتاب أقوال اعجبتني – صالح الشاهد‬ ‫()‬
‫‪14‬‬
‫ص ‪ 43‬نحو التربية اإلسالمية الحره – أبو الحسن على الحسني الندوي‬ ‫()‬
‫‪16‬‬
‫المسلمين الملتزمين ومنذ أربعة عشر قرنا يستحمون على االقل كل اسبوع مرة ولو قارنا بين أحكام االسالم‬
‫واحكام الغرب في الزواج والطالق واالخالق‪ -‬وبر الوالدين والبيع والربا‪ -‬والخمر وغير ذلك التضحت جوانب‬
‫من تقدمنا وتخلفهم فاحكام‪ -‬الطالق تتغير عندهم باستمرار فقد كان الطالق محرما اال في حاالت نادرة فلما‬
‫إكتشفوا ضرر ذلك اباحوه واختلفوا في احكامه والحقوق‪ -‬المترتبة عليه وتخلف الغرب في االحكام شئ طبيعي‪-‬‬
‫وذلك الن احكامهم وضعية تصيب في جوانب وتخطي في جوانب أخرى في حين ان احكام االسالم شرعها اهلل‬
‫سبحانه وتعالى‪ -‬وهو يعرف النفس البشرية وما يناسبها‪ -‬قال تعالى "اال يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" (‪)14‬‬
‫سورة الملك وقد‪ -‬ال يشعر البعض بتقدمنا أو بتخلف الغرب وذلك ألن الغرب نجح نجاحاً كبيرا باعالمه الذكي في‬
‫اظهار عيوبنا وأخطأئنا‪ -‬وفي ستر عيوبه وأخطائه فهو يتهمنا بالهمجية حتى لو أعدمنا مجرما واحدا في حين أن‬
‫ضحايا الحرب العالمية الثانية كانوا أكثر من أربعين مليونا اغلبهم من المدنين‪ ،‬فمن الهمجي؟ وليت الغرب‬
‫يشرح لنا كيف تم اقتسام الشعوب واالراضي بين الحلفاء بعد انتصارهم‪ -‬في هذه الحرب؟ أليس من النفاق انه في‬
‫نفس الوقت الذي كان يتم فيه توزيع "الغنائم"‪ -‬كان يتم إنشاء هيئة األمم المتحدة كأن الغرب حريص فعال على‬
‫العدل والحرية وعموما فان تخلف الغرب واضح في ظلمه وشرائعه واخالقه ‪ ،‬ولكن هناك من ال يريد أن يراه‪،‬‬
‫وتكاد تكون الحريات ودور الشعب في الحكم هما المجالين الذين حقق فيهما الغرب نجاحاً كبيراً فكراً وممارسة‪.‬‬

‫(‪ )5‬عدد االبناء المجهولي‪ -‬األب أو الوالدين في الغرب عدد كبير وال يشفع للغرب أن يوفر‪ -‬لهؤالء األطفال‬
‫حضانات‪ ،‬فحنان األم ال يعوضه أي شئ وقيم‪ -‬الغرب وعقائده واهدافه حطمت الكثير من األسر‪ ،‬ودعونا‬
‫نتأمل صورة ونفسية طفل ال يعرف أمه او ابيه أو كليهما‪ ،‬كم ارتكب المجتمع بحق هذا الطفل البرئ من‬
‫جرائم ومن قال أن االنسان حر في أن يمارس الجنس ثم يلقي نتيجة لذته في الشارع ليضيع طفل رضيع ان‬
‫مثل هذا االنسان رجال أو أمراة يرتكب جريمة من اكبر الجرائم في حق االنسانية النه سلب من طفل رضيع‬
‫حق أن تكون له أم وأب واخوة وأسرة‪ ،‬وقارنوا هذا الوضع باطفال االمة االسالمية الذين يعيشون مع اسرهم‬
‫وفي كل االحوال يعرفون اباءهم وأمهاتهم‪ -‬وما أعدل واحكم قوانين الشريعة اإلسالمية التي تنصفنا أطفاالً‬
‫ورجاال ونساءا وتعلمنا‪ -‬حدود الحريات الصحيحة‪.‬‬

‫(‪ )6‬قدمت الحضارة الغربية الكثير للمراة فقد فتحت لها المدارس والجامعات وشجعتها على العمل وأعطتها‬
‫الحرية في اختيار الزوج‪ ،‬ولكنها من ناحية اخرى اضرت المرأة‪ ،‬فقد فككت االسرة والتي تعتبر مملكة‬
‫المرأة وازهدت الناس في الزواج‪ ،‬واستسهلت الطالق‪ ،‬وضيعت حقوق االم‪ ،‬فال يرى االبناء حقوقا عظيمة‬
‫المهم وقد ال يذكرونها اال في أعياد الميالد ويتركونها للوحدة ومن يعرف حنان األم وعطاءها يعرف كم هي‬
‫قاسية هذه الحضارة التي ال تعرف لالم حقوقا عظيمة وظلمت الحضارة الغربية المرأة عندما استغلت‬
‫جمالها الجسدي أسوأ استغالل فدور‪ -‬المرأة في كثير من األفالم ال يزيد عن دور جنسي والرجل الغربي يجد‬
‫الباب مفتوحاً أمامه إلقامة عشرات العالقات الجنسية دون أن يتحمل أي تكاليف أو مسئوليات قانونية‪،‬‬
‫وعندما يذبل جمال المرأة تكسد في سوق الرجال وتعيش وحيدة منبوذة أما في شريعتنا فال يسمح إطالقا‬
‫للرجل بإقامة عالقة جنسية إال ضمن إطار الزواج الذي يلزم الرجل بمهر ومسكن ومصاريف‪ -‬وما يترتب‬
‫‪17‬‬
‫على هذا الزواج من أبناء بينما المرأة الغربية وباسم‪ -‬الحرية المزورة تفقد كل هذه الحقوق فالفرق‪ -‬شاسع بين‬
‫رابطة زوجية ورابطة شيطانية واختيار‪ -‬الرجل للمرأة كزوجة معناه االحترام‪ -‬والحب واالقتناع فقد اختار‬
‫شريكة لحياته وأما ألبنائه واختيار للمرأة كعشيقة هو اختيار لجسد يلهو به وال يحترم صاحبته وال يراها‬
‫أهال ألن تحمل اسمه أو تكون أما ألبنائه والحضارة التي تسمح قانونا وعرفا بأن تكون المرأة جسدا بال‬
‫كرامة هي حضارة متخلفة النها تخالف القيم االنسانية السامية التي تدعو لها جميع االديان السماوية‪ .‬بعد‬
‫هذه االدلة الواضحة على تخلف الغرب وتعاسته والتي تثبت أن الحضارة الغربية ليست حضارة راقية‬
‫وبالتالي ال تصلح الن تكون مثالً يحتذى أو نموذجا يقلد‪ .‬نقول رحم اهلل أحمد شوقي الذي لخص جزءاً هاما‬
‫من الرقي الحضاري‪ -‬في قوله‪:‬‬
‫وإ نما االمم االخالق ما بقيت ف‪-- - - - - - - -‬ان همو ذهبت أخالقهم‪ -‬ذهب‪-- - - - - - - -‬وا وما يحز في النفس أن نجد بعض مثقفينا ال‬
‫يزالون يقلدون الغرب في عقائده وفلسفته وعاداته ويظنون أن ديننا هو سبب تخلفنا‪ ،‬وهم ال يعرف‪--‬ون من ديننا‬
‫إال القليل وال يعرفون ما كتب علماؤنا وليتهم‪ -‬تعلموا من الغرب كيف ن‪--‬زرع ونحصد ونص‪--‬نع ونبحث ونخطط‪-‬‬
‫ولكنهم فشلوا‪ -‬في أغلب هذا ولم يأخذوا من الغرب اال تخلفه الفكري ونهمس بإذن هؤالء وحجم التخلف الهائل‬
‫الذي نعيشه يرهقنا ونقول المثل المصري (( جيتك يا عبدالمعين تعين لقيتك يا عبدالمعين تنعان))‪.‬‬
‫كالمستجير‪ -‬من الرمضاء بالنار‬ ‫ونقول‪ :‬المستجير بعمرو‪ -‬عند كربته‬

‫‪18‬‬
‫كم من مريد للخير لن يصيبه!‬
‫قال عمر بن عبالعزيز رضي‪ -‬اهلل عنه‪:‬‬
‫" من عبداهلل بغير علم كان يفسد أكثر مما يصلح"‪.‬‬

‫األه ‪-- - - -‬داف العامة لكث ‪-- - - -‬ير من العقائد والسياس ‪-- - - -‬ات‪ -‬والنظم أه ‪-- - - -‬داف نبيلة الغب ‪-- - - -‬ار عليها ومع ذلك نجد أن األف ‪-- - - -‬راد‪-‬‬
‫المخلص‪-- - -‬ين من حملة المب‪-- - -‬ادىء اليحقق‪-- - -‬ون الس‪-- - -‬عادة ال‪-- - -‬تي يري‪-- - -‬دونها لق‪-- - -‬ومهم أو للبش‪-- - -‬رية أي أن نواي‪-- - -‬اهم الطيبة‬
‫وإ خالص‪--‬هم‪ -‬لم تكن كافية لتحقيق ما يري‪--‬دون بل أن بعض ه‪--‬ؤالء المخلص‪--‬ين قد يص‪--‬بحون من أك‪--‬ثر الن‪--‬اس إجراما‬
‫واس ‪--‬تبداد‪ -‬وش ‪--‬را‪ ،‬فالش ‪--‬يوعية مثال ه ‪--‬دفت إلى إنص ‪--‬اف‪ -‬الفق ‪--‬راء والعم ‪--‬ال ومس ‪--‬اواة البشر وحققت ج ‪--‬زءا من أه ‪--‬دافها‬
‫ولكنها أنتجت ك‪---‬ذلك االس‪---‬تبداد والتخلف‪ -‬االقتص‪---‬ادي‪ -‬واألنظمة البوليس ‪--‬ية ومنعت الن ‪--‬اس ح ‪--‬تى من حرية الخ‪---‬روج‬
‫واله‪--‬رب من الجنة الش‪--‬يوعية المزعومة بل ح‪--‬تى ه‪--‬دف القض‪--‬اء على الفقر وهو اله‪--‬دف ال‪--‬ذي ق‪--‬امت من أجله فش‪--‬لت‬
‫في تحقيقه‪ .‬فالعالم‪ -‬الغربي أك‪--‬ثر غ‪--‬نى ورفاهية من الع‪--‬الم الش‪--‬يوعي‪ ،‬والرأس‪--‬مالية الغربية حملها المؤمن‪--‬ون بالحرية‬
‫والعدل والمساواة وحقق المخلصون بعض أهدافهم ولكنهم‪ -‬فشلوا في قضايا‪ -‬مهمة فقد عبدوا المال وتفككت األسرة‬
‫وأنتجت الحض‪-- -‬ارة الغربية االس‪-- -‬تعمار‪ -‬والقلق واالي‪-- -‬دز‪ -‬والمخ‪-- -‬درات وغ‪-- -‬ير ذل‪-- -‬ك‪،‬والبوذية رك‪-- -‬زت على الج‪-- -‬وانب‬
‫الروحية واألخالقية وأهملت الج ‪--‬وانب المادية والتش ‪--‬ريعية‪ ،‬والنازية تم ‪--‬ادت في اع ‪--‬تزاز اإلنس ‪--‬ان بوطنه وجنس ‪--‬يته‬
‫ف‪-- -‬أنتجت الغ‪-- -‬رور والح‪-- -‬روب‪ -‬وباختص‪-- -‬ار ف‪-- -‬إن األه‪-- -‬داف النبيلة والنوايا الحس‪-- -‬نة يض‪-- -‬يع أص‪-- -‬حابها‪ -‬أن لم يه‪-- -‬دهم اهلل‬
‫للطريق المس‪--‬تقيم وله‪--‬ذا قي‪--‬ل‪ :‬الطريق‪ -‬إلى جهنم مف‪--‬روش بالنوايا الحس‪--‬نة وق‪--‬ال العلم‪--‬اء‪ :‬العمل ب‪--‬دون علم‪ ،‬والشك‬
‫أن بعض ه‪--‬ؤالء المخلص‪--‬ين الض‪--‬ائعين قد حقق‪--‬وا ايجابي‪--‬ات في المس‪--‬اواة والحرية والق‪--‬وة والتق‪--‬دم التكنول‪--‬وجي‪ -‬ولكن‬
‫الحقيقة الواض‪-- -‬حة أن المحص‪---‬لة النهائية إلعم‪-- -‬الهم هي الفشل ال‪---‬ذريع فروس ‪--‬يا‪ -‬تئن من الض ‪--‬ياع الش‪-- -‬يوعي وأمريكا‬
‫عمالق تنتشر‪ -‬األم‪-- - -‬راض في عقله وجس‪-- - -‬ده‪ ،‬والنج‪-- - -‬اح ه‪-- - -‬دف ق‪-- - -‬امت من أجله ث‪-- - -‬ورات وأنظمة ومع ه‪-- - -‬ذا لم يصل‬
‫أص ‪--‬حابها إلى ما يري ‪--‬دون من أه ‪--‬داف فحقق ‪--‬وا بعض ‪--‬ها وفش ‪--‬لوا في أكثرها وكم من مخلص ‪--‬ين وقفت معهم ش ‪--‬عوبهم‪-‬‬
‫ووصلوا‪ -‬إلى الحكم ومع هذا وبعد سنوات أصبحوا مكروهين كما أصبحوا أك‪--‬ثر ض‪--‬ررا‪ -‬على ش‪--‬عوبهم من س‪--‬ابقيهم‬
‫مع أن نواياهم‪ -‬كانت وما زالت نوايا طيبة وأصحاب النوايا الحسنة ضاعوا ألنهم يجهلون الحياة والكون واالنس‪--‬ان‬
‫ومن لم يجعل اهلل له ن ‪--‬ورا فما له من ن ‪--‬ور ومن يضل اهلل فال ه ‪--‬ادي له واالس ‪--‬الم‪ -‬يعمل على ترش ‪--‬يد النوايا الحس ‪--‬نة‬
‫واأله‪---‬داف النبيلة ويحققها فيعطي الفق‪---‬راء والعم‪---‬ال حق‪---‬وقهم كاملة ويس ‪--‬مح ك ‪--‬ذلك بوج ‪--‬ود الغ ‪--‬نى الش‪---‬ريف ويعطي‪-‬‬
‫مج‪---‬اال الع‪---‬تزاز الف‪---‬رد بش‪---‬عبه وأمته دون أن يتح‪---‬ول ه‪---‬ذا االع‪---‬تزاز الى عنص ‪--‬رية ويعطي‪ -‬ك ‪--‬ذلك مج‪---‬اال لالخالق‬
‫والروحاني ‪--‬ات ومج ‪--‬اال للمادي ‪--‬ات ويحقق االس ‪--‬الم المس ‪--‬اواة والع ‪--‬دل والحرية بطريقة واقعية وس ‪--‬ليمة فاالس ‪--‬الم‪ -‬دين‬
‫ش‪-- -‬امل يعطي كل ذي حق حقه وال يعطي االغني‪-- -‬اء والفق‪-- -‬راء أقل أو أك‪-- -‬ثر من حق‪-- -‬وقهم‪ -‬وال يجعل الج‪-- -‬وانب المادية‬
‫تطغى على الجوانب الروحية أو العكس كما أنه ال يكبت الغريزة الجنسية وال يتركها‪ -‬بال قي‪--‬ود‪ -‬أو ض‪--‬وابط‪ -‬هو دين‬
‫وسط يحقق الت‪--‬وازن والع‪--‬دل في كل ش‪--‬ىء فهن‪--‬اك حق‪--‬وق اهلل وحق‪--‬وق‪ -‬للعب‪--‬اد والدولة والحكومة والوال‪--‬دين واالق‪--‬ارب‬
‫وهكذا وما لم يستطع أن يحققه كثير من أصحاب النوايا الحسنة هو معرفة تحقيق هذا الت‪-‬وازن‪ ،‬وقد رأت الش‪-‬عوب‬
‫الفشل واض ‪--‬حا‪ -‬واقتنعت ب ‪--‬أن النظرية الدافعة له ‪--‬ؤالء المخلص ‪--‬ين نظرية فاش ‪--‬لة وأص ‪--‬بح المخلص ‪--‬ون يتح ‪--‬دثون عن‬

‫‪19‬‬
‫تص‪--‬حيح نظري‪--‬اتهم وعقائ‪--‬دهم وهك‪--‬ذا يس‪--‬تمر‪ -‬مسلسل التص‪--‬حيح الى االبد ويس‪--‬تمر خ‪--‬داع الش‪--‬عوب واالمم بش‪--‬عارات‬
‫جدي‪-- -‬دة ونبيلة وتكتشف الش‪-- -‬عوب مع االي‪-- -‬ام ومع زي‪-- -‬ادة ال‪-- -‬وعي أن الس‪-- -‬عادة حلم وس‪-- -‬راب والبش‪-- -‬رية الي‪-- -‬وم ح‪-- -‬ائرة‬
‫وضائعة فالتوازن عملية ال تتم اال في ظل االسالم وحرص الرسول (‪ )‬على التوازن وح‪--‬ذر بش‪--‬دة من االنح‪--‬راف‬
‫حتى لو كانت النية طيبة ولهذا قال لمن كان يقوم الليل يص‪--‬لي وال ين‪--‬ام ولمن يص‪--‬وم وال يفطر ولمن اع‪-‬تزل النس‪-‬اء‬
‫فال ي ‪--‬تزوج أنا أص ‪--‬وم وأفطر وأق ‪--‬وم الليل وأن ‪--‬ام وأت ‪--‬زوج‪ -‬النس ‪--‬اء فمن رغب عن س ‪--‬نتي فليس م ‪--‬ني‪ ،‬والحظ ‪--‬وا‪ -‬ت ‪--‬برأ‬
‫الرس‪--‬ول ممن يفقد الت‪--‬وازن ويبت‪--‬دع في ال‪--‬دين الن التم‪--‬ادى ح‪--‬تى في الخ‪--‬ير غالبا ما يك‪--‬ون ش‪--‬را الن الت‪--‬وازن للف‪--‬رد‬
‫والحكومة واالمة يختل وفق ‪--‬دان الت ‪--‬وازن ح ‪--‬دث لكث ‪--‬ير من الف ‪--‬رق واالتجاه ‪--‬ات االس ‪--‬المية فالمتص ‪--‬وفة رك ‪--‬زوا‪ -‬على‬
‫االخالق والزهد ترك‪--‬يزا ش‪--‬ديدا ففق‪--‬دوا الت‪--‬وازن العقائ‪--‬دي والتش‪--‬ريعي‪ -‬والمعتزلة تم‪--‬ادوا في االعت‪--‬داد بالعقل وال‪--‬رأي‬
‫فأص‪-- -‬ابتهم بعض عي‪-- -‬وب الفالس‪-- -‬فة كالج‪-- -‬دل والقيل والق‪-- -‬ال والخ‪-- -‬وارج فق‪-- -‬دوا الت‪-- -‬وازن النهم تمس‪-- -‬كوا‪ -‬تمس‪-- -‬كا أعمى‬
‫بالنصوص القرأنية وأهملو العقل والفهم فضلوا‪ .‬وفقدان التوزان حدث في عصرنا لحكومات وأحزاب وجماع‪--‬ات‬
‫وأف‪-‬راد وذلك مع وج‪-‬ود‪ -‬حسن النية فهن‪-‬اك من أعطى الحكوم‪-‬ات س‪-‬لطة أكبرها مما لها في ش‪-‬رع اهلل فض‪-‬ل‪ .‬وهن‪-‬اك‬
‫من أعطى الش‪--‬عوب أو العلم‪--‬اء أو االولي‪--‬اء أو الحك‪--‬ام أو الجماع‪--‬ات أك‪--‬ثر أو أقل مما يجب وهنالك أيضا من أعطى‬
‫مص‪--‬الحه الشخص‪--‬ية أك‪--‬ثر مما لها فضل وهن‪--‬اك من أهتم بال‪--‬دنيا على حس‪--‬اب االخ‪--‬رة‪ ،‬وهم كث‪--‬يرون فض‪--‬لوا وهن‪--‬اك‬
‫العكس وهم قليل ‪-- -‬ون فض ‪-- -‬لوا‪ -‬أيضا وهن ‪-- -‬اك من اعطى زوجته أو أوالده أو أص ‪-- -‬دقائه أك ‪-- -‬بر أو أقل مما ينبغي فضل‬
‫وش‪--‬قى والت‪--‬وازن مطل‪--‬وب أيضا في دائ‪--‬رة الف‪--‬رد فهن‪--‬اك حق‪--‬وق اهلل وحق‪--‬وق‪ -‬للنفس وحق‪--‬وق لالهل وهك‪--‬ذا فمن الخطأ‬
‫أن يكون عقلك نشيطا‪ .‬وجسمك كسوال‪ ،‬وهناك من فقد التوازن نتيجة لظروفه فاحساسه بظلم حكومة أو ح‪--‬زب أو‬
‫اتجاه جعله يتطرف في العداوة أو البغضاء وقد‪ -‬يس‪--‬تدل بآي‪--‬ات وأح‪--‬اديث ولكنه يتجاهل آي‪--‬ات أخ‪--‬رى ال تحقق م‪--‬راده‬
‫وتفضح تطرف‪--‬ه‪ .‬والت‪-‬وازن‪ -‬ووضع‪ -‬كل ش‪-‬ىء في موض‪-‬عه الس‪--‬ليم مطل‪-‬وب ح‪--‬تى في قض‪--‬ايا االص‪--‬الح اإلداري ال‪--‬ذي‬
‫يط‪--‬الب به كث‪--‬يرون ونواي‪--‬اهم‪ -‬حس‪--‬نة ولكن قلة هم من ل‪--‬ديهم العلم بالتخطيط‪ -‬والتط‪--‬وير‪ -‬ال‪--‬وظيفي والت‪--‬دريب والتق‪--‬ييم‬
‫وغير ذلك من معلومات أساسية‪.‬‬
‫ونق ‪--‬ول باختص ‪--‬ار‪ -‬إن أس ‪--‬باب فق ‪--‬دان الت ‪--‬وازن كث ‪--‬يرة ج ‪--‬دا ح ‪--‬تى ق ‪--‬ال القائ ‪--‬ل‪" :‬ال أعجب ممن هلك كيف هلك ولك ‪--‬ني‬
‫أعجب ممن نجا كيف نجا" ولعل أهم أسباب الضياع التطرف في عقيدة او خلق أو ع‪--‬ادة أو فك‪--‬رة أو عب‪--‬ادة أو ش‪--‬دة‬
‫أو لين كما أوض‪--‬حنا‪ -‬أعاله وقد يك‪--‬ون س‪--‬بب الض‪--‬ياع هو جزئية ال‪--‬دعوة وغموض‪--‬ها بمع‪--‬نى أن المعلن من ال‪--‬دعوة ال‬
‫ب‪--‬أس به ومقب‪--‬ول عقال كما ح‪--‬دث مع الش‪--‬يوعية‪ ،‬فحق‪--‬وق‪ -‬الفق‪--‬راء أمر مطل‪--‬وب ولكن موقف‪ -‬الش‪--‬يوعية من الحري‪--‬ات‬
‫واالنتخاب‪--‬ات‪ -‬واالغني‪--‬اء الش‪--‬رفاء وحق‪--‬وق االنس‪--‬ان وغ‪--‬ير ذلك ك‪--‬ان ش‪--‬يئا مجه‪--‬وال وال بد لمن يح‪--‬رص على اص‪--‬الح‬
‫االمة أن يط ‪-- -‬الب كل ق ‪-- -‬وة رئيس ‪-- -‬ية في االمة بتص ‪-- -‬ورها الش ‪-- -‬مولي للقض ‪-- -‬ايا المهمة ومن الخطأ الظن ب ‪-- -‬أن الت ‪-- -‬اريخ‬
‫النض‪--‬الي لالف‪--‬راد واالح‪--‬زاب والحكوم‪--‬ات‪ -‬يكفي للوص‪--‬ول‪ -‬لخ‪--‬ير االمة فالنوايا الحس‪--‬نة ال تكفي وح‪--‬دها وفي الخت‪--‬ام‬
‫نقول أن أسباب الشقاء والضالل كثيرة والنجاة منها تكون أساسا باستخدام‪ -‬العقل في فهم القرآن والسنة على ضوء‬
‫ما قاله العلماء المخلصون فإذا كان مصدرنا في ترشيد‪ -‬نوايانا وأعمالنا هو الق‪-‬رآن والس‪-‬نة فنحن بخ‪-‬ير وعلى ه‪-‬دى‬
‫في جميع أمورنا‪ -‬العقائدية والسياس‪-- - -‬ية واالجتماعية والشخص‪-- - -‬ية وس‪-- - -‬نكون كما ق‪-- - -‬ال رس‪-- - -‬ول اهلل (‪ )‬على المحجة‬
‫البيض‪--‬اء ال يزيغ عنها اال هالك والتمسك بكن‪--‬وز العلم والت‪--‬وازن والع‪--‬دل في الكت‪--‬اب والس‪--‬نة في ظل فهم س‪--‬ليم ليس‬

‫‪20‬‬
‫جم‪-- -‬ودا وتعص‪-- -‬با ورجعية بل هو فطنه وذك‪-- -‬اء ون‪-- -‬ور‪ -‬وهداية والمتأمل في عقائد البشر وع‪-- -‬اداتهم وأس‪-- -‬باب ش‪-- -‬قائهم‬
‫ي‪-- -‬درك ما نق‪-- -‬ول فلنق‪-- -‬رأ الكتب المفي‪-- -‬دة والواقع ولنبحث عن الحق‪-- -‬ائق فكلما ازددنا‪ -‬علما ازددنا س‪-- -‬عادة فالجهل ظالم‬
‫والعلم نور ونترككم‪ -‬مع هذه الحادثة التي تحمل الكث‪-‬ير من المع‪-‬اني والع‪-‬بر‪ -‬ق‪-‬ال عم‪-‬رو بن س‪-‬لمة‪(( :‬كنا نجلس على‬
‫ب‪---‬اب عبداهلل بن مس‪---‬عود‪ -‬قبل ص‪---‬الة الغ‪---‬داة ف‪---‬اذا خ‪---‬رج مش‪---‬ينا معه الى المس ‪--‬جد فجاءنا أبو موسى االش‪---‬عري فق‪---‬ال‪:‬‬
‫أخرج اليكم أبو عبدالرحمن بع‪-‬د؟ قلن‪-‬ا‪ :‬ال فجلس معنا ح‪--‬تى خ‪--‬رج فلما خ‪--‬رج قمنا اليه جميعا فق‪-‬ال له أبو موس‪-‬ى‪ :‬يا‬
‫أبا عب ‪--‬دالرحمن إني رأيت في المس ‪--‬جد أنفا أمر أنكرته ولم أر والحمد اهلل إال خ ‪--‬يرا ق ‪--‬ال‪ :‬فما ه ‪--‬و؟ فق ‪--‬ال‪ :‬ان عشت‬
‫فس ‪--‬تراه ق ‪--‬ال‪ :‬رأيت في المس ‪--‬جد قوما حلقا جلوسا ينتظ ‪--‬رون الص ‪--‬الة في كل حلقة رجل وفي أي ‪--‬ديهم حصا فيق ‪--‬ول‪:‬‬
‫كبروا مائة فيك‪-‬برون مائة فيق‪-‬ول‪ :‬هلل‪-‬وا مائة فيهلل‪-‬ون مائة ويق‪-‬ول س‪-‬بحوا مائة فيس‪-‬حبون مائة ق‪-‬ال‪ :‬فم‪-‬اذا قلت لهم؛‬
‫قال‪ :‬ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك أو انتظار أمرك ق‪--‬ال‪ :‬أفال أم‪--‬رتهم أن يع‪--‬دوا س‪--‬يئاتهم وض‪--‬منت لهم أن ال يض‪--‬يع‬
‫من حس‪-- - - -‬ناتهم‪ .‬ثم مضى ومض‪-- - - -‬ينا معه ح‪-- - - -‬تى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فق‪-- - - -‬ال‪ :‬ما ه‪-- - - -‬ذا ال‪-- - - -‬ذي أراكم‬
‫تص‪--‬نعون؟ ق‪--‬الوا‪ :‬يا أبا عب‪--‬دالرحمن حصا نعد به التكب‪--‬ير والتهليل والتس‪--‬بيح ق‪--‬ال‪ :‬فع‪--‬دوا س‪--‬يئاتكم فأنا ض‪--‬امن أن ال‬
‫يض‪--‬يع من حس‪--‬ناتكم ش‪--‬ىء ويحكم‪ -‬يا أمة محمد ما أس‪--‬رع هلكتكم ه‪--‬ؤالء ص‪--‬حابه ن‪--‬بيكم (‪ )‬مت‪--‬وافرون وه‪--‬ذه ثيابه لم‬
‫تبل وآنيته لم تكسر وال‪--‬ذي نفسي بي‪--‬ده انكم لعلى ملة أه‪--‬دى من ملة محمد أو مفتتحو ب‪--‬اب ض‪--‬اللة‪ .‬ق‪--‬الوا واهلل يا أبا‬
‫عب‪--‬دالرحمن ما أردنا إال الخ‪--‬ير ق‪--‬ال‪ :‬وكم من مريد للخ‪--‬ير لن يص‪--‬يبه أن رس‪--‬ول اهلل (‪ )‬ح‪--‬دثنا (( أن قوما‪ -‬يق‪--‬رأون‬
‫الق‪--‬رآن ال يج‪--‬اوز‪ -‬ت‪--‬راقيهم)) وايم اهلل ما أدري لعل أك‪--‬ثرهم منكم ثم ت‪--‬ولى عنهم فق‪--‬ال عم‪--‬رو بن س‪--‬لمة‪ :‬رأينا عامة‬
‫أولئك الحلق يطاعنونا‪ -‬يوم النهروان مع الخوارج" (‪.)15‬‬

‫‪15‬‬
‫ص ‪ 15 ، 14‬البدعه وأثرها السيء في األمة االستاذ سليم الهاللي‪.‬‬ ‫()‬
‫‪21‬‬
‫العلم سعادة والجهل شقاء‬
‫كلما ازددنا‪ -‬علما ازددنا سعادة‬

‫عندما تض‪-‬يع الحق‪-‬ائق يض‪-‬يع المخلص‪-‬ون فالحي‪-‬اة في ظالم الجهل ش‪-‬قاء والحي‪-‬اة في ن‪-‬ور العلم س‪-‬عادة ق‪-‬ال تع‪-‬الى‪﴿ :‬‬
‫أومن ك ‪--‬ان ميتا فأحيين ‪--‬اه وجعلنا له ن ‪--‬ورا يمشي به في الن ‪--‬اس كمن مثله في الظلم ‪--‬ات ليس بخ ‪--‬ارج منها ك ‪--‬ذلك زين‬
‫للكافرين ما كانوا يعملون﴾ (‪ )122‬سورة االنعام‪.‬‬

‫وق‪--‬ال تع‪--‬الى ﴿ يه‪--‬دي اهلل لن‪--‬وره من يش‪--‬اء﴾ س‪--‬ورة الن‪--‬ور وما أك‪--‬ثر الن‪--‬ور في الكت‪--‬اب والس‪--‬نة لو درس‪--‬ناهما وتفكرنا‪-‬‬
‫وعقلنا فلنحرص على العلم بكافة أنواعه فجزء من شقائنا منبعه االقتناع بآراء ومفاهيم وعقائد خاطئة فكلما عرفنا‬
‫الحقائق الفكرية والمادية وحقائق الواقع والتاريخ ازددنا‪ -‬سعادة والطرق التي أضاعت الحقائق كثيرة وهذه الطرق‪-‬‬
‫جعلت ج‪-- -‬زءا غ‪-- -‬ير قليل من مثقفينا يرتكب‪-- -‬ون كث‪-- -‬يرا من االخط‪-- -‬اء العقائدية والسياس‪-- -‬ية ويجهل‪-- -‬ون أسس االص‪-- -‬الح‬
‫وطب ‪-- -‬ائع‪ -‬البشر ونخطىء عن ‪-- -‬دما نظن أن المقص ‪-- -‬ود بالجهل هو االمية بل الجهل هو ع ‪-- -‬دم معرفة الحق من الباطل‬
‫والص‪--‬واب من الخطأ فالجاهل قد يك‪--‬ون من أص‪--‬حاب ش‪--‬هادة ال‪--‬دكتوراه ولكنه مقتنع ب‪--‬أن ال خ‪--‬الق له‪--‬ذا الك‪--‬ون أو أن‬
‫االس ‪--‬تبداد نظ ‪--‬ام ص ‪--‬حيح أو لديه تعصب وعنص ‪--‬رية لش ‪--‬عب أو أمة أو غ ‪--‬ير ذلك وعموما فقد دخل الجهل وال ي ‪--‬زال‬
‫يدخل للعقل البشري‪ -‬من أبواب كثيرة نذكر منها‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخذ العلم من غير أهله‪:‬‬


‫من أهم مص ‪--‬ادر ض ‪--‬ياع العلم أخ ‪--‬ذخ من غ ‪--‬ير أهله فمثال وج ‪--‬دنا من ق ‪--‬ال أن االنس ‪--‬ان تط ‪--‬ور‪ -‬من ق ‪--‬رد وأن ذلك‬
‫حدث عن طريق‪ -‬الطفرة وعندما نس‪-‬أل علم‪--‬اء الوراثة والطف‪--‬رة نجد أن الطف‪--‬رة ال‪-‬تي يعرفها علم‪-‬اء االحي‪--‬اء لم يثبت‬
‫أنها نقلت جنسا الى جنس آخر أي ال تح‪---‬ول الق‪---‬رد الى انس‪---‬ان اب‪---‬داً ووج ‪--‬ود بعض التش ‪--‬ابه بين الق‪---‬رد واالنس‪---‬ان ال‬
‫يعني أنه ليس هناك اختالفات كبيرة بينهما وبالت‪--‬الي‪ -‬فح‪--‬ديث أهل الجهل عن الطف‪--‬رة يس‪--‬بب تزوي‪--‬را للحق‪--‬ائق العلمية‬
‫ولهذا وجدنا بعض الفالسفة يتحدثون عن خلق االنسان وهم غير مطلعين حتى على المعلوم‪--‬ات االساس‪--‬ية في علم‬
‫االحياء وكم من حقائق تم تزويرها الن الناس لم يس‪--‬ألوا أهل العلم وس‪--‬ألوا غ‪--‬يرهم ق‪--‬ال تع‪--‬الى ﴿ فاس‪--‬ئلوا أهل ال‪--‬ذكر‬
‫أن كنتم ال تعلم ‪-- -‬ون﴾ (‪ )7‬س ‪-- -‬ورة االنبي ‪-- -‬اء وكم من معلوم ‪-- -‬ات ورآء تت ‪-- -‬داول في مجالس ‪-- -‬نا وص ‪-- -‬حافتنا واجتماعاتنا‪-‬‬
‫والمتحدثون في موضوع النقاش ليسوا من أهل العلم وما أكثر الحقائق الني ضاعت من هذا الباب‪.‬‬

‫(‪ )2‬غياب االدلة الفكرية‪:‬‬


‫يعتمد أس ‪-- -‬لوب الوص ‪-- -‬ول‪ -‬للحق ‪-- -‬ائق في العلم الم ‪-- -‬ادي وهو العلم المختص بقض ‪-- -‬ايا الص ‪-- -‬ناعة والزراعة والطب‬
‫والهندسة وغير ذلك على أس‪-‬لوب التجربة والمش‪-‬اهدة واالس‪-‬تنتاج في حين أن ه‪-‬ذا االس‪-‬لوب ال يوص‪-‬لنا‪ -‬للحق‪-‬ائق في‬
‫االلهي‪-- -‬ات واالنس‪-- -‬انيات والق‪-- -‬وانين والش‪-- -‬رائع‪ -‬فالحق‪-- -‬ائق‪ -‬في ه‪-- -‬ذه القض‪-- -‬ايا يتم التوصل لها عن طريق االدلة الفكرية‬
‫فمثال وجدنا من قال في األمور الغيبية أن الكون خلق من ص‪-‬دفة أو من ص‪-‬دفتين أو مائة ص‪-‬دفة أو غ‪-‬ير ذلك وه‪-‬ذا‬
‫ال يجوز فما هو الدليل الفكري على ما يقول؟ وهناك تزوير أك‪--‬ثر كف‪-‬اءة ويق‪-‬دم أدلة فكرية م‪--‬زورة فنجد الش‪-‬يوعيين‬

‫‪22‬‬
‫والمالحدة يقولون أن اهلل غير موجود ودليلهم‪ -‬اننا ال نراه فهو اذن غ‪--‬ير موج‪--‬ود‪ -‬والعقل والعلمية يفرض‪--‬ان علينا أن‬
‫ال نحكم بوجود شيء من عدمه اال بعد بحث فمثال ال نقول أنه ال يوجد في هذا ال‪--‬بيت جه‪--‬از تلف‪--‬از إال بعد أن نبحث‬
‫في جميع حج‪--‬رات ال‪--‬بيت ف‪--‬إذا لم نجد تلف‪--‬ازا يص‪--‬بح كالمنا حقيقة ودليل الش‪--‬يوعيين م‪--‬زور النهم لم يبحث‪--‬وا في ه‪--‬ذا‬
‫الك ‪--‬ون العظيم عن اهلل ولم يج ‪--‬دوه بل أن اهلل حسب اعتقادنا هو خ ‪--‬الق ه ‪--‬ذا الك ‪--‬ون ففي ه ‪--‬ذا الك ‪--‬ون ك ‪--‬واكب ونج ‪--‬وم‬
‫ومجرات تحتاج الى ماليين الس‪-‬نين ح‪-‬تى نع‪-‬رف ما يوجد فيها فكيف‪ -‬يحق للش‪-‬يوعيين اعتب‪-‬ار ع‪-‬دم وج‪-‬ود اهلل حقيقة‬
‫علمية فكالمهم‪ -‬م‪--‬دعوم ب‪--‬دليل م‪--‬زور ومع ه‪--‬ذا نف‪--‬وا ص‪--‬حة ال‪--‬دين وص‪--‬دق‪ -‬االنبي‪--‬اء وش‪--‬رعوا‪ -‬لالنس‪--‬ان وال دليل ل‪--‬ديهم‬
‫يقبله العقل‪.‬‬

‫(‪ )3‬الثقة الزائدة بحجم ما نعلم‪:‬‬


‫أحد أبواب الضالل هو اعتقاد العلماء والناس بأن ما يعرفونه من العلم هو شىء كثير ونحن نعلم عن يقين أن‬
‫علم العلم‪--‬اء مح‪--‬دود‪ -‬وس‪--‬يبقى مح‪--‬دودا‪ -‬الى أن ي‪--‬رث اهلل االرض ومن عليها وال‪--‬دليل هو قوله تع‪--‬الى﴿وما أوتيتم‪ -‬من‬
‫العلم إال قليال﴾ (‪ )85‬س‪--‬ورة االس‪--‬راء فما يعرفه علم‪--‬اء االرض من علم هو قلي‪--‬ل‪ ،‬فكيف بما يعرفه ع‪--‬الم أو علم‪--‬اء‬
‫فثقة الن‪--‬اس الكب‪--‬يرة في العلم‪--‬اء بحاجة الى ترش‪--‬يد وخاصة عن‪--‬دما يتع‪--‬ارض علمهم مع حق‪--‬ائق ال‪--‬دين أو عن‪--‬دما يب‪--‬دأ‬
‫العلم‪-- -‬اء كما ح‪-- -‬دث في الغ‪-- -‬رب في التش‪-- -‬ريع لالنس‪-- -‬ان والتكلم عن الس‪-- -‬عادة والش‪-- -‬قاء وأم‪-- -‬ور‪ -‬التربية واالخالق‪ -‬فزلة‬
‫الع‪--‬الم ي‪--‬زل بها ع‪--‬الم ولقد ك‪--‬ان علماؤنا‪ -‬مع استرش‪--‬ادهم بحق‪--‬ائق الكت‪--‬اب والس‪--‬نة يح‪--‬ترمون العلم ويعلم‪--‬ون أن الكلمة‬
‫أمانة فقد س‪--‬ئل مالك بن أنس رضي‪ -‬اهلل عنه عن ثم‪--‬ان وأربعين مس‪--‬ألة فق‪--‬ال في اثن‪--‬تين وثالثين منها ال أدري وك‪--‬ان‬
‫عبداهلل بن زيد يق ‪--‬ول (ينبغي للع ‪--‬الم أن ي ‪--‬ورث جلس ‪--‬اءه من بع ‪--‬ده ال أدري ح ‪--‬تى يك ‪--‬ون أصل منه في أي ‪--‬ديهم إذ س ‪--‬ئل‬
‫أحدهم عما ال يعلم أن يقول‪ :‬ال أدري وسئل أبو يوسف عن ش‪--‬ىء فق‪--‬ال ( ال أدري‪ ،‬قيل له تأكل من بيت الم‪--‬ال كل‬
‫يوم كذا وكذا وتقول ال أدري فقال (أكل منه بق‪--‬در علمي ولو أكلت بق‪--‬در جهلي ما كف‪--‬اني ما في ال‪--‬دنيا جميع‪--‬ا) وق‪--‬ال‬
‫اع‪--‬رابي ﴿ال تقل فيما ال تعلم فتتهم فيما تعلم﴾ وق‪--‬ال علماؤن‪--‬ا‪ :‬من ق‪--‬ال ال أدري فقد أف‪--‬تى ومع ما أنتجه االنس‪--‬ان من‬
‫تكنولوجيا‪ -‬حديثة ومتط‪---‬ورة ج ‪--‬دا ك ‪--‬اآلالت الحاس ‪--‬بة والط ‪--‬ائرات‪ -‬والص ‪--‬واريخ وغ ‪--‬ير ذلك اال أن مس ‪--‬احة الجهل ما‬
‫زالت وس‪-- -‬تبقى‪ -‬هي الس‪-- -‬ائدة فما نعرفه عن الك‪-- -‬ون بنجومه وكواكبه هو ش‪-- -‬ىء قليل لو قارن‪-- -‬اه بما نجهل ولو اجتمع‬
‫علماء االرض كلهم الحياء ميت مات قبل دقائق‪ -‬لعج‪-‬زوا ولو اجتمع‪-‬وا على خلق ذبابة لعج‪-‬زوا‪ -‬ف‪-‬إذا ك‪-‬ان علمنا كله‬
‫ع‪--‬اجزا عن ذلك ف‪--‬أي علم وق‪--‬درة تلك ال‪--‬تي خلقت باليين النج‪--‬وم والبشر والكائن‪--‬ات ق‪--‬ال تع‪--‬الى﴿أفمن يخلق كمن ال‬
‫يخلق أفال ت ‪-- -‬ذكرون﴾ (‪ )17‬س ‪-- -‬ورة النح ‪-- -‬ل‪ .‬وق ‪-- -‬ال تع ‪-- -‬الى ﴿ه ‪-- -‬ذا خلق اهلل ف ‪-- -‬أروني‪ -‬م ‪-- -‬اذا خلق ال ‪-- -‬ذين من دونه بل‬
‫الظ‪--‬المون في ض‪--‬الل م‪--‬بين﴾ (‪ )11‬س‪--‬ورة لقم‪--‬ان‪ .‬وق‪--‬ال تع‪--‬الى ﴿ ياأيها الن‪--‬اس ض‪--‬رب مثل فاس‪--‬تمعوا له أن ال‪--‬ذين‬
‫ت‪-- -‬دعون من دون اهلل لن يخلق‪-- -‬وا ذبابا ولو اجتمع‪-- -‬وا له وأن يس‪-- -‬لبهم ال‪-- -‬ذباب ش‪-- -‬يئا ال يس‪-- -‬تنقذوه منه ض‪-- -‬عف الط‪-- -‬الب‬
‫والمطلوب﴾ (‪ )73‬سورة الحج‪.‬‬

‫(‪ )4‬االحاديث الموضوعة والتاريخ المزور‪:‬‬


‫نظن أحيانا أننا نع ‪-- -‬رف الحق ‪-- -‬ائق التاريخية بتفاص ‪-- -‬يلها‪ -‬فأح ‪-- -‬داث الفتنة ال ‪-- -‬تي ح ‪-- -‬دثت في عهد عثم ‪-- -‬ان أو غيرها‬
‫واض ‪-- - -‬حة لدرجة أن كل أو أغلب م ‪-- - -‬انطق‪ -‬به أص ‪-- - -‬حاب العالقة مع ‪-- - -‬روف‪ -‬لنا مع أننا لم نكن مش ‪-- - -‬اركين باالح ‪-- - -‬داث‬
‫‪23‬‬
‫والنطمئن الى كثير من المصادر‪ -‬لعدم حيادها أو لع‪--‬دم تواج‪-‬دها‪ -‬في مركز الح‪-‬دث أو لع‪--‬دم وج‪-‬ود‪ -‬وس‪-‬ائل أمينة لنقل‬
‫المعلوم‪--‬ات أو لجميع ه‪--‬ذه االس‪--‬باب ولقد تم تش‪--‬ويه ص‪--‬ور‪ -‬كث‪--‬ير من الص‪--‬حابة والخلف‪--‬اء واالبط‪--‬ال برواي‪--‬ات مختلفة‬
‫تتهمهم باالنانية أو الجهل أو الفسق أو الكذب ولماذا نذهب بعيدا اال يكفي أن نقول أن أغلبنا ص‪--‬دق لس‪--‬نوات طويلة‬
‫أن أحد أس‪--‬باب هزيمتنا في حزي‪--‬ران ‪ 67‬هو أن اغلب الطي‪--‬ارين المص‪--‬ريين ك‪--‬انوا في حفل س‪--‬اهر في ليلة ‪ 5‬يونيو‪-‬‬
‫ولكن وج ‪--‬دنا بعد س ‪--‬نوات طويلة من يص ‪--‬رح من كب ‪--‬ار المس ‪--‬ؤولين‪ -‬المص ‪--‬ريين ممن ل ‪--‬ديهم علم بالحق ‪--‬ائق أنه لم يكن‬
‫هن‪--‬اك حفل س‪--‬اهر وأن اس‪--‬تثمار ه‪--‬ذه االش‪--‬اعة أو تأليفها ك‪--‬ان الس‪--‬باب معينة وح‪--‬دث ه‪--‬ذا ال‪--‬تزوير وعرفنا‪ -‬أنه تزوير‪-‬‬
‫بعد س‪--‬نوات طويلة ولم نكتش‪--‬فه بأنفس‪--‬نا مع وج‪--‬ود الجرائد وس‪--‬هولة نقل المعلوم‪--‬ات وك‪--‬ثرة المتخصص‪--‬ين‪ -‬بالسياسة‬
‫والعل‪--‬وم‪ -‬العس‪--‬كرية فم‪--‬اذا نق‪--‬ول عن أح‪--‬داث كث‪--‬يرة ح‪--‬دثت في ظل غي‪--‬اب أغلب ه‪--‬ذه االمكان‪--‬ات ويكفي أن نع‪--‬رف أن‬
‫أح‪--‬اديث الرس‪--‬ول (‪ )‬وهي االح‪--‬اديث ال‪--‬تي أهتم بها الص‪--‬حابة والت‪--‬ابعون‪ -‬والعلم‪--‬اء وعمل‪--‬وا أن طاعة الرس‪--‬ول (‪)‬‬
‫من طاعة اهلل حاول كثيرون تزويرها‪ -‬الى درجة أن أص‪--‬بحت االح‪--‬اديث الموض‪--‬وعة والض‪--‬عيفة ب‪--‬اآلالف والحمداهلل‬
‫أن العلم ‪--‬اء رك ‪--‬زوا جه ‪--‬ودهم وفض ‪--‬حوا‪ -‬االح ‪--‬اديث الموض ‪--‬وعة وص ‪--‬نفوا‪ -‬الكتب الكث ‪--‬يرة في علم الح ‪--‬ديث وما زالت‬
‫االح‪-- -‬اديث الموض‪-- -‬وعة والض‪-- -‬عيفة مص‪-- -‬در‪ -‬ض‪-- -‬الل فلنح‪-- -‬ذرها‪ -‬فش‪-- -‬رها‪ -‬كب‪-- -‬ير وأثرها‪ -‬عظيم ولنبتعد‪ -‬عن ربط علمنا‬
‫بأحداث تاريخية مزورة فال يبني على أحداث التاريخ عقائد أو شرائع فاالسالم‪ -‬هو الكتاب والسنة‪.‬‬

‫(‪ )5‬وضع الدليل في غير موضعه‪:‬‬


‫ي‪--‬أتي الض‪--‬الل أحيانا م‪--‬دعوما بأدلة من الكت‪--‬اب والس‪--‬نة فنجد المتح‪--‬دث ي‪--‬أتي بأدلة من آي‪--‬ات الق‪--‬رآن واالح‪--‬اديث‪-‬‬
‫الص ‪-- -‬حيحة تؤيد ما ي ‪-- -‬دعو له من عنف أو تخ ‪-- -‬اذل أو ربا في ‪-- -‬أتي‪ -‬مثال بآي ‪-- -‬ات تتح ‪-- -‬دث عن قت ‪-- -‬ال الكف ‪-- -‬ار في حين أنه‬
‫يستخدمها في تبرير‪ -‬توجيه س‪--‬هامه الى مس‪-‬لمين وأحيانا ي‪--‬أتي بآي‪-‬ات قرآنية ويتجاهل آي‪--‬ات قرآنية تفسر ه‪-‬ذه اآلي‪--‬ات‬
‫وه‪-- -‬ذا ال‪-- -‬تزوير للحق‪-- -‬ائق يح‪-- -‬دث نتيجة جهله أو جهل المس‪-- -‬تمعين بمع‪-- -‬اني االح‪-- -‬اديث وتفاس‪-- -‬ير‪ -‬العلم‪-- -‬اء فاالستش‪-- -‬هاد‪-‬‬
‫باآلي‪---‬ات القرآنية واالح‪---‬اديث‪ -‬الص‪---‬حيحة هو االس‪---‬لوب الس‪---‬ليم ولكن االستش ‪--‬هاد‪ -‬يتطلب وضع كل آية في موض‪---‬عها‬
‫ويتطلب فهم معنى كل ح‪-‬ديث ف‪-‬العقول والنص‪-‬وص‪ -‬تعمل معا والفهم االعمى كارثة ونح‪-‬ذر المخلص‪-‬ين من التح‪-‬دث‬
‫في ال‪--‬دين بغ‪--‬ير علم فه‪--‬ذا مص‪--‬يبة ك‪--‬برى النه ك‪--‬ذب على اهلل وما أج‪--‬رم من يص‪--‬ور‪ -‬دين اهلل للن‪--‬اس على أنه تعصب‬
‫وعنف وقسوة‪.‬‬

‫(‪ )6‬ربط النظرية باألفراد والدول‪:‬‬


‫من الضروري‪ -‬الفصل بين النظرية وأصحابها فالخلط‪ -‬بين الحك‪--‬ام والش‪--‬عوب والجماع‪--‬ات واالح‪--‬زاب واالف‪--‬راد‬
‫وبين المب‪--‬ادىء واالفك‪--‬ار والعقائد والس‪--‬لوك‪ -‬يس‪--‬بب في بعض االحي‪--‬ان ض‪--‬ياعا للحق‪--‬ائق فقد تك‪--‬ون النظرية ص‪--‬حيحة‬
‫ولكن أخالق وعقائد من ي‪-- - -‬دعون االنتس‪-- - -‬اب لها س‪-- - -‬يئة وال تمثل ما ت‪-- - -‬دعو له ه‪-- - -‬ذه النظرية فقد نجد فيمن ينتس‪-- - -‬بون‬
‫لالسالم اسميا من‪-‬افقون ومرتش‪-‬ون وفاس‪-‬قون ومتطرف‪--‬ون وظ‪-‬المون في حين أن االس‪-‬الم ي‪-‬دعو الى الص‪-‬دق واألمانة‬
‫والعفة والع‪--‬دل وفي‪ -‬نفس ال‪--‬وقت قد نجد ش‪--‬يوعيين ي‪--‬دافعون عن مص ‪--‬الح الش ‪--‬عوب في دع‪--‬وتهم ف ‪--‬اإلخالص وعدمه‬
‫ليس الم‪--‬دخل للبحث عن الحق‪--‬ائق والحكم على النظري‪--‬ات الن المع‪--‬روف أن الش‪--‬عوب واالف‪--‬راد‪ -‬ال يعكس‪--‬ون في كل‬
‫وقت وحين المبادىء التي ينتمون لها فكما نجد شيوعيين صادقين فإننا نجد كذلك س‪-‬تالين وهو من أك‪-‬بر المج‪-‬رمين‬
‫‪24‬‬
‫في تاريخ فقد قتل الماليين من أبناء االتح‪-‬اد الس‪--‬وفيتي‪ .‬ف‪-‬الحكم‪ -‬على النظري‪-‬ات يجب أن يتم بن‪--‬اء على ما تق‪-‬ول ه‪-‬ذه‬
‫النظري‪--‬ات وما هي أدلتها العقلية وله‪--‬ذا نجد االم‪--‬ام على ابن أبي ط‪--‬الب ك‪--‬رم اهلل وجهه يق‪--‬ول لرجل ق‪--‬ال له ما معن‪--‬اه‬
‫هل تري‪--‬دني‪ -‬أن أقاتل طلحة والزب‪--‬ير وهما من الص‪--‬الحين ق‪--‬ال‪( :‬ويحك أع‪--‬رف الحق تع‪--‬رف أهل‪--‬ه) وطلحة والزب‪--‬ير‪-‬‬
‫من الص‪--‬حابة ولكن ال‪--‬ذي يبحث عن الص‪--‬واب ال ينظ‪--‬را الى أخالق الن‪--‬اس ثم يب‪--‬ني على أخالقهم أنهم على ص‪--‬واب‬
‫أو الخطأ في اجته‪-- - -‬اداتهم أو عقائ‪-- - -‬دهم فاالم‪-- - -‬ام‪ -‬علي نبه الرجل الى أن على االنس‪-- - -‬ان أن يبحث عن الحق أوال وإ ذا‬
‫عرفه سيعرف مع من يحارب‪.‬‬

‫(‪ )7‬النظرة السطحية‪:‬‬


‫نقص المعلوم‪--‬ات وقلتها‪ -‬تجعلنا نصل الى قناع‪--‬ات غ‪--‬ير ص‪--‬حيحة للقض‪--‬ايا الفكرية والمادية واالح‪--‬داث والتعمق‬
‫في الدراسة يجعلنا نصل الى الحقائق فالنظرة السطحية للديمقراطية قد تجعلنا نرفضها فقد نعتبرها كف‪--‬را أو الح‪--‬ادا‬
‫أو تقلي ‪-- -‬دا للغ ‪-- -‬رب ولكن النظ ‪-- -‬رة العميقة تجعلنا نقتنع أن ج ‪-- -‬وهر الش ‪-- -‬وري‪ -‬والديمقراطية واحد وأن المرف ‪-- -‬وض‪ -‬من‬
‫أج ‪-- -‬زاء الديمقراطية هي أج ‪-- -‬زاء ص ‪-- -‬غيرة فلنط ‪-- -‬الب بمزيد من المعلوم ‪-- -‬ات قبل أن نصل الى قناع ‪-- -‬ات وكلما زادت‬
‫المعلوم ‪--‬ات الص ‪--‬حيحة وليست الخاطئة ل ‪--‬دينا كلما س ‪--‬هل علينا أن نع ‪--‬رف حق ‪--‬ائق كث ‪--‬يرة وس ‪--‬نرى الص ‪--‬ورة واض ‪--‬حة‬
‫فالتفص ‪-- -‬يل خ ‪-- -‬ير ال بد منه وإ ذا تعمقنا في نظرتنا لالم ‪-- -‬ور س ‪-- -‬نرى‪ -‬أن االتج ‪-- -‬اه االس ‪-- -‬المي ليس اتجاها واحد بل هو‬
‫اتجاه‪-- -‬ات منها المعت‪-- -‬دل ومنها المتط‪-- -‬رف وفي‪ -‬االتجاه‪-- -‬ات المعتدلة مخلص‪-- -‬ون ومن‪-- -‬افقون ومن المخلص‪-- -‬ين أذكي‪-- -‬اء‬
‫واغبي‪--‬اء وك‪--‬ذلك االمر بالنس‪--‬بة لالتج‪--‬اه الق‪--‬ومي وس‪--‬نرى‪ -‬الدولة العثمانية بايجابياتها‪ -‬وس‪--‬لبياتها‪ -‬وس‪--‬نرى‪ -‬العالقة بين‬
‫العقل والش‪--‬ريعة ومج‪--‬ال كل منهما وس‪--‬نرى‪ -‬حس‪--‬نات الغ‪--‬رب وس‪--‬يئاته والش‪--‬ىء الجميل في ه‪--‬ذا الموض‪--‬وع‪ -‬أنه كلما‬
‫زادت المعلوم ‪--‬ات الص ‪--‬حيحة والدراس ‪--‬ات العلمية اس ‪--‬همنا بص ‪--‬ورة كب ‪--‬يرة في حل كث ‪--‬ير من االختالف ‪--‬ات في األراء‬
‫ال‪--‬تي تح‪--‬دث في مجالس‪--‬نا النيابة وص‪--‬حفنا واجتماعاتنا‪ -‬فالحق‪--‬ائق‪ -‬س‪--‬تظهر‪ -‬واض‪--‬حة وله‪--‬ذا نجد القض‪--‬اة يحرص‪--‬ون قبل‬
‫أن يص‪-- - - - -‬دروا‪ -‬أحك‪-- - - - -‬امهم على رؤية القض‪-- - - - -‬ية من مختلف جوانبها‪ -‬والتأكد من ص‪-- - - - -‬حة المعلوم‪-- - - - -‬ات ولو فعلنا ذلك‬
‫الصحبت الصورة واضحة فلنطلب مزيدا من المعلومات والشرح فهذا من السعادة‪.‬‬

‫(‪ )8‬غياب الموضوعية‪:‬‬


‫ما أك‪--‬ثر الكتب والمجالت والص‪--‬حف‪ -‬ال‪--‬تي ال تتح‪--‬دث بموض‪--‬وعية فاالع‪--‬داء أو الخص‪--‬وم‪ -‬يتم تش‪--‬ويههم‪ -‬بص‪--‬ورة‬
‫واض‪-- - -‬حة وله‪-- - -‬ذا تك‪-- - -‬ون المعلوم‪-- - -‬ات ال‪-- - -‬تي عن‪-- - -‬دنا عن آراء أو اح‪-- - -‬داث أو أف‪-- - -‬راد أو حكوم‪-- - -‬ات معلوم‪-- - -‬ات مش‪-- - -‬وهة‬
‫فالموض ‪--‬وعية ولالسف‪ -‬يفتق‪--‬دها الكث‪--‬يرون بحسن نية أو بس‪--‬وئها‪ -‬والمف‪--‬روض أن يتح‪--‬دث المخلص‪--‬ون ح‪--‬ديثا ص‪--‬ادقا‬
‫الن ع‪--‬دم الموض‪--‬وعية ك‪--‬ذب والك‪--‬ذب رذيلة وزاد الطين بلة أننا نمارس‪--‬ها‪ -‬ونش‪--‬جعها‪ -‬من حيث ال ن‪--‬دري حيث نس‪--‬مع‬
‫الرواية من ط‪--‬رف‪ -‬واحد وال نح‪--‬اول أن نس‪--‬معها من الط‪--‬رف اآلخر فنص‪--‬دق ص‪--‬حيفة أو كتابا أو حزبا أو جماعة أو‬
‫حكومة القتناعنا بهم وال نس‪-- - -‬مع ح‪-- - -‬تى لمن يخ‪-- - -‬الفهم وح‪-- - -‬تى نق‪-- - -‬ترب من الموض‪-- - -‬وعية البد من االس‪-- - -‬تماع لمختلف‬
‫االط‪--‬راف‪ -‬وتش‪--‬جيع‪ -‬الن‪--‬دوات والمحاض‪--‬رات‪ -‬العامة ومواجهة اآلخ‪--‬رين بما يق‪--‬ال عنهم فقد تك‪--‬ون عن‪--‬دهم ردود مقنعة‬
‫واحد االدلة الواض‪-- -‬حة ال‪-- -‬تي ت‪-- -‬بين غي ‪-- -‬اب الموض‪-- -‬وعية هي أننا نتح ‪-- -‬دث عن ايجابياتنا‪ -‬وانجازاتنا‪ -‬وال نتح ‪-- -‬دث عن‬
‫س‪--‬لبياتنا وفش‪--‬لنا‪ -‬فانج‪--‬ازات ال‪--‬وزارة والمؤسسة والجامعة تك‪--‬ون دائما كب‪--‬يرة وواض‪--‬حة أما الس‪--‬لبيات فغالبا ما تك‪--‬ون‬
‫‪25‬‬
‫غير موج‪-‬ودة أو قليلة وال يتح‪-‬دث عنها اال بص‪-‬فحات مختص‪-‬رة واالخط‪-‬اء تبقى موج‪-‬ودة ح‪-‬تى لو لم نع‪-‬ترف بها بل‬
‫ي‪--‬زداد خطرها النها تك‪--‬بر مع كل ص‪--‬مت فلنكن موض‪--‬وعيين مع أنفس‪--‬نا ومع اآلخ‪--‬رين ولنع‪--‬ترف‪ -‬أننا أمة نامية ومن‬
‫الطبيعي أن ترتكب األمم النامية أخطاء كثيرة وكبيرة لقلة علمها وخبرتها‪ -‬فاالخطاء في مؤسساتنا ال تعني أبدا أننا‬
‫فاش‪-- - - - -‬لون اذا اعترفنا بها وعالجناها ولكننا بالتأكيد فاش‪-- - - - -‬لون اذا أنكرناها ألننا ال نملك أحد أسس النج‪-- - - - -‬اح أال وهو‬
‫األمانة العلمية‪.‬‬

‫(‪ )9‬اتباع اآلباء واالجداد‪:‬‬


‫منحنا اهلل سبحانه وتعالى عقوال لنفكر بها ال لنقلد اآلخرين ولكن المالحظ أن عدد كبيرا من الناس يتبعون‬
‫افكار وأديان وعادات وتقاليد ابائهم وأجدادهم‪ -‬دون ان يستخدموا‪ -‬عقولهم في التفكير والحكم على هذه العقائد‬
‫وحظها من الصواب والخطأ‪ -‬ولهذا ينشأ كثير من ابناء الهندوس هندوسا‪ -‬وكذلك كثير من ابناء البوذيين‬
‫والمسيحيين والمسلمين وكذلك يتبع كثير من ابناء الطوائف‪ -‬والفرق ما توارثوه من عقائد ولقد انتقد اهلل هذا التقليد‬
‫األعمى بقوله ﴿وإ ذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل اهلل قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا أولو كان ءاباؤهم ال يعقلون‬
‫شيئا وال يهتدون﴾ (‪ )170‬سورة البقرة‪ .‬وهذا احد ابواب الضالل ويسانده ان المقلد يسمع فقط ألقوال علمائه‬
‫وابائه ويكون افكاره عن اآلخرين بناء على ما يقوله علماؤه فيضل ويجهل وتغيب عنه حقائق كثيرة فاالوروبيون‬
‫مثال يعتقدون ويربون ابناءهم على أن ديننا العظيم هو فقط دين الزواج من أربع ودين الحرب وقطع يد السارق‬
‫ويتناسون أن لهذه القضايا أحكاما وضوابط‪ -‬ويتناسون بل يجهلون ما في ديننا من عقائد وأنظمة وافكار وعدل‬
‫ورحمة وأخالق وإ نسانية وعقالنية وعموما فعلى االنسان أن يبحث عن الحقائق بقدر ما يستطيع وأن يبتعد عن‬
‫العزلة الفكرية والعملية ولقد وهبنا اهلل عقوال لنفكر فيها ال لنجمدها ونقلد اآلخرين واذا لم نفعل ذلك سنشقى‬
‫والغريب فعال ان هناك الكثير جدا من البشر ال يفكرون وأغلب هؤالء في ظني اشتغلوا بجمع المال وبالعمل أو‬
‫باالبناء أو بتوافه االمور‪ -‬أما الحقائق الكبرى في هذا الكون والتفكير الذي أمرنا اهلل به فهم عنه الهون فالميزة‬
‫التي ميز اهلل بها االنسان عن الحيوان وهي العقل عطلوا استعمالها فلنزداد‪ -‬ثقافة وعلما وتفكيرا ولنعلم أن االهتمام‬
‫بالعقول وتغذيتها بالمعلومات‪ -‬الصحيحة وبطرق التحليل والتفكير وتشجيعها‪ -‬على القراءة والمشاهدة المفيدة هي‬
‫أحد اسس سعادة األمم وهو ما نفتقد الكثير منه في مجاالت التعليم والعمل حيث يسيطر اسلوب الحفظ والتلقين في‬
‫مدراسنا وجامعاتنا ويضعف التفكير والحوار والنقاش ولقد ذكرنا بعض أبواب الجهل فلنحذرها‪ -‬فاذا دخل الجهل‬
‫خرجت السعادة‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫السعادة بين النظرية والتطبيق‬

‫بينا في مقاالت سابقة أن الطريق إلى السعادة يتطلب االلتزم بعقائد االسالم الصحيح وأحكامه واحيانا‪-‬‬
‫نظن اننا نعبد اهلل وملتزمون باالسالم‪ -‬ولكن حقيقة األمر أن عبادتنا مشوهة او مفرغة من معانيها ولهذا تبقى‬
‫السعادة سرابا ال حقيقة له في حياة الكثيرين فمثال شهر رمضان هو شهر العبادة والقرآن والذكر والصدقات‬
‫ولكننا حولناه إلى شهر األكل ومألناه بالسهرات الطويلة والبرامج التلفازية المنوعة والصالة التي هي عمود‬
‫الدين ال يلتزم بها كثيرون فكيف‪ -‬نبحث عن السعادة واهلل سبحانه وتعالي‪ -‬يقول ﴿فويل للمصلين الذين هم عن‬
‫صالتهم ساهون﴾ (‪ )5‬سورة الماعون وترك‪ -‬الصالة ليس اهمال جزئية بسيطة من الدين بل تركها هو ترك للدين‬
‫كله كما بين االمام احمد بن حنبل في كتابه رسالة الصالة حيث قال [وجاء الحديث عن النبي (‪ )‬أنه قال‪" :‬اول‬
‫ما تفقدون من دينكم االمانة وأخر ما تفقدون منه الصالة وليصلين أقواما ال خالق لهم"(‪ .)16‬وجاء الحديث "ان أول‬
‫ما يسال عنه العبد يوم القيامه من عمله الصالة فان تقبلت منه صالته تقبل منه عمله وان ردت عليه صالته رد‬
‫سائر عمله" فصالتنا اخر ديننا وهي أول مانسأل عنه غدا من أعمالنا فليس بعد ذهاب الصالة اسالم وال دين فاذا‬
‫صارت الصالة آخر ما يذهب من االسالم فكل شئ يذهب أخر فقد ذهب جميعه]‪.‬‬

‫والحديث في شرح واقع المسلمين اليوم ونصيب االسالم الصحيح من التطبيق‪ -‬حديث يطول ولكن ساكتفي‬
‫بالتطرق‪ -‬بشئ من التفصيل لعبادة الشكر فنحن مقصورن في فهم وأداء هذه العبادة فكثير‪ -‬منا يظنون ان أكبر نعم‬
‫اهلل علينا وأهمها هي نعمة المال ولو فكرنا‪ -‬لوجدنا أن نعم اهلل ال تحصى وأنها متاحة للفقير والغني فالسمع‬
‫والبصر والعقل واالهل واالبناء والصحة والهواء والماء والتوحيد وغير ذلك كثير هي بعض من نعم اهلل قال‬
‫الحسن "من ال يرى هلل عز وجل عليه نعمة اال في مطعم أو مشرب او لباس فقد قصر‪ -‬علمه وحضر‪ -‬عذابه" ومن‬
‫الجهل الشديد أال يعرف االنسان هذه النعم ويشكر‪ -‬اهلل عليها فنحن ولالسف ال نشكر اهلل على نعمة الصحة إال بعد‬
‫أن تصيبنا‪ -‬االمراض ونحن ال نرضى بأن نفقد عينا أو يداً حتى لو دفع لنا المال الكثير ومع هذا ال نشعر بقيمة‬
‫هذه النعمة كما اننا نادرا ما نشكر اهلل على نعمة العقل وهي نعمة كبيرة نميز بها الخير من الشر وال نشعر بنعمة‬
‫االقارب إالبعدأن نعيش في غربة وال نشعر بنعمة الماء إال بعد أن تجف االرض وتحل بنا المجاعات ومن الغفلة‬
‫اال نشعر بهذه النعم اال بعد أن نفقدها مع أننا نعلم أن النعم بالشكر‪ -‬تدوم وبالكفر تزول قال تعالى ﴿واذ تأذن ربكم‬
‫لئن شكرتكم الزيدنكم‪ -‬ولئن كفرتم ان عذابي لشديد﴾ (‪ )7‬سورة ابراهيم وقال ابن قدامة المقدسي في مختصر‪-‬‬
‫منهاج القاصدين بعدأن ذلك جملة من النعم التي أنعم اهلل عز وجل بها على بنى آدم" أعلم‪ :‬أن الخلق لم يقصروا‪-‬‬
‫عن شكر النعمة اال للجهل والغفلة فانهم‪ -‬منعوا بذلك عن معرفة النعم‪ ،‬وال يتصور شكر النعمة اال بعد معرفتها‪،‬‬
‫ثم أن عرفوا نعمة ظنوا أن الشكر عليها أن يقول احدهم بلسانه‪ :‬الحمدهلل ولم يعرفوا‪ -‬ان معنى الشكر أن تستعمل‬
‫النعمة في اتمام الحكمة التي اريدت بها وهي طاعة اهلل تعالى‪ .‬أما الغفلة عن النعم فلها أسباب‪ :‬أحدها‪ :‬أن الناس‬
‫لجهلهم ال يعدون ما يعم الخلق في جميع أحوالهم نعمة فلذلك اليشكرون على جملة مما ذكرناه من النعم النها‬
‫‪16‬‬
‫ال خالق لهم‪ :‬ال نصيب لهم من الدين وال من الخير والصالح‬ ‫()‬
‫‪27‬‬
‫عامة الخلق مبذولة لهم في جميع أحوالهم فال يرى واحد منهم اختصاصا به فال يعده نعمة فال تراهم يشكرون اهلل‬
‫على الهواء ولو أخذ بمخنقهم لحظة حتى انقطع الهواء عنهم ماتوا ولو حبسوا في حمام أو بئر ماتوا غما فان‬
‫ابتلى احدهم بشئ من ذلك ثم نجا قدر ذلك نعمة يشكر اهلل عليها وهذا غاية الجهل اذ صار شكرهم‪ -‬موقوفا على أن‬
‫تسلب عنهم النعمة ثم ترد اليهم في بعض االحوال‪ ،‬فالنعم‪ -‬في جميع االحوال أولى بالشكر‪ -‬فال ترى البصير‪ -‬يشكر‬
‫صحة البصر اال أن يعمى فإذا أعيد بصره أحس بالنعمة وشكرها‪ -‬حينئذ وعدها نعمة وهو مثل عبد السوء يضرب‬
‫دائما فاذا ترك ضربه ساعة شكر وأن ترك ضربه أصال غلبه البطر وترك‪ -‬الشكر"ومن الشكر أن ال ننفق أموالنا‬
‫في الحرام وان ال نخدع بعقولنا الذكية من هو أقل منا ذكاء وان ال نستغل قوة االهل أو القبيلة أو المركز في ظلم‬
‫الضعفاء وأن ال ننظر إلى ما حرم اهلل قال ابن تيمية في تعريف‪ -‬الشكر "هو أداء الواجبات الشرعية" وقال‪ -‬ابن‬
‫القيم "هو العمل بالطاعة"‪.‬‬

‫وكثير من الناس ال يقدر ما عنده من النعم ويطمع بالمزيد‪ -‬ويخدعه الشيطان باألماني‪ -‬ويهلكه بالطمع فال يدعه‬
‫يحس بنعم اهلل ويغريه كل يوم بأمل جديد في مال يزيد أو منصب رفيع أو شهادة أعلى وليس عيبا أن يكون‬
‫االنسان طموحا‪ -‬ولكن العيب أن ينسى شكر ما عنده من النعم ولو نظر االنسان لمن هم أقل منه في الشهادة أو‬
‫العلم أو المال أو الصحة الستحى أن يعصى اهلل وخجل من نفسه قال رسول اهلل (‪" )‬أنظروا‪ -‬الى من اسفل منكم‬
‫ونترككم مع بعض ما‬ ‫(‪)17‬‬
‫وال تنظروا‪ -‬الى من هو فوقكم‪ -‬فهو أجدر أن ال تزدروا نعمةاهلل (قال ابو معاوية) عليكم"‬
‫قاله عقالء المسلمين وجمعه ابي بكر عبداهلل بن ابي الدنيا في كتاب الشكر‪:‬‬

‫‪ -1‬قال مخلد بن حسين "كان يقال‪ :‬الشكر ترك المعاصي"‪.‬‬


‫‪ -2‬قال ابو حازم‪":‬كل نعمة ال تقرب من اهلل عز وجل فهي بلية"‪.‬‬
‫‪ -3‬قال عمر بن عبدالعزيز‪" :‬قيدوا‪ -‬نعم اهلل بشكر اهلل"‪.‬‬
‫‪ -4‬قال أبو حازم‪" :‬اذا رايت اهلل عز وجل يتابع نعمة عليك وأنت تعصيه فاحذره"‪.‬‬
‫‪ -5‬قال الحسن‪":‬بلغني أن اهلل عز وجل إذ انعم على قوم‪ -‬سألهم الشكر فإذا شكروه كان قادرا على ان يزيدهم فإذا‬
‫كفروه كان قادرا‪ -‬على ان يقلب نعمته عليهم عذابا"‪.‬‬
‫‪ -6‬قال الحسن بن أبي الحسن في قوله تعالي ﴿إن االنسان لربه لكنود﴾(‪ )6‬سورة العاديات‪ :‬يعدد المصائب‬
‫وينسى النعم‪.‬‬
‫‪ -7‬قيل‪":‬ومما‪ -‬ينبغي أن تعالج به القلوب البعيدة عن الشكر أن يعرف أن النعمة اذا لم تشكر زالت"‪.‬‬
‫‪ -8‬قال سفيان في قوله – جل وعز‪﴿ -‬سنستدرجهم‪ -‬من حيث ال يعلمون﴾ (‪ )182‬سورة االعراف يسبغ عليهم‬
‫النعم ويمنعهم‪ -‬الشكر"‪.‬‬
‫‪ -9‬قال بكر بن عبداهلل المزني‪" :‬يا ابن آدم اذا اردت ان تعلم قدر ما أنعم اهلل عز وجل عليك فغمض عينيك"‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫مختصر صحيح مسلم حديث رقم‪.2087 -‬‬ ‫()‬
‫‪28‬‬
‫امرأة فقال‪ :‬يا فتى ما هذا جزاء نعم اهلل عز وجل عليك"‪.‬‬ ‫(‪)18‬‬
‫‪ -10‬مر محمد بن المنكدر بشاب يقاوم‬

‫‪18‬‬
‫في عدة الصابرين "يغامز"‪-.‬‬ ‫()‬
‫‪29‬‬
‫(‪)19‬‬
‫الذنوب منبع الشقاء‬

‫ابتلينا والحمد هلل على كل حال ببعض المثقفين الذين ال يؤمنون بأن اخطر أعدائنا هي معاصينا‪،‬‬
‫فالطاعات هي سبب كل خير وسعادة ونصر‪ ،‬والمعاصي هي سبب كل شر وشقاء وهزيمة‪ ،‬قال ابن القيم [وقد‪ -‬دل‬
‫العقل والنقل والفطرة وتجارب االمم على اختالف أجناسها ومللها ونحلها على ان التقرب إلى رب العالمين‬
‫وطلب مرضاته والبر واالحسان إلي خلقه من أعظم االسباب الجالبة لكل خير واضدادها من أكبر االسباب‬
‫الجالبة لكل شر فما استجلبت نعم اهلل تعالى وأستدفعت نقمه بمثل طاعته والتقرب إليه واالحسان إلى خلقه وقد‪-‬‬
‫رتب اهلل سبحانه حصول الخيرات في الدنيا واالخرة وحصول الشرور‪ -‬في الدنيا واالخرة في كتابه على االعمال‬
‫ترتب الجزاء على الشرط والمعلول على العلة والمسبب على السبب وهذا في القرأن يزيد على ألف موضع‬
‫فتارة يرتب الحكم الخبري الكوني واالمر الشرعي على الوصف المناسب له كقوله تعالي ﴿فلما عتوا عن ما نهوا‬
‫عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين﴾ سورة االعراف‪ ،‬وقوله ﴿فلما ءاسفونا انتقمنا منهم﴾ سورة الزخرف]‪ -‬وقال‬
‫عبداهلل بن مسعود‪" -‬إذا ظهر الزنى والربا‪ -‬في قرية أذن اهلل عز وجل بهالكها" وقال ابن القيم [وها هنا نكته دقيقه‬
‫يغلط فيها الناس في أمر الذنب وهي أنهم اليرون تأثيره في الحال وقد يتأخر تأثيره فينسى"]‪ .‬وقال ["وسبحان اهلل‬
‫ماذا أهلكت هذه النكتة من الخلق؟ وكم أزالت من نعمة؟ وكم جلبت من نقمة؟ وما أكثر المغترين بها من العلماء‬
‫والفضالء‪ ،‬فضال عن الجهال؟ ولم يعلم المغتر أن الذنب ينقض ولو بعد حين كما ينقض السم وكما ينقض الجرح‬
‫المندمل على الغش والدغل]‪ ،‬ولقد بين اهلل سبحانه وتعالى ان رحمته للمحسنين والطائعين والتائبين وليست‬
‫للعاصين قال تعالى ﴿ان رحمة اهلل قريب من المحسنين﴾ سورة االعراف‪ ،‬وقال ابن القيم [فياهلل ما ظن أصحاب‬
‫الكبائر والظلمة باهلل اذا لقوه ومظالم‪ -‬العباد عندهم فان كان ينفعهم قولهم حسنا ظنونا‪ -‬بك أنك لم تعذب ظالما‬
‫والفاسقا فليصنع‪ -‬العبد ما يشاء وليرتكب‪ -‬كل ما نها اهلل عنه وليحسن ظنه باهلل فان النار ال تمسه فسبحان اهلل؟ما‬
‫يبلغ الغرور‪ -‬بالعبد وقد قال ابراهيم لقومه ﴿أئِفكا آلهة دون اهلل تريدون؟ فما ظنكم برب العالمين﴾ سورة‬
‫الصافات‪ ،‬اي ما ظنكم به ان يفعل بكم اذ لقيتموه وقد‪ -‬عبدتم غيره ومن تأمل هذا الموضوع حق التأمل علم أن‬
‫حسن الظن باهلل هو حسن العمل نفسه فان العبد انما يحمله على حسن العمل حسن ظنه بربه أنه يجازيه على‬
‫أعماله ويثيبه عليها ويتقبلها منه فالذي حمله على حسن العمل حسن الظن فكلما حسن ظنه بربه حسن عمله واال‬
‫فحسن الظن مع اتباع الهوى عجز كما في الترمذي‪ -‬والمسند من حديث شداد بن أوس عن النبي (‪" )‬قال الكيس‬
‫من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز‪ -‬من اتبع نفسه هواها وتمنى على اهلل" وبالجملة فحسن الظن انما‬
‫يكون مع انعقاد أسباب النجاة واما مع انعقاد أسباب الهالك فال يتأتي إحسان الظن]‪.‬‬
‫وقال الحسن "ان قوما ألهتهم أماني المغفرة حتىخرجوا من الدنيا بغير توبه يقول أحدهم‪ :‬ألني أحسن الظن‬
‫بربي وكذب لو أحسن الظن ألحسن العمل" ومما يثبت كذب هؤالء قوله تعالى ﴿إنما المؤمنون الذين أمنوا باهلل‬

‫‪19‬‬
‫ناقش االمام ابن القيم موضوع الذنوب وأثارها‪ -‬في كتابه "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء‬ ‫()‬
‫الشافي" وهذا المقال شبه تلخيص لبعض االفكار‪ -‬الرئيسية في الكتاب‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫ورسوله ثم لم يرتابوا‪ -‬وجاهدوا بأموالهم‪ -‬وأنفسهم في سبيل اهلل واولئك‪ -‬هم الصادقون﴾ سورة الحجرات‪ ،‬فمن‬
‫عمل هذه االعمال فهو الصادق‪ -‬وال عذر لمن علم‪ ،‬وقال ابن القيم [ومن تأمل أحوال الصحابة رضي اهلل عنهم‬
‫وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف] وال بد من اإلشارة هنا إلى أن الكثيرين ال يقدرون بصورة سليمة خطر‬
‫تقصيرهم في العبادات أو فعلهم للمعاصي‪ -‬فقد جاء في صحيح البخاري عن أنس بن مالك أنه قال "انكم لتعلمون‬
‫أعماال هي ادق في أعينكم من الشعر وان كنا لنعدها على عهد رسول اهلل (‪ )‬من الموبقات" وذكر البخاري في‬
‫صحيحه عن ابن مسعود‪ -‬قال " أن المؤمن يرى ذنوبه كأنها في أصل جبل يخاف أن يقع عليه وان الفاجر يرى‬
‫ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار"‪ -‬واليكم بعض االدلة الواضحة لالرتباط القوي بين المعاصي‬
‫والخسران في الدنيا واالخرة وبين الطاعات والفوز في الدنيا واالخرة‪.‬‬

‫‪ -1‬المعاصي تذهب الخيرات وتزيل النعم وتجلب المصائب‪:‬‬


‫قال ابن القيم [ومن عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم وتحل النقم فما زالت عن العبد نعمة اال بذنب وال حلت‬
‫بعبد نقمة اال بذنب كما قال علي بن ابي طالب رضي اهلل عنه "ما نزل بالء اال بذنب وال رفع اال بتوبة" وقد‪ -‬قال‬
‫تعالي ﴿وما اصابكم‪ -‬من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير﴾ سورة الشورى‪ -،‬وقال تعالى ﴿ذلك بأن اهلل‬
‫لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم‪ -‬حتى يغيروا‪ -‬ما بأنفسهم﴾ سورة االنفال] وقال ابن القيم [ومن أثار الذنوب‬
‫والمعاصي‪ -‬أنها تحدث في االرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار‪ -‬والمساكن قال تعالى‬
‫﴿ظهر الفساد في البر والبحر‪ -‬بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون﴾ سورة الروم]‪.‬‬

‫‪ -2‬حرمان العلم‪:‬‬
‫المعاصي تذهب العلم وتزرع‪ -‬الجهل‪ ،‬والطاعات تورث الحكمة والبصيرة واالمم المطيعة هي االمم المهتدية‬
‫والقوية الن البناء في نور العلم ليس كالبناء في ظلمات الجهل فالصواب في االسس واالجتهادات السياسية‬
‫واالجتماعية واالقتصادية والعقائدية مرتبط ارتباطا‪ -‬وثيقا بالطاعات قال تعالى ﴿ومن لم يجعل اهلل له نورا فما له‬
‫من نور﴾ سورة النور‪ ،‬وقال تعالى ﴿يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر اال‬
‫أولو االلباب﴾ سورة البقرة‪ ،‬فجهل الشعوب وتخلفها العلمي ال يعالج فقط ببناء المدارس والجامعات بل ال بد من‬
‫العمل بالطاعات واجتناب المعاصي‪ .‬ولنفرق بين العلم والمعرفة النظرية للحق والصواب‪ -‬فالطاعة تحول ما‬
‫ندرس من معلومات صحيحة وأخالق فاضلة إلى واقع عملي نطبقه والمعصية تجعله مثاليات ندرسها ولكننا لسنا‬
‫على استعداد لتطبيقها‪ ،‬وبالتالي‪ -‬فبركة المعرفة ونور العلم ال تظهر في المجتمعات العاصية فالعلم بدون تطبيق‬
‫كالجهل تماما‪ .‬قال ابن القيم [لما جلس االمام الشافعي بين يدى االمام مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور‪-‬‬
‫فطنته وتوقد‪ -‬ذكائه وكمال فهمه فقال‪ :‬اني أرى اهلل قد ألقى على قلبك نورا فال تطفئه بظلمة المعصية]‪.‬‬

‫‪ -3‬المعاصي تسبب نسيان اهلل للعبد ونسيان العبد لنفسه‪:‬‬


‫قال ابن القيم [ومن عقوباتها أنها تستدعي نسيان اهلل لعبده وتركه وتخليته بين وبين نفسه وشيطانه وهناك‬
‫الهالك الذي ال يرجى معه نجاة‪ .‬قال تعالى ﴿يا ايها الذين آمنوا اتقوا اهلل ولتنظر‪ -‬نفس ما قدمت لغد واتقوا اهلل أن‬

‫‪31‬‬
‫اهلل خبير بما تعملون وال تكونوا كالذين نسوا اهلل فأنساهم‪ -‬أنفسهم أولئك هم الفاسقون﴾ سورة الحشر‪ ،‬فامر‪ -‬بتقواه‬
‫ونهى أن يتشبه عباده المؤمنون بمن نسيه بترك تقواه وأخبر‪ -‬أنه عاقب من ترك التقوى بأن أنساه نفسه أي أنساه‬
‫مصالحها وما ينجيها من عذابه وما يوجب له الحياة االبدية وكمال لذتها وسرورها‪ -‬ونعيمها وقال ابن القيم‬
‫["ونسيانه سبحانه للعبد إهماله وتركه وتخليه عنه واضاعته فالهالك أدنى إليه من اليد للفم واما أنساؤه نفسه فهو‬
‫أنساؤه لحظوظها العالية واسباب سعادتها‪ -‬وفالحها وصالحها‪ -‬وما تكفل به ينسيه ذلك جميعه فال يخطر بباله وال‬
‫يجعله على ذكره وال يصرف إليه همته فيرغب فيه فأنه ال يمر بباله حتى يقصده ويؤثره ايضا فينسيه عيوب‬
‫نفسه ونقصها وآفاتها‪ -‬فال يخطر بباله إزالتها]‪.‬‬

‫‪ -4‬الذل من نتائج المعاصي‪:‬‬


‫ومن عقوبة المعاصي ما ذكره ابن القيم ["ومنها أن المعصية تورث الذل وال بد فان العز كل العز في طاعة اهلل‬
‫تعالي قال تعالى ﴿من كان يريد العزة فلله العزة جميعا﴾ سورة فاطر‪ ،‬أي فليطلبها بطاعة اهلل فأنه ال يجدها اال‬
‫في طاعة اهلل وكان دعاء بعض السلف‪" :‬اللهم أعزني بطاعتك وال تذلني بمعصيتك" وقال‪ -‬الحسن البصري‪ :‬أنهم‬
‫بهم البراذين(‪ ،)22‬إن ذل المعصية ال يفارق قلوبهم‪ -‬ابى اهلل اال أن يذل‬ ‫(‪)21‬‬
‫بهم البغال وهملجت‬ ‫(‪)20‬‬
‫وان طقطقت‬
‫من عصاه"] وقال رسول اهلل "اذا تبايعتم‪ -‬بالعينة وأخذتم‪ -‬أذناب البقر ورضيتم‪ -‬بالزرع وتركتم الجهاد سلط اهلل‬
‫عليكم ذال ال ينزعه حتى ترجعوا‪ -‬إلى دينكم"‪.)23( -‬‬

‫‪ -5‬المعصية تجر المعصية والطاعة تجر الطاعة‪:‬‬


‫قال ابن القيم [ان المعاصي‪ -‬تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضا حتى يعز على العبد مفارقتها‪ -‬والخروج منها كما‬
‫قال بعض السلف‪" :‬ان من عقوبة السيئة السيئة بعدها وأن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها" فالعبد اذا عمل حسنة‬
‫قالت أخرى الى جانبها‪ :‬اعملني ايضا فاذا عملها قالت الثالثة كذلك وهلم جرا فتضاعف الربح وتزايدت‪ -‬الحسنات‬
‫وكذلك جانب السيئات أيضا حتى تصير‪ -‬الطاعات والمعاصي‪ -‬هيئات راسخة وصفات الزمة وملكات ثابتة فلو‬
‫إذ‬ ‫(‪)24‬‬
‫عطل المحسن الطاعة لضاقت عليه نفسه وضاقت‪ -‬عليه األرض بما رحبت وأحس من نفسه بأنه كالحوت‬
‫فارق الماء حتى يعاودها فتسكن نفسه وتقر عينه ولو عطل المجرم المعصية وأقبل على الطاعة لضاقت عليه‬
‫نفسه وضاق صدره] وقال االستاذ احمد باقر قال رسول اهلل (‪" )‬لينتهين أقوام‪ -‬عن ودعهم الجمعات أو ليختمن‬

‫‪20‬‬
‫الطقطقة‪ :‬صوت قوائم الخيل على األرض الصلبة‪.‬‬ ‫()‬
‫‪21‬‬
‫الهمالج‪ :‬حسن سير الدابة مع التبختر‪.‬‬ ‫()‬
‫‪22‬‬
‫البرذون‪ :‬يطلق على الدابة‪.‬‬ ‫()‬
‫‪23‬‬
‫حديث رقم‪ 11 -‬المجلد األول – سلسلة األحاديث الصحيحة لأللباني‪.‬‬ ‫()‬
‫‪24‬‬
‫الحوت‪ :‬السمك‪.‬‬ ‫()‬
‫‪32‬‬
‫وبمقدور‪ -‬اى مسلم عاقل أن يالحظ هذا الختم على القلوب الذي يترتب على المعصية تلو‬ ‫(‪)25‬‬
‫اهلل على قلوبهم"‬
‫المعصية فاالقدام على جريمة الزنى او شرب الخمر يكون أمرا صعبا للمرة االولى ولكنه يضحي في غاية‬
‫السهولة لدى الموغلين في المعصية وهذا الختم على القلوب ليس قصرا على تكرار الكبائر قد يؤدي‪ -‬االصرار‬
‫على صغار الذنوب إلى مصير مشابه" (‪.)26‬‬

‫‪ -6‬المعاصي تمنع استجابة الدعاء‪:‬‬


‫اهلل ال يستجيب لدعاء العاصي قال ابن القيم من موانع إستجابة الدعاء [وإ ما لحصول المانع من اإلجابة من أكل‬
‫الحرام ورين الذنوب على القلوب واستيالء الغفلة والشهوة واللهو وغلبتها عليها] وقال ابن القيم [وكثيراً ما نجد‬
‫أدعية دعا بها قوم فاستجيب‪ -‬لهم ويكون قد اقترن بالدعاء ضرورة صاحبه وإ قباله على اهلل أو حسنه تقدمت منه‬
‫جعل اهلل سبحانه إجابة دعوته شكراً لحسنته أو صادف وقت اجابة ونحو‪ -‬ذلك]‪.‬‬

‫‪ -7‬حرمان الغيرة‪:‬‬
‫ومن عقوبة المعاصي ما قال االمام ابن القيم [كلما إشتدت مالبسته (العبد) للذنوب أخرجت من قلبه الغيره على‬
‫نفسه وأهله وعموم الناس وقد‪ -‬تضعف في القلب حداً حتى ال يستقبح بعد ذلك القبيح ال من نفسه وال من غيره وإ ذا‬
‫وصل إلى هذا الحد فقد دخل في باب الهالك وكثير من هؤالء ال يقتصر على عدم االستقباح بل يحسن الفواحش‬
‫والظلم لغيره ويزينه له ويدعوه إليه ويحثه عليه ويسعى‪ -‬له في تحصيله ولهذا كان الديوث أخبث خلق اهلل والجنة‬
‫حرام عليه] وقال‪ -‬أيضاً [وهذا يدلك على أن اصل الدين الغيرة ومن ال غيرة له ال دين له فالغيرة تحمي القب‬
‫فتحمي له الجوارح فتدفع السوء والفواحش وعدم الغيرة تميت القلب فتموت له الجوارح]‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫حديث رقم‪ 426 -‬مختصر‪ -‬صحيح مسلم لأللباني‪.‬‬ ‫()‬
‫‪26‬‬
‫ص ‪ 23‬من كتاب عذاب الدنيا لالستاذ احمد باقر‪.‬‬ ‫()‬
‫‪33‬‬
‫الطريق الى النصر‬

‫هل ما يصيبنا‪ -‬من هزائم وتفرق وضياع‪ -‬هو عقاب من اهلل تعالى على معاصينا؟‪ -‬وهل يعاقب اهلل الكافرين‬
‫والعصاة في الحياة الدنيا؟ ولماذا ينتصر‪ -‬بعض هؤالء كالصهاينة علينا في اكثر من حرب مع الحادهم؟ هذه‬
‫االسئلة وغيرها يمكن أن تطرح حول موضوع‪ -‬النصر وحول أي موضوع مهم آخر كالقضاء والقدر وااليمان‬
‫والكفر‪ .‬وما زلنا نخطئ عندما نسرع إلى الدخول في نقاش حول هذه المواضيع‪ -‬المهمة دون أن نكون من أهل‬
‫العلم فيها أو حتى دون أن نكون قد قرأنا ما يكفي حول هذه المواضيع المتشعبة‪.‬فنحن مثال ال نلم بااليات‬
‫واألحاديث المتعلقة بهذه المواضيع‪ -‬ولسنا على اطالع على بعض ما قاله اهل العلم في ذلك والتزاما باحترام‪ -‬العلم‬
‫وأهله فقد بذلت بعض الجهد بحثا عن بعض الحقائق في موضوع النصر والتي ألخص أهمها في النقاط التالية‪:‬‬

‫‪ -1‬بين اهلل سبحانه وتعالى أن الذنوب والمعاصي‪ -‬والكفر مصدر الهزيمة والشقاء والهالك قال تعالى ﴿كداب‬
‫ءال فرعون والذين من قلبهم كذبوا بأيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا‪ -‬ءال فرعون وكل كانوا ظالمين﴾‬
‫(‪ )54‬سورة االنفال وبين سبحانه وتعالى‪ -‬أن السير في طريق‪ -‬الطاعة هو منبع الخير والنصر‪ -‬والتوفيق‪ .‬قال‬
‫تعالى ﴿ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء واألرض ولكن كذبوا فاخذناهم‪ -‬بما‬
‫كانوا يكسبون﴾ (‪ )96‬سورة األعراف وقال تعالى ﴿ولينصرن اهلل من ينصره ان اهلل لقوى عزيز﴾ (‪)40‬‬
‫سورة الحج وقال تعالى ﴿ولقد نصركم اهلل ببدر وأنتم أذلة فاتقوا اهلل لعلكم تشكرون﴾ (‪ )123‬سورة أل‬
‫عمران وقال تعالى ﴿ان تنصروا‪ -‬اهلل ينصركم﴾ سورة محمد وان هنا هي ان الشرطية أي ان لم تنصروا‪ -‬اهلل‬
‫فلن يكون هناك نصر ونصر اهلل يكون بطاعته واالبتعاد‪ -‬عن المعاصي وبالتالي‪ -‬فلن يكون مع ترك الصالة‬
‫ومنع الزكاة وانحطاط االخالق واالستهتار بالدين أي نصر وفي‪ -‬أحداث الماضي ما يثبت ما نقول ولقد ظننا‬
‫في الستينات أن النصر يحتاج فقط إلى سالح واستعداد‪ -‬مادي وتحالف مع روسيا‪ -‬وتعالت أصوات‬
‫الشيوعيون وأشباهم واضطهد المصلون والعلماء فماذ حدث؟ لقد أذل اهلل األمة وهزمها وبين لها أن النصر‬
‫من عنده‪.‬‬

‫‪ -2‬ان االلتزام بالطاعات ال ياتي بالنصر اذا كان التزاما جزئيا وليس شامال فمن االلتزام بالطاعات تنفيذ االمر‬
‫الرباني في اآلية الكريمة ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم‪ -‬من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو اهلل وعدوكم‬
‫وءاخرين من دونهم‪ -‬ال تعلمونهم اهلل يعلمهم﴾ (‪ )60‬سورة االنفال فاألخذ باألسباب المادية من الفنون‬
‫العسكرية وحسن اإلدارة والتدريب والحرص على المعنويات وغير ذلك مما يفرضه الشرع والعقل عملية ال‬
‫اختالف حولها فالمسلمون هزموا في غزوة أحد مع أن معهم رسول اهلل (‪ )‬ومع أنهم كانوا أفضل القرون‬
‫وذلك ألنهم أخطأوا في األخذ باالسباب المادية فاستغل‪ -‬العدو تخلى الرماة عن مواقعهم‪ -‬فانتصر‪ ،‬وكان‬
‫الرسول (‪ )‬يأخذ باألسباب المادية والفكرية فمن راه كيف يأخذ باالسباب المادية في هجرته مثال قد يظن أن‬
‫الرسول ال يؤمن بوجود‪ -‬أسباب فكرية للنجاح كالدعاء والصالة واللجوء إلى اهلل وقد‪ -‬طبق الرسول كل ما‬

‫‪34‬‬
‫يستطيع لخداع قريش وفي غزوة بدر أخذ باالسباب المادية والفكرية ايضا واخذ يدعو اهلل بالحاح شديد ألنه‬
‫يعلم ان النصر من عند اهلل ونصره اهلل مع ان ميزان القوى المادية كان يميل بشدة لصالح الكفار‪ .‬ولقد قيل‬
‫ان من يرى الرسول ياخذ باالسباب المادية للنصر يظن أنه ال يؤمن بوجوب أسباب فكرية ومن يراه ياخذ‬
‫باالسباب الفكرية يظن أنه ال يؤمن بوجود اسباب مادية للنصر واالخذ باالسباب الفكرية والمادية معا‬
‫وبأقصى‪ -‬ما يمكن من جهد هو أسلوب الرسول (‪.)‬‬

‫‪ -3‬االيمان بان الرجوع‪ -‬للدين وااللتزام بأمر اهلل هو الطريق‪ -‬إلى النصر ليس فيه اطالقا الغاء لدور العقل أو‬
‫هروب من الواقع فمن االلتزام بأوامر‪ -‬اهلل أن نستخدم عقولنا في البحث عن االسباب المنطقية والمادية التي‬
‫تؤدي للهزائم ونعالجها‪ -‬كالتخلف التكنولوجي‪ -‬والتفرق والفوضى‪ -‬والكسل وغير ذلك فال بد من االخذ‬
‫باالسباب المادية ليس في الحرب فقط بل البد من اخذها في كل مجال فهي مطلوبة في الزراعة والصناعة‬
‫والتجارة والتدريس وعالج الفقر وغير ذلك فعدم‪ -‬االخذ باالسباب المادية دروشة وجهل فالمنهج االسالمي‬
‫يتبنى نظرية "اعقلها وتوكل‪ -‬على اهلل" واالخذ بنصف هذه النظرية باب من أبواب شقاء االفراد‪ -‬واالمم قديما‬
‫وحديثاً‪.‬‬

‫‪ -4‬قال االستاذ محمد حسنين هيكل "ولعلي‪ -‬اذكر بعض هؤالء الذين حاولوا‪ -‬ايهامنا بأننا نسينا اهلل فنسينا‪ -‬بأن‬
‫اسرائيل ليست مجتمع العودة الى اهلل وإ نما هي مجتمع من الملحدين طبقاً الستفتاء عام جرى ونشر‪ -‬علنا في‬
‫إسرائيل بل أن مؤسس الدولة وهو ديفيد بن غريون كان ملحدا بنص ما قاله عن نفسه في مذكراته"‪ ،‬لقد فكر‬
‫االستاذ هيكل بطريقة منطقية ولكنه لم يفكر بطريقة علمية الن الطريقة العلمية التي نؤمن بها كمسلمين‬
‫تفرض علينا أن نرجع للقرآن والسنة ولو فعلنا ذلك لعلمنا أن مقارنتنا مع من هم اشر منا ثم محاولة أثبات أن‬
‫هزائمنا ومصائبنا‪ -‬ليس من اسبابها المتوقعة بعدنا عن اهلل بدليل أن اليهود أكثر منا بعدا راي ينطوي‪ -‬على فهم‬
‫خاطئ الن القرآن بين ان اهلل ينسى من ينساه ويعاقب من يعصيه الننا نجد أن اهلل عاقب يونس عليه السالم‬
‫وهو نبي والقاه في بطن الحوت النه خرج مغاضبا‪ -‬قومه بعدما يئس منهم مع أن اهلل لم ياذن له بالخروج‬
‫وظن يونس أن اهلل لن يقدر عليه بمعنى لن يضيق‪ -‬عليه ولكن اهلل عاقبه والقاه في بطن الحوت ولوال فضل‬
‫اهلل ورحمته لظل في بطن الحوت إلى يوم القيامة‪ .‬وعرف يونس معصيته وعلم أن اهلل عاقبه ولهذا قال ﴿ال‬
‫إله إال أنت سبحانك إني كنت من الظالمين﴾ سورة األنبياء ولم يقل يا رب أنا من الموحدين‪ ،‬وأفضل‪ -‬من‬
‫غيري ومن هنا نسنتنج أن مقارنتنا مع غيرنا ممن أهم أظلم منا والظن بأن اهلل لن يعاقبنا‪ -‬على ذنوبنا الن‬
‫الغير أكثر ذنوبا عملية تعطي الفرد واالمة اطمئنانا كاذبا وظنونا ال تغني من الحق شيئا‪ .‬فاهلل أرسل لنا‬
‫محمد (‪ )‬وأنزل القرآن بلغتنا وبلغنا وعده ووعيده فاذا عصينا فال شك أن جرمنا كبير‪.‬‬

‫واعتراف بن غريون بأنه ملحد أي ال يؤمن بوجود اهلل ليس دليال على أنه ليس عندنا ملحدون عن جهل أو‬
‫عن علم فالقول الشائع بأن الملحد هو فقط من ال يؤمن بوجود‪ -‬اهلل خطأ يجب أن يصحح‪ ،‬فجزء من االلحاد‬
‫هو انكار وجود‪ -‬اهلل وعندنا ولالسف‪ -‬ملحدون عرب فكل من اقتنع بأن هناك نظام حكم افضل من االسالم فهو‬

‫‪35‬‬
‫ملحد ومن سخر من الصالة أو الحج أو أي حكم من الشريعة فهو ملحد ومن عادى الصالحين وأبغضهم فهو‬
‫ملحد ومن أعطى االولياء أو الحكام أو العلماء حقوقا ال تعطى إال هلل وحده كالطاعة المطلقة فهو ملحد ومن‬
‫أحب أعداء الدين فهو ملحد ألن محبة اهلل ومحبة أعداءه ال تجتمع في قلب واحد وال نريد أن نسترسل أكثر‬
‫ونقول ما اكثر الملحدين والمنافقين والعصاة في أمتنا‪.‬‬

‫‪ -5‬خطأ فادح ذلك الذي نرتكبه عندما نعتقد أن أسباب النجاة والنصر‪ -‬هي فقط اسباب مادية أي أن اهلل ال يتدخل‬
‫في أمور النصر والعزة والقوة والخير فكم من ضيعف‪ -‬انتصر وهو ال يملك من اسباب النصر المادية اال‬
‫القليل أو ال شئ‪ .‬وكم من ظالم لم يستطع أن يضر رجال تقيا أو أمراة ضعيفة أو طفال رضيعا فاهلل حمى‬
‫موسى طفال ورجال من فرعون وظلمه‪ .‬قالى تعالى لموسى وهارون ﴿ال تخافا إنني معكما اسمع وأرى﴾ (‬
‫‪ )46‬سورة طه ولم يكون لموسى‪ -‬عليه السالم نصيب في القوة المادية مقارنة مع فرعون وعندما طارد‬
‫فرعون وجنوده موسى‪ -‬وجدنا اهلل يتدخل ويأمر‪ -‬البحر بانقاذ موسى‪ -‬واغراق فرعون‪ .‬وابراهيم عليه السالم‬
‫كان بالموازين المادية هالكا ال محالة فقد ألقى في النار ولكن اهلل امر النار ان تكون بردا وسالما‪ .‬فلماذا‬
‫النفهم هذه األيات والقصص ونعتبر‪ -.‬ألم نقرأ قوله تعالى ﴿ان اهلل يدافع عن الذين أمنوا ان اهلل ال يحب كل‬
‫خوان كفور﴾ (‪ )38‬سورة الحج‪ .‬الم نقرأ قوله تعالى ﴿وما رميت اذ رميت ولكن اهلل رمى﴾ (‪ )17‬سورة‬
‫االنفال‪ .‬وعموما فتدخل اهلل سبحانه وتعالى‪ -‬قد ال يكون واضحا‪ -‬في كل االحوال ولكنه موجود‪ -‬وهو ليس‬
‫تدخال مقصورا‪ -‬على االنيياء أو على العهود الماضية بل اهلل ولي المؤمنين والمؤمنات في كل وقت فقد ينشر‬
‫العدواة بين أعداء دينه فينشغلوا‪ -‬عن ظلم أوليائه أو يسلط بعض الظالمين على بعض فينتقم وهو يمهل وال‬
‫يهمل وله جنود السموات واالرض ومن ظن بعد الذي قلنا أن اهلل ال يتدخل في تسيير‪ -‬أمور الناس السياسية‬
‫ةاالقتصادية وغيرها في الحياة الدنيا فقد ضل ضالال بعيدا قال تعالى ﴿قل اللهم مالم الملك تؤتي الملك من‬
‫تشاء وتنزع‪ -‬الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شئ قدير﴾ (‪)26‬‬
‫سورة ال عمران‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫الالمباالة في قراءة الواقع‬

‫السعادة واألنانية‬
‫ال تجتمعان في فرد وال أمة‬

‫من السهل على المتأمل في اوضاع االمة العربية أن يقتنع بأنها تواجه تحديات هائلة تتمثل في الفقر واالمية‬
‫والفرقة والتخلف‪ -‬العلمي واالقتصادي‪ -‬وغير ذلك‪ .‬وتشير الحقائق واالرقام‪ -‬الى أن المستقبل القريب سيكون أكثر‬
‫مرارة من الحاضر‪ -‬واالمر الغريب هو هذه الالمباالة التي تكاد تكون رد فعلنا الوحيد على ما نرى‪ .‬فهل نحن‬
‫جاهلون بهذه الحقائق أم اننا أنانيون ال تهمنا اال مصالحنا الخاصة وراحتنا واذا لم نتحرك نحن لنغير الواقع فمن‬
‫سيتحرك؟ وهل ستمطر السماء ذهبا وفضة؟ ام أن اهلل ال يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم من الالمباالة‬
‫والمعاصي‪ -‬والجهل والكسل؟ االجابة معروفة فما ننتظر؟‪ -‬وقد ال يشعر بعض المخلصين بمرارة الواقع النهم‬
‫يعيشون في أجزاء يقل فيها حجم التخلف نسبيا مقارنة باجزاء اخرى‪ ،‬ونقول لهؤالء ان اخطبوط التخلف قد أطبق‬
‫على أغلب أجزاء االمة‪ ،‬واصبحت أمتنا كالمريض الميئوس من شفائه من كثرة أمراضه والبعض ال يدرك حجم‬
‫التخلف ومرارة الواقع ولكن لنثق باننا كلما ازددنا علما بواقعنا‪ -‬السياسي واالدراي‪ -‬واالجتماعي والعقائدي‪ -‬وغير‬
‫ذلك ادركنا بالفعل أننا نعيش في كوارث وان المستقبل القريب يحمل كوارث اخرى‪.‬‬
‫ان المطلوب ان يتحرك شعورنا‪ -‬لنحس بمرارة واقع امتنا وان من سافر‪ -‬لبعض أجزاء الوطن العربي فان‬
‫بامكانه اذ شاء أن يرى شدة فقر الفقراء وشدة جهل الجهالء وصعوبة شراء دواء لمريض أو اجراء عملية‬
‫واستحالة الحصول على مسكن متواضع‪ -‬وبامكانه ان يرى كذلك الفوضى والتخلف االداري‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬بل‬
‫اصبح الحصول على عمل متواضع عملية شبه مستحيلة للبعض وبعضنا‪ -‬لالسف يرى هذا ويتحرك‪ -‬شعوره ولكنه‬
‫ينسى بعد ان تبتعد مناظر الفقر الشديد واالنتفاضة والبؤس عن عينيه كأن البؤس اختفى من واقعنا وكأنه يشاهد‬
‫فيلما مأساويا انتهى وليس واقعا يزداد كل يوم مرارة وبؤسا فهل هذه أنانية؟ أم أن الضمائر ماتت والحياة تفرض‬
‫علينا أن ننفعل ونتأثر‪ -‬واال فنحن أموات‪.‬‬

‫وقد أحسن الشاعر الذي قال‪:‬‬


‫اسمعـت لــو ناديــت حــيا *** ولكـن ال حـياة لمـن تنـادي‬ ‫لقــد‬
‫كما أحسن االستاذ يوسف‪ -‬العظم الذي ذكرنا برأيه – وان كنا ال نتفق معه حرفيا ولكن نتفق مع الفكرة‬
‫التي يدعو لها بقوله‪:‬‬
‫ابتســامـا؟‬ ‫عجــب *** لم ال تمــأل دنيــاك‬ ‫ال تســلني يـا اخــي في‬
‫أنـا مـذ مـزق قـدسي‪ -‬غاصــب *** صـارت البســمة في شــرعي حرامــا‬
‫والتأثر المطلوب ليس هو التأثر اللفظي أو الوقتي بل هو الذي يتم ترجمته إلى أفعال وهناك لالسف‬
‫أجابات جاهزة تبرر تجاهلنا لواقع أمتنا وال مباالتنا‪ ،‬فهناك المقتنع بأن الدائرة المسؤول عنها تقتصر على نفسه‬

‫‪37‬‬
‫أو اسرته أو بلده‪ ،‬وهناك المقتنع بأنه حتى لو عمل فلن يكون لعمله اثرأو فائدة فالتخلف شديد وهناك من يقول‬
‫أنني في ال مباالتي أفعل ما يفعله االخرون‪ ،‬أو من يضمن لي أن ما ابذله من مال سيصل الى شخص محتاج؟‬
‫وما أكثر التبريرات التي نستخدمها‪ -،‬ولكنها مرفوضة شرعا فلكل مشكلة حلول‪ ،‬وتبرير‪ -‬الكسل والالمباالة‬
‫انحراف كبير عن الصراط المستقيم وليس هذا مجال التفصيل فمثال ال يسال االنسان يوم القيامة عما فعله الناس‬
‫بل يسال عما فعله هو اي هو مسؤول عن كسله وال مبالته‪.‬‬

‫فانحراف‪ -‬الناس ال ينفعك وال يضرك‪ -‬وباختصار فان قاموس التبريرات الواهية لن يفيد االنسان الالمبالي‬
‫وهو ال يخدع اال نفسه‪ .‬وكثيرا ما وجدنا نتائج عدم المباالة تعم الجميع أو االغلبية‪ ،‬فاذا شب حريق في بيت‬
‫جارك فان النار ستصل لبيتك اذا لم تساعده‪ ،‬فقد يصيبك من مساعدة جارك في اطفاء الحريق جروح بسيطة‬
‫ولكن ان لم تفعل قد يسبب الحريق لك كارثة وفي‪ -‬حكاية االسد والثيران الثالثة التي اتبعت اسلوب الالمباالة عبرة‬
‫كبيرة‪ ،‬فتبريرات االسد أقنعت ثورين من الثيران باتخاذ موقف‪ -‬اسلوب الالمباالة ولهذا افترسهم‪ -‬جميعاً‪ ،‬وقال‬
‫الثور االخير حكمة خالدة وهي "أكلت يوم أكل الثور االبيض" فكأنه قال بأن الالمباالة تهلك االفراد‪ -‬واألمم‪.‬‬

‫ونحن مطالبون كأفراد‪ -‬وحكومات وتكتالت تذكير المواطن العربي بمشاكله والصعوبات التي تواجه االمة‬
‫فعالج المشاكل يكون بمعرفتها‪ -‬وتتبع جذورها ووضع‪ -‬الحلول وليس بتجاهلها‪ ،‬فمعرفة المشكلة نصف الحل‬
‫وكشف نقاط الضعف هو قوة وشجاعة وحكمة وتجاهلها هو الضياع فالواقع ال تحركه اال الحقائق سواء نشرناها‬
‫ام كتمناها‪ ،‬فاليابان وهي البلد المتطور‪ -‬تكنولوجيا‪ -‬تعلم أطفالها بأن بلدهم في خطر اذا لم يعلموا بجد واجتهاد‪-‬‬
‫فالموارد‪ -‬محدودة وبذلك تزرع في نفوسهم االحساس بالمشكلة واالندفاع‪ -‬للعمل أما نحن فنعيش في قلب الخطر‬
‫والمعاناة والمرارة ومع هذا نتصرف كأننا نعيش في رخاء وتقدم وليت الجمعيات التربوية والخيرية تقوم بتنظيم‪-‬‬
‫رحالت لشبابنا ورجالنا‪ -‬ونسائنا ليشاهدوا‪ -‬صورا على الطبيعة من واقعنا العربي واالسالمي‪ -،‬ونريد رحالت ال‬
‫تتعامل مع فنادق الدرجة االولى وال مع الشوارع‪ -‬الرئيسية بل مع واقع االغلبية‪ ،‬وهناك دروس كثيرة في عالمنا‬
‫العربي اذا قرأنا‪ -‬الواقع بصورة صحيحة فإنه من شاهد فقراء بنغالديش سيري‪ -‬الفقر ومن راى ليس كمن سمع‬
‫ومن شاهد جراح اطفال أفغانستان‪ -‬سيتعلم اشياء كثيرة وال سعادة المة ال تعرف قراءة واقعها التي هي ضرورية‬
‫حتى جعلها بعض العلماء شرطاً‪ -‬لالجتهاد وكلما كنا كنا قادرين على قراءة الواقع السياسي‪ -‬واالداري واالخالقي‬
‫كلما كنا أكثر صوابا في قراراتنا واجتهادتنا وأفكارنا فان هذا وليس الشعارات واالقوال تعطينا‪ -‬تصورا صحيحا‬
‫عن وضع الشعوب وبالتالي يمكننا وضع خطط تتناسب مع كفاءة الشعوب وما تعلق عليها من أمال‪.‬‬
‫ان مرارة الواقع تعنى ان المعركة بل المعارك هي على اشدها فكيف‪ -‬يتصرف الجنود في قلب المعركة؟‬
‫اليس باستغالل كل دقيقة في صناعة أو حراسة أو توفير أو تخطيط ونخطئ‪ -‬اذا ظننا أن المعارك العسكرية‬
‫والسياسية واالقتصادية تحددها خطوط المواجهة وساعاتها بل نتائجها تحددها سنوات االستعداد‪ -‬والعمل الطويلة‬
‫التي تمت قبل ذلك فليسأل كل واحد فينا نفسه ماذا قدم وهل أخلص في عمله؟ وهل تبرع بجزء من ماله؟ وهل‬
‫قال كلمة الحق؟ وهل أعطى جزءا من وقته لعمل خيري او تربوي أو غير ذلك واالحساس‪ -‬بمرارة الواقع يجب‬
‫ان يترجم‪ -‬في كل مجال واحد أهم المجاالت هو في استخدامنا للمال‪ ،‬اننا نحتاج الى الكثير من الترشيد في هذا‬
‫‪38‬‬
‫المجال وعلى القادرين فينا ان يقوموا بإثبات احساسهم‪ -‬بواقع االمة فحسن استخدام‪ -‬المال يعالج مصائب كثيرة‬
‫فلنبتعد عن المظاهر والعادات والتقاليد التي نتمسك بها رجاال ونساء وليست من الشرع في شئ فالمبالغ التي‬
‫نصرفها‪ -‬على المهور وحفالت الزواج والفساتين هي مبالغ طائلة واذا اضفنا لها التبذير في المساكن والسيارات‪-‬‬
‫والرحالت واالثاث والوالئم تصبح عندنا باليين ضائعة فليس قيمة المراة فيما تلبس من فساتين والجمال ال‬
‫تصنعه المساحيق‪ -‬وغيرها وقيمة الرجال ال يدخل في حسابها ما يملكون من مال وعقار وتجارة‪ ،‬فقد كان‬
‫الصحابة رجاال تتجسد فيهم معاني الرجولة مع أنهم كا نوا ال يملكون شيائا أو يملكون القليل وكانت ثياب بعضهم‪-‬‬
‫ممزقة ونحن ال ندعو لالمتناع عن الطيبات ولكن ندعوا الى حسن استخدام‪ -‬المال فاهلل هو الذي رزقنا‪ -‬والمال‬
‫مال اهلل ونحن مستخلفون فيه وسيسألنا‪ -‬اهلل عما فعلناه به قال تعالى ﴿والذين يكنزون الذهب والفضة وال ينفقونها‬
‫في سبيل اهلل فبشرهم‪ -‬بعذاب أليم (‪ )34‬يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى‪ -‬بها جباههم وجنوبهم وظهورهم‪ -‬هذا‬
‫ما كنزتم‪ -‬النفسكم فذقوا‪ -‬ما كنتم تكنزون﴾ (‪ )35‬سورة التوبة والن كثير من المال يبذر في القضايا االجتماعية‬
‫فاننا ندعو المراة المسلمة بأن تثبت احساسها بالواقع‪ -‬في توفير‪ -‬المال وانفاقه على المحتاجين والمشاريع الخيرية‬
‫والدنانير‪ -‬القليلة التي توفرها‪ -‬المراة من اكتفائها بفساتين قليلة من شأنها أن تسعد عائالت كثيرة‪ ،‬والمراة اليوم‬
‫حصلت على كثير من حقوقها‪ -‬فلتساهم في بناء المجتمع الذي ال يكون بشراء الفساتين والجري وراء الموضة‬
‫واالناقة والتباهي بالمسكن واالثاث والمجوهرات وطبعا‪ -‬بعض النساء بحاجة للذهب والموجوهرات حتى تصبح‬
‫لهن قيمة وليت نساءنا يعلمن بأن جمال المراءة الدائم واالصيل‪ -‬هو جمال اخالقها وحنانها وعطائها أما جمال‬
‫الفساتين والذهب فهو جمال مزور يتعامل فقط مع القشرة الحارجية ومع الجسد وليس الروح وما أكثر ولالسف‪-‬‬
‫ما نحرص على الجمال المادي واكتسابه وما اقل ما نحرص على الجمال الروحي‪ -‬واكتسابه ومن ترشيد‪ -‬استخدام‬
‫المال ان يصطاف من يريد منا في البالد العربية واالسالمية‪ ،‬والسياحة صناعة تدر الباليين لو احسنا‬
‫استخدامها‪ ،‬وعموما فان جروح االمة عميقة وكثيرة‪ ،‬فلنتأثر بهذه الجروح وليظهر‪ -‬هذا التأثر في اعمالنا واقوالنا‪-‬‬
‫وسلوكنا‪ -‬واال فنحن أنانيون ال تهمنا اال مصالحنا الدنيوية التي سرعان ما تتالشى والمبكي‪ -‬هو أننا قد نكتشف‬
‫متاخرين أن ما ظنناه حكمة وذكاء ومصلحة تحول الى جهل وغباء وضرر ففي االسالم خير الناس أنفعهم للناس‬
‫والرسول (‪ )‬تاثر بمصائب الناس ومشاكلهم‪ .‬اما تجاهل مصالح االمة وجروحها فليس فيه فقط هالك لالمم‬
‫والشعوب والمجتمعات‪ -‬والمؤسسات‪ -‬واالسر بل هو ايضا هالك للفرد نفسه الن االنسان مسؤول‪ -‬أمام اهلل عن‬
‫اهماله وأنانيته وهو بذلك قد عرض نفسه لسخط اهلل وغضبه وحرم‪ -‬نفسه من ابواب عظيمة للخير والثواب فقد‬
‫غفر اهلل لمن سقى كلباً عطشانا فكيف بمن أحس باحساس اخيه االنسان واروى‪ -‬ظمأه قال رسول اهلل صلى اهلل‬
‫عليه وسلم "من نفس عن مؤمن كربه من كرب الدنيا‪ ،‬نفس اهلل عنه كربة من كرب يوم القيامة‪ ،‬ومن يسر على‬
‫معسر يسر اهلل عليه في الدنيا واالخرة‪ ،‬ومن ستر مسلما ستره اهلل في الدنيا واالخرة‪ ،‬واهلل في عون العبد ماكان‬
‫في عون أخيه" (‪.)27‬‬

‫‪27‬‬
‫حديث رقم‪ – 1888 -‬مختصر‪ -‬صحيح مسلم‪ .‬لاللباني‪.‬‬ ‫()‬
‫‪39‬‬
‫فهل في الالمباالة التي نشاهدها حكمة؟ وهل هناك أعمال قادمة تثبت فعال أننا نريد أن نتصرف‪ -‬كمسلمين؟ ام أن‬
‫اكثرها ما نقدر عليه هو أن تتاثر نفسياتنا دون أن يكون هناك رد فعل عملي؟‬
‫فلنعلم ان كل يوم يمضي لن يعود وسيسألنا‪ -‬اهلل عماً عملناه في أيامنا ولنحذر‪ -‬أن يكون جوابنا أننا قد قضيناه في‬
‫االستماع إلى األغاني وحضور‪ -‬الحفالت والوالئم والديوانيات ولم نتفاعل مع هموم الناس‪ ،‬والحمدهلل الذي جعل‬
‫االعمال هي المرجع والمقياس حتى لاليمان والحمدهلل الذي ذكرنا في أيات كثيرة في القرآن الكريم بأهمية العمل‬
‫بقوله "الذين آمنوا وعملوا الصالحات" والحمدهلل الذي جعل الناس تصدق‪ -‬االعمال فجعل من الفطرة احترام وحب‬
‫وتقدير من يضحي بوقته وماله وصحته في سبيل االخرين وما أكثر ما شاهدنا من بين قومنا‪ -‬من ال يتقنون غير‬
‫التنظير والتحليل والكتابة والكالم‪ ،‬ولم نشاهد لهم أفعاال فهم بخالء وأنانيون‪ -‬ولو كان االحتكام للكالم لتساوى‪-‬‬
‫البخالء والكرماء والصادقون والكاذبون والمنافقون والمخلصون فما اسهل الكالم وما اصعب العمل وهذا غاندي‬
‫يعكس احساسه بالواقع في شبابه عندما سأله رجل رآه يركب في الدرجة الثانية في قطار‪ :‬أنت غاندي وتركب‬
‫بقطار الدرجة الثانية؟ فقال‪ :‬النه لم توجد هناك درجة ثالثة‪ .‬فغاندي‪ -‬ترجم احساسه بفقر بالده بأعماله ولهذا‬
‫أثرت أعماله في مئات الماليين ولقد قيل "عمل رجل في الف رجل أبلغ من قول الف رجل في رجل"‪.‬‬
‫وقال ابن تيمية "ولما كان صالح بني آدم ال يتم في دينهم ودنياهم اال بالشجاعة والكرم‪ -‬بين اهلل سبحانه أنه من‬
‫(‪)28‬‬
‫تولى عنه بترك الجهاد بنفسه ابدل اهلل به من يقوم بذلك ومن تولى عنه بانفاق ماله أبدل اهلل به من يقوم بذلك"‬
‫ونقول ونكرر ان االنتماء لالسالم ليس هو انتماء اسمى أو وراثي كما يظن كثير من الناس بل هو أيمان وافعال‬
‫وااليات القرآنية واضحة جدا وجاءت بلسان عربي يفهمه كل عاقل فال عذر الحد‪ .‬وتأملوا في قوله تعالى ﴿قل‬
‫ان كان أباؤكم‪ -‬وأبناءكم واخوانكم وعشيرتكم‪ -‬وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب‬
‫إليكم من اهلل ورسوله وجهاد‪ -‬في سبيله فتربصوا حتى يأتي اهلل بأمره واهلل ال يهدي القوم الفاسقين﴾ (‪ )24‬سورة‬
‫التوبة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫ص ‪ 66‬كتاب األمر بالمعروف‪ -‬والنهي عن المنكر لشيخ االسالم ابن تيمية‪.‬‬ ‫()‬
‫‪40‬‬
‫وذهب ملك سليمان‬

‫قال أبو عمران الجوني‪ :‬مر سليمان بن داود عليهما السالم في موكبه والطير‪ -‬تظله والجن واالنس عن يمينه‬
‫وشماله قال‪ :‬فمر عابد من عباد بني اسرائيل فقال‪ :‬واهلل يا ابن داود لقد اتاك اهلل ملكا عظيما قال‪ :‬فسمع سليمان‬
‫كلمته فقال‪ :‬تسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما أعطى ابن داود وما أعطى ابن داود يذهب والتسبيحة تبقى" فاذا‬
‫كان ملك سليمان وما أعظمه من ملك قد ذهب‪ ،‬فهل سيبقى ما يسعى له أهل الدنيا من ثروة ومركز وجاه؟ وماذا‬
‫نقول لمن شغل حب الدنيا قلوبهم فاندفعوا‪ -‬يعملون نهارا ويسهرون ليال وكل اعمالهم تدور‪ -‬حول االستثمار‪ -‬في‬
‫الدنيا وليس لالخرة نصيب من وقتهم أو مالهم وال حتى من تفكيرهم؟ يقضون نهارهم‪ -‬في السعي الجل المال أو‬
‫الشهرة أو المركز أو غير ذلك بينما يجعلون ليلهم لراحتهم وحفالتهم وشهواتهم‪ ،‬كل همومهم‪ -‬تدور حول شراء‬
‫سيارة أو بناء بيت أو بيع عقار أو استيراد بضاعة‪ .‬ماذا نقول الهل الدنيا الذين اتبعوا أهواءهم ومصالحهم‪-‬‬
‫وتخلوا عن حمل راية االسالم؟ فال غيرة لهم على دينهم أو أوطانهم‪ -‬وما أكثر أهل الدنيا فينا وأخشى أن ال نصحو‬
‫من غفلتنا اال بالموت وهي صحوة نتأخرة ال تنفع قال تعالى ﴿حتى اذا جاء أحداهم الموت قال رب ارجعون (‬
‫‪ )99‬لعلي أعمل صالحا فيما تركت‪ ،‬كال أنها كلمة هو قائلها ومن ورآئهم‪ -‬برزخ الى يوم يبعثون (‪( ﴾)100‬سورة‬
‫المؤمنون)‪.‬‬

‫نقول الهل الدنيا ان المال ال يجلب السعادة وال يصنع الرجال والغريب أن الذين يتفاخرون بأموالهم‪ -‬وعقاراتهم‬
‫كأنهم يقولن أن قيمة االنسان بما يملك وهذا اعتراف منهم بأنهم اذا فقدوا ثروتهم فال قيمة لهم وحقيقة االمر أن‬
‫هذه هي قيمتهم‪ -‬الفعلية عند اهلل ورسوله والعقالء‪ .‬وأهل الدنيا حريصون على توفير‪ -‬المال ألبنائهم‪ -‬وتشجيعهم‪-‬‬
‫على الدراسة حتى يصبحوا أطباء ومهندسين ومحامين وهم ليسوا بحريصين على تعليم أبنائهم الصالة واالخالق‪-‬‬
‫فالمهم أن ينجحوا في متطلبات الدنيا وليس مهما أن ينجحوا في متطلبات االخرة فالخسارة هي أن نخسر مناصبنا‪-‬‬
‫وأموالنا أما ان نخسر االخرة وديننا وشرفنا وصدقنا فهذه خسارة بسيطة وتعصب ال داعي له فما أسوأ ما نربي‬
‫أبناءنا عليه‪.‬‬

‫وأهل الدنيا أنواع فمنهم‪ -‬من لم يستعبده المال لقلة طمعه فيه ولكن استعبده المنصب والجاه فال هم له اال‬
‫الطواف حول الكرسي والسجود لمن يملكه فتجد هؤالء ينافقون لرؤسائهم‪ -‬في العمل أو ينافقون للشعب هم‬
‫يجاملون الحق والباطل فالمهم‪ -‬عندهم الوصول‪ -‬للمنصب وكم للمناصب من عبيد صرفوا المال والوقت والجهد‬
‫فمنهم من وصل ومنهم‪ -‬كثيرون لم يصلوا؟ ومن وصل لم تدم له ولو دامت لغيره ما اتصلت اليه وليتهم‪ -‬تذكروا‬
‫أن ملك سليمان لم يدم‪.‬‬
‫ونقول لهؤالء جميعا كل أعمالكم ستحاسبون عليها ولن ينفعكم من حرصتم‪ -‬على ارضائهم‪ -‬ان كنتم اسخطتم‪-‬‬
‫وعموما فنحن‬ ‫(‪)29‬‬
‫ربكم ولقد حذركم‪ -‬رسول اهلل (‪ )‬حين قال "الطاعة في معصية اهلل انما الطاعة في المعروف"‪-‬‬

‫‪29‬‬
‫حديث رقم‪ 1225 -‬مختصر صحيح مسلم لاللباني‪.‬‬ ‫()‬
‫‪41‬‬
‫لسنا ضد أهل الدنيا فهم أحرار في اختيارهم‪ -‬ولكننا أردنا أن نحذر من أن نكون منهم أو تكون فينا بعض صفاتهم‬
‫واردنا أن تنتبه أمة تسعى إلى السعادة والتقدم على خطر هؤالء فتنبذهم فأمه ال تعرف االحرار من العبيد غير‬
‫قادرة على اختيار قيادات صالحة وعزيزة‪ ،‬فلنبتعد عن بيئة ال تحرص على العلم والعمل الصالح وحبها للدنيا‬
‫كبير قال ﴿واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي‪ -‬يريدون وجهه وال تعد عيناك عنهم تريد زينة‬
‫الحياة الدنيا وال تطع من أغفلنا قبله عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا﴾ (سورة الكهف) ولنتأمل طويال في‬
‫(‪)30‬‬
‫قول الرسول (‪" )‬ما ذئبان جائعان أرسال في غنم بأفسد‪ -‬لها من حرص المر على المال والشرف لدينه"‬
‫والمطلوب هو تحرير النفس من حب المال والمظاهر واالزياء والمناصب‪ -‬وااللقاب واالهواء قال رسول اهلل (‪)‬‬
‫"فواهلل ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها‪-‬‬
‫وقال رسول اهلل (‪" )‬من كانت الدنيا همه فرق اهلل عليه أمره‪ ،‬وحعل فقره‬ ‫(‪)31‬‬
‫كما تنافسوها وتهلككم‪ -‬كما اهلكتهم"‬
‫بين عينيه‪ ،‬ولم يأته من الدنيا إال ما كتب له‪ ،‬ومن كانت اآلخرة نيته‪ ،‬جمع اهلل له أمره‪ ،‬وجعل غناه في قلبه‪ ،‬وأتته‬
‫وإ ليكم أخيرا بعض ما قاله أهل العلم في موضوعنا اخترت معظمها من كتاب األخ‬ ‫(‪)32‬‬
‫الدنيا وهي راغمة"‬
‫عبدالملك الكليب "من روضة الزاهدين"‪:‬‬
‫‪ -1‬قال حسن البصري‪ :‬والذي نفسي بيده لقد أدركت أقواما‪ -‬كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي‬
‫تمشون عليه‪.‬‬
‫‪ -2‬عن أبي موسى االشعري‪ -‬رضي اهلل عنه قال‪ :‬انما أهلك من كان قبلكم هذا الدينار والدرهم وهما‬
‫مهلكاكم‪.‬‬
‫‪ -3‬قال سفيان الثوري"الزهد في الدنيا قصر‪ -‬االمل ليس بأكل الغليظ وال لبس العبا"‪.‬‬
‫‪ -4‬قال الفضيل "ان قدرت أن ال تعرف فافعل وما عليك ان لم يثن عليك وما عليك أن تكون مذموما‪ -‬عند‬
‫الناس اذا كنت عند اهلل محموداً"‪.‬‬
‫‪ -5‬قال ابو الدرداء‪" :‬اللهم أني اعوذ بك من تفرقة القلب قيل وما تفرقة القلب؟ قال أن يوضع لي في كل‬
‫واد مال"‪.‬‬
‫‪ -6‬عن محمد بن زيد قال سمعت سفيان الثوري‪ -‬يقول ‪ :‬بلغني أنه يأتي على الناس زمان تمتلي قلوبهم في‬
‫ذلك الزمان من حب الدنيا فال تدخله الخشية قال سفيان‪ :‬وانت تعرف ذلك اذا مألت جرابا من شئ‬
‫حتى يمتلئ فاردت ان تدخل فيه غيره لم تجد لذلك من خالء‪.‬‬
‫‪ -7‬قال مالك بن دينار‪ :‬خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا‪ -‬أطيب شيئ فيها قالوا‪ :‬وما هو يا ابا يحيى‬
‫قال معرفة اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -8‬قال اليتمي‪ :‬كم بينكم وبين القوم؟ أقبلت عليهم الدنيا فهربوا منا وادبرت عنكم فاتبعتموها‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫حديث صحيح – رواه الترمذي‪.‬‬ ‫()‬
‫‪31‬‬
‫حديث رقم‪ 2080 -‬مختصر صحيح مسلم لاللباني‪.‬‬ ‫()‬
‫‪32‬‬
‫حديث رقم‪ -950 -‬المجلد الثاني – سلسلة األحاديث الصحيحة – لاللباني‪.‬‬ ‫()‬
‫‪42‬‬
‫‪ -9‬قال الفضيل بن عياض‪ :‬ما حليت الجنة المة ما حليت لهذه االمة ثم ال ترى لها عاشقاً‪.‬‬
‫‪ -10‬عن قتادة عن طرف بن عبداهلل قال‪ :‬ان هذا الموت قد أفسد على أهل النعيم نعيمهم فأطلبوا نعيما ال‬
‫موت فيه‪.‬‬
‫‪ -11‬قال عمرو بن مرة‪ :‬من طلب االخرة أضر بالدنيا ومن طلب الدنيا أضر باالخرة فاضروا‪ -‬بالفاني‬
‫للباقي‪.‬‬
‫‪ -12‬قال وهب بن منبه‪ :‬مر رجل عابد على رجل عابد فقال‪ :‬مالك؟ قال عجبت من فالن كان قد بلغ من‬
‫عبادته ومالت به الدنيا فقال‪ :‬تعجل‪ ،‬ال تعجب ممن تميل به الدنيا ولكن أعجب ممن استقام‪.‬‬
‫‪ -13‬قال محمد بن كعب القرظي‪ :‬اذا أراد اهلل تعالى بعبد خيرا جعل فيه ثالث خالل‪ :‬فقه في الدين وزهاده‬
‫في الدنيا وبصرا‪ -‬بعيوبه‪.‬‬
‫‪ -14‬قال سفيان بن عيينه‪ :‬ان كان يغنيك ما يكفيك فادني‪ -‬عيشك يكفيك وان كان ال يغنيك ما يكفيك فليس‬
‫في الدنيا شئ يغنيك‪.‬‬
‫‪ -15‬قال وهيب‪ :‬لوقمت قيام هذ ه السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك حالل أم حرام‪.‬‬
‫‪ -16‬قيل‪ :‬ما مضى من الدنيا فحلم وما بقى فأماني‪.‬‬
‫‪ -17‬انتهى حكيم الى قوم يتحدثون فوقف عليهم وسلم عليهم فقال‪ :‬تحدثوا بكالم قوم يعلمون ان اهلل يسمع‬
‫كالمهم والمالئكة يكتبون‪.‬‬
‫‪ -18‬قال رجل لمحمد بن واسع‪ :‬أوصني‪ -‬قال‪ :‬أوصيك‪ -‬أن تكون ملكا في الدنيا واالخرة قال‪ :‬كيف لي بذلك‬
‫قال‪ :‬ازهد في الدنيا‪.‬‬
‫‪ -19‬قال بالل بن سعد‪ :‬ال تكون وليا هلل في العالنية وعدوه في السر‪.‬‬
‫‪ -20‬عن ابن السماك‪ :‬قال أوصاني أخي داود بوصية‪ :‬أنظر أن ال يراك اهلل حيث نهاك وان ال يفقدك حيث‬
‫امرك واستح من قربه منك وقدرته عليه‪.‬‬
‫‪ -21‬قيل لعبد اهلل بن المبارك‪ :‬اذا صليت معنا لم ال تجلس معنا؟ قال‪ :‬أذهب مع الصحابة والتابعين قلنا‬
‫ومن أين الصحابة والتابعون؟ قال‪ :‬أذهب في علمي فادرك‪ -‬آثارهم وأعمالهم فما أصنع معكم؟ أنتم‬
‫تغتابون الناس‪.‬‬
‫‪ -22‬قال بعض السلف‪ :‬احذروا الدنيا فانها اسحر من هاروت وماروت فانهما‪ -‬يفرقان بين المرء وزوجة‬
‫والدنيا‪ -‬تفرق بين العبد وربه‪.‬‬
‫‪ -23‬قيل للفضيل بن عياض‪ :‬ما أزهدك قال‪ :‬أنتم أزهد مني قيل كيف قال‪ :‬ألني أزهد في الدنيا وهي فانية‬
‫وأنتم تزهدون في األخرة وهي باقية‪.‬‬
‫‪ -24‬قال عالم لتاجر‪ :‬كم مضى عليك وأنت تطلب الدنيا؟ قال‪ :‬خمس وعشرون عاماً قال‪ :‬هل نلت ما تريد‬
‫منها؟ قال‪ :‬ال قال‪ :‬فكيف‪ -‬بالتي لم تطلبها "يقصد األخرة"‪.‬‬
‫‪ -25‬قال يوسف بن الحسين‪ :‬في الدنيا طغيانان طغيان العلم وطغيان المال والذي ينجيك من طغيان العلم‬
‫العباده والذي ينجيك من طغيان المال الزهد فيه‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ -26‬كان عبد الواحد بن زيد يحلف باهلل لحرص المرء على الدنيا أخوف عليه عندي من أعدى أعدائه‪.‬‬
‫‪ -27‬قال أبو علي الروذبائي "في طلب الدنيا مذلة النفوس وفي‪ -‬طلب االخرة عز النفوس فيا عجباً ثم يا‬
‫عجباً لمن يؤثر‪ -‬مذلة النفوس في طلب ما يفنى على عز النفوس في طلب ما يبقى"‪.‬‬
‫‪ -28‬قال الحسن‪ :‬اذا رأيت الرجل ينافسك‪ -‬في الدنيا فنافسه في اآلخرة‪.‬‬
‫‪ -29‬قيل‪ :‬يا ابن أدم إذا أفنيت عمرك في طلب الدنيا فمتى تطلب األخرة؟‬

‫‪44‬‬
‫االسرة السعيد ‪ ...‬كيف نبنيها؟‬

‫نقضي جزءا كبيرا من وقتنا‪ -‬في بيوتنا فاذا وجدنا‪ -‬بيوتا سعيدة‪ ،‬فقد حصلناعلى جزء أساسي من السعادة‬
‫أما اذا وجدنا بيوتا قلقة فقد خسرنا جزءا أساسيا من السعادة‪ ،‬فلنحاول أن نبنى البيت االسالمي‪ ،‬فقد انتشرت‬
‫أفكار وأعمال وأقوال ضارة حولت كثيرا من االسر إلى اسر تعيسة وقضايا االسرة كثيرة ومتشبعة ولهذا‬
‫سأمر مرورا سريعا‪ -‬على بعض القضايا المهمة والتي منها‪:‬‬
‫‪ -1‬هناك أسباب كثيرة قد تجعل حياتنا االسرية تعيسة‪ ،‬منها العناد واالنانية والدلع واالهمال وتقليد‬
‫الناس وتصرفات ظالمة الحد الزوجين أو كليهما‪ ،‬والحل األساسي لكل هذا وغيره هو تطبيق‪ -‬أحكام االسالم‬
‫في األسرة‪ ،‬فبهذا سيقوم الزوج بواجباته االسرية التي فرضها‪ -‬اهلل فسيعطي زوجته حقوقها‪ -‬وسيرعى‬
‫أطفاله‪ ،‬وسيحاول أن يكون قدوة في االقوال واالفعال‪ ،‬وكذلك ستقوم الزوجة باحترام زوجها‪ -‬وطاعته‬
‫بالمعروف‪.‬‬
‫وتطبيق‪ -‬الشريعة في األسرة معناه أن ال يتعدى طرف‪ -‬على حقوق الطرف االخر‪ ،‬وال يتخلى عن‬
‫مسؤوليته وال يظلمه‪ ،‬ومعناه ايضا أن نرجع في خالفتنا إلى حكم الشريعة في موضوع‪ -‬الخالف ونطبقه‪،‬‬
‫وهو يعني ايضا أن نتساهل ونعفو ونتسامح واال يقوم طرف بالتحكم في مال الطرف االخر‪ .‬وكم سببت‬
‫االمور المالية من خالفات وذلك لغياب االلتزام باحكام االسالم في هذه االمور!‬
‫‪ -2‬مطلوب تشجيع الزواج بشتى الوسائل وذلك لفوائده الكبيرة للفرد والمجتمع‪ ،‬وهذا يتطلب نسف‬
‫بعض العادات والتقاليد التافهة‪ ،‬ويتطلب تقديم تسهيالت مادية‪ ،‬كتخفيض المهور والبساطة في الحفالت‬
‫واالثاث ومطلوب كذلك التساهل في شروط‪ -‬اختيار الزوج والزوجة فمثال نجد بعض الفتيات يضعن شروطا‪-‬‬
‫ليست جوهرية‪ ،‬كاشتراط حصول الزوج على شهادة جامعية أو راتب مرتفع او غير ذلك‪ ،‬واالمثلة كثيرة‪،‬‬
‫والغريب أننا نعقد حياتنا قبل الزواج وبعده ونعيش في صعوبات وقيود نحن صنعناها‪ -‬بايدنا ولو التزمنا‬
‫بشريعتنا‪ -‬السمحاء السترحنا‪ -‬وما ظلمنا اهلل ولكن نحن الظالمين وكثيرا‪ -‬ما عانى الشباب من هذه الصعوبات‪-‬‬
‫فعلينا أن نتذكر دائما فوائد‪ -‬الزواج السعيد البنائنا وبناتنا ففيه راحة نفسية واشباع‪ -‬جنسي وأبناء وغير ذلك‬
‫كثير قال االمام أحمد بن حنبل "ليس العزوبة من أمر االسالم في شئ" فلنعمل على تسهيل الزواج‬
‫وتشجيعه‪ ،‬ونقول لالباء واالمهات‪ :‬ال تكرهوا ابناءكم وبناتكم‪ -‬على شريك ال يريدونه‪ ،‬وال تحرموهم من‬
‫شريك يريدونه اذا كان حسن االخالق‪ ،‬ولقد قيل "تزوج االبناء باالكراه‪ ،‬ليس في حد ذاته جريمة وقتية‬
‫وانما مقدمة لجرائم كثيرة في مستقبل حياتهم" وقال أحد العلماء لرجل استشاره في من يزوج ابنته "زوجها‪-‬‬
‫لرجل صالح فان احبها أكرمها وان كرهها لم يظلمها"‪.‬‬
‫‪ -3‬المرأة المسلمة ضاعت بين عقليتين‪ :‬عقلية متخلفة تنفر من تعليمها وعملها وتفضل سجنها في البيت‬
‫وترفض أي دور لها في بناء المجتمع‪ ،‬وعقلية متفسخة تريد لها أن تعمل في كل مكان وزمان وأن تتبرج‬
‫وتعصي الزوج وتهمل االطفال‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫العقلية االولى حرمت المرأة من العلم والعمل‪ ،‬والعقلية الثانية حرمتها من الزوج واالمومة والراحة‬
‫النفسية‪ ،‬ونحن نريد أن ترفض المرأة كال العقليتين وأن تعيد بناء حياتها بصورة اسالمية صحيحة تنسجم‬
‫مع فطرة المرأة واهتماماتها‪ -‬وامكاناتها‪ ،‬فنعم لتعليم المرأة ونعم للمساهمة الجادة في بناء المجتمع من خالل‬
‫العمل الرسمي‪ -‬والتطوعي وال للتبرج وال للتضحية باألسرة‪ .‬وال بد أن تعرف المرأة دورها الصحيح في‬
‫األسرة والمجتمع وال بد أن يساهم الرجال في ايجاد البيئة السليمة حتى تتمكن المرأة من القيام بواجبها دون‬
‫ان نرهقها باالعمال الوظيفية والمنزلية وال بد أن نعترف‪ -‬كرجال أننا قصرنا كثيرا في حق امهاتنا وزوجاتنا‬
‫وبناتنا فقد حرمناهن من أشياء كثيرة والمطلوب‪ -‬االن القيام بثورة اجتماعية تنصف‪ -‬المرأة وترفض لها‬
‫الدور الهامشي في بناء المجتمع وحسنا فعلت بعض دولنا ببناء أماكن خاصة للصالة للنساء في المساجد‬
‫ويمكن بناء االندية البحرية للنساء‪ ،‬فالرياضة عملية ضرورية لتنشيط‪ -‬الجسد والترفيه عن النفس ويمكن‬
‫كذلك اعطاء النساء فرصة الستخدام أندية الرجال الرياضية اياما محددة في األسبوع اذا لم تتوفر حاليا‬
‫ميزانيات لبناء أندية خاصة بهن واالفكار‪ -‬كثيرة لو بحثنا عنها‪ ،‬وأحسن الشاعر الذي قال‪:‬‬
‫أعددتها *** أعددت شعبا طيب االعراق‬ ‫االم مدرســة إذا‬
‫‪ -4‬كثيرون هم الذين ال يعرفون أصول التريبة السليمة فأحيانا يقتلون ابناءهم بالدلع واحيانا‪ -‬يحطمونهم‪-‬‬
‫بالضرب والتخويف‪ ،‬ومن الجهل أن نظن أن المقصود بالتربية هو توفير‪ -‬الماكل والمشرب‪ -‬والمسكن البنائنا‪ ،‬بل‬
‫المقصود منها تعليمهم العقائد الصحيحة واالخالق‪ -‬الفاضلة والحكم المفيدة‪ ،‬فتربيتهم واهلل أهم من تلبية كثير من‬
‫رغباتهم وهي أهم بكثير كذلك من شهادة جامعية يحملها من ال أخالق له‪ ،‬إن أكبر عمل يمكن أن نقوم به هو أن‬
‫نحاول أخراج ابنائنا من الظلمات إلى النور ومن شقاء الطمع والمصالح والشهوات‪ -‬إلى سعادة الدنيا واالخرة‪،‬‬
‫وسنحصد‪ -‬ما زرعنا فيهم‪ ،‬فقد وجدت اباء يتعجبون من جحود أبنائهم أو سخافة أفكارهم ولكن عجب هؤالء يزول‬
‫لو عرفوا أنهم ساهموا في وصول ابنائهم لهذه النتيجة النهم اهتموا فقط بالمأكل والملبس والشهادة واهتموا‬
‫بأمراض الجسد ولم ينتبهوا‪ -‬إلى أمراض الروح والفكر وأهملوا بذلك واجبهم‪ -‬الرئيسي فلم يعطوه الوقت وال‬
‫التفكير وأحسن الشاعر الذي قال‪:‬‬

‫"ليـس اليتيـم من انتهـى ابـواه من *** هم الحـياة وخلفـاه ذليـال‬


‫تلقـى له *** امـا تخلـت أو أبـا مشــغوال‬ ‫ان اليتيـم هـو الذي‬
‫تربية األبناء ليست مهمة سهلة بل بحاجة إلى علم وصبر ووقت‪ ،‬وهي مسؤولية االب واالم معا‪ ،‬ومن‬
‫الخطا أن تظن المرأة أن تربية أبنائها عمل ثانوي بل هو عمل رئيسي‪ -‬ويجب أن يعطى األولوية اذا ما قورن‬
‫بعملها في الصناعة أو الزراعية أو غير ذلك فليس هناك أهم وال أغلى من االنسان اذا صلح وال أسوأ وأرخص‬
‫من اإلنسان اذا فسد واالستثمار‪ -‬في االنسان هو أهم أنواع االستثمار‪ -.‬فبناء االنسان هو ما سعى له االنبياء‬
‫والصالحون فهل نتعلم كيف نربي ابناءنا؟ وهي نجعل التربية على رأس أولوياتنا؟‪ -‬اسال اهلل أن يوفقنا‪ -‬لذلك‪.‬‬
‫‪ -5‬ال يدمر الحياة الزوجية شئ كما يدمرها العناد والتحدي‪ -‬فالخالفات الصغيرة تصبح بالعناد كبيرة‬
‫والخالفات الكبيرة تصبح باللين والصبر‪ -‬صغيرة ومن المهم أن ندرك أن كال من الزوجين بشر والبشر‪ -‬يخطئون‪،‬‬

‫‪46‬‬
‫ولذلك البد من أن نسامح ونتحمل ونصبر فال يوجد انسان مثالي والقضايا‪ -‬التي يمكن أن يختلف حولها الزوجان‬
‫كثيرة جداً‪ .‬فمثال قد يعارض الزوج عمل الزوجة فاذا أصرت الزوجة على العمل فقد يكون رد فعل الزوج‬
‫عنيفا‪ ،‬ولكن لو استجابت لطلبه فقد يغير رأيه بعد فترة وقيل يؤخذ باللين ماال يؤخذ بالعنف وإ ذا لم يغير رأيه‬
‫فلتتنازل الزوجة عن رغبتها حتى تسير السفينة الزوجية ومن المهم أن نقتنع بأن االنسان لن يتمكن غالبا من‬
‫تحقيق كل ما يريده ودائما‪ -‬عليه أن يتحمل بعض ماال يريده‪ ،‬فعلى اإلنسان أن يأخذ ويعطي فقد يطلق الزوج‬
‫زوجته لبعض سلبياتها‪ ،‬ولكن ال يدرك اال متأخرا أنه طلق ايجابياتها أيضا وكذلك االمر بالنسبة للزوجة ولقد قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫رب يـوم بكيـت منه فلما *** صرت في غيـره بكيـت عليه‬
‫ومن العادات السيئة جدا تدخل االهل واالصدقاء‪ -‬تدخال سيئا يعقد االمور ويصعبها والواجب الشرعي‬
‫عليهم أن يساهموا في حل المشاكل ال زيادتها‪ -‬ولقد كانت االم العربية قديما عاقلة جدا عندما قالت توصي ابنتها‪:‬‬
‫"كوني له أمة يكن لك عبدا"‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫من حصون السعادة‬
‫أحكام االسالم حصون‬
‫تحمينا ال سالسل تقيدنا‬

‫قال االمام ابن القيم "فان الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد‪ -‬وهي‬
‫عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها‪ ،‬فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى‬
‫ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة الى العبث فليست من الشريعة‪ ،‬وان أدخلت فيها بالتأويل‪-‬‬
‫فالشريعة عدل اهلل بين عباده ورحمته بين خلقه وظله في أرضه وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسول اهلل (‪)‬‬
‫هذه هي شريعتنا ولكن لالسف كثير من أحكام االسالم تم تشويهها‪ -‬فأصبح اإلسالم في‬ ‫(‪)33‬‬
‫أتم داللة وأصدقها"‪-‬‬
‫نظر البعض قسوة وتعصبا واستبدادا‪ -‬وقيودا‪.‬‬
‫وليت هؤالء فهموا الدين وأهدافه وأحكامه‪ ،‬وليتهم فهموا‪ -‬الواقع بعيدا عن المثالية والخيالية والجهل‪ .‬وال‬
‫نريد أن نذكر فوائد‪ -‬الزكاة والشورى والعدل ومضار الربا والخمر‪ -‬والكذب‪ ،‬فهذه أمور معروفة بل نريد أن‬
‫نتحدث عما يمكن أن نسميه االختالط الردئ وهو االختالط غير الملتزم بأحكام االسالم وأدابه‪ ،‬قد زاد االختالط‬
‫زيادة كبيرة في هذا العصر مما أشقى الكثيرين‪ .‬فقد زاد تبرج النساء وأصبح الفرد رجال أو أمراة يتعامل مع‬
‫كثيرين من الجنس اآلخرة وأصبحت االحاديث بين جنس واخر طويلة كانها أحاديث رجل إلى رجل أو امرأة إلى‬
‫امرأة‪ ،‬وزاد االختالط الردئ في العمل والحفالت والجامعات‪ .‬وكل هذا أحدث مفاسد كثيرة منها العزوف‪ -‬عن‬
‫الزواج وعدم الثقة بالطرف االخر‪ ،‬وانتشر الفساد االخالقي وأصبح بعض الرجال ال يقنع بجمال زوجته‪،‬‬
‫فالجمال المنافس يراه كل يوم‪ ،‬وكلما مضى قطار‪ -‬العمر قلت قدرة الزوجان على المنافسة بل أن الزوجة الشابة‬
‫والجميلة لن تسطيع منع زوجها‪ -‬من التأثر بالجمال المتوفر‪ -‬فلكل جمال فتنته وأنتج االحتالط الردئ شباب مائعا‬
‫يعتبر الزواج سجنا والفساد حرية واالحتشام تخلفا والحياء سذاجة ومعرفته في الغناء والطرب أغزر من معرفته‬
‫في الدين وقضايا‪ -‬االمة‪ ،‬وهذا الشباب المخدر ال يبني أمة‪ ،‬فاألمم‪ -‬ال تبنيها النوعيات الرديئة‪ .‬ويظن بعض هؤالء‬
‫أنهم سعداء وأنهم أهل الحب ونقول‪ :‬ال سعادة مع المعاصي‪ -‬بل معها القلق والكذب والملل‪ ،‬أما حديث هؤالء عن‬
‫الحب فكارثة‪ .‬فالحب الشريف‪ -‬هدفه الزواج والطريق إلى الزواج هو أقصر‪ -‬الطرق وأصدقها قال رسول اهلل (‪)‬‬
‫"لم ُير للمتحابين مثل النكاح"(‪ )2‬وعموما فبيئة االختالط الردئ تساعد على االنحراف‪ -‬النفسي والجسدي‪ -‬للرجال‬
‫والنساء‪ ،‬ونحن ال ندعو الى منع االختالط فهذه عملية مستحيلة وغير إسالمية ولكن ندعو إلى تقليله قدر‬
‫المستطاع وضبطه وترشيده بآداب االسالم‪ ،‬الن ذلك من شأنه المساهمة في عالج أمراض اجتماعية كثيرة‬
‫كالطالق والخيانة الزوجية والشك واالغتصاب وهذه األمراض تتناسب طرديا مع رداءة االختالط وحجمه وقد‬
‫يظن البعض أننا نبالغ في تصوير‪ -‬هذه القضية ونقول لهؤالء‪ ،‬تأملوا في أنواع كثيرة من الشقاء االجتماعي‬
‫كالمشاكل االجتماعية والجرائم‪ ،‬وشاهدوا االفالم والتمثيليات‪ -‬واقرأوا‪ -‬كثيرا مما قال الشعراء لتجدوا أن جذور‬

‫‪33‬‬
‫ص ‪ -3‬الجزء الثالث – اعالم الموقعين عن رب العالمين – ابن القيم‪.‬‬ ‫()‬
‫‪48‬‬
‫كثير من هذا الشقاء سببها االختالط الردئ‪ .‬فهذه زوجة تغار على زوجها‪ -‬من زميالته في العمل ولهذا حولت‬
‫حياته الى جحيم‪ -‬والغيرة ال تعني عدم الثقة فالغيرة شئ فطري – وهذه أخرى وجدت الكالم الرقيق‪ -‬عند زميلها‬
‫وافتقدت مثله عند زوجها فزهدت فيه وهذا زوج تعاظم‪ -‬سلبيات زوجته عندما رأي الحنان الصادق أو الكاذب‬
‫من أمراة أخرى‪ .‬وهذه فتاة خدعت لسنين طويلة بكالم معسول من شاب يجيد الغزل والتهرب من الزواج‪ ،‬وهذا‬
‫حب من طرف واحد وما أكثر هذا النوع‪ ،‬وهذه اشاعة تناقلتها‪ -‬االلسن واضرت‪ .‬وهذا رجل يغازل زوجة أو‬
‫اخت صديقه في حفلة وهكذا‪ .‬وما دام أخر المطاف في أكثر الحاالت هو الطالق والفساد والخيانة والعشق وغير‬
‫ذلك‪ ،‬فلماذا نسير في طريق االختالط الردئ ونحن قادرون على تالفي كثير من هذه النتائج لو توقفنا‪ -‬منذ‬
‫الخطوات االولى قال تعالى ﴿يا أيها الذين أمنوا ال تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فانه يأمر‬
‫بالفحشاء والمنكر‪ -‬ولوال فضل اهلل عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن اهلل يزكي من يشاء واهلل سميع‬
‫عليم﴾ (‪ )21‬سورة النور‪ .‬ونحب أن ننبه إلى أن االنسان الطبيعي قد ال يستطيع‪ -‬منع نفسه من أغواء الشيطان في‬
‫بعض االحيان قال تعالى ﴿وخلق االنسان ضعيفا﴾ (‪ )28‬سورة النساء‪ .‬ولهذا نبه اهلل سبحانه وتعالى‪ -‬الصحابة‬
‫وهم من أفضل البشر الى الحذر من االختالط الردئ قال تعالى ﴿وإ ذا سألتموهن متاعا فسئلوهن من وراء حجاب‬
‫ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن﴾ (‪ )53‬سورة األحزاب‪ .‬ونبه زوجات الرسول (‪ )‬وهن أشرف النساء وأعفهن‬
‫فقال تعالى ﴿فال تخضعن بالقول فيطمع‪ -‬الذي في قلبه مرض وقلن قوال معروفا﴾ (‪ )32‬سورة االحزاب‪ .‬وأمر‬
‫المؤمنين بغض البصر وما أدراك ما غض البصر فقال عز وجل ﴿قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم‪ -‬ويحفظوا‬
‫فروجهم‪ -‬ذلك أزكى لهم ان اهلل خبير بما يصنعون (‪ )30‬وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن‬
‫فروجهن وال يبدين زينتهن اال ما ظهر﴾ ‪ ..‬الى آخر االية (‪ )31‬سورة النور‪.‬‬

‫وهناك رأى مفاده أن االختالط يقلل من نسبة العنوسة ويؤدي‪ -‬الى التعارف‪ -‬وحسن اختيار الزوج‬
‫والزوجة ونقول ال مانع من أن يتعارف الرجل والمرأة خالل فترة الخطبة وبوجود الضوابط‪ -‬الشرعية فاذا اقتنعا‬
‫ببعض فعلى بركه اهلل أما اذا كانت االخرى فاهلل ولي التوفيق‪ -‬واللقاء في هذه الحالة تم بين أناس جادين وندعو‬
‫الى ايجاد طرق‪ -‬سليمة تسهل اختيار االزواج والزوجات ونقول ليس من الصواب أن يقيم الرجل أو المرأة عدة‬
‫عالقات حتى يكون قادرا على اختيار الشريك المناسب فامكانية التعرف بهذه الطريقة هي امكانية محدودة‬
‫وسلبياتها‪ -‬أكبر من ايجابياتها بكثير جدا كما أن الظن أن المعرفة بهذه الطريقة هي معرفة كافية ظن خاطئ الن‬
‫المعرفة الفعلية ال تحدث اال بعد الزواج أما قبله فغالبا ما تكون معرفة سطحية وال أدري لماذا نعقد االمور وهي‬
‫بسيطة وسهلة فاذا كان هناك اقتناع كاف فلنعجل بالزواج فالزواج‪ -‬ليس اخر المطاف والطالق‪ -‬ليس نهاية الدنيا‬
‫فتسهيل الزواج عملية مطلوبة لسعادة المجتمع ولكننا ولالسف جعلنا عملية الزواج معقدة وصعبة بل أصبحت‬
‫أبواب الحرام اسهل دخوال واقل تكلفة‪ .‬أما بالنسبة الرتفاع نسبة العنوسة فنقول ان للعنوسة اسباب كثيرة‬
‫ومعروفة ولعل أهمها قلة االمكانات المادية والشروط الصعبة أو التافهة التي يضعها الرجال والنساء واالهل‬
‫وتفضيل البعض لحياة العزوبية لضعف الوازع الديني أو لما يسمعونه من مشاكل الزواج الفاشل ونقول‬
‫للمدافعين عن االختالط الردئ انظروا الى نتائج االختالط في الغرب فستجدون الغرب أكثر عنوسة وطالقا‬

‫‪49‬‬
‫وفسادا‪ -‬واغتصابا بل نقول لهؤالء انظروا‪ -‬الى كثير ممن انغمسوا‪ -‬في االختالط الردئ فسترونهم أكثر الناس‬
‫عزوفا عن الزواج فما عاد جمال أمراة واحدة يكفيهم وهم أكثر الناس خيانة اذا تزوجوا‪ -‬وبعض هؤالء يدافع عن‬
‫االختالط الردئ فقط النه يفتح المجال لهم للفساد ونقول لهؤالء قال تعالى ﴿فلما زاغوا أزاغ اهلل قلوبهم‪ -‬واهلل ال‬
‫يهدي القوم الفاسقين﴾ (‪ )5‬سورة الصف‪.‬‬
‫وفي الختام نقول أنه من صالح الفرد والمجتمع أن نقلل من االختالط بصورة عامة ونرفض‪ -‬االختالط‬
‫الرديء ولعل من أهم االماكن التي يحدث فيها االختالط واالختالط‪ -‬الرديء الجامعات وأماكن العمل والحياة‬
‫االجتماعية فبالنسبة للجامعات ال نعتقد أن االغلبية الساحقة من الطالب قادرون على تحمل تكاليف الحياة‬
‫الزوجية أما بالنسبة الماكن العمل فالمفروض أن تكون أماكن انتاج وعمل وليس اختيار زوج أو زوجة وبالنسبة‬
‫للحياة االجتماعية فاالفضل‪ -‬هو لقاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء فمثل هذه اللقاءات أكثر فائدة وصراحة‬
‫وطرافة‪ .‬ونعود‪ -‬لما بدأنا به المقال وهو أن في تطبيق‪ -‬احكام االسالم فائدة عظيمة ليس فقط في عالقة الرجل‬
‫بالمرأة بل في كل القضايا التي تهم االنسان ولم تأت هذه االحكام لتشقينا أو تعقدنا فاحكام االسالم هي حصون‬
‫تحمينا وليست سالسل تقيدنا فاذا كان خروج الجندي من حصونه يعرضه لالخطار فليس هذا من الشجاعة والثقة‬
‫بل من التهور والغرور فكذلك المسلم اذا خرج من حصون السعادة عرض نفسه لسهام الشقاء‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫(‪)34‬‬
‫تسلية أهل المصائب‬
‫المصائب تصيب المسلم والكافر‬
‫وسعادة المسلم بتعامله معها بكفاءة عالية‬

‫كلما زاد فهمنا لالسالم والحياة وزادت أعمالنا الصالحة بنينا حصونا‪ -‬قوية تصيبها‪ -‬سهام المصائب‬
‫والمشاكل فتسقط دون أن تؤثر‪ -‬في نفسياتنا فتأثر العالم ليس كتأثر الجاهل وتأثر‪ -‬المطيع ليس كتأثر العاصي فلنبن‬
‫حصوننا فمصائب‪ -‬الدنيا الشخصية واالجتماعية والسياسية كثيرة وفي‪ -‬االسالم تصور لعالج المصائب ولن يكون‬
‫لهذا التصور‪ -‬والعالج مفعول اذا تأخر االخذ به قال تعالى ﴿ءآلئن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين﴾(‪)91‬‬
‫سورة يونس فلنحذر الجهل والمعاصي‪ -‬فقد قال الحسين بن أرجك وما أصدق ما قال "من خير المواهب العقل‬
‫وقد قام بعض علمائنا ببيان المنهج الصحيح في التعامل مع المصائب ولقد جمعت‬ ‫(‪)35‬‬
‫ومن شر المصائب الجهل"‬
‫بعض ما قالوا لعله باذن اهلل ينفعنا جميعاً‪ .‬ورأيهم أن الصمود للمصائب يتطلب اآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬العلم بأن الدنيا دار ابتالء واختبار‪ -:‬ومعرفة ذلك يؤدي الى توقع االنسان للمصائب واستعداده‬
‫النفسي لها وكثيرا ما يكون االنسان المتوقع للمصائب أكثر صالبة من االنسان المطمئن الى الدنيا فيفاجأ‬
‫بالمصائب والفتن قال تعالى ﴿أحسب الناس أن يتركوا‪ -‬أن يقولوا ءامنا وهم ال يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم‬
‫فليعلمن اهلل الذين صدقوا‪ -‬وليعلمن الكاذبين﴾ (‪ )13‬سورة العنكبوت‪ .‬والفتنة واالختبارات تكون بالمصائب كالفقر‬
‫والمرض والسجن وموت الولد وغير ذلك وتكون بالنعم كالثروة والمركز‪ -‬والصحة وغير ذلك والفائز هو من‬
‫يتعامل مع المصائب والنعم بما يرضي‪ -‬اهلل فاذا دفعه الفقر العادي للغش والرشوة فقد رسب في االختبار‪ -‬واذا‬
‫دفعه الظلم الى رد فعل أظلم فقد رسب باالمتحان ولكن اذا تعامل مع كل مصيبة بما يرضي‪ -‬اهلل فقد نجح واال فهو‬
‫من الكاذبين والخاسرين وال ندعو هنا للتشاؤم‪ -‬بل ندعو لالستعداد‪ -‬النفسي لالحتماالت السيئة‪ ..‬قال أحمد شوقي‪-‬‬
‫رحمه اهلل‪:‬‬
‫مبتســم‬ ‫حسـن‬ ‫منهـا‬ ‫يا نفـس دنيــاك تخـفي كل مبكيــة *** وإ ن بـدا لك‬
‫‪ -2‬يجب أن يعلم االنسان علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه قال تعالى‬
‫﴿ما أصاب من مصيبة في االرض وال في أنفسكم اال في كتاب (‪ )36‬من قبل أن نبرأها (‪ )37‬ان ذلك على اهلل يسير (‪2‬‬

‫‪34‬‬
‫فكرة المقال مستوحاة من كتاب "تسلية أهل المصائب" ألبي عبداهلل محمد الصالحي المنبجي‬ ‫()‬
‫المتوفي سنة ‪ 785‬هـ وفي هذا المق‪--‬ال اقتب‪--‬اس لبعض فق‪--‬رات من ه‪--‬ذا الكت‪--‬اب والمقص‪--‬ود‪ -‬بالتس‪--‬لية التخفيف‬
‫عن أصحاب الهموم والمصائب‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫ص ‪ 101‬كتاب بستان العارفين للنووي‪.‬‬ ‫()‬
‫‪36‬‬
‫أي في اللوح المحفوظ‪.‬‬ ‫()‬
‫‪37‬‬
‫اي من قبل أن يخلق هذه الكائنات المذكورة في األرض واالنفس والمصائب‪.‬‬ ‫()‬
‫‪51‬‬
‫(‪ ﴾)23‬سورة‬ ‫(‪)41‬‬
‫فخور‪-‬‬ ‫(‪)40‬‬
‫بما ءاتاكم واهلل ال يحب كل مختال‬ ‫(‪)39‬‬
‫على ما فاتكم‪ -‬وال تفرحوا‬ ‫(‪)38‬‬
‫‪ )2‬لكيال تأسوا‬
‫المصائب فاالقتناع بان الموت أو المرض‬ ‫(‪)42‬‬
‫الحديد‪ .‬ومن تأمل في هذه األية الكريمة وجد فيها شفاء من أدواء‬
‫أو الفشل أو الخسارة أو غير ذلك قدر مكتوب ال مفر منه مهما فعلنا يجعلنا أكثر قدرة على تحملها وهذا االقتناع‬
‫وااليمان ال يعني اطالقا الكسل والخمول‪ -‬والتهور‪ -‬وترك العمل بحجة أن ما كتبه اهلل سيحدث بل االحتياط‪ -‬من‬
‫الموت والمرض والفشل والهزيمة واجب البد منه ولكن عندما تحدث المصائب بعد استنفاد كل الجهد البشري‪-‬‬
‫في منعها فهو قدر اهلل الذي ال مفر منه واذا اخذنا باالسباب فبعد ذلك فلنقرأ هذه الحكاية‪ :‬يروي أن حكيما رأى‬
‫رجال حزينا فقال له‪ :‬هل ينقص من رزقك‪ -‬شئ كتبه اهلل لك قال ال قال هل ينقص من عمرك شئ كتبه اهلل لك قال‬
‫ال قال هل يجري في هذا الكون شيء ال يريده اهلل قال ال قال فلم الحزن؟ ومعنى ال يريده اهلل أي ال يقع جبرا على‬
‫اهلل فاهلل ال يجب الظلم والفساد ولكن سمح أن يقع في ملكه‪.‬‬
‫‪ -3‬النظر في حال من ابتلى بمثل هذا االبتالء فان التأسي راحة عظيمة‪ :‬المقصود هنا مقارنة االنسان‬
‫بالسلف الصالح وبالعقالء من الناس في تعاملهم مع المصائب فاذا قلت مثال كثيرون هم المصابون بمثل مرضي‪-‬‬
‫فلم يؤثر فيهم فلماذا أتاثر بشدة واذا قلت هناك كثيرون في مثل مستواي‪ -‬المعيشي ومع هذا صابرون فلماذا أكون‬
‫أقلهم صبرا وأكثرهم جزع وهكذا فقد أصابت االخيار مصائب كثيرة وضربوا‪ -‬أمثلة رائعة في التعامل معها فلنقلد‬
‫هؤالء الكرام فالتشبه بالكرام‪ -‬فالح ولنحذر‪ -‬أن نتصرف‪ -‬كما يتصرف‪ -‬الكفار والمنافقون والعصاة والجهالء‪.‬‬
‫‪ -4‬النظر في من ابتلى اكبر من هذا البالء‪ :‬لنا في رسول (‪ )‬قدوة حسنة فقد ابتلى هو واالنبياء‬
‫والصالحون بأشد مما أصابنا ومع هذا صبروا فالرسول (‪ )‬كان من الفقراء وحاربه قومه ومات ابنه وأخرج من‬
‫بلده وصبر على كل هذا وغيره وأيوب أصابه المرض وصبر ويعقوب فقد ابنه يوسف لسنين طويلة وصبر‪-.‬‬
‫وفي عصرنا هذا نرى المصائب الكثيرة ونجد هناك من صبر عليها ولو قارنا جزعنا على بعض مصائبنا وصبر‪-‬‬
‫غيرنا على مصائب اكبر لكان علينا أن نخجل من أنفسنا ونعاتبها ولنعلم أن كثيرا ممن صبروا نالوا ما يتمنون‬
‫فالتقوى والصبر‪ -‬سالحان فعاالن فالعاقبة للمتقين واهلل مع الصابرين فعن عبداهلل خباب بن االرت رضي اهلل عنه‬
‫قال‪ :‬شكونا‪ -‬إلى رسول اهلل (‪ )‬وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلنا‪ :‬األ تستنصر‪ -‬لنا؟ األ تدعو لنا؟ فقال كان‬
‫من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في األرض فيجعل فيها ثم يؤتي بالمنشار فيوضع‪ -‬على رأسه فيجعل نصفين‬
‫ويمشط بأمشاط‪ -‬الحديد ما دون لحمه وعظمة ما يصده ذلك عن دينه‪ ،‬واهلل ليتمن اهلل هذا االمر حتى يسير الراكب‬
‫من صنعاء إلى حضرموت ال يخاف اال اهلل والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون"‪ -‬رواه البخاري‪ -‬وفي رواية وهو‬
‫متوسد بردة وقد لقينا من المشركين شدة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫اي لكيال تحزنوا حزن قنوط‪ -‬ويأس‬ ‫()‬
‫‪39‬‬
‫اي ال تفرحوا فرح بطر واختيال‪.‬‬ ‫()‬
‫‪40‬‬
‫اي متكبر‪.‬‬ ‫()‬
‫‪41‬‬
‫متباه‪.‬‬ ‫()‬
‫‪42‬‬
‫أدواء‪ :‬جمع داء وهو المرض‪.‬‬ ‫()‬
‫‪52‬‬
‫‪ -5‬أن يقدر وجود‪ -‬ما هو أكثر من تلك المصيبة‪ :‬مما يجب أن تعالج به المصائب أن يحمد اهلل على أن‬
‫المصيبة كان من الممكن أن تكون أكبر ولكن اهلل لطف فكثير‪ -‬من المصائب تهون عندما تقارن بغيرها فاذا مات‬
‫لك طفل فهناك من مات لهم أطفال ولكن اهلل لطف بك وإ ذا أصابتك جروح في حادث سيارة فهناك من جروحهم‬
‫أشد واذا شكوت غربة أو ظلما فهناك من هو أكثر منك غربة وظلما وهكذا واذا اقتنع االنسان بأن أكبر نعمة هي‬
‫االيمان واالعمال الصالحة ولم يفرط بها فكل مصيبة تهون واذا اقتنع أن اكبر المصائب الشرك والكبائر وما لم‬
‫يصب من ذلك بشيء فليحمد‪ -‬اهلل فاذا حافظ‪ -‬االنسان على ربح االيمان والطاعة فهو رابح مهما كانت خسارته من‬
‫المصائب واذا خسر االيمان والطاعة فهو خاسر مهما كان ربحه من النعم‪ .‬قال شريح اني ال صاب بالمصيبة‬
‫فاحمد اهلل عليها أربع مرات وأشكره اذا لم تكن أعظم مما هي عليه واذا رزقني‪ -‬الصبر عليها واذ وفقني‬
‫لما ارجوه فيه من الثواب واذا لم يجعلها في ديني (‪.)44‬‬ ‫(‪)43‬‬
‫االسترجاع‬
‫‪ -6‬ان يعلم العبد كيف جرى القضاء فهو خير له‪ :‬قال رسول اهلل (‪" )‬عجبا ألمر المؤمن ان أمره كله له‬
‫(‪)45‬‬
‫خير وليس ذاك الحد اال المؤمن أن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا له"‬
‫فالمسلم يستطيع‪ -‬أن يستثمر‪ -‬المصائب بالصبر والرضى فيكون صبره على المصائب منبعا لالجر والخير‪ -‬فقد‬
‫بشر اهلل المسلم الصابر‪ -‬على موت ابنه أو ابنائه بالخير الكثير فتحويل المصيبة الى خير وثواب فضل أعطاه اهلل‬
‫للمسلمين فالحمدهلل على كرمه وفضله ورحمته ولذلك وجدنا‪ -‬بعض الصالحين يتمنون المصائب حتى يصبروا‪-‬‬
‫ويناولوا‪ -‬خيرها وهذا ليس من سنة الرسول (‪ )‬فالرسول‪ -‬أمرنا أن نسأل اهلل العافية والخير قال (‪" )‬يا ايها الناس‬
‫ال تتمنوا لقاء العدو واسالوا‪ -‬اهلل العافية فاذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظالل السيوف"‪.)46( -‬‬
‫‪ -7‬ان هذا الواقع وقع برضى‪ -‬المالك فيجب على العبد أن يرضى بما رضى به السيد‪ :‬شاء اهلل أن يختبر‬
‫الناس بالخير والشر‪ -‬وأن يكتب للناس رزقهم‪ -‬وأعمارهم وما يصيبهم وهو عدل في قضائه حكيم في تقديره عالم‬
‫بما ينفع عباده الصالحين وهو ولي المتقين في الدنيا واالخرة وال يضيعهم فما دام اهلل هو الذي قدر لي رزقي‬
‫فعلي أن أرضى‪ -‬بما رضي‪ -‬اهلل عنه وكتبه لي وما يخشاه المسلم ليس المصيبة بل الخوف هو أن تكون هذه‬
‫المصيبة ناتجة عن غضب اهلل عليه وهنا يجب أن يكون الحزن والرجوع الفوري الى اهلل واالستغفار‪ -.‬وعلى‬
‫العموم فالتوبة كما يقول العلماء واجبة فورا ومن الجهل انتظار‪ -‬المصائب الشخصية والعامة حتى نتوب فهذا من‬
‫تبليس ابليس وكم أهلك تاجيل التوبة من بنى ادم فهل ننتبه ونصلي‪ -‬ونتوب أم نكون من الهالكين وعموما فالرضى‬
‫يجلب السعادة ويخفف المصيبة قال تعالى ﴿فلنحيينه حياة طيبة﴾ قيل في تفسيرها الرضى‪ -‬والقناعة وقال ابو‬
‫الدرداء رضي‪ -‬اهلل عنه‪" :‬ان اهلل اذا قضى‪ -‬قضاء أحب ان يرضى‪ -‬به" ومن الضروري أن نعلم أن النعم ليست‬

‫‪43‬‬
‫أي قولي‪ :‬انا هلل وانا إليه راجعون‪.‬‬ ‫()‬
‫‪44‬‬
‫أي سلم اهلل لي ديني ولم يجعل المصيبة منقصة في ديني‪.‬‬ ‫()‬
‫‪45‬‬
‫حديث رقم‪ 2092 -‬مختصر صحيح مسلم (لاللباني)‪.‬‬ ‫()‬
‫‪46‬‬
‫حديث رقم‪ 1126 -‬مختصر صحيح مسلم (لاللباني)‪.‬‬ ‫()‬
‫‪53‬‬
‫دائما دليل رضى‪ -‬من اهلل والمصائب‪ -‬ليست دليل غضب وااليات القرآنية تدل على ذلك كما يدل عليه قول رسول‬
‫(‪" )‬إن اشد الناس بالء االنبياء‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم" (‪.)47‬‬
‫‪ -8‬ال ملجا من اهلل اال إليه‪ :‬النفس البشرية السوية ال تشعر باالطمئنان اال بااللتجاء الى اهلل قال تعالى‬
‫﴿الذين أمنوا وتطمئن قلوبهم‪ -‬بذكر اهلل أال بذكر اهلل تطمئن القلوب﴾ سورة الرعد فااللتجاء إلى اهلل هو ما يجب أن‬
‫يكون رد فعل كل مسلم كجزء اساسي من عالج اية مصيبة فاذا كان المظلوم‪ -‬يلجأ إلى القضاء النصافه والمحتاج‬
‫يلجأ لمن عنده مال والمريض للطبيب وهكذا فالشك أن االطمئنان االكبر هو في اللجوء الى اهلل مع األخذ‬
‫باالسباب فاهلل لديه القوة والغنى والعزة والصحة وكل خير وهو على كل شئ قدير قال تعالى ﴿وقال ربكم‬
‫ادعوني استجب لكم﴾ وقال تعالي ﴿امن يجيب المضطر‪ -‬اذا دعاه ويكشف السوء﴾ سورة النمل واستجابة الدعاء‬
‫امر لجأ‬ ‫(‪)48‬‬
‫من اهلل في دفع مصيبة أو تحقيق أمنية لها شروط‪ -‬منها االخذ باالسباب‪ .‬والرسول‪ )( -‬كان اذا حز به‬
‫إلى الصالة كما جاء في البخاري واللجوء الى اهلل يكون بالدعاء واالستغفار والصالة وقراءة القرآن وغير ذلك‬
‫قال تعالى ﴿وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين وال يزيد الظالمين اال خسارا﴾ سورة االسراء‪،‬‬
‫ولنحذر من الغفلة قال تعالى﴿ فلوال إذ جاءهم باسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا‬
‫يعلمون﴾ (‪ )43‬سورة االنعام‪ .‬ولنحذر‪ -‬أشد الحذر من أن نكون ممن يلجأ الى اهلل في فقره أو مرض أبنه أو وقت‬
‫اإلمتحان أو غير ذلك‪ ،‬ثم بعد ذلك ينسى نعمة اهلل واستجابته لدعائه قال تعالى ﴿واذا مس االنسان الضر دعانا‬
‫لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا‬
‫يعملون﴾ سورة يونس‪.‬‬
‫‪ -9‬أن يعلم أن المصائب أحيانا تكون نتائجها ذات فوائد‪ -‬كبيرة على مستوى‪ -‬الفرد واالمة فقد تكون‬
‫المصيبة تنبيها للعبد من غفلته أو غروره أو ظلمه أو تعامله بالربا أو انغماسه بالزنا وقد تأتي المصائب كعقاب‬
‫من اهلل على ذنوب عملها فتسقط عنه عذاب األخرة أو جزء منه ففي بعض المصائب خير كثير فهزيمة حزيران‬
‫‪ 1967‬كانت مصيبة كبرى تألمنا منها ولكن فوائدها كانت كبيرة فقد كشفت لنا االهمال والفوضى والفساد والبعد‬
‫عن اهلل وما كان من الممكن أن تنكشف هذه األمور‪ -‬في ظل االستبداد‪ -‬واالعالم المتخلف والجهل العقائدي‬
‫والسياسي‪ -‬لو لم تحدث كارثة بهذا الحجم والفقر الذي يكاد يراه الجميع مصيبة فيه فوائد للبعض قال تعالى ﴿ولو‬
‫بسط اهلل الرزق‪ -‬لعباده لبغوا في االرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء أنه بعباده خبير بصير﴾ (‪ )27‬سورة الشورى‪.‬‬
‫ومن فوائد‪ -‬المصائب ما ذكره الشيخ محمد المنبجي حيث قال" وليعلم أهل المصائب أنه لوال محن الدنيا ومصائبها‬
‫الصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هالكه عاجال أو أجال فمن رحمة أرحم‬
‫الراحمين أن يتفقده في االحيان بانواع من أدوية المصائب تكون حمية له من هذه االدواء وحفظ لصحة عبوديته‬
‫واستفراغا للمواد الفاسدة الرديئة المهلكة‪ ،‬فسبحان من يرحم ببالئه ويبتلي بنعمائه فلوال أنه سبحانه وتعالي يدواي‪-‬‬
‫عباده بادوية المحن واالبتالء لطغوا وبغوا‪ -‬وعتوا وتجبروا‪ -‬في األرض‪ ،‬وعاثوا فيها الفساد فان من شيم النفوس‬

‫‪47‬‬
‫حديث رقم‪ 145 -‬المجلد األول – سلسلة األحاديث الصحيحة لاللباني‪.‬‬ ‫()‬
‫‪48‬‬
‫أصابه واشتد‪ -‬عليه‪.‬‬ ‫()‬
‫‪54‬‬
‫اذا حصل لها أمر ونهي وصحة وفراغ‪ -‬وكلمة نافذة من غير زاجر شرعي يزجرها‪ -‬تمردت وسعت في األرض‬
‫فسادا مع علمهم بما فعل بمن قبلهم فكيف لو حصل لهم مع ذلك اهمال" (‪.)49‬‬
‫‪ -10‬معاتبة النفس عند الجزع‪ .‬أن هذا االمر البد منه فما وجه الجزع مما البد منه‪ :‬قال الشيخ محمد‬
‫المنبجي " وليعلم‪ -‬المصاب أن الجزع ال يرد المصيبة بل يضاعفها وهو في الحقيقة يزيد في مصيبته بل يعلم‬
‫المصاب أن الجزع يشمت عدوه ويسوء‪ -‬صديقه ويغضب ربه ويسر شيطانه ويحبط‪ -‬أجره ويضعف‪ -‬نفسه واذا‬
‫صبر واحتسب أخزى شيطانه وأرضى‪ -‬ربه وسر صديقه وساء عدوه" (‪.)50‬‬
‫وقال االشعث بن قيس‪" :‬انك ان صبرت ايمانا واحتسابا‪ -‬واال سلوت كما تسلو البهائم"‪ -‬وقال الشيخ‬
‫المنبجي "وليعلم المصاب الجازع وان بلغ به الجزع غايته ونهايته فآخر أمره الى صبر اإلضطرار‪ -‬وهو غير‬
‫محمود" وعزى ابن السماك رجال فقال "عليك بالصبر فبه يعمل من احتسب وإ ليه يصير‪ -‬من جزع" وقال عمرو‬
‫بن دينار قال عبيد بن عمير "ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب ولكن الجزع القول السيئ والظن السيء"‬
‫وقيل "ال تجمع الى ما اصبت به من المصيبة الفجيعة باالجر فانها أعظم المصيبتين عليك" وعزى رجل رجال‬
‫فقال "يا أخي العاقل يصنع في أول يوم ما يفعله الجاهل بعد عام" وقال بعض السلف وقد عزى مصابا " ان‬
‫صبرت فهي مصيبة واحدة وان لم تصبر‪ -‬فهما مصيبتان"‪.‬‬
‫‪ -11‬انما هي ساعة فكأن الصبر لم يكن‪ :‬ان الحياة بحاجة الى كمية هائلة من الصبر فالصبر مطلوب‬
‫في تعاملنا مع االهل والناس والعمل والنعم والمصائب والطاعات فمن يصبر‪ -‬ويخطط غالبا ما يصل الى ما يريد‬
‫وكم من جيش انهزم لقلة الصبر وكم من مشكلة فجرها الغضب والتسرع فالدراسة والبناء واالنتاج والتعاون كل‬
‫ذلك بحاجة الى صبر حتى يعطي ثماره والصبر عالج للمصائب واالنسان بحاجة له في النعمة والمصيبة قال‬
‫االمام علي رضي اهلل عنه "الصبر‪ -‬ثالثة صبر على المصيبة وصبر‪ -‬على الطاعة وصبر‪ -‬عن المعصية"‪.‬‬
‫وألهمية الصبر أمر اهلل سبحانه وتعالى رسوله والمؤمنين‪ -‬به في آيات كثيرة قال تعالى ﴿فاصبر‪ -‬كما صبر اولى‬
‫العزم من الرسل﴾ (‪ )35‬االحقاف‪.‬‬
‫وقال تعالى ﴿وبشر الصابرين الذين اذا أصباتهم‪ -‬مصيبة قالوا انا هلل وانا اليه راجعون أولئك عليهم‬
‫صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون﴾ وقال تعالى ﴿ولمن صبر وغفر ان ذلك من عزم االمور﴾‪.‬‬
‫قال االمام على بن أبي طالب كرم اهلل وجهه‪ :‬أال ان الصبر من االيمان بمنزلة الرأس من الجسد فاذا‬
‫قطع الرأس بار الجسد ثم رفع صوته فقال‪ :‬أال أنه ال ايمان لمن ال صبر له" وقال‪ -‬الحسن‪" :‬الصبر كنز من كنوز‪-‬‬
‫الخير ال يعطيه اهلل اال لعبد كريم عنده"‪ .‬وقال بعض السلف‪" :‬البالء يصبر‪ -‬عليه المؤمن والكافر‪ -‬وال يصبر‪ -‬على‬
‫العافية اال صديق"‪ -‬وقال عبدالرحمن بن عوف رضي‪ -‬اهلل عنه "ابتلينا بالضراء فصبرنا‪ -‬وابتلينا بالسراء فلم‬
‫نصبر"‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫ص ‪ 35‬من كتاب‪" ،‬تسلية أهل المصائب" البي عبداهلل محمد المنبجي‪.‬‬ ‫()‬
‫‪50‬‬
‫المصدر السابق ص ‪.40‬‬ ‫()‬
‫‪55‬‬
‫من ادوات السعادة‬

‫ان سعادة الفرد واالمة ليستا قضيتين قابلتين للتحقق بالقليل من العلم أو البسيط من العمل فالطريق‪ -‬الى‬
‫السعادة طريق‪ -‬طويل أساسه العمل والعمل واالخالص وقد‪ -‬بينت في مقاالت سابقة بعض متطلبات السعادة‬
‫وأساسياتها‪ ، -‬وسأذكر هنا بإختصار‪ -‬المزيد من هذه المتطلبات‪:‬‬
‫(‪ )1‬االعتماد على الذات‪-:‬‬
‫قالوا قديما "ما حك جلدك مثل ظفرك" فال بد من االعتماد على النفس والعمل ونحن ال نحصد قبل أن نزرع‪،‬‬
‫ولن نزرع اذا اعتمدنا على اآلخرين ولن نزرع اذا انتظرنا نتائج حوار الشمال مع الجنوب ومن تعاسة الفرد‬
‫واالمة اللجوء الى تبريرات للكسل واالعتماد على الغير‪ ،‬فاذا لم تتوفر‪ -‬البيئة المناسبة للنجاح فلنصنعها‪ ،‬وصحيح‬
‫أن الصعوبات‪ -‬كثيرة ولكن الصحيح ايضاً أن االمكانيات المتوفره هائلة‪ ،‬فال بد من األخذ باالسباب االيمانية‬
‫والمادية معاً‪ ،‬وال بد من حسن االدارة والتخطيط والتنظيم ولقد وجدنا دوالً كثيرة في عصرنا هذا تحقق نجاحات‬
‫كثيرة في الصناعة والزراعة وغيرها وجميع هذه الدول شمرت عن سواعدها وانطلقت تفكر وتخطط‪ -‬وتبني‬
‫وتتعلم من أخطائها‪ -‬وتنمي خبراتها‪ -‬وتطور‪ -‬أنظمتها وقوانينها‪ .‬أما الذي يظن أن السماء ستمطر ذهبا وفضة‬
‫فسيطول‪ -‬انتظاره‪ ،‬فالطريق إلى العزة والغنى والقوة واضح وهو ليس طريقا مفروشاً بالورود‪ -‬بل البد من التعب‬
‫والتضحية والسهر والتدريب‪ -‬والصبر وال بديل لهذا إال الفقر والجوع والذل ويعجبني الفرد الذي يعتمد على نفسه‬
‫وينطلق يبني نفسه علميا وعمليا ال تعيقه الصعوبات في كال المجالين بل يفكر بحلول لها ويتخطاها وال يتكاسل‬
‫وال يبحث عن تبرايرات وال يتنظر‪ -‬حتى تعطى له الفرصة بل يبحث عن الفرص ويقتنصها‪ -‬وال ييأس‪ ،‬وكثيراً‪-‬‬
‫ماوجدنا موظفين يقولون ال نجد الفرصة المناسبة حتى نتعلم ونطور‪ -‬مهاراتنا وال يدري هؤالء أن الوسيلة‬
‫الرئيسية للتعليم هي أن تعلم نفسك بنفسك ال أن يعلمك اآلخرون‪ .‬بإختصار‪ -‬ان الذين ينتظرون مساعدة الغير‬
‫يضيعون وقتهم وللعمل فوائده الكثيره منها أنه يساهم في ابتعاد الفرد عن الفراغ والوحده والملل وينسى‪ -‬االنسان‬
‫جزءاً من همومه‪.‬‬

‫(‪ )2‬يد اهلل مع الجماعه‪-:‬‬


‫أمرنا اهلل سبحان وتعالى أن نعتصم بحبله وأن ال نتفرق‪ ،‬ففي التعاون والتكاتف والوحده خير كثير للفرد‬
‫واألمة‪ .‬ولقد وضحت في كتاب الطريق‪ -‬إلى الوحده بعض جوانب هذه القضية فنحن بحاجة ماسة اليوم أن نتعاون‬
‫على البر والتقوى‪ -‬وأمور الخير كثيرة حتى لو كنا مختلفين في غيرها فال بد أن تتحرك كفريق واحد‪،‬‬
‫فاالختالفات‪ -‬االساسية شر كلها وال بد أن نتذكر ما يربطنا مع اآلخرين من روابط العقيدة والدم واالرض‪،‬‬
‫فااليمان يفرض أن يكون المسلمون جسداً واحداً ال يفرقهم االختالف حول موقف سياسي‪ -‬أو مصلحة أو غير ذلك‬
‫واال فإيماننا‪ -‬ضيعف أو غير موجود‪ .‬ومن الضروري‪ -‬أن ندرك أنه من الطبيعي جداً أن نختلف حول قضايا‪-‬‬
‫كثيرة فخبرتنا وعقولنا وتجاربنا‪ -‬الشخصية وأولوياتنا‪ -‬تختلف من فرد إلى أخر ومن دولة إلى أخرى‪ .‬فاالختالفات‬
‫االجتهادية شئ طبيعي‪ ،‬ووجودها ال يمنع اطالقا أن نعمل ضمن فريق‪ -‬واحد فيما ينفعنا جميعا‪ .‬ولقد وحد اهلل‬

‫‪56‬‬
‫باالسالم أمما كثيرة في الخالفة االموية والعباسية والعثمانية‪ ،‬فكيف بأمه واحده فإذا توفر المنهج والفكر وهو‬
‫موجود في االسالم وتوفر االخالص والحكمة والصبر والتخطيط فال شك أبدا في أن تعاونا‪ -‬جاداً أو اتحاداً أو‬
‫وحده ستكون ثمرة لذلك‪.‬‬

‫(‪ )3‬محاربة التقليد‪-:‬‬


‫من الضروري‪ -‬أن نتعلم ما نحتاجه من علوم الغرب والشرق‪ -‬وأن نطلب العلم ولو في الصين‪ ،‬ولكن من الخطأ‬
‫أن ننقل حرفيا‪ -‬ما تعلمناه لنطبقه دون اعتبار لواقعنا السياسي‪ -‬واإلداري‪،‬واالجتماعي والتعليمي‪ ،‬فالمستوى‬
‫اإلداري الذي وصلنا‪ -‬له يختلف كلياً عما وصلوا‪ -‬إليه والبيئة التي نعمل فيها تختلف عن بيئتهم‪ ،‬فما ينجح عندهم قد‬
‫ال ينجح عندنا واالبحاث العلمية التي تحتاجها بالدنا تختلف عما يحتاجونه وبالتالي فأهداف‪ -‬جامعاتنا يجب أن‬
‫تختلف عن أهداف جامعاتهم‪ -‬ومعاهدهم وكذلك يجب أن تعكس مناهجنا التعليمية آمالنا كأمه ومبادئنا وعقائدنا‬
‫وحاجات التنمية في مجتمعنا وحرية االستيراد والتصدير مثال تنفع الغرب ولكنها تضرنا‪ -‬فال بد لها من ضوابط‪-.‬‬
‫ان االمة بحاجة الى تفكير جديد وأفكار جديده وثقه كافيه بالنفس‪ ،‬فالتعلم‪ -‬من الغرب شئ وتقليده شئ آخر‪ .‬بل أن‬
‫التقليد معناه أننا لم نفهم ما تعلمناه بل حفظناه‪ ،‬اننا بحاجه إلى أفكار تساهم في ترشيد‪ -‬الباليين من الدنانير الضائعة‬
‫في سوء استخدام‪ -‬الموارد البشرية في األمة‪ ،‬وبحاجة إلى أفكار‪ -‬تساهم في تشجيع الصناعة العربية وبحاجة إلى‬
‫حلول واقعية ورخصية تساهم في حل جزء من مشاكلنا الكثيره في المدن والقرى والصحاري‪ -،‬فميزانية التعليم‬
‫والصحه يمكن تخفيضها بدرجة كبيرة لو توجهنا الى تشجيع القطاع الخاص على الدخول في هذه المجاالت حتى‬
‫لو تطلب تشجيعه بناء المدارس والمستشفيات والجامعات ثم تسلميها جاهزه له‪ ،‬وفي‪ -‬هذه الحالة ستوفر‪ -‬الحكومة‬
‫رواتب المدرسين واالطباء‪ .‬إننا نريد باختصار‪ -‬حلوالُ علمية جريئة ال تتأثر بالتقليد وال بالجمود‪.‬‬

‫(‪ )4‬التركيز على النوعية‪-:‬‬


‫يتم التركيز‪ -‬في مجتمعاتنا على الكم وتجاهل الكفاءة والنوعية‪ ،‬فأعداد الطلبه والمدرسين والعمال وخطباء‬
‫الجمعة والتجارة والصحفيين واالداريين هي أعداد كبيرة نسبيا أما كفاءتهم فهي في الغالب منخفضة وما أكثر‬
‫االحصائيات التي تتعامل مع االعداد وما أقل التي تتعامل مع النوعية وصحيح أن زيادة العدد جزء من النجاح‬
‫ولكنه الجزء الصغير فمثالً من السهل جداً زيادة نسبة المواطنين في سوق العمل ولكن الصعب هو االرتفاع‬
‫بكفاءتهم ونحن بحاجة إلى مدارس وجامعات ومستشفيات‪ -‬ووزارت وشركات‪ -‬تتبنى الخبرات وتشجيعها‬
‫وتطورها‪ -‬وتقدم لها الحوافز‪ -‬المعنوية والمادية السخيه‪ .‬ومما من شأنه المساهمة في االرتفاع بالنوعية والكفاءة‬
‫فتح مجال التنافس بين الشركات والمدارس والمزارع‪ -‬والجامعات في الدولة الواحده وبين بقية الدول العربية‪.‬‬

‫(‪ )5‬الشورى‪:‬‬

‫تساهم الشورى مساهمة رئيسية في ترشيد السياسات واالهداف‪ -‬والقرارات السياسية واالقتصادية واالدارية‪،‬‬
‫فمثالً نجد كثيراً من القرارات االدارية التي تصدر بدون شورى تفشل وذلك النها تعكس خبره عدد محدود‬

‫‪57‬‬
‫وتتجاهل خبرة عشرات أومئات أو حتى آالف العقول بل تفشل هذه القرارات حتى لوكانت صحيحه ألن العاملين‬
‫ال يشعرون ان القرارات قراراتهم‪ -‬أو أنهم شاركوا فيها بصوره جدية فال يتحسمون لتنفيذها وال يدركون أهميتها‬
‫ولقد قيل قديما "ما خاب من استشاره" وقيل "شاور‪ -‬العاقل يكن عقله لك"‪.‬‬

‫(‪ )6‬اختيار االولويات‪:‬‬


‫تتفاوت االمور‪ -‬والقضايا واالهداف‪ -‬في أهمتيها‪ ،‬فهناك اشياء مهمة واخرى اكثر أهمية ومجموعة ثالثة ذات‬
‫أهمية ثانوية‪ ،‬فمثالً من االسياسات أن نصرف‪ -‬على المأكل والملبس والمسكن ولكن نجد هناك من يستدين من‬
‫أجل أمور ثانوية فيشقى بالديون‪ ،‬وحسن استخدام‪ -‬المال واالقتصاد‪ -‬فيه سعادة االفراد‪ -‬واالمم‪ .‬قال االمام أبو حنيفة‬
‫رضي اهلل عنه‪" :‬ال اسراف في الخير كما ال خير في االسراف"‪ -‬وهناك من يحرصون على أن يحصل ابناؤهم‪-‬‬
‫على أعلى الشهادات العلمية وفي نفس الوقت ال يحرصون على تعليمهم عقائد االسالم واخالقه فيربح أبناؤهم‬
‫حفنه من الدنانير‪ -‬ويخسرون سعادة الدنيا واالخرة‪ .‬ونجد هناك من يبذل الجهد الكبير في عمله أو تجارته أو علمه‬
‫أو عبادته ويهمل أموراً ذات اولوية مرتفعه كحقوق أسرته أو الزواج أو الحج أو صلة الرحم‪ .‬وعموما فمن‬
‫السعادة أن نعرف أن هناك أولويات في الحياة الشخصية والعلم والسياسة والقراءة والدعوة واالدارة والبناء وأن‬
‫نبدأ بهذه األولويات‪.‬‬

‫(‪ )7‬التفاؤل‪:‬‬
‫العالم من حولنا يتطور‪ -‬تكنولوجيا‪ -‬بسرعة كبيرة ونحن متخلفون‪ ،‬وتتجه دول كبيرة الى الوحدة ونحن‬
‫متفرقون‪،‬وهناك‪ -‬االعداء الطامعون وهناك المتخاذلون والمنافقون والمرتشون واالنانيون‪ ،‬وهناك االختالف‬
‫العقائدي والسياسي‪ -‬وقد يقول قائل‪ :‬فأي سعادة أو تقدم يمكن أن يحدث مع كل هذا؟ ونقول أن الصعوبات كثيرة‬
‫ولكن الصحيح أيضا أن القوة الموجودة في االمة قوة هائلة يمكنها أن تحقق قفزات هائلة في عقدين او ثالثة أو‬
‫خمسة لو أحسنا استخدامها‪ -‬واستغاللها فالمعلمون‪ -‬بالماليين والخبره السياسية تراكمت خالل الخمسين سنة‬
‫الماضية‪ ،‬ولنا تجارب سياسية واقتصادية واجتماعية كثيره يمكن أن نتعلم منها الكثير‪ ،‬وما حققته االمة خالل‬
‫العشرين سنة الماضية من طرق وموانئ‪ -‬ومدراس وجامعات وشركات‪ -‬هو انجازات كبيره مقارنه بما كان‬
‫الوضع عليه قبل خمسين سنة فقط‪ ،‬ولو يئس هؤالء لما شقوا طريقا وال بنوا مدرسه وقد قيل ألن تشعل شمعه‬
‫خير من أن تلعن الظالم ونقول ان االنهار الكبيرة عبارة عن قطرات مطر صغيرة فالمطلوب من كل واحد منا‬
‫أن يعمل قدر استطاعته وجهده حتى تتكون عندنا أعمال صغيرة وكثيرة لنجمعها ونشكل منها أنهاراً كبيره تغذي‬
‫االمة فتأليف مسرحيه هادفه انجاز رائع‪ ،‬وتشجيع‪ -‬المدرس لطلبته على حب العلم عمل جبار‪ .‬وايجاد‪ -‬حلول‬
‫لمشاكل اجتماعية عالج لجروح مؤلمة وليس مطلوب من أي واحد منا فوق‪ -‬طاقته أو أن يغير واقع االمة في‬
‫سنين قليله‪ ،‬فهذا خيال واحالم الن التحديات والصعوبات‪ -‬كبيره‪ .‬ولنعلم أن اهلل قد أمرنا بالعمل ولسنا مسئولين‬
‫عن النتائج فالمسلم‪ -‬عليه أن يعمل بجد وإ خالص ونحن ننال أجر أعمالنا حتى لو لم نر لها فائدة في الواقع‪ ،‬ان‬
‫المتشائمين واليائسين يضرون أمتهم وأنفسهم بل يضيفون صعوبه جديدة تعيق تقدم األمة ونقول لهم ما اسهل‬

‫‪58‬‬
‫الهروب والكسل واالهمال والالمباالة وما اصعب العمل وحمل المسئوليه قال تعالى‪" :‬أنه ال ييأس من روح اهلل‬
‫إال القوم الكافرون" (‪ )87‬سورة يوسف‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫المحتوى‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‪-‬‬
‫‪7‬‬ ‫مقدمة ‪...........................................................................‬‬
‫‪9‬‬ ‫السعادة ‪ ...‬ما هي؟ ‪.............................................................‬‬
‫‪13‬‬ ‫نور الحقائق الكبرى ‪.............................................................‬‬
‫‪18‬‬ ‫الطريق إلى السعادة ‪.............................................................‬‬
‫‪22‬‬ ‫مثقفونا ‪ ...‬وتعاسة الغرب ‪.......................................................‬‬
‫‪27‬‬ ‫كم من مريد للخيرلن يصيبه ‪.....................................................‬‬
‫‪31‬‬ ‫العلم سعادة والجهل شقاء ‪........................................................‬‬
‫‪38‬‬ ‫السعادة بين النظرية والتطبيق‪................................................... -‬‬
‫‪41‬‬ ‫الذنوب منبع الشقاء ‪..............................................................‬‬
‫‪46‬‬ ‫الطريق إلى النصر ‪..............................................................‬‬
‫‪50‬‬ ‫الالمباالة في قراءة الواقع ‪.......................................................‬‬
‫‪55‬‬ ‫وذهب ملك سليمان ‪..............................................................‬‬
‫‪60‬‬ ‫األسرة السعيدة ‪ ..‬كيف نبنيها؟ ‪..................................................‬‬
‫‪64‬‬ ‫من حصون السعادة ‪.............................................................‬‬
‫‪68‬‬ ‫تسلية أهل المصائب ‪.............................................................‬‬
‫‪75‬‬ ‫من أدوات السعادة ‪...............................................................‬‬

‫‪60‬‬
‫كتب المؤلف‬

‫‪ -1‬الطريق‪ -‬إلى الوحدة الشعبية "دعوة لبناء الجسور بين االتجاهيين القومي واإلسالمي"‪.‬‬

‫‪ -2‬الطريق‪ -‬إلى السعادة‪.‬‬

‫‪ -3‬إصالح الشعوب أوال‪.‬‬

‫‪ -4‬ال للتعصب العرقي‪.‬‬

‫‪ -5‬عجز العقل العلماني‪.‬‬

‫‪ -6‬الكويت الجديدة‪.‬‬

‫‪ -7‬العلمانية في ميزان العقل‪.‬‬

‫‪ -8‬العلمانية تحارب اإلسالم‪.‬‬

‫‪ -9‬تطوير‪ -‬البحث العلمي الخليجي "تحت اإلعداد"‪.‬‬

‫‪61‬‬

You might also like