Professional Documents
Culture Documents
دروس في الترجمة
دروس في الترجمة
دروس في الترجمة
الجزء األول:
-1تعريف الترجمة:
الرتمجة عند بيرت نيومارك هي " غالبا –وليس بالتأكيد ليس دائما-نقل معىن نص إىل
لغة أخرى بالطريقة اليت أرادها املؤلف للنص .ينبئنا احلس العام أن هذا األمر جبب أن يكون
بسيطا ،كما أن على الشخص أن يستطيع قول شيء ما يف لغة ما متاما كما يقوله يف لغة
أخرى .قد ترى األمر ،من جهة أخرى ،معقدا وسطحيا وخداعا ،إذ باستعمالك لغة أخرى
1
تدعي أنك شخص آخر.
الرتمجة هي نقل الكالم من لغة إىل لغة أخرى .وجاء يف املنجد :ترجم الكالم ،أي:
فسره بلسان آخر ،وترجم عنه أي أوضح أمره ،والرتمجة هي التفسري .ومعىن التفسري مهم جدا
ألنه أساس الرتمجة ،فمن لم يَفهم ال يستطيع أن يُفهم .وإذا مل يفهم املرتجم الكالم املكتو
بلغة ما فلن يستطيع أن ينقله إىل لغة أخرى .وإذا نقله بدون فهم كاف فسوف يكتب ألغازا
2
وأحاجي حَيار فيها قارئها.
قيل يف الرتمجة أهنا نقل الكالم من لغة إىل لغة أخرى والكالم هو اللفظ املفيد ،أي
3
اجلملة أو اجلمل.
الرتمجة هي إيصال فكرة أو تبليغها ،أو حتويل التبليغ إىل لغة أخرى وإعطاؤها شكال
4
مكتوبا ،أو مسموعا ،أو وضع صيغة مطابقة لصيغة يف لغة النقل.
1بيرت نيومارك ،تر :حسن غزالة ،اجلامع يف الرتمجة ،دار ومكتبة اهلالل ،ط ،1بريوت ،6002 ،ص .3
2عز الدين حممد جنيب ،أسس الرتمجة ،من اإلجنليزية إىل العربية وبالعكس ،مكتبة بن سينا ،ط ،5القاهرة ،6005 ،ص .00
3علي بن إبراهيم النملة ،مراكز الرتمجة القدمية عند املسلمني ،مطبوعات مكتبة امللك فهد الوطنية ،د ط ،الرياض ،1992 ،ص .00
4حممد ديداوي" ،الرتمجة إىل العربية" -اللسان العريب -ع )1905/1901( ،65ص.55
1
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
ميكن تقسيم امليدان العام للرتمجة إىل ثالثة أقسام حسبما أوردها جاكوبسن:
تعين هذه الرتمجة يف األساس إعادة صياغة مفردات مادة ما ضمن نفس اللغة .فبهذه العملية
ميكن ترمجة اإلشارات اللفظية بواسطة إشارات أخرى يف نفس اللغة ،وهي عملية أساسية حنو
وضع نظرية وافية املعىن.
وتسمى أيضا عملية التحويل ،ونعين به نقل رسالة من نوع معني من النظام الرمزي إىل
نوع آخر .ففي البحرية األمريكية مثال ،ميكن حتويل رسالة لفظية إىل رسالة تبلّغ باإلعالم
وذلك برفع األعالم املناسبة يف السلسلة الزمنية املتعاقبة الصحيحة .وبنفس الشكل ميكن
حتويل كالم يقوله زعيم قبيلة كيوا ( )kiowaإىل لغة إشارية دون أن تصاحبها إشارات
لفظية لكي تكون مفهومة ال من قبل املتكلمني بلغات أخرى وحسب ،بل ومن قبل أفراد
1
آخرين من قبيلة "كيوا" قد يكونون حاضرين أثناء ذلك.
يوجني .أ .نيدا ،حنو علم الرتمجة ،تر :ماجد النجار ،مطبوعات وزارة اإلعالم ،دط ،بغداد ،1902 ،ص61 1
2
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
تعترب تعاريف عملية الرتمجة الصحيحة متعددة ومتفاوتة تقريبا تعدد وتفاوت األشخاص
الذي أخذوا على عاتقهم مناقشة هذا املوضوع .فمن ناحية ،يعترب هذا التنوع مفهوم متاما،
ألن هناك اختالفات شاسعة يف املواد املرتمجة ويف أغراض النشر ويف حاجات مجهور القراء.
وباإلضافة إىل ذلك ضخضع اللغات احلية إىل حتول متواصل وضخضع األفضليات يف األسلو إىل
حتوير متواتر .وهبذا الشكل تكون الرتمجة املقبولة يف فرتة معينة غري مقبولة متاما يف فرتة الحقة
يف أغلب األحيان.
لقد عرض البعض عددا من التعاريف املهمة والشاملة نسبيا للرتمجة .فيعّرف بروجازكا
( )Prochàzkaالرتمجة اجليدة يف ضوء بعض املتطلبات اليت جيب أن يقوم هبا املرتجم وهي:
البد له أن يفهم الكلمة األصلية من حيث األسلو ومن حيث فكرة املوضوع. -1
البد أن يتغلب على االختالفات بني الرتكيبني اللغويني. -6
البد له أن يعيد بناء الرتاكيب األسلوبية للعمل األصلي يف ترمجته. -3
ويف وصف للرتمجة الصحيحة للشعر يقول جاكسون ماثيوس ( Jackson
: )Mathewsشيء واحد يبدو واضحا ترمجة قصيدة برمتها يعين تأليف قصيدة
1
جديدة.
-3مؤهالت المترجم:
قاعدة عريضة من مفردات اللغة اليت يرتجم منها وإليها. -1
دراسة متعمقة للقواعد والنحو والبالغة والبيان يف اللغتني. -6
ثقافة واسعة. -3
األمانة يف نقل األفكار. -1
الصرب ،ألن الرتمجة حتتاج إىل ممارسة وتدريب طويل وحبث يف املعاجم والقواميس -5
واملراجع.
3
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
الجزء الثاني:
أهمية الترجمة:
تستعمل الرتمجة باعتبارها وسيلة للتخاطب يف اإلعالنات املتعددة اللغات واليت ظهرت
أخريا بشكل متزايد وجبالء يف األماكن العامة ،وكذلك يف تعليمات صادرة عن شركات
التصدير ،ويف الدعاية السياحية حيث يرتمجها متحدثو اللغة األصليون من لغتهم األم إىل اللغة
(األجنبية) ،كمسألة كربياء وطنية ،كما أهنا تستعمل يف الوثائق الرمسية كاملعاهدات والعقود،
وأيضا يف التقارير واألحباث واملقاالت واملراسالت واملقررات الدراسية لنقل املعلومات والنصائح
والتوصيات يف كل فرع من فروع املعرفة .لقد ازداد حجمها مع ظهور وسائل اإلعالم وتزايد
1
عدد البلدان املستقلة ،واالعرتاف املتنامي بأمهية األقليات اللغوية يف بلدان العامل كلها.
يعدد بيرت نيومارك العناصر اجلديدة يف الرتمجة اآلن باملقارنة مع ما كانت احلال عليه يف
بداية القرن مثل:
" -1التوكيد على مجهور القراء واحمليط وعلى الطبيعة ،وسهولة الفهم واألسلو املناسب
وذلك حينما تكون هذه العوامل مهمة.
-6توسيع املوضوعات إىل ما وراء الدينية واألدبية والعلمية ،لتشمل الثقافة والتجارة،
واألحداث الراهنة والدعاية واإلعالن ،تشمل يف الواقع كل موضوع من موضوعات الكتابة.
4
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
هذه األشياء يف عددها عدد الكتب بشكل كبري جدا .لذا من الصعب حسا العدد أو
إحصاء لغات الرتمجات على أي مستوى كان.
الرتمجة هي السبيل الوحيد إىل معرفة اآلخر ،والتواصل معه ،وخلق التفاعل الثقايف واحلضاري
معه ،وهذا يصب يف مصلحة االرتقاء باحلضارة اإلنسانية عموما ،ويف إنضاج وتطوير ثقافات
األمم على وجه اخلصوص ،وبنفس القدر الذي تساعدنا به الرتمجة يف معرفة اآلخر ،فإهنا تعيننا
على إدراك حقيقتنا ومعرفة ذاتنا ،فمن خالل تعريفها لنا باآلخر ميكننا أن نستوضح أوجه
التشابه واالختالف فيما بينه وبيننا ،فعندما تتكون لدينا رؤية واضحة عن اآلخر ،ميكننا ساعتها
5
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
أن نقارن بينه وبني أنفسنا ،كما أن اطالعنا على الصورة اليت رمسها لنا اآلخر ،جيعلنا نقف
على مواطن القوة والضعف فينا ،فمن خالل الرتمجة ميكننا أن حنصل على نقد اآلخر لنا ،ومن
خالهلا أيضا ميكننا أن ننتقد أنفسنا ،وال ميكننا حبال من األحوال أن نتخيل عاملنا بدون
الرتمجة ،فالرتمجة ليست نقال بني طرفني متباعدين ،بل هي نشاط مؤثر ومتأثر ،وقناة نابضة
تربط بني حبار وأهنار اللغات املختلفة ،وهي أم الفنون اإلنسانية اليت تنقل الثقافات بني األمم،
وتعمل على التقريب بني الشعو ،وتدفع عجلة التطور اإلنساين قدما...
لقد أثبت الواقع أن هناك ارتباط طردي بني عدد ما ترتمجه األمم من مؤلفات وما حترزه
من تطور وتقدم ،فأكثر الشعو اليت تعيش يف رخاء اقتصادي وازدهار معريف هي اليت ترتجم
أكثر من غريها ،فمن خالل الرتمجة تكتسب املعرفة ،وتزدهر العلوم وتتطور األمم ،والرتمجة
واحدة من أهم املعايري اليت متيز بني الثقافات املختلفة ،فبالرغم من أن الرتمجة تنقل من الثقافات
وإليها ،إال أن نشاط حركة الرتمجة هو الذي َيدد إذا ما كانت هذه الثقافة (مرسلة) أو
(مستقبلة) ،فكلما تزايد النقل من لغة معينة ،أمكننا القول بأن ثقافة هذه اللغة (ثقافة مرسلة)،
أما إذا كان ما يرتجم إليها أكثر مما يرتجم عنها ،فهذا مفاده أهنا (ثقافة مستقبلة).
كانت الرتمجة -وال تزال -أحد أبرز املعايري اليت يقاس هبا حجم التطور الثقايف والعلمي،
إذ أهنا جتسد املرحلة الثانية يف حركة التفاعل الثقايف بعد مرحلة التأليف ،ويربز الدور اإلنساين
للرتمجة من خالل ما تقوم به من دور الوساطة بني الثقافات املختلفة ،والرتمجة هي األداة
الفاعلة يف تكوين احلضارة العاملية املشرتكة للجنس البشري ،فمن خالل الرتمجة ميكن لألفكار
أن تتالقى وتتالقح وتتوالد أفكار جديدة تدعم بنية احلضارة اإلنسانية ،وكلما تزايد النشاط
الرتمجي ،أمكن للحضارة اإلنسانية أن تزدهر وتتطور ،وأمكن لألمم توصيل رسالتها والتعبري
عن ذاهتا ،وللرتمجة دورها اهلام أيضا يف ترسيخ ونشر السالم بني األمم ،فحينما تتعقد العالقات
بني الدول ،وتتولد األزمات ،تنتج احلاجة إىل احلوار املفهوم بني طريف النزاع ،وتكون الرتمجة
أداة توصيل األفكار الواضحة ،والتقريب بني وجهات النظر من خالل استخدام صياغات
مضمونة ومعربة ،وال ميكن ألحد سوى املرتجم أن يصوغها بدالالت واضحة.
6
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
ال يعين هذ اقتصار أمهية الرتمجة خالل الفرتات اليت تنشب فيها اخلالفات والنزاعات ،بل
ميكن اعتبارها أداة وقائية تقي نشو هذه النزاعات ،وذلك من خالل تكوين خلفية تواصل
بني الثقافات املختلفة تقي من نشو الصراعات احملتملة.
إن الرتمجة تضمن اخللود للنص بكل ما َيويه من فكر ومعان ،وهناك الكثري من النصوص
اليت اختفى أصلها ،ومل يبق إال ترمجاهتا إىل لغات غري لغتها األصلية ،بل إن هناك مؤلفات
كتبت بلغات مل تعد موجودة يف عصرنا احلايل وبادت واندثرت ،ووحدها ترمجات هذه املؤلفات
هي اليت ال زالت باقية كما هو احلال يف معظم املؤلفات اليت كتبت باللغة الالتينية أو اللغات
القدمية امليتة.
كذلك ال يعوزنا القول إن الرتمجة كانت هي الناقل لألديان السماوية والشرائع اإلهلية،
وعربها اهتدت األمم اليت وصلها دين اهلل من خالل ترمجات الشرائع والسنن ،وكانت الرتمجة
أهم آليات الدعوة والتواصل مع الشعو اليت مل يبعث يف أهلها أنبياء أو رسل ،وحني بزغ
فجر اإلسالم كرسالة عاملية غري قاصرة على أهل العربية ،ازدادت أمهية الرتمجة كوعاء ناقل
1
لرسالة اإلسالم إىل كل األمم وعرب كل اللغات.
7
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
الجزء األول:
إن ظهور الرتمجة كنشاط إنساين يواكب التطور االجتماعي البشري ،فالرتمجة كانت
وال تزال هي أداة التواصل بني األمم والشعو اليت ضختلف لغاهتا ،وقد بزغت الرتمجة كنتيجة
لألنشطة اإلنسانية ،وما تضمنه من نشاطات دينية واقتصادية وعسكرية ،استطاعت أن ضخرج
بالشعو من حدودها اجلغرافية لتتفاعل مع جرياهنا ،وكان أول صور الرتمجة هي الرتمجة الشفوية
نظرا لبساطة النظم اللغوية وعدم اخرتاع الكتابة ،فكانت الرتمجة هي أداة التفاهم بني القبائل
والتجمعات البشرية ،سواء خالل األنشطة التجارية اليت تتم وقت السلم أو املعاهدات
واالتفاقيات اليت تظهر وقت احلر ،ويف العصور القدمية لعبت الرتمجة دورا هاما يف نشر التعاليم
الدينية ،والنتاج الفين األديب ،وساعدت يف إحداث التفاعل بني احلضارات القدمية كالبابلية
1
واآلشورية والفينيقية والفرعونية واإلغريقية.
لعل التاريخ البشري مل يشهد حركة الفتوحات كتلك اليت شهدها اإلسكندر األكرب،
وأهم ما اتسمت به حركة الفتوحات هذه أهنا نقلت حضارة اليونان وخرجت هبا إىل خارج
حدودها ،وامتدت لتغطي مساحات شاسعة من األراضي اليت بدأ سكاهنا يف التعرف إىل
ثقافات وعلوم بعضهم بعض ،وخمالطة األمم اليت مل يكن يربط بينها أي عالقة إال بعض
الصالت التجارية القليلة ،لكن خضوع تلك األمم لسيطرة اإلسكندر األكرب أوجد رابطا مزج
بني هذه الثقافات ،وأوجد يف هذه املناطق اليت فتحها حضارة تأثرت باحلضارة اليونانية ،وال
شك أن الرتمجة كانت موجودة خالل هذه الفرتة كضرورة تواصلية ومعرفية ،لتظهر على يديها
احلضارة اهللينسية بعد وفاة اإلسكندر األكرب عام 363ق.م ،وامتدت حىت القرن السابع
8
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
امليالدي ،وقد شهدت هذه الفرتة اليت تصل إىل حنو ألف عام تفاعال حضاريا بني املراكز
احلضارية اليت انتشرت خالل فتوحات اإلسكندر األكرب يف اإلسكندرية ،وأنطاكيا ،نصيبني،
وجنديسابور ،وسعى السريان إىل نقل معارف اليونان وعلومهم إىل اللغة السريانية ،خاصة بعد
غلق مدرسة الرها سنة 109م ورحيل علمائها إىل نصيبني ،ونقلوا معهم علوم الفلسفة اليونانية
والطب اليونان ،إضافة إىل أن كثري من علماء اليونان تركوا بالدهم خشية االضطهاد الديين،
وعندما أغلقت مدرسة أثينا سنة 560م اجته علمائها شرقا إىل دولة الفرس ،ليستقر السريان
يف جنديسابور لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل ترمجة املعرفة اإلنسانية.
برز الكثري من املرتمجني الغربيني يف العصور القدمية واحلديثة ،ولعل أبرزهم هو اخلطيب
الروماين شيشرون ( 13-102ق م) ،والذي تنسب إليه أقدم مدرسة من مدارس الرتمجة،
واليت تقوم على حرية النقل مع التمسك بالقيم البالغية واجلمالية يف التعبري ،وهناك أيضا
الراهب جريوم سافرونيك ( 130-310م) الذي اشتهر برتمجته اإلجنيل من اللغة اإلغريقية
إىل اللغة الالتينية ،وكان أول من طرح فكرة الفصل بني ترمجة النصوص الدينية والنصوص
الدنيوية ،وأوضح أن الرتمجة السليمة إمنا تعتمد على فهم املرتجم للنص األصلي وقدرته على
استخدام أدوات لغته األم ،أو اللغة اليت يرتجم إليها ،وليس لغة النص األصلي ،وهناك أيضا
اإليطايل ليوناردو ارتينو (1111-1301م) الذي ركز على نقل خصائص النص األصلي
نقال تاما ،والتالزم بني اللفظ واملضمون ،مشريا إىل أنه إذا كان املضمون يشري إىل املعىن ،فإن
اللفظ يشري إىل البالغة يف النص ،ومن بعده جاء إتني دوليري ( )1509-1502مبنهجه
الذي عرف باملنهج التصحيحي يف الرتمجة مناديا بضرورة أن يفهم املرتجم حمتوى النص األصلي
1
جيدا ،وأن يدرك قصد وهدف املؤلف من النص.
حسام الدين مصطفى ،أسس وقواعد صنعة الرتمجة ،ص ص .21-20 1
9
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
أبدى العر اهتماما كبريا بالرتمجة منذ بداية عصر فجر اإلسالم ،والذي نشطت
خالله عملية الدعوة إىل اإلسالم خارج حدود شبه جزيرة العر ،وبداية الفتوحات اإلسالمية
يف عهد اخللفاء الراشدين ،ويف زمن الدولة األموية حيث اهتم خالد بن يزيد بن معاوية بن أيب
سفيان برتمجة وتعريب الدواوين يف حماولة لتعريب نظام احلكم ،مث تزايد هذا االهتمام بالرتمجة
يف العصر العباسي ،وذلك بسبب الفتوحات اليت امتدت شرقا وغربا ،واستوجبت ضرورة
التواصل الدائم مع األمم األخرى ،واالطالع على ثقافاهتم وعلومهم وآداهبم ،فظهرت العديد
من ترمجات اآلدا الفارسية والعلوم اليونانية.
بلغ اهتمام العر بالرتمجة أوجه يف عهد اخلليفة هارون الرشيد وولده املأمون الذي
أغدق على املرتمجني ،وأجزل هلم العطاء لقاء ما يقومون برتمجته من كتب غري العر إىل اللغة
العربية ،وكان أشهر املرتمجني يف هذه الفرتة حنني بن اسحق ،وابنه اسحق بن حنني بن اسحق،
وثابت ابن قرة ،ويوحنا بن البطريق ،وابن احلمصي ،وأبو بشر مىت بن يونس ،وَيي بن عدي،
وابن املقفع ،وقد اشتهروا بإتقاهنم للغتني العربية والسريانية ،وخربهتم بالعلوم واجملاالت اليت كانوا
يرتمجون فيها ،فضال عن أن بعضهم قد أقام فرتة يف البالد اليت تتحدث اللغة املرتجم منها،
فقد ثبت أن حنني ابن إسحاق قد سافر إىل اليونان ،وعاش فيها ليتمكن من إتقان اللغة
اليونانية ،وجدير بالذكر أن حركة الرتمجة خالل العصر العباسي مل تكن قاصرة على النقل إىل
اللغة العربية ،بل مت نقل الكثري من املؤلفات العربية إىل اللغات األجنبية ،وميكننا أن منيز مسار
1
حركة الرتمجة العربية وفق املراحل التالية:
هناك مؤشرات عديدة تشري إىل أن عصر النيب حممد صلى اهلل عليه وسلم قد شهدت
أنشطة للرتمجة ،خاصة مع ما استلزمه نشر الدعوة من التواصل مع أمم غري العر ،ويروى أن
سلمان الفارسي كان له السبق يف ترمجة معاين فاحتة الكتا إىل اللغة الفارسية على أيام النيب
10
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
صلى اهلل عليه وسلم ،واشتهر زيد بن ثابت األنصاري اخلزرجي بأنه أول مرتجم يف اإلسالم،
وورد يف املصادر "أنه كان يكتب إىل امللوك ،وجييب حبضرة النيب صلى اهلل عليه وسلم وكان
يتقن اللغة السريانية والفارسية واليونانية ،كما أن هناك بردة عتيقة يرجع تارخيها إىل سنة 66
هجرية ،وعليها نص باسم عمر بن العاص وبه ثالثة أسطر باليونانية ومن حتته الرتمجة العربية.
رغم اهتمام األمويون بالفتوحات وتوسيع أرجاء دولتهم ،إال أن اهتمامهم بالرتمجة
والنقل مل يقل عن اهتمامهم بتوسيع هذه الدولة واالنتقال هبا حنو أطوار احلداثة ،فرتمجوا ونقلوا
إىل العربية أمهات كتب العلوم الالتينية واليونانية وما نقل إىل السريانية يف الطب والفلك
والكيمياء والعمارة ،إضافة إىل الكيمياء اليت عين هبا خالد بن يزيد سعيا منه على حتويل املعادن
إىل ذهب ،ويف عهده مت ترمجة أول كتا من اليونانية إىل العربية وكان كتا "أحكام النجوم"
الذي ألفه احلكيم "هرمس" ،وترجم أول كتا يف الطب يف عهد مروان بن احلكم ألفه "أهرن
بن أعني" الطبيب الذي عاصر هرقل ،وعاش باإلسكندرية حنو عام 210م ،وترمجه الطبيب
البصري "ماسرجويه" من السريانية إىل العربية ،وكان من أشهر املرتمجني يف العصر األموي
1
يعقو الرهاوي الذي ترجم الكثري من الكتب من اليونانية إىل العربية.
نشطت حركة الرتمجة يف العصر العباسي بصورة كبرية بعد أن استتب هلم األمر
وثبتوا دولتهم ،وبداية من عصر أبو جعفر املنصور ميكن تقسيم تاريخ الرتمجة إىل
مرحلتني:
املرحلة األوىل :تبدأ من قيام الدولة العباسية إىل ما قبل عهد املأمون (-050
015م).
2
املرحلة الثانية :تبدأ من عهد املأمون حىت وفاته (033-015م).
11
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
وقد ساعد على تنشيط حركة الرتمجة إىل العربية يف العصر العباسي ،تشجيع اخللفاء العباسيني
ورعايتهم للمرتمجني بصورة مجاعية ،بينما كانت حركة الرتمجة يف العصر األموي حماوالت فردية
ترتبط بنشاط خلفاء أفراد ال نظام خالفة متعاقب حيث اعترب العباسيون الرتمجة ركيزة من ركائز
دولتهم ،ومن أشهر عالمات هذه احلركة اليت شهدها العصر العباسي ما يتمثل يف عهود:
12
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
والقبطية ،كما متيزت بتنوعها إذ راحت تغطي كل العلوم على اختالفها من الفلسفة واملنطق
1
والطب والفلك والرياضيات والكيمياء والطبيعيات واألد .
الجاحظ والترجمة:
يركز معظم املنظرين للرتمجة على النظريات احلديثة والغربية اليت تناولت الرتمجة من
نواحي خمتلفة ،ويغمطون اجلاحظ حقه يف أنه أول من نظّر للرتمجة ،وحتدث عنها كعلم ،ووضع
شروطا للرتمجة ،وممارستها ومن ميارسها ،وهو أبو عثمان عمرو بن حبر بن حمبو الكناين
البصري ،وقد ولد يف البصرة سنة 159ه يف خالفة املهدي ثالث اخللفاء العباسيني ،وتويف
هبا سنة 655ه يف خالفة املهتدي باهلل ،فعاصر خلفاء بين العباس حني كانت الثقافة
واحلضارة العربية اإلسالمية يف أوجها ،وقد أورد يف كتابه (احليوان) ما ميثل أقدم نظرية يف الرتمجة،
2
وهو بذلك قد سبق من نعرفهم من أصحا نظريات الرتمجة بنحو ألف عام.
إن تاريخ الرتمجة لشعب من الشعو موغل يف القدم .وحسب اإلجنيل (التكوين)،
أراد أبناء نوح الذين كانوا يتكلمون نفس اللغة تشييد "برج" بابل – كان األمر يتعلق يف احلقيقة
بزقرة ziggouratمربعة بابلية – لتسلق السماء ،بيد أن الر عاقب صلفهم بتشتيتهم
وهذا بتعداد لغاهتم...هكذا إذن عوقب الناس بواسطة التشتيت وعدم القدرة على التفاهم.
وكان عليهم حينئذ أن يبتكروا الرتمجة والرتمجة الشفوية بقصد التواصل.
إن الرتمجات األوىل املشهورة يف التاريخ هي اليت متت يف الشرق األوسط .خالل األلف
الثالث قبل امليالد ،ترمجت ملحمة جلجامش السوريانية حول البحث عن اخللود إىل احليتية
واهلورية انطالقا من السومرية .بعد ذلك بكثري ،يف بالد الرافدين ،أمر امللك محورايب بنقش
حسام الدين مصطفى ،أسس وقواعد صنعة الرتمجة ،ص ص.23-26 1
13
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
قانونه على نصب يف حوايل 1000قبل امليالد .وكان هلذ القانون املوضوع باللغة األكادية
1
جم على الشرق األوسط قاطبة.
واملرتجم إىل اهلورية ،تأثري ّ
َيظون مبنزلة األمراء وقد بعد سومر ،أضحت مصر مهد احلضارات .كان الكتا
ترمجوا إىل العديد من اللغات .أنشأت مدرسة للرتمجة يف اإلسكندرية وظلت تشتغل يف القرن
الثاين بعد امليالد .وقد مسحت حجرة روزتة ، pierre de Rosetteوهي جزء من النصب
بفك الرموز اهلريوغليفية،
(يرتقي تارخيه إىل 192ق.م واملكتشف يف )1099لشامبليون ّ
املدون باحلروف اهلريوغليفية والدميوتيكية (اللغة اليونانية
ألهنا كانت حتمل نفس النقش ّ
2
الدارجة ).واإلغريقية.
والعوائق اليت دعت املسلمني إىل اللجوء إىل هناك جمموعة غري يسرية من األسبا
حركة النقل من الثقافات األخرى إىل العربية .بعض هذه العوامل فكرية حبتة ،وبعض منها
ضخطى مرحلة الفكر إىل الشغف بالفكر اآلخر من قبيل التنافس وحماوالت الوصول إىل املكنون
يف الثقافات األخرى .ومن العوامل ما هو جتاري تسويقي نشأ عن مالحظة توجه السالطني
من خلفاء وأفراد ووالة إىل التعرف على ما لدى اليونان واهلنود من حكمة وعلم ،فكان بعض
هم هلم إال املال ،يف وقت كانت اخلالفة فيه تغدق على النقلة واملؤلفني.
النقلة متكسبني ال ّ
وهذا أيضا أدى إىل شيء من ضعف األمانة يف النقل ،إذ جلأ البعض إىل ترمجات آلثار هزيلة
غري معروفة املؤلفني ،ونسبوها إىل مفكرين أمثال "أفالطون" و"أرسط" الذي نسبت إليه كتب
3
الربوبية و التفاحة" .
1جوئيل رضوان ،موسوعة الرتمجة ،تر :حممد َيياتن ،منشورات خمرب املمارسات اللغوية ،جامعة مولود معمري ،دط ،تيزي وزو،6010 ،
ص ص .0-0
2املرجع نفسه ،ص .0
3علي بن إبراهيم النملة ،مراكز الرتمجة القدمية عند املسلمني ،ص.69
14
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
وميكن أن ترجع دوافع النقل من الثقافات األخرى اجملاورة مثل اليونانية واهلندية والفارسية
إىل اجلوانب التالية:
-1حث القرآن الكرمي على التفكري .ويف القرآن آيات وصلت إىل
مثان عشرة آية فيها دعوة أو لفتة إىل "التفكري"((...تتفكرون ،يتفكرون،
تتفكروا ،يتفكروا))...وفيه آيات وصلت إىل تسع وأربعني آية فيها دعوة ولفتة
إىل التعقل((يعقلون..تعقلون..تعقل..عقلوه ))..وفيه أربع آيات فيها إشارة إىل
"التدبر"((...يتدبرون ..يدبروا ))..وغريها من اآليات اليت حتث على التفكري
يف خلق السموات واألرض وتركيب جسم اإلنسان واألنعام والكون كله.
نظام العالقة املستمرة بني العبد وربه من خالل اإلسالم تطلب التعرف على -6
علوم تعني على تنظيم شؤون العبادات ،واملعامالت املالية والشخصية
االجتماعية ،وضبط احلسابات ،وتوقيت الصلوات ،وحتديد القبلة ،وتقومي
األيام والشهور ،وترتيب اخلراج والزكاة ،فاستعان املسلمون باألمم اجملاورة
للتعرف على ما لديها مما يعني على هذا التنظيم.
بعد حث القرآن الكرمي على التفكر والتعقل والتدبر ،وبعد االمتداد يف نشر -3
اإلسالم بدا للعر املسلمني أن اجملد العسكري والسياسي واالقتصادي
واالجتماعي الذي وصلوا له لن تقوم له قيمة أو قائمة إن مل يقرتن باجملد
1
العلمي والنضج العقلي.
نتيجة االحتكاك بالثقافات األخرى والفكر اآلخر ،بدأ نقاش وجدال حول -1
"كنه" اهلل تعاىل وأمسائه وصفاته سبحانه فلجأ علماء الكالم إىل النظريات
اليونانية لكي يسهل عليهم الدفاع عن "عقيدهتم" أمام املخالفني أو املفكرين
الذين سبقوهم يف احلضارة ،فلجأوا إىل وسائلهم يف الرد عليهم ،فكان ال بد
1علي بن إبراهيم النملة ،مراكز الرتمجة القدمية عند املسلمني ،ص ص .36-30
15
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
هلم من يطلعوا على علومهم العقلية اليت مل يكن للعر املسلمني عهد هبا من
قبل.
-5وقد دخلت حتت ظل اإلسالم أمم سواء أعلنت إسالمها أو
بقيت على عقيدهتا السابقة إال أن جزءا من هؤالء مل يرتك موروثاته مستغنيا
باإلسالم عنها ،فلجأوا إىل نقل آثارهم الفكرية وشيء من آداهبم على سبيل
املباهاة وليربزوا للعر ما كانوا عليه من حضارة ورقي...ولعلهم بنقلهم هذا
كانوا يلمزون العر واإلسالم الذي جعل منهم قادة للعلم وأرادوا أن يقضوا
على اإلسالم بتعاليم الفلسفة وأن يؤلبوا عليه أبناءه .وكانت الرتمجة هنا سالحا
1
للهدم والتخريب.
16
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
-1الترجمة الشفوية:
أ-تعريفها:
هي أقدم أصناف الرتمجة إذ أن التواصل الشفوي بني البشر يسبق بكثري التواصل املكتو ،
وهذا النوع من الرتمجة يقوم على نقل الكالم بني لغتني خمتلفتني بصورة شفوية مسموعة مباشرة،
وذلك من خالل نقل معىن الكالم بصورة منطوقة ،ويؤثر عامل الوقت على هذا النوع من
الرتمجة اليت حتتاج إىل نقل سريع ،ورمبا فوري بني املتحدثني ،وهي بدورها تنقسم أيضا إىل عدة
أمناط وفق أداء املرتجم ،وما يقوم به والفرتة الزمنية الفاصلة اليت تستغرقها عملية ترمجة النص
األصلي إىل لغة اهلدف ،ويف الغالب فإن هذا الصنف يعتمد على الرتمجة اجلزئية Partial
، Translationحيث يتم إغفال بعض املكونات اللغوية عند النقل والرتكيز على توصيل
1
املعىن واحملتوى.
يف البدء كانت الرتمجة شفوية وقد وجد الرتمجان قبل املرتجم .ترتقي كلمة
( drogmanترمجان) إىل اللغة السوريانية "رجم" اليت تعين "التكلم" يف الغر ،طغى
2
املكتو بفضل الطباعة والزخم الثقايف للنهضة.
ب -أنماط الترجمة الشفوية:
)1الترجمة الفورية :Simultanous Interpretingويكون دور املرتجم يف
هذا الصنف من الرتمجة النقل الفوري لكالم املتحدث بلغة املصدر إىل كالم املستمع
بلغة اهلدف ،اعتمادا على ترمجة أقصر املكونات الكالمية ،حىت وإن كانت جزء من
اجلملة حبيث يشعر املستمع عند مساعه للرتمجة ،كأمنا املرتجم يقرأ أفكار املتحدث،
وينقلها بلغة املستمع متزامنة مع ما ينطقه املتحدث أوال بأول.
17
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
18
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
-2أنماطها:
أ-الترجمة التقنية:
-1الترجمة الفنية:
الرتمجة الفنية جزء من الرتمجة املتخصصة أو الرتمجة املؤسسية ،وهي منطقة السياسة،
والتجارة ،واملال ،واحلكومة ،إخل .فهي اجلزء اآلخر ...يتم التمييز أساسا بني الرتمجة الفنية
واألشكال األحرى للرتمجة من خالل املصطلحات ،برغم أهنا ال تشكل أكثر من 10-5
باملائة من النص .أما خصائصها ومظاهرها القواعدية (بالنسبة لإلجنليزية :املبين للمجهول،
احلاالت اإلمسية ،ضمائر الغائب ،األفعال الفارغة ،أزمنة املضارع) ،فإهنا تندمج مع األنواع
األخرى ،أما صيغتها املميزة...فهي التقرير الفين ،لكنها تشمل أيضا التعليمات والكتيبات،
2
واإلعالنات ،والدعاية اليت تعطي وزنا أكرب لصيغ املخاطبة واستعمال ضمري املخاطب.
-2األسلوب الفني:
ما مل تكن لغة الرتمجة الفنية حيوية وشعبية يف شطرها غري الفين ،فهي حرة عادة من
اللغة العاطفية ،واملدلوالت ،والتأثريات الصوتية ،واالستعارات األصيلة ،يف حال كتابتها جيدا.
19
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
أما يف النصوص الطبية الفرنسية ،فالعكس صحيح ،وعمل املرتجم هو بالتحديد إزالة هذه
املظاهر .وهكذا le triptyque de ce traitement :تصبح (املراحل الثالث هلذه
املعاجلة) .كما أن جزءا من عمل املرتجم الفين اجليد يكمن يف الغالب يف إعادة صياغة لغة
مكتوبة بأسلو رديء ،ويف حتويل االستعارات إىل املعىن املباشر.
-3المصطلحات:
تكمن الصعوبة الرئيسية يف الرتمجة الفنية يف املصطلحات اجلديدة عادة ...أظن أن
أفضل طريقة لتناول النص الفين املبهم ،وضع خط حتت ما يبدو أهنا املصطلحات الرئيسية
حينما تقرؤه ألول مرة ،ومن مث احبث عنها (حىت وإن كنت تظن أنك تعرفها) .
ومع ذلك ،ستكون املشكلة على األرجح يف بعض املستجدات الفنية يف اللغة املصدر
واليت تكون حرة السياق ،واليت تكون حرة السياق ،وتظهر مرة واحدة فقط .أما إذا كانت
وثيقة االرتباط بالسياق ،فينبغي عليك أن تفهمها جيدا بالتخلص تدرجييا من الروايات األقل
1
احتماال.
هناك مشكلة أخرى تكمن يف التمييز بني املصطلحات الفنية والوصفية .ميكن لكاتب اللغة
املصدر أن يستعمل مصطلحا وصفيا لشيء فين لثالثة أسبا :
20
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
ينبغي عليك عادة أن ترتجم املصطلحات الفنية والوصفية مبقابالهتا ،وأن تقاوم على
األخص إغراء ترمجة مصطلح وصفي مبصطلح فين بغرض إظهار معرفتك ،مضحيا بذلك بالقوة
1
اللغوية ملصطلح اللغة املصدر الوصفي.
قد تكون أول إشارة إىل وجود مرتمجني هي الرسائل اليت أرسلها أمراء الشام إىل أخناتون
يطلبون فيها املال أو املعونة .وتتواىل اإلشارات بعد ذلك كما نرى يف املعاهدة اليت عقدت بني
رمسيس الثاين فرعون مصر وملك احليثيني ،حيث كان بيد كل ملك منهم صورة للمعاهدة
بلغته.
ويعترب عمر بن اخلطا هو املعر األول حيث أمر بتعريب الدواوين نقال عن الفرس،
ُ
فأسس ديوان اجلند لتسجيل أمساء اجلنود ورواتبهم ،وديوان الرسائل أو الربيد .وكانت أول ترمجة
ذات طابع علمي يف عهد الدولة األموية على يد خالد بن يزيد بن معاوية-الذي كان حمبا
للعلوم والفلسفة .واستكمل اخلليفة مروان بن احلكم تعريب باقي دواوين الدولة إىل اللغة
2
العربية.
عندما هدأت فورة الفتوحات العربية وبدأ العر يستكملون تأسيس حضارهتم كان ال
بد هلم من األخذ من الرتاث اإلنساين لألمم اليت احتكوا هبا مثل الفرس والرومان واليونان
واهلنود .وكان ما ترمجوه هو الرتاث العلمي ،فنقلوا إىل العربية علوم اليونان مثل كتب إقليدس،
وأرمشيدس وبطليموس يف اهلندسة والفلك ،وكتب أبقراط يف الطب وكتب أرسطو وأفالطون يف
21
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
الفلسفة .وعن اهلنود نقلوا كتب "شاناق" يف السموم و"السند هند" يف الرياضيات والفلك.
وعن الرومان نقلوا كتب جالينوس يف الطب.
وكانت ذروة الرتمجة يف عصر اخلليفة املأمون بن هارون الرشيد ،الذي أنشأ بيت
احلكمة ،ومجع فيه كل ما أمكنه احلصول عليه من كتب اليونان والسريان واهلنود والفرس
ني بن اسحق الذي كان يتقاضى وزن ما
والرومان .وكان جنم الرتمجة يف هذه الفرتة هو ُحنح ن ُ
يرتمجه ذهبا.
وظهر مذهبان يف الرتمجة يف هذه الفرتة ،نقلهما البهاء العاملي يف الكشكول عن
الصالح الصفدي ،قال" :وللرتمجة يف النقل طريقتان إحداهما طريقة يوحنا بن البطريق وابن
ناعمة احلمصي ،وغريمها ،وهو أن ينظر إىل كلمة مفردة من الكلمات اليونانية ،وما تدل عليه
من املعىن ،فيأيت الناقل بلفظة مفردة من الكلمات العربية ترادفها يف الداللة على ذلك املعىن
فيثبتها وينتقل إىل األخرى كذلك ،حىت يأيت على مجلة ما يريد تعريبه .وهذه الطريقة رديئة
لوجهني أحدمها أنه ال يوجد يف الكلمات العربية كلمات تقابل مجيع الكلمات اليونانية .ولذلك
1
وقع يف خالل التعريب كثري من األلفاظ اليونانية على حاهلا.
والطريقة الثانية يف التعريب طريقة حنني بن إسحق واجلوهري وغريمها ،وهو أن يأيت باجلملة
فيحصل معناها يف ذهنه ،ويعرب عنها يف اللغة األخرى جبملة تطابقها ،سواء ساوت األلفاظ
أم خالفتها .وهذه الطريقة أجود وهلذا مل حتتج كتب حنني بن اسحق إىل هتذيب إال يف العلوم
الرياضية ألنه مل يكن قيما هبا ،خبالف كتب الطب واملنطق الطبيعي واإلهلي فإن الذي عربه
منها مل َيتج إىل إصالح".
استغرقت املرحلة السابقة جهود ثالثة أجيال من املرتمجني يف القرن الثالث اهلجري،
لتتلوها مرحلة جديدة يقوم فيها العقل العريب هبضم ما ترجم ،مث يسهم يف إثراء الثقافة اإلنسانية
22
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
بإبداعه العلمي على يد فطاحل العلماء والفالسفة العر أمثال ِ
الكندي والفارايب وابن سينا
1
وابن النفيس والبريوين وابن البيطار وابن رشد اخل...
يف القرن السابع اهلجري (الثالث عشر امليالدي) ونتيجة الحتكاك الفرجنة بالعر أثناء
احلرو الصليبية يف املشرق العريب ،وكذا يف األندلس وصقلية ،بدأت الرتمجة العكسية من
العربية إىل الالتينية واللغات القومية األوروبية .فرتمجت مؤلفات ابن سينا وابن النفيس والزهراوي
وابن البيطار وابن اهليثم وابن رشد وغريهم لتبدأ النهضة العلمية يف الغر ،ويؤكد روجر بيكون
وفرانسيس بيكون وكلود برنار مبادئ العلوم املبنية على التجربة الدقيقة واملالحظة الفاحصة،
اليت كان للعر فضل ابتكارمها بدال من طريقة أرسطو املبنية على االستنتاج املنطقي الذي ال
يؤيده دليل عملي.
وبدأ انفتاح العامل العريب على الغر مرة ثانية بصدمة احلملة الفرنسية على مصر .وكان
2
احملرك األساسي هو حاجة حممد علي للعلوم الغربية ألسبا حربية.
يقول الفيلسوف األملاين هيجل":نتعلم من التاريخ درسا مهما ،وهو أن أحدا مل يتعلم
يخ" ففي مرحلة الرتمجة الكربى األوىل يف العصر العباسي كان اهتمام املرتمجني منصبا
من التار ّ
أساسا على العلوم مثل :الطب واهلندسة والفلسفة واليت ميكن اعتبارها تراثا إنسانيا عامليا
تراكميا .فلم جند ترمجة إللياذة هومريوس ،أو مسرحيات سوفوكليس ،أو إنياذة فرجيل ،أو
رامايانا اهلنود واليت هي على عظمتها جمرد ثقافة حملية خاصة.
وكذلك يف مرحلة الرتمجة العكسية مل جند األوروبيني يرتمجون املعلقات السبع ،أو نقائض
جرير والفرزدق ،أو قصائد املتنيب .وكذلك عندما انفتح اليابان على العامل الغريب ،مل تأخذ منه
إال علومه تاركة له آدابه وثقافاته اخلاصة .أما يف مرحلة الرتمجة احلالية فنجد أن الغالبية العظمى
لألعمال املرتمجة إمنا هي ألعمال أدبية ،والقليل منها للعلوم احلديثة .وترمجة األعمال األدبية
23
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
والفلسفية ضرورية لفهم ثقافات األمم املختلفة وكيفية تفكري أبنائها ،ولكن يف حدود ال تعرضنا
1
خلطر الذوبان يف ثقافاهتم وضياع تراثنا وثقافتنا اخلاصة.
يعتمد العلم على احلقائق اليت ميكن قياسها بطريقة أو بأخرى .والتجار العلمية أو
العمليات الرياضية إذا أجراها أشخاص خمتلفون فسيصلون إىل نفس النتيجة ،أما يف الرتمجة
فإذا ترجم قطعة ما عدد من الناس فسوف جتد اختالفا عظيما بني ترمجاهتم .فليس هناك ترمجة
واحدة صحيحة والباقي خطأ ،ولكن هناك ترمجات جيدة وترمجات متوسطة وترمجات ضعيفة.
وكذلك فليست الرتمجة فنا خالصا ،فالفنان اخلالص ليس عليه سلطان سوى ما ميليه
عليه خياله وإبداعه ،أما املرتجم فهو ملتزم بالنص الذي أبدعه املؤلف ،وكل ما يستطيع عمله
هو أن جيلو ما خفى ،ويوضح ما غمض ،وينتقي لفظا أو آخر حبيث ينقل إىل القارئ فكر
الكاتب وروحه وأسلوبه بأمانة وسالسة .فالرتمجة ليست علما حمضا وليست فنا خالصا ،بل
2
هي فن تطبيقي أي حرفة حتتاج إىل الكثري من املمارسة والتدريب والصرب.
يفرق درايدن Dreydenبني ثالثة مذاهب أو أمناط يف الرتمجة األدبية وهي :النقل
احلريف لأللفاظ أو الرتمجة احلرفية ،metaphraseوالثاين هو نقل املعاين بغض النظر عن
نظام الكلمات يف العبارة أو كيفية سبكها ،paraphraseوالثالث هو إعادة سبك العبارات
أو القصيدة كلها إذا اقتضى األمر لتقدم البديل الشعري للعمل األصلي ،ويسميه احملاكاة
3
.imitation
وعلى كل ميكننا تبني األمناط أو املستويات التالية يف الرتمجات احلديثة ،مع مالحظة
أن املرتجم قد يستعمل عدة مستويات يف ترمجة نص واحد ،فجملة ما قد يناسبها مستوى أو
24
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
منط معني بينما مجلة أخرى قد حتتاج إىل مستوى آخر ،والغرض النهائي هو احلصول على
أفضل وأوضح ترمجة للنص:
-1ترجمة حرفية:
وهي ترمجة النص كلمة كلمة بنفس تركيب اجلملة األصلية وبدون التفات إىل
اصطالحات اللغة املنقول منها مما يؤدي إىل نص مرتجم ركيك األسلو وغامض
ومشوش .وهذا النمط من الرتمجة جنده يف ترمجات املبتدئني أو كمرحلة وسيطة
لرتاجم احملرتفني 1 .فمثال عند ترمجة التالية لشيكسبري:
Take, O take those lips away
That so sweetly were foresworn
And those eyes, the break of the day,
;Lights that do mislead the morn
But my kisses bring again,
!Bring again
Seals of love but sealed in vain,
!Sealed in vain
نجد أن المبتدئ قد يترجمها حرفيا هكذا:
خذوا ،خذوا هذه الشفاه بعيدا
التي بحالوة حنثت
وتلك العيون ،انكسار الصباح،
أضواء التي تُضل الصباح
ولكن قبالتي أحضروها ثانية !
أحضروها ثانية !
25
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
عز الدين محمد نجيب ،أسس الترجمة ،من اإلنجليزية إلى العربية وبالعكس ،ص ص .15 -10 1
26
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
ويف الصور اجلمالية ،بل قد يضيف ،أو َيذف بعض التفاصيل غري األساسية .ويتم هذا
عادة يف ترمجة الشعر اليت يفضل فيها إنشاء شعر جديد به معظم أفكار الكاتب األصلي
ولكن ببحور وأوزان وقواف عربية .وبالطبع ال ينجح يف هذا النمط من الرتمجة إال شاعر
1
مطبوع.
-5الترجمة التلخيصية:
يف هذا النمط من الرتمجة يعطى املرتجم فكرة عامة خمتصرة عن املوضوع الذي
2
يرتمجه ،كخطوة الختيار النص اجلدير بالرتمجة الكاملة األمينة.
27
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
علما أن مقابالهتا يف اللغات األخرى ما زال استخدامها شائعا كما هو احلال بالنسبة للفرنسية
1
أو للروسية (.)Traduction Automatique and Avtomaticeskii Perevod
ألن الرتمجة فن تطبيقي فمن الصعب أن يقوم كمبيوتر بالرتمجة الصحيحة إال إذا وصلت
سعته إىل سعة حجم مخ اإلنسان واستعملت فيه أحدث أساليب الذكاء الصناعي مع قاعدة
بيانات هائلة .ومع ذلك فقد بدأت بشائر ظهور بعض برامج الرتمجة تقدم ترمجة تقريبية ميكن
2
اعتبارها مسودات يقوم املرتجم اخلبري برتمجة ما يستحق الرتمجة منها.
يف الواقع ،إن ديكارت هو أول من ف ّكر يف الرتمجة احلرفية اآللية mécaniser le
mot à motبوضع قاموس مشفوع بأرقام رمزية numéros de codeيف النصف
األول من القرن السابع عشر .إن مشاريع ابتداع لغات املية حوايل 1900وكذا تطور السنن
الرمزية code cryptographiquesيف االتصاالت العسكرية والديبلوماسية
واالتصاالت البحرية والتلغرافية كل هذا أدى إىل إذكاء العناية واالهتمام بسنن بسيط ورياضي
يسمح باالنتقال السريع والسهل من لغة إىل أخرى بفضل آلة ميكن للساين أن يستعملها.
يف الثالثينيات ،شرع أرستوين يف باريس وخاصة مسرينوف تروجنسكي يف االحتاد
السوفيايت يف وضع قاموس آيل .ابتكر السوفيايت ما أمساه على حنو غريب ب "طريقة الرتمجة
األحادية اللغة" بفضل آلة مع قراءة الذاكرة بواسطة صور .ولكن كان ال ب ّد من انتظار العشرية
املوالية (تطور تقنيات االتصاالت و السيربنطيقا واحلسا السريع جدا بواسطة احلاسبات
فك الرسائل messagesالذي حصل أثناء احلر من اإللكرتونية مث احلواسيب) كي يقيم ّ
قبل املخابرات جسرا بني اللسانيات والرياضيات.
بعد ذلك بكثري ،أدى التنامي اهلائل للحاجات يف جمال الرتمجة التجارية والعلمية أو
التقنية وكذا تكاثر اجملالت املتخصصة وكذا املختصني العاجزين على قراءة كل ما ينشر يف
جماالهتم إىل تشجيع الباحثني على ابتكار آلة للرتمجة.
1عبد اهلل بن محد احلميدان ،مقدمة يف الرتمجة اآللية ،مكتبة العبيكان ،ط ،1الرياض ،6001 ،ص09
2عز الدين حممد جنيب ،أسس الرتمجة ،من اإلجنليزية إىل العربية وبالعكس ،ص .10
28
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
إن اشتغال اآللة بسيط من الوجهة النظرية :عند املدخل ( )Inputيق ّدم النص باللغة
مدونا باللغة -اهلدف.
النص ّ
-املصدر ،مث تشغل اآللة ذاكرهتا وتعطي عند املخرج ّ Output
1
تفحص الذاكرة سريعا مجيع الفرضيات املمكنة بإقصاء ما ال يليق شيئا فشيئا.
إن الرتمجة اآللية ال ميكن أن تعا ج سوى ملفوظات خالية من االستعارات والصور
البيانية...إن هذه الرتمجة اليت علقت عليها آمال كبرية بني 1919وهناية الستينيات ،مل تفض
إىل ح ّد اآلن إال إىل نتائج هزيلة خميبة .فهي يف احملصلة ال تقدم لنا سوى ديباجة أوىل وهو
شيء ذو فائدة بالنسبة للهيئات الرمسية اليت أثقل كاهلها العدد اهلائل من الوثائق الواجب
2
ترمجتها.
تتميز طبيعة عمل الرتمجة املعاصر خباصيتني تؤديان دورا كبريا يف رسم األهداف الواقعية
لنظم الرتمجة اآللية:
إن معظم مواد أعمال الرتمجة يف العامل هي نصوص ال تنتمي إىل ذلك النوع الرفيع واملعقد من
اإلنتاج األديب والثقايف .فاألغلبية العظمى من املرتمجني احملرتفني يعملون بكي يلبوا ويغطوا
الطلب الضخم واهلائل واملتنامي باستمرار لرتمجة الوثائق العلمية والتقنية ،واملعامالت التجارية،
واملذكرات اإلدارية والدبلوماسية ،والتشريعات القانونية ،وأدلة استخدام املنتجات التكنولوجية،
3
وكتب الطب والعلوم األخرى ،والتقارير اإلخبارية...،إخل.
-3ينبغي االعرتاف بأن هناك جزءا صعبا من عمل الرتمجة َيتاج إىل جهود فكرية من
املرتجم ال ميكن جتاهلها .لكن هناك أيضا الكثري من األعمال التكرارية اململة
واملضجرة ،مثل تكرار بعض اجلمل بشكل كبري إما مع تغيري الفاعل أ املفعول به
وخاصة يف كتيبات استخدام األجهزة املختلفة ،واليت تتطلب يف الوقت نفسه
جهودا ال بأس هبا من احلرص وعلى درجة معينة من الدقة يف تنظيم وتنسيق أعمال
الرتمجة ،مثل توحيد املصطلحات املستخدمة .كما أننا نلمس منذ سنني عديدة أن
29
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
الطلب على مثل هذه األعمال الرتمجية يتزايد مبعدل يتجاوز كثريا قدرات مهنة
1
الرتمجة البشرية.
30
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
المحاضرة الرابعة:
نظريات الترجمة:
-1لمحة تاريخية:
كانت نظرية الرتمجة حىت النصف الثاين من القرن العشرين حمصورة-فيما يبدو -فيما يطلق
عليه شتاينر Steinerتعبري املناظرة العقيمة حول ثالثية الرتمجة "احلرفية" والرتمجة "احلرة"
والرتمجة "األمينة" .ويرجع التمييز بني ترمجة األلفاظ "احلرفية" وترمجة املعاين "احلرة" إىل شيشرون
يف القرن األول قبل امليالد ،وإىل القديس جريوم يف القرن الرابع للميالد ،وهو التمييز الذي
يشكل أسس الكتابات الرئيسية يف الرتمجة على امتداد القرون القريبة من عصرنا احلايل.
وحنن نعرف أن هذه الثنائية شاعت يف التفكري العريب ،عمليا ونظريا ،يف جمال الرتمجة
منذ عصر املأمون وأكاد أقول حىت العصر احلاضر ،والكل يعرف املقابلة بني املنهج احلريف
الذي اتسمت به ترمجات يوحنا بن البطريق ،وابن نعيمة احلمصي ،وبني املنهج احلر الذي
اتسمت به ترمجات حنني بن إسحاق ومدرسته ...حىت مع توسل العر آنذاك باللغة السريانية
يف ترمجة النصوص اليونانية .ورمبا كانت ذروة املنهج احلر هي ترمجة عبد اهلل بن املقفع لكتا
1
"كليلة ودمنة" عن الفارسية القدمية.
أما يف الرتاث الغريب فقد ارتبطت قضايا الرتمجة احلرفية واحلرة على امتداد ألف سنة
املقدس وغريه من النصوص الدينية والفلسفية. تقريبا –منذ القديس جريوم-برتمجة الكتا
وكانت الكنيسة الكاثوليكية مشغولة مبراعاة احلفاظ على نقل املعىن "الصحيح" للكتا
املقدس ،وكانت ترى أن أي احنراف عن التفسري املعتمد ملعىن اآليات يعترب مروقا عن الدين أو
جتديفا فيه ،فكانت تتدخل مبنع نشر أي ترمجة "حرة" أو حظر تداوهلا .ومل تقتصر رقابتها على
1حممد عناين ،نظرية الرتمجة احلديثة –مدخل إىل مبحث دراسات الرتمجة-الشركة املصرية العاملية للنشر –لوجنمان ،ط ،1اجليزة،6003 ،
ص.60
31
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
ترمجة النصوص الدينية بل امتدت إىل كل ما يرتجم من اآلدا القدمية ،فعاقبت "املتحرر"
أشد عقا .
وأشهر منوذج يذكره التاريخ هو ما أصا العالمة الفرنسي "إتيني دوليه" Étienne
Doletالذي اشتهر مبذهبه اإلنساين إذ أدانته كلية الالهوت جبامعة السوربون يف عام
1512بتهمة الكفر وحكمت عليه باإلعدام حرقا مثل املرتدين ،وأما أساس التهمة فهو أنه
ترجم عبارة يف أحد حوارات أفالطون تتكون من سؤال بليغ (أي سؤال إنكاري rhetorical
)questionهو " :وماذا بعد املوت؟" إذ أضاف إىل السؤال –من با اإليضاحrien -
( du toutأي ال شيء إطالقا) ،وقد انتهت الكلية من ذلك إىل أن "دوليه" ال يؤمن
1
باخللود ،ونتيجة هلذا "اخلطأ" يف الرتمجة أعدم املرتجم.
لقد تركزت نظريات الرتمجة منذ عهد شيشرون Cicéronحىت بدايات القرن العشرين
،Wordأو حرة (معىن for Word حول التساؤل عن الرتمجة احلرفية (كلمة بكلمة)
مبعىن) Sense for Senseوأسهم يف طرح هذه اآلراء االهتمام برتمجة نصوص الكتا املقدس
واملؤلفات الدينية ،ومع مطلع اخلمسينيات ،وبداية ظهور العلوم اللسانية ظهرت نظريات
والتكافؤ املعىن مفهومي مثل ومصطلحات مفاهيم وطرحت جديدة،
،Equivalenceوالتكافؤ الشكلي effect ،Equivalence&Meaningواألثر املكافئ
والتكافؤ الديناميكي ،Formal Equivalence and Dynamic Equivalenceمث أتبع ذلك
نظريات الرتمجة الوظيفية ،والتواصلية اليت اهتمت بوظيفة اللغة ،ونوع النص ،ورافق هذه
Systemic النظريات مفاهيم ومصطلحات جديدة مثل اللسانيات الوظيفية النظمية
النظريات حتى تصل إلى نظريات توطين الترجمة ،لتتطور هذه functional linguistic
،domesticatingوتغريب الترجمة ،foreignisingونظريات الترجمة الفلسفية الهرمنيوطيقية.
2
32
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
تنطلق نظريات الرتمجة من تصنيف اللغات اليت تتم هبا الرتمجة إىل صنفني أساسيني
مها :لغة املصدر ( ،)Source Language( )SLوهي اللغة اليت يتم النقل منها إىل اللغة
األخرى ،واليت يطلق عليها لغة اهلدف ( ،)Target Language( )TLويف بعض
األحيان تستبدل كلمة اللغة بكلمة النص فيصبح لدينا النص األصلي اهلدف ()ST
( ،)Source Textوالنص اهلدف (.)Target Text( )TT
أما كاتفورد فإنه يضع الرتمجة يف مستويني مها :املستوى اللغوي ،واملستوى التعبريي
مشريا إىل أن املستوى اللغوي يتناول املعىن يف مجيع مكونات النص وهذا يشمل الصوت
واحلرف والكلمة واجلملة ،وخلص إىل أن الرتمجة تقع بني حدين أساسيني أدنامها ما يتعلق
بالسمة وأعالمها املعىن ،وحتدث عن مفهومي التكافؤ والتناظر الالزمني لبلوغ أعلى درجات
كمال الرتمجة ،ويقول كاتفورد" :إنه من الضروري لنظرية الرتمجة أن تستند إىل نظرية يف املعىن،
ومن دون نظرية كهذه تظل عدة مظاهر حمددة وهامة يف عملية الرتمجة غري قابلة للمناقشة،
حسام الدين مصطفى ،أسس وقواعد صنعة الرتمجة ،ص ص .01 -03 1
33
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
وقد دافع بيرت نيومارك Peter Newmarkعن النظرية اللغوية يف كتابه (كتا يف الرتمجة
)A textbook of Translationموضحا :إننا نرتجم الكلمات ألن ليس هناك شيء
آخر نرتمجه ،ال يوجد على الصفحات سوى الكلمات فقط ال غري ،واقرتح بعض معايري حتليل
النص مثل نية النص ،ونية املرتجم ،ونية القارئ ،وجو النص ،وأسلو الكتابة ،ليقرتح طريقتني
أساسيتني للرتمجة مها )1( :الرتمجة الداللية مشريا إىل أن دور املرتجم هو إعادة تقدمي املعىن
اليت تضمنه السياق وفق حدود النحو والداللة للغة اهلدف )6( ،الرتمجة االتصالية حيث دور
املرتجم هو إحداث تأثري لدى املتلقي بلغة اهلدف مياثل التأثري احلادث للمتلقي يف لغة املصدر.
تقوم النظرية اللغوية للرتمجة على فرضية أن النص املرتجم يتكون من كلمات ،وأن
الكلمات هي املادة املوضوعية املتاحة للمرتجم ،وأن املرتجم يتعامل مع اللغة وفق علوم
اللسانيات ،وأصحا النظرية اللغوية للرتمجة يرون أن الرتمجة عملية لغوية ،لذا ال بد من ضمها
إىل علوم اللسانيات ،وقد رأى بعضهم أنه ميكن إضفاء نوع من االستقاللية على الرتمجة بأن
1
أشاروا إىل أهنا فن مستقل مبين على علم هو علم اللسانيات.
وهناك من أشار إىل أن الرتمجة ترتبط بنظرية املعىن ،وأن هناك مستويني من الرتمجة
يقوم األول على إجياد املكافئ اللغوي املناظر للوحدة اللغوية يف نص اللغة املصدر ،أما الثاين
فيقوم على املعىن الذي سعى صاحب النص إىل توصيله من خالل املستوى اللغوي الذي
استخدمه ،كذلك فقد أوضح أتباع النظرية اللغوية ضرورة إجياد النص املكافئ وليس النص
املطابق ،إذ أنه ال جمال إىل تطابق تام بني اللغات املختلفة ،وتسعى النظريات اللغوية حول
الرتمجة إىل الربط بني اللغة والفكر واملعىن واخللفيات الثقافية ،وأشارت هذه النظريات إىل أن
دور املرتجم هو حماولة إحداث تأثري لدى املتلقي بلغة اهلدف يطابق نفس التأثري الذي أحدثه
النص لدى متلقيه بلغة األصل ،وأن يسعى وفق قواعد وحدود اللغة اهلدف إىل تقدمي نفس
2
املعىن املقصود يف اللغة املصدر.
1
املرجع السابق ،ص ص .05 -01
2
املرجع نفسه ،ص .05
34
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
ووفقا للنظرية التفسريية فإن الرتمجة عبارة عن سلسلة متصلة من حلقات التواصل تنشئ
نوعا من العالقة بني املؤلف األصلي باللغة املصدر واملتلقي باللغة اهلدف ،وأوضحت ماريان
لوديرير Marianne Ledererأن الرتمجة التفسريية تتم عرب ثالث مراحل تسلسل بصورة
اتفاقية ،وقد تتداخل أو تتتابع فيما بينها وهذا يتم عرب فهم املعىن وجتريد اللفظ وإعادة التعبري
موضحة أن التجريد هنا يشبه الرتمجة احلرفية كلمة بكلمة ،وترى النظرية التفسريية أن النص
وحدة مفتوحة ذات أبعاد ثالثة :البعد األفقي متمثال يف النظرية اللغوية ،والبعد العمودي املتمثل
يف األسلو والرتابط ،والبعد العرضي املتمثل يف نوع النص وعالقة النص بنصوص أخر ،وذكر
ديبوغراند ودريسلر ( )De Beaugrande and Dresslerبعض اخلصائص اليت تتعلق بالنص
حيث عرفاه بأنه :الظاهرة النصية اليت يعتمد فيها فهم Intertextualiy وأثارا قضية التناص
1
النص وإدراك معناه على فهم املتلقي لبعض النصوص األخرى.
35
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
جاء ظهور هذا املصطلح مع بدايات القرن العشرين بعد جميء العامل اللغوي السويسري
(دي سوسري )Ferdinand de Saussureمؤسس املدرسة البنيوية ،وقد وضع أسسا لعلم
األسلوبية وفق العالقة بني اللغة والكالم ،وركز على املنظور االجتماعي للغة مشريا إىل أهنا
نظام اجتماعي يضم عالقات وروابط متعددة ،وفاصال العالقة بني صوت اللفظ ومعناه مشريا
إىل أن املعىن يتكون يف الذهن ،وقام تلميذه (شارل بايل ،)Charles Ballyوهو أيضا
لغوي سويسري درس اللغتني اليونانية والسنسكريتية ،وتعمق يف دراسات النحو املقارن
واللسانيات العامة ،وقد قام بالتعاون مع أحد زمالئه جبمع حماضرات أستاذه يف كتا حتت
عنوان "حماضرات يف اللسانيات العامة" ،مث أضاف إليه مالحظاته ،وقام بنشر كتا أمساه (يف
األسلوبية) عام 1906متضمنا أفكارا حول األسلوبية واليت ربطها بنظريات الفلسفة الوجودية
والتعبريية ،لكنه استبعد أن يكون علم األسلوبية قاصرا على دراسة اللغة األدبية ،أو ذات
األغراض اإلمتاعية واجلمالية ،قد أوضح "بايل" أن دور األسلوبية هو دراسة القيمة العاطفية
للحدث اللغوي الذي يتكون منه نظام التغيري اللغوي ،وهذا النظام قد يضم قيما ال واعية غري
خاضعة للوعي واإلدراك ،وأن التعبري عن الشعور الواحد قد يتخذ صورا لغوية متعددة ،ومثال
ذلك التعبري عن االستحسان ،فنقول :أحسنت ،أو أجدت ،أو رائع ،أو ما أمجل ،أو أنت
حسن ،أو أنت فنان...وهكذا ،كما أنه عندما نريد التعبري عن األسف فنقول :آسف ،أو
عذرا ،أو ساحمين ،أو عفوا ،أرجو املعزرة...وهكذا ،فهذه التعبريات تسمى
1
(متغريات )Variablesحيث تعرب يف جمملها عن نفس الفكرة واحلدث والشعور.
Jules Charlesجاء آخرون مثل جول ماروزو Bally ومن بعد شارل بايل
من املدرسة اللغوية الفرنسية ،وقد ركز Marcel Gressot ،Marouzeauومارسيل كراسو
كالمها على تطبيق املنهج الوصفي يف الدراسات األسلوبية ،وقد عارضهما األملاين ليو سبيتزر
،Leo Spitzerوحاول أن يؤطر لنظرية (األسلوبية السيكولوجية) مطبقا املنهج االنطباعي
والذاتية ،مؤكدا على فكرة أن اإلبداع هو عبقرية فردية ،وأنه ال ميكن دراسة األسلو بعيدا
حسام الدين مصطفى ،أسس وقواعد صنعة الرتمجة ،ص .02 1
36
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
عن دراسة علم النفس ،وقد أوضح أن إشكالية األسلوبية إمنا تكمن يف موضعية اللسانيات
ونسبية االستقراء وقلة املستخلصات ،وركز على أن هذا النوع من الدراسات ال جيب أن يقتصر
على اللغة املنطوقة فحسب.
مث جاء من بعد هؤالء رينييه ويلك ،wellek Reneوأوسنت وارين ،Austin Warren
Roman المعاصر ليلحق هبما رومان جاكبسون ليربطا بين األسلوبية ومناهج البحث
الوظيفي الذي استخدمه "بالي" ،وأشار أن وظيفة اللغة Osipovich Jakobsonليطبق املنهج
هي النقل والتواصل ،وأوضح أن عملية هذه تتألف من ستة مكونات هي :املرسل ،املتلقي،
القناة ،الرسالة ،املرجح ،املصطلح ،كما أشار إىل أن وظائف اللغة الشعرية هي :الوظيفة التعبريية
أو االنفعالية ،والوظيفة الندائية أو اإليعازية ،والوظيفة املرجعية ،والوظيفة الشاعرية ،والوظيفة
بعد اللغوية) ،كما أن األسلوبية امتزجت بالنظريات اللسانية ،وخرج منها ما عرف بالنظرية
( ،)Poetic Theoryأو ما تعرف بالنظرية اإلنشائية ،وتهتم بالبحث عن المعنى من الشعرية
خالل البنية والشكل والداللة ،وال تركز اهتمامها على النص أو صاحبه ،وإمنا كل اهتمامها
منصب على توضيح كيفية خلق النص لتأثريه .لذا فإهنا تعمد إىل تفكيك النص وإعادة تركيبه
1
لتحديد النسق البنيوي له من خالل عمليات التحليل.
النظرية الداللية: ث-
اهتمت نظريات الرتمجة اليت انطلقت من علم الداللة بتحليل العالقة بني الكلمة
دور المترجم والشيء املفهوم أي بني الدال واملدلول والدليل ،وبالنسبة لعملية الرتمجة فإن
يتخطى البحث عن معان الكلمات املنفردة بل التعامل مع نص مكون من عدد من الكلمات
يف لغة املصدر ،ليتم نقل املعىن باستخدام كلمات أخرى بلغة اهلدف ،واملعىن ال يرتبط بعدد
2
الكلمات ،فدالالت الكلمات ومعانيها تتأثر بعوامل كثرية مرتبطة بثقافة كل لغة.
حسام الدين مصطفى ،أسس وقواعد صنعة الرتمجة ،ص .00-02 1
37
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
تقوم معظم نظريات الرتمجة احلديثة على التعامل مع الرتمجة ضمن نطاق علم اللغة أو
علم االتصال ،فاللغويون يعتربون الرتمجة فرعا من فروع علم اللغة التطبيقي ،وبالتايل فإن التعامل
مع الرتمجة من هذا املنطلق يقودنا إىل تطبيق النظريات اللغوية املختلفة اليت تتناول الظواهر
اللغوية وتوصيفاهتا ،لكن معظم النظريات الشائعة واملطبقة يف ميدان الرتمجة تقوم على دراسة
الرتمجة انطالقا من مبحثني أساسيني مها :نظرية االتصال وعلم الداللة ،فجميع نظريات الرتمجة
تتفق يف وصف الرتمجة على أهنا أحد أوجه االتصال اللغوي ،وهي بذلك تشتمل على املرسل
واملتلقي والرسالة والسياق والوسط واملؤثرات الداخلية واخلارجية ،فجميع هذه العوامل تؤثر يف
العملية االتصالية وتتأثر هبا.
38
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
اللغوية فتعترب الرتمجة تعبريا دقيقا عن حمتوى النص األصلي ،ويشيع تطبيق ذلك عند معاجلة
النصوص األدبية ،أما النوع الثاين فهو ( )6الرتمجة الوظائفية ()instrumental Translation
فريكز على الوظيفة اليت يقوم هبا النص األصلي ويكثر تطبيقها مع النصوص القانونية والرمسية
واإلدارية.
النظرية التكافؤية:
Toward a Science مييز يوجني نايدا Eugene A Nidaيف كتابه حنو علم الرتمجة
ofبني نوعني من التكافؤ :الشكلي الذي يقوم على نقل شكل النص األصل translation
39
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
اهلدف وأهل املصدر ،ينبغي وضع تكافؤ التأثري يف إطار أمشل ،مبتدئني بانعكاساته لسانية
1
الطابع.
ووفق النظرية ال تأويلية فإن عملية الرتمجة تتم عرب ثالث مراحل أساسية هي:
-الفهم :من خالل تأويل النص يف اللغة األصل إلدراك املعىن املراد تبليغه يف اللغة
اهلدف.
االنسالخ اللغوي :من خالل حترير املعىن من البنيات اللغوية للنص األصلي -
حىت ال تتداخل مع بنيويات اللغة اهلدف.
-إعادة التعبير :وهتدف إىل إعادة صياغة نفس املعىن املعرب عنه بلغة األصل مع
الرتكيز على خصوصيات اللغة اهلدف.
وتصنف هذه النظرية سياقات النص إىل ثالثة أنواع:
حسام الدين مصطفى ،أسس وقواعد صنعة الرتمجة ،ص ص.09 -00 1
40
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
-السياق اللغوي :ويهتم بداللة الكلمة أو اجلملة وعالقة دالالت الكلمات واجلمل
احمليطة.
-السياق المعرفي :ويهتم باألفكار اليت تصل إىل ذهن املتلقي أثناء عملية قراءة
النص.
-السياق غير اللغوي :يهتم بالعناصر غري اللغوية املصاحبة لعملية إنتاج النص (بيئة
1
إنتاج النص).
41
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
تعد مشكلة ترمجة املصطلح من أهم ما يعرتض سبيل املرتجم باعتبار أن املصطلح
يتضمن شحنات ثقافية تقف يف خلفية النص األصلي وحتيط به ،وعلى املرتجم حينئذ أن
يرتجم ليس فقط العناصر املختلفة لإلطار السميولوجي ،بل أيضا عليه أن يرتجم مكان هذا
العنصر يف اجملتمع كله ،باعتبار أن التصور أو املفهوم واحد ،بيد أن املصطلح خيتلف من شعب
آلخر .وبالتايل فإن لعلم الرتمجة أمهيته يف التعامل مع املصطلح خيتلف من شعب آلخر .وبالتايل
فإن لعلم الرتمجة أمهيته يف التعامل مع املصطلح ،بوصفه املرآة اليت تعكس فهم املصطلح يف
لغته األم ،مث تنقله إىل املتلقي يف اللغة اهلدف.
لقد بلغ علم املصطلح –بوصفه أحد فروع علم اللغة التطبيقي -يف العصر الراهن شأنا
بارزا ،حىت صار علما مستقال بذاته ،ولسنا يف حاجة إىل توضيح األمهية الكربى لدراسة علم
املصطلح ،ولكن يكفي يف هذا الصدد القول :إن معرفة مصطلح علم من العلوم من شأهنا أن
فعال يف التنسيقتوحد بساط البحث الذي من املمكن أن يلتقي عليه العلماء ،وتسهم بشكل ّ
بني خمتلف أحباثهم ودراساهتم .كما أهنا تزيد من اتصال القارئ العادي غري املتخصص هبذا
العلم أو ذاك نتيجة القضاء على االضطرا املصطلحي ،وبالتايل البلبلة الفكرية.
ومبا أنه علم يفيد من الكثري من العلوم اللغوية وغري اللغوية ،فإن لعلم الرتمجة أمهيته
امللحة يف التعامل مع املصطلحات؛ بوصفه املرآة اليت تعكس فهم املصطلح يف لغته األم ،مث
تنقله إىل املتلقي يف اللغة اهلدف ،وهو َيمل كافة املفاهيم واملضامني اليت يدل عليها يف أصل
وضعه.
املصطلح العلمي هو اللفظة أو العبارة االصطالحية يف أي فرع من فروع املعرفة ،وعادة
تبدأ املصطلحات يف أي نوع من أنواع املعارف بسيطة حمدودة مث تأخذ مع الزمن يف التحديد
42
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
والدقة ،كما تأخذ يف النمو والتكاثر حبيث يصبح لكل علم وكل فن طائفة كبرية من
املصطلحات ،حىت تبلغ أحيانا عشرات األلوف.
وال ميكن تصور علم أو فن بدون مصطلحات حتدد مدلوالت ألفاظه وتعبرياته ،حبيث
يتعني على تصوره وفهمه كما تعني على تفاهم أصحابه ،فهم يتعاملون بلغة ضربوا عملة
ألفاظها وصياغاهتا فيما بينهم ،وهم لذلك يفهموهنا أدق الفهم دون أي إهبام أو غموض .لغة
خاصة هبم أو قل لغة علمية أو فنية ،وهي لغة ضختلف اختالفا واسعا –ملا فيها من
املصطلحات -عن اللغة اليومية أو املألوفة ،بل أيضا عن اللغة األدبية ،فلغة األد املعرب عن
العواطف لغة سيالة ال تعرف االصطالح ،لسبب مهم ،هو أهنا ال تعرف ضربا معينا من
املعارف أو احلقائق تريد أن حتيط به ،ولذلك كان األديب مطلق احلرية يف التعبري عن خواطره
وخواجله ،أما العامل فمقيد بالواقع وحبقائق معينة يدل مبصطلحات يعرفها زميله أدق املعرفة.
من حق العلماء أن يضعوا لعلومهم املصطلحات اليت يروهنا كفيلة ووافية بأداء ما يريدون
من مدلوالت علمية .وتاريخ أي مصطلحات لعلم هو تاريخ للعلم نفسه .وكل علم ينمو
ويتطور ويف أثناء ذلك يفتقر إىل مصطلحات جديدة .وللعلماء كامل احلرية يف وضعها ،وليس
ألحد أن يعرتضهم يف هذه احلرية أو يعرتض عليهم يف مصطلح أدوا به تصورا من التصورات
1
يف عملهم.
إن النمو الواسع للغة العر العلمية يف العصر العباسي أخذ يرتاجع منذ القرن السادس
اهلجري ومرت على العر بعد ذلك حقب أصاهبم فيها-من الوجهة العلمية -ما يشبه السبات
العميق ،حىت إذا كان العصر احلديث كثر االحتكاك بينهم وبني الغر عن طريق البعثات
العلمية ،وعن طريق ما أنشأ يف ديارهم من مدارس وما فرضه من تعلم لغاته يف أثناء استعماره
2
لديارنا ،وعن طريق سرعة املواصالت بني الشعو برا وحبرا وجوا.
كل ذلك جعل العر يرون املدنية الغربية مع كل ما استحدثت من رقي يف العلوم
والفنون تنشط نشاطا سريعا ،بل لقد رأوها تركض ركضا يف ميادين تلك الفنون والعلوم بينما
هم متخلفون .وكان طبيعيا أال ينتظروا وال يتمهلوا ،بل يسرعوا يف وصل أسباهبم بأسبا تلك
1شوقي ضيف ،جممع اللغة العربية يف مخسني عاما ،1901-1931 ،جممع اللغة العربية ،ط ،1القاهرة ،1901 ،ص ص.110 -110
2املرجع نفسه ،ص.166
43
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
يف سنة 1900قدم الدكتور حممود خمتار إىل جممع اللغة العربية هنجا علميا يف الرتمجة
والتعريب للمصطلحات العلمية الغربية ،كي يستنري به العلماء كافة ،وقد أقره اجملمع وأبلغه
اجملامع واهليئات اللغوية والعلمية يف البالد العربية .ومما جاء فيه:
وضع املقابل اإلجنليزي أو الفرنسي بإزاء املصطلح العريب ،مع االستضاءة -1
باألصل الالتيين أو اإلغريقي إن وجد ،ومع مراعاة أن يتفق املصطلح العريب
مع املدلول العلمي للمصطلح األجنيب دون تقيد بالداللة اللفظية احلرفية ،فيقال
مثال "غرفة كامتة" ال "غرفة ميتة".
إيثار األلفاظ غري الشائعة ألداء املصطلحات العلمية ،فتفضل كلمة امتزاز على -6
كلمة "امتصاص سطحي" ...ولذلك جلأ الغربيون إىل الكلمات اإلغريقية
والالتينية إذ تؤدي املعىن املطلو دون أي التباس مبعىن يدور على ألسنة
2
الناس.
التعريب عند احلاجة امللحة ،وذلك إذا كان املصطلح يعود إىل أصل يوناين أو -3
التيين أو شاع استعماله دوليا أو كان منسوبا إىل علم عرف به بني العلماء
مثل ديناميكا dynamicsونيوترون neutronإىل غري ذلك.
املعر عربيا وإخضاعه لقواعد اللغة يف االشتقاق وغريه ،فمثال
عد املصطلح ّ -1
أيون ionاملعربة تثىن وجتمع فيقال أيونان وأيونات ،ويوصف هبا فيقال جهد
أيوين ،ويشتق منها الفعالن :أيّن وتأيّن ،وامسا الفاعل واملفعول فيقال غاز مؤيّن
وأشعة مؤيّنة ،وينحت من الكلمة حني تضاف إىل كلمة أخرى فيقال
"كايتون" (أي أيون كاثودي).
1شوقي ضيف ،جممع اللغة العربية يف مخسني عاما ،1901-1931 ،جممع اللغة العربية ،ط ،1القاهرة ،1901 ،ص.166
2املرجع نفسه ،ص ص .131 -133
44
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
صوغ لفظة مفردة للمصطلح ما أمكن ،إذ العربية متيل يف األمساء واملصطلحات -5
إىل األلفاظ املفردة ،وأيضا فان ذلك يساعد على تسهيل االشتقاق والنسبة
واإلضافة ،ومن أجل ذلك كان يفضل التعريب أحيانا على الرتمجة ،فمثال
ترمومرت املعربة أخف جدا من ترمجتها بقولك مقياس درجة احلرارة ،ومثلها كلمة
"زوم" zoomللعدسة ذات البعد البؤري املتغري.
توحيد املصطلحات املشرتكة عربية أو معربة ذات املعىن الواحد بني فروع العلم -2
املختلفة مثل فوتون وإلكرتون ومها يتداوالن يف كثري من العلوم.
حتديد مصطلحات علمية دقيقة تفرق بني األلفاظ املرتادفة أو املتقاربة املعىن، -0
فمثال resistanceتقابل املقاومة ،بينما تقابل reluctanceاملمانعة.
يعرف املصطلح تعريفا بينا واضحا.
ّ -0
يكتب اسم العلم األجنيب وكذلك املصطلح املعر بالصورة اليت ينطقان هبا يف -9
لغتهما.
-10تكتب املصطلحات األجنبية يف املعاجم مبدوءة حبروف صغرية ما مل تكن
يعرف باأللف والالم تيسريا
أعالما ،ويالحظ يف املصطلح العريب املقابل أال ّ
1
للكشف عليه يف املعجم.
45
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
بيرت نيومارك ،تر :حسن غزالة ،اجلامع يف الرتمجة ،دار ومكتبة اهلالل ،ط ،1بريوت، -
.6002
جوئيل رضوان ،موسوعة الرتمجة ،تر :حممد َيياتن ،منشورات خمرب املمارسات -
اللغوية ،جامعة مولود معمري ،دط ،تيزي وزو.6010 ،
حسام الدين مصطفى ،أسس وقواعد صنعة الرتمجة، -
.6011 ،www.hosameldine.org
شوقي ضيف ،جممع اللغة العربية يف مخسني عاما ،1901-1931 ،جممع اللغة -
العربية ،ط ،1القاهرة.1901 ،
عبد اهلل بن محد احلميدان ،مقدمة يف الرتمجة اآللية ،مكتبة العبيكان ،ط ،1الرياض، -
.6001
عز الدين حممد جنيب ،أسس الرتمجة ،من اإلجنليزية إىل العربية وبالعكس ،مكتبة -
بن سينا ،ط ،5القاهرة.6005 ،
علي بن إبراهيم النملة ،مراكز الرتمجة القدمية عند املسلمني ،مطبوعات مكتبة -
امللك فهد الوطنية ،د ط ،الرياض.1992 ،
حممد ديداوي" ،الرتمجة إىل العربية"-اللسان العريب-ع .)1905/1901 ،65 -
حممد عناين ،نظرية الرتمجة احلديثة –مدخل إىل مبحث دراسات الرتمجة-الشركة -
املصرية العاملية للنشر –لوجنمان ،ط ،1اجليزة.6003 ،
يوجني .أ .نيدا ،حنو علم الرتمجة ،تر :ماجد النجار ،مطبوعات وزارة اإلعالم، -
دط ،بغداد.1902 ،
46
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
بطاقة تعريفية
الجزء األول:
-1تعريف الرتمجة01................................................................
-3مؤهالت املرتجم03.............................................................
الجزء الثاني:
أمهية الرتمجة01.....................................................................
الجزء األول:
-1الرتمجة يف القدمي00..............................................................
47
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
-6الرتمجة التتبعية10................................................................
-3الرتمجة املنظورة10..............................................................
-1ترمجة الربط10..................................................................
-5الرتمجة اهلمسية10...............................................................
-2الترجمة التحريرية19...................................................
أ-تعريفها19.......................................................................
-6أمناطها19......................................................................
أ-الرتمجة التقنية19.................................................................
-الرتمجة األدبية61...............................................................
48
األستاذ :براهم سمير جامعة محمد بوضياف – المسيلة - دروس في الترجمة
-1حملة تارخيية31...................................................................
أ-النظرية اللغوية33.................................................................
-النظرية التفسريية35.............................................................
ت-النظرية األسلوبية35.........................................................
ث-النظرية الداللية30..............................................................
ج-النظرية الوظيفية30..............................................................
ح-النظرية الغائية30................................................................
خ-النظرية النصية39...............................................................
د-النظرية التكافؤية39..............................................................
ذ-النظرية التأويلية10...............................................................
49