Professional Documents
Culture Documents
بالنشاط االقتصادي
تعتبر الصفقات العمومية الوسيلة األساسية التي تضبط مشاريع التنمية و مقدمة
الحياة االقتصادية ،بحيث تضطلع بوظيفة إعادة توزيع الموارد الوطنية ،و لها مساهمة
اقتصادية مهمة .و نظرا ألهمية الصفقات العمومية التي أوالها المشرع أهمية خاصة ،
بحيث تعتبر من أهم الوسائل التي تستعملها المصالح المتعاقدة لممارسة نشاطها ،و تنفيذ
برامجها بهدف تنفيذ األشغال العامة ،توريدات ،خدمات و دراسات .فبينما تنفرد المصلحة
المتعاقدة بوضع شروط العقد ،يقتصر دور المتعامل االقتصادي بقبولها أو رفضها .كما
تعتبر المنافسة حقيقة اقتصادیة تفترض وجود عدد كبير من األعوان االقتصاديين يعرضون
منتجاتهم و خدماتهم ،و يتمتعون باستقاللية كاملة في اتخاذ القرارات .و یُعرّف قانون
المنافسة بأنه " : مجموعة من القواعد القانونیة الموضوعة من قبل السلطة العامة قصد
تنظیم الحیاة االقتصادیة بین المتعاملین االقتصادیین" .أما العون اقتصادي " :كل منتج أو
تاجر أو حرفي أو مقدم خدمات أيا كانت صفته القانونية ،يمارس نشاطه في اإلطار المهني
العادي أو بقصد تحقيق الغاية التي تأسس من أجلها" .إن اإلشكالية لمختلف صور
اإلخالالت المتعلقة بالصفقات العمومية ،وسبل مكافحته باإلضافة إلى تدخل اإلدارة لمنع
الممارسات المنافية للمنافسة .جعلتنا نطرح اإلشكالية الرئيسية لهذه الدراسة تتمثل فيما يلي :
صفقات العمومية على حماية المال العام ؟ و كيف كيف تؤثر التجاوزات التعاقدية في مجال ال ّ
يمكن ردع أعمال المتعاملين االقتصاديين المخلين بالتزاماتهم التعاقدية من طرف المصلحة
المتعاقدة؟ و من جهة أخرى لقد عمدت معظم التشريعات إلى التدخل لضبط المنافسة من
خالل تجريم الممارسات التي تؤدي إلى عرقلة أو تشويه أو تقييد المنافسة في السوق ،فكيف
عالج المشرع هذه اإلشكالية ؟
و ماهي الجزاءات التي رخص بها المشرع لإلدارة لقمع هذه الجرائم ؟ و لما كان موضوع
الدراسة متشعبا ،فارتأينا أن يكون الموضوع منصبا على إبراز الجزاءات اإلدارية في
مجالي الصفقات العمومية و قانون المنافسة و ذلك بتقسيمه إلى فصلين .الفصل األول سلطة
المصلحة المتعاقدة في توقيع الجزاءات على المتعامل االقتصادي .الفصل الثاني الجزاءات
اإلدارية على العون االقتصادي في قانون المنافسة تناولت في بداية الفصل األول تعريفا
للصفقات العمومية وعن طرفي العالقة ،حيث تبرم الصفقة بين طرفين أحدهما شخص من
األشخاص المعنوية العامة و تدعى المصلحة المتعاقدة ،و شخص أو عدة أشخاص طبيعية أو
معنوية ،يدعى المتعامل المتعاقد .أما في صلب الموضوع كان حول الجزاءات اإلدارية على
المتعامل االقتصادي المخل بالتزاماته ،في حالة إخالله بالتزاماته التعاقدية ،و عدم االمتثال
لإلدارة ،مما يظهر امتياز اإلدارة في ممارسة سلطاتها ،حيث أن للمصلحة المتعاقدة حق
أصيل في توقيع عقوبات إدارية على المتعامل االقتصادي دون المرور على القضاء.
و هذه الجزاءات لها نظام قانوني يميزها عن تلك التي تعرفها عقود القانون الخاص الذي و
إن وصل فيه الجزاء لحد الفسخ فيكون عبر القضاء .في حين تستقل المصلحة المتعاقدة
بتوقيع جزاءات على المتعامل معها دون اللجوء للقضاء ،و هنا تتجلى مظاهر سلطات
اإلدارة الممنوحة طبقا للقانون .تتمتع اإلدارة بسلطات و امتيازات واسعة تكمن في توقيع
جزاءات على المتعاقد معها حالة إخالله بالتزاماته التعاقدية .و تتنوع الجزاءات بين جزاءات
عقدية ،و أخرى غير عقدية .فمن حيث المبدأ يجوز توقيع جزاءات على المتعامل
االقتصادي طبقا لما اتفق عليه في العقد ،و هناك جزاءات أخرى غير عقدية ،يمكن لإلدارة
بموجبها توقيع جزاءات على المتعامل المتعاقد ،و لو لم ينص عليه في العقد .و هذا األمر
يفرضه ضرورة الحفاظ على المصلحة العامة ،و ضرورة سير المرفق العام بانتظام و
اضطراد .و عليه تخضع العقوبات للقواعد العامة للقانون اإلداري و التي تتضمن المبادئ
التالية :إذا كان العقد قد أغفل تحديد جزاءات مقابلة لمخالفات معينة فال يترتب على ذلك عدم
وجود جزاءات .إذا ح ّدد العقد جزاءات لبعض المخالفات ،و أغفل تحديد البعض اآلخر فال
تعني أن تبقى هذه األخيرة بدون جزاء .كل التزام تعاقدي يقابله جزاء في حالة مخالفته .أما
عن أنواع الجزاءات التي يمكن اإلدارة توقيعها على المتعامل االقتصادي الذي ثبت إخالله
بالتزاماته العقدية فتنقسم إلى جزاءات مالية تشمل :غرامات التأخير ،في حالة التنفيذ الغير
المطابق ،فهي بمثابة تعويضات جزافية .و مصادرة مبلغ الضمان تأمينا لإلدارة ،و ضمانا
ضروريا يُشرع لمصلحتها ،تنوعت بين :كفالة ( ضمان) التعهد ،كفالة حسن التنفيذ ،كفالة
رد التسبيقات و ضمان الكفالة ،و هذه كلها ضمانات الزمة تضمن أحسن الشروط لتنفيذ
الصفقة .وهذه الجزاءات تتميز بكونها جزاءات اتفاقية ،ال يمكن لإلدارة توقيعها إال إذا كان
العقد ينص عليها ،و هي تحدث بمجرد حدوث تأخير ،دون إثبات وقوع ضرر باإلضافة أنها
توقعها دون حاجة إلعذار المتعامل االقتصادي .أما النوع الثاني من الجزاءات فهي غير
مالية ،و تتنوع بين الجزاءات الضاغطة المتمثلة في :وضع المقاولة تحت اإلدارة المالية ،
الشراء على حساب المورد ،وضع المرفق تحت الحراسة ،و ما يميز هذه الجزاءات أنها
توقع حتى في حالة سكوت العقد على النص عليه ،لكنها توقع بتوافر شروط محددة قبل
تنفيذه ،و هي ارتكاب خطأ جسيم من المتعامل المتعاقد ،و وجوب اعذاره و منحه مهلة.
باإلضافة إلى الجديد الذي جاء به المرسوم الرئاسي 236 -10المعدل و المتمم من جزاءات
إدارية تمثلت في :اإلقصاء من المشاركة في الصفقات العمومية ،و التسجيل في قائمة
المتعاملين االقتصاديين الممنوعين من المشاركة في الصفقات العمومية في حاالت معينة و
بكيفيات طبقا للقرار الوزاري المؤرخ في 28مارس .2011فيكون االقصاء مؤقت و نهائي
و كل شكل يصنف بدوره إلى إقصاء تلقائي و بمقرر .أما التسجيل في قائمة الممنوعين من
المشاركة في الصفقات العمومية فهو أيضا يتفاوت بين المنع المؤقت و المنع النهائي مع
إعطاء كل الضمانات للمتعامل االقتصادي ،تمثلت بتبليغه ،تعليل مقرر المنع ،و إمكانية
الطعن على مقرر المنع أمام الجهات القضائية المختصة .و من أثار هذا النوع من الجزاءات
،فهي أن قراري اإلقصاء و التسجيل في قائمة المنوعين من المشاركة في الصفقات
العمومية يشمل جميع المصالح المتعاقدة .و هناك الجزاء األكثر تشددا و المتمثل في الفسخ
بأنواعه سواء بالتراضي ،الفسخ باإلرادة المنفردة لإلدارة ،و الفسخ بحكم القانون ،ضمن
شروط محددة ،نظرا ألنه يضع نهاية حاسمة للعقد ،و لذلك فكان ال بد له من قيود و
إجراءات صارمة ،و شروط تمثلت في الخطأ الجسيم و ضرورة اإلعذار التي تُعد بمثابة
ضمانة للمتعامل المتعاقد .أما الفصل الثاني فجاء بدراسة الجزاءات اإلدارية في قانون
المنافسة من طرف هيئات إدارية مخصصة لذلك .فلما كان يسود العالم نظام اقتصادي
أفرزته التطورات الجذرية في النظام االقتصادي ،نحو إقامة تكتالت اقتصادية في ظل سوق
تنافسية واسعة ،عمل كال من المشرعين الجزائري و الفرنسي على تكريس مبدأ حماية
المنافسة ،ألن االحتكار يهدد المنافسة الحرة كقيمة يحميها القانون .فركزت في البحث عن
دراسة أنواع الممارسات المقيدة ،و هي أساليب مختلفة الحتكار السوق ،و قسمت البحث إلى
ممارسات أحادية و ثنائية الطرف .تمثلت الممارسات األحادية الطرف في :التعسف في
وضعية الهيمنة .التعسف في استغالل وضعية التبعية االقتصادية .البيع بسعر منخفض
تعسفيا .أما الممارسات الثنائية الطرف تتمثل في :االتفاقات غير المشروعة .التجميع غير
المرخص به .عقود الشراء االستئثارية .و لما كانت المنافسة الفعلية في سوق تتوقف على
محاربة الممارسات المقيدة للمنافسة من خالل تبني قواعد إجرائية تتضمن التطبيق السليم و
الفعال للقواعد الموضوعية المقررة في قواعد المنافسة .و نظرا لكون الجرائم المتعلقة
بالمنافسة صعبة من حيث إثبات تقدير وقائعها و تكيفيها الذي يتطلب خبرة و تخصص في
الميدان ،قامت التشريعات و منها الجزائرية ،و الفرنسية ،بإنشاء هيئات إدارية خولت لها
مراقبة و ضبط المنافسة في السوق ،و محاربة االنتهاكات المرتكبة ،و منحت لها صالحيات
واسعة مع إمكانية توقيع جزاءات في حالة عدم التوقف عن الممارسات المنافية للمنافسة .
خصصت الدراسة في هذا الفصل إلى الجزاءات الموقعة من طرف مجلس المنافسة ،و لكن
قبل اتخاذ هذه الجزاءات ،يتخذ المجلس تدابير تحفظية عن الممارسات التي تهدف إلى
المساس بالمنافسة ،لحماية االقتصاد الوطني عامة ،و لحماية مصالح األعوان االقتصادية
خاصة ،و هذا لمعالجة أوضاع مستعجلة بهدف الحد من آثارها المحتملة لغاية الفصل النهائي
في الموضوع ،كتعليق الممارسة المقيدة للمنافسة ،أو إعطاء أمر للمؤسسة بالرجوع إلى
الحالة التي كانوا عليها .فيما تنوعت العقوبات الرئيسية الصادرة عن مجلس المنافسة بين
إصدار أوامر معللة لوقف الممارسة المنافية للمنافسة ،كاألمر بوضع حد للممارسات المقيدة
للمنافسة ،و األمر باتخاذ بعض اإلجراءات .و صالحية توقيع الغرامات المالية على
األعوان االقتصادية المخالفين للحظر القانوني على الممارسات غير المشروعة ُ ،ح ّددت في
القانون الجزائري بحدها األقصى و هو %12من رقم األعمال من غير رسوم آلخر سنة
مالية مختتمة ،أو بغرامة تراوحت بين ضعفي الربح المحقق بواسطة هذه الممارسات على
أال تتجاوز أربعة أضعاف هذا الربح ،و إذا لم تتوفر للعون االقتصادي رقم أعمال فتحددت
ب 6ماليين د.ج .و في القانون الفرنسي فتحددت ب %10من رقم األعمال العالمي من
غير الرسوم األكثر تحققا للسنوات المختتمة .و تُح ّدد هذه الغرامات المالية نسبة لمعايير :
خطورة الممارسات .أهمية الضرر الالحق باالقتصاد .وضعية المؤسسة .كما يمكن عدم
الحكم بالغرامة في حاالت و شروط معينة تكمن في :اعتراف المؤسسة بالممارسة المنسوبة
إليها أثناء التحقيق في القضية .تعاونها ألجل اإلسراع في التحقيق .تعهدها بعدم ارتكاب
مخالفات ألحكام قانون المنافسة .عدم ارتكاب المؤسسة لمخالفات من قبل ألحكام قانون
المنافسة .باإلضافة إلى جزاء آخر المتمثل في نشر القرارات الصادرة عن مجلس المنافسة
في النشرة الرسمية للمنافسة ،و إلى وسيلة إعالمية أخرى بالنسبة للقانون الجزائري ،و في
الجرائد اليومية ،و األماكن المخصصة لذلك ،على أن تكون نفقات النشر على عاتق مرتكب
المخالفة بالنسبة للقانون الفرنسي .هذا و تتدخل هيئات أخرى في مجال المنافسة لتوفير
المناخ المالئم إلرساء قواعد المنافسة و حرية التجارة و الصناعة ،و المتمثلة في اإلدارة
المكلفة بالتجارة ،و فيما يخص العقوبات الصادرة من طرف اإلدارة المكلفة بالتجارة ،لما
يتمتع به األعوان المكلفون بالتحقيق و المعاينة من صالحيات :تفحص المستندات و الوسائل
حجز السلع و البضائع حرية الدخول إلى المحالت التجارية و التحقيق و المعاينة المتمثلة في
:إنجاز تقارير التحقيق و محاضر المخالفات تبليغ المحاضر انطالقا من امتيازات السلطة
العامة التي تتمتع بها مصالح وزارة التجارة ،فإن المتابعة اإلدارية التي تقوم بها لمواجهة
األعوان االقتصاديين عن الممارسات المقيدة للمنافسة ،تعتبر من صميم مهامها للتطبيق
الصحيح لقواعد المنافسة و الممارسات التجارية و هي تدابير و إجراءات التحفظية والمتمثلة
في :حجز البضائع و التجهيزات .الغلق اإلداري للمحالت التجارية .إجراء المصالحة .مع
إخضاع التحقيقات لضمانات على المحققين احترامها ،و االلتزام بها ،حماية للحقوق و حفاظا
على نزاهة التحقيقات .تجدر اإلشارة أنني حاولت التوفيق بين كال من قانوني الصفقات
العمومية و المنافسة ،و ذلك للتداخل بين القانونين ،بهدف استبعاد أية طريقة من شأنها
المساس بالمنافسة .فكما أن إعمال المنافسة الحرة في مجال الصفقات العمومية يُع ّد من
المبادئ األساسية التي يتوقف عليها نجاح الطلبات العمومية ،فإن المنافسة بما تثيره من تعدد
العروض ،تسمح للمصالح المتعاقدة باستخدام الموارد العمومية استخداما عقالنيا ،و يتيح
للمتعاملين فرص للولوج للطلبات ،يُع ّد أفضل وسيلة لممارسة حريتي التجارة و المنافسة.
فإذا كان قانون الصفقات العمومية يضمن إلى حد كبير حرية المنافسة لألعوان االقتصاديين
صفقات ،فإن ممارسة حرية الدخول في الطلبات العمومية ،ال يقتضي المرشحين لنيل هذه ال ّ
االقتصار على قواعد تنظيم الصفقات كمصدر وحيد لحماية المنافسة فحسب ،بل ينبغي
تعزيزها بقواعد أخرى ،تتسم بفتح المجال للمنافسة في القطاعات االقتصادية .ذلك أن
استبعاد تطبيق قانون المنافسة على الصفقات العمومية ،لم يُأخذ على إطالقه ،ألن النشاط قد
يتسم بالطابع االقتصادي ،فنكون أمام تداخل نشاطين .و مادام قانون المنافسة مرتبط بالنشاط
االقتصادي ،فإنه ال يمكن أن يخرج العقود اإلدارية كلية من مجال تطبيق هذا القانون ،لما له
من تأثير على المنافسة .نـتـــائـــج البـــحــــث :يتضح لنا أن المصلحة المتعاقدة في مجال
الصفقات العمومية تتمتع بسلطات واسعة نابعة من مركزها التعاقدي في مواجهة المتعاقد
معها ،هذا المركز يجد مبرره في وجوب تقديم المصلحة العامة التي تمثلها المصلحة
المتعاقدة على المصلحة الخاصة التي يمثلها المتعامل االقتصادي ،و كل ذلك في سبيل حسن
صفقة من أجله .لكن يجب على المصلحة المتعاقدة أن تتقيد سير المرفق العام الذي وجدت ال ّ
بالمشروعية عند استعمال سلطاتها ،وهذا لكي ال تتعسف في استعمال سلطتها .ذلك أن الهدف
من االمتيازات التي تتمتع بها هو تحقيق المصلحة العامة و ليس معاقبة الطرف اآلخر من
أجل المعاقبة فحسب ،بل للوصول إلى نتائج إيجابية على الصعيد االقتصادي و االجتماعي.
فلقد حرص المشرع على خضوع عملية إبـــــرام الصفقات لتنظيم الصفقات العمومية ،و
قانون الوقاية من الفساد و مكافحته ،بل و تعدى ذلك إلى قانون المنافسة ،الذي كان متصال
فقط باألعمال و الممارسات التجارية ،و كل ذلك في سبيل التصدي إلى الممارسات المنافية
للمنافسة في مجال الصفقات العمومية .و على الرغم من أن قانوني الصفقات العمومية و
المنافسة ،لم يتضمنا أي مقتضى لإلحالة و الربط بين أحكامهما ،و لكن ذلك ال يعني القطيعة
بينهما ،حيث يمكن استنباط عناصر التقاطع بين أحكامهما ،سواء من حيث الضمانات الواردة
صفقات العمومية ،المتعلقة باألخص على المبادئ التي تحكم الصفقات العمومية، في قانون ال ّ
باإلضافة أن المشرع أدخل أحكاما مستوحاة من قانون المنافسة في قانون الصفقات ،و
بالموازاة أدرج المشرع أحكام تنتمي إلى القانون العام في قانون المنافسة ،الذي يحكم النشاط
االقتصادي و التجاري ،و كل ذلك في سبيل إضفاء الحماية لحرية المنافسة في الصّفقات
العمومية .و من جهة أخرى بدا اهتمام المشرع المتزايد بإعمال قواعد المنافسة في مجال
الصفقات العمومية ،على وجود إرادة واضحة تهدف إلى تفعيل آليات اقتصاد السوق و
الحرية االقتصادية ،و بالتالي إلزام المصلحة المتعاقدة إلى احترام مبدأ المنافسة للوصول
صفقات العمومية و المنافسة .و عن نطاق للطلبات العمومية ،خاصة بعد تداخل قانوني ال ّ
الجزاءات التي يمكن أن توقعها المصلحة المتعاقدة ،فبعدما كان القضاء بداية ال يقر إال بتلك
المنصوص عليها في العقد ،و لكن عاد القضاء و أقر بإمكانية توقيع عقوبات ،حتى و لو لم
إن إخالل المتعامل المتعاقد في الصفقات العمومية هو ما يبرر ينص عليه في العقدّ .
للمصلحة المتعاقدة توقيع الجزاء عليه .ذلك أن سلطة توقيع الجزاءات هدفها الوصول إلى
صفقة في المواعيد المقررة ،و وفقا للشروط المتفق عليها ،و هي جزاءات متدرجة، تنفيذ ال ّ
تبدأ بالجزاءات المالية ،و هي جزاءات اتفاقية ال يمكن لإلدارة توقيعها إال إذا كان العقد ينص
عليها ،و تطبق بمجرد حدوث التأخير في العقد دون حاجة إلثبات الضرر ،و دون حاجة
إلعذار المتعاقد .و النوع الثاني من الجزاءات الغير المالية ،كالجزاءات الضاغطة ،
اإلقصاء و التسجيل في قائمة المتعاملين االقتصاديين الممنوعين من المشاركة في الصفقات
العمومية ،الذي يتوفر على شروط محددة قبل تنفيذه .و أخيرا الجزاء األكثر تشددا هو الفسخ،
الذي يتم في إطار شروط أهمها و جوب اإلعذار المسبق للمتعامل االقتصادي قبل توقيعه.
وفي قانون المنافسة ،فيهدف كال من القانون الجزائري و الفرنسي إلى حماية السوق الداخلية
من الممارسات المقيدة للمنافسة .أما عن الجزاءات فتنوعت حسب اإلدارة التي أوكل لها
المشرع توقيعها ،في إصدار األوامر ،الغرامات المالية ،النشر و تعليق قراراته ،من طرف
مجلس المنافسة ،و صالحية اتخاذ اإلجراءات التحفظية .باإلضافة إلى امتيازات اإلدارة
المكلفة بالتجارة من إجراءات تحفظية مع مراعاة كل الضمانات .التـوصـيــــات :تتبنى
سياسة المشرع إلى حماية المال العام في مجال الصفقات ،و ضبط السوق في مجال
المنافسة .إال أن هذه القوانين تتخللها بعض النقائص و الثغرات ،حالت دون تحقيق الفعالية
المرجوة .فرغم تمتع المصلحة المتعاقدة في مجال الصفقات العمومية بسلطات واسعة في
مواجهة المتعامل االقتصادي نابعة من مركزها التعاقدي ،الذي تبرره وجوب تقديم المصلحة
العامة ،ما يضمن حسن سير المرفق العام ،لكن على المصلحة المتعاقدة أن تتوخى و تتقيد
بالمشروعية عند استعمال سلطتها في الجزاء ،ذلك أن الهدف من هذه الجزاءات توجيه
المتعامل االقتصادي و تجنب اآلثار السلبية لألعمال التي يقوم بها بما يخدم تنفيذ الصفقة.
ليس الغرض من هذه الجزاءات إرهاق المتعامل االقتصادي ،بل في تعاون كل من المصلحة
صفقة ،و عليه يجب النظر إلى المتعامل المتعاقدة و المتعاقد معها بما يخدم حسن تنفيذ ال ّ
االقتصادي كشريك و ليس كخصم .لم يُشر المرسوم الرئاسي إلى الجزاءات الضاغطة كما
هو بالنسبة للتشريع الفرنسي ،ما عدا بعض اإلشارات الغير الواضحة المعالم .على المشرع
استكمال البناء التشريعي لجزاء الفسخ ،فلقد نص على جزاء الفسخ في المواد 112و 113
لكنها لم تتضمن أهم حاالت الفسخ ،و تبيان الحاالت التي تبرر هذا الجزاء ،لكي ال يترك
لتقدير المصلحة المتعاقدة ،لكي ال تتعسف في تكييفها القانوني ،و وضع حد للسلطة التقديرية
لإلدارة .يالحظ استمرار العمل بدفتر الشروط اإلدارية العامة لسنة 1964المطبقة على
صفقة األشغال العامة ،رغم أنه يحيل تارة إلى نصوص فرنسية مثل المادة 44منه ،مما
يجعله من الناحية القانونية ملغى ،و يتعارض في الكثير من أحكامه مع التنظيم الحالي
للصفقات ،كاالختالف في النسبة المئوية بمبلغ الضمان ما بين دفتر الشروط اإلدارية العامة
صفقات العمومية الذي يجعلها بين الذي يحددها بين 3و % 10والمرسوم الرئاسي المنظم لل ّ
5و % 10وهو ما يستدعي وجوب تدخل المشرع لتعديل دفتر الشروط اإلدارية العامة
باعتباره النص األقدم .و كذلك بالنسبة إلى تحديد نسب اقتضاء غرامة التأخير ،لم يقم
المشرع إلى تفصيلها على كل نوع من الصفقات على حدة .باإلضافة إلى ما يتسم به الدفتر
من مفردات المستعملة في صياغته ،و التي تعتبر غير مألوفة بالنسبة للغة القانونية
المستعملة في التشريع الجزائري كالعمالة و غيرها ،كما أن المصطلحات التي يتضمنها
كالشركات التعاونية و غيرها ،لم يعد قائما ،مما يصعب تجسيد فهم النص بحكم صدوره في
فترة ما بعد االستقالل ،أين يختلف التوجه السياسي واالقتصادي عما هو عليه اآلن .مما
يستدعي مراجعته بما يتناسب و التنظيم الحالي .كما يتعين إصدار دفاتر الشروط اإلدارية
المتعلقة بصفقات اللوازم و الخدمات ،طبقا لما نصت عليه المادة 10من المرسوم الرئاسي
.236 -10و بالنسبة لقانون المنافسة فعلى الرغم من الترسانة القانونية التي وضعها المشرع
المتعلقة بضبط السوق و الممارسات التجارية و المنافسة االقتصادية ،إال أنها بقيت مجرد
توزيع لقواعد على مختلف النصوص القانونية بتسميات مختلفة .و عليه ففصل قانون
المنافسة عن الممارسات التجارية لم يضف شيئا .ثم إن ذكر الصّفقات العمومية في مادتين
فقط و هما المادة 2و 6في قانون المنافسة يعتبر غير كافي نظرا لخصوصية الصفقة ،رغم
ما لحق المادة 2من تعديل ،فبعدما كانت تطبق أحكام هذا األمر على :الصفقات العمومية
ابتداء من اإلعالن عن المناقصة إلى غاية المنح النهائي للصفقة بموجب قانون 12 -08
المعدل لقانون المنافسة لتتحول إلى تطبيق أحكامه على :الصفقات العمومية بدءا بنشر
اإلعالن عن المناقصة إلى غاية المنح النهائي للصفقة بموجب تعديل 05-10المتعلق
بالمنافسة .و معناه أن المشرع قد وسع من تطبيق قانون المنافسة حفاظا على المال العام ،و
صفقات العمومية .و عليه فإن كل عمل يقيد أو يعيق قانون تكريس للمبادئ التي تقوم عليها ال ّ
المنافسة عند إبرام الصفقات ،يعتبر طبقا لقانون المنافسة عمل منافي وجب التصدي له .لكن
الفترة الممتدة من نشر اإلعالن إلى غاية المنح النهائي معناه ،عدم خضوع مرحلة إعداد دفتر
الشروط إلى قانون المنافسة الذي يعتبر أهم مرحلة قد تتالعب فيه المصلحة المتعاقدة عند
إعداده ،و من هنا وجب إخضاع مرحلة إعداد دفتر الشروط لقانون المنافسة ،تكريسا للمبادئ
صفقات العمومية .باإلضافة إلى أن دفتر الشروط يتم بموجبه تحديد التي تقوم عليها ال ّ
األسلوب الذي تختاره المصلحة المتعاقدة ،و كلما انتقلنا من أسلوب آلخر مناقصة مفتوحة،
محدودة ...يتقلص عدد المتعهدون ،و هو ما يمس بمبدأ المنافسة .و يعتبر أيضا مساس بمبدأ
فإن اختيار اإلدارة لبعض المنافسة تتعلق بمعايير اختيار العروض المقدمة لنيل الصّفقةّ ،
المعايير ،قد يؤدي إلى التقييد التعسّفي للمنافسة ،و يحدث ذلك إذا وضعت معايير و كانت
بعض المؤسسات هي التي تتوفر فيها وحدها هذه المعايير دون غيرها من المؤسسات .و
بالرجوع إلى أحكام المادة 6من األمر 03 -03المعدلة بموجب القانون 12 -08نجدها
أدرجت الصفقات العمومية ضمن حاالت حظر االتفاقات المنافية للمنافسة .و إن كانت المادة
أثبتت مرة أخرى التداخل بين قانوني الصفقات و المنافسة ،إال أنه أظهرت مشكلة أخرى
تمثلت في تنازع االختصاص .فإلى من يؤول االختصاص في هذه الحالة ،مع العلم أنه تطبيقا
لقانون المنافسة ،فإن مجلس المنافسة هو المختص و ذلك بصريح المادة 44فقرة 2من
األمر . 03 -03فاالعتراف باختصاص مجلس المنافسة للنظر باختصاص مجلس المنافسة،
يستبعد اختصاص القضاء اإلداري ،ألن قرارات مجلس المنافسة يطعن فيها أمام القضاء
العادي .و من هنا يبرز إشكالية تطبيق قانون المنافسة على الصفقات العمومية ،كأحد أهم
العراقيل خاصة بالنسبة للمشرع الجزائري الذي يحدد االختصاص القضاء اإلداري بناء
على المعيار العضوي ،بصريح المادة 800من قانون اإلجراءات المدنية و اإلدارية ،التي
تولي الوالية العامة للقضاء اإلداري في حالة المنازعات اإلدارية ،و في جميع القضايا التي
تكون الدولة ،الوالية ،البلدية أو المؤسسات العمومية اإلدارية طرفا فيها .إن الحل المعتمد في
فرنسا لحل مشكل االختصاص بين القضاء العادي و اإلداري ،فيما يخص األعمال التي تقوم
بها األشخاص العمومية في حالة خرق قواعد المنافسة ،و المتمثل في نظرية األعمال
المنفصلة ،و ذلك باختصاص مجلس المنافسة للفصل في منازعات النشاطات االقتصادية
التي تمس بأحكام المنافسة ،متى كانت هذه النشاطات منفصلة عن األعمال اإلدارية المتعلقة
بممارسة صالحيات السلطة العامة أو المرفق العام .بذلك فإن نظرية األعمال المنفصلة
وسعت من مجال اختصاص مجلس المنافسة ،بحيث أخضعت النشاطات االقتصادية التي
تقوم بها األشخاص العمومية ضمن اختصاصه ،ما دامت قابلة لالنفصال .إن الحدود الفاصلة
بين األعمال اإلدارية والممارسات المنافية للمنافسة ،دقيقة مما يصعب الفصل بينهما .و يبقى
الدور الفعال لمحكمة التنازع في هذه الحالة ،لحل مشكل االختصاص بالنسبة للقانون
الجزائري .كما أنه تجدر اإلشارة إلى حضور مجلس المنافسة في النصوص القانونية ،بشكل
قوي عن تواجده المحتشم جدا في الواقع بالنسبة إلى التشريع الجزائري مقارنة مع مجلس
المنافسة الفرنسي ،مما يؤدي إلى عدم إمكانية بلوغ الهدف المنشود من قواعد المنافسة ،و
السير المنتظم للسوق بشكل فعلي و فعال .فرغم المجهودات المبذولة من قبل المشرع
الجزائري في تطوير مجلس المنافسة ،إال أنه يبقى مجهوال ،و ذلك لقلة القرارات الصادرة
عنه مقارنة بمجلس المنافسة الفرنسي ،مما يعرقل تحقيق الفعالية االقتصادية من خالل
تطبيق قواعد المنافسة الحرة .كما يظهر التناقض في قانون المنافسة بالنسبة لإلعفاء ،فبينما
يسمح المشرع الجزائري بتبرير االتفاقات المقيدة للمنافسة ،من خالل نص تشريعي أو
تنظيمي ،و ذلك من خالل أثرها االيجابي على االقتصاد .غير أنه يمنع و بصورة مطلقة كل
تصرف استئثاري مهما كانت طبيعته دون أي تبرير ،فيجدر تالفي هذا التناق