You are on page 1of 42

‫وى‬ ‫ب ال َ‬

‫فتـ َ‬ ‫دا ُ‬
‫آ َ‬
‫سـتــفــتــي‬
‫م ْ‬
‫مفـتــي وال ُ‬
‫وال ُ‬

‫من مقدمة كتاب‪ :‬المجموع شرح المهذب‬

‫للمام الرباني شيخ السلم الحافظ الحجة التقي‬


‫محي الدين أبي زكريا‬
‫يحيى بن شرف النووي الشافعي‬
‫رحمه الله تعالى‬
‫)‪ 676 – 631‬هـ(‬
‫باب آداب الفتوى والمفتي والمستفتي‬
‫م جد ًّا‪ ،‬فــأحبب ُ‬
‫ت تقــديمه لعمــوم ِ الحاجــة‬ ‫ب مه ّ‬
‫اعلم أن هذا البا َ‬
‫إليه‪.‬‬
‫وقد صّنف فــي هــذا جماعــة مــن أصــحابنا‪ ،‬منهــم أبــو القاســم‬
‫الصيمري شيخ صاحب الحاوي‪ ،‬ثم الخطيــب أبــو بكــر الحــافظ‬
‫البغدادي‪ ،‬ثم الشــيخ أبــو عمــرو بــن الصــلح‪ ،‬وكــل منهــم ذكـَر‬
‫نفائس لم يذكرها الخران‪ ،‬وقد طالعت كتــب الثلثــة ولخصــت‬
‫منهــا جملــة مختصــرة مســتوعبة لكــل مــا ذكــروه مــن المهــم‪،‬‬
‫وضــممت إليهــا نفــائس مــن متفرقــات كلم الصــحاب‪ ،‬وبــالله‬
‫التوفيق‪.‬‬
‫اعلم أن الفتاء عظيم الخطر‪ ،‬كبير الموقع‪ ،‬كثير الفضل‪ ،‬لن‬
‫المفــتي وارث النبيــاء ‪-‬صــلوات اللــه وســلمه عليهــم‪ -‬وقــائم‬
‫بفرض الكفاية ولكنه معرض للخطأ; ولهذا قالوا‪ :‬المفتي موقع‬
‫عن الله تعالى‪.‬‬
‫منكدر قال‪" :‬العــالم بيــن اللــه تعــالى وخلقــه‪،‬‬
‫وروينا عن ابن ال ُ‬
‫فلينظر كيف يدخل بينهم"‪.‬‬
‫وروينا عن السلف وفضلء الخلف من التوقف عن الفتيا أشياء‬
‫كثيرة معروفة‪ ،‬نذكر منها أحرفا ً تبركًا‪.‬‬
‫ت عشــرين‬ ‫وروينا عن عبد الرحمن بن أبــي ليلــى قــال‪" :‬أدركـ ُ‬
‫ومائة من النصار مــن أصــحاب رســول اللــه صــلى اللــه عليــه‬
‫وسلم ُيسأل أحدهم عن المسألة فيردهــا هــذا إلــى هــذا‪ ،‬وهــذا‬
‫إلى هذا‪ ،‬حتى ترجع إلــى الول"‪ .‬وفــي روايــة‪" :‬مــا منهــم مــن‬
‫يحدث بحديث‪ ،‬إل وَد ّ أن أخاه كفاه إياه‪ ،‬ول يستفتى عن شــيء‬
‫إل ود أن أخاه كفاه الفتيا"‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ن أفتى عن‬
‫م ْ‬
‫وعن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم‪َ " :‬‬
‫ك ّ‬
‫ل ما يسأل فهو مجنون"‪.‬‬
‫صــين ‪-‬بفتــح الحــاء‪ -‬التــابعيين‬ ‫ح ِ‬
‫وعن الشــعبي والحســن وأبــي َ‬
‫مر بــن‬‫ت على ع ُ َ‬ ‫كم ليفتي في المسألة ولو وََرد َ ْ‬ ‫قالوا‪" :‬إن أحد َ َ‬
‫الخطاب رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر"‪.‬‬
‫ت أقواما ً يســأل أحــدهم‬
‫وعن عطاء بن السائب التابعي‪" :‬أدرك ُ‬
‫عن الشيء فيتكلم وهو يرعد"‪.‬‬
‫وعن ابن عباس ومحمد بن عجلن‪" :‬إذا أغفل العالم )ل أدري(‬
‫صيبت مقاتله"‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أ ِ‬
‫وعن سفيان بن عيينــة وســحنون‪" :‬أجســر النــاس علــى الفتيــا‬
‫أقلهم علمًا"‪.‬‬
‫وعن الشافعي ‪-‬وقد سئل عن مســألةٍ فلــم يجــب‪ ،-‬فقيــل لــه‪،‬‬
‫فقال‪" :‬حتى أدري أن الفضل في السكوت أو في الجواب"‪.‬‬
‫ت أحمد بن حنبل يكــثر أن يقــول‪) :‬ل أدري(‪،‬‬‫وعن الثرم‪ :‬سمع ُ‬
‫وذلك فيما عرف القاويل فيه‪.‬‬
‫ت مالكا ً ســئل عــن ثمــان وأربعيــن‬
‫وعن الهيثم بن جميل‪ :‬شهد ّ‬
‫مسألة فقال في اثنتين وثلثين منها‪) :‬ل أدري(‪.‬‬
‫وعن مالك أيضًا‪ :‬أنه ربما كان ُيســأل عــن خمســين مســألة فل‬
‫يجيب في واحدة منها‪ ،‬وكــان يقــول‪" :‬مــن أجــاب فــي مســألة‬
‫فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنــار وكيــف‬
‫خلصه ثم يجيب"‪.‬‬
‫وسئل عن مسألة فقال‪) :‬ل أدري(‪ ،‬فقيل‪ :‬هــي مســألة خفيفــة‬
‫سهلة‪ ،‬فغضب وقال‪) :‬ليس في العلم شيء خفيف(‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ت أحدا ً جمـع اللـه تعــالى فيـه مــن آلــة‬
‫وقال الشافعي‪) :‬ما رأي ُ‬
‫الفتيا ما جمع في ابن عيينة أسكت منه عن الفتيا(‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪) :‬لول الَفَرقُ من الله تعالى أن يضيع العلــم مــا‬
‫ت‪ ،‬يكون لهم المهنأ وعلي الوزر(‪.‬‬ ‫أفتي ُ‬
‫وأقوالهم في هذا كثيرة معروفة‪.‬‬
‫ل من حــرص علــى الفتيــا‪ ،‬وســابق‬ ‫قال الصيمري والخطيب‪ :‬ق ّ‬
‫ل تــوفيُقه‪ ،‬واضــطرب فــي أمــوره‪ ،‬وإن‬ ‫إليها‪ ،‬وثابر عليها‪ ،‬إل ق ّ‬
‫كان كارها ً لذلك‪ ،‬غير مــؤثر لــه مــا وجـد عنــه مندوحــة‪ ،‬وأحـال‬
‫المر فيه على غيره‪ ،‬كانت المعونة له من الله أكــثر‪ ،‬والصــلح‬
‫في جوابه أغلب‪.‬‬
‫واست َد َل ّ بقوله صلى الله عليه وسلم في الحــديث الصــحيح‪) :‬ل‬
‫تسأل المارة فإنك إن أعطيتهــا عــن مســألة وكلــت إليهــا‪ ،‬وإن‬
‫ت عليها(‪.‬‬ ‫أعطيتها عن غير مسألة أ ُ ِ‬
‫عن َ‬

‫فصل‬
‫]وظيفة إمام المسلمين تجاه المفتين[‬
‫ن‬
‫مـ ْ‬
‫قال الخطيب‪ :‬ينبغي للمام أن يتصــفح أحــوال المفــتين‪ ،‬ف َ‬
‫ح للفتيا أقّره‪ ،‬ومن ل يصلح منعه‪ ،‬ونهــاه أن يعــود‪ ،‬وتوعــده‬
‫صل َ‬
‫َ‬
‫بالعقوبة إن عاد‪.‬‬
‫وطريق المام إلى معرفة من يصلح للفتــوى أن يســأل علمــاء‬
‫وقته‪ ،‬ويعتمد أخبار الموثوق به‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ت حــتى‬
‫ثم روى بإسناده عن مالك ‪-‬رحمه الله‪ -‬قال‪" :‬مــا أفــتي ُ‬
‫شهد لي سبعون أني أهل لذلك"‪ .‬وفي رواية‪" :‬ما أفــتيت حــتى‬
‫ت من هو أعلم مني‪ :‬هل يراني موضعا لذلك" ؟‬ ‫سأل ُ‬
‫قال مالك‪" :‬ول ينبغي لرجـل أن يـرى نفسـه أهل ً لشـيء حـتى‬
‫يسأل من هو أعلم منه"‪.‬‬
‫فصل‬
‫قالوا‪ :‬وينبغي أن يكون المفتي ظاهر الورع‪ ،‬مشهورا ً بالديانة‬
‫الظاهرة‪ ،‬والصيانة الباهرة‪.‬‬
‫وكان مالك ‪-‬رحمه الله‪ -‬يعمل بما ل يلزمه النــاس‪ ،‬ويقــول‪: :‬ل‬
‫يكون عالما ً حتى يعمل في خا ّ‬
‫صـةِ نفســه بمــا ل يلزمــه النــاس‬
‫مما لو تركه لم يأثم"‪.‬‬
‫وكان يحكي نحوه عن شيخه ربيعة‪.‬‬
‫فصل‬
‫ة مأمونا ً متنـّزها ً عن‬
‫شرط المفتي كونه مكلفا ً مسلمًا‪ ،‬وثق ً‬
‫م الــذهن‪،‬‬‫ه النفــس‪ ،‬ســلي َ‬ ‫أسباب الفسق وخوارم المروءة‪ ،‬فقي َ‬
‫ن الِفكر‪ ،‬صحيح التصرف والستنباط‪ ،‬متيقظًا‪.‬‬ ‫رصي َ‬
‫سواٌء فيه الحّر والعبد والمرأة والعمى‪ ،‬والخـرس إذا كتــب أو‬
‫فهمت إشارته‪.‬‬
‫قال الشيخ أبو عمرو بن الصلح‪ :‬وينبغي أن يكون كالراوي في‬
‫أنه ل يؤثر فيه قرابة وعداوة‪ ،‬وجّر نفع ودفع ضــر‪ ،‬لن المفــتي‬
‫في حكم مخبٌر عن الشرع بما ل اختصاص لــه بشــخص‪ ،‬فكــان‬
‫كالراوي ل كالشاهد‪ ،‬وفتــواه ل يرتبــط بهــا إلــزام بخلف حكــم‬
‫القاضي‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫قال‪ :‬وذكر صاحب الحاوي أن المفتي إذا نابذ في فتواه شخصا ً‬
‫معينا ً صار خصما ً حكما ً معاندًا‪ ،‬فُترد ّ فتواه على من عــاداه كمــا‬
‫ترد شهادته عليه‪.‬‬
‫واتفقوا على أن الفاســق ل تصــح فتــواه‪ ،‬ونقــل الخطيــب فيــه‬
‫إجماع المسلمين‪ ،‬ويجب عليــه إذا وقعــت لــه واقعــة أن يعمــل‬
‫باجتهاد نفسه‪.‬‬
‫وأما المســتور وهــو الــذي ظــاهره العدالــة ولــم تختــبر عــدالته‬
‫باطنًا‪ ،‬ففيه وجهان‪ :‬أصحهما‪ :‬جواز فتواه; ل ّ‬
‫ن العدالــة الباطنــة‬
‫يعسر معرفتها على غير القضاة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ل يجوز كالشهادة‪ ،‬والخلف كالخلف في صحة النكــاح‬
‫بحضور المستورين‪.‬‬
‫قال الصـيمري‪ :‬وتصـح فتـاوى أهـل الهـواء والخـوارج ومـن ل‬
‫نكفره ببدعته ول نفسقه‪ ،‬ونقــل الخطيــب هــذا ثــم قــال‪ :‬وأمــا‬
‫الشــرار والرافضــة الــذين يســبون الســلف الصــالح ففتــاويهم‬
‫مردودة وأقوالهم ساقطة‪.‬‬
‫والقاضي كغيره في جــواز الفتيــا بل كراهــة‪ ،‬هــذا هــو الصــحيح‬
‫المشهور من مــذهبنا‪ ،‬قــال الشــيخ‪ :‬ورأيــت فــي بعــض تعــاليق‬
‫ن لــه الفتــوى فــي العبــادات‪ ،‬ومــا ل يتعلــق‬
‫الشيخ أبي حامــد أ ّ‬
‫بالقضاء‪ ،‬وفي القضاء وجهان لصــحابنا‪ :‬أحــدهما‪ :‬الجــواز; لنــه‬
‫أهل‪ ،‬والثاني‪ :‬ل; لنه موضع تهمة‪.‬‬
‫وقال ابن المنذر‪ :‬تكره الفتوى فـي مسـائل الحكـام الشــرعية‬
‫وقال شريح‪ :‬أنا أقضي ول أفتي‪.‬‬
‫فصل‬
‫عمرو‪ :‬المفتون قســمان‪ :‬مســتقل وغيــره‪ ،‬فالمســتقل‬
‫قال أبو َ‬
‫شر ُ‬
‫طه مع ما ذكرناه‪:‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -1‬أن يكون قيما ً بمعرفة أدلة الحكــام الشــرعية عــن الكتــاب‬
‫والسنة والجماع والقياس‪ ،‬وما التحق بها على التفضــيل‪ ،‬وقــد‬
‫صَلت في كتب الفقه فتيسرت ولله الحمد‪.‬‬ ‫فُ ّ‬
‫‪ -2‬وأن يكون عالمـا ً بمــا يشــترط فــي الدلــة‪ ،‬ووجــوه دللتهــا‪،‬‬
‫وبكيفية اقتباس الحكام منها‪ ،‬وهذا يستفاد من أصول الفقه‪.‬‬
‫‪ -3‬عارفا ً مــن علــوم القــرآن‪ ،‬والحــديث‪ ،‬والناســخ والمنســوخ‪،‬‬
‫والنحو واللغــة والتصــريف‪ ،‬واختلف العلمــاء واتفــاقهم بالقــدر‬
‫الذي يتمكن معه من الوفاء بشروط الدلة والقتباس منها‪.‬‬
‫‪ -4‬ذا دربة وارتياض في استعمال ذلك‪.‬‬
‫‪ -5‬عالما ً بالفقه ضابطا ً لمهات مسائله وتفاريعه‪.‬‬
‫فمن جمع هذه الوصاف فهو المفتي المطلق المستقل‪ ،‬الــذي‬
‫يتأدى به فرض الكفاية‪ ،‬وهو المجتهد المطلق المســتقل ; لنــه‬
‫يستقل بالدلة بغير تقليد وتقيد بمذهب أحد‪.‬‬
‫قال أبو عمرو‪ :‬ومــا شــرطناه مــن حفظــه لمســائل الفقــه لــم‬
‫يشترط في كثير من الكتب المشــهورة ; لكــونه ليــس شــرطا ً‬
‫لمنصب الجتهاد; لن الفقه ثمرته فيتأخر عنه‪ ،‬وشرط الشــيء‬
‫طه الستاذ أبو إسحاق السفراييني وصــاحبه‬ ‫شَر َ‬
‫ل يتأخر عنه‪ ،‬و َ‬
‫أبو منصور البغــدادي وغيرهمــا‪ ،‬واشــتراطه فــي المفــتي الــذي‬
‫يتأدى به فرض الكفايــة هــو الصــحيح وإن لــم يكــن كــذلك فــي‬
‫المجتهد المستقل‪.‬‬
‫ثم ل يشترط أن يكــون جميــع الحكــام علــى ذهنــه‪ ،‬بــل يكفيــه‬
‫كونه حافظا ً المعظم‪ ،‬متمكنا ً من إدراك الباقي على قرب‪.‬‬
‫وهل يشترط أن يعرف مــن الحســاب مــا يصــحح بــه المســائل‬
‫الحسابية الفقهية ؟‬

‫‪7‬‬
‫حكى أبــو إســحاق وأبــو منصــور فيــه خلفـا ً لصــحابنا‪ ،‬والصــح‬
‫اشتراطه‪.‬‬
‫ت مطلــق فــي‬ ‫مف ٍ‬ ‫ثم إنما نشترط اجتماع العلوم المذكورة في ُ‬
‫ت فــي بــاب خــاص كالمناســك‬ ‫مفـ ٍ‬
‫جميع أبــواب الشــرع‪ ،‬فأمــا ُ‬
‫والفرائض فيكفيه معرفــة ذلــك البــاب‪ ،‬كــذا قَط َـعَ بــه الغزالــي‬
‫وصاحبه ابن َبرهــان ‪-‬بفتــح البــاء‪ -‬وغيرهمــا‪ ،‬ومنهــم مــن منعــه‬
‫ح جـوازه‬‫مطلقًا‪ ،‬وأجازه ابن الصباغ في الفرائض خاصة‪ ،‬والص ّ‬
‫مطلقًا‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬المفتي الذي ليس بمســتقل‪ ،‬ومــن دهــر طويــل‬
‫دم المفتي المستقل‪.‬‬‫عُ ِ‬
‫صارت الفتوى إلى المنتسبين إلــى أئمــة المــذاهب المتبوعــة‪،‬‬
‫و َ‬
‫وللمفتي المنتسب أربعة أحوال‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬أن ل يكون مقلدا ً لمامه‪ ،‬ل في المذهب ول في‬
‫دليلــه‪ ،‬لتصــافه بصــفة المســتقل؛ وإنمــا ينســب إليــه لســلوكه‬
‫طريقه في الجتهاد‪.‬‬
‫حك َــى عــن‬
‫وادعى الستاذ أبو إسحاق هــذه الصــفة لصــحابنا‪ ،‬ف َ‬
‫أصحاب مالك ‪-‬رحمه اللــه‪ -‬وأحمــد وداود وأكــثر الحنفيــة أنهــم‬
‫صاروا إلى مذاهب أئمتهم تقليدا ً لهم‪ ،‬ثم قال‪ :‬والصــحيح الــذي‬
‫ذهب إليه المحققون ما ذهب إليــه أصــحابنا‪ :‬وهــو أنهــم صــاروا‬
‫إلى مذهب الشافعي ل تقليدا ً لــه‪ ،‬بــل لمــا وجــدوا طرقــه فــي‬
‫الجتهاد والقياس أسد الطرق ولم يكــن لهــم بــد مــن الجتهــاد‬
‫سلكوا طريقه‪ ،‬فطلبوا معرفة الحكام بطريق الشــافعي وذكــر‬
‫أبو علي السنجي ‪-‬بكسر السين المهملة‪ -‬نحو هذا فقال‪ :‬اتبعنــا‬
‫الشافعي دون غيره‪ ; ،‬لنا وجدنا قوله أرجح القوال وأعدلها‪ ،‬ل‬
‫أنا قلدناه‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫ت‪ :‬هذا الذي ذكراه موافق لما أمرهم به الشافعي ثم‬ ‫قل ُ‬
‫المزني في أول مختصره وغيره بقوله‪ :‬مــع إعلميــه نهيــه عــن‬
‫تقليده وتقليد غيره‪.‬‬
‫عمرو‪ :‬دعوى انتفاء التقليد عنهم مطلقا ً ل يستقيم‪ ،‬ول‬
‫قال أبو َ‬
‫كى بعض أصــحاب‬ ‫ح َ‬
‫يلئم المعلوم من حالهم أو حال أكثرهم‪ ،‬و َ‬
‫مّنا أنه لم يوجد بعد عصر الشافعي مجتهد ٌ مستقل‪.‬‬ ‫الصول ِ‬
‫ثم فتوى المفتي في هذه الحالة كفتوى المســتقل فــي العمــل‬
‫بها‪ ،‬والعتداد بها في الجماع والخلف‪.‬‬
‫دا مقي ّــدا ً فــي مــذهب إمــامه‪،‬‬
‫الحالــة الثانيــة‪ :‬أن يكــون مجته ـ ً‬
‫مستقل ً بتقريــر أصــوله بالــدليل‪ ،‬غيــر أنــه ل يتجــاوز فــي أدلتــه‬
‫أصول إمامه وقواعده‪ ،‬وشرطه‪ :‬كــونه عالمـا ً بــالفقه وأصــوله‪،‬‬
‫ل‪ ،‬بصيرا ً بمســالك القيســة والمعــاني‪ ،‬تــام‬ ‫وأدلة الحكام تفصي ً‬
‫الرتيــاض فــي التخريــج والســتنباط‪ ،‬قيمــا ً بإلحــاق مــا ليــس‬
‫منصوصا ً عليه لمامه بأصوله‪ ،‬ول يعرى عــن شــوب تقليــد لــه;‬
‫ل بالحــديث أو العربيــة‪،‬‬ ‫لخلله ببعض أدوات المستقل‪ ،‬بأن ُيخ ـ ّ‬
‫وكثيرا ً ما أخــل بهمــا المقي ّــد‪ ،‬ثــم يتخــذ نصــوص إمــامه أصــول ً‬
‫يستنبط منها كفعل المستقل بنصــوص‪ .‬الشــرع‪ ،‬وربمــا اكتفــى‬
‫في الحكم بدليل إمامه‪ ،‬ول يبحث عن معارض كفعل المستقل‬
‫في النصوص‪ ،‬وهذه صفة أصحابنا أصحاب الوجوه‪ ،‬وعليها كان‬
‫أئمة أصحابنا أو أكثرهم‪.‬‬
‫والعامل بفتوى هذا مقل ّد ٌ لمامه ل له‪.‬‬
‫دى بــه فــرض‬
‫ن مــن هــذا حــاله ل يتــأ ّ‬
‫ثم ظاهر كلم الصحاب أ ّ‬
‫الكفاية‪.‬‬
‫قال أبو عمرو‪ :‬ويظهر تأدي الفرض به في الفتوى‪ ،‬إن لــم يتــأد‬
‫في إحياء العلوم التي منهــا اســتمداد الفتــوى; لن ّــه قــام مقــام‬
‫إمامه المستقل تفريعا ً على الصحيح‪ ،‬وهو جواز تقليد الميت‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫ثم قد يستقل المقيد في مسألة أو باب خاص كمــا تقــدم‪ ،‬ولــه‬
‫ص فيه لمامه بما يخرجــه علــى أصــوله‪ ،‬هــذا‬ ‫أن يفتي فيما ل ن ّ‬
‫م ـد َدٍ‬
‫هو الصحيح الذي عليه العمل‪ ،‬وإليــه مفــزع المفــتين مــن ُ‬
‫طويلة‪ ،‬ثم إذا أفتى بتخريجه فالمستفتي مقلد لمامه ل له‪.‬‬
‫هكذا قطع به إمام الحرمين في كتابه الغياثي‪ ،‬وما أكثر‬
‫فوائده‪!! 1‬‬
‫ف حكــاه‬
‫قال الشيخ أبو عمرو‪ :‬وينبغي أن يخرج هــذا علــى خل ٌ‬
‫الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وغيره‪ ،‬أن ما يخرجه أصحابنا هــل‬
‫يجوز نسبته إلى الشافعي؟ والصح أنه ل ينسب إليه‪.‬‬
‫ثم تارة يخّرج من نص معين لمامه وتارة ل يجده‪ ،‬فيخّرج على‬
‫أصوله بأن يجــد دليل ً علــى شــرط مــا يحتــج بــه إمــامه فيفــتي‬
‫ص إمامه على شيء ونــص فــي مســألة تشــبهها‬ ‫بموجبه‪ ،‬فإن ن ّ‬
‫على خلفه‪ ،‬فخرج من أحدهما إلى الخر ســمي قــول ً مخرج ـًا‪،‬‬
‫وشرط هذا التخريج أن ل يجد بين نصه فرقًا‪ ،‬فإن وجده وجــب‬
‫تقريرهما على ظاهرهما‪ ،‬ويختلفون كثيرا ً في القــول بالتخريــج‬
‫في مثل ذلك لختلفهم في إمكان الفرق‪.‬‬
‫ق‪ ،‬وقد ذكروه‪.‬‬
‫ت‪ :‬وأكثر ذلك يمكن فيه الفر ُ‬
‫قل ُ‬
‫الحالــة الثالثــة‪ :‬أن ل يبلــغ رتبــة أصــحاب الوجــوه‪ ،‬لكنــه فقيــه‬
‫النفس‪ ،‬حافظ مــذهب إمــامه‪ ،‬عــارف بــأدلته‪ ،‬قــائم بتقريرهــا‪،‬‬
‫ور‪ ،‬ويحّرر‪ ،‬ويقّرر‪ ،‬ويمهد‪ ،‬ويزيف‪ ،‬ويرجح‪ ،‬لكن ّــه قصــر عــن‬ ‫يص ّ‬
‫أولئك لقصــوره عنهــم فــي حفــظ المــذهب‪ ،‬أو الرتيــاض فــي‬
‫الستنباط‪ ،‬أو معرفة الصول ونحوها من أدواتهم‪.‬‬
‫ة كــثيرٍ مــن المتــأخرين إلــى أواخــر المــائة الرابعــة‬
‫وهــذه صــف ُ‬
‫المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه‪ ،‬وصّنفوا فيــه تصــانيف‬
‫سماه‪" :‬غياث المم في التياث الظلم"‪ ،‬مطبوع مشهور‪ ،‬نفيس في‬ ‫‪1‬‬

‫بابه‪ ،‬لكنه صعب العبارة على من لم يرتض بكلم الصوليين‪.‬‬


‫‪10‬‬
‫فيها معظم اشتغال الناس اليوم‪ ،‬ولم يلحقوا الذين قبلهــم فــي‬
‫التخريج‪.‬‬
‫وأما فتاويهم فكانوا يتبسطون فيها تبسط أولئك أو قريب ـا ً منــه‪،‬‬
‫ويقيســون غيــر المنقــول عليــه‪ ،‬غيــر مقتصــرين علــى القيــاس‬
‫الجلي‪.‬‬
‫غ‬
‫مَعت فتاويه‪ ،‬ول تبلغ في التحاقها بالمــذهب مبلــ َ‬
‫ج ِ‬
‫ومنهم من ُ‬
‫فتاوى أصحاب الوجوه‪.‬‬
‫الحالــة الرابعــة‪ :‬أن يقــوم بحفــظ المــذهب ونقلــه وفهمــه فــي‬
‫الواضحات والمشكلت‪ ،‬ولكــن عنــده ضــعف فــي تقريــر أدلتــه‬
‫وتحريــر أقيســته‪ ،‬فهــذا يعتمــد نقلــه وفتــواه فيمــا يحكيــه مــن‬
‫مسطورات مذهبه‪ ،‬من نصوص إمامه‪ ،‬وتفريع المجتهــدين فــي‬
‫مذهبه‪.‬‬
‫وما ل يجده منقول ً إن وجد فــي المنقــول معنــاه‪ ،‬بحيــث يــدرك‬
‫بغير كبير فكر أّنه ل فرق بينهما‪ ،‬جــاز إلحــاقه بــه والفتــوى بــه‪،‬‬
‫وكذا ما يعلم انــدراجه تحــت ضــابط ممهــد فــي المــذهب‪ ،‬ومــا‬
‫ليس كذلك يجب إمساكه عن الفتوى فيه‪ ،‬ومثل هذا يقع نــادرا ً‬
‫في حــق المــذكور‪ ،‬إذ يبعــد كمــا قــال إمــام الحرميــن‪ :‬أن تقــع‬
‫مســألة لــم ينــص عليهــا فــي المــذهب‪ ،‬ول هــي فــي معنــى‬
‫المنصوص‪ ،‬ول مندرجة تحت ضابط‪.2‬‬
‫وشرطه كونه فقيه النفس ذا حظ وافر من الفقه‪.‬‬

‫وإن أشكلت كثيٌر من مسائل العصر‪ ،‬مما لم يكن في سابق العهد‪ ،‬لكن قواعد‬ ‫‪2‬‬

‫الصول وضوابط الفقه تلحق بها‪ ،‬وما أتي معاصرونا إل من ضعفهم في علوم‬
‫الولين‪ ،‬فيظنون أن أكثر المسائل ل وجود لنظائرها فيما سبق من علوم الئمة‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫قال أبو عمرو‪ :‬وأن يكتفي في حفظ المذهب في هــذه الحالــة‬
‫والتي قبلهــا بكــون المعظــم علــى ذهنــه‪ ،‬ويتمكــن لــدربته مــن‬
‫الوقوف على الباقي على قرب‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫فصل‬
‫]أصناف المفتين ومراتبهم[‬
‫ل صنف منها ُيشترط فيه‬ ‫ة‪ ،‬وك ّ‬
‫هذه أصناف المفتين وهي خمس ٌ‬
‫حفظ المذهب وفقه النفس‪ ،‬فمــن تصــدى للفتيــا وليــس بهــذه‬
‫الصفة فقد باء بأمر عظيم‪.‬‬
‫ولقد قطع إمام الحرمين وغيره بأن الصولي الماهر المتصرف‬
‫ل له الفتوى بمجرد ذلك‪ ،‬ولو وقعــت لــه واقعــة‬ ‫في الفقه ل يح ّ‬
‫ظار البحاث‪ ،‬مــن‬ ‫لزمه أن يسأل عنها‪ ،‬ويلتحق به المتصرف الن ّ‬
‫أئمة الخلف وفحول المنــاظرين; لنــه ليــس أهل ً لدراك حكــم‬
‫الواقعــة اســتقل ً‬
‫ل‪ ،‬لقصــور آلتــه‪ ،‬ول مــن مــذهب إمــام‪ ،‬لعــدم‬
‫حفظه له على الوجه المعتبر‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬من حفظ كتابا ً أو أكثر في المذهب وهــو قاصــر‪ ،‬لــم‬
‫يتصف بصفة أحد ممن سبق‪ ،‬ولم يجد العامي في بلــده غيــره‪،‬‬
‫هل له الرجوع إلى قوله ؟‬
‫ت يجــد الســبيل إليــه وجــب‬ ‫مف ٍ‬‫فالجواب‪ :‬إن كان في غير بلده ُ‬
‫التوصل إليه بحسب إمكانه‪ ،‬فــإن تعــذر ذكــر مســألته للقاصــر‪،‬‬
‫فإن وجدها بعينها فــي كتــاب موثــوق بصــحته وهــو ممــن ُيقبــل‬
‫خبره نقل له حكمه بنصــه‪ ،‬وكــان العــامي فيهــا مقل ّــدا ً صــاحب‬
‫المذهب‪.‬‬
‫قال أبو عمرو‪ :‬وهذا وجدّته فــي ضــمن كلم بعضــهم‪ ،‬والــدليل‬
‫يعضده‪ ،‬وإن لم يجدها مسطورة بعينها لم يقسها على مسطور‬
‫عنده‪ ،‬وإن اعتقده من قياس ل فارق‪ ،‬فإنه قد يتوهم ذلــك فــي‬
‫غير موضعه‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬هل لمقل ّدٍ أن يفتي بما هو مقلد فيه ؟‬

‫‪13‬‬
‫حِليمــي وأبــو محمــد الجــويني وأبــو‬
‫قلنا‪ :‬قطــع أبــو عبــد اللــه ال َ‬
‫المحاسن الّروياني وغيرهم بتحريمه‪ ،‬وقــال القفــال المــروزي‪:‬‬
‫يجوز‪.‬‬
‫ل من منعه معناه ل يذكره علــى صــورة مــن‬ ‫قال أبو عمرو‪ :‬قو ُ‬
‫يقوله من عند نفسه‪ ،‬بل يضيفه إلى إمامه الــذي قل ّــده‪ ،‬فعلــى‬
‫هذا من عددناه من المفــتين المقلــدين ليســوا مفــتين حقيقــة‪،‬‬
‫لكن لما قاموا مقامهم وأدوا عنهــم عــدوا معهــم‪ ،‬وســبيلهم أن‬
‫ل‪ :‬مذهب الشافعي كذا أو نحو هذا‪ ،‬ومــن تــرك منهــم‬ ‫يقولوا مث ً‬
‫الضافة فهو اكتفاء بالمعلوم مــن الحــال عــن التصــريح بــه‪ ،‬ول‬
‫بأس بذلك‪.‬‬
‫وذكر صاحب الحاوي في العامي إذا عرف حكم حادثة بناء‬
‫على دليلها ثلثة أوجه‪ :‬أحدها‪ :‬يجوز أن يفتي به ويجوز تقليده ;‬
‫لنه وصل إلى علمه‪ .‬كوصول العالم‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬يجوز إن كـان دليلهـا كتابـا ً أو سـنة‪ ،‬ول يجــوز إن كـان‬
‫غيرهما‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬ل يجوز مطلقًا‪ ،‬وهو الصح والله أعلم‪.‬‬
‫فصل‬
‫في أحكام المفتين‬
‫فيه مسائل‪:‬‬
‫إحداها‪ :‬الفتاء فرض كفاية‪ ،‬فإذا استفتي وليــس فــي الناحيــة‬
‫غيره تعّين عليه الجواب‪ ،‬فإن كان فيها غيره وحضرا فــالجواب‬
‫في حقهما فرض كفاية‪ ،‬وإن لم يحضر غيره فوجهان أصــحهما‪:‬‬
‫ل يتعين لما سبق عــن ابــن أبــي ليلــى‪ ،‬والثــاني‪ :‬يتعيــن‪ ،‬وهمــا‬
‫كالوجهين في مثله في الشهادة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ما لم يقع لم يجب جوابه‪.‬‬
‫ولو سأل عامي ع ّ‬
‫الثانية‪ :‬إذا أفتى بشــيء ثــم رجــع عنــه فــإن علــم المســتفتي‬
‫برجوعه‪ ،‬ولم يكن عمل بالول لم يجز العمل به‪ ،‬وكذا إن نكــح‬
‫بفتواه واستمر على نكاح بفتواه ثم رجع‪ ،‬لزمــه مفارقتهــا كمــا‬
‫لو تغير اجتهاد من قّلده في القبلة فــي أثنــاء صــلته‪ ،‬وإن كــان‬
‫عمل قبل رجوعه فإن خالف دليل ً قاطعا ً لزم المستفتي نقــض‬
‫عمله ذلك‪ ،‬وإن كــان فـي محـل اجتهــاد لــم يلزمــه نقضــه; لن‬
‫الجتهاد ل ينقض بالجتهاد‪.‬‬
‫وهذا التفصيل ذكره الصيمري والخطيب وأبــو عمــرو‪ ،‬واتفقــوا‬
‫عليه‪ ،‬ول أعلم خلفه‪ ،‬ومـا ذكـره الغزالـي والــرازي ليــس فيـه‬
‫تصريح بخلفه‪.‬‬
‫م‪ ،‬فرجــع لكــونه‬
‫قال أبو عمرو‪ :‬وإذا كان ُيفتي على مذهب إمــا ٍ‬
‫بان له قطعا ً مخالفة نص مذهب إمامه‪ ،‬وجب نقضــه وإن كــان‬
‫ن نــص مــذهب إمــامه فــي حقــه كنــص‬ ‫فــي محــل الجتهــاد; ل ّ‬
‫الشارع في حق المجتهد المستقل‪.‬‬
‫أما إذا لم يعلم المستفتي برجوع المفتي فحال المستفتي فــي‬
‫علمه كما قبل الرجوع‪ ،‬ويلزم المفتي إعلمه قبل العمل‪ ،‬وكــذا‬
‫بعده حيث يجب النقض‪.‬‬
‫وإذا عمل بفتواه فــي إتلف فبــان خطــؤه وأنــه خــالف القــاطع‬
‫فعن الستاذ أبي إسحاق أنــه يضــمن إن كــان أهل ً للفتــوى‪ ،‬ول‬
‫صر‪ .‬كذا حكــاه الشــيخ‬ ‫ل; لن المستفتي ق َ‬ ‫يضمن إن لم يكن أه ً‬
‫ّ‬
‫ل وينبغي أن يخــرج الضــمان‬ ‫مشك ِ ٌ‬
‫أبو عمرو وسكت عليه‪ ،‬وهو ُ‬
‫علــى قــولي الغــرور المعــروف فــي بــابي الغصــب والنكــاح‬
‫وغيرهما‪ ،‬أو يقطع بعدم الضمان ; إذ ليــس فــي الفتــوى إلــزام‬
‫ول إلجاء‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الثالثة‪ :‬يحــرم التســاهل فــي الفتــوى‪ ،‬ومــن عــرف بــه حــرم‬
‫رع بــالفتوى قبــل‬‫استفتاؤه‪ ،‬فمن التســاهل‪ :‬أن ل يتثبــت‪ ،‬وُيسـ ِ‬
‫اســتيفاء حّقهــا مــن النظــر والفكــر‪ ،‬فــإن تقــدمت معرفتــه‬
‫بالمسؤول عنه فل بأس بالمبادرة‪ ،‬وعلــى هــذا يحمــل مــا نقــل‬
‫عن الماضين من مبادرة‪.‬‬
‫ومن التساهل أن تحمله الغــراض الفاســدة علــى تتبــع الحيــل‬
‫المحّرمة أو المكروهة‪ ،‬والتمسك بالشبه طلب ـا ً للــترخيص لمــن‬
‫يروم نفعه‪ ،‬أو التغليظ على من يريد ضره‪.‬‬
‫ح قصده فاحتسب فــي ط َل َـ ِ‬
‫ب حيلـةٍ ل شــبهة فيهــا‪،‬‬ ‫ص ّ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫وأما َ‬
‫لتخليص من ورطة يمين ونحوهــا فــذلك حســن جميــل‪ ،‬وعليــه‬
‫يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحــو هــذا‪ ،‬كقــول ســفيان‪:‬‬
‫ما العلم عندنا الرخصة من ثقة‪ ،‬فأما التشـديد فيحســنه كــل‬ ‫"إن ّ‬
‫أحد"‪.‬‬
‫سريجية فــي‬
‫ومن الحيل التي فيها شبهة ويذم فاعلها‪ :‬الحيلة ال ّ‬
‫سد ّ باب الطلق‪.‬‬
‫خُلقه‪ ،‬وتشــغل قلبــه‪،‬‬ ‫الرابعة‪ :‬ينبغي أن ل يفتي في حال تغّير ُ‬
‫ويمنعه التأمل‪ ،‬كغضب‪ ،‬وجوع‪ ،‬وعطش‪ ،‬وحزن‪ ،‬وفــرح غــالب‪،‬‬
‫ونعــاس‪ ،‬أو ملــل‪ ،‬أو حــر مزعــج أو مــرض مــؤلم‪ ،‬أو مدافعــة‬
‫دث‪ ،‬وكل حال يشتغل فيه قلبه ويخرج عن حد العتدال‪ ،‬فإن‬ ‫ح َ‬
‫َ‬
‫أفــتى فـي بعــض هــذه الحــوال وهــو ي َـَرى أنــه لــم يخــرج عــن‬
‫الصواب جاز وإن كان مخاطرا ً بها !!‬
‫دي للفتــوى أن يتــبرع َ بـذلك‪ ،‬ويجــوز‬ ‫الخامسة‪ :‬المختار للمتص ّ‬
‫أن يأخــذ عليــه رزقـا ً مــن بيــت المــال‪ ،‬إل أن يتعي ّــن عليــه ولــه‬
‫كفاية‪ ،‬فيحرم على الصحيح‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ثم إن كان له رزقٌ لم يجز أخــذ أجــرة أص ـ ً‬
‫ل‪ ،‬وإن لــم يكــن لــه‬
‫ن يفــتيه علــى الصــح‬‫مـ ْ‬
‫رزق فليس له أخــذ أجــرة مــن أعيــان َ‬
‫كالحاكم‪.‬‬
‫واحتال الشيخ أبو حــاتم القزوينــي مــن أصــحابنا فقــال‪ :‬لــه أن‬
‫يقــول‪ :‬يلزمنــي أن أفتيــك قــو ً‬
‫ل‪ ،‬وأمــا كتابــة الخــط فل‪ ،‬فــإذا‬
‫استأجره على كتابة الخط جاز‪.‬‬
‫قال الصيمري والخطيب‪ :‬لو اتفق أهل البلــد فجعلــوا لــه رزقـا ً‬
‫من أموالهم على أن يتفرغ لفتاويهم جاز‪.‬‬
‫سمعاني له قبولها‪ ،‬بخلف الحــاكم‬
‫أما الهدية فقال أبو مظفر ال ّ‬
‫فإنه يلزم حكمه‪.‬‬
‫عمرو‪ :‬ينبغي أن يحرم قبولها إن كانت رشوة علــى أن‬‫قال أبو َ‬
‫يفتيه بما يريد كما في الحاكم وسائر ما ل يقابل بعوض‪.‬‬
‫قــال الخطيــب‪ :‬وعلــى المــام أن يفــرض لمــن نصــب نفســه‬
‫لتدريس الفقه والفتوى في الحكــام مــا يغنيــه عــن الحــتراف‪،‬‬
‫ويكــون ذلــك مــن بيــت المــال‪ ،‬ثــم روى بإســناده أن عمــر بــن‬
‫ل ممن هذه صفته مــائة‬ ‫ل رج ٍ‬‫الخطاب رضي الله عنه أعطى ك ّ‬
‫دينار في السنة‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬ل يجوز أن يفتي في اليمان والقرار ونحوهما مما‬
‫يتعلق باللفاظ إل أن يكــون مــن أهــل بلــد اللفــظ‪ ،‬أو متَنـ ـّزل ً‬
‫منـزلتهم في الخبرة بمرادهم من ألفاظهم وعرفهم فيها‪.‬‬
‫السابعة‪ :‬ل يجوز لمن كانت فتواه نقل ً لمذهب إمام إذا اعتمد‬
‫ق بصــحته‪ ،‬وبــأنه مــذهب‬
‫الكتب أن يعتمد إل علــى كتــاب موثــو ٍ‬
‫ذلك المام‪ ،‬فإن وثق بأن أصل التصنيف بهذه الصــفة لكــن لــم‬
‫تكن هذه النسخة معتمدة‪ ،‬فليستظهر بنسخ منــه مّتفقــة‪ ،‬وقــد‬
‫تحصل له الثقة من نسخة غير موثوق بها فــي بعــض المســائل‬

‫‪17‬‬
‫إذا رأى الكلم منتظما ً وهو خــبير فَط ِــن ل يخفــى عليــه لــدربته‬
‫موضع السقاط والتغيير‪.‬‬
‫فإن لم يجده إل في نسخة غيــر موثـوق بهــا فقــال أبــو عمــرو‪:‬‬
‫ينظر فإن وجده موافقا ً لصول المذهب‪ ،‬وهو أهل لتخريج مثله‬
‫في المذهب لو لــم يجــده منقــول ً فلــه أن يفــتي بــه‪ .‬فــإن أراد‬
‫حكــايته عــن قــائله فل يقــل‪ :‬قــال الشــافعي مثل ً كــذا‪ ،‬وليقــل‪:‬‬
‫ت عن الشافعي كذا‪ ،‬أو بلغني عنه‪ ،‬ونحو هذا‪.‬‬ ‫َوجد ّ‬
‫وإن لم يكن أهل ً لتخريج مثله لم يجز له ذلك‪ ،‬فإن سبيله النقل‬
‫المحض‪ ،‬ولم يحصل ما يجوز لــه ذلــك‪ ،‬ولــه أن يــذكره ل علــى‬
‫صحا ً بحــاله‪ ،‬فيقــول‪ :‬وجــدته فــي نســخة مــن‬
‫مف ِ‬
‫سبيل الفتوى ُ‬
‫الكتاب الفلني ونحوه‪.‬‬
‫ت على مذهب الشافعي إذا اعتمد النقــل أن‬ ‫ت‪ :‬ل يجوز لمف ٍ‬‫قل ُ‬
‫ف ومصنفين ونحوهما من كتب المتقــدمين وأكــثر‬ ‫يكتفي بمصن ّ ٍ‬
‫المتأخرين لكثرة الختلف بينهم في الجزم والترجيــح; لن هــذا‬
‫المفتي المــذكور إنمــا ينقــل مــذهب الشــافعي‪ ،‬ول يحصــل لــه‬
‫وثوق بأن ما فــي المصــنفين المــذكورين ونحوهمــا هــو مــذهب‬
‫الشافعي‪ ،‬أو الراجح منه; لما فيهما من الختلف‪.‬‬
‫وهذا مما ل يتشكك فيه من لـه أدنـى أنـس بالمـذهب‪ ،‬بـل قـد‬
‫يجزم نحو عشرة من المصنفين بشيء وهو شاذ ٌ بالنســبة إلــى‬
‫ف لما عليه الجمهور‪ ،‬وربمــا خــالف‬
‫الراجح في المذهب‪ ،‬ومخال ٌ‬
‫ص الشافعي أو نصوصا ً له‪ ،‬وسترى في هــذا الشــرح إن شــاء‬‫ن ّ‬
‫الله تعالى أمثلة ذلك‪ ،‬وأرجو إن تم هذا الكتاب أنه يستغنى بــه‬
‫عن كل مصّنف ويعلم به مذهب الشافعي علما ً قطعيا ً إن شــاء‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫الثامنة‪ :‬إذا أفتى في حادثة ثم حدثت مثلها‪ ،‬فإن ذكر الفتــوى‬
‫الولى ودليلها بالنسبة إلــى أصــل الشــرع إن كــان مســتق ً‬
‫ل‪ ،‬أو‬

‫‪18‬‬
‫إلى مذهبه إن كان منتسبًا‪ ،‬أفتى بذلك بل نظر‪ ،‬وإن ذكرها ولم‬
‫يذكر دليلها ول طرأ ما يوجب رجوعه‪ ،‬فقيل‪ :‬له أن يفتي بذلك‪،‬‬
‫والصح وجوب تجديد النظر‪.‬‬
‫ومثله القاضــي إذا حكــم بالجتهــاد ثــم وقعــت المســألة‪ ،‬وكــذا‬
‫تجديــد الطلــب فــي الــتيمم‪ ،‬والجتهــاد فــي القبلــة‪ ،‬وفيهمــا‬
‫الوجهان‪.‬‬
‫قال القاضي أبــو الطيــب فــي تعليقــه فــي آخــر بــاب اســتقبال‬
‫القبلة‪ :‬وكذا العامي إذا وقعت له مسألة فسأل عنها ثم وقعــت‬
‫له فليلزمه السؤال ثانيا ً يعنــي علــى الصــح قــال‪ :‬إل أن تكــون‬
‫مسألة يكثر وقوعها ويشق عليه إعادة السؤال عنها‪ ،‬فل يلزمه‬
‫ذلك‪ ،‬ويكفيه السؤال الول للمشقة‪.‬‬
‫التاســعة‪ :‬ينبغــي أن ل يقتصــر فــي فتــواه علــى قــوله‪ :‬فــي‬
‫المسألة خلف‪ ،‬أو قولن‪ ،‬أو وجهان‪ ،‬أو روايتان‪ ،‬أو يرجــع إلــى‬
‫رأي القاضي‪ ،‬ونحــو ذلــك‪ ،‬فهذا ليــس بجــواب‪ ،‬ومقصــود‬
‫المستفتي بيان ما يعمل به‪ ،‬فينبغي أن يجزم له بمــا‬
‫قــف حــتى يظهــر‪ ،‬أو‬ ‫هو الراجــح‪ ،‬فــإن لــم يعرفــه تو ّ‬
‫يترك الفتاء كما كان جماعة من كبار أصحابنا يمتنعــون مــن‬
‫الفتاء في حنث الناسي‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫فصل‬
‫في آداب الفتوى‬
‫فيه مسائل‬
‫إحداها‪ :‬يلزم المفتي أن يبين الجواب بيانا ً يزيل الشكال‪ ،‬ثم‬
‫له القتصار على الجواب شفاهًا‪ .‬فإن لم يعرف لسان‬
‫ة‪،‬‬
‫المستفتي كفاه ترجمة ثقة واحد; لنه خبر‪ ،‬وله الجواب كتاب ً‬
‫وإن كانت الكتابة على خطر‪.‬‬
‫وكان القاضي أبو حامد كثير الهرب من الفتوى في الّرقاع‪.‬‬
‫قال الصيمري‪ :‬وليس من الدب كــون الســؤال بخــط المفــتي‪،‬‬
‫فأما بإملئه وتهذيبه فواسع‪ ،‬وكان الشيخ أبو إسحاق الشيرازي‬
‫قد يكتب السؤال على ورق له‪ ،‬ثم يكتب الجواب‪ .‬وإذا كان في‬
‫الرقعة مسائل فالحسن ترتيب الجواب على ترتيــب الســؤال‪،‬‬
‫ولو ترك الترتيب فل بأس‪ ،‬ويشبه معنى قول الله تعالى‪) :‬يــوم‬
‫تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الــذين اســودت(‪ ،‬وإذا كــان فــي‬
‫المسألة تفصيل لم يطلق الجواب فإنه خطأ‪.‬‬
‫ثم له أن يستفصل السائل إن حضر‪ ،‬ويقيد السؤال فــي رقعــة‬
‫أخرى ثم يجيب‪ ،‬وهذا أولى وأسلم‪ ،‬وله أن يقتصر على جــواب‬
‫أحد القسام إذا علم أنه الواقع للســائل‪ ،‬ويقــول‪ :‬هــذا إذا كــان‬
‫م كـ ّ‬
‫ل‬ ‫صل القسام في جوابه‪ ،‬ويــذكر حك ـ َ‬ ‫المر كذا‪ ،‬وله أن يف ّ‬
‫قسم‪.‬‬
‫لكن هذا كرهه أبو الحسن القابسي من أئمة المالكيــة وغيــره‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬هذا تعليم الناس الفجور‪.‬‬
‫صل القسام واجتهد في بيانها‬
‫وإذا لم يجد المفتي من يسأله ف ّ‬
‫واستيفائها‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫الثانية‪ :‬ليس له أن يكتب الجواب على مــا علمــه مــن صــورة‬
‫الواقعة إذا لم يكن في الرقعة تعّرض له‪ ،‬بل يكتــب جــواب مــا‬
‫في الرقعة‪ ،‬فــإن أراد جــواب مــا ليــس فيهــا فليقــل‪ :‬وإن كــان‬
‫المر كذا وكذا‪ ،‬فجوابه كذا‪.‬‬
‫واستحب العلماء أن يزيد على ما في الرقعة ما لــه تعل ّــق بهــا‪.‬‬
‫مما يحتاج إليه السائل لحديث‪) :‬هو الطهور ماؤه الحل ميتته(‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬إذا كان المستفتي بعيد الفهم فليرفقْ به‪ ،‬ويصبر على‬
‫تفهم سؤاله‪ ،‬وتفهيم جوابه‪ ،‬فإن ثوابه جزيل‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬ليتأمل الرقعة تأمل ً شافيًا‪ ،‬وآخُرها آكد‪ ،‬فإن الســؤال‬
‫في آخرها‪ ،‬وقد يتقيد الجميع بكلمة في آخرها ويغفل عنها‪.‬‬
‫قال الصيمري‪ :‬قال بعض العلماء‪ :‬ينبغي أن يكــون تــوقفه فــي‬
‫المسألة الســهلة كالصــعبة ليعتــاده‪ ،‬وكــان محمــد بــن الحســن‬
‫يفعله‪.‬‬
‫وإذا وجد كلمة مشتبهة سأل المستفتي عنها ونّقطهــا وشــكلها‪،‬‬
‫وكذا إن وجد لحنا ً فاحشـا ً أو خطـأ يحيـل المعنـى أصـلحه‪ ،‬وإن‬
‫رأى بياضا ً في أثناء ســطر أو آخــره خــط عليــه أو شــغله; لن ّــه‬
‫ربما قَ َ‬
‫صد المفتى باليــذاء‪ ،‬فكتــب فــي البيــاض بعــد فتــواه مــا‬
‫يفسدها‪ ،‬كما بلي به القاضي أبو حامد المروروذي‪.‬‬
‫مــن هــو أهــل‬
‫الخامسة‪ :‬يستحب أن يقرأهــا علــى حاضــريه م ّ‬
‫لـذلك‪ ،‬ويشـاورهم ويبـاحثهم برفـق وإنصـاف‪ ،‬وإن كـانوا دونـه‬
‫وتلمذته؛ للقتداء بالسلف‪ ،‬ورجاء ظهور ما قد يخفى عليــه‪ ،‬إل‬
‫أن يكون فيها ما يقبح إبداؤه‪ ،‬أو يــؤثر الســائل كتمــانه‪ ،‬أو فــي‬
‫إشاعته مفسدة‪.‬‬
‫ح وسط‪ ،‬ل دقيــق خــاف‪،‬‬ ‫السادسة‪ :‬ليكتب الجواب بخط واض ٍ‬
‫ول غليظ جاف‪ ،‬ويتوسط في سطورها بين توسيعها وتضــييقها‪،‬‬

‫‪21‬‬
‫وتكــون عبــارة واضــحة صــحيحة تفهمهــا العامــة ول يزدريهــا‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫واستحب بعضهم أن ل تختلف أقلمه وخطه ; خوفا ً من التزوير‬
‫; ولئل يشتبه خطه‪ ،‬قال الصيمري‪ :‬قل ما وجد التزوير على‬
‫س أمر الدين‪.‬‬
‫حَر َ‬
‫المفتي ; لن الله تعالى َ‬
‫وإذا كتب الجواب أعاد نظره فيه; خوفا ً من اختلل وقع فيه‪ ،‬أو‬
‫إخلل ببعض المسؤول عنه‪.‬‬
‫السابعة‪:‬إذا كان هو المبتدي فالعادة قــديما ً وحــديثا ً أن يكتــب‬
‫في الناحية اليسرى من الورقة‪.‬‬
‫قال الصيمري وغيره‪ :‬وإن كتب من وسط الرقعــة أو حاشــيتها‬
‫فل عتب عليه‪ ،‬ول يكتب فوق البسملة بحال‪ ،‬وينبغــي أن يــدعو‬
‫إذا أراد الفتاء‪.‬‬
‫وجاء عن مكحول ومالك ‪-‬رحمهما الله‪ -‬أنهما كانا ل يفتيان‬
‫حتى يقول‪ :‬ل حول ول قوة إل بالله‪.‬‬
‫ويستحب الستعاذة من الشيطان‪ ،‬ويسمي الله تعالى ويحمده‪،‬‬
‫ويصلي على النبي صلى الله عليه وســلم وليقــل‪) :‬رب اشــرح‬
‫لي صدري( الية ونحو ذلك‪.‬‬
‫قــال الصــيمري‪ :‬وعــادة كــثيرين أن يبــدءوا فتــاويهم‪) :‬الجــواب‬
‫وبالله التوفيق(‪ ،‬وحذف آخرون ذلك‪ ،‬قال‪ :‬ولو عمل ذلك فيمــا‬
‫طال من المسائل واشتمل علــى فصــول‪ ،‬وحــذف فــي غيــره‪،‬‬
‫كان وجهًا‪.‬‬
‫ت‪ :‬المختار قول ذلك مطلقًا‪ ،‬وأحسنه البتداء بقول‪) :‬الحمــد‬ ‫قل ُ‬
‫ل أمر ذي بال ل يبدأ بالحمد للــه فهــو أجــذم(‪،‬‬ ‫لله(‪ ،‬لحديث‪) :‬ك ُ ّ‬
‫وينبغي أن يقوله بلسانه ويكتبه‪ ،‬قــال الصــيمري‪ :‬ول يــدع ختــم‬
‫جوابه بقــوله‪) :‬وبــالله التوفيــق(‪ ،‬أو‪) :‬واللــه أعلــم(‪ ،‬أو‪) :‬واللــه‬
‫‪22‬‬
‫الموفــق(‪ ،‬قــال‪ :‬ول يقبــح قــوله‪) :‬الجــواب عنــدنا(‪ ،‬أو‪) :‬الــذي‬
‫عندنا(‪ ،‬أو‪) :‬الذي نقول به(‪ ،‬أو‪) :‬نذهب إليــه(‪ ،‬أو‪) :‬نــراه كــذا(‪،‬‬
‫لنه من أهل ذلك‪ ،‬قال‪ :‬وإذا أغفــل الســائل الــدعاء للمفــتي أو‬
‫الصلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الفتــوى‬
‫ألحق المفتي ذلك بخطه‪ ،‬فإن العادة جارية به‪.‬‬
‫ت‪ :‬وإذا ختم الجواب بقوله‪) :‬والله أعلم( ونحوه مما سبق‬ ‫قل ُ‬
‫فليكتب بعده‪ :‬كتبه فلن‪ ،‬أو‪ :‬فلن بــن فلن الفلنــي‪ ،‬فينتســب‬
‫إلــى مــا يعــرف بــه مــن قبيلــة أو بلــدة أو صــفة‪ ،‬ثــم يقــول‪:‬‬
‫ل‪ ،‬فإن كان مشــهورا ً بالســم أو غيــره‬ ‫الشافعي‪ ،‬أو‪ :‬الحنفي مث ً‬
‫فل بأس بالقتصار عليه‪.‬‬
‫قـال الصــيمري‪ :‬ورأى بعضـهم أن يكتـب المفــتي بالمــداد دون‬
‫الحبر خوفا ً من الحك‪ ،‬قال‪ :‬والمستحب الحبر ل غير‪.‬‬
‫ت‪ :‬ل يختص واحد منهما هنا بالستحباب‪ ،‬بخلف كتب العلم‪،‬‬ ‫قل ُ‬
‫فالمستحب فيها الحبر; لنها تراد ُ للبقاء‪ ،‬والحبر أبقى‪.‬‬
‫قال الصيمري‪ :‬وينبغي إذا تعلقت الفتــوى بالســلطان أن يــدعو‬
‫له فيقول‪) :‬وعلى ولي المر أو السلطان أصلحه الله أو سدده‬
‫الله أو قوى الله عزمه أو أصلح الله به‪ ،‬أو شد اللــه أزره(‪ ،‬ول‬
‫يقل‪) :‬أطال الله بقاءه(‪ ،‬فليست من ألفاظ السلف‪.‬‬
‫حاس وغيره اتفاق العلماء علــى كراهــة‬ ‫ت‪ :‬نقل أبو جعفر الن ّ ّ‬
‫قل ُ‬
‫قول‪) :‬أطال الله بقاءك(‪ ،‬وقــال بعضــهم‪ :‬هــي تحيــة الزنادقــة‪،‬‬
‫وفي صحيح مسلم في حديث أم حبيبة رضي الله عنهــا إشــارة‬
‫إلى أن الولى ترك نحو هذا من الدعاء بطول البقاء وأشباهه‪.‬‬
‫الثامنة‪ :‬ليختصر جوابه ويكون بحيث تفهمه العامة‪.‬‬
‫قال صاحب الحاوي‪ :‬يقول‪ :‬يجوز‪ ،‬أو ل يجوز‪ ،‬أو حق‪ ،‬أو باطل‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫وحكى شيخه الصيمري عن شيخه القاضي أبي حامد أنــه كــان‬
‫يختصر غاية ما يمكنه‪ ،‬واستفتي في مسألة آخرهــا‪ :‬يجــوز أم ل‬
‫؟ فكتب‪) :‬ل‪ ،‬وبالله التوفيق(‪.‬‬
‫التاسعة‪ :‬قال الصيمري والخطيب‪ :‬إذا سئل عمــن قــال‪) :‬أنــا‬
‫أصدق من محمد بن عبد الله(‪ ،‬أو )الصلة لعب(‪ ،‬وشــبه ذلــك‪،‬‬
‫فل يبادر بقوله‪ :‬هذا حلل الدم أو‪ :‬عليــه القتــل‪ ،‬بــل يقــول‪ :‬إن‬
‫صح هذا بإقراره‪ ،‬أو بالبينة‪ ،‬استتابه السلطان‪ ،‬فإن تــاب قبلــت‬
‫توبته‪ ،‬وإن لم يتب فعل به كذا وكذا‪ ،‬وبالغ في ذلك وأشبعه‪.‬‬
‫من تكلم بشيء‪ ،‬يحتمل وجوها ً يكفــر ببعضــها‬ ‫قال‪ :‬وإن سئل ع ّ‬
‫دون بعــض قــال‪ :‬يســأل هــذا القــائل‪ .‬فــإن قــال‪ :‬أردت كــذا‪،‬‬
‫فالجواب كذا‪.‬‬
‫وإن ســئل عمــن قتــل أو قلــع عينــا ً أو غيرهــا احتــاط‪ ،‬فــذكر‬
‫الشروط التي يجب بجميعها القصاص‪.‬‬
‫وإن سئل عمن فعل ما يوجب التعزير‪ ،‬ذكر ما يعزر به فيقول‪:‬‬
‫يضــربه الســلطان كــذا وكــذا‪ ،‬ول يــزاد علــى كــذا‪ ،‬هــذا كلم‬
‫الصيمري والخطيب وغيرهما‪.‬‬
‫قال أبو عمرو‪ :‬ولو كتب‪ :‬عليه القصــاص‪ ،‬أو التعزيــر بشــرطه‪،‬‬
‫فليس ذلك بــإطلق‪ ،‬بــل تقييــده بشــرطه يحمــل الــوالي علــى‬
‫السؤال عن شرطه والبيان أولى‪.‬‬
‫العاشرة‪ :‬ينبغي إذا ضاق موضع الجواب أن ل يكتبه في رقعة‬
‫أخرى خوفا ً من الحيلة‪ ،‬ولهذا قالوا‪ :‬يصــل جــوابه بــآخر ســطر‪،‬‬
‫ول يدع فرجة; لئل يزيد السائل شيئا ً يفسدها‪ ،‬وإذا كـان موضـع‬
‫الجواب ورقة ملصــقة كتــب علــى اللصــاق‪ ،‬ولــو ضــاق بــاطن‬
‫الرقعة وكتب الجواب في ظهرها كتبه في أعلهــا إل أن يبتــدئ‬
‫من أسفلها متصل ً بالستفتاء فيضيق الموضع فيتمه في أســفل‬
‫ظهرها ليتصل جوابه‪ ،‬واختار بعضهم أن يكتــب علــى ظهرهــا ل‬
‫‪24‬‬
‫على حاشيتها‪ ،‬والمختار عند الصيمري وغيره أن حاشيتها أولى‬
‫من ظهرها‪ ،‬قال الصيمري وغيره‪ :‬والمر في ذلك قريب‪.‬‬
‫الحادية عشرة‪ :‬إذا ظهــر للمفــتي أن الجــواب خلف غــرض‬
‫المســتفتي وأنــه ل يرضــى بكتــابته فــي ورقتــه فليقتصــر علــى‬
‫مشافهته بالجواب‪ ،‬وليحذر أن يميل في فتواه مع المستفتي أو‬
‫خصمه‪ ،‬ووجوه الميل كثيرة ل تخفى‪ ،‬منها أن يكتب في جــوابه‬
‫ما هو له ويترك ما عليه‪ ،‬وليس له أن يبدأ فــي ســائل الــدعوى‬
‫والبينات بوجوه المخالص منها‪.‬‬
‫وإذا سأله أحدهم وقال‪ :‬أي شيء تندفع دعــوى كــذا وكــذا ؟ أو‬
‫بينة كذا ؟ لم يجبه كي ل يتوصل بذلك إلى إبطال حق‪ ،‬ولــه أن‬
‫يسأله عن حاله فيما ادعى عليه‪ ،‬فإذا شرحه عرفه بما فيه من‬
‫دافع وغير دافع‪.‬‬
‫قال الصيمري‪ :‬وينبغي للمفتي إذا رأى للسائل طريق ـا ً يرشــده‬
‫إليه ينبهه عليه‪ ،‬يعني ما لم يضر غيره ضــررا ً بغيــر حــق‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫ف ينفق على زوجته شهرًا‪ ،‬يقول‪ :‬يعطيها من صــداقها‬ ‫حل َ َ‬
‫كمن َ‬
‫أو قرضا ً أو بيعا ً يبريها‪ ،‬وكما حكي أن رجل ً قــال لبــي حنيفــة ‪-‬‬
‫ت أني أطأ امرأتي في نهار رمضــان ول أكفــر‬ ‫رحمه الله‪ :-‬حلف ُ‬
‫ول أعصي‪ ،‬فقال‪ :‬سافر بها‪.‬‬
‫الثانية عشرة‪ :‬قال الصــيمري إذا رأى المفــتي المصــلحة أن‬
‫ظ وهو مما ل يعتقد ظــاهره‪ ،‬ولــه فيــه‬‫يفتي لعامي بما فيه تغلي ٌ‬
‫تأويل‪ ،‬جاز ذلك زجرا ً له‪ ،‬كما روي عن ابن عبــاس رضــي اللــه‬
‫عنهما أنه سئل عن توبة قاتل فقال‪) :‬ل توبــة لــه( وســأله آخــر‬
‫فقال‪) :‬له توبــة( ثــم قــال‪" :‬أمــا الول فرأيــت فــي عينــه إرادة‬
‫ل فلم أقنطه "‪.‬‬ ‫القتل فمنعته‪ ،‬وأما الثاني فجاء مستكينا ً قد ض ّ‬
‫ت عبدي علي‬‫قال الصيمري‪ :‬وكذا إن سأله رجل فقال‪ :‬إن قتل ُ‬
‫قصاص؟ فواسع أن يقول‪ :‬إن قتلـت عبـدك قتلنـاك‪ ،‬فقـد روي‬

‫‪25‬‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬من قتل عبده قتلنــاه"‪ ،‬ولن‬
‫القتل له معان‪ :‬ولو سئل عن سب الصحابي هل يــوجب القتــل‬
‫؟ فواسع أن يقول‪ :‬عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫مــن ســب أصــحابي فــاقتلوه"‪ ،‬فيفعــل كــل هــذا; زجــرا ً‬
‫قال‪َ " :‬‬
‫ل دينه ومروءته‪.‬‬‫للعامة‪ ،‬ومن قَ ّ‬
‫الثالثــة عشــرة‪ :‬يجــب علــى المفــتي عنــد اجتمــاع الّرقــاع‬
‫بحضرته أن يقدم الســبق فالســبق‪ ،‬كمــا يفعلــه القاضــي فــي‬
‫الخصوم‪ ،‬وهذا فيمــا يجــب فيــه الفتــاء‪ ،‬فــإن تســاووا أو جهــل‬
‫السابق قدم بالقرعة‪.‬‬
‫والصحيح أنه يجوز تقديم المــرأة والمســافر الــذي ش ـد ّ رحلــه‪،‬‬
‫وفـي تـأخيره ضــرر بتخلفــه عــن رفقتــه ونحــو ذلـك علــى مـن‬
‫سبقهما‪ ،‬إل إذا كثر المسافرون والنساء‪ ،‬بحيــث يلحــق غيرهــم‬
‫بتقديمهم ضرٌر كثير فيعود بالتقــديم بالســبق أو القرعــة‪ .‬ثــم ل‬
‫يقدم أحدا ً إل في فتيا واحدة‪.‬‬
‫الرابعة عشرة‪ :‬قــال الصــيمري وأبــو عمــرو‪ :‬إذا ســئل عــن‬
‫ث فليست العادة أن يشترط في الورثة عدم الرق والكفر‬ ‫ميرا ٍ‬
‫والقتل‪ ،‬وغيرها من موانع الميراث‪ ،‬بل المطلق محمــول علــى‬
‫ذلك بخلف ما إذا أطلق الخوة والخوات والعمام وبنيهــم‪ ،‬فل‬
‫بد أن يقول في الجــواب‪ :‬مــن أب وأم‪ ،‬أو مــن أب‪ ،‬أو مــن أم‪،‬‬
‫وإذا سئل عن مسألة عول كالمنبرية‪ ،‬وهي زوجة وأبوان وبنتان‬
‫فل يقل‪ :‬للزوجة الثمــن‪ ،‬ول التســع; لنــه لــم يطلقــه أحـد ٌ مــن‬
‫ل‪ ،‬وهي ثلثة أسهم من ســبعة‬ ‫السلف‪ ،‬بل يقول‪ :‬لها الثمن عائ ً‬
‫وعشرين‪ ،‬أو لها ثلثة أسهم من سبعة وعشرين‪ ،‬أو يقــول‪ :‬مــا‬
‫قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضــي اللــه عنــه‪ :‬صــار‬
‫ثمنها تسعًا‪.‬‬
‫ن ل يرث أفصــح‬
‫م ْ‬
‫وإذا كان في المذكورين في رقعة الستفتاء َ‬
‫بسقوطه فقال‪ :‬وسقط فلن‪ ،‬وإن كان سقوطه في حــال دون‬
‫‪26‬‬
‫حال قــال‪ :‬وســقط فلن فــي هــذه الصــورة أو نحــو ذلــك ; لئل‬
‫يتوهم أنه ل يرث بحال‪.‬‬
‫وإذا ســئل عــن إخــوة وأخــوات‪ ،‬أو بنيــن وبنــات‪ ،‬فل ينبغــي أن‬
‫يقول‪ :‬للــذكر مثــل حــظ النــثيين‪ ،‬فــإن ذلــك قــد يشــكل علــى‬
‫العامي‪ ،‬بل يقول‪ :‬يقتسمون التركة على كذا وكذا سهمًا‪ ،‬لكــل‬
‫ذ َك َرٍ كذا وكذا سهمًا‪ ،‬ولكل أنثى كذا وكذا سهمًا‪.‬‬
‫قال الصيمري‪ :‬قال الشيخ‪ :‬ونحن نجد فــي تعمــد العــدول عنــه‬
‫حزازة في النفس‪ ،‬لكونه لفظ القرآن العزيز‪ ،‬وأنه قّلما يخفــى‬
‫معناه على أحد‪.‬‬
‫وينبغي أن يكون في جواب مسائل المناسخات شديد التحرز‬
‫والتحفظ‪ ،‬وليقل فيها لفلن كذا وكذا ميراثه من أبيــه‪ ،‬ثــم مــن‬
‫أخيه‪.‬‬
‫قال الصيمري‪ :‬وكان بعضهم يختــار أن يقــول‪ :‬لفلن كــذا وكــذا‬
‫سهمًا‪ ،‬ميراثه عــن أبيــه كــذا‪ ،‬وعــن أمــه كــذا‪ ،‬قــال‪ :‬وكــل هــذا‬
‫قريب‪.‬‬
‫قال الصــيمري وغيــره‪ :‬وحســن أن يقــول‪ :‬تقســم التركــة بعــد‬
‫إخراج ما يجب تقديمه من دين أو وصية إن كانا‪.‬‬
‫الخامسة عشرة‪ :‬إذا رأى المفتي رقعة الستفتاء وفيها خــط‬
‫طه فيها موافق لما عنده‪ ،‬قــال‬ ‫ل للفتوى‪ ،‬وخ ّ‬
‫غيره‪ ،‬ممن هو أه ٌ‬
‫الخطيب وغيره‪ :‬كتــب تحــت خطــه‪) :‬هــذا جــواب صــحيح‪ ،‬وبــه‬
‫أقول(‪ .‬أو كتب‪) :‬جوابي مثل هذا(‪ .‬وإن شاء ذكر الحكم بعبارة‬
‫ألخص من عبارة الذي كتب‪.‬‬
‫وأما إذا رأى فيها خط من ليس أهل ً للفتوى‪ ،‬فقــال الصــيمري‪:‬‬
‫رب علــى ذلــك‬
‫ض ِ‬ ‫ل يفتي معه; لن ذلك تقريرا ً منه لمنك ٍ‬
‫ر‪ ،‬بل ي َ ْ‬

‫‪27‬‬
‫بأمر صاحب الرقعة‪ ،‬ولو لم يستأذنه في هذا القــدر جــاز‪ ،‬لكــن‬
‫ليس له احتباس الرقعة إل بإذن صاحبها‪.‬‬
‫قال‪ :‬وله انتهار السائل وزجره‪ ،‬وتعريفه قبح ما أتاه‪ ،‬وأنه كــان‬
‫واجبا ً عليه البحث عن أهل للفتوى‪ ،‬وطلب من هو أهل لذلك‪.‬‬
‫وإن رأى فيها اســم مــن ل يعرفــه ســأل عنــه‪ ،‬فــإن لــم يعرفــه‬
‫فواسع أن يمتنع من الفتوى معه‪ ،‬خوفا ً مما قلناه‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكان بعضهم في مثل هذا يكتب على ظهرها‪.‬‬
‫قال‪ :‬والولى في هذا الموضع أن يشار علــى صــاحبها بإبــدالها‪،‬‬
‫فإن أبى ذلك أجابه شفاها‪.‬‬
‫ة مــن الضــرب علــى فتيــا العــادم‬ ‫قال أبو عمرو‪ :‬وإذا خاف فتن ً‬
‫ل إلى المتناع مــن الفتيــا معــه‪ ،‬فــإن‬ ‫للهلية‪ ،‬لم تكن خطأ‪ ،‬عد َ‬
‫غلبت فتاويه لتغلبه فــي منصــبها بجــاه أو تلــبيس أو غيــر ذلــك‪،‬‬
‫بحيث صار امتناع الهل من فتيا معه ضارا ً بالمستفتين‪ ،‬فليفت‬
‫معه‪ ،‬فإن ذلك أهون الضررين‪ ،‬وليتلطف مــع ذلــك فــي إظهــار‬
‫قصوره لمن يجهله‪.‬‬
‫أمــا إذا وجــد فتيــا مــن هــو أهــل وهــي خطــأ مطلقـا ً‬
‫بمخالفتها القاطع‪ ،‬أو خطــأ علــى مــذهب مــن يفــتي‬
‫ذلك خطئ على مــذهبه قطع ـا ً فل يجــوز لــه المتنــاع‬
‫من الفتاء‪ ،‬تاركا ً للتنبيه في خطئها إذا لم يكفه ذلك‬
‫غيره‪ ،‬بل عليه الضرب عليهــا عنــد تيســره‪ ،‬أو إبــدال‬
‫وتقطيع الرقعة بــإذن صــاحبها‪ ،‬أو نحــو ذلــك ومــا يقــوم‬
‫مقامه وكتب صواب جوابه عند ذلك الخطأ‪.‬‬
‫ثم إن كــان المخطــئ أهل ً للفتــوى فحســن أن تعــاد إليــه بــإذن‬
‫صاحبها‪ ،‬أما إذا وجد فيها فتيا أهل للفتوى‪ ،‬وهي على خلف ما‬

‫‪28‬‬
‫يراه هو‪ ،‬غير أنه ل يقطع بخطئها‪ ،‬فليقتصــر علــى كتــب جــواب‬
‫نفسه‪ ،‬ل يتعرض لفتيا غيره بتخطئة ول اعتراض‪.‬‬
‫قال صاحب الحاوي‪ :‬ل يســوغ إذا اســتفتي أن يتعــرض لجــواب‬
‫غيره برد ّ ول تخطئة‪ ،‬ويجيب بما عنده موافقة أو مخالفة‪.‬‬
‫السادسة عشرة‪ :‬إذا لــم يفهــم المفــتي الســؤال أص ـل ً ولــم‬
‫يحضر صاحب الواقعة فقال الصيمري يكتب‪) :‬يزاد في الشــرح‬
‫ليجيب عنه(‪ ،‬أو )لم أفهم ما فيها فأجيب(‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقال بعضهم‪ :‬ل يكتب شيئا ً أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ت بعضــهم كتــب فـي هـذا‪ :‬يحضــر الســائل لنخــاطبه‬
‫قـال‪ :‬رأيـ ُ‬
‫شفاهًا‪.‬‬
‫وقــال الخطيــب‪ :‬ينبغــي لــه إذا لــم يفهــم الجــواب أن يرشــد‬
‫ت آخـر إن كـان‪ ،‬وإل فليمسـك حـتى يعلـم‬ ‫مفـ ٍ‬‫المستفتي إلـى ُ‬
‫الجواب‪.‬‬
‫قال الصيمري‪ :‬وإذا كان في رقعة استفتاء مسائل فُهِ َ‬
‫م بعضــها‬
‫دون بعض‪ ،‬أو فهمها كلها ولم يرد الجواب في بعضها‪ ،‬أو احتاج‬
‫مــا أراد وســكت عــن‬
‫في بعضها إلى تأمل أو مطالعة‪ ،‬أجــاب ع ّ‬
‫الباقي‪ ،‬وقال‪) :‬لنا في الباقي نظر أو تأمل أو زيادة نظر(‪.‬‬
‫السابعة عشرة‪ :‬ليــس بمنك َــر أن يــذكر المفــتي فــي فتــواه‬
‫الحجة إذا كانت نصا ً واضحا ً مختصرًا‪.‬‬
‫قال الصيمري‪ :‬ل يذكر الحجة إن أفتى عاميًا‪ ،‬ويذكرها إن أفتى‬
‫فقيهًا‪ ،‬كمن يسأل عن النكاح بل ولــي فحســن أن يقــول‪ :‬قــال‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسـلم‪) :‬ل نكـاح إل بـولي(‪ ،‬أو عـن‬
‫رجعة المطلقة بعد الدخول فيقول‪ :‬له رجعتها قال الله تعــالى‪:‬‬
‫)وبعولتهن أحق بردهن(‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫قال‪ :‬ولم تجر العادة أن يذكر في فتواه طريق الجتهاد‪ ،‬ووجــه‬
‫ض فيــومئ‬ ‫القياس والستدلل‪ ،‬إل أن تتعلق الفتوى بقضــاء قــا ٍ‬
‫فيها إلى طريق الجتهاد‪ ،‬ويلــوح بالنكتــة‪ ،‬وكــذا إذا أفــتى غيــره‬
‫ط فيفعل ذلك لينبه على ما ذهب إليــه‪ ،‬ولــو كــان فيمــا‬ ‫فيها بغل ٍ‬
‫ض فحسن أن يلوح بحجته‪.‬‬ ‫يفتي به ُ‬
‫غمو ٌ‬
‫وقال صاحب الحاوي‪ :‬ل يذكر حجة ليفرق بين الفتيا والتصنيف‪.‬‬
‫ل لساغ إلى كثير‪ ،‬ولصار المفتي‬
‫قال‪ :‬ولو ساغ التجاوز إلى قلي ٍ‬
‫مدرسًا‪.‬‬
‫والتفصيل الذي ذكرناه أولى من إطلق صاحب الحاوي المنع‪.‬‬
‫وقــد يحتــاج المفــتي فــي بعــض الوقــائع إلــى أن يشــدد ويبــالغ‬
‫فيقول‪) :‬وهذا إجماع المسلمين(‪ ،‬أو‪) :‬ل أعلم في هــذا خلفـًا(‪،‬‬
‫أو‪) :‬فمن خالف هذا فقد خالف الواجب وعدل عــن الصــواب(‪،‬‬
‫أو‪) :‬فقد أثم وفسق(‪ ،‬أو‪) :‬وعلى ولـي المــر أن يأخــذ بهــذا ول‬
‫يهمل المر(‪ ،‬وما أشبه هذه اللفــاظ علــى حســب مــا تقتضــيه‬
‫المصلحة وتوجيه الحال‪.‬‬
‫الثامنة عشرة‪ :‬قال الشيخ أبو عمرو ‪-‬رحمه اللــه‪ :-‬ليــس لــه‬
‫إذا اســـتفتي فــي شــيء مـــن المســائل الكلميــة أن يفـــتي‬
‫بالتفصيل‪ ،‬بل يمنع مســتفتيه وســائر العامــة مــن الخــوض فــي‬
‫ل‪ ،‬ويــأمرهم بــأن يقتصــروا فيهــا‬‫ذلك أو في شيء منــه وإن ق ـ ّ‬
‫على اليمان جملة من غير تفصيل‪ ،‬ويقولوا فيهـا وفـي كـل مـا‬
‫ورد من آيات الصفات وأخبارها المتشابهة‪ :‬إن الثابت فيها فــي‬
‫نفــس المــر مــا هــو اللئق فيهــا بجلل اللــه ‪-‬تبــارك وتعــالى‪،-‬‬
‫وكماله وتقديسه المطلق‪ ،‬فيقــول معتقــدنا فيهــا‪ ،‬وليــس علينــا‬
‫تفصيله وتعيينه‪ ،‬وليس البحـث عنـه مـن شـأننا‪ ،‬بـل نكـل علـم‬
‫تفصيله إلى اللــه ‪-‬تبــارك وتعــالى‪ -‬ونصــرف عــن الخــوض فيــه‬
‫قلوبنا وألسنتنا‪ ،‬فهذا ونحوه هو الصواب من أئمــة الفتــوى فــي‬

‫‪30‬‬
‫ذلك‪ ،‬وهو سبيل سلف المة‪ ،‬وأئمة المذاهب المعتــبرة‪ ،‬وأكــابر‬
‫العلماء والصالحين وهو أصون وأسلم للعامة وأشباههم‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ففي هذا صرف لــه‬ ‫ومن كان منهم اعتقد اعتقادا ً باطل ً تفصي ً‬
‫عن ذلك العتقاد الباطل بما هو أهون وأيسر وأسلم‪ ،‬وإذا عزر‬
‫ولي المر من حاد منهم عن هذه الطريقة‪ ،‬فقد تأسى بعمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه في تعزير صبيح ‪-‬بفتح الصاد المهملــة‪-‬‬
‫الذي كان يسأل عن المتشابهات على ذلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬والمتكلمون من أصحابنا معترفون بصحة هــذه الطريقــة‪،‬‬
‫وبأنها أسلم لمن سلمت له‪ ،‬وكان الغزالي منهم في آخر أمــره‬
‫شديد المبالغة في الــدعاء إليهــا والبرهنــة عليهــا‪ ،‬وذكــر شــيخه‬
‫إمام الحرمين في كتــابه الغيــاثي أن المــام يحــرص مــا أمكنــه‬
‫على جمع الخلق على سلوك سبيل السلف في ذلك‪.‬‬
‫واستفتي الغزالي في كلم اللــه ‪ -‬تبــارك وتعــالى ‪ -‬فكــان مــن‬
‫جوابه‪ :‬وأما الخوض في أن كلمه تعالى حرف وصوت أو ليــس‬
‫كذلك فهو بدعة‪ ،‬وكل من يدعو العوام إلــى الخــوض فــي هــذا‬
‫فليس من أئمة الدين‪ ،‬وإنما هو من المضلين‪ ،‬ومثاله من يدعو‬
‫الصبيان الذين ل يحســنون الســباحة إلــى خــوض البحــر‪ ،‬ومــن‬
‫من المقَعد إلى السفر في البراري من غير مركوب‪.‬‬ ‫يدعو الّز ِ‬
‫وفي رسالة له‪ :‬الصواب للخلق كلهم إل الشاذ النــادر‪ ،‬الــذي ل‬
‫تسمح العصار إل بواحد منهم أو اثنين‪ ،‬سلوك مسـلك السـلف‬
‫في اليمان المرسل‪ ،‬والتصديق المجمل‪ ،‬بكــل مــا أنـــزله اللــه‬
‫تعالى‪ ،‬وأخبر به رسول الله صــلى اللــه عليــه وســلم مــن غيــر‬
‫بحث وتفتيش‪ ،‬والشتغال بالتقوى ففيه شغل شاغل‪.‬‬
‫وقال الصيمري في كتابه أدب المفتي والمستفتي‪ :‬إن مما‬
‫أجمع عليه أهل الفتوى أن من كان موسوما ً بالفتوى في الفقه‬

‫‪31‬‬
‫لم ينبغ ‪-‬وفي نسخة‪ :‬لــم يجــز‪ -‬لــه أن يضــع خطــه بفتــوى فــي‬
‫مسألة من علم الكلم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكان بعضهم ل يستتم قراءة مثل هذه الرقعة‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكره بعضهم أن يكتب‪ :‬ليس هذا من علمنا‪ ،‬أو ما جلســنا‬
‫لهذا‪ ،‬والسؤال عن غير هــذا أولــى‪ ،‬بــل ل يتعــرض لشــيء مــن‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وحكى المام الحافظ الفقيه أبو عمرو بن عبد البر المتناع من‬
‫الكلم في كل ذلك عن الفقهاء والعلماء قديما ً وحديثا ً من أهــل‬
‫الحديث والفتوى‪ ،‬قال‪ :‬وإنما خالف ذلك أهل البدع‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬فإن كانت المسألة مما يؤمن فــي تفصــيل جوابهــا‬
‫ل‪ ،‬وذلك بأن يكون‬ ‫من ضرر الخوض المذكور جاز الجواب تفصي ً‬
‫جوابها مختصرا ً مفهومًا‪ ،‬ليس لها أطراف يتجاذبها المتنازعون‪،‬‬
‫والسؤال عنه صادر عن مسترشـد خـاص منقــاد‪ ،‬أو مــن عامـة‬
‫قليلة التنازع والمماراة‪ ،‬والمفتي ممــن ينقــادون لفتــواه ونحــو‬
‫هذا‪ ،‬وعلى هذا ونحوه يحمــل مــا جــاء عــن بعــض الســلف مــن‬
‫بغض الفتوى في بعض المســائل الكلميــة‪ ،‬وذلــك منهــم قليــل‬
‫نادر والله أعلم‪.‬‬
‫التاسعة عشرة‪ :‬قـال الصــيمري والخطيــب ‪-‬رحمهمــا اللــه‪:-‬‬
‫وإذا سأل فقيه عن مسألةٍ من تفسير القرآن العزيز فإذا كانت‬
‫تتعلق بالحكام أجاب عنها وكتب خطه بــذلك‪ ،‬كمــن ســأل عــن‬
‫الصلة الوسطى‪ ،‬والقرء‪ ،‬ومن بيـده عقـدة النكـاح‪ ،‬وإن كـانت‬
‫ليسـت مـن مســائل الحكـام‪ ،‬كالســؤال‪ :‬عـن الرقيـم والنقيــر‬
‫والقطميـر والغسـلين‪ ،‬رده إلـى أهلــه‪ ،‬ووكلـه إلـى مـن نصــب‬
‫نفسه له من أهل التفسير‪ ،‬ولو أجابه شفاها لــم يســتقبح‪ ،‬هــذا‬
‫كلم الصيمري والخطيب‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ولو قيل‪ :‬إنه يحسن كتابته للفقيه العارف به‪ ،‬لكان حســنًا‪ ،‬وأي‬
‫فرق بينه وبين مسائل الحكام ؟ والله أعلم‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫فصل‬
‫في آداب المستفتي وصفته وأحكامه‬
‫فيه مسائل‪:‬‬
‫إحداها في صفة المستفتي‪ :‬كل مــن لــم يبلــغ درجــة المفــتي‬
‫ت مقل ّــد مــن‬
‫مســتف ٍ‬
‫فهو فيما يسأل عنه من الحكام الشــرعية ُ‬
‫يفتيه‪.‬‬
‫ل مــن يجــوز عليــه الصــرار‬
‫والمختار في التقليد أنه قبــول قــو ِ‬
‫جة على عين ما قبل قوله فيه‪ ،‬ويجب عليــه‬ ‫على الخطأ بغير ح ّ‬
‫الستفتاء إذا نـزلت به حادثة‪ ،‬يجب عليه علم حكمها‪ ،‬فــإن لــم‬
‫يجد ببلده من يستفتيه وجب عليه الرحيل إلى مــن يفــتيه‪ ،‬وإن‬
‫بعدت داره‪ ،‬وقد رحل خلئق من السلف في المسألة الواحــدة‬
‫الليالي واليام‪.‬‬
‫الثانية‪:‬يجب عليــه قطعـا ً البحــث الــذي يعــرف بــه أهليــة مــن‬
‫يستفتيه للفتاء إذا لم يكن عارفا ً بأهليته‪.‬‬
‫فل يجوز له استفتاء من انتسب إلى العلم‪ ،‬وانتصــب للتــدريس‬
‫والقــراء وغيــر ذلــك مــن مناصــب العلمــاء‪ ،‬بمجــرد انتســابه‬
‫وانتصابه لذلك‪.‬‬
‫ويجوز استفتاء من استفاض كونه أهل ً للفتوى‪.‬‬
‫وقــال بعــض أصــحابنا المتــأخرين‪ :‬إنمــا يعتمــد قــوله‪ :‬أنــا أهــل‬
‫للفتوى ل شهرته بذلك‪ ،‬ول يكتفي بالستفاضة ول بـالتواتر; لن‬
‫الستفاضة والشهرة بين العامة ل يوثق بها‪ ،‬وقــد يكــون أصــلها‬
‫التلبيس‪ ،‬وأما التواتر فل يفيد العلم إذا لــم يســتند إلــى معلــوم‬
‫محسوس‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫والصحيح هو الول ; لن إقدامه عليها إخباٌر منه بأهليته‪ ،‬فإن‬
‫الصورة مفروضة فيمن وثق بديانته‪ ،‬ويجوز اســتفتاء مــن أخــبر‬
‫المشهور المذكور بأهليته‪.‬‬
‫قال الشيخ أبو إسحاق المصنف ‪-‬رحمه الله‪ -‬وغيره‪ :‬يقبــل فــي‬
‫أهليته خبر العدل الواحد‪.‬‬
‫قال أبو عمرو‪ :‬وينبغي أن نشترط في المخــبر أن يكــون عنــده‬
‫من العلم والبصر ما يميز به الملتبس من غيره‪ ،‬ول يعتمد فــي‬
‫ذلك على خبر آحاد العامة‪ ،‬لكثرة ما يتطرق إليهم من التلــبيس‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫وإذا اجتمع اثنان فأكثر ممن يجوز استفتاؤهم فهـل يجــب عليـه‬
‫الجتهاد فــي أعلمهــم ؟ والبحــث عــن العلــم والورع والوثــق‬
‫ليقلده دون غيره فيه وجهان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬ل يجب‪ ،‬بل له استفتاء مــن شــاء منهــم ; لن الجميــع‬
‫أهل‪ ،‬وقد أسقطنا الجتهاد عن العامي‪ ،‬وهذا الوجه هو الصحيح‬
‫عند أصحابنا العراقيين‪ ،‬قالوا‪ :‬وهو قول أكثر أصحابنا‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬يجب ذلك; لنه يمكنه هذا القدر من الجتهاد بالبحث‬
‫والسؤال‪ ،‬وشواهد الحوال‪ .‬وهذا الوجه قول أبــي العبــاس بــن‬
‫سريج‪ ،‬واختيار القفــال المــروزي‪ ،‬وهــو الصــحيح عنــد القاضــي‬
‫حسين‪ ،‬والول أظهر‪ ،‬وهو الظاهر من حال الولين‪.‬‬
‫قال أبــو عمــرو ‪-‬رحمــه اللــه‪ ،-‬لكــن مــتى اطلــع علــى الوثــق‪،‬‬
‫فالظهر أنه يلزمــه تقليــده‪ ،‬كمــا يجــب تقــديم أرجــح الــدليلين‪،‬‬
‫وأوثق الروايتين‪ ،‬فعلى هذا يلزمـه تقليــد الورع مـن العـالمين‪،‬‬
‫والعلم من الورعين‪ ،‬فإن كان أحدهما أعلم‪ ،‬والخر أورع‪ ،‬قلد‬
‫العلم على الصح‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫وفي جواز تقليد الميت وجهان‪ :‬الصحيح‪ :‬جوازه; لن المــذاهب‬
‫ل تموت بموت أصحابها‪ ،‬ولهــذا يعتــد بهــا بعــدهم فــي الجمــاع‬
‫والخلف‪ ،‬ولن مــوت الشــاهد قبــل الحكــم ل يمنــع الحكــم‬
‫بشـــهادته بخلف فســـقه‪ .‬والثـــاني‪ :‬ل يجـــوز لفـــوات أهليتـــه‬
‫كالفاسق‪ ،‬وهذا ضعيف ل سيما في هذه العصار‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬هل يجوز للعامي أن يتخير ويقلد أي مذهب شاء قــال‬
‫الشيخ‪ :‬ينظر‪ :‬إن كان منتسبا ً إلى مــذهب بنينــاه علــى وجهيــن‬
‫حكاهما القاضي حسين في أن العامي هــل لــه مــذهب أم ل ؟‬
‫أحدهما ل مذهب له; لن المذهب لعارف الدلة فعلــى هــذا لــه‬
‫أن يستفتي من شاء من حنفي وشافعي وغيرهما‪.‬‬
‫والثاني وهو الصح عند القّفال له مذهب فل يجوز له مخالفته‪.‬‬
‫وقد ذكرنا في المفتي المنتسب ما يجوز لــه أن يخــالف إمــامه‬
‫فيه‪ ،‬وإن لم يكن منتسبا ً بني على وجهين حكاهمــا ابــن برهــان‬
‫في أن العامي‪ :‬هل يلزمه أن يتمــذهب بمــذهب معيــن ؟ يأخــذ‬
‫برخصه وعزائمه ؟ أحدهما ل يلزمه كما لم يلزمــه فــي العصــر‬
‫الول أن يخــص بتقليــده عالم ـا ً بعينــه‪ ،‬فعلــى هــذا هــل لــه أن‬
‫يستفتي من شاء ؟ أم يجب عليــه البحــث عــن أشــد المــذاهب‬
‫وأصحها أص ـل ً ليقلــد أهلــه ؟ فيــه وجهــان مــذكوران كــالوجهين‬
‫السابقين في البحث عن العلم والوثق من المفتين‪ .‬والثــاني‪:‬‬
‫يلزمه وبه قطع أبو الحسن إلكيا‪ ،‬وهو جارٍ في كل من لم يبلــغ‬
‫رتبة الجتهاد من الفقهاء وأصحاب سائر العلوم‪.‬‬
‫ووجهه أنه لو جاز اتباع أي مذهب شاء لفضــى إلــى أن يلتقــط‬
‫رخــص المــذاهب متبعـا ً هــواه‪ ،‬ويتخيــر بيــن التحليــل والتحريــم‬
‫والوجــوب والجــواز‪ ،‬وذلــك يــؤدي إلــى انحلل ربقــة التكليــف‬
‫بخلف العصر الول‪ ،‬فــإنه لــم تكــن المــذاهب الوافيــة بأحكــام‬
‫ذبة وعرفت‪ ،‬فعلى هذا يلزمه أن يجتهد في اختيــار‬ ‫الحوادث مه ّ‬

‫‪36‬‬
‫مذهب يقلده على التعيين‪ ،‬ونحن نمهد لــه طريق ـا ً يســلكه فــي‬
‫اجتهاده سه ً‬
‫ل‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫أول ً ليس له أن يتبع في ذلك مجــرد التشــهي‪ ،‬والميــل إلــى مــا‬
‫وجد عليه آبــاءه‪ ،‬وليــس لــه التمــذهب بمــذهب أحــد مــن أئمــة‬
‫الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم من الولين‪ ،‬وإن كــانوا أعلــم‬
‫وأعلى درجــة ممــن بعــدهم; لنهــم لــم يتفرغــوا لتــدوين العلــم‬
‫وضبط أصوله وفروعه‪ ،‬فليس لحد منهم مذهب مهذب محــرر‬
‫مقرر‪ ،‬وإنما قــام بــذلك مــن جــاء بعــدهم مــن الئمــة النــاحلين‬
‫لمذاهب الصحابة والتابعين‪ ،‬القائمين بتمهيد أحكام الوقائع قبل‬
‫وقوعها‪ ،‬الناهضين بإيضاح أصولها وفروعها‪ ،‬كمالك وأبي حنيفة‬
‫وغيرهما‪.‬‬
‫ولما كان الشافعي قد تأخر عن هؤلء الئمة في العصر‪ ،‬ونظــر‬
‫في مــذاهبهم نحــو نظرهــم فــي مــذاهب مــن قبلهــم‪ ،‬فســبرها‬
‫وخبرها وانتقدها‪ .‬واختار أرجحها‪ ،‬ووجد من قبله قد كفاه مؤنــة‬
‫التصـــوير والتأصـــيل‪ ،‬فتفـــرغ للختيـــار والترجيـــح‪ ،‬والتكميـــل‬
‫والتنقيح‪ ،‬مع معرفته‪ ،‬وبراعته في العلــوم‪ .‬وترجحــه فــي ذلــك‬
‫على من سبقه‪ ،‬ثم لم يوجد بعده من بلغ محله في ذلــك‪ .‬كــان‬
‫مذهبه أولى المذاهب بالتباع والتقليــد‪ ،‬وهــذا مــع مــا فيــه مــن‬
‫النصاف‪ ،‬والسلمة من القدح في أحد الئمـة جلـي واضـح‪ ،‬إذا‬
‫تأمله العامي قاده إلى اختيار مذهب الشافعي‪ ،‬والتمذهب به‪.3‬‬

‫الرابعة‪ :‬إذا اختلــف عليــه فتــوى مفــتيين ففيــه خمســة أوجــه‬


‫للصحاب‪ :‬أحدها‪ :‬يأخذ بأغلظهما‪ ،‬والثــاني‪ :‬بأخفهمــا‪ ،‬والثــالث‪:‬‬
‫يجتهد في الولى فيأخذ بفتوى العلم الورع كما سبق إيضــاحه‬
‫لكل من الئمة الربعة مزايا تشير إلى فضل تقليده‪ ،‬ول يقتصر ذلك على المام‬ ‫‪3‬‬

‫الشافعي رحمه الله تعالى‪ ،‬بل الئمة المتبوعون أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد‬
‫بن حنبل على خير وهدى‪ ،‬ومن قلد أحدهم في أحكام الدين‪ ،‬فهو على خير وهدى‬
‫باتفاق المسلمين‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫واختاره السمعاني الكبير ونص الشافعي رضي الله عنــه علــى‬
‫مثله في القبلة‪ ،‬والرابع‪ :‬يســأل مفتيـا ً آخــر فيأخــذ بفتــوى مــن‬
‫وافقه‪ ،‬والخــامس‪ :‬يتخيــر فيأخــذ بقــول أيهمــا شــاء‪ ،‬وهــذا هــو‬
‫الصــح عنــد الشــيخ أبــي إســحاق الشــيرازي المصــنف‪ ،‬وعنــد‬
‫الخطيب البغدادي‪ ،‬ونقله المحاملي في أول المجموع عن أكثر‬
‫أصحابنا واختاره صاحب الشامل فيما إذا تساوى المفتيان فــي‬
‫نفسه‪.‬‬
‫وقال الشيخ أبو عمرو‪ :‬المختار أن عليه أن يبحث عــن الرجــح‬
‫فيعمل به فإنه حكم التعارض فيبحث عن الوثــق مــن المفــتين‬
‫فيعمــل بفتــواه‪ ،‬وإن لــم يترجــح عنــده أحــدهما اســتفتى آخــر‪،‬‬
‫وعمل بفتوى من وافقه‪ ،‬فإن تعــذر ذلــك وكــان اختلفهمــا فــي‬
‫التحريم والباحة‪ ،‬وقبل العمل‪ ،‬اختار التحريم‪ ،‬فإنه أحوط‪ ،‬وإن‬
‫تساويا من كل وجه خيرناه بينهما‪ ،‬وإن أبينا التخيير في غيــره ;‬
‫لنه ضرورة وفي صورة نادرة‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬ثم إنما نخاطب بما ذكرناه المفتين‪ ،‬وأما العامي‬
‫الذي وقع له فحكمه أن يسأل عن ذلك ذينك المفتيين أو مفتيا ً‬
‫آخر وقد أرشدنا المفتي إلى ما يجيبه به‪.‬‬
‫وهذا الذي اختاره الشيخ ليــس بقــوي بــل الظهــر أحــد الوجــه‬
‫الثلثة‪ ،‬وهي‪ :‬الثالث والرابع‪ ،‬والخامس‪ ،‬والظــاهر أن الخــامس‬
‫أظهرها; لنــه ليـس مـن أهــل الجتهــاد‪ ،‬وإنمـا فرضـه أن يقلــد‬
‫عالما ً أهل ً لذلك‪ ،‬وقد فعل ذلـك بأخـذه بقــول مـن شـاء منهمــا‬
‫والفرق بينه وبين ما نــص عليــه فــي القبلــة أن أمارتهــا حســية‬
‫فإدراك صوابها أقرب‪ ،‬فيظهــر التفــاوت بيــن المجتهــدين فيهــا‪،‬‬
‫والفتاوى أمارتها معنوية فل يظهر كبير تفاوت بيــن المجتهــدين‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬قال الخطيب البغدادي‪ :‬إذا لــم يكــن فــي الموضــع‬
‫ت واحد فأفتاه لزمه فتواه‪.‬‬ ‫الذي هو فيه إل مف ٍ‬
‫‪38‬‬
‫وقال أبو المظفر السمعاني ‪-‬رحمه الله‪ :-‬إذا ســمع المســتفتي‬
‫جواب المفتي لم يلزمه العمل به إل بالتزامه‪ ،‬قــال‪ :‬ويجــوز أن‬
‫يقال إنه يلزمه إذا أخذ في العمل به‪ .‬وقيل‪ :‬يلزمه إذا وقع فــي‬
‫نفسه صحته‪ ،‬قال السمعاني‪ :‬وهذا أولى الوجه‪.‬‬
‫قال الشيخ أبو عمرو‪ :‬لم أجد هــذا لغيــره‪ ،‬وقــد حكــى هــو بعــد‬
‫ذلك عن بعض الصوليين أنه إذا أفتاه بما هو مختلف فيه خيره‬
‫بين أن يقبل منه أو من غيره‪ ،‬ثم اختار هو أنــه يلزمــه الجتهــاد‬
‫في أعيان المفتين ويلزمه الخذ بفتيا من اختاره باجتهاده‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬والذي تقتضيه القواعد أن نفصل فنقول‪ :‬إذا أفتــاه‬
‫المفتي نظر فإن لم يوجــد مفــت آخــر لزمــه الخــذ بفتيــاه‪ ،‬ول‬
‫يتوقف ذلك على التزامه ل بالخذ في العمل بــه ول بغيــره‪ ،‬ول‬
‫يتوقف أيضا على سكون نفسه إلى صحته‪.‬‬
‫وإن وجد مفــت آخــر فــإن اســتبان أن الــذي أفتــاه هــو العلــم‬
‫الوثق لزمه ما أفتاه به‪ ،‬بناء على الصح في تعينه كمــا ســبق‪،‬‬
‫وإن لم يستبن ذلك لم يلزمه ما أفتاه بمجرد إفتائه إذ يجوز لــه‬
‫استفتاء غيره وتقليده‪ ،‬ول يعلم اتفاقهما في الفتوى‪ ،‬فإن وجــد‬
‫التفاق أو حكم به عليه حاكم لزمه حينئذ‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬إذا استفتي فأفتى ثم حدثت تلك الواقعة لــه مــرةً‬
‫أخــرى‪ ،‬فهــل يلزمــه تجديــد الســؤال ؟ فيــه وجهــان‪ :‬أحــدهما‪:‬‬
‫يلزمــه; لحتمــال تغيــر رأي المفــتي‪ ،‬والثــاني‪ :‬ل يلزمــه وهــو‬
‫الصح; لنه قد عرف الحكــم الول‪ ،‬والصــل اســتمرار المفــتى‬
‫عليه‪.‬‬
‫وخصص صاحب الشامل الخلف بما إذا قلد حيا ً وقطع فيما إذا‬
‫كان ذلك خبرا عن ميت‪ ،‬بأنه ل يلزمه‪ ،‬والصحيح أنـه ل يختـص‪،‬‬
‫فإن المفتي على مذهب الميت قد يتغير جوابه على مذهبه‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ة يعتمـد خـبره‬ ‫السابعة‪ :‬أن يستفتي بنفسه‪ ،‬وله أن يبعـث ثقـ ً‬
‫ق‬
‫ليستفتي له‪ ،‬وله العتماد على خط المفتي إذا أخبره مــن ي َث ِـ ُ‬
‫بقوله أنه خطه‪ ،‬أو كان يعرف خطه ولم يتشكك في كون ذلــك‬
‫الجواب بخطه‪.‬‬
‫الثامنة‪ :‬ينبغي للمستفتي أن يتــأدب مــع المفــتي ويبجلــه فــي‬
‫خطابه وجوابه ونحو ذلك‪.‬‬
‫ول يومئ بيده في وجهه‪ ،‬ول يقل له ما تحفظ في كذا ؟ أو مــا‬
‫مذهب إمامك أو الشافعي في كذا ؟‬
‫ت أنـا‪ ،‬أو كـذا وقــع لــي‪ ،‬ول يقـل‪:‬‬
‫ول يقل إذا أجـابه‪ :‬هكــذا قلـ ُ‬
‫أفتاني فلن أو غيــرك بكــذا‪ ،‬ول يقــل‪ :‬إن كــان جوابــك موافقـا ً‬
‫لمن كتب فاكتب وإل فل تكتب‪.‬‬
‫ول يسأله وهو قائم أو مستوفز أو علــى حالــة ضــجر أو هــم أو‬
‫غير ذلك مما يشغل القلب‪.‬‬
‫وينبغي أن يبدأ بالسن العلم مــن المفــتين‪ ،‬وبــالولى فــالولى‬
‫إن أراد جمع الجوبة فــي رقعــة‪ ،‬فــإن أراد إفــراد الجوبــة فــي‬
‫رقاع بدأ بمن شــاء‪ ،‬وتكــون رقعــة الســتفتاء واســعة‪ ،‬ليتمكــن‬
‫المفــتي مــن اســتيفاء الجــواب واضــحًا‪ ،‬ل مختصــرا ً مضــرا ً‬
‫بالمستفتي‪.‬‬
‫ول يدع الدعاء في رقعة لمن يستفتيه‪.‬‬
‫قال الصيمري‪ :‬فإن اقتصــر علــى فتــوى واحــد قـال‪ :‬مــا تقــول‬
‫رحمك الله ؟ أو رضي الله عنك أو وفقك الله‪ ،‬وسددك ورضي‬
‫عن والديك ؟‪ ،‬ول يحسن أن يقول‪ :‬رحمنا الله وإياك‪.‬‬
‫وإن أراد جواب جماعة قال‪ :‬ما تقولون رضـي اللــه عنكــم ؟ أو‬
‫ما تقول الفقهاء سددهم الله تعالى ؟‬

‫‪40‬‬
‫ويــدفع الرقعــة إلــى المفــتي منشــورة‪ ،‬ويأخــذها منشــورة فل‬
‫يحوجه إلى نشرها ول إلى طيها‪.‬‬
‫التاسعة‪ :‬ينبغي أن يكون كاتب الرقعة ممن يحسـن الســؤال‪،‬‬
‫ويضعه على الغرض مــع إبانــة الخــط واللفــظ وصــيانتهما عمــا‬
‫يتعرض للتصحيف‪.‬‬
‫قال الصيمري‪ :‬يحرص أن يكون كاتبها مــن أهــل العلــم‪ ،‬وكــان‬
‫بعض الفقهاء ممن له رياسة ل يفتي إل في رقعــة كتبهــا رجــل‬
‫بعينه من أهل العلم ببلده‪.‬‬
‫ت‬
‫وينبغي للعامي أن ل يطالب المفتي بالدليل‪ ،‬ول يقل‪ :‬لم قلــ َ‬
‫ب أن تسكن نفسه لسماع الحجة طلبها في مجلس‬ ‫؟ فإن أح ّ‬
‫آخر‪ ،‬أو في ذلك المجلس بعد قبول الفتوى مجردة‪.‬‬
‫وقال السمعاني‪ :‬ل يمنع من طلب الدليل‪ ،‬وأنــه يلــزم المفــتي‬
‫أن يذكر له الدليل إن كان مقطوعا ً به‪ ،‬ول يلزمــه إن لــم يكــن‬
‫مقطوع ـا ً بــه لفتقــاره إلــى اجتهــاد يقصــر فهــم العــامي عنــه‪،‬‬
‫والصواب الول‪.‬‬
‫العاشرة‪ :‬إذا لم يجد صاحب الواقعة مفتيا ً ول أحــدا ً ينقــل لــه‬
‫ة َفترة‬
‫حكم واقعته ل في بلده ول غيره قال الشيخ‪ :‬هذه مسأل ُ‬
‫ة‪ ،4‬وحكمهــا حكــم مــا قبــل ورود الشــرع‪،‬‬ ‫الشــريعة الصــولي ُ‬
‫والصحيح في كل ذلك القول بانتفاء التكليف عن العبد‪ ،‬وأنــه ل‬
‫يثبت في حقه حكم ل إيجاب ول تحريم ول غير ذلك‪ ،‬فل يؤاخــذ‬
‫إذن صاحب الواقعة بأي شيء صنعه فيها‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫***************************‬

‫أي المسألة المعروفة في أصول الفقه‪ :‬هل تندرس الشريعة السلمية‪ ،‬يعني‪ :‬هل‬ ‫‪4‬‬

‫يأتي على الناس زمان ل يكون فيه مفت للمة‪ ،‬ول عالم ؟‬
‫‪41‬‬
‫تم ما في شرح المهذب من كلم عن الفتوى وشروطها‪ ،‬وبقية‬
‫الكلم في هذا الباب خاص بمذهب المام الشافعي‪ ،‬فلينظره‬
‫طلب العلم الشافعية‪.‬‬
‫والله تعالى الموفق لكل خير‪.‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬

‫‪42‬‬

You might also like