Professional Documents
Culture Documents
الحكام الإمام الحداد
الحكام الإمام الحداد
تأليف
1
ك أَنتَ ال َعلي ُم َ
الحكي ُم( ك ال ِعل َم لَنا إالَّ ما َعلَّمتَنا إِنَّ َ
)قَالُوا ُسبْحانَ َ
2
أرجو االنتفاع بها في الدنيا واآلخرة ،وقد جردت
العزم على هذا األمر مراراً ،فلم تتم العزمة ،ولم تنفذ
الهمة ،والسبب في ذلك بعد سابق القدر احتقار
النفس ،واالتكال على الحفظ والدرس ،ثم إني لما
رأيت أني نسيت من ذلك الشيء الكثير ،ولم يبق منه
إال القليل اليسير ،ورأيت الحاجة في بعض األحيان
تدعوني إلى ما دخل تحت دائرة النسيان ،ووقفت
على كالم للشيخ ابن عربي حاصله :أن اإلنسان ترد
عليه األشياء في نهاية الطلب ،ينبغي له أن يعتني
بحفظها ،ألنه سوف يحتاج إليها فيما بعد ،وما وردت
إال لذلك ،فعند ذلك ص َّممت على تقييد ما يخطر في
البال ،وإليه ،أضيف إن شاء هللا تعالى ما يكون في
االستقبال ُمستثنيا ً بمشيئة هللا تعالى النافذة ،ومفوضا ً
:إليه ،ومتوكالً عليه ،وراغبا ً فيما لديه ،ومعتصما ً به
قيم((
صرا ٍط ُمستَ ٍ
ي إِلى ِ آل( ) َو َمن يَ ْعتَ ِ
صم بِاهلل فَقَ ْد هُ ِد َ
ف على ما هنا؛ فرأى فيه عمران :ثم إني أُ ْعلِ ُم أخا ً َوقَ َ
أن ذلك وقع بطريق ُمقاربةً لكالم أح ٍد لفظا ً أو معن ًى َّ ،
بخاف أن من أثبت كالم أح ٍد ،ولم ٍ الموافقة؛ إذ ليس
ق أو غاصبٌ ،وكالهما قبيحٌ ،وهذا يع ُزهُ إليه أنه سار ٌ
.أوان االبتداء ،أصلح هللا النية ،وصفَّى الطوية
3
بسم اهلل الرحمن الرحيم
:قال رضي اهلل عنه ونفع به
الخلق مع الحق ،ال يخلو أحد منهم من أن يكون في إحدى الدائرتينّ :إما دائرة
الرحمة ،أو دائرة الحكمة .فمن كان اليوم في دائرة الرحمة ،كان غداً في دائرة
.الفضل .ومن كان اليوم في دائرة الحكمة ،كان غداً في دائرة العدل
.وقال :ما ترك من الكمال شيئاً َمن أقام نفسه من ربه مقام عبده من نفسه ...
ت ...
ت نَ َس َخ ْ
.وقال :العادةُ إذا َر َس َخ ْ
4
حصل له الغنى كثيرهُ .كذلك من ...
قليل المال ،لم يُ ِّ
الفقر ُ
وقال :من لم يدفع عنه َ
.لم ينتفع بقليل العلم ،فهو من االنتفاع بكثيره أبعد
وقال :الرضا بالقضاء ينتفي معه االعتراض على اهلل .ويبقى معه الطلب لِما ينبغي ...
.أن يطلب ،والهرب مما منه يهرب
.وقال :الدنيا المحمودة هي التي يصل بها إلى فعل خير ،أو ينجو بها من فعل شر ...
والدنيا المباحة هي التي ال يقع بسببها في ترك مأمور وال ركوب محظور ،والدنيا
المذمومة على لسان الكتاب والسنة ،هي التي يقع بسببها في ترك طاعة أو فعل
.معصية
وقال :من الناس من يكتفي باإلشارة عن التعيين ،ومنهم من يحتاج إلى التصريح ...
،مع الرفق واللين ،ومنهم من ال يجدي فيه إال التعنيف والتخشين
:ومن لم ينتفع بذا وال بذاك ،فهو من الشياطين ،ولهؤالء األربعة أمثال من البهائم
5
وقال :إن شئت أن تكون ُح ّراً فاترك كل أمر ،إن لم تتركه اختياراً تركته ...
.اضطراراً
وقال :ما عُ ِرف قدر الشيء بمثل ضده ،وال تسلى المصاب بمثل ذكر من أصيب ...
.بمثل مصيبته
.ومن أشغله القيام بحق نفسه عن القيام بحق ربه وحق إخوانه ،فهو عبد الشهوة
ومن أشغله القيام بحقوق إخوانه عن القيام بحقوق ربه وحقوق نفسه ،فهو عبد
.الرياسة
ومن أشغله القيام بحقوق ربه وحقوق إخوانه عن القيام بحقوق نفسه ،فهو صاحب
.وراثة
وقال :عجباً لمن يطلب الدنيا وهو من تحصيلها على َو ْه ٍم ،ومن االنتفاع بما ...
ومن تَركِها والخروج منها على يقين .حصله منها على شكِ ،
وقال :ال يبلغ العبد حقيقة اإليمان حتى يجد في معاملة الحق ما يجد أهل ...
.الشهوات في شهواتهم من اللذة والحالوة
6
تخو ِ
ف إفشائه ،ممن تطلعه ... وقال :المؤونة في كتمان السر أقل من المؤونة في ُّ
.عليه
أدل ٍ
دليل على كمال عقل الرجل ،ثنا ُؤهُ على أقرانه ،وقالُّ :
ب الجاه .فمن
ب المال ،واآلخرُ :ح ُّوقال :الدنيا شيئان ال ثالث لهما ،أحدهماُ :ح ُّ
صدِّيق .ومن زهد في المال دون الجاه ،فهو م ٍ
راء .ومن زهد في المال والجاه ،فهو ِ
ُ
أحب المال والجاه كان أصغر عقوبتهزهد في الجاه وأحب المال ،فهو لئيم .ومن َّ
.حرمانهما
ومثلُها من الناس؛ الذي يتعلم ويفهم في العلم .فكما أن النبات ليس عين الماء،
َ
.ولكن الماء سبب حصوله .فكذلك الفهم ليس عين العلم ،ولكن عن العلم يكون
وإذا رأيت العالم ال يزيد على ما يسمع ،فهو ذاك .وإذا رأيته يزيد عليه شيئاً يوافق ما
.سمع من العلم ،فهو األول
7
.واألرض الثالثة أرض ال تنبت الكأل وال تمسك الماء *
ثل من ال يحفظ العلم ،وال يفهم فيه .فإلقاء العلم إلى من هذه
َو َمثلُها من الناس؛ َم ُ
صفته إضاعة للعلم .فكما أن رب األرض التي هذه صفتها ال يسقيها .ويرى أن سقيها
.من اإلضاعة ،كذلك ينبغي أن ال يُلقى العلم إلى من يضيعه ،بل أولى
.وقال :ال تثبت الدعاوي باألقوال حتى تقوم بإثباتها البيِّنة من األفعال واألعمال ...
وقال :إذا ادَّعت نفسك أنها ال تفرق بين وجود الشيء وعدمه ،فال تقنع منها ...
.بذلك حتى تختبرها باألمرين جميعاً
وقال :لوال العالمات الدَّعى كل واحد ما ليس عنده .ولكن بالعالمات واألمارات ...
.ي َف َّرق بين الصادق والكاذب
ُ
المستدرجين
َ وتعسرت عليه األخروية ،فهو من
تيسرت له مطالبه الدنيويةَّ ،
.ومن َّ
8
وقال :من أمسك عن تناول فضول الشهوات ،ولم ينفق ما في يديه من فضول
.األموال؛ فهو محروم
.والذي يتمتع بما في يده من الدنيا ،وينفقه في شهواته المباحة أحسن حاالً منه
وقال :ال يكمل حال الداعي إلى رب العالمين ،حتى يصير قوله وفعله حجة على
.جميع المؤمنين
وقال :إذا رأيت العالِم يفيد بقوله دون فعله ،فاعلم إنه ناقص .وإذا رأيت المتعلِّم
.تفيده األقوال ،وال تؤدِّبه األفعال ،فاعلم أنه عن التحصيل ناكص
وإذا رأيت الطالب ينتفع بأقوال شيخه ،وال ينتفع بأفعاله ،فانظر فإن لم َت َر في أفعال
الشيخ ما تحصل به الفائدة ،فليس بشيء .وإذا رأيت أفعاله تفيد ،ولكن ال يحسن
.الطالب أن يستفيد ،فال تعتد به
أحب أن يوصف بما ليس عنده من الخير ،وكره أن يذكر بما فيه من ...
وقال :من َّ
.الشر ،فاعلم أنه ٍ
مراء
وقال :كثيراً ما يلتبس الحياء المحمود بالجبن المذموم ،والفرق بينهما :أن كل ...
ٍ
شر ،فهو الجبن المذموم ،وليس حياء حملك على ترك خي ٍر َو َو َ
قعت بسببه في ٍّ
.بالحياء ،ألن الحياء ال يأتي إال بخير .كما في الحديث
.وقالَ :من أهمل الصدق حيث يٍخاف ،استعمل الكذب حيث يرجو ...
9
وزوراً .ومن نظر إليها بعينَي ...
وقال :من نظر إلى الدنيا بعينَي رأسه ،رأى غروراً ُ
هباء منثوراَ
.قلبه ،رأى ً
وقال :مشاهدة المؤثرين للدنيا تمحو حب اآلخرة من القلب .فكيف بالمجالسة ...
!والمخالطة؟
وقال :كفى بفقدان الرغبة في الخير مصيبة! وكفى بالذل في طلب الدنيا عقوبة! ...
!وكفى بالظلم حتفاً لصاحبه! وكفى بالذنب عاراً للِ ُملِ ِّم به
ِّ
الشك مع إمكان المصير ... وقال :من ترك الحزم للوهم ،فهو أحمق! ومن أقام على
!على اليقين ،فهو أخرق
10
العامة بغير ما يدخل تحت هذه الثالثة؛ فهو فتَّان
.فكل عالم أخذ يتكلم مع َّ
ب البقاء للتمتُّع
.أحدها :النظر إليها بعين االستحسان .وعنه يكون ُح ُّ
.والثالثَ :ت َوهُّم أن ال قِوام بدونها .وعنه ينشأ البخل وخوف الفقر
.وقال :أجهل الجاهلين من تزيده المعرفة بسعة رحمة اهلل جرأة على معاصيه ...
.وقال :من َحدَّث نفسه بالتوبة من الذنب قبل الوقوع فيه؛ دعاه ذلك إلى فعله ...
11
وقوته ... عملت الطاعة ،فانظُْر إن ِش َ
ئت في بدايتها التي كانت بحول اهلل َّ َ وقال :إذا
شهود ِ
المنَّة هلل تعالى ُ .وحسن توفيقه ،وبذلك ينتفي اإلعجاب ،ويبقى
رت في نهايتها التي هي جزيل الثواب ،وحسن المآب ،وعنده تعظم وإن ِش َ
ئت نَظَ َ
واألو ُل أتَ ُّم ُّ
وتخف المداومةَّ . .الرغبة
وإذا وقعت منك المعصية ،فإياك أن تنظر إلى بدايتها التي هي التقدير ،فيدعوك ذلك
إلى االحتجاج على اهلل ،وهو أعظم من المعصية .ولكن ينبغي أن تنظر في نهايتها التي
.هي أليم العقاب ،وعنده تبادر إلى التوبة ،وتعظم الرهبة
وقال :من مكارم األخالق :التواضع في الرفعة ،والتجمل في القلة ،واالقتصاد في ...
.الثروة
وقال :ما الشأن شهود التقصير في التقصير ،إنما الشأن شهود التقصير في ...
.التشمير
12
ومثَ ُل فاعلِ ِه َمثَ ُل الذي
والشر يكون في األكثر حلواً في الحال ،وشاقاً في االستقبالَ ،
ُّ
.يقع من ذروة جبل أو بيت ال يجد األلم حتَّى َي َق َع على األرض
ك لطلب حقوقِ َ
ك... ، ب إال َمن تستطيع القيام بحقوقه ،وال يُ ْح ِو ُج َ
ص َح ْ
وقال :ال تَ ْ
.لكمال قيامه بها
وقال :من عول في إسقاط حقوق إخوانه على قبول العذر ،كان أقل ما يلقاهم به ...
.الغش والمكر
وقال :أكرم إخوانك إكراماً تستطيع الدوام عليه ،وإال كان مآل األمر إلى ...
.الوحشة والقطيعة
ؤو ُل ليصح كونه حقاً أو غير باطل .وهذا يدل على النقص
.والثاني :ما يُ َّ
فكل شيخ يحتاج في صحبته إلى التأويل على الوجه الثاني ،ال يكمل االقتداء به ،ألن
يحصل كماالً ،وإنما يدفع نقصاً
.التأويل ال ِّ
13
وقال :من أفرط في حب شهوة من شهوات الدنيا المباحة ،وقع ال محالة في ...
.موجب النار أو العار
وقال :الشيطان على إضالل العالِم أحرص منه على إضالل الجاهل ،ألن العالم إذا ...
يضل بضالله غيره ،والجاهل ليس كذلك
.ضل ُّ
َّ
.وقال :يصعب سلوك سبيل النجاة على َمن غلب على قلبه حب المال والجاه ...
وقال :الخوف الصادق يعمل في محو الشهوات النفسانية والهمم الدنية عمل ...
.النار في إحراق األشجار
14
ت ِمن ُك ِّل
ت َوأَْنبَتَ ْ
ت َو َربَ ْ
اهت َّز ْ
المآء َ
َنزلْنَا َعليها َ
ِ
َرض هامدةً فَِإذا أ َ
(وتَرى األ َ
قال تعالىَ :
َ .ز ْو ٍج بَهيج) [الحج]5:
وقال :ينبغي أن توقِ َد لك سراجاً من العلم النافع والعمل الصالح ،تستضيء به في ...
ليل ظلمات الدنيا ،حتى يطلع عليك فجر الموت ،أو شمس الساعة ،فإنك إن بقيت
،في ليلها بال سراج
تنتظر طلوع هذا الفجر ،أو سطوع هذه الشمسَ ،ح َّق عليك قول اهلل تعالىَ :
(ومن
َكا َن فِي ه ِذ ِه أَعمى َفهو في ِ
اآلخ َر ِة أَعمى َوأ َ
َض ُّل َسبيالً) [اإلسراء]72: َ َُ َ
.وقال رضي اهلل عنه :كفى بالنجاة من النار مثوبة ،وكفى بحرمان الجنة عقوبة ...
.وقال :اإلفراط في األمر آية على المصير فيه إلى التفريط ...
15
وقال رضي اهلل عنه :الذكر هلل مغناطيس القلوب ،يجذبها بخاصيته من مواطن ...
.الغفلة إلى عوالم الغيوب
ِ
ركوب ... نفسه على ِّ
يطمع في بلوغ اآلمال واألوطار؛ من لم يوطن َ
وقال :ال ُ
.األهوال واألخطار
وقال :ال ينبغي للعاقل أن يخاطب الجاهل ،الذي يظن بنفسه العقل أصالً .فإنه إن ...
بح َسب
خاطبه على مقتضى عقله ،كان مضيِّعاً للعقل ومستهيناً بفضله .وإن خاطبه َ
جهله ،كان متشبِّهاً به ومعدوداً مثله .قال اهلل تعالى لنبيهُ ( :خ ِذ الع ْفو وأْمر بِالعر ِ
ف َ َ َ ُ ْ ُْ
الجاهلين ) [األعراف ]199 : َ .وأَع ِرض َع ِن
َو َمن أسخطك بما ينفعك في دينك -مثل التنبيه على العيوب والنقائص التي هي
الم ِّر الذي يكون في ضمنه
وم َثلُه كالدَّواء ُ
ولي وإن كرهته بطبعكَ .
فيك -فهو لك ٌّ
.العافية والشفاء
احب أن يذكره الناس ويثنوا عليه بشيء من الكمال ،وهو يعلم من ...
وقال :من َّ
انطواء ُه عليه ،حتى يصير يفرح
َ نفسه خالفه .وكره أن يذموه بأمر يعلم من نفسه
.ويميل إلى من يمدحه ،وينفر ويكره من يذمه ،فقد عظمت حماقته وتمت غباوته
16
وقال :اإليمان شجرة ثابتة في أرض القلب ،واالعتقادات والمعارف اإليمانية ...
بمنزلة األصول والعروق لتلك الشجرة ،واألخالق المحمودة
ومثال الموت ،وما يعرض عنده من الفتن ،ويحصل بواسطته من شدة األلم ،كالسيل
القوي الذي يجري على أصول هذه الشجرة ،أو الريح المزعزعة التي تحرك فروعها،
.وتميل بها يميناً وشماالً
خوف األكابر من سوء الخاتمة ،وزي ِغ القلب عند الموت .ومن أجل ذلكَّ ،
اشتد ُ
ثم إن القوادح والعوارض التي تعرض ألصولها ،من البدع والشكوك ،واالضطراب
َّ
في أمر اآلخرة ،يجري مجرى ما يعرض في أصول الشجر من اآلفات واألخالق
المذمومة ،و المعاصي تجري منها مجرى ما يقع لفروع الشجرة وأغصانها من
.العوارض
17
.نسأل اهلل العافية ،والوفاة على اإلسالم
وقال رضي اهلل عنه ونفع به :الدنيا تنادي على نفسها بلسان الحال ،خطاباً ...
للراغبين فيها :احذروني فإنني فتنة ،وخذوا مني زاد اآلخرة .وامتثلوا أمر اهلل لكم،
في والمتمتعين بي.
في ترككم إياي .واعتبروا بمن مضى من قبلكم ،من الزاهدين َّ
وانظروا في ِسيَ ِرهم ،وكيف ذهبوا وانقلبوا إلى اآلخرة .الزاهدون منهم بنعيم ال
.ينقضي ،وأهل الحرص بحسرة ال تنقطع
وقال رضي اهلل عنه :السماع يشفي السقيم ،ويحيي الرميم ،إذا وقع من أهله مع ...
أهله في الوقت القابل لذلك ،والمحل الالئق به .وهو فتنة على المستمع بالحظ
المسمع على هذا الوجه
ِّ .والهوى ،وعلى
.أحدهما :الهداية والتوفيق من اهلل .وهو بمنزلة الغيث الذي يصيب األرض
18
والثاني :السعي إلى اهلل على منهاج االستقامة ،وهو بمنزلة الحرث لألرض ،وتعهدها
.بما تحتاج إليه من البذر ،والتربية والحفظ ،وتنحية المؤذي ،إلى غير ذلك
فالتوفيق من اهلل كالغيث ،ليس للعبد فيه مدخل ،وذلك هو الحقيقة .والسعي
واالجتهاد الذي هو بمنزلة حرث األرض وتعهدها إلى العبد ،وهو كسبه ،وعنه يُسأل،
.وعليه يُجزى ،وذلك هو الشريعة
صاب.
الس َّراق والغُ َّ
وقال رضي اهلل عنه :الدنيا بمنزلة البادية المخوفة ،الكثيرة ُّ
واآلخرة بمنزلة المدينة الخصيبة اآلمنة .واإلنسان خرج إلى الدنيا ليأخذ مما فيها،
.فيقدِّمه لآلخرة
فالعاقل كلما حصل في يده شيء من أمتعتها قَدَّمه أمامه ،ليُحفظ ويأمن عليه ،وينتفع
.به إذا وصل إلى محل استقراره وهي اآلخرة
والجاهل يحتبس ما معه عنده بخالً به ،فإما أن يأخذه الغُّ َّ
صاب من يده؛ وهي أمثال
آفات الدنيا .وإما أن يسافر هو من البادية التي ال قرار له بها على القهر منه ،ويُ َكلَّف
.ترك ما معه ،فيأخذه من يبقى في المحل الذي انتقل عنه
19
وقال رضي اهلل عنه :الخوف ال ينتفي ،وال يذهب عن المؤمن ،وإن كان قوي ...
اإليمان صالح العمل .بل كلما كان اإليمان أكمل والعمل أصلح ،كان الخوف
:أعظم .مثال ذلك
مسافر في خبت مخوف ،أو بحر مغرق .فالمال الذي يتوصل به إلى الغنى والشرف
.معه ،ولكنه ال َي ْن ِتف ُع به ،ويشتد خوفه على فوته ،وال يخاف من ليس معه شيء
ثم إنه ال يتم سرور صاحب هذا المال بماله ،وينتفي عنه الخوف حتى يصل البندر،
.ويتيقن السالمة
فاآلخرة هي بندر األمن ،والدنيا هي البحر المغرق ،والخبت المخوف ،والمسافر هو
اإلنسان ،والنقود واألقمشة التي تكون معه هي المعارف اإليمانية واألعمال الصالحة،
واألمور التي يَخشى منها في هذا السفر على هذه األمتعة الشريفة هي الشكوك
.واآلفات التي تعرض لإليمان واألعمال الصالحة فتفسدها .نسأل اهلل العافية
.وقال رضي اهلل عنه ونفع به :تذهب الدنيا شيئاً فشيئاً ،حتى ال يبقى منها شيء ...
20
وقال :من تكبَّر على الحق وأهله ،ابتاله اهلل بالذل والباطل وأهله ،فيجتمع عليه ...
.عند ذلك مصيبتان وعقوبتان ،وتفوته منقبتان ومثوبتان
وقال :المؤمن يتجوز في العادات وال يتجوز في العبادات .والمنافق يتجوز في ...
.العبادات وال يتجوز في العادات
وص َدر ،وقع منها ُك ُّل الباليا ال ُكبَر ... .وقال :من لم يتهم نفسه في ِّ ٍ
كل ورد َ
داع إلى الهوى والطبيعة ،وهو يدَّعي أنه يدعو إلى الدين والشريعة ...
ب ٍ .وقالُ :ر َّ
.وقال :العلم عليك حتى تعمل به ،فإذا عملت به كان العلم لك ...
وقال :ما أظَلَّت الخضراء وال أقلَّت الغبراء أشد حماقةً ممن يعلم ُحسن شيء ...
بح شيء وهو له فاعل
.وهو له تارك ،ويعلم قُ َ
وقال :من أكبر الكبائر الباطنة والظاهرة ،أن تلتمس من أصحابك الدنيا ،وهم ...
.يلتمسون منك اآلخرة
.وقال :قيمة اإلنسان عند أهل الدنيا ،ما يأخذه منهم ...
21
وقال :إن أردت أن تستشير إنساناً َف َقدِّر أنه يشير عليك بمخالفة ما تحب ،فإن ...
.رأيت امتثاله ،وإال فدع
.وقال :رأي اإلنسان فرع علمه وعقله ،فال ينبغي أن يضعه عند من ال يأخذ به ...
:ول ِ
َح َق بع ُد من الكالم المنثور ،هذا المسطور
لك ...
اد َه َ
لك ،ومن َح َ
لك َم َ
.وقالَ :من َس َ
وقال :في أسفار األرباح راحة األرواح واألشباح ،وفي أسفار األخطار تعب ...
الظواهر واألسرار .واهلل أعلم
.وصلَّى اهلل سيِّدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم ،والحمد هلل رب العالمين
22