Professional Documents
Culture Documents
وعليكم السالم ورحمة هللا وبركاته ،ابنائي واخواني بارك هللا لكم في حبكم
لمعالي األمور و حرصكم على التعلم ،وخير طريقة لطلب العلم هي السؤال
،وكما قال أهل العلم :العلوم اقفال وحسن السؤال مفاتحها،
›،وقال مجاهد رحمه هللا تعالى ‹ ال يتعلم العلم مستح وال مستكبر
ي رحمه
وفي جوابي هذا تذكير لنفسي قبل غيري كما قال أبو األسود الدؤل ُّ
:هللا
ق َوتَأْتِّ َ
ي ََل ت َ ْنهَ ع َْن ُخلُ ٍ
علَ ْي َك ِّإذَا فَعَ ْلتَ ع َِّظي ُم ِّمثْلَهُ * ع ٌ
َار َ
فَ ُهنَ َ
اك يُ ْقبَ ُل َما تَقُو ُل َويُ ْقتَدَى *
ِّبال ِّع ْل ِّم ِّم ْن َك َويَ ْنفَ ُع التَّ ْع ِّلي ُم
أبنائي وإخواني وقد سألتم عن عظيم كيف ال وقد سألتم عن االستغفار ،
الذي لواله لقست القلوب ،وقنط العباد ،وال عاد من عاد من طريق الغفلة
والمعصية الى طريق الرشاد ،
فاإلستغفار هو حبل موصول بين العبد وربه ال ينقطع اال بمفارقة الروح
للجسد عندها يفضي المرء الى ما قدم ،
واإلستغفار طوق نجاة وسط امواج الحياة المتالطمة ،وشعلة نور في
للروح ،ومجالت لران القلوب و أدرانه ،و الظالم الحالك ،وهو نبراس ّ
مطفئ لنيران الصدور المتأججة ،
شعور بالذنب إلى سعة مغفرة هللا و عفوه ، فاإلستغفار ينقلك من ضيق ال ّ
ويسمو بك من قعر الغفلة والمعصية الى عنان السماء ،فتالمس روحك
لقوة
رحمات هللا التي وسعت كل شيء ،فعند االستغفار انت تطرح ضعفك ّ
.هللا ،وذلّك ّ
لعزته ،وفقرك لغناه سبحانه هو الغني وانتم الفقراء اليه
وربّنا سبحانه يحبّ االستغفار فهو الذي س ّمى نفسه الغفّار وهو من صيغ
ي كثير المغفرة ك ّما و نوعا ،قال رسول هللا
المبالغه على وزن فعّال ،أ ّ
صلى هللا عليه وسلم
والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب هللا بكم ،وجاء بقوم يذنبون ‹‹ ،
›› فيستغفرون هللا تعالى ،فيغفر لهم
صالحين ،فيلجئون و االستغفار ِسمةُ األنبياء والمرسلين ،ووسيلةُ األولياء وال َّ
اليه بكل االوقات في السراء والضراء فبه يتضرعون و به يتقربون الى
سنَّة سيِّد
نصوص الكتاب المبين ،و ُُ بارئهم سبحانه ،كما تد ُّل على ذلك
.المرسلين -صلَّى هللا عليه وسلَّم
سالم -لما أذنب التجأ إلى ر ِبّه ُمتضرعا مستغفرا، فهذا أبونا آدم -عليه ال َّ
سنَا مسترحما ،ومعه كذلك أ ُ ُّمنا حواء ،فكان مما قاالَ ﴿ :ربَّنَا َ
ظلَ ْمنَا أَنفُ َ ِ نادما
َ ].وإِ ْن لَ ْم ت َ ْغ ِف ْر لَنَا َوت َْر َح ْمنَا َلنَ ُكون ََّن ِم ْن ْالخَا ِس ِرينَ ﴾ [األعراف23 :
ي َو ِل َم ْن دَ َخ َل َب ْيتِي سالم -قالَ ﴿ :ربّ ِ ا ْغ ِف ْر ِلي َو ِل َوا ِلدَ َّ وهذا نو ٌح -عليه ال َّ
ت ﴾ [نوح ،]28 :وقالَ ﴿ :و ِإالَّ ت َ ْغ ِف ْر ِلي َوت َْر َح ْمنِي ُمؤْ ِمنا َو ِل ْل ُمؤْ ِمنِينَ َو ْال ُمؤْ ِمنَا ِ
].أ َ ُك ْن ِم ْن ْالخَا ِس ِرينَ ﴾ [هود47 :
سالم -لما قتل رجال من األقباط ،قالَ ﴿ :ربّ ِ وهذا كليم هللا موسى -عليه ال َّ
الر ِحي ُم ﴾ [القصص: ظلَ ْمتُ نَ ْف ِسي فَا ْغ ِف ْر ِلي فَغَفَ َر لَهُ ِإنَّهُ ُه َو ْالغَفُ ُ
ور َّ ِإ ِنّي َ
16].
وهذا خليل هللا إبراهي ُم -عليه ال َّسالم -كان يستغفر لنفسه ،بل استغفَر ألبيه
رغم ضالله ،وبقي على ذلك حتى تيقَّن أن أباه ٌّ
عدو هلل؛ فتبَ َّرأ منه ،وكان
قَ ﴿ :ر َّبنَا ا ْغ ِف ْر ِلي
سالم -يستغفر لك ِّل مؤمن سابق والح ٍ إبراهيم -عليه ال َّ
اب ﴾ [إبراهيم41 :
س ُي َو ِل ْل ُمؤْ ِمنِينَ يَ ْو َم يَقُو ُم ْال ِح َ
َ ].و ِل َوا ِلدَ َّ
سالم -قال لقومهَ ﴿ :وا ْست َ ْغ ِف ُروا َربَّ ُك ْم ث ُ َّم تُوبُوا ِإلَ ْي ِه ِإ َّن
شعيب -عليه ال َّ
ٌ وهذا
َ ].ر ِبّي َر ِحي ٌم َودُودٌ ﴾ [هود90 :
سالم -قال لقومه بعد أن أمرهم بعبادة هللا ﴿ :يَا قَ ْو ِم ا ْعبُدُوا وصالح -عليه ال َّ
شأ َ ُك ْم ِم ْن األ َ ْر ِ
ض َوا ْست َ ْع َم َر ُك ْم ِفي َها فَا ْست َ ْغ ِف ُروهُ غي ُْرهُ ُه َو أَن َ
اَّلل َما لَ ُك ْم ِم ْن ِإلَ ٍه َ
َّ َ
يب ﴾ [هود61 : يب ُم ِج ٌ ].ث ُ َّم تُوبُوا ِإ َل ْي ِه ِإ َّن َر ِبّي قَ ِر ٌ
سالم ﴿ :-فَا ْست َ ْغفَ َر َربَّهُ َوخ ََّر َرا ِكعا َوأَن َ
َاب ﴾ [ص: قال هللا عن داود -عليه ال َّ
،]24فبعد الذنب مباشرة استغفر ربه وتاب إليه؛ كما تدل على ذلك فاء
التعقيب ،قال هللا ﴿ :فَغَفَ ْرنَا لَهُ ذَ ِل َك ﴾ [ص ،]25 :وهكذا كل ُمستغفر صادق،
َّ
.فإن هللا يغفر له ذنبه ،ويتجاوز عنه
سالم -قالَ ﴿ :ربّ ِ ا ْغ ِف ْر ِلي َوهَبْ ِلي ُم ْلكا ال وهذا سليمان بن داود -عليه ال َّ
اب ﴾ [ص ،]35 :وغير ذلك من ت ْال َو َّه ُ
َي ْن َب ِغي أل َ َح ٍد ِم ْن َب ْعدِي ِإنَّ َك أ َ ْن َ
.النماذج
و كذلك استغفار خاتم النبيين " َمن غفر هللا له ما تقدَّم من ذنبه وما تأ َّخر"
-:نبينا محمد -صلَّى هللا عليه وسلَّم
مخاطبا إيَّاه ﴿ :فَا ْعلَ ْم أَنَّهُ َال ِإلَهَ ِإ َّال َّ
اَّللُ َوا ْست َ ْغ ِف ْر ِلذَن ِب َك ِ يقول هللا تعالى
سبِّحْ بِ َح ْم ِد َربِّ َك ت ﴾ [محمد ،]19 :وقال له ﴿ :فَ َ َو ِل ْل ُمؤْ ِمنِينَ َو ْال ُمؤْ ِمنَا ِ
َ ].وا ْست َ ْغ ِف ْرهُ ِإنَّهُ َكانَ ت ََّوابا ﴾ [النصر3 :
و عن ابن عمر -رضي هللا عنهما -قال" :إنَّا كنا لنعدُّ لرسول هللا في
التواب الرحيم)) مائة مرة
ي؛ إنك أنت َّ ".المجلس(( :ربّ ِ اغفر لي وتب عل َّ
و كان يكثر من االستغفار في أدعيته فعن أبي موسى -رضي هللا عنه -
ي ِ -صلَّى هللا عليه َّ
وسلم -أنه كان يدعو بِهذا الدعاء(( :ربّ ِ اغفر عن النبِ ّ
كلّه ،وما أنت أعلم به م ِنّي ،اللهم
لي خطيئتي وجهلي ،وإسرافي في أمري ِ
اغفر لي خطاياي وعمدي ،وجهلي وه َْزلي ،وك ُّل ذلك عندي ،اللهم اغفر لي
ما قد َّْمتُ وما أ َّخرت ،وما أسررت وما أعلنت ،أنت المقدِّم وأنت المؤ ِ ّخر،
)).وأنت على ك ِّل شيء قدير
و عن عائشة -رضي هللا عنها -قالت":كان رسول هللا -صلَّى هللا عليه
وسلَّم -يُ ْكثِر أن يقو َل في ركوعه وسجوده(( :سبحانك اللهم ربنا وبحمدك،
))اللهم اغفر لي
و من عظيم كرم هللا على عباده أن س ّخر لهم مالئكته الكرام اللذين قال
:فيهم
فهذا الخلق الكريم جاء في القرآن أنهم يستغفرون ألهل األرض وخاصة
المؤمنين منهم ،واستغفار المالئكة هو طلب المغفرة من هللا عز وجل لعباده
بأن يغفر خطاياهم ،ويتجاوز عن سيئاتهم قال هللا عز وجل في كتابه العزيز
:
:وقال عز وجل
ش َو َم ْن َح ْو َلهُ يُ َسبِّ ُحونَ بِ َح ْم ِد َربِّ ِه ْم َويُؤْ ِمنُونَ بِ ِه " الَّذِينَ َيحْ ِملُونَ ْالعَ ْر َ
ش ْيءٍ َرحْ َمة َو ِع ْلما فَا ْغ ِف ْر ِللَّذِينَ
ت ُك َّل َ َو َي ْست َ ْغ ِف ُرونَ ِللَّذِينَ آ َ َمنُوا َربَّنَا َو ِس ْع َ
اب ْال َج ِح ِيم " (سورة غافر ،اآلية7: عذ َ َ س ِبيلَ َك َوقِ ِه ْم َ
).ت َابُوا َوات َّ َبعُوا َ
ّ
مصاله أيضا َ من المواضع التي تستغفر المالئكة فيها للعبد عندما يكون في
ينتظر الصالة ؛فإن هذه الفترة من األوقات الشريفة التي يكتب له فيها
الثواب ،ويحظى بالقرب من هللا عز وجل ،واستغفار المالئكة والدعاء له،
عن أبي هريرة -رضي هللا عنه -قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
" :المالئكة تصلي على أحدكم ما دام في مصاله الذي يصلي فيه ،تقول
اللهم صل عليه اللهم أرحمه اللهم اغفر له ما لم يحدث أو يخرج من
" .المسجد
ومن فضائل االستغفار أن هللا عز وجل يغفر لمن استغفره قال تعالىَ {:و َمن
غفُورا َّر ِحيما
اَّلل َ سهُ ث ُ َّم َي ْست َ ْغ ِف ِر َّ َ
اَّلل َي ِج ِد َّ َ سوءا أ َ ْو َي ْ
ظ ِل ْم نَ ْف َ } َي ْع َم ْل ُ
ومن رحمته أن وعد المسي َء بتبديل سيِّئاته حسنات ،قال تعالىِ ﴿ :إ َّال َمن
ت َو َكانَ َّ
اَّللُ سيِّئ َاتِ ِه ْم َح َسنَا ٍ صا ِلحا َفأُولَئِ َك يُبَ ِدّ ُل َّ
اَّللُ َ ع َمال َ
ع ِم َل َ
َاب َوآ َمنَ َو َ
ت َ
غفُورا َر ِحيما ﴾ [الفرقان70 : َ ].
ومن فضائل االستغفار أنه يجلب الخيرات والبركات للعبد ويدفع عنه البالء
س َماء غفَّارا ( )10يُ ْر ِس ِل ال َّ يقول هللا تعالى { :فَقُ ْلتُ ا ْست َ ْغ ِف ُروا َربَّ ُك ْم إِنَّهُ َكانَ َ
ت َو َيجْ َعل لَّ ُك ْمعلَ ْي ُكم ِّم ْد َرارا (َ )11ويُ ْم ِد ْد ُك ْم ِبأ َ ْم َوا ٍل َو َبنِينَ َو َيجْ َعل لَّ ُك ْم َجنَّا ٍ
َ
ط َوارا (} )14 َّلل َوقَارا (َ )13وقَ ْد َخلَقَ ُك ْم أ َ ْ أ َ ْن َهارا (َّ )12ما لَ ُك ْم ال ت َْر ُجونَ ِ َّ ِ
)}({سورة نوح
و عن بن عباس رضي هللا عنه ،-عن النبي -صلى هللا عليه وسلم -أنه
:قال
من لزم االستغفار جعل هللا له من كل ه ٍ ّم فرجا ،ومن كل ضيق مخرجا" ،
".ورزقه من حيث ال يحتسب
ع ْن أَبِي و من آالء هللا تعالى وفضله على عباده ما جاء في الحديث القدسي َ
ي ِ -صلى هللا عليه وسلم -فِي َما ع ْن النَّ ِب ّ
ي ِ -رضي هللا عنه َ - ار ّذَ ٍ ّر ْال ِغفَ ِ
ار َك َوت َ َعالَى ،أَنَّهُ قَا َلَ :يا ِع َبادِي! إنَّ ُك ْم ت ُ ْخ ِطئُونَ ِباللَّ ْي ِل
ع ْن َر ِبّ ِه تَ َب ََي ْر ِوي ِه َ
وب َج ِميعا؛ فَا ْستَ ْغ ِف ُرونِي أ َ ْغ ِف ْر لَ ُك ْم
ارَ ،وأَنَا أ َ ْغ ِف ُر الذُّنُ َ .والنَّ َه ِ َ
ّ
والجن عنه .ـ ابتعاد شياطين اإلنس
ّ
والطاعة .ـ يجد حالوة اإليمان
.ـ ّ
الزيادة في العقل واإليمان
قوله -تبارك وتعالى ﴿ :-ربَّنَا ا ْغ ِف ْر لَنَا ذُنُوبَنَا َو ِإ ْس َرافَنَا فِي أ َ ْم ِرنَا َوثَبِّ ْ
ت -
علَى ْالقَ ْو ِم ْال َكافِ ِرينَ ﴾ [آل عمران147 : ].أ َ ْقدَا َمنَا وان ُ
ص ْرنَا َ
اب النَّ ِ
ار ﴾ [آل عمران- : وقولهَ ﴿ :ر َّبنَا ِإنَّنَا آ َمنَّا فَا ْغ ِف ْر لَنَا ذُنُو َبنَا َوقِنَا َ
عذ َ َ
16].
علَى ُك ِّل َ
ش ْيءٍ قَد ٌ
ِير ﴾ - وقولهَ ﴿ :ر َّبنَا أَتْ ِم ْم لَنَا نُ َ
ورنَا َوا ْغ ِف ْر َلنَا ِإنَّ َك َ
[].التحريم8 :
ي ُمؤْ ِمنا َو ِل ْل ُمؤْ ِمنِينَ - وقولهَ ﴿ :ربّ ِ ا ْغ ِف ْر ِلي َو ِل َوا ِلدَ َّ
ي َو ِل َم ْن دَ َخ َل َب ْي ِت َ
َو ْال ُمؤْ ِمنَا ِ
ت َوالَ ت َِز ِد َّ
الظا ِل ِمينَ ِإالَّ تَ َبارا ﴾ [نوح ،]28 :وغير ذلك ِمن صيغ
.االستغفار الواردة في الكتاب المبين
بن
ث الذي أخر َجه البخاري :عن شدَّاد ِ ـ سيِّد االستغفار :كما جاء في الحدي ِ
أوس -رضي هللا عنه -قا َل :قا َل َرسو ُل هللاِ -صلَّى هللا عليه وسلَّم :-
((س ِيّدُ االستغفار أن يقول العبدُ :الله َّم أنت ربي ،وأنا عبدُك ،ال إله إال أنت،
ومستمرا -ما
ًّ خل ْقت َني وأنا عبدك ،أصبحتُ على عهدِك ووعدك -ثابتا
وأعترف -بنِعمتكِ بك ِمن شر ما صنعتُ ،أبوء لك -أُقِر استطعت ،أعوذ َ
فاغفر لي؛ إنَّه ال يغ ِف ُر الذنوب إال أنت)) ،فهذه
ْ ي ،وأبوء لك بذُنوبي،
عل َّ
صيغة
.أفضل ِ
أخ َرجه أبو داود في صحيحه ،وص َّححه األلباني: ـ ما جا َء في الحديث الذي ْ
س ِم َع رسو َل هللا -صلَّى هللا
ي ِ -صلَّى هللا عليه وسلَّم -أنَّه َعن زَ يد َمولَى النب ّ
عليه وسلَّم َ -يقولَ (( :من قا َل :أَستغ ِفر َ
هللا الذي ال إلَهَ إال َ
هو ال َحي القَيوم
وإن كانَ فَ َّر ِمن الزحف )).وأَتوب إلَيه؛ غفر له ْ َ
ي في الكبرى ،وهو حديث حسن: ث الذي أخر َجه النَّسائ ُّ ـ ما جاء في الحدي ِ
سأَلتُ النبي -صلَّى هللا عليه األرت -رضي هللا عنه -قا َلَ : ِّ عن َخبَّاب بن
َ
اغفر لَنا
ْ يف أَست َغفر قَا َل(( :قل :الله َّم وسلَّم -قلت :يَا َرسو َل هللاَ ،ك َ
الرحيمالتواب َّأنت َّعلَينا ،إنَّ َك َ)).وار َح ْمناَ ،وتُب َ
يرة َ -رضي هللا عنه -قا َلَ (( :ما ـ ما جاء في صحيح ابن حبَّان :عن أَبي َ
هر َ
توب إليه ِمن رسو ِل هللا -صلَّى هللا
هللا َوأَ ُ
رأَيتُ أ َ َحدا أَكث َ َر أَن يَقو َل :أَست َغفر َ
)).عليه وسلَّم
ـ ما جاء في صحيحِ مسلم عن ثَوبانَ -رضي هللا عنه -قا َل :كانَ َرسو ُل هللا
ف ِمن صالته :است َ ْغفَ َر ثَالثا ،وقا َل: -صلَّى هللا عليه وسلَّم -إذا ان َ
ص َر َ
الوليد:
اإلكرام)) ،قا َل َ
َ كت ذا ال َجال ِل َو
َبار َ
نك السال ُم ت َوم َ ((الله َّم أ َ ْن َ
ت السال ُم ِ
هللا ،أَست َغفر َ
هللا يف االستغفَار قَا َل :ت َقول :أَست َغفر َ .فقلتُ لألَوزَ اعيَ :ك َ
و من لطائف ما قيل عن اإلستغفار ما جاء عن علي رضي هللا عنه أنه قال
االستغفار
ُ ممن َي ْهلَكُ َو َم َعهُ النَّجاةُ ،قيل :وما هي قال (العجب ْ
ُ :)،
وكان يقول رضي هللا عنه( :ما أ َ ْل َه َم هللا سبحانه وتعالى َعبْدا االست َ
غفار،
).وهو يُ ِريدُ أن يُ َع ِذّبَهُ
ب،(إن رجال شكا إليه ال َج ْد َ و جاء عن الحسن البصري رحمه هللا تعالىّ :
َّ َّ
فقال :استغفر هللا ،وشكى إليه آخر الفقر ،وآخر ِقلةَ النَّسل ،وآخر قِلةَ َريْعِ
أرضه ،فأمرهم كلهم باالستغفار ،فقال له بعض القوم :أتاك رجال يشكون
إليك أنواعا ِمن الحاجة ،فأمرتهم كلهم باالستغفار ،فتال له اآلية ﴿ :فَقُ ْلتُ
علَ ْي ُكم ِّم ْد َرارا * َويُ ْم ِد ْد ُك ْم غفَّارا * يُ ْر ِس ِل ال َّ
س َماء َ ا ْست َ ْغ ِف ُروا َربَّ ُك ْم ِإنَّهُ َكانَ َ
ت َو َيجْ َعل لَّ ُك ْم أ َ ْن َهارا ﴾
) ِبأ َ ْم َوا ٍل َو َبنِينَ َو َيجْ َعل لَّ ُك ْم َجنَّا ٍ
وقال قتادة رحمه هللا :القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم .أما داؤكم فالذنوب
.وأما دواؤكم فاالستغفار
وقال بعض العلماء رحمهم هللا :العبد بين ذنب ونعمة ال يصلحها إال
.االستغفار
ض ُّرعا ً
ب كما أمرت ت َ َ أ َ ْدع َ
ُوك َر ِّ
فَ ِّإذَا َردَدَّتَ يَدِّي فمن ذا يَ ْر َح ُم
فَلَ َ
وَلك لَم يَص ُمد ِّ ِِّل َ
بليس عا ِّبدٌ
َيف َوقَد أَغوى َ
ص ِّفيَّ َك آدَما فَك َ
ب ِّإنَّهُ
ف النَد ِّ
العار ِّ
ِّ فَ ِّل َّل ِّه د َُّر
الوج ِّد أَجفانُهُ دَما
رط َفيض ِّل َف ِّ تَ ُ
أَلَستَ الَّذي َ
غذَّيتَني َو َهدَيتَني
علَ َّ
ي َو ُمن ِّعما َوَل ِّزلتَ َمنانا ً َ
أن هللا يغفر الذنوب جميعا و لو كانت مثل زبد البحر، و اعلم رعاك هللاّ ،
ولنا في قصة قاتل المائة نفس العبرة و العظة ،و قد جاء في الحديث عن
ي هللا أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخ ْد ِري -رضي هللا عنه َّ -
أن نب َّ
صلى هللا عليه وسلم قال(( :كان فيمن كان قبلكم رجل قَت َ َل تِسْعة و ِتسْعين
ب ،فأتاه ،فقال :إنه قَتَل األرض فدُ َّل على را ِه ٍ
ِ علم أه ِل نفسا ،فسأَل عن أ َ ِ
هل له ِم ْن ْتو َب ٍة فقال :ال ،فقت َلهُ فك َّم َل ِب ِه مائة ،ث َّم سألتِسعة وتسعِينَ نَ ْفسا ،فَ ْ
نفس ،فهل عالم ،فقال :إنه قتل مائةَ ٍ األرض ،فدُ َّل على رج ٍل ٍ ِ عن أعلم أه ِل
ط ِل ْق ِإلَى أرض كذا التوبة ا ْن َ
ومن ي ُحول بيْنه وبيْنَ ْ له من ت َْوبة فقا َل :نعمْ ،
ترجع ِإلى
ْ وكذا؛ فإن بها أُناسا ي ْعبدون هللا تعالى فا ْعبُ ِد هللا معهم ،وال
ريق ،أَتَاهُ الموتُ
الط ُ صف َّ طلَق حتَّى إِذا َن َ سوءٍ ،فان َ أرض ُ
ُ ض َك؛ فإِنها أ َ ْر ِ
الرحْ مة :جاء فقالت مالئكةُ َّ ْ ب،الرحْ مة ومالئكةُ ال َعذا ِ َصمت فيه َمالئكة َّ ْ فاخت
ت مالئكة العذاب :إنه ل ْم َي ْعمل خيرا ُّ
قط، اَّلل تعالى ،وقالَ ْتائِبا ُم ْقبال ِبقلبه إلى َّ
لك في صورة آدمي ،فجعلوه بينهم؛ أَيَ :حكما ،فقال :قيسوا ما بينَ فأَت َا ُه ْم َم ٌ
فو َجدُوه أ َ ْدنى إِلَى األرض سوا َين ،فإِلَى أَيَّتِهما َكان أَ ْدنى ف ْهو لَهُ ،فقا ُ ض ِ األ َ ْر َ
ٌ
متفق عليه ضتْهُ َمالئ َكةُ الرحمة))؛ .التي أ َ َرادَ فَق َب َ
و هللا سبحانه و تعالى يفرح بتوبة عبده ،فقد ص ّح عن رسول هللا صلى هللا
((َّللُ أشدُّ فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم عليه وسلم أنَّه قالَ :
بأرض فَ َالة ،فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه ،ف َ
أيس ٍ كان على راحلَته
ظلّها قد أيس من ِ
راحلَته ،فبينا هو كذلك إذا منها ،فأتى شجرة فاضط َج َع في ِ
بخطامها ،ث َّم قال ِمن شدَّة الفرح :الله َّم أنت عبديهو بها قائمة عنده ،فأخذ ِ
))وأنا ربُّك ،أخطأ من ِشدَّة الفَرح
أن إن هذا الحديث لَهو من أعظم ما يبيِّن رحمة هللا بعباده ،وال يظن ٌّ
ظان َّ َّ
صمد هذا الفرح فرح حاج ٍة وافتِقار؛ فاهلل تعالى له ال ِغنى المطلق ،وهو ال َّ
غيره به وهو القائم بنفسه سبحانه ،وإنَّما هذا الفرح فرح القيُّوم الذي يقوم ُ
ِب ٍ ّر وإحسان ورحمة،
و في حديث أبي رزين العقيلي لقيط بن عامر المنتفق رضي هللا تعالى عنه
قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ضحك ربنا من قنوط عبده وقرب
غيره قال قلت يا رسول هللا أويضحك الرب عز وجل قال نعم قال لن نعدم
.من رب يضحك خيرا
و كذلك نقول نحن أيضا لن نعدم خيرا من رب يضحك سبحانه و تعالى عز
وجل في عاله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ،
فاالستغفار ليس مجرد كلمة تقال باللسان ،بل يختزل لحظة صدق بين القلب
.و الروح و العقل ،و يصدّقها اللّسان بالقول
في األخير أذ ّكر نفسي و إيّاكم بتقوى هللا تعالى ،و باإلخالص في القول و
العمل ،كما قال اإلمام الشافعي رحمه هللا تعالى ‹ :ليس العلم ما ُحفظ ،إنّما
› العلم ما نفع
و أسال هللا العظيم رب العرش الكريم ،أن يعلمنا ما ينفعنا ،وينفعنا بما
ي ذلك و القادر علمنا ،وأن يرزقنا االخالص في القول وفي العمل ،هو ول ّ
عليه ،فما كان من توفيق فمن هللا وما كان من خطأ أو زلل أو نسيان فمني
ومن الشيطان ،و هللا تعالى أعلى و أعلم ،سبحانك اللهم و بحمدك ،أشهد أن
.ال إاله ّإال أنت ،أستغفرك و أتوب إليك ،و الحمد هلل رب العالمين