Professional Documents
Culture Documents
- حين اشتعلنا أمطرت
- حين اشتعلنا أمطرت
حذيفة العرجي
حذيفة العرجي
حين اشتعلنا أمطرت
رواية
للتواصل مع المؤلف:
تويترal_arje :
انستغرامal_arje :
سعر الكتاب:
35ريال سعودي
9دوالر أمريكي
ي جزء منه، جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة لدار ميالد ،وال يسمح بإعادة إصدار هذا الكتاب أو أ ّ
ي شكل من األشكال ،دون إذن خطي من الدار أو تخزينه في نطاق استعادة المعلومات أو نقله بأ ّ
اإلهداء
حنن قاتلنا ِ
ألجل وصالنا وال ُ
حنن ساعدان هواان ليُشرقا
وال ُ
7
8
أول ِ
لسعة فقر ميلك أصدقاء بعدد شعر رأسه ،عن َد ِكالغين الذي ُ
ً ِّ
أصلع! ،هذهِ كانت إجابتهُ لباسم صحفي جملة "أصدقاء
ْ يكتشف أنّهُ
ُ
كنت يف احلُب؟
كيف َالشعر" عندما سألهَُ :
تعرف خالص َة ما عاشهُ إنسا ٌن فانظر إىل آخر
أردت أن َ
يُتابع :إذا َ
ِ
العشاق معاشر ينطبق علينا املثل التايلندي
َ ُ كلماته يف الدنيا ،هذا ُ
حّت تقرأ
بني قيس وليلى مثالً َّ
تعرف حقيقةَ ما جرى َ
فأنت لن َ
أيضاًَ ،
حياته وآخر ما قالته ليلى ،وعلى ذلك قِس.
آخر ما كتب قيس يف ِ
َ ٌ
ِ
كالشمس أشعتُهُ شاكر عريبُ ،بع ِ
مق البحر لكنَّهُ مل يكن غامضاً ،بل كان
كل انفذة ،هو صاحب املقولة الشهرية أيضاً: كل بيت وخترت ُق ّتطول ِّ
ُ
وسرهُ يف قلبه ،الغريب من يفضح سرهُ بيديه
الرجل ُُّ ميوت
ليس غريباً أن َ َ
أليس أوىل بنا أن نُسميها فضيحة بدل
فيكتبهُ على شكل قصيدةَ ،
قصيدة؟.
أنت اآلن يف مدينة محص ،الساعة اخلامسةُ والنصف صباحاً ،مل ترتفع
َ
الشمس بعد ،إهنا بدايةُ التلوي ِن يف السماء ،هذا الشارع يسمى يف
ُ
سميه أهل محص "شارع سجالت احلكومة شارع خالد بن الوليد وي ِ
ُ
فل اخلراب!" مع أنه عامر ابخلُضرة لكنه الشاه ُد األكرب على ِ ِ
كل زهرة ّ ّ ُ ُ ٌ
نسمة صبح شردها ليل فراق وكل ِ كل ِ
نفحة حب ّ ُ ذُحبت بسكني بُع ْد و ِّ
يظنان أهنما يعمر ِ
ان ني كاان ِ
هتدم فوق عاشق ِ ِ
وكل وعكة هجر وكل حلم َ
ميينه ويسارهِ أرصفةٌ عريضة
حقيقة ،هو شارعٌ طويل ذو قسمني وعلى ِ
9
الشمس من ورائها
ُ ستخرج
ُ سحب دخانيةٌ بيضاء،
ٌ تنتهي ببساتني تلفها
بعد قليل ،سرتى الكثري من كبار السن والشباب والصباّي أيضاً
ميارسو َن رّيضةَ املشي على هذهِ األرصفة يف هذا الوقت الباكر وستج ُد
أيضاً بعض الكراسي املنتشرة على امتداد هذا الشارع الذي يبلغ طولهُ
الليل وجاء يف
سهر َ
شباب َجيلس على بعضها ٌ قرابة ٣كلم مين ًة ويسرة ُ
لشمس يوم جديد ،بدايةُ هذا ِ ليحضر والد َة السماء
َ هذا الوقت
ابلنسبة آلخرهِ،
ِ تفع
اسم الشارع أيضاً وهو مر ٌ
ملعب كبري حيمل َ الشارع ٌ
إىل األمام قليالً ستج ُد ابئع قهوة ُم َّـرة ومشروابت ساخنة يقف بسيار ِته
السوزوكي الصغرية معلقاً ماكينة القهوة عليها ،كبري يف السن ال تبان
طاعن يف احلزن ِ
على وجهه آاث ُر التعب مع أن من يعرفه يعرف متاماً أنهُ ٌ
يعرف
لعل ابتسامتهُ ذات التجاعيد املُتفائلة ختفي ما حيملهُ قلبه ،إنه ُ َّ
رواد هذا الشارع فرداً فرداً ويعرفونه كذلك ،إنهُ كما يقول شاكر عنه
تقطع هذا البائع مشياً فابدأ ابلعد
كبريان الذي علمنا الصرب ،مبجرد أن َ
ثالث كراسي على اليمني هذا هو كرسي شاكر عريب الذي بدأت منهُ
قصةُ ِ
حبه وما انتهت عندهُ ،بل انتهى هو!.
تسمح أن السماوات ِ
ابلنسبة لهُ ،فكما َّ وقت احلُ ِ
لم الصباح هو ُ
ُ
ِ
لألحالم أن تسمح الشمس كل صباح أن تصع َدهاِ ،
كانت ِ
للشمس َّ
ُ ُ
شكل أشعة ذهبية ،كان ذلك اليوم يوم اللقاءغرفته على ِشباك ِخترت َق َ
َ
حّت التاسعة،
األول بعد التعارف ،انتظرتهُ يومها من السادسة صباحاً ّ
ِ
الليمون والنارنج قاسم فنجا َن القهوةِ وأغصا َن ِ
وهو على بلكونه يُ ُ
10
اد لهُ أن يكون- ِ
لصامت -كما أر َ ينظر إىل هاتفه ا
إشراقةَ ُحلُم جديدُ ،
أغمض عينيه خوفاًَ هاتفه الذي كلما أضاءت شاشتهُ مبكاملة جديدة
اعتذر هلا بعد ست عشرة مكاملة فائتة وأربع
َ من خطوة تودي بقلبه،
غدر ِبه ،فلم يشعر ابلوقت ،ملاذا انتظرتهُ
النوم أخذهُ ،واملنبه َ
أن َ رسائل؛ َّ
لعل ما اعتربته
الشمس ثالث ساعات كاملة!؟ هي نفسها ال تعلمَّ ، ِ يف
الفحم! ب تذو ِ
قه على
ْ زرع فيها ُح َّ ّ
ابدئ األمر َ جتاهالً يف َ
تظن وامهةً أهنا إن
قلبه إىل فضاء ُّ كفاً بكف ..واآلهُ تتدحرج من ِ ضرب َّ
ُ َ
كل مساءوحشي َّ ألف
تبعث َتلك اليت ُ أي حبيبَة َ وصلت ِ
إليه سرتاتحُّ ،
ّ
برمح األسئلة؟ إنَّهُ اآلن كالذي جعل عمرهُ بني يدي ِ
أمه ليقتُلهُ غدراً ِ
َ
خالته وهو ال حيبها بل قد يكون يكرهها، خاله أو ِفتزوج من أجلها اببنة ِ
َ
كفكرة السعادة؟ أو كيف َسيُصد ُق أن هناك من ِ يتقبل هذا فكرًة
كيف ُ
كل عام!؟
حيتفلو َن بعيد زواجهم َّ
احلرب" طاملا شعر
ْ صرخ هو "إهنا
صرخ أمل دنقل " ال تُصاحل " َ كلَّما َ
أن دنقل كان ابجلنون ألقسم َّ ِ اس
أنهُ "كليب" ولوال أن يتهمهُ النَ ُ
فكر ابلعودةِ ما ِ ِ
يتحدث بلسانه هو يف قصيدته "ال تُصاحل" ،لو كا َن يُ ُ ُ
سيطر على
االسم املُ ُُ يعود إىل فتاة امسها "غرور"جر أصالً ،كيف ُ َه َ
كل النساء فكلُّ َّ ِ
هن كل جانب ،شخصيتها اليت تُشبهُ َّ شخصيَّتها من ِّ
وعكة حب ،إذن ..ال ِ مغرورات ،استنتاجهُ األخري هذا جاء بع َد ِ
ألف َ
أحبها،
وبني من َ
اليوم ما بني هند ودعد ودعاء وّيمسني ومىن َ
فر َق عندهُ َ
بكل النساء ،يشعر أحياانً َّ
أن ما خلقن هي ،وهي خلقت ِّ َّ
كأن النساء َ
11
جيعلهُ يفكر هبذهِ العقلية املُعقدة هو شعور االنتقام الذي ما أن َّ
حيط يف
مؤمن جداً ابلنظرية اليت تقول :مهما ِ
قلبه إال ويطري ،ألنه يف املقابل ٌ
االنتقام ثغرًة إىل إليه أمور احلب فإنك إن بدأتَهُ صادقاً لن جي َد آلت ِ
ُ
اق.
قلبك بع َد الفر ْ
َ
إن يف كل رجل ألف أنثى وأنثى ،أليست قال لهُ وجعهُ وهو حياورهَُّ :
اجتمعن على
َ العاطفة أنثى؟ والدمعة واللهفةُ واآلهُ والذكرى؟ ،وكلُّ ُه َّن
أمسك ورقتهُ بعد أّيم قضاها بعيداً َ الرجل الوحيد الذي يُدعى قلب؟،
عن الشعر وكتب:
عليه قلبه ،هذا حاول أن ينفض ما تبقى من رمادها على الورق فأىب ِ َ
َ
ِ
االبتسامة خرااب! فصار يرى يف
الدمع ََ ألف
القلب الذي َ ُ
السابع والتسعو َن بع َد الصمت،
ُ الصباح
ُ إهنا السادسةُ صباحاً ،هذا هو
تسمع صوتهُ َ تد ُق ِبه السادسةُ صباحاً دون أن
السابع والتسعو َن الذي ُّ
ُ
فنجانه لريى وجههُ أسوداً ِ ينظر شاكر يف ِ
لتبدأ به يومها كما كانت تزعمُ ،
كالُب متعرجاً كاألّيم ،تغري وجهه كثرياً يف ِ
الفرتة األخرية ،الوجهُ َّأو ُل ما ُ ُّ ُ
يشيخ بع َد الفراق.
ُ
12
غاب لثوان عن الواقع ،أتكون هي؟ ماذا
رقم غريبَ ، َّ
رن هاتفهُ فجأةٌ ،
ليست هي ،ماهذا الوهم الذي يسيطر
َ مين بعد الذي جرى؟ الالتُري ُد ّ
وفتح اخلط ِ
علي ،أأرد؟ ال لن أرد ،لن أرد ،غافلهُ اهبامهُ بلمحة شوق َ
ّ
رغماً عنه وعن قلبه!
فريوز تُغين:
ُ
جبن
رجعت ْْ إذا
وان تركتك بشقى
ـل ِ
ال قدرانة ف ْ
وال قدر ِ
انة إبقى..
ِ
أكرهك ِ
أكرهك ِ
أكرهك صرخ بصوت عال
أجابهُ أبو غالب ابلعامية املصرية ضاحكاً :ومالو؟ ،دان مبوت فيك
ّيحبييب!!.
ِ
ورفع رأسهُ عائداً به إىل اجلدا ِر ُمغمضاً عينَاه ُ
يفكر فيما ط َ
أغلق اخل ّ
أربك
تنه َد بصوت َ يؤمن أنَّهُ من ساب ِع املُستحيالت أن يتحقق ،لقد َّ
ُ
تستطيع حتقي َقهُ يف الواقع ِ
ابآلهات مثلهَّ ،إَّنا ال ففاح
ُ اليَامسني من حوله َ
تضحك على نفسك قليالً؟ َ درك شيئاً منهُ ابخليال ،ما املانع يف أن
تُ ُ
بناء األمل ِ
اآليل إىل اإلهنيار يف قلبه ،ماذا استنتاجهُ هذا هو الذي يرمم َ
هي فاعلةٌ اآلن؟ سيجيبهُ عن ِ
سؤاله هذا خيالهُ يف أحس ِن األحوال َ
13
راح يقرأُ رسائلها يف جواله هارابً من شبح هذا السؤال ،قالت لهُ يف
ملكت ألف ابتسامة لفتاة أخرى لن
َ ذات ُمشكلة :إنك وإنإحداهن َ
ّ
وابتسمت لك جماملةً.
ُ نظرت يل
َ نسيك يوم
تُ َ
ابتسم ُجماملةً.
َ قاتلَها احلب! ،هي اليت نظرت وأان الذي
القرب
َ عذاب متاماً كالبُعد الفر ُق بينَـ ُهما أن
ٌ القرب
ُ وقالت لهُ يف أخرى:
مينحك األمان فلن ختاف من َ خال من أدىن ِ
حلظة أمان بينما البُع ُد
اهلج ِر يوماً ،هل كانت ُمتهد هلذهِ األّيم؟
ع كاملذعوِر إىل رسائلها، مل يعرتف هلا يوماً أنَّهُ كلما اشتا َق إليها َ
هر َ
النوم إال أن تتفق َد حروفَهُ
تسطيع َُ على عكسها متاماً كانت ختربهُ أهنا ال
حرفاً حرفاً ،كانت ُختربهُ مبا تشي هلا رسائله ومبا تقرأ يف الكتب ،قالت
ومي زّيدة كنت لهُ مرًة :وأان أقرأُ رسائل احلب َ
بني جربان خليل جربان َ
النقاء من احلروف والوفاء من النقط؛
أتنفس َ
ُ كنت
أمشي على الورق ُ
أيعقل أن يستمرا لعشرين عاماً ِ
بدون لقاء ،أهذا ما يُسمى اإلصرار؟ ال َ ُ
رسائلك يل
َ منك أكثر فهي تُشبهُ
أخاف َ
أنكر أ ّن هذه الرسائل جعلتين ُ ُ
فيك جربا ْن
منك ألنين مل َأر َ
أخاف َ
حيث ال أدري وتدري! ،جعلتين ُ من ُ
ولن أكو َن يوماً َمـي!.
أراد أن ُُيربها أهنا ُُمقة فسكت ومل جيب على رسالتها تلك ،بني الرسائل
كذلك وقعت على عينه رسالةٌ قدمية كان أرسلها لهُ أمري يف ِ
بداية اهلاوية
أهم خطة تستعملها األنثى للسيطرة
ينصحه وحيذره قال له فيها :إن َّ
على حبيبها هي املقارنة املشبّعة ابملبالغة ،يف اجلمال مثالً ستحكي لك
14
عن ِ
غرية صديقاهتا منها وعن ألف عريس يف الساعة يتقدم هلا أو
يؤمن أ ّن تكرار
يزيدون! ،احذر فلن يكون احلديث مرة ال فالنساء َّ
احلديث عن فكرة ما ولو كانت ومهاً جيعلها واقعاً يف قلب من يستمع،
يشتهني طبخها ويف صناعة
َ يف الطبخ هي األفضل وكل صديقاهتا
احللوى كذلك ،ستقول لك :أكلنا عند فالنة حلوى ما أكلنا أسوأ من
قلن هلا على سبيل املزاح حّت ال تزعل
طعمها قط حّت أن البنات َ
ِ
يطلقك" ستدخل "إّيك أن تفكري بصناعة احللوى يوماً لزوجك حّت ال
بعدها يف املقارنة فوراً ستقول لك" ،كل البنات يعشقن الكاتو من
يدي ،فالنة تقول يل :أدفع عمري على أن أستطيع صناعة حلوى مثل
هبذه املبالغات وافتح هلا قلبك وأومهها أنك أنت ِ رحب َ ِ ِ
حلواكّ ،
ُمصدق ،ولكن كن حذراً فأنت لو استسلمت ملقارانهتا اليومية بعد فرتة
ليست ببعيدة سيرتسخ يف قلبك دون أن تشعر أن ليس على وجه
األرض أنيقة غريها وال طاهية طعام تشبهها وأن الكعب ال يلق إال هبا
وأن شعرها تتمناه كل نساء األرض حّت أهنا قصته خوفاً من العني،
وأهنا هي مصدر املرح والسعادة لصديقاهتا فهن ال يذهُب مكاانً إال
وجيب أن تكون هي موجودة وإال صار جحيماً ،وأهنا الوحيدة يف األرض
من بني النساء ليس يف جسمها شعرة هكذا فضل من هللا ،أما
األخرّيت فيزلن الشعر ابلليزر ،وأن كل صديقات أمها وأقرابء العائلة
أرادوها ألوالدهم واختارتك أنت ،وأهنا األنثى الوحيدة اليت ال تتحدث
كلهن يتحدثن عن أزواجهن ومن حيبُبَّ ،
وأن َّأم عنك يف ظهرك و َّ
15
صديقتها قالت البنتها تكحلي كفالنة "أي حبيبتك" وإال فال تتكحلي
وأن وأن وأن ،صدقين حّت إذا تزوجت منك وحضرت حفل زفاف ما،
وكان هلا منك أكثر من ولد فإهنا ستخربك عن نساء رأينها يف حفل
منهن وأخربهتن أهنا متزوجة وهلا
الزفاف وطلبلنها للزواج وأهنا خجلت َ
وظنن أهنا تتهرب منهن بقوهلا أان متزوجة.
يصدقن َ
َ فذهلن ومل
َ أبناء
استمع ّي صديقي هلا هبدوء استمع وأسعدها ولو ابلوهم ،أسعدها فإن
ادعني غري ذلك ،واعلم أن لكل أنثى مملكة
َ بُب الكذب ولو
النساء ُحي َ
من اجلمال ليست لغريها وال تتفوق احداهن على أخرى إال بصدق
العاطفة ،وأن الدنيا مليئة ابللوايت يتنظرن نصف ابتسامة منك بينما
أنت ُختلص هلا فقط ،والدنيا ّي صديقي ،الدنيا لديها فائض كبري من
ِ
املكلومات حباً اللوايت ينتظر َن فرصةً جديدة ،فلذلك أرجوك إذا
غدرتك يوماً وهجرت تذكر أن يف املستقبل نساء كثريات ينتظرنك،
يفوت املرأة ولكنه ينتظر الرجل ،ال تسألين كيف ذلك هذا
قطار احلب ُ
ما يكون دائماً وليس له تفسري ،ستكون هي جمرد ذكرى ..وما أصعب
أن تصبح حياتك ،كل حياتك جمرد ذكرى ،لكنه كأس ستشربه كما
شربه اجلميع من قبلك وسيشربه اجلميع بعدك.
•••••
16
الصحفي :واآلن ،وبع َد هذا الفراق العلقم ..على ِ
فرض أهنا تقرأ ُّ سألهُ
اللقاء الصحفي وأان أعلم أهنا ال بد أن تقرأهُ ولو بعد حني ،ماذا
َ هذا
تقول هلا؟.
ُ
إحداهن وهو انس
َّ زعزع األطراف كالذي اتصلت به
وج َد نفسهُ حائراً ُم َ
وهي ُحتزرهُ "احزر َمن أان؟ احزر" ،وهو
من فرط عالقاته من تكونَ ،
يسأل نفسهُ هل أرسلتها إحداهن الستدراجي!؟
أنك ستسألين
أعلم َ
كنت ُ
الصحفي السؤال فتدارك األمر وأجابُ :
ّ كرر
أسابيع من
َ قبل
وسبقك َ
َ الشعر سب َقين
َ ولكنك ال تعلم أن
َ هذا السؤال
وأجاب عنه.
َ سؤالك هذا
َ
هناك قصيدةٌ مل تُنشر بعد
-مجيل مجيل شاعران إذاً َ
-هو كذلك..
حاالت اللهفة هلا ّي شاعران ،ستكو ُن كوكب ِ
اجمللة هذا ِ -يف أقصى
َ
األسبوع بال منازع
َ
-أقول هلا:
ليس يل
ات َ الت ساحر ٌ
وختيُّ ٌ
َ
ِ
اإلغفاء من ِ
منها سوى حظّي َ
18
أطهر سحابة يف مساء احلُب" ،عبارةٌ كتبتها يوماً يف أحد مواقع "الزواج ُ
التواصل االجتماعي ،مل يُعلِّق شيئاً ..تركها تتقلب على النا ِر ثالثةَ َّأّيم
أيخذها ٌ
سؤال وأتيت هبا أسئلة ..التقيا بعدها يف املقهى مل يكن يف قلبها
وجتاهل.
أهم من معرفة ر ّدة فعله مبا كتبت َ
شيءٌ َّ
العرب يف احلب ِ
أصدق ما قالته قالت له -حدثين عن
ُ
وينظر يف عينيها مث قال :قول نزار
يضع فنجان القهوة ُ تبَّسم وهو ُ
19
سفرهُ األخري كا َن روحياًَّ ،
صدقتهُ غيداء لكنَّها ما وجدت يف دفرتها مما
بني سطور هذا الدفرت
تبئ َ
قال شيئاً ،بل فاجئها سرطا ٌن من الذكرّيت ُُم ٌ
َ
تسبب يف تساقط قلبها عدة مرات مما جعلها تتعاطى جرعات ُمكثفة
اح مساء ،كان ِشعرهُ هو املأوى احلقيقي هلا من كيماوي القصائد صبَ َ
خلص بني كل هداّيه ،هو املفزعُ يف
الرفيق املُ ُ
ُ والبقيةُ الباقيةُ منهُ ،هو
ِ
البكاء وهو الفرح ،وهل مثَّةَ ما يُدعى فرحاً بعد الفراق؟.
بني
املوت َ
ب َ القاتل ببطء فظيع وتنسيق رهيب ولكننا ُحن ُّ
ُ الشعر هو
تقول هلا :مل ِ
يديه ،دائماً ما تردد هذا أمام صديقاهتا وألمينة خاصةُ ،
ذات قرب فتلك البد يكن الشعر كزجاجة العطر اليت أهداها يل َ
وتنتهي ومل يكن الشعر خامتاً من ذهب وال عصفور كناري يُزقز ُق يوماً
ويسكت أّيماً.
ُ
حتدث ِبه
احلديث واستدرجتها اآلهات فباحت ألمينة مبا مل تكن ُ
ُ َّ
شدها
غري نفسها ،صارحتها مبا مل تُصارح ِبه صديقةً غريها فأكملت :سرقهُ
العني النظرة ،كا َن شاعراً مغموراً ال يعرفهُ حب الظهوِر ِّ
مين كما تسر ُق ُ ُّ
بنات اجلامعات عرب مواقع التواصل االجتماعي جمموعات قليلة من ِ
ٌ إال
كنت أمه بكل
والبعض من أصدقائه ،بدأ يكربُ شعرهُ شيئاً فشيئاً و ُ
أسف ،أرضعتهُ اإلهلام قطرًة قطرة وضممته إىل صدري يوم مقته الناس
وآويته بقليب يوم طردوه يف بداّيته ،اآلن وقد شيّ َد صرحهُ الشعري
رت
نسي أنين أمهُ امللهمة نسي كم سه ُ
وصارت قصائدهُ كالسحاب َ
حفرت حبه
ُ نسي ّي أمينة أنين
أترقب والد َة قصيدة جديدة ،لقد َ
ُ ليل ًة
20
الدمع جمراهُ يف خدو ِد أرملة ،لقد
ُ نقشت قصائدهُ يف قليب كما حيفر
و ُ
نسي أو تناسى ال يهمين هذا العاق ،ما يهمين أنين موقنةٌ ِ
هبالك من َ
ترك الشعر معي ومل أيخذه معه. ُّ
يعق أمه وأنهُ َ
وليس الشاعر!. ِ
تنهدت :الشعر ّي صديقيت هو حيب على ما يبدو َ
•••••
23
كنت مرًة يف أحد احملالت التجارية الكبرية أنتظر دوري لدف ِع ِ
قيمة ما ُ
ُ
يقف إىل يساري شاب أمسر طويل رّيضي القامة يرتدي
اشرتيت ،وكان ُ
قميصاً أزرقاً ،وضع أغراضهُ مبا فيها جوالهُ أمامه على طاولة احملل
نظرت
ُ جوالهُ " غيداء تتصل بك"
رن ّليخرج النقود استعداداً لدورهَّ ،
كنت ألنظر هبا لو كنت بكامل قواي شاشة ِ
جواله بطريقة محقاء ما ُ إىل ِ
26
كيف وأان مذ افرتقنا مل تذق تقرأُ وتُتمتم :ال أؤمن هبذا ِ
البيت إطالقاً َ ُ
ظل قليب يقظاً كأنهُ يف ِ
نوبة حرس، النوم أصالً وإذا أغمضتُها لربهة َّ
عيين َ
رسائله هذهِ املرة إَّنا حلذف ِ
رقمه ِ قامت مسرعةً إىل جواهلا ليس لقراءةِ
َ ُ
من قائمة احلب ،صحيح أنهُ مضى ثالثةُ أشهر على فراقهما وزّيدة
حذف ِ
رقمه من قبل أما اليوم فهي أقوى بكثري ولكنَّها مل تكن جترأ على ِ
مما مضى هي ال تعلم أن قوهتا هذهِ ستتالشى ِ
مبجرد حذفها الرقم ،لقد ُ َ
ذات
ترتك لقلبها فرصة غدر َ
حّت ال َحذفتهُ أخرياً ..حذفت رقمهُ َّ
شوق ..ولكن هيهات إنهُ حيفظُهُ عن ظه ِر ُحب.
تبحث
ُ حبَست األشوا َق يف قلبها ال هي أطعمتها لقاءهُ والهي تركتها
ِ
بسياط الال ُمباالة ،لكنها نسيت َّ
أن عنه ،وكلَّما اث َر عليها شو ٌق ضربتهُ
للشوق جيشاً من احلنني ال يُشبه جيوش العرب وال حكومات العرب ِ
ألجل شوق واحد حير ُك أسطوالً أبكمله ِفهو ال حيتفظ حبق الرد ،بل ّ
ِ
ابألشواق كلها؟ ،حتما سيبي ُد كربّيءها، فكيف
َ إذا تطلب األمر،
عاجالً أو آجالً.
قبيل الفجر تقرأ:
شاردةٌ على سريرها َ
ِ
وانسيه كما ينسى الرجال" " ِ
أحبيه كما مل حتبه امرأة
حّت َّ
جف ريقي ومل أستطع نسيانه، آه ّي أحالم ،قر ُ ِ
أت هذه العبارة ّ
ِ
أت كتابك "نسيان كم" كامالً ما يقارب العشر مرات ويف ِّ
كل مرة قر ُ
27
ِ
الصفحة األخرية أنتهي هبا وأريد أن أغلق الكتاب حيضرين وجههُ على
ليقول يل ُمتهكماً:
سيتِين ِ
حّت وإن مهَّشتين ونَ َ
ّ
ِ
والكلمات! ابق بشعري ِ
فيك
اشتقت ِ
إليه ُ صرت كلما
ُ املصيبة ليست هنا ّي أحالم ،املصيبة أنين
أت ِ
كتابك من جديد طمعاً برؤيته مرًة أخرى!. قر ُ
يوم قرأت لهُ نفس ِ
تصحو من سكرة احلديث مع نفسها لتتذكر كالمهُ َ
ضحك وقتها فاحتاً عيناه مندهشاً مث هدأ
َ العبارة ألحالم ذات لقاء،
توقعت أن تعثري
ُ قبلك ولكن ماقال :قرأهتا ِوسكت سكتةً خفيفة مث َ
أنك إن ِ
مررت هبا ستقفني عليها ومن مثَ كنت أعلم ِ
عليها ،مع ذلك ُ ُ
ستقرأينها علي
-وما أدراك؟
ختشني الفراق
َ -ألنكن معاشر النساء
َّنوت من الفراق مبجرد التفكري به،
حنن ال خنشى الفراق حنن ُ
بكآبةُ -
إنهُ ال يرتك لنا جماالً ألن خنشاه أصالً!
28
جام غضبها علينا حنن ِ
ّ-ي حبيبيت لقد صبّت أحالم يف عبارهتا هذه َ
الرجال دون حق ،كا َن األوىل هبا أن تقول لصديقتها :أحبيه كما مل حتبه
امرأة وضحي ألجله كما يُضحي الرجال.
أخاف أن تنساين يوماً؟
تقف بعينيها استعداداً للهطولُ -
غيداء والدمعة ُ
ِ
عقلك -كربي
غري احلديث بدأ صدري يضيق
أرجوك ّ
َ -
رفع رأسها الذي هوت به على صدرها بيدهِ وقال ُمغرياً جمرى احلديث
َ
اببتسامة-
-حبيبيتِ ..
أنت اثبتةٌ يف قليب ثبات األرقام يف الرّيضيات.
بصوت خافت وابتسامة خجولة -من أين أتيت هبذا الكالم ّي جمنون؟
ِ
عينيك!. بنظرة قاتلة -من
29
أول ما يفقدهُ املُحب هي رائحةُ أنثاه ،رائحةُ جسدها الروحيةَّ ،
ألن إن ََّ
كذلك
كل رجلَ ، ليس عرقاً إنهُ هرويني يدمنهُ ّ
أجسام النساء َ
ُ ما تُفرزهُ
تتعطر ألجله
تعترب النساء رائحة الرجل احلبيب ،كان شاكر يرفض أن َ
بل كا َن يُبالغ فيظهر الغضب إن فعلت ،كم مرة قال هلا اقرتيب مين
يقتصر على رائحة
ُ وحتدثي يف وجهي واتركيين ألنفاسكَّ ،
إن األمر ال
اجلسد وإدماهنا بني الطرفني فاألنفاس عامل آخر ال تستطيعهُ الكلمات.
لرسائله كالعادة ،قرأت منها ِ
هذه املرة: ِ فتحت جواهلا وعادت
كل ِ
الناس بدو َن أن أمام ِّ
وضح النهار ّي حبيبيت َ
تعرضت لسرقة يف ِ
لقد َ
رك أح ٌد ساكناً وبدون أدىن مقاومة مين أان املسروق قليب وماذا؟ من
ُحي َ
كيف لسارق أن يكو َن سارقاً
سارقة سرقتين وهي نفسها ال تدري!َ ،
وهو ال يدري إن هذا لشيءٌ عُجاب ،سأدفع الفدية اليت تريدين ولكن
إيل قليب.
أعيدي َّ
لتحجب عنها الرؤية، ِ
شاشة اجلوال دمعةً دمعة ط َد َمعاهتا فوق
تتساق ُ
َ
إهنّا ُحتب كذبه أكثر من صدقه ،جنونه أكثر من صوابهُ ،حتب أخطاءه
وطباعه كما هي بدون أن يغري شيئاً منها ،هذا هو احلب أن تقبل
وجبَره كما يقولون ،لقد كان
قبل إجيابيّـاته بعُ َجره ُ
الطرف االخر بسلبياته َ
لصوص مثله..
ٌ كل الناس
يظن أن ّ
اختصاصهُ سرقة القلوب وألن اللص ُّ
ِ
بسرقة قلبه. اهتمها
30
قبح الدنيا
تدرس فيها غيداء ستُنقذها من ِ ِ
ال كليةُ الفنون اجلميلة اليت ُ
ِ
جالفة البعد ،إنهُ الفراق بعد الفراق وال قصائده الرقيقة ستنقذهُ من
حنيل
مسني الدم ِع ُ
ثقيل النهارُ ، كئيب ِ
الليل ُ قاحل األجوبة ُغزير األسئلة ُ
االبتسامة ،إنه الفراق بدايةُ احلب ،فجميع ما كان قبله من حكاّيت
وتفاصيل إَّنا هو متهي ٌد للحب احلقيقي الذي أييت بعد الفراق.
بني احلب والتعلق شعرة يغفل
ما قبل الفراق يكو ُن التعلق ،والفر ُق َ
عنها الكثري من العشاق ،وتسمية ما قبل الفراق ابحلب ما هو إال وهم
وهم مث يُصدقونه عسى
يصنعه العشاق من التعلق ابآلخر ،ويعلمو َن أنه ٌ
أن جتعلهُ األماين حباً مث إذا عجزت عنهُ األماين وبدأ احلب احلقيقي بعد
الفراق تندموا وصارت تلك احلكاّيت تقصفهم بقنابل الذكرى وترميهم
ِّ
بكل ما أوتيت من قذائف التفاصيل!
31
32
الفصل الثاني
"حملةٌ أوىل"
33
34
تستمع عرب جواهلا لفريوز "سألتك حبييب" للذهاب
ُ تستعد صباحاً وهي
إىل الكلية ،قلبها يقول هلا :احبثي عنه أوالً مثَّ اسأليه ما ِ
شئت!.
صوت خوفها :ال أريد أن أقع يف فخ احلب كماُ صوت قلبها
َ يطرد
ُ
وبني
وت عقلها :ي ٌد مبفردها ال تُصفقَ ،
وقعن نساءٌ كثريات ،يُدامهها ص ُ
عقارب الساعة يف يدها وتتأخر كالعادة.
ُ كض
هذا القول وذاك تر ُ
وصلت إىل الكلية وكانت أمينة يف انتظارها أيضاً كالعادة حتت املظلة
رقم " "١٥أمام مقهى الكلية.
ِ
أنتظرك هبا ّي غيداء. أتخرت كثرياًِ ،
هذه هي املرة األخرية اليت ِ أمينة-
-أعتذر ّي أمونة وهللا أعتذر ،تعرفني زمحة الطرق صباحاً
ِ
أنتظرك أمام البيت صباحاً كل يوم ِ
تنفجر أمينة -هذا وبيتك فوق بييت و ّ
ُ
أتتني مشياً مثلما آيت أان، ِ ِ
حّت ينقطع أملي مث آيت فأنتظرك هنا ،وأنت َ ّ
فأي زمحة تلك؟ أما ختجلني من الكذب!؟
-تضحك بسعادة وخجل -كفى كفى ّي جمنونة.
مير هذا اليوم كما مير غريه ،ال جديد غري أن كلية الفنون اجلميلة ستعلن
ُ
يف هذا اليوم عن أمسية شعرية لشاعر شاب ليس معروفاً لدى الكثري
من الطلبة ،وستكون األمسية يف العاشر من الشهر القادم وهو اليوم
الذي تليه إجازة مدهتا ١٥يوماً لطالب الكلية.
35
هز شاكر ِّ
بكل ما أويتَ من بيان ألمسيته يف كلية الفنون اجلميلة، ُجي ُ
الفرق بينه وبني غريه من الشعراء أن الشعراء يكتبو َن الشعر أما
الشعر املتنفس الوحيد يف ِ
هذه املقربة هو فالشعر يكتبهُ ،إنهُ يعترب ِ
ويهش ِبه على
ُّ ِ
ضيقه يستعني ِبه على
ُ الكبرية اليت تُسمى "األرض"،
ِ
ملله ولهُ فيه منافع أخرىَّ ،
وألن الشعر موسيقى الروح فإنه تعلم عزف
العود وطاملا حلن ما يكتب ،مع أنه بني أصدقائه يكرر دائماً نفس
العبارة " كتبت الشعر ليقرأهُ الناس شعراً ال ليُغىن "ولكنه إذا خال بنفسه
العود مرتمجاً ابرعاً لرموز شعره.
كان يستسلم للعود ،كان ُ
أمتَّ قصائده اليت سيلقيها يف أمسيته األوىل يف حياته واليت كانت السابعة
يف احلقيقة ففي كل أمسية جديدة يعتربها هو األوىل ُُمفزاً بذلك نفسهُ
يكرتث ابلشهرة ألنه
ُ على أن أول أمسية هي فاحتة ملا بعدها ،إنه ال
يؤمن أن الذين يركضو َن خلف الشهرةِ يرسبو َن غالباً يف اإلبداع ،إ ّن
ُ
ويستطيع اخرتاق القلوب
ُ يطري هبا
اإلبداع مفتاح الوصول ،له أجنحةٌ ُ
و استيطاهنا ،لذلك كان حبثهُ عن اإلبداع وكتابة ما مل يسبقهُ إليه غريه،
حجمـه ومل يسمح غايته األمسى ،كا َن يف ِ
قلبه شيءٌ للشهرة طبعاً ولكنَّه َّ
دواوينه وقصائدهِ
ِ له ابلتفشي أبداً وهذا ما ساعدهُ فيما بعد على انتشار
حجمت شهوة كسبت رفعة ،اآلن وقد بقي على
بني الناس فأنت كلما َّ
حياول حفظ القصائد وال يستطيع ،يقولون :إن أعظم
األمسية ثالثة أّيم ُ
شعراء العامل ال حيفظون قصائدهم ،ال يدعي أنه من أعظم الشعراء يف
العامل إَّنا هو فعالً ال يستطيع حفظ قصائده وحسب.
36
ختاف من هذا و حتدثها نفسها دائماً:
لذلك كانت غيداء بعد احلب ُ
كيف لشاعر ال حيفظ قصائدهُ أن حيفظ عهوده!؟.
مل جتد إجابةً هلذا السؤال ،لكنها وجدت نصف إجابة عند صديقتها
كل الرجال ال حيفظو َن عهودهم!.
أمينة اليت قالت هلاُّ :
•••••
بُشرى تتصل..
غيداء -أهالً
-أهالً حبيبيت ،كيف حالك؟
-مشتاقة لك
-وأان أكثر ،ها هل ستحضرين أمسية الغد يف الكلية؟
-ابلطبع أان وأمينة
-مجيل إذاً سأتصل بسارة وأخربها
-جيد ،وما رأيك أن نذهب اليوم إىل السوق لنتحضر هلا؟
مساء إن شاء هللا ِ
-إذن سأكون عندك يف متام الثامنة ً
-إن شاء هللا ،وأحضري ِ
معك سارة ،مع السالمة
-مع السالمة
37
مساء ،وصلت بشرى وسارة ،وبعدها بدقائق
الساعة السابعة والنصف ً
نزلت غيداء مسرعة وخرجت أمينة من بيتها الكائن أسفل بيت غيداء،
وذهُب إىل السوق ،يف الوقت نفسه كان شاكر على َ وأوقفن تكسي
َ
موعد بصديقه أمري الذي كان يرافقه عاد ًة يف شراء مالبسه حبكم خربته
وعمله يف األلبسة الرجالية ،اشرتى شاكر طقماً رمسياً أسوداً وربطة عنق
األسود تعبرياً عن خلو قلبه من احلب
َ وردية لقميص أبيض ،كان اختياره
حبب قادم ال ُمالة،
واختياره اللون الوردي لربطة العنق تعبرياً عن تفاؤله ّ
أما األبيض فالشوق هلذا احلب الذي مل ِ
أيت بعد.
أهنت غيداء وصديقاهتا شراء مالبسهن يف الوقت الذي انتهى هو وأمري
ِ
بفنجان كذلك ،وكان الوقت ال يزال مبكراً ،قال له أمري :ما رأيك
قهوة ُم ّرة؟
-مجيل
-نذهب إىل احلمرا إذن؟
-توكلنا على هللا
احلمرا هو احلي الذي يزورهُ أغلب أهل ِمحص يومياً لوجود أشهر مقاهي
محص فيه ،كانت لغيداء وصديقاهتا ثالث زّيرات على األقل يف
األسبوع الواحد هلذهِ املقاهي ،خرج شاكر من السوق هو وأمري يف
الوقت الذي وصلت ِبه غيداءُ وصديقاهتا إىل احلمرا وجلسن يف مقهى
"ميكازا" ،هناك يف اخلارج على الكراسي اليت يضعها املقهى على
رصيفه.
38
ولكن املقاهي الثالث كانت ُممتلئة وال مكان إلبرة فيها ،مل
وصال أخرياً َّ
يكدرمها األمر كثرياً فقد اعتادا عليه ،وكالعادة ذهبا إىل املسبح البلدي
الذي يقع خلف املقاهي مباشرًة وجلسا على كراسي الطاولة احملجوزة
سواء حضرا أم مل حيضرا ،اجلديد يف األمر أن هذا اليوم كان
يومياً هلما ً
حافالً مبباراة فريقي "الكرامة والوثبة" وكانت الناس مجيعاً تتجه
بطاوالهتا وأنظارها إىل الشاشة الكبرية يف أول املسبح ،وأصوات
اجلماهري كانت عاليةً جداً خصوصاً أن املسبح كان اتبعاً للملعب
"ملعب خالد بن الوليد" فمن جيلس يف املسبح يشعر وكأنه يف امللعب
ألصوات اجلماهري القريبة جداً وإضاءة امللعب الكاشفة واليت تصل
للمسبح كذلك ،يف الوقت نفسه تتصل أم غيداء هبا لتخربها أهنا
وأخواهتا -خاالت غيداء -يف املسبح ،لتضطر غيداء إىل ترك املقهى
هي وصديقاهتا والذهاب إىل املسبح فوراً.
هذه الضجة وهو الذي يكره كرة القدم بطبعه ،ولكيانزعج شاكر من ِ
ال يفسد على أمري متعة متابعة املباراة اليت ما كان يعلم أهنا اليوم ،قرر
تبحث عن طاولة أهلها،
ُ أن يتحمل ،يف هذا الوقت دخلت غيداء
تلتفت
ُ هاتفها على أذهنا وأمها تدهلا وهي ابلكاد تسمع يف ِ
هذه الضجة،
مين ًة ويسرة حبثاً عن طاولة العائلة ،وجدهتا أخرياً ،كا َن من الالفت هلا
منظر شاكر ،لقد أدار ظهره للشاشة اليت أدار هلا اجلميع
ولغريها ُ
وجوههم!.
39
متييز مالُمه ،الفكرة اليت خطرت تنظر ِ
ويصعب عليها ُ ُ إليه من بعيد ُ
ستخطر ببال كل من يراه هكذا هي أنهُ ال ُحيب ُ بباهلا كالفكرة اليت
فعل ذلك جذابً ألنظارخطر بباهلا أن يكو َن َ
الكرة ،وزّيد ًة على ذلك َ
ضعيف لديها خاصةً أنهُ كا َن ممسكاً
ٌ ٌ
احتمال البنات من حوله وهذا
جيلس وحيداً يف غرفة ،قالت ألمينة :انظري هلذا الشاب ِ
جبواله وكأنهُ ُ
ب كرةَ القدم
نظرت أمينة -يبدو أنهُ ال ُحي ُّ
-ما الذي ُجيربهُ على اجللوس هنا إذن؟
صحبة صديقه على ما يبدو
هتز أمينة رأسهاُ -
أظن ذلك
-ال ُّ
مالك وماله ِ
أنت؟؟ دعيين أاتبع املباراة! -أووه ِ
40
اقرتبت من أذن أمينة وقالت هلا :جيذبين هذا النوع من الرجال.
أي نوع؟
أمينة واببتسامة مكرُّ -
-ال تتغايب
ِ
جيذبك له؟ -وما
شدين -ال أعرف ،شيء ِ
إليه ي ُ ٌ
-أعرفه جيداً
-ما هو ؟
-إمهالهُ لكل البنات على الطاوالت من حوله
-ال ليس هذا
-ماذاً إذاً
-إذا عرفت سأخربك!.
قضت أغلب ليلها وهي تُفكر به ،ما الذي جذهبا إليه؟ الكثري من
الشباب يلهثو َن وراء نظرة واحدة منها؟ هذا مجال ابن جرياهنا تقدم هلا
أكثر من ثالث مرات ورفضته مع أنهُ خريج "جتارة واقتصاد" ويعمل يف
االمارات ومادّيته جيدة جداً ،وهذا نضال ابن خالتها "طبيب جراح"
تقدم هلا كذلك ورفضته وهو من هو ،وفالن وفالن وعالن ،متر أمامها
حديث قلبها،
َ األمساء وقلبها يقول هلا هذا هو ،هي ال تريد أن تصدق
فهي ال تعرف من هذا الشاب أصالً ،مثَ ما الفائدة وهو الذي مل ِ
يلق
هلا اهتماماً أبداً ،مع أهنا يوم قامت وعائلتها لتغادر املسبح وافق ذلك
41
مغادرته أيضاً ،ومشى خلفهم والتفتت إليه أكثر من مرة يف ُماولة منها
ِ
صديقه وكأنهُ مل للفت انتباهه ،ولكنه كان منهمكاً يف احلديث مع
شيء يقتل املرأة كالتجاهل! يف احلقيقة مل
يتحدث إليه منذ سنة ،ال َ
يصف ألمري خوفهُ من ليلة الغد وأنهُ يشعر
يكن جتاهالً ،فقد كا َن شاكر ُ
جيب أن
سيقف على املسرح ألول مرة وأن الشعر أمانةٌ يف عنقهُ ُ
ُ وكأنهُ
إيل ما الفائدة وأان
يؤديها على أمتّ وجه ،تقول يف نفسها :حّت لو انتبه ّ
تنتظر منه نظرًة فقط ،نظرةً تضم ُن
ال أعرفه وال أعرف له عنوان؟ ،كانت ُ
تتأمل القمر الذي هلا النوم ِ
اك غرفتها وأخذت ُ هذه الليلة! فتحت ُشبّ َ
تغطى من برده ابلغيوم ،حتاول اهلروب من هذا الوسواس الذي ركبها
حّت الصباح. ِ
فإذا به مي ّد بساطهُ يف خياهلا ويرتبع يف أفكارها ّ
كأنك
ألق شعرك و َ ُحتدثُهُ نفسهُ وهو أمام املرآةِ يتجهز للخروج لألمسيةِ :
ِ
البداية انظر جتلس يف غرفة وحدك ،إيَّـاك أن ترتعش من احلضور ،يف
اح عنك
إىل أعلى رؤوسهم وسيظنو َن أنك تنظر إىل أعينهم ريثما تنز ُ
بني احلضور تكون لك! ِ
ألق عل فتاةً َ
الرهبة ،ابتسم أوالً ،وما يدريك ل َّ
بكل جوارحك ،دع كل عضو يف بدنك يُلقي القصيدة كما حيلو له ِّ
ساحةُ الشعر شبه فارغة وأنت هلا ولو كانت ممتلئة ،يوماً ستذكر ِ
هذه ُ ُ
كربت.
األّيم وتضحك كم كنت صغرياً ..وكم ُ
فتح له شاكر الباب فرآهُ فرحاً ُمبتسماً مما
يف هذه األثناء وصل أمريَ ،
خفف حدة التوتر عنده.
42
ط لهُ ربطة عنقه وشاكر يبتسم ،سألهُ أمري :علىبدأ أمري يعطّره ويرب ُ
غري عادتك يف األمسيات الست املاضية أراك ُمبتسماً؟
أخرج فيها إىل أمسية وهي بعيدة حفظها ِ
تذكرت أمي ،هذه أول مرة ُ
ُ -
هللا ورعاها
-بقي لك أّيم وتُسافر عندها ،املهم أن تعترب أن أمك بني احلضور
وأنك ستبذل كل جهدك لتسعدها بك
-هو كذلك ّي صديقي ..هو كذلك
الوقت ِ
نفسه كانت غيداء وأمينة ينتظرن سارة وبشرى يف بيت أمينة، ِ يف
وأوقفن تكسي وإىل الكلية
َ إليهن
وصلن أخرياً وخرجت غيداء وأمينة ّ
َ
وهن
فوراً ،بقي على األمسية عشر دقائق ،وصل شاكر وصعد املسرح َّ
طالب يف كلية اهلندسة املدنية،
ما زلن يف الطريق ،قدمهُ للجمهور بسام ٌ
يرحب فيهما ابحلضور:
ُ صعد املنرب ُمبتسماً وبدأ ببيت ِ
ني
أندر األفراحا
ـرح أنَـا ،ما َ
فَ ٌ
صار صباحا ِ
بك ُـم ..وليلي ف َّـي َ
43
أي دعوةِ أم يف ِ
ليلة قدر انل شاعراً حبضوركمُّ ..
حظ َأي ّ
يُتابع نثراً ُّ :
صفق اجلمهور حبرارة أكرب.
أصابته؟ ،يُ ُ
هنا وصلت غيداء وصديقاهتا ونزلن عند مدخل الكلية ،كان بني
نزوهلن من التكسي ُّ
يرن َّ املدخل واملسرح قرابة أربعمائة مرت ,ومبجرد
تتأخر
هاتف غيداء ،إهنا أختها زهراء ،ماذا تريد؟؟ّ ،ي ساتر ّي ربُ ،
ُ
عن البنات قليالً وتقول هلن اسبقنَين وسأحلق بكن ،تفتح اخلط
-ألو
زهراء بصوت ابك -غيداءِ ..
أمك ّي غيداء زلقت يف املطبخ وهي
صوت زهراء ،وتنهار أعصاب يقطع البكاء ِ
َ ُحتضر ألبيك القهوة ،مث ُ
ِ
كاجملنونة يف الشارع وتؤشر للسيارات من أجل تكسي، غيداء ،تركض
تقف هلا سيارة تكسي أخرياً وإىل البيت.
•••••
44
ئ على هذه األرض أن يستشعر مدى األمل الذي جعل
لن يستطيع قار ٌ
شاعراً يكتب ما يقرأهُ هو وغريه إال أن يكو َن شاعراً مثله ،كذلك املُحب
لن يستشعر حبَّه من مل يذق احلب حّت ُحيب وهلذا شواهد كثرية يف
األدب العريب أعذهبا قول أيب الطيب املتنيب:
حّت ذقتهُ
وعذلت أهل العشق َّ
ُ
يعشق!
ُ وت من ال
كيف مي ُ
فعجبت َ
ُ
لكن شاكر استطاع أن ُيرق هذه القاعدة فكتب عن الفراق وعن َّ
اهلجر واللوعة عن الشوق واحلنني وهو مل يعش شيئاً من هذا كله وذلك
مر به أصدقاؤهُ وخاصةً أمري الذي كان ُحيب تغريد حباً جنونياً
بتأثره مبا َّ
أي حب ،كانت هنايته الفراق ،كان أن أمري يقول كانت هنايته كنهاية ّ
يبتسم
ُ تكتب مويت بيديك ّي شاكر ،كان
ُ أنت
كل قصيدةَ : له بعد ّ
ِ
ابملوت أتتيك احلياة. وجييب:إَّنا
ُ
عما كابدهُ أمري شيء أمام ما
مع ذلك لن يكون إبداعهُ يف الكتابة َّ
سيكتب موتهُ بيديه لكنها لن توهب له احلياة
ُ سيكتبهُ عن نفسه يوماً،
ألن احلب مّت وقع يف قلبك لن ُيرج منه ما حييت كما كان يعتقدَّ ،
وعند املوت سيموت معك ،إال إن كنت شاعراً فستموت أنت وُيلد
هو.
45
تغريد اليت أحبها أمري وأحبته قالت لهُ يوماً :تعال واخطبين ولو خبامت
هي األنثى تتنازل عن أغلى ما متلك ألجل احلب،
من خشب ،هكذا َ
ِ
مشاعره وزواجه منها كيف ال وهي اليت هتدي حبيبها مكافأ ًة لصدق
عُذريتها ،إذا كان هناك شيءٌ يف هذهِ الدنيا ال يُقدر بثمن فهو عذرية
األنثى ،ومع ذلك أيخذها الزوج حباً ،لقد كان أمري ُُمباً صادقاً ،استمر
لتسعة أشهر كاملة يستيقظ صباحاً ويلبس ويتعطر وُيرج ليقف هلا يف ِ
طريقها إىل اجلامعة عسى أن يرق قلبها وتنظر له ،كانت مولعةً به طوال
هذهِ املدة لكنها كانت كاليامسينة بيضاء القلب نقية الروح ختاف أن
تقع يف شباك احلب ،ختاف أن حتب شاابً هي ال تعرفه إال من خالل
وقوفه هلا يف طريقها ذهاابً وإّيابً ليسمعها كلمات من غزل يبان صدقها
يف مالمح وجهه ،إهنا ال تثق بشاب أهداها غزالً من ِ
خالل الطريق،
غازل غريها هكذا كان فكرها يف البداية ولكنه تغري مع
فكما غازهلا سيُ ُ
إصراره ملدة تسعة أشهر ما قطع فيها يوماً ،وهي اليت ما ابتسمت له
تغيب
وال نصف ابتسامة ،يف احلر يف الربد يف املطر يف الصحو يف الثلج ُ
هي وهو ال يغيب ،أينما التفتت رأته أمامهاُ ،حتب األنثى بطبعها هذا
اجلنون إنه يُشعرها ابألمان.
كل ُماوالته يف أن يصل هلا قال له شاكر :أستطيع أن
بعد أن فشلت ُّ
آتيك برقمها
أمري ينتفض -كيف!؟.
سر املهنة.
يغمزهُ ُمبتسماً -ال تسألينُّ ..
46
أمري غاضباً -قل يل كيف وإال..
-وإال ماذا؟
بدأت أغتاظ منك قل يل كيف.
ُ -
-وما شأنك أنت؟ أان أحضره لك
بغيظ -ال أريده
يضحك -رأيتها برفقة هدى ابنة خاليت قبل أّيم يبدو أهنن يدرسن يف
نفس الكلية.
-رائع جداً ،ممتاز ،وماذا ستفعل
-هذهِ مهميت أان ال عليك
اتصل أخرياً..
47
تغريد -ألو
يبقى صامتاً
-ألو
ستمراً بصمته
يغمض عينيه ُم ّ
-ألو ألو
غلق السماعة ..ويبتسم.
تُ ُ
•••••
48
تتخل عن أكثر مبادئك -إن مل يكن كلها ،-إذا مل تشتعل َّ إذا مل
كالسيجارة شوقاً كل اثنية ،إذا مل يُعاديك أهلك وأصحابك ،إذا مل
تقدم على أشياء ما كنت لتفعلها من قبل ولو أُعطيت جبالً من ذهب،
شك جديد عن ألف عذر غري مقنع وتعرف أنه
إذا مل تبحث يف كل ّ
غري مقنع ومع ذلك تقتنع ،إذا استطعت أن تنام يف الليل لساعات
متواصلة ،إذا استغنيت خلمس دقائق عن هاتفك احملمول ،إذا كنت ال
ألفي مرة ،إذا مل
تقرأ رسائل احلب ألف مرة يف اليوم وتراجع ُماداثته ّ
صوت
ُ تغلب
يرتسم طيف احلبيب أمامك كل ما رمشت عينك ،إذا َ
عقلك على صوت قلبك ،إذا مل تنتقل بلمحة حب من كائن حيمل يف َ
كرّيت حنني وبكاء ،إذا ِ
داخله كرّيت دم محراء وبيضاء إىل كائن حيمل ّ
وأنت على قيد احلياة ..فراجع ِ
ابلصداقة بعد احلب ،إذا مل متت َ آمنت
َ
حبك.
ال تكن يف احلب كالذين يص ّفو َن أحرفهم بشكل ُمرتب يف صفحات
أنيقة ويطلقو َن عليها اسم كتاب فقط ليكتبوا على ملفهم الشخصي
يف مواقع التواصل االجتماعي مؤلف كتاب كذا ومؤلفة كتاب كذا،
وهذه الكتب مل يسمع هبا أحد وقد تكون ممسحةً لزجاج احملالت يوماً
ما كاجلرائد ،ال تكن كذلك كدور النشر اليت تساعدهم على تقدمي ِ
هذه
قراء.
النفاّيت األدبية اليت أحرقت علينا ما تبقى ّ
49
عليك أن
أطلق لروحك العنان دعها تطري ،كن ُمتلفاً يف حبك ،ليس َ
حب ،احلب ال حتتاج معه ملدارس وال جامعات وال
تكون أكادميياً لتُ َّ
دورس خصوصية ،كمال احلب يف أن يكو َن أُميَّا.
روحك إذن ،دعها متارس اجلنون الذي ال تسقيم بغريه عالقة والَ أطلق
ختليت عنه
َ يدوم دونهُ و ّد ،نعم اجلنون ،ال تستغرب هو روح احلب إذا
روح فيه ال مغامرة ،جسد ضاجعه
فأنت تعيش احلب جبسد ميت ال َ
أنت
ب حبوهم ،ضاجع َ ِ
فأجنب هلم الفراق ،ال َحتْ ُ
َ العشاق قبلك ماليني
ُ
لك البقاء ..من يدري؟الروح لعلَّها تُنجب َ
•••••
أغلقت أمينة اخلط ومل تعط غيداء فرصةً لتعتذر عن استقباهلا ،كانت
ُُمملةً مبفاجأة ال يستطيعها الصربُ ،وخائفة ابملقابل من أن يكو َن وقع
لصديقتها أي مكروه ،و ّدعت الصباّي ،ركبت سيارة األجرة وإىل غيداء،
األحاديث أمينةَ من نفسها ،إنّـهُ نفس الشاب الذي
ُ ختطف
ُ يف الطريق
كان يف املسبح البارحةّ ،ي هلا من مفاجأة ،لن تصدقين غيداء ،البد
كل الندم ألهنا عادت إىل البيت ،ما الذي أرجعها للبيت
أهنا ستندم ّ
هذهِ اجملنونة؟
ِ
سدل الستار على العرض األخري
ص من حوهلا تُ ُ ِ
تسري السيارةُ ببطء ومح ُ
ليوم شاق.
52
يف هذا الوقت خرج شاكر عريب وصديقه أمري من األمسية وقررا
الذهاب إىل شارع اخلراب مشياً ،املسافة ال تزيد على نصف ساعة
سرياً على األقدام.
•••••
54
ليس أصعب من أن تولد شاعراً يف زمان ال يعرف من الشعراء إال
أراذ َهلُم ومن ِشعرهم إال مدح امللوك واألمراء ،ليس أصعب من زمان
أيد املوهب َة
حولك أميّون يف الشعر ،زما ٌن ُ
َ ومجيع من
ُ تول ُد فيه شاعراً
ايب شاتهُ ،إنّـهُ
يذبح األعر ُّ
ويذبح الكلمةَ كما ُ
ُ اجلاهلي ابنته،
ُ أيد
كما ُ
عصر "الربيستيج" الذي أثّـر حّت على القراءة،
احلديث إذنُ ،
ُ العصر
ُ
القراءّ ،أما اآلن فهم ُكثر ولكنهم قراء
ففيما مضى كنّا نشتكي قلةَ ّ
بريستيج ،يقرأ أحدهم فصالً أو فصلني من رواية ما أو قصيد ًة أو
قصيدتني لشاعر ما فقط ليكتب يف مواقع التواصل االجتماعي قرأت
كتاب كذا ،وأعجبين ديوان كذا ،ايهاماً منه ملن يتابعه أنه مثقف ،من
الذي أقنع هؤالء أن أحدهم إن حفظ أمساء عشر رواّيت وقرأ مقدمة
ديوان شعر صار ُمثقفاً؟ ليس أبشع من أن تولد شاعراً يف زمان ال
يعرف الشاعر إال بعد موته ،ما ذنب الذين يولدو َن ويف فمهم ملعقةٌ
ثقايف ِ
الناس ويف فمهم ملعقةٌ من فقر؟ ،فقر ّ
من شعر يف جمتمع يول ُد فيه ُ
ُمرعب ،على حساب األدب وعلى حساب اللغة وعلى حساب الثقافة
والرسم والفنون ستج ُد أن املُه ِّر َ
ج هو رجل اجملتمع األول ،وصدقين ال
النار ثالثة أّيم
تدفن الشعراء وتُشعل َ أابلغ حني أقول َّ
إن القبائل اليوم ُ
مبهرج!.
يف مضارهبا إذا بُشرت ّ
قال شاكر ألمري هذهِ الكلمات ُمتحسراً ومها جيلسان لشرب القهوة
اجلمال ال
ُ يف اخلراب بعد األمسية ،صمت أمري قليالً متأمالً مث قال:
ُُيبّ ُئ نفسهُ ّي شاكر ،أنت عليك أن تكتب ،والكتابة وحدها كذلك ال
55
تفي ابلغرض ،أنت عليك أن تُبدع ،أن تبتكر لغةً شعريةً خاصةً بك،
أنك إن استسلمت هلذا الواقع فإنك لن تصل ،أنتثق ّي صديقي َ
رتجم لغةَ الصدور من مشاعر وأحاسيس إىل كلمات،
شاعر والشاعر يُ ُ
لست أرى عمالً من أعمال الدنيا أمسى وأجل من هذا ،إذا بقيت
و ُ
ُُمبطاً فلن تصل أبداً ،مث مالك ومال الوصول؟ الوصول للناس ّي شاكر
يقول الشاعر:
ليس بيدك هو توفيق خالص من هللا ،وكما ُ
إذا مل يكن عو ٌن من ِ
هللا للفّت
فأول ما جيين ِ
عليه اجتهادهُ! ُ
أكتب ألتنفس،
لست حزيناً على نفسي ّي أمري فأان أكتب يل أان أوالًُ ،
ُ -
ألعيش ،فالكتابةُ طريقي الوحيد إىل احلياة بطمأنينة ،لكنه يؤملين ما
وصل إليه حال الناس مع العربية.
ويهز رأسهُ ُمتحسراً -صدقت وهللا.
شعل أمري سيجارتهُ ّ
يُ ُ
هنا و ّدعت غيداءُ أمينةَ وأغلقت ابب البيت وراءها عائدةً إىل غرفتها،
شاعر إذ ْن!؟ وامسه شاكر عريب وله ديوا ٌن يف املكتبات.
إنهُ ٌ
هي اآلن وسيكون هذا الديوان آخر األفكار قبل النوم وشراؤهُ
ستنام َ
ُ
ّأول شيء يف جدول الغد.
56
-صباح اخلري ،بكم هذا الديوان؟
البائع -صباح النور ،مبئيت لرية
-ملَ ،سعرهُ غال
-منذ مّت مل تشرتي كتاابً؟
عم
-ال أذكر ّي ّ
تغريت ّي ابنيت
-األسعار ّ
-الأبس أريده
-تفضلي
وأكثرها ِ
أكثر الشهور حرارًة ُ
الثامن يف السنة امليالديةُ ،
ُ إنهُ آب الشهر
راحةً وأقلُّها استمتاعاً مع أنهُ غالباً يتوافق مع اإلجازة السنوية لطالب
يصعب عليك فيه أن تتنزه أو أن
ُ حار
شهر ّ املدارس واجلامعات لكنهُ ٌ
ِ
ُمافظات سورّي ُمافظةً ابردة متشي هناراً يف شوارع محص اليت تُعترب بني
أصالً فما ابلك يف غريها ُُمافظة؟ يستعد شاكر بعد أّيم للسفر إىل
دام
حيث تعيش عائلتُه ليقضي معهم شهراً كامالً بعد فراق َ
اإلمارات ُ
قرابة الستة أشهر ،ولكنه اآلن وقد بقي على سفره أسبوع أراد أن
ـب" املنطقة السياحية الشهرية اليت تقع على احلدود
ـس ْ
يقضيه يف " َك َ
يقول شاكر وهي كذلك
السورية الرتكية ،إهنا جنّةُ هللا يف األرض هكذا ُ
57
فعالً ،سكاهنا من األرمن وهم هادؤون ُمساملون ،لقد اعتادوا على أن
وبيت ملن ال بيت له،
مدينتهم ليست ملكهم ،بل هي أمٌّ ملن ال أم له ٌ
أشهر العسل
روح له ،إهنا مسقط قلوب العشاق ومدينة ُ
روح ملن ال َ
و ٌ
للعرسان ،كان شاكر يذهب إىل كسب ألنهُ كان مؤمناً أنهُ كلّما اتسعت
مساحة الطبيعة اتسعت مساحةُ اإلبداع ،إ ّن الطبيعة أنثى واألنثى هي
يتوجب عليه أن يبحث عنها وأن يبقى بقرهبا ما
ُ ُملهمتُه ولذا كان
حّت يُغذي جتربتهُ الشعريةَّ ،
وألن األسد كما يقول الكاتب استطاع ّ
أدهم شرقاوي يفتقد مهارة القتال داخل املاء ،والقرش ال يستطيع
مهامجة قطة خارج املاء ،كان عليه أن يعمل بوصية الكاتب "اكتشف
نقاط قوتك مث اخرت البيئة الداعمة هلا" إنهُ يعرف نقاط ِ
قوته الشعرية
ب وأحسن
جيداً وعليه أن ُيتار البيئة الداعمةَ هلا ،لذلك اختار َك َس ْ
االختيار.
بينما كان هو يف طر ِ
يقه صباحاً إىل كسب كانت هي تطرق ابب أمينة
أمينة -من؟
-افتحي
أتفتح الباب ضاحكةً -أسفة قالت يل ماما ال تفتحي للغرابء.
-ما أمجل املاما وبنات املاما.
-اسبقيين إىل اجلُنينة ريثما أُع ّد القهوة ،وبينما ذهبت أمينة تُع ّد القهوة،
ّم على شجرة الليمون يف اجلُنينة.
ذهبت غيداء تُسل ُ
58
بني هذهِ الشجرة وبينها عالقةٌ روحية تُشبهُ عالقة البنت أبمها ،إهنا
تشتا ُق هلا كمان تشتاق ألمينة ،وكلما زارت أمينة كانت حتتضن أغصان
ِ وتشمها قبل أن جتلسَّ ،
إن لليمون رائحةُ اجلنّة ،قالت غيداءُ الليمون ّ
حتمل صينية القهوة.
ألمينة وهي قادمةٌ حنوها ُ
أمينة وهي تضع الصينية على الطاولة -جعلنا هللا من أهلها
تصب القهوة وأخرجت الديوان من حقيبتها
جلست غيداء وأمينة ُّ
أمينة -ما هذا الكتاب؟
-ديوان شعر
أمينة بدهشة جعلت القهوة ترتج يف يدها -اشرت ِ
يته! ّ
هتز برأسها مبتسمة -نعم
ّ
ّ -ي ِ
لك من فتاة
-ال تُلغّزي ابلكالم ،ماذا تقصدين؟
اببتسامة -تُفكرين ابلوصول إليه وإيقاعهُ ِ
بك. َ
ابنفعال -غبية! كيف أصل إليه وأان ال أعرف عنه شيئاً!؟
تضحك أمينة بصوت مرتفع قليالً -على هامان ّي فرعون.
تغضب منها غيداء وتُدير وجهها عنها وتفتح الديوان
سمع أمينة:
وتقرأ بصوت يُ ُ
اإلهداء
أي أعرف امسها وال رمسها ،فو َق أي أرض ُك ِ
وحتت ّ
نت َ ّ ُ "إىل اليت ال
مساء ..أحبُّ ِ
ك!".
59
شاعر يُهدي ديوانهُ األول المرأة ال يعرفها! ،أيعقل يف هذا الزمان أن
ٌ
تسأل غيداء عائد ًة
أي شاعر هذاُ ، شاعر المرأة مل ِ
يلتق هبا؟ ُّ يكتب ٌَ
بوجهها إىل أمينة.
صدقني هذا ِ
أنت؟ َ -وهل تُ
ِ
لكتابة هكذا إهداء؟ -ما الذي يدفعهُ إذن
شاعر ص ْنعتهُ الكتابة فم َّم تعجبني؟
-إنهُ شاعر ّي عزيزيتٌ ،
تعود برأسها للديوان غري مقتنعة مبا قالته أمينة.
تقلب الصفحة وتقرأ بعينيها:
ُ
ِ
انتظارك".. أمل
شئت فأان ال ُّ ِ
أخربك ..أتخري ما ِ "نسيت أن
ُ
تقلب الصفحة لتجد قصيد ًة جاء يف هنايتها:
ُ
حر ِ
قت أحالمي وبع ُد مقاومٌ َّ
ِ
انتظارك ساهرة ألف عني يف
يل ُ
احلنني يؤزُّين
إن َ ال تعجيبَّ ..
ك قادرةاض حبِّ ِ
وعلى دمي ،أمر ُ ُ
يب شو ُق لو َّ ِ
غشاك منهُ أقلُّـهُ
حّت القاهرْة! بريوت ّ
َ ِ
ملشيت من
60
ما هذا التناقض -قالت ألمينة.
أي تناقض؟
ّ -
-هذا الشاعر يُهدي ديوانهُ المرأة ال يعرفها و يبدأه بقصيدة المرأة
هجرته!
جيب أن ال تستغريب مع الشعراء شيئاً ّي غيداء.
ُ -
ألف فتاة يف حياته!؟.
الشاعر َ
ُ يعشق
ُ وملَ؟ هل
-ال طبعاً ،أظنهُ أراد من هذه البداية أن ُُيرب القارئ أنهُ إىل اليوم مل
مررت
ُ ِ
وابلقصيدة أراد أن ُيربهُ أنين ِ
يلتق الفتاة اليت تستحق حبّهُ،
بتجربة لكنين ال أعتربها ُحبّاً.
بتعجب -أووه أمينة ،ال يعتربها حبّاً وهو يقول هلا
يب شو ُق لو َّ ِ
غشاك منهُ أقلُّـهُ
حّت القاهرة بريوت ّ
َ ِ
ملشيت من
61
-مل أخرج عن إطار العقل ّي غيداء ،صدقيين هذه هي احلقيقة ،أمل
يقل املتنيب يوماً:
جل ِ
َك َفى جب ْسمي ُحنُوالً أنّين َر ٌ
لَ ْوال ُُماطَبَيت ّإّي َك ملْ تَـ َرين!
ِ
حّت أنّهُ
أهل الشرك ّوأخفت َ
َ
لق!طف اليت مل ُخت ِ
ك النُ ُ
لتخافُ َ
يقول يف مطلعها:
ـثري َع ّـزة اليت ُ
أمل ندرس يف املدرسة قصيدة ُك ّ
عزَة فاعقال
بع ّ
خليلي هذا ر ُ
َّ
حيث حل ِ
ّت قَلوصيكما ،مثّ ابكيا ُ
مس جلدها
سا تُراابً كان قد َّ
وم ّ
ُ
حيث ابتت وظل ِ
ّت وظال ُوبيتا ّ
•••••
63
ّي عزيزي ّي عزيزي يقول كارل ساندبرغ :أن تطلب من أحد كتابة
قصيدة ،كأنك تطلب من سيدة حامل أن تلد مولوداً ذا َشعر أمحر!.
سب بعد ِ
هكذا أجاب شاكر أحد الذين اتصلوا به وهو يف طريقه ل َك َ
نقاش طويل ،وكا َن املتصل أحد احلضور الذين حضروا آخر أمسية له،
طلب منهُ قصيد ًة يُهديها حلبيبته يف اتريخ تعارفهما على أنه من كتبها.
املتصل -ولكنك كما قال يل أحد أصدقائك كتبت عنه وعن حبه أكثر
من مرة.
كتبت لبعض أصدقائي نعم ،ولكن هنا ُيتلف األمر،
ّ -ي حبييب أان ُ
عايشت قصته حلظةً بلحظة وأتثرت
ُ كتبت عن صديق
فأان إن كتبتُ ،
هبا ،مث إنين ال أتنازل عن قصيدة لصديق حّت ينسبها لنفسه ،إهنا ابنيت،
أتنازل عن بنت من بنايت!؟.
كيف ُ
إنين أستطيع اآلن أن أكتب لك ،لكن لن يكون شعراً صدقين إنه جمرد
نظم.
عر عن َد غريك. ِ
فالنظم عندك ش ٌ
ُ -ال مانع عندي،
تعجب من دهاء املُتصل -ال مانع ،مّت تُريدها؟
بعد سكتة ُّ
-اخلميس إن أمكن فتاريخ تعارفنا يوافق يوم السبت وأريد أن أتدرب
على إلقائها
شاكر -أبشر
املتصل بسرور -كل الشكر لك ولن أنسى هذا املعروف منك.
شاكر-أهالً أهالً ،أهالً وسهالً
64
يُغلق اخلط مث يبحث عن اسم أمري يف املكاملات الصادرة ويتصل:
أمري -أهالً
-أهالً بك ّي صديقي
-أخربين هل وصلت
-احلمد هلل وصلت
-كيف األجواء؟
أستطيع أن أصف لك هذا اجلمال ،هذا الشعور
ُ -إهنا كسب ..ال
الذي يعرتيين ّي أمري.
تب أموري وأحلق بك يف أقرب وقت إن شاء هللا
-سأر ُ
وصفت لك شعوري فلن أكون ُمنصفاً ،إنهُ يُشبهُ إىل
ُ -تعال فمهما
تنام وحدك وتستيقظ يف حضن امرأة! ،ويضحك.. ح ّـد ما أن َ
ِ
للنساء ّي شاكر ك
أمري يضحكّ -ي َحلُبّ َ
هن
-ومن ال ُحيبُّ ّ
-أان
ب
أنت ُحت ُّ
هنَ ،
أنت ال ُحتبُّ ّ
يضحك شاكر بصوت مرتفع -صحيح َ
الكذب.
بقي على أذان العص ِر نصف ساعة تقريباً -،ما أمجل أن تنام نصف
ساعة يف اجلنة ،هكذا ح ّدث نفسهُ وهو يستلقي على كنبة "البلكون"
اخلارجي للشقة اليت استأجرها ومن أمامه واد فيه من اخلضرةِ ما يف
الزرقة. ِ
السماء من ُ
65
سينام اآلن لكنه لن يستيقظ بعد نصف ساعة كما كان ينوي ،هذا
النقي الذي يستنشقهُ اآلن ،البعيد عن تلوث املدن ال ُكربى
اهلواء ُّ
مساء.
حّت العاشرة ً
ينام ّ
سيجعله ُ
ِ
صديقه إنه ال ُجييب وصل أمري يف التاسعة والنصف ،أيكلهُ قلقه على
على اهلاتف منذ ثالث ساعات وأكثر ،توجه ُمباشرة إىل الشقة اليت
ظل يطر ُق الباب وال ُجميب.
يستأجرها شاكر دائماّ ،
•••••
67
كأنين وردةٌ انمت ملكةً يف بستاهنا الوطن واستيقظت َسبيةً خلف زجاج
تنتظر هنايتها كهدية ملريض يف مستشفى ،أو إذا رزقت حسن
ُمل ُ
اخلامتة فهدية من عاشق ملعشوقته!.
69
فكرت يف هذا وال أظنه قرأها ،إهنا لكاتبة مغمورة حبسب ما قرأت
ُ -
يف النت.
-ال أشك ِ
أنك جمنونة
أضافت قبل اخلاطرة ما نصحتها ِبه أمينة :صباح اخلري أستاذ شاكر
أحببت أن آخذ رأيك يف هذه اخلاطرة ويُشرفين نقدك.
وأرسلت الرسالة.
70
الفصل الثالث
"حملةٌ اثنية"
-أغااث كريسيت
71
72
كانت ملى عائدة إىل بيتها برفقة غيداء ملّا خرج أحدهم فجأةً أمامها
يقطع الطريق لتصدمه بسيارهتا ،كل الذعر الذي أكل قلبها حلظة
ذرة أمام ما جرى هلا ملّا نزلت مسرعة لرتى
صدمها الرجل ال يُساوي ّ
يسبح يف دمائه!.
حبيبها توفيق ُ
حّت
غيداء رقيقة القلب ،اجلديدة على القيادة ،من أين هلا قوة القلب ّ
حتمل الرجل وتضعه يف السيارة؟ ،من َمثّ حتمل ملى املُغمى عليها كذلك،
األمر لكثري
وتضعها إىل جانبها وتقود السيارة إىل املستشفى ،ال حيتاج ُ
صانع املُعجزات.
تفكري ،إنّـه اخلوف ،اخلوف ُ
ملى واليت وصلت السنة الثالثة يف علم االجتماع بوالية تكساس أبمريكا
قالت لتوفيق يف آخر لقاء قبل الغروب ودموعها تُغطّي مالمح وجهها:
بت من أجلك أنك أنت من اختار ِ
هذه النهاية وأنين حار ُ تذكر دائماً َ
ضم املعارك ما ِ
ستنسحب وأان يف خ ّ
ُ أعرف أنك
كل األرض ولو كنت ُ
ّ
بت من أجلك بعوضة!.
حار ُ
مر على حادثة صدمها ّإّيه سنة
كتب هلا توفيق وهي يف أمريكا وكا َن ّ
وهي اليت أحبّته قبلها بستة أشهر وتركته بعدها بسبعة أشهر رسالة
ليس إال بقاّي ِ يقول فيها :أكتُب ِ
حيث ال أنت وال أانَ ،
لك من هناُ ،
وأمر من هنا ،األوىل أن تسأليين
أعود ُّ
من لقاءاتنا ،ال تسأليين ملاذا ُ
نفض ُدخا َن
وأشرب القهوة وأ ُ
ُ أجلس عليها
ُ ملاذا تُالحقين مقاعدان؟،
لست معي؟ ولن تصرخي يف وجهي ال أألنك ِ
احة يديِ ،سجائري يف ر ِ
أخاف على يديك؟؟
ُ تفعل هذا
73
هطل املطر ّي حبيبيت..
َ
ين حتت من سأخبئ يف معطفي ِ
ات أمامي اآلن جير َ
هذه املرة؟ نساءٌ كثري ٌ
ِ
املقاعد وحدهم مثلي ال جيدون ما ٌ
ورجال كثريو َن جيلسو َن على املطر،
ُُيبؤونهُ يف معاطفهم ،أان الذي ِ
كنت إذا نزل املطر تنتفضني كالعصفوِر
أسك حتت معطفي مطوقةً بذر ِ
اعيك ئني ر ِوختبّ َ
وهتربني إىل صدري ُ
ُ
ِ
أنفاسك يف داخلي، صوت
َ لت أمسعنت و ما ز ُُُميطي ،أان الذي ك ُ
يقول للمطر ال
هطل املطر ّي حبيبيت ،إن كل شيء يف أعماقي اآلن ُ
تتوقف.
وضع قلمه بعد انتهائه من الكتابة ذلك اليوم مث شبك أصابعهُ خلف
مير وجهها
أين هي اآلن؟ ُّ
وأغمض عينيه عائداً برأسه إىل اجلدارَ ،
َ رأسه
فتسبق دمعتهُ ابتسامته ،ينزع
ُ ضاحكاً أمامهُ يف ذكرى أول لقاء بينهما
يفتح عينيه ،وهللا ما
يده اليمىن من خلف رأسه وميسح الدمع دون أن َ
يصرخ
حب ،من أين جاءت ال أعلم ال أعلم ال أعلم! ُ أحبث عن ّ
كنت ُ
ُ
بصوت عال تطغى عليه حبةُ البكاء وهو ينزع أصابعه من خلف رأسه
ويهوي مبرفقيه على ركبتيه ،تسمعهُ أمهُ فتهرع إليه وتفتح الباب خائفةً
دون استئذان :ماما توفيق ما الذي جرى لك؟ أخربين ّي حبييب
والدمع يقف بعينيه :ال شيء حبيبيت ال ختايف
ُ يضحك بصوت مرتفع
تصرخ وتبكي ماذا بك ّي بُين!؟
ُ -كيف ال أخاف!؟ ،أنت
74
-ال شيء ّي حبيبيت كنت أتدرب على مشهد سأمثلهُ قريباً على مسرح
اجلامعة.
ُجتيبه حبدة يف الصوت -توفيق أان أعرفك عندما ُمتثل ،قل احلقيقة ماذا
بك
-اووه ماما ماما قلت ِ
لك جمرد مشهد متثيلي أتدرب عليه.
تصمت األم هنيهةً ،مل تصدق ابنها الذي سيتخرج من معهد التمثيل
ُ
العايل بدمشق بعد أربعة أشهر.
تسطيع التمثيل على كل
ُ قالت لهُ وهي تغلق الباب خارجةً من غرفته:
علي فال.
خلق هللا ّأما َّ
77
يقول العقل يف ِ
هذه احلاالت أن هكذا فتاة مبجرد أن تقول ألبيها أريد
لكن املفاجئ يف حالة ملى أن والدها رفض توفيق
فالانً فلن يردهاّ ،
بدون نقاش وبدون أن يسمع منها أو حّت يسمح هلا أن تكمل احلديث
قوت يومه؟ أألنه يدرس التمثيل وخاف على
عنه ،أألن توفيق ال ميلك َ
ابنته أن تُكون ُخدعت بتمثيلة حب يقوم توفيق بدور البطولة فيها؟
ترد على ابهلا يف بداية األمر، كانت ِ
هذه األسئلة هي أكثر األسئلة اليت ُ
هنا بدأت هي احلرب دفاعاً عن ُحبّها لتكتشف فيما بعد أ ّن والدها مل
ِ
وحيدته وبُعدها عنهُ يرفض توفيق لعلة فيه إ َّّنـا هو يرفض فكرة زواج
أصرا على أنمجلةً وتفصيال! ،وعليه فإهنا عرفت ملاذا هو ووالدهتا ّ
يُقيما معها يف أمريكا حّت اآلن.
مرة مع زميلته يف معهد التمثيل
اعتربت ملى رؤيتها توفيق أكثر من ّ
"رؤى" ومها يضحكان اترة ويفطران يف مطعم املعهد اترة ويوصلها إىل
منزهلا اترة أخرى وغريها من املشاهد ،اعتربته ملى انسحاابً من حياهتا
وأنه ال ُحيبّها بصدق مع كامل إمياهنا أنه ال شيء بينه وبني رؤى ،لكنه
يعرف كم يزعجها هذا ويستفز غريهتا وهي اليت ال متلك إال أّيماً بسيطة
يف محص وتنتهي إجازهتا اجلامعية وتعود ألمريكا ،كان عليه أن جيعل
حّت ملّا هددته
كل دقيقة يف هذه األّيم هلا هي فقط ،إنه مل يُر ِاع شعورها ّ
أبهنا ستنهي كل شيء كان رده ُمستفزاً ابلنسبة هلا.
قالّ :ي حبيبيتّ ،ي نور عيوين وأحلى شيء يف حيايت أان أعرف أنك
مؤمنة أبال شيء بيين وبني رؤى ولكنها الغرية ،إنين أسعى بعدم تنفيذ
78
ما تريدين إىل ختليصك من غريتك وإىل أن تصلي ملرحلة يُصبح فيها
هذا األمر طبيعي جداً ِ
ألنك حينها ستكونني موقنةً كل اليقني أن كل
نساء األرض يف عيين ِ
أنت. ّ
كانت هذه شرارةُ القطيعة بينهما.
قالت هلا غيداء :لو كنت مكانك ما بقيت معه حلظة هذا التافه! ،الذي
ال يقيم ِ
لك وزانً ال تُقيمي له وزانً. ُ
هبّت ملى يف وجه غيداء بغضب ال شعوري :ال تصفيه هبذه الصفات،
يظل حبييب.
مهما جرى ُّ
غيداء بتهكم" -مرحباً حبييب".
ألومك ِ
أنت. ِ -أان الغبية اليت حكت ِ
لك ،ألوم نفسي ال
ِ
احتجت هتديده ابلبُعد أوالً ،وما عليك لو كان ِ
حيبك أصالً ملا -هوين ِ
ّ
كان ليفعل ما فعل اثنياً.
تسكت ملى وتنطق الدموع ،أتخذها غيداءُ على صدرها حّت هتدأ
ُ
•••••
79
حاول توفيق أن يستغل هذه الفرصة واعتربها األخرية ،قال هلا :ملى
َ
أعطيك روحي ،أ ِ
ُعطيك كل ِ حبيبيت أعطيك عشر أرقام لعشر شعراء
ِ
أرجوك ال تكوين قاسية هلذا احلد. ما تريدين لكن
غالب دمعتها -لو مسحت توفيق إذا كنت متلك رقم هذا الشاعر
تُ ُ
أعطين رقمه وإال فسأغلق السماعة.
-ملاذا شاكر دوانً عن غريه ،أعرف الكثري من الشعراء.
-ال ،إنين أريد شاكر بعينه ،قرأت له بعض القصائد يف النت وأحببت
شعره
-أما أان فما أحببت إال ِ
أنت.
تسقط دمعتها األوىل بعد سكتة خفيفة -توفيق ،واآله ختنق صوهتا
ّ-ي حياة توفيق
تبكي حبرقة وتُغلق اخلط.
يُعاود االتصال هبا مرتني وثالث وال ُجتيب.
يف اليوم التايل اتصلت به -مرحبا توفيق
-ملاذا أتصل ِ
بك البارحة وال ُجتيبني؟.
-أرسل يل رقم شاكر وأعدك أبنين سأتصل بك قريباً ونتحدث مبا
تريد.
ِ
صدره فأطفأت انراً ال تطفؤها غيوم الكون مجيعاً، كأ َّّنا هطلت غيمةٌ يف
طار قلبه فرحاً -دقيقة واحدة ويكون الرقم عندك.
80
ثالثة أشهر مل تسمع صوته- ،ماذا ِ
فعلت يب ّي غيداء -تقول لنفسها
بك قريباً ،كانت تتوقع
بعدما أغلقت اخلط مع توفيق ،قالت له سأتصل َ
أن قريباً هذه يف أحسن األحوال بعد يومني أو ثالث ،مل تكن تعلم أن
مساء من نفس اليوم.
صربها سينفد قبل العاشرة ً
تتصل به..
حلظك التعيس ّي توفيق -يقول لنفسه بعد أن شاهد مكاملة مل يرد
َ ّي
عليها قبل نصف ساعة عندما دخل يستحم ،تكلفة االتصال أبمريكا
عادل عشر
ليست ابلسهلة خاصة مع شاب ال ميلك يف جيبه إال ما يُ ُ
جواله ما يعادل أربع دوالرات ،يتصل دون أن يُفكردوالرات ،ويف ّ
هبذا فرتفض اتصاله وتُعيد هي االتصال ،وبصوت خافت يُغطيه احلنني:
أهالً توفيق
ِ
لصوتك.. ش أرجوك أعيديها َ ِ
ِ ِ
..عط ٌ أرجوك.. -أعيديها
-اتصلت بك كي أيف بوعدي
وفاء بعهدي.
-افهم ّي توفيق أان مل أشتق لك أبداً واتصلت فقط ً
تضحك -ما زلت ملّاحاً
األم تقسو على طفلها كما ِ
فعلت. -ما كنت أص ّدق أ ّن ّ
-العقوق تلو العقوق تلو العقوق واألم تسامح وتغفر ماذا تتوقع يف
النهاية؟ هل تعيش كل العمر وهي تسامح طفلها العاق؟
81
-يُفرتض أن تكون األم هكذا وإال ملا كانت اجلنة حتت أقدامها ،مث
إ ّن كالمك يُشعرين أن ّأم هذا الطفل ُم ّنزهةُ عن اخلطأ ،وأن هذا الطفل
مل يغفر هلا أخطاء كثرية!.
ألف دهر ما وفّاها ح ّقها.
وبر هبا َ -لو غفر الطفل ِ
ألف سنة ّ ألمه َ ُ
بيح هلا قتله
-صحيح لكن هذا ال يُ ُ
وتزعم أنين قتلتك!؟
ُ بدهشة -تقتلين
-رمتين بدائها وانسلّت.
" -ضربين وبكى سبقين واشتكى!"
-يضحك
-تصمت
كل شيء ِ
-أحبك ولننس ّ
نعود ّي توفيق وحنن نعرف أنهُ ال أمل من ارتباطنا؟
-ملاذا ُ
لنمت يف ساحة الوصل ال يف فراش القطيعة. ُ -
•••••
82
ِ
ينظر
ألي ح ّـد من حدود الصفاقة وصلنا؟ ،يُقول شاكر يف نفسه وهو ُ ِّ
إحداهن يوماً وهي أتيت إليه على شكل خلاطرته اليت كتبها على ِ
لسان
ّ
بكل وقاحة عن رأيهُ هبا
رسالة من رقم جمهول لفتاة جمهولة ،تسألهُ ّ
وتدعي أهنا هي من كتبتها!.
ينتظر أمري ملا وصلته الرسالة، ِ
كان يف شارع اخلراب جالساً على كرسيه ُ
يتأم ُل الرقم وحي ّدث نفسه :هل أتصل
وضع كأس البابونج جانباً وأخذ ّ
أهزؤها هذي الكاذبة؟ ما الذي دفعها لفعل هذا؟ أتصل ،ال هبا و ّ
قرر أن ال يتصل ألنه توقع أن تكون املرسلة
أتصل ،أتصل؟ ،ال أتصلّ ،
حّت يتصل هبا ،قرر أال يتصل استفزازاً هلا وقال يف
فعلت هذا تقصداً ّ
نفسه ،لننتظر أتكتفي هبذا أم ترسل شيئاً آخراً.
فكيف ِ
عليه أُبقي ّي إهلي َ
ِ
وعن ذك ِر األحبة ال ُ
يتوب
84
•••••
عر حييط بنا يف كل مكان ،لكن لألسف وضعه على الورق ليس ِّ
الش ُ
يقول الرسام اهلولندي فينسنت فان غوخ،
بسهولة النظر إليه .هكذا ُ
وقدمياً قالت العرب "صناعة الشعر" ّي أمري ،إذن فالشعر ليس ابألمر
أعرف الكثري من األشخاص الذين
السهل إنه صنعة ال يتقنها إال قلّةُ ،
أحبروا يف مراكب الشعر مث عادوا خائبني ،يعت ّذر أكثرهم أبهنّم ال شيء
أمام عمالقة الشعر ،لن أذهب بك بعيداً ،أان مثالً كم مرة قلت لك
إنين كلما قرأت للمتنيب أخاف وأشعر أن الطريق مسدودة أمامي؟،
وكم مرة قلت لك ما ترك لنا نزار شيئاً نكتبه ،وكم قلت لك أن
اجلواهري أتعب قرانً كامالً سيأيت من بعده ،كثرياً أليس كذلك؟ ،إذن
فإما أن يتغلبوا عليه أو
فهذا اهلاجس أييت للشعراء الصغار يف بداّيهتم ّ
يقتلهم ،وتصديقاً لكالمي انظر ديوان حذيفة العرجي األول الذي
ِ
قاتلك احلب جتد أنه يهدي ديوانه هلذا اهلاجس فيقول: عنونه بـ
أت لعمالقة األدب شعراًيعيش يف أعماقي وكلّما قر ُ
"إىل هذا الذي ُ
أين أنت منهم ومن تكون؟؟ ...هذا أنـا".
أين أنت؟ َ
ونثراً قال يل َ
أعرف أن األمر ليس ابلسهل لكنينُ كا َن الب ّد وأن أثبت نفسي،
غامرت ،ومن أجل هذا بدأت كتابة ديوان بعنوان "مامل يقله شاعر"
فإما أن تكو َن ِ
ُعارض فيه كبار الشعراء ،وبه بدأت مغامريت مع الشعر ّ
أ ُ
وإما القرب.
يل القمة ّ
85
بدأت الشعر إذا سرت يف طريق ّإّيك أن ترجع
أمري -قلت لك منذ َ
لت أؤمن أنك ستصل يوماً
كنت و ما ز ُ
عنهُ مامل يكن معصيةً لربك ،و ُ
ما ،ليس ألنك صديقي ال ،بل ألنين أعرف متاماً أنك ال تسمح للكذب
أن يُدنس عاطفتك ،ولذلك بدأ الناس يعرفون شعر شاكر أل ّن عاطفته
ابق على ما أنت
صادقة قريبة من القلب ليس فيها ابتذال وال تصنعَ ،
صرت مشهوراً أن تنساان ،مثّ يضحك.
عليه لكن ّإّي َك إن َ
-اغتنم الفرصة وتصور معي اآلن ،فلن أنظر لك إذا اشتهرت.
أمري ُمتذكراً -صحيح مل ختربن بشيء ،قلت يل صباحاً عرب اهلاتف أن
رسالةً وصلتك وستحدثين بشأهنا إذا التقينا
الس ّراق.
شاكر يهز رأسه -نعم ّي سيدي نعم ،سارقةٌ ال تُشبهُ ُّ
-سارقةُ ماذا؟
-سارقةُ أدب ،فتاةٌ أرسلت يل صباحاً الرسالة التالية
أعطى شاكر اهلاتف ألمري يقرأ الرسالة
أمري بدهشة -أهلذه الدرجة وصلت الوقاحة ببعضهن ،أليست هذه
اخلاطرة ممّا كتبت على لسان جوليا؟
شاكر يهز رأسه -صحيح ،هذه إحدى اخلواطر اليت كنت أكتبها على
لسان جوليا بعدما قالت يل هناك كالم كثري يف داخلي ال أعرف كيف
أخربك به ،وقلت هلا أان سأُخربين به! ،وكل ليلة كنت أرسل هلا خاطرة،
مين القتحام عاملها.
ُماولةً ّ
-أعرف هذا ،لكن هل كنت تنشرها يف النت؟
86
نعم كنت أنشرها حتت عنوان "قالت لهُ" وكنت أفكر يف مجع هذه
عدلت عن الفكرة.
ُ اخلواطر يف كتاب مث
-وما الذي يدفع هذه الفتاة لفعل هذا معك؟ مثّ من أين جاءت
برقمك؟
-ليتها عثرت على رقمي العام
-ماذا إذن
-وصلتين رسالتها على هاتفي اخلاص ،ومن الصباح ّي أمري وأان أفكر
من الذي أعطاها رقمي اخلاص ومل أصل حّت اآلن لنتيجة.
-وماذا رددت عليها؟
-ال شيء
-هل سترتكها هكذا بال رد.
كنت جاهالً
األّيم ما َ
لك ُ ُ -ستبدي َ
-جيد لنرى.
أصدقاءٌ جيِّدون و ٌ
كتب جيدة ،وضمريٌ انئم ،تلك هي احلياة املثالية!.
غري حالتهُ يف "الواتساب" اآلن ووضع هذه
-قالت غيداء ألمينةّ -
العبارة لـ مارك توين.
أمينة -انتقاؤه مذهل
-هذا ما يهمك ِ
أنت!.
مالك ِ
أنت!؟ -أوف ،غيداء ِ
87
-ال أدري ّي أمينة ذهب الصباح وعاد املساء ومل يقل شيئاً عن اخلاطرة،
كيف يفكر هذا؟ ،إنين أفكر أن أرسل له شيئاً آخراً.
-ال تفقدي صوابك وتتصريف جبنون ،يف هذه احلاالت الصمت هو
الالعب األكرب بينكما.
-وكيف يكون ذلك؟
-ملاذا تظنني أنه تقصد ذلك؟ قد يكون قرأ الرسالة وقال لنفسه أجيبها
مساء ،غداً ،أي شيء ،ملاذا تفرتضني األسوأ؟ ،ليكن الصمت لعبتك،
ً
وكما يقول املثل "ّي خرب اليوم بفلوس بكرى ببالش"
-سأصرب ّي أمينة وما عساي أفعل غري الصرب
اك ِ
وقعت به. -وهللا إين أر ِ
ّ -ي جمنونة كم مرة سأعيد كالمي ،جمرد فضول ِ
وأنت تعرفني فضويل
كم هو طاغ وفتّاك.
وأعرف غيداء جيداً ،ولكن انتبهي أن يغلبك قلبك
ُ -نعم نعم أعرفه
وترسلي له دون معرفيت.
•••••
88
ر ّن اجلرس وانتهت غيداء من حصص املعهد اخلصوصي للّغات ،كانت
تدرس اإلجنليزية عن طريق هذا املعهد ،مل حتضر أمينة هذا اليوم لذلك
ملّت غيداء سريعاً ،خرجت من ابب املعهد وهي تتساءل أين أذهب؟،
ال أمينة يف منزهلا ولست أريد الذهاب ملنزيل ،أريد أن أمشي قليالً يف
بكل ما
الشوارع ،إىل شارع الدبالن إذن ،.هذا الشارع الذي يُعىن ّ
وبني معهدها ثالثة شوارع أي ما
حتتاجه النساء من ملبس وزينة ،بينهُ َ
يعادل سبع دقائق مشياً على األقدام ،كان شاكر يف زّيرة لصديقه مهّام
يف الدبالن حينها ،وهناك مجعتهُ الصدفة بتوفيق املنقطع عنه منذ ما
يزيد على أربعة أشهر ،جلس الثالثة يف ُم ّل مهّام لبيع األلبسة النسائية.
وهللا زمان ّي توفيق -قال شاكر اببتسامة
توفيق -أسعدك هللا ّي شاكر ِ
وهللا ال أدري ما أقول لكنّها الدنيا تسرقنا
منّا ومن أحبابنا
-صدقت وهللا
-وأنت ّي شاكر أخربين عنك ،صحيح أننا انقطعنا عن اجللوس معاً
لكنين أقرأ ِش َ
عرك يومياً أيها العاشق ،ويبتسم
-أنت تعرفين جيداً ّي توفيق من شارع اخلراب للبيت ومن البيت
للخراب وبينهما أكون يف اخلراب ،ويضحك
-إذن ما زلت على عادتك ،يف شارع اخلراب مع الشعر
يهز رأسه -وأظنها لن تتغري
ّ
يقاطعهما مهّـام بعدما انتهى من بيع زبونته -شاي أو قهوة؟
89
جييبانه معاً-كما حتب.
عندك ّي شاكر. وضع مهّام القهوة وجلس وقالِ :
هات ما َ
شاكر يضحك -ما عندي إال الشعر وقصص من األدب
ذلك ما كنّا نبغِ ،
هات آخر ما كتبت مهّامَ -
توفيق -هات ّي شاكر
ُيرج شاكر ورقة من جيبه ويقرأ:
ب اثني ًة
مست احلُ َّ
ور ُ
َرمستُـنَا َ
لو كان..
93
القليل من الرجال أولئك الذي يستطيعون احلفاظ على توازهنم أمام
جيعل الكرة يف
معهن وكيف ُ
يتعامل ّ
ُ امرأة مجيلة ،إنه يعرف جيداً كيف
ملعبهن ،يف ذلك املساء خطرت على ابله كثرياً ،عفواً
ّ ملعبه هو ،ال
هي مل تغب عن ابله لكنه ككل لقاء اندر جبميلة ما ،قال لنفسه قبل
أن يذهب للنوم -ال ب ّد ولسوء حظي أن تكون على عالقة حب
فاجلميالت ال ينتظرن.
ُ أبحدهم،
ّأما هي فبعدما تركها توفيق اتصلت أبمينة مباشرة:
أمينة -نعم
-رأيته اليوم ّي أمينة رأيته
ط وحنن نتكلم ملاذا!؟؟
بنربة غضب -ملاذا أغلقت اخل ّ
دعيك من هذا ّي أمينة أقول ِ
لك رأيته ِ -أوف
-من هو من؟
-شاكر ّي أمينة ،الشاعر شاكر
-أين ّي جمنونة؟
أخربك عندما أر ِ
اك ،هل ِ
عدت إىل بيتك؟؟ ِ -
-دقيقتني وأصل البيت
-نلتقي ِ
عندك إذن.
••••
94
وقعت يف قليب ّي أمري
قال ألمري وهو يُشعل سيجارتهَ -
أمري ُمندهشاً -من هي؟
ِ -
هذه السيجارة ،أحبها
-هات ما عندك إنين أمسع
شاكر يضحك -قلت لك هذهِ السيجارة
أعلي أان!؟ هات ..قل هيا.
-على من ّي حبييبَّ ،
شاكر وهو يضع فنجان القهوة على الطاولة يف املسبح البلدي -فتاة
رأيتُها اليوم عندما زرت مهّام ،وينفخ دخان سيجارته
أمري يبع ُد الدخان عن وجهه بكفه -وماذا بعد؟
-ال شيءِ ،مسعت يل قصيدة
أمري مبتسماً ّ -ي عني ّي ليل
-وذهبت
-أين ذهبت؟ وكيف أمسعتها شعراً؟؟
-جمرد زبونة عند مهّام ،ومن حسن حظي دخلت وأان أُلقي قصيديت
مين أن أكمل وأخربتين أهنا قرأت ديواين وتعرفين
وقفت طلبت ّ
ُ وملا
ّ -ي سالم ممتاز
شاكر وهو يُطفئ سيجارته -نسيت أن أخربك ،التقيت كذلك عند
مهّام "توفيق سرحان"
زمن مل أره
-أووه م ّـر ٌ
-تفاجئت البنت ملّا رأت توفيق ،وملّا خرجت تبعها.
95
-ملاذا؟
أخت ملى ابلرضاع ،ملى حبيبة توفيق.
-قال يل مهّام أهنا ُ
أمري وهو حيرك الفحم على رأس شيشته -وأنت
-وهللا ال أدري لكنها ذات مجال أ ّخاذ
احداهن إال
ّ هب ودب ،ما أن تبتسم لك
كل من ّ
أنت حتب ّ
عم َّ -ي ّ
حب من هذه االبتسامة ،مث كالعادة تكون الفتاة على عالقة
وتعمر ألف ّ
ّ
حب بغريك ،اجلميلة ّي شاكر ال تنتظرين وتنتظرك ،يبدو أ ّن قدران أان
وأنت مع القبيحات!.
يقاطعهُ شاكر -ال ال ّي أمري أان أرفض هذهِ الكلمة ،ال يوجد على وجه
األرض قبيحة ،القبيحة يف نظرك ساحرة اجلمال يف نظر غريك ،هذا
املوضوع نسيب ّي أمري
والقبيحات يف أعيننا أان وأنت يقعن
ُ اجلميالت ال ينتظرننا
ُ -كما تريد،
بنا ،هل هذهِ الصياغة لكالمي تعجبك؟
يبتسم ويهز رأسه -تعجبين.
-قاتل هللا الفلسفة
يضحك شاكر من قلبه -ليست فلسفة ،إنه الواقع
-واقع واقع ،كما تريد ،قم لنمشي فأان أتخرت.
96
يف صباح اليوم التايل..
يعب سيجارتهُ ببطء ِ
فنجان قهوتهُّ ، النقي متعرجاً يف
أطل وجهها َُّّ
الُب من عينيها يتأملُها ببطء وهي تتعرج على سطح القهوة،
ويرتشف ُ َّ
ُ
الشعر فيكتب:
ُ نج اترة ،يُباغتهُ
يفوح الليمون اترًة حولهُ ويُغين النار ُ
ُ
ِ
لسحره ضفاف حبر ال ِ
َ عينَاك ٌ
كب! وأان الغر ُ ِ ِ
يق وأنت أنت املَر ُ
ِ
كأحالمه ،وحيداً اد هلذا البيت أن يكو َن يتيماً
وضع قلمهُ ومل يكمل ،أر َ
يستطيع
ُ عر َك ال ِ ِ
إن يف داخله صواتً يُنادي عليه "ال حتاول فش ُ كس ِّرهَِّ ،
ِ
هي ِ
يطول هذا النداء طويالً سيحرقهُ شعراً ويكويه غزالًَ ، مجاهلا" لن َ
تشرب قهوهتا كذلك وإن كا َن هو رفيق النارنج والليمون فهي ُ اآلن
توأم اليامسني يُشاركها اشتياقها للحب ،قهوهتا ،صحوها ،ونومها، ُ
يُشاركها حّت ابتسامتها ودمعتهاَّ ،إهنا جتد يف اليامسني الوفاء الذي مل
يفوح برائحتها وكالمها يرتدي
جتدهُ يف البشر ،هي تسقيه قبالهتا وهو ُ
األبيض.
•••••
97
حّت اآلن ّي أمينة -قالت غيداء.
مل ُجيب ّ
أمينة وهي تضع الطعام لقطتها -ما زلت تفكرين
-طبعاً سأظل أفكر ،هناك سبب البد وأن هناك سبب
-فعالً أتخره يوماً كامالً البد وأن له سبب
-ما رأيك اآلن؟
-تريدين إرسال رسالة أخرى؟
-ال أعرف وهللا ُمتارة
-ماذا سنكتب له مثالً؟
-وهللا عقلي مغلق اآلن ،النعس أيكلين ولن أستطيع النوم دون فعل
شيء ،فكري ِ
أنت.
-أقرتح أن تنامي اآلن فأان نعست كذلك والساعة اآلن السابعة
صباحاً
-املهم أن تفكري قبل النوم ماذا سنكتب له -وتنهض عن كرسيها
للصعود إىل بيتها.
-أفكر؟ ،أان شبه انئمة اآلن ،والتفكري هو اجملهود األعظم ملن دامهه
النعس.
-عندما تستيقظني ّي ذكية!.
-سأفعل ،اذهيب اآلن واتركيين ألانم.
بيتها يف الطابق األول فوق بيت أمينة وله "بلكون" يطل على ِ
جنينة ّ
دار أمينة ،لذلك كانت تقضي أغلب يومها يف بيت أمينة.
98
قلع طائرتهُ يف متام الثالثة ِ
ُيرج شاكر من بيته يف متام الثامنة والنصف ،تُ ُ
ُ
اشتقت ِ عصراً إىل أبو ظيبِ ،
إليك ،يقول وهو يضع حقائبهُ ُ آه ّي ّأمي كم
يف التاكسي.
اسم حبييب
ال تسألوين ما ُ
ِ
الطيوب أخاف عليكم ضوعة
ُ
يركب التاكسي -هللا هللا ّي فريوز ،هللا ّي نزار على هذا اجلمال ،ويبتسم
سائق التاكسي.
ينتظرهُ أمري يف بيته الكائن يف حي "ابب هود" لريافقه إىل املطار.
ِ
حلمص سبعة أبواب ألحياء سبعة ،وهذه األبواب مشهورة اترُيياً ِّ
ولكل
تسأل محصياً عن أمساء ِ
هذه ابب قصةُ تسمية ،ومن العجب أنك ال ُ
ّ
لك ستّة أبواب وينسى السابع.
ويذكر َ
ُ األبواب إال
نزل أمري وركب مع شاكر وإىل مطار دمشق..
تدخل مطاراً يف العامل أوضع وأحقر من مطار دمشق -يقول
َ ال ميكن أن
الشحاذ-
ّ شاكر املنزعج من عسكري األمن الذي قال لهُ اببتسامة
"وين هدية قبل السفر؟"
أمري -اخفض صوتك ّي رجل
99
شاكر يقف بعربة احلقائب ويلتفت إىل أمري -ابهلل عليك إىل مّت وحنن
نسري خلف هؤالء البقر!؟.
ّ-ي أخي اخفض صوتك وسافر بسالم ،ماذا جرى لك!؟
نظر إليه -ويشري
-املطارات هي أوجهُ البلدان ،ابهلل عليك أهذا وجهٌ يُ ُ
بيده إىل املطار
-وكأنك تزوره للمرة األوىل.
-آه ّي أمري آه ،يف القلب آهات ال يعلمها إال هللا
أمري -سافر ّي حبييب اآلن ويفرجها ربك.
100
الفصل الرابع
"اللقاء األول ذاكرةُ احلب"
101
102
أهالً ابحلبيب ،أهالً بشاعران اجلميل -ير ّد توفيق على اتصال شاكر
-أهالً توفيق أهال حبييب ،كيف حالك
-خبري حال واحلمد هلل ،ال ين ُقصين إال رؤيتك
-يل الشرف وهللا ومن أجل هذا اتصلت بك ،اشتقنا لك ّي رجل
-وحنن ابألكثر وهللا ،مّت ُحتب أن نلتقي؟
-ما رأيك الليلة؟
-متام ،أين؟
-يف املسبح
-وهو كذلك
-حلظة توفيق
ُ -مرين
-أرجو أن أتيت وحدك فأان أريدك بشأن خاص
-شأن خاص! ،أبشر أبشر من عيوين
-يف انتظارك الساعة الثامنة
-إن شاء هللا
اد أن يعرف من توفيق ولو شيئاً بسيطاً عنها ،لكنّه مل ُيرج منه بفائدة
أر َ
عما يعرفهُ شاكر ،يف متام العاشرة
تُذكر ،الذي يعرفه توفيق عنها ال يزيد ّ
وبعد أن جلس مع توفيق قرابة الساعتني اتصل أبمري ودعاه ليسهر
ٌ
مشغول ابتصال البارحة. لكن قلبهُ
معهما ،إنه جيلس معهما ّ
103
يظن أهنا لن تتصل به قبل ثالثة أّيم على اتصلت ِ
عليه البارحة وكان ُّ
اجلميالت ّي صديقي ال
ُ األقل وقال ذلك ألمري بعدما ذهبت ،قال لهُ:
ّبك على النا ِر قليالً ،ليُفاجئ
أخذهن الرقم ،الب ّد وأن تُقل َ
ّ يتصلن فور
ابتصاهلا بعد أخذها الرقم بقرابة الساعة والنصف ،وهي اليت حتتفظ
برقمه من قبل ،فتح اخلط للرقم الغريب وقال -نعم
غيداء -مرحبا
-مرحبا ،من؟
-من؟ يبدو أ ّن الكثريات أخذن رقمك هذا املساء.
-أنت هي؟
-نعم أان هي
-أهالً وسهالً
-أهالً بك ،هذا رقم أمي سأتصل بك من رقمي غداً
شاكر -ال مانع
-مع السالمة
-مع السالمة
ٌ
اتصال من حّت قطع صوت ّأم كلثوم بدأ الكتابة ،وماهي إال دقائق ّ
ِ
إلهلامه ِ
أصدقائه فلم ُجيب ،ال يريد ظن أنه أح ُد
رقم غريب ال يعرفهّ ،
عاود
يهطل فو َق الورقَ ، َ أن ينقطع ،يريد ملا يف داخله من شعور أن
الرقم االتصال للمرة الثانية فأغلق يف وجهه ،فعاد للمرة الثالثة ،ما هذهِ
ط-
البشر -قال لنفسه ُمنفعالً وفتح اخل ّ
نعم!؟
غيداء -مرحبا
105
هدأ فجأةً -أهالً أهالً
-أسفة اتصلت بك يف هذا الوقت املتأخر
-الال كنت أكتب وذهب اإلهلام اآلن ،ال ِ
عليك.
-عرفتين؟
حّت اآلن -نعم كيف ال ،ولكن ال أعرف ِ
امسك ّ
-امسي روان
ميد قدميه إىل أعلى ويضعهما على الطاولةِ :
امسك احلركي أم احلقيقي؟- ُّ
ويضحك.
ت أنهُ مسع امسها من توفيق ذلك اليوم.
لقد نسيَ ْ
كل من يكذب
رجاء ال تقل مثل هذا ،أان ال أكذب وأكره ّ
ً -
-مجيل ،لكن هل هناك أح ٌد ال يكذب؟
-طبعاً يوجد وبكثرة ،كم أكره الرجل الذي يكذب
-وهللا ّي عزيزيت إن قلت ِ
لك أنين ال أكذب فأان أكذب -ويضحك
جيلسن معها.
َ يُفاجئ أبصوات ضحك ألكثر من فتاة يبدو ّأهن ّن
هل معك أحد؟ -يسأهلا
وتؤشر لصديقاهتا أن اهدئن.
ُ -الال أان يف البيت-
ِ
كذبتان يف أقل من دقيقة! -قال لنفسه
أين أنت اآلن؟
لتتدارك املوقف تسأله فوراًَ -
-أان أجلس يف البلكون
106
فيم تتأمل ،أعرفكم أنتم الشعراء ُحتبّو َن التأمل فيما حولكم من
-و َ
تفاصيل.
مكتمل هذا
ٌ أأتمل ضياءهُ ،إنه
وهو ينفض رماد سيجارته -يف القمرّ ..
املساء
-البد وأنك رأيتين فيه -وتضحك
-ال ،ليس إال القمر
بدهشة -جاملين على األقل.
بني الكذب. ِ -
أنت ال ُحت َ
ّ -أما يف هذه احلاالت فأان أموت فيه.
يضحك.
نسي أ ّهنا قارئة ..نسيت
اتفقا ليلتها على لقاء صباحي يف اليوم التايلَ ،
ِ
اتصلت القلوب انقطعت العقول. أنّه شاعر ..إذا
انتبه فجأ ًة أنهُ سرح بعيداً عن توفيق وأمري ،التفت إىل النادل وقال-
احلساب لو مسحت.
يضحك أمري -يبدو أنك لست هنا ّي شاكر ،سـلنا على األقل إن كنا
وطلبت احلساب مباشرةً
َ أخذت القرار
َ سنبقى أو سنذهب،
يبتسم توفيق -ال عليك ّي شاكر ،إنين من الثامنة صباحاً على قدم
وساق وكنت أنوي االستئذان واملغادرة.
خرج الثالثة سويةً ،مث ودعهما توفيق ومشى.
107
مل ُخت ِ
ربن مبا جرى معك يف اتصال البارحة -قال أمري لشاكر ومها يركبان
السيارة
-غداً أخربك إن شاء هللا ،إنين مرهق
ّ -ي لك من وغد ،تقذفين للغد ،قل اآلن ولو رؤوس أقالم
وهو يتثاءب -أان نعسان ،أوصلك اآلن واصرب للغد
-كما تريد.
•••••
108
فتحت ابب السيارة وم ّدت يدها أمام املكيف قبل أن تصعد.
قال هلا مبتسماً -اصعدي إنهُ يعمل
كالدم ،أغلقت الباب ومشى..
ركبت وخدودها ّ
صباح اخلري -قال هلا مبتسماً
أي خري؟ ،ثالث ساعات وأان أنتظرك يف الشمس ّي ظامل. ابمتعاضُّ -
تسكت سكتة خفيفة مث بغنج ووجه يشي ابلزعل -ساح املكياج عن
وجهي
علي ِ
يبتسم -حقك ّ
تلتفت عنه ابجتاه النافذة -إذا كان هذا اللقاء األول بيننا وتركتين يف
الشمس ثالث ساعات ،كيف ستفعل يف اللقاءات القادمة؟
يضحك وهو يُشعل سيجارتهُ -ال تفكري كثرياً يف املستقبل ،صحيح
أخربيين ما ِ
امسك؟
تفتح املرآة يف الشمسية أمامها وبنصف ابتسامة -ارفع تربيد املكيف
يبتسم -مجيلة ال داعي ألن تنظري يف املرآةِ كثرياً
وهي حتدق يف وجهها ابملرآة -أعرف هذا ،لكن أحاول إصالح ما
أفسده انتظارك
ينفخ دخانهُ خارج النافذة ويضحك -ما ِ
امسك؟
-ال أحبّه
-الكثريون ال حيبو َن أمساءهم
أليس كذلك
اسم قبيح َ
-غيداء ،امسي غيداءٌ ،
109
بني الكذب -هذا ِ
وأنت ال ُحت َ
أحب اسم روان أكثر
ّ -
أنك ِ
محلته ليكون مجيالً يقبل عليها جبسده ملتفتا -يكفي ِ
تضحك خبجل -شكراً لك
-أين تودين أن نذهب؟
-ال أحب الذهاب ألي مكان أُفضل أن نبقى يف السيارة أينما سارت
بنا
-كما ُحتبّني
وحّت ِ
من التاسعة والنصف صباحاً حلظة وصوله إليها يف حي الغوطة ّ
الرابعة عصراًّ ،ي لهُ من لقاء! يُقال" :عند اللقاء األول ..ال تستمع
ب املكا َن كثرياً ،وال تسأل
وإّي َك أن ُحت َّ
أي عطرّ ،
ألي أغنية ،ال تضع ّ
ّ
عن السبب!".
وحنن اللحن والكلمات؟ ،كيف ال نستمع ألغنية يف اللقاء ُ
ُ كيف ال
ب املكا َن وهو
احلب تضوع من قلبينا ،كيف ال ُحن ّ
نضع عطراً ورائحةُ ّ
ُ
الذي ولدان فيه ،اللقاء األول ذاكرةُ احلب ،منهُ يبدأ الوجع وإليه يعود،
تعرف أهنا
حّت السيارة وكأهنا كانت ُ يرقص يف عينيهماّ ،
ُ كل شيء كان ُّ
حب مل يبدأ بعد ،فمكيفها املريض الذي ِ
على موعد هذا الصباح بلقاء ّ
حتو َل ملكيّف سليم ُمعاىف كأنهُ خرج
عاىن منه شاكر أسبوعاً قبل اللقاء ّ
لتوهِ من الوكالة!.
110
ملّا قال هلا -سأضع املؤشر على راديو "صوت احلب" واألغنية اليت
قرر الراديو أن تكون األغنية -قويلتكون فيه هي إهداء مين لكّ ،
أحبّك! الطفل الذي يقف عند اإلشارة يطلب الصدقة والذي طلبت
ِ
سجيته وهو غيداء من شاكر أن يقرتب منه لتعطيه شيئاً هلل ،قال على
يعرف أ ّن
أيخذ املال منها" -هللا جيوزكن!" ،كأ ّن كل ما حوهلما كان ُ
احلب مهما توارينا به، هناك حباً جديداً يولد يف ِ
هذه السيارة ،يفضحنا ُّ َ
احلب مهما ق ّدمنا لهُ من تنازالت ،يومهنا أنهُ مينحنا عمراً جديداً
أيكلنا ّ
حّت نستأنس ِبه،
يضحك لنَا ّ
ُ بينما هو يسر ُق منّا أعماراً يف احلقيقة،
نطمئن له ،فإذا اطمئننا
َّ يتودد إلينا حّت
حّت ال نُطيق فراقهُ ،
ب منّا ّ
يتقر ُ
ّ
لهُ وابيعناهُ على السم ِع والطاعة ..أمر بقتلنا!.
111
تلتفت عنه مث تُعيد نظرها إليه -مل تُسمعن شيئاً من أشعارك يف هذا
اللقاء.
يتذكر شيئاً؟؟ ،وهل تُلقى القصائد يف حضرة قصيدة ِ
-وهل من يراك ُ
مثلك؟ ويضحك
وتلوح بك ّفها -وداعـاً.
ُ ُمبتسمةً تُغلق الباب وراءها،
ما أصغر الدنيا ،يقول لنفسه بعدما نزلت ،من كان يعرف أن غيداء
ُمل مالبس نسائية قبل ثالثة أشهر ستكون إىل
اليت رأيتها صدفةً يف ّ
جانيب يف السيارة اليوم؟
حّت ِ
هذه اللحظة وبعدما التقاها ال يعرف أن غيداء هي صاحبة اخلاطرة
املسروقة منه ،وأهنا هي اليت أرسلت له رسالةً أخرى عرب "الوتساب"
كتبت فيها :أستاذ شاكر آسفة على إزعاجك ،أهلذهِ الدرجة خاطريت
قررت أال تُبدي رأيك هبا!؟.
سيئة حّت ّ
استفزته ،أجاهبا بعد أكثر من يوم على رسالتها
ما كان ينوي الرد لكنّها ّ
كنت نسيتها ،ما
بعثت يل خباطرة من خواطري ُ ك ِالثانية :شكراً ألنّ ِ
محلك على هذا؟ اعلمي أن السرقة األدبية أعظم من السرقة ِ الذي
ِ
بفعلك هذا تسرقني إنساانً كامالً ،يف احلقيقة أان ال املادية بكثريِ ،
أنت
أج ُد تفسرياً ملا ِ
فعلت؟ تسرقني خاطريت مث تنسبينها لك مث تبعثني هبا
املرات القادمة قبل أن تسرقي شيئاً حاويل أن تعريف من هو
إيل ،يف ّ
ّ
ِ ِ
حّت ال تقعي مبا وقعت به معي.
صاحبه ّ
112
ِ
جتلسان يف اجلنينة ،بدأت تقرأ وصلتها الرسالة يومها وهي عند أمينة
حّت رمت اجلوال أرضاً
وما أن وصلت قوله "تسرقني إنساانً كامالً" ّ
وغطّت وجهها بكفيّها ّ -ي لغبائي ّي لغبائي
تنهض أمينة فزعة -ما الذي جرى ِ
لك ّي جمنونة
-اقرأي ماذا ر ّد علي
أتخذ أمينة اجلوال من األرض ومتسح شاشته بيدها وتقرأ.
أيت ،قلت ِ
لك انتبهي من مثل هذا أتكلها الدهشة فتقولّ -يااه ،أر ِ
قلت ِ
لك
فصار كفصل اخلريف -ماذا
-تبعد كفيها عن وجهها الذي تغري لونه َ
نفعل اآلن ،جيب أن نتدارك املوقف بسرعة.
أمينة تكتب بسرعة وترسل له:
لك أنين ال أعرف أ ّن هذهِ اخلاطرة لك ،أستاذ شاكر أان ُ
فعلت من قال َ
لك رسالةً
هذا لغاية نبيلة وكنت أتوقع ر ّدك هذا ،أحببت أن أوصل َ
غري ُمباشرة تقول :انتبه إلبداعك انتبه هلذا اجلمال الذي يستطيع
السطو عليه أي لص ،أردت أن أقول لك احفظ هذا اإلبداع يف كتاب
وال ترتكه مشاعاً ،ال نريد هلذا اجلمال أن يُنسب لغريك أرجوك.
حّت يُصدق هذا ،لكنه يعرف أن الذكاء يف مثل هذا احلاالت
ليس غبياً ّ
يكمن يف التغايب ،بعث هلا-
ُ
ِ ِ ِ
أحسنت النيّة وأسأت الطريقة ،ال عليك إبذن هللا مبجرد عوديت لسورّي
سأمجع هذهِ اخلواطر فوراً.
113
كم من طامة وقعت هبا غيداء وأنقذهتا أمينة -تقول غيداء وتضحك
ّ
أمينة
تتابع -كيف خطرت لك هذه الكذبة ّي جمنونة
-ال أعرف وتضحك
-هو خارج سورّي إذن
-نعم
-احلمد هلل أ ّهنا ع ّدت على خري
أمينة -احلمد هلل
قررت فيما بعد كسر هذه الشرحية ،وأن تنتظر القادم من األّيم.
عاد وقلبه عند ّأمه.
عاد بعد أسبوعني إىل سورّيَ ، َ
ِ
جيلسان يف اخلراب أول يوم بعد احلياةُ ّأم كما يقولون -قال ألمري ومها
عودته
أمري -صدقت ،أخربين ماذا كتبت يف األمارات
-ال شيء
-ملَ؟
شاكر وهو يضع كأس البابونج أمامه -ما أصعب أن تبدأ الكتابة يف
العمر الذي يكون فيه اآلخرون قد انتهوا من قول كل شيء ،هل تتفق
مع أحالم مستغاَّني يف هذا؟
-إي وريب أتفق.
114
ِ
عائداتن من مقهى ميكازا كانت أمينة وغيداء تسري ِ
ان يومها إىل البيت
يقف على ب ِ
عد أمتار يف احلمرا الواقع خلف شارع اخلراب ،كان اللقاء ُ
ُ
منهما ،الكثري من الكراسي والطاوالت على رصيف اخلراب ،الكثري
شاب
من العوائل ومن الشباب ،تتبادالن األحاديث والضحكات ،هنا ٌ
يُغازل أمينة ،هنا آخر يضحك لغيداء ،هنا صديقة قدمية تُسلم،
وهكذا..
أمامهن على بعد ثالثة أمتار ،أمينة أمينة قفي
ّ إنّـهُ جيلس على الطاولة
حلظة -تقول غيداء
أمينة -ما بك؟
هتمس يف أذهنا -دون أن ينتبه ِ
لك أحد ،وكأنك تتحدثني معي انظري
لألمام اآلن ،أليس ذلك الذي يلبس األسود شاكر؟
أمينة تسرتق النظر -صحيح هو بعينه
غيداء -اعكسي اجتاه سريك ،نرجع ابجتاه ميكازا
-ملاذا؟
-حتركي اآلن أخربك بعد قليل
-هيا.
عادات إىل الوراء قرابة املئيت مرت ،غيداء مسرعة اخلطى وأمينة ورائها
تقول -أووه ما ِ
بك ّي جمنونة ملاذا تستعجلني هكذا
-دعينا نتوارى قليالً لنتفق
-أكرهك وأكره خططك الفاشلة
115
غيداء تضحك
كرسي فارغ لنجلس هنا -قالت أمينة
أخرياً ّ
-نعم لنجلس
تسكتان بره ًة ريثما تلتقطان األنفاس ،مث تقول غيداء :ها ماذا برأيك
نفعل؟ ال أريد تفويت هكذا فرصة
أمينة ابنفعال -وماذا ميكننا أن نفعل والشارع مزدحم ابخللق ،بني
ِ
أنسيت هذا الرجل والرجل مخسة رجال ،مث إ ّن ِ
أمك وأمي يف اخلراب
-ال تكوين جبانةً ّي أمينة ،دعينا نفعل شيئاً ،فكري بشيء ال يلفت
النظر
تسكت أمينة وتدير وجهها للطريق ،كذلك غيداء..
الصمت لدقائق مث تلتفت أمينة لغيداء -هو ِ
رآك قبل هذا أليس ُ يسود
ُ
كذلك
-رآين
ِ
سيعرفك ،أو على األقل لن ينكرك إن مل يتذكرك -إذن
-صحيح
-قبل أن أقول ِ
لك ما أفكر به ،إذا جنحت اخلطة كم ستدفعني؟
وتضحك
تضرهبا غيداء على كتفها -أهذا وقت ختفيف الدم ،سيذهب الرجل
ِ
وأنت تستظرفني ،الساعة اآلن احلادية عشرة ّي غبية.
أمينة على ضحكتها -اهدئي اهدئي سأخربك
116
غيداء تضع مرفقيها على ركبتيها ووجهها يف كفيّها وتستمع
وأنت اآلن جبانبه هو وصديقه ،سأتظاهر أبنين تعثرت -سنمر أان ِ
ّ
هرع أحدمها.
وسقطت ،سيُ ُ
أأقتل نفسي! ِ
تُقاطعها غيداءّ -ي للغباء املُستفحل بك ّي أمينة ُ
-مالك ّي جمنونة
ولظل الشارع
بعصبية -لو فعلت هذا الجتمع علينا شارع اخلراب كلّه ّ
يتحدث ابلفتاة اليت سقطت شهراً كامالً ،جمنونة ِ
أنت ،نريد ماال يلفت
النظر ّي ذكية
كر ِ
أيته -نعم نعم ،امسعي إذنَّ ،ن ُّـر من ِ
أمامه هو وصاحبه ،مثّ وكأنّ ِ
عينه ال تنزعي عينك مث ابتسمي وقفي عينك يف ِ
صدفة فإذا وقعت ِ
إيل بصوت يسمعهُ وقويل :أمينة أمينة وتظاهري ابلفرح ،مث والتفيت ّ
اتبعي ،هذا هو الشاعر الذي اشرتينا ديوانه معاً
-وبعد ذلك
-طبعاً ال أدري ،بعدها جيب أن تتصريف حبسب املوقف.
-أخاف إذا وصلنا قربهُ أن أتخذي ابلضحك كعادتك وأن تفشل
التمثيلية
-ال ال ،ثقي يب هذه املرة.
•••••
117
ليت
دخلت غيداء بيتها ،كم هو رائع ،كم هو رقيق ،كم هو ساحرَ ،
هذا اللقاء مل ينقطع -تقول يف نفسها وهي تدخل غرفتها
تب ّد ُل مالبسها على عجل لتنزل إىل أمينة
تضرب اجلرس -أمونة أين ِ
أنت ُ
أحر من اجلمر لتعرف نتائج اللقاء ،تفتح
أمينة اليت تنتظر غيداء على ّ
الباب -هللا يسمعنا األخبار الطيبة
تتفاجئ غيداء أب ّن سارة وبُشرى عند أمينة ،تقرتب لتُقبل أمينة فتهمس
أمامهن
ّ يف أُذهنا -ال تفتحي املوضوع
و بصوت مرتفع حّت ال يسمعن مهس غيداء تقول أمينة -أهالً أهالً
غيداء
غيداءّ -ي سالم بشرى وسارة هنا
حّت املساء. ِ
عليهن وجيلسن يف اجلنينة ّ
ّ تُسلم
أخربهن
ّ غادرت بشرى وسارة أخرياً ،قالت غيداء ألمينة-ال أريد أن
أنين رأيت شاكر اليوم ،يكفي أنين كسبت التحدي وحدثته على اهلاتف
أمامهن البارحة ،ال داعي ألن يعرفن أكثر.
ّ
أمينة -إذا بدأت الفتاةُ ابلكتمان فإهنا يف الطريق إىل اهلاوية
-ال تتفلسفي كثرياً ،قومي وأحضري لنا شيئاً نشربه ،ألحكي ِ
لك عن
لقائي به اليوم.
فإّي ِك أن تستنجدي يب فلن أُساعدك ِ
-أان أتفلسف!؟ ،إذا وقعت ّ
118
-أأهو ُن ِ
عليك؟ ْ
-نذلة ،ستبقني طوال حياتك نذلة وتبتسم ،مث تذهب لتحضر شيئاً
يُشرب.
تسأل غيداء نفسها -ماذا يفعل اآلن؟
ُ
تتمثل عيناه أمامها لتنسيها سؤاهلا ،فتقول يف نفسها -ما أمجل عينيه
ُ
ورمشيه يستحيل أن تكوان جمرد عينني ،سحر وهللا سحر.
جواهلا وتدخل قائمة االتصال وتنظر يف امسه ،أتصل؟ ال تفتح قفل ّ
أتصل ،سأتصل قبل أن تعود أمينة.
كا َن يف بيته يقف أمام املرآةِ ُميشط شعره استعداداً للخروج إىل اخلراب
أو املسبح البلدي مل تكن خطرت له بعد فكرة أن يتصل بتوفيق ،مسع
اجلوال -مرحبا
اجلوال على السرير وضع املشط وأخذ ّ
صوت ّ
غيداء -أهالً أهالً
بك ويضحك -أهالً ِ
-وتضحك بعد فعلتك؟ ّيلك من ،...وتسكت
ميوت ميّـتُك؟
يضحك أكثر -أال ُ
-كيف سيموت كيف إهنا ثالث ساعات يف الشمس ّي ظامل تقفها فتاةٌ
ينظر إليها القاصي والداين ،هذا يسمعها غزالً وهذا يضحك هلا و هذا
حياول أن يعرض خدماته بتوصيلها حيث تريد ،وحده الذي كانت
تنتظره مل أي ِ
ت!.
119
-ال تقويل هذا ،قلت ِ
لك ظريف ،لقد أخذين النوم وغدر يب املنبه ملاذا
ال تُصدقينين؟.
-وأين أنت اآلن؟
-يف البيت أستعد للخروج
-إىل أين؟
-إىل اخلراب أو املسبح البلدي ،مل أحدد بعد
-أيهما اخرتت ال فرق ،فالنساء كثريات يف املسبح واخلراب كذلك
-أف! ،ما عالقيت أان بذلك
-ال أعرف أنت مسكني وال هتتم للنساء أبداً -وتضحك
يضحك -صدقيين آخر ما أُفكر به
تضحك -صدقتك
-ساُمك هللا
هنا تدخل أمينة وبيديها صينية فواكه وكأسني من عصري الليمون البارد،
صدر صواتً وهي ُجتيبه -ساُمنا هللا مجيعاً
تُشري هلا غيداء بيدها أال تُ َ
-آمني-
-ها قل يل ماذا فعلت بعدما أوصلتين البيت
-ال شيء ،تغديت وزرت بيت جدي مث عدت لبييت وَّنت ساعتني
واستيقظت ألستعد للخروج
بضحكة -يعين استيقظت
الت انئماً ،ويضحك
-ال ،ماز ُ
120
-ال أطيل عليك ،انتبه لنفسك
-سأفعلِ ،
وأنت كذلك
-إذا رجعت اتصل يب ألطمئن عليك
-كوين مطمئنة ،سأفعل
حّت ولو بسؤال هلتنتهي املكاملة وتلتفت ألمينة -مل يكلّف خاطره ّ
فعلت بعدما تر ِ
كتك ،أي سؤال أي سؤال ،فضالً عن أنه تغديت ،ماذا ِ ِ
كان من املفروض بعد اللقاء أن يتصل هو يب ال أان.
لك اتصلي ِبه؟ أنت وقال ِ
أمينة -ومن ضربك على يدك ِ
وهي تضع الليمون أمامها -ال أحد ،فقط أحببت أن أعرف أين هو
اآلن ،فضول! ،ليس إال.
-سرتُك ّي رب من هذا الفضول الذي يطاردان منذ البداية
فور عودتك ألطمئن عليك -مث ملاذا ضحك عندما قلت له اتصل يب َ
ِ
طلبك هذا تصريح ُمبطّن ابالهتمام، غيب مثلك ،يف ِ
-أل ّن طلبك ٌّ
واالهتمام حب.
ال يعجبها كالم أمينة ،صحيح أهنّا بدأت تشتاق للحديث معه لكنها
فعالً تريد أن تطمئن عليه.
121
مرت هي وأمينة من ِ
أمامه هو وأمري ،ومثّلت الدور الذي اتفقت مع ّ
أمينة عليه برباعة قل نظريها ،عرفها فوراً من ِ
أول نظرة ،ماذا يقول؟ مأل ّ
اخلجل وجهه وبدا واضحاً عليه ،تداركت أمينة املوقف -هللا ما أمجل
ُ
ديوانك أستاذ شاكر
الوجود مجيال كما يقول أيب ماضي
َ شاكر بذات اخلجل -اجلميل يرى
مرة أعدان قراءة الديوان أان وصديقيت ،ممتع جداً
أمينة -لو تعرف كم ّ
يبتسم أمري -كم قلت له هذا ولكنه ال يُصدق
كل ذي حق حقه، ِ
لكن لنعط ّ
غيداء -التواضع ضرورة أستاذ شاكر ّ
أنت مبدع يف زمن الالإبداع
شاكر خبجل واضح -أشكركم مجيعاً ،وسعيد بكم جداً
عندك أستاذ
طلب َغيداء -ال نريد أن نقف كثرياً هكذا أمام الناس ،لنا ٌ
شاكر
رحباً -طلبك جماب تفضلي
شاكر ُم ّ
-هائمةٌ أان يف عامل الكتابة ،هل أستطيع التواصل معك عرب اهلاتف
وأخذ رأيك من حني إىل حني فيما أكتب ،صحيح أين جديدة على
ولكن رأيك يعين يل الكثري ،وأرجوك ال
الكتابة وال أرقى لك أبداً ّ
مين ،إن كنت ال تسطيع قل ال أستطيع.
تستحي ّ
هنا تدوس أمينة بقدمها قدم غيداء اعرتاضاً على آخر كالمها
-ال مانع ،يُسعدين ،تفضلي الرقم.
122
عرف أهنا تريد رقمه ألجله ال ألجل
كا َن ملّاحاً ،قرأ يف عينيها ما تُريدَ ،
ِ
والتقت األرواح -قال يف نفسه ِ
آتلفت القلوب شيء آخر،يبدو أهنا
وهي أتخذ الرقم وتذهب.
ِ
سرحت؟ اشريب أمينة تلوح بكفها أمام وجه غيداء -غيداء غيداء أين
الليمون
غيداء تنتبه -ال ال مل أسرح ،فقط كنت أفكر ماذا سنفعل يف الغد
أمينة تُصفق وتُصفر بتهكم -نعم نعم صدقتك ،وتضحك
حّت ال تضحكي اثنية. ِ
تلسعها غيداء يف كتفها بغيظ -هذه اللسعة ّ
تنفجر أمينة ابلضحك أكثر.
حيدث نفسه -هل أتصل هبا حبجة أنين أفعل ما طلبت
دخل منزله وهو ُ
"لتطمئن أنين عدت خبري" ،ال الوقت متأخر اآلن ،ال ال ليس متأخراً
هي ملا اتصلت البارحة اتصلت بعد الواحدة.
يدخل احلمام ليستحم ،وبعدها يلبس بيجامته مث يصلي الوتر ويستلقي
على سريره.
ماذا جرى للنوم؟ يسأل نفسه بعد نصف ساعة وهو يتقلب يف فراشه
حاول لساعة كاملة لكنه مل يستطع ،هكذا
ولقاء اليوم ال يفارق رأسهَ ،
حنن للنوم.
نذهب ُ
ُ ظ عندما
هو األرق يستيق ُ
حّت أيتيه شيءٌ من نعاسه الذي طار ما أن استلقى على
قرر أن يقوم ّ
صنع قهو ًة وخرج إىل البلكون ،عادت لهُ فكرةُ االتصال هبا
فراشهَ ،
123
لكن الوقت أتخر جداً ،قال له قلبه اتصل هبا وبعد أول رنّة اقطع اخلط
ّ
فإن كانت مستيقظة تُعاود االتصال بك ،مل يعجبه رأي قلبه ،خشي إذا
أخذ هبذا الرأي أن تظُ ّن أنه ال ميلك رصيداً كافياً.
احلب دائماً أيتيك بغتة ..أاتهُ اتصاهلا الذي مل يتوقع ،ارتبك
وكما هو ّ
عور مل يعرفه من قبل ابلرغم من مروره
ملا رأى امسها على شاشته ،إنه ش ٌ
لكن ارتباكه هذا
ابلكثري من العالقات العمليّة والدراسيّة مع فتياتّ ،
كا َن ُمفوفاً بسرور ال يعرف مصدره ،فتح اخلط وهبمس -أهالً
طمئين عليك؟
حاولت النوم لكنين مل أستطع ،ملاذا مل تُ ّ
ُ -
وخشيت أن تكوين انئمة،
ُ عدت ُمتأخراً
ُ -كنت سأفعل لكنين
واستحييت من االتصال يف وقت متأخر
-يف املرات القادمة اتصل يف أي وقت ال ختجل ،أان أريد هذا ،اتصل
يف أي وقت ويف أي ظرف ال ترتدد
-ملاذا مل تستطيعي النوم
بقيت يف فراشي أكثر من ساعة وما زلت ومل أستطع
-ال أعرفُ ،
النوم.
حّت خرجت إىل البلكون وصنعت قهوة وجلست
-مثلي متاماًّ ،
-أحس ُد القهوة
يتغاىب وهو يبتسم -مل حتسدينها؟
-ال دخل لك ،هذا بيين وبينها
-وأان أحسدها كذلك
124
-مل حتسدها؟
-ال دخل لك ،هذا بيين وبينها
بغيظ-شاكر ،ال تقلدين
هبمس-هل لشاكر بطلب على أن ال يُرد؟
بدالل-على حسب الطلب
ِ
وافقت أطلبه وإال فال -ال ،إذا
-طبعاً أوافق
-أعيدي نُطق امسي مرة اثنية
بدالل -هذا هو الطلب
مرة يف حيايت أمسع امسي
-صدقيين وكأنين ألول ّ
بغنج -ال تبالغ شاكر
-هللا هللا ما أعذبه من فمك
أيكلها اخلجل -شكراً
أموت يف شكراً!.
ُ -
-ما أحلى كالم الشعراء
-ليس كل الشعراء
كل الشعراء!
-أنت عندي ّ
مل يتوقع هذهِ اإلجابة بعد أقل من 24ساعة على لقاء أول ،سكت
قليالً مث قال هلا -شكراً
-ألن تُسمعين شيئاً من شعرك؟
125
صوتك ال حي ّق لصوت أن ينبس ِ
ببنت شفة ِ -أمام
-ال ال ،أريد أن أمسع شيئاً هيا.
-ال تستعجلي رزقك ،قد تسمعني شيئاً ُكتب لك ِ
أنت
تنهض من فراشها -هل أنت جاد!؟
يكتب إال المرأة
ُ يكتب المرأة عابرة ،ال
ُ الشاعر ال
َ تؤمن أ ّن
كانت ُ
طرقت ابب قلبه على أقل تقدير ،أو دمرت النخاع الشوكي لعاطفته
كما يقول نزار قباين ،وهلذا انتفضت ملا قال هلا" قد تسمعني شيئاً ُكتب
لك ِ
أنت" فرحتها أبن يكتب هلا شعراً مل تُل ِغ غريهتا اليت اشتعلت ملّا
سر وتغار يف آن معاً؟ ،فقوله "
أمامك تُ ّ
َ جتعل امرأةً
قال هلا هذا ،كيف ُ
تدرك أنه
أنت" يعين أنه كتب لغريها ،هي ُ قد تسمعني شيئاً ُكتب لك ِ
كتب لغريها وقد يكون كتب ألكثر من فتاة ومل يقتصر على واحدة،
هن واثرت.لكن غريهتا اشتعلت ض ّد ّ
ّ
أجاهبا-نعم أان جاد ،مل ِ
أنت ُمستغربة؟ َ
-ليس استغراابً بقدر ما هو سعادة
-ال أعدك ،لكنين أظن أن قليب سيكتب ِ
لك ّ
كتب لكثريات قبلي
تنتهز الفرصة -يبدو أن قلبك َ
مر حيايت مل أعش جتربة عاطفية حقيقة
-تتحدثني وكأنين زير نساء ،على ّ
-نعم والدليل قصائد ديوانك
يضحك فقط
-عموماً هذا أمر ال يعنيين يف شيء
126
وغين يل ..أو ّد استماع
فهم شاكر ما ترمي إليه فقال -دعينا منه إذنّ ،
َ
شيء من صوتك اجلميل
-ال شاكر ،إال الغناء
-ملاذا؟
-صويت ُمفزع ،وتضحك
حّت غنّت له بعد ِ
صوتك كيفما ما كان ،ومازال هبا ّ أحب
-ال ال أان ّ
تسحب كلمة،
ُ أن اشرتطت عليه أن يغين قبلها ،وهكذا ..كلمةٌ
حّت
تلحق أبغنية ّ
تبعث ضحكة ،وأغنيةٌ ُجير حديثاً وضحكةٌ ُ
وحديث ّ
ٌ
قال هلا -سأغلق اآلن ِ
األسود من الفجرَ ، ط األبيض من ِ
اخليط بدا اخلي ُ
ُ
ألصلي الفجر.
-وأان كذلك ،اتصل يب إذا فرغت وذهبت إىل فراشك.
وغسل ركوة القهوة
َ وقام إىل "البلكون" فرتبهُ
الفجر وصلّت َ
َ صلّى
النعس يهامجهُ.
ُ وفنجانه وذهب إىل فراشه ،بدأ
اتصل هبا فلم ُجتب..
عادت هي واتصلت ِبه وهو على وشك النوم
-أهالً غيداء
-أهالً بك
-ها ماذا ستفعلني اآلن
-سأنتظرك
ُمستغرابً -ماذا تقصدين
127
تضحك -أال تود رؤييت؟
-اآلن!!
-نعم اآلن ،سأقف على البلكون وتعال أنت بسيارتك وقف أسفل
البناية ،اجلميع انئمون هنا ،والشوارع فارغة.
يبدأ نعسه ابلتالشي -لكن سآيت ابلبيجامة ويضحك
-وأان ابلبيجامة أيضاً ،تعال
تقف
حّت استقر حتت بيتها ،رآها ُ ماهي إال دقائق ال تتجاوز العشرّ ،
الشمس أشرقت
ُ وتلوح له بك ّفها ،مل تكن
ببيجامتها ذات اللون الزهري ّ
بعد ،إَّنا تفتّح لون السماء ُمعلناً شروقها القادم ،بدأ حيدثها على اجلوال
الشمس قبل موعدها هذا الصباح ِ
أشرقت وهي أمامه على البلكون:
ُ
وابتسم.
-ما أشطرك يف الغزل
نصف هذا اجلمال
-آه لو أ ّن الغزل يُ ُ
تسكت خجالً مث تقول -أحقاً أُعجبُك
ِ
أمسعت أبحد ال يعجبهُ القمر -ما هذا السؤال؟
تضحك -شكراً
-أمتىن أال تكون جماملة
ِ
جاملتك يف االتصال األول بيننا لو كنت أجامل كنت
ُ -
-صحيح ،قطفت لك قبل أن تصل ّيمسينة ،انزل من السيارة ستجد
ابب البناية مفتوح ،ادخل وأغلقه خلفك وسأنزل لك.
128
•••••
ِ
أصدقائه. قرأ شاكر هذا الكالم يف منشور "فيس بوك" ألحد
ما هذا التشاؤم -قال يف نفسه ،مث كتب يرد:
129
يتغلغل فيك
ُ يستأذنك احلب ،ال مينحك فرص َة التفكري ،عندما
َ ال
عليك بنظرة! ،جييءُ فجأ ًة كسكتة قلبية ،ومع
يسرقك منك ،يقضي َ َ
نطلب من احلُ ِّ
ب أن يكو َن مجيالً ُ كيف
هذا فإننا املالمو َن ال احلبَ ،
ِ
وحنن
يستمر إىل النهاية ُ
ّ نطلب من ِّ
احلب أن ُ كيف
وحنن نُقط ُّر قُبحاً؟ َ
ُ
نطلب من احلب أن مينحنا
ُ من يضع احلواجز أمامهُ ومن يعتقله؟ كيف
ب ابلرحيل؟ كيف نطلب من احلب ُدد من ُحن ّ
وحنن يف كل حلظة هن ُ
البقاء ُ
وحنن
نطلب من احلب أن يكو َن أميناً ُُ وحنن نتجاهله؟ كيفيهتم بنا ُأن ّ
احلب إذا أحرقنا بشوق أو كواان حبنني،
الم ّ خنونه صباح مساء؟ ال يُ ُ
الذئب الم ِ
ُ فنحن ُحنرقهُ جتاهالً ونكويه إمهاال ،وكما يقول أبو ريشة " ال يُ ُ
ُ
يستحق احملاسبة ال حنن من عدو ِ ِ
ُ الغنم" ُ يك الراعي ّ عدوانه ..إن ُ يف
احلب ،أيّها األحبة قبل أن تلوموا احلب لوموا أنفسكم.
تقرأ غيداء ألمينة هذا املنشور بعد أن أخربها فيس بوك "علّق شاكر
عريب عند فالن" وتقرأ هلا ر ّد شاكر ،وتلتفت إليها -ما ر ِ
أيك ّي أمينة؟
-احلب ..آه من احلب ،وآه منّا حنن ،كالمها ُُم ّق ّي غيداء ،كالمها
ُُم ّق.
•••••
130
إنين مؤمن ّي صديقي أ ّن اجلميالت هلذا احل ّد متعبات ِ
ألبعد حد ُ ٌ
ِ
حديثه عن مجاهلا -قاهلا شاكر ألمري يف هناية
التعب مع امرأة مجيلة خريٌ من أن
ُ ابتسم أمري وقال -أن يستعبدين
تؤمرين الراحة مع امرأة قبيحة.
ّ
كأس امللّيسة على الطاولة -كم مرة سأقول لك اجلمال أمر نسيب
يضع َ
ُ
وأنهُ ال يوج ُد امرأةٌ قبيحة ّي أمري؟
القبيحات ُكثر ،وليس القبح مقتصراً على اخللقة
ُ -بل
-دعنا من هذا اآلن ،اهتمامها ّي أمري ،اهتمامها يب بدأ أيخذ مساراً
من نوع آخر ،ماذا تُفسر هذا؟
-االهتمام هو احلب
-أصغر طفل يف العامل يعرف هذا ،املشكلة أنين ال أريد احلب
-واضح ،وهلذا منذ ثالثة أّيم وذكرها ال يفارق لسانك
ّ-ي أمري ّي أمري أنت تعرفين جيداً ،ليست أول فتاة يف حيايت متر ،ملاذا
يريدها احلب هي وليس غريها مثالً؟
يطفئ سيجارته -ال يستشريان احلب ّي شاكر ،لقاؤك ومعرفتك
ابلكثريات ال شيء ،احلب حالة خارجة عن إرادتنا حنن ،إهنا القلوب
فنحن
سريون ،على عكس احلياة ُ حنن ُم ّ
احلب ُ
تفرض علينا احلبيب ..يف ّ ُ
ُمريو َن معاً.
مسريو َن ّ
ّ
أخذت اليامسينةَ منها نظرت يف عينيها ..ال أابلغ ّي أمري
ُ يتنهد -ملّا
أمجل من اليامسينة بكثري
وهللا ال أابلغ هي ُ
131
يضحك أمري.
يغتاظ شاكر -أندم كلما قلت لك شيئاً
ولك أيها اجملنون
بك َ أمري على ضحكته -وهللا إنين سعي ٌد َ
•••••
133
حي الوعر، ِ
وقف بسيارته يف ّ
كانت الساعة الرابعة والنصف عصراً ملّا َ
الباب وصعدت ُمبتسمةً -مرحبا
فتَحت َ
ُمبتسماً -أهالً وسهالً
أمجل املقال
تُغلق الباب وتلتفت حنوه -ما َ
ظ ِ
املقال وكاتبه تتضاعف ابتسامتهّ -ي حل ّ
ُ
ابحلب..
ّ الذين ال يؤمنو َن
َ -
-موتوا بكرهكم
لك هذا النثر ّي شاكر من أين؟
تبتسم -هللا ..من أين َ
عينيك ،ويضحكِ وهو ُيرج سيجارًة -من
تلسعه بغيظ على كتفه -ال هتزئ ال هتزئ
يصرخ آه -آملتين ّي جمنونة ،وهللا مل أهزئ لكن ضحكت ألنك لن
تصدقي هذا
يف شيئاً ولو بسيطاً من
تلتفت عنه إىل انفذهتا -لو كنت صادقاً كتبت ّ
وحنن أصدقاء والتقينا أكثر
عشرات القصائد اليت كتبتها لغريي ،لنا مدة ُ
من مرة ووعدتين يف اتصال ومل ِ
تف بوعدك.
يضحك -أان مل أعدك ،لكن قلت رمبا
عيين كما تزعم
جئت مبقالك من ّ
أنك َ-كيف تريد أن أص ّدق إذن َ
-وهل جيب علي أن أكتب ِ
فيك قصيدة حّت تصدقي؟
صرت مصدراً إلهلامك
ُ أوقن أنين
-طبعاً ..هنا ُ
ِ
عينيك إذن -أغمضي
134
ُمستغربةً -ملَ؟
-أغمضيها وال تسأيل ،فقط استمعي
غمض عينيها ويبدأ:
تُ ُ
ِ
اتصلت وغنّينا معاً طراب ُمن ُذ
أحاول من شوقي ِ
لك اهلراب ُ إين
ّ
أيخ ُذين
صار ُ ِ
يب َ
شيءٌ إليك غر ٌ
وكلما بعُدت أميالُنا ..اقرتاب
ينزل يب
الشعور قدمياً كا َن ُ
ُ هذا
ّأّي َم كان اهلوى مثل املدى َرِحبا
شهيّةٌ ِ
أنت كاحللوى وفاتنةٌ
الطفل إن غَ ِ
ضبا ني ،ومثل ِ كاليامس ِ
َ
الشيء غالييت
َ ني هذا
سم َ
ماذا تُ ّ
الس ُحبا ِ
ُمن ُذ اتصلت ويب ما يُشببهُ ُ
135
وأمطار تُباغتُين
ٌ بر ٌق ورع ٌد
تقولني والصحرا غدت ِعنبا!
َ ماذا
بفخ ِّ
احلب اثنيةً! وقعت ِّ
ُ يبدو
عاش اهلوى كتبا
كتبت ..ومن َ
لقد ُ
يقول هلا وهو يطوي القصيدة بعدما أنتهى ُمبتسماًّ -إّي ِك أن تُصدقي
كل ما يقوله الشعراء.
ّ
ِ
ابلبكاء ووجها تفتح عينيها لينهمر ،بدأت
الدمع كا َن منتظراً أن َ
َ وكأ ّن
خاف شاكر واقرتب منها -ملاذا تبكني؟.
يضحكَ ،
تلتفت عنهُ إىل انفذهتا -ال شيء ال شيء ومتسح بكفيها دموعها
ُ
-كيف ال شيء!؟ ملاذا تبكني أريد أن أعرف اآلن
تلتفت إليه -فرحاً ،أنت ال تعرف ماذا فعلت يب اآلن ..أريد أن أطري
وتضحك بينما الدموع تسيل.
عليك :ال تصدقي كل ما يقول الشعراء ِ
أرجوك ..وأُعي ُد ِ -ال تطريي
أنت بيين وبينها
-ملاذا تريد أن تفسد فرحيت ابلقصيدة ،ال دخل لك َ
أصدقها أو أكذهبا أن حرة
يضحك -كما تريدين..
136
الفصل الخامس
"ما بعد الفراق"
بقلم شاكر عريب
فيك من كرم
جرت على ما َ
وإن ُه َ
فالناس تتخ ُذ القرآ َن مهجورا
ُ
-زاهد ال ُقرشي
137
138
ولست
ُ فاحلرف رئيت
ُ ال أستطيع أن أختيل يوماً يذهب عين فيه ِ
الشعر، ُ َّ ُ
كيف يتنفس الذين ال يكتبون ،ال تُقارين الشعر ِ
فيك ،إنين ُمستع ٌد أدري َ
َ ُ َ
الطبيعي جداً أال تتشابه
ّ عين ِ
ألجل الشعر ،القصائ ُد بنايت ،ومن للتخلي ّ
بنات الرجل ،هذهِ مجيلة ،تلك عادية ،هذه قصرية ،تلك طويلة ،هذه ُ
ابرةٌ أببيها وتلك عاقّةّ ،أما يف عني األب ِ
حنيفة ،تلك مسينة ،هذه ّ
واألمهات كذلك ،كل
فيتساوين مجيعاً ،فطرةُ هللا اليت فطر اآلابء عليها ّ
َ
ِ
اهتمامك ،وأال فيك هي ابنتُنا معاًِ ،
عليك أن ترضعيها قصيدة كتبتها ِ
أكثر من أبيها فقط ألهنا منه.
تغاري منها ،وأن ُحتبيها َ
لكهذه الكلمات يوم قلتها ِ أجلس اآل َن وحيداً يف اخلراب ،أتذكر ِ
َ ُ ُ
كل ما حويل يُنكرين ِ
أجلس اآل َن يف اخلراب و ّ
ُ وحنن أمام بيتك صباحاً،
ُ
ط فوقي ،ابئع القهوةِ
الثلج ال يتساق ُ ِ
ُ يهرب من أماميُ ، بَع َدك ،اهلواءُ ُ
أشعر ابحل ِّر ُ
والربد ِ
أعطاك عمرهُ ورحل ،الشتاءُ مل يُ ِ
بق أحداً يف الشوارعُ ،
كل صباح من بعيد أنت اآلن؟ أمر ِ ُيرت ُق عظامي! أين ِ
وأقف ّ
ببيتك ُ ّ َ
ابع بعد الفراق،
الشهر الر ُ
ُ أنظر إىل بلكون غرفتك وال جديد ،هذا هو
ُ
كم شهراً أحتاج ليتخلّص قليب ِ
منك؟ كم سنةً؟ ،كم دهراً أحتاج ،وأان ُ
القلب ال يزول ،ليس للشعر ِاء حظّ ،احفظي
وشم يف ِ ِِ
أعرف جيداً أنّك ٌ
ُ
ِ
حفظته عين؟ قلت ِ
لك هذا؟ ،هل يوم ُ
هذا عين ،هل تذكرين َ
أنس. ِ ِ
أظنك نسيت ،لكنين مل َ
139
ظ نفسه ،أال ِ
قلت يل يومها -الشعراء هم أهل احلظ إن مل يكونوا احل ّ
ماليني الناس
ُ يكفي أهنم يستطيعو َن ترمج َة عواطفهم إىل حروف ،بينما
ميوتو َن صمتاً؟
ضبّة
تل بسبب ُ ُ ِ
قلت لك ُمبتسماً -لو كا َن للمتنيب َشعرة من حظ ما قُ َ
قتل بشيء أعظم ،أو كا َن انل الضيعة ِ
وأمه الطرططبة! ،على األقل كا َن َ ّ
خللعت له
ُ اليت طلبها من كافور وق ّدم مقابلها قصيدةً لو قاهلا يب
مات
وضحكت مثّ اتبعت :لو كا َن لناجي حظ ّي حبيبيت ما َ
ُ مالبسي!،
وهو يشحذ اللقمة ،فعلى أقل تقدير كا َن عرفه الناس قبل موته.
وملّا عرفه الناس بعد موته عرفوه فقط أل ّن أم كلثوم غنّت لهُ "األطالل"،
وّي ليتها غنّتها كما هي ،بل أضافت هلا من قصائدهِ ما أعجبها وحذفت
مامل يعجبها" ،سطو غري ُمسلّح يعين".
ألست ُمظوظاً؟
َ وأنت ّي شاعري أان..
وقلت َ - وضحكت فقاطعتِين ِ
ُ -
ابتسمت وقلت :فقط ألنين عرفتك.
ُ
عني أنّ ِ
ك من صنَعين لت تغارين من قارائيت؟ هل ما ز ِ
لت ت ّد َ ترى هل ما ز ِ
َ
هي
عني أن ُشهريت الشعرية َ وجعل مين شاعراً؟ تُرى هل إىل اآلن ت ّد َ
َ
السبب الرئيس بني أسباب كثرية أخرى يف فراقنا؟ ال أعرف هل هي ُ
الصدفة اليت جعلتين أكتب هذه الكلمات اآلن وأان أستمع ألغنية
كل ذكرى تسألين اآلن :هل فاتنا قطار
"فات املعاد" ،أم ال ،إ ّن ّ
العودة؟.
140
مؤمن أنّه ال أمل ،لكنين يف
هناك أمل وأان ٌ هناك أمل ،قليب يقول يل َ َ
احلب أُص ّد ُق قليب وهذا ما أوصلين ملا أان عليه اآلن من اخليبةِ ،
آه ّي
حبيبيت "كم بنينا من خيال حولنا" ،آه "كم مشينا يف طريق ُمقمر"
كي دمي"
كانت هنايتهُ الفراق ،فلماذا؟ ،أخربيين ملاذا "جحدت عيناك ز َّ
كنت كنت "أغار من قليب إذا هام لِلُ ِ
قياك" ،أان الذي ُ ملاذا وأان الذي ُ
َ ُ
"أحبك حباً لو يفيض يسريهُ ..على اخللق مات اخللق من ِشدة احلب"
بكل جارحة من جوارحي "وأنت الذي ملاذا؟ وأان الذي أحببتك ّ
ِ
يلوم" ،أسألك اآل َن ِّ
بكل اخلفتين ما وعدتين ..وأمشت يب من كان فيك ُ
ام" ،هل جواب مسأليت حر ُ
َ "كأن ِ
القلب من حنني ،وال جتيبينين َّ ما يف
"سوف تلهو بنا لك فيهاقلت ِ
مرة ُ
َ ين كم ّ
تذكرين ّي حبيبيت؟ ،هل تذكر َ
احلياةُ وتسخر" ،ها قد صد َق حدسي ،وسخرت منّا احلياة ُسخريةً ما
َس ِخرهتا من عاشق ِ
ني قبلنا.
ِ
اختذت هذا لقد ِ
قررت أننا جيب أن نتوقف عن احلب ،وال أعلم كيف
ِ
القرار الذي ال نستطيع ال أان وال أنت تتفيذه ،هل كانت بدايةُ ِّ
احلب
جنلس ِ ِ ِ
أبيدينا حّت تكو َن هنايته كذلك؟ كنّا قبل قرارك املشؤوم أبسبوعني ُ
وأظهران للكون ،مل نكن نعلم أننا بعد أّيم ِ
لوجهك يف املقهى ،وجهي
ُ
سننتهي ،كنّا وقتها على ّأمت استعداد ملواجهة الدنيا مبا فيها حببنا الكبري،
تتقنني
َ تكيف كن ِتبتسمني ابتسامةً كلّها ج ّدية ،ال أعرف َ َ ِ
كنت
كنت حينها مسرتسالً ابحلديث عن مثقفينا ،آه
ابتسامةَ اجلديّة تلكُ ،
141
كنت أقول ِ
لك من مثقفينا ّي غيداء ،كم حدثتك عنهم ،وأذكر أنين ُ
حينها:
ثقف ال
اب وغريهم ممن يظنو َن أ ّن املُ َ
اء وُكتّ َ
مبثقفني من ُشعر َ
َ لقد ابتُلينا
جترأ على الذات اإلهلية ،وفتواهم جاهزة طبعاً ،فهم
يكو ُن ُمثقفاً إال إذا ّ
استخدم مفردة "
َ ذلك بظه ِر "اجملاز" ويظن أحدهم أنه كلما
يُلصقو َن َ
صار ُمثقفاً وأبو املثقفني أيضاً ،والدنيا ِ
إله" أو "آهلة" أبيّة صيغة كانتَ ،
كلها تعرف جيداً أن ُمفردة "إله" ال حتتمل إال معىن واحد وهو "املعبود
وليس هناك معبو ٌد حبق إال احلق سبحانه ،ال أكاد أقرأ رواية إال
حبق"َ ،
تعج ابلتعرضات للذات اإلهلية بذريعة األدب ،حوارات مفتوحة مع
و ّ
الرب سبحانه ،حياور فيها الكاتب ربّهُ ويعرتض عليه ،ويغضب منه وكأنه
علواً كبريا ،إهنم يفعلو َن هذا
عما يقولو َن ّ
زميله يف املدرسة! ،تعاىل هللا ّ
"مثقف" و
ليقال عنهم "مثقفون" ،تُرى ما فائدة أن تكو َن عند الناس ُ
َ
ميدحك الناس ويلعنك هللا.
َ عند هللا ُمتخلّف؟؟ ،ما فائدة أن
كذلك ّي عزيزيت على من يريد أن يكو َن ُمثقفاً يف زماننا أن يستشهد
دائماً أبقوال فرويد ونيتشة وزوراب ،كأ ّن األرض مل تعرف غريهم ،ويف
كرر فيها أقوال
احلقيقة ّي عزيزيت جيب أن تعلمي أن كل رواية حديثة ُم ٌ
هؤالء الثالثة هي رواية فارغة غالباً ،جيب أن ال تُضيّعي ِ
وقتك يف
الذين يستشهدون ِ
قراءهتا ،وعليك أيضاً أال تثقي كثرياً ب ُكتّابنا الشباب َ
بغري هؤالء الثالثة من ُكتّاب األوربيني ،حنن اآلن يف عصر القص
واللصق ،يدخل -الروائي العظيم -إىل جوجل وُيتار مقولة تُناسب
142
صحفي ما ،يوماً ما ،عن هذا الكاتب
ٌّ سرده ويُلصقها وانتهينا ،فلو سأله
ويتنصل من
ّ وماذا قرأ له ،سيواجه السؤال بسؤال على طريقة اجلبناء
اإلجابة.
قاطعنا النادل وهو يضع القهوة ويبتسم ،كم كا َن ق َد ُر هذا النادل مجيالً
ِ
وجهك يوماً؟ فرأى
من ِ
احلقيقي َ
َّ يكشف
ُ قلت :أوالً وأخرياً ال يصح إال الصحيح ،والتاريخ
املزيّف.
وعدت بظهري للوراء
ُ وأخرجت سيجارةً
ُ أخذت رشفة قهوة من فنجاين
ُ
وجه الثقافة أبداً ،وال يف ِ
وجه أهلها ،إذا ختلّى يقف يف ِ الدين ال ُ
وقلتُ :
دينه على الورق فعلينا أن ال نسأل بعد ذلك عن ِ
ختليه عن ف عن ِ املُث ّق ُ
قيم لشيء وزان. ِ
قيم لدينه وزانً ،ال يُ ُ
املبادئ والقيم ،الذي ال يُ ُ
احلب ،مضحكاً جداً ،ومؤملاً جداً ،لقد كنّا ِ
كا َن قرارك ابلتوقف عن ّ
طوال األشهر اخلمس من حبنا مسَْناً على عسل كما يقول املَثل ،فمن َ
السمن على النار؟ حنن؟ نعم حنن،
َ وصب
َّ العسل على األرض،َ كب
ّ
ِ
مبعرفة أسراران ،تراكمت أخطاؤانُ ،مكابرتنا ،السماح لكل الناس
تلو شهر ،وكانت العالقة ال تزال يف
األخطاءُ يوماً بع َد يوم ،وشهراً َ
خرجت قاصداً ِ
بيتك صبيحةَ حّت
حمل ،ويف جمال التداركّ ،
ُ جمال التَ ّ
عرفت
ُ ذلك اليوم الذي ال أنساهُ يف حيايت ،ألنه اليوم الذي
ذلك اليومَ ،َ
واخرتت كماشة ،حيناً من الوقت، ِ
ُ بني ف ّكي ّ
رجل َ
يعيش ٌ
فيه ما معىن أن َ
مفرد َة كماشة هنا ِعوضاً عن "خائنة" أل ّن ُجمرد رؤية ِ
هذه املُفردة يُشعرين ّ ّ ُ
143
ابلقرف ،إن كل شيء يف هذه الدنيا قذرُ ،ميكن أن يكون يف قمة
قررت أن آيت إىل ِ
صبيحة ذلك اليومُ ، الطهارة إذا قارنته ابخليانة ،يف
كنت أر ِ
اك واقفةً على البلكون دائماً اك كما ُ بيتك عسى أن أر ِ ِ
متنيت لو كا َن
ذلك اليوم ،رأيتُكما معاً بعيين اليت ُ ِ
صبيحة َ ونتحدث ،يف
خرجت ُمبتسماً ألج ِل
ُ قبل أن تراكما معاً ،ما أسخفين!
أكلها الدود َ
ِ
السيارة تضحكني، دت مضرجاً ابخليبةِ ،
كنت إىل جانبه يف صلح ،وعُ ُ ُ ُ
تتصلني فيه، ِ
موعدك اليومي الذي كانت السابعة والنصف صباحاً،
َ
حّت كنت قاصداً ِ كنّا على قطيعة قبل أن أر ِ
بيتك ّ اك معه بثالثة أّيم ،و ُ
علي منذ ثالثة أّيم ،مل تكن طعنةً يف الظهر أُراضيكِ ،
يبني ّ
فأنت ال ُجت َ
مررت
أعرف متاماً ما الذي جرى يلُ ، أبداً ،كانت طعنات يف القلب ،ال ُ
نظرت وك ّذبت عيين ،اقرتبت بسياريت من سيار ِته أكثر ،إنكما
ُ جبانبكما
ضغطت برجلي على دو ِ
اسة البنزين ّ علي،
يسيطر َّ تضحكان! بدأ اجلنو ُن
ّ ُ
وكأهنّا هي من خانين ،شيء جعلين أختيلها ِ
أنت ،إ ّن أقل عقوبة ميكن ٌ
أقود بسرعة جنونية ،ولكنوأخذت ُ
ُ املوت دعساً!
أن يناهلا خائن هي ُ
وبدأت أصرخ يف السيّارة بصوت عال كاجملانني:
ُ إىل أين؟ ،ال أعرف..
ال تكذيب..
إين رأيتُكما معا
ّ
كرهت األدمعا
ُ البكاء ..لقد
َ فدعي
اجلسور إذا جرى
َ الدمع
َ ما أهو َن
فأنكر وا ّدعى ِ
من عني كاذبةَ ..
144
ذلك
كا َن حضور "كامل الشناوي" وقصيدته تلك طاغياً صبيحةَ َ
اليوم ،وصبيحة كل األّيم اليت تلت ذلك اليوم ،صحيح أنين مل أتطرق
لكن هذا ال يعين أبداً أنين نسيت ،الصحيح
يف شعري خليانتك أبداًّ ،
كتبت هلا غزالً ما كتبه
تناسيت قاصداً ،فأان ال أري ُد للحبيبة اليت ُ
ُ أنين
أنت تعرفني جيداً مدى شاعر حلبيبة قبلي ،أن أختم ديواهنا خبيانةِ ،
ٌ
هبم النهاية يف الديوان ،ليعلم
اخرتت أن اُ َ
ُ امشئزازي من اخليانة ،فلذلك
ذهب ذلك اليوم
الناس أننا افرتقنا ،أما ملاذا افرتقنا فال دخل ألحدَ ،
َح ُّـد من الس ّكني،
كل شيء ،مل يدع يل سوى حزين وذكرى أ َ
وأخ َذ معهُ ّ
وجلست فيها شهراً كامالً،
ُ واخرتت مدينةَ بورصة
ُ بت إىل تُركيا،
هر ُ
اكتشفت أنّه على العكس متاماً،
ُ أظن أن السفر يُنسي ،لكنين كنت ُّ
ُ
بت من األماك ِن اليت كنّا نلتقي هبا ألقع فيها ،مل أكن أعلم أ ّهنالقدر هر ُ
يوم
واهلرب منها سيكو ُن إليها ،كم كا َن نزار صادقاً َ
ُ ُمفورة يف القلب
قال:
ومهوم ال ِّ
رب تسكنُهُ ُ كم ُمبحر
ب ،ما هراب ِ
وهارب من قضاء احلُ ّ
أيت
وصلت ر ُ
ُ سافرت ألبتع َد ِ
عنك وملا ُ نعم ّي حبيبيت نعم،أان الذي
أهرب ِ
طيفك ابنتظاري يف املطار ،يف احلقيقة ال أعلم ما الذي جعلين ُ
حيث عائليت مثالً؟ ،يبدو أنين
لرتكيا ابلذات ،ملَ ملْ أسافر لإلمارات ُ
145
سوف
َ ظننت أنين وهلول صدميت ِ
بك ُ أهرب حّت من نفسي، كنت
ُ
ُ
ِ
جرحك هذا ِ
أنساك بسرعة تفو ُق سرع َة الضوء ،مل أكن أعلم أ ّن
مر عليه أربعة أشهر ،تُصدقني؟سيستمر انزفاً يف قليب حّت اليوم ،وقد ّ
ّ
ِ
أنتظر دوري لدف ِع قيمة ما
كنت مرًة يف أحد احملالت التجارية الكبرية ُ ُ
يقف إىل يساري شاب أمسر طويل رّيضي القامة يرتدي اشرتيت وكان ُ
اجلوال أمامه على طاولة احملل
قميصاً أزرقاً وضع أغراضهُ مبا فيها هاتفهُ ّ
نظرت
ُ جوالهُ " غيداء تتصل بك" ليخرج النقود استعداداً لدوره َّ ،
رن ّ
كنت ألنظر هبا لو كنت بكامل قواي شاشة ِ
جواله بطريقة محقاء ما ُ إىل ِ
146
جتاوزت
ُ اتصلت يب صبيحةَ ذلك اليوم؟ ،هل ر ِ
أيت سياريت بعدما ِ ملاذا
يدين تربير ِ ِ
السيارة اليت تُقلّك أنت وحبيب القلب؟ ،هل كنت تر َ
يدين اغاظيت؟ ،ال يهم كثرياً ،كان ذلك اليوم قبل ِ
فعلَتك؟ ،أم كنت تر َ
أربعة أشهر وستة أّيم و تسع ساعات من اآلن.
صباح كل يوم إىل أخرج جلست يف ِ
َ كنت ُمدينة بورصة شهراً وزّيدةُ ، ُ
كنت أخرج بغرض املشي ال أكثر ،وأمشي وأتيه يف املدينة
ماال أعرفُ ،
أمجل ما يف املدن اليت نزورها وحنن ال نعرفها
اليت ال أعرفها من قبل ،إ ّن َ
نضيع فيها ،ولذلك أفسدت كثرةُ الالئحات اإلرشادية يف ابريس
هو أن َ
تضيع فيها كما قالت ،هذا املشي كا َن
َ على غادة السمان ُمتعة أن
بث الطاقة
ميص الطاقة السلبية يف جسدي ،كان له قدرة هائلة على ّ
اإلجيابية يف دمي ،يوماً بعد يوم وصباحاً بعد صباح ،حفظين أهل
أعرف عنهم
أين ال ُ
وتعرفت عليهم ،أحببتهم مع ّ
ُ علي
املنطقة ،وتعرفوا ّ
بدأت
األسبوع الثاين ُ
ِ شيئاً غري مصافحة وجوههم صباح كل يوم ،يف
صباح كل يوم من بيتها إىل الساحة العامة ،مل تكن
َ أنتبه لفتاة متشي
سيطر فيه الكسل
أستغرب نشاطها يف زمن َ
ُ كنت
مالُمها تركيّةً أبداًُ ،
تدخل أحد
ُ على أغلب البشر ،كانت إذا وصلت الساحة العامة
املقاهي املوجودة ،وتشرب كأساً من الشاي ،وأحياانً ثالث كؤوس،
أعرف ما الذي دهاين ذلك الصباح فتبعتها
ُ مالُمها خليجية ،ال
وجلست إىل طاولة قريبة منها ،كانت وجوهنا
ُ ودخلت نفس املقهى
ُ
وبدأت
ُ يتصبب من وجهها،
ُ حّت والعرق
محراء من املشي ،كانت مجيل ًة ّ
147
مرة رأيتها
أأتملها ،لوحة فنّية قلّما يرى األنسا ُن جبماهلا ،ذكرتين أول ّ
ببيت اجلواهري ملا حتدث عن ابئعة السمك يف براغ فقال: ِ
خري من ل ّق َن املُلحدين
وّي َ
دليالً على قدرةِ القاد ِر
ِ
كالسيف ولهُ بريق ،كانت دوراً كالقمر ،كا َن ح ّداً
مل يكن وجهها ُم ّ
أت فجأةً وأانجتر ُ
إيلّ ،ابجلوال بينما تسرت ُق النظر ّ
تتظاهر ابنشغاهلا ّ
وقلت هلا ببالهة غريبة ،وبدون
ُ تشف أخر رشفة من فنجان القهوة أر ُ
وابتسمت.
ْ مقدمات :من أين ِ
أنت؟ َ ُ
إيل وقالت :تسألُين أان؟
حني نظرت ّ كا َن واضحاً أ ّهنا ارتبكت َ
أنت ،وهل يوجد غريان هنا يف هذا الصباح الباكر؟، هززت رأسي :نعم ِ
ُ
مرةً أخرى.
وابتسمت ّ
ُ
مين ،قامت وحاسبت وانسحبت.
كأ ّهنا مل تسمع شيئاً ّ
وبدأت أكتب ،وأمسح
ُ طلبت فنجاانً اثنياً،
ُ ّي للغباء ماذا فعلت؟،
تلك الفتاة وجه خري على شعري،
وأكتب ،وأكتب وأمسح ..كا َن وجهُ َ
استطعت أن أكتب أخرياً ،كأ ّن جباالً كانت على
ُ فبعد أربعة عشر يوماً
لت أحبّها
كتبت يومها قصيد ًة ماز ُ
خرت فجأ ًة بشخطة قلمُ ، صدري ّ
حّت اآلن ،أان الذي ما أن تولد يل قصيدة حّت أنسى اليت قبلها نسياانً
أبدّيً ،ملاذا ال أدري ،أما هذه القصيدة فهي الوحيدة اليت ما نسيتها
148
ِ
وصلتك أم مل تصل ،وال أظن أنين سوف أنساها ،ال أعرف هلوال ّ
كل الذي يهمين أنين كتبت ،تُتعبين ِ
احلقيقة هذا كثرياًُّ ، يهمين يف
العناوين كما تعرفني ،إال يف هذهِ القصيدة اليت ال أعرف سرها ،كا َن
ُ
عنواهنا جاهزاً قبل كتابتها ،يُطالبنا ابالعرتاف فوراً" ،لنعرتف" هي
القصيدة اليت جاء يف مطلعها:
ليس ُحباً..
َ
ِ
حنن كنَّـا وامهَ ْ
ـني ُ
ف.. لنعرت ْ
َ
ف.. لنعرت ْ
َ
ـني
حنن كنّـا كاذبَ ْ
ُ
وهواان ..
امللل! ِ
كا َن تضييعاً ألوقات ْ
كيف أمسيناهُ ُحبّـا؟؟
َ
كا َن ضرابً من خيال
كا َن هلواً..
كا َن ومهاً..
تمل!
كذبةٌ ال ُحت ْ
وبروداً..
وغباء..
ً
حصل!
ْ ما
149
أعظم يف نظري من خيانتك، كنت خائناً مثلك ،وخيانيت كانت ُ لقد ُ
أسكنتك فيه ،وعندما صحوت ِ نت قليب ملّا أنت ُخ ِ
نت رجالًّ ،أما أان ف ُخ ُ ِ
ِ
ُخرجك منهُ فخانين كما ُخنتهُ وأىب. حاولت أن أ
ُ من غفليت
كامل وهاتفي ُمغلق، ِ
شهر ٌ مر ٌ رجعت بعد شهر تقريباً إىل محص ،لقد ّ ُ
شهر كامل هل أحتدث مع أهلي عرب هاتفي اآلخر الذي ال تعرفنيٌ ، ُ
علي عشرات ِ
اهلاتف فاهنالت ّ َ فتحت
ُ اتصلت خالله؟ ،ال أعلم،
أنت! يف احلقيقة قبل أن أفتح الرسائل من كل األرقام ،إال رقمك ِ
ّ
كنت أظن أنين سأجد الكثري من الرسائل واالتصاالت ِ
منك، اهلاتف ُ ّ
أيتك صبيحة ذلك اليوم اتصالك يب بعدما ر ِِ لكنين مل أجد شيئاً ،كا َن
قررت االنتحار هو آخر اتصال ،صحيح هل ُ ِ
قلت لك إ ّن شاش َة هاتفي ّ
بعدما هجرها رقمك؟ ،نعم وفجأ ًة قررت أال تعمل أبداً ،كانت
املوت فلم ُمتهل ِن ألكمل قراءة ما وصلين من رسائل، مستعجل ًة على ِ
ُ
فيك شعرة.هز ِ ّل حيايت كلها ،ما ّ ِ
ليس ضرورّيً ،فتعط ُ مل أقُل لك؟َ ،
أعود من تركيّا ،وبعدما أهدتين تلك الفتاة قصيدةً دو َن أن قبل أن َ َ
وخرجت كعاديت،
ُ ليوم التايل
انتظرت ا َ
ُ قررت أن أشكرها، ُ تشعر،
فجلست،
ُ جلست يف املقهى
ْ غت،
وفر ُ
غت من املشي َ
فر ْ
وتبعتها بعدما َ
الشاي
َ بت
فتظاهرت ،شر ْ
ُ ابلالمباالة،
وطلبت ،تظاهرت ُ
ُ طلبت مشروابً
ْ
خرجت من
ْ بت ،ولكنين يف هذا الصباح مل أمتلك ُجرأة األمس،وشر ُ
ذهبت!
ُ أين
أذكر َ
ت ُذهبت ،ولس ُ
ْ أين
أعرف َ
فخرجت ،ال ُ
ُ املقهى
150
حاولت أكثر من مرة ،يوماً بعد يوم أن أستعي َد من جرأة ذلك اليوم وما
ُ
يوم كا َن سفري يف اليوم الذي يليه ،تبعتُها إىل
استطعت ،إىل أن جاء ٌ
بت شيئاً فشيئاً من طاولتها
ظللت واقفاً ،واقرت ُ
ُ ت
س ْ
املقهى ،وملا جلَ َ
أقف على بُعد شرب واحد سمت ،مل يعد بوسعها التجاهل ،فأان ُ وابتَ َ
منها ،قالت وهي تضع نظارهتا الشمسية على الطاولة بطريقة
وقلت
ُ قواي
استجمعت َ
ُ تبكت يف احلقيقة ،لكنين
االستفهام :نعم؟ ار ُ
ِ
أشكرك. أحببت أن
ُ تفضح ما يف داخلي من أمل: ُمصطنعاً ابتسامةً
ُ
أي شيء تش ُكرين؟
إيل :على ّترفع نظرها ّ
قالت ُمستغربةً وهي ُ
عليك سبب ُشكري لك؟ مبتسماً :هل تسمحني أن أجلس وأقص ِ
ّ َ ُ
ِ
بنصف ابتسامة ملؤها اجملاملة :تفضل.
أخوض معرك ًة طاحنة ،كان العر ُق
ُ كنت
شعرت ابالنتصار وكأنين ُ
ُ عندها
جلست
ُ قلت هلا بعدما
يتصبب من كلينا بعد مشي أكثر من ساعةُ ،
ُ
بلحظة :معذرةً ،أُريد أن أغسل وجهي وأعود.
-تفضل.
سرع
دت ُم َ وع ُاحلمام أيضاًُ ،
َ ودخلت
ُ ذهبت ُمسرعاً ،فغسلت وجهي ُ
ميض على ذهايب ثالثة دقائق؟ذهبت ،مل ِ أين َ
اخلطى ،فلم أجدهاَ ،
ِ
للنادل أن أيتيين جلست على ذات الطاولة كأ ّن شيئاً مل يكن ،قلت
ُ
وبدأت أفكر ملاذا فعلت هذا؟ ،ما الذي دفعها للموافقة
ُ ِ
بفنجان قهوة،
تفع
ظ ير ُعلى جلوسي مث االنسحاب هبذه الطريقة السافلة! ،كا َن الغي ُ
جاء النادل ومعهُ فنجان قهويت ،وضعه وبدأ دفع ًة واحد ًة يف صدريَ ،
151
رفعت رأسي ألشكرهُ فرأيتها
أنظر يف الفنجانُ ،
يصب القهوة فيه وأان ُ
ّ
تدل
تقف جبانبه وتسحب كرسيّاً لتجلس ،ابتسمت ال شعورّيً ابتسام ًة ّ
ُ
على هبوط اتم يف حاسة احلقد عندي ،قالت وهي جتلس :أعتذر منك،
من الكويت ،فقمت ألحتدث يف اخلارج.
اتصل يب والدي َ
عليك أبداً ،ال ِ
عليك اببتسامة أعرض من مرمى كرة القدم قلت هلا -ال ِ
انديت النادل فوراً وقلت لهُ :انظر طلب اآلنسة.
ُ
طلبت لنفسها شاي ،وقالت ُمبتسمةً بعدما ذهب النادل -يبدو
ب القهوة.
أنك ُحت ّ
َ
ولكن هللاَ َسرت.
للوهلة األوىل كنت سأجيب :وأكرهُ اخليانةّ ،
الذين يُشبهونَين.
ُحب َ قلت :القهوةُ تُشبهين ،وأان أ ّ
كأ ّهنا أُعجبَت مبا قلت ،فابتسمت وقالتّ :أما أان فيُشبهين الشاي.
ُشعل سيجاريت األوىل -برغم مرارةِ القهوة إال أهنا األنثى
قلت وأان أ ُ
الوحيدة اليت ال ختون.
عمم حكمك.
جعلتك تُ ّ
َ مررت بتجربة سيئة
ك َ تبسمت وقالت -يبدو أنّ َ
ّ
ت حلظة مث قالت -هل أ ُّمك خائنة؟
َسكتَ ْ
انتبهت إىل
ُ شعرت أب ِمل ّ
الكف الذي صفعهُ سؤاهلا على خ ّدي ،مثّ كأنين ُ
مررت بتجربة سيئة ،ولكنّها أبداً ال
خطأي فقلت -كالمك صحيحُ ،
تُبيح يل وال لغريي التعميم.
يدك
هتز رأسها -يُقال :إ ّن الضربة اليت ال تودي بك ،تز َ
قالت وهي ّ
قوة.
152
هززت رأسي وأان أقول صحيح
ُ
ابتسمت -قل يل اآلن ملاذا شكرتَين؟.
قلت بصوت خافت بعدما تنحنحت -عفواً هل حيق يل معرفة امس ِ
ك
ِ
ألخاطبك به. أوالً
ليتم احلوار ،لكن ال
ليس ضرورّيً ّ
قالت وهي تبتسم -ولو أنين أظنه َ
وأنت ما امسُك؟
مانع ،امسي َهنَـاَ .
قلت وأان أضع الفنجان على الطاولة -مجيل ،عاشت األسامي ،أان
ُ
امسي شاكر عريب.
امسك مجيل.
َ -
-شكراً ِ
لك
-العفو
وابتسمت ابتسام ًة
ُ وبكل أسى وأسف شاعر،
ّ اتبعت -إنين ّي سيديت
ِ
غضب شاردة مثّ اتبعت -من ِ
مدينة محص ،وبعد أربعة عشر يوماً من
وجهك صبيحة أول يوم ر ِ
أيتك فيه ُهنا ِ عين ،كا َن ِ
علي وذهابه ّ
الشعر ّ
إيل ،وهلذا ِ
عين وعاد ّ الشعر ّ
ُ صفح
َ فربؤيتك علي،
ّي َهنَا ،وجه خري ّ
أحببت أن أشكرك.
ُ
ضحكت وهي تقول -معقول
حصل فعالً
َ -هذا الذي
عرك موزون؟
وش َِ -
-وُمزون أيضاً!
153
-ملَ هذا التشاؤم كله؟.
-ألنه ليس مثّةَ ما يدعو إىل التفاؤل.
هناك ما يدعو إىل التفاؤل.
-بل َ
-وما هو؟.
-أان ،وابتَ َسمت.
بيل الفجر ،انتهى لقاؤان هباتف أاتها ِ
كا َن َد ُمها خفيفاً كنسمة هواء قُ َ
ِ
عندك رقمي فأان سجلي
الرتكية ،وقبل ذهاهبا قلت هلا ّ من والدهتا ُ
وسجلتهُ عندها ،وودعتينّ الرقم
َ أتشرف مبعرفتك جداً ،أخذت
أخذت بثأري ِ
منك ،مع أنه مل حيصل ُ شعرت بعد ذهاهبا أنين
ُ وذهبت،
شيء بيين وبني الفتاة ،وكلّها جمرد ربع ساعة برفقة فتاة ال أعرفها،
مصدر تفاؤل حقيقي ،ال على سبيل
َ لكنّها أورثتين طاقةً إجيابيةً ،وكانت
املزاح كما قالت.
بيت الشاعر الرائع جمدي معروف:
ردد َ
محص ولسا ُن حايل يُ ُ
رجعت إىل َ
ُ
اك
ولست تر َ
َ إليك،
تعود َُ
بحر!
وأنت بال وجهة ُم ُ
َ
ب الدّي ِر َش َ
غفن قليب وما ُح ُّ
كن الدّيرا
ب من َس َ
ولكن ُح ّ
155
ِ
انتقلت للعيش ني من عوديت ِ
أنك عرفت بعد اسبوع ِ
ُ أمر مع أنين
ظللت ُّ
ُ
أظن ،لكنين سأخربك. ِ
كيف عرفت؟ ،هل يُهمك هذا ،ال ّ يف اإلماراتَ ،
ني من زّيريت اليومية لبيتك ،أخربته طبعاًذهبت إىل توفيق ،بعد اسبوع ِ
ُ
أنين على عالقة صداقة بك ،وأن جوالك ُمغلق منذ ُم ّدة ،فقال يل أ ّن
ذهبت للعيش يف ِ ملى -أختك من الرضاع -وحبيبته ،أخربتهُ ِ
أنك
شكرت
ُ األمارات مع عائلتك ،بعدما وقَّع والدك عقد عمل هناك،
توفيق ومل أُظهر لهُ شيئاً ومشيت ،هل تعرفني ما الذي خطر ببايل حلظة
تذكرت أن السيارة اليت ر ِ
أيتك تضحكني فيها مع ُ كت توفيق؟ ،لقد تر ُ
ِ
خطيبك ذلك الشاب كانت حتمل لوحات دولة اإلمارات ،هل كا َن
وأان ال أعرف؟ ،هل تعرضنا أان وهو خليانة ُمشرتكة!؟ ،بدأت الدنيا
كبت سياريت
مساء ،ر ُ
ً ُّ
تسود بوجهي تدرجيياً ،كانت الساعة العاشرةُ
واجتهت
ُ وقمت بتشغيل قصيدة املستبدة بصوت شاعرها كرمي العراقي،ُ
جيلس ِ
كأس اببونج واقرتبت من كرسيّي وإذا برجل ُ إىل اخلراب ،أخذت َ
مكاين ،ما أبشع أن تعتاد اجللوس يف مكان ما ،وأتيت يوماً فتجد غريك
وأشعلت
ُ جلست مبحاذاته من ابب النكد ال أكثر،
ُ سبقك إليه،
كنت أستمع:
بيت كرمي العراقي الذي ُ
ُردد يف داخلي َ
سيجاريت وأان أ ُ
شكراً جلرح ِ
فيه كانت صحويت
شكراً جلرح ِ
فيه كانت صحويت
156
عدت إىل محص رغماً عين ،ما أروع السفر عندما يكون قرار ُ لقد
أي ارتباط ُجيربان على العودة ،كنت أو ّد
الرجوع أبيدينا وال يوجد لدينا ّ
ِ
أنساك ،ولكنين مل أستطع بكل أسف ،لقد منعتين ِ حّت
الغياب أكثر ّ
األّيم ّي حبيبيت سريعةً كعادهتا مع الناس،
ُ ارتباطايت الكثرية ،وجرت
لكنّها قررت أن تكو َن سلحفا ًة معي ،ال يهم كثرياً فالسلحفاة ولو كانت
مر على فراقنا ستة أشهر وها حنن
بطيئة لكنها يف احملصلة متشي ،لقد ّ
ئلت
ندخل يف السابع اآلن ،وللتو ّي حبيبيت خرجت من لقاء صحفي ُس ُ
ُ
كل ِ ِ فيه ِ
حاولت نسيانك ذكرتين بك األشياءُ من حويل ،يف ّ
ُ عنك ،كلّما
ألف ذكرى ،هنا وقفنا ،هنا جلسنا ،هنا ضحكنا،
تقع عليها عيين ُ
نظرة ُ
ِ
وجهك ضاحكاً،- أيت
التفت ر ُ
ُ حيث
هنا بكينا ،هنا وهناك وهناُ - ،
تذكرت
ُ شعور االنتقام يف داخلي كلّما
ُ ال أعرف كيف يتالشى
يقول ابتسامتكِ ،
آه لو تباعُ ابتسامتُك ،ولكنها أشياءُ ال تُشرتى كما ُ
دنقل.
اتصلت اتصاالً واحداً بعدما ر ِ
أيتك ِ وانتهينا ،الذي ُحيرقين حرقاً هو ِ
أنك
حس ِ
منك وال مرت وال ٌّ مع حبيب القلب ،وها هي الشهور الست ّ
ِ
ِ
اتصلت بعد أسألك للمرة األلف هل رأيتِين يومها ّ
حّت ِ خرب عنك،
ٌ
اتصال واحد؟ ما أحقر األسئلة اليت تنحتنا ساعة من رؤييت لكما؟ وملاذا
كتبت ِ
لك مقاالت ال تُع ّد وال ُحتصى يف جمليت نعرف هلا جواابًُ ،
حنتاً وال ُ
امسك صراحةً عسى أن تشعري بشيء ي ِ
عيدك "صدى الشعر" ،وذكرت ِ
ُ
157
سوف ِ
أعجبتك اإلمارات؟ هل ِ
املقاالت كانت عبث ،هل كل
َ يل ،و ّ
مرة. ِ
ألف ّ
مرة ُيو ُن َ
ختونينَها كما ُخنتين؟ ،ال أستبعد ،الذي ُيو ُن ّ
قبل يومني عن احلفل ِ ِ
كل شيء ،أخربين توفيق َ تزوجت اآل َن ونسيت ّ
كل العظيم الذي أقامه ِ
عريس الغفلة ،ولكن هل حي ّق حلبيب قدمي أ َ
ُ لك
ِ
يسأل سؤاالً؟ ال مانع حّت لو مل يكن
ومتضمض أن َ
َ اهلجر و َش ِر َ
ب عليه ُ
جواب أصالً ،ما هو الشيء الذي
ٌ ليس ثَ َّـمة
يل احلق فسأسأل ألنه َ
يف أان؟ عبارة "أدفع ُعمري" ُمستهلكة جداً وجد ِته يف عر ِ
يسك ومل يكن َّ
أتذكر
أدفع عمري على أن أعرف ،أمتىن بصدق لو أنين ُ لكنين وهللا ُ
وجهه يوم رأيتكما ،كانت صدميت بك أح ّد من نَظري يومها ،وهلذا فأان
حّت ال ِ
تقصدت أال أسأل توفيق عن امسه ّ
ُ أعرف عنهُ شيئاً ،كذلك
ال ُ
ذنب له ،أان غري قادر على ُكرهِ َّنلة ..ولكنين كرهتك!
أكره امساً ال َ
َ
أستعد اآلن وبعد ستة أشهر على هنايتنا للسفر إىل اإلمارات ،هل ُّ
ُهلوس أحياانً وأختيّ ُل أحدااثً من
ستكونني ابنتظاري يف املطار؟ ساُميين أ ُ
َ
احلب
نعرف جيّداً أن ّ
جربوا احلب ُ والذين ّ
َ املستحيل أن حتدث ،وإنين
سأقف يف مطار دمشق ابنتظا ِر أن تُ َ
فتح أبواب ُ كل التوقعات، الف ّ
ُُي ُ
كل اإلميان أن توقّعايت ستخيب،
ومؤمن َّ
ٌ الطائرة اليت ستأخذين إليك،
وأنين لن أج َد ِك يف املطار.
سافرت إىل اإلمارت فعالً وعدت منها بعد شهر ،ال شيء جديد، ُ
كعاديت هناك مع العائلة يومياً ،وهذا ال يعين أنين مل أحبث ِ
عنك ،ابلطبع
158
حاولت وابلطبع فشلت ،لن أقول كما يقول اجلميع حبثت عن إبرة يف
ِ
كومة قش ال ،بل كنت أحبث يف الالشيء عن كل شيء.
لغز كل من حاول َحلّهُ فُِقـد ،اطمئين ..أان الذي لن تكتيب عنهُ احلب ٌ
ّ
اك ولو على الورق ،يف يوماً "ليته يقرأ" فاكتيب ،..إنّين أُري ُد أن أر ِ
ُ
غ ِمحص يف قليب ،محص كل شيء مجيل إال أهنا ال تس ّد فرا َ اإلمارات ّ
فأين
فكر أهلها ابلسفر خارجها بغرض السياحةَ ، املدينة اليت ال يُ ُ
يذهبون؟ ،إذا كان أبو البقاء الرندي يف مرثية األندلس مسّى اشبيليةَ
بيت ِ ِ
ُردد َاملرء أوطا ُن؟ أ ُ
تغر َ ص ُّ محص نسبةً إىل مجاهلا فقال :أبع َد مح َ
أنت وطين الضائع، تغر املرء نسوا ُن؟ ِ
أيب البقاء دائماً فأقول :أبع َد غَيدا ُّ َ
حاولت
ُ رجل آخر واستوطنه ،لقد املفقود الذي مل أجده ووجدهُ ٌ
ُ وطين
استطعت إال
ُ أكتب شيئاً قبل أن أُسافر من اإلمارات عائداً فما َ أن
أهم عندي من قصيدة ،كتبتهما وأان يف كتابة بيتني اثنني ،لكنهما ّ
الطائرة:
سواد ِ
الليل ذَكرين حبييب ُ
ِ
املغيب قبل
وذكرين اهلوى َ
سيعود يوماً
ُ فات هل
زما ٌن َ
ِ
ابلنصيب؟ يرجع
عاد ُوهل إن َ
159
ِ
ابلكلمات النفس طبعاً لن يرجع ال ابلنصيب وال بغريه ،لكنين :أُعزي
َ
تعرفت يف اإلمارات على شابُ أكتبها ،صحيح نسيت أن أ ِ
ُخربك، ُ
يعيش يف اإلمارات منذ ِ
لطيف امسهُ وسام ،من محص أيضاً ،أخربين أنهُ ُ
يعمل يف وزارة الثقافة مسؤوالً عن
عشر سنني ،وأنهُ –ّي للصدفةُ -
تنظيم األمسيات الثقافية هناك ،حتدثنا كثرياً عن األدب العريب وال ُكتّاب
اجلُدد ،واملُنعطفات اخلطرية اليت تواجهُ الشعر العريب بشكل خاص
متنيت أن ال تنتهي.
واألدب العريب بشكل عام ،كانت جلسةً ممتعةً جداً ُ
أحبث عن كتاب ملّا رأيتهُ وعرفين فوراً
كنت يف املكتبة يف أحد املوالتُ ،
ُ
سلمت
ُ وابدرين السالم قائالً اببتسامة عريضة :شاعران اجلميل شاكر،
ِ
عليه ُمبسماً وحتدثنا خلمس دقائق عن الكتب مثّ دعوتهُ لفنجان قهوة،
أعرف أن هذا ال يهمك يف شيء، وجلسنا لساعة نتحدث مثَّ افرتقناُ ،
ِ
يصلك يوماً ولن تعريف لكنين أ ِ
ُخربك مبا يدور معي على الورق الذي لن
بدأت
أشعر بوحديت ليس أكثر ،اطمئين ّي حبيبيتُ ، ما فيه ،حّت ال َ
وحنن ندخل الشهر الثامن بعد الفراق ،المين أمري ِ
أشعر ابلشفاء منك ُ
ُ
الصديق احلقيقي هو الذي يكون جسراً نعربُ من
ُ كثرياً ،وواساين كثرياً،
خالله إلينا ،الشهر الذي قضيتهُ بعد عوديت من تركيا كا َن أصعب ِ
الشهور أل ّن أمري كا َن ُمسافراً ،كانت عودته إىل ِمحص عودةً يل أان،
خرجت معهُ يف
ُ كنت سعيداً بعودته،
علي ُ
رغم سيول اللوم اليت ألقاها ّ
مساء ِ ِ ِ
أول يوم عاد فيه إىل اخلراب وجلسنا كعادتنا من الساعة العاشرة ً
160
أشعل سيجارتهُ وهو جيلس وقال :احلب كذبةٌ يُصدقها
َ حّت الصباح،ّ
اجلميع إبرادهتم.
اختبار ال جيتازهُ إال
ٌ ظلم للحب ،احلب ّي صديقي
ابتسمت له -هذا ٌ
ُ
الصادقون.
التاسع بعد الفراق دخل علينا ،وصلتين والشهر األّيم دورهتا ِ
ُ ُ دارت ُ
دعوةٌ من وسام إلحياء أُمسية شعرية يف أبو ظيب بعد شهر من اآلن،
هل ستحضرينها؟ ،ال أتوقع طبعاً ويكفيين أن تسمعي هبا.
حّت أوثّق كل ما حيصل هناك،
سيكو ُن هذا الدفرت معي يف اإلماراتّ ،
وأستطيع من اآلن أن أُمخّن ما سيحصل ،سوف أكو ُن سعيداً جداً
ِ
السعادة شعور وحزيناً جداً ،ال تستغريب أبداً سأشرح ِ
يتجمع ُُ كيف
لك َ ُ
ألنك ِ
لست بك وحزيناً ِ
واحلزن يف قلب واحد ،سأكو ُن سعيداً ألنين بقر ِ
ِ
وأكرهك. شئت ،أُحبّ ِ
ك بقريب ،فسري هذه الفلسفة كما ِ
161
162
الفصل السادس
"مذكرات غيداء"
-ساري العتييب
163
164
لست ابرعةً يف الكتابة فرغت اآل َن من قراءةِ َ
دفرتك ّي شاكر ،ومبا أنين ُ ُ
يتسع صدرك لبساطة لغيت ،فإنين أخشى أن يكون مثلك ،أرجو أن َ
ِ
الكربُ أخ َذ مأخ َذهُ منك ،وأنك أكرب بكثري من أن تقرأ حلبيبة قدمية من
ُخفيك أنين
حبيباتك الكثريات اللوايت ال ُجيد َن الكتابة األدبية ،ال أ َ
وأعرف أنّين احلبيبةُ الوحيدة اليت استولت على
ُ ك حّت اللحظة،
أُحبّ َ
أعلم
بكيت كثرياً وأان أقرأ دفرتك ،ال ُ
ُ ُخفيك أنين
عرش قلبك ،وال أ َ
أتيت إىل
علي وعليك؟ َملاذا ،هل كا َن شوقاً إليك أم كا َن ُحزانً َّ
اعتليت
َ يوم
اإلمارات بدعوة من زوجي وسام ،ال أنسى أبداً وجهك َ
ثمر
س َي على احلضورُ :هنا يُ ُ
قبل أن ُمت ّ
وقلت ُمبتسماً َاملسرح ُمرتبكاً َ
أمامك كنت جالسةً
أنت عليهمُ ، يت َ ومس َ ِ
َ لك اجلميعّ ، الشعر ،ص ّف َق َ
الظالم
ُ املسرح كانت نصيبك وحدك و كانِ ولكن اإلضاء َة يف
ُمباشرًة َّ
تقول للجميع :كلّكم
أسك ُ ِ
الضوء فو َق ر َ نصيب احلضور ،كانت بقعةَُ
يفضح املرءُ نفسهُ؟،
ُ تساءلت وقتها وهل
ُ فضح نفسه!
مستور إال من َ
ٌ
اليوم ستسمعو َن إىل
قبل أن تبدأ إبلقاء القصائد وقلتَ :
أنت َ
أجبت َ
َ
ضحك بعض احلضور ،وكا َن
َ كت، فضائحي! ،عفواً قصائديِ ،
وضح ْ
تباكك واضحاً.
ار َ
معاشر الشعراء فإننا حنن ِ
َ وسرهُ يف قلبه إال ُ
ميوت ّ
َاتبعت :إ ّن اإلنسا َن ُ
نفضح أسراران أبيدينا إذ نكتُبها على شكل قصيدة.
ُ
قصيدتك األوىل يل أان،
َ ُيطر على قليب كل شيء ،إال أن تكو َن قد ُ
وأن يكو َن امسي هبا دليالً على ملكييت هلا.
165
بدأت
قصيدتك مكياجي الذي َسفكتهُ الدموع ما إن ََ علي صد ُق
أفس َد َّ
ب،
عز علينا لُقيا من ُحن ّ
مت للقصيدة بقولك :عندما يَ ُّاإللقاء ،وق ّد َ
تُنقذان قصيدة ،مثَّ بدأت بقصيدة كان مطلعها:
رأيتُ ِ
ك يف املنَ ِام وكان عنـدي
شعور ابلتالقي بع َد ب ِ
عد َ ُ ٌ
كثري
وقفنا بينَنا خل ٌق ٌ
كس ِّـد
بني أعيُننا َ
وقوفاً َ
فرح وشوق
كنت من َ
وأرجف ُ
ُ
كحقل ِ
ورد ِ سمني ِ
كنت وتبتَ َ
مثل طفل
أرقص َ
اس ُ أمام النَ ِ
َ
كل ِ
الناس وحـدي! رغم ِّ
كأين َ
أ ِ
ُانديك ..ارجعي ،طمعاً َبر ّد
فتني لكن دو َن ِّ
رد وتلتَ َ
167
وبصمتك يف حيايت ال
َ توقيعك احلقيقي كان على قليب ّي شاكر،
َ إ ّن
حّت اللحظة ،وحّت آخر حلظة ،هذا ماال يعرفهُ وسام وال غريه.
تزال ّ
يعود أعدتهُ
ك لو يوماً ُوحبُّ ِ
ُ
يتكرر
وكررتُهُ ..لو أنّهُ ُ
اشتقت ِ
لك. ُ وجلس أمامي- قبّلين من رأسي
َ
-وأان ّي قليب اشتقت لك ،أخربين ماذا فعلت؟
168
حّت انتهى من احلديث مع معجبيه
وقفت مع شاكر ّ
ُ -الشيء،
ومعجباته مثّ أوصلته للفندق وجئتك
أي فندق حجزمت له؟
-يف ّ
-يف اهليلتون
-مجيل ،يستحق كل تكرمي ،شعرهُ رائع
ب غيداء ،لقد
اسم حبيبيت ،كالان ُحي ّ
حتمل َ
ُمبتسماًّ -يللصدفة ،حبيبته ُ
تغزل هبا طوال األمسية
وقمت.
ْ ارتبكت قليالً مثّ تنحنحت -صدفة مجيلة،
حّت الصباح،
وسام وأان أتقلب ،أتخذين ذكرى وتعود َيب دمعة ّ
انم َُ
استيقظت بعد الظهر وكا َن وسام يستحم كعادته الصباحية ،قمت إىل
ُ
املطبخ وصنعت قهو ًة يل وله ،مث ذهبت إىل غرفة اجللوس أنتظره ،قال
نشف شعرهُ وميشي ابجتاهي :نسيت أن أُخربك ،لقد
ملّا خرج وهو يُ ُ
دعوت شاكر على الغداء الساعة اخلامسة عصراً يف مطعم مكسيمو،
ُ
حّت أستوعب ،شاكر ،غداء ،جيب أن أحضر ،اخل... ُّ
سكت قليالً ّ
قلت -أان ال أستطيع الذهاب معك
ُ
ُمستغرابً -ملَ؟
-مل َأَن طوال الليل ،وأشعر ابلتعب
تفوتني فرص ًة كهذه ،إنهُ شاكر عريب ،لو ر ِ
أيت البارحة َ -ا جمنونة كيف
لعرفت ِ
أنك جمنونة ِ كيف الناس من حوله وكيف ُمبتهم له
169
أضع فنجاين -ساعة من النوم يف هذا التعب تساوي عندي الدنيا
وأان ُ
وما فيها.
هل تعرف ّي شاكر أنين ما عرفت بدعوة اهليئة الثقافية لك إال قبل
أعرف عن
ُ غامض يف عمله ،ال
ٌ رجل
حضورك بيومني؟ وسام ّي شاكر ٌ
عمله إال أنه يعمل يف اهليئة الثقافية فقط ،أما طبيعة عمله فال أعرف
عنها شيئاً ،هو مل يسبق أن أخربين وأان مل يسبق أن سألته ،حّت عندما
عرفت قبل حضورك بيومني ،كانت معرفيت عن طريق الصدفة ،عندما
أيت ملف وورد على سطح
فتحت جهاز "الالبتوب" اخلاص بوسام ور ُ
ُجن ،ما الذي جاء ابمسك إىل
كدت أن أ ّ
املكتب عنوانه :شاكر عريبُ ،
عرفت
ُ هدأت عندما
ُ هنا!؟ ،وفتحت امللف وأان أرجف ولكن سرعان ما
مدعو إلحياء أُمسية هنا يف أبو ظيب ،مل يدم هذا اهلدوء كثرياً ،بدأ
أنك ٌّ
اك حقاً؟ ،هل سرتاين؟ ،هل سنتحدث؟ ،هل ما القلق أيكلين ،هل سأر َ
ُ
زلت ُحتبين؟ ،هل هل هل ،مثانية وأربعني ساعةً قبل قدومك وأان ُمزعزعة
العواطف.
خرجت إىل اهليلتون ،وأان أُفكر طوال الوقت هل سيخربك وسام أن
ُ
زوجته امسها غيداء؟ ،ال أُري ُد هذا ،ويف نفس الوقت ال أستطيع أن
أقول لوسام ال تقل أمام شاكر أن امسي غيداء ،فهذا مدعاةٌ للشك،
خارج
قلت لوسام وهو ٌ
أيضاً سأحاول أن ال أتصل به وهو برفقتكُ ،
برفقتك إىل املطعم :أان سأخرج نصف ساعة
َ ليذهب إليك ومن ثَ َّـم
170
خرجت وراءهُ مباشرة بعدما
ُ وأعود ،وكالعادة مل ميانع ومل يسأل إىل أين،
ولبست مالبس حجاب مل يسبق لوسام أن رآين هبا، ُ لت مالبسي
ب ّد ُ
أُري ُد أن أراك من بعيد وأُري ُد أن تلمحين ،أُري ُد أن أصنع الصدفة بيننا،
قد تكون الصدفة اليت نصنعها على أعيننا أحياانً أمجل بكثري من تلك
كبت سياريت الفارهة ،صحيح نسيت أن أُخربك، اليت أتتينا فجأة ،ر ُ
فيك جداً،
اشرتى يل وسام سيارة ابهظة الثمن ،أُحبها جداً وتُذكرين َ
ملاذا تُذكرين فيك؟ ،ألنين مؤمنة أن كل شيء مجيل يف هذه الدنيا ال
وصلت يف الوقت املناسب ،لكن ماذا عن
ُ يليق إال بك ،احلمد هلل أنين
أوقفت سياريت بعيداً ونزلت ،كانت سيارة
ُ وسام؟ ،ال أُريدهُ أن يراين،
مررت جبانبها ومل ينتبه يل ،كان يتحدث
وسام تقف أمام الباب مباشرةُ ،
كنت
ابجلوال ،صار ظهري إىل السيارة وأان أدخل إىل هبو الفندق عندما َ
ّ
مشيت
ُ أنت واقفاً عند االستقبال يف الفندق تسأهلم عن شيء ما، َ
ت تنوي اخلروج ،وقعت عيين بعينك!. ابجتاهك ،التف َ
علي
عاد وسام إىل املنزل بعد الثانية صباحاًّ ،سلم ّ
كا َن يوماً حافالًَ ،
ورمى جبسدهِ على التخت هكذا كما هو ،مل يكن ميلك من القوة ما
يُعينُه على تبديل مالبسه ،قمت من سريري إىل املطبخ ،شربت كأساً
من املاء وأعددت كأساً من الشاي األخضر وجلست أحبث يف
حّت وقعت عيين على أغنية
اليوتيوب عن أغنية أمسعها يف هذا اهلدوء ّ
ضناك جفاهُ مرقدهُ" ،أشعلتُها وسرحت..
"م َ عبدالوهاب ُ
171
وقعت عيين بعينك يف الفندق ،عرفتين فوراً ،بدت على وجهك
وبدأت اسرع اخلطى أكثر،
ُ وامحر لوين
اصفر لونك ّ
عالمات الدهشةّ ،
شعرت بك ّي شاكر،
ُ ومشيت ابجتاه املصعد الذي جبانب اإلستقبال،
ُ
واختفيت
ُ حرمتك الدهشةُ من الرتكيز ،بدا عليك االرتباك واضحاً،
َ لقد
أعرف ما الذي دفعين لفعل هذا معك ،ولكنين أعرف أنين أان فوراً ،ال ُ
خفت فجأةً ّي
ُ حّت ال تبادرين احلديث،
دت أن أختفي مباشرًة ّ تعم ُ
ّ
شاكر وارتبكت ،ملاذا؟ وهللا ال أعلم.
أخذت رقمك
ُ أشرب الشاي األخضر خطرت يل فكرة ،ماذا لو
ُ و أان
من جوال وسام؟ ،ترددت قليالً مثّ فعلت ،لكن ما الفائدة؟ ،ماذا
قلت يف نفسي يكفي أن أرى حالتك يف الواتساب يومياً.
سأفعل به؟ُ ،
كان عبدالوهاب يف هذه اللحظة يقول:
موالي وروحي يف ِ
يده َ
قد ضيّعهاَ ،سلمت يَ ُدهُ!
إنه أمجل بيت يف القصيدة ،ال أعرف ما الذي تعاطاه أمحد شوقي من
يوم كتب هذه القصيدة وهذا البيت ابلذات.
احلب َ
كنت تضع صورًة سوداء،
أضفت الرقم عندي وفتحت الواتسابَ ،
وكانت احلالة مجيلة جداً ال أنساها:
موتك ساملاً.
لتصل إىل َ
َ تقاتل احلياة،
وأنت ُولدت َ
َ منذ
172
عادتك أبداً أن تكون الكلمات يف حالة الواتساب
َ استغربت ،فليست
عرفت الحقاً أهنا حملمد الرتكي.
ُ ألحد غريك،
لك شيئاً يف الواتساب ،لكنين متاسكت ومل
ُرسل َ
وسولت يل نفسي أن أ َ
ّ
قمت من النوم صبيحة اليوم التايل ووسام مل يرمش له جفن،
أفعلُ ،
قمت إىل
كل قلبه ،وهو بطبيعته من أصحاب النوم الثقيلُ ، انئم من ّ
ٌ
وعدت لوسام ،أيقظتهُ وذهبت ألع ّد القهوة.
ُ وغسلت وجهي
احلمام ّ
ِ
القلب مزعزع
َ كنت
كيف َ
كنت عليها ،و َ
يل وسام عن احلال اليت َ
حكى َ
يسألك :خري؟
َ كنت سارحاً طوال الوقت وهو
كيف َ
ضطرب النفس ،و َ
َ ُم
وأنت تبتسم ابتسامةً
لست شاكر الذي أعرفَ ،بك اليوم ّي شاكر؟َ ،ما َ
تفضحها اجملاملة -الشيء ّي صديقي ال شيء ،مثّ تعود لشرودك ،يف
صعدت إليها
ُ الفندق سألتهم عن رقم غرفتك ،كا َن مميزاً "،"١١١
متنيت لو أنين أستطيع الدخول إليها ،أُري ُد أن أرى
ووقفت على ابهباُ ،
ُ
أشياءكُ ،كتبك ،سجائرك ،مالبسك ،عطرك ،أُريد أن أستنشق
رائحتك ،وقفت أمام ابهبا لثوان مثّ مضيت ،تعمدت أن أأتخر ابخلروج
خرجت وأان أُفكر
ُ من الفندق بعض الشيء حّت أأتكد من ذهابكما،
أهلك هنا؟ ،شيءٌ غريب وغري مفهوم
وبيت َ
لت يف الفندق ُ ملاذا نز َ
ابلنسبة يل لكنهُ مل يستحوذ على فكري كثرياً ،قال يل وسام :شيءٌ
حصل لشاكر ّي غيداء ،ليس هو الذي استقبلته يف املطار ورافقته يف
َ
أي
حصل يف تفكريه فجعله هيكالً أمامي فارغاً من ّ
َ األمسية ،شيءٌ ما
مجيل هذا الشعور..
شعرت وقتها مبكانيت عندك ّي شاكرٌ ،
ُ روح،
173
قلت لوسام -مّت سيُسافر؟ ُ
تفاجأت جداً ّي غيداء ملا أخربين أن أهلهُ يعيشون هنا يف اإلمارات،
ُ -
وأخربين أهنم يعيشو َن هنا منذ زمن بعيد.
-وملَ مل ينزل يف بيت أهله إذن؟
-ال أعرف ومل أسأله ،لكنه قال يل أنه سيبقى هنا ثالثة أسابيع ،عموماً
ينتهي حجزهُ يف الفندق بعد ثالثة أّيم.
ابتسمت هنا ابتسامةً استغرب منها وسام وسألين -ملَ تبتسمني؟
ُ
وقمت فوراً.
ُ وأان أُخفي ارتباكي -تذكرت شيئاً قالته ّأمي يل البارحة،
175
التخت ُحيرضين وأان أب ّدل ثيايب على نوم ساعة أو ساعتني ،وفعالً
ُ كان
قمت فَ ِزعةً،
قلت يل يف املنام :ستندمني! ُ
متددت على التخت وَّنتَ ،
نظرت يف الساعة وإذا هبا السابعة ،ال
ُ أين أان!،
ظالم شديدّ ،ي هللا َ
ٌ
أعرف هل أان يف الصبح أم يف املساء ،أوه ّي رب ،لقد مرت مخس
هنضت سريعاً وفتحت ابب الغرفة أريد اخلروج ُ ساعات وأان انئمة،
حّت أأتكد أنين
وقفت بباب الغرفة ُهنيهةً ّ
ُ فسمعت صوتك! ّي هللا!،
ُ
يستحيل أن لست على ِ
قيد ُحلم ماّ ،ي هللا ّي هللا ،إنه صوتك أنت، ُ
ُ
قبل
احلب َحباسة ُّخطيء بصوتك ألنه الصوت الوحيد الذي أعرفهُ ّ َ أ
أتصفح مواقع
ُ وأخذت
ُ رجعت إىل ختيت واستلقيت، ُ حاسة السمع، ّ
علي الباب وقال
التواصل يف ُماولة لطرد ارتباكي إىل أن فتح وسام ّ
صح النوم
ُمبتسماًّ -
فبقيت هنا
ُ مسعت صواتً مع صوتك
ابتسمت -صح بدنكُ ،
اتصلت به ملّا استيقظت وجئنا إىل هنا نشرب القهوة
ُ -هذا شاكر،
وسنخرج اآلن.
اكتئبت من الداخل وقلت -إىل أين؟
جلس على طرف التخت وقال -إىل الكورنيش ،قال شاكر أنّه بشوق
َ
إىل البحر.
-ومّت تعود؟
-ال أعلم ،لكن أحاول أن ال أأتخر.
176
لك يف الفندق
أدع هذا اليوم يُفلت من يدي فالغد هو اليوم اآلخري َ
لن َ
أتساءل وأان يف طريقي إىل الفندق
ُ كنت
أين ستذهب بعدهاُ ،
وال أعرف َ
اخرتعت صدف ًة أُر َ
يك فيها ُ صباحاً ،ما الذي أُريدهُ من لقائك؟ ،وملاذا
نفسي من قبل؟ ،وعن ماذا سوف حنكي إذا التقينا؟ ،وما هو التربير
املنطقي الذي سأقوله لك عن رحيلي فجأ ًة من حياتك وزواجي من
كل شيء يف الوقت
قدم يل ّ
أنت معي ليُ َ
وجاء و َ
وسام الذي كا َن قبلك َ
ودخلت املطعم
ُ وصلت إىل الفندق
ُ أنت فيه بشيء، الذي مل ِ
تعدن َ
وحّت احلادية عشرة
ك من الساعة التاسعة صباحاً ّ وأفطرت وانتظرتُ َ
الرجل أوالً
ُ كل اللقاءات اليت يصل فيها قبيل الظهر ،وعلى عكس ّ
خرجت من
ُ كنت دائماً ضحي ًة لالنتظار يف عالقيت بك،
لينتظر حبيبتهُ ،
وجلست يف سياريت القريبة من مدخل الفندق
ُ مطعم الفندق قبيل الظهر
ألتقيك هنا ،تذكرت أ ّن وسام قد أييت إىل هنا يف
َ أنتظرك ،ال أُريد أن
حّت ولو أنه قال يل أن ليس بينكما لقاء يف هذا اليوم فاحلذر
أي حلظة ّ
ّ
تنتظرك سيارةُ
َ أيتك خترج من ابب الفندق، واجب ،يف ِ
متام الثانية ظهراً ر َ
تتحدث ابجلوال
ُ وأنت
َ وقفت أمامها قليالً والباب مفتوح
َ أُجرة،
إليك اآلن ،وبعد
سوف أييت َ
نت أ ّن أحداً ما َ وتلتفت مينةً ويسرة ،مخّ ُ
اءك من بعيد،
مشيت ور َ
ُ كبت سيارةَ األجرةِ ومشيت،
أقل من دقيقتني ر َ
ال أُ ريد أن تشعر يب أبداً ،بدا يل أنين ُ
لست حباجة ألن تراين أبداً فأان
حّت أهنكهاات قليب ّ خلف دقّ ِ
كض َمرتبكةٌ جداً جداً ،وارتباكي الذي ير ُ
أخافين من لقاءك جداً.
177
متع
ُشعرك َيب هذا اليوم وأن أست َ
خلفك أال أ َ
َ قررت وأان أسريُ بسياريت
ُ
وصلت إىل مطعم ُمطّل على البح ِر
َ فقط بقريب منك ،قريب البعيد،
ك لن خترجأوقفت سياريت وانتظرت قرابة ربع ساعة ألأتكد أنّ َ
ونزلت ،ف ُ
ورفعت حجايب من ِ
أسفل ذقين إىل قبل ُ أطفأت السيارة
ُ ألي داع،
االن ّ
ووضعت نضارًة مشسي ًة
ُ غطي شيئاً من جبهيت،
الفم وأنزلته من األعلى ليُ َ
حّت ال تعرفين ودخلت املطعم، ِ
ذات حجم كبري يغطي أغلب الوجه ّ
طلبت وجبةً يل وكأساً
ُ جلست بيين وبينك ماال يزيد عن مخسني مرت،ُ
أسك عن
طلبت فنجان قهوة ،مل ترفع ر َ
َ وأنت
من عصري الربتقالَ ،
ُمسك كنت تكتُب ،وطوال ِ
الوقت كنت أ ُ ك َ نت أنّ َ
جوالك إال قليالً ،مخّ ُ
َ
خاص ًة وأ ّن الزاوية اليت جلسنا
لك صوراً دو َن أن تشعُرّ ،
ط َجوايل وألتق ُ
هبا مل تكن مليئة ابلناس ،خطرت يل فكرةُ التقاط الصور ِ
هذه ّأول ما
الصور لهُ عرب
َ صوريه وأرسلي جلست ،قالت يل نفسي اليت ُحتبكّ ،
رجوعك إىل البيت وفاجئيه ،عندها سوف يطلب لقاءك. ِ الوتساب بعد
بيدك
أشرت ََ بقينا يف املطعم إىل الساعة السابعة،بداية املساء ،مثَّ
دفعت وقمت مباشرةً،
َ لك احلساب ،وفعالً ضر َ للمسؤول أن ُحي َ
وأشرت بيدي للمسؤول أن
ُ يت عن أنظاري
حّت توار َ
انتظرت دقيقتني ّ
ُ
ضر يل احلساب وأن يستعجل ،الصاعقة كانت يف أنهُ مل يذهب ُحي َ
ك مدفوعٌ سيديت، ليحضر احلساب ،جاءين مبتسماً وقال يل :حساب ِ
ُ ُ ُ َ
قبل دقيقتني ،وأشار بيده إىل
لقد دفعه االستاذ الذي خرج من هنا َ
طاولتك!
178
ُمسرعةً
جت
ُفاجئك يب ففاجأتين بك ،خر ُ
َ ردت أن أ
ّي هللاّ ،ي هللا! أ ُ
عضواً،
أرجف عضواً
ُ رجعت لطاوليت وأان
ُ وراءك ألج َد َك ذهبت،
تبق
أخذت حقيبة اليد اليت نسيتها من هول املوقف وخرجت ،مل َُ
كبت
قصائدك اليت كتبت يب إال وصفعتين على قليب ،ر ُ
َ قصيدةٌ من
سياريت..
كاظم يُغين:
وأان أبكي ،ما الذي جرى لقليب؟ ما هذه الفوضى اليت تتحكم أبعصايب
ما الذي جاء بك إىل هنا؟ أخربين حبق هللا ،وهللا لو اتفقنا على لقاء
مشابه هلذا ملا استطعنا.
األمر إىل
يتطور ُ
أخاف أن َ
ُ وبدأت
ُ لست أان،
أحس وسام مؤخراً أبنين ُ
ّ
ط عاطفيت اليت كادت أن تودي يب ولكنين
حاولت كثرياً أن أضب َ
ُ الشك،
وصرت مشتتة التفكري طوال
ُ حاسة الرتكيز متاماً
فقدت ّ
ُ فشلت ،فقد
أهز رأسي فقط ،مثّ يعود لنقطة كان يتحدث عنها
الوقتُ ،حيدثين وأان ّ
ألشاركه برأيي فال يسمع مين إال ها ها!
179
واتصلت بك..
ُ غامرت فيها
ُ مضى على لقائنا يف املطعم سبعة أّيم،
أجبت بعد الرنة الثالثة -ألو
ُّ
سكت أان..
وأنت تُعيد -ألو ألو
َ
مل أستطع قول شيء
أنفاس أعرفها ِ َّ
أنت هنيهةً مث قلت يل -هذه ٌ
سكت َ
أغلقت اخلط.
ُ
كا َن هذا االتصال حتديداً يف اليوم الثاين بعد لقاء املطعم ،واستمرينا
وحنن نتحدث فقط عن طريق تغيري احلالة يف الواتساب،
قرابة األسبوع ُ
أنت ختطو خطو ًة واحد ًة تُساعدين
ال أان أجرؤ على أكثر من هذا وال َ
شعرت
ُ وضعت حالةً يف الواتساب
َ أي حديث معك ،حّت هبا على فتح ّ
لت أذكرها: بيديك إليك ،ما ز ُ
َ ك تريد منها أن تدفعين
أنّ َ
أمل
إيل عيوين كلّها ٌ
عودي َّ
أبن تر ِ
اك حواليها ..وأنظاري
180
طارت عيوين ملّا رأيت ردك وقمت من ختيت وخرجت من غرفة النوم
توقعت أن ال ترد.
ُ فوراً،
أجبتك فوراً -اخرت مكاانً ُحتبه
َ
أين ُحتبّني؟
مرات كسنتني ،كتبت -ال فرقَ ، و بعد دقيقت ِ
ني ّ
أجبت مباشرًة -ما رأيك مبطعم إيالنتو؟
ُ
أنت وزوجك ،لكنّهُ كبريٌ على ذوي الدخليناسبك ِ
ِ مطعم -هذا
ٌ
احملدود مثلي.
كيف عرفت أنين متزوجة! ،هل
نزلت كلماتك على رأسي كالصاعقةَ ،
أخربتك أمينة؟ وهل تعرف أ ّن زوجي هو وسام؟.
ت أسري يف البيت وأرجع خبطوات سريعةٍ وأان مرتبكة ومرتبكة جداً
بدأ ُ
وأنت تنتظر رداً.
لك إ ّهنا عزميةٌ مين ،فأنت أكرب بكثري من أن
كتبت لك -لن أقول َ
ُ
كنت تعزمها سابقاً.
تعزمك امرأةٌ َ
َ
لكن دعنا نلتقي على الكورنيش ما رأيك؟
ألي نقطة يف الكورنيش
بعثت تقول -ال مانع ،غداً بعد العشاء اذهيب ّ
َ
وأرسلي يل موقعك عرب الواتساب.
مّت سيأيت الغد؟
•••••
181
حيايت مع وسام وبكل صدق حياة مثالية ،قد ال جتد مثلها إال يف
احلب الذي
احلب األولّ ، الرواّيت والعربية منها ابلذات ،وسام هو ُّ
ني اثنني ،احلب الذي تركته قبل أناستمر عام ِ
ّ احلب الذي
كا َن قبلكّ ،
فيت منه متاماً ،كانت عالقيت ِبه
أعرفك بثالث سنوات وظننت أنين ُش ُ
تعلقت
ُ كأكثر العالقات العاطفية ،بستا ٌن يف بدايتها ،مشنقةٌ يف هنايتها،
فيه كثرياً ،فهو أول رجل أوقد مشعةً يف قليب ،وهو أول رجل قال ِ
يوم حتقيقها. ِ
فإين ُمباه بك األحالم َ ألحالمي تكاثري ّ
املوت كثرياً،
ُحب احلياةَ كثرياً وأكرهُ َ
كنت يف الثامنة عشر من عمري ،أ ّ ُ
وأؤمن ابألحالم وحبكاّي جديت ،تُضحكين نكتة وتُبكيين كلمة ،إنين ُ
من هللا،
كنت وما زلت قليلة األمل إال ابهلل وكثرية اليأس إال َ امرأةٌ ُ
افرتقت ووسام كما يفرتق األحبة عاد ًة ..أعداء ،إ ّن للفر ِ
اقات وإن ُ
ّ
حتمل وجوهاً ِعدة،
كثُرت وجهاً واحداً على عكس اللقاءات ،فهي ُ
وهذهِ هي احلالة الوحيدة اليت ُحتم ُد فيها الوجوهُ الكثرية على الوجه
الواحد ،قد تُفاجأ بكالمي هذا ألنين مل يسبق يل أن أخربتك خالل
عالقتنا عن عالقة سابقة يل أبحدهم ،ال أعرف السبب يف احلقيقة هل
كان حينها دفناً ملاض ال أُري ُد له العودة أو ألنك مل تكن كأكثر الشباب
فضولياً وتتدخل بكل شيء ،مل يسبق لك أن سألتين إن كان يل عالقة
فضلت السكوت لشيء يف قليب ال أستطيع حتديده
ُ أبحدهم قبلك ،وأان
ذلك اليوم برفقة وسام ،قبلهُ بثالثة
قبل أن تراين صبيح َة َ
بشكل واضحَ ،
حنن نشرب القهوة
كنت كالعادة مع أمينة يف بيتها ،وبينما ُ
أشهر ُ
182
حر َك قليب ألعود لوسام،
وصلتين رسالة ،شيءٌ ما ّي شاكر ،شيءٌ ما ّ
ال أعرف السبب احلقيقي وراء جتاويب السريع معه ،إال أنين أذكر جيداً
لت قويةً بعده ومل ُأمت بدونه كما
ُثبت له أنين ما ز ُ
أنين كنت أود أن أ َ
وتزوج وأجنب ،كانت رسالتهُ طويلة نوعاً ما ،مل
حني ابتعد ّ يظن َ
كان ّ
يتطرق من خالهلا لتربير بعده عين وزواجه أبداً ،بل كا َن يتحدث فيها
فقط عن حبه ،وأنّه تندم ملا جرى كثرياً ،مل أُجب على أول رسالة
أعرف ملاذا ،لكنين
ُ أجبت على الثانية ،أيضاً ال
ُ وصلتين منه ولكنين
تلك الفرتة كانت مليئة ابالضطراابت
أذكر جيداً أن َ
فعلت ،مثّ التقيناُ ،
العاطفية بيننا أان وأنت ،مليئة ابملشكالت ،وبرغم أهنا كانت فرتًة
عصيبةً علينا ،لكنّها ال متنحين ح ّق العودة حلبيب قدمي ،وال متنحين
حّت جمرد الرد على رسالة له ،ولكنين فعلت.ّ
قبل خطوبيت منه أنّهُ
أخربين وسام يف لقاءاتنا خالل األشهر الثالث َ
وزوجته رميا ليسا على توافق ،وأنّه طلّقها ثالاثً ،وأنه وبعد اجتماع ذوي
ريب
تعيش رميا يف بيت يستأجرهُ هلا وسام وأن تُ َ الطرفني اتفقا على أن َ
طفلتهُ إىل أن تُقرر الزواج وعندها أيخذ الطفلة منها ،حتدثنا كثرياً وعاتبتهُ
كثرياً ،لكنين كنت أقرأ يف ِ
عينيه نَدمه الكبري ،أخربين أيضاً أنّه مسّى ابنته
أمر أشعرين بعظيم حبه يل رغم ما فعل ،وقال يل أنين غيداء ،وهذا ٌ
أيت
سأعيش ملك ًة يف بيته ،وأنه سيقدم يل كل شيء ..كل شيء ،وكما ر َ
ُ
بعينك احلياة اليت أعيشها يف اإلمارات ،والرفاهية العالية اليت كانت
بكل ما قال وما وعد.
مبلكي ،لقد صد َق ّ
183
هنا لن يقرأ أح ٌد ما أكتب وهلذا سأعرتف اعرتافاً جريئاً جداً ،نعم أغرتين
حالة وسام املادية بعض الشيء حّت أعود له ،وأنت مل تكن تُلمح حّت
تلميح عن ارتباط قريب ،وهذا كا َن من األسباب أيضاً ،حّت خطبين
وسام وحصل ما حصل.
•••••
185
صوت أم كلثوم يف
ُ لك زجاج انفذتك وأنظر للطريق كانافتح َ
وأان ُ
انت عمري اللي ابتدا بنورك صباحو.
املذّيع يقولَ :
قلت لك -أُحبك.
ُ
تصمت كما حيدث عاد ًة يف املسلسالت لكنّك مل تفعل
َ توقعت أن
ُ
إيل وقلت ُمبتسماً -كذبك حلو. َّ
التفت َّ
هذه الكلمة وابتسامتك أذهبتا عين ارتباكي مما دفعين ألوقف السيارة
فوراً على ميني الطريق.
التفت إليك -ح ّقك الطبيعي أن تُكذبين ولكن ليس هبذه السرعة،
ّ
كل شيء.
ليس قبل أن تسمع مين ّ
أي شيء عن املاضي ،حنن أبناء اليوم ،ما -ال فائدة أبداً من مساع ّ
الذي تُريدينه مين ِ
وأنت اآلن متزوجة؟.
التهرب مرًة أخرى من هذا السؤال ،لكن كيف؟.
الب ّد من ّ
ولكن شيئاً ما جعلين
تنحنحت يف ُماولة سريعة للتفكري برد مناسبَّ ،
أُجيب بنفس إجابيت األوىل -أُري ُد من هذا اللقاء أن يكو َن مجيالً ال
وأرجعت
ُ ت املوضوع فوراً -هيّا أمسعين آخر قصيدة لك، وغري ُ
أكثرّ ،
ووجهت وجهي إليك ،وابتسمت.
ُ كرسيي إىل الوراء قليل
جاء فيها:
علي قصيد ًة َ
مل ترتدد ،وفتحت جوالك لتقرأ ّ
186
لديك مميـ ٌز كي ِ
أرجعا؟ ماذا ِ ّ
ِ
النساء وأفظعا مثل
نَكديّةٌ َ
ِ
ابحلب ستّـ َة أشهر أخضعتين ِّ
واآل َن دوري كي أ ُِذ َّل وأُ ْخ ِ
ضعا
لم كا َن ِ
هواك هنراً صافياً يف احلُ ِ
أفقت وجدتهُ ُمستنقعا
ملّا ُ
بقولكِ :
هذه آخر قصيدة كتبتُها. َ الصمت بيننا حلظات خرقتها
ُ ساد
َ
توصل يل رسالة غري مباشرة أبهنا مل تُكتب يل ،ولكن
َ أردت بذلك أن
َ
كنت ألقيتها يل يف أول لقاء لنا بعد فراق
ما الفائدة من تربيرك هذا إذا َ
طويل ،لقد ألقيتها لتقول يل بطريقة غري مباشرة :هذهِ القصيدة ِ
لك ولو
أهنا ُكتبت يف امرأة غريك.
كنت وعدتين
قلت لك اببتسامة عريضةَ -
يف ُماولة لكسر اجلمود ُ
بديوان كامل ّي نذل
كنت وعدتِين بك!
ضحكت وقلتِ -َ
مين وأويف بوعدك
أحسن ّ
َ -كن
-سأفعل
187
الغزل واألشوا َق أبعيننا كثرياً دو َن
حتدثنا كثرياً ،وضحكنا كثرياً وتبادلنا َ
قبلت
ك ُحتبين أبخطائيُ ،حتبين وأان خائنة ،وإال ملا َ أعرف أنّ َ
ُ تصريح،
أوقفت
ُ قلت يل -لنعُد إىل الكورنيش ..فعدان ،عندما
لقائي أصالًَ ،
قلت يل -تستطيعني الذهاب
أخذتك منه َ
َ السيارَة يف املكان الذي
اآلن ،أان سأبقى هنا
قلت -هل نستطيع املشي سويةً لبضع دقائق؟
تكاد أصابعُنا تقفز من
أشرت بعينيك أال مانع ،ومشينا أمام البحر ُ َ
ت يديني أو ثالث جعل ُ وحنن نقبضها إلينا بقوة ،ملرت ِ أيدينا لتتعانق ُ
شارفت حّت يدك كأنين مل أنتبه ،مل تُ ِ
ُ أي ردة فعل لذلكّ ، أنت ّ
بد َ تلمس َ
على الذهاب ،وقفنا صامتني قرابة أربع أو مخس دقائق ،وجوهنا للبحر
منعكس على املاء ،شيءٌ من طب ِع البحر
ٌ والقمر مكتم ٌل يف السماء و
ُ
تسلل إىل أيدينا
ب إلينا ،شيءٌ من السحر الذي حيملهُ املكا ُن هنا َ
تسر َ
ّ
فلم تُقاوم أصابعنا اقرتاهبا كما كانت قلوبنا تقاوم ،تسللت يدي إىل
أحسست عندها ّي حبييب أ ّن دمي كلّه
ُ يدك واشتبكت األصابع،
استقر يف يدي ،دقيقتني اثنتني والتفتنا عائدي ِن إىل السيارة وأصابعنا
أتذكر كم خطوة مشينا عندما ِ ِ
مستمرةٌ ابلعناق على أعني اخللق ،ال ُ
ويضع
ُ رأينا وسام جيلس على أحد الكراسي املمتدة على الكورنيش
يدهُ بطريقة تشي حبب على كتف امرأة ال أعرفها ،ورآان َّنشي وأصابعنا
ُمشتبكةٌ بعضها ببعض مشية عاش َق ِ
ني قدميني!.
188
•••••
191
192
أعزائي املسافرين النداء األخري لرحلة رقم ١2١٥واملتجهة من مطار
أبو ظيب الدويل إىل مطار دمشق الدويل ،يرجى من السادة املسافرين
سرعة التوجه إىل البوابة رقم .2٣
جبواله،
يقف شاكر يف الصف البشري اهلائل أمام البوابة 2٣وهو يلهو ّ
أف هلذا املرض ،قال يف نفسه وهو يعرب
طائرةٌ كبرية ومقاع ُد ضيّقةّ ،
املمر داخل الطائرة إىل مقعده.
عني إال هامت هبا،
F27هو مقعده الذي يلتصق مبقعد فتاة ال تراها ٌ
تقن كثرياً دور االنسان اهلادئ الرزين.
ابتسم قلبه ومل تتحرك مالُمه ،يُ ُ
َ
مرحباً -قاهلا وهو جيلس إىل جانبها دون أن ينظر إليها.
أهالً -وهي تنظر إليه نظرًة ال تتجاوز ُمـ ّدة ردها.
مسع ر ّدها املُقتضب ،وهذا البيت أيضاً قالهُبيت أيب ريشة هذا ملّا َ
ابغتهُ ُ
جانبه يف الطائرة ،هذهِ اجلميلة البد وأ ّهنا
أبو ريشة المرأة جلست إىل ِ
ُّ
أحق هبذا البيت من تلك .قال يف نفسه.
يلتفت إليها اببتسامة خجول :امسي شاكر عريب.
ُ
ولكن مالُمهُ املألوفة جعلتها تر ّد :تشرفنا.
تتحدث مع الغرابءَّ ،
ُ ال
193
-ز ِ
ادك هللا شرفاً ،ما ِ
امسك؟ ُ
ابتسمت ومل ُجتب.
شعر أنّه وقع يف دور األبله بعض الشيء ،لكنّه جتاهل املوقف وأرجع
َ
رأسه للوراء وأغمض عينيه استعداداً لإلقالع.
ما املانع إذا أخربته ابمسي؟ ،قالت يف نفسها قبل أن تلفت إليه وهو
حّت اجملاملة
ابتسم ومل يفتح عينيه ومل يقل شيئاًّ ،
َ مغمض العينني :مرام،
الشهرية:عاشت األسامي مل يقلها.
حّت التفت
أقلعت الطائرة ،وما ان ارتفعت عن املدرج وشعر ابلطريان ّ
التجاهل وإهناء هذا احلوار
َ عادي لفتاة ليست عادية ،تُري ُد
ّ اسم
إليهاٌ :
لكن عليها أن ُجتيب.
أمساؤان ُيتارها أابؤان وأ ُّمهاتنا فمنها اجلميل ومنها القبيحّ ،أما صوران
كل شيء من هللا مجيل. فاهلل ُيلقها ،و ّ
ِ
صدقت.. -صحيح،
تعرفني قصيدة عمر أبوريشة "يف الطائرة"؟ وهو يبتسم.
َ مثّ يتنحنح :هل
دو َن أن تلفت إليه :أحفظُها.
ُ -حتبني ِ
الشعر؟ َ
ب الشعر؟.
-ومن ال ُحي ُّ
-أان.
تتسع عيناها دهشةً.
ُ
ُمبتسماً -أان أعشقهُ وأكتبه.
194
-وتكتُبه؟.
-وأكتبه نعم ،ويل ديوان مطبوع وآخر حتت الطباعة.
-مجيل ،موفّق.
-هل أ ِ
ُمسعك شيئاً من شعري؟.
هتز رأسها.
-ال :وهي ّ
ِ
أحرقت املكاتيبا عت..
كما توقّ ُ
ك أشعاري أكاذيباوكا َن حبّ ِ
ظين لكن ُك ِ
نت كاذبةً أحسنت َِّ
ُ
يف ويف قليب األعاجيبا ِ
فعلت َّ
195
ض ِج ٌر
ب َ ملّا َش ِ
أبين ُم َتع ٌ
عرت ّ
غري ِ من ِ
ت األساليبا احلبّ .. قصة ِّ ّ
وفجأ ًة ِ
صرت بع َد الطه ِر ساقط ًة
ِ
العفاف إذا ألقى اجلالبيبا مثل
كذب
وهم ..كله ٌ احلب يف ِّ
النت ٌ ّ
مّت مللناهُ ..أغلقنا احلواسيبا
196
االستعداد للهبوط ،لن يدعها تُفلت منه ،وهي أيضاً ستتفاعل مع أي
شيء منه ،لقد د ّق قلبها دقّةً لشاعر ال تعرفه ،وقفت الطائرة ،سارا
حّت نزال منها ،وقبل أن يفرتقا قال هلا :هذا كريت الشخصي ،وفيه
معاً ّ
حساابيت الشعرية االلكرتونية ورقمي اخلاص ،أسعد جداً ابلتواصل
معك.
-ابتسمت :سأفعل ،وافرتقا.
•••••
197
وأشياء مما مل يتوقع ،إهنا اآلن زوجة
َ حصل يف سفره شيءٌ مما توقع
َ
لوسام ،الرجل الذي استضافه ببيته وأكرمه ،اخللوق الطيّب ،ما هذا
ِ
ابستطاعته اخرتاق حياة رجل آخر واحلديث مع زوجته احلظّ؟ مثّ هل
لو مل يكن وسام؟ ،هو ال يستطيع هذا أبداً كائناً زوجها من كان،
استمر ابحلديث معها من خالل الواتساب
ّ صحيح أنّه بعد لقائه فيها
حّت سافر،
وبعض االتصاالت القليلة ،وكانت معه كذلك خطوةً خبطوة ّ
هيهات هيهات ،ال
قرر االبتعاد هنائياً .و َ
مبجرد وصوله إىل محص ّ
لكنّه ّ
هو الذي أعانه قلبهُ ليبتعد وال هي تركته يتنفس بعيداً عنها ،صار
اهتمامها فيه مضاعفاً ،وصارت خترتع القصص واملناسبات كلّما شعرت
حّت تبقيه معها.
أبنه يريد االبتعاد ّ
وضع فنجا َن القهوةِ بعد منتصف الليل وجلس قالت له نفسه وهو َ
عليك أن
أنصاف احللولَ ، ُ احلب ال ُجتدي معهُ
يصب القهوة :إ ّن هذا ّ ّ
الرجل
َ ك ختون
أكلت فيه ،إنّ َ
تبصق يف الصحن الذي َ ك ُ تتوقف فوراً ،إنّ َ
مر على عودته
واعتربك أخاً له ،كان قد ّ
َ اك واحتفى فيك الذي دع َ
كل يوم من هذا الشهر
شهر كامل ،ومازال يتحداثن يومياً ،ولكنّه يف ّ
ٌ
وضع أم كلثوم
يصب قهوته قبل قليلَ ،
حدثته نفسهُ مبا حدثته به وهو ّ
كلثوم أبعلى صوهتا:
تشف قهوته وسرح ،أم ُ
رب جواله وأخذ ير ُ
عَ
القلب يوماً
َ سألت
ُ كنت إذا
و ُ
الدمع عن قليب اجلوااب
ُ توىل
198
أي امرأة ِ
أنت؟، وجيفف أخرى مل تسقط بعدُّ ، ُ ميسح دمع ًة سقطتُ
إيل املاء والنار معاً ،تُشعلين ،تُطفؤين، ِ
وملاذا ُعدت اآل َن ّي امرأ ًة أهدت ّ
ني كاهلالل ،آه ّي نزار آه!تكسرين نصف ِ
أين زوجها؟ فتح
جاء اتصاهلُا الذي مل يتوقع ،يف متام الواحدة صباحاًَ ،
َ
اخلط :أهالً غيداء
-أهالً حبييب
أين وسام؟ ِ
يب اتصالكَ ،
-غر ٌ
-انئم ،ولكنين اشتقت إليك فاتصلت
-أغلقي فوراً ال أُريده أن يشعر بك
-ال عليك ،نومه عميق
حتداث قرابة النصف ساعة ،كا َن جريئاً عندما أخربها أنه لن يستطيع
االستمرار ،وأهنا جيب أن ُختلص لزوجها ،وأ ّن ضمريهُ يُع ّذبه ،وأنه أل ّد
يقع هبا ويعيشها؟ شعرت هي بشيء من اخلوف،
فكيف ُ
َ أعداء اخليانة
فأسرهتا يف نفسها ومل تُبدها له ،وقالت :ما املانع من
بشيء احلسرة َّ
أي خطأ؟
حديثنا إذ ليس مثّة ّ
كان ر ّده قاسياً جداً عندما أجاهبا :ال دينُـنَا وال أعرافنا وال قلوبنا تقبل
هو ،وأان سوف ِ ِ
هذا ،كا َن ابستطاعتك أن تكوين يل ،لكنّك اخرتته َ
199
أضع ح ّداً هلذه املهزلة ،ه ّدأته قليالً وقالت ال عليك سنتحدث هبذا
الحقاً ولن حيصل إال ما تريده أنت وما تراهُ ُمناسباً.
ِ
برغم هذا كا َن يشعر ابلغرية من وسام ،إنّه حيبّها جداً ،ويضعف كثرياً
ط متلّكه هاجس نومها قرب وسام
احلب ،بعدما أغلقت اخل ّ
أمام هذا ّ
أمسك ورقتهُ
َ يف سرير واحد ،وهنا كا َن الب ّد للشعر أن يتدخل فوراً،
وكتب:
حني ِ
أنت لهُ ك َ أُحبُّ ِ
ويل َسهري وأشواقي
وحيداً..
الدمعات
ُ ط
تسق ُ
من قليب وأحداقي
كيف ِ
أنت اآل َن أُف ّك ُر َ
انئمةٌ على صدرْه؟
ِ
تنتقالن كيف ِ
يداك و َ
من خصري إىل خصرْه!
تبتسمني
َ كيف
ُفكر َ أ ُ
تعتَربينَهُ الدنيـا
وترجتفني من ِعطرْه
َ
ب ك ما س ِ
قيت احلُ َّ كأنّ ِ
ُ
قبل ِ
اليوم من غَريْه! َ
200
يف صبيحة اليوم التايل ،التقى أبمري يف اخلراب ،جلسا تتوسطهما
كالم قلب شاكر على شاكر،
القهوة ،كا َن أمري ودون أن يشعر يُعي ُد َ
قال له :دعها ّي صديقي ،ففي احلب ال ُجتدي أنصاف احللول.
أجاب شاكر وهو ينفخ دخا َن سيجارته :أُحبّها وأكرهُ االستمر َار َ
ابحلديث معها وخيانة زوجها ،مثّ إ ّهنا خانتنا معاً.
رحلت
َ ابتسم أمري :فلتُ ِنه هذه املهزلة أبسرع وقت ،ال ترتدد أبداً وإذا
اءك أثراً.
فال تدع ور َ
يهز رأسهُ سأفعل..
ّ
ذلك االتصال الصريح وما زاال معاً ،يتحداثن
عقب َ
مرت عشرة ّأّيم َ
ّ
جواله وكتب هلا
حّت فتح ّ
يومياً ،وضمريُ شاكر يزي ُد هليبهُ يوماً بعد يومّ ،
عرب الواتساب:
نفرتق!
صار بوسعنا أن ْ
اآل َن َ
كل شيء..
فلقد خسران َّ
كل شيء..
َّ
وانتهى عه ُد الر ِ
اتبةَ
والغر ِام املُتس ْق
201
غصة ،لكنها أجابته قائلةً:
• قرأت رسالتهُ ويف قلبها ّ
الكالم
ْ ال ّي حبييب ال تَـ ُقل هذا
ال..
علي
صف أوجاعي ّ ال تقف يف ِّ
مع األسى ِ
احلروب َ رغم
َ
السالم
ْ سينتصر
ُ يوماً
احلروف
ْ ط على ضع النِقا َ
الب ّد أن نَ َ
الصفوف..
ْ تيب
ونُعي َد تر َ
طاق
ليست تُ ْ نعيش عشوائيةً ِ
ْ فأان وأنت ُ
الوقوف
ْ وعلى الذي ُيشى املرور أمام َخ ِ
يبته.. َ َ
صار بوسعنا أن َّنأل الدنيا فِر ْ
اق! اآل َن َ
الظروف!
ْ الكبري إىل
َ ب
ّم احلُ َّ
ونُسل َ
202
•ر ّدت ودمعتها يف عينها:
إين أُحبّ ِ
ك ،أغلقي املوضوعا ّ
إحساسي املوجوعا
َ واستوعيب
رت..
ضائع وتَس ّك ْ
أان ٌ
رت
هي غَ َّر ْ
وجهي الدنيا وكم َ
َ يف
توأنكر ْ
الكبري َ
َ ب
أعطتين احلُ َّ
َ
من لُ ِ
ؤمها..
رت!
حني اشتعلنا..أمطَ ْ
َ
203
يف شارع اخلراب ،ويف ذلك اليوم الذي التقت فيه غيداء بشاكر
األعني يف
ُ عني أمينة بعني أمري ،وعندما تقع
وقعت ُْ وأخذت رقمه،
القلوب يف احلب ،محص صغرية كما يقول أهلها مع
ُ ط
النَظرات تسق ُ
أ ّهنا ُمصنفة كأكرب ُمافظة يف سورّي مع ريفهاّ ،أما املدينة فهي صغرية
فعالً ،ولذلك كانت فرصة أن يلتقي أمري أبمينة أكثر من مرة بفرتات
قريبة وأن يتبادال عبارات السالم فرصة سهلة جداً ،بعد أكثر من
جترأ يوماً عندما التقاها صدفةً أيضاً عند ابئع العصريات
صدفة بينهما ّ
ُ
يف الغوطة وقال هلا :يسرين لو ِ
قبلت دعويت على العشاء. ّ
اببتسامة ملؤها احلياء -أعتذر ،ال أستطيع.
آخ َذ األسهل.
حّت ُ
طلبت األصعب ّ
ُ -أعلم ولكنين
ابستغراب-ما هو األسهل؟
يتنحنح وبتلفت مين ًة ويسرة -رقمك! ،أرغب يف احلديث معك،
ويبتسم.
أسابيع فقط تق ّدم خالهلا
ٌ يوم سفر شاكر األخري لألمارات،
كا َن هذا َ
أمري وطلبها للزواج وعُق َد قراهنُما.
لك من نذل! ،أأكو ُن آخر من يعلم -قاهلا شاكر ألمري بعدما أنزال
ّي َ
أمينة يف بيتها وقد أحضروه من املطار.
أمري ُمبتسماً -وهللا صارت األمور خالفاً للمتوقع ،صدقين أان نفسي
حّت اللحظة أشعر أنّهُ ُحلم.
ّ
204
فرح شاكر أبمري وأمينة فرحاً ال يعدلهُ فرح آخر ،إ ّن سعادةَ أمري
لقد َ
ينظر إىل القصة من األعلى يعلم
سرح بعيداً ،فمن ُ
من سعادته ،لكنّهُ َ
كل شيء يشي ابرتباط شاكر بغيداء ،لكنّها عادة القدر مبخالفة أ ّن ّ
توقعاتنا ،افرتق شاكر وغيداء،،وارتبط أمري أبمينة!
•••••
205
عريهُ ِ
بعلمه كلّما خالف رأيها أو كما تَنبُ ُذ العائلةُ اجلاهلة ابنها املُتعلّم وتُ ّ
أعلم جيداً أ ّن اهلالك ينتظرين
عاداهتا وتقاليدها ،نبذتين عاطفيت! إنّين ُ
قررت الرحيل ،فلماذا تنبذين عاطفيت
ُ يف هناية هذا الطريق ،ولذلك
ِ
العقيمة هذه. ستؤول إليه قصةُ ِّ
احلب ُ اجلاهلة مبا
جهز استعاداً للخروج إىل قال شاكر هذه الكلمات يف ِ
نفسه وهو يت ّ َ
يب على اتصاالهتا ورسائهاّ ،أو ُل
كامل وهو ال ُجي ُ
مر أسبوعٌ ٌ
اخلرابَّ ،
وقاوم عواطفه أسبوعاً الص ِرب أصعبُه ،وها هو َ
جتاوز م ّدة اخلطر أخرياً َ
اءهُ أسبوع وآخر،
كامالً مما سيعينه على االستمرار ابلقطيعة ،أسبوعٌ ور َ
تصرف منها
أي ّوالسهر ُيه ُّد قواه ،مل يكن ابنتظار ّ
ُ أيكل قلبه،
والشو ُق ُ
سوى االتصال أو ارسال الرسائل.
التفت شعر جبسد ما جيلس جانبه، ِ
َ سارح على كرسيّه يف اخلراب َ
وهو ٌ
تفضح وجهه :غيداء؟
ُ لريى ابتسامتها الصامتة! ،بدهشة
طلبت
هتز رأسها ُمبتسمةً ،مثّ تنصرف بوجهها إىل الطريق أمامها وتقولُ :
ُّ
الطالق.
-ماذا!! ،قاهلا كالذي فقد عقله.
ضر ِ
بتان على الرأس يف أقل من دقيقة ،مفاجأةُ قدومها إىل محص وطلبها
الطالق من وسام.
أنت ال أح ٌد سواكا ،مثّ وبكل هدوء :أُر َ
يدك َ ّ تُتابع النظر إىل الطريق
فقرب هذهِ الدنيا ِسواكا.
تلتفت إليهٌ :
206
كيف
أنت؟َ ، ّي هللاّ ،ي هللا ،والدهشة والغضب ِ
متآلن وجهه :أغبيّةٌ ِ
سأتزوجك إذا ِ
فعلت؟. ِ بكل سهولة؟ ،أتظنني أنين
تطلبني الطالق ّ
ال أريدك أن تتزوجين ،قالتها والدمعةُ يف عينها.
أي بالء هذا الذي وقعنا به ،مثّ يلتفت
ّي هللا اغفر يلّ ،ي هللا اغفر يلّ ،
إليها :وهل طلقك؟
كي
مين أن أنزل إىل محص ّ
وطلب ّ
َ واستغرب طليب جداً
َ رفض طبعاً
َ
تتحسن نفسيّيت اليت تغريت كثرياً يف الفرتة األخرية حبسب قوله.
جنونك هذا ما آخره؟ِ تنه َد تنهيد ًة طويلة:
ّ
تصرخ أبعلى صوهتا-ال ترتكين ال ترتكين ،أان أُر َ
يدك أنت ،وتبدأ ابلبكاء.
تنظر إليهما ،يُلملم املوقف ويركبان
والناس ُ
ُ ط املشاعر يف قلبه،
ختتل ُ
السيارة.
207
نشر
مطلع ملقال جديد سيُ ُ عندما جتد نفسك اثينَ اثنني يف ِّ
احلب ،ابتعدٌ :
كل التربيرات اليت تُقدمها
غداً يف جملة "صدى الشعر" جاء يف آخره ّ :
جربوا
حتتاج لتربيرات ،والذين ّ
ات ُامرأةٌ ختون زوجها لعشيقها هي تربير ٌ
هذا النوع من العالقات مع نساء متزوجات هم يف احلقيقة ال يعيشون
عالقات حب إَّنا عالقات من اخليانة املسترتة ابسم احلب ،فال شيء
يف هذه األرض يقبل أن ختون امرأةٌ زوجها حتت أي سبب أو أي ظرف،
أنت ال تعرفه،
إ ّن اليت خانت زوجها ألجلك ستخونك ألجل رجل آخر َ
مرة
وإ ّن امرأةً خانت زوجها ابحلديث مع رجل آخر مرة ستخونه ألف ّ
درب ال خالص منه إال ما شاء ربّك ،إ ّن عالقة
أبلف حديث ،فهذا ٌ
الرجل ابمرأة متزوجة أو عالقة امرأة برجل متزوج عالقة معاقة ،ال
أعود ملا
مستقبل يستحق املغامرة وال ماضي يستحق الذكرى لذلك ُ
بدأت به :عندما جتد نفسك اثينَ اثنني يف ِّ
احلب ،ابتعد. ُ
مبا أ ّهنا عادت إىل ِمحص فال ب ّد أن يغادرها هو ،لكن إىل أين؟ ،ال ّيهم
املكان كثرياً ،املهم أن يكو َن مكاانً خالياً منها ،ركب سيارته بعد صالة
الصبح وانطلق إىل شاطئ النورس يف طرطوس ،إىل الشاليه الذي متلكه
عائلة أمري ليقضي ِ
فيه وقتاً جمهوالً ،بعيداً عن أعينها وضجيج املدينة،
حيصل دائماً ،أخرب أمري بعد أسبوع تقريباً
ُ البحر وجهته ،وكما
ُ كان
خطيبته أمينة مبكان شاكر وهي بدورها أخلفت وعدها خلطيبها بعدم
اخبار غيداء مبكانه وأخربهتا.
208
إهنا فرصةٌ من ذهب ،قالت غيداء ألمينة اليت ُحتلفها ابهلل أن ال خترب
شاكر أبن هلا يد يف معرفة مكانه.
بيل الفجر ،وبعدهُ ُمباشرًة كان السائق ابنتظار غيداء اليت
أخربهتا قُ َ
أع ّدت نفسها لغياب أسبوع على األقل برفقة شاكر ،وانطلقت.
نان ِ
هللا ..أنزهلَا ّي جنّـةً من ِج ِ
ِ
جنبيك ما عربا؟ دين على
ظل ٌهل َّ
يوم و ّدعها
هرقل عليها َ
بكى ُ
ومات خال ُد فيها بعدما انتصرا
َ
209
وآخرها
َ ِ
األرض أوطاانً ّي ّأو َل
شعرا ِ
واآلداب وال ُ ّي ربةَ ِ
العلم ّ
ِ
الخوته بساماً
ف ّ يوس َ
ّي وجهَ ُ
برغم َّأهنُ ُم ابعوهُ ْ
وه َو َيرى
من ِ
عهد آدم كم ِ
آويت من أُمم َ
ِ
أكتافك البشرا وكم ِ
محلت على
أيخذان
يخ ُيق إىل التار ِ
إ ّن الطر َ
صرا ِ ِ
طال أو قَ ُ
سواء َ
إليك أنتً ..
•••••
212
وهي يف الطريق تقرأ حالته على الواتساب:
َ
"حني خترج من العاصفة ،لن تعود الشخص نفسه الذي دخلها ،وهلذا
السبب وحدهُ كانت العاصفة".
موراكامي
هي تعلم أنّه يتفق ُد حالتها دائماً رغم أنّه أبدى هلا يف الكثري من
يهتم هبذه األمور ،لذلك وضعت عرب حالتها:
اللقاءات السابقة أنّه ال ّ
ميكنك بلوغ أي قمة من قمم اجلبال طاملا أنك مستمر ابلتسلق.
هتتم كثرياً حبقوق ال ُكتّاب كما يفعل هو ،تضع العبارات دائماً
هي ال ّ
بدون االشارة ألصحاهبا ،قال هلا مرًة عن هذاِ :
أنت تسرقني جتربةً كاملة ّ
حّت أتت عبارته اليت وضعتِها.
مر هبا الكاتب وعاىن ّ
ّ
مرت فرتة من الفرتات صارت تُشري فيها إىل صاحب املقولة من ابب ّ
التقليد حلبيبها ليس إال.
مشاعر ُمتلطة،
ٌ أصل إليك؟ تُرددها طوال الطريق ،ويف داخلها
مّت ُ
وعتاب وحزن ،حالةٌ عاطفية ال تفسري هلا ،كأكثر احلاالت
ٌ شو ٌق وحنني
العاطفية ،قبل أسبوع فقط قال هلا أحبّك ،ويف اليوم الذي يليه أرسل
يقول:
213
ّل معاً
اول أن نظ َُحن ُ
برغم ظروفنا السودا ِ
ب قد أودى وما ابحلُ ِّ
نقدر؟
فهل ْ
قدر! ُّ
أشك أبننا نَ ْ
أصرب ِ
فال َيل أنت كي ْ
لك
وال سأكو ُن يوماً ْ
وكم قتَل اهلوى منّا بال ذنب
ك
وكم أَهلَ ْ
نقدر؟
فهل ْ
قدر.. ُّ
أشك أبننا نَ ْ
214
احلب لن
كان وإبحساس الشاعر منذ اللحظة األوىل يعلم أ ّن هذا ّ
كل ما قال هذا
يدوم ،وقاهلا صراحةً يف أكثر من لقاء بينهما ،وكانت ّ
غريت املوضوع ودعتهُ للتفاؤل.
هلا ّ
الوقت
ُ يبع ُد الشاليه عن محص قرابة الساعة والنصف ،لكن ملاذا يبدو
أطول يف هذه الرحلة؟ ،إهنا تع ّد الثواين كي تصل إليه ،ومل تصل بعد،
سوف حتضنه بقوة ،سوف تقول لهُ أنّه أنفاسها فكيف حيرمها حقها يف
احلياة؟ ،ستعاتبه ،سيمشيان معا على رمل الشاطئ ليالً ليخربها أ ّن مثّة
قمرين على وجه املاء ،القمر ووجهها ،ستسرقهُ من نفسه هذه املرة،
ستسمع منه
ُ ستأخذ منه عهداً أبن يبقى معها مهما كانت الظروف،
ُمساُمتها على ما كان ،ستفعل كل شيء كل شيء بعد أن تصل..
تصل يوماً!
كل أسف مل تصل ولن َ لكنّها ب ِّ
215
املوت ينتظرها يف منتصف الطريق املؤدي إىل حبيبها على هيئة
كان ُ
مروع ،وكان الكابوس الطويل الذي رآه شاكر انقضى.
حادث ّ
أيكل وجهه ليجد مكامل ًة فائتة من غيداء ،الصبية
واخلوف ُ
ُ قام من نومه
َ
تعرف عليها قبل يومني!.
اليت ّ
متّت
كواالملبور /نوفمرب 2٠١7
216
شكر وتقدير
217