Professional Documents
Culture Documents
5- لقاء يسوع مع زكّا
5- لقاء يسوع مع زكّا
إ ّن ز ّكا ـ ـ ـ وترمجة امسه الطاهر ،أو صـايف ،وامسا العلم هـذان متـداوالن ،بني النـاس ،يف العـائالت الشـرقيّة ـ ـ ـ
اإلجنيلي لوق ــا ،ال ــذي ي ــأيت وح ــده على ذك ــر امسه ،بني س ــائر البش ــائر ،أح ـ ُـد أولئ ــكّ إ ّن ز ّكــا ،إذًا ،ه ــو ،حبس ــب
ورئيس دائرة من الدوائر ،يف لغة العصـر، جباة العُ ْشر 1من أبناء اليهود،2 العشارينِ ،الرؤساء ،املقامني على زمرة ّ
ُ
املوكل إليها مجع الضرائب عن احملاصيل .ال نعرف ،بـالطبع ،عمـره؛ ولكنّنـا نعتقـد أنّـه يـرتاوح ،بني العقـد الرابـع،
والعق ــد اخلامس من عم ــره ،مبا أنّ ــه اس ــتطاع أن يتسـ ـلّق مجّ ــيزة ـ ـ ـ ـ ول ــو أعان ــه أح ــدهم بقص ــده ـ ـ ـ ـ وأن يقب ــع ،بني
مير يســوع ،على الطريــق املالصــقة للشــجرة .ال معرفــة لنــا هــل عنــده أغصــاهنا ،وورقهــا ،فــرتة من الــوقت ،ريثمــا ّ
لكن قــول يســوع لــه" :اليوم ،قد حصل الخالص لهذا البيت" (:19ـ ،)9مييــل باملف ّسـر إىل أن يفهم عائلــة ،أم ال! ّ
جتاوزا!
بلفظ "البيت" س ّكانه؛ وإمّن اً ،
ـذري ،يف مـ ــا يلفت االنتبـ ــاه ،عنـ ــد قـ ــراءة أخبـ ــار ،تتعلّـ ــق بأشـ ــخاص ،التقـ ــوا بيسـ ــوع ،مثّ حـ ــدث تب ـ ـ ّدل ج ـ ّ
بتحمـل عنـاء آخـر، جتشمهم الصـعوبة ،حينًـا من الـزمن ،وتضـحيتهم اإلضـافيّة ّ مسريهتم ،أو يف سياق حياهتم ،هو ّ
دما ،منذ اثنيَت عشرة سنة ،أو السامريّة ،أو فوق ش ّدهتم ،قبل التقائهم مع يسوع .حسيب أن أذكر ،مثالً ،النازفة ً
الرجــل املقعــد ،الــذي أهنضــه يســوع ،يف كفرنــاحوم ،3وغــريهم .ليس ز ّـكـا بغــريب عن هــذا الوضــع .فكمــا قاســى
ردحــا من ال ــزمن ،ومل يكن عن ــدهم ـ ـ ـ ـ من ي ــدري؟ -وال بص ــيص أم ــل ،يض ــيء هلم حلك ــة أولئ ــك من الض ــيقً ،
اإلجنيلي لوقـ ــا
ّ عيشـ ــهم ،مل ًقى هبم ،بني بـ ــراثن األمل ،وخمالب الوحـ ــدة القاتلـ ــة ،كـ ــذلك ز ّـك ــا هـ ــذا ،الـ ــذي يغفـ ــل
خيتص مبرارتــه ،أو مبعاناتــه .يرشــدنا إىل توقّعنــا هــذا ،وأعــين إىل ظنّنــا بــأ ّن ز ّـكـا كــان يشــكو من التوضــيح ،يف مــا ّ
صفحا عن ثرائــه ،كرجــل وض ْربُه ً للعشارينَ ، إعراضه عن مركزه كرئيس ّ ُ ممض ،ينهش منه حالوة العيش، توجع ّ ّ
4
صـره ،كرجــل مســلوب القامــة ،مقابــل "أن يرى َمن هو يسوع" ( :19ـ 3أ) .قــايض ز ّـكـا مبا ِ
ـين ،وَت َف ُّوقُــه على ق َ
غـ ّ
ـدونات التــوراة .ويــرتّب اإلتــاوات، املدونات األوغاريتيّــة ،األقــدم عهـ ًـدا من مـ َّ
ص ـا ،يف َّ الع ْش ـر إىل عــادة شــرقيّة قدمية ،جند صــداها ،خصو ً
يعــود نظــام ُ
1
غب العــودة من الســيب ،وســيادة الدولــة الدينيّــة،ـ يف بنســبة ،1/10على مجيــع احملاصــيل ،الزراعيّــة واحليوانيّــة ،الــيت جيب على الس ـ ّكان دفعهــا للملــك.ـ ّ
حتول دفــع العُ ْش ـر إىل اهليكــل ،واتّســع ،ليشــمل البقــول (مىّت :13ـ .)23وبــات ســدنة اهليكــل (الالويّــون) هم املســتفيدينّ ،أوالً،ـ من فريضــة إســرائيلّ ،
ضـاّ .أمـا اجلبايـة ،فـأوكلوا هبا إىل أمنـاء ،حيرصـون على جتميعهـا ،جبوار اهليكـل، العشر ،اليت كانوا يشركون الكهنة يف االنتفـاع منهـا ،بنسـبة ،1/10أي ً
يف أهراءات فسيحة.
واحدا من األمم ،مثّ اهتدى إىل اليهوديّة؛ أنظر ض ّد مرقيون ،ك ،4ف .37 بيد أ ّن ترتليانس يعترب أنّه كان ً
2
عب األحـداث ،الـيت يرووهنا .ألع ّـل السـبب يعـود إىل أ ّن النقلـة دائما ،ذكر أمساء األشخاص ،الذين يوردون أخبارهم ،يف ّ يغفل اإلجنيليّون ،عادة ،ال ً
3
وض ــعوا رواي ــاهتم ،بع ــد م ــرور زمن على تل ــك األح ــداث ،حبيث إنّ ــه ف ــاهتم أن يت ــذ ّكروا أمساء األش ــخاص املع ــنيّني؟ أم ت ــراه يكمن يف اهتم ــام البش ــائر
عب
مطروحـا على البـاحث ،الـذي ينبغي عليـه أن يف ّسـر ذكـر البشـائر أمساء عـدد آخـر من األشـخاص ،يف ّ ً باألحداث ،دون األشـخاص؟ يبقى السـؤال
الروايات.
أيضا.
كذلك هريودس (لو .)8 :23حبسب يو ،21 :12كان لدى نفر من اليونانيّني التوق عينهً ،
4
42
حيوزه من تقـدير ،يف أعني النــاس ،أمنيتــه بــأن يـرى يسـوع .ال بـ ّد ،إ ًذا ،لــه من أن حيصــل على عــزاء ،مل يتــوفّر لــه،
عزاء ينتزع منه طعم العذاب. رغم كل ما كان حيظى به من وفرةٍ ،
ّ
ال جمال ،هنــا ،البتّــة ،يف حالــة ز ّـكـا ،للكالم على فضــول .لقــد كــان هــريودس فضــوليًّا ( :23ـ ،)8حينمــا
حيرك هــريودس ســاكنًا ،مقابــل أن يــراه .ال ،ليس احلال، أحضــر يســوع إىل أمامــه ،للمحاكمــة .من أجــل هــذا ،مل ّ
علي يف قومه،ـ س ّكان أرحيا ،جاء على مثل هذا النحو ،مع ز ّكا .هلذا ،حنسب أ ّن حبثه عن مشاهدة يسوع ،وهو ٌّ
عن حاجة ،ال عن تط ّفل ،جاء عن رغبة يف ملء فراغ ،مل متأله الثروة ،اليت حصل عليها ،خالل حياتــه .أراد أن
يتخلّص من َو َه ِق ثقل ،مل َيعُ ْد يطيق احتماله.
مق ّدمة
يُشبه ز ّكـا ،من حيث املنزلـة االجتماعيّـة ،نيقـودميس ،الـذي جـاء يسـوع ليالً ،لكي حيظى بلقـاء معـه ،على
وح َسـن املوقــع ،وذو ثــروة .5 األول ،ز ّـكـا ،رئيس مقاطعــة أرحيا ،جلبايــة العُ ْشـر .هــو إنســان مرمــوق املنزلــةَ ، حــدةّ .
ـين كب ــري .ك ـ ّـل منهم ــا يتب ـ ّـوأ منص ــبًا رفي ــع
وفريس ـ ّـي ،ذو اعتب ــار دي ـ ّ
والث ــاين ،نيق ــودميس،ـ ه ــو أح ــد أعي ــان اليه ــودّ ،
ض ـا أنّ ــه على ش ــيء من االقت ــدار .وك ـ ّـل منهم ــا يس ــعى إىل رؤي ــة املس ــتوى ،بالنس ــبة إىل بيئت ــه ،وجمتمع ــه ،ويب ــدو أي ً
ص ـة ،ال ــيت ينتمي إليه ــا .م ــا من عاه ــة يش ــكوان منه ــا ،دفعتهم ــا إىل يس ــوع ،انطالقً ــا من َو َس ـطه ،ومن دائرت ــه اخلا ّ
مالقــاة يســوع .ومــا من غايــة حم ّددة ،سـرّي هتما إليــه .خالصــا الطويّــة ،وصــادقا املقصــد ،وســليما املبتغى .ومــع هــذا،
األول ،ز ّـكـا ،هــو ،يف نظــر ـاعي ،كمــا قلنــاّ .يقــف الواحــد منهمــا مناوئًــا لآلخــر ،على مــا مها عليــه من شــبه اجتمـ ّ
نيقودميس وأشباهه ،خماتل ،وفاسد ،وخاطئ .ونيقودميس ،يف عييَن ز ّكـا ،مصـدر ربح كبـري ،جتب مالحقتـه ،لئال
يغش ،يف احتســاب العُ ْشـر ،مـ ّد ٍع يف تديّنــه ،صــلف .لقــد انطلــق ،كـ ّـل منهمــا ،على حــدة ،وعلى طريقتــه ،صــوب ّ
6
يسوع .فوجدا هلما ،عنده ،ملقى وترحيبًا .
يف هذه املق ّدمة ،أريد أن أتوقّف بكم ،عند الصعوبات ،اليت كانت حتول دون لقاء ز ّـكـا بيســوع .قلنــا إنّــه
تقديرا ،أو ماالً ،أو أن ينــال منــه نعمــة .ولكنّــه ،مل يكن ال يشكو من عاهة ،وليس يف نيّته أن يكسب من يسوع ً
الدنو منه ،بل حىّت مشاهدته .دعونا َنر ،إ ًذا ،ما الذي كان يقـف حـائالً ،يف وجـه ز ّكـا ،مـع مـا لديـه من يستطيع ّ
جاه ،من أن يشاهد يسوع! ٍ
5أزاحت أعمال التنقيب ،اليت أجريت على املوقـع ،حنو منتصـف القـرن العشـرين ،السـتار عن ثالث مراحـل ،م ّـرت هبا مدينـة أرحيا :العريقـة ،والقدمية،
واحلديث ــة.ـ ترج ــع املرحل ــة األوىل ،يف الق ــدم ،إىل األل ــف الســابع ق.م ،ومتت ـ ّد ن ــزوالً حىّت دخ ــول يش ــوع املنطق ــة ،حــوايل الق ــرن الثــاين عش ــر ق.مّ ..أمــا
امليالدي
ّ املرحلــة الثانيــة ،فتــرتاوح ،بني هــذه احلقبــة ،وتــدمري أورشــليم،ـ العــام 70ب.م .عــرفت أرحيا مرحلــة قصــرية ثالثــة ،امت ـ ّدت ،منــذ أواخــر القــرن
ـادي ،نــاجم عن التحــديثـ العمــراينّ، األول ،حىّت احلقبــة البيزنطيــة ،يف القــرن الرابــع .عنــدما مـ ّـر يســوع بأرحيا ،كــانت املدينــة تشــهد على ازدهــار اقتصـ ّ ّ
ـباها هلا ،لــدى
ً ـشأ جند ـيتـل ا ت،ّالالفي ـك ـلت ـدى ـح إ ـوىـس ـره،
ـ كذ على ـةـيالروا ـأيتـت ـذيـلا ـا،
ك
ـ ّ ز "بيت" ـا
ـ م و ـه.ـمحك ة د
ّ ـ م ـري،ـبالك ـريودس ـه أجنزه ـذي الـ
النهضة العمرانيّة ،ببلد.
اهتمامـا بـدعوة يسـوع،
ً الفريس ّـي الوحيـد ،الـذي أبـدى ال ز ّكا ّأول ع ّشـار ،ينض ّـم إىل حظـرية اخلراف ،إذ سـبقه مىّت إىل اتّبـاع يسـوع؛ وال نيقـودميس ّ
6
ما دام مجلئيلـ (أع )33 :5صرف احملفل عن إحلاق األذى بالرسل.
43
ال غــرو أ ّن وظيفــة ز ّـكـا ،كــرئيس على الع ّشـارين ،يف مدينــة أرحيا ،املزدهــرة جتاريًّا ،منــذ أن أعــاد هــريودس
الكبــري تــرميم أبنيتهــا ،وســورها ،وشــيّد قصـ ًـرا لــه فيهــا ،حــالت دون قدرتــه على مواكبــة يســوع ،مــع أنــاس ،من
يــدري كم ابـ ّـتزهم رجالــه ،وكم أرهقــوا كــاهلهم ،باحتســاب العُ ْشـر .فــإ ّن وظيفتــه ،من جهــة ،ومنصــبه كــرئيس،
من جهة مقابلة ،ش ّكال عائ ًقا رئيسيًّا ،أمام طفــرة نفســه فيــه ،ألن يــرى يســوع ،عن كثب .يف كثــري من األحيـان،
وعن ــد كث ــريين من األش ــخاص ،ت ــرى ال ــذين حيتلّ ــون مواق ــع عالي ــة الرفع ــة ،ومناص ــب ،بعي ــدين عن االحتف ــاالت
مدعوين ،وإاّل منتصبني ،يف الصـفوف األماميّـة .هم أتبـاع ليسـوع ،حبسـب الظـرف ّ الشعبيّة .إهّن م ال يرتادوهنا إاّل
واحلالة.
مانعا ،أمــام رغبتـه يف بلـوغ يسـوع .من جهـة ،رفعـة ولكن قصر القامة عائق آخر ،بالنسبة إىل ز ّكا ،يقف ً ّ
خلقي ،ال حــول لصــاحبه على تبديلــه .وبــدل أن شــأن الوظيفــة ،واقتــدار؛ ومن جهــة مقابلــة ،قصــر قامــة ،وعجــز ّ
الطبيعي ،انكفـأ ز ّكـا مرتـدًّا ،وخائبًـا ،إىل الـوراء ،من غـري أن تأتيـه منزلتـه مبنفعـة.
ّ يشفع املركز واملنصب بالقصور
ومل جيد هذا الرئيس بُدًّا ،حني ٍإذ ،من تسلّق شجرة ،لكي يغيث حدود الطبيعة ،ويسعف إنعام املنصب.
ـدنو
ومَنعَه من الـ ّحاجزا ،أمــام ز ّـكـاَ ،
أخريا ،أن خيفى علينا ازدحام الناس ،كعائق ثالث ،وقف ً وال ينبغيً ،
إىل يسوعَ .من كان قصري القامة ،ال ميكنـه أن ينخـرط ،يف غمـرة الزحـام ،وهـو يبغي أن يــرى أحـد األعيــان .وال
تنفعه مرتبته ،كذلك ،بشيء ،يف ذلك احلني .عندما يكـثر الزحـام ،الك ّـل سواسـيةّ .أمـا َمن يريـد املكـوث ،بقـرب
يتوسط الزحام ،فعليـه خبطّـة ،يفـّـرغ نفســه مبوجبهــا من غطرسـتها ،وجيد لــه مــرتقى ،مي ّكنــه من أن يُط ّـل على الذي ّ
مير ،وسط أناس كثريين ،خيفرونه.ـ يسوع ،وهو ّ
.1اإلعاقات الثالث
حت ّدثنا ،يف املق ّدم ــة ،عن ثالث إعاق ــات ،ص ــرفت ز ّكــا ،فعالً ،عن الوص ــول إىل يس ــوع .فتم ّكن من ت ــدبّر
صـر القامـة ،واالزدحـام ،شـ ّكلوا ِ
أمره ،من أجل مشاهدته ،مستنبطًا طريقة لــه ،لبلـوغ مأربــه .قلنـا إ ّن املنصـب،ـ وق َ
ـاجزا دون ــه ،أبع ــدوه عن يس ــوع .7غ ــري أنّن ــا ن ــرى أ ّن ه ــذه اإلعاقــات الثالث ،تشــتمل ،يف ال ــوقت نفس ــه ،على
حـ ً
كل إعاقة تصيب وخلُقه ،حبيث إ ّن ّارتكاسات ،حنو داخل اإلنسان ،على ارتداد مباشر على مناقبه ،واستعدادهُ ،
وتؤدي ،بالفعل نفسه ،إىل إحداث خلل جسيم ،يف مواقف املرء. جانبًا نفسيًّا ،بضررّ ،
للتنصل من واجب .تعمل اإلرادة ،من خالل هذه املنافذ الثالثةّ ،إما
حبجة،ـ ّ
والتذرع بعجز ،والتمنّع ّ
ّ تدل هذه العوائق الثالثة على االغرتار مبنصب،
ّ 7
داخلي ،ومطاوعة اجلسد ،ومواءمة الظروف.
ّ وإما انصرافًا ،فتستند إىل وازع
إقباالًّ ،
44
ســواء أجاءهــا من األفكــار ،واألحاســيس ،أم من األلقــاب ،واملراتب ،والتبجيــل .هــذه طبيعتهــا؛ إهّن ا طبيعــة ه ّشـة،
هتز كيـان اإلنسـان؛ ونظــرة ،أحيانًــا ،جتعلـه يثــورّ ،إمــا للغضـب، وسـريعة التـأثّر ،وميّالـة إىل االنبهـار .كلمـة واحـدة ّ
وإمــا للحماس ــةَ .و ْع ـ ٌد ،أو ُح ْل ٌم ،وحىّت فك ــرة ،وعالق ــة جدي ــدة ،م ــا أن ت ــراوده ،حىّت ال يق ــوى بع ـ ُـد على الن ــوم،
ّ
طوال الليل ،وهو يعلّل النفس .فما قولك مبنصب؟
ـطراب بركــاينّ ،هــو ِ
ـيعا ،يُصــيب َس ـجيَّتَه اضـ ٌ عنــدما يتبـ ّـوأ إنســا ٌن مــا منصــبًا ،مهمــا كــان هــذا املنصــب وضـ ً
ويتأملون منه اإلجنازات ،من جهة ،وعن عدم حتركاتهّ ، يرتصدون سياسته ،ويراقبون ّ كناية عن خوف من الذين ّ
ـرتج كيانــه،
مبهمتــه ،من جهــة مقابلــة .يـ ّثقــة بالــذات ،لنقص يف الدرايــة ،والدربــة ،إذ خيشــى من اإلخالل الفــادح ّ
ـرب اإللــه إيفــاده،ـ مبعوثًــا إىل فرعــون
بســبب التــأرجح ،بني الفشــل والنجــاح ،كمــا حصــل ملوســى ،عنــدما أراد الـ ّ
8
كل حال ،إذ إ ّن يشوع بن نون ،خادمه،ـ اختـرب ّ على وحده، ملوسى ال ولكن، ؛ (خر :3ـ 11؛ـ :4ـ ،10ـ )13
أيضا (يش :7ـ .)7-6وها هـوذا صــاحبنا ،ز ّـكـا ،يتبـ ّـوأ مرك ًـزا مرموقًــا ،رئي ًسـا على الع ّشـارين ،فيعـرتف، اخلوف ً
ـريد أضــعاف مــا ظلم بـه إنســانًا مــا ،خالل فـرتة تسـلّمه املنصــب. على مســمع اجلميـع ،بأنّـه على أهبـة االسـتعداد ،ل ّ
بتعسف؟ يتبوأ منصبًا ،كجور غاشم؟ ماذا يطرأ عليه ،حىّت إنّه يسلك ّ فما تُرى يفعله اإلنسان ،الذي ّ
اإلجنيلي اجلواب عن هــذا الســؤال ،يف املقطــع :18ـ ،34-23إذ يتطـ ّـرق إىل تشــبيه ،أعطــاه ّ يقـ ّدم لنــا مىّت
عبد َمدين بعشــرة آالف وزنـة لسـيّده .فــإذ ربنا يسوع بطرس ،خبصوص ملكوت السماوات ،وروى له فيه قصة ٍ
ّ ّ
العبد سـيّ َده أالّ يبطش بـه ،وبعائلتـه ،لتقصـريه عن إيفـاء دينـه ،رمحه سـيّده ،وأمهلـه ،فـرتة من الـوقت .فخـرج رجا ُ
ـوجب ـؤدي لـه مـا يت ّ عبدا آخـر ،رفي ًقــا لـه .فأخــذ خبناقـه ،لكي ي ّيديه ،ووجد ً العبد ،الذي رئف به سيّده ،من بني َ
زج بــه ،يف
ـراخ زميلــه العبــد أذنًــا صــاغية ،حىّت انتهى بــه األمــر بــأن ّ
عليــه .وقــد ظـ ّـل على حالــه هــذه ،ال يعــري صـ َ
السجن ،من دون شفقة .هذا ما حيدث ،باحلقيقة ،لذلك اإلنسان ،الذي ،إذا مـا تبـ ّـوأ منصــبًا رفيــع الشـأن ،ينسـى
حالــه السـابقة ،ويشـرع يسـتب ّد ،بال رمحة ،وال رأفـة ،برقـاب النــاس .يتجرّب ،ويق ّسـي قلبـه ،ويص ّـم أذنَيـه ،ويبطش،
مغل ًقا دونه باب الرمحة ،ويستنزف األناس اآلخرين ،حىّت آخر رمق هلم ،غري آبه مبصائرهم ،ومصائبهم.
9
ـرت اإلنســان ،مــا أن يتسـلّم منصــبًا مرموقًا .يغـ ّـره أمــران :الســلطة ،واملال .حتتــاج الســلطة إىل املال ،حىّت يغـ ّ
متارس النفوذ ،وتبلغ إىل أهدافها ،وتـدير دفّـة اإلدارة ،حسـب تطلّعاهتا .وحيتـاج املال ،باملقابـل ،إىل السـلطة ،حىّت
أرباحـا طائلــة ،ويو ّس ـع ميــادين اســتثماراته ،وحيصــل على دعم نافــذ لــه .تقيّض الســلطة للقــابض بزمامهــا أن جيين ًـ
يتس ـلّط على رقــاب النــاس ،ويُطــاع ،بفضــل املال ،الــذي يك ّدســه ،وأن ختشــاه اجلمــاهري ،وتــوقّره ،وتتحـ ّـزب لــه،
ومتوت ،من أجلــه ،وتص ـ ّفق لــه ،كيفمــا اجّت ه ،ومهمــا قــال ،بــل أن تنــدفع كالســيل اجلارف ،إلشــارة منــه ،عنــدما
حبجة الرعونة ،اليت سوف يلقاهـا ،عنـد أبنـاء إسـرائيل ـ ـ ـ االهّت ام ـ ـ ـ (
يتذرع موسىّ ،أول األمر ،بالتظاهر جبهله مرسلَه ـ ـ ـ االغرتار ـ ـ ـ (خر :3ـ )13؛ مثّّ ،ّ
8
ـرب اإللـهاملهمـة،ـ الـيت كـان ال ّ صـل من ّ اجلسدي ـ ـ ـ (:4ـ .)10هذا كلّه ،لكي يتن ّ
ّ حبجة عجزه عن اخلطابة ،أمام الناس ـ ـ ـ العجز:4ـ )1؛ مثّ ،بعد ذلكّ ،
مزمعا أن يكلّفه هبا.
ً
9خياطب ك ــاتب ســفر احلكمــة ( :6ـ )11-1امللــوك ،ويســأهلمـ أن "يس معوا ،ويفهم وا" ،والقض ــاة أن "يتعلّم وا" ،واملتس ـلّطني على رق ــاب الرعيّ ــة أن
كل اآلخرين. يتبوأ منصبًا يغفل ،عادة ،عن مالزمة مثل هذه األفعال ،لش ّدة اغرتاره ،فيما يلتمسها ،عند ّ "يصغوا" .ذلك أ ّن الذي ّ
45
يتع ـ ّـرض منص ــبه خلدش ،أو انتق ــاد .حيف ــل الت ــاريخ ،الق ــدمي واحلديث ،يف الش ــرق ،ويف الغ ــرب ،على ح ـ ٍّـد س ــواء،
ص ـا ،ين ــدى اجلبني لس ــماعها .فمن أج ــل احملافظ ــة على بأمثل ــة على ه ــذا الواق ــع ،ال ــذي خلّ ــف ،غالبً ــا ،وراءه ،قص ً
ودس الرشــوات ،إىل غــري ذلــك الكثــري احملرمــات،ـ وحياكــة املؤامرات ،وعقــد الصــفقات،ـ ّ املنصــب ،جتري اســتباحة ّ
تشمئز النفس من ذكرها ،واليت تع ّفــر اجلبني ،يف الــرتاب، ّ من املكايد ،والدسائس ،ومن القبائح ،واملن َكرات ،اليت
لبشاعتها ،حىّت إ ّن املرء ينذهل من معرفة ما يقف على حقيقته ،ويتطارح السؤال هل هذا جيري ،حقًّا ،على يــد
اإلنسان ،الذي خرج من بني َيدي اخلالق!
ـردا ،ال يلفت االنتبــاه إليــه!
موقعا مرموقًا ،يف اجملتمــع ،ومشــى ،بني النــاس ،منفـ ً احتل ًشخصاّ ، ً يندر أن جتد
بالتصرف مع اآلخرين ،من خالل مالحمه الفاقدة النسمة ،الــيت ّ وكأيّن باملنصب ينحت لإلنسان متثاالً ،يأخذ هذا
وضعها الفنّان فيه .يص ّدق صاحب املنصب الكذبة ،الـيت رمسها لنفسـه ،ويعمـل مبوجبهـا ،على أهّن ا احلقيقـة .كـان
اجلمـيزة ،ملعاينــة يســوع .وتنــازل عنز ّـكـا ذا منصــب ،وذا مــال وفــري .لكنّــه أعــرض عن امتيــاز منصــبه ،مل ـا تسـلّق ّـ
ّ
ـف ،من خالل هــذا التجـ ّـرد املزدوج، ّ ـش نست أن ص ـة كبــرية من أموالــه ،مل ـا أضــافه ،عنــده ،يف املنزل .رمّب ا ،علينــا
حّ
ّ
ضـة .عـاد إىل نفسـه، استعادة ز ّكا مكانته" ،كـابن إلبـراهيم" ،بعـد أن رمى صـورته املصـطنعة ،وانعتـق من حمبّـة الف ّ
وانتهى من االحتيال على اخللق أمجعني ،وعلى اهلل.
10
صـن هــذا نف َسـه من تبعــات الرفعــة .وقــد رأينــا كيــف صــار العبــد ـب صــورةَ اإلنســان ،إذا مل يَ ُ يشـ ّـوه املنصـ ُ
عبدا آخر. يدي سيّده ،حبسب إجنيل مىّت ،عاتيًا ،ومستبدًّا ،عندما شرع يطالب مباله ،الذي أقرضه ً املتذلّل ،بني َ
طبيعي من الخير
ّ ب .نفور
11
ب ز ّكــا ،ك ــرئيس على ُ ـ ص
َ ن
ْ م
َ ـانـ ك ـدـ قل ـوع.ـ س ي عن ـانـ س اإلن ـد ـ عتب ، يش ـ ّكل النف ــور من اخلري ثــاين إعاقة
الع ّشـارين ،حيول دون قدرتــه على االختالط بــاجلمع احملتشــد ،ومن مثّ ،دون البلــوغ إىل يســوع .كــان هــذا عجـ ًـزا
ولكن عقبة ثانية اعرتضت طريق ز ّكا ،الراغب يف مشاهدة يســوع ،إذ كـان ال حــول لــه ،وال طــول ،مهمــا ّأولّ .
صُر قامته حائالً ثانيًــا لــه ،عالوة ِ
شاء ،ليدنو إىل مسافة قريبة ،يعانق فيها ناظراه طيف يسوع ،وهو يعرب .ش ّكل ق َ
وامتشق قامتَه ،لينتصب واق ًفا على أصابع قدميــه ،لن َ ت عُُن ُقه،األول .فهو ،لقصر قامته ،مهما اشرأبَّ ْ على العائق ّ
"طبيعي" ،مالزم له باخللقـة .وال يقـوى ز ّكـا على إحـداث تغيــري فيــه .تنفـر ّ يستطيع أن يرشق يسوع بنظرة .األمر
مر التـاريخ ،واحلضـارات ،مبنصـب ،قائلـة: بشري ،على ّ وحواء ،أي صورة اإلنسان ،اليت ُو ِج َد عليها ُّ
كل كائن الشر ،آدم ّوعدت احليّة ،وهي رمز ّ
10
ّ
وحواء ـ ـ ـ تتــأرجح ،بني أن تقيم يف
التعليم أ ّن اخلليقة ـ ـ آدم ّ
ُ " ...وتصيران كآلهة( " ...تك :3ـ .)5فص ّدق اإلنسان خداع احليّة ،وانقاد له .يعين هذا
الشر ،هو منصب "أن تصري إهلًا". ِ
ت فيه ،هو منصب "الصورة ،والمثال" اإلهليَّني ،وأن ترغب يف منصب خ ّداع ،يعرضه عليها ّ منصبُ ،جعلَ ْ
ـان ،يرتكبــه اجلنس 11بعــد اخلطيئــة األوىل ،خطيئــة اجلنس البشــري ،املتمثّلــة بابتغــاء املنصــب األمسى ،بني اخلالئــق مجيعــا ،يــأيت الكتــاب على ذكــر إمث ثـ ٍ
ً ّ
يتصوره قلبه من أفكار،ّ ما كل
ّ ن
ّ وأ األرض، على ر كث
ُ قد اإلنسان شر
ّ نّ أ الرب
ّ ورأى " ـول: ـق ي إذ )، 5 ـ : ـوح (تــك 6
ـرب نـ ٍ
معــا ،عنــدما يــروي خـ َ
البشري ً
ّ
الفطري ،الذي يف اإلنسان ،من ابتغاء اخلري. ّ النفور أي ا،ًثاني الغوى، خطيئة مث ـ
،
ً ًّ ّ ال أو ا، ذ إ االغرتار، خطيئة هناك ". يومه طوال ، شر
إنّما هو ّ
46
ـك أ ّن إنس ــانًا آخ ــر غ ــريه ك ــان ع ــزف
ـورا من غايت ــه ،الســتحالة اســتجابتها هلا .ال ش ـ ّ نزعت ــه إىل معاين ــة يس ــوع نف ـ ً
عزوفًا عن مقصده.
ص ـر قامــة ِ
ـربر ،أو مستســاغ .ال يعــين ،بتعــابري أخــرى،ـ أ ّن ق َ ـبيعي" من اخلري أنّــه نفــور مـ َّ
ال يعــين "النفــور الطـ ّ
ـبيعي" يتّصـل مبا هـو من شـأن ِ ٍ
ز ّكا عُ ْذر كـاف ،حىّت َي ْعـدل هـذا عن غايتـه ،وهي أن يـرى يسـوع .فـإ ّن مـا هـو "ط ّ
وأم ٌـر آخــر ،كلّيًّا ،وخمتلــف ،أن يكــون الشــيء َم ْرض ـيًّا عنــه.الطبيعــة ،واجلبلــة ،واملوروث؛ بيــد أ ّن هــذا كلّــه أمــرْ ،ـ
ـبيعي" ،يف اجلبل ــة البش ــريّة؛ ولكنّ ــه ليس ،ألج ــل ه ــذا ،يُْرض ــى عن ــه .ومثل ــه االحتي ــال، ضـ ـا ،عيب "ط ـ ّ الك ــذب ،أي ً
ضـا ،يف سـليقة اجلِْبلـة ،غـري أنّـه ال أحــد يقبــل أن يقـع منحى بغي ً َد ً والغرور،ـ واملمانعة ،واملخالفة ،وغـري ذلـك ممّــا يُع ُّ
ضحيّة هلذه املساوئ.
ص ـر القامــة خيتلــف ،بطبيعتــه ،عن ســائر النقــائص ،الــيت ِ
رمّب ا ،يعــرتض أحــدهم على قولنــا هــذا ،ويــزعم أ ّن ق َ
ـورا ِ
ـمي ،ال ميكن اعتب ــاره نف ـ ً
صـ ـر ه ــو نقص جس ـ ّ صـ ـنَّف عيوبً ــا "طبيعيّ ــة" مناقبيّ ــة ،بينم ــا الق َ
ذكره ــا ،وال ــيت تُ َ
تَق ـ ّدم ُ
"طبيعيًّا" ،طاملا ال يشــتمل على إرادة تقـ ّـرر ،وال على إضــمار يتسـرّت .ال بــأس! علينــا أن نضــيف ،إ ًذا ،أنّــه كمــا ال
عامــة الن ــاس ،وحتت ــاج إىل ب ــذل اإلنس ــان جه ـ ًـدا للتغلّب
حتس ــن رذائ ــل اإلرادة واإلض ــمار املبيَّت ،يف العني ،ل ــدى ّ
ـبيعي" هـذا ،إذا أراد ِ
صـه "الط ّ ـتزود بطاقـة جهـد ،ليتجـاوز نق َ ضـا ،حيتـاج صـاحبه إىل ال ّ صر القامة ،أي ً عليها ،هكذا ق َ
نفورهــا ِ ـال" .12إن مل ي ِ أن يبلــغ إىل غــرض "عـ ٍ
ـور الطبيعــة من يســوع ،اخلري األمسى ،ســواء أكــان ُ صـل ِح اإلنســا ُن نفـ َ ُْ
يؤديها.
ومعاندا للشهادة ،اليت ينبغي عليه أن ّ ً عدوا لتعاليمه ،ومتع ّديًا ملنهجه، هذا جسديًّا ،أم أدبيًّا ،انقلب ًّ
صـُر قامتــه دون اقرتابــه من يســوع ،بســبب االزدحــام .مل يتم ّكن من لقــد كــان ز ّـكـا قصــري القامــة .وحـ َ ِ
ـال ق َ
ـبيعي ،فيــه ،مبقصــداالخنراط ،يف وســط اجلمــوع ،فوقــف يــرقب مــروره ،عن بعــد .لقــد تغلّب ز ّـكـا على مــا هــو طـ ّ
َد بنيّــة ســليمة ،لرؤيــة يســوع .فالطبيعــة مل تســعفه ،إذًا ،بــل الطويّــة؛ ال حســن ،ومل يستســلم ،ومل يتقــاعس ،بــل ج َّ
اجلميز .نذكر بل ،كانت الطبيعة عائ ًقا ،يف طريق بلوغه إىل يسوع ،وأزال ز ّكا هذا العائق ،عندما اعتلى شجرة ّ
كلّنا عقبة موسى "الطبيعيّة" ،إذ إنّه كان " ثقيل الفم ،وثقيل اللسان" (خر )10 :4؛ ومع ذلك ،اختاره اهلل ،لكي
يكون رسوله
املصــطفى .وأوفــده إىل فرعــون ،وجعــل هــرون ،أخــاه ،حــال لســانه ،مــزيالً بــذلك عقبــة الطبيعــة ،ملا ملســه فيــه من
ـبيعي ،لــدى ك ّـل دائمـا ،نفــور ط ّ
حسن الطينة .فاستطاع موسى أن خيلّص الشعب من العبوديّة للمصريّني .هناكً ،ـ
ـبيعي .إذا ملخليقــة من اخلالئــق ،جتاه اخلري ،حىّت لكأنّنــا خنال أ ّن اخلليقــة جتايف اخلري ،بســبب مــا فيهــا من نفــور طـ ّ
دمــا (:9ـ ،)22-20والكنعانيّــة،ـ الــيت جــاءت يســوع بابنتهــا ،تطلب منــه أن يشــفيها ( :15ـ -21 هكــذا األبــرص (مىّت :8ـ ،)4-1واملرأة النازفــة ً
12
جيرون اخلطى ،حتت ثقـل أعبـائهم ،)28ورجل رجاه ،من أجـل ابنـه ،املصـاب بالصـرع (:17ـ ،)21-14وغـريهم آخـرون ،محلـوا عاهـاهتم ،ودنـواّ ،
خريا ،يصـيبونه .باملقابـل ،هنـاك ،يف اإلجنيـل،ـ خـرب أشـخاص آخـرين ،معـرتين بـأمراض "طبيعيّـة" ،أقعـدهتم املرهقة ،يبتغون يسوع ،علّهم جيدون ،عندهً ،
ـال ه ــذا
ص ـا .محل رج ـ ٌ
عن رغبتهم بالوص ــول إىل يس ــوع ،ن ــذكر منهم مقع ــد أورش ــليم (ي ــو :5ـ ـ ،)9-1ومقع ــد كفرن ــاحوم (مىّت :9ـ ،)8-1خصو ً
األول قال ليسوع" :ليس لي ...من يلقيني ،في البركة( "...يــو :5ـ .)7حني ذاك ،عــرض لكن ّالطبيعي ،بفضلهم.ـ ّ
ّ األخري ،فأمكنه أن يتجاوز عجزه
َ
يسوع عليه الشفاء ،وهو أمر فريد ،بني معجزات الشفاء كلّها ،اليت أجراها.
47
يكن اجلســد مبعث النفــور ،كمــا هي احلال ،مثالً ،عنــد شــاول ،الفــارع القامــةّ ،أول ملــوك بــين إســرائيل ،تنــربي
أيضا.13
اجلماعيً ،
ّ الفردي فقط ،بل على املستوى ّ للمهمة ،فتمارس عنادها ،ال على املستوى
السليقة ّ
ج .اآلخرون
ّأمــا اإلعاقــة األخــرية ،الــيت تعــرتض البلــوغ إىل يســوع ،فتتــألّف من اآلخــرين ،الـذين يتو ّسـطون الطريــق ،بني
ز ّـكـا ويســوع ،فيعيقــون ،بطريقــة ،أم بــأخرى ،البلــوغ إليــه .كثــريون هم ،باحلقيقــة ،الــذين يريــدون الســري ،خلــف
ض ـا ،الــذين يريــدون أن يقفــوا متحمســني .وكثــريون هم ،أي ً
يســوع ،والــذين يتــدافعون حقًّا ،وراءه ،ويهتفــون لــه ّ
وتفان .بيد أ ّن االخنراط يف صفوفهم ،والسري معهم ،وإبداء احلماسة ،على حياهتم على خدمة تعاليمه ،بإخالص ٍ
غــرارهم ،ال خيلــو ،بــالطبع ،من تــدافع .يتق ـ ّدم البعض على البعض ،يف أثنــاء املواكبــة ،عنــوة .ويضــيّق البعض على
البعض ،كــذلك ،اخلطــو واملســعى .14منهم من يريــد املواكبــة ،وإمّن ا باهلتــاف ،والتلــويح؛ ومنهم آخــرون ،يريــدون
أيضا ،وإمّن ا بوقار وإجالل؛ ومنهم يريدون التق ّدم ،ولكنّهم يعرقلون غريهم. املواكبة ً
ومبوجز الكالم ،يســري كثــريون ،خلــف يســوع ،كـ ّـل واحــد منهم ،على منط،ـ وكـ ّـل واحــد منهم ،مبوجب
ـاص .وكث ــريون آخ ــرون غ ــريهم يلزم ــون ج ــوانب الطرق ــات ،تغلي احلميّ ــة نفس ــها يف ع ــروقهم ،ملرافق ــة داف ــع خ ـ ّ
ـود ل ــه .مثّ آخ ــرون
ض ـا يقلع ــون عن املش ــي ،يف وس ــط اجلماع ــة ،وهم يكنّ ــون ال ـ ّ
يس ــوع ،وه ــو يس ــري .وآخ ــرون أي ً
مير فيهــا يســوع ،بــالقرب منهم ،علّهم يُـْـر ُوون فضــوهلم .ال هــذا فقــط ،بــل إ ّن
ينتظــرون ،مثــل ز ّـكـا ،اللحظــة ،الــيت ّ
ضـا ،بعــد أن جيتــازوا نصــيبًا من الــدرب ،التقــاعس ،واالرفضــاض عن ضـلون أي ًضـا من الــذين يشــيّعون يســوع يف ّ بع ً
اجلمع ،من جرى الغوغاء ،اليت حيدثها فريق من احملت ّفني بيسوع.
.2إزالة اإلعاقات
ومتنوعـة اإلنســان ،فتمنعـه من اللحـاق بيســوع ،على حنو مـا يشـتهي ،وعن الســري تَف ِ
ـعوبات عديـدة ّصـل صـ ٌ
معــه،ـ على الطريــق ،واالســتمرار ،يف مواكبته .15خيتــار اإلنســان لــه مــا يريــد أن يكــون ،يف هــذه الــدنيا؛ ولكنّــه ،ال
ميكنه أن حي ّدد هو نفسه كيف يكون شكله ،وطبعه ،واستعداده ،حىت إذا اختار ما يريــد ،ينهض بــه ،من غــري أن
ـلوك
ـراده ،وهــو يف هــذه الــدنيا .وال ميكنــه ،كــذلك ـ ـ ـ ـ بــل كم بــاألحرى يعجــز عن ـ ـ ـ ـ أن حي ّدد سـ َ
تعانــد طبيعتُــه مـ َ
13أراد موســى ،قــدميًا ،أن خيلّص الشــعب من حكم فرعــون ،فالقى مقاومــة شرســة لــه ،عنــدما ســار بــه إىل ســيناء .وغــار إيليّــا غــرية ليهــوه ،فأضــحى
األمـة اليهوديّـة عليـه بالقتـل .وحـاول بـولس كسـب اليهـود ،مثّ األمم، ويكمـل اإلميان ،فحكم رؤسـاء ّ ويقوم العبـادةّ ، مالح ًقا .أتى يسوع يصنع رمحةّ ، َ
لكل من ينتصــب ،من بني صــفوفها ،مناديًـا بــاخلري .ولكن ،ال غـىن ً ّ ة معادي ٍ
كجنس ةالبشري
ّ تبدو عليه. اجلماعات بانقالب فاصطدم اجلديد، اإلميان إىل
مناد به ،وسط اجلماعة البشريّة ،لئالّ يزعم الذي يلقى مقاومة أنّه على صواب ،وأ ّن اجلماعة أعاقت سبيله. عن تفحص عالمات اخلري ،لدى كل ٍ
ّ ّ
ـدس "دخالء ،إخ وةوقص عليهمـ كيــف انـ ّ حســبُنا أن نــذ ّكر حبادثتَني ،ذكرمها الق ـ ّديس بــولس ،يف رســائله :األوىل ،حينمــا كتب إىل أهــل غالطيــة،ـ ّ
14
وجـه خطابًــا إىل أهــل فيليّب ،كتب هلم فيــه "أ ّن فئة منهم ]اإلخوة[ يكرزون بالمسيح ،بروح الحسد كذبة ،...في ما بيننا" (:2ـ )4؛ والثانيــة ،حينمــا ّـ
يبشرون به.
علما أ ّن بولس وأولئك ،الذين يأيت على ذكرهم ،تبعوا املسيح ،وانطلقوا ّ والخصام ً ،)15 :1( "...
15را لو 62-57 :9؛ يو ،66 :6وما إىل ذلك.
48
اآلخرين معه ،لـدى هنوضـه مبا يق ّـرر أن يعملـه .قـد نسـلّم ،بطيبـة خـاطر ،بـأن يكـون ز ّكـا قـد اختـار ،مبلء إرادتـه،
صـر ِ
وظيفتَه ،كــرئيس على الع ّشـارين .غــري أنّنــا ال نسـلّم أبـ ًـدا بــأن يكــون قــد اختــار ،مبحض إرادتــه ،هــو نفســه ،ق َ
قامتـ ــه ،أو الطريـ ـ َـق ،الـ ــيت سـ ــلكها يسـ ــوع ،وال األشـ ــخاص ،الـ ــذين خرجـ ــوا إىل الطريـ ــق ،للـ ــرتحيب ب ــه .كم من
االســتحالة يف أن نتصـ ّـور بأنّــه هــو الــذي نظّم مــوكب يســوع ،املرافـ َـق لــه؟! هنــاك أمــور ،ترتبــط ارتباطًــا مباشـ ًـرا
باخلليقــة ،ألهّن ا تُعتَرَب جــزءًا رئيس ـيًّا من تصـ ّـرفها ،يف كياهنا ،ومرف ًقــا حياتيًّا ،تتميّــز بــه كخليقــة بشــريّة ،وواســطةً،
توفّر هلا صفة قدسيّة ،من صفات األلوهة ،هي صفة السيادة على املربوءات ،وعلى الكون الفسيح .تدير اخلليقــة
حد مـا ،وتتكيّـف مـع الظــروف ،من أجـل االسـتمرار ،يف السـيادة عليهــا ،كخليقـة هذه األمور ،وتتح ّكم هبا ،إىل ٍّ
ـورا أخـرى ،باملقابـل ،ال تتعلّـق باخلليقـة ،وال ولكن هنـاك أمـ ً
نفسه ،وسـط العــامل املربوءّ . خليفة ،قد استخلفها اهلل ُ
ـيب ،وحتمـل إليهـا رسـالة ،لكي ِ
تقرر فيها .حت ّد هذه األمور حركة اخلليقـة ،وتـذ ّكرها بـدورها النس ّ قبَل للخليقة أن ّ
تؤديها ،على حسب ما ينبغي عليها. ّ
صـر فيـه ،عنـد معاجلتنـا اإلعاقـات ،الـيت حتول دون تق ّـرب اخلليقـة ،من خالقهـا، هذا مـا سـوف حناول أن نتب ّ
واليت تعرقل قيامها بأداء الدور ،املوكل به إليها.
أ .الحكمة
ـريا من ق ــال أفالط ــون إ ّن احلكم ــة هي الفهم الص ــائب .ليس احلكيم ،برأي ــه ،الش ــخص ،ال ــذي يع ــرف كث ـ ً
وعملي.
ّ ـيب،
العلــوم؛ وإمّن ا هــو الــذي يــرى قـدرها املناســب .هــذا يعــين أ ّن احلكمـة األفالطونيّـة تقــاس ،على حنو نس ّ
كما ه ــائالً من املع ــارف ،وإمّن ا هي ق ــدر مناس ــب من ه ــذه األخ ــرية ،للوض ــع ال ــراهن ،والظ ــرف ليس ــت احلكم ــة ًّ
الطارئ .هي كناية عن فطنة اإلنسـان إىل مـا جيب العمـل مبوجبـه ،ضـمن دائـرة معيّنـة من احليـاةّ .أمـا كـاتب سـفر
األمثال ( ،)10 :9ومثله صاحب املزمور ،1 :111فنظرا إىل نشأهتا ،وجعال منطلقها ،يف خمافة اهلل.
إذا مـ ــا نظرنـ ــا إىل ز ّـك ــا ،وجـ ــدنا فيـ ــه "حكمـ ــة أفالطونيّـ ــة" ،معمـ ــوالً هبا ،على أحسـ ــن وجـ ــه ،ال "حكم ــة
صـر قامتـه .اتّكـل على ِ
بعيدا .عرف ز ّكا كيف يصل إىل أن حيت ّـل مرك ًـزا مهنيًّا مرموقًـا ،رغم ق َ كتابيّة" ،رمى هباً ،
ـودي،ـ كيمــاـك ،لــدى املتن ّفــذين ،يف اجملتمــع اليهـ ّ
ـودد"،ـ كــذلك ،بال شـ ّ "مهــارات"،ـ أكســبته املنصــب.ـ وجلأ إىل "تـ ّ
ينـتزع رضــاهم عنـه ،ويفــوز بوظيفتـه .انغمس ،بكلّيّتــه ،يف متطلّبــات العمـل ،كمــا جيب على ك ّـل ذي رزق ،على
أرباحــا طائل ــة ،من دون أن يث ــري
ك ـ ّـل ح ــال ،وجنح يف اس ــتدرار التأيي ــد الالزم ل ــه ،حىّت يبقى ،يف موقع ــه،ـ وجيين ً
يومــا ،كم ــا يب ــدو ،من تص ــرحيه ،أم ــام يس ــوع :فه ــو ك ـ ّدس أم ــواالً
ـل ز ّكــا على نفس ــهً ، يبخـ ْ
حفيظ ــة الرؤس ــاء .مل ُ
يؤرق ــه أن جيود بنص ــف ممتلكات ــه! ّأم ــا اعتب ــار اجملتم ــع إيّ ــاه رجالً "خاطئً ــا" ،إذ إنّ ــه رئيس على زم ــرة
كث ــرية .وال ّ
الع ّش ـارين ،فه ــو مس ــألة "دينيّــة" ،داخليّــة .آث ــر ز ّكــا حكم ــة "الع ــامل" األفالطونيّ ــة ،على حكم ــة "أبن ــاء امللك ــوت"
الكتابيّة.
49
طي اإلمهال ،بالنســبة إىل ز ّـكـا! مل حيتـ ّـل اهلل وبتعبــري آخــر ،بقيت "احلكمــة الكتابيّــة" ،املشــار إليهــا ،أعالهّ ،
خيش هــذا الرجــل اهلل ،كمــا يعلّم الكتــاب .مــا إن تنــامى إليــه خــرب يســوع ،أنّــه مزمــع أن موقعــه ،يف حيــاة ز ّـكـا .مل َ
احلارة يف اللقــاء بـه؟مير ،يف أرحيا ،حىّت التهب محاسة ،لرؤيته .أتراهــا احلشــريّة ،محلتـه على إمتام قصـده؟ أم رغبتـه ّ ّ
مهتما برس ــالة ه ــذا الداعي ــة املتج ـ ّـول الدينيّــة ،يف عييَن حميط ــه؟ أو ه ــل أراد أن يتح ّقــق، ه ــل أض ــمر ز ّكــا أن يبــدو ًّ
ـحة مــا يُشــاع عن مــواهب يســوع اخلارقــة؟ كثــرية هي التســاؤالت ،الــيت تطــرح نفســها ،على ذهن بنفســه ،من صـ ّ
القــارئ ،يف موضــوع إقــدام رئيس للع ّش ـارين على ارتيــاد املكــان ،الــذي كــان يســوع مصـ ّـم ًما على أن جيتــاز بــه.
ـتحب ،يف داخلـه ،هـو الـذي ولكن ،مهالً! خلطوة ز ّكا ،يف سائر األحــوال ،مهمـا تكن االحتمــاالت ،صـ ًـدى ،مس ّ
عمـا
ضـى ّـ مكرهـا ،إىل مالقــاة يســوع .ال! ســار ،ويف قــرارة نفســه ر ً قــذف بــه أل ْن يــركب غمارهــا؟ مل يَ ِسـ ْر ز ّـكـا ًـ
ـدم علي ــه موض ـ ًـعا ،وس ــط مش ــاغله ،وس ــائر اهتمامات ــه ،مأنو ًس ـا ،عن ــده، يفعل ــه .س ــار ،وه ــو م ــدرك ،أ ّن ملا ه ــو مق ـ ٌ
ومرغوبًا.
حتركــه رغبــة يف مشــاهدة يســوع .الرغبــة يف مشــاهدة يســوع ضــروريّة ،بــل انــدفع ز ّـكـا ،إ ًذا ،إىل الطريــقّ ،
وممهدة الطريق ،حنو البلوغ إليه .لوال رغبة ز ّكا ،مــا التقى يســوع .وهــذه الرغبـة مل تكن نـزوة ،وال هي أساسيّةّ ،
جمرد أمني ـ ــة س ـ ــطحيّة ،يتخلّى عنه ـ ــا ص ـ ــاحبها ،أم ـ ــام ّأول ص ـ ــعوبة ،ت ـ ــربز ،أمام ـ ــه .ال ،أب ـ ـ ًـدا .ك ـ ــانت رغبـ ــة ز ّـك ــا
ّ
يبخ ْل بتكبيد نفســه مشـ ّقة التسـلّق على شـجرة ،بغيـة حتقيقهـا .ال ،بـل من مستحكمة ،يف نفسه ،إىل درجة أنّه مل ُ
يضحي ز ّكا جبهد صغري ،بعد أن عىّن نفسه مبغادرة منزله ،من أجل أن ين ّفذ رغبته .إ ّن أوىل درجات احلكمة أن ّ
احلكم ــة ،من مثّ ،هي أن يثبّت املرء ،يف نفس ــه ،رغبت ــه مبش ــاهدة يس ــوع ،ع ــرب جه ــد ،يبذل ــه ،يف س ــبيل ذل ــك .من
احلكم ــة ،باحلقيق ــة ،أن يق ـ ّـرر املرء ال ــراغب يف مش ــاهدة يس ــوع اجتن ــاب محاقة ،16فيم ــا ه ــو يُعِـ ـ ّد نفس ــه ،ملالق ــاة
يسوع .وتُرتَ َكب احلماقة ،عندما يتخلّى عن القيام جبهد ،يثبّت به رغبته األوىل ،يف مشاهدة يسوع.
بكل وضوح ،من خالل التدبري احلكيم ،الذي على صعيد آخر ،يربز التواضع خطوة ،أو عالمة ،ظاهرةّ ،
عمد ز ّكا إليه ،لكي حي ّقق رغبته مبشاهدة يسوع .نسي الرجـل النبيــل "مـا" هــو عليــه ،لبعض الــوقت .وتغافـل عن
متطلّبـات العمـل بــه ،وســط احلشـد ،الـذي يسـري ،خلــف يســوع ،ويزمحه .وبسـلوكه هكــذا ،أصـاب الــوطر ،الـذي
صـا ،مييلـون إىل عمومـا ،واملتسـلّطني ،بينهم ،خصو ً جاء ،من أجله ،وفاز مبشاهدة يسوع .ويف احلقيقـة أ ّن النـاسً ،
"من" األشـخاص ،الـذي هـو األسـاس، إعالء هذا الـ "مـا"،ـ الـذي يلتصـق باإلنسـان ،وإىل متجيـده متجي ًـدا ،حىّت إ ّن َ
يُـرمى بـه ،يف اخلفـاء .17يبـين النـاس "مـا" يُ ْعَرفـون بـه ،ويستبسـلون ،من أجـل احلفـاظ عليـه ناص ًـعا ،بـل يسـتميتون،
ض ـا ،من أج ــل أن يت ــألّق ،أك ــثر ف ــأكثر؛ فه ــو ج ــواز س ــفر ،يع ــربون ب ــه احلدود إىل اعتب ــار الب ــاقني ،وإىل حظ ــوة، أي ً
ومعيارا ملنهجها.
ً 16ارتباط احلكمة باجتناب احلماقة هو فلسفة تربويّة – نفسيّة ،تتّخذ من األخالق اجملتمعيّة مبادئ توجيهاهتا،
ِ ِ
هش ،مـا دام حيتـوي على قـوى مشـرذمة ،هي النـوازع .هـذا اجلوهر هـو الـذي متّ جوهرا ،يُظهره "ما" الفـرد ،وإمّن ا جـوهر ّمن الواضح أ ّن "من" الفرد تغدو هكذا ً
17
19راجع أم .22-21 :3وانظر امتداح امللك ُع ِزيّا ،الذي تل ّفظ به ،مغتبطًا بنجاح يهوديت ،يف مسعاها (يه .)20-18 :13
أكب ع ّشـاق ـينّ ، ـرورا بأغسـطينس ،مثّ تومـا األكوي ّـدادا على خمتلـف عصـور الفلسـفة ،م ً ابتداء بفالسـفة اليونـان ،سـقراط ،وأفالطـون ،وأرسـطو ،وامت ً
20
لكن مــا
ـادة ،لــرتويج البضــائعّ . والوعــاظ ،حىّت صـنّاع الــدعايات أدرجوهــا كمـ ّ
احلكمــة على معاجلة موضــوع الســعادة .وحنا حنوهم األدبــاء ،والشــعراءّ ،
املتنوعــة ،بني االنشــراح ،الــذي هــو تعبــري آينّ عن حــادث طــارئ ،والســرور ،الــذي هــو انفعــال نفسـ ّـي ،ميتـ ّد وقتًــا
يهمنــا حنن هــو اإلشــارة إىل الفروقــات ّ
ّ
أطول ،يف الزمن ،والغبطة ،اليت هي حالة سكون ثابتة.
51
الصبي ،فكان يتسامى ،في القامة ،والحظوة ،عند اهلل والناس" (:2ـ ،)26من غــري أن يــذكر "الحكمة" ،الـيت أوردهــا
ّ
ـموئيل ،إ ًذا" ،أمام اهلل ،والناس" ،بفضــل حكمتــه ،حســب
اإلجنيلي ،خبصــوص الطفــل يســوع .فــاق يســوعُ صـ َ
ّ لوقــا
اإلجنيلي" .أمام اهلل" ،من خالل خدمتــه الكهنوتيّـة؛ و"أمام الناس" ،من حيث كالم النبـ ّـوة ،الــذي كــان خيرج
ّ لوقــا
من فمه (.)20 :3
ب .الفضيلة
نوعا ما ،شيئًاأريد ،يف البداية ،أن أوضح معىن اللفظة ،ألنّه َتغَرَّي ،مع االستعمال والتواتر ،إىل أن أمسىً ،
ـين، آخــر .فنحن ،اليــومِ ،
تعودنــا أن نقـ ّدم الفضــيلة ،وأن نفهمهــا ،كقاعــدة أخالقيّــة للتصـّـرف ،وكمبــدأ ديـ ّ وأمسّ ،
حنث على تطبيقـه ،يف احليـاة .هي ،إ ًذا ،غايـةٌ ،على اإلنسـان املؤمن أن جيتهـد يف البلـوغ إليهـا ،حىّت إذا مـا متلّكت ّ
ـادرا ،آ َن ٍإذ ،تقـديس حياتـه ،باتّباعـه تعـاليم الكنيسـة .أضـف إىل هـذا أنّنـا بتنـا منيّـز فضـائل إهليّة 21من فيـه ،أصـبح ق ً
فضــائل رئيســيّة .22ونفـ ّـرق بني هــذه وتلــك ،من جهــة أوىل ،والفضــائل اإلنســانيّة ،23من جهــة ثانيــة .األوىلّ ،بوهبا
ـين (اخلالصــة الالهوتيّــة :2 ،ـ 1؛ ـ ،62ـ .)1والثانيــة أفالطــون (اجلمهوريّــة ،الكتــاب الرابــع، الق ـ ّديس تومــا األكويـ ّ
ضـ ِع علمــاء الرتبيـة والنفس .هــذه هي اخلالصـة ،الـيت تك ّـونت عنـدنا، 427وما يلي)ّ .أمـا الثالثـة واألخـرية فَ ِمن َو ْ
اليوم ،عن الفضيلة.
ولكن األمــر هــو ،على عكس ذلــك ،يف كتابــات األدبــاء اليونــان األقــدمني ،يف مــا يتعلّــق بالفضــيلة .تعــين ّ
ض ـا "امتي ــاز"
اللفظ ــة ،عن ــدهم" ،هباء" األفع ــال ،أي الق ــدرة ،ال ــيت تظهره ــا ،وال ــيت تف ــوق ك ـ ّـل توقّ ــع .وق ــد تع ــين أي ً
24
مجيعـا ،وحىّت اجلمـادات، ـؤدي وظيفة .اآلهلة واخلالئـق ً األدوات ،والوسائط ،اليت تتيح هلا أن تغدو نافعـة ،وأن ت ّ
تتمتّ ــع هبذه الص ــفة ،على ح ـ ّد س ــواء .م ــا من موج ــود بال فض ــيلة ،ميكن ــه أن يس ــتنجد هبا ،لكي يش ـ ّـق طريق ــه إىل
احلث على احلصــول عليهــا .إهّن ا طاقـة ،ال على إجناز األفعــال ،أو ط ،إىل ّ الرضــى عن حياتـه .فال حاجـة ،من مثّ ،قـ ّ
مكتسبة.
مدرجة ،تلقائيًّا ،يف الكائنات واألشياء ،ال َ التحلّي بصفات ،وإمّن ا على إحسان استخدامها .وهي طاقة َ
25
وأهم مـ ــا ميكن اإلشـ ــارة إليـ ــه ،يف
ّ ، يف العصـ ــور احلديثـ ــة ،تنـ ــاول الفالسـ ــفة موضـ ــوع الفضـ ــيلة باملناقشة
املتنوعة :الفيزيائيّة ،وامليتافيزيقيّة ،والالهوتيّة ،واألخالقيّة ،والسياسيّة. معاجلاهتم مضموهنا ،هو حتديد جماالهتا ّ
المسيحي للكنيسة الكاثوليكيّة.1813 § ، ّ 21اإلميان ،والرجاء ،واحملبّة؛ راجع التعليم
والقوة ،والقناعة؛ المرجع نفسه.1809-1806 § ، الفطنة ،والعدلّ ،
22
26يُ ْعتَرَب عمالً منافيًا لألخالق التضييق على ممارسة الشعائر الدينيّة ،ما دام حيجب عن اإلنسان جمال الفضـيلة.ـ وعلى غـرار ذلـك ،سـرقة أمـوال الدولـة،
ـؤدي ،يف هنايــة املطــاف ،إىل
ـين شــامل ،تـ ّ
أو االحتالل ،أو قمــع احلريّــات املدنيّــة،ـ أو األحكــام العرفيّــة ،ومــا ســوى ذلــك .إ ّن هــذه املوانــع ذات أثــر وطـ ّ
األخالقي هــو فعــل مســيء على
ّ أخالقي .والفعــل غــري
ّ شــيوع الرذيلــة ،والــدفع ،باجّت اه الفوضــى .وعليــه،ـ مـا يصـ ّد عن الفضــيلة،ـ مهمــا كــان ،هــو فعــل ال
مستويَني ،مستوى الشيء ،ومستوى نفعه.
ـتحق،ـ بعـد
العلي ،يف بـين قومـه ،أن يتسـلّق مجيّـزة؛ فاس ّ
أزال ز ّكـا ،باحلكمـة والفضـيلة ،إعاقتَه الروحيّـة ،معاملتـه اآلخـرين بالعـدل ،إذ مل يـأنف ،وهـو ّ
27
ذلك ،أن خُي تار ،بني أعيان املدينة،ـ ليضيف يسوع ،يف بيته ،مع أ ّن إعاقته اجلسديّة ،أي قِصر قامته ،مل تُتِ ْح له أن حيظى بالسري ،يف الصــفوف األماميّــة،
إىل جانب يسوع.
53
مثايل ،ال قاعــدة لــه،
يَ َدعُونك وشأنَك ،يف أمر ما تنادي به ،لعدم اقتناعهم .رمّب ا يدركون هذا التعليم كأنّه تعليم ّ
بني الناس.
اجلمـيزة
مير؟ إ ّن تسـلّق ز ّكـا شـجرة ّ ما الفضيلة ،الـيت دفعت ز ّكـا إىل تسـلّق الشـجرة ،بغيـة مشـاهدة يسـوع ّ
هــو ،حب ّد ذاتــه ،عمــل جبّــار ،فيــه من الفضــيلة مــا خيرب عنــه القيــام بــه .هــذا املعــىن ،الــذي جيعــل الفضــيلة والفعــل ،أو
الفضـيلة واإلنسـان ،حقيقـة واحـدة ،هـو املعـىن ،الـذي وجـدناه ،أعاله ،عنـد قـدامى األدبـاء اليونـان .الفضـيلة ،الـيت
حتركت فيه ،على حنو ،أخضـع اجلس ُـد هلا طاقاتـه ،حىّت عملت داخل ز ّكا ،روحيًّا ،ونفسيًّا ،وأخالقيًّا ،وإنسانيًّاّ ،
اجلمـيزة ،لــوال اســتقرارها
يتنـاغم مــع إحياءاهتا .لــوال اســتقرار الفضــيلة ،حىّت قبـل وصــوله إىل املكــان ،حيث شـجرة ّـ
داخ ــل اإلنس ــان ،ملا تس ـلّق الش ــجرة ،حىّت ي ــرى يس ــوع .إ ّن ز ّكــا رج ــل مفض ــال .ولكن ،م ــا هي فضــيلته ،للم ـ ّـرة
الثانية؟
ـدرا ،لألمــور ،فال ينتقص من حجمهــا، الرصــانة! اإلنســان الرصــني هــو اإلنســان ،الــذي يقيم اعتبـ ًـارا ،أي قـ ً
أيضا الرزانة .فهذه اللفظة تضيف على ما تق ّدم فكــرة ضــبط األفكــار ،عنــدما خترج، وال يبالغ ،يف وصفها .وقيل ً
املهم ،يف املوضـوع ،أ ّن الوقـار هـو الفضـيلة .والوقـار ،هـو عرب الكالم .مهمـا يكن من أمـر هـذه اللفظـة ،أو تلـكّ ،
اتّزان ،سواء باحلديث ،أم بعقل األمور ،أم بالتعامل .وفضيلة ز ّكا ،اليت نتكلّم عليها ،جتلّت ،يف أنّه أبدى وقـ ًـارا،
ـبيعي :إنّـه واحـد ،كسـائر النـاس، ومهابـة ،عنـد مـرور يسـوع .شـ ّذب الرجـل حجم منزلتـه ،إىل أن اخّت ذ موقعـه الط ّ
الذين كانوا يزمحون يسوع .ومل تنفعه أمواله ،الـيت راكمهـا ،مـ ّدة سـنوات ،فاتّكـل على قـواه ،لكي ينتصــب على
ـخمة ،وكـ ـ ّـل اعتـ ــداد ،ومفخرتـ ــه بأنّـ ــه رئيس على
جـ ــذع شـ ــجرة .أزال ز ّـك ــا ،من أمـ ــام عينَيـ ــه كـ ـ ّـل صـ ــورة مضـ ـ ّ
الظل.
تصرفات متواضعة ،وسلو ًكا خافت ّ العشارين .فاستح ّقت له هذه الفضيلة ّ ّ
الغش ،الـذي يتس ّـرب إىل يف موضوع رؤية يسوع ،متسي الرصانة فضيلة روحيّة سـامية ،إذ ال ترضـى عن ّ
متنوعــة .تعيــد هــذه الفضــيلة إىل األشــياء احلجم املنســوب حيــاة املرء ،وال تتّفــق والظلم ،الــذي يرتكبــه ،بأشــكال ّ
تكوهنا ،وتســرف يف احملافظــة عليــه ،كمــا ينبغي .ومن وجهــة النظــر هــذه ،تغــدو الرصــانة مــرآةـ روحيّــة إليهــا ،عنــد ّ
للنفس ،ترى ،من خالهلا ،ذنوهبا.
إذا ك ــان ،مثّ ــة ،فض ــيلة روحيّ ــة ثاني ــة ،تظه ــر على تص ـ ّـرف ز ّكــا ،فهي فض ــيلة النخ ــوة .فه ــذه تع ــين ع ــدم
ضـ ـا ،بالق ــدر عين ــه ،ملء النفس ب ــالزخم الالزم ،من أج ــل اإلق ــدام على إمتام م ــا جيب عليه ــا. ال ــرتاخي .وتع ــين ،أي ً
النخــوة ،وســخاء النفس ،فضــيلتان متالزمتــان .وتكمنــان ،خلــف كـ ّـل عمــل حســن .إن كــان للتــواين تسـ ّـرب إىل
روحي ،على مس ــتوى ه ــذه الفض ــيلة .وكم ــا تق ــف فض ــيلة النخ ــوة ،على ط ــرف ّ ـرده إىل فت ــور
حي ــاة األف ــراد ،فم ـ ّ
نقيض ،جتاه االجنراف إىل اإلمث ،تقـ ــف الفضـ ــيلة األخـ ــرى ،فضـ ــيلة الرصـ ــانة ،على طـ ــرف نقيض ،جتاه التعنّت يف
ارتكاب اإلمث.
الخاصة
ّ ج .الموهبة
54
تامــة اخليــار ،الــذي اصــطنعته املرأة النازفــة هلا ،بغيــة الوصــول إىل يســوع. يتّخــذ ز ّـكـا موق ًفــا خيالف خمالفــة ّ
ينــأى عن احلشــد ،فيمــا تنخــرط هي يف الصــفوف املتدافعــة ،حــول يســوع .موقفــان متناقضــان ،كمــا تــرى ،أيّهــا
القارئ .إذا عزمنا على استخراج مبدإ من ه َذين املوق َفني ،وأردنـا بـه إيضـاح السـبيل ،الـيت جيب سـلوكها ،إلزالـة
عقبــة من أمــام الــراغب يف الوصــول إىل يســوع ،ميثّلهــا اآلخــرون ،ملا اســتطعنا .هــل نعلّم اجتنــاهبم ،فعـ َـل ز ّـكـا ،أم
ـردا ،ومعـتزالً اآلخـرين؟ أم زج النفس ،يف وسـطهم ،شـأ َن النازفـة؟ أيصــل اإلنسـان إىل يسـوع ،منفـ ً ترانا ندعو إىل ّ
َدب وصــوب،ـ ض ـا ،أتُــرى اآلخــرون عقبــة؟ هــل يزمحون يســوع ،من كـ ّـل ح َ يصــل إليــه ،من خالهلم ،ومعهم؟ وأي ً
ضـا؟ أم ،هـل اآلخـرون عقبـة كـأفراد؟ مبعـىن أ ّن عقبـة اآلخـرين مـا هي سـوى عقبـة حبيث إهّن م يدوسون بعضـهم بع ً
بعض
اجتمعت إىل العقب ــة املخالف ــة ،ال ــيت ميثّله ــا بعض ــهم اآلخ ــر؟ أليس ،بني ه ــؤالء اآلخ ــرينٌ ، ْ بعض منهم ،وق ــد
منطقي أن جُيْ ِمـل املرء اجلميـع ،حتت ّ ط؟ بـل هم سـند ،ومثـال ،وحـافز؟ باحلقيقـة ،بلى ،إذ ليس بـأمر ليسوا عقبة ق ّ
مسمى عقبة! ّ
أفضى ز ّكا إىل يسوع ،عرب ّبوابة االعتزال ،اعتزال اجلمع ،كما أفضت املرأة النازفة إىل يسوع ،عرب ّبوابــة
اجلمع .أتى نيقودميس يسوع ،مبفرده،ـ ليسأله عن طريقته .لقد اختار طريقـة ز ّكـا .وأتت الكنعانيّـة يسـوع ،متّبعـة
ـين بلق ــاء منف ــرد م ــع يس ــوع؛ ولكنّ ــه ،مض ــى حزينً ــا ،يف
ـاب الغ ـ ّ
خط ــاه ،ومنتهج ــة طريق ــة النازف ــة ال ــدم .حظي الش ـ ّ
تعليمـا ،اعتــربوه قاســيًا .من ناحيــة مقابلــة ،وقفت النهايــة .وتراجــع كثــريون عن اتّبــاع يســوع ،بعــدما مسعوا منــه ًـ
الفريســيّني عقبــة ،أمــام الرجــل األعمى ،كيال يعــرتف بيســوع ،على مســمع النــاس .فــاآلخرون ،إذًا ،عقبــة. مجاعــة ّ
ورحب أه ــل الس ــامرة ب ــه ،باملقاب ــل ،يف إجني ــل يوحنّ ــا ،بع ــد ال ــذي مسعوه من ــه ،وع ــاينوه .اآلخ ــرون ،إذًا ،يتقبّل ــون ّ
الكلمة.
اجلديل أ ّن ك ـ ّـل ش ــخص ،يري ــد الوص ــول إىل يس ــوع ،يض ــطلع ه ــو نفس ــه مبوهبت ــه ّ يتّض ــح من ه ــذا الع ــرض
اخلاصة ،وجي ّد يف أثر يسوع :حيمل صليبه ،لو جاز لنا القول ،ويتبع يسـوع .األمـر ،بالنسـبة إىل التلميـذ ،منحصـر ّ
ـرب ،واالخنراط معـه بـه ،هـو نفسـه ،التلميـذ :اتّبـاع يسـوع ،وإدراكـه ،مها وجهـان لعملـة واحـدة ،عملـة التتلمـذ لل ّ
يف الطريــقّ .أمــا اآلخــرون ،فلهم اختيــاراهتم ،الــيت ،مهمــا تنـ ّـوعت ،وأثّــرت ،ال ميكنهــا أن جتعــل من اتّبــاع يســوع
ـروعا مناطً ــا هبا .ليس اآلخ ــرون هم أص ــحاب املش ــروع ،إذا أراد أح ــدهم اقتف ــاء أث ــر يس ــوع ،واالخنراط يف مش ـ ً
املعين .كــذلك ،ليس اآلخــرون هم احمل ّفــز ،أو املن ّفــر ،إذا أراد ذاك مدرسته ،والسري ،حبسب تعاليمه؛ بل الشخص ّ
األمر عينه .ألجل هذا ،إ ّن الذي يلقي على اآلخرين تبعات اخنراطـه ،أو مغبّـات انسـحابه ،يف أمـر اتّباعـه يسـوع، َ
ب غيظَه على أنــاس ،يقفــون حجــر عـثرة على صـ ُّ
وإمــا يَ ُ
ف العقـ َـل عن الصــواب ،بالنسـبة إىل هــذه املســألةّ ، ّإمــا حَيْـ ِر ُ
دربه.
خاتمة
55
يضــعنا لقــاء يســوع وز ّـكـا ،أمــام حقيقــة إنســانيّة كــربى ،ميثّلهــا ،بأوضــح التعبــري ،القــول إ ّن معظم التق ـ ّدم،
وأوســع االزدهــار ،يقومــان على جتاوز املرء مــا فيــه من عقبــات؛ وأمهّهــا ،بــل أضـ ّـرها ،على حنو مطلــق ،االغــرتار
مبنص ــب ،أو حماص ــرة ال ــذات بعيب .االغ ــرتار باملنص ــب ،واالنقب ــاض ،أو االنكم ــاش على ال ــذات ،بس ــبب نقص،
ـدوان حياربانــه من داخلــه ،وعلى ســاحته .ينهشــان بــه ،عن درايــة منــه هبمــا ،وإمّن ا ال ـدوان لإلنســان ،وعـ ّ كالمها عـ ّ
حول له على أذيّتهما ،بسـبب رضـاه عليهمــا ،وال على التحـّـرر من سـطوهتما .ال أهّن مـا حي ّدان فقـط من انطالقتــه،
ض ـا االنفتــاح على اهلل ،ومالقاتــه .لقــد كســر ز ّكــا طوقهمــا ،متّكئًــا على احلكمــة أو أهّن مــا يقيّدانــه ،بــل يُفقدانــه أي ً
الرب.
والفضيلة .ففاز بنفسه ،وبضيافة ّ
ـالرب ،أم الــذين خي ّفــون وهم ُم ْع ِرضــون عنــه ،املنشــغلون عنــه هبمــوم كثــرية، ّأمــا اآلخــرون ،الــذين حي ّفــون بـ ّ
ضـ ـا حض ــوره ،فليس ــوا العقب ــة ،وليس ــوا الب ــديل ،أم ــام التتلم ــذ ل ــه .ذل ــك أ ّن االختي ــار ،إذا مل يكن والرافض ــون رف ً
جتاوزا للــذات ،وتغلّبًــا علىمشبعا بالنضج ،والوعي ،واإلدراك ،والتمييز ،والصرب ،والثبــات ،وإذا مل يكن ً اختيارا ً ً
ـاهر
ضـا ،يف النفس،ـ إىل االجنراف ،وراء كـ ّـل فكــرة ،هلا ظـ ُ عيوهبا ،إمّن ا هو ،وقت ذاك ،نزعة عن هوى ،أو ميـ ٌـل أي ً
الــربيق .وهــذا األمــر حيدث ،إذا خال اإلنســان بنفســه ،لينظــر حقًّا مــا الــذي يســتهويها ،ومــا الــذي ينفعهــا .مــا يــأيت
هوى. كل صنف ً هوى خ ّداعّ .أما الذي ينفعها ،فهو ما ين ّقيها من ّ النفس عن ً َ
56