Professional Documents
Culture Documents
Tadawil
Tadawil
2
اإله ـ ــداء
إلى أمي وأبي
إلى أساتذتي
المقدم ـ ـ ــة
3
يقصد باملقاربة التداولية تلك النظرية النقدية اليت تدرس الظواهر األدبية والثقافية والفنية واجلمالية يف ضوء
التداوليات اللسانية .ويعين هذا أن املقاربة التداولية تدرس النص أو اخلطاب األديب يف عالقته بالسياق
التواصلي ،والرتكيز على أفعال الكالم ،واستكشاف العالمات املنطقية احلجاجية ،واالهتمام بالسياق
التواصلي والتلفظي .وبتعبري آخر ،تركز املقاربة التداولية على عنصر املقصدية والوظيفة يف النصوص
واخلطابات .وهبذا ،تكون التداوليات قد جتاوزت سؤال البنية وسؤال الداللة ،لتهتم بسؤال الوظيفة والدور
والرسالة والسياق الوظيفي .كما تعىن املقاربة التداولية بفهم العالقات املوجودة بني املتكلم واملتلقي ضمن
سياق معني؛ ألن البعد التداو ي ينبين على سلطة املعرفة واالعتقاد .وتسمى هذ املقاربة كذلك باملقاربة
التواصلية ،أواملقاربة الوظيفية ،أواملقاربة الذرائعية ،أواملقاربة املنطقية ،أو املقاربة الربمجاتية ،أواملقاربة
احلجاجية ...وهلم جرا.
وإذا كانت املقاربة التداولية قد عرفت انتشارا يف الغرب ،فإن هذ املقاربة مازالت يف بداياهتا األوىل يف العامل
العريب ،على الرغم من وجود آثارها يف تراثنا العريب القدمي يف البالغة والفقه والفلسفة وأصول الفقه ،...ومل
يتم استدماجها بعد يف حقلنا الثقايف العريب احلديث واملعاصر ملقاربة النصوص واخلطابات األدبية
واإلبداعية ،ماعدا بعض االستثناءات القليلة اليت تعد على األصابع.
إذاً ،ما املقاربة التداولية؟ وما سياقها املعريف والتارخيي؟ وما جممل التصورات التداولية جتا النص أو اخلطاب
األديب؟ وما حدود هذ املقاربة إن تنظريا وإن تطبيقا؟
هذا ما سوف نرصد يف كتابنا هذا الذي عنونا بـ(التداوليات وتحليل الخطاب) ،على أساس أن ليس
هناك مقاربة تداولية واحدة ،بل هناك عدة تيارات واجتاهات ومدارس تعىن بالفعل التداو ي واحلجاجي
والتواصلي ،سواء أكان لسانيا أم أدبيا أم نقديا أم فلسفيا أم منطقيا.
ونرجو من اهلل عز وجل أن يلقى هذا الكتاب املتواضع رضا القراء ،ويعود عليهم بالنفع والفائدة ،داعيا
لنفسي باملغفرة والتوبة من أي تقصري أو ادعاء أو نسيان أو خطإ أو سهو.
4
يرتجم مصطلح ( )Pragmatiqueبعدة كلمات باللغة العربية ،فهناك :الذرائعية ،والتداولية،
والرباكماتية ،والوظيفية ،واالستعمالية ،والتخاطبية ،والنفعية ،والتبادلية...لكن أفضل مصطلح ،يف منظورنا،
هو التداولية ؛ ألنه مصطلح شائع بني الدارسني يف ميدان اللغة واللسانيات من جهة؛ وألنه حييل على
التفاعل واحلوار والتخاطب والتواصل والتداول بني األطراف املتلفظة من جهة أخرى .أما مفهوم الذرائعية،
فيدل على مدرسة فلسفية ظهرت يف الواليات املتحدة األمريكية يف القرن التاسع عشر ،مع جون ديوي
وويليام جيمس اللذين يريان أن احلقيقة تكمن يف طابعها املنفعي واملصلحي .ويعين هذا أن احلقيقة الصادقة
واليقينية هي اليت حتقق املنفعة واملصلحة لإلنسان ،وحتقق املشاريع املستقبلية اهلادفة ،وتساهم يف تنمية
األفراد والرقي باجملتمعات عن طريق حتقيق املردودية واإلنتاجية ،واالرتباط باحلياة العملية والواقعية املفيدة.
ومن مث ،فكل األفكار واحلقائق اليت ال حتقق مصلحة أو منفعة لإلنسان ،وال تفيد املرء يف حياته اليومية
والعملية ،فهي حقائق زائفة ،وغري نافعة ،وال جمدية إطالقا .فاحلقيقي هو املفيد والنافع والصاحل .لكن قد
ختتلف املنافع واملصاحل من فرد إىل آخر ،ومن مجاعة إىل مجاعة ،وقد تسبب هذ املصاحل يف صراعات
شرسة بني الناس .وعلى الرغم من هذا الطابع السليب للحقائق الربامجاتية العملية ،فإن املصلحة أو احلقيقة
الربامجاتية هي حقيقة مستقبلية ،تدفع اإلنسان إىل العمل واالجتهاد واإلنتاج والرفع من املردودية ،وحتصيل
الكفاءات احلقيقية من أجل حتقيق ما يصبو إليه اإلنسان من مكانة رفيعة يف اجملتمع .ومن هنا ،فاجملتمع
األمريكي واإلجنليزي يأخذان هبذا النوع من احلقيقة املقرتنة باملنفعة واملصلحة املادية أو املعنوية .وبكل
بساطة ،يقوم الصحيح ،عند وليام جيمس ،على ماهو مفيد لفكرنا ،وينبين الصائب أيضا على ما هو مفيد
1
لسلوكنا".
ومن هنا ،يرى الربامجاتيون أن األفكار احلقيقية هي" تلك اليت نستطيع أن نستوعبها ،ونستطيع أن نصادق
على صحتها ،ونستطيع أن نعززها بفعل اخنراطنا فيها ،وأخريا أن نتحقق منها...
هذ هي األطروحة اليت أدافع عنها -يقول وليام جيمس -حقيقة فكرة ما ليست خاصية متضمنة فيها،
وتبقى غري فاعلة .احلقيقة هي حدث يتم إنتاجه من أجل فكرة ما ،وتصري هذ األخرية حقيقة بفضل
بعض الوقائع .إهنا تكتسب حقيقتها من خالل العمل الذي تنجز .أي :العمل الذي يقتضي أن تتحقق
1
- W. James : le pragmatique, traduction E.Le Brun, Edition Flammarion,
1968, p: 151.
5
من نفسها بنفسها ،ويكون هدفها ونتيجتها التحقق الذايت؛ كما أهنا تكتسب صالحيتها بإجنازها لعمل
2
يهدف إىل نتيجة تتمثل يف إثبات مصداقيتها".
إذاً ،ال يرى الربامجاتيون يف احلقيقة إال طابعها املادي ومنحاها املنفعي واملصلحي لتحقيق التنمية والتقدم.
بينما جيب أن تكون احلقيقة يف جوهرها معرفية وعملية وأخالقية.
أما الدكتور أمحد املتوكل يف كتابه( اللسانيات الوظيفية) ،فيستعمل الوظيفية والتداولية مبفهوم واحد .3يف
حني ،يستخدم الدكتور سعد البازعي والدكتور ميجان الرويلي مصطلح(الذرائعية) كما يف كتاهبما( دليل
الناقد الفني) .4وإذا انتقلنا إىل الدكتور حممد حممد يونس علي ،فإنه يفضل استعمال مصطلح علم
التخاطب .ويف هذا الصدد ،يقول الباحث ":أفضل ترمجة مصطلح ( )Pragmaticsبعلم التخاطب،
وليس بالتداولية ،أو النفعية ،أو الذرائعية كا يفعل عدد من اللسانيني العرب تومها منهم بأن
( ،)Pragmaticsو( )Pragmatismشيء واحد .والواقع أن املصطلح األول يطلق على الدراسات
اليت تعىن باملعىن يف السياقات الفعلية للكالم ،وهو ما يتفق مع معناها احلريف ،وهو علم االستعمال .وإذا
نظرنا يف تراثنا البالغي واألصو ي ،فسنلحظ أن االستعمال -الذي يقابل الوضع عادة -يطلق على النشاط
الذي يقوم به املتكلم يف عملية التخاطب .ولذا ،فإن ترمجة ( )Pragmaticsبعلم التخاطب أنسب-
يف رأيي -من اخليارات اليت اطلعت عليها حىت اآلن .أما ( )Pragmatismفهي مدرسة فلسفية ظهرت
يف أمريكا تذهب إىل أن الفكرة النظرية ال جتدي نفعا ما مل تكن هلا تطبيقات عملية .وعلى الرغم من
وجود صلة منهجية بني اجملالني(واملصطلحني) تكمن يف التقليل من شأن اجملرد ،والعناية مبا هو عملي،
وسياقي ،ومتحقق فعال؛ فإن اهتمام احلقل املسمى بـ( )Pragmatismيقتصر على اللغة خاصة .يف
5
حني ،يعين احلقل اآلخر بالفلسفة ،وإن امتدت آثار يف السياسة ،وعلم االجتماع ،وغريمها".
وعلى أي حال ،سواء أخذنا بالتداولية أم بالتخاطبية ،فاملصطلحان معا أفضل بكثري من مصطلح الذرائعية
الذي حييل على الفلسفة املنفعية أكثر مما حييل على اللغة ومكوناهتا اللسانية.
2
-W. James : le pragmatique, traduction E.Le Brun, Edition Flammarion,
1968, p: 144-142.
- 3أمحد املتوكل :اللسانيات الوظيفية ،دار الكتاب اجلديد املتحدة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الثانية 2212م.
-سعد البازعي وميجان الرويلي :دليل الناقد األدبي ،املركز الثقايف العريب ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الثانية ،سنة 2222م، 4
ص.122:
- 5حممد حممد يونس علي :مدخل إلى اللسانيات ،دار الكتاب اجلديد املتحدة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل سنة 2224م،
ص( ،122:اهلامش).
6
المبحث الثاني :مفه ــوم المقاربة التداولية
من املعلوم أن املقاربة التداولية هي تلك املنهجية اليت تدرس اجلانب الوظيفي والتداو ي والسياقي يف النص
أو اخلطاب ،وتدرس جممل العالقات املوجودة بني املتكلم واملخاطب ،مع الرتكيز على البعد احلجاجي
واإلقناعي وأفعال الكالم داخل النص .مبعىن أن التداوليات هي ذلك" العلم الذي يدرس املعىن ،مع الرتكيز
6
على العالقة بني العالمات ومستعمليها والسياق ،أكثر من اهتمامها باملرجع أو باحلقيقة ،أو بالرتكيب".
وهتتم التداوليات أيضا باملرجع واإلحالة اليت مت إقصاؤها من فرديناند دوسوسري الذي حصر العالمة يف
الدال واملدلول .ومن مث ،ترفض املقاربة التداولية يف جمال األدب والنقد الرتكيز على البنيات الشكلية
واجلمالية ،دون مساءلة أفعال الكالم واملقصدية الوظيفية .فضال عن ذلك ،تدرس املقاربة التداولية اللغة
العادية واللغة الالعادية (اللغة الشعرية ،اللغة الروائية ،واللغة الدرامية ،)..وحضور األنا واألنت ،والسياق
التواصلي ،والوظيفة املقامية واملقالية ،واالنتقال من احلريف إىل اإلجنازي ،ودراسة احلجاج يف النصوص
واخلطابات اليت يكون هدفها هو اإلقناع الذهين والتأثري العاطفي الوجداين ،وأيضا دراسة السرد اإلقناعي
كما عند غرمياس ،وخاصة يف خانة التطويع والتحفيز املبنية على فعل االعتقاد ،وفعل التأويل ،وخانة
الكفاءة املبنية على منطق اجلهات (وجود الفعل ،ومعرفة الفعل ،وقدرة الفعل ،وإرادة الفعل).
وعليه ،فاملقاربة التداولية هي دراسة العالمات يف عالقة مع مستعمليها .ومن مث ،ترتكز اللغة على ثالثة
مكونات ضرورية ومتكاملة حسب شارل موريس ،هي :الرتكيب ،والداللة ،والوظيفة .أضف إىل ذلك،
فللغة ثالثة مظاهر :مظهر خطايب ،ومظهر تواصلي ،ومظهر اجتماعي .لذا ،فاملقاربة التداولية هي اليت تركز
على اجلانب التواصلي يف اللغة الطبيعية .وتستند املقاربة التداولية كذلك إىل ختصصات عدة .فهناك-
مثال -تداولية حتليلية ،وتداولية تلفظية ،وتداولية نفسية -اجتماعية ،وتداولية نصية ،وتداولية
سوسيولغوية...
ومن هنا ،تدرس املقاربة التداولية اإلشاريات ،واملقصدية ،وأفعال الكالم ،والوظيفة ،والسياق ،واإلحالة
املرجعية ،واحلجاج اللغوي ،واإلقناع ،..واحلوارية...
6
- A.J.Greimas.J.Courtés:Sémiotique.Dictionnaire Raisonné de la théorie
du langage. Hachette Université, Paris, 1979, Sémiologie, pp:335-339.
7
المبحث الثالث :سياق ظهور المقاربة التداولية
من املعروف أن الدراسات التداولية قد ظهرت يف الواليات املتحدة األمريكية يف القرن التاسع عشرامليالدي،
وتطورت بعد احلرب العاملية الثانية مباشرة .ومن مث ،فقد تبلورت النظرية الرباغماتية مع وليام
جيمس(1112-1442( )William Jamesم) الذي اهتم باجلانب املنفعي واملصلحي ،حيث ربط
الفكرة بطابعها املنفعي يف الواقع ،إذ كان وليام جيمس يربط الفكر بالواقع العملي واملمارسة الواقعية،
بالتشديد على املصلحة واملنفعة واإلنتاجية ،بغية بناء مستقبل عملي زاهر .أما شارل ساندرس بريس
( ، (1834-1914))Charles S. Peirceفقد اهتم بتداولية سيميائية قائمة على نظام العالمات،
حيث ميز بني الرمز ،واإلشارة ،واأليقون .وبدأ يف تفريعها إىل أقطاب سيميائية ثالثية ذات طابع منطقي
ووجودي وأنطولوجي .وبعد ،جاء شارل موريس ليميز بني ثالثة مظاهر يف اللغة الطبيعية :املظهر الرتكييب،
واملظهر الدال ي ،واملظهر التداو ي.وبذلك ،بشر موريس باملقاربة التداولية اليت تعىن بالوظيفة السياقية .وقد
جاءت هذ املقاربة الوظيفية السياقية رد فعل على منهجية نوام شومسكي اليت ترتكز على الرتكيب
والداللة ،وتقصي الوظيفة السياقية ،وهي وظيفة ضرورية الكتمال الفهم احلقيقي املتعلق باللغة اإلنسانية،
على الرغم من أن نوام شومسكي ،فيما بعد ،سيدمج القدرة التداولية إىل جانب القدرة الكفائية ضمن
نظريته اللسانية التفسريية اليت تسمى بالنظرية التوليدية التحويلية(.)Generative grammar
هذا ،وميكن احلديث عن جمموعة من التداوليات والتيارات الذرائعية يف الغرب من بينها :تيار موريس الذي
يتزعمه كل من بنيفينست ،والينس ،وأوريكشيوين ...وقد ركز هؤالء على نظرية التلفظ ،فربطوها بالسياق
التواصلي الذي ينبين على املعينات(أمساء اإلشارة ،والضمائر ،وأداة التعريف ،وأدوات التملك ،)..والزمان،
واملكان ،والصيغ العاطفية واالنفعالية ،وأحكام التقومي ،وتعابري اجلهة (جهة الضرورة واإلمكان ،وجهة
املعرفة ،وجهة الفعل ،وجهة الكينونة والظهور) .أما تيار فالسفة أكسفورد مبا فيهم أوستني وسورل وكرايس
،...فقد اهتموا بنظرية أفعال الكالم ،مبعىن أن الفعل الكالمي يؤدي إىل حتويل وضع املتلقي ،وتغيري نظام
معتقداته ،وتبديل مواقفه السلوكية .وميكن اإلشارة كذلك إىل بعض التيارات والنظريات التداولية األخرى،
كالنظرية التخاطبية ،والنظرية التفاعلية ،والنظرية احلجاجية ،والنظرية التلفظية ،ونظرية املقصدية ،والنظرية
التوليدية الوظيفية مع فان ديك ،وهاليداي ،ورقية حسن ،وأمحد املتوكل ...وهناك التيار السردي مع
كرمياس ،وجوزيف كورتيس ،ومجاعة أنرتوفرين ...وهناك املقاربة التأويلية مع بول ريكور الذي اهتم كثريا
باإلحالة السياقية ،ومدرسة فرانكفورت اليت اهتمت بدورها بالسياق التواصلي مع هابرماس...
8
المبحث الرابع :التداوليات والنص األدبي
استفاد النص أو اخلطاب األديب من جمموعة من املقاربات والنظريات واملناهج ،خاصة بعد مرحلة مابعد
احلداثة بني سنوات الستني والسبعني من القرن العشرين امليالدي .ومن أهم هذ املقاربات اليت انفتح عليها
األدب بصفة عامة ،والبالغة بصفة خاصة ،املقاربة التداولية بكل تياراهتا احلجاجية ،واملنطقية ،واللغوية،
والتخاطبية ،والتداولية ،والسياقية .ومن مث ،فثمة تصورات تداولية عدة حول النص واخلطاب األديب ختتلف
من تيار إىل آخر ،ومن تداو ي إىل تداو ي آخر.إذاً ،ما جممل هذ التصورات التداولية اليت استفاد منها
النص اإلبداعي بصفة خاصة ،و اخلطاب األديب والفين بصفة عامة؟ هذا ما سنعرفه بشكل جلي يف
املطالب املوالية.
إذا كانت اللسانيات تتعامل مع اجلملة باعتبارها منطلقا للدراسة والتحليل ،سواء أكان ذلك يف منظور
البنيوية السوسريية أم يف منظور البنيوية الوظيفية أم يف منظور الكلوسيماتيكية هللمسليف أم يف منظور
التوزيعية (بلومفيلد ،وهوكيت )...أم يف منظور التوليدية التحويلية مع نوام شومسكي ،فإن املقاربة التداولية
تتجاوز اجلملة لدراسة اخلطاب والنص ،وخاصة مع لسانيات النص واللسانيات الوظيفية كما عند فان ديك
-مثال -يف كتابه(النص والسياق) (1111م) ،1وهاليداي وحسن رقية يف كتاهبما( االتساق في اللغة
اإلنجليزية) (1116م) .ويعين هذا أن التداوليات النصية تعاملت مع اخلطاب ككلية عضوية متسقة
ومنسجمة ،بل اعتربته مجلة نصية كربى ،ميكن التعامل معها كالتعامل مع اجلملة اللسانية .وجند هذا هذا
التصور كذلك عند إميل بنيفنست ،وهاريس ،ورومان جاكبسون ،والسيميائيني (كرمياص) ،والتأويليني (بول
ريكور) ،ومجالية التلقي (ياوس وآيزر)...
وبناء على ماسبق ،تتعامل التداولية مع النص األديب باعتبار خطابا وملفوظا لغويا ذا كلية عضوية ،سواء
أكان ذلك اخلطاب شفويا أم كتابيا ،حيث نربط ملفوظاته بالوظيفة ،والسياق املقامي ،واألداء اإلجنازي،
- 1فان ديك :النص والسياق ،ترمجة :عبد القادر قينيين ،أفريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 1111م.
9
وندرس مكوناته التلفظية السياقية ،وروابطه احلجاجية املنطقية وغري املنطقية ،ونربطه أيضا باحلوارية،
واملقصدية ،واإلحالة ،والتفاعل ،والتخاطب التداو ي...
المطلب الثاني :الن ــص األدبي خط ــاب لغوي وظيف ــي
من املعلوم أن فرديناند دوسوسري ،يف كتابه( محاضرات في اللسانيات العامة) الذي نشر سنة 1116م،
قد اعترب فيه اللغة عبارة عن عالمة ،وتتكون هذ العالمة من الدال الصويت واملدلول املعنوي ،لكنه أبعد
املرجع احلسي املادي ،واحتفظ مباهو جمرد وصوري .ومن مث ،فقد كان يدرس اللغة لذاهتا ومن أجل ذاهتا.
ويعين هذا أنه كان يركز على دراسة اللغة باعتبارها ملكة اجتماعية أساسية وثابتة ،ويقصي الكالم باعتبار
ظاهرة فردية متغرية وهامشية .ويدل هذا كله على أن دوسوسور مل يهتم بالسياق املرجعي الوظيفي ،واكتفي
باجلانب الصويت واملعنوي املرتبطني باللغة ،ومل يهتم بالكالم واإلجناز القائمني على البعد املرجعي واإلحا ي
4
والسياقي.
ويساعدنا هذا كله على التعامل مع النص األديب باعتبار خطابا حيمل يف طياته وظائف ومقاصد سياقية،
فكل ما يوجد يف النص يدل بشكل من األشكال ،وحييل على أدوار تداولية ومقاصد مباشرة وغري مباشرة،
فليس هناك يف النص األديب ما هو جماين وزائد ،بل ترتبط الداللة باملعاين السياقية والرسائل الظاهرة
واملضمرة .مبعىن أن لغة النص األديب وظيفية وتداولية ،حتمل يف مظاهنا أبعادا سياقية سياسية ،واجتماعية،
واقتصادية ،وثقافية ،وتارخيية ،ونفسية ،وجنسية ،وعقائدية...أي :مل يعد النص األديب عالمات وبنيات
داخلية مغلقة ،كما كانت تقول البنيوية اللسانية والسيميائيات ،بل النص األديب بنية وداللة وتركيب ووظيفة
سياقية قبل كل شيء .لذا ،البد من مراعاة السياق والوظيفة يف حتليل النصوص واخلطابات األدبية،
والسيما الشعرية منها.
وعليه " ،فالنص الشعري -مثال -ليس لعب ألفاظ ،وليس نقل جتربة ذاتية وحسب ،وإمنا يهدف ،فوق
ذلك كله ،إىل احلث والتحريض .وهبذا املفهوم األخري ،تشمله نظرية :الكالم فعل ،أو التداولية ،وتعين هذ
النظرية :أن التحدث يقصد به تبادل األخبار ،ويف الوقت نفسه ،يهدف إىل تغيري وضع املتلقي ،وتغيري
نظام معتقداته ،أو تغيري موقفه السلوكي".1
كما حيدد القصد أو القصدية أو املقصدية " كيفية التعبري والغرض املتوخى ،وهي البوصلة اليت توجه تلك
العناصر ،وجتعلها تتضام وتتضافر وتتجه إىل مقصد عام .فاملقصدية حتدد اختيار الوزن ،واأللفاظ املالئمة،
وتركيبها بطرق معينة لتؤدي املعىن العام املتوخى .ولذلك ،جند البحر الواحد ينظم فيه الشاعر مدحا أو فخرا
4حممد احلناش :البنيوية في اللسانيات ،دار الرشاد احلديثة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 1142م ،ص.141:
- 1حممد مفتاح :في سيمياء الشعر القديم ،دار الثقافة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 1141م ،ص.55:
11
أو هجاء أو رثاء ...فاملقصد يتحكم يف نسج القصيدة أو املقطوعة ،بل يف البيت أو شطر مبىن
12
ومعىن".
وهكذا ،ال توظف لغة النص األديب بشكل عشوائي وفوضوي ،بل تزخر مبجموعة من الدالالت السياقية
والتداولية واحلجاجية إقناعا وتأثريا .فكل ما يف النص يدل وحييل وحيمل وظائف سياقية متنوعة ،سواء
أكانت نصية داخلية أم مقامية خارجية.
ترى املقاربة التواصلية أن النص األديب يرتكز على جمموعة من الوظائف وأمهها الوظيفة التواصلية .وخري من
ميثل هذا التيار التواصلي الذي يرى النص األديب إبالغا وتواصال ،نذكر :رومان جاكبسون الذي حتدث ،يف
مقاربته التواصلية الوظيفية ،عن ستة عناصر يف عملية التواصل :املرسل ووظيفته انفعالية ،واملرسل إليه
ووظيفته تأثريية ،والرسالة ووظيفتها مجالية ،واملرجع ووظيفته مرجعية ،والقناة ووظيفتها حفاظية وتواصلية،
واللغة ووظيفتها وصفية تأويلية وتفسريية .وقد تأثر جاكبسون يف هذ اخلطاطة التواصلية بأعمال فرديناند
دوسوسري ،وأعمال الفيلسوف املنطقي اللغوي جون أوسطني.
وهناك من يزيد الوظيفة السابعة للخطاب اللساين ،وهي الوظيفة األيقونية كما عند السيميائي ترنس هوكس
بعد ظهور كتابات جاك دريدا ،وانبثاق السيميوطيقا التواصلية .كما يضيف عبد اهلل الغذامي الوظيفة
الثقافية يف إطار النقد الثقايف الذي يدافع عنه عربيا .أما هاليداي التداو ي ،فريكز على ثالث وظائف للغة:
الوظيفة التمثيلية(اإلحالة على العامل الداخلي واخلارجي للذات املتكلمة) ،والوظيفة التعالقية (اختاذ دور من
األدوار االجتماعية بالنسبة للمخاطب كدور املخرب ،ودور السائل ،ودور اآلمر) ،والوظيفة النصية(تنظيم
اخلطاب حسب مقتضيات مقام إجناز ) .وهذ الوظائف الثالث مستقلة ،على الرغم من كوهنا تصب كلها
يف وظيفة واحدة هي وظيفة التواصل.
وتأسيسا على ماسبق ،يصنف فان ديك املعلومات إىل ثالثة أقسام :معلومات عامة ترتبط بالعامل أو بأي
عامل ممكن ،واملعلومات املوقفية اليت ترتبط مبا يتضمنه املوقف الذي يتم فيه التواصل .واملعلومات السياقية
املستقاة من اخلطاب املتبادل سلفا بني الشخصني املتواصلني " ،ويتم تغيري املعلومات التداولية إما بالنظر
إىل العالقة القائمة بني املتكلم واملخاطب(تواصل عالقي) ،أو بالنظر يف فحوى اخلطاب ذاته .يف هذ
احلالة الثانية ،يكون القصد من اخلطاب محل املخاطب على القيام بفعل ما(تواصل توجيهي) ،سواء أكان
-15حسني الواد :في مناهج الدراسات األدبية ،منشورات اجلامعة ،املغرب ،الطبعة الثانية ،سنة 1145م ،ص.15-14:
- 16حسني الواد :نفسه،ص.15-14:
14
املتكلمني متعاونون يف تسهيل عملية التكلم والتخاطب .وتتفرع قاعدة التعاون إىل جمموعة من املبادىء
منها:
مبدأ الكم :تكلم على قدر احلاجة فقط ،وال تتجاوز بإفادتك القدر املطلوب .ويعين هذا االبتعاد -1
عن االستقصاء املفصل ،وتفادي اإلطناب واالستطراد يف الكالم أو التخاطب.
مبدأ الكيف :ال تقل ما تعتقد كذبه ،وال تقل مايعوزك فيه دليل بني .ويسمى هذا املبدأ أيضا مببدأ -2
الصدق.
مبدأ األسلوب :جتنب إهبام التعبري ،وجتنب اللبس ،وأوجز كالمك ،حبيث تتجنب اإلطناب الزائد، -3
وليكن كالمك أيضا كالما مرتبا.
مبدأ المناسبة :ليكن كالمك مناسبا لسياق احلال ،فالكالم هو مراعاة مقتضى احلال ،أو مناسبة -4
11
املقال للمقام .
بيد أن نظرية كرايس خضعت لنوع من التطوير والتعديل والنقصان واإلضافة " وذلك بفضل جهود باحثني
يف جمال علم التخاطب ،ومن بينهم هارنيش( )Harnishالذي أضاف بعض التعديالت منها :اجلمع بني
مبدأي الكم والكيف ،وصادوك ( )Sadockالذي أشار إىل إمكان تقليص بعض مبادىء كرايس ،وأبرز
بعض الثغرات يف معيار اإلبطال الذي صممه كرايس الكتشاف املفاهيم اخلطابية املولدة نتيجة انتهاك أحد
مبادئ احملادثة املشار إليها سابقا .ومتكن صادوك من إضافة معايري أخرى الختبار تلك املفاهيم ،غري أن
أقوى التحديات جاءت من ويلسون ( )Wilsonوسبريير( )Sperberاللذين شككا يف مبادئ كرايس،
14
واستثنيا من ذلك مبدأ املناسبة الذي جعال منه أساسا لنظرية مسياها بنظرية املناسبة".
ويعين هذا كله أن الناقد التداو ي ميكن أن يتعامل مع النص األديب أو اخلطاب اإلبداعي باعتبار بنية
ختاطبية وتبادلية بني طرفني ضمن سياق عام ،أو سياق موقفي ،أو سياق نصي ،مع حتديد نوع التخاطب
والتبادل التداو ي.
17
- See H.Grice. (Logic and conversation), In Steven David (ed), Pragmatics: A
reader, New York, Oxford University press, 1991, pp: 305-315.
- 14حممد حممد يونس علي :نفسه ،ص.122:
15
المطلب الخامس :النص األدبي تلف ــظ في سياق
هتدف املقاربة التلفظية إىل دراسة اخلطاب اإلبداعي واألديب يف ضوء املعينات اإلشارية ،أو قراءهتا بواسطة
القرائن اللغوية ،أو مقاربتها عرب املؤشرات التلفظية اليت حتدد سياق امللفوظ اللغوي واللساين .وهذ املعينات
هي ضمائر الشخوص ،وأمساء اإلشارة ،وظروف املكان والزمان ،وصيغ القرابة ،والصيغ االنفعالية الذاتية.
ومن مث ،تنبين املقاربة القرائنية أو املقاربة "التلفظية" على دراسة سياق التلفظ ،وحتديد أطراف التواصل
اللغوي ،بالرتكيز على ثالثة مبادئ منهجية هي :البنية ،والداللة ،والوظيفة .ومن املعلوم أيضا أن هذ
املقاربة القرائنية أو اإلشارية متتح آلياهتا من اللسانيات اخلارجية ذات البعد املرجعي ،مع االنفتاح بشكل من
األشكال على التداوليات والسيميوطيقا النصية واخلطابية.
وتطلق عدة مصطلحات ومفاهيم على املعينات ( )déictiquesيف الدراسات الغربية من بينها :القرائن
املدمجة أو الواصلة ( )Embrayeursكما عند رومان جاكبسون( ،)Roman Jakobsonأو
الوحدة اإلشارية ()Indexعند شارل بريس( ،)Peirceأو التعبري اإلشاري كما لدى بار هيليل(
،)Bar- Hillelأو املؤشر ( ،)indicateurأو دليل التلفظ (،)indice de l'énonciation
أو القرائن اإلشارية ( )schiftersباللغة اإلجنليزية...
وغالبا ،ما يستعمل مصطلح املعينات( )déictiquesمرادفا ملصطلح الواصل ( ،)Embrayeursعلى
الرغم من كون املعينات مصطلحا عاما له دالالت خاصة ومتميزة عن مصطلح الواصل املرتبط بالسياق
فقط؛ ألن مصطلح املعينات يشمل أطراف التلفظ ،والسياق التواصلي للمتكلمني .كما يرتبط باالستعمال
الشفوي والتلفظي للخطاب ،مع تشغيل احلركات واإلشارات وإمياءات التعيني ،وتوظيف وحدات التأشري
الدالة على التعيني املكاين والزماين.
ومن املعلوم أن كلمة املعينات ( )déictiquesمجع لكلمة مفردة هي املعني اإلشاري(.)déictique
ومن مث ،ال تأخذ هذ املعينات والقرائن اإلشارية معناها ،مبا فيها :الضمائر ،وأمساء اإلشارة ،وظروف الزمان
واملكان ،والصيغ االنفعالية ،وأمساء القرابة ...إال داخل سياق التلفظ ،والتواصل ،وفعل القول.
هذا ،ويراد باملعينات ( - )déictiquesلغــة -اإلشارة والتحديد والتعيني والعرض والتمثيل والتبيني
والتأشري ،وهو مشتق من كلمة "ديكتيكوس " deiktikos/اليونانية .ويراد به – اصطالحا -جمموعة من
املرجعيات اإلحالية املبنية على شروط التلفظ اخلاصة وظروفه ،كهوية املتكلم ،ومكان التلفظ وزمانه(أنا-
اآلن-هنا) .ويعين هذا أن كل ملفوظ يتكون من مرسل ومستقبل ومكان التلفظ وزمانه .وهذ املؤشرات
السياقية هي اليت تسمى باملعينات أو القرائن السياقية .وبتعبري آخر ،فاملعينات هي جمموعة من العناصر
16
اللسانية اليت حتيل على السياق املكاين والزماين لعملية التلفظ اجلارية بني املتكلمني أو املتحدثني أو
املتلفظني.
إذاً ،يقصد باملعينات أو القرائن اإلشارية تلك الكلمات أو التعابري أو الروابط أو الوحدات اللغوية اليت ترد
يف ملفوظ كتايب أو شفوي ،حتدد الظروف اخلاصة للتلفظ ،وتبني الشروط املميزة لفعل القول ضمن سياق
تواصلي معني .ومن مث ،ال يتحدد مرجع هذ القرائن واملعينات اإلشارية دالليا وإحاليا إال بوجود املتكلمني
يف وضعية التلفظ والتواصل املتبادل.
هذا ،وحتيل املعينات على أطراف التواصل ،من :متكلم ومستقبل ،ومرسل ومرسل إليه ،باإلضافة إىل
الضمائر املنفصلة واملتصلة(أنا-أنت -حنن-أنتم ،)...وأدوات التملك املتعلقة بضمري املتكلم وضمري
املخاطب(كتايب ،كتابك ،كتابنا ،كتابكم ،)...وأمساء اإلشارة(هذا-هذ -ذلك -تلك ،)...وظروف
الزمان واملكان(هنا-هناك-اليوم -اآلن -البارحة -يف يومني ،هذا الصباح ،إخل ،)...فضال عن كل
املؤشرات اللغوية اليت تعني الشخوص واألشياء من قبل املتكلم.
ومن هنا ،فاملعينات هي وحدات التلفظ ومؤشراته ،تساهم يف حتيني فعل التلفظ إجنازا وقوال وفعال ،عن
طريق الضمائر ،وأمساء اإلشارة ،وظروف املكان والزمان .ومن مث ،فاملعينات هي اليت تعىن بتحديد مرجع
الوحدات اللغوية حني عملية التلفظ والتواصل .وحييل هذا املرجع على واقعية لسانية خارجية تسيج عالقة
الدال باملدلول .ومن مث ،ال ميكن أن يتحقق معىن الشيء ،وتتعني هويته ،إال مبعرفة ظروف التواصل
وشروطه املميزة .فإذا أخذنا على سبيل املثال هذا امللفوظ اللغوي ":سأذهب ألنام" ،إذا كنا نعرف بأن
أمحد هو الذي قال هذ اجلملة ،فضمري املتكلم يعود عليه إحالة وسياقا ومقاما .أي :إن ضمري املتكلم هو
أمحد .وإذا مل نكن نعرف متلفظ هذ اجلملة ،فإننا لن نعرف بتاتا على من يعود ضمري املتكلم .وهكذا،
يتبني لنا ،بأن الضمائر تتحدد داللة وإحالة ومرجعا بوجود أطراف التلفظ والتواصل.
ويرى إميل بنيفنست ( )Émile Benvenisteيف كتابه( قضايا اللسانيات العامة) بأن املعينات حتدد
اللحظة املكانية والزمانية اآلنية أثناء حلظة التلفظ بضمري التكلم .11وإذا تأملنا هذ اجلملة على سبيل
املثال" :أسماء قالت :سأسافر هناك غدا" ،فأمساء مكون امسي حييل على املتكلم ،لكنه ليس معينا؛ ألن
املكون االمسي ال يشكل معينا إشاريا .يف حني ،حييل ضمري املتكلم على املتكلم "أمساء" ،وحتيل كلمة "
هناك" على سياق تواصلي مكاين ،بينما حتيل كلمة" غدا" على سياق تواصلي زمين .ومن هنا ،البد من
19
- Émile Benveniste: Problèmes de linguistique générale 1, ED, Gallimard,
Paris, 1966, p.253.
17
استحضار السياق املكاين والزماين والشخوصي لتحديد املعينات واملؤشرات اللغوية .ومن هنا ،يستلزم
احلديث عن املعينات وجود أطراف التواصل ،وفعل التلفظ ،واملعينات ،ووجود السياق.
و يالحظ أن املعينات ترتبط دائما يف عالقة جدلية بلحظات اخلطاب الفورية واآلنية لفعل القول ،وتتعلق
كذلك بلحظات فعل التلفظ ( ،)le discours directلكن حينما يتحول اخلطاب أو احلوار املباشر
إىل سرد أو حكي( ،)le récitأو يتخذ صيغة الكالم املنقول( .)le discours indirectفهنا،
الميكن احلديث عن املعينات .وللتوضيح أكثر ،حينما يكون هناك حوار مباشر يكون احلديث -بطبيعة
احلال -عن املعينات كما يف هذا املثال:
" -أسماء :سأسافر غدا إلى مراكش.
-لمياء :أنا سأسافر معك غدا هناك إذا وافق والدي".
نالحظ يف هذا احلوار أو اخلطاب املباشر جمموعة من املعينات املتعلقة بأطراف التواصل(أمساء وملياء)،
ووجود ضمائر الشخوص(ضمري التكلم) ،ومعينات املكان (هناك) ،ومعينات الزمان(غدا) .يف حني ،إذا
حولنا هاتني اجلملتني احلواريتني إىل سرد حمكي أو خطاب منقول ،فال ميكن إطالقا احلديث عن املعينات
اإلشارية؛ ألن املعينات ختتفي حينما تتحول إىل وحدات لغوية يف حلظة الغياب ،وال تشري إطالقا إىل حلظة
التكلم والقول والتلفظ ":قالت أسماء بأنها ستسافر إلى مراكش ،وردت عليها لمياء بأنها ستفعل مثلها
إذا وافق والدها".
ونستخلص من هذا أن املعينات تظهر حضوريا مع احلوار الداخلي (املنولوج) واحلوار املباشر(الديالوج)،
وختتفي غيابيا مع اخلطاب املنقول أو احملكي السردي.
18
وهكذا ،فاملعينات هي الوحدات اللسانية اليت هلا وظيفة داللية ومرجعية ،وهذ الوحدات اللسانية هي
جمموعة من العناصر التكوينية لوضعية التواصل .وتتضمن املعينات أو التعبريات اإلشارية (،)deictiques
يف املنظور اللساين واللغوي احلديث ،كل ما حييل على وضعيات التكلم والتخاطب والتواصل والتبليغ
والتبادل بني املتكلم واملخاطب .وترتبط املعينات اإلشارية بـ:
-الدور الذي يقوم به عاملو القول يف عملية التلفظ.
-الوضع املكاين -الزماين للمتكلم واملخاطب على حد سواء.22
ويعين هذا أن املعينات هي اليت تتضمن إحالة خاصة ومتميزة ،وهذ اإلحالة قد تكون مطلقة عامة ،أو
إحالة سياقية خاصة ،أو إحالة إشارية تعيينية .وللتوضيح أكثر نورد هذ األمثلة :
20
-C.K.Orecchioni: L'énonciation de la subjectivité dans le langage, Paris,
;Armand Colin, 1980, p:36
21
- Benveniste, E: Problèmes de linguistique générale2, ED, Gallimard, Paris,
1974.
22
-C.K.Orecchioni: L'énonciation de la subjectivité dans le langage, Paris,
Armand Colin, 1980.
23
-Greimas: Maupassant, la sémiotique du texte: exercices pratiques,
éditions du Seuil, Paris 1976, p:8-263.
19
كتابه(سيميولوجية الشخصيات)،24وتزيتيفان تودوروف يف كتابه(الشعرية) ،25إىل جانب بول ريكور(
،)26Paul Ricoeurو رومان جاكبسون ،21وييسبريسني( ،)Jespersenوكلود ليفي شرتاوس،24
وفينريش( ،)29Weinrichوجان بياجي( ،)Jean Piajetوشارل با ي( ،)32Ballyوشارل
فيلمور( ،)31 Fillmoreوفونديرليش( ،) 32Wunderlishوآخرين...
ومن الدارسني العرب الذين اهتموا باملعينات اإلشارية ،البد من ذكر حممد مفتاح يف كتابيه( في سيمياء
و(تحليل الخطاب الشعري) ،34وعبد اجمليد نوسي يف كتابه(التحليل السيميائي 33
الشعر القديم)
للخطاب الروائي)... ،35
وبناء على ما سبق ،يقصد باملعينات أمساء اإلشارة ،والضمائر املتصلة واملنفصلة ،وظروف الزمان واملكان.
وبتعبري آخر ،ما يشكل صيغة :أنا ،اآلن ،هنا .كما ميكن احلديث أيضا عن ألفاظ القرابة (أيب وأمي
وخا ي،)...وصيغ االنفعال و التعجب ،وآليات احلكم والتقومي الذايت.
وميكن احلديث بصفة عامة عن معينات املتكلم أو املتلفظ ،ومعينات املستقبل أو املخاطب أو املرسل إليه
أو املتلفظ إليه .فمن املعروف أن ضمري املتكلم حيدد هوية املتكلم ،ويعني حضور ووجود سياقيا ومرجعيا
- 24فيليب هامون :سيميولوجية الشخصيات ،ترمجة :سعيد بنكراد ،دار الكالم ،الرباط ،الطبعة األوىل سنة 1112م.
-تزفيطان تودوروف :الشعرية ،ترمجة :شكري املبخوت ورجاء بن سالمة ،دار توبقال للنشر ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل 25
سنة 1141م.
26
- Paul Ricoer: La métaphore vive. Seuil, Paris, 1975, p.98.
27
- R.Jakobson: Essais de linguistique générale, Minuit, Paris, 1963.
28
- Levi-Strauss: Anthropologie structurale, Plon, Paris, 1958.
29
-Weinrich Harold: Le temps, Seuil, Paris, 1973.
30
- Bally:(Les notions grammaticales d'absolu et de relief), In: essais sur le
langage, Minuit, Paris, 1969, pp:189-204.
31
- Fillmore :( Deictic categories in the semantics of come), Foundations of
language 2, 1966, pp: 219-227.
32
- Wunderlish, Dieter: (Pragmatique, situation d'énonciation et deixis),
Langages, 26, juin1972, pp:34-58.
- 33حممد مفتاح :في سيمياء الشعر القديم ،دار الثقافة ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل سنة 1141م.
- 34حممد مفتاح :تحليل الخطاب الشعري ،ص.151:
-35عبد اجمليد نوسي :التحليل السيميائي للخطاب الروائي ،شركة النشر والتوزيع املدارس ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل
سنة 2222م.
21
حني عملية التلفظ والتواصل .ويتحدد ضمري املتكلم يف صيغة املفرد " أنا" أو صيغة اجلمع “حنن" عرب
الطرائق التالية:
استعمال الضمائر المنفصلة " :غدا ،سأسافر ،".و" غدا سنسافر".
الضمائر المتصلة المرتبطة بالفعل" :خرجت مبكرا" ،و"ذهبنا هناك مسرعني".
أدوات التملك " :كتايب" ،و" كتابنا".
صيغ العالقة والقرابة والتفاعل الوجداني املرتبطة ضمنيا بضمري املتكلم " :التقيت بصديق"،
و"هاتفين اجلد "،و" الرضيع مريض" ،وحتيل هذ امللفوظات الضمنية على اجلمل التالية" :التقيت
بصديقي" ،و" هاتفين جدي " ،و" رضيعنا مريض".
صيغ األمر واالستفهام والتوبيخ " :اخربين .كم الساعة؟ بدأ علي يف البكاء".
العالمات الدالة على عواطف المتلفظ وانفعاالته :وتسمى كذلك مبوجهات
اخلطاب( ،)modalisateurs du discoursحيث تسمح للمتكلم أو املتلفظ بالتعبري عن
أحاسيسه وعواطفه الوجدانية ،وإصدار أحكامه التقوميية إجيابا أو سلبا .ويف هذا السياق ،ميكن احلديث
عن الذاتية واملوضوعية ،مثل:
-زرت فيال على شاطئ البحر.
-زرت كوخه على شاطئ البحر.
نستنتج ،من خالل هذين املثالني ،أن هناك تقوميا سلبيا قدحيا (الكوخ) ،وتقوميا إجيابيا حول مكان اإلقامة
(الفيال).
وتساهم صيغة االفرتاض يف تأكيد احلضور الذايت ،مثل " :ميكن أن تكون أمساء مريضة" ،أو استعمال
صيغة الشك " ال أعتقد ذلك!".
صيغ االنفعال والتفجع والتحسر والتأثر والتعجب " :آ !" ،و" كم هو مجيل هذا املكان!"..
الموجهات :مثل " بدون شك" ،و" حسب رأيي" ،و" يف منظوري"...
ومن جهة أخرى ،يتحدد وجود املستقبل عرب الطرائق الشكلية التالية:
ضمائر المخاطب :أنت ،وأنتم ،وحنن(أنا ،وأنت)...
الضمائر المتصلة بالفعل :كتبت -كتبتم...
ضمائر التملك :كتابك ،كتابكم...،
ألفاظ القرابة والعالقات الحميمية " :صديق يريد رؤيتك" " ،هاتفت األم " ،وذلك من أجل أن
تقول ":صديقك يريد ريتك" ،و"هاتفت أمنا(أنا ،وأنت)"
21
صيغ األمر واالستفهام والتوبيخ ":امسع! أين هي النظارات؟ ملياء ،سأذهب ألنام".
أما فيما خيص املعينات الفضائية ،فنستحضر :هنا ،هناك ،ورائي ،يساري ،قريب...،
أما املعينات الزمانية ،فهي :اآلن ،اليوم ،غدا ،البارحة ،يف هذا الشهر ،يف هذ اللحظة...
وفيما يتعلق بأمساء اإلشارة ،فنذكر :هذا ،هذ ،ذلك ،تلك ،هؤالء ،أولئك...
وميكن احلديث كذلك عن أفعال احلركة واالنتقال ،مثل :جاء -ذهب -انطلق -سافر -ارحتل" :جاء مسري
ليساعدين" .أي :تشري إىل الوصول إىل منطقة التلفظ أو مغادرهتا.
وميكن اعتبار كذلك بعض األزمنة الفعلية من بني املعينات كاحلاضر :أشتغل ،ألعب ،تلعب...
ومن جهة أخرى ،ميكن احلديث عن نوعني من املعينات والقرائن اإلشارية ،فمنها ما يتعلق بالعوامل أو
أطراف التلفظ والقول( ،)actantsو هناك ما يتعلق بظروف التواصل والتلفظ والقول والكالم
( .)circonstantsفمن مث،حتيل معينات العوامل على املرسل واملرسل إليه ،أو املتكلم واملستقبل،
وتسمى باملعينات الذاتية ( ،)embrayeurs subjectifsأو املعينات الشخوصية أو الضمائرية
( .)embrayeurs personnelsأما املعينات الثانية ،فتحيل على ظروف التلفظ وسياقه التواصلي،
وميكن تقسيمها كذلك إىل معينات مكانية ( )embrayeurs locatifsأو معينات فضائية
( ،)embrayeurs spatiauxومعينات زمانية (.)embrayeurs temporels
أقسام املعينات
املعينات السياقية املعينات الذاتية
أو المعينات الزمانية. المكانية المرسل المعينات التلفظ: عوامل
والمرسل إليه ،أو المتكلم المعينات الفضائية.
والمستقبل.
عالوة على ذلك ،حتمل املعينات والتعبريات اإلشارية يف طياهتا وظائف عدة ،ميكن حصرها يف الوظيفة
املرجعية ،حيث حتدد هذ العناصر اخلطابية ،وهذ الوحدات اللسانية ،سياق التواصل والتلفظ ،سواء أكان
سياقا شخصيا أم سياقا مكانيا أم سياقا زمانيا .فال ميكن دراسة املعىن بدون حتديد املرجع .ويف هذا
الصدد ،تقول أوريكوشيوين ":يستحيل يف بعض األحيان الوصف املناسب لألداء الكالمي دون االهتمام
مبحيطها غري الكالمي بشكل عام .الميكن دراسة املعىن دون حتديد صلته باملرجع؛ وال ميكن حتليل القدرة
22
اللسانية بتفريغ القدرة اإليديولوجية اليت تنتظم عليها ،ال ميكننا وصف اإلرسالية دون االهتمام باملقام الذي
36
تأسس عليه ،والنتائج اليت هتدف إليها".
كما تؤدي هذ املعينات والقرائن اإلشارية وظيفة التعيني والتأشري ،والرتكيز على اإلحالة املقامية والنصية،
وحتديد الوضعية املكانية والزمانية ،وتبيان املشار إليه قربا وبعدا ،وتأكيد وظيفة احلضور والغياب ،والتنبيه إىل
الوظيفة الذاتية واملوضوعية ،ورصد وظيفة االندماج والالندماج ،إىل جانب حتديد الوظائف الداللية
واملرجعية والتداولية واللسانية .ويعين هذا حسب بنفينست أن " الضمري ليس إال شكال فارغا ،إذا كان
خارج اخلطاب الفعال ،و ال يرتبط بأي موضوع أو مفهوم أو تصور" .31ويرى بول ريكور أيضا بأن
الضمائر ":هي بالضبط ال دالة ،الكلمة "أنا" ليست هلا داللة يف ذاهتا"...أنا" هو الذي ،يف مجلة ،ميكن
أن ينطبق على نفسه أنا على أنه هو الذي يتكلم ؛ إذاً ،الضمري هو أساسا اشتغال اخلطاب ،وال حيمل
34
معىن إال حينما يتكلم شخص ويعني نفسه بقوله أنا".
وبتعبري آخر ،إن للمعينات وظائف داللية تتمثل يف ارتباط القرائن اإلشارية بالسياق املرجعي واملعىن
الدال ي .كما تؤدي هذ املعينات وظيفة نفسية كما عند جان بياجي .ومن مث ،فهل "القرائن اإلشارية
تكتسب مبكرا أو بكيفية متأخرة من قبل الطفل؟ ولكن اآلراء متعددة حول هاته النقطة :بالنسبة لبياجي
القرائن اإلشارية هي أكثر حضورا يف اخلطاب الطفو ي؛ نظرا الرتباطها باستعمال أنوي ذايت التمركز
31
للغة".
كما تؤدي هذ املعينات وظيفة أنرتوبولوجية .ويف هذا السياق ،يعلن كلود ليفي شرتاوس ،ضمن مقاربته
األنرتوبولوجية ،أن" يف اللغات اهلندوأوربية املصطلحات الدالة على القرابة منظمة يف بعد ذايت ،على خالف
نظريهتا الصينية حيث يتعلق األمر بنسق موضوعي كليا؛ إذ عالقات القرابة تدرك عن طريق صلتها
بالشخص ،باعتبار أن األلفاظ تصري مبهمة جدا ونادرة لتنطبق على أقرباء بعيدين .إذاً ،األنساق
42
اهلندأوروبية أنساق ذاتية التمركز وأنوية ،معتربة األنا نقطة االنطالق".
وقد تتخذ املعينات وظيفة بالغية حينما تتجاوز التعيني والتقرير إىل اإلحياء والتضمني عرب عملية االنزياح
واخلرق ،وانتهاك املعيار التقعيدي ،من خالل تصادم الوحدات اللغوية وتوترها ،كما يف األمثلة التالية:
-أريكشيوين :فعل القول من الذاتية في اللغة ،ترمجة :حممد نظيف ،أفريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل 36
إن النص األديب ليس جمرد خطاب لتبادل األخبار واألقوال واألحاديث ،بل يهدف عرب جمموعة من األقوال
واألفعال اإلجنازية إىل تغيري وضع املتلقي ،وتغيري نظام معتقداته ،أو تغيري موقفه السلوكي من خالل ثنائية
افعل وال تفعل .41ويعين هذا أن اخلطاب أو النص األديب ،يف مفهوم التداوليات التحليلية اليت ظهرت يف
سنوات اخلمسني من القرن العشرين مع أوستني ،كما يف كتابه( نظرية أفعال الكالم) (1162م)،42
وسورل يف كتابه( أفعال اللغة) (1161م)،43عبارة عن أفعال كالمية تتجاوز األقوال وامللفوظات إىل الفعل
اإلجنازي والتأثري الذي يرتكه ذلك اإلجناز .ومن هنا ،تنبين نظرية األفعال الكالمية على ثالثة عناصر رئيسة
هي :أوال ،فعل القول ،ويراد به إطالق ألفاظ يف مجل مفيدة سليمة الرتكيب ،وذات داللة ،حتمل يف طياهتا
محوالت قضوية وإخبارية .ومن هنا ،تشتمل على مستوى صويت وتركييب ودال ي ،مثل" :أشكرك يا علي".
وثانيا ،الفعل املتضمن يف القول :وهو الفعل اإلجنازي ،وهو حيدد الغرض املقصود بالقول ،كصيغة األمر يف
هذ اجلملة ":انتظري اللحن الجديد" .وثالثا ،الفعل الناتج عن القول ،وهو ما ينتج عن القول من آثار
41
- Catherine kerbrat-Orrecchioni: Enonciation de la subjectivité dans le
langage, Paris, Armond Colin, 1980, p: 181.
42
- J.L.Austin: Quand dire, c'est faire, Editions du seuil, Paris, 1970.
43
- John R.Searle: les actes de langage, Collection, savoir Herman, Paris, 1972.
24
لدى املخاطب إثر فعل القول ،كإقناع املخاطب ،وحثه ،وإرشاد ،وتوجيهه ،أو تضليله ...وحتضر هذ
املستويات الثالثة للفعل الكالمي مجيعها يف الوقت ذاته ،و بدرجة متفاوتة ،هي اليت جتعل هذا الفعل
الكالمي كامال.
عالوة على ذلك ،مييز أوستني بني اجلمل اخلربية واجلمل اإلجنازية ،وتتنوع هذ األقوال اإلجنازية إىل أقوال
ظاهرة وأقوال مضمرة .فاألقوال اإلجنازية قد تكون هلا قوة حرفية ،مثل :االستفهام ،والتمين ،واألمر ...وقد
تكون هلا قوة إجنازية حوارية وسياقية ،مثل :االلتماس ،واإلرشاد ،والتهديد ،والتحسر... ،
ويعين هذا كله أن الفعل الكالمي ينقسم إىل ثالثة أنواع :فعل القول ،والفعل املتضمن يف القول ،والفعل
الناتج عن القول ،وقد ال يدل الفعل املتضمن يف القول على داللته املباشرة ،بل يفيد معىن إجنازيا آخر غري
مباشر حيدد سياق القول .بتعبري آخر ،للجملة الواحدة ثالثة مستويات :حمتواها القضوي ،وهو جمموع
معاين مفرداهتا ،والقوة اإلجنازية احلرفية ،وهي قوة مدركة مقاليا ،والقوة اإلجنازية املستلزمة اليت تدرك مقاميا.
ويعين هذا أن أوستني يربط األقوال باألفعال ،واملقال باملقام .فأن نقول كالما ،يعين أننا ننجز فعال .ومن
هنا ،فنظرية األفعال الكالمية تنبين على فعل القول (قول شيء ما) الذي يتخذ مظهرا صوتيا وتركيبيا
ودالليا ،والفعل املتضمن يف القول (إجناز فعل معني ضمن قول ما) ،وقد يكون فعال مباشرا أو غري مباشر،
والفعل الناتج عن القول(اآلثار املرتتبة عن قول شيء ما) .ويتميز الفعل الكالمي باملطابقة مع الواقع
والسياق ،والتعبري عن حالة نفسية ،والقدرة على اإلجناز ،واختالفه باختالف منزلة املتكلم من املتلقي،
44
واالختالف يف أسلوب اإلجناز ،واختالف القوة اإلجنازية...
وميكن تقسيم أفعال الكالم -حسب ما يقصد هبا من أغراض إجنازية -إىل :
-1التقريريات :وتفيد تأكيد وإقرار املتكلم لبعض الوقائع واألحداث يف الواقع اخلارجي ،مثل " :إنين
كاتب وناقد وفيلسوف".
-2الطلبيات أو األمريات :وحتضر يف توجيه املتكلم طلبا للمخاطب إلجناز فعل ما ،مثل" :هل سيسافر
أمحد غدا؟" ،و" اخرجوا كلكم من مدرج الكلية".
-3البوحيات أو اإلفصاحيات :تعرب عن احلالة النفسية للمتكلم ،مثل ":أحب أن أراك سعيدا" ،و"
مللت االنتظار".
-4الوعديات :تفيد التزام املتكلم بإجناز فعل يف الزمان املستقبل ،مثل ":أعدك بسفر رائع إىل مصر".
- 44راجع :جون أوستني :نظرية أفعال الكالم العام ،ترمجة :عبد القادر قينيين ،أفريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة
األوىل سنة 2226م.
25
-5التصريحات :ويقصد هبا إعالن املتكلم عن إجناز فعل يفيد تغيريا مرتقبا على مستوى العامل اخلارجي،
مثل ":أعلن أيها احلضور الكرمي عن برناجمي االنتخايب قريبا".
وعليه ،يعمد الناقد يف املقاربة التداولية حني التعامل مع النص األديب إىل استخالص األفعال الكالمية،
وتصنيفها إىل األفعال القضوية ،واألفعال اإلجنازية اخلربية ،واألفعال السياقية ،وتصنيف اجلمل األدبية
حسب سياقها ومقامها الوظيفي والتداو ي واملقصدي.
لقد اهتمت الدراسات التداولية ،يف بداية األمر ،باملتكلم باعتبار قوة عليا ميتلك سلطة متفوقة ،إذ يوجه
للمخاطب الذي يكون يف مرتبة دنيا ،جمموعة من األوامر لتنفيذها بطريقة ميكانيكية ،دون تردد أو
مناقشة ،كما هو حال األوامر الدينية والعسكرية ،ويسمى هذا بالتواصل التوجيهي .لكن هناك من يرفض
هذا التصور امليكانيكي ،فيعترب املقصدية قامسا مشرتكا بني كل من املتكلم واملتلقي ،ال فرق بينهما إال من
باب األخذ بزمام املبادرة .لكن هناك من يرى أن املقصدية قد يتحكم فيها املتلقي ،فيجعل املتكلم يف
قبضة يد ،فيتصرف فيه كيفما يشاء ،مث يضطر املتكلم إىل تكييف خطابه حسب رغبات املتلقي ،بل قد
يكون ناطقا بلسانه.45
وهكذا " ،مل ختل كتابة من اإلشارة إىل القصد والقصدية واملقصدية ،ومما يفيد هذا املعىن؛ فالباحثون
مجيعهم جيعلون املميز األساسي بني اإلنسان وغري هي املقصدية .ولكن هناك من قصرها على ماورد فيه
جذرها صراحة أو ضمنا (هرمان باريت ،) Parretومنهم من جعلها مسبقة (كرمياص ،)Greimas
كما أن منهم من جعلها ميكانيكية موجهة (أوستني ،Austinوسورل ،Searleوكرايس.) Grice
بيد أهنا ال تقتصر على املتكلم ،ولكنها تشمل املخاطب أيضا .وهلذا ،فقد تتفق املقصديتان درجات من
االتفاق ،وقد ختتلفان درجات من االختالف (نظرية التلقي) ،مما أدى إىل طرح إشكاليتها الفلسفية
واملنهاجية ،باعتبار أهنا غالبا ماال تكون ظاهرة يف النص ،وإمنا يفرتض أهنا تكمن خلفه .لذلك ،بذلت
حماوالت لصورنتها (بتيطو /Jean Petitoوأبوسطل ) Leo Apstelللخروج هبا من ميدان علم النفس
إىل جمال اللسانيات.
- 45حممد مفتاح :دينامية النص ،املركز الثقايف العريب ،بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل سنة 1141م ،ص.46:
26
إهنا – مهما اختلفت وجهات النظر يف كيفية تناوهلا -جممع على وجودها .كأهنا تكسب الكالم دينامية
46
وحركة ،بل هي منطلق الدينامية".
ويعين هذا أن النص األديب باعتبار مجال وملفوظات لغوية حيوي جمموعة من املقاصد املباشرة والضمنية اليت
يعرب عنها املتكلم أو املتلقي أو مها معا .بتعبري آخر ،مثة مقاصد أولية تتعلق باملتكلم املرسل قد يكون شاعرا
-مثال ،-فيعرب عن بعض مقاصد كاحلب واخلوف واالعتقاد والتمين والكراهية .ويف املقابل ،مثة مقاصد
ثانوية تتعلق باملتلقي السامع الذي عليه أن يفهم مقاصد الشاعر املبدع ،ويتعرف ظروفه وحاالته النفسية
والذهنية والوجدانية.
وإذا انتقلنا إىل النص األديب ،فإن املبدعني والشعراء يوظفون كلمات وتعابري وأمساء أعالم هلا مقصدية
مباشرة وغري مباشرة ،قد تدرك بطريقة ظاهرة ،أو تفهم بالتضمني والتلميح .وهذ املقصدية واضحة يف
الشعر العريب املعاصر أكثر من الشعر العريب القدمي ،فالشاعر املعاصر يوظف اللغة يف ضوء سيميائية
قصدية ،حيث تتحول قصائد إىل عالمات ورموز وإشارات وأيقونات حتمل يف طياهتا دالالت مقصدية،
ينبغي استكشافها من قبل املتلقي عرب آليات التفكيك والتشريح والتقويض والتأجيل والتأويل"،إن الشعراء
مهما كانت أجناسهم وأمصارهم وأزمنتهم حرصوا على قصدية اللغة الشعرية ،مبعىن االرتباط الطبيعي بني
الدال واملدلول .فقد اعتنقوا ،بدرجات متفاوتة النظرية "الكراتيلية" على حساب" اهلرموجينية" .إال أنه إذا
كان الشعراء القدماء يستعملون اللغة حبسب مامتلي عليه جتارهبم ،فإن احملدثني واملعاصرين الذين تأثروا
بالتيارات السيميائية املعاصرة صاروا يقصدون اللغة بسبق اإلصرار.وهكذا ،جند ،يف قصائدهم ،ما حياكي
أصوات الطبيعة ،وحشدا هائال من أمساء األعالم املختلفة ذات الدالالت اإلحيائية ،وألفاظا عتيقة ضاربة يف
أعماق التاريخ ،أو حديثة آتية من آفاق خمتلفة .وهذا التداخل املعجمي خيلق عدة معان فرعية عرضية تقرأ
بتشاكالت خمتلفة حبسب الوسط الذي دعيت منه الكلمة مما جيعلها مؤشرا كنائيا عليه .وقد تصبح أيقونا
41
إذا توفرت فيها عالقة املثلية أو املشاهبة".
وهكذا ،تتعامل املقاربة التداولية مع النص األديب واخلطاب اإلبداعي باعتبار مقصدية سياقية ينبغي
استحضارها بغية تأويل النص تأويال صحيحا وسليما.
ينبين النص األديب -حسب النظرية التفاعلية -على التفاعل ( ،)Interactionمن خالل استحضار
املتكلم واملتلقي اللذين يدخالن يف عالقة تفاعلية دينامية إجيابية أو سلبية حسب منطق السلطة ،والتفاوت
االجتماعي واملعريف والطبقي .بيد أن السلطة التفاعلية قد حيوزها املتكلم ،وقد ميتلكها املتلقي ،وقد يشرتكان
فيها عرب التفاعل التضامين اإلجيايب والتعاون التداو ي املثمر .ويف هذا اإلطار ،يقول حممد مفتاح ":نقصد
بالتفاعل عالقة املرسل مبتلقيه ،سواء أكان ذلك املتلقي فردا أو مجاعة ،موجودا بالفعل أو بالقوة .ومن شأن
هذ العالقة أن تسلب السلطة املطلقة من املرسل على إصدار خطابه بعجرفة أوال مباالة حنو اآلخرين ،وأن
تدخله يف دائرة القواعد الضمنية أو العالنية ،وأن جتعله يكيف خطابه على قدر متلقيه ليحصل التفاعل،
وكسب استمالة املتلقي ،ونيل رضا .ونظرية التكيف هذ تتيح لنا معرفة السبب يف تلون خطاب مؤلف
واحد ،فقد يكون من عادة اإلجادة ،واستعمال أساليب راقية ،وصور غريبة ،ولكننا قد نفاجأ بغري ما هو
معتاد منه ،وليس من سبب رئيسي وراء ذلك إال حماولة التكيف.
على أن هناك اعرتاضا قد يطرح وهو :إن هذا الذي قلتمو يصح يف اخلطاب التقليدي الروتيين الشعائري
املخاطب للناس مبا ألفو ،ولكنه ال يستقيم يف اخلطاب األديب العريب احلديث أو املعاصر القائم على
مفاجأة املتلقي ،وعلى تعتيم الطريق أمامه...ومع وجاهة هذا االعرتاض ،فإننا نفرتض أن كل خطاب جاد
44
يهدف إىل عملية ربح املتلقي ،وكسبه إىل جانبه ،والربح -هنا -كيفي ،وليس كميا".
وللتوضيح أكثر ،فإذا كانت النظرية اإلبالغية هتدف إىل نقل املعلومات ،فإن النظرية التفاعلية هتدف إىل
توطيد العالقات االجتماعية بني الطرفني املتحاورين تدعيما وتقوية وتعزيزا .ويف هذا الصدد ،يقول الباحث
املغريب حممد خطايب ":يقصد بالوظيفة التفاعلية قيام شكل من أشكال التفاعل اللغوي بني فردين أو بني
جمموع أفراد عشرية لغوية .على أن هذ الوظيفة الثانية تكتسي صبغة خاصة باعتبار أنه ال يهدف من
ورائها إىل نقل املعلومات ،وإمنا إىل تأسيس وتعزيز العالقات االجتماعية واحلفاظ عليها .إضافة إىل ذلك،
فهي تعرب عن هذ العالقات االجتماعية واآلراء واملواقف الشخصية والتأثريات املرغوب إحداثها يف العقيدة
أو الرأي أو ما شابه ذلك .فمن الطبيعي – إذاً -أن يهتم هبذ الوظيفة علماء االجتماع وعلماء االجتماع
41
اللغوي ودارسو التخاطب وأضراهبم".
تذهب التداولية احلجاجية إىل أن النص أو اخلطاب عبارة عن روابط لغوية حجاجية .وخري من ميثل هذ
املقاربة احلجاجية أوزوالد دوكرو ( )Ducrotالذي أدخل البعد التداو ي ضمن الوصف اللساين ،باعتبار
أحد مكوناته الرئيسة إىل جانب الرتكيب والداللة على غرار شارل موريس .ويعين هذا أن البعد التداو ي
للملفوظ يوجد يف اللغة نفسها ،وليس مرتبطا بسياق تلفظي ما .ومن مث ،فالعالقات املوجودة بني
امللفوظات هي عالقة حجاجية ،وليست منطقية استنباطية .مبعىن أن القواعد احلجاجية هي اليت تتحكم يف
ترابط ملفوظات النص ،وتسلسلها يف عالقاهتا مبعانيها ،وليست هي القواعد املنطقية واالستنباطية .أي :إن
الروابط احلجاجية هي اليت تتحكم يف اتساق النص وانسجامه ،كالضمائر ،وحروف العطف ،واألمساء
املوصولة ،وأمساء اإلشارة ،وروابط اإلثبات والنفي ،واالستنتاج ،واالستدراك...ومن مث ،يتحقق تواصل
امللفوظات عرب أفعال الكالم ،وليس عرب الصفات من جهة ،وفهم امللفوظ يعين فهم أسباب تلفظه من
جهة أخرى .ومن مث ،اهتم دوكرو كثريا بالروابط التعبريية اليت ختلق اتساق النص وانسجامه ،واهتم كذلك
بالتمفصالت اللغوية اليت تساهم يف خلق النص احلجاجي برهنة واستدالال وترابطا وهيكلة.
هذا ،والغرض من هذا احلجاج هو اإلقناع والتأثري والتداول والتواصل والتخاطب .ومن مث ،فاحلجاج فعالية
تداولية جدلية دينامنيكية فعالة ،وهناك نوعان من احلجاج :حجاج عاد عند البالغيني اجلدد ،يستعمل
آليات وتقنيات بالغية ومنطقية .أي :جممل اإلسرتاتيجيات اليت يستعملها املتكلم من أجل إقناع خماطبه.
ويف هذا اجملال ،ارتبطت البالغة اجلديدة باحلجاج ارتباطا وثيقا ،فاستعملت تقنيات البالغة يف عملية
اإلفهام واإلقناع ،وقد اهتم هبا كل من بريملان( )Perelmanو أولربيشت تيتيكا( )Tytekaيف كتاهبما(
مصنف في الحجاج :البالغة الجديدة) (1154م) ،وقد ركز بيلمان كثريا على مبدأين رئيسيني مها:
القصد واملقام .وميكن االستفادة من هذا التصور احلجاجي التقليدي ،حيث يساعدنا على" اكتساب خربة
منهاجية دقيقة يف حتليل نصوص ذات طبيعة حجاجية قوية،كالنصوص القضائية والسياسية والفلسفية ،بناء
على تصور تفاعلي بني الذات املتكلمة واملخاطبني.وعلى الرغم من ميزات هذا التصور ،فإنه يقصر احلجاج
على بعض التقنيات واآلليات البالغية واملنطقية ،وهو مايدفعه إىل تقسيم اخلطابات إىل خطابات حجاجية
29
ذات طبيعة إقناعية ،كاملناظرات واجملادالت الدينية والفلسفية والسياسية والقانونية ،وأخرى غري حجاجية .
بينما يتبىن التصور التقين للحجاج تقسيما آخر تصري مبقتضا كل اخلطابات املختلفة اليت تستعمل لسانا
52
طبيعيا خطابات حجاجية بدرجات خمتلفة".
ويف املقابل ،هناك حجاج لغوي يعتمد على الروابط اللغوية يف عملية اإلقناع واحملاججة ،وميثل هذا االجتا
كل من أوزوالد دوكرو يف كتابه( الساللم الحجاجية ) (1141م) ،وأنسكومرب ( .)Anscobreويسمى
هذا أيضا باحلجاج داخل اللغة ،وهو امتداد للمقاربة التلفظية عند إميل بنيفنست .ويركز دوكرو على منطق
الكالم باستكشاف القواعد الداخلية للخطاب اليت تتحكم يف ترابط النص وتسلسله واتساقه وانسجامه.
ومن هنا ،فاحلجاج ليس خارجا عن اللغة أو يضاف إليها ،بل هو موجود يف داخل اللغة وعربها ويف بنيتها
الضمنية .كما أن اجلملة باعتبارها مورفيمات ومونيمات وتعابري وصيغ ،باإلضافة إىل حمتواها القضوي
اإلخيباري ،ميكن أن توجه للمتلقي تأثريات إقناعية حجاجية سلبية أو إجيابية.
من هنا ،ميكن مدارسة النص األديب ،سواء أكان سردا أم مسرحية أم نصا شعرية ،يف ضوء املقاربة
احلجاجية ،عن طريق استكشاف الروابط احلجاجية اللغوية اليت تتحكم يف بناء النص وترابطه،مع تبيان
البعد احلجاجي واإلقناعي يف النص ،بالتشديد على السلم احلجاجي الذي يعىن بدراسة مسار احلجاج
انطالقا من قول احلجة إىل نتي ــجتها ،مع تبيان طريقة التـ ـ ــالزم ،و التعاقد ،وسلّم التفاضل بني احلجج من
حيث القوة و الضعف ،و الكم و الكيف ...إخل
- 52رضوان الرقيب( :االستدالل احلجاجي التداو ي وآليات اشتغاله) ،مجلة عالم الفكر ،الكويت ،العدد ،2اجمللد ،42أكتوبر-
ديسمرب 2211م ،ص.45:
31
أمناط من األفعال حسب أوستني ،وهي :فعل التلفظ ،والفعل القضوي ،والفعل اإلجنازي ،والفعل التأثريي.
ففعل التلفظ يشمل الفعل الصويت والفعل الرتكييب.أما الفعل القضوي ،فيتفرع إىل الفعل اإلحا ي والفعل
احلملي .أما الفعالن اإلجنازي والتأثريي فال خيتلفان يف مقرتح سريل عنهما يف مقرتح أوستني كبري اختالف.
وقد اقرتح سريل كذلك أفعاال أخرى انطالقا من نظرية األفعال اللغوية ،وصنفها يف مخس :األفعال
احلكمية(متثل الواقع صدقا أو كذبا) ،واألفعال األمرية ،واألفعال االلتزامية ،واألفعال التعبريية ،واألفعال
اإلجنازية .بيد أن سورل يركز فقط على فعلني رئيسني مها:الفعل القضوي ،والفعل اإلجنازي.
وبناء على ماسبق ،يرى كرايس أن مجل اللغة الطبيعية قد التدل على معانيها القضوية املباشرة واحلرفية ،بل
خترج إىل دالالت سياقية إجنازية .لذا ،صاغ قانون التعاون مببادئه األربعة :مبدأ الكم ،ومبدأ الكيف ،ومبدأ
التعبري ،ومبدأ املناسبة .ومن مث ،يسمي كرايس هذا النوع من اجلمل اإلجنازية اليت حتمل معاين سياقية
ضمنية باالستلزام احلواري .ويتحقق هذا االستلزام حينما خترق إحدى القواعد األربع ،مع احرتام مبدأ
التعاون .ويدرج كرايس هذا النوع من الداللة يف تصنيف عام للمعاين اليت ميكن أن تدل عليها العبارات
اللغوية .ويشرح الباحث الللغوي املغريب أمحد املتوكل ما قلنا سابقا بقوله ":تنقسم احلمولة الداللية للعبارة
اللغوية إىل معان صرحية ومعان ضمنية ،وتعد معاين صرحية املعاين املدلول عليها بصفة اجلملة ذاهتا .يف
حني ،تعد ضمنية املعاين اليت ال تدل عليها بصيغة اجلملة.
تشمل محولة املعاين الصرحية( :أ) احملتوى القضوي (معاين مفردات اجلملة مضموما بعضها إىل بعض)،
و(ب) القوة اإلجنازية احلرفية (القوة اإلجنازية املشار هلا بصيغة اجلملة كاالستفهام واألمر واإلخبار.)...
-2املعاين الضمنية صنفان :معان عرفية ومعان حوارية (أو سياقية) .
تعد معاين عرفية املعاين املرتبطة باجلملة ارتباطا جيعلها ال تتغري بتغري السياقات .يف حني ،تعد معاين حوارية
املعاين اليت تتولد طبقا للسياقات أو املقامات اليت تنجز فيها اجلملة .من املعاين املتضمنة عرفا املعىن
املقتضى أو االقتضاء ،واملعىن املستلزم منطقيا أو االستلزام املنطقي.
أما املعاين الضمنية املتولدة عن السياق ،فهي نوعان :املعاين الناجتة عن سياق خاص واملعاين البالغة من
العموم أهنا مل تعد مرتبطة بسياق خاص أو بطبقة معينة من السياقات .يصطلح كرايس على تسمية هذين
النوعني من املعاين الضمنية " االستلزامات احلوارية اخلاصة" و" االستلزامات احلوارية املعممة" على
51
التوا ي".
تعرف فرانسواز أرمينكو ( )Françoise Armengaudاحلوارية بأهنا" مكون لكل كالم ،وتعرف
كتوزيع لكل خطاب إىل حلظتني تلفظيتني توجدان يف عالقة حالية ،ويقدم املبدأ احلواري من خالل احلدود
التالية :كل تلفظ يوضع يف جمتمع معني البد من أن ينتج بطريقة ثنائية ،تتوزع بني املتلفظني الذين يتمرسون
على ثنائية اإلصاتة وثنائية العرض ،على حد تعبري فرانسيس جاك ،وإن كل كالم إال وله مالكان تقريبيان،
56
ورمبا كان من املضبوط القول بأن سيدة الكالم احلواري هي العالقة التخاطبية ذاهتا".
مبعىن أن امللفوظ التخاطيب دال مادام يتموضع يف جمتمع املتحاورين واملتناظرين .ومن مث ،ميتلكون عالقات
حوارية وختاطبية .ومن مث ،تقوم احلوارية على عرض امللفوظات املتبادلة ،فترتابط احلوارات احلالية مع
احلوارات السابقة واحلوارات الالحقة.
عالوة على ذلك ،ميكن احلديث عن أنواع من احلوارية ،فهناك حوارية حجاجية فلسفية وتداولية كما عند
فرنسيس جاك ،وحوارية أدبية كما عند الروسي ميخائيل باختني ،وحوارية بوليفونية لسانية ولغوية كما عند
أزوالد دوكرو .كما تنقسم احلوارية أيضا إىل حوارية صرحية ،وحوارية مضمرة ،وحوارية متعددة األصوات.
هذا ،وحتقق احلوارية جمموعة من الوظائف واألهداف" جند يف الدرجة األوىل أهنا متنح للتلفظ طبيعة نسبية
وتفاعلية .وحتكم يف الدرجة الثانية عند املتكلمني -وأكثر يف اللحظات التلفظية – نشاطني ال يفرتقان عن
إرادة القول والفهم :يف الداللة والفهم .،حني ،تكون العالقة التخاطبية غري متعادلة ،أو حني تكون
موضوعا لنفي صراعي يف اخلطاب .وحتكم احلوارية يف الدرجة الثالثة الداللة العميقة للتلفظ :مادامت اآللية
اإلحالية واملضمون القضوي ،والقوة اإلجنازية للجملة يف وضعية ختاطبية.
وتعد آثار احلوارية يف مفهوم املتكلم هامة بصفة خاصة .إذ تلغي استقالل الفاعل املتكلم جتا الدالالت
51
املوصلة .وحييل التحليل املتعا ي ،يف عالقة هبذا ،ال على الفاعل ،بل على العالقة التخاطبية نفسها".
ومن هنا ،فاحلوارية تتجاوز اجلملة مادام التخاطب قائما على السؤال واجلواب ،وجتاوز للمتكلم إىل العالقة
التخاطبية اليت جتمع بني املتكلم واملتلقي ،ووجود إحالة على األشخاص وإحالة على العامل سياقا ومقاما.
- 56فرانسواز أرمينكو :المقاربة التداولية ،ترمجة :د.سعيد علوش ،املؤسسة احلديثة للنشر والتوزيع ،الطبعة األوىل سنة 1141م،
ص.112:
- 51فرانسواز أرمينكو :المقاربة التداولية،ص.112:
34
أما فيما خيص احلوارية املتعددة يف األدب ،فتنبين على تعددية يف األطروحات واألفكار واإليديولوجيات
ووجهات النظر ،وتعدد يف الرواة والسراد ،وتعدد يف اللغات واللهجات واألساليب ،واعتماد السخرية
والباروديا والتهجني واألسلبة والتناص .مبعىن أهنا رواية تفاعلية نسبية حتتكم إىل دمقرطة السرد والرؤية
واإليديولوجيا.
هذا ،ويعرف ميخائيل باختني الرواية البوليفونية بقوله ":إن الرواية املتعددة األصوات ذات طابع حواري
على نطاق واسع .وبني مجيع عناصر البنية الروائية ،توجد دائما عالقات حوارية.أي :إن هذ العناصر جرى
وضع بعضها يف مواجهة البعض اآلخر ،مثلما حيدث عند املزج بني خمتلف األحلان يف عمل موسيقي.حقا
إن العالقات احلوارية هي ظاهرة أكثر انتشارا بكثري من العالقات بني الردود اخلاصة باحلوار الذي جيري
التعبري عنه خالل التكوين ،إهنا ظاهرة شاملة تقريبا ،تتخلل كل احلديث البشري وكل عالقات وظواهر
54
احلياة اإلنسانية ،تتخلل تقريبا كل ماله فكرة ومعىن".
وهكذا ،تنبين الرواية البوليفونية على تعدد املنظورات السردية ووجهات النظر(الرؤية من اخللف -الرؤية
الداخلية -الرؤية من اخلارج) ،باإلضافة إىل تعدد الضمائر السردية (ضمري املتكلم -ضمري املخاطب-
ضمري الغائب) ،وتعدد الرواة والسراد الذين يعربون عن اختالف املواقف الفكرية ،وتعدد املواقف
اإليديولوجية ،واختالف وجهات النظر تواصال وتبليغا واقتناعا .مبعىن أن كل قصة نووية يسردها سراد
خمتلفون ،كل سارد له رؤيته اخلاصة إىل زاوية املوضوع .أي :يعطي املؤلف للشخوص احلرية والدميقراطية يف
التعبري عن وجهات نظرها ،دون تدخل سافر من املؤلف لرتجيح موقف على حساب موقف آخر ،بل يرتك
كل شخص يد ي برأيه بكل صراحة وشفافية ،فيعلن منظور جتا احلدث واملوقف بكل صدق وإخالص ،مث
يعرب عن نظر وإيديولوجيته بكل مصداقية ،دون زيف أو مواربة أو تغيري لكالمه .كأن تعرب شخصية ما عن
رؤيتها اإلسالمية ،وتعرب شخصية أخرى عن رؤيتها االشرتاكية ،وشخصية ثالثة عن الرؤية الشيوعية،
وشخصية رابعة عن رؤية أرستقراطية ،هكذا دواليك .لكن للقارىء احلق الكامل يف اختيار الرؤية اليت يراها
مقنعة ووجيهة ،دون أن يفرض عليه الكاتب أو املؤلف أو السارد املطلق رؤية معينة ،عرب جمموعة من
اآلليات كرتجيح وجهة نظر شخصية معينة ،وتسفيه آراء الشخصيات األخر عن طريق التقومي الذايت
واالنفعا ي ،وإصدار أحكام القيمة.
من املعلوم أن النظرية التوليدية التحويلية مع نوام شومسكي قد أعطت أمهية كربى للكفاءة اللغوية على
حساب اإلجناز أو القدرة التداولية ،أو على حساب االستعمال واألداء واإلجناز .ومن مث ،فالنظرية التوليدية
نظرية صورية تتسم بقدر عال من التجريد واألمثلة ،مادامت التعىن بالسياق واالستعمال اإلجنازي التداو ي.
و" لقد جاءت الرباغماتية بعد مراحل من الدراسات الصورية أو البنائية للمعىن ،اليت عرف هبا التوليديون
على وجه اخلصوص ،ولعل روبني الكوف( )Robin Lakofمن أوائل التوليديني الذين شككوا يف
إمكان دراسة املعىن معزوال عن السياق ،وحتمل شهادة أحد التوليديني املعروفني بإغراقهم يف التجريد على
إخفاق النهج الصوري البنائي يف دراسة املعىن قيمة خاصة يف الربهنة على أمهية السياق ،واالستخدام يف
51
تقدمي تفسري سليم لعملية التخاطب".
بيد أن النظريات اللسانية الصورية ،سواء أكانت بنيوية وصفية أم بنيوية تفسريية ،تعرضت جملموعة من
االنتقادات الداعية إىل ربط الرتكيب والداللة بالسياق الوظيفي والتداو ي .وهكذا " ،فمنذ السبعينيات،
توالت االنتقادات للدراسات اليت جتعل من اجلملة وحدة للتحليل اللغوي ،وزاد عزوف خمتلف الباحثني عن
الدراسات اليت ال تأخذ يف حسباهنا العناصر السياقية ،واجلوانب التخاطبية يف دراسة اللغة .فاللسانيون
االجتماعيون بدأوا يرفضون فكرة املتحدث املثا ي عند تشومسكي ،وشبيه هبذا ما فعلته اللسانيات النصية،
وحتليل اخلطاب حني رفضتا قصر الدراسات اللسانية على ما يسمى بنحو اجلملة ؛ متأثرين يف ذلك ببعض
الوظيفيني من أمثال :فريث ،وهاليداي ،وميتشال ( )Mitchellالذين بلغت شهرهتم أوجها يف
62
اخلمسينيات".
هذا ،ويذهب كل من براون ويول ،يف كتاهبما( تحليل الخطاب) (1143م) ،إىل أن حملل النص ومؤوله
عليه أن يراعي جمموعة من العناصر املهمة يف عملية التداول هي :املتكلم ،واملخاطب ،والسياق الذي تبلور
فيه النص مبعرفة الزمان واملكان ،وقد يؤدي القول الذي قيل يف سياقني خمتلفني إىل تأويلني خمتلفني .ويعين
هذا أن السياق يتحكم يف بنية التأويل اخلطايب .ويرى هاميس أن السياق له وظيفة مزدوجة تتمثل يف تقييد
جمال التأويل ،ودعم التأويل املقصود.كما صنف هاميس السياق إىل العناصر التالية :املرسل ،واملتلقي،
واحلضور (املستمعون اآلخرون) ،واملوضوع ،واملقام (زمان احلدث التواصلي ومكانه) ،والقناة ،والنظام(اللغة
أو اللهجة ،)...وشكل الرسالة ،واملفتاح (هل كانت الرسالة موعظة حسنة ،شرحا مثريا للعواطف؟،)...
من املعلوم أن النص أو اخلطاب األديب إحالة مرجعية وسياقية ومقامية وتداولية ،فال ميكن فهم امللفوظ
النصي أو اخلطاب باعتبار كلية عضوية متسقة ومنسجمة إال إذا راعينا مفهوم اإلحالة النصية واملقامية
والسياقية .وقد حتدث هاليداي وحسن ،يف كتاهبما(االتساق في اللغة اإلنجليزية) (1116م)،عن اإلحالة
كثريا ،واعتربا اإلحالة مظهرا من مظاهر اتساق اخلطاب اللغوي .ومن مث " ،يستعمل الباحثان مصطلح
اإلحالة استعماال خاصا ،وهو أن العناصر احمليلة كيفما كان نوعها ال تكتفي بذاهتا من حيث التأويل ،إذ
البد من العودة إىل ما تشري إليه من أجل تأويلها .وتتوفر كل لغة طبيعية على عناصر متلك خاصية
اإلحالة ،وهي حسب الباحثني :الضمائر ،وأمساء اإلشارة ،وأدوات املقارنة .تعترب اإلحالة عالقة داللية.
-عبد اهلادي بن ظافر اهلشري :إستراتيجية الخطاب،دار الكتاب اجلديد املتحدة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل ،سنة 63
2224م ،ص.51:
64حافظ إمساعيل علوي :اللسانيات في الثقافة العربية المعاصرة ،دار الكتاب اجلديدة املتحدة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل
سنة 2221م ،ص.111:
38
ومن مث ،ال ختضع لقيود حنوية ،إال أهنا ختضع لقيد دال ي ،وهو وجوب تطابق اخلصائص الداللية بني
65
العنصر احمليل والعنصر احملال إليه".
وتنقسم اإلحالة إىل إحالة مقامية ،وهي إحالة إىل خارج النص ،وإحالة نصية هلا عالقة وثيقة بالداخل
النصي .وتنقسم اإلحالة النصية بدورها إىل إحالة قبلية حتيل على سابق ما ،وإحالة بعدية حتيل على الحق
ما .ويرى هاليداي ورقية حسن بأن اإلحالة املقامية" تساهم يف خلق النص ،لكوهنا تربط اللغة بسياق
املقام ،إال أهنا ال تساهم يف اتساقه بشكل مباشر"،66بينما تقوم اإلحالة النصية بدور هام يف اتساق النص
وترابطه متاسكا وانسجاما.
يتضمن النص أو اخلطاب األديب عوامل غامضة من الدالالت العائمة واألفكار الضمنية اليت ختتفي وراء
متاريس جمازية وإحيائية .ومن هنا ،يتميز النص األديب عن األقوال العادية بقوالب شعرية وختييلية ،ويتسم
أيضا بقوة االنزياح واخلرق والرتميز واألسطرة والكثافة البالغية املعقدة واملتشابكة .وهذا حيتاج إىل قارئ
وحملل وناقد تأويلي يفكك الدالالت يف ضوء مقاصدها وسياقاهتا الوظيفية .ومن مث ،يتقيد مببدأ التأويل
احمللي الذي قال عنه حممد خطايب يف كتابه( لسانيات النص) (1111م) ":يرتبط هذا املبدأ مبا ميكن أن
يعترب تقييدا للطاقة التأويلية لدى املتلقي باعتماد على خصائص السياق ،كما أنه مبدأ متعلق أيضا بكيفية
حتديد الفرتة الزمنية يف تأويل مؤشر زمين مثل ":اآلن" ،أو املظاهر املالئمة لشخص حمال إليه باالسم "
حممد" مثال .ويقتضي هذا وجود مبادىء يف متناول املتلقي جتعله قادرا على حتديد تأويل مالئم ومعقول
...يف مناسبة قولية معينة.إن أحد هذ املبادىء هو التأويل احمللي الذي يعلم املستمع بأال ينشئ سياقا
أكثر مما حيتاجه من أجل الوصول إىل تأويل ما؛ فبهدف تقييد التأويل ،يضطر املتلقي إىل اعتبار ما تقدم
61
خاصة (وهو ما يسمى يف اصطالح ليفيس " اخلطاب السابق")".
ويعين هذا كله أن الدارس للنص األديب البد أن يراعي املقصدية والسياق واإلحالة يف عملية التأويل إن
تفكيكا وإن تركيبا .ومن الذين دافعوا عن التأويل السياقي واإلحا ي نذكر :الفيلسوف الفرنسي بول ريكور
المطلب الخامس عشر :النص األدبي بين المعنى الحرفي والمعنى السياقي
من املعلوم أن النصوص واخلطابات تتأرجح بني املعاين احلرفية القائمة على التقريرية واملباشرة والتعيني،
واملعاين السياقية املبنية على التضمني واإلحياء واالقتضاء واالستلزام احلواري واإلجنازي .مبعىن أن النص قد
حيتوي على ملفوظات ومجل داللية حتمل مضامني قضوية إخبارية ،تنقل العوامل الذاتية واملوضوعية الكائنة
واملمكنة بطريقة حرفية مباشرة ،وقد توجد جمموعة من املعاين ،وخاصة يف النصوص اإلبداعية ،حتمل يف
طياهتا أبعادا سياقية وتداولية وإجنازية حتتاج إىل تأويل واستكشاف وظيفي .وقد ميز سورل ()Searlيف
كثري من كتاباته التداولية بني املعىن احلريف واملعىن السياقي املرتبط باملقام والسياق واإلحالة .ويف هذا
النطاق ،تقول فرانسواز أرمينكو يف كتاهبا( المقاربة التداولية)(1145م) ":يعمل املعىن احلريف واملعىن
السياقي على مشكل احلدود بني الداللة والتداولية،من خالل االختالف بني فكرة املعىن احلريف والسياق
املنعدم ،لقد دعم سريل فيما خيص هذ النقطة أطروحات متطرفة ظاهريا.إذ يقوم أساس ما يقول به سريل
على شروط تطيبيق مفهوم املعىن احلريف .ويدعمه كون املعىن احلريف جلملة ما ،اليعين عدم وجود ،بل
نسبيته ،بالنسبة لتصعيدات سابقة ،يطلق عليها التصعيدات السياقية ،وذلك خارج كل مايعرتف به عادة،
يف خضوعه للسياق.أي :اإلشارية ،إخل .ويقوم غرض سريل على الطرح موضع تساؤل للفكرة اليت ميكن
هبا ،بالنسبة لكل مجلة إدراك املعىن احلريف هلذ اجلملة ،يف استقالل عن بعض السياقات ،كيفما كانت.
وندعم كون مفهوم املعىن احلريف جلملة ما ،الجيد تطبيقه عامة ،إال بالنسبة جملموع التصعيدات السياقية
القبلية ...ويعرب عن املفهوم الذي سأركز عليه يف بعض األحيان ،بقولنا بأن املعىن احلريف للجملة ما هو
املعىن الذي جند هلذ اجلملة ،يف سياق الصفر ،أو يف سياق منعدم .وتقوم اإلسرتاتيجية املتبعة عند سريل
41
على اعتبار اجلمل ،اليت يظهر أهنا تكون حاالت مسعفة للفكرة ،اليت يكون املعىن احلريف مبوجبها مستقال
64
عن السياق ،وتوضيح نسبية تطبيق مفهوم املعىن جلملة ما ،يف كل حالة ،فيما خيص تصعيدات سياقية".
وتأسيسا على ماسبق ،فقد ميز سورل ( )Searleبني اللغة العادية واللغة االنزياحية كما يف كتابيه( التعبير
والمعنى) وكتاب(المقصدية) .وإذا كانت اللغة العادية لغة حتيل على الواقع ،فإن اللغة االنزياحية تسبب
التشويش كاملسرح والرواية .ومن مث ،تقوم اللغة العادية على جمموعة من أفعال الكالم ،وقد حصرها يف
أنواع مخسة :اإلخبار حبيث تبلغ خماطبك خربا صادقا أو كاذبا ،واألمر حبث حتاول أن جتعل خماطبك ينفذ
أمرا ما ،وااللتزام حبيث يلتزم املتكلم بفعل شيء ما ،والتصريح حبيث يصرح املتكلم بإحداث تغيريات على
العامل املتحدث عنه ،والتعبري االنفعا ي حبيث يكون احلديث عن األحاسيس واملشاعر جتا الذات أو
املوضوع .بيد أن الصدق يف الكالم العادي خيتلف عن الصدق يف جمال األدب .وقد وضع سورل قواعد
شروط النجاح التداو ي يف أنواع ثالثة :الشروط التحضريية كامتالك األهلية ،والكفاءة السياقية ،والسلطة
العليا ،وشروط الصدق مبعىن أاليقول املتكلم إال ماهو مؤمن به ،ويعتقد عن صدق وإخالص ،والشروط
اجلوهرية اليت تتلخص يف صدق املقاصد والنيات ،كأن اليقول املتكلم ما يناقض معتقداته ورغباته.61
وهكذا ،فعندما نريد حتليل النصوص واخلطابات ،والسيما األدبية منها ،البد من التمييز بني املعاين احلرفية
ذات الطابع اخلربي والقضوي ،واملعاين السياقية اليت ترتبط بسياقها الوظيفي واإلجنازي .ويعين هذا أنه البد
من االنتقال من مستوى الداللة إىل مستوى التداول لتفكيك اجلمل ،واستكشاف أبعادها الوظيفية
والسياقية مقاما وزمانا ومكانا ،وهذا يشبه بشكل من األشكال ما يسمى باالستلزام احلواري .ويعلم الكل
أن النصوص الشعرية طافحة بالصور البالغية اجملازية واملعاين اإلحيائية ،وهي ترتابط شعريا بسياقاهتا اإلحالية
واملقامية والنصية والوظيفية ،وما على الناقد إال استجالؤها وحتليلها وتبيان وظائفها السياقية واملقامية.
ميكن احلديث عربيا عن جمموعة من الدارسني والباحثني الذين اهتموا بتداوليات النص واخلطاب األديب،
ومعظم هذ الدراسات أجنزها باحثون مغاربة وجزائريون وتونسيون ،ومن بينهم :حممد مفتاح الذي حتدث
عن بعض املفاهيم التداولية يف كتابه ( في سيمياء الشعر القديم )12كاملقصدية عند حازم القرطاجين،
واملعاين اجلمهورية ،والوضوح ،واحرتام العقدة بني املتكلم واملخاطب ،وهي ما يسميه التداوليون مببدإ
التعاون ،مبا يعنيه من قواعد :الكمية (االستقصاء) ،والكيفية (الصدق) ،والعالقة ،واجلهة .وقد اعتمد حممد
مفتاح يف ذلك على تصورات حازم القرطاجين ،11وفرانسوا ريكانايت ،12وأوزوالد دوكرو الذي عرف مبدأ
الكمية بقوله ":إن هذا القانون حيتم على املتكلم أن يعطي ،على املوضوع املتحدث عنه ،املعلومات
13
األساسية اليت ميتلكها ،واليت من شأهنا أن تفيد املخاطب"
كما خصص حممد مفتاح البعد التداو ي بالفصل السابع يف كتابه(تحليل الخطاب الشعري) ،حينما
حتدث عن التفاعل بني املتكلم واملخاطب .ومن مث ،فقد ذكر بعض التيارات التداولية هي :تيار موريس،
وتيار فالسفة أكسفورد ،وتيار التوليديني ،وتيار السرديني .ومن هناك ،فقد اهتم تيار موريس بذاتية اللغة
والبعد التوصلي والسياقي ،كما عند بنيفنست ،والينس ،وأرويكشيوين ،ومت الرتكيز على املعينات ،والزمان،
واملكان ،وتعابري اجلهة ،وألفاظ العاطفة و التقومي .14أما تيار فالسفة أكسفورد ،فيهتم بدراسة أفعال
الكالم ،ومن أشهر أعضاء هذا التيار :أوسنت وسورل ،فقد ميزا بني األقوال اخلربية واالقوال اإلجنازية
(األمر -الوعد -التصريح -واملنع -واحلث -والتحريض -والنهي -والردع .)... -وقد مت اإلشارة إىل قواعد
احملادثة عند كرايس ،وقوانني اخلطاب عند دوكرو وشروط النجاح عند سورل ..أما تيار التوليديني ،فقد ركز
على النص يف عالقته بالسياق ،وميثله كل من :أومهان صاحب كتاب( األدب كفعل) ،وفان ديك يف
دراسته( السياق التداولي :النص كأفعال كالمية) ،وأشار إىل تيار آخر ،مسا بتيار السرديني الذي اهتم
مبنطق السرد ،كما هو احلال عند السيميائيني الذين ميثلهم :كرمياص.
- 12حممد مفتاح :في سيمياء الشعر القديم ،دار الثقافة ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل 1141م.
- 11حازم القرطاجين :منهاج البلغاء وسراج األدباء ،تونس ،طبعة 1166م.
72
- François Récanati:La transparence et l'énonciation pour introduire à la
pragmatique, Paris, Seuil, 1979.
73
-O.Ducrot:(Analyse pragmatique),Communication 32,1981.p:134.
- 14حممد مفتاح :تحليل الخطاب الشعري ،ص.134:
42
ومن جهة أخرى ،فقد اهتم أمحد املتوكل بالبعد التداو ي التوليدي يف العديد من كتبه ،والسيما يف كتابه(
الوظائف التداولية في اللغة العربية) (1145م) ،و( اللسانيات الوظيفية ،مدخل نظري) (1141م)،
متأثرا يف ذلك بفان ديك وهاليداي على سبيل التمثيل ،وقد ركز يف مشروعه الوظيفي على األدوار النحوية،
واألدوار الداللية ،واألدوار التداولية.
ونذكر كتابا تداوليا آخر يندرج ضمن لسانيات اخلطاب هو كتاب(لسانيات النص) (1111م) حملمد
خطايب الذي حتدث فيه صاحبه عن مبدأي :االتساق واالنسجام يف ضوء تصورات لسانيات اخلطاب،
ومنظور الذكاء االصطناعي ،وتصورات التداولية اخلطابية والسياقية كما عند :فان ديك ،وهاليداي،
وحسن رقية ،وبراون ،ويول ،وجري مسيت ،وروجي شانك ،دون أن ينسى حممد خطايب املسامهات العربية
يف جمال االتساق واالنسجام .وبعد ذلك ،اختذ قصيدة أدونيس( فارس الكلمات الغريبة) مطية للتحليل
وتطبيق لسانيات النص جبل أبعادها النصية واخلطابية والتداولية والسياقية.15
ونستحضر من الشرق العريب كتابا قيما حتت عنوان( إستراتيجية الخطاب ،مقاربة لغوية تداولية) للباحث
السعودي عبد اهلادي بن ظافر الشهري (2224م) ،16حيث يتناول فيه مفهوم املنهج التداو ي وإسرتاتيجية
اخلطاب ،بالتشديد على اخلطاب والسياق،وذكر العوامل املؤثرة يف هذ اإلسرتاتيجية كالسلطة واملقاصد.
وبعد ذلك ،يتطرق الكاتب إىل أنواع اإلسرتاتيجيات ،فيصنفها إىل :اإلسرتاتيجية التوجيهية ،واإلسرتاتيجية
التضامنية ،واإلسرتاتيجية التلميحية ،وإسرتاتيجية اإلقناع ،وختم كتابه بذكر آليات اإلقناع واحلجاج على
حد سواء.
وعلى العموم ،ميكن القول -بشكل عام وخمتصر -إن الدراسات التداولية تنظريا وتطبيقا قد ازدهرت
بشكل الفت يف املغرب العريب (املغرب ،واجلزائر ،وتونس) ،حيث انطلقت هذ الكتابات النظرية والتطبيقية
من خلفيات معرفية متنوعة من حيث املصادر واملراجع والتصورات والرؤى ،سواء أكانت تلك املرجعيات
واخللفيات فرانكفونية أم أنكلوسكسونية أم عربية قدمية وحديثة ومعاصرة.
- 15حممد خطايب :لسانيات النص ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة 1111م.
-عبد اهلادي بن ظافر اهلشري :إستراتيجية الخطاب،دار الكتاب اجلديد املتحدة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل ،سنة 16
2224م.
43
المبحث السادس :تقوي ــم المقاربة التداولية
ال أحد ينكر إجيابيات املقاربة التداولية يف مقاربة اخلطاب أو النص األديب؛ ألهنا تساعدنا على فهم النص
فهما عميقا من خالل ربط الداللة بالوظيفة السياقية واألداء اإلجنازي .فال ميكن تأويل النص األديب مهما
كان هذا النص إال باالستعانة باإلحالة النصية واملقامية والسياقية ،واالنفتاح على املقصدية ،وأفعال الكالم،
وفهم حواريته الصرحية واملضمرة والبوليفونية النصية ،دون أن ننسى أنه من الضروري مبكان دراسة النص
األديب باعتبار تلفظا سياقيا وملفوظا حجاجيا لغويا من الداخل ،وينبغي كذلك االنتقال من املعاين احلرفية
إىل املعاين اجملازية تأويال واستكشافا وتشرحيا .ويعين هذا كله أن املقاربة التداولية متكاملة إىل حد ما ،مادام
يرتابط فيها الرتكيب النحوي بالداللة والوظيفة السياقية واملقامية .وعلى الرغم من ذلك ،فثمة جمموعة من
السلبيات ،فقد طبقت املقاربة التداولية على اللغة الطبيعية العادية الواضحة من حيث ملفوظاهتا اللغوية ،ومل
تطبق على اللغة األدبية والشعرية اليت تتميز بالبعد اإلحيائي والتشويش الدال ي كما يف الشعر واملسرح
والرواية .كما أن املقاربة التداولية يف عمومها تعاملت نظريا وتطبيقيا مع اجلملة أكثر مما تعاملت مع النص
أو اخلطاب .لذا ،فصعوبات اخلطاب التطبيقية أعوص من تطبيقات اجلملة .ويف هذا ،يقول الدكتور حممد
مفتاح ":إننا مل نصل بعد إىل مبادىء قارة للتحكم يف استعمال اللغة بكيفية ناجعة وناجحة لضبط
حساب تأويل مانتلقا ،كما توصل اللسانيون إىل وضع قواعد تركيبية وصوتية .وإذا كان هذا العجز على
مستوى استعمال اللغة بكيفية عادية ،فإنه أدهى وأمر على مستوى استعماهلا بكيفية أدبية .وهذا ما أدركه
كثري من اللسانيني وفالسفة اللغة ،فلذلك نادى بعضهم بإخراج اللغة األدبية من الدراسات اللسانية مؤقتا.
إن أهم من دعا إىل هذا ":أوسنت" ،وال نستغرب موقفه ؛ ألن منطلقه كان هو حتليل اللغة العادية ،وليس
اللغة الشعرية اليت هي -يف نظر -غري جدية وغري عادية ومشوشة ،ال ترجع إىل األفعال بالكالم ،يقول":
11
إن املقال اإلجنازي سيكون فارغا أو خاليا إذا نطق به ممثل على اخلشبة أو أدمج يف نص شعري"...
كما ميز سورل بني اللغة العادية الواضحة واللغة األدبية املشوشة ،أو بني اللغة اليت حتيل على الواقع ،واللغة
اليت تتمرد عنه ،مفضال اللغة العادية اخلاضعة ملعايري معنوية وتداولية معينة .وقد اعترب استعمال مقاييس
اللغة العادية يف اجملال األديب ليست حبقيقة ،وإمنا هي ادعاءات أوإيهامات بالفعل الكالمي " ...فاملتكلم
ليس ملزما بصدق إخبار األديب مثلما هو ملزم بصدق إخبار العادي ،وقول سورل هذا هو اخلالصة اليت
14
انتهى إليها كثري من الباحثني يف اخلطاب األديب".
وخالصة القول ،نستنتج أن املقاربة التداولية هي اليت تدرس النص يف سياقها التخاطيب والتفاعلي
والتحاوري بالرتكيز على أفعال الكالم ،وعمليات التخاطب والتفاعل ،والتشديد أيضا على اإلحالة،
والسياق ،واملقصدية ،والوظيفة ،والتأويل ،واالستلزام احلواري ...بيد أن املقاربة التداولية من الصعب جدا
تطبيقها بكل سهولة ويسر على النص األديب التخييلي؛ نظرا لتمرد عن املعيار ،واتسامه بالتخييل واالنزياح
والتشويش واخلرق ،وجمانبة احلقيقة والصدق الواقعي ،كما يعرتف بذلك التداوليون أنفسهم كسورل وأوستني
وكرايس وغريهم كثري ...إال أن هناك بعض الباحثني يرى عكس ذلك ،كالباحث املغريب حممد مفتاح ،أنه
باإلمكان تطبيق مفاهيم املقاربة التداولية على النص األديب مادام يتأرجح بني الواقع والتخييل ،كما أن
نظرية األفعال الكالمية ميكن استعماهلا يف جمال األدب والنقد ،وميكن تشغيل غريها من املفاهيم الوظيفية
خاصة يف جمال املسرح والسرديات.
ومهما تكن من تصورات خمتلفة حول إمكانية تطبيق املقاربة التداولية يف مقاربة النص األديب ،فإن هذا
النص اخليا ي والفين واخليا ي قد استفاد -فعال -من آليات املقاربة التداولية ولسانيات النص استفادة
كبرية ،الميكن إنكارها بأي حال من األحوال ،على الرغم من صعوبتها النظرية والتطبيقية .كما ال ميكن
إطالقا غض الطرف عن أمهيتها ،أو احلط من قيمتها ،وتتمثل هذ االستفادة بكل جالء يف كون املقاربة
التداولية تنظر إىل النص األديب خطابا ،ووظيفة ،وسياقا ،وإحالة ،وتأويال ،وحجاجا ،وإقناعا ،وتلفظا،
واتساقا ،ومقصدية ،وختاطبا ،وتفاعال ،واستلزاما حواريا .ومن مث ،يتأرجح النص األديب ،يف جوهر ،بني
املعاين احلرفية واملعاين اجملازية السياقية ،وجيمع بني األدوار النحوية واألدوار الداللية واألدوار التداولية ،وينتقل
يف سلمه التعبريي واحلجاجي من الرتكيب والداللة إىل التداول السياقي واملقامي.
وعليه ،تعد التداوليات من أهم اآلليات اإلجرائية النظرية والتطبيقية اليت تسعفنا يف حتليل اخلطاب تفكيكا
وتركيبا ،أو دراسته فهما وتفسريا وتأويال ،سواء أكان ذلك اخلطاب املرصود لسانيا أم أدبيا أم نقديا أم
فلسفيا أم منطقيا أم إعالميا ،إذ ال ميكن االستغناء ،بأي حال من األحوال ،عن البعد التداو ي يف دراسة
اللغة اإلنسانية بصفة عامة ،واخلطاب األديب والنقدي بصفة خاصة.
47
ثبت المصادر والمراجع
المص ـ ـادر:
-2أمحد املتوكل :اللسانيات الوظيفية ،دار الكتاب اجلديد املتحدة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الثانية
2212م.
-3أريكشيوين :فعل القول من الذاتية في اللغة ،ترمجة :حممد نظيف ،أفريقيا الشرق ،الدار البيضاء،
املغرب ،الطبعة األوىل سنة 2221م.
-4تزفيطان تودوروف :الشعرية ،ترمجة :شكري املبخوت ورجاء بن سالمة ،دار توبقال للنشر ،الدار
البيضاء ،الطبعة األوىل سنة 1141م.
-5جون أوستني :نظرية أفعال الكالم العام ،ترمجة :عبد القادر قينيين ،أفريقيا الشرق ،الدار البيضاء،
املغرب ،الطبعة األوىل سنة 2226م.
-6حسني الواد :في مناهج الدراسات األدبية ،منشورات اجلامعة ،املغرب ،الطبعة الثانية ،سنة 1145م.
-1حافظ إمساعيل علوي :اللسانيات في الثقافة العربية المعاصرة ،دار الكتاب اجلديدة املتحدة،
بريوت ،لبنان ،الطبعة األوىل سنة 2221م.
-4سعد البازعي وميجان الرويلي :دليل الناقد األدبي ،املركز الثقايف العريب ،بريوت ،لبنان ،الطبعة الثانية،
سنة 2222م.
-1عبد اجمليد نوسي :التحليل السيميائي للخطاب الروائي ،شركة النشر والتوزيع املدارس ،الدار البيضاء،
الطبعة األوىل سنة 2222م.
-12عبد اهلادي بن ظافر اهلشري :إستراتيجية الخطاب،دار الكتاب اجلديد املتحدة ،بريوت ،لبنان،
الطبعة األوىل ،سنة 2224م.
-11فيليب هامون :سيميولوجية الشخصيات ،ترمجة :سعيد بنكراد ،دار الكالم ،الرباط ،الطبعة األوىل
سنة 1112م.
48
-12فرانسواز أرمينكو :المقاربة التداولية ،ترمجة :د.سعيد علوش ،املؤسسة احلديثة للنشر والتوزيع،
الطبعة األوىل سنة 1141م.
-13فان ديك :النص والسياق ،ترمجة :عبد القادر قينيين ،أفريقيا الشرق ،الدرالبيضاء ،الطبعة األوىل سنة
1111م.
-14حممد حممد يونس علي :مدخل إلى اللسانيات ،دار الكتاب اجلديد املتحدة ،بريوت ،لبنان ،الطبعة
األوىل سنة 2224م.
-15حممد خطايب :لسانيات النص ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة
1111م.
-16حممد احلناش :البنيوية في اللسانيات ،دار الرشاد احلديثة ،الدار البيضاء ،املغرب ،الطبعة األوىل سنة
1142م.
-11حممد مفتاح :في سيمياء الشعر القديم،دار الثقافة ،الدار البيضاء ،الطبعة األوىل سنة 1141م.
-14حممد مفتاح :تحليل الخطاب الشعري(إستراتيجية التناص) ،املركز الثقايف العريب ،الدار البيضاء،
املغرب ،الطبعة األاوىل سنة 1145م.
51
المقـ ــاالت العربيـ ــة:
-73ترنس هوكس( :مدخل إىل السيمياء) ،مجلة بيت الحكمة،املغرب ،العدد ،5السنة الثانية ،سنة
1141م.
222
-34رضوان الرقيب( :االستدالل احلجاجي التداو ي وآليات اشتغاله) ،مجلة عالم الفكر ،الكويت،
العدد ،2اجمللد ،42أكتوبر -ديسمرب 2211م.
51
الفهـ ـ ــرس
اإله ـ ــداء
المقدمة.
المبحث األول:
حتديد املصطلح.
المبحث الثاني:
مفهوم املقاربة التداولية
المبحث الثالث:
سياق ظهور املقاربة التداولية.
المبحث الرابع:
التداوليات والنص األديب.
المبحث الخامس:
املقاربة التداولية يف العامل العريب.
المبحث السادس:
تقومي املقاربة التداولية.
الخاتمة.
ثبت المصادر والمراجع
الفهـ ــرس
52
سي ــرة الباح ــث:
54
كلمات الغالف الخارجي:
يقصد باملقاربة التداولية تلك النظرية النقدية اليت تدرس الظواهر األدبية والثقافية والفنية واجلمالية يف ضوء
التداوليات اللسانية .ويعين هذا أن املقاربة التداولية تدرس النص أو اخلطاب األديب يف عالقته بالسياق
التواصلي ،والرتكيز على أفعال الكالم ،واستكشاف العالمات املنطقية احلجاجية ،واالهتمام بالسياق
التواصلي والتلفظي .وبتعبري آخر ،تركز املقاربة التداولية على عنصر املقصدية والوظيفة يف النصوص
واخلطابات .وهبذا ،تكون التداوليات قد جتاوزت سؤال البنية وسؤال الداللة ،لتهتم بسؤال الوظيفة والدور
والرسالة والسياق الوظيفي .كما تعىن املقاربة التداولية بفهم العالقات املوجودة بني املتكلم واملتلقي ضمن
سياق معني؛ ألن البعد التداو ي ينبين على سلطة املعرفة واالعتقاد .وتسمى هذ املقاربة كذلك باملقاربة
التواصلية ،أواملقاربة الوظيفية ،أواملقاربة الذرائعية ،أواملقاربة املنطقية ،أو املقاربة الربامجاتية ،أواملقاربة
احلجاجية ...وهلم جرا.
وإذا كانت املقاربة التداولية قد عرفت انتشارا يف الغرب ،فإن هذ املقاربة مازالت يف بداياهتا األوىل يف العامل
العريب ،على الرغم من وجود آثارها يف تراثنا العريب القدمي يف البالغة والفقه والفلسفة وأصول الفقه ،...ومل
يتم استدماجها بعد يف حقلنا الثقايف العريب احلديث واملعاصر ملقاربة النصوص واخلطابات األدبية
واإلبداعية ،ماعدا بعض االستثناءات القليلة اليت تعد على األصابع.
55
56