You are on page 1of 56

1

‫الدكتور جميل حمداوي‬

‫الت ـ ـداولي ـ ـات وتحلي ــل الخط ــاب‬

‫‪2‬‬
‫اإله ـ ــداء‬
‫إلى أمي وأبي‬

‫إلى أهلي وعشيرتي‬

‫إلى أساتذتي‬

‫إلى زمالئي وزميالتي‬

‫إلى الشموع التي تحترق لتضئ اآلخرين‬

‫إلى كل من علمني حرفا‬

‫أهدي هذا البحث األكاديمي راجياً من المولى‬

‫عز وجل أن يجد القبول والنجاح‬

‫المقدم ـ ـ ــة‬
‫‪3‬‬
‫يقصد باملقاربة التداولية تلك النظرية النقدية اليت تدرس الظواهر األدبية والثقافية والفنية واجلمالية يف ضوء‬
‫التداوليات اللسانية‪ .‬ويعين هذا أن املقاربة التداولية تدرس النص أو اخلطاب األديب يف عالقته بالسياق‬
‫التواصلي‪ ،‬والرتكيز على أفعال الكالم‪ ،‬واستكشاف العالمات املنطقية احلجاجية‪ ،‬واالهتمام بالسياق‬
‫التواصلي والتلفظي‪ .‬وبتعبري آخر‪ ،‬تركز املقاربة التداولية على عنصر املقصدية والوظيفة يف النصوص‬
‫واخلطابات‪ .‬وهبذا‪ ،‬تكون التداوليات قد جتاوزت سؤال البنية وسؤال الداللة‪ ،‬لتهتم بسؤال الوظيفة والدور‬
‫والرسالة والسياق الوظيفي‪ .‬كما تعىن املقاربة التداولية بفهم العالقات املوجودة بني املتكلم واملتلقي ضمن‬
‫سياق معني؛ ألن البعد التداو ي ينبين على سلطة املعرفة واالعتقاد‪ .‬وتسمى هذ املقاربة كذلك باملقاربة‬
‫التواصلية‪ ،‬أواملقاربة الوظيفية‪ ،‬أواملقاربة الذرائعية‪ ،‬أواملقاربة املنطقية‪ ،‬أو املقاربة الربمجاتية‪ ،‬أواملقاربة‬
‫احلجاجية‪ ...‬وهلم جرا‪.‬‬
‫وإذا كانت املقاربة التداولية قد عرفت انتشارا يف الغرب‪ ،‬فإن هذ املقاربة مازالت يف بداياهتا األوىل يف العامل‬
‫العريب‪ ،‬على الرغم من وجود آثارها يف تراثنا العريب القدمي يف البالغة والفقه والفلسفة وأصول الفقه‪ ،...‬ومل‬
‫يتم استدماجها بعد يف حقلنا الثقايف العريب احلديث واملعاصر ملقاربة النصوص واخلطابات األدبية‬
‫واإلبداعية‪ ،‬ماعدا بعض االستثناءات القليلة اليت تعد على األصابع‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬ما املقاربة التداولية؟ وما سياقها املعريف والتارخيي؟ وما جممل التصورات التداولية جتا النص أو اخلطاب‬
‫األديب؟ وما حدود هذ املقاربة إن تنظريا وإن تطبيقا؟‬
‫هذا ما سوف نرصد يف كتابنا هذا الذي عنونا بـ(التداوليات وتحليل الخطاب)‪ ،‬على أساس أن ليس‬
‫هناك مقاربة تداولية واحدة‪ ،‬بل هناك عدة تيارات واجتاهات ومدارس تعىن بالفعل التداو ي واحلجاجي‬
‫والتواصلي‪ ،‬سواء أكان لسانيا أم أدبيا أم نقديا أم فلسفيا أم منطقيا‪.‬‬

‫ونرجو من اهلل عز وجل أن يلقى هذا الكتاب املتواضع رضا القراء‪ ،‬ويعود عليهم بالنفع والفائدة‪ ،‬داعيا‬
‫لنفسي باملغفرة والتوبة من أي تقصري أو ادعاء أو نسيان أو خطإ أو سهو‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تحديد المصطل ـ ــح‬

‫‪4‬‬
‫يرتجم مصطلح (‪ )Pragmatique‬بعدة كلمات باللغة العربية‪ ،‬فهناك‪ :‬الذرائعية‪ ،‬والتداولية‪،‬‬
‫والرباكماتية‪ ،‬والوظيفية‪ ،‬واالستعمالية‪ ،‬والتخاطبية‪ ،‬والنفعية‪ ،‬والتبادلية‪...‬لكن أفضل مصطلح‪ ،‬يف منظورنا‪،‬‬
‫هو التداولية ؛ ألنه مصطلح شائع بني الدارسني يف ميدان اللغة واللسانيات من جهة؛ وألنه حييل على‬
‫التفاعل واحلوار والتخاطب والتواصل والتداول بني األطراف املتلفظة من جهة أخرى‪ .‬أما مفهوم الذرائعية‪،‬‬
‫فيدل على مدرسة فلسفية ظهرت يف الواليات املتحدة األمريكية يف القرن التاسع عشر‪ ،‬مع جون ديوي‬
‫وويليام جيمس اللذين يريان أن احلقيقة تكمن يف طابعها املنفعي واملصلحي‪ .‬ويعين هذا أن احلقيقة الصادقة‬
‫واليقينية هي اليت حتقق املنفعة واملصلحة لإلنسان‪ ،‬وحتقق املشاريع املستقبلية اهلادفة‪ ،‬وتساهم يف تنمية‬
‫األفراد والرقي باجملتمعات عن طريق حتقيق املردودية واإلنتاجية‪ ،‬واالرتباط باحلياة العملية والواقعية املفيدة‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬فكل األفكار واحلقائق اليت ال حتقق مصلحة أو منفعة لإلنسان‪ ،‬وال تفيد املرء يف حياته اليومية‬
‫والعملية‪ ،‬فهي حقائق زائفة‪ ،‬وغري نافعة‪ ،‬وال جمدية إطالقا‪ .‬فاحلقيقي هو املفيد والنافع والصاحل‪ .‬لكن قد‬
‫ختتلف املنافع واملصاحل من فرد إىل آخر‪ ،‬ومن مجاعة إىل مجاعة‪ ،‬وقد تسبب هذ املصاحل يف صراعات‬
‫شرسة بني الناس‪ .‬وعلى الرغم من هذا الطابع السليب للحقائق الربامجاتية العملية‪ ،‬فإن املصلحة أو احلقيقة‬
‫الربامجاتية هي حقيقة مستقبلية‪ ،‬تدفع اإلنسان إىل العمل واالجتهاد واإلنتاج والرفع من املردودية‪ ،‬وحتصيل‬
‫الكفاءات احلقيقية من أجل حتقيق ما يصبو إليه اإلنسان من مكانة رفيعة يف اجملتمع‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فاجملتمع‬
‫األمريكي واإلجنليزي يأخذان هبذا النوع من احلقيقة املقرتنة باملنفعة واملصلحة املادية أو املعنوية‪ .‬وبكل‬
‫بساطة‪ ،‬يقوم الصحيح‪ ،‬عند وليام جيمس‪ ،‬على ماهو مفيد لفكرنا‪ ،‬وينبين الصائب أيضا على ما هو مفيد‬
‫‪1‬‬
‫لسلوكنا‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬يرى الربامجاتيون أن األفكار احلقيقية هي" تلك اليت نستطيع أن نستوعبها‪ ،‬ونستطيع أن نصادق‬
‫على صحتها‪ ،‬ونستطيع أن نعززها بفعل اخنراطنا فيها‪ ،‬وأخريا أن نتحقق منها‪...‬‬
‫هذ هي األطروحة اليت أدافع عنها‪ -‬يقول وليام جيمس‪ -‬حقيقة فكرة ما ليست خاصية متضمنة فيها‪،‬‬
‫وتبقى غري فاعلة‪ .‬احلقيقة هي حدث يتم إنتاجه من أجل فكرة ما‪ ،‬وتصري هذ األخرية حقيقة بفضل‬
‫بعض الوقائع‪ .‬إهنا تكتسب حقيقتها من خالل العمل الذي تنجز ‪ .‬أي‪ :‬العمل الذي يقتضي أن تتحقق‬

‫‪1‬‬
‫‪- W. James : le pragmatique, traduction E.Le Brun, Edition Flammarion,‬‬
‫‪1968, p: 151.‬‬
‫‪5‬‬
‫من نفسها بنفسها‪ ،‬ويكون هدفها ونتيجتها التحقق الذايت؛ كما أهنا تكتسب صالحيتها بإجنازها لعمل‬
‫‪2‬‬
‫يهدف إىل نتيجة تتمثل يف إثبات مصداقيتها‪".‬‬
‫إذاً‪ ،‬ال يرى الربامجاتيون يف احلقيقة إال طابعها املادي ومنحاها املنفعي واملصلحي لتحقيق التنمية والتقدم‪.‬‬
‫بينما جيب أن تكون احلقيقة يف جوهرها معرفية وعملية وأخالقية‪.‬‬
‫أما الدكتور أمحد املتوكل يف كتابه( اللسانيات الوظيفية)‪ ،‬فيستعمل الوظيفية والتداولية مبفهوم واحد‪ .3‬يف‬
‫حني‪ ،‬يستخدم الدكتور سعد البازعي والدكتور ميجان الرويلي مصطلح(الذرائعية) كما يف كتاهبما( دليل‬
‫الناقد الفني)‪ .4‬وإذا انتقلنا إىل الدكتور حممد حممد يونس علي‪ ،‬فإنه يفضل استعمال مصطلح علم‬
‫التخاطب‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول الباحث‪ ":‬أفضل ترمجة مصطلح (‪ )Pragmatics‬بعلم التخاطب‪،‬‬
‫وليس بالتداولية‪ ،‬أو النفعية‪ ،‬أو الذرائعية كا يفعل عدد من اللسانيني العرب تومها منهم بأن‬
‫(‪ ،)Pragmatics‬و(‪ )Pragmatism‬شيء واحد‪ .‬والواقع أن املصطلح األول يطلق على الدراسات‬
‫اليت تعىن باملعىن يف السياقات الفعلية للكالم‪ ،‬وهو ما يتفق مع معناها احلريف‪ ،‬وهو علم االستعمال‪ .‬وإذا‬
‫نظرنا يف تراثنا البالغي واألصو ي‪ ،‬فسنلحظ أن االستعمال‪ -‬الذي يقابل الوضع عادة‪ -‬يطلق على النشاط‬
‫الذي يقوم به املتكلم يف عملية التخاطب‪ .‬ولذا‪ ،‬فإن ترمجة (‪ )Pragmatics‬بعلم التخاطب أنسب‪-‬‬
‫يف رأيي‪ -‬من اخليارات اليت اطلعت عليها حىت اآلن‪ .‬أما (‪ )Pragmatism‬فهي مدرسة فلسفية ظهرت‬
‫يف أمريكا تذهب إىل أن الفكرة النظرية ال جتدي نفعا ما مل تكن هلا تطبيقات عملية‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫وجود صلة منهجية بني اجملالني(واملصطلحني) تكمن يف التقليل من شأن اجملرد‪ ،‬والعناية مبا هو عملي‪،‬‬
‫وسياقي‪ ،‬ومتحقق فعال؛ فإن اهتمام احلقل املسمى بـ(‪ )Pragmatism‬يقتصر على اللغة خاصة‪ .‬يف‬
‫‪5‬‬
‫حني‪ ،‬يعين احلقل اآلخر بالفلسفة‪ ،‬وإن امتدت آثار يف السياسة‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬وغريمها‪".‬‬
‫وعلى أي حال‪ ،‬سواء أخذنا بالتداولية أم بالتخاطبية‪ ،‬فاملصطلحان معا أفضل بكثري من مصطلح الذرائعية‬
‫الذي حييل على الفلسفة املنفعية أكثر مما حييل على اللغة ومكوناهتا اللسانية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪-W. James : le pragmatique, traduction E.Le Brun, Edition Flammarion,‬‬
‫‪1968, p: 144-142.‬‬
‫‪ - 3‬أمحد املتوكل‪ :‬اللسانيات الوظيفية‪ ،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية ‪2212‬م‪.‬‬
‫‪ -‬سعد البازعي وميجان الرويلي‪ :‬دليل الناقد األدبي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬سنة ‪2222‬م‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ص‪.122:‬‬
‫‪ - 5‬حممد حممد يونس علي‪ :‬مدخل إلى اللسانيات‪ ،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2224‬م‪،‬‬
‫ص‪( ،122:‬اهلامش)‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬مفه ــوم المقاربة التداولية‬

‫من املعلوم أن املقاربة التداولية هي تلك املنهجية اليت تدرس اجلانب الوظيفي والتداو ي والسياقي يف النص‬
‫أو اخلطاب‪ ،‬وتدرس جممل العالقات املوجودة بني املتكلم واملخاطب‪ ،‬مع الرتكيز على البعد احلجاجي‬
‫واإلقناعي وأفعال الكالم داخل النص‪ .‬مبعىن أن التداوليات هي ذلك" العلم الذي يدرس املعىن‪ ،‬مع الرتكيز‬
‫‪6‬‬
‫على العالقة بني العالمات ومستعمليها والسياق‪ ،‬أكثر من اهتمامها باملرجع أو باحلقيقة‪ ،‬أو بالرتكيب‪".‬‬
‫وهتتم التداوليات أيضا باملرجع واإلحالة اليت مت إقصاؤها من فرديناند دوسوسري الذي حصر العالمة يف‬
‫الدال واملدلول‪ .‬ومن مث‪ ،‬ترفض املقاربة التداولية يف جمال األدب والنقد الرتكيز على البنيات الشكلية‬
‫واجلمالية‪ ،‬دون مساءلة أفعال الكالم واملقصدية الوظيفية‪ .‬فضال عن ذلك‪ ،‬تدرس املقاربة التداولية اللغة‬
‫العادية واللغة الالعادية (اللغة الشعرية‪ ،‬اللغة الروائية‪ ،‬واللغة الدرامية‪ ،)..‬وحضور األنا واألنت‪ ،‬والسياق‬
‫التواصلي‪ ،‬والوظيفة املقامية واملقالية‪ ،‬واالنتقال من احلريف إىل اإلجنازي‪ ،‬ودراسة احلجاج يف النصوص‬
‫واخلطابات اليت يكون هدفها هو اإلقناع الذهين والتأثري العاطفي الوجداين‪ ،‬وأيضا دراسة السرد اإلقناعي‬
‫كما عند غرمياس‪ ،‬وخاصة يف خانة التطويع والتحفيز املبنية على فعل االعتقاد‪ ،‬وفعل التأويل‪ ،‬وخانة‬
‫الكفاءة املبنية على منطق اجلهات (وجود الفعل‪ ،‬ومعرفة الفعل‪ ،‬وقدرة الفعل‪ ،‬وإرادة الفعل)‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فاملقاربة التداولية هي دراسة العالمات يف عالقة مع مستعمليها‪ .‬ومن مث‪ ،‬ترتكز اللغة على ثالثة‬
‫مكونات ضرورية ومتكاملة حسب شارل موريس‪ ،‬هي‪ :‬الرتكيب‪ ،‬والداللة‪ ،‬والوظيفة‪ .‬أضف إىل ذلك‪،‬‬
‫فللغة ثالثة مظاهر‪ :‬مظهر خطايب‪ ،‬ومظهر تواصلي‪ ،‬ومظهر اجتماعي‪ .‬لذا‪ ،‬فاملقاربة التداولية هي اليت تركز‬
‫على اجلانب التواصلي يف اللغة الطبيعية‪ .‬وتستند املقاربة التداولية كذلك إىل ختصصات عدة‪ .‬فهناك‪-‬‬
‫مثال‪ -‬تداولية حتليلية‪ ،‬وتداولية تلفظية‪ ،‬وتداولية نفسية‪ -‬اجتماعية‪ ،‬وتداولية نصية‪ ،‬وتداولية‬
‫سوسيولغوية‪...‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تدرس املقاربة التداولية اإلشاريات‪ ،‬واملقصدية‪ ،‬وأفعال الكالم‪ ،‬والوظيفة‪ ،‬والسياق‪ ،‬واإلحالة‬
‫املرجعية‪ ،‬واحلجاج اللغوي‪ ،‬واإلقناع ‪ ،..‬واحلوارية‪...‬‬

‫‪6‬‬
‫‪- A.J.Greimas.J.Courtés:Sémiotique.Dictionnaire Raisonné de la théorie‬‬
‫‪du langage. Hachette Université, Paris, 1979, Sémiologie, pp:335-339.‬‬
‫‪7‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬سياق ظهور المقاربة التداولية‬

‫من املعروف أن الدراسات التداولية قد ظهرت يف الواليات املتحدة األمريكية يف القرن التاسع عشرامليالدي‪،‬‬
‫وتطورت بعد احلرب العاملية الثانية مباشرة‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقد تبلورت النظرية الرباغماتية مع وليام‬
‫جيمس(‪1112-1442( )William James‬م) الذي اهتم باجلانب املنفعي واملصلحي‪ ،‬حيث ربط‬
‫الفكرة بطابعها املنفعي يف الواقع‪ ،‬إذ كان وليام جيمس يربط الفكر بالواقع العملي واملمارسة الواقعية‪،‬‬
‫بالتشديد على املصلحة واملنفعة واإلنتاجية‪ ،‬بغية بناء مستقبل عملي زاهر‪ .‬أما شارل ساندرس بريس‬
‫(‪ ، (1834-1914))Charles S. Peirce‬فقد اهتم بتداولية سيميائية قائمة على نظام العالمات‪،‬‬
‫حيث ميز بني الرمز‪ ،‬واإلشارة‪ ،‬واأليقون‪ .‬وبدأ يف تفريعها إىل أقطاب سيميائية ثالثية ذات طابع منطقي‬
‫ووجودي وأنطولوجي‪ .‬وبعد ‪ ،‬جاء شارل موريس ليميز بني ثالثة مظاهر يف اللغة الطبيعية ‪ :‬املظهر الرتكييب‪،‬‬
‫واملظهر الدال ي‪ ،‬واملظهر التداو ي‪.‬وبذلك‪ ،‬بشر موريس باملقاربة التداولية اليت تعىن بالوظيفة السياقية‪ .‬وقد‬
‫جاءت هذ املقاربة الوظيفية السياقية رد فعل على منهجية نوام شومسكي اليت ترتكز على الرتكيب‬
‫والداللة‪ ،‬وتقصي الوظيفة السياقية‪ ،‬وهي وظيفة ضرورية الكتمال الفهم احلقيقي املتعلق باللغة اإلنسانية‪،‬‬
‫على الرغم من أن نوام شومسكي‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬سيدمج القدرة التداولية إىل جانب القدرة الكفائية ضمن‬
‫نظريته اللسانية التفسريية اليت تسمى بالنظرية التوليدية التحويلية(‪.)Generative grammar‬‬
‫هذا‪ ،‬وميكن احلديث عن جمموعة من التداوليات والتيارات الذرائعية يف الغرب من بينها‪ :‬تيار موريس الذي‬
‫يتزعمه كل من بنيفينست‪ ،‬والينس‪ ،‬وأوريكشيوين‪ ...‬وقد ركز هؤالء على نظرية التلفظ‪ ،‬فربطوها بالسياق‬
‫التواصلي الذي ينبين على املعينات(أمساء اإلشارة‪ ،‬والضمائر‪ ،‬وأداة التعريف‪ ،‬وأدوات التملك‪ ،)..‬والزمان‪،‬‬
‫واملكان‪ ،‬والصيغ العاطفية واالنفعالية‪ ،‬وأحكام التقومي‪ ،‬وتعابري اجلهة (جهة الضرورة واإلمكان‪ ،‬وجهة‬
‫املعرفة‪ ،‬وجهة الفعل‪ ،‬وجهة الكينونة والظهور)‪ .‬أما تيار فالسفة أكسفورد مبا فيهم أوستني وسورل وكرايس‬
‫‪ ،...‬فقد اهتموا بنظرية أفعال الكالم‪ ،‬مبعىن أن الفعل الكالمي يؤدي إىل حتويل وضع املتلقي‪ ،‬وتغيري نظام‬
‫معتقداته‪ ،‬وتبديل مواقفه السلوكية‪ .‬وميكن اإلشارة كذلك إىل بعض التيارات والنظريات التداولية األخرى‪،‬‬
‫كالنظرية التخاطبية‪ ،‬والنظرية التفاعلية‪ ،‬والنظرية احلجاجية‪ ،‬والنظرية التلفظية‪ ،‬ونظرية املقصدية‪ ،‬والنظرية‬
‫التوليدية الوظيفية مع فان ديك‪ ،‬وهاليداي‪ ،‬ورقية حسن‪ ،‬وأمحد املتوكل‪ ...‬وهناك التيار السردي مع‬
‫كرمياس‪ ،‬وجوزيف كورتيس‪ ،‬ومجاعة أنرتوفرين‪ ...‬وهناك املقاربة التأويلية مع بول ريكور الذي اهتم كثريا‬
‫باإلحالة السياقية‪ ،‬ومدرسة فرانكفورت اليت اهتمت بدورها بالسياق التواصلي مع هابرماس‪...‬‬

‫‪8‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬التداوليات والنص األدبي‬

‫استفاد النص أو اخلطاب األديب من جمموعة من املقاربات والنظريات واملناهج‪ ،‬خاصة بعد مرحلة مابعد‬
‫احلداثة بني سنوات الستني والسبعني من القرن العشرين امليالدي‪ .‬ومن أهم هذ املقاربات اليت انفتح عليها‬
‫األدب بصفة عامة‪ ،‬والبالغة بصفة خاصة‪ ،‬املقاربة التداولية بكل تياراهتا احلجاجية‪ ،‬واملنطقية‪ ،‬واللغوية‪،‬‬
‫والتخاطبية‪ ،‬والتداولية‪ ،‬والسياقية‪ .‬ومن مث‪ ،‬فثمة تصورات تداولية عدة حول النص واخلطاب األديب ختتلف‬
‫من تيار إىل آخر‪ ،‬ومن تداو ي إىل تداو ي آخر‪.‬إذاً‪ ،‬ما جممل هذ التصورات التداولية اليت استفاد منها‬
‫النص اإلبداعي بصفة خاصة‪ ،‬و اخلطاب األديب والفين بصفة عامة؟ هذا ما سنعرفه بشكل جلي يف‬
‫املطالب املوالية‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬النص األدبي خطاب قبل كل شيء‬

‫إذا كانت اللسانيات تتعامل مع اجلملة باعتبارها منطلقا للدراسة والتحليل‪ ،‬سواء أكان ذلك يف منظور‬
‫البنيوية السوسريية أم يف منظور البنيوية الوظيفية أم يف منظور الكلوسيماتيكية هللمسليف أم يف منظور‬
‫التوزيعية (بلومفيلد‪ ،‬وهوكيت‪ )...‬أم يف منظور التوليدية التحويلية مع نوام شومسكي‪ ،‬فإن املقاربة التداولية‬
‫تتجاوز اجلملة لدراسة اخلطاب والنص‪ ،‬وخاصة مع لسانيات النص واللسانيات الوظيفية كما عند فان ديك‬
‫‪ -‬مثال‪ -‬يف كتابه(النص والسياق) (‪1111‬م)‪ ،1‬وهاليداي وحسن رقية يف كتاهبما( االتساق في اللغة‬
‫اإلنجليزية) (‪1116‬م)‪ .‬ويعين هذا أن التداوليات النصية تعاملت مع اخلطاب ككلية عضوية متسقة‬
‫ومنسجمة‪ ،‬بل اعتربته مجلة نصية كربى‪ ،‬ميكن التعامل معها كالتعامل مع اجلملة اللسانية‪ .‬وجند هذا هذا‬
‫التصور كذلك عند إميل بنيفنست‪ ،‬وهاريس‪ ،‬ورومان جاكبسون‪ ،‬والسيميائيني (كرمياص)‪ ،‬والتأويليني (بول‬
‫ريكور)‪ ،‬ومجالية التلقي (ياوس وآيزر)‪...‬‬
‫وبناء على ماسبق‪ ،‬تتعامل التداولية مع النص األديب باعتبار خطابا وملفوظا لغويا ذا كلية عضوية‪ ،‬سواء‬
‫أكان ذلك اخلطاب شفويا أم كتابيا‪ ،‬حيث نربط ملفوظاته بالوظيفة‪ ،‬والسياق املقامي‪ ،‬واألداء اإلجنازي‪،‬‬

‫‪ - 1‬فان ديك‪ :‬النص والسياق‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد القادر قينيين‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1111‬م‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫وندرس مكوناته التلفظية السياقية‪ ،‬وروابطه احلجاجية املنطقية وغري املنطقية‪ ،‬ونربطه أيضا باحلوارية‪،‬‬
‫واملقصدية‪ ،‬واإلحالة‪ ،‬والتفاعل‪ ،‬والتخاطب التداو ي‪...‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الن ــص األدبي خط ــاب لغوي وظيف ــي‬
‫من املعلوم أن فرديناند دوسوسري‪ ،‬يف كتابه( محاضرات في اللسانيات العامة) الذي نشر سنة ‪1116‬م‪،‬‬
‫قد اعترب فيه اللغة عبارة عن عالمة‪ ،‬وتتكون هذ العالمة من الدال الصويت واملدلول املعنوي‪ ،‬لكنه أبعد‬
‫املرجع احلسي املادي‪ ،‬واحتفظ مباهو جمرد وصوري‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقد كان يدرس اللغة لذاهتا ومن أجل ذاهتا‪.‬‬
‫ويعين هذا أنه كان يركز على دراسة اللغة باعتبارها ملكة اجتماعية أساسية وثابتة‪ ،‬ويقصي الكالم باعتبار‬
‫ظاهرة فردية متغرية وهامشية‪ .‬ويدل هذا كله على أن دوسوسور مل يهتم بالسياق املرجعي الوظيفي‪ ،‬واكتفي‬
‫باجلانب الصويت واملعنوي املرتبطني باللغة‪ ،‬ومل يهتم بالكالم واإلجناز القائمني على البعد املرجعي واإلحا ي‬
‫‪4‬‬
‫والسياقي‪.‬‬
‫ويساعدنا هذا كله على التعامل مع النص األديب باعتبار خطابا حيمل يف طياته وظائف ومقاصد سياقية‪،‬‬
‫فكل ما يوجد يف النص يدل بشكل من األشكال‪ ،‬وحييل على أدوار تداولية ومقاصد مباشرة وغري مباشرة‪،‬‬
‫فليس هناك يف النص األديب ما هو جماين وزائد‪ ،‬بل ترتبط الداللة باملعاين السياقية والرسائل الظاهرة‬
‫واملضمرة‪ .‬مبعىن أن لغة النص األديب وظيفية وتداولية‪ ،‬حتمل يف مظاهنا أبعادا سياقية سياسية‪ ،‬واجتماعية‪،‬‬
‫واقتصادية‪ ،‬وثقافية‪ ،‬وتارخيية‪ ،‬ونفسية‪ ،‬وجنسية‪ ،‬وعقائدية‪...‬أي‪ :‬مل يعد النص األديب عالمات وبنيات‬
‫داخلية مغلقة‪ ،‬كما كانت تقول البنيوية اللسانية والسيميائيات‪ ،‬بل النص األديب بنية وداللة وتركيب ووظيفة‬
‫سياقية قبل كل شيء‪ .‬لذا‪ ،‬البد من مراعاة السياق والوظيفة يف حتليل النصوص واخلطابات األدبية‪،‬‬
‫والسيما الشعرية منها‪.‬‬
‫وعليه‪ " ،‬فالنص الشعري‪ -‬مثال‪ -‬ليس لعب ألفاظ‪ ،‬وليس نقل جتربة ذاتية وحسب‪ ،‬وإمنا يهدف‪ ،‬فوق‬
‫ذلك كله‪ ،‬إىل احلث والتحريض‪ .‬وهبذا املفهوم األخري‪ ،‬تشمله نظرية‪ :‬الكالم فعل‪ ،‬أو التداولية‪ ،‬وتعين هذ‬
‫النظرية‪ :‬أن التحدث يقصد به تبادل األخبار‪ ،‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬يهدف إىل تغيري وضع املتلقي‪ ،‬وتغيري‬
‫نظام معتقداته‪ ،‬أو تغيري موقفه السلوكي"‪.1‬‬
‫كما حيدد القصد أو القصدية أو املقصدية " كيفية التعبري والغرض املتوخى‪ ،‬وهي البوصلة اليت توجه تلك‬
‫العناصر‪ ،‬وجتعلها تتضام وتتضافر وتتجه إىل مقصد عام‪ .‬فاملقصدية حتدد اختيار الوزن‪ ،‬واأللفاظ املالئمة‪،‬‬
‫وتركيبها بطرق معينة لتؤدي املعىن العام املتوخى‪ .‬ولذلك‪ ،‬جند البحر الواحد ينظم فيه الشاعر مدحا أو فخرا‬

‫‪ 4‬حممد احلناش‪ :‬البنيوية في اللسانيات‪ ،‬دار الرشاد احلديثة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1142‬م‪ ،‬ص‪.141:‬‬
‫‪ - 1‬حممد مفتاح‪ :‬في سيمياء الشعر القديم‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1141‬م‪ ،‬ص‪.55:‬‬
‫‪11‬‬
‫أو هجاء أو رثاء‪ ...‬فاملقصد يتحكم يف نسج القصيدة أو املقطوعة‪ ،‬بل يف البيت أو شطر مبىن‬
‫‪12‬‬
‫ومعىن‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬ال توظف لغة النص األديب بشكل عشوائي وفوضوي‪ ،‬بل تزخر مبجموعة من الدالالت السياقية‬
‫والتداولية واحلجاجية إقناعا وتأثريا‪ .‬فكل ما يف النص يدل وحييل وحيمل وظائف سياقية متنوعة‪ ،‬سواء‬
‫أكانت نصية داخلية أم مقامية خارجية‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬النص األدبي إبالغ تواصلي‬

‫ترى املقاربة التواصلية أن النص األديب يرتكز على جمموعة من الوظائف وأمهها الوظيفة التواصلية‪ .‬وخري من‬
‫ميثل هذا التيار التواصلي الذي يرى النص األديب إبالغا وتواصال‪ ،‬نذكر‪ :‬رومان جاكبسون الذي حتدث‪ ،‬يف‬
‫مقاربته التواصلية الوظيفية‪ ،‬عن ستة عناصر يف عملية التواصل‪ :‬املرسل ووظيفته انفعالية‪ ،‬واملرسل إليه‬
‫ووظيفته تأثريية‪ ،‬والرسالة ووظيفتها مجالية‪ ،‬واملرجع ووظيفته مرجعية‪ ،‬والقناة ووظيفتها حفاظية وتواصلية‪،‬‬
‫واللغة ووظيفتها وصفية تأويلية وتفسريية‪ .‬وقد تأثر جاكبسون يف هذ اخلطاطة التواصلية بأعمال فرديناند‬
‫دوسوسري‪ ،‬وأعمال الفيلسوف املنطقي اللغوي جون أوسطني‪.‬‬
‫وهناك من يزيد الوظيفة السابعة للخطاب اللساين‪ ،‬وهي الوظيفة األيقونية كما عند السيميائي ترنس هوكس‬
‫بعد ظهور كتابات جاك دريدا‪ ،‬وانبثاق السيميوطيقا التواصلية‪ .‬كما يضيف عبد اهلل الغذامي الوظيفة‬
‫الثقافية يف إطار النقد الثقايف الذي يدافع عنه عربيا‪ .‬أما هاليداي التداو ي‪ ،‬فريكز على ثالث وظائف للغة‪:‬‬
‫الوظيفة التمثيلية(اإلحالة على العامل الداخلي واخلارجي للذات املتكلمة)‪ ،‬والوظيفة التعالقية (اختاذ دور من‬
‫األدوار االجتماعية بالنسبة للمخاطب كدور املخرب‪ ،‬ودور السائل‪ ،‬ودور اآلمر)‪ ،‬والوظيفة النصية(تنظيم‬
‫اخلطاب حسب مقتضيات مقام إجناز )‪ .‬وهذ الوظائف الثالث مستقلة‪ ،‬على الرغم من كوهنا تصب كلها‬
‫يف وظيفة واحدة هي وظيفة التواصل‪.‬‬
‫وتأسيسا على ماسبق‪ ،‬يصنف فان ديك املعلومات إىل ثالثة أقسام‪ :‬معلومات عامة ترتبط بالعامل أو بأي‬
‫عامل ممكن‪ ،‬واملعلومات املوقفية اليت ترتبط مبا يتضمنه املوقف الذي يتم فيه التواصل‪ .‬واملعلومات السياقية‬
‫املستقاة من اخلطاب املتبادل سلفا بني الشخصني املتواصلني‪ " ،‬ويتم تغيري املعلومات التداولية إما بالنظر‬
‫إىل العالقة القائمة بني املتكلم واملخاطب(تواصل عالقي)‪ ،‬أو بالنظر يف فحوى اخلطاب ذاته‪ .‬يف هذ‬
‫احلالة الثانية‪ ،‬يكون القصد من اخلطاب محل املخاطب على القيام بفعل ما(تواصل توجيهي)‪ ،‬سواء أكان‬

‫‪ - 12‬حممد مفتاح‪ :‬في سيمياء الشعر القديم‪ ،‬ص‪.53:‬‬


‫‪11‬‬
‫الفعل املطلوب عمال(تواصل أمري)‪ ،‬أم قوال (تواصل استفهامي)‪ ،‬كما يكون القصد منه اإلخبار عن‬
‫‪11‬‬
‫شيء(تواصل إخباري)‪ ،‬أو التعبري عن إحساس(تواصل تعبريي)‪ ،‬أو استثارة إحساس (تواصل استثاري)‪".‬‬
‫هذا‪ ،‬ويذكر بوبر(‪ )Popper‬أربع وظائف أساسية للغة اإلنسانية‪ ،‬وهي‪ :‬الوظيفة التعبريية (تعبري الشخص‬
‫عن حالته الداخلية)‪ ،‬والوظيفة اإلشارية (تبليغ الشخص اآلخرين مبعلومات عن حالته الداخلية)‪ ،‬والوظيفة‬
‫الوصفية(وصف أشياء العامل اخلارجي احمليط به)‪ ،‬والوظيفة احلجاجية (تقييم احلجج وتربيرها) ‪. 12‬‬
‫وعليه‪ ،‬إذا أردنا ‪ -‬مثال‪ -‬دراسة عنوان نص أو خطاب ما يف ضوء تواصلية رومان جاكبسون‪ ،‬فالعنوان‬
‫كما هو ‪ -‬معلوم ‪-‬عبارة عن رسالة‪ ،‬وهذ الرسالة يتبادهلا املرسل و املرسل إليه‪ ،‬فيسامهان يف التواصل‬
‫املعريف و اجلما ي‪ ،‬وهذ الرسالة مسننة بشفرة لغوية‪ ،‬يفككها املستقبل‪ ،‬ويؤوهلا بلغته الواصفة‪ ،‬وهذ‬
‫الرسالة ذات الوظيفة الشاعرية أو اجلمالية ترسل عرب قناة وظيفتها احلفاظ على االتصال‪ .‬ويف هذا الصدد‪،‬‬
‫ميكن االستفادة من وظائف اللغة كما أرساها رومان جاكبسون (‪ .)R.Jackobson‬فللعنوان وظيفة‬
‫مرجعية ترتكز على موضوع الرسالة باعتبار مرجعا وواقعا أساسيا تعرب عنه الرسالة‪ .‬وهذ الوظيفة موضوعية‬
‫ال وجود للذاتية فيها نظرا لوجود املالحظة الواقعية‪ ،‬والنقل الصحيح‪ ،‬واالنعكاس املباشر‪ .‬وهناك الوظيفة‬
‫االنفعالية التعبريية اليت حتدد العالئق املوجودة بني املرسل والرسالة‪ .‬وحتمل هذ الوظيفة يف طياهتا انفعاالت‬
‫ذاتية‪ ،‬وتتضمن قيما ومواقف عاطفية و مشاعر وإحساسات‪ ،‬يسقطها املتكلم على موضوع الرسالة‬
‫املرجعي‪ .‬وهناك أيضا الوظيفة التأثريية اليت تقوم على حتديد العالقات املوجودة بني املرسل واملتلقي‪ ،‬حيث‬
‫يتم حتريض املتلقي‪ ،‬وإثارة انتباهه‪ ،‬وإيقاظه عرب الرتغيب و الرتهيب‪ ،‬وهذ الوظيفة ذاتية‪ .‬وهناك الوظيفة‬
‫اجلمالية أو الشعرية اليت حتدد العالئق املوجودة بني الرسالة و ذاهتا‪ ،‬وتتحقق هذ الوظيفة أثناء إسقاط‬
‫احملور االختياري على احملور الرتكييب‪ ،‬وكذلك عندما يتحقق االنتهاك واالنزياح املقصود‪ .‬وتتسم هذ‬
‫الوظيفة بالبعد الفين واجلما ي االتصالية للقناة العنوانية‪ ،‬إذ هتدف هذ الوظيفة إىل تأكيد التواصل‪،‬‬
‫واستمرارية اإلبالغ‪ ،‬وتثبيته أو إيقافه‪ ،‬واحلفاظ على نربة احلديث والكالم املتبادل بني الطرفني‪ .‬عالوة على‬
‫الوظيفة الوصفية املتعلقة باللغة‪ ،‬وهتدف هذ الوظيفة إىل تفكيك الشفرة اللغوية بعد تسنينها من قبل‬
‫املرسل‪ .‬واهلدف من السنن هو وصف الرسالة لغويا وتأويلها‪ ،‬مع االستعانة باملعجم أو القواعد اللغوية و‬
‫‪13‬‬
‫النحوية املشرتكة بني املتكلم و املرسل إليه‪ .‬ونضيف الوظيفة البصرية أو األيقونية كما عند ترنس هوكس‬

‫‪ - 11‬أمحد املتوكل‪ :‬اللسانيات الوظيفية‪ ،‬ص‪.56-55:‬‬


‫‪ - 12‬انظر‪ :‬عبد اهلادي بن ظافر اهلشري‪ :‬إستراتيجية الخطاب‪ ،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة‬
‫‪2224‬م‪ ،‬ص‪.14:‬‬
‫‪ -13‬ترنس هوكس‪( :‬مدخل إىل السيمياء)‪ ،‬مجلة بيت الحكمة‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد‪ ،5‬السنة الثانية‪ ،‬سنة ‪1141‬م‪ ،‬ص‪122:‬؛‬
‫‪12‬‬
‫اليت هتدف إىل تفسري داللة األشكال البصرية واأللوان واخلطوط األيقونية بغية البحث عن املماثلة أو‬
‫املشاهبة بني العالمات البصرية ومرجعها اإلحا ي‪ .‬ومن باب التنبيه‪ ،‬فنحن‪ ،‬هنا‪ ،‬حنتكم إىل القيمة املهيمنة‬
‫(‪ ،)La valeur dominante‬كما حددها رومان جاكبسون‪ ،‬ألن العنوان يف نص ما قد تغلب عليه‬
‫وظيفة معينة دون أخرى‪ ،‬فكل الوظائف اليت حددناها سالفا متمازجة‪ ،‬إذ قد نعاينها خمتلطة بنسب‬
‫متفاوتة يف رسالة واحدة‪ ،‬حيث تكون الوظيفة الواحدة منها غالبة على الوظائف األخرى حسب منط‬
‫االتصال ‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬الن ــص األدبي تخاطـ ــب وتــبادل‬


‫من املعروف أن النظرية التخاطبية جاءت تطويرا للنظرية التواصلية اإلبالغية اليت عجزت عن تفسري جمموعة‬
‫من القضايا اللغوية بشكل جيد؛ ألهنا كانت تتعامل مع التخاطب يف معزل عن سياقها الفعلي واإلجنازي‪.‬‬
‫ويعين هذا أن" الدراسات التخاطبية تعد امتدادا‪ ،‬واستكماال جلهود املدرسة الوظيفية‪ ،‬وتأيت هذ الدراسات‬
‫نتيجة طبيعة لشعور املهتمني هبا بإخفاق النموذج التقليدي للتخاطب يف تقدمي تفسري ناجح لعملية‬
‫التخاطب‪ .‬وميكن تلخيص أوجه اإلخفاق فيه يف كونه يتعامل مع التخاطب يف عزلة عن السياقات الفعلية‬
‫اليت تستخدم فيها اللغة‪ ،‬ويصبغ عملية التخاطب بطابع مثا ي تتجاهل فيه قضايا اللبس‪ ،‬واخلروج عن‬
‫املواضعات اللغوية‪ ،‬وقصر وظائف اللغة على عملية اإلبالغ‪ ،‬وإمهال األصول التخاطبية املفسرة ملقاصد‬
‫‪14‬‬
‫املتكلمني‪".‬‬
‫وتذهب النظرية التخاطبية إىل أن النص األديب ختاطب وتداول جيمع بني أطراف ثالثة هي‪ :‬املرسل املتكلم‬
‫الذي قد يكون كاتبا أو مؤلفا أو ساردا أو شخيصة‪ ،‬واملرسل إليه الذي قد يكون شخصا خماطبا‪ ،‬كأن‬
‫يكون قارئا أو متلقيا أو شخصية مقابلة للشخصية املتكلمة‪ .‬وهناك العنصر الثالث الذي يتمثل يف اخلطاب‬
‫التداو ي أو الرسالة املرسلة‪ .‬وهبذا‪ ،‬تكون هذ النظرية قد مهدت مليالد القارئ أو املتلقي أو املتقبل‪.‬‬
‫وتكون‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬قد أعطت نقطة انطالق للنظريات اليت تعىن بالقارئ املستقبل‪ ،‬كجمالية التلقي‬
‫ليوس وآيزر‪ ،‬وغريها من النظريات‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فالنظرية التخاطبية تستوجب وجود ثالثة أطراف‪ :‬املرسل (الباث‪-‬املتكلم‪ -‬املتلفظ ‪-‬املرسل ‪-‬‬
‫املتحدث‪-‬املبدع)‪ ،‬والرسالة(النص‪-‬األدب‪-‬اخلطاب‪ -‬التلفظ‪ ،)...‬واملتلقي(القارئ‪-‬املرسل إليه‪-‬املستقبل‪-‬‬
‫املتلفظ إليه)‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالباث أو املرسل هو الذي يسنن رسالة ما‪ ،‬سواء أكانت ذهنية أم وجدانية‪،‬‬
‫لريسلها إىل املتلقي ليفككها يف ضوء سنن مشرتك أو لغة يعرفها كل من املرسل واملرسل إليه‪ .‬ويف هذا‬

‫‪ - 14‬حممد حممد يونس علي‪ :‬مدخل إلى اللسانيات‪ ،‬ص‪.14:‬‬


‫‪13‬‬
‫النطاق‪ ،‬يقول الباحث التونسي حسني الواد‪ ":‬لقد اعتنت نظرية التخاطب‪ ،‬على وجه اخلصوص‪ ،‬مبرور‬
‫البالغ من الباث إىل املتقبل عرب قنوات االتصال‪ ،‬ورأت أن الباث يسجل بالغه يف الكالم حسب قواعد‬
‫يف التسجيل تواضع عليها الناس‪ ،‬وأن املتقبل يعمد إىل فك رموز الكالم ليحصل على البالغ منها‪ .‬إال أن‬
‫إيصال البالغ‪ ،‬يف الغالب‪ ،‬مغامرة التتم دائما بسالم‪ .‬فمهما بذل الباث من جهد يف تفادي عناصر‬
‫التضليل والتحريف وسوء الفهم‪ ،‬فإن بالغه البد من أن يتأثر هبا‪ .‬ولقد كان هلذ النظرية أثر بارز يف درس‬
‫اآلثار األدبية‪ ،‬إذ عمدت طائفة من الباحثني إىل جعل املؤلف باثا والقارئ متقبال واألثر حيمل بالغا‪ .‬إال‬
‫أهنم رأوا التخاطب يف األدب خيتلف كثريا عن التخاطب العادي‪ ،‬فمنتهى أمل الباث يف التخاطب العادي‬
‫أن يصل بالغه ساملا من العثرات إىل املتقبل‪ .‬والذي يساعد على ذلك ارتباط البالغ عادة باملرجع أو‬
‫السياق حيضر القارئ أثناء القراءة‪ ،‬فيتجنب به الوقوع يف اخلطأ‪ .‬إن اخلطاب العادي يقوم يف أساسه على‬
‫الوظيفة املرجعية‪ .‬أما التخاطب اجلما ي يف اآلثار األدبية فال وظيفة مرجعية له‪ .‬وبالتا ي‪ ،‬فإن العثرات فيه‬
‫كثرية والعقبات كأداء‪ .‬ومن هنا‪ ،‬حلت فيه الوظيفة األدبية حمل الوظيفة املرجعية يف التخاطب العادي‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫لذلك‪ ،‬كان الغموض يف األثر األديب‪ ،‬وكان التفاف الكالم فيه على نفسه أشد ما يكون‪".‬‬
‫وإذا كانت امللفوظات التخاطبية العادية ال تثري مشاكل على مستوى التداول والتواصل والتخاطب‪ ،‬فإن‬
‫النص األديب باعتبار ظاهرة ختاطبية بني املتكلم واملخاطب يثري عدة صعوبات بسبب الغموض‪ ،‬واالنزياح‪،‬‬
‫والتضمني‪ ،‬والتلميح‪ ،‬والرتميز‪ ،‬واألسطرة‪ .‬لذا‪ ،‬فعلى املتلقي أن يبذل جمهودا لفك اخلطاب األديب عن طريق‬
‫عملية التأويل‪ ،‬وفك الرموز‪ .‬ويف هذا النطاق‪ ،‬يقول حسني الواد مرة أخرى‪ ":‬واملهم يف نظرية التخاطب أهنا‬
‫أسلمت اآلخذين هبا إىل اإلقرار بالغموض يف اآلثار األدبية ميزة من طبيعتها‪ .‬وألن التخاطب يف األدب‬
‫غامض‪ ،‬وألن الغموض ظاهرة مالزمة له‪ ،‬توقع الباث (أي األديب) من القارئ أن يقوم بالتأويل أثناء‬
‫القراءة‪ ،‬وانتظر منه أن يثري البالغ األديب بإضافات شخصية من عند يسلطها عليه‪ .‬وألن التخاطب‬
‫األديب غامض يف أساسه‪ ،‬عمد القارئ‪ ،‬كلما واجه نصا أدبيا‪ ،‬إىل امتحانه‪ ،‬فاخترب قدراته على حتمل‬
‫املعاين اإلضافية مبوجب ما ركب فيه من مواطن غامضة تتحمل التأويل‪ .‬ومن هنا‪ ،‬كان األثر األديب‪ ،‬يف‬
‫‪16‬‬
‫نظرية التخاطب‪ ،‬أثرا مفتوحا يستدعي التأويالت العديدة‪ ،‬ويتقبلها‪ ،‬فيزداد هبا ثراء على ثرائه‪".‬‬
‫هذا‪ ،‬وينبين التخاطب بني أطراف التكلم على جمموعة من مبادئ احملادثة والتخاطب‪ ،‬وقد مجعها فيلسوف‬
‫اللغة األمريكي بول كرايس هربرت (‪ )Paul Grice Herber‬يف قاعدة التعاون الذي يقتضي أن‬

‫‪ -15‬حسني الواد‪ :‬في مناهج الدراسات األدبية‪ ،‬منشورات اجلامعة‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬سنة ‪1145‬م‪ ،‬ص‪.15-14:‬‬
‫‪ - 16‬حسني الواد‪ :‬نفسه‪،‬ص‪.15-14:‬‬
‫‪14‬‬
‫املتكلمني متعاونون يف تسهيل عملية التكلم والتخاطب‪ .‬وتتفرع قاعدة التعاون إىل جمموعة من املبادىء‬
‫منها‪:‬‬
‫مبدأ الكم‪ :‬تكلم على قدر احلاجة فقط‪ ،‬وال تتجاوز بإفادتك القدر املطلوب‪ .‬ويعين هذا االبتعاد‬ ‫‪-1‬‬
‫عن االستقصاء املفصل‪ ،‬وتفادي اإلطناب واالستطراد يف الكالم أو التخاطب‪.‬‬
‫مبدأ الكيف‪ :‬ال تقل ما تعتقد كذبه‪ ،‬وال تقل مايعوزك فيه دليل بني‪ .‬ويسمى هذا املبدأ أيضا مببدأ‬ ‫‪-2‬‬
‫الصدق‪.‬‬
‫مبدأ األسلوب‪ :‬جتنب إهبام التعبري‪ ،‬وجتنب اللبس‪ ،‬وأوجز كالمك‪ ،‬حبيث تتجنب اإلطناب الزائد‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫وليكن كالمك أيضا كالما مرتبا‪.‬‬
‫مبدأ المناسبة‪ :‬ليكن كالمك مناسبا لسياق احلال‪ ،‬فالكالم هو مراعاة مقتضى احلال‪ ،‬أو مناسبة‬ ‫‪-4‬‬
‫‪11‬‬
‫املقال للمقام ‪.‬‬
‫بيد أن نظرية كرايس خضعت لنوع من التطوير والتعديل والنقصان واإلضافة " وذلك بفضل جهود باحثني‬
‫يف جمال علم التخاطب‪ ،‬ومن بينهم هارنيش(‪ )Harnish‬الذي أضاف بعض التعديالت منها‪ :‬اجلمع بني‬
‫مبدأي الكم والكيف‪ ،‬وصادوك (‪ )Sadock‬الذي أشار إىل إمكان تقليص بعض مبادىء كرايس‪ ،‬وأبرز‬
‫بعض الثغرات يف معيار اإلبطال الذي صممه كرايس الكتشاف املفاهيم اخلطابية املولدة نتيجة انتهاك أحد‬
‫مبادئ احملادثة املشار إليها سابقا‪ .‬ومتكن صادوك من إضافة معايري أخرى الختبار تلك املفاهيم‪ ،‬غري أن‬
‫أقوى التحديات جاءت من ويلسون (‪ )Wilson‬وسبريير(‪ )Sperber‬اللذين شككا يف مبادئ كرايس‪،‬‬
‫‪14‬‬
‫واستثنيا من ذلك مبدأ املناسبة الذي جعال منه أساسا لنظرية مسياها بنظرية املناسبة‪".‬‬
‫ويعين هذا كله أن الناقد التداو ي ميكن أن يتعامل مع النص األديب أو اخلطاب اإلبداعي باعتبار بنية‬
‫ختاطبية وتبادلية بني طرفني ضمن سياق عام‪ ،‬أو سياق موقفي‪ ،‬أو سياق نصي‪ ،‬مع حتديد نوع التخاطب‬
‫والتبادل التداو ي‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪- See H.Grice. (Logic and conversation), In Steven David (ed), Pragmatics: A‬‬
‫‪reader, New York, Oxford University press, 1991, pp: 305-315.‬‬
‫‪ - 14‬حممد حممد يونس علي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.122:‬‬
‫‪15‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬النص األدبي تلف ــظ في سياق‬
‫هتدف املقاربة التلفظية إىل دراسة اخلطاب اإلبداعي واألديب يف ضوء املعينات اإلشارية‪ ،‬أو قراءهتا بواسطة‬
‫القرائن اللغوية‪ ،‬أو مقاربتها عرب املؤشرات التلفظية اليت حتدد سياق امللفوظ اللغوي واللساين‪ .‬وهذ املعينات‬
‫هي ضمائر الشخوص‪ ،‬وأمساء اإلشارة‪ ،‬وظروف املكان والزمان‪ ،‬وصيغ القرابة‪ ،‬والصيغ االنفعالية الذاتية‪.‬‬
‫ومن مث‪ ،‬تنبين املقاربة القرائنية أو املقاربة "التلفظية" على دراسة سياق التلفظ‪ ،‬وحتديد أطراف التواصل‬
‫اللغوي‪ ،‬بالرتكيز على ثالثة مبادئ منهجية هي‪ :‬البنية‪ ،‬والداللة‪ ،‬والوظيفة‪ .‬ومن املعلوم أيضا أن هذ‬
‫املقاربة القرائنية أو اإلشارية متتح آلياهتا من اللسانيات اخلارجية ذات البعد املرجعي‪ ،‬مع االنفتاح بشكل من‬
‫األشكال على التداوليات والسيميوطيقا النصية واخلطابية‪.‬‬

‫وتطلق عدة مصطلحات ومفاهيم على املعينات (‪ )déictiques‬يف الدراسات الغربية من بينها ‪ :‬القرائن‬
‫املدمجة أو الواصلة (‪ )Embrayeurs‬كما عند رومان جاكبسون(‪ ،)Roman Jakobson‬أو‬
‫الوحدة اإلشارية (‪)Index‬عند شارل بريس( ‪ ،)Peirce‬أو التعبري اإلشاري كما لدى بار هيليل(‬
‫‪ ،)Bar- Hillel‬أو املؤشر (‪ ،)indicateur‬أو دليل التلفظ (‪،)indice de l'énonciation‬‬
‫أو القرائن اإلشارية (‪ )schifters‬باللغة اإلجنليزية‪...‬‬
‫وغالبا‪ ،‬ما يستعمل مصطلح املعينات(‪ )déictiques‬مرادفا ملصطلح الواصل (‪ ،)Embrayeurs‬على‬
‫الرغم من كون املعينات مصطلحا عاما له دالالت خاصة ومتميزة عن مصطلح الواصل املرتبط بالسياق‬
‫فقط؛ ألن مصطلح املعينات يشمل أطراف التلفظ‪ ،‬والسياق التواصلي للمتكلمني‪ .‬كما يرتبط باالستعمال‬
‫الشفوي والتلفظي للخطاب‪ ،‬مع تشغيل احلركات واإلشارات وإمياءات التعيني‪ ،‬وتوظيف وحدات التأشري‬
‫الدالة على التعيني املكاين والزماين‪.‬‬
‫ومن املعلوم أن كلمة املعينات (‪ )déictiques‬مجع لكلمة مفردة هي املعني اإلشاري(‪.)déictique‬‬
‫ومن مث‪ ،‬ال تأخذ هذ املعينات والقرائن اإلشارية معناها‪ ،‬مبا فيها‪ :‬الضمائر‪ ،‬وأمساء اإلشارة‪ ،‬وظروف الزمان‬
‫واملكان‪ ،‬والصيغ االنفعالية‪ ،‬وأمساء القرابة‪ ...‬إال داخل سياق التلفظ‪ ،‬والتواصل‪ ،‬وفعل القول‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويراد باملعينات (‪ - )déictiques‬لغــة ‪ -‬اإلشارة والتحديد والتعيني والعرض والتمثيل والتبيني‬
‫والتأشري‪ ،‬وهو مشتق من كلمة "ديكتيكوس‪ " deiktikos/‬اليونانية‪ .‬ويراد به – اصطالحا‪ -‬جمموعة من‬
‫املرجعيات اإلحالية املبنية على شروط التلفظ اخلاصة وظروفه‪ ،‬كهوية املتكلم‪ ،‬ومكان التلفظ وزمانه(أنا‪-‬‬
‫اآلن‪-‬هنا)‪ .‬ويعين هذا أن كل ملفوظ يتكون من مرسل ومستقبل ومكان التلفظ وزمانه‪ .‬وهذ املؤشرات‬
‫السياقية هي اليت تسمى باملعينات أو القرائن السياقية‪ .‬وبتعبري آخر‪ ،‬فاملعينات هي جمموعة من العناصر‬

‫‪16‬‬
‫اللسانية اليت حتيل على السياق املكاين والزماين لعملية التلفظ اجلارية بني املتكلمني أو املتحدثني أو‬
‫املتلفظني‪.‬‬
‫إذاً‪ ،‬يقصد باملعينات أو القرائن اإلشارية تلك الكلمات أو التعابري أو الروابط أو الوحدات اللغوية اليت ترد‬
‫يف ملفوظ كتايب أو شفوي‪ ،‬حتدد الظروف اخلاصة للتلفظ‪ ،‬وتبني الشروط املميزة لفعل القول ضمن سياق‬
‫تواصلي معني‪ .‬ومن مث‪ ،‬ال يتحدد مرجع هذ القرائن واملعينات اإلشارية دالليا وإحاليا إال بوجود املتكلمني‬
‫يف وضعية التلفظ والتواصل املتبادل‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وحتيل املعينات على أطراف التواصل‪ ،‬من‪ :‬متكلم ومستقبل‪ ،‬ومرسل ومرسل إليه‪ ،‬باإلضافة إىل‬
‫الضمائر املنفصلة واملتصلة(أنا‪-‬أنت‪ -‬حنن‪-‬أنتم‪ ،)...‬وأدوات التملك املتعلقة بضمري املتكلم وضمري‬
‫املخاطب(كتايب‪ ،‬كتابك‪ ،‬كتابنا‪ ،‬كتابكم‪ ،)...‬وأمساء اإلشارة(هذا‪-‬هذ ‪ -‬ذلك‪ -‬تلك‪ ،)...‬وظروف‬
‫الزمان واملكان(هنا‪-‬هناك‪-‬اليوم‪ -‬اآلن‪ -‬البارحة‪ -‬يف يومني‪ ،‬هذا الصباح‪ ،‬إخل‪ ،)...‬فضال عن كل‬
‫املؤشرات اللغوية اليت تعني الشخوص واألشياء من قبل املتكلم‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فاملعينات هي وحدات التلفظ ومؤشراته‪ ،‬تساهم يف حتيني فعل التلفظ إجنازا وقوال وفعال‪ ،‬عن‬
‫طريق الضمائر‪ ،‬وأمساء اإلشارة‪ ،‬وظروف املكان والزمان‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاملعينات هي اليت تعىن بتحديد مرجع‬
‫الوحدات اللغوية حني عملية التلفظ والتواصل‪ .‬وحييل هذا املرجع على واقعية لسانية خارجية تسيج عالقة‬
‫الدال باملدلول‪ .‬ومن مث‪ ،‬ال ميكن أن يتحقق معىن الشيء‪ ،‬وتتعني هويته‪ ،‬إال مبعرفة ظروف التواصل‬
‫وشروطه املميزة‪ .‬فإذا أخذنا على سبيل املثال هذا امللفوظ اللغوي‪ ":‬سأذهب ألنام"‪ ،‬إذا كنا نعرف بأن‬
‫أمحد هو الذي قال هذ اجلملة‪ ،‬فضمري املتكلم يعود عليه إحالة وسياقا ومقاما‪ .‬أي‪ :‬إن ضمري املتكلم هو‬
‫أمحد‪ .‬وإذا مل نكن نعرف متلفظ هذ اجلملة‪ ،‬فإننا لن نعرف بتاتا على من يعود ضمري املتكلم‪ .‬وهكذا‪،‬‬
‫يتبني لنا‪ ،‬بأن الضمائر تتحدد داللة وإحالة ومرجعا بوجود أطراف التلفظ والتواصل‪.‬‬
‫ويرى إميل بنيفنست (‪ )Émile Benveniste‬يف كتابه( قضايا اللسانيات العامة) بأن املعينات حتدد‬
‫اللحظة املكانية والزمانية اآلنية أثناء حلظة التلفظ بضمري التكلم ‪ .11‬وإذا تأملنا هذ اجلملة على سبيل‬
‫املثال‪" :‬أسماء قالت‪ :‬سأسافر هناك غدا"‪ ،‬فأمساء مكون امسي حييل على املتكلم‪ ،‬لكنه ليس معينا؛ ألن‬
‫املكون االمسي ال يشكل معينا إشاريا‪ .‬يف حني‪ ،‬حييل ضمري املتكلم على املتكلم "أمساء"‪ ،‬وحتيل كلمة "‬
‫هناك" على سياق تواصلي مكاين‪ ،‬بينما حتيل كلمة" غدا" على سياق تواصلي زمين‪ .‬ومن هنا‪ ،‬البد من‬

‫‪19‬‬
‫‪- Émile Benveniste: Problèmes de linguistique générale 1, ED, Gallimard,‬‬
‫‪Paris, 1966, p.253.‬‬
‫‪17‬‬
‫استحضار السياق املكاين والزماين والشخوصي لتحديد املعينات واملؤشرات اللغوية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يستلزم‬
‫احلديث عن املعينات وجود أطراف التواصل‪ ،‬وفعل التلفظ‪ ،‬واملعينات‪ ،‬ووجود السياق‪.‬‬

‫السياق‬ ‫املعينات‬ ‫فعل التلفظ‬ ‫أطراف التواصل‬


‫الوحدات اللغوية من ‪ -‬السياق التواصلي‬ ‫والمرسل الملفوظات‬ ‫المرسل‬
‫وأسماء الذي يتكون من‬ ‫والجمل ضمائر‪،‬‬ ‫إليه‪ ،‬أو المتكلم والعبارات‬
‫فرعية‪،‬‬ ‫وأدوات سياقات‬ ‫والكلمات المكتوبة اإلشارة‪،‬‬ ‫والمستقبل‪.‬‬
‫وظروف كالسياق‬ ‫التملك‪،‬‬ ‫أو الشفوية‪.‬‬
‫الشخوصي‪ ،‬والسياق‬ ‫المكان والزمان‪.‬‬
‫والسياق‬ ‫المكاني‪،‬‬
‫الزماني‪.‬‬

‫و يالحظ أن املعينات ترتبط دائما يف عالقة جدلية بلحظات اخلطاب الفورية واآلنية لفعل القول‪ ،‬وتتعلق‬
‫كذلك بلحظات فعل التلفظ (‪ ،)le discours direct‬لكن حينما يتحول اخلطاب أو احلوار املباشر‬
‫إىل سرد أو حكي(‪ ،)le récit‬أو يتخذ صيغة الكالم املنقول(‪ .)le discours indirect‬فهنا‪،‬‬
‫الميكن احلديث عن املعينات‪ .‬وللتوضيح أكثر‪ ،‬حينما يكون هناك حوار مباشر يكون احلديث ‪ -‬بطبيعة‬
‫احلال‪ -‬عن املعينات كما يف هذا املثال‪:‬‬
‫" ‪ -‬أسماء‪ :‬سأسافر غدا إلى مراكش‪.‬‬
‫‪ -‬لمياء‪ :‬أنا سأسافر معك غدا هناك إذا وافق والدي‪".‬‬
‫نالحظ يف هذا احلوار أو اخلطاب املباشر جمموعة من املعينات املتعلقة بأطراف التواصل(أمساء وملياء)‪،‬‬
‫ووجود ضمائر الشخوص(ضمري التكلم)‪ ،‬ومعينات املكان (هناك)‪ ،‬ومعينات الزمان(غدا)‪ .‬يف حني‪ ،‬إذا‬
‫حولنا هاتني اجلملتني احلواريتني إىل سرد حمكي أو خطاب منقول‪ ،‬فال ميكن إطالقا احلديث عن املعينات‬
‫اإلشارية؛ ألن املعينات ختتفي حينما تتحول إىل وحدات لغوية يف حلظة الغياب‪ ،‬وال تشري إطالقا إىل حلظة‬
‫التكلم والقول والتلفظ‪ ":‬قالت أسماء بأنها ستسافر إلى مراكش‪ ،‬وردت عليها لمياء بأنها ستفعل مثلها‬
‫إذا وافق والدها"‪.‬‬
‫ونستخلص من هذا أن املعينات تظهر حضوريا مع احلوار الداخلي (املنولوج) واحلوار املباشر(الديالوج)‪،‬‬
‫وختتفي غيابيا مع اخلطاب املنقول أو احملكي السردي‪.‬‬
‫‪18‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فاملعينات هي الوحدات اللسانية اليت هلا وظيفة داللية ومرجعية‪ ،‬وهذ الوحدات اللسانية هي‬
‫جمموعة من العناصر التكوينية لوضعية التواصل‪ .‬وتتضمن املعينات أو التعبريات اإلشارية (‪،)deictiques‬‬
‫يف املنظور اللساين واللغوي احلديث‪ ،‬كل ما حييل على وضعيات التكلم والتخاطب والتواصل والتبليغ‬
‫والتبادل بني املتكلم واملخاطب‪ .‬وترتبط املعينات اإلشارية بـ‪:‬‬
‫‪ -‬الدور الذي يقوم به عاملو القول يف عملية التلفظ‪.‬‬
‫‪ -‬الوضع املكاين‪ -‬الزماين للمتكلم واملخاطب على حد سواء‪.22‬‬
‫ويعين هذا أن املعينات هي اليت تتضمن إحالة خاصة ومتميزة‪ ،‬وهذ اإلحالة قد تكون مطلقة عامة‪ ،‬أو‬
‫إحالة سياقية خاصة‪ ،‬أو إحالة إشارية تعيينية‪ .‬وللتوضيح أكثر نورد هذ األمثلة ‪:‬‬

‫‪ ‬يقطن أمحد مدينة الرباط‪(.‬إحالة مطلقة)‪.‬‬


‫‪ ‬يسكن علي يف جنوب الرباط ‪ (.‬إحالة سياقية)‬
‫‪ ‬يقطن علي هنا‪( .‬إحالة إشارية أو تعيينية)‬
‫‪ ‬سيسافر علي يف ‪ 24‬من شهر دجنرب‪(.‬إحالة مطلقة)‬
‫‪ ‬سيسافر علي أمسية العيد‪(.‬إحالة سياقية)‬
‫‪ ‬سيسافر علي غدا‪( .‬إحالة إشارية أو تعيينية)‬
‫ومثة جمموعة من الدارسني الغربيني الذين اهتموا باملعينات والقرائن اإلشارية يف ضوء مقاربات متنوعة‪:‬‬
‫نفسية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وأنرتوبولوجية‪ ،‬وبالغية‪ ،‬وأسلوبية‪ ،‬ولسانية‪ ،‬وسيميائية‪،‬وتداولية‪ ،...‬منهم‪ :‬إميل‬
‫بنيفنست يف كتابه( قضايا اللسانيات العامة)‪ ،21‬وكاترين كريبرا أوريكشيوين يف كتاهبا(ملفوظ الذاتية في‬
‫اللغة)‪ ،22‬وكرمياص يف كتابه(موباسان‪ :‬سيميوطيقا النص‪:‬تمارين تطبيقية)‪ ،23‬وفيليب هامون يف‬

‫‪20‬‬
‫‪-C.K.Orecchioni: L'énonciation de la subjectivité dans le langage, Paris,‬‬
‫;‪Armand Colin, 1980, p:36‬‬
‫‪21‬‬
‫‪- Benveniste, E: Problèmes de linguistique générale2, ED, Gallimard, Paris,‬‬
‫‪1974.‬‬
‫‪22‬‬
‫‪-C.K.Orecchioni: L'énonciation de la subjectivité dans le langage, Paris,‬‬
‫‪Armand Colin, 1980.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪-Greimas: Maupassant, la sémiotique du texte: exercices pratiques,‬‬
‫‪éditions du Seuil, Paris 1976, p:8-263.‬‬
‫‪19‬‬
‫كتابه(سيميولوجية الشخصيات)‪،24‬وتزيتيفان تودوروف يف كتابه(الشعرية)‪ ،25‬إىل جانب بول ريكور(‬
‫‪ ،)26Paul Ricoeur‬و رومان جاكبسون‪ ،21‬وييسبريسني( ‪ ،)Jespersen‬وكلود ليفي شرتاوس‪،24‬‬
‫وفينريش( ‪،)29Weinrich‬وجان بياجي( ‪ ،)Jean Piajet‬وشارل با ي(‪ ،)32Bally‬وشارل‬
‫فيلمور(‪ ،)31 Fillmore‬وفونديرليش( ‪ ،) 32Wunderlish‬وآخرين‪...‬‬
‫ومن الدارسني العرب الذين اهتموا باملعينات اإلشارية‪ ،‬البد من ذكر حممد مفتاح يف كتابيه( في سيمياء‬
‫و(تحليل الخطاب الشعري)‪ ،34‬وعبد اجمليد نوسي يف كتابه(التحليل السيميائي‬ ‫‪33‬‬
‫الشعر القديم)‬
‫للخطاب الروائي)‪... ،35‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬يقصد باملعينات أمساء اإلشارة‪ ،‬والضمائر املتصلة واملنفصلة‪ ،‬وظروف الزمان واملكان‪.‬‬
‫وبتعبري آخر‪ ،‬ما يشكل صيغة‪ :‬أنا‪ ،‬اآلن‪ ،‬هنا‪ .‬كما ميكن احلديث أيضا عن ألفاظ القرابة (أيب وأمي‬
‫وخا ي‪،)...‬وصيغ االنفعال و التعجب‪ ،‬وآليات احلكم والتقومي الذايت‪.‬‬
‫وميكن احلديث بصفة عامة عن معينات املتكلم أو املتلفظ‪ ،‬ومعينات املستقبل أو املخاطب أو املرسل إليه‬
‫أو املتلفظ إليه‪ .‬فمن املعروف أن ضمري املتكلم حيدد هوية املتكلم‪ ،‬ويعني حضور ووجود سياقيا ومرجعيا‬

‫‪ - 24‬فيليب هامون‪ :‬سيميولوجية الشخصيات‪ ،‬ترمجة‪ :‬سعيد بنكراد‪ ،‬دار الكالم‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1112‬م‪.‬‬
‫‪ -‬تزفيطان تودوروف‪ :‬الشعرية‪ ،‬ترمجة‪ :‬شكري املبخوت ورجاء بن سالمة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل‬ ‫‪25‬‬

‫سنة ‪1141‬م‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫‪- Paul Ricoer: La métaphore vive. Seuil, Paris, 1975, p.98.‬‬
‫‪27‬‬
‫‪- R.Jakobson: Essais de linguistique générale, Minuit, Paris, 1963.‬‬
‫‪28‬‬
‫‪- Levi-Strauss: Anthropologie structurale, Plon, Paris, 1958.‬‬
‫‪29‬‬
‫‪-Weinrich Harold: Le temps, Seuil, Paris, 1973.‬‬
‫‪30‬‬
‫‪- Bally:(Les notions grammaticales d'absolu et de relief), In: essais sur le‬‬
‫‪langage, Minuit, Paris, 1969, pp:189-204.‬‬
‫‪31‬‬
‫‪- Fillmore :( Deictic categories in the semantics of come), Foundations of‬‬
‫‪language 2, 1966, pp: 219-227.‬‬
‫‪32‬‬
‫‪- Wunderlish, Dieter: (Pragmatique, situation d'énonciation et deixis),‬‬
‫‪Langages, 26, juin1972, pp:34-58.‬‬
‫‪ - 33‬حممد مفتاح‪ :‬في سيمياء الشعر القديم‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1141‬م‪.‬‬
‫‪ - 34‬حممد مفتاح‪ :‬تحليل الخطاب الشعري‪ ،‬ص‪.151:‬‬
‫‪ -35‬عبد اجمليد نوسي‪ :‬التحليل السيميائي للخطاب الروائي‪ ،‬شركة النشر والتوزيع املدارس‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪2222‬م‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫حني عملية التلفظ والتواصل‪ .‬ويتحدد ضمري املتكلم يف صيغة املفرد " أنا" أو صيغة اجلمع “حنن" عرب‬
‫الطرائق التالية‪:‬‬
‫‪‬استعمال الضمائر المنفصلة‪ " :‬غدا‪ ،‬سأسافر‪ ،".‬و" غدا سنسافر"‪.‬‬
‫‪ ‬الضمائر المتصلة المرتبطة بالفعل‪" :‬خرجت مبكرا"‪ ،‬و"ذهبنا هناك مسرعني"‪.‬‬
‫‪ ‬أدوات التملك‪ " :‬كتايب"‪ ،‬و" كتابنا"‪.‬‬
‫‪ ‬صيغ العالقة والقرابة والتفاعل الوجداني املرتبطة ضمنيا بضمري املتكلم ‪ " :‬التقيت بصديق"‪،‬‬
‫و"هاتفين اجلد "‪،‬و" الرضيع مريض"‪ ،‬وحتيل هذ امللفوظات الضمنية على اجلمل التالية‪" :‬التقيت‬
‫بصديقي"‪ ،‬و" هاتفين جدي "‪ ،‬و" رضيعنا مريض"‪.‬‬
‫‪‬صيغ األمر واالستفهام والتوبيخ‪ " :‬اخربين‪ .‬كم الساعة؟ بدأ علي يف البكاء"‪.‬‬
‫‪ ‬العالمات الدالة على عواطف المتلفظ وانفعاالته‪ :‬وتسمى كذلك مبوجهات‬
‫اخلطاب(‪ ،)modalisateurs du discours‬حيث تسمح للمتكلم أو املتلفظ بالتعبري عن‬
‫أحاسيسه وعواطفه الوجدانية‪ ،‬وإصدار أحكامه التقوميية إجيابا أو سلبا‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬ميكن احلديث‬
‫عن الذاتية واملوضوعية‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫‪ -‬زرت فيال على شاطئ البحر‪.‬‬
‫‪ -‬زرت كوخه على شاطئ البحر‪.‬‬
‫نستنتج‪ ،‬من خالل هذين املثالني‪ ،‬أن هناك تقوميا سلبيا قدحيا (الكوخ)‪ ،‬وتقوميا إجيابيا حول مكان اإلقامة‬
‫(الفيال)‪.‬‬
‫وتساهم صيغة االفرتاض يف تأكيد احلضور الذايت‪ ،‬مثل‪ " :‬ميكن أن تكون أمساء مريضة"‪ ،‬أو استعمال‬
‫صيغة الشك " ال أعتقد ذلك!"‪.‬‬
‫‪ ‬صيغ االنفعال والتفجع والتحسر والتأثر والتعجب‪ " :‬آ !"‪ ،‬و" كم هو مجيل هذا املكان!"‪..‬‬
‫‪ ‬الموجهات‪ :‬مثل " بدون شك"‪ ،‬و" حسب رأيي"‪ ،‬و" يف منظوري"‪...‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يتحدد وجود املستقبل عرب الطرائق الشكلية التالية‪:‬‬
‫‪ ‬ضمائر المخاطب‪ :‬أنت‪ ،‬وأنتم‪ ،‬وحنن(أنا‪ ،‬وأنت)‪...‬‬
‫‪‬الضمائر المتصلة بالفعل‪ :‬كتبت‪ -‬كتبتم‪...‬‬
‫‪‬ضمائر التملك‪ :‬كتابك‪ ،‬كتابكم‪...،‬‬
‫‪ ‬ألفاظ القرابة والعالقات الحميمية ‪ " :‬صديق يريد رؤيتك"‪ " ،‬هاتفت األم "‪ ،‬وذلك من أجل أن‬
‫تقول‪ ":‬صديقك يريد ريتك"‪ ،‬و"هاتفت أمنا(أنا‪ ،‬وأنت)"‬
‫‪21‬‬
‫‪ ‬صيغ األمر واالستفهام والتوبيخ‪ ":‬امسع! أين هي النظارات؟ ملياء‪ ،‬سأذهب ألنام"‪.‬‬
‫أما فيما خيص املعينات الفضائية‪ ،‬فنستحضر ‪ :‬هنا‪ ،‬هناك‪ ،‬ورائي‪ ،‬يساري‪ ،‬قريب‪...،‬‬
‫أما املعينات الزمانية‪ ،‬فهي‪ :‬اآلن‪ ،‬اليوم‪ ،‬غدا‪ ،‬البارحة‪ ،‬يف هذا الشهر‪ ،‬يف هذ اللحظة‪...‬‬
‫وفيما يتعلق بأمساء اإلشارة‪ ،‬فنذكر‪ :‬هذا‪ ،‬هذ ‪ ،‬ذلك‪ ،‬تلك‪ ،‬هؤالء‪ ،‬أولئك‪...‬‬
‫وميكن احلديث كذلك عن أفعال احلركة واالنتقال‪ ،‬مثل‪ :‬جاء‪ -‬ذهب‪ -‬انطلق‪ -‬سافر‪ -‬ارحتل‪" :‬جاء مسري‬
‫ليساعدين"‪ .‬أي‪ :‬تشري إىل الوصول إىل منطقة التلفظ أو مغادرهتا‪.‬‬
‫وميكن اعتبار كذلك بعض األزمنة الفعلية من بني املعينات كاحلاضر‪ :‬أشتغل‪ ،‬ألعب‪ ،‬تلعب‪...‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ميكن احلديث عن نوعني من املعينات والقرائن اإلشارية‪ ،‬فمنها ما يتعلق بالعوامل أو‬
‫أطراف التلفظ والقول(‪ ،)actants‬و هناك ما يتعلق بظروف التواصل والتلفظ والقول والكالم‬
‫(‪ .)circonstants‬فمن مث‪،‬حتيل معينات العوامل على املرسل واملرسل إليه‪ ،‬أو املتكلم واملستقبل‪،‬‬
‫وتسمى باملعينات الذاتية (‪ ،)embrayeurs subjectifs‬أو املعينات الشخوصية أو الضمائرية‬
‫(‪ .)embrayeurs personnels‬أما املعينات الثانية‪ ،‬فتحيل على ظروف التلفظ وسياقه التواصلي‪،‬‬
‫وميكن تقسيمها كذلك إىل معينات مكانية (‪ )embrayeurs locatifs‬أو معينات فضائية‬
‫(‪ ،)embrayeurs spatiaux‬ومعينات زمانية (‪.)embrayeurs temporels‬‬

‫أقسام املعينات‬
‫املعينات السياقية‬ ‫املعينات الذاتية‬
‫أو المعينات الزمانية‪.‬‬ ‫المكانية‬ ‫المرسل المعينات‬ ‫التلفظ‪:‬‬ ‫عوامل‬
‫والمرسل إليه‪ ،‬أو المتكلم المعينات الفضائية‪.‬‬
‫والمستقبل‪.‬‬

‫عالوة على ذلك‪ ،‬حتمل املعينات والتعبريات اإلشارية يف طياهتا وظائف عدة‪ ،‬ميكن حصرها يف الوظيفة‬
‫املرجعية‪ ،‬حيث حتدد هذ العناصر اخلطابية‪ ،‬وهذ الوحدات اللسانية‪ ،‬سياق التواصل والتلفظ‪ ،‬سواء أكان‬
‫سياقا شخصيا أم سياقا مكانيا أم سياقا زمانيا‪ .‬فال ميكن دراسة املعىن بدون حتديد املرجع‪ .‬ويف هذا‬
‫الصدد‪ ،‬تقول أوريكوشيوين‪ ":‬يستحيل يف بعض األحيان الوصف املناسب لألداء الكالمي دون االهتمام‬
‫مبحيطها غري الكالمي بشكل عام‪ .‬الميكن دراسة املعىن دون حتديد صلته باملرجع؛ وال ميكن حتليل القدرة‬

‫‪22‬‬
‫اللسانية بتفريغ القدرة اإليديولوجية اليت تنتظم عليها‪ ،‬ال ميكننا وصف اإلرسالية دون االهتمام باملقام الذي‬
‫‪36‬‬
‫تأسس عليه‪ ،‬والنتائج اليت هتدف إليها‪".‬‬
‫كما تؤدي هذ املعينات والقرائن اإلشارية وظيفة التعيني والتأشري‪ ،‬والرتكيز على اإلحالة املقامية والنصية‪،‬‬
‫وحتديد الوضعية املكانية والزمانية‪ ،‬وتبيان املشار إليه قربا وبعدا‪ ،‬وتأكيد وظيفة احلضور والغياب‪ ،‬والتنبيه إىل‬
‫الوظيفة الذاتية واملوضوعية‪ ،‬ورصد وظيفة االندماج والالندماج‪ ،‬إىل جانب حتديد الوظائف الداللية‬
‫واملرجعية والتداولية واللسانية‪ .‬ويعين هذا حسب بنفينست أن " الضمري ليس إال شكال فارغا‪ ،‬إذا كان‬
‫خارج اخلطاب الفعال‪ ،‬و ال يرتبط بأي موضوع أو مفهوم أو تصور"‪ .31‬ويرى بول ريكور أيضا بأن‬
‫الضمائر ‪ ":‬هي بالضبط ال دالة‪ ،‬الكلمة "أنا" ليست هلا داللة يف ذاهتا‪"...‬أنا" هو الذي‪ ،‬يف مجلة‪ ،‬ميكن‬
‫أن ينطبق على نفسه أنا على أنه هو الذي يتكلم ؛ إذاً‪ ،‬الضمري هو أساسا اشتغال اخلطاب‪ ،‬وال حيمل‬
‫‪34‬‬
‫معىن إال حينما يتكلم شخص ويعني نفسه بقوله أنا‪".‬‬
‫وبتعبري آخر‪ ،‬إن للمعينات وظائف داللية تتمثل يف ارتباط القرائن اإلشارية بالسياق املرجعي واملعىن‬
‫الدال ي‪ .‬كما تؤدي هذ املعينات وظيفة نفسية كما عند جان بياجي ‪ .‬ومن مث‪ ،‬فهل "القرائن اإلشارية‬
‫تكتسب مبكرا أو بكيفية متأخرة من قبل الطفل؟ ولكن اآلراء متعددة حول هاته النقطة‪ :‬بالنسبة لبياجي‬
‫القرائن اإلشارية هي أكثر حضورا يف اخلطاب الطفو ي؛ نظرا الرتباطها باستعمال أنوي ذايت التمركز‬
‫‪31‬‬
‫للغة‪".‬‬
‫كما تؤدي هذ املعينات وظيفة أنرتوبولوجية‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يعلن كلود ليفي شرتاوس‪ ،‬ضمن مقاربته‬
‫األنرتوبولوجية‪ ،‬أن" يف اللغات اهلندوأوربية املصطلحات الدالة على القرابة منظمة يف بعد ذايت‪ ،‬على خالف‬
‫نظريهتا الصينية حيث يتعلق األمر بنسق موضوعي كليا؛ إذ عالقات القرابة تدرك عن طريق صلتها‬
‫بالشخص‪ ،‬باعتبار أن األلفاظ تصري مبهمة جدا ونادرة لتنطبق على أقرباء بعيدين‪ .‬إذاً‪ ،‬األنساق‬
‫‪42‬‬
‫اهلندأوروبية أنساق ذاتية التمركز وأنوية‪ ،‬معتربة األنا نقطة االنطالق‪".‬‬
‫وقد تتخذ املعينات وظيفة بالغية حينما تتجاوز التعيني والتقرير إىل اإلحياء والتضمني عرب عملية االنزياح‬
‫واخلرق‪ ،‬وانتهاك املعيار التقعيدي‪ ،‬من خالل تصادم الوحدات اللغوية وتوترها‪ ،‬كما يف األمثلة التالية‪:‬‬

‫‪ -‬أريكشيوين‪ :‬فعل القول من الذاتية في اللغة‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد نظيف‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل‬ ‫‪36‬‬

‫سنة ‪2221‬م‪ ،‬ص‪.11:‬‬


‫‪ - 31‬أريكشيوين‪ :‬فعل القول من الذاتية في اللغة‪،‬ص‪.54:‬‬
‫‪ - 34‬أريكشيوين‪ :‬نفسه‪،‬ص‪.55:‬‬
‫‪ - 31‬أريكشيوين‪ :‬نفسه‪،‬ص‪.11:‬‬
‫‪ - 42‬أريكشيوين‪ :‬نفسه‪،‬ص‪.42:‬‬
‫‪23‬‬
‫‪ " ‬نحن اآلن منذ ثالثين مليون سنة "‪.‬هنا‪ ،‬ظرفان زمنيان (اآلن‪ /‬ثالثون مليون سنة) ال يشتغالن على‬
‫النسق االستدال ي نفسه‪ ،‬بل هناك تصادم دال ي بينهما على املستوى الزمين‪.‬‬
‫‪ "‬غدا ذهب القطار"‪ ،‬يالحظ أن الذي يتكلم يعيش نسقني زمنني خمتلفني(املاضي‪/‬املستقبل)‪.‬‬
‫كما يقع هذا االنزياح البالغي على مستوى الزمن‪ ،‬يقع أيضا على مستوى الضمائر والفضاءات‪ ،‬وذلك‬
‫كله من أجل خلق أبعاد إحيائية وفنية ومجالية واستعارية‪.‬‬
‫ومن وظائف املعينات األخرى التمييز بني األساليب واخلطابات واألجناس األدبية‪ ،‬كالتمييز ‪ -‬مثال‪ -‬بني‬
‫احلوار والسرد‪ ،‬فاحلوار يتميز بوجود املعينات احلضورية‪ ،‬مثل‪ :‬أنا‪ ،‬أنت‪ ،‬أنتم‪ ،‬وحنن‪ ،...‬واستعمال زمن‬
‫احلاضر‪ ،‬وتشغيل الصيغ االنفعالية‪ ،‬وتنويع التعبري إىل ‪ :‬استفهام‪ ،‬وتعجب‪ ،‬وتفجع‪ ....‬يف حني‪ ،‬يتميز‬
‫السرد أو احلكي بغياب هذ املعينات‪ ،‬مع استعمال األفعال املاضية‪ ،‬وتشغيل ضمائر الغياب‪ ،‬مثل‪ :‬هو‪،‬‬
‫هي‪ ،‬هم‪ ،‬وهن‪ ،‬وخلو من الصيغ االستفهامية واالنفعالية‬

‫المطلب السادس‪ :‬النص األدبي أفعال كالمية‬

‫إن النص األديب ليس جمرد خطاب لتبادل األخبار واألقوال واألحاديث‪ ،‬بل يهدف عرب جمموعة من األقوال‬
‫واألفعال اإلجنازية إىل تغيري وضع املتلقي‪ ،‬وتغيري نظام معتقداته‪ ،‬أو تغيري موقفه السلوكي من خالل ثنائية‬
‫افعل وال تفعل‪ .41‬ويعين هذا أن اخلطاب أو النص األديب‪ ،‬يف مفهوم التداوليات التحليلية اليت ظهرت يف‬
‫سنوات اخلمسني من القرن العشرين مع أوستني‪ ،‬كما يف كتابه( نظرية أفعال الكالم) (‪1162‬م)‪،42‬‬
‫وسورل يف كتابه( أفعال اللغة) (‪1161‬م)‪،43‬عبارة عن أفعال كالمية تتجاوز األقوال وامللفوظات إىل الفعل‬
‫اإلجنازي والتأثري الذي يرتكه ذلك اإلجناز‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تنبين نظرية األفعال الكالمية على ثالثة عناصر رئيسة‬
‫هي‪ :‬أوال‪ ،‬فعل القول‪ ،‬ويراد به إطالق ألفاظ يف مجل مفيدة سليمة الرتكيب‪ ،‬وذات داللة‪ ،‬حتمل يف طياهتا‬
‫محوالت قضوية وإخبارية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تشتمل على مستوى صويت وتركييب ودال ي‪ ،‬مثل‪" :‬أشكرك يا علي"‪.‬‬
‫وثانيا‪ ،‬الفعل املتضمن يف القول‪ :‬وهو الفعل اإلجنازي‪ ،‬وهو حيدد الغرض املقصود بالقول‪ ،‬كصيغة األمر يف‬
‫هذ اجلملة‪ ":‬انتظري اللحن الجديد"‪ .‬وثالثا‪ ،‬الفعل الناتج عن القول‪ ،‬وهو ما ينتج عن القول من آثار‬

‫‪41‬‬
‫‪- Catherine kerbrat-Orrecchioni: Enonciation de la subjectivité dans le‬‬
‫‪langage, Paris, Armond Colin, 1980, p: 181.‬‬
‫‪42‬‬
‫‪- J.L.Austin: Quand dire, c'est faire, Editions du seuil, Paris, 1970.‬‬
‫‪43‬‬
‫‪- John R.Searle: les actes de langage, Collection, savoir Herman, Paris, 1972.‬‬
‫‪24‬‬
‫لدى املخاطب إثر فعل القول‪ ،‬كإقناع املخاطب‪ ،‬وحثه‪ ،‬وإرشاد ‪ ،‬وتوجيهه‪ ،‬أو تضليله ‪...‬وحتضر هذ‬
‫املستويات الثالثة للفعل الكالمي مجيعها يف الوقت ذاته‪ ،‬و بدرجة متفاوتة‪ ،‬هي اليت جتعل هذا الفعل‬
‫الكالمي كامال‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬مييز أوستني بني اجلمل اخلربية واجلمل اإلجنازية‪ ،‬وتتنوع هذ األقوال اإلجنازية إىل أقوال‬
‫ظاهرة وأقوال مضمرة‪ .‬فاألقوال اإلجنازية قد تكون هلا قوة حرفية‪ ،‬مثل‪ :‬االستفهام‪ ،‬والتمين‪ ،‬واألمر‪ ...‬وقد‬
‫تكون هلا قوة إجنازية حوارية وسياقية‪ ،‬مثل‪ :‬االلتماس‪ ،‬واإلرشاد‪ ،‬والتهديد‪ ،‬والتحسر‪... ،‬‬
‫ويعين هذا كله أن الفعل الكالمي ينقسم إىل ثالثة أنواع‪ :‬فعل القول‪ ،‬والفعل املتضمن يف القول‪ ،‬والفعل‬
‫الناتج عن القول‪ ،‬وقد ال يدل الفعل املتضمن يف القول على داللته املباشرة‪ ،‬بل يفيد معىن إجنازيا آخر غري‬
‫مباشر حيدد سياق القول‪ .‬بتعبري آخر‪ ،‬للجملة الواحدة ثالثة مستويات‪ :‬حمتواها القضوي‪ ،‬وهو جمموع‬
‫معاين مفرداهتا‪ ،‬والقوة اإلجنازية احلرفية‪ ،‬وهي قوة مدركة مقاليا‪ ،‬والقوة اإلجنازية املستلزمة اليت تدرك مقاميا‪.‬‬
‫ويعين هذا أن أوستني يربط األقوال باألفعال‪ ،‬واملقال باملقام‪ .‬فأن نقول كالما‪ ،‬يعين أننا ننجز فعال‪ .‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬فنظرية األفعال الكالمية تنبين على فعل القول (قول شيء ما) الذي يتخذ مظهرا صوتيا وتركيبيا‬
‫ودالليا‪ ،‬والفعل املتضمن يف القول (إجناز فعل معني ضمن قول ما)‪ ،‬وقد يكون فعال مباشرا أو غري مباشر‪،‬‬
‫والفعل الناتج عن القول(اآلثار املرتتبة عن قول شيء ما)‪ .‬ويتميز الفعل الكالمي باملطابقة مع الواقع‬
‫والسياق‪ ،‬والتعبري عن حالة نفسية‪ ،‬والقدرة على اإلجناز‪ ،‬واختالفه باختالف منزلة املتكلم من املتلقي‪،‬‬
‫‪44‬‬
‫واالختالف يف أسلوب اإلجناز‪ ،‬واختالف القوة اإلجنازية‪...‬‬
‫وميكن تقسيم أفعال الكالم ‪ -‬حسب ما يقصد هبا من أغراض إجنازية ‪ -‬إىل ‪:‬‬
‫‪ -1‬التقريريات‪ :‬وتفيد تأكيد وإقرار املتكلم لبعض الوقائع واألحداث يف الواقع اخلارجي‪ ،‬مثل‪ " :‬إنين‬
‫كاتب وناقد وفيلسوف"‪.‬‬
‫‪ -2‬الطلبيات أو األمريات‪ :‬وحتضر يف توجيه املتكلم طلبا للمخاطب إلجناز فعل ما‪ ،‬مثل‪" :‬هل سيسافر‬
‫أمحد غدا؟"‪ ،‬و" اخرجوا كلكم من مدرج الكلية"‪.‬‬
‫‪ -3‬البوحيات أو اإلفصاحيات‪ :‬تعرب عن احلالة النفسية للمتكلم‪ ،‬مثل‪ ":‬أحب أن أراك سعيدا"‪ ،‬و"‬
‫مللت االنتظار"‪.‬‬
‫‪ -4‬الوعديات‪ :‬تفيد التزام املتكلم بإجناز فعل يف الزمان املستقبل‪ ،‬مثل‪ ":‬أعدك بسفر رائع إىل مصر"‪.‬‬

‫‪ - 44‬راجع‪ :‬جون أوستني‪ :‬نظرية أفعال الكالم العام‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد القادر قينيين‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪2226‬م‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫‪ -5‬التصريحات‪ :‬ويقصد هبا إعالن املتكلم عن إجناز فعل يفيد تغيريا مرتقبا على مستوى العامل اخلارجي‪،‬‬
‫مثل‪ ":‬أعلن أيها احلضور الكرمي عن برناجمي االنتخايب قريبا"‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬يعمد الناقد يف املقاربة التداولية حني التعامل مع النص األديب إىل استخالص األفعال الكالمية‪،‬‬
‫وتصنيفها إىل األفعال القضوية‪ ،‬واألفعال اإلجنازية اخلربية‪ ،‬واألفعال السياقية‪ ،‬وتصنيف اجلمل األدبية‬
‫حسب سياقها ومقامها الوظيفي والتداو ي واملقصدي‪.‬‬

‫المطلب السابع‪ :‬النص األدبي مقصدي ــة‬

‫لقد اهتمت الدراسات التداولية‪ ،‬يف بداية األمر‪ ،‬باملتكلم باعتبار قوة عليا ميتلك سلطة متفوقة‪ ،‬إذ يوجه‬
‫للمخاطب الذي يكون يف مرتبة دنيا‪ ،‬جمموعة من األوامر لتنفيذها بطريقة ميكانيكية‪ ،‬دون تردد أو‬
‫مناقشة‪ ،‬كما هو حال األوامر الدينية والعسكرية‪ ،‬ويسمى هذا بالتواصل التوجيهي‪ .‬لكن هناك من يرفض‬
‫هذا التصور امليكانيكي‪ ،‬فيعترب املقصدية قامسا مشرتكا بني كل من املتكلم واملتلقي‪ ،‬ال فرق بينهما إال من‬
‫باب األخذ بزمام املبادرة‪ .‬لكن هناك من يرى أن املقصدية قد يتحكم فيها املتلقي‪ ،‬فيجعل املتكلم يف‬
‫قبضة يد ‪ ،‬فيتصرف فيه كيفما يشاء‪ ،‬مث يضطر املتكلم إىل تكييف خطابه حسب رغبات املتلقي‪ ،‬بل قد‬
‫يكون ناطقا بلسانه‪.45‬‬
‫وهكذا‪ " ،‬مل ختل كتابة من اإلشارة إىل القصد والقصدية واملقصدية‪ ،‬ومما يفيد هذا املعىن؛ فالباحثون‬
‫مجيعهم جيعلون املميز األساسي بني اإلنسان وغري هي املقصدية‪ .‬ولكن هناك من قصرها على ماورد فيه‬
‫جذرها صراحة أو ضمنا (هرمان باريت ‪ ،) Parret‬ومنهم من جعلها مسبقة (كرمياص ‪،)Greimas‬‬
‫كما أن منهم من جعلها ميكانيكية موجهة (أوستني ‪ ،Austin‬وسورل ‪ ،Searle‬وكرايس‪.) Grice‬‬
‫بيد أهنا ال تقتصر على املتكلم‪ ،‬ولكنها تشمل املخاطب أيضا‪ .‬وهلذا‪ ،‬فقد تتفق املقصديتان درجات من‬
‫االتفاق‪ ،‬وقد ختتلفان درجات من االختالف (نظرية التلقي)‪ ،‬مما أدى إىل طرح إشكاليتها الفلسفية‬
‫واملنهاجية‪ ،‬باعتبار أهنا غالبا ماال تكون ظاهرة يف النص‪ ،‬وإمنا يفرتض أهنا تكمن خلفه‪ .‬لذلك‪ ،‬بذلت‬
‫حماوالت لصورنتها (بتيطو‪ /Jean Petito‬وأبوسطل‪ ) Leo Apstel‬للخروج هبا من ميدان علم النفس‬
‫إىل جمال اللسانيات‪.‬‬

‫‪ - 45‬حممد مفتاح‪ :‬دينامية النص‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1141‬م‪ ،‬ص‪.46:‬‬
‫‪26‬‬
‫إهنا – مهما اختلفت وجهات النظر يف كيفية تناوهلا‪ -‬جممع على وجودها‪ .‬كأهنا تكسب الكالم دينامية‬
‫‪46‬‬
‫وحركة‪ ،‬بل هي منطلق الدينامية‪".‬‬
‫ويعين هذا أن النص األديب باعتبار مجال وملفوظات لغوية حيوي جمموعة من املقاصد املباشرة والضمنية اليت‬
‫يعرب عنها املتكلم أو املتلقي أو مها معا‪ .‬بتعبري آخر‪ ،‬مثة مقاصد أولية تتعلق باملتكلم املرسل قد يكون شاعرا‬
‫‪ -‬مثال ‪ ،-‬فيعرب عن بعض مقاصد كاحلب واخلوف واالعتقاد والتمين والكراهية‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬مثة مقاصد‬
‫ثانوية تتعلق باملتلقي السامع الذي عليه أن يفهم مقاصد الشاعر املبدع‪ ،‬ويتعرف ظروفه وحاالته النفسية‬
‫والذهنية والوجدانية‪.‬‬
‫وإذا انتقلنا إىل النص األديب‪ ،‬فإن املبدعني والشعراء يوظفون كلمات وتعابري وأمساء أعالم هلا مقصدية‬
‫مباشرة وغري مباشرة‪ ،‬قد تدرك بطريقة ظاهرة‪ ،‬أو تفهم بالتضمني والتلميح‪ .‬وهذ املقصدية واضحة يف‬
‫الشعر العريب املعاصر أكثر من الشعر العريب القدمي‪ ،‬فالشاعر املعاصر يوظف اللغة يف ضوء سيميائية‬
‫قصدية‪ ،‬حيث تتحول قصائد إىل عالمات ورموز وإشارات وأيقونات حتمل يف طياهتا دالالت مقصدية‪،‬‬
‫ينبغي استكشافها من قبل املتلقي عرب آليات التفكيك والتشريح والتقويض والتأجيل والتأويل‪"،‬إن الشعراء‬
‫مهما كانت أجناسهم وأمصارهم وأزمنتهم حرصوا على قصدية اللغة الشعرية‪ ،‬مبعىن االرتباط الطبيعي بني‬
‫الدال واملدلول‪ .‬فقد اعتنقوا‪ ،‬بدرجات متفاوتة النظرية "الكراتيلية" على حساب" اهلرموجينية"‪ .‬إال أنه إذا‬
‫كان الشعراء القدماء يستعملون اللغة حبسب مامتلي عليه جتارهبم‪ ،‬فإن احملدثني واملعاصرين الذين تأثروا‬
‫بالتيارات السيميائية املعاصرة صاروا يقصدون اللغة بسبق اإلصرار‪.‬وهكذا‪ ،‬جند‪ ،‬يف قصائدهم‪ ،‬ما حياكي‬
‫أصوات الطبيعة‪ ،‬وحشدا هائال من أمساء األعالم املختلفة ذات الدالالت اإلحيائية‪ ،‬وألفاظا عتيقة ضاربة يف‬
‫أعماق التاريخ‪ ،‬أو حديثة آتية من آفاق خمتلفة‪ .‬وهذا التداخل املعجمي خيلق عدة معان فرعية عرضية تقرأ‬
‫بتشاكالت خمتلفة حبسب الوسط الذي دعيت منه الكلمة مما جيعلها مؤشرا كنائيا عليه‪ .‬وقد تصبح أيقونا‬
‫‪41‬‬
‫إذا توفرت فيها عالقة املثلية أو املشاهبة‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬تتعامل املقاربة التداولية مع النص األديب واخلطاب اإلبداعي باعتبار مقصدية سياقية ينبغي‬
‫استحضارها بغية تأويل النص تأويال صحيحا وسليما‪.‬‬

‫‪ - 46‬حممد مفتاح‪ :‬دينامية النص‪ ،‬ص‪.31-34:‬‬


‫‪ - 41‬حممد مفتاح‪ :‬نفسه‪،‬ص‪.56:‬‬
‫‪27‬‬
‫المطلب الثامن‪ :‬النص األدبي تفاعل‬

‫ينبين النص األديب ‪ -‬حسب النظرية التفاعلية‪ -‬على التفاعل (‪ ،)Interaction‬من خالل استحضار‬
‫املتكلم واملتلقي اللذين يدخالن يف عالقة تفاعلية دينامية إجيابية أو سلبية حسب منطق السلطة‪ ،‬والتفاوت‬
‫االجتماعي واملعريف والطبقي‪ .‬بيد أن السلطة التفاعلية قد حيوزها املتكلم‪ ،‬وقد ميتلكها املتلقي‪ ،‬وقد يشرتكان‬
‫فيها عرب التفاعل التضامين اإلجيايب والتعاون التداو ي املثمر‪ .‬ويف هذا اإلطار‪ ،‬يقول حممد مفتاح‪ ":‬نقصد‬
‫بالتفاعل عالقة املرسل مبتلقيه‪ ،‬سواء أكان ذلك املتلقي فردا أو مجاعة‪ ،‬موجودا بالفعل أو بالقوة‪ .‬ومن شأن‬
‫هذ العالقة أن تسلب السلطة املطلقة من املرسل على إصدار خطابه بعجرفة أوال مباالة حنو اآلخرين‪ ،‬وأن‬
‫تدخله يف دائرة القواعد الضمنية أو العالنية‪ ،‬وأن جتعله يكيف خطابه على قدر متلقيه ليحصل التفاعل‪،‬‬
‫وكسب استمالة املتلقي‪ ،‬ونيل رضا ‪ .‬ونظرية التكيف هذ تتيح لنا معرفة السبب يف تلون خطاب مؤلف‬
‫واحد‪ ،‬فقد يكون من عادة اإلجادة‪ ،‬واستعمال أساليب راقية‪ ،‬وصور غريبة‪ ،‬ولكننا قد نفاجأ بغري ما هو‬
‫معتاد منه‪ ،‬وليس من سبب رئيسي وراء ذلك إال حماولة التكيف‪.‬‬
‫على أن هناك اعرتاضا قد يطرح وهو‪ :‬إن هذا الذي قلتمو يصح يف اخلطاب التقليدي الروتيين الشعائري‬
‫املخاطب للناس مبا ألفو ‪ ،‬ولكنه ال يستقيم يف اخلطاب األديب العريب احلديث أو املعاصر القائم على‬
‫مفاجأة املتلقي‪ ،‬وعلى تعتيم الطريق أمامه‪...‬ومع وجاهة هذا االعرتاض‪ ،‬فإننا نفرتض أن كل خطاب جاد‬
‫‪44‬‬
‫يهدف إىل عملية ربح املتلقي‪ ،‬وكسبه إىل جانبه‪ ،‬والربح‪ -‬هنا‪ -‬كيفي‪ ،‬وليس كميا‪".‬‬
‫وللتوضيح أكثر‪ ،‬فإذا كانت النظرية اإلبالغية هتدف إىل نقل املعلومات‪ ،‬فإن النظرية التفاعلية هتدف إىل‬
‫توطيد العالقات االجتماعية بني الطرفني املتحاورين تدعيما وتقوية وتعزيزا‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول الباحث‬
‫املغريب حممد خطايب‪ ":‬يقصد بالوظيفة التفاعلية قيام شكل من أشكال التفاعل اللغوي بني فردين أو بني‬
‫جمموع أفراد عشرية لغوية‪ .‬على أن هذ الوظيفة الثانية تكتسي صبغة خاصة باعتبار أنه ال يهدف من‬
‫ورائها إىل نقل املعلومات‪ ،‬وإمنا إىل تأسيس وتعزيز العالقات االجتماعية واحلفاظ عليها‪ .‬إضافة إىل ذلك‪،‬‬
‫فهي تعرب عن هذ العالقات االجتماعية واآلراء واملواقف الشخصية والتأثريات املرغوب إحداثها يف العقيدة‬
‫أو الرأي أو ما شابه ذلك‪ .‬فمن الطبيعي – إذاً‪ -‬أن يهتم هبذ الوظيفة علماء االجتماع وعلماء االجتماع‬
‫‪41‬‬
‫اللغوي ودارسو التخاطب وأضراهبم‪".‬‬

‫‪ - 44‬حممد مفتاح‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.51-52:‬‬


‫‪ - 41‬حممد خطايب‪ :‬لسانيات النص‪ ،‬ص‪.44:‬‬
‫‪28‬‬
‫وعليه‪ ،‬ميكن دراسة النص األديب يف ضوء النظرية التفاعلية‪ ،‬وخاصة حينما نريد مقاربة النص املسرحي‪،‬‬
‫فحواراته حتمل يف طياهتا وظائف عدة‪ ،‬خاصة ما يتعلق بالتخاطب والتفاعل بني الشخصيات داخل مقام‬
‫تواصلي وسياق تداو ي معني‪.‬‬

‫المطلب التاسع‪ :‬النص األدبي حجـ ــاج وإقناع‬

‫تذهب التداولية احلجاجية إىل أن النص أو اخلطاب عبارة عن روابط لغوية حجاجية‪ .‬وخري من ميثل هذ‬
‫املقاربة احلجاجية أوزوالد دوكرو (‪ )Ducrot‬الذي أدخل البعد التداو ي ضمن الوصف اللساين‪ ،‬باعتبار‬
‫أحد مكوناته الرئيسة إىل جانب الرتكيب والداللة على غرار شارل موريس‪ .‬ويعين هذا أن البعد التداو ي‬
‫للملفوظ يوجد يف اللغة نفسها‪ ،‬وليس مرتبطا بسياق تلفظي ما‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالعالقات املوجودة بني‬
‫امللفوظات هي عالقة حجاجية‪ ،‬وليست منطقية استنباطية‪ .‬مبعىن أن القواعد احلجاجية هي اليت تتحكم يف‬
‫ترابط ملفوظات النص‪ ،‬وتسلسلها يف عالقاهتا مبعانيها‪ ،‬وليست هي القواعد املنطقية واالستنباطية‪ .‬أي‪ :‬إن‬
‫الروابط احلجاجية هي اليت تتحكم يف اتساق النص وانسجامه‪ ،‬كالضمائر‪ ،‬وحروف العطف‪ ،‬واألمساء‬
‫املوصولة‪ ،‬وأمساء اإلشارة‪ ،‬وروابط اإلثبات والنفي‪ ،‬واالستنتاج‪ ،‬واالستدراك‪...‬ومن مث‪ ،‬يتحقق تواصل‬
‫امللفوظات عرب أفعال الكالم‪ ،‬وليس عرب الصفات من جهة‪ ،‬وفهم امللفوظ يعين فهم أسباب تلفظه من‬
‫جهة أخرى‪ .‬ومن مث‪ ،‬اهتم دوكرو كثريا بالروابط التعبريية اليت ختلق اتساق النص وانسجامه‪ ،‬واهتم كذلك‬
‫بالتمفصالت اللغوية اليت تساهم يف خلق النص احلجاجي برهنة واستدالال وترابطا وهيكلة‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬والغرض من هذا احلجاج هو اإلقناع والتأثري والتداول والتواصل والتخاطب‪ .‬ومن مث‪ ،‬فاحلجاج فعالية‬
‫تداولية جدلية دينامنيكية فعالة‪ ،‬وهناك نوعان من احلجاج‪ :‬حجاج عاد عند البالغيني اجلدد‪ ،‬يستعمل‬
‫آليات وتقنيات بالغية ومنطقية ‪.‬أي‪ :‬جممل اإلسرتاتيجيات اليت يستعملها املتكلم من أجل إقناع خماطبه‪.‬‬
‫ويف هذا اجملال‪ ،‬ارتبطت البالغة اجلديدة باحلجاج ارتباطا وثيقا‪ ،‬فاستعملت تقنيات البالغة يف عملية‬
‫اإلفهام واإلقناع‪ ،‬وقد اهتم هبا كل من بريملان(‪ )Perelman‬و أولربيشت تيتيكا(‪ )Tyteka‬يف كتاهبما(‬
‫مصنف في الحجاج‪ :‬البالغة الجديدة) (‪1154‬م)‪ ،‬وقد ركز بيلمان كثريا على مبدأين رئيسيني مها‪:‬‬
‫القصد واملقام‪ .‬وميكن االستفادة من هذا التصور احلجاجي التقليدي‪ ،‬حيث يساعدنا على" اكتساب خربة‬
‫منهاجية دقيقة يف حتليل نصوص ذات طبيعة حجاجية قوية‪،‬كالنصوص القضائية والسياسية والفلسفية‪ ،‬بناء‬
‫على تصور تفاعلي بني الذات املتكلمة واملخاطبني‪.‬وعلى الرغم من ميزات هذا التصور‪ ،‬فإنه يقصر احلجاج‬
‫على بعض التقنيات واآلليات البالغية واملنطقية‪ ،‬وهو مايدفعه إىل تقسيم اخلطابات إىل خطابات حجاجية‬

‫‪29‬‬
‫ذات طبيعة إقناعية‪ ،‬كاملناظرات واجملادالت الدينية والفلسفية والسياسية والقانونية‪ ،‬وأخرى غري حجاجية ‪.‬‬
‫بينما يتبىن التصور التقين للحجاج تقسيما آخر تصري مبقتضا كل اخلطابات املختلفة اليت تستعمل لسانا‬
‫‪52‬‬
‫طبيعيا خطابات حجاجية بدرجات خمتلفة‪".‬‬
‫ويف املقابل‪ ،‬هناك حجاج لغوي يعتمد على الروابط اللغوية يف عملية اإلقناع واحملاججة‪ ،‬وميثل هذا االجتا‬
‫كل من أوزوالد دوكرو يف كتابه( الساللم الحجاجية ) (‪1141‬م)‪ ،‬وأنسكومرب (‪ .)Anscobre‬ويسمى‬
‫هذا أيضا باحلجاج داخل اللغة‪ ،‬وهو امتداد للمقاربة التلفظية عند إميل بنيفنست‪ .‬ويركز دوكرو على منطق‬
‫الكالم باستكشاف القواعد الداخلية للخطاب اليت تتحكم يف ترابط النص وتسلسله واتساقه وانسجامه‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فاحلجاج ليس خارجا عن اللغة أو يضاف إليها‪ ،‬بل هو موجود يف داخل اللغة وعربها ويف بنيتها‬
‫الضمنية‪ .‬كما أن اجلملة باعتبارها مورفيمات ومونيمات وتعابري وصيغ‪ ،‬باإلضافة إىل حمتواها القضوي‬
‫اإلخيباري‪ ،‬ميكن أن توجه للمتلقي تأثريات إقناعية حجاجية سلبية أو إجيابية‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬ميكن مدارسة النص األديب‪ ،‬سواء أكان سردا أم مسرحية أم نصا شعرية‪ ،‬يف ضوء املقاربة‬
‫احلجاجية‪ ،‬عن طريق استكشاف الروابط احلجاجية اللغوية اليت تتحكم يف بناء النص وترابطه‪،‬مع تبيان‬
‫البعد احلجاجي واإلقناعي يف النص‪ ،‬بالتشديد على السلم احلجاجي الذي يعىن بدراسة مسار احلجاج‬
‫انطالقا من قول احلجة إىل نتي ــجتها‪ ،‬مع تبيان طريقة التـ ـ ــالزم‪ ،‬و التعاقد‪ ،‬وسلّم التفاضل بني احلجج من‬
‫حيث القوة و الضعف‪ ،‬و الكم و الكيف ‪...‬إخل‬

‫المطلب العاشر‪ :‬النص األدبي استلزام حواري‬


‫ترى املقاربة التداولية والوظيفية أن النص أو اخلطاب األديب استلزام حواري وإجنازي‪ .‬وهنا‪ ،‬نتحدث بطبيعة‬
‫احلال عن الدالالت الصرحية والضمنية‪ .‬فاالستلزام احلواري يتعلق بالدالالت الضمنية اليت يستلزمها السياق‬
‫الكالمي‪ .‬ومن مث‪ ،‬يرتبط االستلزام احلواري بنظرية األفعال كما هي عند أوستني وسورل‪ .‬أي‪ :‬ينتقل الكالم‬
‫من نطاق حريف وقضوي مباشر إىل معىن حواري استلزامي غري مباشر‪ ،‬ويتحكم فيه املقام أوالسياق‬
‫التداو ي‪ .‬وللتوضيح أكثر‪ :‬قد تكون معاين العبارات اللغوية صرحية‪ ،‬وقد تكون ضمنية‪ .‬فاملعاين الصرحية هي‬
‫اليت حتمل حمتوى قضويا‪ ،‬وتتوفر على القوة اإلجنازية احلرفية‪ .‬فهذا معىن مباشر صريح‪ .‬أما املعىن الضمين‬
‫فينقسم بدور إىل قسمني‪ :‬معىن عريف يتعلق باالقتضاء (اإلحالة )‪ ،‬واالستلزام املنطقي(الداللة املنطقية)‪،‬‬
‫ومعىن حواري ينقسم كذلك إىل معىن خاص(االستلزام احلواري)‪ ،‬ومعىن معمم‪ .‬وينتج عن كل هذا وجود‬

‫‪ - 52‬رضوان الرقيب‪( :‬االستدالل احلجاجي التداو ي وآليات اشتغاله)‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد‪ ،2‬اجمللد ‪ ،42‬أكتوبر‪-‬‬
‫ديسمرب ‪2211‬م‪ ،‬ص‪.45:‬‬
‫‪31‬‬
‫أمناط من األفعال حسب أوستني‪ ،‬وهي‪ :‬فعل التلفظ‪ ،‬والفعل القضوي‪ ،‬والفعل اإلجنازي‪ ،‬والفعل التأثريي‪.‬‬
‫ففعل التلفظ يشمل الفعل الصويت والفعل الرتكييب‪.‬أما الفعل القضوي‪ ،‬فيتفرع إىل الفعل اإلحا ي والفعل‬
‫احلملي‪ .‬أما الفعالن اإلجنازي والتأثريي فال خيتلفان يف مقرتح سريل عنهما يف مقرتح أوستني كبري اختالف‪.‬‬
‫وقد اقرتح سريل كذلك أفعاال أخرى انطالقا من نظرية األفعال اللغوية‪ ،‬وصنفها يف مخس‪ :‬األفعال‬
‫احلكمية(متثل الواقع صدقا أو كذبا)‪ ،‬واألفعال األمرية‪ ،‬واألفعال االلتزامية‪ ،‬واألفعال التعبريية‪ ،‬واألفعال‬
‫اإلجنازية‪ .‬بيد أن سورل يركز فقط على فعلني رئيسني مها‪:‬الفعل القضوي‪ ،‬والفعل اإلجنازي‪.‬‬
‫وبناء على ماسبق‪ ،‬يرى كرايس أن مجل اللغة الطبيعية قد التدل على معانيها القضوية املباشرة واحلرفية‪ ،‬بل‬
‫خترج إىل دالالت سياقية إجنازية‪ .‬لذا‪ ،‬صاغ قانون التعاون مببادئه األربعة‪ :‬مبدأ الكم‪ ،‬ومبدأ الكيف‪ ،‬ومبدأ‬
‫التعبري‪ ،‬ومبدأ املناسبة‪ .‬ومن مث‪ ،‬يسمي كرايس هذا النوع من اجلمل اإلجنازية اليت حتمل معاين سياقية‬
‫ضمنية باالستلزام احلواري‪ .‬ويتحقق هذا االستلزام حينما خترق إحدى القواعد األربع‪ ،‬مع احرتام مبدأ‬
‫التعاون‪ .‬ويدرج كرايس هذا النوع من الداللة يف تصنيف عام للمعاين اليت ميكن أن تدل عليها العبارات‬
‫اللغوية‪ .‬ويشرح الباحث الللغوي املغريب أمحد املتوكل ما قلنا سابقا بقوله‪ ":‬تنقسم احلمولة الداللية للعبارة‬
‫اللغوية إىل معان صرحية ومعان ضمنية‪ ،‬وتعد معاين صرحية املعاين املدلول عليها بصفة اجلملة ذاهتا ‪ .‬يف‬
‫حني‪ ،‬تعد ضمنية املعاين اليت ال تدل عليها بصيغة اجلملة‪.‬‬
‫تشمل محولة املعاين الصرحية‪( :‬أ) احملتوى القضوي (معاين مفردات اجلملة مضموما بعضها إىل بعض)‪،‬‬
‫و(ب) القوة اإلجنازية احلرفية (القوة اإلجنازية املشار هلا بصيغة اجلملة كاالستفهام واألمر واإلخبار‪.)...‬‬
‫‪ -2‬املعاين الضمنية صنفان‪ :‬معان عرفية ومعان حوارية (أو سياقية) ‪.‬‬
‫تعد معاين عرفية املعاين املرتبطة باجلملة ارتباطا جيعلها ال تتغري بتغري السياقات‪ .‬يف حني‪ ،‬تعد معاين حوارية‬
‫املعاين اليت تتولد طبقا للسياقات أو املقامات اليت تنجز فيها اجلملة‪ .‬من املعاين املتضمنة عرفا املعىن‬
‫املقتضى أو االقتضاء‪ ،‬واملعىن املستلزم منطقيا أو االستلزام املنطقي‪.‬‬
‫أما املعاين الضمنية املتولدة عن السياق‪ ،‬فهي نوعان‪ :‬املعاين الناجتة عن سياق خاص واملعاين البالغة من‬
‫العموم أهنا مل تعد مرتبطة بسياق خاص أو بطبقة معينة من السياقات‪ .‬يصطلح كرايس على تسمية هذين‬
‫النوعني من املعاين الضمنية " االستلزامات احلوارية اخلاصة" و" االستلزامات احلوارية املعممة" على‬
‫‪51‬‬
‫التوا ي‪".‬‬

‫‪ - 51‬أمحد املتوكل‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.24:‬‬


‫‪31‬‬
‫إذا أخذنا على سبيل املثال مجلة‪ " :‬هل تعريين القلم األمحر؟"‪ ،‬فاملعىن القضوي يتمثل يف مجع الكلمات‬
‫واملورفيمات التالية‪ :‬هل‪-‬تعري‪ -‬ين‪ -‬القلم األمحر‪ .‬أما القوة اإلجنازية احلرفية فتتمثل يف االستفهام واألداة‬
‫"هل" والتنغيم‪ .‬وإذا مجعنا القضوية مع اإلجناز احلريف يتشكل لدينا املعىن الصريح من اجلملة أو العبارة‪.‬‬
‫أما املعىن الضمين يف اجلملة‪ ،‬فيتألف من معنيني عرفيني مها‪ :‬االقتضاء (اقتضاء وجود قلم أمحر)‪ ،‬واالستلزام‬
‫املنطقي(كون القلم ذا لون)‪ ،‬ومعىن حواري خاص أو استلزام حواري خاص‪ ،‬وهو معىن االلتماس‪ .‬أي‪:‬‬
‫‪52‬‬
‫التماس املتكلم من املخاطب أن يعري القلم األمحر‪.‬‬
‫وميكن التمثيل لالستلزام احلواري املعمم باجلملتني املنفيتني التاليتني‪:‬‬
‫‪ -1‬ألم أعطك كل ما عندي؟‬
‫‪ -2‬أما بلغت مرادك؟‬
‫‪53‬‬
‫فهاتان اجلملتان‪ ،‬وكل اجلمل اليت هي من هذا النوع‪ ،‬تفيدان معىن اإلثبات يف مجيع السياقات‪.‬‬
‫ونالحظ من كل هذا أن ظاهرة االستلزام احلواري‪ ،‬كما طرحها كرايس‪ ،‬قد درست يف إطار نظرية األفعال‬
‫اللغوية‪ ،‬مبعىن أن "ظاهرة االستلزام احلواري درست‪ ،‬بعد كرايس‪ ،‬يف إطار نظرية األفعال اللغوية على أساس‬
‫أهنا ظاهرة تعدد األفعال اللغوية بالنسبة للمحتوى القضوي الواحد‪ .‬يصنف سريل اجلمل‪ ،‬من حيث عدد‬
‫األفعال اللغوية املواكبة هلا‪،‬صنفني‪:‬مجال يواكبها فعل لغوي واحد‪ ،‬ومجال يواكبها أكثر من فعل لغوي‬
‫واحد(فعالن لغويان يف أغلب احلاالت)‪ .‬يف حالة مواكبة فعلني لغويني اثنني للجملة الواحدة‪ ،‬مييز سريل‬
‫بني الفعل اللغوي املباشر والفعل اللغوي غري املباشر‪ ،‬بني الفعل اللغوي احلريف املدلول عليه بصيغة اجلملة‬
‫‪54‬‬
‫ذاهتا والفعل اللغوي املفاد من املقام‪".‬‬
‫وللتمثيل خنتار املثال التا ي‪:‬‬
‫س‪ :‬لنزر سمير في حديقته هذا اليوم‪.‬‬
‫ج‪ :‬علي أن أحضر درس االمتحان‬
‫يتحقق يف هذا املثال فعالن لغويان‪ :‬فعل لغوي مباشر‪ ،‬وهو إعداد الدرس استعدادا لالمتحان‪ ،‬وفعل لغوي‬
‫غري مباشر‪ ،‬وهو رفض الدعوة‪.‬‬
‫هذا من جهة‪ ،‬ويرى أمحد املتوكل من جهة أخرى بأن فالسفة اللغة العادية مل يهتموا جبوانب أخرى من"‬
‫تداوليات اللغات الطبيعية كاجلوانب املرتبطة بالبنية اإلخبارية للجملة عنايتهم باإلحالة واالقتضاء واألفعال‬

‫‪ - 52‬أمحد املتوكل‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.32-21:‬‬


‫‪ - 53‬أمحد املتوكل‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.32-21:‬‬
‫‪ - 54‬أمحد املتوكل‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.32:‬‬
‫‪32‬‬
‫اللغوية واالستلزام احلواري‪ .‬هذ اجلوانب املغفلة يف الدرس الفلسفي هي أنواع العالقات اإلخبارية القائمة‬
‫بني مكونات اجلملة‪ .‬فباإلضافة إىل العالقات الداللية (األدوار الداللية) كاملنفذ واملتقبل واملستقبل واألداة‪،‬‬
‫والعالقات الرتكيبية كالفاعل واملفعول‪ ،‬تقوم بني مكونات اجلملة عالقات تداولية كاملبتدأ والذيل واملنادى‬
‫‪55‬‬
‫واحملور والبؤرة واملعطى واجلديد وغريها‪".‬‬
‫هذا‪ ،‬وإذا انتقلنا إىل النص األديب لتحليله تداوليا‪ ،‬فنقوم بتصنيف العبارات اللغوية إىل عبارات صرحية‬
‫املعىن‪ ،‬فنحدد أفعاهلا القضوية‪ ،‬وتبيان قوهتا اإلجنازية احلرفية‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬ننتقل إىل استكشاف املعاين‬
‫الضمنية‪ ،‬سواء أكانت اقتضائية إحالية أم عرفية أم منطقية‪ .‬ومن مث‪ ،‬ننتقل إىل االستلزام احلواري‬
‫باستكشاف املعاين اإلجنازية السياقية واملقامية‪ ،‬سواء اخلاصة منها أم العامة‪ .‬وميكن االستعانة باملفاهيم اليت‬
‫تنبين عليها التداوليات الوظيفية الستخالص املعاين االستلزامية السياقية واملقامية‪ ،‬من خالل الرتكيز على‬
‫األدوار الرتكيبية النحوية‪ ،‬واألدوار الداللية‪ ،‬واألدوار التداولية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬ميكن تصنيف أفعال النص‬
‫األديب إىل أفعال تلفظية‪ ،‬وأفعال قضوية‪ ،‬وأفعال اقتضائية‪ ،‬وأفعال عرفية‪ ،‬وافعال إجنازية حرفية‪ ،‬وأفعال‬
‫إجنازية سياقية‪ ،‬إخل‪...‬‬

‫‪ - 55‬أمحد املتوكل‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.32:‬‬


‫‪33‬‬
‫المطلب الحادي عشر‪ :‬النص األدبي حوارية تداولية وبوليفونية‬

‫تعرف فرانسواز أرمينكو (‪ )Françoise Armengaud‬احلوارية بأهنا" مكون لكل كالم‪ ،‬وتعرف‬
‫كتوزيع لكل خطاب إىل حلظتني تلفظيتني توجدان يف عالقة حالية‪ ،‬ويقدم املبدأ احلواري من خالل احلدود‬
‫التالية‪ :‬كل تلفظ يوضع يف جمتمع معني البد من أن ينتج بطريقة ثنائية‪ ،‬تتوزع بني املتلفظني الذين يتمرسون‬
‫على ثنائية اإلصاتة وثنائية العرض‪ ،‬على حد تعبري فرانسيس جاك‪ ،‬وإن كل كالم إال وله مالكان تقريبيان‪،‬‬
‫‪56‬‬
‫ورمبا كان من املضبوط القول بأن سيدة الكالم احلواري هي العالقة التخاطبية ذاهتا‪".‬‬
‫مبعىن أن امللفوظ التخاطيب دال مادام يتموضع يف جمتمع املتحاورين واملتناظرين‪ .‬ومن مث‪ ،‬ميتلكون عالقات‬
‫حوارية وختاطبية‪ .‬ومن مث‪ ،‬تقوم احلوارية على عرض امللفوظات املتبادلة‪ ،‬فترتابط احلوارات احلالية مع‬
‫احلوارات السابقة واحلوارات الالحقة‪.‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬ميكن احلديث عن أنواع من احلوارية‪ ،‬فهناك حوارية حجاجية فلسفية وتداولية كما عند‬
‫فرنسيس جاك‪ ،‬وحوارية أدبية كما عند الروسي ميخائيل باختني‪ ،‬وحوارية بوليفونية لسانية ولغوية كما عند‬
‫أزوالد دوكرو‪ .‬كما تنقسم احلوارية أيضا إىل حوارية صرحية‪ ،‬وحوارية مضمرة‪ ،‬وحوارية متعددة األصوات‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وحتقق احلوارية جمموعة من الوظائف واألهداف" جند يف الدرجة األوىل أهنا متنح للتلفظ طبيعة نسبية‬
‫وتفاعلية‪ .‬وحتكم يف الدرجة الثانية عند املتكلمني‪ -‬وأكثر يف اللحظات التلفظية – نشاطني ال يفرتقان عن‬
‫إرادة القول والفهم‪ :‬يف الداللة والفهم‪ .،‬حني‪ ،‬تكون العالقة التخاطبية غري متعادلة‪ ،‬أو حني تكون‬
‫موضوعا لنفي صراعي يف اخلطاب‪ .‬وحتكم احلوارية يف الدرجة الثالثة الداللة العميقة للتلفظ‪ :‬مادامت اآللية‬
‫اإلحالية واملضمون القضوي‪ ،‬والقوة اإلجنازية للجملة يف وضعية ختاطبية‪.‬‬
‫وتعد آثار احلوارية يف مفهوم املتكلم هامة بصفة خاصة‪ .‬إذ تلغي استقالل الفاعل املتكلم جتا الدالالت‬
‫‪51‬‬
‫املوصلة‪ .‬وحييل التحليل املتعا ي‪ ،‬يف عالقة هبذا‪ ،‬ال على الفاعل‪ ،‬بل على العالقة التخاطبية نفسها‪".‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬فاحلوارية تتجاوز اجلملة مادام التخاطب قائما على السؤال واجلواب‪ ،‬وجتاوز للمتكلم إىل العالقة‬
‫التخاطبية اليت جتمع بني املتكلم واملتلقي‪ ،‬ووجود إحالة على األشخاص وإحالة على العامل سياقا ومقاما‪.‬‬

‫‪ - 56‬فرانسواز أرمينكو‪ :‬المقاربة التداولية‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪.‬سعيد علوش‪ ،‬املؤسسة احلديثة للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1141‬م‪،‬‬
‫ص‪.112:‬‬
‫‪ - 51‬فرانسواز أرمينكو‪ :‬المقاربة التداولية‪،‬ص‪.112:‬‬
‫‪34‬‬
‫أما فيما خيص احلوارية املتعددة يف األدب‪ ،‬فتنبين على تعددية يف األطروحات واألفكار واإليديولوجيات‬
‫ووجهات النظر‪ ،‬وتعدد يف الرواة والسراد‪ ،‬وتعدد يف اللغات واللهجات واألساليب‪ ،‬واعتماد السخرية‬
‫والباروديا والتهجني واألسلبة والتناص‪ .‬مبعىن أهنا رواية تفاعلية نسبية حتتكم إىل دمقرطة السرد والرؤية‬
‫واإليديولوجيا‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويعرف ميخائيل باختني الرواية البوليفونية بقوله‪ ":‬إن الرواية املتعددة األصوات ذات طابع حواري‬
‫على نطاق واسع‪ .‬وبني مجيع عناصر البنية الروائية‪ ،‬توجد دائما عالقات حوارية‪.‬أي‪ :‬إن هذ العناصر جرى‬
‫وضع بعضها يف مواجهة البعض اآلخر‪ ،‬مثلما حيدث عند املزج بني خمتلف األحلان يف عمل موسيقي‪.‬حقا‬
‫إن العالقات احلوارية هي ظاهرة أكثر انتشارا بكثري من العالقات بني الردود اخلاصة باحلوار الذي جيري‬
‫التعبري عنه خالل التكوين‪ ،‬إهنا ظاهرة شاملة تقريبا‪ ،‬تتخلل كل احلديث البشري وكل عالقات وظواهر‬
‫‪54‬‬
‫احلياة اإلنسانية‪ ،‬تتخلل تقريبا كل ماله فكرة ومعىن‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬تنبين الرواية البوليفونية على تعدد املنظورات السردية ووجهات النظر(الرؤية من اخللف‪ -‬الرؤية‬
‫الداخلية ‪ -‬الرؤية من اخلارج)‪ ،‬باإلضافة إىل تعدد الضمائر السردية (ضمري املتكلم‪ -‬ضمري املخاطب‪-‬‬
‫ضمري الغائب)‪ ،‬وتعدد الرواة والسراد الذين يعربون عن اختالف املواقف الفكرية‪ ،‬وتعدد املواقف‬
‫اإليديولوجية‪ ،‬واختالف وجهات النظر تواصال وتبليغا واقتناعا‪ .‬مبعىن أن كل قصة نووية يسردها سراد‬
‫خمتلفون‪ ،‬كل سارد له رؤيته اخلاصة إىل زاوية املوضوع‪ .‬أي ‪:‬يعطي املؤلف للشخوص احلرية والدميقراطية يف‬
‫التعبري عن وجهات نظرها‪ ،‬دون تدخل سافر من املؤلف لرتجيح موقف على حساب موقف آخر‪ ،‬بل يرتك‬
‫كل شخص يد ي برأيه بكل صراحة وشفافية‪ ،‬فيعلن منظور جتا احلدث واملوقف بكل صدق وإخالص‪ ،‬مث‬
‫يعرب عن نظر وإيديولوجيته بكل مصداقية‪ ،‬دون زيف أو مواربة أو تغيري لكالمه‪ .‬كأن تعرب شخصية ما عن‬
‫رؤيتها اإلسالمية‪ ،‬وتعرب شخصية أخرى عن رؤيتها االشرتاكية‪ ،‬وشخصية ثالثة عن الرؤية الشيوعية‪،‬‬
‫وشخصية رابعة عن رؤية أرستقراطية‪ ،‬هكذا دواليك‪ .‬لكن للقارىء احلق الكامل يف اختيار الرؤية اليت يراها‬
‫مقنعة ووجيهة‪ ،‬دون أن يفرض عليه الكاتب أو املؤلف أو السارد املطلق رؤية معينة‪ ،‬عرب جمموعة من‬
‫اآلليات كرتجيح وجهة نظر شخصية معينة‪ ،‬وتسفيه آراء الشخصيات األخر عن طريق التقومي الذايت‬
‫واالنفعا ي‪ ،‬وإصدار أحكام القيمة‪.‬‬

‫‪ - 54‬ميخائيل باختني‪ :‬شعرية دويستفسكي‪،‬ص‪.51:‬‬


‫‪35‬‬
‫المطلب الثاني عشر‪ :‬النص األدبي سيـ ــاق‬

‫من املعلوم أن النظرية التوليدية التحويلية مع نوام شومسكي قد أعطت أمهية كربى للكفاءة اللغوية على‬
‫حساب اإلجناز أو القدرة التداولية‪ ،‬أو على حساب االستعمال واألداء واإلجناز‪ .‬ومن مث‪ ،‬فالنظرية التوليدية‬
‫نظرية صورية تتسم بقدر عال من التجريد واألمثلة‪ ،‬مادامت التعىن بالسياق واالستعمال اإلجنازي التداو ي‪.‬‬
‫و" لقد جاءت الرباغماتية بعد مراحل من الدراسات الصورية أو البنائية للمعىن‪ ،‬اليت عرف هبا التوليديون‬
‫على وجه اخلصوص‪ ،‬ولعل روبني الكوف(‪ )Robin Lakof‬من أوائل التوليديني الذين شككوا يف‬
‫إمكان دراسة املعىن معزوال عن السياق‪ ،‬وحتمل شهادة أحد التوليديني املعروفني بإغراقهم يف التجريد على‬
‫إخفاق النهج الصوري البنائي يف دراسة املعىن قيمة خاصة يف الربهنة على أمهية السياق‪ ،‬واالستخدام يف‬
‫‪51‬‬
‫تقدمي تفسري سليم لعملية التخاطب‪".‬‬
‫بيد أن النظريات اللسانية الصورية‪ ،‬سواء أكانت بنيوية وصفية أم بنيوية تفسريية‪ ،‬تعرضت جملموعة من‬
‫االنتقادات الداعية إىل ربط الرتكيب والداللة بالسياق الوظيفي والتداو ي‪ .‬وهكذا‪ " ،‬فمنذ السبعينيات‪،‬‬
‫توالت االنتقادات للدراسات اليت جتعل من اجلملة وحدة للتحليل اللغوي‪ ،‬وزاد عزوف خمتلف الباحثني عن‬
‫الدراسات اليت ال تأخذ يف حسباهنا العناصر السياقية‪ ،‬واجلوانب التخاطبية يف دراسة اللغة‪ .‬فاللسانيون‬
‫االجتماعيون بدأوا يرفضون فكرة املتحدث املثا ي عند تشومسكي‪ ،‬وشبيه هبذا ما فعلته اللسانيات النصية‪،‬‬
‫وحتليل اخلطاب حني رفضتا قصر الدراسات اللسانية على ما يسمى بنحو اجلملة ؛ متأثرين يف ذلك ببعض‬
‫الوظيفيني من أمثال‪ :‬فريث‪ ،‬وهاليداي‪ ،‬وميتشال (‪ )Mitchell‬الذين بلغت شهرهتم أوجها يف‬
‫‪62‬‬
‫اخلمسينيات"‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ويذهب كل من براون ويول‪ ،‬يف كتاهبما( تحليل الخطاب) (‪1143‬م)‪ ،‬إىل أن حملل النص ومؤوله‬
‫عليه أن يراعي جمموعة من العناصر املهمة يف عملية التداول هي‪ :‬املتكلم‪ ،‬واملخاطب‪ ،‬والسياق الذي تبلور‬
‫فيه النص مبعرفة الزمان واملكان‪ ،‬وقد يؤدي القول الذي قيل يف سياقني خمتلفني إىل تأويلني خمتلفني‪ .‬ويعين‬
‫هذا أن السياق يتحكم يف بنية التأويل اخلطايب‪ .‬ويرى هاميس أن السياق له وظيفة مزدوجة تتمثل يف تقييد‬
‫جمال التأويل‪ ،‬ودعم التأويل املقصود‪.‬كما صنف هاميس السياق إىل العناصر التالية‪ :‬املرسل‪ ،‬واملتلقي‪،‬‬
‫واحلضور (املستمعون اآلخرون)‪ ،‬واملوضوع‪ ،‬واملقام (زمان احلدث التواصلي ومكانه)‪ ،‬والقناة‪ ،‬والنظام(اللغة‬
‫أو اللهجة‪ ،)...‬وشكل الرسالة‪ ،‬واملفتاح (هل كانت الرسالة موعظة حسنة‪ ،‬شرحا مثريا للعواطف؟‪،)...‬‬

‫‪ - 51‬حممد حممد يونس علي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.131-136:‬‬


‫‪ - 62‬حممد حممد يونس علي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.131:‬‬
‫‪36‬‬
‫والغرض‪ .‬أما ليفيس فيحصر السياق يف العناصر التالية‪ :‬العامل املمكن‪ ،‬والزمان‪ ،‬واملكان‪ ،‬واحلضور‪،‬‬
‫والشيء املشار إليه‪ ،‬واخلطاب السابق‪ ،‬والتخصيص‪.61‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬يقوم السياق بدور هام يف حتقيق اتساق النص وانسجامه‪ .‬ويف هذا الصدد‪ ،‬يقول حممد‬
‫خطايب‪ ":‬إن اخلطاب القابل للفهم والتأويل هو اخلطاب القابل ألن يوضع يف سياقه‪ ،‬باملعىن احملدد سلفا‪،‬‬
‫إذ كثريا ما يكون املتلقي أمام خطاب بسيط للغاية (من حيث لغته)‪ ،‬ولكنه قد يتضمن قرائن (ضمائر أو‬
‫ظرفا) جتعله غامضا غري مفهوم بدون اإلحاطة بسياقه‪ .‬ومن مث‪ ،‬فإن للسياق دورا فعاال يف تواصلية اخلطاب‬
‫‪62‬‬
‫ويف انسجامه باألساس‪ .‬وماكان ممكنا أن يكون للخطاب معىن لوال اإلملام بسياقه‪".‬‬
‫ويعين هذا أن النص األديب الميكن أن يبقى منغلقا على ذاته‪ ،‬منطويا على بنياته السيميائية أو الصورية‬
‫اجملردة‪ ،‬بل عليه أن ينفتح على العوامل السياقية املتعددة الدالالت‪ .‬مبعىن أن النص البد أن خيضع ملبدإ‬
‫التأويل السياقي من خالل االنفتاح على السياق النصي الداخلي‪ ،‬والسياق اخلارجي املتعدد األبعاد‪ .‬وعليه‪،‬‬
‫أن يبني أنواع السياق اليت تتحدد ‪ -‬حسب باريت(‪ -)Parret‬يف ‪ :‬السياق النصي (جتاوز اجلملة إىل‬
‫سياق اخلطاب)‪ ،‬والسياق الوجودي (اإلشارة إىل أشياء العامل اخلارجي)‪ ،‬والسياق املقامي (جمموعة من‬
‫السياقيات املوقفية واالجتماعية والزمانية واملكانية واملؤسساتية)‪،‬وسياق الفعل(سياق نظرية األفعال اللغوية)‪،‬‬
‫والسياق النفسي(إدماج احلاالت الذهنية والنفسية)‪ .‬وال يكتفي الناقد هبذا‪ ،‬بل البد من إبراز عناصر‬
‫السياق اليت تتمثل يف‪ :‬املرسل‪ ،‬واملرسل إليه‪ ،‬والعناصر املشرتكة بينهما من معرفة مشرتكة ( معرفة عامة‬
‫بالعامل‪ ،‬ومعرفة بنظام اللغة‪،‬ومعرفة بالزمان واملكان‪ ،)...‬وعالقة اجتماعية تفاعلية‪ ،‬سواء أكانت عالقة‬
‫محيم ة أم رمسية (عالقة سلطة)‪ .‬وال ننسى أن حندد إسرتاتيجيات اخلطاب اليت تربط اخلطاب باملقام‬
‫السياقي‪ .‬ومن بني هذ اإلسرتاتيجيات‪ ،‬نذكر‪ :‬اإلسرتاتيجية التوجيهية‪ ،‬واإلسرتاتيجية التضامنية‪،‬‬
‫واإلسرتاتيجية التلميحية‪ ،‬وإسرتاتيجية اإلقناع‪ .‬وتستند هذ اإلسرتاتيجيات إىل عاملني رئيسن مها‪ :‬السلطة‬
‫واملقصدية‪.‬‬
‫وال ننسى أن حيدد الناقد التداو ي‪ ،‬حني التعامل مع اخلطاب األديب‪ ،‬القدرة الكفائية اليت ميتلكها صاحب‬
‫النص أو اخلطاب األديب‪ ،‬وتتمثل هذ القدرات ‪ -‬حسب فان ديك‪ -‬يف مخس ملكات رئيسة هي‪ :‬امللكة‬
‫اللغوية(إنتاج عبارات لغوية متعددة يف سياقات موقفية معينة)‪ ،‬وامللكة املنطقية ( توظيف معارف قائمة على‬
‫االستدالل االستنباطي أو االستقرائي أو االحتما ي)‪ ،‬وامللكة املعرفية (استثمار املعرف املنظمة يف تأويل‬
‫العبارات اللغوية املنتجة)‪ ،‬وامللكة اإلدراكية (إدراك احمليط‪ ،‬واستثمار معارف احمليط يف إنتاج العبارات‬

‫‪ - 61‬حممد خطايب‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.54-52:‬‬


‫‪ - 62‬حممد خطايب‪:‬نفسه‪،‬ص‪.56:‬‬
‫‪37‬‬
‫اللغوية)‪ ،‬وامللكة االجتماعية(تعين أن املتكلم على دراية تامة مبا يقوله‪ ،‬بل يعرف كذلك كيف يستعمل ما‬
‫يعرفه من مجل ومعارف يف سياق تواصلي معني)‪.63‬‬
‫وهناك قوالب خطابية تتالءم جدليا مع كل ملكة كفائية‪ ،‬وتتعلق بالقدرة اللغوية من جهة‪ ،‬والسياق من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬فيوجد القالب اللغوي (امللكة اللغوية)‪ ،‬والقالب املنطقي(امللكة املنطقية)‪ ،‬والقالب‬
‫املعريف(امللكة املعرفية)‪ ،‬والقالب اإلدراكي(امللكة اإلدراكية)‪،‬والقالب االجتماعي(امللكة االجتماعية)‪ ،‬وهناك‬
‫مقرتح بإضافة قالب سادس‪ ،‬وهو القالب الشعري الذي يتناسب مع امللكة الشعرية(رصد امللكة الشعرية‬
‫لدى مستعملي اللغة الطبيعية‪ ،‬وميكنهم من إنتاج وفهم ما يسمى باخلطاب الشعري أو الفين بوجه عام)‪،‬‬
‫وقد أضافها الباحث اللغوي املغريب أمحد املتوكل‪ ،‬بل هناك من أضاف قالبا سابعا‪ ،‬وهو الباحث املغريب‬
‫عزالدين البوشيخي‪ ،‬ويسمى بالقالب التخييلي الذي يتناسب مع امللكة التخييلية(رصد امللكة التخييلية‬
‫لدى مستعملي اللغة الطبيعية‪ ،‬وميكنهم من إنتاج وفهم ما يسمى باخلطاب التخييلي أدبا وفنا)‪ .64‬بيد أن‬
‫ما يالحظ على هذ القوالب أهنا قد تكون مجيعها جمتمعة يف اخلطاب‪ ،‬أو قد ال جند يف اخلطاب سوى‬
‫قالب واحد أو قالبني‪..‬‬

‫المطلب الثالث عشر‪ :‬النص األدبي إحالـ ــة‬

‫من املعلوم أن النص أو اخلطاب األديب إحالة مرجعية وسياقية ومقامية وتداولية‪ ،‬فال ميكن فهم امللفوظ‬
‫النصي أو اخلطاب باعتبار كلية عضوية متسقة ومنسجمة إال إذا راعينا مفهوم اإلحالة النصية واملقامية‬
‫والسياقية‪ .‬وقد حتدث هاليداي وحسن‪ ،‬يف كتاهبما(االتساق في اللغة اإلنجليزية) (‪1116‬م)‪،‬عن اإلحالة‬
‫كثريا‪ ،‬واعتربا اإلحالة مظهرا من مظاهر اتساق اخلطاب اللغوي‪ .‬ومن مث‪ " ،‬يستعمل الباحثان مصطلح‬
‫اإلحالة استعماال خاصا‪ ،‬وهو أن العناصر احمليلة كيفما كان نوعها ال تكتفي بذاهتا من حيث التأويل‪ ،‬إذ‬
‫البد من العودة إىل ما تشري إليه من أجل تأويلها‪ .‬وتتوفر كل لغة طبيعية على عناصر متلك خاصية‬
‫اإلحالة‪ ،‬وهي حسب الباحثني‪ :‬الضمائر‪ ،‬وأمساء اإلشارة‪ ،‬وأدوات املقارنة‪ .‬تعترب اإلحالة عالقة داللية‪.‬‬

‫‪ -‬عبد اهلادي بن ظافر اهلشري‪ :‬إستراتيجية الخطاب‪،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة‬ ‫‪63‬‬

‫‪2224‬م‪ ،‬ص‪.51:‬‬
‫‪ 64‬حافظ إمساعيل علوي‪ :‬اللسانيات في الثقافة العربية المعاصرة‪ ،‬دار الكتاب اجلديدة املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪2221‬م‪ ،‬ص‪.111:‬‬
‫‪38‬‬
‫ومن مث‪ ،‬ال ختضع لقيود حنوية‪ ،‬إال أهنا ختضع لقيد دال ي‪ ،‬وهو وجوب تطابق اخلصائص الداللية بني‬
‫‪65‬‬
‫العنصر احمليل والعنصر احملال إليه‪".‬‬
‫وتنقسم اإلحالة إىل إحالة مقامية‪ ،‬وهي إحالة إىل خارج النص‪ ،‬وإحالة نصية هلا عالقة وثيقة بالداخل‬
‫النصي‪ .‬وتنقسم اإلحالة النصية بدورها إىل إحالة قبلية حتيل على سابق ما‪ ،‬وإحالة بعدية حتيل على الحق‬
‫ما‪ .‬ويرى هاليداي ورقية حسن بأن اإلحالة املقامية" تساهم يف خلق النص‪ ،‬لكوهنا تربط اللغة بسياق‬
‫املقام‪ ،‬إال أهنا ال تساهم يف اتساقه بشكل مباشر"‪،66‬بينما تقوم اإلحالة النصية بدور هام يف اتساق النص‬
‫وترابطه متاسكا وانسجاما‪.‬‬

‫المطلب الرابع عشر‪ :‬النص األدبي والتأويل السياقي‬

‫يتضمن النص أو اخلطاب األديب عوامل غامضة من الدالالت العائمة واألفكار الضمنية اليت ختتفي وراء‬
‫متاريس جمازية وإحيائية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يتميز النص األديب عن األقوال العادية بقوالب شعرية وختييلية‪ ،‬ويتسم‬
‫أيضا بقوة االنزياح واخلرق والرتميز واألسطرة والكثافة البالغية املعقدة واملتشابكة‪ .‬وهذا حيتاج إىل قارئ‬
‫وحملل وناقد تأويلي يفكك الدالالت يف ضوء مقاصدها وسياقاهتا الوظيفية‪ .‬ومن مث‪ ،‬يتقيد مببدأ التأويل‬
‫احمللي الذي قال عنه حممد خطايب يف كتابه( لسانيات النص) (‪1111‬م)‪ ":‬يرتبط هذا املبدأ مبا ميكن أن‬
‫يعترب تقييدا للطاقة التأويلية لدى املتلقي باعتماد على خصائص السياق‪ ،‬كما أنه مبدأ متعلق أيضا بكيفية‬
‫حتديد الفرتة الزمنية يف تأويل مؤشر زمين مثل ‪ ":‬اآلن"‪ ،‬أو املظاهر املالئمة لشخص حمال إليه باالسم "‬
‫حممد" مثال‪ .‬ويقتضي هذا وجود مبادىء يف متناول املتلقي جتعله قادرا على حتديد تأويل مالئم ومعقول‬
‫‪ ...‬يف مناسبة قولية معينة‪.‬إن أحد هذ املبادىء هو التأويل احمللي الذي يعلم املستمع بأال ينشئ سياقا‬
‫أكثر مما حيتاجه من أجل الوصول إىل تأويل ما؛ فبهدف تقييد التأويل‪ ،‬يضطر املتلقي إىل اعتبار ما تقدم‬
‫‪61‬‬
‫خاصة (وهو ما يسمى يف اصطالح ليفيس " اخلطاب السابق")‪".‬‬
‫ويعين هذا كله أن الدارس للنص األديب البد أن يراعي املقصدية والسياق واإلحالة يف عملية التأويل إن‬
‫تفكيكا وإن تركيبا‪ .‬ومن الذين دافعوا عن التأويل السياقي واإلحا ي نذكر‪ :‬الفيلسوف الفرنسي بول ريكور‬

‫‪ - 65‬حممد خطايب‪ :‬نفسه‪،‬ص‪.11-16:‬‬


‫‪66‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪Halliday,‬‬ ‫‪M.A.K‬‬ ‫‪and‬‬ ‫‪R.Hassan:‬‬ ‫‪Cohesion‬‬ ‫‪in‬‬
‫‪English.Longman.London.1976.P:37.‬‬
‫‪ - 61‬حممد خطايب‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.56:‬‬
‫‪39‬‬
‫الذي جتاوز ثنائية فرديناند دوسوسري‪ :‬الدال واملدلول‪ ،‬لينفتح على املرجع‪ .‬ويعين هذا أن اللسانيات البنيوية‬
‫والسيميائيات قد أقصيتا من حساهبا اإلحالة أواملرجع‪ ،‬بينما سيميوطيقا بول ريكور أعادت هلا االعتبار؛‬
‫ألن املؤول ال ينبغي أن يقف عند حدود التفسري العلمي للواقعة النصية‪ ،‬فال بد أن يقرأ النص قراءة ذاتية‬
‫من أجل فهم الذات‪ ،‬وفهم الغري‪ ،‬وفهم العامل اخلارجي لتأسيس هويته الشخصية‪ .‬ومهما كان النص ختييليا‬
‫أو عالماتيا أو رمزيا‪ ،‬فإنه ينقل عرب استعاراته ولغته وخمياله العامل اخلارجي‪ ،‬أو املعطى الواقعي املادي حماكاة‬
‫ومتاثال وتقابال‪ .‬ومن مث‪ ،‬تضع سيميوطيقا ريكور تقابال بني البنيوية باعتبارها علما لعامل مغلق من‬
‫العالمات‪ ،‬واهلريمونيطيقا باعتبارها مقاربة تأويلية تفسريية للمرجع اللغوي يف عالقته بالعامل والسياق‬
‫الوظيفي‪.‬‬

‫المطلب الخامس عشر‪ :‬النص األدبي بين المعنى الحرفي والمعنى السياقي‬

‫من املعلوم أن النصوص واخلطابات تتأرجح بني املعاين احلرفية القائمة على التقريرية واملباشرة والتعيني‪،‬‬
‫واملعاين السياقية املبنية على التضمني واإلحياء واالقتضاء واالستلزام احلواري واإلجنازي‪ .‬مبعىن أن النص قد‬
‫حيتوي على ملفوظات ومجل داللية حتمل مضامني قضوية إخبارية‪ ،‬تنقل العوامل الذاتية واملوضوعية الكائنة‬
‫واملمكنة بطريقة حرفية مباشرة‪ ،‬وقد توجد جمموعة من املعاين‪ ،‬وخاصة يف النصوص اإلبداعية‪ ،‬حتمل يف‬
‫طياهتا أبعادا سياقية وتداولية وإجنازية حتتاج إىل تأويل واستكشاف وظيفي‪ .‬وقد ميز سورل (‪)Searl‬يف‬
‫كثري من كتاباته التداولية بني املعىن احلريف واملعىن السياقي املرتبط باملقام والسياق واإلحالة‪ .‬ويف هذا‬
‫النطاق‪ ،‬تقول فرانسواز أرمينكو يف كتاهبا( المقاربة التداولية)(‪1145‬م)‪ ":‬يعمل املعىن احلريف واملعىن‬
‫السياقي على مشكل احلدود بني الداللة والتداولية‪،‬من خالل االختالف بني فكرة املعىن احلريف والسياق‬
‫املنعدم‪ ،‬لقد دعم سريل فيما خيص هذ النقطة أطروحات متطرفة ظاهريا‪.‬إذ يقوم أساس ما يقول به سريل‬
‫على شروط تطيبيق مفهوم املعىن احلريف‪ .‬ويدعمه كون املعىن احلريف جلملة ما‪ ،‬اليعين عدم وجود ‪ ،‬بل‬
‫نسبيته‪ ،‬بالنسبة لتصعيدات سابقة‪ ،‬يطلق عليها التصعيدات السياقية‪ ،‬وذلك خارج كل مايعرتف به عادة‪،‬‬
‫يف خضوعه للسياق‪.‬أي‪ :‬اإلشارية‪ ،‬إخل‪ .‬ويقوم غرض سريل على الطرح موضع تساؤل للفكرة اليت ميكن‬
‫هبا‪ ،‬بالنسبة لكل مجلة إدراك املعىن احلريف هلذ اجلملة‪ ،‬يف استقالل عن بعض السياقات‪ ،‬كيفما كانت‪.‬‬
‫وندعم كون مفهوم املعىن احلريف جلملة ما‪ ،‬الجيد تطبيقه عامة‪ ،‬إال بالنسبة جملموع التصعيدات السياقية‬
‫القبلية‪ ...‬ويعرب عن املفهوم الذي سأركز عليه يف بعض األحيان‪ ،‬بقولنا بأن املعىن احلريف للجملة ما هو‬
‫املعىن الذي جند هلذ اجلملة‪ ،‬يف سياق الصفر‪ ،‬أو يف سياق منعدم‪ .‬وتقوم اإلسرتاتيجية املتبعة عند سريل‬

‫‪41‬‬
‫على اعتبار اجلمل‪ ،‬اليت يظهر أهنا تكون حاالت مسعفة للفكرة‪ ،‬اليت يكون املعىن احلريف مبوجبها مستقال‬
‫‪64‬‬
‫عن السياق‪ ،‬وتوضيح نسبية تطبيق مفهوم املعىن جلملة ما‪ ،‬يف كل حالة‪ ،‬فيما خيص تصعيدات سياقية‪".‬‬
‫وتأسيسا على ماسبق‪ ،‬فقد ميز سورل (‪ )Searle‬بني اللغة العادية واللغة االنزياحية كما يف كتابيه( التعبير‬
‫والمعنى) وكتاب(المقصدية)‪ .‬وإذا كانت اللغة العادية لغة حتيل على الواقع‪ ،‬فإن اللغة االنزياحية تسبب‬
‫التشويش كاملسرح والرواية‪ .‬ومن مث‪ ،‬تقوم اللغة العادية على جمموعة من أفعال الكالم‪ ،‬وقد حصرها يف‬
‫أنواع مخسة‪ :‬اإلخبار حبيث تبلغ خماطبك خربا صادقا أو كاذبا‪ ،‬واألمر حبث حتاول أن جتعل خماطبك ينفذ‬
‫أمرا ما‪ ،‬وااللتزام حبيث يلتزم املتكلم بفعل شيء ما‪ ،‬والتصريح حبيث يصرح املتكلم بإحداث تغيريات على‬
‫العامل املتحدث عنه‪ ،‬والتعبري االنفعا ي حبيث يكون احلديث عن األحاسيس واملشاعر جتا الذات أو‬
‫املوضوع‪ .‬بيد أن الصدق يف الكالم العادي خيتلف عن الصدق يف جمال األدب‪ .‬وقد وضع سورل قواعد‬
‫شروط النجاح التداو ي يف أنواع ثالثة‪ :‬الشروط التحضريية كامتالك األهلية‪ ،‬والكفاءة السياقية‪ ،‬والسلطة‬
‫العليا‪ ،‬وشروط الصدق مبعىن أاليقول املتكلم إال ماهو مؤمن به‪ ،‬ويعتقد عن صدق وإخالص‪ ،‬والشروط‬
‫اجلوهرية اليت تتلخص يف صدق املقاصد والنيات‪ ،‬كأن اليقول املتكلم ما يناقض معتقداته ورغباته‪.61‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فعندما نريد حتليل النصوص واخلطابات‪ ،‬والسيما األدبية منها‪ ،‬البد من التمييز بني املعاين احلرفية‬
‫ذات الطابع اخلربي والقضوي‪ ،‬واملعاين السياقية اليت ترتبط بسياقها الوظيفي واإلجنازي‪ .‬ويعين هذا أنه البد‬
‫من االنتقال من مستوى الداللة إىل مستوى التداول لتفكيك اجلمل‪ ،‬واستكشاف أبعادها الوظيفية‬
‫والسياقية مقاما وزمانا ومكانا‪ ،‬وهذا يشبه بشكل من األشكال ما يسمى باالستلزام احلواري‪ .‬ويعلم الكل‬
‫أن النصوص الشعرية طافحة بالصور البالغية اجملازية واملعاين اإلحيائية‪ ،‬وهي ترتابط شعريا بسياقاهتا اإلحالية‬
‫واملقامية والنصية والوظيفية‪ ،‬وما على الناقد إال استجالؤها وحتليلها وتبيان وظائفها السياقية واملقامية‪.‬‬

‫‪ - 64‬فرانسواز أرمينكو‪ :‬المقاربة التداولية‪،‬ص‪.15:‬‬


‫‪ - 61‬حممد مفتاح‪ :‬تحليل الخطاب الشعري‪ ،‬ص‪.141:‬‬
‫‪41‬‬
‫المبحث الخامس‪ :‬المقاربة التداولية في العالم العربي‬

‫ميكن احلديث عربيا عن جمموعة من الدارسني والباحثني الذين اهتموا بتداوليات النص واخلطاب األديب‪،‬‬
‫ومعظم هذ الدراسات أجنزها باحثون مغاربة وجزائريون وتونسيون‪ ،‬ومن بينهم‪ :‬حممد مفتاح الذي حتدث‬
‫عن بعض املفاهيم التداولية يف كتابه ( في سيمياء الشعر القديم‪ )12‬كاملقصدية عند حازم القرطاجين‪،‬‬
‫واملعاين اجلمهورية‪ ،‬والوضوح‪ ،‬واحرتام العقدة بني املتكلم واملخاطب‪ ،‬وهي ما يسميه التداوليون مببدإ‬
‫التعاون‪ ،‬مبا يعنيه من قواعد‪ :‬الكمية (االستقصاء)‪ ،‬والكيفية (الصدق)‪ ،‬والعالقة‪ ،‬واجلهة‪ .‬وقد اعتمد حممد‬
‫مفتاح يف ذلك على تصورات حازم القرطاجين‪ ،11‬وفرانسوا ريكانايت‪ ،12‬وأوزوالد دوكرو الذي عرف مبدأ‬
‫الكمية بقوله‪ ":‬إن هذا القانون حيتم على املتكلم أن يعطي‪ ،‬على املوضوع املتحدث عنه‪ ،‬املعلومات‬
‫‪13‬‬
‫األساسية اليت ميتلكها‪ ،‬واليت من شأهنا أن تفيد املخاطب"‬
‫كما خصص حممد مفتاح البعد التداو ي بالفصل السابع يف كتابه(تحليل الخطاب الشعري)‪ ،‬حينما‬
‫حتدث عن التفاعل بني املتكلم واملخاطب‪ .‬ومن مث‪ ،‬فقد ذكر بعض التيارات التداولية هي‪ :‬تيار موريس‪،‬‬
‫وتيار فالسفة أكسفورد‪ ،‬وتيار التوليديني‪ ،‬وتيار السرديني ‪ .‬ومن هناك‪ ،‬فقد اهتم تيار موريس بذاتية اللغة‬
‫والبعد التوصلي والسياقي‪ ،‬كما عند بنيفنست‪ ،‬والينس‪ ،‬وأرويكشيوين‪ ،‬ومت الرتكيز على املعينات‪ ،‬والزمان‪،‬‬
‫واملكان‪ ،‬وتعابري اجلهة‪ ،‬وألفاظ العاطفة و التقومي ‪ .14‬أما تيار فالسفة أكسفورد‪ ،‬فيهتم بدراسة أفعال‬
‫الكالم‪ ،‬ومن أشهر أعضاء هذا التيار ‪ :‬أوسنت وسورل‪ ،‬فقد ميزا بني األقوال اخلربية واالقوال اإلجنازية‬
‫(األمر‪ -‬الوعد‪ -‬التصريح‪ -‬واملنع‪ -‬واحلث‪ -‬والتحريض‪ -‬والنهي‪ -‬والردع‪ .)... -‬وقد مت اإلشارة إىل قواعد‬
‫احملادثة عند كرايس‪ ،‬وقوانني اخلطاب عند دوكرو وشروط النجاح عند سورل‪ ..‬أما تيار التوليديني‪ ،‬فقد ركز‬
‫على النص يف عالقته بالسياق‪ ،‬وميثله كل من ‪ :‬أومهان صاحب كتاب( األدب كفعل)‪ ،‬وفان ديك يف‬
‫دراسته( السياق التداولي‪ :‬النص كأفعال كالمية)‪ ،‬وأشار إىل تيار آخر‪ ،‬مسا بتيار السرديني الذي اهتم‬
‫مبنطق السرد‪ ،‬كما هو احلال عند السيميائيني الذين ميثلهم‪ :‬كرمياص‪.‬‬

‫‪ - 12‬حممد مفتاح‪ :‬في سيمياء الشعر القديم‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل ‪1141‬م‪.‬‬
‫‪ - 11‬حازم القرطاجين‪ :‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬تونس‪ ،‬طبعة ‪1166‬م‪.‬‬
‫‪72‬‬
‫‪- François Récanati:La transparence et l'énonciation pour introduire à la‬‬
‫‪pragmatique, Paris, Seuil, 1979.‬‬
‫‪73‬‬
‫‪-O.Ducrot:(Analyse pragmatique),Communication 32,1981.p:134.‬‬
‫‪ - 14‬حممد مفتاح‪ :‬تحليل الخطاب الشعري‪ ،‬ص‪.134:‬‬
‫‪42‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فقد اهتم أمحد املتوكل بالبعد التداو ي التوليدي يف العديد من كتبه‪ ،‬والسيما يف كتابه(‬
‫الوظائف التداولية في اللغة العربية) (‪1145‬م)‪ ،‬و( اللسانيات الوظيفية‪ ،‬مدخل نظري) (‪1141‬م)‪،‬‬
‫متأثرا يف ذلك بفان ديك وهاليداي على سبيل التمثيل‪ ،‬وقد ركز يف مشروعه الوظيفي على األدوار النحوية‪،‬‬
‫واألدوار الداللية‪ ،‬واألدوار التداولية‪.‬‬
‫ونذكر كتابا تداوليا آخر يندرج ضمن لسانيات اخلطاب هو كتاب(لسانيات النص) (‪1111‬م) حملمد‬
‫خطايب الذي حتدث فيه صاحبه عن مبدأي‪ :‬االتساق واالنسجام يف ضوء تصورات لسانيات اخلطاب‪،‬‬
‫ومنظور الذكاء االصطناعي‪ ،‬وتصورات التداولية اخلطابية والسياقية كما عند ‪ :‬فان ديك‪ ،‬وهاليداي‪،‬‬
‫وحسن رقية‪ ،‬وبراون‪ ،‬ويول‪ ،‬وجري مسيت‪ ،‬وروجي شانك‪ ،‬دون أن ينسى حممد خطايب املسامهات العربية‬
‫يف جمال االتساق واالنسجام‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬اختذ قصيدة أدونيس( فارس الكلمات الغريبة) مطية للتحليل‬
‫وتطبيق لسانيات النص جبل أبعادها النصية واخلطابية والتداولية والسياقية‪.15‬‬
‫ونستحضر من الشرق العريب كتابا قيما حتت عنوان( إستراتيجية الخطاب‪ ،‬مقاربة لغوية تداولية) للباحث‬
‫السعودي عبد اهلادي بن ظافر الشهري (‪2224‬م)‪ ،16‬حيث يتناول فيه مفهوم املنهج التداو ي وإسرتاتيجية‬
‫اخلطاب‪ ،‬بالتشديد على اخلطاب والسياق‪،‬وذكر العوامل املؤثرة يف هذ اإلسرتاتيجية كالسلطة واملقاصد‪.‬‬
‫وبعد ذلك‪ ،‬يتطرق الكاتب إىل أنواع اإلسرتاتيجيات‪ ،‬فيصنفها إىل‪ :‬اإلسرتاتيجية التوجيهية‪ ،‬واإلسرتاتيجية‬
‫التضامنية‪ ،‬واإلسرتاتيجية التلميحية‪ ،‬وإسرتاتيجية اإلقناع‪ ،‬وختم كتابه بذكر آليات اإلقناع واحلجاج على‬
‫حد سواء‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬ميكن القول ‪ -‬بشكل عام وخمتصر‪ -‬إن الدراسات التداولية تنظريا وتطبيقا قد ازدهرت‬
‫بشكل الفت يف املغرب العريب (املغرب‪ ،‬واجلزائر‪ ،‬وتونس)‪ ،‬حيث انطلقت هذ الكتابات النظرية والتطبيقية‬
‫من خلفيات معرفية متنوعة من حيث املصادر واملراجع والتصورات والرؤى‪ ،‬سواء أكانت تلك املرجعيات‬
‫واخللفيات فرانكفونية أم أنكلوسكسونية أم عربية قدمية وحديثة ومعاصرة‪.‬‬

‫‪ - 15‬حممد خطايب‪ :‬لسانيات النص‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1111‬م‪.‬‬
‫‪ -‬عبد اهلادي بن ظافر اهلشري‪ :‬إستراتيجية الخطاب‪،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬سنة‬ ‫‪16‬‬

‫‪2224‬م‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬تقوي ــم المقاربة التداولية‬

‫ال أحد ينكر إجيابيات املقاربة التداولية يف مقاربة اخلطاب أو النص األديب؛ ألهنا تساعدنا على فهم النص‬
‫فهما عميقا من خالل ربط الداللة بالوظيفة السياقية واألداء اإلجنازي‪ .‬فال ميكن تأويل النص األديب مهما‬
‫كان هذا النص إال باالستعانة باإلحالة النصية واملقامية والسياقية‪ ،‬واالنفتاح على املقصدية‪ ،‬وأفعال الكالم‪،‬‬
‫وفهم حواريته الصرحية واملضمرة والبوليفونية النصية‪ ،‬دون أن ننسى أنه من الضروري مبكان دراسة النص‬
‫األديب باعتبار تلفظا سياقيا وملفوظا حجاجيا لغويا من الداخل‪ ،‬وينبغي كذلك االنتقال من املعاين احلرفية‬
‫إىل املعاين اجملازية تأويال واستكشافا وتشرحيا‪ .‬ويعين هذا كله أن املقاربة التداولية متكاملة إىل حد ما‪ ،‬مادام‬
‫يرتابط فيها الرتكيب النحوي بالداللة والوظيفة السياقية واملقامية‪ .‬وعلى الرغم من ذلك‪ ،‬فثمة جمموعة من‬
‫السلبيات‪ ،‬فقد طبقت املقاربة التداولية على اللغة الطبيعية العادية الواضحة من حيث ملفوظاهتا اللغوية‪ ،‬ومل‬
‫تطبق على اللغة األدبية والشعرية اليت تتميز بالبعد اإلحيائي والتشويش الدال ي كما يف الشعر واملسرح‬
‫والرواية‪ .‬كما أن املقاربة التداولية يف عمومها تعاملت نظريا وتطبيقيا مع اجلملة أكثر مما تعاملت مع النص‬
‫أو اخلطاب‪ .‬لذا‪ ،‬فصعوبات اخلطاب التطبيقية أعوص من تطبيقات اجلملة‪ .‬ويف هذا‪ ،‬يقول الدكتور حممد‬
‫مفتاح‪ ":‬إننا مل نصل بعد إىل مبادىء قارة للتحكم يف استعمال اللغة بكيفية ناجعة وناجحة لضبط‬
‫حساب تأويل مانتلقا ‪ ،‬كما توصل اللسانيون إىل وضع قواعد تركيبية وصوتية‪ .‬وإذا كان هذا العجز على‬
‫مستوى استعمال اللغة بكيفية عادية‪ ،‬فإنه أدهى وأمر على مستوى استعماهلا بكيفية أدبية‪ .‬وهذا ما أدركه‬
‫كثري من اللسانيني وفالسفة اللغة‪ ،‬فلذلك نادى بعضهم بإخراج اللغة األدبية من الدراسات اللسانية مؤقتا‪.‬‬
‫إن أهم من دعا إىل هذا‪ ":‬أوسنت"‪ ،‬وال نستغرب موقفه ؛ ألن منطلقه كان هو حتليل اللغة العادية‪ ،‬وليس‬
‫اللغة الشعرية اليت هي‪ -‬يف نظر ‪ -‬غري جدية وغري عادية ومشوشة‪ ،‬ال ترجع إىل األفعال بالكالم‪ ،‬يقول‪":‬‬
‫‪11‬‬
‫إن املقال اإلجنازي سيكون فارغا أو خاليا إذا نطق به ممثل على اخلشبة أو أدمج يف نص شعري‪"...‬‬
‫كما ميز سورل بني اللغة العادية الواضحة واللغة األدبية املشوشة‪ ،‬أو بني اللغة اليت حتيل على الواقع‪ ،‬واللغة‬
‫اليت تتمرد عنه‪ ،‬مفضال اللغة العادية اخلاضعة ملعايري معنوية وتداولية معينة‪ .‬وقد اعترب استعمال مقاييس‬
‫اللغة العادية يف اجملال األديب ليست حبقيقة‪ ،‬وإمنا هي ادعاءات أوإيهامات بالفعل الكالمي‪ " ...‬فاملتكلم‬
‫ليس ملزما بصدق إخبار األديب مثلما هو ملزم بصدق إخبار العادي‪ ،‬وقول سورل هذا هو اخلالصة اليت‬
‫‪14‬‬
‫انتهى إليها كثري من الباحثني يف اخلطاب األديب‪".‬‬

‫‪ - 11‬حممد مفتاح‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.144:‬‬


‫‪ - 14‬حممد مفتاح‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.145:‬‬
‫‪44‬‬
‫بيد أن حممد مفتاح له تصور خمالف يف ذلك‪ ،‬وحنن نؤيد يف ذلك كل التأييد‪ ،‬فهو يرى أنه من املمكن‬
‫دراسة اخلطاب األديب يف ضوء نظرية األفعال الكالمية‪ ،‬ويف ضوء التصورات التداولية؛ ألن النص األديب فيه‬
‫قسط من الواقع وقسط من اخليال‪ .‬ويف هذا السياق‪ ،‬يقول حممد مفتاح يف كتابه( تحليل الخطاب)‬
‫(‪1145‬م)‪":‬إن هذا اإلمجاع المينع من مناقشة بعض األفكار الواردة يف برهنتهم‪ ،‬مثل ‪ :‬املقابلة بني‬
‫االدعاء‪ /‬الواقع‪ ،‬وبني العادي‪ /‬الالعادي وغريمها‪ ،‬فهي ليست متقابالت متناقضة‪ ،‬إذ قد يكون بني‬
‫املتقابلني طرف حمايد‪ .‬كما أن برهنة سورل مل تشمل مجيع األنواع اخلمسة (الفعل اإلخباري‪ ،‬والفعل‬
‫األمري‪ ،‬والفعل االلتزامي‪ ،‬والفعل التصرحيي‪ ،‬والفعل البوحي الشعوري)‪ ،‬وإمنا ضرب مثال لإلخبار وااللتزام‪،‬‬
‫وقد نسلم له مبا قاله يف املثلني من ادعاء‪ ،‬ولكننا النسلم له بأن النوع التعبريي فيه ادعاء‪ ،‬بل ميكن القول‬
‫إنه واقعي يف كل استعماالت اللغة وخباصة يف الشعر‪ ،‬وهذا ما أثبتته دراسات كثرية جعلت الوظيفة‬
‫االتفعالية أو التعبريية من بني الوظائف األساسية للغة‪ ،‬فالوظيفة االنفعالية أو التعبريية هي جوهر الشعر‬
‫الذي هو عبارة عن توجع وآهات إىل حد كبري‪ .‬فهناك خلط‪،‬إذاً‪ ،‬يضاف إليه غموض آخر جند يف التفرقة‬
‫بني اخليا ي‪ /‬الالخيا ي‪ ،‬وداللة الكلمات يف كل منهما‪ ،‬فهي ليست هلا الداللة العادية يف اخلطاب اخليا ي‪،‬‬
‫إن هذ الثنائية جمحفة أيضا‪ ،‬فاخلطاب اخليا ي يكون حمتويا بالشك على قسط واقعي‪ ،‬وعلى هذا‪ ،‬فإن‬
‫هناك يف النص األديب ما حيكم بقواعد اخلطاب الواقعي‪ ،‬ومنه مايتمرد عليها‪ ،‬وقد يتجلى خرق العادة‬
‫اللغوية يف أنواع أدبية خاصة‪ ،‬مثل‪ :‬األدب الفانتازي‪ ،‬وأدب الغرائب والعجائب‪ ،‬ويف بعض النصوص‬
‫الشعرية احلديثة‪.‬‬
‫ومهما يكن‪ ،‬فإن هذا اجليل من فالسفة اللغة أبعد البحث يف األدب مؤقتا‪ ،‬ولكن سورل بدأ ينفتح عليه‬
‫أخريا بوضع مفاهيم إجرائية مفيدة لدراسة النص األديب‪ ،‬وخباصة يف كتابه‪ ":‬المعنى و التعبير" و"‬
‫المقصدية"‪ ،‬كما جند لدى كرايس مفهوم التضمن الذي يتيح الفرصة للبحث عن التشاكل اجلامع‪ ،‬وترابط‬
‫‪11‬‬
‫الكالم بعضه ببعض‪ ،‬على الرغم مما يعرتضه من انقطاعات وثغرات‪".‬‬
‫عالوة على ذلك‪ ،‬ال تعىن املقاربة التداولية كثريا باجلمالية الفنية‪ ،‬وال تركز اهتمامها على أدبية النص يف حد‬
‫ذاهتا بغية تعميق الفهم يف اآلليات اليت تتحكم يف بناء النص األديب‪ ،‬كما ال تعىن هذ املقاربة بالعواطف‬
‫واالنطباعات والذوق األديب ‪.‬‬
‫وعل الرغم من هذ االنتقادات‪ ،‬تبقى التداولية أو الذرائعية ‪ -‬كما يسميها البعض‪ -‬مقاربة شبه متكاملة‪،‬‬
‫فقد استطاعت أن تسد ثغرة اللسانيات املوجودة‪ ،‬كاللسانيات الوصفية واللسانيات التفسريية بإضافة البعد‬
‫التداو ي إليها‪ .‬وقد عملت التوليدية التحويلية مع نوام شومسكي بإضافة القدرة التداولية إىل القدرة الكفائية‬

‫‪ - 11‬حممد مفتاح‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.146-145:‬‬


‫‪45‬‬
‫على مستوى التصور النظري والتطبيقي‪ .‬وهلذا‪ " ،‬ظهرت دراسات خمتلفة منها (على سبيل املثال ال احلصر)‬
‫حماوالت ستيفن ليفنسون يف كتابه‪":‬التداوليات"‪ .‬فهو يرى أن نقص الرتكيز على اجلانب التباد ي يفضي‬
‫إىل عجز اللسانيات عن تربير اجلانب االتصا ي للغة‪ ،‬خاصة أن نظرية علم املعاين ال تعيننا كثريا على فهم‬
‫اللغة‪ .‬من هذا املنطلق‪ ،‬أصبحت الذرائعية أو التبادلية جزءا ثالثا يف الدراسة اللسانية ‪.‬أما يف الدراسات‬
‫األدبية‪ ،‬فقد ركزت الذرائعية على مسة األدب االتصالية انطالقا من أن االتصال عموما ال يكتمل دون أخذ‬
‫األدب وسياقه يف االعتبار‪ ،‬كما أن دراسة األدب ال تكتمل دون األخذ يف االعتبار توظيف األدب ملصادر‬
‫االتصال املختلفة‪.‬إن أبعاد مثل هذا الطرح الشك مثرية‪ ،‬فاألدب مل يعد نصا مغلقا أو بنية شكلية معزولة‬
‫عن سياقها‪ ،‬بل إن هذا االجتا أعاد إىل الدرس األديب الصلة القدمية بني اخلطابة والشعرية‪ .‬وهلذا‪ ،‬فإن‬
‫الدراسة الذرائعية‪ /‬التبادلية لألدب تسعى إىل اكتشاف التقنيات العملية يف النص (اإلحياء‪ ،‬واالفرتاض‬
‫املسبق‪ ،‬واإلقناع)‪ ،‬وربطها بالقوى اخلارجية يف عامل الكاتب والقارئ‪ ،‬مثل ‪ :‬عالقات القوى والتقاليد‬
‫الثقافية‪ ،‬وأنظمة النشر والتوزيع والرقابة‪ ،‬وهلم جرا‪ .‬ويبقى الرتكيز يف كل هذا على صالت االتصال‬
‫‪42‬‬
‫والتفاعل اخلاصة والدقيقة الفعلية‪".‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فال ميكن للنقد األديب أن حيقق جناعته الكفائية والتقنية إال بتمثل املقاربة التداولية اليت جتمع بني‬
‫ثالثة عناصر متكاملة هي‪ :‬النحو‪ ،‬والداللة‪ ،‬والوظيفة‪.‬‬

‫‪ - 42‬ميجان الرويلي وسعد البازعي‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.123:‬‬


‫‪46‬‬
‫الخـ ـاتم ـ ــة‬

‫وخالصة القول‪ ،‬نستنتج أن املقاربة التداولية هي اليت تدرس النص يف سياقها التخاطيب والتفاعلي‬
‫والتحاوري بالرتكيز على أفعال الكالم‪ ،‬وعمليات التخاطب والتفاعل‪ ،‬والتشديد أيضا على اإلحالة‪،‬‬
‫والسياق‪ ،‬واملقصدية‪ ،‬والوظيفة‪ ،‬والتأويل‪ ،‬واالستلزام احلواري‪ ...‬بيد أن املقاربة التداولية من الصعب جدا‬
‫تطبيقها بكل سهولة ويسر على النص األديب التخييلي؛ نظرا لتمرد عن املعيار‪ ،‬واتسامه بالتخييل واالنزياح‬
‫والتشويش واخلرق‪ ،‬وجمانبة احلقيقة والصدق الواقعي‪ ،‬كما يعرتف بذلك التداوليون أنفسهم كسورل وأوستني‬
‫وكرايس وغريهم كثري‪ ...‬إال أن هناك بعض الباحثني يرى عكس ذلك‪ ،‬كالباحث املغريب حممد مفتاح‪ ،‬أنه‬
‫باإلمكان تطبيق مفاهيم املقاربة التداولية على النص األديب مادام يتأرجح بني الواقع والتخييل‪ ،‬كما أن‬
‫نظرية األفعال الكالمية ميكن استعماهلا يف جمال األدب والنقد‪ ،‬وميكن تشغيل غريها من املفاهيم الوظيفية‬
‫خاصة يف جمال املسرح والسرديات‪.‬‬
‫ومهما تكن من تصورات خمتلفة حول إمكانية تطبيق املقاربة التداولية يف مقاربة النص األديب‪ ،‬فإن هذا‬
‫النص اخليا ي والفين واخليا ي قد استفاد ‪ -‬فعال‪ -‬من آليات املقاربة التداولية ولسانيات النص استفادة‬
‫كبرية‪ ،‬الميكن إنكارها بأي حال من األحوال‪ ،‬على الرغم من صعوبتها النظرية والتطبيقية‪ .‬كما ال ميكن‬
‫إطالقا غض الطرف عن أمهيتها‪ ،‬أو احلط من قيمتها‪ ،‬وتتمثل هذ االستفادة بكل جالء يف كون املقاربة‬
‫التداولية تنظر إىل النص األديب خطابا‪ ،‬ووظيفة‪ ،‬وسياقا‪ ،‬وإحالة‪ ،‬وتأويال‪ ،‬وحجاجا‪ ،‬وإقناعا‪ ،‬وتلفظا‪،‬‬
‫واتساقا‪ ،‬ومقصدية‪ ،‬وختاطبا‪ ،‬وتفاعال‪ ،‬واستلزاما حواريا‪ .‬ومن مث‪ ،‬يتأرجح النص األديب‪ ،‬يف جوهر ‪ ،‬بني‬
‫املعاين احلرفية واملعاين اجملازية السياقية‪ ،‬وجيمع بني األدوار النحوية واألدوار الداللية واألدوار التداولية‪ ،‬وينتقل‬
‫يف سلمه التعبريي واحلجاجي من الرتكيب والداللة إىل التداول السياقي واملقامي‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تعد التداوليات من أهم اآلليات اإلجرائية النظرية والتطبيقية اليت تسعفنا يف حتليل اخلطاب تفكيكا‬
‫وتركيبا‪ ،‬أو دراسته فهما وتفسريا وتأويال‪ ،‬سواء أكان ذلك اخلطاب املرصود لسانيا أم أدبيا أم نقديا أم‬
‫فلسفيا أم منطقيا أم إعالميا‪ ،‬إذ ال ميكن االستغناء‪ ،‬بأي حال من األحوال‪ ،‬عن البعد التداو ي يف دراسة‬
‫اللغة اإلنسانية بصفة عامة‪ ،‬واخلطاب األديب والنقدي بصفة خاصة‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‬

‫‪‬المص ـ ـادر‪:‬‬

‫‪-1‬حازم القرطاجين‪ :‬منهاج البلغاء وسراج األدباء‪ ،‬تونس‪ ،‬طبعة ‪1166‬م‪.‬‬

‫‪‬المراجـ ــع باللغة العربي ــة‪:‬‬

‫‪ -2‬أمحد املتوكل‪ :‬اللسانيات الوظيفية‪ ،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‬
‫‪2212‬م‪.‬‬
‫‪ -3‬أريكشيوين‪ :‬فعل القول من الذاتية في اللغة‪ ،‬ترمجة‪ :‬حممد نظيف‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2221‬م‪.‬‬
‫‪-4‬تزفيطان تودوروف‪ :‬الشعرية‪ ،‬ترمجة‪ :‬شكري املبخوت ورجاء بن سالمة‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1141‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬جون أوستني‪ :‬نظرية أفعال الكالم العام‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد القادر قينيين‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2226‬م‪.‬‬
‫‪ -6‬حسني الواد‪ :‬في مناهج الدراسات األدبية‪ ،‬منشورات اجلامعة‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬سنة ‪1145‬م‪.‬‬
‫‪ -1‬حافظ إمساعيل علوي‪ :‬اللسانيات في الثقافة العربية المعاصرة‪ ،‬دار الكتاب اجلديدة املتحدة‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪2221‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬سعد البازعي وميجان الرويلي‪ :‬دليل الناقد األدبي‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫سنة ‪2222‬م‪.‬‬
‫‪ -1‬عبد اجمليد نوسي‪ :‬التحليل السيميائي للخطاب الروائي‪ ،‬شركة النشر والتوزيع املدارس‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪2222‬م‪.‬‬
‫‪ -12‬عبد اهلادي بن ظافر اهلشري‪ :‬إستراتيجية الخطاب‪،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫الطبعة األوىل‪ ،‬سنة ‪2224‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬فيليب هامون‪ :‬سيميولوجية الشخصيات‪ ،‬ترمجة‪ :‬سعيد بنكراد‪ ،‬دار الكالم‪ ،‬الرباط‪ ،‬الطبعة األوىل‬
‫سنة ‪1112‬م‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫‪ -12‬فرانسواز أرمينكو‪ :‬المقاربة التداولية‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪.‬سعيد علوش‪ ،‬املؤسسة احلديثة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الطبعة األوىل سنة ‪1141‬م‪.‬‬
‫‪ -13‬فان ديك‪ :‬النص والسياق‪ ،‬ترمجة‪ :‬عبد القادر قينيين‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدرالبيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪1111‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬حممد حممد يونس علي‪ :‬مدخل إلى اللسانيات‪ ،‬دار الكتاب اجلديد املتحدة‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األوىل سنة ‪2224‬م‪.‬‬
‫‪ -15‬حممد خطايب‪ :‬لسانيات النص‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪1111‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬حممد احلناش‪ :‬البنيوية في اللسانيات‪ ،‬دار الرشاد احلديثة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األوىل سنة‬
‫‪1142‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬حممد مفتاح‪ :‬في سيمياء الشعر القديم‪،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األوىل سنة ‪1141‬م‪.‬‬
‫‪ -14‬حممد مفتاح‪ :‬تحليل الخطاب الشعري(إستراتيجية التناص)‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬الطبعة األاوىل سنة ‪1145‬م‪.‬‬

‫‪‬المراجـ ــع األجنب ــية‪:‬‬

‫‪19- A.J.Greimas: Maupassant, la sémiotique du texte:‬‬


‫‪exercices pratiques, éditions du Seuil, Paris 1976.‬‬
‫‪20-A.J.Greimas.J.Courtés:Sémiotique.Dictionnaire‬‬ ‫‪Raisonné‬‬
‫‪de la théorie du langage. Hachette Université, Paris, 1979,‬‬
‫‪Sémiologie.‬‬
‫‪21-Bally:(Les notions grammaticales d'absolu et de relief), In: essais‬‬
‫‪sur le langage, Minuit, Paris, 1969.‬‬
‫‪22-Benveniste, E: Problèmes de linguistique générale2, ED,‬‬
‫‪Gallimard, Paris, 1974.‬‬
‫‪23- Benveniste: Problèmes de linguistique générale 1, ED,‬‬
‫‪Gallimard, Paris, 1966‬‬
‫‪49‬‬
24-C.K.Orecchioni: L'énonciation de la subjectivité dans le
langage, Paris, Armand Colin, 1980.

25-C. Levi-Strauss: Anthropologie structurale, Plon, Paris,


1958.

26-Fillmore :( Deictic categories in the semantics of come),


Foundations of language 2, 1966.

27-J.L.Austin: Quand dire, c'est faire, Editions du Seuil, Paris,


1970.
28-John R.Searle: les actes de langage, Collection, savoir
Herman, Paris, 1972.
29-Halliday, M.A.K and R.Hassan: Cohesion in
English.Longman.London.1976.
30- H.Grice. (Logic and conversation), In Steven David (Ed),
Pragmatics: A reader, New York, Oxford University press, 1991.
31-O. Ducrot :( Analyse pragmatique), Communication
32,1981.
32- Paul Ricoer: La métaphore vive.Seuil, Paris, 1975.
33-R.Jakobson: Essais de linguistique générale, Minuit, Paris,
1963.
34-W. James : le pragmatique, traduction E.Le Brun, Edition
Flammarion, 1968.
35-Weinrich Hharold: Le temps, Seuil, Paris, 1973.
36- Wunderlish, Dieter: (Pragmatique, situation d'énonciation et
deixis), Langages, 26, juin1972.

51
‫‪‬المقـ ــاالت العربيـ ــة‪:‬‬

‫‪ -73‬ترنس هوكس‪( :‬مدخل إىل السيمياء)‪ ،‬مجلة بيت الحكمة‪،‬املغرب‪ ،‬العدد‪ ،5‬السنة الثانية‪ ،‬سنة‬
‫‪1141‬م‪.‬‬
‫‪222‬‬
‫‪ -34‬رضوان الرقيب‪( :‬االستدالل احلجاجي التداو ي وآليات اشتغاله)‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫العدد‪ ،2‬اجمللد ‪ ،42‬أكتوبر‪ -‬ديسمرب ‪2211‬م‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫الفهـ ـ ــرس‬

‫اإله ـ ــداء‬
‫المقدمة‪.‬‬
‫المبحث األول‪:‬‬
‫حتديد املصطلح‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫مفهوم املقاربة التداولية‬
‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫سياق ظهور املقاربة التداولية‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪:‬‬
‫التداوليات والنص األديب‪.‬‬
‫المبحث الخامس‪:‬‬
‫املقاربة التداولية يف العامل العريب‪.‬‬
‫المبحث السادس‪:‬‬
‫تقومي املقاربة التداولية‪.‬‬
‫الخاتمة‪.‬‬
‫ثبت المصادر والمراجع‬
‫الفهـ ــرس‬

‫‪52‬‬
‫سي ــرة الباح ــث‪:‬‬

‫‪ -‬مجيل محداوي من مواليد مدينة الناظور املغرب‪.‬‬


‫‪ -‬حاصل على دكتورا الدولة سنة ‪2221‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ التعليم العا ي ‪.‬‬
‫‪-‬أديب ومبدع وناقد وباحث‪ ،‬يشتغل ضمن رؤية أكادميية موسوعية‪.‬‬
‫‪ -‬حصل على جائزة مؤسسة املثقف العريب (سيدين‪/‬أسرتاليا) لعام ‪2211‬م يف النقد والدراسات األدبية‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على جائزة ناجي النعمان األدبية سنة‪2214‬م‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الرابطة العربية للقصة القصرية جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس املهرجان العريب للقصة القصرية جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس اهليئة العربية لنقاد القصة القصرية جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس اهليئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مجعية اجلسور للبحث يف الثقافة والفنون‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس خمترب املسرح األمازيغي‪.‬‬
‫‪ -‬عضو اجلمعية العربية لنقاد املسرح‪.‬‬
‫‪-‬عضو رابطة األدب اإلسالمي العاملية‪.‬‬
‫‪ -‬عضو احتاد كتاب العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو احتاد كتاب اإلنرتنت العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو احتاد كتاب املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬من منظري فن القصة القصرية جدا وفن الكتابة الشذرية على الصعيد العريب‪.‬‬
‫‪ -‬خبري يف البيداغوجيا والسيميولوجيا والثقافة األمازيغية‪.‬‬
‫‪ -‬ترمجت مقاالته إىل اللغة الفرنسية و اللغة الكردية‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫‪ -‬شارك يف مهرجانات عربية عدة يف كل من‪ :‬اجلزائر‪ ،‬وتونس‪ ،‬ومصر‪ ،‬واألردن‪ ،‬ولبنان‪ ،‬والسعودية‪،‬‬
‫والبحرين‪ ،‬والعراق‪ ،‬واإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬وسلطنة عمان‪...‬‬
‫‪ -‬مستشار يف جمموعة من الصحف واجملالت واجلرائد والدوريات الوطنية والعربية‪.‬‬
‫‪ -‬نشر العديد من املقاالت الورقية احملكمة وغري احملكمة اليت تربو على األلف‪ .‬عالوة على عدد كبري من‬
‫املقاالت الرقمية‪ ،‬وأكثر من (‪ )114‬كتاب يف جماالت متنوعة‪ .‬وهبذا‪ ،‬يكون أكثر إنتاجا يف املغرب العريب‬
‫من حيث الكتب واملقاالت‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أهم كتبه‪ :‬الشذرات بني النظرية والتطبيق‪ ،‬والقصة القصرية جدا بني التنظري والتطبيق‪ ،‬والرواية‬
‫التارخيية‪ ،‬تصورات تربوية جديدة‪ ،‬واإلسالم بني احلداثة وما بعد احلداثة‪ ،‬وجمزءات التكوين‪ ،‬ومن‬
‫سيميوطيقا الذات إىل سيميوطيقا التوتر‪ ،‬والرتبية الفنية‪ ،‬ومدخل إىل األدب السعودي‪ ،‬واإلحصاء الرتبوي‪،‬‬
‫ونظريات النقد األديب يف مرحلة مابعد احلداثة‪ ،‬ومقومات القصة القصرية جدا عند مجال الدين اخلضريي‪،‬‬
‫وأنواع املمثل يف التيارات املسرحية الغربية والعربية‪ ،‬ويف نظرية الرواية‪ :‬مقاربات جديدة‪ ،‬وأنطولوجيا القصة‬
‫القصرية جدا باملغرب‪ ،‬والقصيدة الكونكريتية‪ ،‬ومن أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصرية جدا‪،‬‬
‫والسيميولوجيا بني النظرية والتطبيق‪ ،‬واإلخراج املسرحي‪ ،‬ومدخل إىل السينوغرافيا املسرحية‪ ،‬واملسرح‬
‫األمازيغي‪ ،‬ومسرح الشباب باملغرب‪ ،‬واملدخل إىل اإلخراج املسرحي‪ ،‬ومسرح الطفل بني التأليف واإلخراج‪،‬‬
‫ومسرح األطفال باملغرب‪ ،‬ونصوص مسرحية‪ ،‬ومدخل إىل السينما املغربية‪ ،‬ومناهج النقد العريب‪ ،‬واجلديد يف‬
‫الرتبية والتعليم‪ ،‬وببليوغرافيا أدب األطفال باملغرب‪ ،‬ومدخل إىل الشعر اإلسالمي‪ ،‬واملدارس العتيقة‬
‫باملغرب‪ ،‬وأدب األطفال باملغرب‪ ،‬والقصة القصرية جدا باملغرب‪،‬والقصة القصرية جدا عند السعودي علي‬
‫حسن البطران‪ ،‬وأعالم الثقافة األمازيغية‪...‬‬
‫‪ -‬عنوان الباحث‪ :‬مجيل محداوي‪ ،‬صندوق الربيد‪ ،1111‬الناظور‪ ،62222‬املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬اهلاتف النقال‪2612354334:‬‬
‫‪ -‬اهلاتف املنز ي‪2536333444:‬‬
‫‪ -‬اإلمييل‪Hamdaouidocteur@gmail.com:‬‬
‫‪Jamilhamdaoui@yahoo.fr‬‬

‫‪54‬‬
‫كلمات الغالف الخارجي‪:‬‬

‫يقصد باملقاربة التداولية تلك النظرية النقدية اليت تدرس الظواهر األدبية والثقافية والفنية واجلمالية يف ضوء‬
‫التداوليات اللسانية‪ .‬ويعين هذا أن املقاربة التداولية تدرس النص أو اخلطاب األديب يف عالقته بالسياق‬
‫التواصلي‪ ،‬والرتكيز على أفعال الكالم‪ ،‬واستكشاف العالمات املنطقية احلجاجية‪ ،‬واالهتمام بالسياق‬
‫التواصلي والتلفظي‪ .‬وبتعبري آخر‪ ،‬تركز املقاربة التداولية على عنصر املقصدية والوظيفة يف النصوص‬
‫واخلطابات‪ .‬وهبذا‪ ،‬تكون التداوليات قد جتاوزت سؤال البنية وسؤال الداللة‪ ،‬لتهتم بسؤال الوظيفة والدور‬
‫والرسالة والسياق الوظيفي‪ .‬كما تعىن املقاربة التداولية بفهم العالقات املوجودة بني املتكلم واملتلقي ضمن‬
‫سياق معني؛ ألن البعد التداو ي ينبين على سلطة املعرفة واالعتقاد‪ .‬وتسمى هذ املقاربة كذلك باملقاربة‬
‫التواصلية‪ ،‬أواملقاربة الوظيفية‪ ،‬أواملقاربة الذرائعية‪ ،‬أواملقاربة املنطقية‪ ،‬أو املقاربة الربامجاتية‪ ،‬أواملقاربة‬
‫احلجاجية‪ ...‬وهلم جرا‪.‬‬
‫وإذا كانت املقاربة التداولية قد عرفت انتشارا يف الغرب‪ ،‬فإن هذ املقاربة مازالت يف بداياهتا األوىل يف العامل‬
‫العريب‪ ،‬على الرغم من وجود آثارها يف تراثنا العريب القدمي يف البالغة والفقه والفلسفة وأصول الفقه‪ ،...‬ومل‬
‫يتم استدماجها بعد يف حقلنا الثقايف العريب احلديث واملعاصر ملقاربة النصوص واخلطابات األدبية‬
‫واإلبداعية‪ ،‬ماعدا بعض االستثناءات القليلة اليت تعد على األصابع‪.‬‬

‫المؤلف‪ :‬جميل حمداوي‬


‫العنوان‪ :‬التداوليات وتحليل الخطاب‬
‫الطبعة األولى‪2115:‬م‬
‫حقوق الطبع محفوظة للمؤلف‬

‫‪55‬‬
56

You might also like