You are on page 1of 118

‫االحنراف الفكري‬

‫‪1‬‬ ‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫‪1‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬ ‫‪2‬‬

‫االحنراف الفكري‬

‫نسخة إلكرتونية‬
‫‪.................................‬‬
‫للتواصل مع املؤلف‬
‫‪proftaha11@gmail.com‬‬
‫االحنراف الفكري‬
‫‪3‬‬ ‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫‪3‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬ ‫‪4‬‬

‫االحنراف الفكري‬
‫‪5‬‬ ‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ملخص البحث‬
‫االحنراف الفكري‬

‫هدف هذه الدراسة معالجة موضوع االنحراف الفكري‪ ،‬ولتحقيق هذا‬


‫وقسم البحث‬
‫الهدف استخدم الباحث المنهج االستقرائي واالستنباطي‪ّ ،‬‬
‫إلى‪ :‬مقدّ مة‪ ،‬وخمسة مباحث‪ ،‬وخاتمة‪.‬‬

‫وقد شملت الحديث عن مفهوم االنحراف الفكري‪ ،‬وتاريخه‪ ،‬واألدلة‬


‫ّ‬
‫وتحذر منه‪ ،‬وأسبابه‪ ،‬وهدي القرآن الكريم يف معالجته‪ ،‬وقد أظهرت‬ ‫التي تنهى‬
‫الدراسة خطورة هذا النوع من االنحراف‪ ،‬وضرره على الفرد والجماعة‪ ،‬وأنه‬
‫قديم يف كل أهل الديانات‪ ،‬وظهرت جذوره منذ فجر اإلسالم‪ ،‬وهو يكثر يف‬
‫آخر الزمان‪ ،‬والنبي ‪ H‬أول من تصدى له عندما ظهر يف هذه األمة‬
‫كما تصدت له الرسل من قبله‪ ،‬وقد تضافرت أدلة الكتاب والسنة التي تنهى‬
‫للموجهات الكافية والشافية لعالجه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫موضحة ألسبابه‪ ،‬وواضعة‬ ‫ّ‬
‫وتحذر منه‪ّ ،‬‬
‫وقد كشفت هذه الدراسة عن سبل متعددة لعالجه؛ بصورة توصل لمجتمع‬
‫قويم مؤهل لحمل رسالة اإلسالم‪ ،‬والدفاع عنه على بصيرة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬ ‫‪6‬‬

‫االحنراف الفكري‬
‫‪7‬‬ ‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫‪J‬‬
‫االحنراف الفكري‬

‫الحمد اهلل الذي أنزل علينا كتابًا مستقيمًا ال عوج فيه‪ ،‬يهدي للتي‬
‫هي أقوم‪ ،‬وأمرنا باالستقامة عليه‪ ،‬والصالة والسالم على الذي استقام على‬
‫هدي الوحي كما أمر‪ ،‬وعلى آله الطاهرين‪ ،‬وصحبه الطيبين‪ ،‬ومن تبع هنجهم‬
‫المستقيم إلى يوم البعث والدين‪.‬‬

‫أو ً‬
‫ال‪ :‬دواعي البحث‬
‫دفعني لدراسة هذا الموضوع أمور عديدة أبرزها ما يلي‪:‬‬

‫‪1-1‬كثرة األدلة التي وردت يف النهي عن االنحراف الفكري مما يدل‬


‫على خطورته‪ ،‬وأهمية التحدث والكتابة عنه‪ ،‬ويوجب على الباحثين والعلماء‬
‫إظهار الحق الذي أنزله اهلل يف كتابه‪ ،‬وب ّينه لنا النبي ‪ H‬يف سنته‪ ،‬وأمر‬
‫األمة بالتواصي به‪ ،‬وإبراز هذا النوع من االنحراف بصورة واضحة‪ ،‬مؤصالً‬
‫محكمًا‪ ،‬خاصة يف ظل ظلمات الفتن‪ ،‬وانعدام نور الحق يف‬
‫تأصيالً علميًا ْ‬
‫بعض العقول‪ ،‬حتى نستطيع من خالل طرحنا العلمي المتوازن أن نقف يف‬
‫وجه ِّ‬
‫كل الدعوات المنحرفة؛ خاصة التي تعمل باسم اإلسالم؛ َّ‬
‫ألن الباطل‬
‫ال ينمو ويرتعرع إال يف غياب الحق وانزوائه‪ ،‬وكيف تنزوي أمة نورها للناس‬
‫كافة‪ ،‬ورسولها أرسله اهلل رحمة للعالمين‪ ،‬ولذا البد من أقالم ترد هذه األباطيل‬
‫والشبهات‪ ،‬ونور يكشف هذه الظلمات‪ ،‬وكلمات حق تدمغ هذه الدعوات‪،‬‬

‫‪7‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬ ‫‪8‬‬

‫قال تعالى‪﴿ :‬ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊﲋ ﲌ ﲍ ﲎ‬


‫ﲏ﴾ [األنبياء‪ ،]18:‬وتفضح وعار هذا الباطل‪ ،‬وتربز أنوار الحق‪ ،‬ويعلو‬
‫بنيانه‪ ،‬والقيام بذلك من أبرز واجبات العلماء‪ ،‬والمفكرين والدعاة؛ وذلك‬
‫َّ‬
‫ألن هذه الدعوات سهام مسمومة موجهة لجسد هذه األمة الطاهرة التي هي‬

‫االحنراف الفكري‬
‫خير أمة أخرجت للناس إن قامت بالحق‪ ،‬واستقامت عليه‪ ،‬وتواصت به‪ ،‬وهو‬
‫الواجب المنوط هبم يف مواجهة هذا النوع من االنحراف‪.‬‬

‫‪2-2‬االنحراف الفكري أساس عالجه وحماية األمة من التأثر به؛ يكون‬


‫بالعلم والفكر القويم أو ً‬
‫ال‪ ،‬وبقوة السالح ثانيًا لمن خرج عن الجماعة‪،‬‬
‫واستحل الدماء‪َّ ،‬‬
‫فإن أ ْمن العقول من االنحراف عن جادة‬ ‫َّ‬ ‫وحمل السالح‪،‬‬
‫الحق هو السبب األساس لتحقق األمن يف ِّ‬
‫كل مجاالت الحياة؛ وذلك َّ‬
‫ألن‬
‫االنحراف يف الفكر يؤدي إلى االنحراف يف التصور والسلوك‪ ،‬فيرى صاحبه‬
‫المنكر معروفًا‪ ،‬والمعروف منكر ًا‪ ،‬كما وصل األمر ببعضهم حتى قتلوا عثمان‬
‫وعليًا ‪ L -‬وأرضاهما ‪ -‬وهم يحسبون أهنم يحسنون صنعا‪ ،‬فبتأمين‬
‫المجتمعات المسلمة من االنحراف الفكري؛ تأمن الجماعة يف وحدهتا‪،‬‬
‫وأرواحها‪ ،‬وأموالها‪ ،‬وأعراضها ونحو ذلك مما هو نتاج لهذا االنحراف‪،‬‬
‫ألن العا َلم‬
‫ونحن يف زمان يصعب فيه حصر األفكار وحجرها يف مكان مع ّين؛ َّ‬
‫أصبح متداخالً ومكشوفًا من خالل القنوات الفضائية‪ ،‬وشبكة اإلنرتنت‪،‬‬
‫ووسائل اإلعالم المتطورة‪ ،‬بما يستدعي عمالً فكريا تفند من خالله األفكار‬
‫الباطلة‪ ،‬وتواجه شبههم بالحجة الدامغة‪.‬‬

‫‪3-3‬ما يرتتب على هذا النوع من االنحراف من مفاسد عظيمة على دين‬
‫‪9‬‬ ‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫الفرد؛ فيمرق بسببه من الدين‪ ،‬ويقع يف كبائر الذنوب‪ ،‬ويخسر الدنيا واآلخرة؛‬
‫وهو يحسب أنه يحسن صنعا‪ ،‬خاصة وأنه يغزو األفراد يف أعز فرتات حياهتم؛‬
‫فرتة الشباب‪ ،‬ويستهدف األمة يف أغلى مدّ خراهتا‪ ،‬واإلنسان إذا خسر شبابه‬
‫مقومات النمو‬
‫خسر عمره‪ ،‬واألمة التي يتحول شباهبا للهدم ال للبناء تفقد ّ‬
‫االحنراف الفكري‬

‫والتطور لحاضرها‪ ،‬وعوامل بقائها يف مستقبلها‪ ،‬فهو يجعل الشباب عرضة‬


‫ألفكار هادمة لمسيرة تقدّ م األمة؛ وهي تحاول إعادة مجدها مما يستدعي‬
‫ٍ‬
‫أسس علمية وعملية سليمة‪ ،‬قائمة على‬ ‫عمالً واعيًا مؤصالً‪ ،‬متوازنًا على‬
‫هدي الكتاب والسنة‪ ،‬ومقتدية بآثار سلف هذه األمة‪ ،‬ومهتدية بوسطية هذه‬
‫األمة التي قال تعالى عنها‪﴿ :‬ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬
‫ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ﴾ [البقرة‪.]143:‬‬
‫ٍ‬
‫وتدمير‬ ‫ٍ‬
‫وتفجير‬ ‫ٍ‬
‫تكفير‪،‬‬ ‫‪4-4‬ما يفرضه الواقع بأحداثه المؤلمة من‬
‫ٍ‬
‫وسفك للدماء المعصومة‪ ،‬وتعدٍّ على األموال واألعراض‪،‬‬ ‫للمنشآت‪،‬‬
‫ٍ‬
‫وتبديد‬ ‫ٍ‬
‫وزعزعة لألمن‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وتفريق للكلمة‪،‬‬ ‫وخروجٍ على الجماعة والحاكم‪،‬‬
‫لجهود األمة وإمكاناهتا وقدراهتا‪ ،‬وتشويه لصورة اإلسالم والمسلمين‪ ،‬وفتح‬
‫الباب لعدوها المرتبص هبا على ضعفها‪ ،‬وذلك بسبب االنحراف الفكري عن‬
‫الطريق المستقيم‪ ،‬والمؤسف حقًا أن يكون بدعوى الحق والجهاد يف سبيل‬
‫اهلل؛ مما جعل أمره يأخذ األولوية من قِبل الباحثين‪ ،‬والكتّاب‪ ،‬واإلعالميين‪،‬‬
‫ووالة األمور يف كل مكان حتى ُسنّت له قوانين خاصة يف بعض الدول؛ ولذا‬
‫فالبد للجميع من التصدي له‪ ،‬وسد ثقبه؛ حتى ال تغرق سفينة المجتمع من‬
‫خالله‪ ،‬ونكون بذلك مفاتيح للخير مغاليق للشر‪ ،‬يف صف البناء ال الهدم‪،‬‬
‫والوسطية واالستقامة؛ خاصة أهل العلم والفكر والدعوة‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬ ‫‪10‬‬

‫‪5-5‬ا ّدعاء بعضهم التدين والسعي للعبودية الخالصة‪ ،‬والتحرك بدافع‬


‫اإلصالح ونصرة الدين‪ ،‬ودفع الظلم والجور جعلهم يؤ ّثرون كثير ًا يف غيرهم‪،‬‬
‫ويعملون بقوة ونشاط لدعوهتم‪ ،‬ولكن دون فهم سليم‪ ،‬فهم من أبناء جلدتنا‪،‬‬
‫ويتكلمون بألسنتنا‪ ،‬وتظهر خطورة هذا النوع من االنحراف أهنم يتطاولون‬

‫االحنراف الفكري‬
‫على أهل العلم فيشوهون صورهتم‪ ،‬ويصرفون الناس عنهم‪ ،‬وعلى الحكام‬
‫فيفسدون قلوب العامة عن محبتهم‪ ،‬وااللتفاف حولهم‪ ،‬وال قيمة لمجتمع ال‬
‫يهتدي بنور علمائه‪ ،‬وال يلتحم مع قيادته‪.‬‬

‫‪6-6‬أنَّهم يؤدون إلى زرع العداوة والبغضاء بين أبناء األمة الواحدة‪،‬‬
‫وصدّ الناس عن الدين‪ ،‬وشغل الدعاة عن نشر الخير‪ ،‬وعامة الناس يجهلون‬
‫خطرهم‪ ،‬وبعضهم يرضى فعلهم‪ ،‬وال يدرك الكثير منهم التحديات التي‬
‫وقعت وتقع على األمة من جراء أفعالهم؛ ولذا أصبحوا يدعون إلى باطلهم‬
‫الذي وضعوه من قِبل أنفسهم على أنَّه الحق والجهاد إلعادة مجد هذه األمة‪،‬‬
‫و ُيظهرون للناس الحق الذي أنزله اهلل بأنَّه الباطل‪ ،‬مستغلين غفلة بعض أفراد‬
‫األمة من جهة‪ ،‬وضعفهم وجهلهم من جهة أخرى‪ ،‬خادعين سفهاء العقول‬
‫باسم الجهاد‪ ،‬ومحاربة الكفار وأعواهنم‪ ،‬فألجل هذا كله كان من الضروري‬
‫حماية أمتنا ومجتمعاتنا وشبابنا من هذه الدعوات المزيفة‪ ،‬وهذا الباطل‬
‫المز ّين الذي يدّ عون ّ‬
‫أن فيه رحمة‪ ،‬وهو يحمل كل صور العذاب‪.‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪11‬‬

‫ثانياً‪ :‬مشكلة البحث‬


‫لما كانت مسألة «االنحراف الفكري يف الدين» هي أكرب مدخل من‬
‫مداخل الشيطان على اإلنسان المتدين‪ ،‬وهي مضادة لكلمتي‪« :‬االستقامة‬
‫واالعتدال» اللتين هما‪ :‬وصف القرآن الكريم والسنة المطهرة‪ ،‬وهي تمثل‬
‫االحنراف الفكري‬

‫بداية التحول والمروق عن الدين ومنطلقاته وركائزه وموجهاته‪ ،‬اإليمانية‬


‫والخ ُلقية والفكرية والمنهجية والنفسية‪ ،‬كان البد من كشف هذا الداء‪،‬‬
‫والوقوف على مسبباته‪ ،‬وكيفية عالجه على هدي القرآن الكريم الذي يهدي‬
‫للتي هي أقوم‪ ،‬وسنة النبي ‪ H‬التي هتدي للتي هي أحسن؛ ولذا‬
‫ينبغي أن يكون هذا الموضوع محل العناية عند علماء الدراسات الشرعية‪،‬‬
‫والرتبوية‪ ،‬والدّ عوية‪ ،‬إذ هو يمثل نقطة البداية للتحول واالنحراف عن‬
‫اإلسالم‪ ،‬وزعزعة أمن المجتمع‪ ،‬وتفريق كلمة الجماعة‪..‬‬

‫وهذا ما تعتني به هذه الدراسة‪ ،‬فقد كان ضروريًا كشف ما نستطيع أن‬
‫نصل إليه من معالجات فكرية نابعة من الهدي الرباين المتمثل يف نور القرآن‪،‬‬
‫والمب ّين تفصيالً يف مشكاة النبوة‪ ،‬نستطيع من خالل ما نصل إليه من هدى؛‬
‫أن نستفيد منه يف حياتنا اليومية لمعالجة هذه الظاهرة والتصدي لها؛ حتى ال‬
‫ٍ‬
‫واحد عشرات المرات؛ ولذا تكمن‬ ‫ٍ‬
‫جحر‬ ‫يعيد التاريخ نفسه‪ ،‬وتلدغ األمة من‬
‫مشكلة البحث يف السؤال التالي‪:‬‬

‫ما هدي القرآن الكريم والسنة النبوية يف معالجة االنحراف الفكري؟‬

‫‪11‬‬
‫‪ 12‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ثالثاً‪ :‬أسئلة البحث‬


‫ •ما مفهوم االنحراف الفكري؟‬

‫ •متى ظهر هذا االنحراف عند المسلمين‪ ،‬ومن أول من تصدى له؟‬

‫االحنراف الفكري‬
‫ •ما أبرز األدلة التي ّ‬
‫تحذر وتنهى عنه يف الكتاب والسنة؟‬

‫ •ما األسباب التي تؤدي إليه؟‬

‫ •ما هدي القرآن الكريم والسنة المطهرة يف معالجته؟‬

‫رابعاً‪ :‬أهداف البحث‬


‫من خالل اإلجابة عن أسئلة البحث يمكن تحقيق األهداف التالية‪:‬‬

‫‪oo‬معرفة مفهوم االنحراف الفكري‪.‬‬

‫‪oo‬معرفة تاريخ ظهوره‪ ،‬وكيفية مواجهة النبي ‪ H‬له‪.‬‬


‫‪oo‬الوقوف على األدلة الشرعية التي ّ‬
‫تحذر وتنهى عنه‪.‬‬
‫‪oo‬معرفة األسباب التي تؤدي لظهوره وانتشاره يف ِّ‬
‫كل زمان ومكان‪.‬‬

‫‪oo‬معرفة هدي القرآن والسنة يف عالجه‪ ،‬ومنع ظهوره وانتشاره‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬حدود البحث‬


‫تقتصر هذه الدراسة على بيان هدي القرآن الكريم والسنة النبوية يف‬
‫عالج االنحراف الفكري يف التدين‪ ،‬بجوانبه المختلفة‪ ،‬من خالل استقراء‬
‫اآليات القرآنية‪ ،‬والسنة النبوية‪ ،‬وفقه أهل العلم‪ ،‬دون التعرض لألسباب‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪13‬‬

‫األخرى‪ ،‬النفسية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬واألمنية وغيرها التي يصعب حصرها‪ ،‬وهي‬


‫خارج موضوع الدراسة‪ ،‬وألهنا قد تختلف من بلد آلخر‪ ،‬ومن بيئة ألخرى‪،‬‬
‫ومن زمان آلخر‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬منهج البحث وأدواته‬


‫االحنراف الفكري‬

‫استخدم الباحث يف هذه الدراسة المنهج االستقرائي واالستنباطي‪،‬‬


‫وكانت أداته تحليل المحتوى لما جاء يف كتاب اهلل ‪ ،D‬بتتبع اآليات ذات‬
‫الصلة بالموضوع‪ ،‬ثم تتبع ما جاء يف السنة من األحاديث ذات الصلة بالدراسة‪،‬‬
‫والكتابات التي سطرها علماء التفسير‪ ،‬والحديث‪ ،‬والفقه‪ ،‬وبعض الدراسات‬
‫الحديثة التي اعتنت هبذا الموضوع بغية الوصول إلى أهداف البحث‪.‬‬

‫سابعاً‪ :‬الدراسات السابقة‬


‫هنالك الكثير من الدراسات والمؤلفات العلمية التي تناولت أطراف‬
‫هذا الموضوع‪ ،‬خاصة نتاج هذا النوع من االنحراف وآثاره‪ ،‬وهي تنقسم إلى‪:‬‬

‫ ‪ -‬أبحوث علمية‪ :‬وهي قد تناولت هذا الموضوع بصورة عامة لم‬


‫تتخصص يف دراسته من الزاوية التي تناولتها هذه الدراسة‪ ،‬من أهمها‪ :‬كتاب‬
‫(الغلو يف الدين يف حياة المسلم المعاصر) للدكتور عبد الرحمن اللويحق‪،‬‬
‫وكتابه اآلخر (مشكلة الغلو يف الدين يف العصر الحاضر)‪ ،‬وهما من أوسع‬
‫الدراسات يف هذا المجال‪ ،‬وكتاب (الوسطية يف ضوء الكتاب والسنة)‬
‫للدكتور ناصر العمر‪ ،‬وكتاب (الوسطية يف القرآن) للدكتور علي محمد‬
‫الصالبي‪ ،‬و(ظاهرة التطرف‪ :‬األسباب والعالج كدراسة اجتماعية) للدكتور‬

‫‪13‬‬
‫‪ 14‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫محمد أحمد بيومي‪ ،‬وهنالك بحوث وكتب ورسائل جامعية يف التكفير‪،‬‬


‫وطاعة والة األمر‪ ،‬ونحو ذلك من معالجات لنتاج هذا النوع من االنحراف‬
‫الفكري‪ ،‬أو عالج جزئي له‪.‬‬

‫ ‪ -‬بمؤلفات لم تأخذ طابع البحوث العلمية‪ :‬وأغلبها متكررة‪ ،‬ومعالجات‬

‫االحنراف الفكري‬
‫جزئية وقاصرة‪ ،‬يتفق معنا كل من يقف عليها‪ ،‬ككتاب (حقيقة اإلرهاب) لعبد‬
‫اهلل بن محمد العمرو‪ ،‬و(موقف اإلسالم من اإلرهاب) للدكتور عبد اهلل بن عبد‬
‫المحسن الرتكي‪ ،‬و(حقيقة موقف اإلسالم من التطرف واإلرهاب) لسليمان‬
‫الحقيل‪ ،‬و (حقيقة الغلو يف الدين) لعلي عبد العزيز الشبل‪ ،‬و(الغلو يف الدين‬
‫وأثره يف األمة) لخالد حمد الخريف‪ ،‬و(جذور الغلو) للشيخ عبد الرحمن بن‬
‫محمد الهريف‪ ،‬و(التطرف الديني) لصالح صاوي‪ ،‬و(ضوابط تكفير المعين)‬
‫للدكتور عبد اهلل بن عبد العزيز الجربين‪ ،‬و(فتنة التكفير والحاكمية) للشيخ‬
‫محمد عبد اهلل الحسين‪.‬‬

‫وقد متيزت هذه الدراسة مبا يلي‪:‬‬


‫‪1-1‬عالج هذه الظاهرة فكريًا من منظور القرآن والسنة‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ألن‬
‫الباحث لم يقف يف حدود علمه وا ّطالعه على دراسة مستقلة متخصصة‪،‬‬
‫تناولت هذا الموضوع من خالل الزاوية الفكرية ومنظور الكتاب والسنة‪،‬‬
‫خاصة وأن االنحراف الفكري هو السبب األساسي لما نتج من تكفير‪،‬‬
‫وتدمير‪ ،‬وتخريب ونحوه‪ ،‬وأساس العالج يبدأ وينتهي يف الفكر‪ ،‬وخير عالج‬
‫شاف القرآن الكريم‪ ،‬والسنة المطهرة‪.‬‬

‫‪2-2‬حددت أسباب هذا النوع من االنحراف‪ ،‬ووضعت له المعالجات‬


‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪15‬‬

‫األساسية وفق األدلة الشرعية‪ ،‬وأقوال علماء األمة‪ ،‬خالفًا لما سلكه بعض‬
‫الباحثين كما يقول الدكتور عبد الرحمن بن معال اللويحق‪« :‬أخذت على‬
‫نفسي أن يكون استخراج األسباب‪ ،‬واآلثار‪ ،‬وطرق العالج؛ نتاجًا الستقرائي‬
‫وقراءيت لكتابات الغالة‪ ،‬والمهتمين بالغلو‪ ،‬وتتبعي لتاريخ جماعات الغلو»(‪)1‬؛‬
‫االحنراف الفكري‬

‫وذلك َّ‬
‫ألن أساس المشكلة أزمة يف الفهم والفكر الديني‪.‬‬

‫‪3-3‬جمعت هذه الدراسة بين األسلوب العلمي‪ ،‬وفق تصور شمولي‬


‫ّ‬
‫يشخص الداء‪ ،‬ويصف الدواء الشايف بإذن اهلل ‪ ،‬ويجعل الوقاية هدفًا أصيالً‪،‬‬
‫ويب ّين الموجهات العملية لواضعي المناهج التعليمية‪ ،‬والربامج اإلعالمية‬
‫ٍ‬
‫مرب من خالل ممارسته لعمله‬ ‫والدعوية‪ ،‬وبصورة يسهل أن يعيها كل‬
‫الرتبوي‪ ،‬ألن كثير ًا من البحوث تميل إلى التنظير‪ ،‬وتخلو من التصورات‬
‫والربامج العملية‪ ،‬كما أنه يعطي تصور ًا شموليًا دقيقًا للعالج‪ ،‬بصورة بعيدة‬
‫عن اإلسهاب أو التعقيد؛ الذي يرهق كاهل الباحثين دعك عن المسلم العادي‪.‬‬
‫ّ‬
‫تضخم‪،‬‬ ‫‪4-4‬جاءت هذه الدراسة بعد بحث وعناء استمر لسنوات حتى‬
‫ثم أصليته بنار الفكر حتى ّ‬
‫هتذب‪ ،‬واستخرت واستشرت يف إخراجه‪ ،‬وها أنا‬
‫اليوم أقدّ مه بين خوف ورجاء‪ ،‬سائالً اهلل الكريم صدقًا يب ّلغني مرضاته‪ ،‬وحقًا‬
‫ينفع اهلل به عباده‪ ،‬وتوفيقًا يسدد كل قطرة من مدادي‪ ،‬فال حول وال قوة إال‬
‫باهلل العلي العظيم‪ ،‬هو حسبي‪ ،‬وعليه توكلي‪ ،‬وبه ثقتي‪ ،‬وله حمدي‪.‬‬

‫((( مشكلة الغلو يف الدين يف العصر الحاضر‪ :‬األسباب اآلثار العالج (‪.)15 / 1‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ 16‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ثامناً‪ :‬مصطلحات الدراسة‬


‫فهم مصطلحات الدراسة مدخل أساسي مهم‪ ،‬لفهم مقاصد الباحث‬
‫واتجاهات بحثه‪ ،‬ومن أهم مصطلحات هذه الدراسة ما يلي‪:‬‬

‫‪ 1.1‬االنحراف‪ :‬من َ‬

‫االحنراف الفكري‬
‫الح ْرف‪َ ،‬ح ْرف كل شيء طرفه وشفيره وحدّ ه‪،‬‬
‫والح ْرف‪ :‬أيضا االسم من قولك رجل‬
‫َ‬ ‫والح ْرف هو أحد حروف التهجي‪،‬‬
‫َ‬
‫حارف بفتح الراء أي‪ :‬منقوص الحظ ال ينمي له مال‪ ،‬وهو خالف قولك‪:‬‬ ‫ُم َ‬
‫مبارك‪ ،‬وقد ِ‬
‫حورف كسب فالن إذا ُشدّ د عليه يف معاملته ُ‬
‫وض ِّيق يف معاشه؛‬
‫وح ْرف الشيء‬
‫كأنَّه ميل برزقه عنه‪ ،‬من االنحراف عن الشيء وهو الميل عنه‪َ ،‬‬
‫ناحيته‪ ،‬وفالن على َح ْرف من أمره أي ناحية منه‪ ،‬كأنَّه ينتظر ويتوقع فإن رأى‬
‫من ناحية ما يحب وإال مال إلى غيرها‪ ،‬وقال ابن سيدة‪( :‬فالن على َح ْرف من‬
‫أمره‪ ،‬أي‪ :‬ناحية منه؛ إذا رأى شيئًا ال يعجبه عدل عنه‪ ،‬ويف التنزيل العزيز‪:‬‬
‫﴿ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ﴾ [الحج‪ ،]11:‬أي‪ :‬إذا لم ير ما يحب‬
‫انقلب على وجهه‪ ،‬قيل‪ :‬هو أن يعبده على السراء دون الضراء)‪ ،‬وقال الزجاج‪:‬‬
‫﴿ﲋ ﲌ﴾ (على َح ْرف أي‪ :‬على شك‪ ،‬قال‪ :‬وحقيقته أنه يعبد اهلل على َح ْرف‪،‬‬
‫أي‪ :‬على طريقة يف الدين ال يدخل فيه دخول متمكن‪﴿ ،‬ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ‬
‫ﲒ﴾ أي‪ :‬إن أصابه خصب وكثر ماله وماشيته‪ ،‬اطمأن بما أصابه ورضي بدينه‪،‬‬
‫﴿ﲔ ﲕ ﲖ﴾ اختبار بجدب وقلة مال‪﴿ ،‬ﲗ ﲘ ﲙ﴾ أي‪ :‬رجع‬
‫عن دينه إلى الكفر وعبادة األوثان)‪ ،‬وروى األزهري عن أبي الهيثم قال‪( :‬أما‬
‫كح ْرف الجبل والنهر‬
‫فح ْرف كل شيء ناحيته َ‬‫الح ْرف َح ْرفًا‪َ :‬‬
‫تسميتهم َ‬
‫والسيف وغيره)‪ ،‬قال األزهري‪( :‬كأن الخير والخصب ناحية‪ ،‬والضر والشر‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪17‬‬

‫والمكروه ناحية أخرى‪ ،‬فهما َح ْرفان وعلى العبد أن يعبد خالقه على حالتي‬
‫السراء والضراء‪ ،‬ومن عبده كيفما تصرفت به الحال‪ ،‬فقد عبده عبادة عبد مقر‬
‫بأن له خالقًا يصرفه كيف يشاء‪ ،‬وأنه إن امتحنه بالألواء أو أنعم عليه بالسراء‬
‫فهو يف ذلك عادل‪ ،‬أو متفضل غير ظالم وال متعد‪ ،‬له الخير وبيده الخير‪ ،‬وال‬
‫االحنراف الفكري‬

‫خيرة للعبد عليه)‪ ،‬وقال ابن عرفة‪( :‬من يعبد اهلل على َح ْرف‪ ،‬أي‪ :‬على غير‬
‫طمأنينة‪ ،‬على أمر‪ ،‬أي‪ :‬ال يدخل يف الدين دخول متمكن)‪.‬‬

‫وح َرف عن الشيء َي ْح ُرف َح ْرفًا وان َْح َرف و َت َح َّرف ْ‬


‫واح َر ْو َرف‪ :‬مال‬ ‫َ‬
‫وعدل‪ ،‬قال األزهري‪( :‬وإذا مال اإلنسان عن شيء‪ ،‬يقال‪َ :‬ت َح َّرف وان َْح َرف‬
‫مزاجه‪ :‬مال عن االعتدال‪ ،‬وتحريف القلم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫واح َر ْو َرف)‪ ،‬ويقال ان َْح َرف‬
‫ْ‬
‫قطعه ُم َح َّرفًا‪ ،‬وتحريف الكالم عن مواضعه‪ :‬تغييره‪ ،‬والتحريف يف القرآن‬
‫والكلمة‪ :‬تغيير الحرف عن معناه‪ ،‬والكلمة عن معناها‪ ،‬وهي قريبة الشبه‪ ،‬كما‬
‫كانت اليهود تغير معاين التوراة باألشباه‪ ،‬فوصفهم اهلل بفعلهم فقال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ﴾ [النساء‪.)1( ]46:‬‬

‫والمراد باالنحراف يف هذه الدراسة‪ :‬الميل والعدول عن الصراط‬


‫المستقيم الذي رسمه القرآن الكريم منهجًا للحياة تسير عليه‪.‬‬

‫‪2.2‬الفكري‪ :‬من َف َكر يف األ ْم ِر َف ْكر ًا‪ ،‬أعمل العقل فيه ور َّتب بعض‬
‫ما يعلم ليصل به إلى مجهول‪ ،‬و َف َّكر يف األمر‪ :‬مبالغة يف َف َكر‪ ،‬إذا ر َّد َد قلبه‬
‫الف ْكر‪ ،‬و ِ‬
‫الف ْك ُر‬ ‫معترب ًا‪ ،‬ورجل فِ ِّكير بوزن ِس ِّكيت‪ :‬كثير ال َت َف ُّكر‪ ،‬و َفي َكر‪ :‬كثير ِ‬
‫ْ ٌ‬

‫((( ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة (حرف) (‪ ، )45-42/9‬ومختار الصحاح مادة (حرف) (‪،)55/1‬‬
‫والمعجم الوسيط مادة ( حرف) (‪.)167 /1‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ 18‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫إعمال العقل يف المعلوم للوصول إلى معرفة مجهول‪ ،‬يقال‪ :‬لي يف األمر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف ْك ٌر‪ :‬نظر ورو َّية ‪ ،‬ومالي يف األمر ف ْك ٌر‪ :‬مالي فيه حاجة وال مباالة‪ ،‬وال َّت ْف ُ‬
‫كير‪:‬‬
‫إعمال العقل يف مشكلة للتوصل إلى حلها‪ ،‬وال َت َف ُّكر‪ :‬التأمل‪ ،‬واالسم‪ِ :‬‬
‫الف ْكر‬ ‫ُّ‬
‫والف ْكرة‪ ،‬والمصدر‪ :‬ال َف ْكر بالفتح وبابه ن ََصر‪ ،‬قال يعقوب‪( :‬يقال‪ :‬ليس لي يف‬ ‫ِ‬

‫االحنراف الفكري‬
‫هذا األمر َف ْك ٌر‪ ،‬أي‪ :‬ليس لي فيه حاجة‪ ،‬قال‪ :‬والفتح فيه أفصح من الكسر)‪،‬‬
‫الف ْكر‪ ،‬والصورة الذهنية ألمر ما‪ ،‬قال سيبويه‪( :‬وال يجمع ِ‬
‫الف ْكر‪،‬‬ ‫والف ْكرة‪ِ :‬‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫وال العلم‪ ،‬وال النظر)‪ ،‬وقد حكى ابن دريد يف جمعه َأ ْفكار ًا(‪.)1‬‬

‫والمراد بالفكري يف هذه الدراسة‪ :‬الرؤية والصورة الذهنية لتصور‬


‫اإلسالم يف عقل الفرد وتفكيره‪ ،‬سواء كان يف الناحية االعتقادية أو العملية‪.‬‬

‫‪3.3‬الصراط المستقيم‪ :‬قال ابن جرير الطربي‪( :‬أجمعت األمة من‬


‫أهل التأويل جميعًا على أن الصراط المستقيم هو‪ :‬الطريق الواضح الذي ال‬
‫اعوجاج فيه‪ ،‬وكذلك ذلك يف لغة جميع العرب‪ ..‬ثم تستعير العرب الصراط‬
‫المستقيم فتستعمله يف كل قول وعمل وصف باستقامة أو اعوجاج‪ ،‬فتصف‬
‫والمعوج باعوجاجه)(‪ ،)2‬زاد القرطبي والقاسمي‪( :‬وال‬
‫ّ‬ ‫المستقيم باستقامته‪،‬‬
‫انحراف)(‪ ،)3‬وقد ورد يف معنى الصراط المستقيم عدة معاين للسلف متوافقة‬
‫غير متضادة‪ ،‬من ذلك‪ :‬قول علي ابن أبي طالب المراد به كتاب اهلل تعالى‪،‬‬
‫ونقل عن جابر بن عبد اهلل‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وابن مسعود رضي اهلل عنهم وغيرهم‬

‫((( ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬مادة (فكر) (‪ ،)65/5‬ومختار الصحاح‪ ،‬مادة (فكر) (‪،)213/1‬‬
‫والمعجم الوسيط‪ ،‬مادة ( فكر) (‪ ،)698 /1‬ومعجم مقاييس اللغة‪ ،‬مادة ( فكر) (‪.)446/44‬‬
‫((( ينظر‪ :‬جامع البيان (‪.)151/ 1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الجامع ألحكام القرآن (‪ ،)148 /1‬ومحاسن التأويل (‪.)23 0/1‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪19‬‬

‫المراد به اإلسالم‪ ،‬ونقل عن ابن الحنفية محمد بن علي بن أبي طالب‪ :‬هو‬
‫دين اهلل الذي ال يقبل من العباد غيره(‪ ،)1‬قال ابن تيمية‪( :‬والصراط المستقيم قد‬
‫فسر بالقرآن‪ ،‬وباإلسالم‪ ،‬وطريق العبودية‪ ،‬وكل هذا حق‪ ،‬فهو موصوف هبذا‬
‫ّ‬
‫وبغيره‪ ،‬فالقرآن مشتمل على مهمات وأمور دقيقة‪ ،‬ونواهي وأخبار وقصص‬
‫االحنراف الفكري‬

‫وغير ذلك‪ ،‬إن لم يهد اهلل العبد إليها فهو جاهل هبا ضال عنها‪ ،‬وكذلك اإلسالم‬
‫وما اشتمل عليه من المكارم والطاعات والخصال المحمودة‪ ،‬وكذلك العبادة‬
‫وما اشتملت عليه)(‪.)2‬‬

‫والمراد بالصراط المستقيم يف هذه الدراسة هو‪ :‬دين اإلسالم الحق‬


‫المتمثل يف التمسك بكتاب اهلل‪ ،‬واتباع منهاج النبي ‪ ،H‬ومنهاج‬
‫الخلفاء األربعة‪ ،‬وكل عبد صالح التزم طريقهم المستقيم اعتقاد ًا وقو ً‬
‫ال‬
‫وعمالً‪ ،‬ولم ينحرف عن جادة الطريق المستقيم‪ ،‬وهي الكلمة التي تضاد‬
‫االنحراف‪ ،‬ألن اإلنسان يف تدينه إما مستقيم‪ ،‬وإما منحرف‪.‬‬

‫تاسعاً‪ :‬هيكل البحث‬


‫اشتمل هذا البحث على‪ :‬مقدمة‪ ،‬وخمسة مباحث‪ ،‬وخاتمة‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم االنحراف الفكري‪.‬‬

‫المبحث الثاين‪ :‬بداية االنحراف الفكري وتصدي النبي ‪ H‬له‪.‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬النهي عن االنحراف الفكري‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬جامع البيان (‪.)154 - 151/ 1‬‬


‫((( مجموع الفتاوى (‪.)39 / 14‬‬

‫‪19‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬ ‫‪20‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬أسباب االنحراف الفكري‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬عالج االنحراف الفكري‪.‬‬

‫الخاتمة‪ :‬شملت أهم النتائج والتوصيات‪.‬‬

‫االحنراف الفكري‬
‫قائمة المراجع‪.‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪21‬‬

‫املبحث األول‬
‫مفهوم االحنراف الفكري‬
‫االحنراف الفكري‬

‫األصل يف منهج اإلسالم القائم على هدي القرآن الكريم والسنة‬


‫المطهرة االستقامة والوسطية واالعتدال والعدل‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱠ ﱡ‬
‫ﱢ ﱣﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ﴾ [األنعام‪ ،]126‬وقال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬
‫ﱶﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ﴾ [األنعام‪ ،]153:‬وقد جاء عن‬
‫جابر بن عبد اهلل ‪ I‬قال‪ُ « :‬كنَّا ِعنْدَ النَّبِ ِّي ‪َ H‬ف َخ َّط َخ ًّطا‪َ ،‬و َخ َّط‬
‫ار ِه‪ُ ،‬ثم و َضع يدَ ه فِي ا ْل َخ ِّط األَوس ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ط‬ ‫ْ َ‬ ‫َخ َّط ْي ِن َع ْن َيمينه‪َ ،‬و َخ َّط َخ َّط ْي ِن َع ْن َي َس ِ َّ َ َ َ ُ‬
‫يل اهَّلل)‪ُ ،‬ث َّم َتال َه ِذ ِه ْال َي َة ﴿ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ‬ ‫(ه َذا َسبِ ُ‬
‫َف َق َال‪َ :‬‬
‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ﴾»(‪ ،)1‬وجاء يف رواية أحمد يف المسند‬
‫ول اهَّلل ‪َ H‬خ ًّطا بِ َي ِد ِه‬ ‫«خ َّط َر ُس ُ‬ ‫عن أبي وائل عن عبد اهلل ‪ I‬قال‪َ :‬‬
‫ُث َّم َقال‪﴿ :‬ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ﴾ ‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ث َّم َخ َّط َع ْن َي ِمين ِ ِه َو ِش َمال ِ ِه ُث َّم‬
‫ان َيدْ ُعو إِ َل ْي ِه) ُث َّم َق َر َأ‪﴿ :‬ﱪ‬ ‫الس ُب ُل َو َل ْي َس مِن َْها َسبِ ٌيل إِال َع َل ْي ِه َش ْي َط ٌ‬ ‫َق َال‪ِ ِ َ :‬‬
‫(هذه ُّ‬
‫ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲ﴾»(‪ ،)2‬فهذا الشرح النبوي‬

‫((( أخرجه ابن ماجه يف مقدمة السنن‪ ،‬حديث رقم‪ )11( :‬وغيره‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح‬
‫سنن ابن ماجه (‪.)11( )83/1‬‬
‫((( أخرجه أحمد يف مسنده‪ ،‬حديث رقم‪ ،)4205( :‬والحاكم يف مستدركه‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ 22‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫الكريم يوضح منهج اإلسالم يف كل ّياته‪ ،‬بأنَّه قائم على االستقامة‪ ،‬واالعتدال‪،‬‬
‫والتوسط‪ ،‬والعدل‪ ،‬ويهدي للتي هي أقوم كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱏ ﱐ ﱑ‬
‫ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ﴾ [اإلسراء‪ ،]9:‬فهنالك فرق بين اإلسالم ومبادئه القائمة‬
‫على العدل واالستقامة‪ ،‬وبين من ينتمون إليه وينحرفون عنه‪ ،‬ومن هنا فإنَّه ال‬

‫االحنراف الفكري‬
‫ينبغي أن يحكم على اإلسالم من خالل سلوك بعض أتباعه‪ ،‬وقد ّفرق اهلل يف‬
‫كتابه بين الدين والتد ّين فقال تعالى‪﴿ :‬ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ‬
‫ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ﴾ [التكوير‪ ،]29 -28 :‬فالدين مستقيم‪ ،‬وتد ّين‬
‫الناس به يختلف على حسب استقامتهم عليه أو انحرافهم عنه؛ ولهذا فإن ما‬
‫يصدر من بعض األفراد من سلوك منحرف ال يجوز نسبته لإلسالم كما يريد‬
‫أعداء الدين؛ ليصدوا الناس عنه‪َّ ،‬‬
‫فإن النّاس يف تمسكهم باإلسالم‪ ،‬وسيرهم‬
‫ٍ‬
‫وغال فيه‪ ،‬وجاف عنه‪ ،‬فالغالي متجاوز‪،‬‬ ‫فيه على ثالثة أقسام‪ :‬مستقيم عليه‪،‬‬
‫والجايف مفرط‪ ،‬وكالهما منحرف وعاص‪ ،‬قال ابن ق ِّيم الجوزية‪( :‬وكال طريف‬
‫قصد األمور ذميم‪ ،‬وخير األمور أوسطها‪ ،‬واألخالق الفاضلة كلها وسط بين‬
‫ٍ‬
‫إفراط وتفريط‪ ،‬وكذلك الدين المستقيم وسط بين انحرافين‪ ،‬وكذلك‬ ‫طريف‬
‫السنة وسط بين بدعتين)(‪ ،)1‬وكل من فارق الحق فهو منحرف عنه إما إلى‬
‫إفراط‪ ،‬وإما إلى تفريط‪ ،‬وكالهما جائر عن الحق‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﱜ ﱝ‬
‫ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ﴾ [النحل‪ ،]9 :‬قال‬
‫أبو السعود‪﴿( :‬ﱜ ﱝﱞ ﱟ﴾ القصد مصدر بمعنى الفاعل‪ ،‬يقال‪:‬‬

‫(‪ ،)2938‬وقال‪ :‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي‪ ،‬وصححه األلباين يف التعليقات‬
‫الحسان (‪.)6( )46/1‬‬
‫((( روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص‪.)145 :‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪23‬‬
‫ِ‬
‫وقاصد‪ ،‬أي‪ :‬مستقيم‪ ..‬أي‪ :‬حق عليه سبحانه وتعالى بموجب‬ ‫سبيل َق ْصد‬
‫رحمته ووعده المحتوم؛ بيان الطريق المستقيم الموصل لمن يسلكه إلى‬
‫الحق‪ ..‬وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱠ ﱡ﴾ أي‪ :‬مائل عن الحق منحرف عنه ال‬
‫يوصل سالكه إليه‪ ،‬وهو طرق الضالل التي ال يكاد يحصى عددها المندرج‬
‫االحنراف الفكري‬

‫كلها تحت الجائر)(‪ ،)1‬والمعتدل المستقيم عليه فائز ناجٍ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱁ‬
‫ﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱍ‬
‫ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ﴾ [فصلت‪ ،]30:‬وبقدر استقامة‬
‫الفرد والجماعة المسلمة على اإلسالم تتحقق سعادهتم يف الدارين‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ﴾ [الجن‪ ،]16:‬وأمنهم‬
‫يف الحالين قال تعالى‪﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ‬
‫ﱊ ﱋ﴾ [األنعام‪ ،]82:‬قال الشيخ السعدي‪( :‬األمن من المخاوف‬
‫والعذاب والشقاء بالهداية إلى الصراط المستقيم)(‪ ،)2‬فكلما انحرف اإلنسان‬
‫عن الصراط المستقيم؛ قرب من المخاوف والشقاء والعذاب بقدر انحرافه‪.‬‬

‫وقد اعتنى الباحث يف هذه الدراسة بالمنحرفين انحرافًا فكريًا سببه‬


‫التشدد‪ ،‬وهم الغالة الذين يتجاوزون حدود ما شرع اهلل‪ ،‬ظنًا منهم أن ذلك‬
‫يقرهبم إلى اهلل‪ ،‬أو لمقاصد أخرى‪ ،‬وذلك ألن أغلب األدلة التي جاءت يف‬
‫الكتاب والسنة تحدثت عنه‪ ،‬وكذلك لخطر هذا النوع من االنحراف؛ ّ‬
‫ألن‬
‫صاحبه يزعم أنّه على الحق وغيره على الباطل‪ ،‬ويسعى أن يحمل الناس على‬

‫((( تفسير أبي السعود (‪.)99 - 98/5‬‬


‫((( تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان (ص‪.)263 :‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ 24‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫المعوج باللسان والسنان‪ ،‬وأن سمتهم التد ّين واإلخالص له حتى‬


‫ّ‬ ‫منهجه‬
‫يحقر الواحد صالته إلى صالهتم‪ ،‬وصيامه إلى صيامهم‪ ،‬وقراءته إلى قراءهتم‬
‫فينخدع هبم كل من لم يعرفهم‪.‬‬

‫ومما يع ّظم شر هذا النوع من االنحراف أنّه يوصل أصحابه إلى قتل‬

‫االحنراف الفكري‬
‫أهل اإلسالم‪ ،‬وتفريق كلمتهم‪ ،‬وزعزعة أمنهم‪ ،‬وتبديد جهودهم‪ ،‬ويكفي‬
‫أن النبي ‪ H‬شرع قتالهم وقتلهم‪ ،‬فقال‪َ ( :‬ف َأ ْين ََما‬ ‫يف إدراك خطرهم ّ‬
‫وه ْم‪َ ،‬فإِ َّن فِي َقتْلِ ِه ْم َأ ْج ًرا ل ِ َم ْن َق َت َل ُه ْم َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة)(‪َّ ،)1‬‬
‫وأن‬ ‫َل ِقيت ُُم ُ‬
‫وه ْم َفا ْق ُت ُل ُ‬
‫شق‬
‫وقائع التاريخ تسجل خطرهم وأضرارهم على األمة؛ فهم أول من ّ‬
‫عصا الطاعة على الجماعة المسلمة يف الصدر األول‪ ،‬واستحل دماءهم‪،‬‬
‫وقتلوا خيارهم المبشرين بالجنة‪ :‬الخليفة الراشد عثمان وعلي بن أبي طالب‬
‫‪ ،L‬وغيرهما من أخيار أصحاب نبينا محمد ‪ ،H‬والرد على‬
‫يفرق الناس بين التد ّين‬
‫هذه الطوائف المنحرفة لتأكيد مبدأ االستقامة؛ حتى ّ‬
‫المستقيم القائم على أخذ الدين بقوة‪ ،‬والتمسك هبداه بصدق وجد‪ ،‬كما‬
‫أنزله اهلل تعالى‪ ،‬وبين المتشدد فيه‪ ،‬المجاوز حدود ما شرع اهلل لنا‪ ،‬فاهلل أمر‬
‫بالتمسك به‪ ،‬وهنى عن الغلو والتشدد فيه كما قال تعالى‪﴿ :‬ﲛ ﲜ‬
‫ﲝ ﲞﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ﴾ الزخرف‪.]43 :‬‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم‪ ،‬باب قتل الخوارج‬
‫والملحدين بعد إقامة الحجة‪ ،‬حديث رقم‪ ،)6418( :‬ومسلم يف كتاب الزكاة‪ ،‬باب التحريض‬
‫على قتل الخوارج‪ ،‬حديث رقم‪.)1771( :‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪25‬‬

‫واالنحراف الفكري يف الدين يف مفهومه العام قد يكون كامالً يمرق‬


‫بسببه الفرد عن الدين كما يف بعض األمور التي تتعلق باالعتقاد‪ ،‬وقد يكون‬
‫انحرافًا جزئيًا من خالل إلزام النفس بما لم يلزمها به الشرع‪ ،‬أو تحريم بعض‬
‫الط ّيبات ونحو ذلك‪ ،‬وهذا صوره كثيرة‪ ،‬وهو بداية لالنحراف الكبير إن لم‬
‫االحنراف الفكري‬

‫يجد من يتداركه‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ 26‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫املبحث الثاني‬
‫بداية االحنراف الفكري وتصدي‬
‫النيب ‪ H‬له‬

‫االحنراف الفكري‬
‫مما ينبغي أن يعلم ّ‬
‫أن االنحراف الفكري الذي سببه الغلو والتشدد‬
‫والتنطع‪ ،‬ومجاوزة الحد الذي شرعه اهلل لعباده يف المعتقد‪ ،‬أو يف أنواع‬
‫العبادات ومقاديرها‪ ،‬أو يف أي جانب من التشريع ليس بجديد‪ ،‬وإنّما ذلك‬
‫قديم موجود يف األمم السابقة‪ ،‬وعلى مر الدهور الغابرة‪ ،‬ومنذ فجر اإلسالم‬
‫األول‪ ،‬وكان النبي ‪ H‬أول من وقف يف وجهه‪ ،‬وتصدى له من هذه‬
‫األمة‪ّ ،‬‬
‫وحذر من عواقبه‪ ،‬ووضع األسس والقواعد الكفيلة بعالجه‪ ،‬فهو أعلم‬
‫الخ ْلق به‪ ،‬وبخطره على تد ّين الفرد والجماعة‪ ،‬وأقدر الناس على وضع‬
‫المعالجات الكفيلة بدحره (فهو فوق كل أحد يف العلم والقدرة واإلرادة‪،‬‬
‫وهذه الثالثة يتم هبا المقصود‪ ،‬ومن سوى الرسول ‪H‬؛ إما أن يكون‬
‫يف علمه هبا نقص أو فساد‪ ،‬وإما أن ال يكون له إرادة فيما علمه من ذلك‪،‬‬
‫فلم يب ّينه إما لرغبة‪ ،‬وإما لرهبة‪ ،‬وإما لغرض آخر‪ ،‬وإما أن يكون بيانه ناقصًا‬
‫ليس بيانه البيان عما عرفه الجنان)(‪ ،)1‬وكل األدلة التي سوف نوردها يف هذا‬
‫البحث تؤكد هذه الحقائق التي ذكرناها يف تصدي النبي ‪ H‬له؛‬
‫ووضع العالج الشايف يف معالجته قبل ظهوره وعند ظهوره‪ ،‬سواء كان انحرفًا‬

‫((( مجموع الفتاوى (‪.)137 - 136/13‬‬


‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪27‬‬

‫كبير ًا كانحراف الخوارج‪ ،‬أو انحرافًا يسير ًا دافعه الحرص على الخير‪ ،‬والزيادة‬
‫يف العبادة فوق المشروع والمطاق‪ ،‬كما سوف نعرف ذلك من خالل األدلة التي‬
‫سوف ترد يف ثنايا هذا البحث‪ ،‬ومن هنا كان العالج المناسب لهذا االنحراف من‬
‫وضحه اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬لنا يف كتابه‪ ،‬وأبرزه النبي‬
‫خالل تلمس الهدي الرباين الذي ّ‬
‫االحنراف الفكري‬

‫‪ H‬يف سنته‪ ،‬وهي أدلة كافية وشافية إذا اهتدت األمة هبا يف مناهجها‬
‫الرتبوية‪ ،‬وبرامجها الدعوية‪ ،‬والبحث عن معالجات لهذه الظاهرة خارج إطار‬
‫المنهج القرآين والهدي النبوي‪ ،‬كالباحث عن الماء من خالل السراب‪.‬‬

‫وكذلك نجد أن هذا النوع من االنحراف تأثيره يختلف من وقت آلخر‪،‬‬


‫وهو ينتشر يف آخر الزمان أكثر من أوله‪ ،‬ويف وسط الشباب أكثر من غيرهم‪،‬‬
‫كما جاء يف حديث سويد بن غفلة قال علي ‪ :I‬إذا حدثتكم عن رسول‬
‫اهلل ‪ H‬حديثا فو اهلل ألن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب‬
‫عليه‪ ،‬وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة‪ ،‬وإين سمعت رسول‬
‫اث ْالَسن ِ‬ ‫الزم ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َان‪ُ ،‬س َف َها ُء‬ ‫ْ‬ ‫ان َأ ْحدَ ُ‬ ‫(س َي ْخ ُر ُج َق ْو ٌم في آخ ِر َّ َ‬ ‫اهلل ‪ H‬يقول‪َ :‬‬
‫ون مِ ْن‬ ‫او ُز إِيمان ُُهم َحن ِ‬
‫َاج َر ُه ْم‪َ ،‬ي ْم ُر ُق َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون م ْن َخ ْي ِر َق ْول ا ْل َب ِر َّية ال ُي َج ِ َ ْ‬
‫ْالَح َل ِم‪ ،‬ي ُقو ُل َ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫وه ْم َفإِ َّن فِي َقتْلِ ِه ْم‬ ‫الرمِ َّي ِة‪َ ،‬ف َأ ْين ََما َل ِقيت ُُم ُ‬
‫وه ْم َفا ْق ُت ُل ُ‬ ‫ِ‬
‫الس ْه ُم م ْن َّ‬ ‫ين ك ََما َي ْم ُر ُق َّ‬ ‫الدِّ ِ‬
‫َأ ْج ًرا ل ِ َم ْن َق َت َل ُه ْم َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة)(‪.)1‬‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم‪ ،‬باب قتل الخوارج‬
‫والملحدين بعد إقامة الحجة‪ ،‬حديث رقم‪ ،)6418( :‬ومسلم يف كتاب الزكاة‪ ،‬باب التحريض‬
‫على قتل الخوارج‪ ،‬حديث رقم‪.)1771( :‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ 28‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫املبحث الثالث‬
‫النهي عن االحنراف الفكري‬

‫االحنراف الفكري‬
‫تضافرت األدلة الكثيرة يف الكتاب والسنة يف النهي عن االنحراف‬
‫الفكري‪ ،‬وبيان ضالله‪ ،‬وخطره‪ ،‬وفقه التعامل معه‪ ،‬نذكر هنا بعضها‪ ،‬ويرد‬
‫كثير منها بإذن اهلل يف أثناء البحث‪ ،‬وقد جاء التحذير من االنحراف الفكري يف‬
‫القرآن الكريم والسنة المطهرة بأساليب متنوعة من ذلك‪:‬‬

‫‪ -١‬األمر بلزوم االستقامة وبيان عاقبتها‪:‬‬


‫قال تعالى‪﴿ :‬ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬

‫ﲅ﴾ [هود‪ ،]112:‬قال ابن عاشور‪( :‬االستقامة هي العمل بكمال الشريعة؛‬


‫بحيث ال ينحرف عنها قيد شرب)(‪ ،)1‬فيجب االعتدال على المنهج القويم دون‬
‫انحراف‪ ،‬ولما كان الزيادة والطغيان عن االستقامة هي األخطر جاء النهي‬
‫والتحذير منها دون ذكر القصور والتفريط‪ ،‬فاهلل تعالى يريد من عباده أن يستقيموا‬
‫على دينه كما أمرهم دون إفراط أو تفريط‪ ،‬فاإلفراط والتفريط كالهما مناقض‬
‫لمنهج هذا الدين القويم‪ ،‬وقال تعالى يف بيان عاقبة االستقامة‪﴿ :‬ﳓ ﳔ‬

‫ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ﴾ [األحقاف‪،]13:‬‬
‫�‬

‫((( تفسير التحرير والتنوير (‪.)175/6‬‬


‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪29‬‬

‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ﴾ [الجن‪.]16:‬‬

‫‪ -٢‬التحذير من تعدي حدود اهلل وبيان عاقبته‪:‬‬


‫قال تعالى محذر ًا من تعدي حدوده وآمر ًا بلزومها‪﴿ :‬ﱛ ﱜ ﱝﱞ‬
‫االحنراف الفكري‬

‫ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ﴾ [الطالق‪ ،]1:‬قال القرطبي‪﴿( :‬ﱛ‬


‫ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ﴾ أي‪ :‬هذه األحكام التي ب ّينها أحكام اهلل على‬
‫العباد‪ ،‬وقد منع التجاوز عنها‪ ،‬فمن تجاوز فقد ظلم نفسه وأوردها مورد‬
‫الهالك)(‪ ،)1‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ‬
‫ﳇ ﳈ﴾ [البقرة‪ ،]229:‬قال أبو حيان األندلسي يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﳂ ﳃ‬
‫ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ﴾‪( :‬لما هنى عن اعتداء الحدود‪ ،‬وهو تجاوزها‪،‬‬
‫وكان ذلك خطابًا لمن سبق له الخطاب قبل ذلك‪ ،‬أتى هبذه الجملة الشرطية‬
‫الشاملة لكل فرد ممن يتعدّ ى الحدود‪ ،‬وحكم عليهم أهنم ظالمون‪ ،‬والظلم‪:‬‬
‫هو وضع الشيء يف غير موضعه‪ ،‬فشمل بذلك المخاطبين)(‪ ،)2‬وقد ب ّين النبي‬
‫‪ H‬عواقب االنحراف الفكري بيانًا شافيًا من عدة جوانب‪ ،‬من ذلك‪:‬‬

‫أ‪ -‬المروق من الدين‪ :‬عن أبي سعيد الخدري ‪ I‬قال‪َ :‬ب َع َث َعلِ ُّي‬
‫ول اهَّللِ ‪ H‬مِ ْن ا ْل َي َم ِن بِ ُذ َه ْي َب ٍة(‪ )3‬فِي َأ ِد ٍ‬
‫يم‬ ‫ْب ُن َأبِي َطال ِ ٍ‬
‫ب ‪ I‬إِ َلى رس ِ‬
‫َ ُ‬

‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪.)390/9‬‬


‫((( تفسير البحر المحيط (‪.)319/2‬‬
‫((( تصغير ذهبة‪ ،‬فتح الباري (‪.)85/ 8‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ 30‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫َم ْق ُروظ(‪َ )1‬ل ْم ُت َح َّص ْل مِ ْن ُت َرابِ َها(‪َ ،)2‬ق َال‪َ :‬ف َق َس َم َها َب ْي َن َأ ْر َب َع ِة َن َفر‪َ ،‬ب ْي َن ُع َي ْينَ َة ْب ِن‬
‫الرابِ ُع إِ َّما َع ْل َق َم ُة َوإِ َّما َعامِ ُر ْب ُن ال ُّط َف ْيلِ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َبدْ ٍر‪َ ،‬و َأ ْق َر َع ْب ِن حابِس ‪َ ،‬و َز ْيد ا ْل َخ ْيلِ‪َ ،‬و َّ‬
‫َف َق َال َر ُج ٌل مِ ْن َأ ْص َحابِ ِه(‪ُ :)3‬كنَّا ن َْح ُن َأ َح َّق بِ َه َذا مِ ْن َهؤالء‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َب َل َغ َذل ِ َك النَّبِ َّي‬
‫اء‪ ،‬ي ْأتِينِي َخبر السم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء‬ ‫َ ُ َّ َ‬ ‫الس َم َ‬ ‫‪َ H‬ف َق َال‪َ ( :‬أال َت ْأ َمنُوني َو َأنَا َأمي ُن َم ْن في َّ‬

‫االحنراف الفكري‬
‫ِ (‪)6‬‬
‫ف ا ْل َو ْجنَ َت ْي ِن (‪ ،)5‬نَاش ُز‬ ‫احا َو َم َسا ًء)‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ف َقا َم َر ُج ٌل َغائِ ُر ا ْل َع ْينَ ْي ِن(‪ُ ،)4‬م ْش ِر ُ‬
‫َص َب ً‬
‫ول اهَّللِ‬ ‫اإل َز ِار(‪َ ،)7‬ف َق َال‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫س‪ ،‬م َشمر ِ‬ ‫َث ال ِّل ْح َي ِة‪َ ،‬م ْح ُل ُ‬
‫ا ْل َج ْب َه ِة‪ ،‬ك ُّ‬
‫الر ْأ ِ ُ َّ ُ‬ ‫وق َّ‬
‫ِ‬
‫ض َأ ْن َيتَّق َي َ‬
‫اهَّلل)‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ث َّم َو َّلى‬ ‫(و ْي َل َك َأ َو َل ْس ُت َأ َح َّق َأ ْه ِل األَ ْر ِ‬ ‫ا َّت ِق َ‬
‫اهَّلل‪َ ،‬قال‪َ :‬‬
‫ول اهَّللِ َأال َأ ْض ِر ُب ُعنُ َقه‪َ ،‬ق َال‪( :‬ال َل َع َّل ُه َأ ْن‬ ‫الر ُج ُل‪َ ،‬ق َال َخالِدُ ْب ُن ا ْل َولِيد‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َّ‬
‫ول بِلِ َسانِ ِه َما َل ْي َس فِي َق ْلبِ ِه‪َ ،‬ق َال‬
‫ون ُي َص ِّلي)‪َ ،‬ف َق َال َخالِدٌ ‪َ :‬وك َْم مِ ْن ُم َص ٍّل َي ُق ُ‬ ‫َي ُك َ‬
‫رس ُ ِ‬
‫َّاس‪َ ،‬وال َأ ُش َّق‬ ‫وب الن ِ‬ ‫ب(‪َ )8‬ع ْن ُق ُل ِ‬ ‫ول اهَّلل ‪( H‬إِنِّي َل ْم ُأو َم ْر َأ ْن َأ ْن ُق َ‬ ‫َ ُ‬
‫ف َف َق َال‪( :‬إِ َّن ُه َي ْخ ُر ُج مِ ْن ِض ْئ ِض ِئ(‪َ )9‬ه َذا‬ ‫ُب ُطون َُه ْم)‪َ ،‬ق َال‪ُ :‬ث َّم َن َظ َر إِ َل ْي ِه َو ُه َو ُم َق ٍّ‬

‫((( أي‪ :‬مدبوغ بنبات ال َق َرظ‪ ،‬فتح الباري (‪.)85/ 8‬‬


‫((( أي‪ :‬لم تخلص من تراب المعدن‪ ،‬فكأهنا كانت تِ ْبرا‪ ،‬فتح الباري (‪.)85/ 8‬‬
‫((( يف رواية سعيد بن مسروق‪( :‬فغضبت قريش واألنصار‪ ،‬وقالوا‪ :‬يعطي صناديد أهل نجد‬
‫ويدعنا‪ ،‬فقال‪ :‬إنّما أتأ ّلفهم)‪ ،‬فتح الباري ( ‪.)86/8‬‬
‫((( عيناه داخلتان يف موضعيهما‪ ،‬وهو ضد الجحوظ‪ ،‬فتح الباري (‪.)86/ 8‬‬
‫((( مشرف‪ :‬بارز‪ ،‬والوجنتان‪ :‬العظمات المشرفتان على الخدين‪ ،‬فتح الباري (‪.)86/ 8‬‬
‫((( ناشز‪ :‬أي مرتفعها‪ ،‬فتح الباري (‪.)86/8‬‬
‫((( والرجل هو‪ :‬ذو الخويصرة التميمي‪ ،‬فتح الباري (‪.)86/ 8‬‬
‫((( أي‪ :‬أفتش فيها‪ ،‬فتح الباري (‪.)87/8‬‬
‫((( أي‪ :‬عقبه ونسله‪ ،‬فتح الباري (‪.)87/8‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪31‬‬
‫ون مِ ْن الدِّ ِ‬
‫ين(‪ )1‬ك ََما َي ْم ُر ُق‬ ‫َاج َر ُه ْم؛ َي ْم ُر ُق َ‬ ‫او ُز َحن ِ‬ ‫َاب اهَّللِ َر ْط ًبا ال ُي َج ِ‬ ‫َقوم ي ْت ُل َ ِ‬
‫ون كت َ‬ ‫ْ ٌ َ‬
‫الرمِ َّي ِة‪َ ،‬و َأ ُظنُّ ُه َق َال‪َ :‬لئِ ْن َأ ْد َر ْكت ُُه ْم َلَ ْق ُت َلن َُّه ْم َقت َْل َث ُمو َد)(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫الس ْه ُم م ْن َّ‬
‫َّ‬
‫ب ‪ -‬عدم االستمرار على الهداية‪ :‬عن أبي هريرة ‪ I‬عن النبي‬
‫‪ H‬قال‪( :‬إِ َّن الدِّ ي َن ُي ْس ٌر‪َ ،‬و َل ْن ُي َشا َّد الدِّ ي َن َأ َحدٌ إال َغ َل َبه‪َ ،‬ف َسدِّ ُدوا(‪،)3‬‬
‫االحنراف الفكري‬

‫الر ْو َح ِة(‪َ ،)6‬و َش ْي ٍء مِ ْن الدُّ ْل َج ِة(‪،)8())7‬‬ ‫ِ(‪)5‬‬ ‫اربوا(‪ ،)4‬و َأب ِشروا‪ ،‬و ِ‬
‫استَعينُوا بِا ْل َغدْ َوة ‪َ ،‬و َّ‬ ‫َ ْ ُ َ ْ‬ ‫َو َق ِ ُ‬
‫الر ْفق إِال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال ابن حجر‪( :‬ا ْل َم ْعنَى ال َي َت َع َّمق َأ َحد في األَ ْع َمال الدِّ ين َّية َو َيت ُْرك ِّ‬
‫َع َج َز َوا ْن َق َط َع َف ُي ْغ َلب)(‪ ،)9‬وقد رأينا ورأى الناس عواقب الغلو والتشدد‪ ،‬من‬
‫ترك االلتزام‪ ،‬وعدم الثبات على الحق‪ ،‬وهذه من دالئل النبوة المشاهدة على‬
‫مر العصور‪.‬‬

‫ورجح ابن حجر العسقالين اإلسالم‪ ،‬أي‪:‬‬


‫وفسر سعيد بن مسروق الدين‪ :‬بطاعة اإلمام‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫((( ‬
‫اإلسالم الكامل‪ ،‬كما صح بذلك حديث مسلم‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الباري (‪.)87/8‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه كتاب المغازي‪ ،‬باب بعث علي بن أبي طالب عليه السالم خالد‪،‬‬
‫حديث رقم‪ ،)4004( :‬ومسلم يف كتاب الزكاة‪ ،‬باب ذكر الخوارج وصفاهتم‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪.)1763‬‬
‫((( أي‪ :‬اقصدوا السداد‪ ،‬أي‪ :‬الصواب‪ ،‬فتح الباري (‪.)359/13‬‬
‫تفرطوا فتجهدوا أنفسكم يف العبادة لئال يفضي ذلك إلى‬
‫((( اقرتبوا من السداد والصواب‪ ،‬وال ّ‬
‫فتفرطوا‪ ،‬فتح الباري (‪.)359/13‬‬
‫المالل فترتكوا العمل ّ‬
‫((( ال َغدْ َوة‪ :‬السير من أول النهار‪ ،‬فتح الباري (‪.)360/13‬‬
‫الر ْو َحة‪ :‬السير من أول النصف الثاين من النهار‪ ،‬فتح الباري (‪.)360/13‬‬
‫((( َّ‬
‫((( الدُّ ْل َجة‪ :‬سير ساعة من الليل‪ ،‬وهو إشارة إلى الرفق يف العبادة‪ ،‬فتح الباري (‪.)360/13‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬حديث رقم‪ )5982( :‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم يف‬
‫كتاب صفة القيامة والجنة والنار‪ ،‬باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة اهلل تعالى‪ ،‬حديث‬
‫رقم‪.)2818( :‬‬
‫((( فتح الباري (‪.)359/11‬‬

‫‪31‬‬
‫‪ 32‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ج‪ -‬قتل أهل اإلسالم‪ :‬وقد جاء يف أحد روايات الحديث‪ ،‬فقال‪َ :‬يا‬
‫اهَّلل إِ َذا َع َص ْي ُت ُه‪َ ،‬ف َي ْأ َمنُنِي‬
‫يع َ‬
‫ِ‬
‫اهَّلل‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ‪َ ( :H‬ف َم ْن ُيط ُ‬ ‫ُم َح َّمدُ ا َّت ِق َ‬
‫ض وال َت ْأمنُونِي‪َ ،‬فس َأ َل رج ٌل مِن ا ْل َقو ِم َق ْت َله؛ ُأراه َخالِدَ بن ا ْلول ِ ِ‬
‫يد‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ُ َ ُ‬ ‫ْ ْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َع َلى َأ ْه ِل ْالَ ْر ِ َ‬
‫َف َمنَ َع ُه النَّبِ ُّي ‪َ ،H‬ف َل َّما َو َّلى َق َال النَّبِ ُّي ‪( :H‬إِ َّن مِ ْن ِض ْئ ِض ِئ‬

‫االحنراف الفكري‬
‫وق‬ ‫ال ْس َل ِم ُم ُر َ‬ ‫ون مِ ْن ْ ِ‬ ‫او ُز َحن ِ‬
‫َاج َر ُه ْم‪َ ،‬ي ْم ُر ُق َ‬ ‫آن ال ُي َج ِ‬ ‫ون ا ْل ُق ْر َ‬
‫َه َذا َق ْو ًما َي ْق َر ُؤ َ‬
‫ان‪َ ،‬لئِ ْن َأ ْد َر ْكت ُُه ْم‬ ‫ون َأ ْه َل ْالَو َث ِ‬
‫ْ‬ ‫الرمِ َّي ِة‪َ ،‬ي ْق ُت ُل َ‬
‫ون َأ ْه َل ْ ِ‬
‫ال ْسال ِم َو َيدَ ُع َ‬ ‫ِ‬
‫الس ْه ِم م ْن َّ‬ ‫َّ‬
‫اد)(‪ ،)1‬وما األحداث التي نشاهدها ونسمعها من وقت آلخر‬ ‫َلَ ْق ُت َلنَّهم َقت َْل َع ٍ‬
‫ُ ْ‬
‫يف ديار المسلمين إال هي تصديق لهذا‪.‬‬

‫د ‪ -‬الهلاك‪ :‬عـن األحنـف بـن قيـس عـن عبـد اهلل قـال‪ :‬قـال رسـول‬
‫ـون‪َ ،‬قا َل َهـا َثال ًثـا)(‪ ،)2‬قـال اإلمـام النـووي‪:‬‬
‫ـك ا ْل ُم َتنَ ِّط ُع َ‬
‫(ه َل َ‬
‫اهلل ‪َ :H‬‬
‫المجـاوزون الحـدود يف أقوالهـم‬
‫المغالـون ُ‬
‫المتعمقـون‪ُ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫(المتن ِّطعـون‪:‬‬
‫وأفعالهـم) (‪.)3‬‬

‫هـ‪ -‬تنفير الناس عن الدين‪ :‬عن أبي مسعود ‪ I‬قال‪َ :‬جا َء َر ُج ٌل إِ َلى‬
‫الن مِ َّما‬ ‫ول اهَّللِ ‪َ H‬ف َق َال‪ :‬إِنِّي َلَ َت َأ َّخر َعن ص ِ‬
‫الة الصبحِ مِن َأج ِل ُف ٍ‬ ‫رس ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫ُ ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫يطِ ُيل بِنَا‪َ ،‬فما ر َأي ُت النَّبِي ‪َ H‬غ ِض ِ‬
‫ب في َم ْوع َظة َق ُّط َأ َشدَّ م َّما َغض َ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُ‬

‫(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب التوحيد‪ ،‬باب قول اهلل تعالى‪( :‬تعرج المالئكة والروح‬
‫إليه)‪ ،‬حديث رقم‪ ،)6880( :‬ومسلم يف كتاب الزكاة‪ ،‬باب ذكر الخوارج وصفاهتم‪ ،‬حديث‬
‫رقم‪.)1762( :‬‬
‫(( ( أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب ذكر (هلك المتنطعون‪ ،)..‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪.)4823‬‬
‫((( صحيح مسلم بشرح النووي (‪.)220/16‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪33‬‬
‫َّاس َف ْل ُي ِ‬
‫وج ْز‪َ ،‬فإِ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫َّاس إِ َّن منْ ُك ْم ُمنَ ِّف ِري َن‪َ ،‬ف َأ ُّي ُك ْم َأ َّم الن َ‬
‫َي ْو َمئذ‪َ ،‬ف َق َال‪َ ( :‬يا َأ ُّي َها الن ُ‬
‫اج ِة)(‪ ،)1‬وذلك ألن التكلف والتنطع من‬ ‫الض ِع َ‬
‫يف‪َ ،‬و َذا ا ْل َح َ‬ ‫مِ ْن َو َرائِ ِه ا ْل َكبِ َير‪َ ،‬و َّ‬
‫األمور التي تكرهها النفوس‪.‬‬

‫و‪ -‬تضييع الحقوق األخرى‪ :‬وعن الزهري عن عروة قال‪َ :‬د َخ َل ْت ا ْم َر َأ ُة‬
‫االحنراف الفكري‬

‫يم َع َلى َعائِ َش َة ‪َ J‬و ِه َي‬ ‫اس َم َها َخ ْو َل َة بِن َْت َحكِ ٍ‬
‫ب ْ‬
‫ٍ ِ‬
‫ان ْب ِن َم ْظ ُعون َأ ْحس ُ‬ ‫ُع ْث َم َ‬
‫ُك؟‪َ ،‬ف َقا َل ْت‪َ :‬ز ْو ِجي َي ُقو ُم ال َّل ْي َل‪َ ،‬و َي ُصو ُم الن ََّه َار‪،‬‬ ‫با َّذ ُة ا ْلهي َئ ِة‪َ ،‬فس َأ ْلتُها ما َش ْأن ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫ول اهَّلل ‪H‬‬
‫َفدَ َخ َل النَّبِي ‪َ H‬ف َذكَر ْت عائِ َش ُة َذل ِ َك َله َف َل ِقي رس ُ ِ‬
‫ُ َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُّ‬
‫ان إِ َّن الرهبانِي َة َلم ُت ْكتَب ع َلينَا َأ َفما َل َك فِي ُأسوةٌ‪َ ،‬فواهَّللِ‬ ‫ان َف َق َال‪َ ( :‬يا ُع ْث َم ُ‬
‫ُع ْث َم َ‬
‫َّ ْ َ َ‬ ‫ْ َ ْ َ‬ ‫َّ ْ َ َّ ْ‬
‫ود ِه)(‪.)2‬‬ ‫إِنِّي َأ ْخ َشاكُم ل ِ َّل ِه‪ ،‬و َأح َف ُظ ُكم لِحدُ ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬

‫‪ -٣‬بيان أن الدين احلق التزام ما شرعه اهلل‪ ،‬وجتاوزه اعتداء‪:‬‬


‫قال تعالى‪﴿ :‬ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ﴾‬
‫[الشورى‪ ،]21:‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‬
‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ﴾ [المائدة‪ ،] 87:‬قال‬
‫الشوكاين يف تفسير هذه اآلية‪( :‬فثبت أنه ال فضل يف ترك شيء مما أحله اهلل‬
‫لعباده‪ ،‬وأن الفضل والرب إنَّما هو يف فعل ما ندب اهلل عباده إليه‪ ،‬وعمل به‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه كتاب األذان‪ ،‬باب تخفيف اإلمام يف القيام وإتمام الركوع‪،‬‬
‫حديث رقم‪ ،)661( :‬ومسلم يف كتاب الصالة‪ ،‬باب أمر األئمة بتخفيف الصالة يف تمام‪،‬‬
‫حديث رقم‪.)1763( :‬‬
‫((( أخرجه أحمد يف المسند‪ ،‬حديث رقم‪ ،)24706( :‬وقال صاحب الفتح الرباين‪ :‬رواه البزار‬
‫بإسناد رجاله ثقات (‪ ،)233/16‬وصححه األلباين يف السلسلة الصحيحة (‪)387/4‬‬
‫(‪.)1782‬‬

‫‪33‬‬
‫‪ 34‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫رسول اهلل ‪ ،H‬واتبعه على منهاجه األئمة الراشدون‪﴿ ..‬ﱷ ﱸ ﱹ‬


‫ﱺ ﱻ﴾ تعليل لما قبله‪ ،‬وظاهر أن تحريم كل اعتداء‪ ،‬أي مجاوزة‬
‫لما شرعه اهلل يف ِّ‬
‫كل أمر من األمور)(‪ ،)1‬وقد ب ّين النبي ‪ H‬ذلك من‬
‫خالل سنته من ذلك ما جاء عن حميد بن أبي حميد الطويل أنه سمع أنس‬

‫االحنراف الفكري‬
‫وت َأ ْز َواجِ النَّبِي ‪H‬‬ ‫ط إِ َلى بي ِ‬ ‫بن مالك ‪ I‬يقول‪ :‬جاء َثال َث ُة ر ْه ٍ‬
‫ِّ‬ ‫ُُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫وها (‪َ ،)2‬ف َقا ُلوا‪:‬‬ ‫ون َع ْن ِع َبا َد ِة النَّبِ ِّي ‪َ ،H‬ف َل َّما ُأ ْخبِ ُروا ك ََأن َُّه ْم َت َقا ُّل َ‬ ‫َي ْس َأ ُل َ‬
‫َو َأ ْي َن ن َْح ُن مِ ْن النَّبِ ِّي ‪َ H‬قدْ ُغ ِف َر َل ُه َما َت َقدَّ َم مِ ْن َذ ْنبِ ِه َو َما َت َأ َّخ َر‪َ ،‬ق َال‬
‫آخ ُر‪َ :‬أنَا َأ ُصو ُم الدَّ ْه َر َوال ُأ ْفطِ ُر‪،‬‬ ‫َأ َحدُ ُه ْم‪َ :‬أ َّما َأنَا َفإِنِّي ُأ َص ِّلي ال َّل ْي َل َأ َبدً ا‪َ ،‬و َق َال َ‬
‫آخر‪َ :‬أنَا َأعت َِز ُل النِّساء َفال َأ َتزوج َأبدً ا‪َ ،‬فجاء رس ُ ِ‬
‫ول اهَّلل ‪H‬‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫َ َّ ُ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َو َق َال َ ُ‬
‫إِ َل ْي ِه ْم َف َقال‪َ ( :‬أ ْنت ُْم ا َّل ِذي َن ُق ْلت ُْم ك ََذا َوك ََذا‪َ ،‬أ َما َواهَّللِ إِنِّي َلَ ْخ َشاك ُْم ل ِ َّل ِه َو َأ ْت َقاك ُْم‬
‫ب َع ْن ُسنَّتِي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َل ُه؛ َلكنِّي َأ ُصو ُم َو ُأ ْفط ُر‪َ ،‬و ُأ َص ِّلي َو َأ ْر ُقدُ ‪َ ،‬و َأ َت َز َّو ُج الن َِّسا َء َف َم ْن َرغ َ‬
‫س مِنِّي)(‪ ،)3‬فهؤالء أرادوا الزيادة على ما يفعله رسول اهلل ‪H‬‬ ‫َف َل ْي َ‬
‫قدوة المؤمنين‪ ،‬فب ّين لهم أن ذلك انحراف وضالل‪ ،‬وخروج عن سنته‪.‬‬

‫‪ -٤‬بيان َّ‬
‫أن التكلف والزيادة على الشرع خالف منهج املرسلني‪:‬‬
‫قال تعالى مخاطبًا نبيه الكريم‪﴿ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ‬
‫ﱗ﴾ [ص‪ ،]86:‬قال ابن كثير يف قوله تعالى ﴿ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ﴾‬

‫((( فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ( ‪.)99 /2‬‬
‫((( أي‪ :‬استقلوها‪ ،‬أي‪ :‬رأى كل منهم أهنا قليلة‪ ،‬فتح الباري ( ‪.)132 / 9‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه كتاب النكاح‪ ،‬باب الرتغيب يف النكاح‪ ،‬حديث رقم‪،)4675( :‬‬
‫ومسلم يف كتاب النكاح‪ ،‬باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه‪ ،‬واشتغال من‬
‫عجز عن المؤن بالصوم‪ ،‬حديث رقم‪.)2487( :‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪35‬‬

‫(أي‪ :‬وما أزيد على ما أرسلني اهلل به وال أبتغي زيادة عليه‪ ،‬بل ما أمِرت به‬
‫أديته ال أزيد وال أنقص منه)(‪ ،)1‬ومن هذا الباب جاء هني النبي ‪H‬‬
‫عن المغاالة يف العبادة‪ ،‬وب ّين بأهنا خالف ما شرع اهلل‪ ،‬كما جاء يف حديث‬
‫أنس بن مالك ‪ I‬قال‪َ :‬د َخ َل النَّبِ ُّي ‪َ H‬فإِ َذا َح ْب ٌل َم ْمدُ و ٌد َب ْي َن‬
‫االحنراف الفكري‬

‫َب َفإِ َذا َفت ََر ْت‬ ‫ِ‬ ‫الس ِ‬


‫ار َي َت ْي ِن َف َق َال‪َ ( :‬ما َه َذا ا ْل َح ْب ُل؟)‪َ ،‬قا ُلوا‪َ :‬ه َذا َح ْب ٌل ل َز ْين َ‬ ‫َّ‬
‫َت َع َّل َق ْت‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ‪( :H‬ال ُح ُّلو ُه‪ ،‬ل ِ ُي َص ِّل َأ َحدُ ك ُْم ن ََشا َط ُه َفإِ َذا َفت ََر‬
‫َف ْل َي ْق ُعدْ )(‪ ،)2‬وعن عائشة ‪ J‬قالت‪ :‬كَان َْت ِعن ِْدي ا ْم َر َأ ٌة مِ ْن َبنِي َأ َس ٍد َفدَ َخ َل‬
‫ول اهَّللِ ‪َ H‬ف َق َال‪َ ( :‬م ْن َه ِذ ِه‪ُ ،‬ق ْل ُت ُفال َن ُة ال َتنَا ُم بِال َّل ْي ِل َف ُذكِ َر‬ ‫َع َلي َر ُس ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مِ ْن َصالت َها‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬م ْه َع َل ْي ُك ْم َما ُتطي ُق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهَّلل ال َي َم ُّل َحتَّى‬ ‫ون م ْن ْالَ ْع َمال َفإِ َّن َ‬
‫ب إِ َذا ُه َو‬ ‫َت َم ُّلوا)(‪ ،)3‬وعن ابن عباس ‪ L‬قال‪َ :‬ب ْينَا النَّبِ ُّي ‪َ H‬ي ْخ ُط ُ‬
‫بِ َر ُج ٍل َقائِ ٍم َف َس َأ َل َعنْ ُه‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪َ :‬أ ُبو إِ ْس َرائِ َيل ن ََذ َر َأ ْن َي ُقو َم َوال َي ْق ُعدَ ‪ ،‬وال َي ْستَظِ َل‪،‬‬
‫وال َي َت َك َّل َم‪َ ،‬و َي ُصو َم‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ‪ُ ( :H‬م ْر ُه َف ْل َي َت َك َّل ْم‪َ ،‬و ْل َي ْستَظِ َّل‪،‬‬
‫َو ْل َي ْق ُعدْ ‪َ ،‬و ْل ُيتِ َّم َص ْو َم ُه)(‪.)4‬‬

‫((( المصباح المنير يف هتذيب تفسير ابن كثير (ص‪.)1180 -1179 :‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما يكره من التشدد يف العبادة‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)1082‬ومسلم يف كتاب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب من نعس يف صالته‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪.)1306‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب أحب الدين إلى اهلل عز وجل أدومه‪،‬‬
‫حديث رقم‪ ،)41( :‬ومسلم يف كتاب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب أمر من نعس يف صالته‬
‫أو استعجم عليه القرآن‪ ،‬حديث رقم‪.)1308( :‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب األيمان والنذور‪ ،‬باب النذر فيما ال يملك ويف معصية‪،‬‬
‫حديث رقم‪.)6210( :‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ 36‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫‪ -٥‬تعليم العبد دعاء اهلل اهلداية إىل الصراط املستقيم‪:‬‬


‫قال تعالى‪﴿:‬ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ‬
‫ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ﴾ [الفاتحة‪ ،]7-6:‬قال ابن تيمية‪:‬‬
‫(ولما أمرنا اهلل سبحانه أن نسأله يف ّ‬
‫كل صالة أن يهدينا الصراط المستقيم‪،‬‬

‫االحنراف الفكري‬
‫صراط الذين أنعم اهلل عليهم من النبيين‪ ،‬والصديقين‪ ،‬والشهداء‪ ،‬والصالحين‪،‬‬
‫المغايرين للمغضوب عليهم وللضالين‪ ،‬كان ذلك مما يب ّين أن العبد يخاف‬
‫عليه أن ينحرف إلى هذين الطريقين)(‪ ،)1‬ويف تكرير هذا الدعاء يف كل ركعة‬
‫تذكير ًا بأهمية االستقامة واالعتدال‪ ،‬ونبذ الغلو والتطرف‪.‬‬

‫‪ -٦‬التحذير من الغلو من خالل توجيه اخلطاب ألهل الكتاب‪:‬‬


‫قال تعالى‪﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ‬
‫ﱋ ﱌ﴾ [النساء‪ ،]171:‬قال الطربي يف تأويل اآلية‪( :‬ال تجاوزوا الحق يف‬
‫دينكم فتفرطوا فيه‪ ..‬وأصل الغلو يف كل شيء مجاوزة حده الذي هو حده)(‪،)2‬‬
‫قال ابن الجوزي يف التفسير‪( :‬والغلو اإلفراط ومجاوزة الحد‪ ،‬ومنه غال‬
‫السعر‪ ،‬وغلو النصارى يف عيسى قول بعضهم‪ :‬هو اهلل‪ ،‬وقول بعضهم‪ :‬هو‬
‫ابن اهلل‪ ،‬وقول بعضهم‪ :‬هو ثالث ثالثة)(‪ ،)3‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﳏ ﳐ ﳑ‬
‫ﳒﳓﳔﳕﳖﳗﳘﳙﳚﳛﳜﳝﳞﳟﳠﳡﳢﳣ‬
‫ﳤ ﳥ﴾ [ المائدة‪ ،]77:‬قال ابن كثير‪( :‬أي‪ :‬ال تجاوزوا الحد يف اتباع‬

‫((( مجموع الفتاوى (‪.)65 /1‬‬


‫((( جامع البيان (‪.)2646 / 3‬‬
‫((( زاد المسير يف التفسير (‪.)260137 / 2‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪37‬‬

‫الحق‪ ،‬وال ُتطروا من ُأمرتم بتعظيمه‪ ،‬فتبالغوا فيه حتى تخرجوه من حيز النبوة‬
‫إلى مقام اإللهية كما صنعتم يف المسيح‪ ،‬وهو نبي من األنبياء فجعلتموه إلهًا‬
‫حذر النبي ‪ H‬عن الغلو‪ ،‬وب ّين عاقبته يف األمم‬ ‫من دون اهلل)(‪ ،)1‬وقد ّ‬
‫ِ‬ ‫َب ُم َع ِ‬
‫الر ْح َم ِن‬‫او َي ُة إِ َلى َع ْبد َّ‬ ‫السابقة؛ كما جاء عن زيد بن سالم عن جده قال‪َ :‬كت َ‬
‫االحنراف الفكري‬

‫ول اهَّللِ ‪َ H‬ف َج َم َع ُه ْم َف َق َال‪:‬‬ ‫َّاس ما س ِم ْع َت مِ ْن رس ِ‬


‫َ ُ‬ ‫ْب ِن ش ْب ٍل َأ ْن َع ِّل ْم الن َ َ َ‬
‫ِ‬

‫ول‪َ ( :‬ت َع َّل ُموا ا ْل ُق ْرآن‪َ ،‬فإِ َذا َعلِ ْمت ُُمو ُه َفال‬ ‫ول اهَّللِ ‪َ H‬ي ُق ُ‬ ‫إِنِّي َس ِم ْع ُت َر ُس َ‬
‫يه‪ ،‬وال َت ْج ُفوا َعنْ ُه‪ ،‬وال َت ْأ ُك ُلوا بِ ِه‪َ ،‬وال َت ْس َت ْكثِ ُروا بِ ِه)(‪ ،)2‬وعن أبي العالية‬ ‫َت ْغ ُلوا فِ ِ‬

‫قال‪ :‬قال ابن عباس ‪ :L‬قال لي رسول اهلل ‪َ H‬غدَ ا َة ا ْل َع َق َب ِة َو ُه َو‬


‫ف‪َ ،‬ف َل َّما‬ ‫ات ُهن حصى ا ْل َخ ْذ ِ‬ ‫ات ا ْل ُق ْط لِي)‪َ ،‬ف َل َق ْط ُت َله حصي ٍ‬ ‫(ه ِ‬ ‫اح َلتِ ِه‪َ :‬‬‫َع َلى ر ِ‬
‫َّ َ َ‬ ‫ُ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ال ه ُؤ ِ‬
‫الء َوإِ َّياك ُْم َوا ْل ُغ ُل َّو فِي الدِّ ِ‬
‫ين َفإِن ََّما َأ ْه َل َك َم ْن‬ ‫َو َض ْعت ُُه َّن فِي َي ِد ِه َق َال‪( :‬بِ َأ ْم َث ِ َ‬
‫ين)(‪ ،)3‬قال ابن تيمية‪( :‬وسبب هذا اللفظ العام‪ :‬رمي‬ ‫َان َق ْب َل ُك ْم ا ْل ُغ ُل ُّو فِي الدِّ ِ‬
‫ك َ‬
‫الجمار‪ ،‬وهو داخل فيه‪ ،‬فالغلو فيه‪ :‬مثل الرمي بالحجارة الكبار‪ ،‬ونحو ذلك‬
‫بناء على أنه قد أبلغ من الحصى الصغار‪ ،‬ثم ع ّلل ذلك ّ‬
‫بأن ما أهلك من قبلنا‬
‫إال الغلو يف الدين‪ ،‬كما تراه يف النصارى‪ ،‬وذلك يقتضي أن مجانبة هديهم‬
‫مطلقا أبعد عن الوقوع فيما به هلكوا‪ ،‬وأن المشارك لهم يف بعض هديهم‪،‬‬

‫((( المصباح المنير يف هتذيب تفسير ابن كثير (ص‪.)394 - 393 :‬‬
‫((( أخرجه أحمد يف المسند‪ ،‬حديث رقم‪ ،)1511( :‬وصححه األلباين يف صحيح الجامع‬
‫(‪.)1168( )258/1‬‬
‫((( أخرجه النسائي يف السنن‪ ،‬حديث رقم‪ ،)3007( :‬وابن ماجه‪ ،‬حديث رقم‪ ،)3029( :‬وأحمد‬
‫يف المسند‪ ،‬حديث رقم‪ ،)1851( :‬والحاكم يف المستدرك (‪ ،)637 /1‬وصححه األلباين يف‬
‫حجة النبي ‪( H‬ص‪.)81:‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ 38‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫يخاف عليه أن يكون هالكا)(‪ ،)1‬ويف توجيه الخطاب ألهل الكتاب تحذير لنا‬
‫مما صنعوا‪ ،‬والمراد بالنهي وجوب التزام حدود الشرع‪.‬‬

‫فمن خالل هذه األدلة القرآنية‪ ،‬وما جاء من بيان إضايف يف السنة‬
‫المطهرة يتبين بصورة قاطعة النهي الصريح عن مجاوزة الحد‪ ،‬والزيادة على‬

‫االحنراف الفكري‬
‫ما شرع اهلل َّ‬
‫جل وعال‪ ،‬فكما أن التفريط فيما شرع اهلل انحراف‪ ،‬كذلك الزيادة‬
‫عليه أشد وأخطر‪ ،‬وأن الهداية يف االستقامة على الكتاب والسنة دون إفراط‬
‫أو تفريط‪.‬‬

‫((( اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم (‪.)329/1‬‬


‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪39‬‬

‫املبحث الرابع‬
‫أسباب االحنراف الفكري‬
‫االحنراف الفكري‬

‫تؤرق المجتمع واألمة‪ ،‬وهتدد كياهنما‪،‬‬ ‫َّ‬


‫إن المعالجة الصادقة ألي قضية ّ‬
‫وأمنهما‪ ،‬وازدهارهما‪ ،‬ينبغي أن يبدأ بدراسة األسباب التي أدت أو يمكن أن‬
‫تؤدي إليها‪ ،‬خاصة إذا كانت الظاهرة متكررة عرب التاريخ‪ ،‬وألمح اإلسالم‬
‫ألسباهبا‪ ،‬ووضع المعالجات الشافية لها؛ ألن اهلل تعالى جعل من سنته أن‬
‫تجري المسببات على أسباهبا‪َّ ،‬‬
‫فإن إعطاء الدواء بدون تشخيص للداء نوع من‬
‫العبث‪ ،‬والوقوف على األسباب دون إعطاء الدواء نوع من العجز واالنتحار‪،‬‬
‫وإعطاء الدواء للفكر والسلوك من خارج هدي الكتاب والسنة نوع آخر من‬
‫الجهل والغباء‪ ،‬أل َّمة دواؤها الشايف من اهلل بين أيديها وهي تبحث عن بديل‬
‫أفضل منه يف أفكار البشر؛ ولذا يحاول الباحث من خالل هذه الدراسة تحديد‬
‫أسباب االنحراف الفكري من خالل استقراء أدلة الكتاب والسنة التي وردت‬
‫يف النهي عنه‪ ،‬والتحذير منه؛ ألن فيهما الهدى الكايف‪ ،‬والدواء الشايف؛ حتى‬
‫ال نغرق مع من غرقوا يف التحاليل والدراسات النظرية كأنَّها ظاهرة ليس‬
‫حرفوا بعض األسباب لمقاصد يريدوهنا‪،‬‬
‫يف اإلسالم عالج لها‪ ،‬وبعضهم َّ‬
‫قصدوا من خاللها الطعن يف الدين أو المتمسكين به‪ ،‬وأصبح الناس يتبادلون‬
‫االهتامات‪ ،‬ويحاول بعض من يكتب تربئة نفسه أو مجموعته‪ ،‬ونحن عندما‬
‫نكتب عن هذه الظاهرة ال نربطها بمكان محدد‪ ،‬وال زمان مع ّين‪ ،‬وال فئة‬

‫‪39‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬ ‫‪40‬‬
‫كل ِ‬
‫الح َقب‪ ،‬وستبقى إلى‬ ‫مخصصة‪ ،‬وإنَّما هي ظاهرة ممتدة عرب التاريخ ويف ّ‬
‫آخر الزمان‪ ،‬تحدّ ث عنها علماء األمة األخيار؛ ولذا نحن نتحدث عن أسباب‬
‫متى ما توفرت أدت أو ساعدت على ظهورها‪ ،‬وننظر إليها بحسبان أن اإلسالم‬
‫هو الذي حدد أسباهبا ووضع المعالجات لها‪ ،‬ومن أبرز هذه األسباب ما يلي‪:‬‬

‫االحنراف الفكري‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬العدول عن الكتاب والسنة كمصدرين للتشريع‬
‫يظهر لكل من استقرأ األدلة التي جاءت يف النهي والتحذير والمعالجة‬
‫لظاهرة التشدد والغلو واالنحراف؛ ّ‬
‫أن مبدأ هذا الضالل والشر عدول أصحابه‬
‫عن الكتاب والسنة‪ ،‬والطعن فيهما ولو من غير قصد‪ ،‬وعدم التحاكم إليهما يف‬
‫ّ‬
‫كل صغيرة وكبيرة‪ ،‬والخروج عليهما بالظن والهوى‪ ،‬فذو الخويصرة يطعن‬
‫يف عدالة النبي ‪ H‬وصدقه ويقول له‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهَّلل ا َّت ِق َ‬
‫اهَّلل‪ ،‬والنبي‬ ‫َ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ض َأ ْن َيتَّق َي َ‬
‫اهَّلل)‪ ،‬ويف‬ ‫(و ْي َل َك َأ َو َل ْس ُت َأ َح َّق َأ ْه ِل ْالَ ْر ِ‬
‫‪ H‬يرد بقوله‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهَّلل إِ َذا َع َص ْي ُت‪َ ،‬أ َي ْأ َمنُني ُ‬
‫اهَّلل‬ ‫رواية فقال‪ :‬ا َّت ِق َ‬
‫اهَّلل َيا ُم َح َّمدُ ‪َ ،‬ف َق َال‪َ ( :‬م ْن ُيط ْع َ‬
‫ض َفال َت ْأ َمنُونِي!!)‪ ،‬والرهط الثالثة ينظرون إلى عبادته على‬ ‫َع َلى َأ ْه ِل األَ ْر ِ‬
‫ب َع ْن ُسنَّتِي َف َل ْي َس مِنِّي)‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أهنا قليلة‪ ،‬والنبي ‪ H‬يرد بقوله‪َ ( :‬ف َم ْن َرغ َ‬
‫وعثمان بن مظعون يريد رهبانية ما شرعها اهلل‪ ،‬والنبي ‪ H‬يقول له‪:‬‬
‫فإن ظهور‬ ‫وده)‪َّ ،‬‬ ‫( َأ َفما َل َك فِي ُأسوةٌ‪َ ،‬فو اهَّللِ إِنِّي َأ ْخ َشاكُم ل ِ َّل ِه‪ ،‬و َأح َف ُظ ُكم لِحدُ ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫الفرق والفتن وكثرة الهرج والمرج مالزم لجهل الناس بالكتاب والسنة‪،‬‬
‫ّبي ‪ُ ( :H‬ي ْق َب ُض ا ْل ِع ْل ُم‬ ‫وانتشار البدع‪ ،‬وغياب الحق‪ ،‬كما قال الن ّ‬
‫ول اهَّللِ َو َما ا ْل َه ْر ُج؟ َف َق َال‪:‬‬
‫َو َي ْظ َه ُر ا ْل َج ْه ُل َوا ْل ِف َت ُن َو َي ْك ُث ُر ا ْل َه ْر ُج‪ ،‬قِ َيل‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪41‬‬

‫َه َك َذا بِ َي ِد ِه َف َح َّر َف َها ك ََأنَّه ُي ِريدُ ا ْل َقتْل)(‪ ،)1‬ولذا ما استطاعت هذه األفكار أن تنمو‬
‫يف عهد النبوة؛ َّ‬
‫ألن نور الحق إذا ظهر بدّ د ظلمات الجهل‪ ،‬وانتشار هذا الفكر‬
‫يف أي مجتمع مؤشر من أكرب مؤشرات الجهل بالكتاب والسنة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬غياب الفقه السليم والتصور الصحيح لإلسالم‬


‫االحنراف الفكري‬

‫َّ‬
‫إن عدم الفهم السليم للدين وفق ما كان عليه النبي ‪H‬‬
‫وأصله علماء أهل السنة والجماعة عرب القرون‪ ،‬يؤدى‬
‫وأصحابه‪ ،‬وما ق َّعده ّ‬
‫وتفرقها وتناحرها‪ ،‬ويظهر ذلك من خالل أغلب الذين‬
‫إلى انحراف األمة ّ‬
‫ظهر فيهم فكر الغلو يف عهد النبي ‪ H‬وبعده‪ ،‬لم يكونوا من أهل‬
‫العلم والفهم السليم للدين؛ بل كان الجهل بما عليه سلف هذه األمة أحسن‬
‫َاب اهَّللِ َر ْط ًبا ال ُي َج ِ‬
‫او ُز‬ ‫وصف لهم كما جاء يف الحديث‪َ ( :‬قوم ي ْت ُل َ ِ‬
‫ون كت َ‬ ‫ْ ٌ َ‬
‫َحن ِ‬
‫َاج َر ُه ْم)‪ ،‬فهم أخذوا القرآن تالوة وحفظًا دون فهم سليم له‪ ،‬وفق ما‬
‫فهمه الصحابة وعلماء األمة الراسخون‪ ،‬فض ّلوا من حيث كان ينبغي لهم أن‬
‫يهتدوا به‪ ،‬وقد قال ابن تيمية‪( :‬فإن عامة ضالل أهل البدع كان هبذا السبب‪،‬‬
‫فإهنم صاروا يحملون كالم اهلل ورسوله على ما يدّ عون أنه ّ‬
‫دال عليه‪ ،‬وال‬
‫يكون األمر كذلك)(‪ ،)2‬وذلك ألهنم استندوا على أدلة من القرآن أو السنة‬
‫أو أقوال أهل العلم لم يردوها إلى المحكم منها‪ ،‬معتقدين أهنا حجة لهم وهي‬
‫حجة عليهم‪ ،‬أو أخذوا ببعض األدلة وتركوا بعضها اآلخر‪ ،‬ولم يجعلوا أدلة‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس‪ ،‬حديث‬
‫رقم‪.)83( :‬‬
‫((( مجموع الفتاوى (‪.)115 / 7‬‬

‫‪41‬‬
‫‪ 42‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫القرآن والسنة يصدّ ق بعضها بعضا؛ كاستشهاد الخوارج على إبطال التحكيم‬
‫بقوله تعالى‪﴿ :‬ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ﴾ [يوسف‪َّ ،]40:‬‬
‫فإن ظاهر استشهادهم باآلية‬
‫صحيح على الجملة‪ ،‬وأما على التفصيل فمحتاج إلى البيان‪ ،‬وهو ما ذكره ابن‬
‫عباس ‪ L‬من َّ‬
‫أن الحكم هلل تارة من غير تحكيم‪ ،‬وتارة بتحكيم؛ ألنَّه إذا‬

‫االحنراف الفكري‬
‫أمرنا بالتحكيم فالحكم به حكم اهلل‪ ،‬فتأ ّملوا وجه اتباع المتشاهبات وكيف‬
‫يؤدي إلى الضالل والخروج عن الجماعة(‪ ،)1‬ولذلك قال النبي ‪:H‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(إِ َذا َر َأ ْيت ُْم ا َّل ِذي َن َي َّتبِ ُع َ‬
‫اح َذ ُر ُ‬
‫وه ْم)(‪،)2‬‬ ‫ون َما َت َشا َب َه منْ ُه َف ُأو َلئ َك ا َّلذي َن َس َّمى ُ‬
‫اهَّلل َف ْ‬
‫وغير هذا من أمثلة ونماذج كثيرة ذكرها ابن الق ِّيم(‪.)3‬‬

‫ثالثاً‪ :‬إرادة اخلري دون فقه صحيح ومعرفة مبداخل الشيطان‬


‫من األمور التي توقع البعض يف االنحراف الفكري إرادة الخير بدون‬
‫فقه صحيح‪ ،‬ومعرفة بمداخل الشيطان على العبد المستقيم‪ ،‬فكم من مريد‬
‫حرفه الشيطان هبذا السبب‪ ،‬حتى اعتقد بعضهم أن‬
‫للخير لم يبلغه‪ ،‬ومستقيم ّ‬
‫التشدد يف الدين مطلوب؛ فلذا تجد الواحد منهم يلزم نفسه ويحاول إلزام‬
‫اآلخرين بما لم يوجبه اهلل ‪ D‬عبادة وقربة‪ ،‬كما جاء يف حديث زينب‪،‬‬
‫وقصة أبي إسرائيل‪ ،‬وكتحريم بعض الط ّيبات التي أحلها اهلل بقصد التقرب‬
‫إلى اهلل‪ ،‬وكما يف حديث الثالثة الذين سألوا عن عبادة النبي ‪H‬‬

‫((( ينظر‪ :‬االعتصام (‪.)245 / 1‬‬


‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب تفسير القرآن‪ ،‬باب منه آيات محكمات‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)4183‬ومسلم يف كتاب العلم‪ ،‬باب النهي عن اتباع متشابه القرآن‪ ،‬حديث رقم‪.)4817( :‬‬
‫((( إعالم الموقعين (‪. )307 ،294/2‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪43‬‬

‫وغيره مما هو ظاهر يف األدلة السابقة‪ ،‬قال ابن القيم‪( :‬فإن الشيطان يشم قلب‬
‫العبد ويختربه‪ ،‬فإن رأى فيه داعية للبدعة‪ ،‬وإعراضًا عن كمال االنقياد للسنة‪،‬‬
‫أخرجه عن االعتصام هبا‪ ،‬وإن رأى فيه حرصًا على السنة‪ ،‬وشدة طلب لها لم‬
‫يظفر به من باب اقتطاعه عنها‪ ،‬فأمره باالجتهاد والجور على النفس‪ ،‬ومجاوزة‬
‫االحنراف الفكري‬

‫حد االقتصاد فيها قائالً له‪« :‬إن هذا خير وطاعة والزيادة واالجتهاد فيها أكمل‪،‬‬
‫ويحرضه حتى‬
‫ّ‬ ‫فال تفرت مع أهل الفتور‪ ،‬وال تنم مع أهل النوم»‪ ،‬فال يزال يحثه‬
‫يخرجه عن االقتصاد فيها‪ ،‬فيخرج عن حدها كما أن األول خارج عن هذا‬
‫الحد‪ ،‬فكذا هذا اآلخر خارج عن الحد اآلخر‪ ،‬وهذا حال الخوارج الذين‬
‫يحقر أهل االستقامة صالهتم مع صالهتم‪ ،‬وصيامهم مع صيامهم‪ ،‬وقراءهتم‬
‫مع قراءهتم‪ ،‬وكال األمرين خروج عن السنة إلى البدعة‪ ،‬لكن هذا إلى بدعة‬
‫التفريط واإلضاعة‪ ،‬واآلخر إلى بدعة المجاوزة واإلسراف‪ ..‬فكل الخير يف‬
‫اجتهاد باقتصاد‪ ،‬وإخالص مقرون باتباع‪ ،‬كما قال بعض الصحابة ‪:M‬‬
‫«اقتصاد يف سبيل وسنة خير من اجتهاد يف خالف سبيل وسنة»)(‪.)1‬‬

‫رابعاً‪ :‬اجلهل بوسطية اإلسالم ويسره ومساحته‬


‫كثير من الناس يجهل عظمة هذا الدين المتمثل يف يسره‪ ،‬وسماحته‪،‬‬
‫فإن إهمال رعاية الشباب من قِ َبل األسرة‪،‬‬
‫واعتداله خاصة الشباب؛ ولذا َّ‬
‫والدعاة‪ ،‬والعلماء‪ ،‬والدولة‪ ،‬والقيام بتعليمهم وتربيتهم على المنهج الوسط‪،‬‬
‫والفكر المعتدل القائم على العلم الصحيح‪ ،‬والنهج القويم الذي ال يصل‬
‫العبد ويسلم يف دينه من االنقطاع إال من خالله‪ ،‬مع رعاية سماحة هذا الدين‬

‫((( مدارج السالكين (‪.)112/2‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ 44‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ويسره‪ ،‬يؤدي إلى ظهور هذا الفكر وانتشاره كما قال ‪( :H‬إِ َّن الدِّ ي َن‬
‫ُي ْس ٌر‪َ ،‬و َل ْن ُي َشا َّد الدِّ ي َن َأ َحدٌ إال َغ َل َبه)؛ ألن هذا االنحراف الفكري الذي سببه‬
‫الغلو يصاب به كما أخرب الصادق الكريم ‪ُ H‬حدَ ثاء األسنان ُس َفهاء‬
‫األحالم‪.‬‬

‫االحنراف الفكري‬
‫خامساً‪ :‬األخذ اجلزئي للدين وعدم املوازنة بني احلقوق‬
‫والواجبات‬
‫َّ‬
‫فإن من أسباب االنحراف الفكري الغلو يف جوانب من الدين وإهمال‬
‫جوانب أخرى شرعها اهلل ‪ D‬وحث عليها‪ ،‬وذلك لغياب التصور الكلي‬
‫للدين‪ ،‬كمن يريد أن يصوم النهار ويقوم الليل وال يرعى حق نفسه وأهله‬
‫وضيوفه‪ ،‬جهالً منه َّ‬
‫أن التد ّين هو السعي إلى الدخول يف السلم كافة‪ ،‬والرعاية‬
‫ألحكامه عامة قدر المستطاع‪ ،‬ال االلتزام بجوانب وترك جوانب أخرى‪ ،‬فمن‬
‫أقام الليل كله ثم نام عن فريضة الفجر لم يفعل ما يرضي اهلل؛ ألجل ذلك ينبغي‬
‫أن يكون للمسلم تصور شرعي يدرك من خالله ترتيب األولويات‪ ،‬فال يقدّ م‬
‫على واجب وهنالك ما هو أوجب منه‪ ،‬وال تكون المستحبات على حساب‬
‫الواجبات‪ ،‬ومن تتبع منهج القرآن وسيرة سيد األنام أدرك ذلك بالتمام‪ ،‬وقد‬
‫كان هو منهج الصحابة الكرام؛ ولذا سعى سلمان ‪ I‬أن يلفت نظر أبي‬
‫الدرداء ‪ I‬إلى الحقوق األخرى التي أوجبها اهلل ‪ D‬وهو غير ملتفت‬
‫لها وإلى مراتب األعمال التي يتقرب هبا إليه‪ ،‬فقال له سلمان‪ :‬إِ َّن ل ِ َر ِّب َك َع َل ْي َك‬
‫ح ًّقا‪ ،‬ولِنَ ْف ِس َك َع َلي َك ح ًّقا‪ ،‬و ِلَ ْهلِ َك َع َلي َك ح ًّقا‪َ ،‬ف َأ ْع ِ‬
‫ط ك َُّل ِذي َح ٍّق َح َّق ُه‪َ ،‬ف َأ َتى‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪45‬‬
‫ِ‬
‫النَّبِ َّي ‪َ H‬ف َذك ََر َذل َك َل ُه‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ‪َ :H‬‬
‫(صدَ َق َس ْل َم ُ‬
‫ان)(‪،)1‬‬
‫فإن الجهل بذلك من أسباب انحراف كثير من الناس‪ ،‬ويف هذا يقول الدكتور‬
‫سليمان األشقر‪( :‬إن الموازنة والمواءمة بين الحقوق والواجبات‪ ،‬الحقوق‬
‫بعضها مع بعض‪ ،‬والواجبات بعضها مع بعض‪ ،‬والموازنة بين مطالب الروح‬
‫االحنراف الفكري‬

‫والجسد أمر عسير ليس بالسهل‪ ،‬فاإلنسان يغرق بطبعه يف الميل إلى أحد‬
‫الجانبين‪ ،‬وهذا الميل يسبب فساد ًا للفرد والمجتمع)(‪.)2‬‬

‫سادساً‪ :‬الزهد يف العلماء الربانيني والطعن فيهم‬


‫البد لألمة يف ّ‬
‫كل زمان من وجود أهل العلم يرجع إليهم فيما يجهلونه‬
‫أو فيما يشكل عليهم من األدلة‪ ،‬أو يشتبه من أحوال الزمان وأزماته‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ﴾ [النحل‪ ،]43:‬فإن اهلل ‪D‬‬
‫جعل للعلماء من المنزلة والمكانة والحقوق ما ليس لغيرهم؛ فهم ورثة‬
‫األنبياء‪ ،‬وهداة الخلق إلى الحق‪ ،‬ومن هنا فإن انعزال الشباب عن مجالس‬
‫العلم والعلماء وأهل الفضل والخير من أعظم أسباب االنحراف؛ ّ‬
‫ألن‬
‫الشباب إذا التفوا حول العلماء أخذوا من علمهم وسمتهم‪ ،‬وتأثروا بمنهجهم‬
‫المعتدل وفكرهم المستقيم‪ ،‬وإن أخذوا العلم من كتاب‪ ،‬أو شريط‪ ،‬أو صاحب‬
‫فكر قاصر أو منحرف‪ ،‬فقدوا الفقه السليم من جهة‪ ،‬وارتموا يف مهاوي‬
‫الضاللة من جهة أخرى‪ ،‬كما قال الشافعي‪( :‬من تف ّقه من بطون الكتب ض َّيع‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب الصوم باب من أقسم على أخيه ليفطرن يف التطوع ح رقم‬
‫‪.1832‬‬
‫((( نحو ثقافة إسالمية أصيلة‪( ،‬ص‪.)74 :‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ 46‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫وضح النبي ‪ H‬بأن قبض العلماء وعدم أخذ العلم‬


‫األحكام)(‪ ،)1‬وقد ّ‬
‫فإن بداية الضالل أن يتصدر الجهالء أمر‬ ‫عنهم هو سبب الضالل واإلضالل‪ّ ،‬‬
‫اهَّلل ال َي ْقبِ ُض ا ْل ِع ْل َم انْتِ َزا ًعا‬
‫الدين وقضايا األمة‪ ،‬كما قال النبي ‪( :H‬إِ َّن َ‬
‫ض ا ْلع َلم ِ‬
‫اء َحتَّى إِ َذا َل ْم ُي ْب ِق َعال ِ ًما ا َّت َخ َذ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َينْت َِز ُع ُه م ْن ا ْلع َباد‪َ ،‬و َلك ْن َي ْقبِ ُض ا ْلع ْل َم بِ َق ْب ِ ُ َ‬

‫االحنراف الفكري‬
‫وسا ُج َّهاال‪َ ،‬ف ُسئِ ُلوا َف َأ ْفت َْوا بِ َغ ْي ِر ِع ْل ٍم َف َض ُّلوا َو َأ َض ُّلوا)(‪ ،)2‬وعند قبض‬ ‫َّاس ُر ُؤ ً‬ ‫الن ُ‬
‫العلم‪ ،‬وتصدّ ر الجهالء للفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ البد‬
‫أن تكثر الفتن والقتل يف األمة كما جاء عن أبي هريرة عن النبي ‪H‬‬
‫ول اهَّللِ َو َما‬
‫قال‪ُ ( :‬ي ْق َب ُض ا ْل ِع ْلم‪َ ،‬و َي ْظ َه ُر ا ْل َج ْه ُل َوا ْل ِف َت ُن‪َ ،‬و َي ْك ُث ُر ا ْل َه ْر ُج قِ َيل‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ألن الناس إذا رجعوا يف‬ ‫ا ْل َه ْر ُج؟ َف َق َال‪َ :‬ه َك َذا بِ َي ِد ِه َف َح َّر َف َها ك ََأنَّه ُي ِريدُ ا ْل َقت َْل)(‪ّ ،)3‬‬
‫أمورهم ألهل العلم والعقل سلموا وإال كان العكس‪ ،‬لذا أمرهم اهلل ‪D‬‬
‫بقوله تعالى‪﴿ :‬ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬
‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ﴾ [النساء‪ ،]83 :‬وقد‬
‫طعن زعيم المنحرفين فكريًا يف سيد العلماء النبي ‪ ،H‬وطعن أذنابه‬
‫يف أج ّلة العلماء من أصحاب النبي ‪ ،H‬واستحلوا دماءهم الطاهرة‬
‫فض ّلوا وهلكوا‪.‬‬

‫((( تذكرة السامع (ص‪.)87 :‬‬


‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب كيف يقبض العلم‪ ،‬حديث رقم‪،)98( :‬‬
‫ومسلم يف كتاب العلم‪ ،‬باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن‪ ،‬حديث رقم‪.)4828( :‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب الفتيا بإشارة اليد والرأس‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪.)83‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪47‬‬

‫سابعاً‪ :‬التصدر لألمر باملعروف والنهي عن املنكر بدون فقه‬


‫ونضج‬
‫من أعظم خصائص هذه األمة قيامها بواجب األمر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ‬
‫االحنراف الفكري‬

‫ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ﴾ [آل عمران‪ ،]110:‬خاصة عند انتشار‬


‫المنكرات الظاهرة ‪-‬العقدية والسلوكية‪ -‬يف المجتمع المسلم‪ ،‬ولكن ينبغي‬
‫أن يعلم أن التصدر لذلك دون علم ونضج يؤدي إلى مفاسد عظيمة؛ ألنه ربما‬
‫يريد أحدهم تغيير المنكر فيأيت بمنكر أكرب‪ ،‬وقد قال العلماء‪( :‬ليكن أمرك‬
‫بالمعروف بمعروف‪ ،‬وهنيك عن المنكر غير منكر)(‪ ،)1‬ألنه هنالك من يريد‬
‫أن يأمر وينهى إما بلسانه وإما بيده مطلقًا‪ ،‬من غير فقه وحلم وصرب ونظر‬
‫فيما يصلح من ذلك وما ال يصلح‪ ،‬وما يقدر عليه وما ال يقدر عليه‪ ،‬فيأيت‬
‫باألمر والنهي معتقد ًا أنه مطيع يف ذلك هلل ورسوله وهو متعد حدوده‪ ،‬كما‬
‫انتصب كثير من أهل البدع واألهواء‪ ،‬كالخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم‬
‫ممن غلط فيما أتاه من األمر والنهي والجهاد على ذلك‪ ،‬وكان فساده أعظم‬
‫من صالحه؛ لهذا أمر النبي ‪ H‬بالصرب على جور األئمة‪ ،‬وهنى عن‬
‫قتالهم ما أقاموا الصالة(‪ ،)2‬كما أن التصدر لألمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر بدون فقه ونضج يفتح الباب لظهور مدارس فكرية مختلفة ينقصها‬
‫العلم غالبًا‪ ،‬والتصور المتكامل للواقع وتحدياته‪ ،‬وضيق األفق يف حمل‬

‫((( االستقامة (‪.)٢١١/٢‬‬


‫((( ينظر‪ :‬األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬لشيخ اإلسالم ابن تيمية (ص‪.)12-10 :‬‬

‫‪47‬‬
‫‪ 48‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫هموم األمة وقضاياها؛ مما يؤدي إلى هدم المجتمع وإفساده ال إصالحه؛‬
‫وذلك ألن التصدر لألمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير فقه بالشرع‪،‬‬
‫وأسلوب األمر والنهي وفقهه‪ ،‬وما يرتتب على األمر والنهي من مصالح‬
‫ومفاسد‪ ،‬من أعظم أسباب ظاهرة االنحراف الفكري‪ ،‬فلذلك نجد هذا‬

‫االحنراف الفكري‬
‫الجاهل يخاطب النبي الكريم ‪ H‬هبذا األسلوب‪( :‬اعدل يا محمد)‪،‬‬
‫وهو الذي قال اهلل فيه‪﴿ :‬ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ﴾ [النجم‪ ،]2:‬وهو أعلم‬
‫النّاس باهلل‪ ،‬وأخشاهم واتقاهم هلل‪ ،‬ولهذا كان رد النبي ‪ H‬عليه رد ًا‬
‫ِ‬
‫ض َأ ْن َيتَّق َي َ‬
‫اهَّلل)‪ ،‬وقد جاء‬ ‫(و ْي َل َك َأ َو َل ْس ُت َأ َح َّق َأ ْه ِل ْالَ ْر ِ‬
‫حكيمًا‪ ،‬فقال له‪َ :‬‬
‫بأن من أسباب ظهور االنحراف الفكري وانتشاره تصدر ُحدَ ثاء‬ ‫يف الحديث َّ‬
‫األسنان‪ ،‬ضعفاء الفقه لواجب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬كما قال‬
‫النبي ‪ H‬يف وصفهم‪َ ( :‬قوم حدَ َثاء ْالَسن ِ‬
‫َان‪ُ ،‬س َف َها ُء ْالَ ْحالم‪َ ،‬ي ُقو ُل َ‬
‫ون‬ ‫ْ ُ ُ ْ‬
‫الرمِ َّي ِة)(‪،)1‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مِن َخي ِر َقو ِل ا ْلب ِري ِة‪ ،‬يمر ُق َ ِ‬
‫ون م ْن ْال ْس َل ِم ك ََما َي ْم ُر ُق َّ‬
‫الس ْه ُم م ْن َّ‬ ‫َ َّ َ ْ ُ‬ ‫ْ ْ ْ‬
‫فمن تصدّ ر للدعوة دون علم‪ ،‬وفقه بالشرع‪ ،‬والواقع‪ ،‬والواجب يف الواقع‪،‬‬
‫فقد وضع نفسه يف موضع االنحراف؛ ألن الدعوة ال يقوم هبا حق القيام إال‬
‫أهل البصيرة يف الدين‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ‬
‫ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ﴾ [يوسف‪.]108:‬‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه كتاب التوحيد‪ ،‬باب قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﲭ ﲮ ﲯ‬

‫ﲰ﴾ ‪ ،‬حديث رقم‪ ،)6880( :‬ومسلم يف كتاب الزكاة‪ ،‬باب ذكر الخوارج وصفاهتم‪ ،‬حديث‬
‫رقم‪.)1762( :‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪49‬‬

‫ثامناً‪ :‬القصور والتقصري يف الرتبية‬


‫القصور يف الرتبية على المنهج المستقيم‪ ،‬أو التقصير بعدم الجدية يف‬
‫الرتبية السليمة إلخراج الفرد الصالح‪ ،‬من أسباب االنحراف الفكري‪ ،‬وذلك‬
‫بتنصل بعض األسر‪ ،‬والمدارس‪ ،‬وكثير من مؤسسات المجتمع عن واجبها‬
‫ّ‬
‫االحنراف الفكري‬

‫الرتبوي‪ ،‬أو الرتبية القاصرة التي يهتم فيها بجانب ويرتك فيها جوانب أخرى‬
‫مهمة؛ مثل أن يهتم بجانب العبادة‪ ،‬ويهمل جانب األخالق‪ ،‬كما هو شأن‬
‫الخوارج الذين يحقر أحدكم صالته إلى صالهتم‪ ،‬كما جاء يف الحديث‪َ ( :‬د ْع ُه‬
‫َفإِ َّن َل ُه َأ ْص َحا ًبا َي ْح ِق ُر َأ َحدُ ك ُْم َصال َت ُه َم َع َصالتِ ِه ْم َو ِص َيا َم ُه َم َع ِص َيامِ ِه ْم)‪ ،‬أو‬
‫الرتكيز يف الرتبية على جانب الشدة والقسوة دون االهتمام بالرفق واللين يف‬
‫الدعوة والمعاملة اللذين ما كانا يف شيء إال زاناه‪ ،‬وما نزعا من شيء إال شاناه‪،‬‬
‫أو الرتكيز على الشكل الظاهري يف التد ّين مع إهمال أسس الدين وكل ّياته وقيمه‬
‫ف‬‫وآدابه‪ ،‬كما جاء يف وصف ذي الخويصرة‪َ ( :‬ف َقا َم َر ُج ٌل َغائِ ُر ا ْل َع ْينَ ْي ِن‪ُ ،‬م ْش ِر ُ‬
‫ال َزار)‪ ،‬بما يدل‬ ‫س‪ ،‬م َشمر ْ ِ‬
‫الر ْأ ِ ُ َّ ُ‬ ‫وق َّ‬ ‫َث ال ِّل ْح َي ِة‪َ ،‬م ْح ُل ُ‬ ‫ا ْلوجنَ َتي ِن‪ ،‬ن ِ‬
‫َاش ُز ا ْل َج ْب َهة‪ ،‬ك ُّ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫على ذلك‪ ،‬أو الرتبية على الحفظ دون الفهم كما وصفهم النبي ‪H‬‬
‫او ُز َت َراقِ َي ُه ْم)‪ ،‬وقال‬ ‫آن ال ُي َج ِ‬‫ون ا ْل ُق ْر َ‬
‫بالقراء والح ّفاظ بدون فقه‪ ،‬فقال‪َ ( :‬ي ْق َر ُؤ َ‬ ‫ّ‬
‫القراء‪ّ ،‬‬
‫ويقل الفقهاء)(‪.)1‬‬ ‫النبي ‪( :H‬إنه يف آخر الزمان يكثر ّ‬

‫((( أخرجه الحاكم يف المستدرك‪ ،‬حديث رقم‪ ،)504( :‬وقال‪ :‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه‬
‫ووافقه الذهبي‪ ،‬والطرباين يف األوسط‪ ،‬حديث رقم‪ ،)3277( :‬والهيثمي يف مجمع الزوائد‪،‬‬
‫حديث رقم‪.)889( :‬‬

‫‪49‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬ ‫‪50‬‬

‫تاسعاً‪ :‬غياب الوعي بعواقب االحنراف الفكري‬


‫إن غياب الوعي بخطر االنحراف الفكري وعواقبه؛ على دين الفرد‬ ‫َّ‬
‫وأ ْمن المجتمع والجماعة من قِبل األسرة والمجتمع والدولة‪ ،‬يساعد على‬
‫ظهوره وانتشاره‪ ،‬فبقدر تنبه الفرد والمجتمع لخطره يمكن محاصرته ودحره‪،‬‬

‫االحنراف الفكري‬
‫ولهذا ن ّبه النبي ‪ H‬على خطره على الفرد والجماعة ليظل الجميع‬
‫ون‪َ ،‬قا َل َها َثال ًثا)‪ ،‬وقال‬ ‫(ه َل َك ا ْل ُم َتنَ ِّط ُع َ‬ ‫على حذر كما قال النبي ‪َ :H‬‬
‫َان َق ْب َل ُك ْم ا ْل ُغ ُل ُّو فِي‬
‫ين َفإِن ََّما َأ ْه َل َك َم ْن ك َ‬ ‫‪( :H‬إِ َّياك ُْم َوا ْل ُغ ُل َّو فِي الدِّ ِ‬
‫ون َأ ْه َل‬
‫ال ْس َل ِم َو َيدَ ُع َ‬ ‫ون َأ ْه َل ْ ِ‬ ‫ين)‪ ،‬وقال عن خطره االجتماعي‪َ ( :‬ي ْق ُت ُل َ‬ ‫الدِّ ِ‬
‫ان)‪ ،‬ومن أسباب انتشاره وتأثيره قلة من يتصدون له من مر ّبين ومع ّلمين‬ ‫ْالَو َث ِ‬
‫ْ‬
‫ودعاة وإعالميين ومفكرين‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ‬
‫ﳔ ﳕ﴾ [هود‪.]117:‬‬

‫عاشراً‪ :‬غياب الوعي حبرمة املسلم وحرمة مجاعتهم‬


‫َّ‬
‫إن ضعف االنتماء والوالء لأل ّمة المسلمة يؤدي إلى االستهانة بأرواح‬
‫المؤمنين‪ ،‬وأموالهم‪ ،‬وأمنهم‪ ،‬واستقرارهم؛ وذلك أن الفرد البد أن ير ّبى على‬
‫أنَّه جزء من كل‪ ،‬وواحد يف جماعة‪ ،‬ولبنة يف بناء متماسك‪ ،‬وأن جزء ًا من مهمته‬
‫يف الحياة الحفاظ على مدّ خرات األمة ومكتسباهتا؛ حتى يكون من العين التي‬
‫باتت تحرس يف سبيل اهلل‪ ،‬وأن التعدي على مال أخيه أو عرضه أو نفسه هو‬
‫تعد على حق نفسه‪ ،‬وهذا الضعف يكون غالبًا مصحوبًا بالجهل بالتاريخ‪،‬‬
‫وعدم أخذ الدروس والعرب مما مضى‪ ،‬واالستفادة من ذلك يف تأمين حاضرنا‪،‬‬
‫ّ‬
‫فإن من يقرأ التاريخ من مقتل عثمان ‪ I‬وما بعده‪ ،‬يدرك المفاسد العظيمة‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪51‬‬

‫المرتتبة على مسألة الخروج على الحاكم المسلم‪ ،‬وأثر الفتن يف تأخر األمة‬
‫وضعفها‪ ،‬وأن وجود حاكم ولو كان ظالمًا خير لألمة من بقائها ليلة واحدة‬
‫بال سلطان‪ ،‬وأصحاب الفكر المنحرف كثير ًا ما تجدهم يجهلون عظمة حرمة‬
‫المسلم‪ ،‬وعظمة حرمة جماعته؛ ولذا يسهل عندهم قتل أهل اإلسالم‪ ،‬بل‬
‫االحنراف الفكري‬

‫سهل عليهم قتل من ّ‬


‫بشروا بالجنة من الخلفاء الراشدين‪.‬‬

‫احلادي عشر‪ :‬اجلهل حبقوق غري املسلمني والواجب جتاههم‬


‫من أسباب االنحراف الفكري كذلك الجهل بحقوق غير المسلمين‪،‬‬
‫وما شرعه اهلل لهم وما أوجبه تجاههم؛ ولذا ال تجد لهؤالء المنحرفين أثر ًا‬
‫يف حمل رسالة اإلسالم للناس‪ ،‬والسعي لهدايتهم‪ ،‬كما ال يهتمون بالجهاد‬
‫مع المسلمين فيمن شرع اهلل جهادهم؛ بل هم كما قال النبي ‪:H‬‬
‫ون َأ ْه َل ْالَو َث ِ‬
‫ان)‪ ،‬ومن يهتم منهم تجده منحرف‬ ‫ون َأ ْه َل ْ ِ‬
‫ال ْسال ِم َو َيدَ ُع َ‬ ‫( َي ْق ُت ُل َ‬
‫ْ‬
‫الفكر تجاههم‪ ،‬يرى أن أي كافر حالل الدم‪ ،‬ومباح المال والعرض‪ ،‬وأن‬
‫الواجب تجاه الكافر هو قتله ال هدايته لإلسالم‪ ،‬ومعاملته بالرب والقسطـ‪ ،‬إذا‬
‫كان معاهد ًا‪ ،‬أو مستأ َمنًا وليس له عداء ظاهر لإلسالم والمسلمين‪ ،‬وسبب‬
‫ذلك هو الخلط يف إنزال األدلة التي ّفرقت يف التعامل بين الكافر المحارب‬
‫وغيره‪ ،‬وبين أوقات القوة والضعف‪ ،‬ويجهلون لماذا شرع الجهاد؟‪ ،‬ومتى؟‪،‬‬
‫وأنه ال إكراه يف الدين‪ ،‬وأن الدعوة والمجادلة بالتي هي أحسن مما نص اهلل‬
‫عليه يف كتابه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝ‬
‫ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ﴾ [النحل‪.]125:‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ 52‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫الثاني عشر‪ :‬إهمال ق َيم األخالق يف الرتبية‬


‫إن الفرد المسلم كما ير ّبى على اإليمان ينبغي أن ير ّبى على أخالق‬
‫اإلسالم‪ ،‬فإن إهمال جانب األدب والسلوك هو من أقوى أسباب االنحراف‬
‫الفكري‪ ،‬كما هو ظاهر يف سلوك الخوارج وغيرهم من المنحرفين قديمًا‬

‫االحنراف الفكري‬
‫وحديثًا‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫أ‪ -‬التسرع وعدم التبين يف األمور التي تشاع بين الناس‪ّ :‬‬
‫فإن ذا الخويصرة‬
‫لم يتثبت ويسأل النبي ‪ H‬لماذا فعل كذا‪ ،‬وإنّما سارع يف قوله له‪:‬‬
‫(اتق اهلل‪ ،‬واهلل ما هذه قسمة أريد هبا وجه اهلل)؛ فلذا نجد الخوارج يسارعون‬
‫يف الفتن وال يستقرون على حال‪ ،‬وصفة المؤمن على خالف ذلك‪.‬‬

‫ب‪ -‬التعالم وعدم معرفة اإلنسان قدْ ره‪ :‬والتطاول على مقام العلماء‬
‫والفضالء‪ّ ،‬‬
‫فإن ذا الخويصرة قام يتكلم مع النبي ‪ ،H‬ويأمره أن يتقي‬
‫اهلل وينصحه‪ ،‬جاهالً قدْ ر نفسه‪ ،‬وقدْ ر النبي ‪ ،H‬وقدْ ر من كانوا معه‬
‫من أصحاب النبي ‪ H‬الذين هم أعلم منه‪ ،‬وأقدم إسالمًا‪ ،‬وأولى‬
‫بالحديث‪ ،‬ولهذا كان جهل ُحدَ ثاء األسنان ُس َفهاء العقول بقدْ ر أنفسهم‬
‫جعلهم يتصدرون لقضايا األمة‪ ،‬ويتحدثون بغير فقه‪ ،‬ويك ّفرون من ال يستحق‬
‫التكفير‪ ،‬ويستبيحون الدماء المعصومة‪.‬‬

‫ج‪ -‬سوء الظن باآلخرين‪ :‬فالمؤمن ينبغي عليه أن يحسن الظن بأخيه‬
‫دائمًا فيما يسمعه وينقل له عنه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬
‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ﴾ [الحجرات‪ ،]12:‬وعن النبي ‪ H‬قال‪:‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪53‬‬

‫(إِياكُم وال َّظن َفإِ َّن ال َّظن َأك َْذب ا ْلح ِد ِ‬


‫يث)(‪ ،)1‬وقد سارع ذو الخويصرة يف‬ ‫ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ ْ َ‬
‫إساءة الظن بالنبي ‪ ،H‬وسارع أتباعه فيما بعد يف إساءة الظن بعثمان‬
‫وعلي ‪ L‬وغيرهما‪ ،‬واستحلوا دماءهم الطاهرة بظنون كاذبة‪.‬‬

‫د‪ -‬الجهل بأدب الخالف‪ :‬يف األمور التي يسوغ فيها االختالف‪،‬‬
‫االحنراف الفكري‬

‫أو كيفية التعامل مع الخالف بأنواعه‪ ،‬أو الرتبية على المذهبية الضيقة‪ ،‬أو على‬
‫الفتاوى األحادية‪ ،‬والتعصب للرأي‪ ،‬وعدم احرتام المخالف‪ ،‬واهتامه بالهوى‬
‫والباطل‪.‬‬

‫الثالث عشر‪ :‬التعامل غري الشرعي يف معاجلة املنحرف فكرياً‬


‫من أسباب زيادة االنحراف وانتشاره التعامل غير المنضبط بالفقه‬
‫الشرعي مع من وقع يف االنحراف الفكري‪ ،‬ومن ذلك محاربة كل ملتزم ولو‬
‫كان معتد ً‬
‫ال مستقيمًا بسبب القضاء على المتشددين‪ ،‬أو أخذ الناس بالظنون‬
‫والشبهات دون ب ّينات قاطعة؛ ولذا عندما قال خالد بن الوليد ‪َ :I‬يا‬
‫ول اهَّللِ َأال َأ ْض ِر ُب ُعنُ َقه‪َ ،‬ق َال‪( :‬ال َل َع َّل ُه َأ ْن َي ُك َ‬
‫ون ُي َص ِّلي)‪َ ،‬ف َق َال َخالِدٌ ‪َ :‬وك َْم‬ ‫َر ُس َ‬
‫ول اهَّللِ ‪( :H‬إِنِّي َل ْم‬ ‫ول بِلِ َسانِ ِه َما َل ْي َس فِي َق ْلبِ ِه‪َ ،‬ق َال َر ُس ُ‬
‫مِ ْن ُم َص ٍّل َي ُق ُ‬
‫َّاس‪َ ،‬وال َأ ُش َّق ُب ُطون َُه ْم)‪ ،‬أو استخدام العنف من‪:‬‬ ‫وب الن ِ‬ ‫ُأو َم ْر َأ ْن َأ ْن ُقب َع ْن ُق ُل ِ‬
‫وهنش بالكالب؛ لمن تأثر هبذا الفكر سواء‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وتعذيب بالنار‬ ‫ٍ‬
‫وسجن‬ ‫ٍ‬
‫وتشريد‬ ‫قت ٍل‬
‫حمل السالح أو لم يحمله؛ وقفل باب الحوار والسعي لمعالجة انحرافهم‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ال يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح‬
‫أو يدع‪ ،‬حديث رقم‪ ،)4747( :‬ومسلم يف كتاب الرب والصلة واآلداب‪ ،‬باب تحريم الظن‬
‫والتجسس‪ ،..‬حديث رقم‪.)4646( :‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ 54‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫الفكري من خالل الرد على شبههم‪ ،‬أو التصدي ألصحاب الفكر المنحرف‬
‫بأناس مغضوب عليهم ال يعرفون اهلل‪ ،‬وال يلتزمون بق َيم الشرع مما يكون‬
‫سببًا لتعاطف العامة معهم‪ ،‬وإصرارهم للمضي يف طريقهم بقناعة وثبات‪،‬‬
‫علمًا بأنه ما من نوع من الفساد إال وقد شرع الشرع له معالجات وأحكام‬

‫االحنراف الفكري‬
‫ينبغي االلتزام هبا‪ ،‬وليس يف الشرع مجال للهوى وحظوظ النفس‪ ،‬وإال كانت‬
‫المعالجة سببًا لداء آخر ربما يكون أخطر‪ ،‬وقد قال تعالى‪﴿ :‬ﲘ ﲙ‬
‫ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬
‫ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ﴾‬
‫[المائدة‪ ،]8:‬قال القرطبي‪( :‬دلت اآلية على أن كفر الكافر ال يمنع من العدل‬
‫المثلة هبم‬
‫عليه‪ ،‬وأن يقصر هبم على المستحق من القتال واالسرتقاق‪ ،‬وأن ُ‬
‫بمثلة‬
‫غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمونا بذلك‪ ،‬فليس لنا أن نقتلهم ُ‬
‫قصدا إليصال الغم والحزن عليهم)(‪ ،)1‬وإذا كان هذا يف معاملة الكافر المقاتل‬
‫فكيف تكون المعاملة مع المسلم الباغي‪ ،‬والمنحرف فكريًا‪.‬‬

‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪.)478 / 3‬‬


‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪55‬‬

‫املبحث اخلامس‬
‫عالج االحنراف الفكري‬
‫االحنراف الفكري‬

‫يرى الباحث ّ‬
‫أن المعالجة السليمة والشافية تكون من خالل االهتمام‬
‫بتعليم المفاهيم الصحيحة عن اإلسالم‪ ،‬من خالل المناهج التعليمية‪ ،‬ووسائل‬
‫اإلعالم‪ ،‬وأن نراعي ذلك يف فكرنا وتربيتنا الخاصة يف البيت‪ ،‬والمسجد‪،‬‬
‫ومؤسسات المجتمع المتنوعة‪ ،‬وفق النقاط المذكورة يف هذا المبحث‪ ،‬نُظهر‬
‫من خاللها عظمة هذا الدين‪ ،‬وإحكامه وشموليته واعتداله‪ ،‬ويسره وجماله‬
‫ومتانته‪ ،‬وسلطانه الضابط لهوى النفس وأفكار البشر‪ ،‬بل حركاهتم وسكناهتم‬
‫بما يحقق لهم الخيرية؛ التي هبا تميزت هذه األمة الوسط عن غيرها من األمم‪.‬‬

‫ومن خالل التتبع واالستقراء ألدلة الكتاب العزيز‪ ،‬وما جاء يف بيان‬
‫السنة التي وردت حول هذا الموضوع‪ ،‬والمعالجات التي وضعها النبي‬
‫‪ ،H‬خرجنا هبذه المعالجات الفكرية العملية التي هي كفيلة بإذن اهلل‬
‫تعالى إذا روعيت من خالل تصميم مناهجنا الرتبوية‪ ،‬وبرامجنا اإلعالمية‪،‬‬
‫والدعوية‪ ،‬وعمل المعلمين‪ ،‬والدعاة‪ ،‬والمربين يف البيوت‪ ،‬وأصحاب القرار‪،‬‬
‫بدحر وعالج هذا النوع من االنحراف الخطير على أمن المجتمع واستقراره‪،‬‬
‫وهي كاآلتي‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫‪ 56‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫أو ً‬
‫ال‪ :‬إبراز أهمية لزوم الكتاب والسنة وعدم التقدّم عليهما‬
‫من أبرز األمور إليجاد األمة الوسط‪ ،‬ومحاربة كل صور االنحراف‪،‬‬
‫التزام الجميع بمرجعية واحدة واضحة ثابتة للفرد والجماعة‪ ،‬للحاكم‬
‫والمحكوم‪ ،‬وضحها اهلل ‪ D‬يف كتابه‪ ،‬والنبي ‪ H‬يف سنته‪ ،‬قال‬

‫االحنراف الفكري‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋ ﲌ‬
‫ﲍ ﲎ﴾ [الحجرات‪ ،]1:‬قال أبو حيان األندلسي‪( :‬هنوا من اإلقدام على‬
‫أمر دون االهتداء على أمثلة الكتاب والسنة‪ ،‬والمعنى‪ :‬ال تقطعوا أمر ًا إال‬
‫بعد ما يحكمان به ويأذنان فيه‪ ،‬فتكونوا عاملين بالوحي والسنة‪ ،‬أو مقتدين‬
‫ول اهَّللِ‬‫برسول اهلل ‪ ،)1()H‬وعن العرباض بن سارية قال‪َ :‬و َع َظنَا َر ُس ُ‬
‫ون‪َ ،‬و َو ِج َل ْت‬ ‫الة ا ْل َغدَ ِاة َم ْو ِع َظ ًة َبلِي َغ ًة َذ َر َف ْت مِن َْها ا ْل ُع ُي ُ‬
‫‪ H‬يوما بعدَ ص ِ‬
‫َْ ً َْ َ‬
‫ول‬‫وب‪َ ،‬ف َق َال َر ُج ٌل‪ :‬إِ َّن َه ِذ ِه َم ْو ِع َظ ُة ُم َو ِّد ٍع َف َما َذا َت ْع َهدُ إِ َل ْينَا َيا َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫من َْها ا ْل ُق ُل ُ‬
‫الس ْم ِع َوال َّطا َع ِة َوإِ ْن َع ْبدٌ َح َب ِش ٌّي‪َ ،‬فإِ َّن ُه َم ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهَّلل؟ َقال‪ُ ( :‬أوصي ُك ْم بِ َت ْق َوى اهَّلل َو َّ‬
‫ور َفإِن ََّها َضال َلةٌ‪َ ،‬ف َم ْن‬ ‫ات ْالُ ُم ِ‬ ‫اختِال ًفا كَثِيرا‪ ،‬وإِياكُم ومحدَ َث ِ‬ ‫َي ِع ْش مِنْ ُك ْم َي َرى ْ‬
‫ً َ َّ ْ َ ُ ْ‬
‫اش ِدي َن ا ْل َم ْه ِد ِّيي َن َع ُّضوا عليها‬ ‫اء الر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َأ ْد َر َك َذل َك منْ ُك ْم َف َع َل ْيه بِ ُسنَّتي‪َ ،‬و ُسنَّة ا ْل ُخ َل َف َّ‬
‫اج ِذ)(‪ ،)2‬قال الجنيد‪( :‬الطرق كلها مسدودة على الخلق إال من اقتفى‬ ‫بالن ََّو ِ‬

‫أثر الرسول ‪ ،H‬واتبع سنته‪ ،‬ولزم طريقته‪ ،‬فإن طرق الخيرات كلها‬
‫مفتوحة عليه)(‪ ،)3‬وقال صاحب الطحاوية يف العقيدة السلفية‪( :‬فإنَّه ما سلم‬

‫((( تفسير البحر المحيط (‪.)150/ 8‬‬


‫((( أخرجه الرتمذي يف سننه‪ ،‬حديث رقم‪ ،)2600( :‬وأبي داوود‪ ،‬حديث رقم‪ ،)4607( :‬وابن‬
‫ماجه‪ ،‬حديث رقم‪ ،)42( :‬وصححه األلباين يف السلسلة الصحيحة (‪.)2735( )526/6‬‬
‫((( مدارج السالكين (‪.)126 / 3‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪57‬‬

‫يف دينه إال من س ّلم هلل ‪ D‬ولرسوله ‪ ،H‬ورد ما اشتبه عليه إلى‬
‫عالمه‪ ،‬وال تثبت قد ُم اإلسالم إال على ظهر التسليم واالستسالم)(‪.)1‬‬

‫وقد جاءت عشرات األدلة يف القرآن الكريم التي تؤكد هذا األصل‬
‫العاصم من ّ‬
‫كل أوجه الفتن‪ ،‬من ذلك قوله تعالى‪﴿ :‬ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ‬
‫االحنراف الفكري‬

‫ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ﴾ [آل عمران‪ ،]32:‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﳄ‬


‫ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ‬
‫ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜﳝ ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ﴾‬
‫[النساء‪ ،]59:‬قال ابن تيمية‪( :‬فإذا تنازع المسلمون يف مسألة وجب رد ما‬
‫تنازعوا فيه إلى اهلل والرسول‪ ،‬فأي القولين دل عليه الكتاب والسنة وجب‬
‫اتباعه)(‪ ،)2‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ‬
‫ﲃ ﲄ ﲅ﴾ [األنفال‪ ، ]20:‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬
‫ﱅﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔ ﱕ‬
‫ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ﴾ [النور‪ ،]54:‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﱰ ﱱ ﱲ‬
‫ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ﴾ [محمد‪ ،]33:‬وقال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬
‫ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ﴾ [النساء‪ ،]65:‬وقال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ﴾‬
‫[النور‪ ،]63:‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ‬
‫ﲗ﴾ [الحشر‪ ،]7:‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ‬

‫((( ينظر‪ :‬شرح الطحاوية‪ ،‬لصدر الدين علي بن محمد بن أبي العز الحنفي (ص‪.)165 :‬‬
‫((( مجموع الفتاوى (‪.)12 / 20‬‬

‫‪57‬‬
‫‪ 58‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ ﱺ﴾‬
‫ظاهرا وباطنًا‪ ،‬ومن سار على هنجهما من‬
‫ً‬ ‫[النساء‪ ،]69:‬فا ّتباع الكتاب والسنة‬
‫الخلفاء الراشدين والسابقين األولين من المهاجرين واألنصار‪ ،‬هو العاصم‬
‫(ست ََر ْو َن مِ ْن‬ ‫األول للفرد والجماعة كما أكد ذلك النبي ‪ H‬بقوله‪َ :‬‬

‫االحنراف الفكري‬
‫اش ِدي َن ا ْل َم ْه ِد ِّيي َن‬ ‫اختِال ًفا َش ِديدً ا‪َ ،‬فع َلي ُكم بِسنَّتِي‪ ،‬وسن َِّة ا ْل ُخ َل َف ِ‬
‫اء الر ِ‬ ‫َب ْع ِدي ْ‬
‫َّ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ْ ْ ُ‬
‫ات؛ َفإِ َّن ك َُّل بِدْ َع ٍة َضال َلةٌ)(‪،)1‬‬ ‫اج ِذ‪ ،‬وإِياكُم و ْالُمور ا ْلمحدَ َث ِ‬
‫َع ُّضوا َع َل ْي َها بِالن ََّو ِ َ َّ ْ َ ُ َ ُ ْ‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬فلوال أن سنته وسنة الخلفاء الراشدين تسع المؤمن وتكفيه‬
‫عند االختالف الكثير لم يجز األمر بذلك)(‪ ،)2‬وترك صراطهم المستقيم الذي‬
‫كانوا عليه يف العبادة‪ ،‬أو التشريع‪ ،‬أو الزهد‪ ،‬أو الورع ونحو ذلك؛ بدافع‬
‫التدين يؤدي إلى انحراف فكري يخرج يف هناية األمر عن الدين؛ ّ‬
‫ألن لزوم‬
‫الحق عاصم من هوى النفس‪ ،‬وشر الشيطان؛ وذلك ّ‬
‫ألن طريق الحق‪ ،‬طريق‬
‫علم وعدل وهدى‪( ،‬وطريق البدعة‪ ،‬طريق جهل وظلم‪ ،‬وفيها ا ّتباع الظن وما‬
‫هتوى األنفس)(‪ ،)3‬قال ابن القيم‪( :‬ما أمر اهلل بأمر إال وللشيطان فيه نزغتان‪:‬‬
‫فإما إلى غلو ومجاوزة‪ ،‬وإما إلى تفريط وتقصير‪ ،‬وهما آفتان ال يخلص منهما‬
‫يف االعتقاد والعمل إال من مشى خلف رسول اهلل ‪ ،H‬وترك أقوال‬
‫الناس وآراءهم لما جاء به‪ ،‬ال من ترك ما جاء به ألقوالهم وآرائهم)(‪.)4‬‬

‫((( أخرجه أحمد يف المسند‪ ،‬حديث رقم‪ ، )16521( :‬وابن ماجه‪ ،‬حديث رقم‪ ،)42( :‬والدارمي‪،‬‬
‫حديث رقم‪ ،)95( :‬وصححه األلباين يف صحيح سنن ابن ماجه حديث رقم‪.)40( :‬‬
‫(( ( االستقامة (‪.)4 / 1‬‬
‫((( مجموع الفتاوى (‪.)568 / 10‬‬
‫((( كتاب الروح (ص‪.)545 :‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪59‬‬

‫ومن هنا يظهر لنا أن بداية الضالل يكون يف ترك الكتاب والسنة سواء أكان‬
‫ذلك يف ترك أصل ما شرع اهلل‪ ،‬أو يف مقداره وكيفياته‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فالخوارج‬
‫لم يضلوا يف أصل العبادات التي من أعظمها الصالة‪ ،‬والصيام‪ ،‬وقراءة القرآن‪،‬‬
‫وإنّما ضلوا يف عدم اقتصارهم على ما شرع اهلل‪ ،‬كما قال النبي ‪:H‬‬
‫االحنراف الفكري‬

‫( َد ْع ُه َفإِ َّن َل ُه َأ ْص َحا ًبا َي ْح ِق ُر َأ َحدُ ك ُْم َصال َت ُه َم َع َصالتِ ِه ْم‪َ ،‬و ِص َيا َم ُه َم َع ِص َيامِ ِه ْم‪،‬‬
‫او ُز َت َراقِ َي ُه ْم)‪ ،‬أي‪ :‬أهنم يغلون يف ذلك حتى يحقر الواحد‬‫آن ال ُي َج ِ‬
‫ون ا ْل ُق ْر َ‬
‫َي ْق َر ُؤ َ‬
‫ون مِ ْن الدِّ ِ‬
‫ين‬ ‫عبادته يف جنب عبادة هؤالء‪ ،‬وهم مع ذلك يف هناية أمرهم ( َي ْم ُر ُق َ‬
‫الرمِ َّي ِة)‪ ،‬فهذه األجناس الثالثة مع أهنا يف أصلها مشروعة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ك ََما َي ْم ُر ُق َّ‬
‫الس ْه ُم م ْن َّ‬
‫ومما يحبها اهلل ولكنهم لما لم يلتزموا بالمقدار والكيفية التي شرعها اهلل‪ ،‬كان‬
‫ذلك االنحراف سببًا لخروجهم عن الدين‪ ،‬ولهذا قال السلف‪( :‬اقتصاد يف‬
‫سنة‪ ،‬خير من اجتهاد يف بدعة)(‪ ،)1‬وقد ورد يف الصحيحين عن أبي سلمة بن‬
‫عبد الرحمن أن عبد اهلل بن عمرو قال‪ :‬أخبِر رسول اهلل ‪ H‬أين أقول‪:‬‬
‫ألصو َم َّن الن ََّه َار‪َ ،‬وألَ ُقو َم َّن ال َّل ْي َل َما ِع ْش ُت‪َ ،‬ف ُق ْل ُت َل ُه‪َ :‬قدْ ُق ْل ُت ُه بِ َأبِي َأن َْت‬ ‫ِ‬
‫َواهَّلل ُ‬
‫يع َذل ِ َك َف ُص ْم َو َأ ْفطِ ْر‪َ ،‬و ُق ْم َون َْم‪َ ،‬و ُص ْم مِ ْن َّ‬
‫الش ْه ِر‬ ‫ِ‬
‫َو ُأ ِّمي‪َ ،‬ق َال‪َ ( :‬فإِن ََّك ال َت ْستَط ُ‬
‫َثال َث َة َأ َّيا ٍم‪َ ،‬فإِ َّن ا ْل َح َسنَ َة بِ َع ْش ِر َأ ْم َثال ِ َها‪َ ،‬و َذل ِ َك مِ ْث ُل ِص َيا ِم الدَّ ْهر)‪ُ ،‬ق ْل ُت‪ :‬إِنِّي‬
‫ُأطِ ُيق َأ ْف َض َل مِ ْن َذل ِ َك‪َ ،‬ق َال‪َ ( :‬ف ُص ْم َي ْو ًما َو َأ ْفطِ ْر َي ْو َم ْي ِن) ُق ْل ُت‪ :‬إِنِّي ُأطِ ُيق َأ ْف َض َل‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫السالم َو ُه َو‬ ‫م ْن َذل َك‪َ ،‬قال‪َ ( :‬ف ُص ْم َي ْو ًما َو َأ ْفط ْر َي ْو ًما؛ َف َذل َك ص َيا ُم َد ُاو َد َع َل ْيه َّ‬
‫الص َيا ِم)‪َ ،‬ف ُق ْل ُت‪ :‬إِنِّي ُأطِ ُيق َأ ْف َض َل مِ ْن َذل ِ َك‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ‪:H‬‬ ‫َأ ْف َض ُل ِّ‬
‫(ال َأ ْف َض َل مِ ْن َذل ِ َك)(‪ ،)2‬فهذا الحديث برواياته المختلفة يدل على فقه عظيم‬

‫((( مجموع الفتاوى (‪.)393/ 11‬‬


‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب صوم الدهر‪ ،‬حديث رقم‪= ،)1840( :‬‬

‫‪59‬‬
‫‪ 60‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫حيث أن النبي ‪ H‬هناه عن هذه الصور من العبادات المخالفة لما‬


‫شرع‪ ،‬مع أهنا يف أصلها من أحب األعمال عند اهلل؛ لكن الفضل ال يكون إال‬
‫بالتزام ما شرعه اهلل‪ ،‬ولهذا عندما قال‪( :‬إِنِّي ُأطِ ُيق َأ ْف َض َل مِ ْن َذل ِ َك)‪ ،‬رد عليه‬
‫ِ ِ‬
‫النَّبِ ُّي ‪( :H‬ال َأ ْف َض َل م ْن َذل َك)‪ ،‬أي‪ :‬ليست هنالك صورة ّ‬
‫تقرب‬

‫االحنراف الفكري‬
‫إلى اهلل أفضل مما شرعه؛ ألن تلك الصورة وإن كانت طيبة لكنها لما يرتتب‬
‫عليها من ضرر؛ ولما تؤدي إليه من انحراف وانقطاع‪ ،‬هنى عنها الشرع‪ ،‬كما‬
‫جاء يف إحدى روايات الحديث قال‪َ ( :‬فإِن ََّك إِ َذا َف َع ْل َت َذل ِ َك َه َج َم ْت(‪َ )1‬ع ْين َُك‪،‬‬
‫َون َِف َه ْت َن ْف ُس َك(‪ ،)3())2‬فالبعد عن الكتاب والسنة علمًا وعمالً‪ ،‬وعدم الوقوف‬
‫عند حدودهما‪ ،‬هو بداية الشر‪ ،‬وأعظم مدخل من مداخل الشيطان؛ ولذا ّ‬
‫فإن‬
‫ثمرة االنحراف عن الكتاب والسنة للمسلم يف دينه ودنياه الهالك واالنقطاع‪،‬‬
‫والسالمة دائمًا يف لزوم الكتاب والسنة للثبات على الحق‪ ،‬ورد كل شبهة‬
‫وباطل يوجه إليه النحرافه‪ ،‬قال الشنقيطي‪( :‬ولو كان المسلمون يتعلمون‬
‫كتاب اهلل وسنة رسوله ‪ ،H‬ويعملون بما فيهما‪ ،‬لكان ذلك ِحصنا‬
‫منيعا لهم من تأثير الغزو الفكري يف عقائدهم ودينهم‪ ،‬ولكن لما تركوا الوحي‬
‫ونبذوه وراء ظهورهم‪ ،‬واستبدلوا به أقوال الرجال‪ ،‬لم تقم لهم أقوال الرجال‬
‫ومذاهب األئمة رحمهم اهلل مقام كالم اهلل‪ ،‬واالعتصام بالقرآن‪ ،‬وكالم النبي‬

‫= ومسلم يف كتاب الصيام‪ ،‬باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به‪ ،‬حديث رقم‪.)1972( :‬‬
‫ِ ِ‬
‫(( ( َه َج َم ْت َع ْينك‪ :‬بِفتح الجيم‪ ،‬أي‪َ :‬غ َار ْت َأ ْو َض ُع َف ْت ل َك ْث َرة َّ‬
‫الس َهر‪ ،‬فتح الباري (‪.)286 /4‬‬
‫تعبت و َك َّلت‪ ،‬فتح الباري (‪.)286 /4‬‬ ‫((( ن َِفه ْت‪ :‬بنون ثم فاء مكسورة‪َ ،‬أي‪ِ :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه‪،‬‬
‫حديث رقم‪.)1085( :‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪61‬‬

‫‪ ،H‬والتحصن بسنته‪ ،‬ولذلك وجد الغزو الفكري طريقا إلى قلوب‬


‫الناشئة من المسلمين‪ ..‬وبالجملة فمما ال شك فيه أن هذا الغزو الفكري الذي‬
‫قضى على كيان المسلمين ووحدهتم‪ ،‬وفصلهم عن دينهم؛ لو صادفهم وهم‬
‫متمسكون بكتاب اهلل وسنة رسوله لرجع مدحورا يف غاية الفشل لوضوح‬
‫االحنراف الفكري‬

‫أدلة الكتاب والسنة‪ ،‬وكون الغزو الفكري المذكور لم يستند إال على الباطل‬
‫والتمويه كما هو معلوم)(‪.)1‬‬

‫ثانياً‪ :‬نشر الفقه السليم لإلسالم‪ ،‬وإبراز مقاصد التشريع‬


‫ينبغي لنا أن نعلم ّ‬
‫أن النّاس يقعون يف الشر والباطل؛ بسبب جهلهم‬
‫غالبًا بالفهم السليم للدين وفق ما كان عليه النبي ‪ H‬وأصحابه‪ ،‬وإن‬
‫تلوا القرآن‪ ،‬وقرأوا أحاديث النبي ‪ ،H‬كما هو شأن الخوارج الذين‬
‫قرأوا القرآن دون فهم له‪ ،‬وقد قرن اهلل تعالى السوء بالجهل يف أربعة مواضع‬
‫يف كتابه(‪ ،)2‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱠ ﱡﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬
‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ﴾ [األنعام‪َّ ، ]54:‬‬
‫ألن نور اهلل وفق هدي خيار هذه‬
‫األمة؛ هو الذي يهدي إلى الخير‪ ،‬ويعصم من الشر‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱜ‬
‫ﱝ ﱞﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬
‫ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬
‫ﱲ ﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺ ﱻﱼ‬
‫ﱽﱾﱿﲀ ﲁﲂﲃﲄﲅ‬

‫(( ( أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن (‪.)378 / 7‬‬


‫((( ينظر‪ :‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪ ،)7( :‬وسورة النحل‪ ،‬اآلية‪ ،)119( :‬وسورة الحجرات‪ ،‬اآلية‪.)6( :‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ 62‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ﲆ﴾ [المائدة‪ ،]16-15:‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ‬


‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯﱰ‬
‫ﱱ ﱲ﴾ [النساء‪ ،]115:‬فسبيل المؤمنين هو طريق أصحاب‬
‫النبي ‪ ،H‬فهم خيار هذه األمة فهمًا للدين‪ ،‬ولم يبدلوا هنج سيد‬

‫االحنراف الفكري‬
‫المرسلين‪ ،‬وما ظهرت الفرق وانتشرت إال من بعد قروهنم المباركة‪ ،‬وما‬
‫خرج من علمهم خرج من مشكاة النبوة الطاهرة؛ ألن أساس العلم يقوم‬
‫على الفهم السليم للدين ال على الحفظ بدون فهم‪ ،‬ولهذا فإن من صفات‬
‫الخوارج ضعف الفقه يف الدين‪ ،‬وما تصدّ رهم للقضايا العظام‪ ،‬والتسرع يف‬
‫التكفير وسفك الدماء إال نتيجة سوء فهمهم؛ ويظهر هذا واضحًا من خالل‬
‫(واهَّللِ إِ َّن َه ِذ ِه ا ْل ِق ْس َم َة َما ُع ِد َل‬
‫عدد من األدلة‪ ،‬من ذلك قول ذلك الرجل‪َ :‬‬
‫فِ َيها‪َ ،‬و َما ُأ ِريدَ بِ َها َو ْج ُه اهَّلل)‪ ،‬فكان رد النبي ‪ H‬عليه عميقًا فقال له‪:‬‬
‫وذ َي بِ َأ ْك َث َر مِ ْن َه َذا‬
‫( َفمن يع ِد ُل إِ َذا َلم يع ِد ْل اهَّلل ورسو ُله؛ ر ِحم اهَّلل موسى َقدْ ُأ ِ‬
‫ُ ََ ُ ُ َ َ ُ ُ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫َف َص َب َر)‪ ،‬ويف رواية قال له‪َ ( :‬ف َم ْن ُيطِ ِع ال َل َه إِ ْن َع َص ْي ُت ُه)‪ ،‬فلو كان له فقه يف دينه ما‬
‫تجرأ لمثل هذا الكالم الذي ال يصدر إال عن جاهل؛ ألنَّه ال يمكن أن يختار‬
‫ال ال يتصف بالصدق واألمانة‪ ،‬وهل يمكن لعاقل‬ ‫اهلل ‪-‬الحكيم العليم‪ -‬رسو ً‬
‫ِ‬
‫أن يتّبع ظالمًا خائنًا؟! ولهذا قال يف رواية‪َ ( :‬أ َي ْأ َمنُني ُ‬
‫اهَّلل َع َلى َأ ْه ِل األَ ْر ِ‬
‫ض فال‬
‫َت ْأ َمنُونِي)‪ ،‬ومما يدل على جهله أن يتجرأ‪ ،‬فيأمر وينهي رسول اهلل ‪H‬‬
‫الذي يجب عليه أن يطيعه‪ ،‬ويتبعه‪ ،‬ويو ّقره‪ ،‬ويخفض صوته بين يديه كما قال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ﴾ [النساء‪،]64:‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪63‬‬

‫ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ﴾ [الحجرات‪،]2:‬‬
‫ون كِتَاب اهَّللِ‬
‫ومما يدل على جهلهم وعدم فقههم قوله ‪َ ( :H‬ي ْت ُل َ‬
‫َ‬
‫َل ِّينًا َر ْط ًبا)‪ ،‬أي‪ :‬سهالً لكثرة حفظهم له‪ ،‬ولكن (ال يتجاوز حناجرهم)‪ ،‬قال‬
‫القاضي عياض‪( :‬معناه ال تفقهه قلوهبم وال ينتفعون بما تلوا منه‪ ،‬وال لهم حظ‬
‫االحنراف الفكري‬

‫سوى تالوة الفم‪ ،‬والحنجرة‪ ،‬والحلق‪ ،‬إذ هبما تقطيع الحروف)(‪ ،)1‬وقد جاء‬
‫او ُز َصال ُت ُه ْم‬ ‫آن َي ْح ِس ُب َ‬
‫ون َأ َّن ُه َل ُه ْم َو ُه َو َع َل ْي ِه ْم‪ ،‬ال ُت َج ِ‬ ‫ون ا ْل ُق ْر َ‬
‫يف رواية‪َ ( :‬ي ْق َر ُؤ َ‬
‫الرمِ َّي ِة)(‪ ،)2‬ولهذا تجدهم‬ ‫ِ‬
‫الس ْه ُم م ْن َّ‬
‫َتراقِ َي ُهم‪َ ،‬يمر ُق َ ِ ِ‬
‫ون م ْن اإل ْسال ِم ك ََما َي ْم ُر ُق َّ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫َ‬
‫يستدلون لبدعتهم وانحرافهم بأدلة من الكتاب والسنة‪ ،‬ولكن بدون فقه سليم‬
‫فإن الخيرية يف الدين ال تكون إال ألهل الفقه كما قال رسول ال ّله‬ ‫لها‪ ،‬ولذا َّ‬
‫ين)(‪ ،)3‬ومما يدل على جهل‬ ‫اهَّلل بِ ِه َخ ْي ًرا ُي َف ِّق ْه ُه فِي الدِّ ِ‬
‫‪َ ( :H‬م ْن ُي ِر ْد ُ‬
‫أصحاب االنحراف الفكري ولو كان ذلك بمقاصد سليمة؛ تقليلهم لعبادة‬
‫(و َأ ْي َن ن َْح ُن مِ ْن‬
‫النبي ‪ ،H‬وظنهم أنه اتكل على عفو اهلل له فقالوا‪َ :‬‬
‫النَّبِ ِّي ‪ H‬و َقدْ ُغ ِف َر َل ُه َما َت َقدَّ َم مِ ْن َذ ْنبِ ِه َو َما َت َأ َّخ َر)‪ ،‬وهل يمكن أن يفوق‬
‫أحد من هذه األمة رسول اهلل ‪ H‬يف التقوى والصالح‪ ،‬ولهذا قال‬
‫لهم‪َ ( :‬أ َما َواهَّللِ إِنِّي َلَ ْخ َشاك ُْم ل ِ َّل ِه َو َأ ْت َقاك ُْم َل ُه)‪ ،‬فأرادوا بجهلهم أن يتجاوزوا‬
‫َمن أمرهم اهلل باإلقتداء به‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ‬

‫((( صحيح مسلم بشرح النووي (‪.)141 / 7‬‬


‫((( أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب التحريض على قتل الخوارج‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪.)1773‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب من يرد اهلل به خير ًا يفقه يف الدين‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)69‬ومسلم يف كتاب الزكاة‪ ،‬باب النهي عن المسألة‪ ،‬حديث رقم‪.)1729( :‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ 64‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ﴾ [األحزاب‪ ،]21:‬وخير‬
‫فقه لهذا الدين هو ما كان عليه أصحاب النبي ‪ H‬الذين رضي اهلل‬
‫عنهم فيما كانوا عليه من العلم والعمل‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱁ ﱂ‬
‫ﱃﱄﱅﱆ ﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍ‬

‫االحنراف الفكري‬
‫ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ ﱚ﴾‬
‫[التوبة‪ ،]100:‬فال سبيل لمجتمع قويم بدون وعي بالدين المستقيم على‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وعلى فهم سلف األمة وعلمائها الراسخين‪ ،‬ومحاربة كل‬
‫األفكار المخالفة لما كانوا عليه‪ ،‬قال ابن القيم‪( :‬ال يتصور حصول االستقامة‬
‫يف القول والعمل والحال إال بعد الثقة بصحة ما معه من العلم‪ ،‬وأنه مقتبس‬
‫من مشكاة النبوة‪ ،‬ومن لم يكن كذلك فال ثقة له وال استقامة)(‪.)1‬‬

‫وهذا يتطلب مراجعة شاملة لما ُيقدَّ م‪ ،‬هل هو قائم على منهج سليم‬
‫وفقه صحيح أم ال؟ وال يتصور فهم سليم للدين إال إذا كان نابعًا من هدي‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬وكان على هنج سلف هذه األمة الذين رضي اهلل عنهم‬
‫ورضوا عنه‪ ،‬وللوصول إلى ذلك البد من تعلم القواعد األساسية التي‬
‫الم ْحكم‪ ،‬والمتشابه الحقيقي‬
‫توصل للفهم السليم‪ ،‬كقاعدة رد المتشابه إلى ُ‬
‫الذي ال سبيل إلى معرفته فالواجب على العبد اإليمان به‪ ،‬وتفويض العلم‬
‫بكيفيته وكنهه ووقته إلى اهلل ‪ ،D‬وال يخوض فيه ابتغاء تأويله؛ إذ الخوض‬
‫يف ذلك من أسباب الفتنة‪ ،‬ويؤدي إلى الحيرة والضالل كما قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ‬

‫((( مدارج السالكين (‪.)125/ 3‬‬


‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪65‬‬

‫ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ﴾ [آل عمران‪ .]7:‬وأما إن كان من قبيل المتشابه النسبي‬


‫الم ْحكم‬
‫الذي يعلمه الراسخون من أهل العلم بالتدبر للمعنى‪ ،‬ورده إلى ُ‬
‫من النصوص‪ ،‬ويعلمه غيرهم بالرجوع إليهم وسؤالهم عنه‪ ،‬فالواجب على‬
‫العبد يف هذا النوع اإليمان بالنص أو ً‬
‫ال يف الجملة؛ حتى يتبين له معناه بالنظر‬
‫االحنراف الفكري‬

‫والدراسة والتدبر إن كان أهالً‪ ،‬أو سؤال العلماء الذين يب ّينون له ذلك‪ ،‬قال ابن‬
‫القيم‪( :‬طريقة الصحابة والتابعين‪ ،‬وأئمة الحديث كالشافعي‪ ،‬واإلمام أحمد‪،‬‬
‫ومالك‪ ،‬وأبي حنيفة‪ ،‬وأبي يوسف والبخاري‪ ،‬وإسحاق‪ ..‬أهنم ير ُّدون المتشابه‬
‫فسر لهم المتشابه ويبينه لهم‪ ،‬فتتفق‬
‫الم ْحكم ما ُي ِّ‬
‫الم ْحكم‪ ،‬ويأخذون من ُ‬
‫إلى ُ‬
‫بعضها‬
‫الم ْحكم‪ ،‬وتوافق النصوص بعضها بعضًا‪ ،‬ويصدّ ق ُ‬
‫داللته مع داللة ُ‬
‫بعضا‪ ،‬فإنَّها كلها من عند اهلل‪ ،‬وما كان من عند اهلل فال اختالف فيه وال تناقض؛‬
‫وإنما االختالف والتناقض فيما كان من عند غيره)(‪.)1‬‬

‫أما الرد‪ ،‬والتكذيب‪ ،‬والتحريف فهو شأن أهل الزيغ والضالل كما جاء‬
‫عن معاذ بن جبل ‪ I‬أنه قال‪( :‬يقرأ القرآن رجالن‪ :‬فرجل له فيه هوى ونية‬
‫يفليه فلي الرأس‪ ،‬يلتمس أن يجد فيه أمر ًا يخرج به إلى الناس‪ ،‬أولئك شرار‬
‫أمتهم‪ ،‬أولئك يعمي اهلل عليهم سبيل الهدى‪ ،‬ورجل يقرأه ليس له فيه هوى وال‬
‫نية يفليه فلي الرأس‪ ،‬فما تب ّين له عمل به‪ ،‬وما اشتبه عليه وكله إلى اهلل‪ ،‬ليتفقه ّن‬
‫فيه فقهًا ما فقهه قوم قط‪ ،‬حتى لو أن أحدهم مكث عشرين سنة ليبعث ّن اهلل‬
‫له من يب ّين له اآلية التي أشكلت عليه‪ ،‬أو يفهمه إياها من قِبل نفسه)(‪ ،)2‬قال‬

‫((( إعالم الموقعين (‪.)58 / 4‬‬


‫((( ذكره شيخ اإلسالم بإسناده يف مجموع الفتاوى (‪.)394 / 17‬‬

‫‪65‬‬
‫‪ 66‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ابن كثير‪( :‬فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه‪ ،‬وح َّك َم ُم ْحكمه على متشاهبه‬
‫عنده فقد اهتدى‪ ،‬ومن عكس انعكس)(‪ ،)1‬وكقاعدة جماع الدين أال يعبد إال‬
‫اهلل وأن ال يعبد اهلل إال بما شرع‪ ،‬وكقاعدة العربة بعموم اللفظ ال بخصوص‬
‫السبب‪ ،‬ونحو ذلك مما ق ّعده علماء الفقه وأصوله‪.‬‬

‫االحنراف الفكري‬
‫ثالثاً‪ :‬اإلعداد اخلاص للدعاة والعلماء للقيام بواجبهم‬
‫ينبغي إعداد العلماء والدعاة للقيام بواجبهم يف هداية الناس للطريق‬
‫المستقيم‪ ،‬ورد األفكار المنحرفة‪ ،‬ونشر نور النبوة بين الناس؛ ألنه كلما ّ‬
‫قل‬
‫نور النبوة وقع الشر‪ ،‬وكثرت الفتن‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪( :‬فإذا انقطع‬
‫عن الناس نور النبوة وقعوا يف ظلمة الفتن‪ ،‬وحدثت البدع والفجور‪ ،‬ووقع‬
‫قل العلم ظهر الجفاء‪ ،‬وإذا ق َّلت اآلثار‬
‫الشر بينهم‪ ،‬وقال مالك بن أنس‪ :‬إذا ّ‬
‫ظهرت األهواء)(‪ ،)2‬فالخير الذي يحدث للناس يف حياهتم هو بقدْ ر معرفتهم‬
‫بنور اهلل‪ ،‬وانتشاره بينهم‪ ،‬واهتدائهم به‪ ،‬وإال أصاهبم من الشقاء بقدْ ر تفريطهم‬
‫فيه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﲭ ﲮ ﲯ ﲰﲱ ﲲ ﲳ ﲴﲵ ﲶ ﲷ‬
‫ﲸﲹ ﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄ ﳅ‬
‫ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ﴾ [طه‪ ،]124-123:‬والبد‬
‫للعلماء والدعاة أن يكونوا مرجعًا لألمة فيما يشكل عليها من األدلة‪ ،‬أو ما‬
‫يشتبه من أحوال الزمان وأزماته‪ ،‬فإن سكوت العلماء وقادة الفكر عن إعطاء‬
‫الدواء المقنع الشايف لما تعاين منه األ ّمة من أزمات‪ ،‬والفقه المرحلي يف التعامل‬

‫((( المصباح المنير يف هتذيب تفسير ابن كثير (ص‪.)205 :‬‬


‫((( مجموع الفتاوى (‪.)310/17‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪67‬‬

‫معها‪ ،‬واالهتداء الواضح بمنهج النبي ‪ H‬يف التعامل مع األحداث‬


‫واألزمات يف أوقات الضعف والقوة‪ ،‬وإنزال كل فقه يف موضعه الصحيح؛‬
‫لحدَ ثاء األسنان ليتكلموا بغير علم‪ ،‬فالبد للعلماء من إجابات‬
‫يفتح المجال ُ‬
‫شافية لكثير من األسئلة التي تدور يف أذهان الشباب المسلم‪ ،‬والتي أصبحت‬
‫االحنراف الفكري‬

‫تنمو من خالل القنوات الفضائية؛ ألنّه إن سكت العلماء تحدّ ث غيرهم‬


‫فض ّلوا‪ ،‬وأض ّلوا‪ ،‬وكذلك ليقوموا بالرد على أصحاب الفكر المنحرف‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫عدم تصدي العلماء ألصحاب الفكر المنحرف والرد على ما يثيرونه من ُشبه‪،‬‬
‫وفضح انحرافهم على المأل هو من أسباب انتشار هذا الفكر‪ ،‬ولهذا تصدى‬
‫أصحاب النبي ‪ H‬له‪ ،‬وبينوا انحراف أصحابه‪ّ ،‬‬
‫فإن أنجح الطرق يف‬
‫محاربة الباطل دحضه بالحق‪ ،‬ومقابلة ُ‬
‫الشبه بالحجة كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱁ‬
‫ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ﴾ [الفرقان‪ ،]33 :‬فأهل‬
‫الفكر المنحرف يظهرون دائمًا عند انقباض العلم والفقه السليم‪ ،‬وضعف‬
‫انتشاره‪ ،‬وغياب العلماء الراسخين‪ ،‬والدعاة الصالحين‪ ،‬أو عدم االلتزام‬
‫برأيهم‪ ،‬والتشكيك يف علمهم‪ ،‬فإن الذين قاتلوا عليًا لم يأخذوا بعلمه‪ ،‬ولم‬
‫يهتدوا بحجج ابن عباس التي ساقها إليهم‪ ،‬وكان منهجهم التشكيك فيهم ويف‬
‫علمهم‪.‬‬

‫والبد من إسناد األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ألهل العلم‬


‫والفضل الذين يتم إعدادهم علميًا وتربويًا لذلك‪ ،‬وعدم ترك ذلك لضعفاء‬
‫وس َفهاء األحالم‪ ،‬وإنشاء مؤسسات تقوم بنشر‬
‫وحدَ ثاء األسنان‪ُ ،‬‬
‫الفقه‪ُ ،‬‬
‫الفضيلة ومحاربة الرذيلة؛ حتى ال يرتك أمر الدعوة لمن ضعف فقههم‪َّ ،‬‬
‫وقل‬

‫‪67‬‬
‫‪ 68‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫علمهم فيما دق من األمور‪ ،‬قال النووي‪( :‬إنما يأمر وينهى من كان عالمًا بما‬
‫يأمر به وينهى عنه؛ وذلك يختلف باختالف الشيء‪ ،‬فإن كان من الواجبات‬
‫الظاهرة‪ ،‬والمحرمات المشهورة كالصالة والصيام‪ ،‬والزنا والخمر ونحوها‪،‬‬
‫فكل المسلمين علماء هبا‪ ،‬وإن كان من دقائق األفعال واألقوال‪ ،‬وما يتعلق‬

‫االحنراف الفكري‬
‫باالجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه‪ ،‬وال لهم إنكاره بل ذلك للعلماء)(‪،)1‬‬
‫يفرق بين ما ينبغي أن يتكلم فيه‪ ،‬وما‬
‫فبعض الناس يتصدر للدعوة لكنه ال ّ‬
‫يسكت عنه ويدعه للعلماء‪ ،‬فيقع بسبب ذلك يف المهالك‪ ،‬فالبد للدولة‬
‫المسلمة من إنشاء مؤسسات ذات إعداد خاص لتأهيل العلماء الربانيين‪،‬‬
‫والعمل على إبرازهم لألمة لتنتفع بعلمهم‪ ،‬وترجع إليهم فيما يشكل عليهم‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬تعليم احلقوق‬


‫هنالك حقوق عظيمة يف اإلسالم يف تعلمها والعمل هبا‪ ،‬يتحقق من‬
‫خالل ذلك أ ْمن المجتمع‪ ،‬من أبرزها ما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬تعليم حق اجلماعة املسلمة وحاكمها‪:‬‬

‫يجب أن ُيع ّلم الفرد المسلم لزوم جماعة المسلمين وإمامهم‪ ،‬ومواالهتم‪،‬‬
‫وإدراك عاقبة الخروج عن جماعتهم‪ ،‬وتشتيت أمرهم‪ ،‬وزرع االختالف‬
‫والنزاع بينهم‪ّ ،‬‬
‫فإن من األصول العظيمة التي أكدها اإلسالم وأمر هبا؛ التزام‬
‫الجماعة واالئتالف معهم‪ ،‬وعدم االختالف والخروج عليهم‪ ،‬ونقصد‬

‫(( ( ينظر‪ :‬صحيح مسلم بشرح النووي (‪.)23/2‬‬


‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪69‬‬

‫بذلك جماعة العلماء واألمراء‪ ،‬كما قال تعالى‪ ﴿:‬ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ‬


‫ﱥ ﱦ﴾ [آل عمران‪ ،]103 :‬قال السعدي يف تفسير هذه اآلية‪( :‬فإن يف‬
‫اجتماع المسلمين على دينهم‪ ،‬وائتالف قلوهبم يصلح دينهم وتصلح دنياهم‪،‬‬
‫وباالجتماع يتمكنون من كل أمر من األمور‪ ،‬ويحصل لهم من المصالح التي‬
‫االحنراف الفكري‬

‫تتوقف على االئتالف ما ال يمكن عدها‪ ،‬من التعاون على الرب والتقوى‪ ،‬كما‬
‫أن باالفرتاق والتعادي يختل نظامهم‪ ،‬وتنقطع روابطهم‪ ،‬ويصير كل واحد‬
‫يعمل ويسعى يف شهوة نفسه ولو أدى إلى الضرر العام)(‪ ،)1‬وقال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ﴾ [األنعام‪،]159:‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ‬
‫ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ﴾ [الروم‪ ،]32-31:‬وقال تعالى‪:‬‬
‫�‬
‫﴿ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬
‫ﲤ﴾ [آل عمران‪ ،]105:‬وقال ‪َ ( :H‬ع َل ْي ُك ْم بِا ْل َج َما َع ِة َوإِ َّياك ُْم‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َوا ْل ُف ْر َقة‪َ ،‬فإِ َّن َّ‬
‫ان َم َع ا ْل َواحد َو ُه َو م ْن ال ْثنَ ْي ِن َأ ْب َعدُ ‪َ ،‬م ْن َأ َرا َد ُب ْح ُب َ‬
‫وح َة‬ ‫الش ْي َط َ‬
‫ا ْل َجن َِّة َف ْل َي ْل َز ْم ا ْل َج َما َعة‪َ ،‬م ْن َس َّر ْت ُه َح َسنَ ُت ُه َو َسا َء ْت ُه َس ِّي َئ ُت ُه َف َذل ِ ُك ْم ا ْل ُم ْؤمِن)(‪،)2‬‬
‫الذئْب ا ْل َق ِ‬ ‫ِ‬
‫اص َيةَ)(‪ ،)3‬وعن‬ ‫وقال ‪َ ( :H‬ف َع َل ْي ُك ْم بِا ْل َج َما َعة َفإِن ََّما َي ْأك ُُل ِّ ُ‬

‫((( تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان (ص‪.)142 :‬‬


‫((( أخرجه أحمد يف المسند‪ ،‬حديث رقم‪ ،)2156( :‬والرتمذي يف السنن‪ ،‬حديث رقم‪،)2091( :‬‬
‫وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح سنن الرتمذي‪ ،‬حديث‬
‫رقم‪.)2206( :‬‬
‫((( أخرجه أحمد يف المسند‪ ،‬حديث رقم‪ ، )26242( :‬وأبو داود يف السنن‪ ،‬حديث رقم‪،)460( :‬‬
‫والنسائي يف الكربى‪ ،‬حديث رقم‪ ،)838( :‬وحسنه األلباين يف صحيح سنن أبي داود‪ ،‬حديث‬
‫رقم‪.)547( :‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ 70‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ِ‬
‫ب‬ ‫عرفجة بن شريح األشجعي قال‪َ :‬ر َأ ْي ُت النَّبِ َّي ‪َ H‬ع َلى ا ْلمنْ َب ِر َي ْخ ُط ُ‬
‫َات‪َ ،‬ف َم ْن َر َأ ْيت ُُمو ُه َف َار َق ا ْل َج َما َعةَ‪،‬‬ ‫ون َب ْع ِدي َهن ٌ‬
‫َات َو َهن ٌ‬ ‫َّاس َف َق َال‪( :‬إِ َّن ُه َس َي ُك ُ‬
‫الن َ‬
‫َان َفا ْق ُت ُلوه‪َ ،‬فإِ َّن يدَ اهَّللِ‬
‫َأ ْو ُي ِريدُ ُي َف ِّر ُق َأ ْم َر ُأ َّم ِة ُم َح َّم ٍد ‪ H‬كَائِنًا َم ْن ك َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫فإن الشذوذ‬ ‫ان َم َع َم ْن َف َار َق ا ْل َج َما َع َة َي ْرك ُُض)(‪ّ ،)1‬‬ ‫َع َلى ا ْل َج َما َع ِة‪َ ،‬فإِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬

‫االحنراف الفكري‬
‫هو سبب الوقوع يف الفتن والمهالك‪ ،‬ولهذا فالخوارج خرجوا عن الجماعة‬
‫فمرقوا يف هناية أمرهم عن الدين‪ ،‬وشدّ د النبي ‪ H‬على خطر مخالفة‬
‫الجماعة‪ ،‬وأكد على أهمية البقاء يف الجماعة‪ ،‬مع النصح للراعي والرعية‪،‬‬
‫وذلك ألن النّاس إذا تفرقوا فسدوا وهلكوا‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱄ ﱅ‬
‫ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ﴾ [األنفال‪،]46:‬‬
‫وإذا اجتمعوا صلحوا‪ ،‬وسعدوا‪ ،‬وملكوا‪ّ ،‬‬
‫فإن الجماعة رحمة‪ ،‬والفرقة‬
‫عذاب‪ ،‬فعن أبي إدريس الخوالين أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول‪ :‬ك َ‬
‫َان‬
‫الش ِّر َم َخا َف َة‬‫ول ‪َ H‬ع ْن ا ْل َخ ْي ِر َو ُكن ُْت َأ ْس َأ ُل ُه َع ْن َّ‬ ‫ون َر ُس َ‬ ‫َّاس َي ْس َأ ُل َ‬
‫الن ُ‬
‫ِِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َأ ْن يدْ ِركَنِي َف ُق ْلت‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اهَّلل إِنَّا ُكنَّا في َجاهل َّية َو َش ٍّر‪َ ،‬ف َجا َءنَا ُ‬
‫اهَّلل بِ َه َذا ا ْل َخ ْي ِر‬ ‫ُ َ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫الش ِّر مِ ْن‬ ‫َف َه ْل َب ْعدَ َه َذا ا ْل َخ ْي ِر مِ ْن َش ٍّر؟ َقال‪َ ( :‬ن َع ْم)‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬و َه ْل َب ْعدَ َذل ِ َك َّ‬
‫ون بِ َغ ْي ِر َهدْ يِي‬ ‫يه َد َخ ٌن)‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬و َما َد َخنُ ُه؟ َق َال‪َ ( :‬ق ْو ٌم َي ْهدُ َ‬ ‫َخي ٍر؟ َق َال‪َ ( :‬نعم‪ ،‬وفِ ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ف مِن ُْه ْم َو ُتنْكِ ُر)‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬ف َه ْل َب ْعدَ َذل ِ َك ا ْل َخ ْي ِر مِ ْن َش ٍّر؟ َق َال‪َ ( :‬ن َع ْم ُد َعا ٌة إِ َلى‬ ‫َت ْع ِر ُ‬
‫ول اهَّللِ ِص ْف ُه ْم َلنَا‪.‬‬ ‫اب َج َهن ََّم َم ْن َأ َجا َب ُه ْم إِ َل ْي َها َق َذ ُفو ُه فِ َيها)‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬ ‫َأ ْب َو ِ‬
‫ون بِ َأ ْل ِسنَتِنَا‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬ف َما َت ْأ ُم ُرنِي إِ ْن َأ ْد َركَنِي َذل ِ َك؟‬
‫َف َق َال‪ُ :‬ه ْم مِ ْن ِج ْلدَ تِنَا‪َ ،‬و َي َت َك َّل ُم َ‬

‫((( أخرجه أحمد يف المسند‪ ،‬حديث رقم‪ ،)17579( :‬وأبو داود يف السنن‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)4134‬والنسائي يف الكربى‪ ،‬حديث رقم‪ ،)3954( :‬وصححه األلباين يف صحيح سنن‬
‫النسائي‪ ،‬حديث رقم‪.)4034( :‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪71‬‬

‫َق َال‪َ ( :‬ت ْل َز ُم َج َما َع َة ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن َوإِ َما َم ُه ْم)‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬فإِ ْن َل ْم َي ُك ْن َل ُه ْم َج َما َع ٌة َوال‬
‫إِ َما ٌم؟ َق َال‪َ ( :‬فا ْعت َِز ْل تِ ْل َك ا ْل ِف َر َق ُك َّل َها َو َل ْو َأ ْن َت َع َّض بِ َأ ْص ِل َش َج َر ٍة َحتَّى ُيدْ ِرك َ‬
‫َك‬
‫ا ْل َم ْو ُت َو َأن َْت َع َلى َذلِك)(‪ ،)1‬وال يجوز تكفير الحاكم المسلم والخروج عليه‬
‫بتأويالت لم يأذن اهلل بالخروج عليه بسببها كما جاء عن جنادة بن أبي أمية‬
‫االحنراف الفكري‬

‫ت َو ُه َو َم ِر ٌ‬ ‫قال‪ :‬د َخ ْلنَا َع َلى ُعباد َة ب ِن الصامِ ِ‬


‫يض َف ُق ْلنَا‪َ :‬حدِّ ْثنَا َأ ْص َل َح َك ُ‬
‫اهَّلل‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ول‬ ‫ول اهَّللِ ‪َ ،H‬ف َق َال‪َ ( :‬د َعانَا َر ُس ُ‬ ‫يث َينْ َف ُع اهَّلل بِ ِه س ِم ْع َت ُه مِ ْن رس ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬
‫بِح ِد ٍ‬
‫َ‬
‫الس ْم ِع َوال َّطا َع ِة‬ ‫اهَّللِ ‪َ H‬فبايعنَاه َف َك َ ِ‬
‫يما َأ َخ َذ َع َل ْينَا َأ ْن َبا َي َعنَا َع َلى َّ‬ ‫ان ف َ‬ ‫َ َْ ُ‬
‫فِي َمن َْشطِنَا َو َم ْك َر ِهنَا‪َ ،‬و ُع ْس ِرنَا َو ُي ْس ِرنَا‪َ ،‬و َأ َث َر ٍة َع َل ْينَا‪َ ،‬و َأ ْن ال ُنن ِ‬
‫َاز َع ْالَ ْم َر َأ ْه َل ُه‪،‬‬
‫ان )(‪ ،)2‬قال ابن تيمية‪( :‬من‬ ‫يه ُب ْر َه ٌ‬‫َق َال‪ :‬إال َأ ْن َتروا ُك ْفرا بواحا ِعنْدَ كُم مِن اهَّللِ فِ ِ‬
‫ْ ْ‬ ‫َ ْ ً ََ ً‬
‫األصول التي دلت عليها النصوص‪ ،‬أن اإلمام الظالم يؤمر الناس بالصرب على‬
‫جوره وظلمه وبغيه وال يقاتلونه كما أمر النبي ‪ H‬يف غير حديث‪،‬‬
‫فلم يأذن يف دفع البغي مطلقًا بالقتال)(‪ ،)3‬فلو أدرك المسلم ّ‬
‫أن الجماعة هي‬
‫سفينة الجميع‪ّ ،‬‬
‫وأن أي خرق فيها سيؤدي إلى غرقها فإنّه البد أن يحافظ‬
‫عليها كما جاء عن النعمان بن بشير ‪ L‬عن النبي ‪ H‬قال‪َ ( :‬م َث ُل‬
‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫است ََه ُموا َع َلى َسفينَة َف َأ َص َ‬
‫اب‬ ‫ا ْل َقائ ِم َع َلى ُحدُ ود اهَّلل َوا ْل َواق ِع ف َيها ك ََم َث ِل َق ْو ٍم ْ‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬باب عالمات النبوة‪ ،‬حديث رقم‪،)3338( :‬‬
‫ومسلم يف كتاب اإلمارة‪ ،‬باب وجوب مالزمة المسلمين عند ظهور الفتن‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪.)2434‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬باب قول النبي ‪ :H‬سرتون‪ ،‬حديث‬
‫رقم‪ ،)6532( :‬ومسلم يف كتاب اإلمارة‪ ،‬باب وجوب طاعة اإلمام يف غير معصية‪ ،‬حديث‬
‫رقم‪.)3427( :‬‬
‫((( االستقامة (‪.)32/1‬‬

‫‪71‬‬
‫‪ 72‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ان ا َّل ِذين فِي َأس َفلِها إِ َذا اس َت َقوا مِن ا ْلم ِ‬ ‫عالها َو َب ْع ُض ُه ْم َأ ْس َف َل َها‪َ ،‬ف َك َ‬
‫اء‬ ‫ْ ْ ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َب ْع ُض ُه ْم َأ َ‬
‫َم ُّروا َع َلى َم ْن َف ْو َق ُه ْم‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪َ :‬ل ْو َأنَّا َخ َر ْقنَا فِي ن َِصيبِنَا َخ ْر ًقا َو َل ْم ن ُْؤ ِذ َم ْن َف ْو َقنَا‪،‬‬
‫يه ْم ن ََج ْوا َون ََج ْوا‬ ‫يع‪َ ،‬وإِ ْن َأ َخ ُذوا َع َلى َأ ْي ِد ِ‬ ‫ِ‬
‫ُوه ْم َو َما َأ َرا ُدوا َه َل ُكوا َجم ً‬ ‫َفإِ ْن َيت ُْرك ُ‬
‫َج ِمي ًعا)(‪ ،)1‬فالبد أن نربي أفراد المجتمع على أن أمن الفرد ال ينفك عن أمن‬

‫االحنراف الفكري‬
‫الجماعة‪ ،‬وأنه ال اجتماع من غير أمير مطاع فيهم‪ ،‬ومن راجع وقائع التاريخ‬
‫وما يقع على الناس من مفاسد عظيمة بسبب هدمهم ألنظمة قائمة ولو كان‬
‫فيه قدْ ر كبير من الظلم‪ ،‬يدرك اإلنسان حكمة الشرع يف تحريم الخروج على‬
‫الحاكم ولو كان ظالمًا ما لم يرى كفر ًا بواحًا‪ ،‬حيث يفقد الناس بعد ذلك‬
‫األمن يف األرواح واألعراض واألموال‪ ،‬ويفقدوا التعليم والعالج‪ ،‬ويتعطل‬
‫اإلنتاج‪ ،‬وتتحطم البنيات‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫ب‪ -‬تعليم حرمة المسلم يف دمه‪ ،‬وعرضه‪ ،‬وماله‪:‬‬

‫من األصول العظيمة التي أكدها اإلسالم وأمر هبا مواالة كل من‬
‫هو مؤمن من أ ّمة محمد ‪ H‬سواء كان ظالمًا لنفسه‪ ،‬أو مقتصد ًا‪،‬‬
‫أو سابقًا بالخيرات‪ ،‬وأن يعادي كل من عادى أ ّمة محمد ‪،H‬‬
‫وأن يعلم أن مواالة المؤمنين والرباءة من الكافرين واجب‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗﲘ ﲙ‬
‫ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ﴾ [النساء‪ ،]144 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﱖ‬
‫�‬
‫ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ‬
‫�‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب الشركة‪ ،‬باب هل يقرع يف القسمة واالستهام فيه‪ ،‬حديث‬
‫رقم‪.)2313( :‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪73‬‬

‫ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ﴾ [التوبة‪ ،]23:‬فعلينا‬
‫أن نربي أبناءنا على مواالة المؤمنين سواء كانوا من أهله‪ ،‬أو بلده‪ ،‬أو مذهبه‪،‬‬
‫أو جماعته‪ ،‬أو لونه‪ ،‬أو لم يكونوا كذلك‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱪ ﱫ ﱬ‬
‫ﱭﱮﱯﱰﱱﱲ ﱳﱴﱵﱶﱷ‬
‫االحنراف الفكري‬

‫ﱸ ﱹ ﱺ﴾ [األنفال‪ ،]72:‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﲁ ﲂ ﲃ‬


‫ﲄ ﲅ﴾ [التوبة‪ ،]71:‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬
‫ﲎ ﲏﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝﲞ‬
‫ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬
‫ﲭ ﲮ ﲯ ﲰﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ﴾ [الحجرات‪.]10-9:‬‬
‫ويف حديث النعمان بن بشير ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪َ ( :H‬م َث ُل‬
‫اح ِم ِه ْم‪َ ،‬و َت َعا ُط ِف ِه ْم َم َث ُل ا ْل َج َس ِد إِ َذا ْاش َت َكى مِنْ ُه ُع ْض ٌو‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ا ْل ُم ْؤمني َن في َت َوا ِّده ْم‪َ ،‬و َت َر ُ‬
‫الس َه ِر َوا ْل ُح َّمى)(‪ ،)1‬وعن أبي موسى ‪ I‬قال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َتدَ ا َعى َل ُه َسائ ُر ا ْل َج َسد بِ َّ‬
‫ان َي ُشدُّ َب ْع ُض ُه َب ْع ًضا)(‪،)2‬‬‫قال رسول اهلل ‪( :H‬ا ْلم ْؤمِن ل ِ ْلم ْؤمِ ِن كَا ْلبنْي ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ُ ُ ُ‬
‫اسدُ وا‪ ،‬وال‬ ‫وعن أبي هريرة ‪ I‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪( :H‬ال َت َح َ‬
‫ض َوكُونُوا‬ ‫َاج ُشوا‪َ ،‬وال َت َبا َغ ُضوا‪ ،‬وال َتدَ ا َب ُروا‪َ ،‬وال َيبِ ْع َب ْع ُض ُك ْم َع َلى َب ْي ِع َب ْع ٍ‬ ‫َتن َ‬
‫ِع َبا َد اهَّللِ إِ ْخ َوانًا ا ْل ُم ْسلِ ُم َأ ُخو ا ْل ُم ْسلِ ِم؛ ال َي ْظلِ ُم ُه وال َي ْخ ُذ ُل ُه‪ ،‬وال َي ْح ِق ُر ُه‪ ،‬ال َّت ْق َوى‬

‫((( أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب الرب والصلة واآلداب‪ ،‬باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم‬
‫وتعاضدهم‪ ،‬حديث رقم‪.)4685( :‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تشبيك األصابع يف المسجد وغيره‪ ،‬حديث‬
‫رقم‪ ،)459( :‬ومسلم يف كتاب الرب والصلة واآلداب‪ ،‬باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم‬
‫وتعاضدهم‪ ،‬حديث رقم‪.)4684( :‬‬

‫‪73‬‬
‫‪ 74‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫الش ِّر َأ ْن َي ْح ِق َر َأ َخا ُه‬


‫ب ا ْم ِر ٍئ مِ ْن َّ‬ ‫ات‪ ،‬بِ َح ْس ِ‬ ‫الث مر ٍ‬ ‫ِ‬
‫اهنَا‪َ ،‬و ُيش ُير إِ َلى َصدْ ِره َث َ َ َّ‬
‫ِ‬ ‫َه ُ‬
‫ا ْل ُم ْسلِ َم‪ ،‬ك ُُّل ا ْل ُم ْسلِ ِم َع َلى ا ْل ُم ْسلِ ِم َح َرا ٌم‪َ ،‬د ُم ُه َو َما ُل ُه َو ِع ْر ُض ُه) (‪.)1‬‬

‫هبذا جعل اهلل عباده المؤمنين متوالين ال متعادين‪ ،‬إخوة متحابين ال‬
‫متباغضين‪ ،‬متناصرين ال متناحرين‪ ،‬مرتاحمين متعاطفين‪ ،‬أمرهم باالئتالف‬

‫االحنراف الفكري‬
‫وحرم عليهم كل ما يؤدي إلى‬ ‫يف ّ‬
‫كل حال‪ ،‬وهناهم عن االفرتاق على الدوام‪ّ ،‬‬
‫ذلك من الغيبة والنميمة‪ ،‬والتحاسد والتباغض ونحو ذلك‪ ،‬وال يجوز يف دين‬
‫اهلل أن يوالي اإلنسان طائفة‪ ،‬ويبغض أخرى بالظن والهوى ال باإليمان والهدى‪،‬‬
‫فالخوارج ومن سار على درهبم يف ّ‬
‫كل زمان هم الذين يهدمون هذا األصل؛‬
‫ولذا يصل هبم الشيطان والهوى والجهل إلى ما أخرب به النبي ‪H‬‬
‫ون َأ ْه َل ْالَو َث ِ‬
‫ان)‪،‬‬ ‫ون َأ ْه َل ْ ِ‬
‫ال ْسال ِم َو َيدَ ُع َ‬ ‫وهو الصادق المصدوق بأهنم‪َ ( :‬ي ْق ُت ُل َ‬
‫ْ‬
‫فهم أول فرقة كفرت المسلمين‪ ،‬واستحلت دماءهم المعصومة مع أنه من‬
‫المقرر شرعًا‪ :‬أن يشدد يف مسألة تكفير المسلم‪ ،‬وأنه ال يجوز تكفير مسلم إال‬
‫بتوفر شروط وانتفاء موانع‪ ،‬وال ينبغي لعوام الناس أن يتكلموا يف ذلك‪ ،‬ولهذا‬
‫قال النبي ‪َ ( :H‬أيما ام ِر ٍئ َق َال ِلَ ِخ ِ‬
‫يه َيا كَافِ ُر َف َقدْ َبا َء بِ َها َأ َحدُ ُه َما‪،‬‬ ‫ُّ َ ْ‬
‫َان ك ََما َق َال َوإِال َر َج َع ْت َع َل ْي ِه)(‪ ،)2‬قال الشوكاين‪( :‬اعلم أن الحكم على‬ ‫إِ ْن ك َ‬
‫الرجل المسلم بخروجه من دين اإلسالم‪ ،‬ودخوله يف الكفر؛ ال ينبغي لمسلم‬

‫((( أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب يف الرب والصلة واآلداب‪ ،‬باب تحريم ظلم المسلم وخذله‬
‫واحتقاره ودمه‪ ،‬حديث رقم‪.)4650( :‬‬
‫(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب من ك ّفره أخاه بغير تأويل فهو كما قال‪،‬‬
‫حديث رقم‪ ،)5639( :‬ومسلم يف كتاب اإليمان‪ ،‬باب بيان حال من قال ألخيه المسلم يا‬
‫كافر‪ ،‬حديث رقم‪.)92( :‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪75‬‬

‫يؤمن باهلل واليوم اآلخر أن يقدم عليه إال بربهان أوضح من شمس النهار)(‪،)1‬‬
‫واألصل يف دماء المسلمين‪ ،‬وأموالهم‪ ،‬وأعراضهم‪ ،‬أهنا معصومة محرمة من‬
‫بعضهم على بعض ال تحل إال بإذن اهلل ورسوله‪ ،‬كما قال النبي ‪H‬‬
‫لما خطب يف حجة الوداع‪ ،‬ففي حديث ابن عباس ‪ L‬أن رسول اهلل‬
‫االحنراف الفكري‬

‫َّاس َأ ُّي َي ْو ٍم َه َذا؟)‬ ‫‪ H‬خطب الناس يوم النحر فقال‪َ ( :‬يا َأ ُّي َها الن ُ‬
‫َقا ُلوا‪َ :‬ي ْو ٌم َح َرا ٌم‪َ ،‬ق َال‪َ ( :‬ف َأ ُّي َب َل ٍد َه َذا؟) َقا ُلوا‪َ :‬ب َلدٌ َح َرا ٌم‪َ ،‬ق َال‪َ ( :‬ف َأ ُّي َش ْه ٍر‬
‫اض ُكم َع َل ْي ُك ْم‬ ‫َه َذا؟) َقا ُلوا‪َ :‬ش ْه ٌر َح َرا ٌم‪َ ،‬قال‪َ ( :‬فإِ َّن ِد َما َءكُم َو َأ ْم َوا َل ُك ْم َو َأ ْع َر َ‬
‫َح ْر َم ِة َي ْومِ ُك ْم َه َذا‪ ،‬فِي َب َل ِدك ُْم َه َذا‪ ،‬فِي َش ْه ِرك ُْم َه َذا‪َ ،‬ف َأ َعا َد َها مِ َر ًارا‪ُ ،‬ث َّم‬ ‫َح َرا ٌم ك ُ‬
‫اس‪َ :‬ف َو ا َّل ِذي‬ ‫َر َف َع َر ْأ َس ُه َف َق َال‪ :‬ال َّل ُه َّم َه ْل َب َّل ْغ ُت‪ ،‬ال َّل ُه َّم َه ْل َب َّل ْغ ُت‪َ ،‬ق َال ا ْب ُن َع َّب ٍ‬
‫ب ال َت ْر ِج ُعوا َب ْع ِدي ُك َّف ًارا‬ ‫ِ‬ ‫َن ْف ِسي بِي ِد ِه إِنَّها َلو ِصي ُته إِ َلى ُأمتِ ِه َف ْليبلِ ْغ َّ ِ‬
‫الشاهدُ ا ْل َغائ َ‬ ‫ُْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َّ ُ‬ ‫َ‬
‫ض) (‪.)2‬‬ ‫اب َب ْع ٍ‬‫َي ْض ِر ُب َب ْع ُض ُك ْم ِر َق َ‬
‫هل يمكن لعاقل يريد اهلل والدار اآلخرة أن يتعدى على جماعة‬
‫المسلمين‪ ،‬أو ينتهك حرمتهم بعد هذه األدلة بتأويالت وهمية باطلة‪ ،‬فأغلب‬
‫الذي أصابنا ألننا نسينا هذه المعاين‪ ،‬وأصبح من السهل أن يتعدى المسلم‬
‫على مال أخيه‪ ،‬وعرضه‪ ،‬ودمه‪ ،‬أما إذا كان هذا األصل بارز ًا يف حياتنا فال‬
‫يمكن لهذه الدعوات المنحرفة أن تجد مجا ً‬
‫ال بيننا كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱈ‬
‫ﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏ ﱐﱑﱒ‬

‫(( ( السيل الجرار المتدفق على حدائق األزهار (‪.)587 / 4‬‬


‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب الخطبة أيام منى‪ ،‬حديث رقم‪،)1633( :‬‬
‫ومسلم يف كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات‪ ،‬باب تغليظ تحريم الدماء‬
‫واألعراض واألموال‪ ،‬حديث رقم‪.)3179( :‬‬

‫‪75‬‬
‫‪ 76‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ﱓﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ﴾ [المائدة‪.]14:‬‬

‫إنّنا نرى اليوم الوالء للمفاهيم الضيقة‪ ،‬الوالء للمذهب‪ ،‬والوالء‬


‫لألرض‪ ،‬والوالء للوطن دون نظر للدين‪ ،‬والوالء ل َّلون‪ ،‬والوالء ل َّلغة‪،‬‬
‫ويسقط أصل الوالء الذي أمر اهلل به يف وسط هذه الوالءات الكثيرة فحدث‬

‫االحنراف الفكري‬
‫ما حدث‪ ،‬فإذا تع ّلم المؤمن َّ‬
‫أن أكرم الناس عند اهلل أتقاهم‪ ،‬وأن زوال الدنيا‬
‫أهون عند اهلل من قتل نفس مؤمنة‪ ،‬فال أظن أن هنالك من يتجرأ على دم مسلم‬
‫لمجرد ظن أو شبهة‪ ،‬ولذا قال تعالى‪﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬
‫ﱈ﴾ [النساء‪( ،]92:‬هذه الصيغة من صيغ االمتناع‪ ،‬أي‪ :‬يمتنع ويستحيل‬
‫أن يصدر من مؤمن قتل مؤمن‪ ،‬أي‪ :‬متعمد ًا ويف هذا اإلخبار بشدة تحريمه‪،‬‬
‫وأنه مناف لإليمان أشد منافاة‪ ،‬وإنما يصدر ذلك إما من كافر‪ ،‬أو فاسق قد‬
‫نقص إيمانه نقصًا عظيمًا‪ ،‬ويخشى عليه ما هو أكرب من ذلك‪ ،‬فإن اإليمان‬
‫األخوة اإليمانية‬
‫ّ‬ ‫الصحيح يمنع المؤمن من قتل أخيه الذي عقد اهلل بينه وبين‬
‫التي من مقتضاها محبته ومواالته‪ ،‬وإزالة ما يعرض ألخيه من األذى وأي أذى‬
‫أشد من القتل)(‪)1‬؛ ولذا قال تعالى يف اآلية التي تليها‪﴿ :‬ﲃ ﲄ ﲅ‬
‫ﲆﲇﲈﲉﲊﲋ ﲌﲍﲎﲏ‬
‫ﲐ ﲑ ﲒ﴾ [النساء‪ ،]93:‬وقال ‪َ ( :H‬ل َز َو ُال الدُّ ْن َيا َأ ْه َو ُن‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الح‬
‫الس َ‬ ‫عنْدَ اهَّلل م ْن َق ْت ِل َر ُج ٍل ُم ْسل ٍم) ‪ ،‬وقال ‪َ ( :H‬م ْن َح َم َل َع َل ْينَا ِّ‬

‫(( ( تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان (ص‪.)192 :‬‬


‫(( ( أخرجه الرتمذي يف السنن‪ ،‬حديث رقم‪ ،)1315( :‬والنسائي يف الكربى‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)3921‬وصححه األلباين يف صحيح الجامع الصغير (‪.)5077( )905/2‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪77‬‬

‫َف َل ْي َس مِنَّا)(‪ ،)1‬وقال ‪َ ( :H‬ل ْن َي َز َال ا ْل ُم ْؤمِ ُن فِي ُف ْس َح ٍة مِ ْن ِدين ِ ِه َما َل ْم‬
‫ب َد ًما َح َرا ًما)(‪ ،)2‬قال ابن العربي‪( :‬ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق‬ ‫ِ‬
‫ُيص ْ‬
‫الصالح؟!)(‪.)3‬‬
‫التقي ّ‬
‫والوعيد يف ذلك‪ ،‬فكيف بقتل اآلدمي؟! فكيف ّ‬
‫ج‪ -‬تعليم منهج اإلسالم يف عالقة المسلم بغير المسلم‪:‬‬
‫االحنراف الفكري‬

‫إن األصل يف عالقة المسلم مع غير المسلم ليست الحرب والعداء؛‬


‫وإنّما الرحمة والسالم‪ ،‬والرب والعدل‪ ،‬ما لم يظهر العداء ويعلن الحرب‬
‫لإلسالم والمسلمين‪ ،‬واألدلة التي فيها بغض الكافر يف اإلسالم المراد هبا‬
‫بغض كفره‪ ،‬وليس من الزمها استباحة شيء من دمه أو عرضه أو ماله إال إذا‬
‫كان محاربًا‪ ،‬فال يجوز يف الشرع ظلمه‪ ،‬وعدم العدل فيه‪ ،‬وإيذاؤه‪ ،‬واالعتداء‬
‫على نفسه أو عرضه‪ ،‬أو ماله إذا كان مسالمًا‪ ،‬أو مستأمنًا‪ ،‬أو معاهد ًا؛ كما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يح َها‬‫اهدً ا َل ْم َي ِر ْح َرائ َح َة ا ْل َجنَّة‪َ ،‬وإِ َّن ِر َ‬ ‫قال النبي ‪َ ( :H‬م ْن َقت ََل ُم َع َ‬
‫وجدُ مِ ْن َم ِس َير ِة َأ ْر َب ِعي َن َعا ًما)(‪ ،)4‬وقد جاء عن سليمان بن يسار (أن رسول‬ ‫ُت َ‬
‫ِ‬
‫اح َة إِ َلى َخ ْي َب َر َف َي ْخ ُر ُ‬
‫ص َب ْينَ ُه َو َب ْي َن‬ ‫َان َي ْب َع ُث َع ْبدَ اهَّلل ْب َن َر َو َ‬
‫اهلل ‪ H‬ك َ‬
‫ف‬ ‫ود َخ ْي َب َر َق َال‪َ :‬ف َج َم ُعوا َل ُه َح ْل ًيا مِ ْن َح ْل ِي نِ َسائِ ِه ْم َف َقا ُلوا َل ُه‪َ :‬ه َذا َل َك َو َخ ِّف ْ‬
‫يه ِ‬
‫َُ‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬باب قول النبي ‪ :H‬من حمل‪ ،..‬حديث‬
‫رقم‪ ،)6543( :‬ومسلم يف كتاب اإليمان‪ ،‬باب قول النبي ‪ :H‬من حمل‪ ،..‬حديث‬
‫رقم‪.)143( :‬‬
‫(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب الديات‪ ،‬باب قوله تعالى‪﴿ :‬ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﴾‪،‬‬
‫حديث رقم‪.)6355( :‬‬
‫((( فتح الباري (‪.)234/ 12‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب الجزية‪ ،‬باب إثم من قتل معاهد ًا بغير جرم‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪.)2930‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ 78‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ود َواهَّللِ إِ َّن ُك ْم‬


‫َعنَّا و َتجاو ْز فِي ا ْل َقس ِم َف َق َال َعبدُ اهَّللِ بن رواحةَ‪ :‬يا مع َشر ا ْليه ِ‬
‫ْ ُ َ َ َ َ َ ْ َ َُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬
‫اك بِ َحامِلِي َع َلى َأ ْن َأ ِح َ‬
‫يف َع َل ْي ُك ْم‪َ ،‬ف َأ َّما َما‬ ‫ض َخ ْل ِق اهَّللِ إِ َلي‪َ ،‬و َما َذ َ‬ ‫َل ِم ْن َأ ْب َغ ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬‫الس َم َو ُ‬ ‫الر ْش َوة َفإِن ََّها ُس ْح ٌت َوإِنَّا ال ن َْأ ُك ُل َها‪َ ،‬ف َقا ُلوا‪ :‬بِ َه َذا َقا َم ْت َّ‬
‫َع َر ْضت ُْم م ْن َّ‬
‫َواألَ ْر ُض)(‪ ،)1‬وال يمنع اإلسالم من ّبرهم واإلحسان إليهم ما داموا على‬

‫االحنراف الفكري‬
‫ألن ذلك محبب لهم اإلسالم كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱩ ﱪ ﱫ‬ ‫هذه الحالة؛ ّ‬
‫ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ ﱻ‬
‫ﱼ ﱽ ﱾ﴾ [الممتحنة‪ ،]8:‬قال السعدي‪( :‬أي‪ :‬ال ينهاكم اهلل عن‬
‫الرب والصلة‪ ،‬والمكافأة بالمعروف‪ ،‬والقسط للمشركين من أقارهبم وغيرهم‪،‬‬
‫حيث كانوا بحال لم ينصبوا لقتالكم يف الدين‪ ،‬واإلخراج من دياركم‪ ،‬فليس‬
‫عليكم جناح أن تصلوهم فإن صلتهم يف هذه الحالة ال محذور فيها وال‬
‫مفسدة)(‪ ،)2‬فال ينبغي أن يفهم من اآليات التي تنهى عن مواالة الكافرين‬
‫جواز قتلهم‪ ،‬وظلمهم‪ ،‬واالعتداء عليهم‪ ،‬إذا لم يكونوا محاربين لإلسالم‬
‫والمسلمين‪ ،‬أما بغض الكافر عمومًا وعدم مودته‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱁ ﱂ‬
‫ﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎﱏ‬
‫ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬
‫�‬
‫ﱝ ﱞﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ ﱪ‬
‫�‬
‫ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ﴾ [المجادلة‪،]22:‬‬
‫�‬

‫((( أخرجه مالك يف الموطأ‪ ،‬كتاب المساقاة‪ ،‬حديث رقم‪ ،)1451( :‬وروى بعضه اإلمام أحمد‬
‫يف المسند‪ ،‬حديث رقم‪ ،)14425 ،4538( :‬وأبو داود يف السنن‪ ،‬حديث رقم‪،)2963( :‬‬
‫وقال األلباين يف صحيح أبي داود‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬حديث رقم‪.)2910( :‬‬
‫((( تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان (ص‪.)857 :‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪79‬‬

‫فهذه ال غضاضة فيها ّ‬


‫ألن بغض من يسيء األدب مع الناس مطلوب‪ ،‬فكيف‬
‫بمن يسيء األدب مع رب الناس ويجعله ثالث ثالثة‪ ،‬ويصفه بالفقر كما فعلت‬
‫اليهود والنّصارى(‪ ،)1‬وأما الكافر الذي ال يقف موقف المسالم من اإلسالم‬
‫والمسلمين‪ ،‬ويبغضهم ويؤذيهم من أجل إيماهنم باهلل كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱩ‬
‫االحنراف الفكري‬

‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ﴾ [الربوج‪ ،]8:‬ويسعى لصدهم‬


‫عن دينهم كما قال تعالى‪﴿:‬ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ‬
‫ﲅ ﲆ﴾ [البقرة‪ ،]217:‬فكيف ينقمون علينا عداوهتم وبغضهم‪،‬‬
‫والتصدي لبغيهم وظلمهم؟! وهم الذين آذوا اإلسالم والمسلمين كما قال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬
‫ﱍﱎﱏﱐﱑﱒﱓ ﱔﱕﱖﱗﱘﱙﱚﱛ‬
‫ﱟ﴾ [النساء‪ ،]75:‬فيوم أن يجنحوا للسلم سيجدون قول اهلل تعالى‬
‫ﱞ‬
‫ﱜﱝ‬
‫للمؤمنين‪﴿ :‬ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐﳑ ﳒ ﳓ ﳔ‬
‫ﳕ﴾ [األنفال‪ ]61:‬؛ ولذا فنحن أصحاب ق َيم أصيلة ال مجال للهوى‬
‫ولو كان ذلك على أعداء اهلل ورسوله والمؤمنين قال تعالى‪﴿ :‬ﲘ ﲙ‬
‫ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ‬
‫ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ﴾‬
‫[المائدة‪ ،]8:‬ونحن أمة رسولها خاطبه اهلل بقوله‪﴿ :‬ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬
‫ﲄ﴾ [األنبياء‪ ،]107 :‬وقال تعالى يف عالقتنا مع بعضنا وغيرنا‪﴿ :‬ﱥ‬
‫ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ﴾ [الحجرات‪، ]13 :‬‬
‫�‬

‫((( ينظر‪ :‬حقيقة اإلرهاب (ص‪.)28 :‬‬

‫‪79‬‬
‫‪ 80‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫فهذه ق َيم ومفاهيم ينبغي أن تع ّلم وترفع حتى يظهر المجتمع المتسامح‪،‬‬
‫المتحاب‪ ،‬المتعاون‪ ،‬الذي يحمل رسالة اإلسالم الحق للناس يف األرض‪،‬‬
‫وتظهر األمة على الصورة التي يريدها اهلل‪ ،‬ال التي يريدها األعداء لصد الناس‬
‫عن الدين الحق‪.‬‬

‫االحنراف الفكري‬
‫خامساً‪ :‬تعليم التوسط يف األمور اليت هي منهج املسلم‬
‫الوسطية واالعتدال من أبرز مميزات اإلسالم وأهله عن غيرهم‬
‫من األديان‪ ،‬وأبرز خصائص أهل السنة والجماعة عن غيرهم من فِرق‬
‫أهل اإلسالم‪ ،‬وقد ع ّلمنا اهلل تعالى يف صالتنا أن نردد قوله‪ ﴿ :‬ﱗ‬
‫ﱠ ﱡ‬ ‫ﱘﱙﱚﱛﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬
‫ﱢ ﱣ﴾ [الفاتحة‪ ،]7-6:‬فصراط من أنعم اهلل عليهم وسط بين‬
‫من أنكر اإلله وقال‪ :‬إن هي إال حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إال‬
‫الدهر؛ كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬
‫ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ﴾ [الجاثية‪ ،]24:‬وبين من عبد اهلل‬
‫وعبد غيره من بشر ومالئكة وجن وحجر وشمس وقمر ونحو ذلك‪ ،‬فجاء‬
‫اإلسالم بعبادة اهلل وحده دون سواه‪.‬‬

‫فهو وسط بين من غلوا يف أنبيائهم وصالحيهم‪ ،‬واتخذوهم آلهة من دون‬


‫اهلل كما فعلت النصارى كما قال تعالى‪﴿ :‬ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬
‫ﲫ ﲬ ﲭ﴾ [التوبة‪ ،]31:‬وبين من ّ‬
‫كذبوهم وآذوهم وقتلوهم كما فعلت‬
‫اليهود كما قال تعالى‪﴿ :‬ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃﳄ ﳅ ﳆ‬
‫ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ﴾ [المائدة‪ ،]70:‬ولهذا‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪81‬‬

‫قال النبي ‪ H‬ألصحابه ‪( :M‬ال ُت ْط ُرونِي ك ََما َأ ْط َر ْت الن ََّص َارى‬


‫ا ْب َن َم ْر َي َم َفإِن ََّما َأنَا َع ْبدُ ُه َف ُقو ُلوا َع ْبدُ اهَّللِ َو َر ُسو ُل ُه)(‪ ،)1‬فالمؤمنون آمنوا باهلل‪،‬‬
‫وعزروهم ونصروهم وأحبوهم‪ ،‬ولم يتخذوهم‬
‫وآمنوا برسله‪ ،‬وأطاعوهم ّ‬
‫أربابًا من دون اهلل كما قال تعالى‪﴿ :‬ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬
‫االحنراف الفكري‬

‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ﴾ [األعراف‪.]157:‬‬

‫ووسط بين الذين شبهوا اهلل بخلقه‪ ،‬وبين الذين نفوا صفات اهلل التي‬
‫أثبتها يف كتابه ونطق هبا النبي ‪ H‬يف سنته‪ ،‬بدون تمثيل وال تشبيه‪،‬‬
‫وال تعطيل وال تحريف وال إلحاد‪.‬‬

‫ووسط بين الذين ط ّلقوا الدنيا وصاروا رهبانًا يف األديِرة‪ ،‬وبين الذين‬
‫آثروها على اآلخرة وباعوا آخرهتم بعرض من الدنيا قليل‪ ،‬فجمع اإلسالم بين‬
‫عبودية اهلل والعمل لنيل الدار اآلخرة‪ ،‬والسعي يف أرضه تعمير ًا وعمالً يحقق‬
‫رفعة الفرد والجماعة المسلمة‪ ،‬وذلك َّ‬
‫ألن العمل إذا لم يصد عن ذكر اهلل فهو‬
‫من ذكر اهلل إذا اقرتن بالنية الصالحة‪ ،‬وأن الذم الذي ورد يف الكتاب والسنة هو‬
‫فقط للدنيا المانعة من إرادة الدار اآلخرة‪ ،‬أما مجرد ترك الدنيا فإنه ال حمد‬
‫فيه‪ ،‬وليس ذلك يف كتاب اهلل(‪.)2‬‬

‫أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬باب قول اهلل تعالى‪ ﴿ :‬ﱣ ﱤ ﱥ‬ ‫(( (‬

‫ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ﴾ [مريم‪ ،]16:‬حديث رقم‪.)3189( :‬‬


‫((( ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪ ،)203/26( ،)48 ،42/20‬وكتاب الوسطية يف القرآن (ص‪183 :‬‬
‫‪.)562 -‬‬

‫‪81‬‬
‫‪ 82‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ولهذا أوصى النبي ‪ H‬هبذا األصل‪ ،‬كما يف حديث بريدة‬


‫ِ‬ ‫ات يو ٍم لِح ٍ‬
‫السال ُم‬ ‫الصالة َو َّ‬ ‫اجة‪َ ،‬فإِ َذا َأنَا بِالنَّبِ ِّي َع َل ْيه َّ‬‫األسلمي قال‪َ :‬خ َر ْج ُت َذ َ َ ْ َ َ‬
‫َي ْم ِشي َب ْي َن َيدَ َّي َف َأ َخ َذ بِ َي ِدي َفا ْن َط َل ْقنَا ن َْم ِشي َج ِمي ًعا‪َ ،‬فإِ َذا ن َْح ُن َب ْي َن َأ ْي ِدينَا بِ َر ُج ٍل‬
‫الس ُجو َد‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ‪َ ( :H‬أ ُت َرا ُه ُي َرائِي؟) َف ُق ْل ُت‪:‬‬ ‫ُوع َو ُّ‬ ‫الرك َ‬
‫ِ‬
‫ُي َص ِّلي ُي ْكث ُر ُّ‬

‫االحنراف الفكري‬
‫اهَّلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُم‪َ ،‬فت ََر َك َي ِدي مِ ْن َي ِد ِه‪ُ ،‬ث َّم َج َم َع َب ْي َن َيدَ ْي ِه َف َج َع َل ُي َص ِّو ُب ُه َما‬ ‫ُ‬
‫اصدً ا‪َ ،‬ع َل ْي ُك ْم َهدْ ًيا‬ ‫اصدً ا‪َ ،‬ع َلي ُكم َهدْ يا َق ِ‬ ‫وير َفعهما وي ُقول‪َ ( :‬ع َلي ُكم َهدْ يا َق ِ‬
‫ْ ْ ً‬ ‫ْ ْ ً‬ ‫َ َْ ُ ُ َ َ َ‬
‫(سدِّ ُدوا‪َ ،‬و َق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ار ُبوا‪َ ،‬وا ْغدُ وا‪،‬‬ ‫َقاصدً ا‪َ ،‬فإِ َّن ُه َم ْن ُي َشا َّد َه َذا الدِّ ي َن َي ْغل ْب ُه) ‪ ،‬وقال‪َ :‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وحوا‪َ ،‬و َش ْي ٌء مِ ْن الدُّ ْل َج ِة‪َ ،‬وا ْل َق ْصدَ ا ْل َق ْصدَ َت ْب ُل ُغوا)(‪ ،)2‬قال ابن حجر‪( :‬قال‬ ‫َو ُر ُ‬
‫ابن المنير‪ :‬فِي َه َذا ا ْل َح ِديث َع َلم مِ ْن َأ ْعالم النُّ ُب َّوة‪َ ،‬ف َقدْ َر َأ ْينَا َو َر َأى النَّاس َق ْبلنَا َأ َّن‬
‫ك ُّل ُم َتنَ ِّطع فِي الدِّ ين َينْ َقطِع‪َ ،‬و َل ْي َس ا ْل ُم َراد َمنْع َط َلب األَك َْمل فِي ا ْل ِع َبا َدة َفإِ َّن ُه مِ ْن‬
‫ال ْف َراط ا ْل ُم َؤ ِّدي إِ َلى ا ْل َمالل‪َ ،‬أ ْو ا ْل ُم َبا َل َغة فِي ال َّت َط ُّوع‬ ‫األُمور ا ْلم ْحمو َدة؛ َب ْل منْع ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ات ُي َص ِّلي ال َّل ْيل‬ ‫ا ْل ُم ْف ِضي إِ َلى َت ْرك ْالَ ْف َضل‪َ ،‬أ ْو إِ ْخ َراج ا ْل َف ْرض َع ْن َو ْقته ك ََم ْن َب َ‬
‫الص ْبح فِي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُك ّله َو ُي َغالب الن َّْوم إِ َلى َأ ْن َغ َل َب ْت ُه َع ْينَا ُه في آخر ال َّل ْيل َفنَا َم َع ْن َصالة ُّ‬
‫الش ْمس َف َخ َر َج‬ ‫ا ْل َج َما َعة‪َ ،‬أ ْو إِ َلى َأ ْن َخ َر َج ا ْل َو ْقت ا ْل ُم ْختَار‪َ ،‬أ ْو إِ َلى َأ ْن َط َل َع ْت َّ‬
‫الص َواب مِ ْن َغ ْير‬ ‫يضة‪َ ..‬ق ْوله‪َ ( :‬ف َسدِّ ُدوا)‪َ ،‬أ ْي‪ :‬ألزموا َّ‬
‫السدَ اد َو ُه َو َّ‬ ‫َو ْقت ا ْل َف ِر َ‬
‫السدَ اد الت ََّو ُّسط فِي ا ْل َع َمل‪َ ..‬و َق ْوله فِي ِر َوا َية‬
‫إِ ْف َراط َوال َت ْف ِريط‪َ ،‬ق َال َأ ْهل ال ُّل َغة‪َّ :‬‬
‫يهما َع َلى ْ ِ‬ ‫اِبن َأبِي ِذئْب‪( :‬ا ْل َقصد‪ ،‬ا ْل َقصد) بِالنَّص ِ ِ‬
‫ال ْغ َراء‪َ ،‬وا ْل َق ْصد‪ْ :‬الَ ْخذ‬ ‫بف ِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬

‫((( رواه أحمد يف المسند‪ ،‬حديث رقم‪ ،)21975 ،21885 ،18950( :‬وقال ابن حجر يف الفتح‪:‬‬
‫حديث حسن‪.)359/11( ،‬‬
‫((( صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب القصد والمداومة على العمل‪ ،‬حديث رقم‪.)5982( :‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪83‬‬

‫بِ ْالَ ْم ِر ْالَ ْو َسط)(‪ ،)1‬ولهذا كان جماع التقوى الموازنة بين فعل المأمور وترك‬
‫المحظور‪ ،‬وكانت الحياة االجتماعية للمسلم موازنة بين الخلطة والعزلة‪،‬‬
‫فاختيار المخالطة مطلقًا خطأ ألنّه ال بد للعبد من أوقات ينفرد فيها بنفسه يف‬
‫دعائه‪ ،‬وذكره‪ ،‬وصالته‪ ،‬وتفكيره‪ ،‬ومحاسبته‪ ،‬وإصالح قلبه‪ ،‬وما يختص به‬
‫االحنراف الفكري‬

‫من األمور التي ال يشركه فيها غيره‪.‬‬


‫كما َّ‬
‫أن اختيار العزلة مطلقًا خطأ ألنّه البد من اختالط المسلم بإخوانه‬
‫لصالته‪ ،‬وحجه‪ ،‬وجهاده‪ ،‬وتجارته‪ ،‬فالتوسط والتوازن بين األمرين هو دين‬
‫اهلل بمقدار ما يحتاج إليه كل إنسان من هذا‪ ،‬وهذا هو األصلح ومنهج النبوة(‪.)2‬‬
‫كذلك الموازنة والتوسط واالعتدال يف الحب والبغض؛ ّ‬
‫ألن بعض‬
‫الناس إذا أحب؛ أحب مطلقًا معرضًا عن السيئات‪ ،‬وإذا أبغض؛ أبغض‬
‫مطلقًا معرضًا عن الحسنات‪ ،‬ولكن المؤمن يجعل حبه وبغضه معتد ً‬
‫ال‬
‫متوازنًا مستقيمًا على ميزان الكتاب والسنة‪.‬‬

‫ولما كان أصعب شيء يف تربية النفس تربيتها على االعتدال والوسطية‪،‬‬
‫وأن أكثر الناس بين غال وجاف؛ ولذا كانت مهمة األنبياء وأتباعهم شاقة‪،‬‬
‫ألهنم يحملون الناس على االستقامة والوسطية واالعتدال التي كثير ًا ما‬
‫تخالف هوى النفس‪ ،‬لكنها محققة لسعادة الدارين؛ ولذا مدح اهلل هذه األمة‬
‫بقوله‪﴿ :‬ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ‬
‫ﱣ ﱤ ﱥ﴾ [البقرة‪ ،]43:‬ألن الوسط صفة مدح وعدل‪ ،‬وهنى‬

‫((( فتح الباري (‪.)360 - 359/11‬‬


‫((( ينظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪.)426 / 10( ،)148 ،142 / 20‬‬

‫‪83‬‬
‫‪ 84‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫عن الغلو يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ‬


‫ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ﴾ [النساء‪ ،]171:‬ألنه صفة ذم ونقص واعوجاج‪ ،‬وقد أكد‬
‫َّاس إِ َّياك ُْم َوا ْل ُغ ُل َّو‬
‫النبي ‪ H‬النهي عن هذه الصفة يف قوله‪َ ( :‬يا َأ ُّي َها الن ُ‬
‫َان َق ْب َل ُك ْم ا ْل ُغ ُل ُّو فِي الدِّ ين)؛ وذلك ألن عواقب‬ ‫فِي الدِّ ِ‬
‫ين‪َ ،‬فإِ َّن ُه َأ ْه َل َك َم ْن ك َ‬

‫االحنراف الفكري‬
‫الغلو وعدم االعتدال على الفرد والجماعة كبيرة‪ ،‬فهي تبعد الفرد عن الجماعة‬
‫والدين‪ ،‬وهي مهددة لوحدة الجماعة وأمنها‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬إبراز يسر هذا الدين‪ ،‬وتعليمه كمنهج يف التدين‬


‫احلق‪:‬‬
‫من األصول البارزة يف اإلسالم التي ينبغي على المربي أن يربزها‬
‫لطالبه سماحة هذا الدين ويسره‪َّ ،‬‬
‫وأن اهلل رفع به الحرج واآلصار واألغالل‬
‫التي كانت على غيرنا من األمم‪ ،‬ولم يكلف اهلل فرد ًا وال جماعة إال ما يف‬
‫وسعهم(‪َّ ،)1‬‬
‫وأن األصل يف الدين والتدين اليسر‪ ،‬وترك العسر على النفس‬
‫والناس‪ ،‬وقد كثرت األدلة التي تدل على هذا األصل‪ ،‬من ذلك قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ﴾ [البقرة‪ ،]233 :‬وقوله‪﴿ :‬ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ‬
‫ﲫ﴾ [البقرة‪ ]286:‬وقوله‪﴿ :‬ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ﴾ [الطالق‪،]7:‬‬
‫وقوله‪﴿ :‬ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ﴾ [البقرة‪،]185:‬‬

‫(( ( قال الزمخشري‪( :‬الوسع هو ما يسع اإلنسان وال يضيق عليه‪ ،‬وال يحرج فيه‪ ،‬أي ال يكلفها‬
‫إال ما يتسع فيه طوقه‪ ،‬ويتيسر عليه دون مدى الطاقة والمجهود‪ ..‬ألنه كان يف إمكان اإلنسان‬
‫وطاقته أن يصلي أكثر من الخمس‪ ،‬ويصوم أكثر من شهر‪ ،‬ويحج أكثر من حجة)‪ ،‬الكشاف‬
‫(‪.)520/1‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪85‬‬

‫وقوله‪﴿ :‬ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ﴾ [الحج‪،]78:‬‬


‫وقوله‪﴿ :‬ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔ ﱕ ﱖ ﱗ﴾ [النساء‪،]28:‬‬
‫وقال ‪( :H‬إِ َّن الدِّ ي َن ُي ْس ٌر َو َل ْن ُي َشا َّد الدِّ ي َن َأ َحدٌ إِ َّل َغ َل َب ُه َف َسدِّ ُدوا‬
‫الر ْو َح ِة َو َش ْي ٍء مِ ْن الدُّ ْل َج ِة)(‪ ،)1‬وقال‬ ‫ِ‬ ‫اربوا و َأب ِشروا و ِ‬
‫استَعينُوا بِا ْل َغدْ َوة َو َّ‬ ‫َو َق ِ ُ َ ْ ُ َ ْ‬
‫االحنراف الفكري‬

‫‪َ ( :H‬ي ِّس ُروا َوال ُت َع ِّس ُروا َو َب ِّش ُروا َوال ُتنَ ِّف ُروا)(‪ ،)2‬وقال ‪:H‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫(إِ َّن َخ ْي َر دين ُك ْم َأ ْي َس ُر ُه‪ ،‬إِ َّن َخ ْي َر دين ُك ْم َأ ْي َس ُر ُه) ‪ ،‬وقال ‪( :H‬إِ َّن َ‬
‫اهَّلل‬ ‫(‪)3‬‬

‫َل ْم َي ْب َع ْثنِي ُم َعنِّتًا َوال ُم َت َعنِّتًا َو َلكِ ْن َب َع َثنِي ُم َع ِّل ًما ُم َي ِّس ًرا)(‪ ،)4‬وقال ‪:H‬‬
‫َّاس)(‪ ،)5‬وعن َأ َبي ُه َر ْي َر َة‬ ‫يب مِ ْن الن ِ‬ ‫(ح ِّر َم َع َلى الن ِ‬
‫َّار ك ُُّل َه ِّي ٍن َل ِّي ٍن َس ْه ٍل َق ِر ٍ‬ ‫ُ‬
‫َّاس‪َ ،‬ق َال َل ُه ْم النَّبِ ُّي‬ ‫‪َ I‬ق َال‪َ :‬قام َأ ْعرابِي َفب َال فِي ا ْلمس ِ ِ‬
‫َاو َل ُه الن ُ‬
‫جد‪َ ،‬ف َتن َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ ٌّ َ‬
‫اء‪َ ،‬فإِن ََّما‬‫اء‪َ ،‬أو َذنُوبا مِن م ٍ‬ ‫‪( :H‬د ُعوه وه ِري ُقوا َع َلى بول ِ ِه سج ًل مِن م ٍ‬
‫ْ ً ْ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ َ ْ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫ُب ِع ْثت ُْم ُم َي ِّس ِري َن َو َل ْم ُت ْب َع ُثوا ُم َع ِّس ِري َن)(‪ ،)6‬إلى غير ذلك من أدلة كثيرة؛ ولهذا كان‬

‫(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب يسر الدين‪ ،‬حديث رقم‪.)5982( :‬‬
‫يتخولهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب ما كان النبي ‪H‬‬
‫حديث رقم‪.)67( :‬‬
‫((( أخرجه أحمد يف المسند‪ ،‬حديث رقم‪ ،)15371( :‬والبخاري يف األدب المفرد‪ ،‬حديث‬
‫رقم‪ ،)341( :‬وحسنه األلباين يف صحيح األدب المفرد‪ ،‬حديث رقم‪ ،)260( :‬والسلسلة‬
‫الصحيحة‪ ،‬حديث رقم‪.)1635( :‬‬
‫((( أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب الطالق‪ ،‬باب بيان أن تخيير امرأته ال يكون طالقًا‪ ،‬حديث‬
‫رقم‪.)2703( :‬‬
‫((( أخرجه أحمد يف المسند‪ ،‬حديث رقم‪ )3742( :‬واللفظ له‪ ،‬والرتمذي يف السنن‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)2488‬وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب‪ ،‬حديث رقم‪.)1744( :‬‬
‫(( ( ينظر‪ :‬القواعد الكلية والضوابط الفقهية يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬للدكتور محمد عثمان بشير‬
‫(ص‪.)187 :‬‬

‫‪85‬‬
‫‪ 86‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫تقصد العسر يف التدين شيئًا مرفوضًا شرعًا ولو كان ذلك بنية التقرب إلى‬
‫ّ‬
‫اهلل‪ ،‬ولذلك قال العلماء‪( :‬ما من مشقة إال وجعل اهلل فيها رخصة)(‪ ،)1‬ومن هنا‬
‫أصلت قاعدة‪( :‬المشقة تجلب التيسير)(‪ ،)2‬فشرعت رخصة التيمم عند عدم‬
‫ّ‬
‫وجود الماء‪ ،‬وجمع الصالة وقصرها يف السفر‪ ،‬وجمعها يف الحضر عند وجود‬

‫االحنراف الفكري‬
‫المشقة‪ ،‬وكما شرع الحج والجهاد لمن استطاع إليهما سبيالً‪ ،‬ولذا عندما‬
‫أراد بعض الصحابة أن يقوم ليله يف عبادة اهلل فال ينام‪ ،‬وآخر يصوم هناره فال‬
‫يفطر‪ ،‬وآخر ال يريد أن يتزوج النساء‪ ،‬ورابع ال يستظل بظل‪ ،‬وخامس ال يأكل‬
‫اللحم‪ ،‬هناهم النبي ‪ H‬عن ذلك لما يرتتب عليه من مشقة ومفسدة‪،‬‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ‬
‫ﱡﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ﴾‬
‫[األعراف‪ ،]32:‬مب ّينًا لهم أن زهد اإلنسان ينبغي أن يكون فيما يضره‪،‬‬
‫أو يزهد فيما ال ينفعه‪ ،‬أما الزهد يف النافع فجهل وضالل لم يشرعه اهلل(‪ )3‬كما‬
‫است َِع ْن بِاهَّللِ َوال َت ْع َج ْز)(‪،)4‬‬ ‫(اح ِر ْ‬
‫ص َع َلى َما َينْ َف ُع َك‪َ ،‬و ْ‬ ‫قال النبي ‪ْ :H‬‬
‫وال ينبغي أن تفهم األدلة التي تحث على أخذ الدين بقوة والتمسك به على‬
‫أهنا تتعارض مع مبدأ اليسر‪ ،‬أو تدل على التعسير‪ ،‬كقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱠ ﱡ‬
‫ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ﴾ [البقرة‪ ،]63:‬وقوله‪:‬‬

‫((( انظر‪ :‬األشباه والنظائر للسبكي (‪ ،)٤٩/١‬والمنثور يف القواعد الفقهية للزركشي (‪،)١٧٤/٣‬‬
‫واألشباه والنظائر البن نجيم (ص‪،)٦٥ :‬‬
‫((( مجموع الفتاوى (‪.)512 - 511 /10‬‬
‫((( المصدر السابق (‪.)512 - 511/10‬‬
‫((( أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب القدَ ر‪ ،‬باب يف األمر بالقوة وترك العجز‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪.)4816‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪87‬‬

‫﴿ﱁ ﱂ ﱃ ﱄﱅ ﱆ ﱇ ﱈ﴾ [مريم‪ ،]12:‬وقوله‪:‬‬


‫﴿ﲛ ﲜ ﲝ ﲞﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ﴾ [الزخرف‪ ،]43:‬فإن اهلل‬
‫أمر بالتمسك وهنى عن التشدد‪.‬‬

‫يسر لهم دينه‪ ،‬ولم يكلفهم ما ال يطيقون‪،‬‬


‫ومن رحمة اهلل بعباده أن ّ‬
‫االحنراف الفكري‬

‫وحتى ما هو مقدور عليه وفيه مشقة على بعضهم يف بعض األحوال‪ ،‬جعل‬
‫فيه رخصة كالصوم للمريض والمسافر‪ ،‬والحج لمن ال يستطيع إليه سبيال‪،‬‬
‫والجهاد لألعمى واألعرج والمريض‪ ،‬وهنالك عبادات شرعها اهلل بقدْ ر‬
‫ميسر‪ ،‬هنى العباد أن يأتوا منها يف باب النوافل ما هو فوق طاقتهم‪ ،‬كالوصال‬
‫ّ‬
‫يف الصوم‪ ،‬وقيام الليل كله‪ ،‬يف العبادة ونحوها‪ ،‬وهنالك أمور فيها مشقة‬
‫وعسر لم يشرعها لعباده‪ ،‬والناس يفعلوهنا من باب التقرب وقد هنى عنها‪،‬‬
‫كرتك الزواج وأكل اللحم‪ ،‬وترك الجلوس يف الظل ونحوه‪ ،‬وهو نوع من‬
‫الضالل والتنطع‪ ،‬وأمر اهلل عباده يف عبادته أن يرفقوا بأنفسهم‪ ،‬فعن هشام بن‬
‫عروة عن أبيه عن عائشة ‪ J‬قالت‪ :‬كَان َْت ِعن ِْدي ا ْم َر َأ ٌة مِ ْن َبنِي َأ َس ٍد َفدَ َخ َل‬
‫ول اهَّللِ ‪َ H‬ف َق َال‪َ ( :‬م ْن َه ِذ ِه؟) ُق ْل ُت‪ُ :‬فال َن ُة ال َتنَا ُم بِال َّل ْيلِ‪َ ،‬ف ُذكِ َر‬ ‫َع َلي َر ُس ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مِ ْن َصالت َها‪َ ،‬ف َق َال‪َ ( :‬م ْه َع َل ْي ُك ْم َما ُتطي ُق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهَّلل ال َي َم ُّل َحتَّى‬ ‫ون م ْن ْالَ ْع َمال َفإِ َّن َ‬
‫َت َم ُّلوا)(‪ ،)1‬فمن خالل معرفة يسر هذا الدين‪ ،‬وااللتزام به ونشره بين الناس‪،‬‬
‫تعليم للعباد بفضل اهلل عليهم‪ ،‬ألن تكليف النفس فوق طاقتها يؤدي إلى‬
‫االنقطاع عن العمل‪ ،‬أو التقصير والخلل يف واجبات وحقوق أخرى‪ ،‬أو ربما‬

‫(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب ما يكره من التشديد يف العبادة‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)1083‬ومسلم يف صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب أمر من نعس قي صالته أو استعجم عليه‬
‫القرآن‪ ،‬حديث رقم‪.)1307( :‬‬

‫‪87‬‬
‫‪ 88‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ترتب على ذلك فساد يف جوارحهم‪ ،‬وأجسامهم كما قال النبي ‪:H‬‬
‫( َفإِن ََّك إِ َذا َف َع ْل َت َذل ِ َك َه َج َم ْت َع ْين َُك‪َ ،‬ون َِف َه ْت َن ْف ُسك)‪ ،‬قال الشاطبي‪( :‬فاعلم‬
‫أن الحرج مرفوع عن المكلف لوجهين؛ أحدهما‪ :‬الخوف من االنقطاع من‬
‫الطريق‪ ،‬وبغض العبادة‪ ،‬وكراهة التكليف‪ ،‬وينتظم تحت هذا المعنى الخوف‬

‫االحنراف الفكري‬
‫من إدخال الفساد عليه يف جسمه‪ ،‬أو عقله‪ ،‬أو ماله‪ ،‬أو حاله‪ ،‬والثاين‪ :‬خوف‬
‫التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد‪ ،‬المختلفة األنواع؛ مثل قيامه‬
‫على أهله وولده‪ ،‬إلى تكاليف أخرى تأيت يف الطريق‪ ،‬فربما كان التوغل يف‬
‫بعض األعمال شاغال عنها‪ ،‬وقاطعا بالمكلف دوهنا‪ ،‬وربما أراد الحمل‬
‫للطرفين على المبالغة يف االستقصاء؛ فانقطع عنهما)(‪.)1‬‬
‫ولهذا َّ‬
‫فإن ما نشاهده عند بعض الناس من التشدد والغلو بقصد التقرب‬
‫إلى اهلل تعالى نوع من الخطأ والجهل‪ ،‬ومظهر من مظاهر االنحراف الفكري‪،‬‬
‫وهذا مما أغضب النبي ‪ H‬حينما بلغه ورآه عند بعض أصحابه‪،‬‬
‫وهنالك من الناس من يحملون أنفسهم على العزائم‪ ،‬ويرفضون الرخص‬
‫ب إلى اهلل‪ ،‬كما قال النبي‬ ‫بمقر ٍ‬
‫التي شرعها اهلل بقصد التقرب إلى اهلل‪ ،‬وما ذلك ّ‬
‫ب َأ ْن ُت ْؤ َتى ُر َخ ُص ُه ك ََما َي ْك َر ُه َأ ْن ُت ْؤ َتى َم ْع ِص َي ُت ُه)(‪)2‬؛‬ ‫ِ‬
‫‪( :H‬إِ َّن َ‬
‫اهَّلل ُيح ُّ‬
‫ألن الذي شرع العزيمة شرع لعباده الرخصة رحمة وفضالً على عباده‪ ،‬فما‬
‫بال أقوام يرفضون فضل اهلل‪.‬‬

‫((( الموافقات يف أصول الشريعة ( ‪.)370 ،369 /2‬‬


‫((( أخرجه أحمد يف المسند‪ ،‬حديث رقم‪ ،)5600( :‬وابن حبان يف صحيحه‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)354‬والبيهقي يف شعب اإليمان‪ ،‬حديث رقم‪ ،)3889( :‬وصححه األلباين يف صحيح‬
‫الجامع الصغير (‪.)1886( )383/1‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪89‬‬

‫سابعاً‪ :‬تعليم الشمولية يف أخذ اإلسالم‪ ،‬مع املوازنة بني كافة‬


‫احلقوق والواجبات‬
‫البد من تربية الفرد على التصور الشامل لإلسالم‪ ،‬وأن الدين الحق‬
‫يكون باالستجابة الكاملة قدر المستطاع هلل ولرسوله قال تعالى‪﴿ :‬ﲝ‬
‫االحنراف الفكري‬

‫ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩ‬
‫ﲪ ﲫ ﲬ﴾ [البقرة‪ ، ]208:‬قال السعدي‪( :‬هذا أمر للمؤمنين أن‬
‫يدخلوا ﴿ﲡ ﲢ ﲣ﴾ أي‪ :‬يف جميع شرائع الدين‪ ،‬وال يرتكوا منها‬
‫شيئًا‪ ،‬وأن ال يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه‪ ،‬إن وافق األمر المشروع هواه فعله‪،‬‬
‫وإن خالفه تركه؛ بل الواجب أن يكون الهوى تبعًا للدين‪ ،‬وأن يفعل ما يقدر‬
‫عليه من أفعال الخير‪ ،‬وما يعجز عنه يلتزمه وينويه فيدركه بنيته)(‪ ،)1‬وقال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬
‫ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ‬
‫ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ﴾ [البقرة‪ ،]85:‬وقد تواردت األدلة الكثيرة من‬
‫السنة النبوية التي تدعو إلى الموازنة بين كافة الحقوق والواجبات‪ ،‬ومن ذلك‬
‫آخى النَّبِي ‪َ H‬ب ْي َن َس ْل َم َ‬
‫ان‬ ‫ما رواه عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال‪َ :‬‬
‫ُّ‬
‫ان َأ َبا الدَّ ْر َد ِاء َف َر َأى ُأ َّم الدَّ ْر َد ِاء ُم َت َب ِّذ َلةً‪َ ،‬ف َق َال َل َها‪َ :‬ما‬
‫َو َأبِي الدَّ ْر َد ِاء‪َ ،‬ف َز َار َس ْل َم ُ‬
‫اج ٌة فِي الدُّ ْن َيا‪َ ،‬ف َجا َء َأ ُبو الدَّ ْر َد ِاء‬ ‫ِ‬
‫وك َأ ُبو الدَّ ْر َداء َل ْي َس َل ُه َح َ‬ ‫ُك؟ َقا َل ْت‪َ :‬أ ُخ َ‬ ‫َش ْأن ِ‬

‫َف َصن ََع َل ُه َط َعا ًما َف َق َال‪ :‬ك ُْل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فإِنِّي َصائِ ٌم‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ما َأنَا بِآكِ ٍل َحتَّى َت ْأك َُل‪َ ،‬ق َال‪:‬‬
‫ِ‬ ‫َف َأك ََل‪َ ،‬ف َل َّما ك َ‬
‫ب َي ُقو ُم َف َق َال‪:‬‬ ‫ب َأ ُبو الدَّ ْر َداء َي ُقو ُم َق َال‪ :‬ن َْم‪َ ،‬فنَا َم ُث َّم َذ َه َ‬ ‫َان ال َّل ْي ُل َذ َه َ‬

‫((( تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان (ص‪.)94 :‬‬

‫‪89‬‬
‫‪ 90‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫َان مِن ِ‬
‫آخ ِر ال َّل ْي ِل َق َال‪َ :‬س ْل َم ُ‬
‫ان ُق ْم ْال َن‪َ ،‬ف َص َّل َيا‪َ ،‬ف َق َال َل ُه َس ْل َم ُ‬
‫ان‪:‬‬ ‫ن َْم‪َ ،‬ف َل َّما ك َ ْ‬
‫إِ َّن لِرب َك َع َلي َك ح ًّقا‪ ،‬ولِنَ ْف ِس َك َع َلي َك ح ًّقا‪ ،‬و ِلَ ْهلِ َك َع َلي َك ح ًّقا‪َ ،‬ف َأ ْع ِ‬
‫ط ك َُّل‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ِّ‬
‫ِذي َح ٍّق َح َّق ُه‪َ ،‬ف َأ َتى النَّبِ َّي ‪َ H‬ف َذك ََر َذل ِ َك َل ُه‪َ ،‬ف َق َال النَّبِ ُّي ‪:H‬‬
‫(صدَ َق َس ْل َم ُ‬
‫ان)‪ ،‬وعن أبي العباس قال‪ :‬سمعت عبد اهلل بن عمرو ‪L‬‬ ‫َ‬

‫االحنراف الفكري‬
‫قال لي النبي ‪َ ( :H‬أ َل ْم ُأ ْخ َب ْر َأن ََّك َت ُقو ُم ال َّل ْي َل َو َت ُصو ُم الن ََّهار؟) ُق ْل ُت‪:‬‬
‫إِنِّي َأ ْف َع ُل َذل ِ َك‪َ ،‬ق َال‪َ ( :‬فإِن ََّك إِ َذا َف َع ْل َت َذل ِ َك َه َج َم ْت َع ْين َُك‪َ ،‬ون َِف َه ْت َن ْف ُسك‪،‬‬
‫َوإِ َّن لِنَ ْف ِس َك َح ًّقا‪َ ،‬و ِلَ ْهلِ َك َح ًّقا‪َ ،‬ف ُص ْم َو َأ ْفطِ ْر َو ُق ْم َون َْم)‪ ،‬قال ابن حجر يف‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫(«وإِ َّن لنَ ْفسك َع َل ْيك َح ًّقا»‪َ ،‬أ ْي‪ُ :‬ت ْعط َيها َما َت ْحتَاج إِ َل ْيه َض ُر َ‬
‫ورة‬ ‫الشرح قوله‪َ :‬‬
‫احة ا َّلتِي َي ُقوم بِ َها َبدَ نه‬
‫الر َ‬
‫الش ْرب َو َّ‬ ‫ان مِ ْن ْالَكْل َو ُّ‬ ‫ا ْلب َش ِرية مِما َأباحه اهَّلل ل ِ ْلِنْس ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ َّ َ َ ُ‬
‫عها َع َّما ِس َوى اهَّلل َت َعا َلى؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون َأ ْع َون َع َلى ع َبا َدة َر ّبه‪َ ،‬وم ْن ُح ُقوق النَّ ْفس َق ْط َ‬ ‫ل ِ َي ُك َ‬
‫«و ِلَ ْهلِك َع َل ْيك َح ًّقا»‪َ ،‬أ ْي‪َ :‬تنْ ُظر‬ ‫ِ‬
‫َص بِال َّت َع ُّل َقات ا ْل َق ْلبِ َّية‪َ ،‬ق ْوله‪َ :‬‬
‫ِ ِ‬
‫َلك َّن َذل َك َي ْخت ّ‬
‫الز ْو َجة‪َ ،‬أ ْو‬ ‫يما ال ُبدّ َل ُه ْم مِنْ ُه مِ ْن ُأ ُمور الدُّ ْن َيا َو ْال ِخ َرة‪َ ،‬وا ْل ُم َراد بِ ْالَ ْه ِل َّ‬ ‫ِ‬
‫َل ُه ْم ف َ‬
‫َأ َع ّم مِ ْن َذل ِ َك مِ َّم ْن َت ْل َزم ُه َن َف َقته‪َ ..‬ق ْوله‪َ « :‬ف ُص ْم»‪َ ،‬أ ْي‪َ :‬فإِ َذا َع َر ْفت َذل ِ َك َف ُص ْم‬
‫يه‪َ ..‬أ َّن ْالَ ْو َلى فِي ا ْل ِع َبا َدة َت ْق ِديم‬ ‫َتارة و َأ ْفطِر َتارة لِتَجمع بين ا ْلمص َلح َتي ِن‪ ،‬وفِ ِ‬
‫َ ْ َ ْ َ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫الز َيا َدة َع َلى َما ُطبِ َع َع َل ْي ِه َي َقع َل ُه‬
‫ف ِّ‬ ‫اج َبات َع َلى ا ْل َمنْدُ و َبات‪َ ،‬و َأ َّن َم ْن َت َك َّل َ‬ ‫ا ْل َو ِ‬

‫الز َمة ا ْل ِع َبا َدة ِلَ َّن ُه ‪َ H‬م َع‬ ‫يه ا ْل َح ّض َع َلى ُم َ‬ ‫ا ْل َخ َلل فِي ا ْل َغالِب‪ .‬وفِ ِ‬
‫َ‬
‫ك ََر َاهته َل ُه الت َّْش ِديد َع َلى َن ْفسه َح َّض ُه َع َلى ِال ْقتِ َصاد ك ََأ َّن ُه َق َال َل ُه‪َ :‬وال َي ْمنَعك‬
‫وق َم ْن ُذكِ َر َأ ْن ُت َض ِّيع َح ّق ا ْل ِع َبا َدة َو َتت ُْرك ا ْل َمنْدُ وب ُج ْم َلة‪َ ،‬و َلكِ ْن‬ ‫اِ ْشتِ َغالك بِ ُح ُق ِ‬

‫نهما)(‪ ،)1‬وعن عبد اهلل بن عمرو بن العاص قال‪ :‬قال لي رسول اهلل‬ ‫ِ‬
‫ا ْج َم ْع َب ْي َ‬

‫((( فتح الباري (‪)51 - 50/ 3‬‬


‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪91‬‬

‫‪َ ( :H‬يا َع ْبدَ اهَّللِ َأ َل ْم ُأ ْخ َب ْر َأن ََّك َت ُصو ُم الن ََّه َار َو َت ُقو ُم ال َّل ْي َل؟) َف ُق ْل ُت‪َ :‬ب َلى‬
‫ول اهَّللِ‪َ ،‬ق َال‪َ ( :‬فال َت ْف َع ْل‪ُ ،‬ص ْم َو َأ ْفطِ ْر‪َ ،‬و ُق ْم َون َْم‪َ ،‬فإِ َّن ل ِ َج َس ِد َك َع َل ْي َك َح ًّقا‪،‬‬‫َيا َر ُس َ‬
‫َوإِ َّن ل ِ َع ْين ِ َك َع َل ْي َك َح ًّقا‪َ ،‬وإِ َّن ل ِ َز ْو ِج َك َع َل ْي َك َح ًّقا‪َ ،‬وإِ َّن ل ِ َز ْو ِر َك َع َل ْي َك َح ًّقا‪َ ،‬وإِ َّن‬
‫بِ َح ْسبِ َك َأ ْن َت ُصو َم ك َُّل َش ْه ٍر َثال َث َة َأ َّيا ٍم َفإِ َّن َل َك بِ ُك ِّل َح َسن ٍَة َع ْش َر َأ ْم َثال ِ َها‪َ ،‬فإِ َّن‬
‫االحنراف الفكري‬

‫ول اهَّللِ إِنِّي َأ ِجدُ ُق َّوةً‪َ ،‬ق َال‪َ ( :‬ف ُص ْم ِص َيا َم‬ ‫َذل ِ َك ِص َيا ُم الدَّ ْه ِر ُك ِّل ِه)‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َان ِص َيا ُم َنبِ ِّي اهَّللِ َد ُاو َد َع َل ْي ِه‬
‫الس َلم َوال َت ِز ْد َع َل ْي ِه)‪ُ ،‬ق ْل ُت‪َ :‬و َما ك َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َنبِ ِّي اهَّلل َد ُاو َد َع َل ْيه َّ‬
‫ول َب ْعدَ َما َكبِ َر‪َ :‬يا َل ْيتَنِي َقبِ ْل ُت‬ ‫ان َع ْبدُ اهَّللِ َي ُق ُ‬
‫ف الدَّ ْه ِر)‪َ ،‬ف َك َ‬ ‫السالم‪َ ،‬ق َال‪( :‬نِ ْص َ‬ ‫َّ‬
‫ُر ْخ َص َة النَّبِ ِّي‪ ،)1( )H‬وعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج‬
‫النبي ‪ H‬قالت‪َ :‬د َخ َل ْت َع َلي ُخ َو ْي َل ُة بِن ُْت َحكِ ِ‬
‫يم ْب ِن ُأ َم َّي َة ْب ِن َح ِ‬
‫ار َث َة‬ ‫َّ‬
‫ول‬ ‫ٍ‬
‫ان ْب ِن َم ْظ ُعون َقا َل ْت‪َ :‬ف َر َأى َر ُس ُ‬ ‫الس َل ِم َّيةُ؛ َوكَان َْت ِعنْدَ ُع ْث َم َ‬ ‫ص ُّ‬ ‫ْب ِن ْالَ ْو َق ِ‬
‫اهَّللِ ‪َ H‬ب َذا َذ َة َه ْي َئتِ َها َف َق َال لِي‪َ ( :‬يا َعائِ َش ُة َما َأ َب َّذ َه ْي َئ َة ُخ َو ْي َلةَ)‪َ ،‬قا َل ْت‪:‬‬
‫ول اهَّللِ ا ْم َر َأ ٌة ال َز ْو َج َل َها‪َ ،‬ي ُصو ُم الن ََّه َار َو َي ُقو ُم ال َّل ْي َل َف ِه َي ك ََم ْن‬ ‫َف ُق ْل ُت‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ول اهَّلل ‪H‬‬
‫ال زوج َلها‪َ ،‬فتَركَت َن ْفسها و َأضاعتْها‪َ ،‬قا َلت‪َ :‬فبع َث رس ُ ِ‬
‫ََ َ ُ‬ ‫َ ْ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫ان َأ َر ْغ َب ًة َع ْن ُسنَّتِي؟ َق َال‪َ :‬ف َق َال‪:‬‬ ‫ان ب ِن م ْظع ٍ‬
‫ون َف َجا َء ُه َف َق َال‪َ ( :‬يا ُع ْث َم ُ‬ ‫إِ َلى ُع ْث َم َ ْ َ ُ‬
‫ب‪َ ،‬ق َال‪َ ( :‬فإِنِّي َأنَا ُم َو ُأ َص ِّلي‪َ ،‬و َأ ُصو ُم‬ ‫ِ‬ ‫ال واهَّللِ يا رس َ ِ‬
‫ول اهَّلل‪َ ،‬و َلك ْن ُسنَّت ََك َأ ْط ُل ُ‬ ‫َ َ َ ُ‬
‫ان َفإِ َّن ِلَ ْهلِ َك َع َل ْي َك َح ًّقا‪َ ،‬وإِ َّن ل ِ َض ْي ِف َك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ُأ ْفط ُر‪َ ،‬و َأنْك ُح الن َِّسا َء‪َ ،‬فا َّت ِق َ‬
‫اهَّلل َيا ُع ْث َم ُ‬
‫َع َل ْي َك َح ًّقا‪َ ،‬وإِ َّن لِنَ ْف ِس َك َع َل ْي َك َح ًّقا‪َ ،‬ف ُص ْم َو َأ ْفطِ ْر‪َ ،‬و َص ِّل َون َْم)(‪ ،)2‬فهذه األدلة‬

‫(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب حق الجسم من الصوم‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪.)1839‬‬
‫((( أخرجه أحمد يف المسند‪ ،‬حديث رقم‪ ،)25104( :‬وأبو داود يف السنن‪ ،‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪ ،)1162‬وصححه األلباين يف صحيح أبي داود‪ ،‬حديث رقم‪.)1369( :‬‬

‫‪91‬‬
‫‪ 92‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫توضح أن العبادة التي يحبها اهلل هي التي يجمع فيها بين الواجبات‪ ،‬ويؤدي‬
‫فيها اإلنسان ما يستطيع من المندوبات‪ ،‬وال ينبغي أن يكون شيء من الحقوق‬
‫على حساب شيء‪ ،‬وال واجب على حساب واجب‪ ،‬وال ترك الحرام على‬
‫حساب التفريط يف فعل الواجبات‪ ،‬والدين هو ما شرع اهلل بشموله‪ ،‬ال تخ ّير‬

‫االحنراف الفكري‬
‫بعضه وترك بعضه‪ ،‬وأغلب أصحاب التدين المنحرف إذا تتبعت أحوالهم‬
‫وفرطوا يف جوانب أخرى‪ ،‬وال تجد عندهم تصور ًا‬
‫تجدهم غلوا يف جوانب‪ّ ،‬‬
‫شموليًا لإلسالم فكر ًا وعمالً‪.‬‬

‫ثامناً‪ :‬تعليم األخالق اإلسالمية‪ ،‬والتخلق بها مع الناس‬


‫ّ‬
‫إن بناء األ ّمة على قاعدة اإلسالم العظيمة يف األخالق والسلوك‪ ،‬هو‬
‫صمام أمان ألمن المجتمع وسعادته واستقراره‪َّ ،‬‬
‫فإن الجهل بآداب اإلسالم‬
‫وعدم االلتزام هبا؛ أول ما يؤدي إليه إهدار حقوق اآلخرين وإيذاؤهم‪،‬‬
‫وزرع العداوة والبغضاء بينهم‪ ،‬خاصة نحن يف زمان عمت فيه أخالق أهل‬
‫السوء من خالل وسائلهم المتطورة‪ ،‬وطرحهم الجريء‪ ،‬فالبد من إعادة‬
‫بناء الفرد المسلم على أخالق اإلسالم الرفيعة بصورة جادة وقوية‪ ،‬فإننا أ َّمة‬
‫األخالق العظيمة البارزة يف كتاب اهلل‪ ،‬ويف سيرة نبي اإلسالم‪ ،‬وبذلك مدحه‬
‫اهلل ‪ D‬يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ﴾ [القلم‪ ،]4:‬وهو القائل‪:‬‬
‫(إِ َّن مِ ْن ِخ َي ِ‬
‫ارك ُْم َأ ْح َسنَ ُك ْم َأ ْخال ًقا)(‪ ،)1‬واإلسالم ال تنفك ق َيمه وأخالقه عن‬
‫مبدأ اإليمان والعبودية هلل‪ ،‬فقد حث أن يكون القول ط ّيبًا وسديد ًا وصادقًا‬

‫(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬باب صفة النبي ‪ ،H‬حديث رقم‪:‬‬
‫(‪.)3295‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪93‬‬

‫وحسنًا وعد ً‬
‫ال ونحوه‪ ،‬فماذا بعد هذا؟! والعمل صالحًا ومحسنًا وصادقًا‬
‫ونحوه‪ ،‬والفرد متواضعًا حليمًا كريمًا صابر ًا عد ً‬
‫ال ونحوه‪ ،‬وباب األخالق‬
‫باب واسع؛ ولكن هنالك قيم أخالقية يف إبرازها والرتكيز عليها عالج‬
‫لالنحراف الفكري‪ ،‬من ذلك‪:‬‬
‫االحنراف الفكري‬

‫‪ 1.1‬زرع ق َيم المحبة والرحمة بين المؤمنين‪ ،‬وعدم إيذاء المسلم‪،‬‬


‫والمعاهد‪ ،‬وإبراز كل األدلة التي تحث وتلزم بذلك من خالل كل مؤسساتنا‬
‫َ‬
‫التعليمية‪ ،‬والدعوية‪ ،‬واإلعالمية‪.‬‬

‫‪2.2‬دعوة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة‪ ،‬والرفق واللين‪ ،‬ال‬


‫بالعنف والهوى‪ ،‬كما هو منهج القرآن واألنبياء جميعًا كما قال تعالى‪﴿ :‬ﲖ‬
‫ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ﴾‬
‫[ النحل‪ ،]125 :‬قال الزمخشري يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﲞ ﲟ ﲠ‬
‫ﲡ﴾‪( :‬بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين‪،‬‬
‫من غير فظاظة وال تعنيف)(‪ ،)1‬وقال تعالى مخاطبًا موسى وهارون عليهما‬
‫السالم‪﴿ :‬ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ﴾‬
‫[طه‪ ،]44-43:‬قال القرطبي يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ﴾‪( :‬دليل على‬
‫جواز األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وأن ذلك يكون باللين من القول‬
‫لمن معه القوة‪ ،‬وضمنت له العصمة‪ ..‬فكيف بنا فنحن أولى بذلك‪ ،‬وحينئذ‬
‫يحصل اآلمر على مرغوبه‪ ،‬ويظفر بمطلوبه‪ ،‬وهذا واضح)(‪.)2‬‬

‫((( الكشاف (‪.)485 /3‬‬


‫((( الجامع ألحكام القرآن (‪.)181/6‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ 94‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫‪3.3‬معرفة الحقوق التي أوصى اهلل هبا من حق الوالدين‪ ،‬واألرحام‪،‬‬


‫والجيران‪ ،‬والمسلم‪ ،‬والعالم‪ ،‬والكبير‪ ،‬والضعيف‪ ،‬والغريب‪ ،‬والفقير‪ ،‬وحق‬
‫والمعاهد‪ ،‬بل ينبغي أن يتعلم الطفل المسلم حتى حق البهيمة‬
‫َ‬ ‫المستأ َمن‬
‫ونحوها‪.‬‬

‫االحنراف الفكري‬
‫‪4.4‬التثبت فيما يسمعه اإلنسان عن فرد‪ ،‬أو جماعة‪ ،‬حاكمًا‪،‬‬
‫أو محكومًا‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬
‫ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ﴾ [الحجرات‪ ،]6:‬وقد كان منهج‬
‫(ش َكا‬ ‫السلف التثبت يف األمور‪ ،‬مثال ذلك ما جاء عن جابر بن سمرة قال‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫َأ ْه ُل ا ْل ُكو َفة َس ْعدً ا إِ َلى ُع َم َر ‪َ I‬ف َع َز َل ُه َو ْ‬
‫اس َت ْع َم َل َع َل ْي ِه ْم َع َّم ًارا َف َش َك ْوا َحتَّى‬
‫ون‬‫اق إِ َّن َه ُؤ َل ِء َي ْز ُع ُم َ‬ ‫َذك َُروا َأ َّن ُه ال ُي ْح ِس ُن ُي َص ِّلي َف َأ ْر َس َل إِ َل ْي ِه َف َق َال‪َ :‬يا َأ َبا إِ ْس َح َ‬
‫اق‪َ :‬أ َّما َأنَا َواهَّللِ َفإِنِّي ُكن ُْت ُأ َص ِّلي بِ ِه ْم َصال َة‬ ‫َأن ََّك ال ُت ْح ِس ُن ُت َص ِّلي‪َ ،‬ق َال َأ ُبو إِ ْس َح َ‬
‫ول اهَّللِ ‪ H‬ما َأ ْخ ِرم َعنْها‪ُ ،‬أص ِّلي صال َة ا ْل ِع َش ِ‬
‫اء َف َأ ْر ُكدُ فِي ْالُو َل َي ْي ِن‬ ‫رس ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫اق‪َ ،‬ف َأ ْر َس َل َم َع ُه َر ُج ًل‬ ‫اك ال َّظ ُّن بِ َك َيا َأ َبا إِ ْس َح َ‬ ‫ف فِي ْالُ ْخ َر َي ْي ِن َق َال‪َ :‬ذ َ‬ ‫َو ُأ ِخ ُّ‬
‫جدً ا إِ َّل َس َأ َل َعنْ ُه‬ ‫َأ ْو ِر َجاال إِ َلى ا ْل ُكو َف ِة َفس َأ َل َعنْ ُه َأ ْه َل ا ْل ُكو َف ِة َو َلم َيدَ ْع مس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫س َف َقا َم َر ُج ٌل مِن ُْه ْم ُي َق ُال َل ُه ُأ َسا َم ُة‬ ‫جدً ا ل ِ َبنِي َع ْب ٍ‬
‫ُون م ْعرو ًفا َحتَّى َد َخ َل مس ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َو ُي ْثن َ َ ُ‬
‫الس ِر َّي ِة َوال‬ ‫ِ‬
‫َان ال َيس ُير بِ َّ‬ ‫ْب ُن َقتَا َد َة ُي ْكنَى َأ َبا َس ْعدَ َة َق َال‪َ :‬أ َّما إِ ْذ ن ََشدْ َتنَا َفإِ َّن َس ْعدً ا ك َ‬
‫ي ْق ِسم بِالس ِوي ِة وال يع ِد ُل فِي ا ْل َق ِضي ِة‪َ ،‬ق َال سعدٌ ‪َ :‬أما واهَّللِ ألَد ُعو َّن بِ ٍ‬
‫ثالث‪ :‬ال َّل ُه َّم‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ َّ َّ‬
‫َاذ ًبا َقا َم ِر َيا ًء َو ُس ْم َع ًة َف َأطِ ْل ُع ْم َر ُه‪َ ،‬و َأطِ ْل َف ْق َر ُه‪َ ،‬و َع ِّر ْض ُه‬ ‫َان َعبدُ َك َه َذا ك ِ‬
‫إِ ْن ك َ ْ‬
‫ُون َأ َصا َبتْنِي َد ْع َو ُة َس ْع ٍد‪َ ،‬ق َال‬ ‫ول‪َ :‬ش ْي ٌخ َكبِ ٌير َم ْفت ٌ‬ ‫َان َب ْعدُ إِ َذا ُسئِ َل َي ُق ُ‬ ‫بِا ْل ِفت َِن‪َ ،‬وك َ‬
‫اج َبا ُه َع َلى َع ْينَ ْي ِه مِ ْن ا ْلكِ َب ِر َوإِ َّن ُه َل َي َت َع َّر ُض‬
‫ك‪َ :‬ف َأنَا ر َأ ْي ُت ُه َب ْعدُ َقدْ س َق َط َح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َعبدُ ا ْلملِ ِ‬
‫ْ َ‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪95‬‬

‫ل ِ ْل َج َو ِاري فِي ال ُّط ُر ِق َي ْغ ِم ُز ُه َّن)(‪ ،)1‬خاصة نحن يف زمن هتدم فيه الدول وهتزم‬
‫من خالل اإلعالم‪ ،‬والناس يساقون إلى الفتن بوسائل وأساليب شتى‪ ،‬وقد‬
‫قال ابن القيم‪( :‬كمال العبد وصالحه يتخلف عنه من أحد جهتين‪ :‬إما أن‬
‫تكون طبيعة نفسه يابسة قاسية غير ل ّينة‪ ،‬وال منقادة وال قابلة لما به كمالها‬
‫االحنراف الفكري‬

‫وفالحها‪ ،‬وإما أن تكون ل ّينة منقادة سلسة القياد‪ ،‬لكنها غير ثابتة على ذلك بل‬
‫سريعة االنتقال عنه‪ ،‬كثيرة التقلب‪ ،‬فمتى رزق العبد انقياد ًا للحق وثباتًا عليه‪،‬‬
‫فقد ّ‬
‫بشر بكل خير‪ ،‬وذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء)(‪.)2‬‬

‫‪5.5‬تربية الفرد على العدل يف القول والفعل‪ ،‬وتجنب الظلم بكل أنواعه‬
‫فال غش وال كذب‪ ،‬وال غيبة وال نميمة‪ ،‬وال سب وال طعن‪﴿ ،‬ﱘ ﱙ ﱚ‬
‫ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ‬
‫ﱟ‬ ‫ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ‬
‫�‬
‫ﱨ﴾ [األنعام‪ ،]152:‬قال تعالى‪﴿ :‬ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ‬
‫ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ﴾ [األحزاب‪.]58:‬‬

‫فهذه بعض الجوانب التي ذكرهتا أمثلة ال للحصر واهلل المستعان‪،‬‬


‫والموضوع واسع‪ ،‬وكل من قرأه من الدعاة والرتبويين والمصلحين ستتحرك‬
‫يف كوامن نفسه أشياء‪ ،‬وتتجدد عنده أفكار‪ ،‬هذا ما قصدته حتى نصل بفكرنا‬
‫الرتبوي المعاصر إلى مستوى من النضوج‪ ،‬نؤ ِّمن من خالله مسيرة أمتنا‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب األذان‪ ،‬باب وجوب القراءة لإلمام والمأموم يف الصالة‪،‬‬
‫حديث رقم‪.)713( :‬‬
‫((( مفتاح دار السعادة (ص‪.)205 :‬‬

‫‪95‬‬
‫‪ 96‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫العظيمة؛ ألن مثل هذا الموضوع يحتاج أن تفرد له مراكز أبحاث‪.‬‬

‫تاسعاً‪ :‬التعامل الشرعي مع املنحرفني فكرياً‬


‫هذا المبدأ أرساه النبي ‪ H‬من خالل معالجته لالنحراف‬
‫ول اهَّللِ أال‬

‫االحنراف الفكري‬
‫الفكري الذي سببه الغلو‪ ،‬فعندما قال له خالد يف رواية عمر‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫ص ِّلي)‪ ،‬فاحتمل النبي ‪H‬‬ ‫َأ ْض ِر ُب ُعنُ َق ُه‪َ ،‬ق َال‪( :‬ال‪َ ،‬ل َع َّل ُه َأ ْن َي ُك َ‬
‫ون ُي َ‬
‫أذاه؛ ألنّه يف داخل جماعة المسلمين‪ ،‬ولهذا حتى الخوارج عندما شرع‬
‫اإلسالم قتالهم شرعه إذا قاتلوا وخرجوا عن الجماعة‪( ،‬ولم يك ّفرهم علي‬
‫بن أبي طالب‪ ،‬وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة‪ ،‬بل جعلوهم‬
‫مسلمين مع قتالهم‪ ،‬ولم يقاتلهم علي ‪ I‬حتى سفكوا الدم الحرام‪،‬‬
‫وأغاروا على أموال المسلمين‪ ،‬فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم ال ألهنم كفار‪،‬‬
‫سب حريمهم‪ ،‬ولم يغنم أموالهم)(‪ ،)1‬قال اإلمام النووي يف قوله‬ ‫ولهذا لم ُي ِ‬
‫‪َ ( :H‬لئِ ْن َأ ْد َر ْكت ُُه ْم َلَ ْق ُت َلن َُّه ْم َقت َْل َث ُمو َد)‪( :‬هذا تصريح بوجوب قتال‬
‫الخوارج والبغاة وهو إجماع العلماء‪ ،‬قال القاضي عياض‪ :‬أجمع العلماء‬
‫على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي متى خرجوا على اإلمام‪،‬‬
‫وخالفوا رأي الجماعة‪ ،‬وشقوا العصا‪ ،‬وجب قتالهم بعد إنذارهم واالعتذار‬
‫إليهم‪ ،‬قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ﴾ [الحجرات‪،]9:‬‬
‫لكن ال يجهز على جريحهم‪ ،‬وال يتبع منهزمهم‪ ،‬وال يقتل أسيرهم‪ ،‬وال‬
‫تباح أموالهم‪ ،‬وما لم يخرجوا عن الطاعة‪ ،‬وينتصبوا للحرب ال يقاتلون؛‬

‫((( مجموع الفتاوى (‪.)282 / 3‬‬


‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪97‬‬

‫بل يوعظون ويستتابون من بدعتهم وباطلهم)(‪.)1‬‬

‫الناظر إلى فقه النبي ‪ H‬يف معالجة انحراف الخوارج‬


‫الفكري يف عدم السماح بقتل ذي الخويصرة يف موضع‪ ،‬واألخذ بظاهر أمره‪،‬‬
‫واإلذن بقتالهم يف موضع آخر‪ ،‬يرى هذا المبدأ العظيم‪ ،‬مبدأ عظمة حرمة دم‬
‫االحنراف الفكري‬

‫المسلم وإن كان منحرفًا‪ ،‬وال يك ّفر وإن ك ّفر غيره؛ ألن الكفر حكم شرعي‬
‫ال يطلق جزافًا‪ ،‬وأن العمل على ردهم إلى الحق ينبغي أن يكون من أعظم‬
‫األولويات‪ ،‬والبد أن يتولى عالجهم من هو مؤهل للعالج بعلمه الغزير‪،‬‬
‫وسيرته الحسنة‪ ،‬واحتسب األجر يف ذلك عند اهلل‪ ،‬وإن توسيع الظنون بالناس‬
‫وأخذهم بدون ب ّينات‪ ،‬أو استخدام أساليب غير مشروعة ال يوصل لعالج؛‬
‫ألن الخير فيما شرعه اهلل‪ ،‬وهو أعلم وأرحم بعباده من أنفسهم‪.‬‬

‫((( شرح صحيح مسلم (‪.)150 -149 /4‬‬

‫‪97‬‬
‫‪ 98‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫االحنراف الفكري‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪99‬‬

‫النتائج والتوصيات‬
‫االحنراف الفكري‬

‫أ‪ .‬نتائج البحث‪:‬‬


‫من خالل الدراسة توصل الباحث إلى النتائج التالية‪:‬‬

‫‪1-1‬خطورة االنحراف الفكري بما يستدعي أن تخصص له مراكز‬


‫أبحاث‪ ،‬ويعتني بدراسته العلماء والرتبويون والدعاة ونحوهم؛ وذلك لتوفر‬
‫الدواعي واألسباب اليوم النتشاره‪ ،‬ولما يرتتب عليه من أضرار بليغة‪ ،‬تؤثر‬
‫على الفرد والمجتمع واألمة‪ ،‬يف وحدهتا وأمنها‪ ،‬وعلمائها وحكامها‪ ،‬وشباهبا‬
‫وقدراهتا البشرية والمادية‪ ،‬فماذا بقي بعد ذلك؟!‬

‫‪2-2‬االنحراف الفكري الذي سببه الغلو والتشدد أمر قديم‪ ،‬ال يصح‬
‫نسبته ألهل كتاب‪ ،‬أو فرقة معينة‪ ،‬وهو قد ظهرت بوادره حتى يف فجر اإلسالم‪،‬‬
‫والنبي ‪ H‬أول من تصدى له ّ‬
‫وحذر منه‪ ،‬ووضع المعالجات الكفيلة‬
‫بدحره‪ ،‬فهديه يف المعالجة هو أكمل الهدى وأحسنه‪.‬‬

‫‪3-3‬تضافر األدلة الكثيرة من الكتاب والسنة التي تنهى عن االنحراف‬


‫الفكري وتب ّين خطره وضالله‪ ،‬وتوضح موقف اإلسالم الحاسم من ّ‬
‫كل‬
‫انحراف ولو كان يسير ًا‪ ،‬وأنه ال ّ‬
‫يمت إلى الدين بشيء‪ ،‬كما توضح أهمية‬
‫التصدي له‪ ،‬وكشف ما فيه من باطل وانحراف عن الصراط المستقيم الذي‬
‫يوصل لسعادة الدارين‪ ،‬وأن اإلسالم بريء من كل فكر منحرف‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫‪ 100‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫‪َّ 4-4‬‬
‫إن المعالجات الفكرية التي ال تنبع من هدي الكتاب والسنة‪ ،‬وفهم‬
‫سلف هذه األمة‪ ،‬ال تتعدى أن تكون مس ّكنات‪ ،‬سرعان ما يتكرر معها الداء‬
‫وبصورة أشد‪ ،‬واستقراء المعالجات وفق هدى القرآن ونور النبوة هو هدى‬
‫كاف‪ ،‬ودواء ٍ‬
‫شاف بإذن اهلل‪ ،‬كما البد أن يتم العالج على يد العلماء الربانيين‪،‬‬ ‫ٍ‬

‫االحنراف الفكري‬
‫والدعاة المصلحين‪ ،‬وممثلي الدولة العقالء الصالحين‪ ،‬على أن يلتزم‬
‫الحكم عليهم‪ ،‬والتعامل معهم‪ ،‬ويف طريقة مجادلتهم‪،‬‬
‫بضوابط الشرع يف ُ‬
‫والعمل الجاد إلصالحهم‪ ،‬ومنع خطرهم على الفرد والجماعة‪.‬‬

‫‪ّ 5-5‬‬
‫إن األصل يف منهج اإلسالم االستقامة والوسطية‪ ،‬واالعتدال‬
‫والتوازن‪ ،‬والناس يف تمسكهم به إما مستقيم عليه؛ وهؤالء خيار الخ ْلق‬
‫مفرط يف حدوده‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وأحبهم إلى اهلل تعالى‪ ،‬وإما غال متجاوز له‪ ،‬أو جاف ّ‬
‫تقصد المشقة‬ ‫وكالهما منحرف وعاص؛ كما أن األصل يف الدين اليسر‪ّ ،‬‬
‫وأن ّ‬
‫وحث عليه‪ّ ،‬‬
‫وأن السالمة يف االستقامة على‬ ‫ّ‬ ‫يف التد ّين خالف لما شرع اهلل‬
‫التزام ما شرعه اهلل لعباده‪.‬‬

‫‪6-6‬البد من التفريق بين مبادئ اإلسالم وق َيمه المستقيمة المعتدلة‪،‬‬


‫وبين من ينتمون إليه وينتسبون له ولكنهم ينحرفون عنه فكريًا‪ ،‬وهبذا يكون‬
‫الحكم على اإلسالم من خالل سلوك بعض أفراده الذين ال يستقيمون عليه؛‬
‫ُ‬
‫نوع َا من الظلم‪ ،‬ومن ينتمون إليه وينحرفون عنه يكونوا قد وقعوا يف ظلمين‪:‬‬
‫ظلم أنفسهم بحرماهنا نعمة الهداية‪ ،‬وظلم غيرهم بأن صدوهم وفتنوهم عن‬
‫تق ّبل الدين الحق؛ ألهنم أظهروا الدين بخالف ما يريده اهلل تعالى‪.‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪101‬‬

‫‪ 7-7‬لن يتحقق األمن االجتماعي‪ ،‬أو السياسي‪ ،‬أو االقتصادي ونحو‬


‫ذلك‪ ،‬إال إذا تحقق أ ْمن العقول من االنحراف الفكري؛ الذي ال يكون إال‬
‫باالستقامة على شرع اهلل القويم‪ ،‬وأن الدول التي ال تنفق على أمنها الفكري‬
‫قليالً تنفق أضعافه يف العمل اإلجرائي األمني‪ ،‬وال تحقق التقدم الذي تنشده‬
‫االحنراف الفكري‬

‫إال من خالل األمن الفكري‪.‬‬

‫توصل الباحث إلى أبرز‬


‫‪8-8‬ومن خالل استقراء أدلة الكتاب والسنة ّ‬
‫أسباب االنحراف الفكري‪ ،‬ويمكن تلخيصها يف اآلتي‪:‬‬

‫ •العدول عن الكتاب والسنة‪ ،‬والتحاكم لهما‪ ،‬وااللتزام بما شرعه اهلل‬


‫فيهما‪ ،‬سواء أكان يف أصل ما شرع‪ ،‬أو يف مقداره وكيفيته‪.‬‬

‫ •غياب الفقه السليم‪ ،‬والتصور الصحيح لإلسالم؛ الذي ال يكون إال‬


‫وفق ما كان عليه النبي ‪ H‬وأصحابه‪ ،‬وسلف هذه األمة األخيار‪.‬‬

‫ •إرادة الخير دون علم وفقه سليم‪ ،‬ومعرفة بمداخل الشيطان‪.‬‬

‫ •الجهل بوسطية اإلسالم ويسره وسماحته‪ ،‬خاصة وسط الشباب‪.‬‬

‫ •األخذ الجزئي للدين‪ ،‬وعدم الموازنة بين كافة الحقوق والواجبات‪.‬‬

‫ •الزهد يف العلماء الربانيين‪ ،‬والتعلم على أيديهم‪ ،‬والرجوع إليهم فيما‬


‫يشكل‪ ،‬مع التشكيك يف علمهم ونياهتم‪.‬‬

‫ •التصدر لألمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون فقه بالشرع‪ ،‬وكيفية‬


‫األمر والنهي‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫‪ 102‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫ •القصور والتقصير يف الرتبية والتعليم من ق َبل المؤسسات الرتبوية‬


‫الرسمية وغيرها؛ بما يزكي الوعي الديني السليم‪.‬‬

‫ •غياب الوعي بعواقب االنحراف الفكري وخطره على الفرد‬


‫والجماعة‪ ،‬وما يرتتب عليه من أضرار بليغة‪.‬‬

‫االحنراف الفكري‬
‫ •غياب الوعي بحرمة المسلم يف دمه وماله وعرضه‪ ،‬وحرمة الجماعة‬
‫المسلمة يف وحدهتا ومكتسباهتا‪ ،‬مما تسبب يف ضعف روح االنتماء لألمة‪،‬‬
‫والوالء للمؤمنين‪.‬‬
‫ •الجهل بحقوق غير المسلمين‪ ،‬والواجب تجاههم‪.‬‬
‫ •إهمال ق َيم األخالق يف الرتبية والتعليم التي يعرف من خاللها الفرد‬
‫مكانته‪ ،‬وواجباته‪ ،‬وحقوقه يف الحياة‪.‬‬
‫ •التعامل غير الشرعي يف معالجة االنحراف الفكري‪ ،‬أو االستعانة‬
‫بأناس مغضوب عليهم‪ ،‬وترك االستعانة ‪-‬بعد اهلل تعالى‪ -‬بالعلماء الصالحين‬
‫لمواجهتهم‪.‬‬
‫‪9-9‬كما توصل الباحث من خالل البحث إلى ما يراه أفضل الطرق‬
‫لعالج االنحراف الفكري‪ ،‬وذلك بتعليم المفاهيم الصحيحة عن اإلسالم من‬
‫خالل مناهج التعليم‪ ،‬والربامج اإلعالمية‪ ،‬والدعوية‪ ،‬والتزام كل من يمارس‬
‫الرتبية يف البيت‪ ،‬أو المسجد‪ ،‬أو المؤسسات الخاصة بذلك‪ ،‬وذلك من خالل‬
‫القيام بما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬إبراز أهمية لزوم الكتاب والسنة‪ ،‬والتمسك هبما‪ ،‬وعدم التقدم‬
‫عليهما‪ ،‬والخروج عن حدودهما‪ ،‬منهجًا للفرد والجماعة‪ ،‬والحاكم‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪103‬‬

‫والمحكوم‪ ،‬يف تسليم ورضا يف كل ما يتقرب به العبد إلى اهلل ‪ ،D‬سواء‬


‫أكان ذلك يف أصل ما شرع‪ ،‬أو يف مقداره وكيفيته‪ ،‬وهو عاصم من هوى النفس‬
‫ونزعات الشياطين‪ ،‬فإن اعتقاد البعض بأن معالجة االنحراف الفكري يكون‬
‫بالتخلي عن الدين الحق‪ ،‬أو تخفيف جرعاته من أعظم أبواب الضالل‪.‬‬
‫االحنراف الفكري‬

‫ب‪ -‬نشر الفقه السليم للكتاب والسنة على فهم السلف الصالح‪ ،‬على‬
‫يد العلماء الربانيين‪ ،‬مع معرفة القواعد التي ق ّعدها العلماء للوصول لفهم‬
‫مستقيم‪َّ ،‬‬
‫فإن غياب الفهم السليم للدين من أعظم أسباب الفتن والباليا‪.‬‬

‫ج‪ -‬اإلعداد الخاص للعلماء والدعاة للقيام بواجبهم يف هداية الناس‬


‫للطريق المستقيم‪ ،‬واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬وتوحيد األمة‪،‬‬
‫وجمع الكلمة‪ ،‬ورد األفكار المنحرفة يف مهدها قبل انتشارها‪ ،‬وذلك ألن ترك‬
‫الرتبية لغير العلماء الربانيين من أعظم أسباب ظهور األفكار المنحرفة‪ ،‬فال‬
‫ٍ‬
‫ومرب فقيه‪.‬‬ ‫سبيل لمجتمع قويم بدون علم بالدين الصحيح‪،‬‬

‫د ‪ -‬تعليم الحقوق التي من أبرزها‪:‬‬

‫‪1.1‬حق الجماعة المسلمة وحاكمها‪ :‬المتمثل لزوم جماعتهم‪،‬‬


‫وإمامهم‪ ،‬ومواالهتم‪ ،‬وتوعيتهم بعواقب الخروج عليهم وضرر زرع العداوة‬
‫والبغضاء بينهم‪ ،‬وعدم جواز الخروج على الحاكم المسلم إال إذا رأى اإلنسان‬
‫كفر ًا بواحًا له من اهلل فيه برهان‪ ،‬وقدِّ رت بعد ذلك المصالح والمفاسد‪.‬‬

‫‪2.2‬حق المسلمين‪ ،‬وحرمة دمائهم وأعراضهم وأموالهم‪ ،‬وعدم جواز‬


‫تكفير المسلم منهم بذنب فعله‪ ،‬أو خطأ ارتكبه‪ ،‬ما لم يستحله‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫‪ 104‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫المعاهد منهم‪ ،‬ومنهج اإلسالم يف التعامل‬


‫َ‬ ‫‪3.3‬حق غير المسلم‪ ،‬خاصة‬
‫معهم القائم على الرحمة والعدل‪ ،‬وجعل الغاية هدايتهم ال قتلهم‪.‬‬

‫هـ‪ -‬تعليم وسطية اإلسالم ومنهجه القائم على التوسط يف األمور كلها‪،‬‬
‫وأنه من أصول هذا الدين العظيم‪ ،‬وهو أقوى عامل من عوامل الثبات على‬

‫االحنراف الفكري‬
‫الحق ونصرته‪.‬‬

‫و‪ -‬إبراز سماحة اإلسالم ويسره‪ ،‬وأن األصل يف التد ّين تغليب جانب‬
‫اليسر على العسر‪ ،‬وأن تقصد العسر يف األمور وذلك من خالل الزيادة على‬
‫ما شرع اهلل‪ ،‬أو تحريم ما أحل اهلل من الط ّيبات ونحوها ليس مما يحبه اهلل‬
‫ويرضاه‪ ،‬وأنه لن يشا ّد الدين أحد إال غلبه‪.‬‬

‫ز‪ -‬تعليم الشمولية يف أخذ اإلسالم‪ ،‬والعمل للدخول يف السلم كافة‬


‫حسب القدرة واالستطاعة‪ ،‬مع الموازنة بين كافة الحقوق والواجبات‪ ،‬وهو‬
‫عاصم من عواصم االنحراف‪.‬‬

‫ح‪ -‬تعليم األخالق اإلسالمية‪ ،‬والتخلق هبا يف الناس‪ ،‬والسعي‬


‫إلظهارها يف الحياة‪ ،‬والتقرب إلى اهلل من خالل التخلق هبا‪ ،‬فإن من أسباب‬
‫إهدار حقوق اآلخرين‪ ،‬وإيذائهم‪ ،‬وزرع الحقد والعداوات بينهم؛ فقد الق َيم‬
‫واألخالق اإلسالمية الكريمة‪.‬‬

‫ط‪ -‬التعامل المنضبط بفقه الشرع مع المنحرفين‪َ ،‬من الذي يحاورهم؟‬


‫و َمن الذي أذن الشرع يف قتاله وقتله؟ ومن الذي يتولى إقامة حكم اهلل فيهم؟‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪105‬‬

‫ب‪ .‬توصيات البحث‪:‬‬


‫ومن خالل النتائج السابقة التي توصل إليها الباحث يوصي بما يلي‪:‬‬

‫‪1-1‬المراجعة المستمرة للمناهج الرتبوية‪ ،‬ومن يقومون بواجب الرتبية‬


‫االحنراف الفكري‬

‫والتعليم‪ ،‬وما يقدم للمجتمع من خالل الخطاب الدعوي ووسائل اإلعالم‪،‬‬


‫هل هي داعمة لخط االستقامة واالعتدال؟‪ ،‬أو داعمة ألي نوع من أنواع‬
‫االنحراف؟ وذلك من خالل إنشاء مؤسسة ترعى األمن الفكري للمجتمع‪.‬‬

‫‪2-2‬إنشاء وتنشيط مؤسسات رعاية الشباب وفق برامج واضحة‬


‫األهداف‪ُ ،‬م ْحكمة األفكار‪ ،‬وفق قيادة يثق الشباب يف دينهم وقدراهتم‬
‫وجديتهم‪ ،‬ويجدون عندهم القدوة الصالحة‪ ،‬والفكر المستقيم‪ ،‬مع الرعاية‬
‫الجادة والمستمرة لهم فكريًا وتربويًا من ق َبل األسرة‪ ،‬ومؤسسات المجتمع‪،‬‬
‫والعمل على االستفادة من طاقاهتم فيما هو نافع‪ ،‬فالبد للعلماء من جهود‬
‫بارزة يف تربية الشباب على الدين الحق‪ ،‬والسلوك المستقيم‪ ،‬وللحكام من أثر‬
‫بارز يف معرفة همومهم‪ ،‬والعمل على حلها بصورة جادة‪ ،‬تزيد من ثقة الشباب‬
‫يف حكامهم‪.‬‬

‫‪ 3-3‬قيام المؤسسات الرتبوية ووسائل اإلعالم بعمل واسع يف توعية‬


‫أفراد األمة‪ ،‬بصورة مستمرة عن أهمية المنهج الوسط يف التدين‪ ،‬مع التحذير‬
‫المستمر لهم عن عواقب االنحراف؛ ألن التذكير بالحق‪ ،‬والتحذير من الباطل‬
‫بصورة مستمرة‪ ،‬مطلب شرعي‪.‬‬

‫‪ 4-4‬إجراء دراسات علمية متكاملة عن أسباب هذه الظاهرة وعالجها؛‬

‫‪105‬‬
‫‪ 106‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫من خالل توسعة هذه الدراسات لتشمل األسباب النفسية واالجتماعية‬


‫واألمنية ونحو ذلك‪ ،‬مما قد يختلف باختالف الزمان والمكان والحال‪.‬‬

‫‪ 5-5‬إبراز العلماء الربانيين‪ ،‬والعمل لزيادة ثقة األمة هبم‪ ،‬والرجوع‬


‫إليهم‪ ،‬وااللتفاف حولهم‪ ،‬وعدم ترك البالد والعباد دون وجود علماء‬

‫االحنراف الفكري‬
‫فإن كثير ًا من الدول ال تربز إال أهل الغناء‬
‫يرجعون إليهم فيما يشكل عليهم‪َّ ،‬‬
‫والطرب‪ ،‬والعبي الكرة‪ ،‬وأصحاب األموال والجاه‪ ،‬و ُتع ّلق هبم القلوب‪ ،‬وال‬
‫ُتظهر أهل العلم والفضل يف المكانة التي تليق هبم‪.‬‬

‫‪6-6‬دعاء اهلل واالستعانة به للثبات على الحق‪ ،‬وحفظ شباب األمة‪،‬‬


‫فإن كثير ًا من الذين‬
‫وتجنيب البالد والعباد الفتن ما ظهر منها وما بطن‪َّ ،‬‬
‫يحاربون هذا الفكر؛ يهملون أقوى سالح يف مواجهة أعداء األمة‪ ،‬وهو سالح‬
‫الدعاء‪.‬‬

‫تم بحمد اهلل الذي بنعمته تتم الصالحات‬


‫يف‪1427/6/1 :‬هـ‬
‫وأعيد طباعته ونشره للمرة الثالثة يف‪1441/11/11 :‬هـ‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪107‬‬

‫فهرس املراجع‬
‫االحنراف الفكري‬

‫‪1.1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪2.2‬األدب المفرد ألبي عبد اهلل محمد بن إسماعيل بن إبراهيم‬
‫البخاري‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة الحياة‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪3.3‬االستقامة‪ ،‬ألبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫د‪ .‬محمد رشاد سالم‪ ،‬ط‪ :‬مؤسسة قرطبة‪ ،‬األندلس ط‪ :2‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪4.4‬االعتصام‪ ،‬ألبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي‪ ،‬ط‪:‬‬
‫دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪5.5‬إعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬ألبي عبد اهلل محمد بن أبي بكر‪،‬‬
‫ابن قيم الجوزية‪ ،‬أبو عبيدة مشهور حسن آل سليمان‪ ،‬ط‪ :‬دار ابن الجوزي‪،‬‬
‫الدمام‪ ،‬ط‪1973 :‬م‪.‬‬
‫‪6.6‬األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬ألبي العباس تقي الدين أحمد‬
‫بن عبد الحليم بن تيمية‪ ،‬ط‪ :‬وزارة الشؤون اإلسالمية واألوقاف والدعوة‬
‫واإلرشاد بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪1423 :1‬هـ‪.‬‬
‫‪7.7‬البحر المحيط يف التفسير‪ ،‬ألبي حيان األندلسي‪ ،‬محمد بن يوسف‪،‬‬
‫طبعة جديدة بعناية زهير جعيد‪ ،‬ط‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ 1412 ،‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪8.8‬تذكرة السامع والمتكلم يف أدب العالم والمتعلم‪ ،‬ألبي إسحاق‬
‫إبراهيم بن أبي الفضل سعد اهلل بن جماعة‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫بدون تاريخ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫‪ 108‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫‪9.9‬تيسير العزيز الحميد يف شرح كتاب التوحيد‪ ،‬لسليمان بن عبد اهلل‬


‫بن محمد بن عبد الوهاب‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1405 :6‬هـ ‪-‬‬
‫‪1985‬م‪.‬‬
‫‪1010‬تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان‪ ،‬لعبد الرحمن بن ناصر‬

‫االحنراف الفكري‬
‫السعدي‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن بن معال اللويحق‪ ،‬ط‪ :‬مؤسسة الرسالة بيروت‪،‬‬
‫ط‪1423 :1‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫‪1111‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬ألبي جعفر محمد بن جرير‬
‫الطربي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد عبد الرزاق البكر‪ ،‬ومحمد عادل محمد‪ ،‬ومحمد عبد‬
‫اللطيف خلف‪ ،‬ومحمود مرسي عبد الحميد‪ ،‬ط‪ :‬دار السالم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪:1‬‬
‫‪ 1425‬هـ ‪2005-‬م‪.‬‬
‫‪1212‬جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي يف تحصيله‪ ،‬لإلمام المحدث‬
‫أبي عمر يوسف بن عبد الرب‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪1313‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬ألبي عبد اهلل محمد بن أحمد األنصاري‬
‫القرطبي‪ ،‬تحقيق محمد إبراهيم الحنفاوي‪ ،‬ومحمود حامد عثمان‪ ،‬ط‪ :‬دار‬
‫الحديث‪ ،‬القاهرة ‪1423‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫‪1414‬جذور الغلو‪ ،‬لعبد الرحمن بن محمد علي الهريف‪ ،‬ط‪ :‬دار ابن‬
‫الجوزي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1425 :1‬هـ‪.‬‬
‫‪1515‬حجة النبي ‪ ،H‬لمحمد ناصر الدين األلباين‪ ،‬ط‪ :‬المكتب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1405 7‬هـ ‪1985-‬م‪.‬‬
‫‪1616‬حقيقة اإلرهاب‪ ،‬لعبد اهلل بن محمد العمرو‪ ،‬ط‪ :‬وزارة الشؤون‬
‫اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬ط‪:1‬‬
‫‪1425‬هـ‪.‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪109‬‬

‫‪1717‬روضة المحبين ونزهة المشتاقين‪ ،‬لإلمام شمس الدين محمد بن‬


‫أبي بكر ابن ق ِّيم الجوز َّية‪ ،‬تحقيق سمير مصطفى رباب‪ ،‬ط‪ :‬المكتبة العصرية‬
‫بيروت ‪ 1424‬هـ ‪2003-‬م‪.‬‬
‫‪1818‬زاد المسير يف علم التفسير‪ ،‬ألبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن‬
‫االحنراف الفكري‬

‫بن على بن محمد الجوزي‪ ،‬ط‪ :‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1407 :4‬‬
‫هـ ‪1987 -‬م‪.‬‬
‫‪1919‬سلسلة األحاديث الصحيحة وشيء من فقهها‪ ،‬لمحمد ناصر الدين‬
‫األلباين‪ ،‬ط‪ :‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬دمشق‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2020‬سنن الدار مي‪ ،‬لإلمام أبي عبد اهلل عبد الرحمن بن هبرام الدارمي‪،‬‬
‫ط‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1987 :‬م‪.‬‬
‫‪2121‬سنن ابن ماجة‪ ،‬ألبي عبد اهلل محمد بن يزيد القزويني‪ ،‬ط‪ :‬دار‬
‫إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1975 :‬م‪.‬‬
‫‪2222‬سنن أبي داود‪ ،‬ألبي داود سليمان بن األشعث األزدي‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪2323‬سنن الرتمذي‪ ،‬ألبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1983 :‬م‪.‬‬
‫‪2424‬سنن النسائي‪ ،‬للحافظ أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي‬
‫النسائي‪ ،‬ط‪ :‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1986 :‬م‪.‬‬
‫‪2525‬السيل الجرار المتدفق على حدائق األزهار‪ ،‬لمحمد بن علي‬
‫الشوكاين‪ ،‬تحقيق محمد إبراهيم زايد‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‬
‫‪1405‬هـ‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫‪ 110‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫‪2626‬شرح الطحاوية يف العقيدة السلفية‪ ،‬للعالمة صدر الدين علي بن‬


‫علي بن محمد بن أبي العز الحنفي‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر‪ ،‬ط‪ :‬وزارة‬
‫الشؤون اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد بالمملكة العربية السعودية‪،‬‬
‫ط‪1418 :1‬هـ‪.‬‬

‫االحنراف الفكري‬
‫‪2727‬شعب اإليمان‪ ،‬ألحمد بن الحسين البيهقي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد السيد‬
‫بسيوين‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1421 :1‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫‪2828‬صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان‪ ،‬لعلي بن بلبان الفارسي‪ ،‬حققه‬
‫وخرج أحاديثه وعلق عليه شعيب األرناؤوط‪ ،‬ط‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪1418 :3‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪2929‬صحيح األدب المفرد لإلمام البخاري‪ ،‬لمحمد ناصر الدين‬
‫األلباين‪ ،‬ط‪ :‬دار الصديق‪ ،‬الجبيل‪ ،‬المملكة العربية السعودية ط‪1425 :2‬‬
‫هـ ‪2004 -‬م‪.‬‬
‫‪3030‬صحيح البخاري‪ ،‬لإلمام أبي عبد اهلل محمد بن إسماعيل بن‬
‫إبراهيم‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1978 :‬م‪.‬‬
‫‪3131‬صحيح الرتغيب والرتهيب‪ ،‬لمحمد ناصر الدين األلباين‪ ،‬ط‪:‬‬
‫مكتبة المعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪ 1421 :1‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫‪3232‬صحيح الجامع الصغير وزيادته‪ ،‬لمحمد ناصر الدين األلباين‪ ،‬ط‪:‬‬
‫المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ 1408 :3‬هـ ‪1988-‬م‪.‬‬
‫‪3333‬صحيح سنن ابن ماجة‪ ،‬لمحمد ناصر الدين األلباين‪ ،‬ط‪ :‬دار‬
‫المعارف‪ ،‬الرياض ط‪ 1417 :1‬هـ ‪1997-‬م‪.‬‬
‫‪3434‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬لمحمد ناصر الدين األلباين‪ ،‬ط‪ :‬دار‬
‫المعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪ 1421 :2‬هـ ‪2000-‬م‪.‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪111‬‬

‫‪3535‬صحيح سنن الرتمذي‪ ،‬لمحمد ناصر الدين األلباين‪ ،‬ط‪ :‬دار‬


‫المعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪ 1422 :2‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫‪3636‬صحيح سنن النسائي‪ ،‬لمحمد ناصر الدين األلباين‪ ،‬ط‪ :‬دار‬
‫المعارف‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪ 1419 :1‬هـ ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫االحنراف الفكري‬

‫‪3737‬صحيح مسلم بشرح النووي‪ ،‬لإلمام يحيى بن شرف النووي‪ ،‬ط‪:‬‬


‫دار الكتب العلمية‪ .‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1421 :1‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫‪3838‬صحيح مسلم‪ ،‬لإلمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري‬
‫النيسابوري‪ ،‬ط‪ :‬إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1972:‬م‪.‬‬
‫‪3939‬فتح الباري‪ ،‬لإلمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقالين‪ ،‬ط‪:‬‬
‫دار السالم‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪ 1421 :1‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫‪4040‬الفتح الرباين لرتقيم مسند اإلمام أحمد بن حنبل الشيباين‪ ،‬مع‬
‫مختصر شرح األماين من أسرار الفتح الرباين‪ ،‬ألحمد عبد الرحمن البنا‪ ،‬ط‪:‬‬
‫دار الحديث‪ ،‬القاهرة ط‪ :1‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫فني الرواية والدراية من علم التفسير‪،‬‬
‫‪4141‬فتح القدير الجامع بين ّ‬
‫لمحمد بن علي بن محمد الشوكاين‪ ،‬تحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة‪ ،‬ط‪:‬‬
‫دار الوفاء‪ ،‬المنصورة‪ ،‬ط‪ 1418 :2‬هـ ‪1997‬م‪.‬‬
‫‪4242‬يف ظالل القرآن‪ ،‬لسيد قطب‪ ،‬ط‪ :‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪:25‬‬
‫‪1417‬هـ ‪1996 -‬م‪.‬‬
‫‪4343‬القاموس المحيط‪ ،‬لإلمام مجد الدين محمد بن يعقوب بن محمد‬
‫بن إبراهيم الفيروز أبادي‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة دار الباز‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬ط‪ 1420:‬هـ ‪-‬‬
‫‪1999‬م‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫‪ 112‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫‪4444‬القواعد الكلية والضوابط الفقهية يف الشريعة اإلسالمية‪ ،‬للدكتور‬


‫محمد عثمان بشير‪ ،‬ط‪ :‬دار الفرقان للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان األردن‪ ،‬ط‪:1‬‬
‫‪ 1420‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫‪4545‬كتاب الروح‪ ،‬لإلمام شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن ق ِّيم‬

‫االحنراف الفكري‬
‫الصبابطي‪ ،‬ط‪ :‬دار الحديث‪ ،‬القاهر ‪ 1424‬هـ‬
‫الجوز َّية‪ ،‬تحقيق عصام الدين ّ‬
‫‪2003-‬م‪.‬‬
‫‪4646‬الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه‬
‫التأويل‪ ،‬لجار اهلل أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري‪ ،‬تحقيق وتعليق‬
‫ودراسة الشيخ عادل أحمد عبد الموجود‪ ،‬والشيخ علي محمد معوض‪ ،‬ط‪:‬‬
‫مكتبة العبيكان‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1418 :1‬هـ ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪4747‬لسان العرب‪ ،‬لمحمد بن مكرم بن منظور األفريقي‪ ،‬ط‪ :‬دار صادر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ :1‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪4848‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر‬
‫الهيثمي‪ ،‬بتحرير الحافظين‪ :‬العراقي وابن حجر‪ ،‬ط‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪:‬‬
‫‪ 1408‬هـ ‪1988-‬م‪.‬‬
‫‪4949‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم أحمد ابن تيمية‪ ،‬جمع وترتيب عبد‬
‫الرحمن بن محمد بن القاسم‪ ،‬طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف‬
‫الشريف يف المدينة المنورة‪ ،‬ط‪ 1416 :‬هـ ‪1995-‬م‪.‬‬
‫‪5050‬محاسن التأويل‪ ،‬لمحمد جمال الدين القاسمي‪ ،‬تحقيق محمد‬
‫فؤاد عبد الباقي‪ ،‬ط‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بيروت ‪ 1422‬هـ ‪2002-‬م‪.‬‬
‫الرازي‪،‬‬
‫‪5151‬مختار الصحاح‪ ،‬لإلمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر ّ‬
‫ط‪ :‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1987 :‬م‪.‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪113‬‬

‫‪5252‬مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‪ ،‬لإلمام‬


‫شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن ق ِّيم الجوز َّية‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫ط‪1:1410‬هـ‪ ،‬و ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1408 :2‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫‪5353‬المستدرك على الصحيحين‪ ،‬لإلمام الحافظ أبي عبد اهلل الحاكم‬
‫االحنراف الفكري‬

‫النيسابوري‪ ،‬ط‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬


‫‪5454‬المسند‪ ،‬لإلمام أبي عبد اهلل أحمد بن محمد بن حنبل الشيباين‪ ،‬ط‪:‬‬
‫المكتب اإلسالمي بيروت‪ ،‬ط‪1985 :‬م‪.‬‬
‫‪5555‬مشكلة الغلو يف الدين يف العصر الحديث‪ :‬األسباب ‪ -‬اآلثار ‪-‬‬
‫العالج‪ ،‬لعبد الرحمن بن معال اللويحق‪ ،‬ط‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪:2‬‬
‫‪ 1420‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪5656‬المصباح المنير يف هتذيب تفسير ابن كثير‪ ،‬إعداد جماعة من‬
‫صفي الرحمن المباركفوري‪ ،‬ط‪ :‬دار السالم‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫ّ‬ ‫العلماء‪ ،‬بإشراف‬
‫ط‪1421 :1‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫‪5757‬المعجم الوسيط‪ ،‬قام بإخراج طبعته‪ :‬د‪ .‬إبراهيم أنيس‪ ،‬ود‪ .‬عبد‬
‫الحليم منتصر‪ ،‬وعطية الصوالحي‪ ،‬ومحمد خلف اهلل أحمد‪ ،‬وأشرف على‬
‫الطبعة‪ :‬حسن علي عطية‪ ،‬ومحمد شوقي األمين‪ ،‬ط‪ :‬المكتبة اإلسالمية‪،‬‬
‫إستانبول‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪5858‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ألبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا‪،‬‬
‫تحقيق عبد السالم محمد هارون‪ ،‬ط‪ :‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1411 :1‬هـ‬
‫‪1991-‬م‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫‪ 114‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫‪5959‬مفتاح دار السعادة ومنشور والية أهل العلم واإلرادة‪ ،‬لإلمام‬


‫شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن ق ِّيم الجوز َّية‪ ،‬ط‪ :‬دار ابن حزم‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪ 1424 :1‬هـ ‪2003‬م‪.‬‬
‫‪6060‬الموافقات يف أصول الشريعة‪ ،‬إلبراهيم بن موسى اللخمي‬

‫االحنراف الفكري‬
‫الشاطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المنعم إبراهيم‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة نزار مصطفى الباز‪ ،‬مكة‪،‬‬
‫ط‪ 1418 :1‬هـ ‪1997-‬م‪.‬‬
‫‪6161‬الموطأ‪ ،‬لإلمام مالك بن أنس األصبحي‪ ،‬تحقيق‪ :‬خليل مأمون‬
‫شيحا‪ ،‬ط‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1420 :2‬هـ ‪1999-‬م‪.‬‬
‫‪6262‬نحو ثقافة إسالمية أصيلة‪ ،‬للدكتور سليمان عبد اهلل األشقر‪ ،‬ط‪:‬‬
‫دار النفائس‪ ،‬عمان‪ ،‬ط‪ 1423 :12‬هـ ‪2002-‬م‪.‬‬
‫الص َّلبي‪ ،‬ط‪:‬‬
‫‪6363‬الوسطية يف القرآن الكريم‪ ،‬للدكتور علي محمد َّ‬
‫مكتبة الصحابة‪ ،‬اإلمارات الشارقة‪ ،‬ط‪ 1422 :1‬هـ ‪2001‬م‪.‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪115‬‬

‫فهرس املوضوعات‬
‫االحنراف الفكري‬

‫ملخص البحث‪5..........................................................‬‬
‫المقدمة ‪7.................................................................‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬دواعي البحث ‪7...............................................‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مشكلة البحث ‪11.............................................‬‬
‫ثالثًا‪ :‬أسئلة البحث ‪12..............................................‬‬
‫رابعًا‪ :‬أهداف البحث‪12............................................‬‬
‫خامسًا‪ :‬حدود البحث ‪12..........................................‬‬
‫سادسًا‪ :‬منهج البحث وأدواته‪13....................................‬‬
‫سابعًا‪ :‬الدراسات السابقة ‪13.......................................‬‬
‫ثامنًا‪ :‬مصطلحات الدراسة ‪16......................................‬‬
‫تاسعًا‪ :‬هيكل البحث ‪19............................................‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مفهوم االنحراف الفكري ‪21..............................‬‬
‫المبحث الثاين‪ :‬بداية االنحراف الفكري وتصدي النبي ﷺ له‪26................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬النهي عن االنحراف الفكري ‪28..........................‬‬
‫‪ -١‬األمر بلزوم االستقامة وبيان عاقبتها‪28......................... :‬‬
‫‪ -٢‬التحذير من تعدي حدود اهلل وبيان عاقبته‪29....................:‬‬

‫‪115‬‬
‫‪ 116‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫‪ -٣‬بيان أن الدين الحق التزام ما شرعه اهلل‪ ،‬وتجاوزه اعتداء‪33..... :‬‬


‫‪ -٤‬بيان َّ‬
‫أن التكلف والزيادة على الشرع خالف منهج المرسلين‪34. :‬‬
‫‪ -٥‬تعليم العبد دعاء اهلل الهداية إلى الصراط المستقيم‪36...........:‬‬
‫‪ -٦‬التحذير من الغلو من خالل توجيه الخطاب ألهل الكتاب‪36.. :‬‬

‫االحنراف الفكري‬
‫المبحث الرابع‪ :‬أسباب االنحراف الفكري ‪39..............................‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬العدول عن الكتاب والسنة كمصدرين للتشريع‪40.............‬‬
‫ثانيًا‪ :‬غياب الفقه السليم والتصور الصحيح لإلسالم ‪41............‬‬
‫ثالثًا‪ :‬إرادة الخير دون فقه صحيح ومعرفة بمداخل الشيطان ‪42.....‬‬
‫رابعًا‪ :‬الجهل بوسطية اإلسالم ويسره وسماحته ‪43.................‬‬
‫خامسًا‪ :‬األخذ الجزئي للدين وعدم الموازنة‪44.....................‬‬
‫سادسًا‪ :‬الزهد يف العلماء الربانيين والطعن فيهم ‪45.................‬‬
‫سابعًا‪ :‬التصدر لألمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪47.............‬‬
‫ثامنًا‪ :‬القصور والتقصير يف الرتبية‪49................................‬‬
‫تاسعًا‪ :‬غياب الوعي بعواقب االنحراف الفكري ‪50.................‬‬
‫عاشر ًا‪ :‬غياب الوعي بحرمة المسلم وحرمة جماعتهم ‪50............‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬الجهل بحقوق غير المسلمين والواجب تجاههم ‪51.‬‬
‫الثاين عشر‪ :‬إهمال ق َيم األخالق يف الرتبية ‪52........................‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬التعامل غير الشرعي يف معالجة المنحرف فكريًا‪53....‬‬
‫االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه ‪117‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬عالج االنحراف الفكري ‪55............................‬‬


‫أو ً‬
‫ال‪ :‬إبراز أهمية لزوم الكتاب والسنة وعدم التقدّ م عليهما ‪56.......‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نشر الفقه السليم لإلسالم‪ ،‬وإبراز مقاصد التشريع‪61..........‬‬
‫ثالثًا‪ :‬اإلعداد الخاص للدعاة والعلماء للقيام بواجبهم ‪66...........‬‬
‫االحنراف الفكري‬

‫رابعًا‪ :‬تعليم الحقوق ‪68............................................‬‬


‫خامسًا‪ :‬تعليم التوسط يف األمور التي هي منهج المسلم ‪80..........‬‬
‫سادسًا‪ :‬إبراز يسر هذا الدين‪ ،‬وتعليمه كمنهج يف التدين الحق‪84.. :‬‬
‫سابعًا‪ :‬تعليم الشمولية يف أخذ اإلسالم ‪89..........................‬‬
‫ثامنًا‪ :‬تعليم األخالق اإلسالمية‪ ،‬والتخلق هبا مع الناس ‪92..........‬‬
‫تاسعًا‪ :‬التعامل الشرعي مع المنحرفين فكريًا‪96....................‬‬
‫النتائج والتوصيات ‪٩٩.....................................................‬‬
‫أ‪ .‬نتائج البحث‪٩٩..................................................:‬‬
‫ب‪ .‬توصيات البحث‪10٥.......................................... :‬‬
‫فهرس المراجع‪107.......................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات ‪115.................................................‬‬

‫‪117‬‬
‫‪ 118‬االنحراف الفكري ‪ ..‬مفهومه ‪ -‬أسبابه ‪ -‬عالجه‬

‫االحنراف الفكري‬

You might also like