Professional Documents
Culture Documents
الانحرافات الفكرية
الانحرافات الفكرية
1
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 2
االحنراف الفكري
نسخة إلكرتونية
.................................
للتواصل مع املؤلف
proftaha11@gmail.com
االحنراف الفكري
3 االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
3
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 4
االحنراف الفكري
5 االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
ملخص البحث
االحنراف الفكري
5
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 6
االحنراف الفكري
7 االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
J
االحنراف الفكري
الحمد اهلل الذي أنزل علينا كتابًا مستقيمًا ال عوج فيه ،يهدي للتي
هي أقوم ،وأمرنا باالستقامة عليه ،والصالة والسالم على الذي استقام على
هدي الوحي كما أمر ،وعلى آله الطاهرين ،وصحبه الطيبين ،ومن تبع هنجهم
المستقيم إلى يوم البعث والدين.
أو ً
ال :دواعي البحث
دفعني لدراسة هذا الموضوع أمور عديدة أبرزها ما يلي:
7
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 8
االحنراف الفكري
خير أمة أخرجت للناس إن قامت بالحق ،واستقامت عليه ،وتواصت به ،وهو
الواجب المنوط هبم يف مواجهة هذا النوع من االنحراف.
3-3ما يرتتب على هذا النوع من االنحراف من مفاسد عظيمة على دين
9 االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
الفرد؛ فيمرق بسببه من الدين ،ويقع يف كبائر الذنوب ،ويخسر الدنيا واآلخرة؛
وهو يحسب أنه يحسن صنعا ،خاصة وأنه يغزو األفراد يف أعز فرتات حياهتم؛
فرتة الشباب ،ويستهدف األمة يف أغلى مدّ خراهتا ،واإلنسان إذا خسر شبابه
مقومات النمو
خسر عمره ،واألمة التي يتحول شباهبا للهدم ال للبناء تفقد ّ
االحنراف الفكري
االحنراف الفكري
على أهل العلم فيشوهون صورهتم ،ويصرفون الناس عنهم ،وعلى الحكام
فيفسدون قلوب العامة عن محبتهم ،وااللتفاف حولهم ،وال قيمة لمجتمع ال
يهتدي بنور علمائه ،وال يلتحم مع قيادته.
6-6أنَّهم يؤدون إلى زرع العداوة والبغضاء بين أبناء األمة الواحدة،
وصدّ الناس عن الدين ،وشغل الدعاة عن نشر الخير ،وعامة الناس يجهلون
خطرهم ،وبعضهم يرضى فعلهم ،وال يدرك الكثير منهم التحديات التي
وقعت وتقع على األمة من جراء أفعالهم؛ ولذا أصبحوا يدعون إلى باطلهم
الذي وضعوه من قِبل أنفسهم على أنَّه الحق والجهاد إلعادة مجد هذه األمة،
و ُيظهرون للناس الحق الذي أنزله اهلل بأنَّه الباطل ،مستغلين غفلة بعض أفراد
األمة من جهة ،وضعفهم وجهلهم من جهة أخرى ،خادعين سفهاء العقول
باسم الجهاد ،ومحاربة الكفار وأعواهنم ،فألجل هذا كله كان من الضروري
حماية أمتنا ومجتمعاتنا وشبابنا من هذه الدعوات المزيفة ،وهذا الباطل
المز ّين الذي يدّ عون ّ
أن فيه رحمة ،وهو يحمل كل صور العذاب.
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 11
وهذا ما تعتني به هذه الدراسة ،فقد كان ضروريًا كشف ما نستطيع أن
نصل إليه من معالجات فكرية نابعة من الهدي الرباين المتمثل يف نور القرآن،
والمب ّين تفصيالً يف مشكاة النبوة ،نستطيع من خالل ما نصل إليه من هدى؛
أن نستفيد منه يف حياتنا اليومية لمعالجة هذه الظاهرة والتصدي لها؛ حتى ال
ٍ
واحد عشرات المرات؛ ولذا تكمن ٍ
جحر يعيد التاريخ نفسه ،وتلدغ األمة من
مشكلة البحث يف السؤال التالي:
11
12االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
•متى ظهر هذا االنحراف عند المسلمين ،ومن أول من تصدى له؟
االحنراف الفكري
•ما أبرز األدلة التي ّ
تحذر وتنهى عنه يف الكتاب والسنة؟
13
14االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
جزئية وقاصرة ،يتفق معنا كل من يقف عليها ،ككتاب (حقيقة اإلرهاب) لعبد
اهلل بن محمد العمرو ،و(موقف اإلسالم من اإلرهاب) للدكتور عبد اهلل بن عبد
المحسن الرتكي ،و(حقيقة موقف اإلسالم من التطرف واإلرهاب) لسليمان
الحقيل ،و (حقيقة الغلو يف الدين) لعلي عبد العزيز الشبل ،و(الغلو يف الدين
وأثره يف األمة) لخالد حمد الخريف ،و(جذور الغلو) للشيخ عبد الرحمن بن
محمد الهريف ،و(التطرف الديني) لصالح صاوي ،و(ضوابط تكفير المعين)
للدكتور عبد اهلل بن عبد العزيز الجربين ،و(فتنة التكفير والحاكمية) للشيخ
محمد عبد اهلل الحسين.
األساسية وفق األدلة الشرعية ،وأقوال علماء األمة ،خالفًا لما سلكه بعض
الباحثين كما يقول الدكتور عبد الرحمن بن معال اللويحق« :أخذت على
نفسي أن يكون استخراج األسباب ،واآلثار ،وطرق العالج؛ نتاجًا الستقرائي
وقراءيت لكتابات الغالة ،والمهتمين بالغلو ،وتتبعي لتاريخ جماعات الغلو»()1؛
االحنراف الفكري
وذلك َّ
ألن أساس المشكلة أزمة يف الفهم والفكر الديني.
((( مشكلة الغلو يف الدين يف العصر الحاضر :األسباب اآلثار العالج (.)15 / 1
15
16االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
1.1االنحراف :من َ
االحنراف الفكري
الح ْرفَ ،ح ْرف كل شيء طرفه وشفيره وحدّ ه،
والح ْرف :أيضا االسم من قولك رجل
َ والح ْرف هو أحد حروف التهجي،
َ
حارف بفتح الراء أي :منقوص الحظ ال ينمي له مال ،وهو خالف قولك: ُم َ
مبارك ،وقد ِ
حورف كسب فالن إذا ُشدّ د عليه يف معاملته ُ
وض ِّيق يف معاشه؛
وح ْرف الشيء
كأنَّه ميل برزقه عنه ،من االنحراف عن الشيء وهو الميل عنهَ ،
ناحيته ،وفالن على َح ْرف من أمره أي ناحية منه ،كأنَّه ينتظر ويتوقع فإن رأى
من ناحية ما يحب وإال مال إلى غيرها ،وقال ابن سيدة( :فالن على َح ْرف من
أمره ،أي :ناحية منه؛ إذا رأى شيئًا ال يعجبه عدل عنه ،ويف التنزيل العزيز:
﴿ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ﴾ [الحج ،]11:أي :إذا لم ير ما يحب
انقلب على وجهه ،قيل :هو أن يعبده على السراء دون الضراء) ،وقال الزجاج:
﴿ﲋ ﲌ﴾ (على َح ْرف أي :على شك ،قال :وحقيقته أنه يعبد اهلل على َح ْرف،
أي :على طريقة يف الدين ال يدخل فيه دخول متمكن﴿ ،ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ
ﲒ﴾ أي :إن أصابه خصب وكثر ماله وماشيته ،اطمأن بما أصابه ورضي بدينه،
﴿ﲔ ﲕ ﲖ﴾ اختبار بجدب وقلة مال﴿ ،ﲗ ﲘ ﲙ﴾ أي :رجع
عن دينه إلى الكفر وعبادة األوثان) ،وروى األزهري عن أبي الهيثم قال( :أما
كح ْرف الجبل والنهر
فح ْرف كل شيء ناحيته َالح ْرف َح ْرفًاَ :
تسميتهم َ
والسيف وغيره) ،قال األزهري( :كأن الخير والخصب ناحية ،والضر والشر
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 17
والمكروه ناحية أخرى ،فهما َح ْرفان وعلى العبد أن يعبد خالقه على حالتي
السراء والضراء ،ومن عبده كيفما تصرفت به الحال ،فقد عبده عبادة عبد مقر
بأن له خالقًا يصرفه كيف يشاء ،وأنه إن امتحنه بالألواء أو أنعم عليه بالسراء
فهو يف ذلك عادل ،أو متفضل غير ظالم وال متعد ،له الخير وبيده الخير ،وال
االحنراف الفكري
خيرة للعبد عليه) ،وقال ابن عرفة( :من يعبد اهلل على َح ْرف ،أي :على غير
طمأنينة ،على أمر ،أي :ال يدخل يف الدين دخول متمكن).
2.2الفكري :من َف َكر يف األ ْم ِر َف ْكر ًا ،أعمل العقل فيه ور َّتب بعض
ما يعلم ليصل به إلى مجهول ،و َف َّكر يف األمر :مبالغة يف َف َكر ،إذا ر َّد َد قلبه
الف ْكر ،و ِ
الف ْك ُر معترب ًا ،ورجل فِ ِّكير بوزن ِس ِّكيت :كثير ال َت َف ُّكر ،و َفي َكر :كثير ِ
ْ ٌ
((( ينظر :لسان العرب ،مادة (حرف) ( ، )45-42/9ومختار الصحاح مادة (حرف) (،)55/1
والمعجم الوسيط مادة ( حرف) (.)167 /1
17
18االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
إعمال العقل يف المعلوم للوصول إلى معرفة مجهول ،يقال :لي يف األمر
ِ ِ
ف ْك ٌر :نظر ورو َّية ،ومالي يف األمر ف ْك ٌر :مالي فيه حاجة وال مباالة ،وال َّت ْف ُ
كير:
إعمال العقل يف مشكلة للتوصل إلى حلها ،وال َت َف ُّكر :التأمل ،واالسمِ :
الف ْكر ُّ
والف ْكرة ،والمصدر :ال َف ْكر بالفتح وبابه ن ََصر ،قال يعقوب( :يقال :ليس لي يف ِ
االحنراف الفكري
هذا األمر َف ْك ٌر ،أي :ليس لي فيه حاجة ،قال :والفتح فيه أفصح من الكسر)،
الف ْكر ،والصورة الذهنية ألمر ما ،قال سيبويه( :وال يجمع ِ
الف ْكر، والف ْكرةِ :
ِ
ُ
وال العلم ،وال النظر) ،وقد حكى ابن دريد يف جمعه َأ ْفكار ًا(.)1
((( ينظر :لسان العرب ،مادة (فكر) ( ،)65/5ومختار الصحاح ،مادة (فكر) (،)213/1
والمعجم الوسيط ،مادة ( فكر) ( ،)698 /1ومعجم مقاييس اللغة ،مادة ( فكر) (.)446/44
((( ينظر :جامع البيان (.)151/ 1
((( ينظر :الجامع ألحكام القرآن ( ،)148 /1ومحاسن التأويل (.)23 0/1
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 19
المراد به اإلسالم ،ونقل عن ابن الحنفية محمد بن علي بن أبي طالب :هو
دين اهلل الذي ال يقبل من العباد غيره( ،)1قال ابن تيمية( :والصراط المستقيم قد
فسر بالقرآن ،وباإلسالم ،وطريق العبودية ،وكل هذا حق ،فهو موصوف هبذا
ّ
وبغيره ،فالقرآن مشتمل على مهمات وأمور دقيقة ،ونواهي وأخبار وقصص
االحنراف الفكري
وغير ذلك ،إن لم يهد اهلل العبد إليها فهو جاهل هبا ضال عنها ،وكذلك اإلسالم
وما اشتمل عليه من المكارم والطاعات والخصال المحمودة ،وكذلك العبادة
وما اشتملت عليه)(.)2
19
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 20
االحنراف الفكري
قائمة المراجع.
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 21
املبحث األول
مفهوم االحنراف الفكري
االحنراف الفكري
((( أخرجه ابن ماجه يف مقدمة السنن ،حديث رقم )11( :وغيره ،وصححه األلباين يف صحيح
سنن ابن ماجه (.)11( )83/1
((( أخرجه أحمد يف مسنده ،حديث رقم ،)4205( :والحاكم يف مستدركه ،حديث رقم:
21
22االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
الكريم يوضح منهج اإلسالم يف كل ّياته ،بأنَّه قائم على االستقامة ،واالعتدال،
والتوسط ،والعدل ،ويهدي للتي هي أقوم كما قال تعالى﴿ :ﱏ ﱐ ﱑ
ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ﴾ [اإلسراء ،]9:فهنالك فرق بين اإلسالم ومبادئه القائمة
على العدل واالستقامة ،وبين من ينتمون إليه وينحرفون عنه ،ومن هنا فإنَّه ال
االحنراف الفكري
ينبغي أن يحكم على اإلسالم من خالل سلوك بعض أتباعه ،وقد ّفرق اهلل يف
كتابه بين الدين والتد ّين فقال تعالى﴿ :ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ
ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ﴾ [التكوير ،]29 -28 :فالدين مستقيم ،وتد ّين
الناس به يختلف على حسب استقامتهم عليه أو انحرافهم عنه؛ ولهذا فإن ما
يصدر من بعض األفراد من سلوك منحرف ال يجوز نسبته لإلسالم كما يريد
أعداء الدين؛ ليصدوا الناس عنهَّ ،
فإن النّاس يف تمسكهم باإلسالم ،وسيرهم
ٍ
وغال فيه ،وجاف عنه ،فالغالي متجاوز، فيه على ثالثة أقسام :مستقيم عليه،
والجايف مفرط ،وكالهما منحرف وعاص ،قال ابن ق ِّيم الجوزية( :وكال طريف
قصد األمور ذميم ،وخير األمور أوسطها ،واألخالق الفاضلة كلها وسط بين
ٍ
إفراط وتفريط ،وكذلك الدين المستقيم وسط بين انحرافين ،وكذلك طريف
السنة وسط بين بدعتين)( ،)1وكل من فارق الحق فهو منحرف عنه إما إلى
إفراط ،وإما إلى تفريط ،وكالهما جائر عن الحق ،قال تعالى﴿ :ﱜ ﱝ
ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ﴾ [النحل ،]9 :قال
أبو السعود﴿( :ﱜ ﱝﱞ ﱟ﴾ القصد مصدر بمعنى الفاعل ،يقال:
( ،)2938وقال :صحيح اإلسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ،وصححه األلباين يف التعليقات
الحسان (.)6( )46/1
((( روضة المحبين ونزهة المشتاقين (ص.)145 :
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 23
ِ
وقاصد ،أي :مستقيم ..أي :حق عليه سبحانه وتعالى بموجب سبيل َق ْصد
رحمته ووعده المحتوم؛ بيان الطريق المستقيم الموصل لمن يسلكه إلى
الحق ..وقوله تعالى ﴿ :ﱠ ﱡ﴾ أي :مائل عن الحق منحرف عنه ال
يوصل سالكه إليه ،وهو طرق الضالل التي ال يكاد يحصى عددها المندرج
االحنراف الفكري
كلها تحت الجائر)( ،)1والمعتدل المستقيم عليه فائز ناجٍ كما قال تعالى﴿ :ﱁ
ﱂﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱍ
ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ﴾ [فصلت ،]30:وبقدر استقامة
الفرد والجماعة المسلمة على اإلسالم تتحقق سعادهتم يف الدارين ،كما قال
تعالى﴿ :ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ﴾ [الجن ،]16:وأمنهم
يف الحالين قال تعالى﴿ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ
ﱊ ﱋ﴾ [األنعام ،]82:قال الشيخ السعدي( :األمن من المخاوف
والعذاب والشقاء بالهداية إلى الصراط المستقيم)( ،)2فكلما انحرف اإلنسان
عن الصراط المستقيم؛ قرب من المخاوف والشقاء والعذاب بقدر انحرافه.
23
24االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
ومما يع ّظم شر هذا النوع من االنحراف أنّه يوصل أصحابه إلى قتل
االحنراف الفكري
أهل اإلسالم ،وتفريق كلمتهم ،وزعزعة أمنهم ،وتبديد جهودهم ،ويكفي
أن النبي Hشرع قتالهم وقتلهم ،فقالَ ( :ف َأ ْين ََما يف إدراك خطرهم ّ
وه ْمَ ،فإِ َّن فِي َقتْلِ ِه ْم َأ ْج ًرا ل ِ َم ْن َق َت َل ُه ْم َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة)(َّ ،)1
وأن َل ِقيت ُُم ُ
وه ْم َفا ْق ُت ُل ُ
شق
وقائع التاريخ تسجل خطرهم وأضرارهم على األمة؛ فهم أول من ّ
عصا الطاعة على الجماعة المسلمة يف الصدر األول ،واستحل دماءهم،
وقتلوا خيارهم المبشرين بالجنة :الخليفة الراشد عثمان وعلي بن أبي طالب
،Lوغيرهما من أخيار أصحاب نبينا محمد ،Hوالرد على
يفرق الناس بين التد ّين
هذه الطوائف المنحرفة لتأكيد مبدأ االستقامة؛ حتى ّ
المستقيم القائم على أخذ الدين بقوة ،والتمسك هبداه بصدق وجد ،كما
أنزله اهلل تعالى ،وبين المتشدد فيه ،المجاوز حدود ما شرع اهلل لنا ،فاهلل أمر
بالتمسك به ،وهنى عن الغلو والتشدد فيه كما قال تعالى﴿ :ﲛ ﲜ
ﲝ ﲞﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ﴾ الزخرف.]43 :
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم ،باب قتل الخوارج
والملحدين بعد إقامة الحجة ،حديث رقم ،)6418( :ومسلم يف كتاب الزكاة ،باب التحريض
على قتل الخوارج ،حديث رقم.)1771( :
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 25
يجد من يتداركه.
25
26االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
املبحث الثاني
بداية االحنراف الفكري وتصدي
النيب Hله
االحنراف الفكري
مما ينبغي أن يعلم ّ
أن االنحراف الفكري الذي سببه الغلو والتشدد
والتنطع ،ومجاوزة الحد الذي شرعه اهلل لعباده يف المعتقد ،أو يف أنواع
العبادات ومقاديرها ،أو يف أي جانب من التشريع ليس بجديد ،وإنّما ذلك
قديم موجود يف األمم السابقة ،وعلى مر الدهور الغابرة ،ومنذ فجر اإلسالم
األول ،وكان النبي Hأول من وقف يف وجهه ،وتصدى له من هذه
األمةّ ،
وحذر من عواقبه ،ووضع األسس والقواعد الكفيلة بعالجه ،فهو أعلم
الخ ْلق به ،وبخطره على تد ّين الفرد والجماعة ،وأقدر الناس على وضع
المعالجات الكفيلة بدحره (فهو فوق كل أحد يف العلم والقدرة واإلرادة،
وهذه الثالثة يتم هبا المقصود ،ومن سوى الرسول H؛ إما أن يكون
يف علمه هبا نقص أو فساد ،وإما أن ال يكون له إرادة فيما علمه من ذلك،
فلم يب ّينه إما لرغبة ،وإما لرهبة ،وإما لغرض آخر ،وإما أن يكون بيانه ناقصًا
ليس بيانه البيان عما عرفه الجنان)( ،)1وكل األدلة التي سوف نوردها يف هذا
البحث تؤكد هذه الحقائق التي ذكرناها يف تصدي النبي Hله؛
ووضع العالج الشايف يف معالجته قبل ظهوره وعند ظهوره ،سواء كان انحرفًا
كبير ًا كانحراف الخوارج ،أو انحرافًا يسير ًا دافعه الحرص على الخير ،والزيادة
يف العبادة فوق المشروع والمطاق ،كما سوف نعرف ذلك من خالل األدلة التي
سوف ترد يف ثنايا هذا البحث ،ومن هنا كان العالج المناسب لهذا االنحراف من
وضحه اهلل -تعالى -لنا يف كتابه ،وأبرزه النبي
خالل تلمس الهدي الرباين الذي ّ
االحنراف الفكري
Hيف سنته ،وهي أدلة كافية وشافية إذا اهتدت األمة هبا يف مناهجها
الرتبوية ،وبرامجها الدعوية ،والبحث عن معالجات لهذه الظاهرة خارج إطار
المنهج القرآين والهدي النبوي ،كالباحث عن الماء من خالل السراب.
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم ،باب قتل الخوارج
والملحدين بعد إقامة الحجة ،حديث رقم ،)6418( :ومسلم يف كتاب الزكاة ،باب التحريض
على قتل الخوارج ،حديث رقم.)1771( :
27
28االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
املبحث الثالث
النهي عن االحنراف الفكري
االحنراف الفكري
تضافرت األدلة الكثيرة يف الكتاب والسنة يف النهي عن االنحراف
الفكري ،وبيان ضالله ،وخطره ،وفقه التعامل معه ،نذكر هنا بعضها ،ويرد
كثير منها بإذن اهلل يف أثناء البحث ،وقد جاء التحذير من االنحراف الفكري يف
القرآن الكريم والسنة المطهرة بأساليب متنوعة من ذلك:
ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜ ﳝ ﳞ ﳟ﴾ [األحقاف،]13:
�
أ -المروق من الدين :عن أبي سعيد الخدري Iقالَ :ب َع َث َعلِ ُّي
ول اهَّللِ Hمِ ْن ا ْل َي َم ِن بِ ُذ َه ْي َب ٍة( )3فِي َأ ِد ٍ
يم ْب ُن َأبِي َطال ِ ٍ
ب Iإِ َلى رس ِ
َ ُ
29
30االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
َم ْق ُروظ(َ )1ل ْم ُت َح َّص ْل مِ ْن ُت َرابِ َها(َ ،)2ق َالَ :ف َق َس َم َها َب ْي َن َأ ْر َب َع ِة َن َفرَ ،ب ْي َن ُع َي ْينَ َة ْب ِن
الرابِ ُع إِ َّما َع ْل َق َم ُة َوإِ َّما َعامِ ُر ْب ُن ال ُّط َف ْيلِ، ِ
َبدْ ٍرَ ،و َأ ْق َر َع ْب ِن حابِس َ ،و َز ْيد ا ْل َخ ْيلَِ ،و َّ
َف َق َال َر ُج ٌل مِ ْن َأ ْص َحابِ ِه(ُ :)3كنَّا ن َْح ُن َأ َح َّق بِ َه َذا مِ ْن َهؤالءَ ،ق َالَ :ف َب َل َغ َذل ِ َك النَّبِ َّي
اء ،ي ْأتِينِي َخبر السم ِ ِ ِ ِ ِ
اء َ ُ َّ َ الس َم َ َ Hف َق َالَ ( :أال َت ْأ َمنُوني َو َأنَا َأمي ُن َم ْن في َّ
االحنراف الفكري
ِ ()6
ف ا ْل َو ْجنَ َت ْي ِن ( ،)5نَاش ُز احا َو َم َسا ًء)َ ،ق َالَ :ف َقا َم َر ُج ٌل َغائِ ُر ا ْل َع ْينَ ْي ِن(ُ ،)4م ْش ِر ُ
َص َب ً
ول اهَّللِ اإل َز ِار(َ ،)7ف َق َالَ :يا َر ُس َ س ،م َشمر ِ َث ال ِّل ْح َي ِةَ ،م ْح ُل ُ
ا ْل َج ْب َه ِة ،ك ُّ
الر ْأ ِ ُ َّ ُ وق َّ
ِ
ض َأ ْن َيتَّق َي َ
اهَّلل)َ ،ق َالُ :ث َّم َو َّلى (و ْي َل َك َأ َو َل ْس ُت َأ َح َّق َأ ْه ِل األَ ْر ِ ا َّت ِق َ
اهَّللَ ،قالَ :
ول اهَّللِ َأال َأ ْض ِر ُب ُعنُ َقهَ ،ق َال( :ال َل َع َّل ُه َأ ْن الر ُج ُلَ ،ق َال َخالِدُ ْب ُن ا ْل َولِيدَ :يا َر ُس َ َّ
ول بِلِ َسانِ ِه َما َل ْي َس فِي َق ْلبِ ِهَ ،ق َال
ون ُي َص ِّلي)َ ،ف َق َال َخالِدٌ َ :وك َْم مِ ْن ُم َص ٍّل َي ُق ُ َي ُك َ
رس ُ ِ
َّاسَ ،وال َأ ُش َّق وب الن ِ ب(َ )8ع ْن ُق ُل ِ ول اهَّلل ( Hإِنِّي َل ْم ُأو َم ْر َأ ْن َأ ْن ُق َ َ ُ
ف َف َق َال( :إِ َّن ُه َي ْخ ُر ُج مِ ْن ِض ْئ ِض ِئ(َ )9ه َذا ُب ُطون َُه ْم)َ ،ق َالُ :ث َّم َن َظ َر إِ َل ْي ِه َو ُه َو ُم َق ٍّ
الر ْو َح ِة(َ ،)6و َش ْي ٍء مِ ْن الدُّ ْل َج ِة(،)8())7 ِ()5 اربوا( ،)4و َأب ِشروا ،و ِ
استَعينُوا بِا ْل َغدْ َوة َ ،و َّ َ ْ ُ َ ْ َو َق ِ ُ
الر ْفق إِال ِ ِ
قال ابن حجر( :ا ْل َم ْعنَى ال َي َت َع َّمق َأ َحد في األَ ْع َمال الدِّ ين َّية َو َيت ُْرك ِّ
َع َج َز َوا ْن َق َط َع َف ُي ْغ َلب)( ،)9وقد رأينا ورأى الناس عواقب الغلو والتشدد ،من
ترك االلتزام ،وعدم الثبات على الحق ،وهذه من دالئل النبوة المشاهدة على
مر العصور.
31
32االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
ج -قتل أهل اإلسالم :وقد جاء يف أحد روايات الحديث ،فقالَ :يا
اهَّلل إِ َذا َع َص ْي ُت ُهَ ،ف َي ْأ َمنُنِي
يع َ
ِ
اهَّللَ ،ف َق َال النَّبِ ُّي َ ( :Hف َم ْن ُيط ُ ُم َح َّمدُ ا َّت ِق َ
ض وال َت ْأمنُونِيَ ،فس َأ َل رج ٌل مِن ا ْل َقو ِم َق ْت َله؛ ُأراه َخالِدَ بن ا ْلول ِ ِ
يد ْ َ َ ُ َ ُ ْ ْ َ َ ُ َ َع َلى َأ ْه ِل ْالَ ْر ِ َ
َف َمنَ َع ُه النَّبِ ُّي َ ،Hف َل َّما َو َّلى َق َال النَّبِ ُّي ( :Hإِ َّن مِ ْن ِض ْئ ِض ِئ
االحنراف الفكري
وق ال ْس َل ِم ُم ُر َ ون مِ ْن ْ ِ او ُز َحن ِ
َاج َر ُه ْمَ ،ي ْم ُر ُق َ آن ال ُي َج ِ ون ا ْل ُق ْر َ
َه َذا َق ْو ًما َي ْق َر ُؤ َ
انَ ،لئِ ْن َأ ْد َر ْكت ُُه ْم ون َأ ْه َل ْالَو َث ِ
ْ الرمِ َّي ِةَ ،ي ْق ُت ُل َ
ون َأ ْه َل ْ ِ
ال ْسال ِم َو َيدَ ُع َ ِ
الس ْه ِم م ْن َّ َّ
اد)( ،)1وما األحداث التي نشاهدها ونسمعها من وقت آلخر َلَ ْق ُت َلنَّهم َقت َْل َع ٍ
ُ ْ
يف ديار المسلمين إال هي تصديق لهذا.
د -الهلاك :عـن األحنـف بـن قيـس عـن عبـد اهلل قـال :قـال رسـول
ـونَ ،قا َل َهـا َثال ًثـا)( ،)2قـال اإلمـام النـووي:
ـك ا ْل ُم َتنَ ِّط ُع َ
(ه َل َ
اهلل َ :H
المجـاوزون الحـدود يف أقوالهـم
المغالـون ُ
المتعمقـونُ ،
ِّ (المتن ِّطعـون:
وأفعالهـم) (.)3
هـ -تنفير الناس عن الدين :عن أبي مسعود Iقالَ :جا َء َر ُج ٌل إِ َلى
الن مِ َّما ول اهَّللِ َ Hف َق َال :إِنِّي َلَ َت َأ َّخر َعن ص ِ
الة الصبحِ مِن َأج ِل ُف ٍ رس ِ
ْ ْ ُّ ْ ُ ْ َ َ ُ
ِ ِ ِ ٍ يطِ ُيل بِنَاَ ،فما ر َأي ُت النَّبِي َ Hغ ِض ِ
ب في َم ْوع َظة َق ُّط َأ َشدَّ م َّما َغض َ
ب َ َّ َ َ ْ ُ
(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب التوحيد ،باب قول اهلل تعالى( :تعرج المالئكة والروح
إليه) ،حديث رقم ،)6880( :ومسلم يف كتاب الزكاة ،باب ذكر الخوارج وصفاهتم ،حديث
رقم.)1762( :
(( ( أخرجه مسلم يف صحيحه ،كتاب العلم ،باب ذكر (هلك المتنطعون ،)..حديث رقم:
(.)4823
((( صحيح مسلم بشرح النووي (.)220/16
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 33
َّاس َف ْل ُي ِ
وج ْزَ ،فإِ َّن ِ ٍِ
َّاس إِ َّن منْ ُك ْم ُمنَ ِّف ِري َنَ ،ف َأ ُّي ُك ْم َأ َّم الن َ
َي ْو َمئذَ ،ف َق َالَ ( :يا َأ ُّي َها الن ُ
اج ِة)( ،)1وذلك ألن التكلف والتنطع من الض ِع َ
يفَ ،و َذا ا ْل َح َ مِ ْن َو َرائِ ِه ا ْل َكبِ َيرَ ،و َّ
األمور التي تكرهها النفوس.
و -تضييع الحقوق األخرى :وعن الزهري عن عروة قالَ :د َخ َل ْت ا ْم َر َأ ُة
االحنراف الفكري
يم َع َلى َعائِ َش َة َ Jو ِه َي اس َم َها َخ ْو َل َة بِن َْت َحكِ ٍ
ب ْ
ٍ ِ
ان ْب ِن َم ْظ ُعون َأ ْحس ُ ُع ْث َم َ
ُك؟َ ،ف َقا َل ْتَ :ز ْو ِجي َي ُقو ُم ال َّل ْي َلَ ،و َي ُصو ُم الن ََّه َار، با َّذ ُة ا ْلهي َئ ِةَ ،فس َأ ْلتُها ما َش ْأن ِ
َ َ َ َْ َ
ول اهَّلل H
َفدَ َخ َل النَّبِي َ Hف َذكَر ْت عائِ َش ُة َذل ِ َك َله َف َل ِقي رس ُ ِ
ُ َ َ ُ َ َ ُّ
ان إِ َّن الرهبانِي َة َلم ُت ْكتَب ع َلينَا َأ َفما َل َك فِي ُأسوةٌَ ،فواهَّللِ ان َف َق َالَ ( :يا ُع ْث َم ُ
ُع ْث َم َ
َّ ْ َ َ ْ َ ْ َ َّ ْ َ َّ ْ
ود ِه)(.)2 إِنِّي َأ ْخ َشاكُم ل ِ َّل ِه ،و َأح َف ُظ ُكم لِحدُ ِ
ْ ُ َ ْ ْ
((( أخرجه البخاري يف صحيحه كتاب األذان ،باب تخفيف اإلمام يف القيام وإتمام الركوع،
حديث رقم ،)661( :ومسلم يف كتاب الصالة ،باب أمر األئمة بتخفيف الصالة يف تمام،
حديث رقم.)1763( :
((( أخرجه أحمد يف المسند ،حديث رقم ،)24706( :وقال صاحب الفتح الرباين :رواه البزار
بإسناد رجاله ثقات ( ،)233/16وصححه األلباين يف السلسلة الصحيحة ()387/4
(.)1782
33
34االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
وت َأ ْز َواجِ النَّبِي H ط إِ َلى بي ِ بن مالك Iيقول :جاء َثال َث ُة ر ْه ٍ
ِّ ُُ َ َ َ
وها (َ ،)2ف َقا ُلوا: ون َع ْن ِع َبا َد ِة النَّبِ ِّي َ ،Hف َل َّما ُأ ْخبِ ُروا ك ََأن َُّه ْم َت َقا ُّل َ َي ْس َأ ُل َ
َو َأ ْي َن ن َْح ُن مِ ْن النَّبِ ِّي َ Hقدْ ُغ ِف َر َل ُه َما َت َقدَّ َم مِ ْن َذ ْنبِ ِه َو َما َت َأ َّخ َرَ ،ق َال
آخ ُرَ :أنَا َأ ُصو ُم الدَّ ْه َر َوال ُأ ْفطِ ُر، َأ َحدُ ُه ْمَ :أ َّما َأنَا َفإِنِّي ُأ َص ِّلي ال َّل ْي َل َأ َبدً اَ ،و َق َال َ
آخرَ :أنَا َأعت َِز ُل النِّساء َفال َأ َتزوج َأبدً اَ ،فجاء رس ُ ِ
ول اهَّلل H َ َ َ ُ َ َّ ُ َ َ َ ْ َو َق َال َ ُ
إِ َل ْي ِه ْم َف َقالَ ( :أ ْنت ُْم ا َّل ِذي َن ُق ْلت ُْم ك ََذا َوك ََذاَ ،أ َما َواهَّللِ إِنِّي َلَ ْخ َشاك ُْم ل ِ َّل ِه َو َأ ْت َقاك ُْم
ب َع ْن ُسنَّتِي ِ ِ ِ
َل ُه؛ َلكنِّي َأ ُصو ُم َو ُأ ْفط ُرَ ،و ُأ َص ِّلي َو َأ ْر ُقدُ َ ،و َأ َت َز َّو ُج الن َِّسا َء َف َم ْن َرغ َ
س مِنِّي)( ،)3فهؤالء أرادوا الزيادة على ما يفعله رسول اهلل H َف َل ْي َ
قدوة المؤمنين ،فب ّين لهم أن ذلك انحراف وضالل ،وخروج عن سنته.
-٤بيان َّ
أن التكلف والزيادة على الشرع خالف منهج املرسلني:
قال تعالى مخاطبًا نبيه الكريم﴿ :ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ
ﱗ﴾ [ص ،]86:قال ابن كثير يف قوله تعالى ﴿ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ﴾
((( فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير ( .)99 /2
((( أي :استقلوها ،أي :رأى كل منهم أهنا قليلة ،فتح الباري ( .)132 / 9
((( أخرجه البخاري يف صحيحه كتاب النكاح ،باب الرتغيب يف النكاح ،حديث رقم،)4675( :
ومسلم يف كتاب النكاح ،باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنه ،واشتغال من
عجز عن المؤن بالصوم ،حديث رقم.)2487( :
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 35
(أي :وما أزيد على ما أرسلني اهلل به وال أبتغي زيادة عليه ،بل ما أمِرت به
أديته ال أزيد وال أنقص منه)( ،)1ومن هذا الباب جاء هني النبي H
عن المغاالة يف العبادة ،وب ّين بأهنا خالف ما شرع اهلل ،كما جاء يف حديث
أنس بن مالك Iقالَ :د َخ َل النَّبِ ُّي َ Hفإِ َذا َح ْب ٌل َم ْمدُ و ٌد َب ْي َن
االحنراف الفكري
((( المصباح المنير يف هتذيب تفسير ابن كثير (ص.)1180 -1179 :
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب الجمعة ،باب ما يكره من التشدد يف العبادة ،حديث رقم:
( ،)1082ومسلم يف كتاب صالة المسافرين وقصرها ،باب من نعس يف صالته ،حديث رقم:
(.)1306
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب اإليمان ،باب أحب الدين إلى اهلل عز وجل أدومه،
حديث رقم ،)41( :ومسلم يف كتاب صالة المسافرين وقصرها ،باب أمر من نعس يف صالته
أو استعجم عليه القرآن ،حديث رقم.)1308( :
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب األيمان والنذور ،باب النذر فيما ال يملك ويف معصية،
حديث رقم.)6210( :
35
36االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
صراط الذين أنعم اهلل عليهم من النبيين ،والصديقين ،والشهداء ،والصالحين،
المغايرين للمغضوب عليهم وللضالين ،كان ذلك مما يب ّين أن العبد يخاف
عليه أن ينحرف إلى هذين الطريقين)( ،)1ويف تكرير هذا الدعاء يف كل ركعة
تذكير ًا بأهمية االستقامة واالعتدال ،ونبذ الغلو والتطرف.
الحق ،وال ُتطروا من ُأمرتم بتعظيمه ،فتبالغوا فيه حتى تخرجوه من حيز النبوة
إلى مقام اإللهية كما صنعتم يف المسيح ،وهو نبي من األنبياء فجعلتموه إلهًا
حذر النبي Hعن الغلو ،وب ّين عاقبته يف األمم من دون اهلل)( ،)1وقد ّ
ِ َب ُم َع ِ
الر ْح َم ِناو َي ُة إِ َلى َع ْبد َّ السابقة؛ كما جاء عن زيد بن سالم عن جده قالَ :كت َ
االحنراف الفكري
ولَ ( :ت َع َّل ُموا ا ْل ُق ْرآنَ ،فإِ َذا َعلِ ْمت ُُمو ُه َفال ول اهَّللِ َ Hي ُق ُ إِنِّي َس ِم ْع ُت َر ُس َ
يه ،وال َت ْج ُفوا َعنْ ُه ،وال َت ْأ ُك ُلوا بِ ِهَ ،وال َت ْس َت ْكثِ ُروا بِ ِه)( ،)2وعن أبي العالية َت ْغ ُلوا فِ ِ
((( المصباح المنير يف هتذيب تفسير ابن كثير (ص.)394 - 393 :
((( أخرجه أحمد يف المسند ،حديث رقم ،)1511( :وصححه األلباين يف صحيح الجامع
(.)1168( )258/1
((( أخرجه النسائي يف السنن ،حديث رقم ،)3007( :وابن ماجه ،حديث رقم ،)3029( :وأحمد
يف المسند ،حديث رقم ،)1851( :والحاكم يف المستدرك ( ،)637 /1وصححه األلباين يف
حجة النبي ( Hص.)81:
37
38االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
يخاف عليه أن يكون هالكا)( ،)1ويف توجيه الخطاب ألهل الكتاب تحذير لنا
مما صنعوا ،والمراد بالنهي وجوب التزام حدود الشرع.
فمن خالل هذه األدلة القرآنية ،وما جاء من بيان إضايف يف السنة
المطهرة يتبين بصورة قاطعة النهي الصريح عن مجاوزة الحد ،والزيادة على
االحنراف الفكري
ما شرع اهلل َّ
جل وعال ،فكما أن التفريط فيما شرع اهلل انحراف ،كذلك الزيادة
عليه أشد وأخطر ،وأن الهداية يف االستقامة على الكتاب والسنة دون إفراط
أو تفريط.
املبحث الرابع
أسباب االحنراف الفكري
االحنراف الفكري
39
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 40
كل ِ
الح َقب ،وستبقى إلى مخصصة ،وإنَّما هي ظاهرة ممتدة عرب التاريخ ويف ّ
آخر الزمان ،تحدّ ث عنها علماء األمة األخيار؛ ولذا نحن نتحدث عن أسباب
متى ما توفرت أدت أو ساعدت على ظهورها ،وننظر إليها بحسبان أن اإلسالم
هو الذي حدد أسباهبا ووضع المعالجات لها ،ومن أبرز هذه األسباب ما يلي:
االحنراف الفكري
أو ً
ال :العدول عن الكتاب والسنة كمصدرين للتشريع
يظهر لكل من استقرأ األدلة التي جاءت يف النهي والتحذير والمعالجة
لظاهرة التشدد والغلو واالنحراف؛ ّ
أن مبدأ هذا الضالل والشر عدول أصحابه
عن الكتاب والسنة ،والطعن فيهما ولو من غير قصد ،وعدم التحاكم إليهما يف
ّ
كل صغيرة وكبيرة ،والخروج عليهما بالظن والهوى ،فذو الخويصرة يطعن
يف عدالة النبي Hوصدقه ويقول له :يا رس َ ِ
ول اهَّلل ا َّت ِق َ
اهَّلل ،والنبي َ َ ُ
ِ
ض َأ ْن َيتَّق َي َ
اهَّلل) ،ويف (و ْي َل َك َأ َو َل ْس ُت َأ َح َّق َأ ْه ِل ْالَ ْر ِ
Hيرد بقولهَ :
ِ ِ
اهَّلل إِ َذا َع َص ْي ُتَ ،أ َي ْأ َمنُني ُ
اهَّلل رواية فقال :ا َّت ِق َ
اهَّلل َيا ُم َح َّمدُ َ ،ف َق َالَ ( :م ْن ُيط ْع َ
ض َفال َت ْأ َمنُونِي!!) ،والرهط الثالثة ينظرون إلى عبادته على َع َلى َأ ْه ِل األَ ْر ِ
ب َع ْن ُسنَّتِي َف َل ْي َس مِنِّي)، ِ
أهنا قليلة ،والنبي Hيرد بقولهَ ( :ف َم ْن َرغ َ
وعثمان بن مظعون يريد رهبانية ما شرعها اهلل ،والنبي Hيقول له:
فإن ظهور وده)َّ ، ( َأ َفما َل َك فِي ُأسوةٌَ ،فو اهَّللِ إِنِّي َأ ْخ َشاكُم ل ِ َّل ِه ،و َأح َف ُظ ُكم لِحدُ ِ
ْ ُ َ ْ ْ َّ ْ َ َ َ
الفرق والفتن وكثرة الهرج والمرج مالزم لجهل الناس بالكتاب والسنة،
ّبي ُ ( :Hي ْق َب ُض ا ْل ِع ْل ُم وانتشار البدع ،وغياب الحق ،كما قال الن ّ
ول اهَّللِ َو َما ا ْل َه ْر ُج؟ َف َق َال:
َو َي ْظ َه ُر ا ْل َج ْه ُل َوا ْل ِف َت ُن َو َي ْك ُث ُر ا ْل َه ْر ُج ،قِ َيلَ :يا َر ُس َ
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 41
َه َك َذا بِ َي ِد ِه َف َح َّر َف َها ك ََأنَّه ُي ِريدُ ا ْل َقتْل)( ،)1ولذا ما استطاعت هذه األفكار أن تنمو
يف عهد النبوة؛ َّ
ألن نور الحق إذا ظهر بدّ د ظلمات الجهل ،وانتشار هذا الفكر
يف أي مجتمع مؤشر من أكرب مؤشرات الجهل بالكتاب والسنة.
َّ
إن عدم الفهم السليم للدين وفق ما كان عليه النبي H
وأصله علماء أهل السنة والجماعة عرب القرون ،يؤدى
وأصحابه ،وما ق َّعده ّ
وتفرقها وتناحرها ،ويظهر ذلك من خالل أغلب الذين
إلى انحراف األمة ّ
ظهر فيهم فكر الغلو يف عهد النبي Hوبعده ،لم يكونوا من أهل
العلم والفهم السليم للدين؛ بل كان الجهل بما عليه سلف هذه األمة أحسن
َاب اهَّللِ َر ْط ًبا ال ُي َج ِ
او ُز وصف لهم كما جاء يف الحديثَ ( :قوم ي ْت ُل َ ِ
ون كت َ ْ ٌ َ
َحن ِ
َاج َر ُه ْم) ،فهم أخذوا القرآن تالوة وحفظًا دون فهم سليم له ،وفق ما
فهمه الصحابة وعلماء األمة الراسخون ،فض ّلوا من حيث كان ينبغي لهم أن
يهتدوا به ،وقد قال ابن تيمية( :فإن عامة ضالل أهل البدع كان هبذا السبب،
فإهنم صاروا يحملون كالم اهلل ورسوله على ما يدّ عون أنه ّ
دال عليه ،وال
يكون األمر كذلك)( ،)2وذلك ألهنم استندوا على أدلة من القرآن أو السنة
أو أقوال أهل العلم لم يردوها إلى المحكم منها ،معتقدين أهنا حجة لهم وهي
حجة عليهم ،أو أخذوا ببعض األدلة وتركوا بعضها اآلخر ،ولم يجعلوا أدلة
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب العلم ،باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس ،حديث
رقم.)83( :
((( مجموع الفتاوى (.)115 / 7
41
42االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
القرآن والسنة يصدّ ق بعضها بعضا؛ كاستشهاد الخوارج على إبطال التحكيم
بقوله تعالى﴿ :ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ﴾ [يوسفَّ ،]40:
فإن ظاهر استشهادهم باآلية
صحيح على الجملة ،وأما على التفصيل فمحتاج إلى البيان ،وهو ما ذكره ابن
عباس Lمن َّ
أن الحكم هلل تارة من غير تحكيم ،وتارة بتحكيم؛ ألنَّه إذا
االحنراف الفكري
أمرنا بالتحكيم فالحكم به حكم اهلل ،فتأ ّملوا وجه اتباع المتشاهبات وكيف
يؤدي إلى الضالل والخروج عن الجماعة( ،)1ولذلك قال النبي :H
ِ ِ ِ (إِ َذا َر َأ ْيت ُْم ا َّل ِذي َن َي َّتبِ ُع َ
اح َذ ُر ُ
وه ْم)(،)2 ون َما َت َشا َب َه منْ ُه َف ُأو َلئ َك ا َّلذي َن َس َّمى ُ
اهَّلل َف ْ
وغير هذا من أمثلة ونماذج كثيرة ذكرها ابن الق ِّيم(.)3
وغيره مما هو ظاهر يف األدلة السابقة ،قال ابن القيم( :فإن الشيطان يشم قلب
العبد ويختربه ،فإن رأى فيه داعية للبدعة ،وإعراضًا عن كمال االنقياد للسنة،
أخرجه عن االعتصام هبا ،وإن رأى فيه حرصًا على السنة ،وشدة طلب لها لم
يظفر به من باب اقتطاعه عنها ،فأمره باالجتهاد والجور على النفس ،ومجاوزة
االحنراف الفكري
حد االقتصاد فيها قائالً له« :إن هذا خير وطاعة والزيادة واالجتهاد فيها أكمل،
ويحرضه حتى
ّ فال تفرت مع أهل الفتور ،وال تنم مع أهل النوم» ،فال يزال يحثه
يخرجه عن االقتصاد فيها ،فيخرج عن حدها كما أن األول خارج عن هذا
الحد ،فكذا هذا اآلخر خارج عن الحد اآلخر ،وهذا حال الخوارج الذين
يحقر أهل االستقامة صالهتم مع صالهتم ،وصيامهم مع صيامهم ،وقراءهتم
مع قراءهتم ،وكال األمرين خروج عن السنة إلى البدعة ،لكن هذا إلى بدعة
التفريط واإلضاعة ،واآلخر إلى بدعة المجاوزة واإلسراف ..فكل الخير يف
اجتهاد باقتصاد ،وإخالص مقرون باتباع ،كما قال بعض الصحابة :M
«اقتصاد يف سبيل وسنة خير من اجتهاد يف خالف سبيل وسنة»)(.)1
43
44االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
ويسره ،يؤدي إلى ظهور هذا الفكر وانتشاره كما قال ( :Hإِ َّن الدِّ ي َن
ُي ْس ٌرَ ،و َل ْن ُي َشا َّد الدِّ ي َن َأ َحدٌ إال َغ َل َبه)؛ ألن هذا االنحراف الفكري الذي سببه
الغلو يصاب به كما أخرب الصادق الكريم ُ Hحدَ ثاء األسنان ُس َفهاء
األحالم.
االحنراف الفكري
خامساً :األخذ اجلزئي للدين وعدم املوازنة بني احلقوق
والواجبات
َّ
فإن من أسباب االنحراف الفكري الغلو يف جوانب من الدين وإهمال
جوانب أخرى شرعها اهلل Dوحث عليها ،وذلك لغياب التصور الكلي
للدين ،كمن يريد أن يصوم النهار ويقوم الليل وال يرعى حق نفسه وأهله
وضيوفه ،جهالً منه َّ
أن التد ّين هو السعي إلى الدخول يف السلم كافة ،والرعاية
ألحكامه عامة قدر المستطاع ،ال االلتزام بجوانب وترك جوانب أخرى ،فمن
أقام الليل كله ثم نام عن فريضة الفجر لم يفعل ما يرضي اهلل؛ ألجل ذلك ينبغي
أن يكون للمسلم تصور شرعي يدرك من خالله ترتيب األولويات ،فال يقدّ م
على واجب وهنالك ما هو أوجب منه ،وال تكون المستحبات على حساب
الواجبات ،ومن تتبع منهج القرآن وسيرة سيد األنام أدرك ذلك بالتمام ،وقد
كان هو منهج الصحابة الكرام؛ ولذا سعى سلمان Iأن يلفت نظر أبي
الدرداء Iإلى الحقوق األخرى التي أوجبها اهلل Dوهو غير ملتفت
لها وإلى مراتب األعمال التي يتقرب هبا إليه ،فقال له سلمان :إِ َّن ل ِ َر ِّب َك َع َل ْي َك
ح ًّقا ،ولِنَ ْف ِس َك َع َلي َك ح ًّقا ،و ِلَ ْهلِ َك َع َلي َك ح ًّقاَ ،ف َأ ْع ِ
ط ك َُّل ِذي َح ٍّق َح َّق ُهَ ،ف َأ َتى ْ َ ْ َ َ َ َ
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 45
ِ
النَّبِ َّي َ Hف َذك ََر َذل َك َل ُهَ ،ف َق َال النَّبِ ُّي َ :H
(صدَ َق َس ْل َم ُ
ان)(،)1
فإن الجهل بذلك من أسباب انحراف كثير من الناس ،ويف هذا يقول الدكتور
سليمان األشقر( :إن الموازنة والمواءمة بين الحقوق والواجبات ،الحقوق
بعضها مع بعض ،والواجبات بعضها مع بعض ،والموازنة بين مطالب الروح
االحنراف الفكري
والجسد أمر عسير ليس بالسهل ،فاإلنسان يغرق بطبعه يف الميل إلى أحد
الجانبين ،وهذا الميل يسبب فساد ًا للفرد والمجتمع)(.)2
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب الصوم باب من أقسم على أخيه ليفطرن يف التطوع ح رقم
.1832
((( نحو ثقافة إسالمية أصيلة( ،ص.)74 :
45
46االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
وسا ُج َّهاالَ ،ف ُسئِ ُلوا َف َأ ْفت َْوا بِ َغ ْي ِر ِع ْل ٍم َف َض ُّلوا َو َأ َض ُّلوا)( ،)2وعند قبض َّاس ُر ُؤ ً الن ُ
العلم ،وتصدّ ر الجهالء للفتوى واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ البد
أن تكثر الفتن والقتل يف األمة كما جاء عن أبي هريرة عن النبي H
ول اهَّللِ َو َما
قالُ ( :ي ْق َب ُض ا ْل ِع ْلمَ ،و َي ْظ َه ُر ا ْل َج ْه ُل َوا ْل ِف َت ُنَ ،و َي ْك ُث ُر ا ْل َه ْر ُج قِ َيلَ :يا َر ُس َ
ألن الناس إذا رجعوا يف ا ْل َه ْر ُج؟ َف َق َالَ :ه َك َذا بِ َي ِد ِه َف َح َّر َف َها ك ََأنَّه ُي ِريدُ ا ْل َقت َْل)(ّ ،)3
أمورهم ألهل العلم والعقل سلموا وإال كان العكس ،لذا أمرهم اهلل D
بقوله تعالى﴿ :ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ
ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ﴾ [النساء ،]83 :وقد
طعن زعيم المنحرفين فكريًا يف سيد العلماء النبي ،Hوطعن أذنابه
يف أج ّلة العلماء من أصحاب النبي ،Hواستحلوا دماءهم الطاهرة
فض ّلوا وهلكوا.
47
48االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
هموم األمة وقضاياها؛ مما يؤدي إلى هدم المجتمع وإفساده ال إصالحه؛
وذلك ألن التصدر لألمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير فقه بالشرع،
وأسلوب األمر والنهي وفقهه ،وما يرتتب على األمر والنهي من مصالح
ومفاسد ،من أعظم أسباب ظاهرة االنحراف الفكري ،فلذلك نجد هذا
االحنراف الفكري
الجاهل يخاطب النبي الكريم Hهبذا األسلوب( :اعدل يا محمد)،
وهو الذي قال اهلل فيه﴿ :ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ﴾ [النجم ،]2:وهو أعلم
النّاس باهلل ،وأخشاهم واتقاهم هلل ،ولهذا كان رد النبي Hعليه رد ًا
ِ
ض َأ ْن َيتَّق َي َ
اهَّلل) ،وقد جاء (و ْي َل َك َأ َو َل ْس ُت َأ َح َّق َأ ْه ِل ْالَ ْر ِ
حكيمًا ،فقال لهَ :
بأن من أسباب ظهور االنحراف الفكري وانتشاره تصدر ُحدَ ثاء يف الحديث َّ
األسنان ،ضعفاء الفقه لواجب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،كما قال
النبي Hيف وصفهمَ ( :قوم حدَ َثاء ْالَسن ِ
َانُ ،س َف َها ُء ْالَ ْحالمَ ،ي ُقو ُل َ
ون ْ ُ ُ ْ
الرمِ َّي ِة)(،)1 ِ ِ مِن َخي ِر َقو ِل ا ْلب ِري ِة ،يمر ُق َ ِ
ون م ْن ْال ْس َل ِم ك ََما َي ْم ُر ُق َّ
الس ْه ُم م ْن َّ َ َّ َ ْ ُ ْ ْ ْ
فمن تصدّ ر للدعوة دون علم ،وفقه بالشرع ،والواقع ،والواجب يف الواقع،
فقد وضع نفسه يف موضع االنحراف؛ ألن الدعوة ال يقوم هبا حق القيام إال
أهل البصيرة يف الدين ،كما قال تعالى﴿ :ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ
ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ﴾ [يوسف.]108:
((( أخرجه البخاري يف صحيحه كتاب التوحيد ،باب قول اهلل تعالى﴿ :ﲭ ﲮ ﲯ
ﲰ﴾ ،حديث رقم ،)6880( :ومسلم يف كتاب الزكاة ،باب ذكر الخوارج وصفاهتم ،حديث
رقم.)1762( :
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 49
الرتبوي ،أو الرتبية القاصرة التي يهتم فيها بجانب ويرتك فيها جوانب أخرى
مهمة؛ مثل أن يهتم بجانب العبادة ،ويهمل جانب األخالق ،كما هو شأن
الخوارج الذين يحقر أحدكم صالته إلى صالهتم ،كما جاء يف الحديثَ ( :د ْع ُه
َفإِ َّن َل ُه َأ ْص َحا ًبا َي ْح ِق ُر َأ َحدُ ك ُْم َصال َت ُه َم َع َصالتِ ِه ْم َو ِص َيا َم ُه َم َع ِص َيامِ ِه ْم) ،أو
الرتكيز يف الرتبية على جانب الشدة والقسوة دون االهتمام بالرفق واللين يف
الدعوة والمعاملة اللذين ما كانا يف شيء إال زاناه ،وما نزعا من شيء إال شاناه،
أو الرتكيز على الشكل الظاهري يف التد ّين مع إهمال أسس الدين وكل ّياته وقيمه
فوآدابه ،كما جاء يف وصف ذي الخويصرةَ ( :ف َقا َم َر ُج ٌل َغائِ ُر ا ْل َع ْينَ ْي ِنُ ،م ْش ِر ُ
ال َزار) ،بما يدل س ،م َشمر ْ ِ
الر ْأ ِ ُ َّ ُ وق َّ َث ال ِّل ْح َي ِةَ ،م ْح ُل ُ ا ْلوجنَ َتي ِن ،ن ِ
َاش ُز ا ْل َج ْب َهة ،ك ُّ َ ْ ْ
على ذلك ،أو الرتبية على الحفظ دون الفهم كما وصفهم النبي H
او ُز َت َراقِ َي ُه ْم) ،وقال آن ال ُي َج ِون ا ْل ُق ْر َ
بالقراء والح ّفاظ بدون فقه ،فقالَ ( :ي ْق َر ُؤ َ ّ
القراءّ ،
ويقل الفقهاء)(.)1 النبي ( :Hإنه يف آخر الزمان يكثر ّ
((( أخرجه الحاكم يف المستدرك ،حديث رقم ،)504( :وقال :صحيح اإلسناد ولم يخرجاه
ووافقه الذهبي ،والطرباين يف األوسط ،حديث رقم ،)3277( :والهيثمي يف مجمع الزوائد،
حديث رقم.)889( :
49
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 50
االحنراف الفكري
ولهذا ن ّبه النبي Hعلى خطره على الفرد والجماعة ليظل الجميع
ونَ ،قا َل َها َثال ًثا) ،وقال (ه َل َك ا ْل ُم َتنَ ِّط ُع َ على حذر كما قال النبي َ :H
َان َق ْب َل ُك ْم ا ْل ُغ ُل ُّو فِي
ين َفإِن ََّما َأ ْه َل َك َم ْن ك َ ( :Hإِ َّياك ُْم َوا ْل ُغ ُل َّو فِي الدِّ ِ
ون َأ ْه َل
ال ْس َل ِم َو َيدَ ُع َ ون َأ ْه َل ْ ِ ين) ،وقال عن خطره االجتماعيَ ( :ي ْق ُت ُل َ الدِّ ِ
ان) ،ومن أسباب انتشاره وتأثيره قلة من يتصدون له من مر ّبين ومع ّلمين ْالَو َث ِ
ْ
ودعاة وإعالميين ومفكرين ،قال تعالى﴿ :ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ
ﳔ ﳕ﴾ [هود.]117:
المرتتبة على مسألة الخروج على الحاكم المسلم ،وأثر الفتن يف تأخر األمة
وضعفها ،وأن وجود حاكم ولو كان ظالمًا خير لألمة من بقائها ليلة واحدة
بال سلطان ،وأصحاب الفكر المنحرف كثير ًا ما تجدهم يجهلون عظمة حرمة
المسلم ،وعظمة حرمة جماعته؛ ولذا يسهل عندهم قتل أهل اإلسالم ،بل
االحنراف الفكري
51
52االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
وحديثًا ،ومن ذلك:
أ -التسرع وعدم التبين يف األمور التي تشاع بين الناسّ :
فإن ذا الخويصرة
لم يتثبت ويسأل النبي Hلماذا فعل كذا ،وإنّما سارع يف قوله له:
(اتق اهلل ،واهلل ما هذه قسمة أريد هبا وجه اهلل)؛ فلذا نجد الخوارج يسارعون
يف الفتن وال يستقرون على حال ،وصفة المؤمن على خالف ذلك.
ب -التعالم وعدم معرفة اإلنسان قدْ ره :والتطاول على مقام العلماء
والفضالءّ ،
فإن ذا الخويصرة قام يتكلم مع النبي ،Hويأمره أن يتقي
اهلل وينصحه ،جاهالً قدْ ر نفسه ،وقدْ ر النبي ،Hوقدْ ر من كانوا معه
من أصحاب النبي Hالذين هم أعلم منه ،وأقدم إسالمًا ،وأولى
بالحديث ،ولهذا كان جهل ُحدَ ثاء األسنان ُس َفهاء العقول بقدْ ر أنفسهم
جعلهم يتصدرون لقضايا األمة ،ويتحدثون بغير فقه ،ويك ّفرون من ال يستحق
التكفير ،ويستبيحون الدماء المعصومة.
ج -سوء الظن باآلخرين :فالمؤمن ينبغي عليه أن يحسن الظن بأخيه
دائمًا فيما يسمعه وينقل له عنه ،قال تعالى﴿ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ
ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ﴾ [الحجرات ،]12:وعن النبي Hقال:
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 53
د -الجهل بأدب الخالف :يف األمور التي يسوغ فيها االختالف،
االحنراف الفكري
أو كيفية التعامل مع الخالف بأنواعه ،أو الرتبية على المذهبية الضيقة ،أو على
الفتاوى األحادية ،والتعصب للرأي ،وعدم احرتام المخالف ،واهتامه بالهوى
والباطل.
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب النكاح ،باب ال يخطب على خطبة أخيه حتى ينكح
أو يدع ،حديث رقم ،)4747( :ومسلم يف كتاب الرب والصلة واآلداب ،باب تحريم الظن
والتجسس ،..حديث رقم.)4646( :
53
54االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
الفكري من خالل الرد على شبههم ،أو التصدي ألصحاب الفكر المنحرف
بأناس مغضوب عليهم ال يعرفون اهلل ،وال يلتزمون بق َيم الشرع مما يكون
سببًا لتعاطف العامة معهم ،وإصرارهم للمضي يف طريقهم بقناعة وثبات،
علمًا بأنه ما من نوع من الفساد إال وقد شرع الشرع له معالجات وأحكام
االحنراف الفكري
ينبغي االلتزام هبا ،وليس يف الشرع مجال للهوى وحظوظ النفس ،وإال كانت
المعالجة سببًا لداء آخر ربما يكون أخطر ،وقد قال تعالى﴿ :ﲘ ﲙ
ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ
ﲧﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬﲭ ﲮ ﲯﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ﴾
[المائدة ،]8:قال القرطبي( :دلت اآلية على أن كفر الكافر ال يمنع من العدل
المثلة هبم
عليه ،وأن يقصر هبم على المستحق من القتال واالسرتقاق ،وأن ُ
بمثلة
غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمونا بذلك ،فليس لنا أن نقتلهم ُ
قصدا إليصال الغم والحزن عليهم)( ،)1وإذا كان هذا يف معاملة الكافر المقاتل
فكيف تكون المعاملة مع المسلم الباغي ،والمنحرف فكريًا.
املبحث اخلامس
عالج االحنراف الفكري
االحنراف الفكري
يرى الباحث ّ
أن المعالجة السليمة والشافية تكون من خالل االهتمام
بتعليم المفاهيم الصحيحة عن اإلسالم ،من خالل المناهج التعليمية ،ووسائل
اإلعالم ،وأن نراعي ذلك يف فكرنا وتربيتنا الخاصة يف البيت ،والمسجد،
ومؤسسات المجتمع المتنوعة ،وفق النقاط المذكورة يف هذا المبحث ،نُظهر
من خاللها عظمة هذا الدين ،وإحكامه وشموليته واعتداله ،ويسره وجماله
ومتانته ،وسلطانه الضابط لهوى النفس وأفكار البشر ،بل حركاهتم وسكناهتم
بما يحقق لهم الخيرية؛ التي هبا تميزت هذه األمة الوسط عن غيرها من األمم.
ومن خالل التتبع واالستقراء ألدلة الكتاب العزيز ،وما جاء يف بيان
السنة التي وردت حول هذا الموضوع ،والمعالجات التي وضعها النبي
،Hخرجنا هبذه المعالجات الفكرية العملية التي هي كفيلة بإذن اهلل
تعالى إذا روعيت من خالل تصميم مناهجنا الرتبوية ،وبرامجنا اإلعالمية،
والدعوية ،وعمل المعلمين ،والدعاة ،والمربين يف البيوت ،وأصحاب القرار،
بدحر وعالج هذا النوع من االنحراف الخطير على أمن المجتمع واستقراره،
وهي كاآلتي:
55
56االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
أو ً
ال :إبراز أهمية لزوم الكتاب والسنة وعدم التقدّم عليهما
من أبرز األمور إليجاد األمة الوسط ،ومحاربة كل صور االنحراف،
التزام الجميع بمرجعية واحدة واضحة ثابتة للفرد والجماعة ،للحاكم
والمحكوم ،وضحها اهلل Dيف كتابه ،والنبي Hيف سنته ،قال
االحنراف الفكري
تعالى﴿ :ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋ ﲌ
ﲍ ﲎ﴾ [الحجرات ،]1:قال أبو حيان األندلسي( :هنوا من اإلقدام على
أمر دون االهتداء على أمثلة الكتاب والسنة ،والمعنى :ال تقطعوا أمر ًا إال
بعد ما يحكمان به ويأذنان فيه ،فتكونوا عاملين بالوحي والسنة ،أو مقتدين
ول اهَّللِبرسول اهلل ،)1()Hوعن العرباض بن سارية قالَ :و َع َظنَا َر ُس ُ
ونَ ،و َو ِج َل ْت الة ا ْل َغدَ ِاة َم ْو ِع َظ ًة َبلِي َغ ًة َذ َر َف ْت مِن َْها ا ْل ُع ُي ُ
Hيوما بعدَ ص ِ
َْ ً َْ َ
ولوبَ ،ف َق َال َر ُج ٌل :إِ َّن َه ِذ ِه َم ْو ِع َظ ُة ُم َو ِّد ٍع َف َما َذا َت ْع َهدُ إِ َل ْينَا َيا َر ُس َ ِ
من َْها ا ْل ُق ُل ُ
الس ْم ِع َوال َّطا َع ِة َوإِ ْن َع ْبدٌ َح َب ِش ٌّيَ ،فإِ َّن ُه َم ْن ِ ِ ِ
اهَّلل؟ َقالُ ( :أوصي ُك ْم بِ َت ْق َوى اهَّلل َو َّ
ور َفإِن ََّها َضال َلةٌَ ،ف َم ْن ات ْالُ ُم ِ اختِال ًفا كَثِيرا ،وإِياكُم ومحدَ َث ِ َي ِع ْش مِنْ ُك ْم َي َرى ْ
ً َ َّ ْ َ ُ ْ
اش ِدي َن ا ْل َم ْه ِد ِّيي َن َع ُّضوا عليها اء الر ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َأ ْد َر َك َذل َك منْ ُك ْم َف َع َل ْيه بِ ُسنَّتيَ ،و ُسنَّة ا ْل ُخ َل َف َّ
اج ِذ)( ،)2قال الجنيد( :الطرق كلها مسدودة على الخلق إال من اقتفى بالن ََّو ِ
أثر الرسول ،Hواتبع سنته ،ولزم طريقته ،فإن طرق الخيرات كلها
مفتوحة عليه)( ،)3وقال صاحب الطحاوية يف العقيدة السلفية( :فإنَّه ما سلم
يف دينه إال من س ّلم هلل Dولرسوله ،Hورد ما اشتبه عليه إلى
عالمه ،وال تثبت قد ُم اإلسالم إال على ظهر التسليم واالستسالم)(.)1
وقد جاءت عشرات األدلة يف القرآن الكريم التي تؤكد هذا األصل
العاصم من ّ
كل أوجه الفتن ،من ذلك قوله تعالى﴿ :ﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ
االحنراف الفكري
((( ينظر :شرح الطحاوية ،لصدر الدين علي بن محمد بن أبي العز الحنفي (ص.)165 :
((( مجموع الفتاوى (.)12 / 20
57
58االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ ﱺ﴾
ظاهرا وباطنًا ،ومن سار على هنجهما من
ً [النساء ،]69:فا ّتباع الكتاب والسنة
الخلفاء الراشدين والسابقين األولين من المهاجرين واألنصار ،هو العاصم
(ست ََر ْو َن مِ ْن األول للفرد والجماعة كما أكد ذلك النبي Hبقولهَ :
االحنراف الفكري
اش ِدي َن ا ْل َم ْه ِد ِّيي َن اختِال ًفا َش ِديدً اَ ،فع َلي ُكم بِسنَّتِي ،وسن َِّة ا ْل ُخ َل َف ِ
اء الر ِ َب ْع ِدي ْ
َّ َ ُ َ ْ ْ ُ
ات؛ َفإِ َّن ك َُّل بِدْ َع ٍة َضال َلةٌ)(،)1 اج ِذ ،وإِياكُم و ْالُمور ا ْلمحدَ َث ِ
َع ُّضوا َع َل ْي َها بِالن ََّو ِ َ َّ ْ َ ُ َ ُ ْ
قال ابن تيمية( :فلوال أن سنته وسنة الخلفاء الراشدين تسع المؤمن وتكفيه
عند االختالف الكثير لم يجز األمر بذلك)( ،)2وترك صراطهم المستقيم الذي
كانوا عليه يف العبادة ،أو التشريع ،أو الزهد ،أو الورع ونحو ذلك؛ بدافع
التدين يؤدي إلى انحراف فكري يخرج يف هناية األمر عن الدين؛ ّ
ألن لزوم
الحق عاصم من هوى النفس ،وشر الشيطان؛ وذلك ّ
ألن طريق الحق ،طريق
علم وعدل وهدى( ،وطريق البدعة ،طريق جهل وظلم ،وفيها ا ّتباع الظن وما
هتوى األنفس)( ،)3قال ابن القيم( :ما أمر اهلل بأمر إال وللشيطان فيه نزغتان:
فإما إلى غلو ومجاوزة ،وإما إلى تفريط وتقصير ،وهما آفتان ال يخلص منهما
يف االعتقاد والعمل إال من مشى خلف رسول اهلل ،Hوترك أقوال
الناس وآراءهم لما جاء به ،ال من ترك ما جاء به ألقوالهم وآرائهم)(.)4
((( أخرجه أحمد يف المسند ،حديث رقم ، )16521( :وابن ماجه ،حديث رقم ،)42( :والدارمي،
حديث رقم ،)95( :وصححه األلباين يف صحيح سنن ابن ماجه حديث رقم.)40( :
(( ( االستقامة (.)4 / 1
((( مجموع الفتاوى (.)568 / 10
((( كتاب الروح (ص.)545 :
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 59
ومن هنا يظهر لنا أن بداية الضالل يكون يف ترك الكتاب والسنة سواء أكان
ذلك يف ترك أصل ما شرع اهلل ،أو يف مقداره وكيفياته ،ونحو ذلك ،فالخوارج
لم يضلوا يف أصل العبادات التي من أعظمها الصالة ،والصيام ،وقراءة القرآن،
وإنّما ضلوا يف عدم اقتصارهم على ما شرع اهلل ،كما قال النبي :H
االحنراف الفكري
( َد ْع ُه َفإِ َّن َل ُه َأ ْص َحا ًبا َي ْح ِق ُر َأ َحدُ ك ُْم َصال َت ُه َم َع َصالتِ ِه ْمَ ،و ِص َيا َم ُه َم َع ِص َيامِ ِه ْم،
او ُز َت َراقِ َي ُه ْم) ،أي :أهنم يغلون يف ذلك حتى يحقر الواحدآن ال ُي َج ِ
ون ا ْل ُق ْر َ
َي ْق َر ُؤ َ
ون مِ ْن الدِّ ِ
ين عبادته يف جنب عبادة هؤالء ،وهم مع ذلك يف هناية أمرهم ( َي ْم ُر ُق َ
الرمِ َّي ِة) ،فهذه األجناس الثالثة مع أهنا يف أصلها مشروعة، ِ
ك ََما َي ْم ُر ُق َّ
الس ْه ُم م ْن َّ
ومما يحبها اهلل ولكنهم لما لم يلتزموا بالمقدار والكيفية التي شرعها اهلل ،كان
ذلك االنحراف سببًا لخروجهم عن الدين ،ولهذا قال السلف( :اقتصاد يف
سنة ،خير من اجتهاد يف بدعة)( ،)1وقد ورد يف الصحيحين عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن أن عبد اهلل بن عمرو قال :أخبِر رسول اهلل Hأين أقول:
ألصو َم َّن الن ََّه َارَ ،وألَ ُقو َم َّن ال َّل ْي َل َما ِع ْش ُتَ ،ف ُق ْل ُت َل ُهَ :قدْ ُق ْل ُت ُه بِ َأبِي َأن َْت ِ
َواهَّلل ُ
يع َذل ِ َك َف ُص ْم َو َأ ْفطِ ْرَ ،و ُق ْم َون َْمَ ،و ُص ْم مِ ْن َّ
الش ْه ِر ِ
َو ُأ ِّميَ ،ق َالَ ( :فإِن ََّك ال َت ْستَط ُ
َثال َث َة َأ َّيا ٍمَ ،فإِ َّن ا ْل َح َسنَ َة بِ َع ْش ِر َأ ْم َثال ِ َهاَ ،و َذل ِ َك مِ ْث ُل ِص َيا ِم الدَّ ْهر)ُ ،ق ْل ُت :إِنِّي
ُأطِ ُيق َأ ْف َض َل مِ ْن َذل ِ َكَ ،ق َالَ ( :ف ُص ْم َي ْو ًما َو َأ ْفطِ ْر َي ْو َم ْي ِن) ُق ْل ُت :إِنِّي ُأطِ ُيق َأ ْف َض َل
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
السالم َو ُه َو م ْن َذل َكَ ،قالَ ( :ف ُص ْم َي ْو ًما َو َأ ْفط ْر َي ْو ًما؛ َف َذل َك ص َيا ُم َد ُاو َد َع َل ْيه َّ
الص َيا ِم)َ ،ف ُق ْل ُت :إِنِّي ُأطِ ُيق َأ ْف َض َل مِ ْن َذل ِ َكَ ،ف َق َال النَّبِ ُّي :H َأ ْف َض ُل ِّ
(ال َأ ْف َض َل مِ ْن َذل ِ َك)( ،)2فهذا الحديث برواياته المختلفة يدل على فقه عظيم
59
60االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
إلى اهلل أفضل مما شرعه؛ ألن تلك الصورة وإن كانت طيبة لكنها لما يرتتب
عليها من ضرر؛ ولما تؤدي إليه من انحراف وانقطاع ،هنى عنها الشرع ،كما
جاء يف إحدى روايات الحديث قالَ ( :فإِن ََّك إِ َذا َف َع ْل َت َذل ِ َك َه َج َم ْت(َ )1ع ْين َُك،
َون َِف َه ْت َن ْف ُس َك( ،)3())2فالبعد عن الكتاب والسنة علمًا وعمالً ،وعدم الوقوف
عند حدودهما ،هو بداية الشر ،وأعظم مدخل من مداخل الشيطان؛ ولذا ّ
فإن
ثمرة االنحراف عن الكتاب والسنة للمسلم يف دينه ودنياه الهالك واالنقطاع،
والسالمة دائمًا يف لزوم الكتاب والسنة للثبات على الحق ،ورد كل شبهة
وباطل يوجه إليه النحرافه ،قال الشنقيطي( :ولو كان المسلمون يتعلمون
كتاب اهلل وسنة رسوله ،Hويعملون بما فيهما ،لكان ذلك ِحصنا
منيعا لهم من تأثير الغزو الفكري يف عقائدهم ودينهم ،ولكن لما تركوا الوحي
ونبذوه وراء ظهورهم ،واستبدلوا به أقوال الرجال ،لم تقم لهم أقوال الرجال
ومذاهب األئمة رحمهم اهلل مقام كالم اهلل ،واالعتصام بالقرآن ،وكالم النبي
= ومسلم يف كتاب الصيام ،باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به ،حديث رقم.)1972( :
ِ ِ
(( ( َه َج َم ْت َع ْينك :بِفتح الجيم ،أيَ :غ َار ْت َأ ْو َض ُع َف ْت ل َك ْث َرة َّ
الس َهر ،فتح الباري (.)286 /4
تعبت و َك َّلت ،فتح الباري (.)286 /4 ((( ن َِفه ْت :بنون ثم فاء مكسورةَ ،أيِ :
ْ َ
(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب الجمعة ،باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه،
حديث رقم.)1085( :
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 61
أدلة الكتاب والسنة ،وكون الغزو الفكري المذكور لم يستند إال على الباطل
والتمويه كما هو معلوم)(.)1
61
62االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
المرسلين ،وما ظهرت الفرق وانتشرت إال من بعد قروهنم المباركة ،وما
خرج من علمهم خرج من مشكاة النبوة الطاهرة؛ ألن أساس العلم يقوم
على الفهم السليم للدين ال على الحفظ بدون فهم ،ولهذا فإن من صفات
الخوارج ضعف الفقه يف الدين ،وما تصدّ رهم للقضايا العظام ،والتسرع يف
التكفير وسفك الدماء إال نتيجة سوء فهمهم؛ ويظهر هذا واضحًا من خالل
(واهَّللِ إِ َّن َه ِذ ِه ا ْل ِق ْس َم َة َما ُع ِد َل
عدد من األدلة ،من ذلك قول ذلك الرجلَ :
فِ َيهاَ ،و َما ُأ ِريدَ بِ َها َو ْج ُه اهَّلل) ،فكان رد النبي Hعليه عميقًا فقال له:
وذ َي بِ َأ ْك َث َر مِ ْن َه َذا
( َفمن يع ِد ُل إِ َذا َلم يع ِد ْل اهَّلل ورسو ُله؛ ر ِحم اهَّلل موسى َقدْ ُأ ِ
ُ ََ ُ ُ َ َ ُ ُ َ ْ َْ َ ْ َْ
َف َص َب َر) ،ويف رواية قال لهَ ( :ف َم ْن ُيطِ ِع ال َل َه إِ ْن َع َص ْي ُت ُه) ،فلو كان له فقه يف دينه ما
تجرأ لمثل هذا الكالم الذي ال يصدر إال عن جاهل؛ ألنَّه ال يمكن أن يختار
ال ال يتصف بالصدق واألمانة ،وهل يمكن لعاقل اهلل -الحكيم العليم -رسو ً
ِ
أن يتّبع ظالمًا خائنًا؟! ولهذا قال يف روايةَ ( :أ َي ْأ َمنُني ُ
اهَّلل َع َلى َأ ْه ِل األَ ْر ِ
ض فال
َت ْأ َمنُونِي) ،ومما يدل على جهله أن يتجرأ ،فيأمر وينهي رسول اهلل H
الذي يجب عليه أن يطيعه ،ويتبعه ،ويو ّقره ،ويخفض صوته بين يديه كما قال
تعالى﴿ :ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ﴾ [النساء،]64:
قال تعالى﴿ :ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 63
ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ﴾ [الحجرات،]2:
ون كِتَاب اهَّللِ
ومما يدل على جهلهم وعدم فقههم قوله َ ( :Hي ْت ُل َ
َ
َل ِّينًا َر ْط ًبا) ،أي :سهالً لكثرة حفظهم له ،ولكن (ال يتجاوز حناجرهم) ،قال
القاضي عياض( :معناه ال تفقهه قلوهبم وال ينتفعون بما تلوا منه ،وال لهم حظ
االحنراف الفكري
سوى تالوة الفم ،والحنجرة ،والحلق ،إذ هبما تقطيع الحروف)( ،)1وقد جاء
او ُز َصال ُت ُه ْم آن َي ْح ِس ُب َ
ون َأ َّن ُه َل ُه ْم َو ُه َو َع َل ْي ِه ْم ،ال ُت َج ِ ون ا ْل ُق ْر َ
يف روايةَ ( :ي ْق َر ُؤ َ
الرمِ َّي ِة)( ،)2ولهذا تجدهم ِ
الس ْه ُم م ْن َّ
َتراقِ َي ُهمَ ،يمر ُق َ ِ ِ
ون م ْن اإل ْسال ِم ك ََما َي ْم ُر ُق َّ ْ ُْ َ
يستدلون لبدعتهم وانحرافهم بأدلة من الكتاب والسنة ،ولكن بدون فقه سليم
فإن الخيرية يف الدين ال تكون إال ألهل الفقه كما قال رسول ال ّله لها ،ولذا َّ
ين)( ،)3ومما يدل على جهل اهَّلل بِ ِه َخ ْي ًرا ُي َف ِّق ْه ُه فِي الدِّ ِ
َ ( :Hم ْن ُي ِر ْد ُ
أصحاب االنحراف الفكري ولو كان ذلك بمقاصد سليمة؛ تقليلهم لعبادة
(و َأ ْي َن ن َْح ُن مِ ْن
النبي ،Hوظنهم أنه اتكل على عفو اهلل له فقالواَ :
النَّبِ ِّي Hو َقدْ ُغ ِف َر َل ُه َما َت َقدَّ َم مِ ْن َذ ْنبِ ِه َو َما َت َأ َّخ َر) ،وهل يمكن أن يفوق
أحد من هذه األمة رسول اهلل Hيف التقوى والصالح ،ولهذا قال
لهمَ ( :أ َما َواهَّللِ إِنِّي َلَ ْخ َشاك ُْم ل ِ َّل ِه َو َأ ْت َقاك ُْم َل ُه) ،فأرادوا بجهلهم أن يتجاوزوا
َمن أمرهم اهلل باإلقتداء به ،كما قال تعالى﴿ :ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ
63
64االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ﴾ [األحزاب ،]21:وخير
فقه لهذا الدين هو ما كان عليه أصحاب النبي Hالذين رضي اهلل
عنهم فيما كانوا عليه من العلم والعمل ،كما قال تعالى﴿ :ﱁ ﱂ
ﱃﱄﱅﱆ ﱇﱈﱉﱊﱋﱌﱍ
االحنراف الفكري
ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗ ﱘ ﱙ ﱚ﴾
[التوبة ،]100:فال سبيل لمجتمع قويم بدون وعي بالدين المستقيم على
الكتاب والسنة ،وعلى فهم سلف األمة وعلمائها الراسخين ،ومحاربة كل
األفكار المخالفة لما كانوا عليه ،قال ابن القيم( :ال يتصور حصول االستقامة
يف القول والعمل والحال إال بعد الثقة بصحة ما معه من العلم ،وأنه مقتبس
من مشكاة النبوة ،ومن لم يكن كذلك فال ثقة له وال استقامة)(.)1
وهذا يتطلب مراجعة شاملة لما ُيقدَّ م ،هل هو قائم على منهج سليم
وفقه صحيح أم ال؟ وال يتصور فهم سليم للدين إال إذا كان نابعًا من هدي
الكتاب والسنة ،وكان على هنج سلف هذه األمة الذين رضي اهلل عنهم
ورضوا عنه ،وللوصول إلى ذلك البد من تعلم القواعد األساسية التي
الم ْحكم ،والمتشابه الحقيقي
توصل للفهم السليم ،كقاعدة رد المتشابه إلى ُ
الذي ال سبيل إلى معرفته فالواجب على العبد اإليمان به ،وتفويض العلم
بكيفيته وكنهه ووقته إلى اهلل ،Dوال يخوض فيه ابتغاء تأويله؛ إذ الخوض
يف ذلك من أسباب الفتنة ،ويؤدي إلى الحيرة والضالل كما قال تعالى:
﴿ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ
والدراسة والتدبر إن كان أهالً ،أو سؤال العلماء الذين يب ّينون له ذلك ،قال ابن
القيم( :طريقة الصحابة والتابعين ،وأئمة الحديث كالشافعي ،واإلمام أحمد،
ومالك ،وأبي حنيفة ،وأبي يوسف والبخاري ،وإسحاق ..أهنم ير ُّدون المتشابه
فسر لهم المتشابه ويبينه لهم ،فتتفق
الم ْحكم ما ُي ِّ
الم ْحكم ،ويأخذون من ُ
إلى ُ
بعضها
الم ْحكم ،وتوافق النصوص بعضها بعضًا ،ويصدّ ق ُ
داللته مع داللة ُ
بعضا ،فإنَّها كلها من عند اهلل ،وما كان من عند اهلل فال اختالف فيه وال تناقض؛
وإنما االختالف والتناقض فيما كان من عند غيره)(.)1
أما الرد ،والتكذيب ،والتحريف فهو شأن أهل الزيغ والضالل كما جاء
عن معاذ بن جبل Iأنه قال( :يقرأ القرآن رجالن :فرجل له فيه هوى ونية
يفليه فلي الرأس ،يلتمس أن يجد فيه أمر ًا يخرج به إلى الناس ،أولئك شرار
أمتهم ،أولئك يعمي اهلل عليهم سبيل الهدى ،ورجل يقرأه ليس له فيه هوى وال
نية يفليه فلي الرأس ،فما تب ّين له عمل به ،وما اشتبه عليه وكله إلى اهلل ،ليتفقه ّن
فيه فقهًا ما فقهه قوم قط ،حتى لو أن أحدهم مكث عشرين سنة ليبعث ّن اهلل
له من يب ّين له اآلية التي أشكلت عليه ،أو يفهمه إياها من قِبل نفسه)( ،)2قال
65
66االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
ابن كثير( :فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه ،وح َّك َم ُم ْحكمه على متشاهبه
عنده فقد اهتدى ،ومن عكس انعكس)( ،)1وكقاعدة جماع الدين أال يعبد إال
اهلل وأن ال يعبد اهلل إال بما شرع ،وكقاعدة العربة بعموم اللفظ ال بخصوص
السبب ،ونحو ذلك مما ق ّعده علماء الفقه وأصوله.
االحنراف الفكري
ثالثاً :اإلعداد اخلاص للدعاة والعلماء للقيام بواجبهم
ينبغي إعداد العلماء والدعاة للقيام بواجبهم يف هداية الناس للطريق
المستقيم ،ورد األفكار المنحرفة ،ونشر نور النبوة بين الناس؛ ألنه كلما ّ
قل
نور النبوة وقع الشر ،وكثرت الفتن ،قال شيخ اإلسالم ابن تيمية( :فإذا انقطع
عن الناس نور النبوة وقعوا يف ظلمة الفتن ،وحدثت البدع والفجور ،ووقع
قل العلم ظهر الجفاء ،وإذا ق َّلت اآلثار
الشر بينهم ،وقال مالك بن أنس :إذا ّ
ظهرت األهواء)( ،)2فالخير الذي يحدث للناس يف حياهتم هو بقدْ ر معرفتهم
بنور اهلل ،وانتشاره بينهم ،واهتدائهم به ،وإال أصاهبم من الشقاء بقدْ ر تفريطهم
فيه ،قال تعالى﴿ :ﲭ ﲮ ﲯ ﲰﲱ ﲲ ﲳ ﲴﲵ ﲶ ﲷ
ﲸﲹ ﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄ ﳅ
ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ﴾ [طه ،]124-123:والبد
للعلماء والدعاة أن يكونوا مرجعًا لألمة فيما يشكل عليها من األدلة ،أو ما
يشتبه من أحوال الزمان وأزماته ،فإن سكوت العلماء وقادة الفكر عن إعطاء
الدواء المقنع الشايف لما تعاين منه األ ّمة من أزمات ،والفقه المرحلي يف التعامل
67
68االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
علمهم فيما دق من األمور ،قال النووي( :إنما يأمر وينهى من كان عالمًا بما
يأمر به وينهى عنه؛ وذلك يختلف باختالف الشيء ،فإن كان من الواجبات
الظاهرة ،والمحرمات المشهورة كالصالة والصيام ،والزنا والخمر ونحوها،
فكل المسلمين علماء هبا ،وإن كان من دقائق األفعال واألقوال ،وما يتعلق
االحنراف الفكري
باالجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه ،وال لهم إنكاره بل ذلك للعلماء)(،)1
يفرق بين ما ينبغي أن يتكلم فيه ،وما
فبعض الناس يتصدر للدعوة لكنه ال ّ
يسكت عنه ويدعه للعلماء ،فيقع بسبب ذلك يف المهالك ،فالبد للدولة
المسلمة من إنشاء مؤسسات ذات إعداد خاص لتأهيل العلماء الربانيين،
والعمل على إبرازهم لألمة لتنتفع بعلمهم ،وترجع إليهم فيما يشكل عليهم.
يجب أن ُيع ّلم الفرد المسلم لزوم جماعة المسلمين وإمامهم ،ومواالهتم،
وإدراك عاقبة الخروج عن جماعتهم ،وتشتيت أمرهم ،وزرع االختالف
والنزاع بينهمّ ،
فإن من األصول العظيمة التي أكدها اإلسالم وأمر هبا؛ التزام
الجماعة واالئتالف معهم ،وعدم االختالف والخروج عليهم ،ونقصد
تتوقف على االئتالف ما ال يمكن عدها ،من التعاون على الرب والتقوى ،كما
أن باالفرتاق والتعادي يختل نظامهم ،وتنقطع روابطهم ،ويصير كل واحد
يعمل ويسعى يف شهوة نفسه ولو أدى إلى الضرر العام)( ،)1وقال تعالى:
﴿ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ﴾ [األنعام،]159:
وقال تعالى﴿ :ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ
ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ﴾ [الروم ،]32-31:وقال تعالى:
�
﴿ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ ﲣ
ﲤ﴾ [آل عمران ،]105:وقال َ ( :Hع َل ْي ُك ْم بِا ْل َج َما َع ِة َوإِ َّياك ُْم
ِ ِ ِ ِ َوا ْل ُف ْر َقةَ ،فإِ َّن َّ
ان َم َع ا ْل َواحد َو ُه َو م ْن ال ْثنَ ْي ِن َأ ْب َعدُ َ ،م ْن َأ َرا َد ُب ْح ُب َ
وح َة الش ْي َط َ
ا ْل َجن َِّة َف ْل َي ْل َز ْم ا ْل َج َما َعةَ ،م ْن َس َّر ْت ُه َح َسنَ ُت ُه َو َسا َء ْت ُه َس ِّي َئ ُت ُه َف َذل ِ ُك ْم ا ْل ُم ْؤمِن)(،)2
الذئْب ا ْل َق ِ ِ
اص َيةَ)( ،)3وعن وقال َ ( :Hف َع َل ْي ُك ْم بِا ْل َج َما َعة َفإِن ََّما َي ْأك ُُل ِّ ُ
69
70االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
ِ
ب عرفجة بن شريح األشجعي قالَ :ر َأ ْي ُت النَّبِ َّي َ Hع َلى ا ْلمنْ َب ِر َي ْخ ُط ُ
َاتَ ،ف َم ْن َر َأ ْيت ُُمو ُه َف َار َق ا ْل َج َما َعةَ، ون َب ْع ِدي َهن ٌ
َات َو َهن ٌ َّاس َف َق َال( :إِ َّن ُه َس َي ُك ُ
الن َ
َان َفا ْق ُت ُلوهَ ،فإِ َّن يدَ اهَّللِ
َأ ْو ُي ِريدُ ُي َف ِّر ُق َأ ْم َر ُأ َّم ِة ُم َح َّم ٍد Hكَائِنًا َم ْن ك َ
َ ُ
فإن الشذوذ ان َم َع َم ْن َف َار َق ا ْل َج َما َع َة َي ْرك ُُض)(ّ ،)1 َع َلى ا ْل َج َما َع ِةَ ،فإِ َّن َّ
الش ْي َط َ
االحنراف الفكري
هو سبب الوقوع يف الفتن والمهالك ،ولهذا فالخوارج خرجوا عن الجماعة
فمرقوا يف هناية أمرهم عن الدين ،وشدّ د النبي Hعلى خطر مخالفة
الجماعة ،وأكد على أهمية البقاء يف الجماعة ،مع النصح للراعي والرعية،
وذلك ألن النّاس إذا تفرقوا فسدوا وهلكوا ،كما قال تعالى﴿ :ﱄ ﱅ
ﱆ ﱇ ﱈﱉ ﱊﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ﴾ [األنفال،]46:
وإذا اجتمعوا صلحوا ،وسعدوا ،وملكواّ ،
فإن الجماعة رحمة ،والفرقة
عذاب ،فعن أبي إدريس الخوالين أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول :ك َ
َان
الش ِّر َم َخا َف َةول َ Hع ْن ا ْل َخ ْي ِر َو ُكن ُْت َأ ْس َأ ُل ُه َع ْن َّ ون َر ُس َ َّاس َي ْس َأ ُل َ
الن ُ
ِِ ٍ ِ َأ ْن يدْ ِركَنِي َف ُق ْلت :يا رس َ ِ
ول اهَّلل إِنَّا ُكنَّا في َجاهل َّية َو َش ٍّرَ ،ف َجا َءنَا ُ
اهَّلل بِ َه َذا ا ْل َخ ْي ِر ُ َ َ ُ ُ
الش ِّر مِ ْن َف َه ْل َب ْعدَ َه َذا ا ْل َخ ْي ِر مِ ْن َش ٍّر؟ َقالَ ( :ن َع ْم)ُ ،ق ْل ُتَ :و َه ْل َب ْعدَ َذل ِ َك َّ
ون بِ َغ ْي ِر َهدْ يِي يه َد َخ ٌن)ُ ،ق ْل ُتَ :و َما َد َخنُ ُه؟ َق َالَ ( :ق ْو ٌم َي ْهدُ َ َخي ٍر؟ َق َالَ ( :نعم ،وفِ ِ
َ ْ َ ْ
ف مِن ُْه ْم َو ُتنْكِ ُر)ُ ،ق ْل ُتَ :ف َه ْل َب ْعدَ َذل ِ َك ا ْل َخ ْي ِر مِ ْن َش ٍّر؟ َق َالَ ( :ن َع ْم ُد َعا ٌة إِ َلى َت ْع ِر ُ
ول اهَّللِ ِص ْف ُه ْم َلنَا. اب َج َهن ََّم َم ْن َأ َجا َب ُه ْم إِ َل ْي َها َق َذ ُفو ُه فِ َيها)ُ ،ق ْل ُتَ :يا َر ُس َ َأ ْب َو ِ
ون بِ َأ ْل ِسنَتِنَاُ ،ق ْل ُتَ :ف َما َت ْأ ُم ُرنِي إِ ْن َأ ْد َركَنِي َذل ِ َك؟
َف َق َالُ :ه ْم مِ ْن ِج ْلدَ تِنَاَ ،و َي َت َك َّل ُم َ
((( أخرجه أحمد يف المسند ،حديث رقم ،)17579( :وأبو داود يف السنن ،حديث رقم:
( ،)4134والنسائي يف الكربى ،حديث رقم ،)3954( :وصححه األلباين يف صحيح سنن
النسائي ،حديث رقم.)4034( :
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 71
َق َالَ ( :ت ْل َز ُم َج َما َع َة ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن َوإِ َما َم ُه ْم)ُ ،ق ْل ُتَ :فإِ ْن َل ْم َي ُك ْن َل ُه ْم َج َما َع ٌة َوال
إِ َما ٌم؟ َق َالَ ( :فا ْعت َِز ْل تِ ْل َك ا ْل ِف َر َق ُك َّل َها َو َل ْو َأ ْن َت َع َّض بِ َأ ْص ِل َش َج َر ٍة َحتَّى ُيدْ ِرك َ
َك
ا ْل َم ْو ُت َو َأن َْت َع َلى َذلِك)( ،)1وال يجوز تكفير الحاكم المسلم والخروج عليه
بتأويالت لم يأذن اهلل بالخروج عليه بسببها كما جاء عن جنادة بن أبي أمية
االحنراف الفكري
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب المناقب ،باب عالمات النبوة ،حديث رقم،)3338( :
ومسلم يف كتاب اإلمارة ،باب وجوب مالزمة المسلمين عند ظهور الفتن ،حديث رقم:
(.)2434
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب الفتن ،باب قول النبي :Hسرتون ،حديث
رقم ،)6532( :ومسلم يف كتاب اإلمارة ،باب وجوب طاعة اإلمام يف غير معصية ،حديث
رقم.)3427( :
((( االستقامة (.)32/1
71
72االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
ان ا َّل ِذين فِي َأس َفلِها إِ َذا اس َت َقوا مِن ا ْلم ِ عالها َو َب ْع ُض ُه ْم َأ ْس َف َل َهاَ ،ف َك َ
اء ْ ْ ْ َ ْ َ َ َب ْع ُض ُه ْم َأ َ
َم ُّروا َع َلى َم ْن َف ْو َق ُه ْمَ ،ف َقا ُلواَ :ل ْو َأنَّا َخ َر ْقنَا فِي ن َِصيبِنَا َخ ْر ًقا َو َل ْم ن ُْؤ ِذ َم ْن َف ْو َقنَا،
يه ْم ن ََج ْوا َون ََج ْوا يعَ ،وإِ ْن َأ َخ ُذوا َع َلى َأ ْي ِد ِ ِ
ُوه ْم َو َما َأ َرا ُدوا َه َل ُكوا َجم ً َفإِ ْن َيت ُْرك ُ
َج ِمي ًعا)( ،)1فالبد أن نربي أفراد المجتمع على أن أمن الفرد ال ينفك عن أمن
االحنراف الفكري
الجماعة ،وأنه ال اجتماع من غير أمير مطاع فيهم ،ومن راجع وقائع التاريخ
وما يقع على الناس من مفاسد عظيمة بسبب هدمهم ألنظمة قائمة ولو كان
فيه قدْ ر كبير من الظلم ،يدرك اإلنسان حكمة الشرع يف تحريم الخروج على
الحاكم ولو كان ظالمًا ما لم يرى كفر ًا بواحًا ،حيث يفقد الناس بعد ذلك
األمن يف األرواح واألعراض واألموال ،ويفقدوا التعليم والعالج ،ويتعطل
اإلنتاج ،وتتحطم البنيات ..الخ.
من األصول العظيمة التي أكدها اإلسالم وأمر هبا مواالة كل من
هو مؤمن من أ ّمة محمد Hسواء كان ظالمًا لنفسه ،أو مقتصد ًا،
أو سابقًا بالخيرات ،وأن يعادي كل من عادى أ ّمة محمد ،H
وأن يعلم أن مواالة المؤمنين والرباءة من الكافرين واجب ،كما قال تعالى:
﴿ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗﲘ ﲙ
ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ﴾ [النساء ،]144 :وقال تعالى﴿ :ﱖ
�
ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞﱟ ﱠ
�
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب الشركة ،باب هل يقرع يف القسمة واالستهام فيه ،حديث
رقم.)2313( :
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 73
ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ﴾ [التوبة ،]23:فعلينا
أن نربي أبناءنا على مواالة المؤمنين سواء كانوا من أهله ،أو بلده ،أو مذهبه،
أو جماعته ،أو لونه ،أو لم يكونوا كذلك ،كما قال تعالى﴿ :ﱪ ﱫ ﱬ
ﱭﱮﱯﱰﱱﱲ ﱳﱴﱵﱶﱷ
االحنراف الفكري
((( أخرجه مسلم يف صحيحه ،كتاب الرب والصلة واآلداب ،باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم
وتعاضدهم ،حديث رقم.)4685( :
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب الصالة ،باب تشبيك األصابع يف المسجد وغيره ،حديث
رقم ،)459( :ومسلم يف كتاب الرب والصلة واآلداب ،باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم
وتعاضدهم ،حديث رقم.)4684( :
73
74االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
هبذا جعل اهلل عباده المؤمنين متوالين ال متعادين ،إخوة متحابين ال
متباغضين ،متناصرين ال متناحرين ،مرتاحمين متعاطفين ،أمرهم باالئتالف
االحنراف الفكري
وحرم عليهم كل ما يؤدي إلى يف ّ
كل حال ،وهناهم عن االفرتاق على الدوامّ ،
ذلك من الغيبة والنميمة ،والتحاسد والتباغض ونحو ذلك ،وال يجوز يف دين
اهلل أن يوالي اإلنسان طائفة ،ويبغض أخرى بالظن والهوى ال باإليمان والهدى،
فالخوارج ومن سار على درهبم يف ّ
كل زمان هم الذين يهدمون هذا األصل؛
ولذا يصل هبم الشيطان والهوى والجهل إلى ما أخرب به النبي H
ون َأ ْه َل ْالَو َث ِ
ان)، ون َأ ْه َل ْ ِ
ال ْسال ِم َو َيدَ ُع َ وهو الصادق المصدوق بأهنمَ ( :ي ْق ُت ُل َ
ْ
فهم أول فرقة كفرت المسلمين ،واستحلت دماءهم المعصومة مع أنه من
المقرر شرعًا :أن يشدد يف مسألة تكفير المسلم ،وأنه ال يجوز تكفير مسلم إال
بتوفر شروط وانتفاء موانع ،وال ينبغي لعوام الناس أن يتكلموا يف ذلك ،ولهذا
قال النبي َ ( :Hأيما ام ِر ٍئ َق َال ِلَ ِخ ِ
يه َيا كَافِ ُر َف َقدْ َبا َء بِ َها َأ َحدُ ُه َما، ُّ َ ْ
َان ك ََما َق َال َوإِال َر َج َع ْت َع َل ْي ِه)( ،)2قال الشوكاين( :اعلم أن الحكم على إِ ْن ك َ
الرجل المسلم بخروجه من دين اإلسالم ،ودخوله يف الكفر؛ ال ينبغي لمسلم
((( أخرجه مسلم يف صحيحه ،كتاب يف الرب والصلة واآلداب ،باب تحريم ظلم المسلم وخذله
واحتقاره ودمه ،حديث رقم.)4650( :
(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب األدب ،باب من ك ّفره أخاه بغير تأويل فهو كما قال،
حديث رقم ،)5639( :ومسلم يف كتاب اإليمان ،باب بيان حال من قال ألخيه المسلم يا
كافر ،حديث رقم.)92( :
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 75
يؤمن باهلل واليوم اآلخر أن يقدم عليه إال بربهان أوضح من شمس النهار)(،)1
واألصل يف دماء المسلمين ،وأموالهم ،وأعراضهم ،أهنا معصومة محرمة من
بعضهم على بعض ال تحل إال بإذن اهلل ورسوله ،كما قال النبي H
لما خطب يف حجة الوداع ،ففي حديث ابن عباس Lأن رسول اهلل
االحنراف الفكري
َّاس َأ ُّي َي ْو ٍم َه َذا؟) Hخطب الناس يوم النحر فقالَ ( :يا َأ ُّي َها الن ُ
َقا ُلواَ :ي ْو ٌم َح َرا ٌمَ ،ق َالَ ( :ف َأ ُّي َب َل ٍد َه َذا؟) َقا ُلواَ :ب َلدٌ َح َرا ٌمَ ،ق َالَ ( :ف َأ ُّي َش ْه ٍر
اض ُكم َع َل ْي ُك ْم َه َذا؟) َقا ُلواَ :ش ْه ٌر َح َرا ٌمَ ،قالَ ( :فإِ َّن ِد َما َءكُم َو َأ ْم َوا َل ُك ْم َو َأ ْع َر َ
َح ْر َم ِة َي ْومِ ُك ْم َه َذا ،فِي َب َل ِدك ُْم َه َذا ،فِي َش ْه ِرك ُْم َه َذاَ ،ف َأ َعا َد َها مِ َر ًاراُ ،ث َّم َح َرا ٌم ك ُ
اسَ :ف َو ا َّل ِذي َر َف َع َر ْأ َس ُه َف َق َال :ال َّل ُه َّم َه ْل َب َّل ْغ ُت ،ال َّل ُه َّم َه ْل َب َّل ْغ ُتَ ،ق َال ا ْب ُن َع َّب ٍ
ب ال َت ْر ِج ُعوا َب ْع ِدي ُك َّف ًارا ِ َن ْف ِسي بِي ِد ِه إِنَّها َلو ِصي ُته إِ َلى ُأمتِ ِه َف ْليبلِ ْغ َّ ِ
الشاهدُ ا ْل َغائ َ ُْ َّ َ َ َّ ُ َ
ض) (.)2 اب َب ْع ٍَي ْض ِر ُب َب ْع ُض ُك ْم ِر َق َ
هل يمكن لعاقل يريد اهلل والدار اآلخرة أن يتعدى على جماعة
المسلمين ،أو ينتهك حرمتهم بعد هذه األدلة بتأويالت وهمية باطلة ،فأغلب
الذي أصابنا ألننا نسينا هذه المعاين ،وأصبح من السهل أن يتعدى المسلم
على مال أخيه ،وعرضه ،ودمه ،أما إذا كان هذا األصل بارز ًا يف حياتنا فال
يمكن لهذه الدعوات المنحرفة أن تجد مجا ً
ال بيننا كما قال تعالى﴿ :ﱈ
ﱉﱊﱋﱌﱍﱎﱏ ﱐﱑﱒ
75
76االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
ﱓﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ﴾ [المائدة.]14:
االحنراف الفكري
ما حدث ،فإذا تع ّلم المؤمن َّ
أن أكرم الناس عند اهلل أتقاهم ،وأن زوال الدنيا
أهون عند اهلل من قتل نفس مؤمنة ،فال أظن أن هنالك من يتجرأ على دم مسلم
لمجرد ظن أو شبهة ،ولذا قال تعالى﴿ :ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ
ﱈ﴾ [النساء( ،]92:هذه الصيغة من صيغ االمتناع ،أي :يمتنع ويستحيل
أن يصدر من مؤمن قتل مؤمن ،أي :متعمد ًا ويف هذا اإلخبار بشدة تحريمه،
وأنه مناف لإليمان أشد منافاة ،وإنما يصدر ذلك إما من كافر ،أو فاسق قد
نقص إيمانه نقصًا عظيمًا ،ويخشى عليه ما هو أكرب من ذلك ،فإن اإليمان
األخوة اإليمانية
ّ الصحيح يمنع المؤمن من قتل أخيه الذي عقد اهلل بينه وبين
التي من مقتضاها محبته ومواالته ،وإزالة ما يعرض ألخيه من األذى وأي أذى
أشد من القتل)()1؛ ولذا قال تعالى يف اآلية التي تليها﴿ :ﲃ ﲄ ﲅ
ﲆﲇﲈﲉﲊﲋ ﲌﲍﲎﲏ
ﲐ ﲑ ﲒ﴾ [النساء ،]93:وقال َ ( :Hل َز َو ُال الدُّ ْن َيا َأ ْه َو ُن
ِ ()2 ِ ِ ِ
الح
الس َ عنْدَ اهَّلل م ْن َق ْت ِل َر ُج ٍل ُم ْسل ٍم) ،وقال َ ( :Hم ْن َح َم َل َع َل ْينَا ِّ
َف َل ْي َس مِنَّا)( ،)1وقال َ ( :Hل ْن َي َز َال ا ْل ُم ْؤمِ ُن فِي ُف ْس َح ٍة مِ ْن ِدين ِ ِه َما َل ْم
ب َد ًما َح َرا ًما)( ،)2قال ابن العربي( :ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق ِ
ُيص ْ
الصالح؟!)(.)3
التقي ّ
والوعيد يف ذلك ،فكيف بقتل اآلدمي؟! فكيف ّ
ج -تعليم منهج اإلسالم يف عالقة المسلم بغير المسلم:
االحنراف الفكري
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب الفتن ،باب قول النبي :Hمن حمل ،..حديث
رقم ،)6543( :ومسلم يف كتاب اإليمان ،باب قول النبي :Hمن حمل ،..حديث
رقم.)143( :
(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب الديات ،باب قوله تعالى﴿ :ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﴾،
حديث رقم.)6355( :
((( فتح الباري (.)234/ 12
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب الجزية ،باب إثم من قتل معاهد ًا بغير جرم ،حديث رقم:
(.)2930
77
78االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
ألن ذلك محبب لهم اإلسالم كما قال تعالى﴿ :ﱩ ﱪ ﱫ هذه الحالة؛ ّ
ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹﱺ ﱻ
ﱼ ﱽ ﱾ﴾ [الممتحنة ،]8:قال السعدي( :أي :ال ينهاكم اهلل عن
الرب والصلة ،والمكافأة بالمعروف ،والقسط للمشركين من أقارهبم وغيرهم،
حيث كانوا بحال لم ينصبوا لقتالكم يف الدين ،واإلخراج من دياركم ،فليس
عليكم جناح أن تصلوهم فإن صلتهم يف هذه الحالة ال محذور فيها وال
مفسدة)( ،)2فال ينبغي أن يفهم من اآليات التي تنهى عن مواالة الكافرين
جواز قتلهم ،وظلمهم ،واالعتداء عليهم ،إذا لم يكونوا محاربين لإلسالم
والمسلمين ،أما بغض الكافر عمومًا وعدم مودته ،كما قال تعالى﴿ :ﱁ ﱂ
ﱃﱄﱅﱆﱇﱈﱉ ﱊﱋﱌﱍﱎﱏ
ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ
�
ﱝ ﱞﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱨ ﱩ ﱪ
�
ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ﴾ [المجادلة،]22:
�
((( أخرجه مالك يف الموطأ ،كتاب المساقاة ،حديث رقم ،)1451( :وروى بعضه اإلمام أحمد
يف المسند ،حديث رقم ،)14425 ،4538( :وأبو داود يف السنن ،حديث رقم،)2963( :
وقال األلباين يف صحيح أبي داود :حسن صحيح ،حديث رقم.)2910( :
((( تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان (ص.)857 :
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 79
79
80االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
فهذه ق َيم ومفاهيم ينبغي أن تع ّلم وترفع حتى يظهر المجتمع المتسامح،
المتحاب ،المتعاون ،الذي يحمل رسالة اإلسالم الحق للناس يف األرض،
وتظهر األمة على الصورة التي يريدها اهلل ،ال التي يريدها األعداء لصد الناس
عن الدين الحق.
االحنراف الفكري
خامساً :تعليم التوسط يف األمور اليت هي منهج املسلم
الوسطية واالعتدال من أبرز مميزات اإلسالم وأهله عن غيرهم
من األديان ،وأبرز خصائص أهل السنة والجماعة عن غيرهم من فِرق
أهل اإلسالم ،وقد ع ّلمنا اهلل تعالى يف صالتنا أن نردد قوله ﴿ :ﱗ
ﱠ ﱡ ﱘﱙﱚﱛﱜ ﱝ ﱞ ﱟ
ﱢ ﱣ﴾ [الفاتحة ،]7-6:فصراط من أنعم اهلل عليهم وسط بين
من أنكر اإلله وقال :إن هي إال حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إال
الدهر؛ كما قال تعالى﴿ :ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ
ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ﴾ [الجاثية ،]24:وبين من عبد اهلل
وعبد غيره من بشر ومالئكة وجن وحجر وشمس وقمر ونحو ذلك ،فجاء
اإلسالم بعبادة اهلل وحده دون سواه.
ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ﴾ [األعراف.]157:
ووسط بين الذين شبهوا اهلل بخلقه ،وبين الذين نفوا صفات اهلل التي
أثبتها يف كتابه ونطق هبا النبي Hيف سنته ،بدون تمثيل وال تشبيه،
وال تعطيل وال تحريف وال إلحاد.
ووسط بين الذين ط ّلقوا الدنيا وصاروا رهبانًا يف األديِرة ،وبين الذين
آثروها على اآلخرة وباعوا آخرهتم بعرض من الدنيا قليل ،فجمع اإلسالم بين
عبودية اهلل والعمل لنيل الدار اآلخرة ،والسعي يف أرضه تعمير ًا وعمالً يحقق
رفعة الفرد والجماعة المسلمة ،وذلك َّ
ألن العمل إذا لم يصد عن ذكر اهلل فهو
من ذكر اهلل إذا اقرتن بالنية الصالحة ،وأن الذم الذي ورد يف الكتاب والسنة هو
فقط للدنيا المانعة من إرادة الدار اآلخرة ،أما مجرد ترك الدنيا فإنه ال حمد
فيه ،وليس ذلك يف كتاب اهلل(.)2
أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب أحاديث األنبياء ،باب قول اهلل تعالى ﴿ :ﱣ ﱤ ﱥ (( (
81
82االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
اهَّلل َو َر ُسو ُل ُه َأ ْع َل ُمَ ،فت ََر َك َي ِدي مِ ْن َي ِد ِهُ ،ث َّم َج َم َع َب ْي َن َيدَ ْي ِه َف َج َع َل ُي َص ِّو ُب ُه َما ُ
اصدً اَ ،ع َل ْي ُك ْم َهدْ ًيا اصدً اَ ،ع َلي ُكم َهدْ يا َق ِ وير َفعهما وي ُقولَ ( :ع َلي ُكم َهدْ يا َق ِ
ْ ْ ً ْ ْ ً َ َْ ُ ُ َ َ َ
(سدِّ ُدواَ ،و َق ِ ِ ِ
ار ُبواَ ،وا ْغدُ وا، َقاصدً اَ ،فإِ َّن ُه َم ْن ُي َشا َّد َه َذا الدِّ ي َن َي ْغل ْب ُه) ،وقالَ :
()1
وحواَ ،و َش ْي ٌء مِ ْن الدُّ ْل َج ِةَ ،وا ْل َق ْصدَ ا ْل َق ْصدَ َت ْب ُل ُغوا)( ،)2قال ابن حجر( :قال َو ُر ُ
ابن المنير :فِي َه َذا ا ْل َح ِديث َع َلم مِ ْن َأ ْعالم النُّ ُب َّوةَ ،ف َقدْ َر َأ ْينَا َو َر َأى النَّاس َق ْبلنَا َأ َّن
ك ُّل ُم َتنَ ِّطع فِي الدِّ ين َينْ َقطِعَ ،و َل ْي َس ا ْل ُم َراد َمنْع َط َلب األَك َْمل فِي ا ْل ِع َبا َدة َفإِ َّن ُه مِ ْن
ال ْف َراط ا ْل ُم َؤ ِّدي إِ َلى ا ْل َماللَ ،أ ْو ا ْل ُم َبا َل َغة فِي ال َّت َط ُّوع األُمور ا ْلم ْحمو َدة؛ َب ْل منْع ْ ِ
َ َ ُ ُ
ات ُي َص ِّلي ال َّل ْيل ا ْل ُم ْف ِضي إِ َلى َت ْرك ْالَ ْف َضلَ ،أ ْو إِ ْخ َراج ا ْل َف ْرض َع ْن َو ْقته ك ََم ْن َب َ
الص ْبح فِي ِ ِ ِ
ُك ّله َو ُي َغالب الن َّْوم إِ َلى َأ ْن َغ َل َب ْت ُه َع ْينَا ُه في آخر ال َّل ْيل َفنَا َم َع ْن َصالة ُّ
الش ْمس َف َخ َر َج ا ْل َج َما َعةَ ،أ ْو إِ َلى َأ ْن َخ َر َج ا ْل َو ْقت ا ْل ُم ْختَارَ ،أ ْو إِ َلى َأ ْن َط َل َع ْت َّ
الص َواب مِ ْن َغ ْير يضةَ ..ق ْولهَ ( :ف َسدِّ ُدوا)َ ،أ ْي :ألزموا َّ
السدَ اد َو ُه َو َّ َو ْقت ا ْل َف ِر َ
السدَ اد الت ََّو ُّسط فِي ا ْل َع َملَ ..و َق ْوله فِي ِر َوا َية
إِ ْف َراط َوال َت ْف ِريطَ ،ق َال َأ ْهل ال ُّل َغةَّ :
يهما َع َلى ْ ِ اِبن َأبِي ِذئْب( :ا ْل َقصد ،ا ْل َقصد) بِالنَّص ِ ِ
ال ْغ َراءَ ،وا ْل َق ْصدْ :الَ ْخذ بف ِ َ ْ ْ ْ ْ
((( رواه أحمد يف المسند ،حديث رقم ،)21975 ،21885 ،18950( :وقال ابن حجر يف الفتح:
حديث حسن.)359/11( ،
((( صحيح البخاري ،كتاب الرقاق ،باب القصد والمداومة على العمل ،حديث رقم.)5982( :
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 83
بِ ْالَ ْم ِر ْالَ ْو َسط)( ،)1ولهذا كان جماع التقوى الموازنة بين فعل المأمور وترك
المحظور ،وكانت الحياة االجتماعية للمسلم موازنة بين الخلطة والعزلة،
فاختيار المخالطة مطلقًا خطأ ألنّه ال بد للعبد من أوقات ينفرد فيها بنفسه يف
دعائه ،وذكره ،وصالته ،وتفكيره ،ومحاسبته ،وإصالح قلبه ،وما يختص به
االحنراف الفكري
ولما كان أصعب شيء يف تربية النفس تربيتها على االعتدال والوسطية،
وأن أكثر الناس بين غال وجاف؛ ولذا كانت مهمة األنبياء وأتباعهم شاقة،
ألهنم يحملون الناس على االستقامة والوسطية واالعتدال التي كثير ًا ما
تخالف هوى النفس ،لكنها محققة لسعادة الدارين؛ ولذا مدح اهلل هذه األمة
بقوله﴿ :ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ
ﱣ ﱤ ﱥ﴾ [البقرة ،]43:ألن الوسط صفة مدح وعدل ،وهنى
83
84االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
الغلو وعدم االعتدال على الفرد والجماعة كبيرة ،فهي تبعد الفرد عن الجماعة
والدين ،وهي مهددة لوحدة الجماعة وأمنها.
(( ( قال الزمخشري( :الوسع هو ما يسع اإلنسان وال يضيق عليه ،وال يحرج فيه ،أي ال يكلفها
إال ما يتسع فيه طوقه ،ويتيسر عليه دون مدى الطاقة والمجهود ..ألنه كان يف إمكان اإلنسان
وطاقته أن يصلي أكثر من الخمس ،ويصوم أكثر من شهر ،ويحج أكثر من حجة) ،الكشاف
(.)520/1
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 85
َ ( :Hي ِّس ُروا َوال ُت َع ِّس ُروا َو َب ِّش ُروا َوال ُتنَ ِّف ُروا)( ،)2وقال :H
ِ ِ ِ ِ
(إِ َّن َخ ْي َر دين ُك ْم َأ ْي َس ُر ُه ،إِ َّن َخ ْي َر دين ُك ْم َأ ْي َس ُر ُه) ،وقال ( :Hإِ َّن َ
اهَّلل ()3
َل ْم َي ْب َع ْثنِي ُم َعنِّتًا َوال ُم َت َعنِّتًا َو َلكِ ْن َب َع َثنِي ُم َع ِّل ًما ُم َي ِّس ًرا)( ،)4وقال :H
َّاس)( ،)5وعن َأ َبي ُه َر ْي َر َة يب مِ ْن الن ِ (ح ِّر َم َع َلى الن ِ
َّار ك ُُّل َه ِّي ٍن َل ِّي ٍن َس ْه ٍل َق ِر ٍ ُ
َّاسَ ،ق َال َل ُه ْم النَّبِ ُّي َ Iق َالَ :قام َأ ْعرابِي َفب َال فِي ا ْلمس ِ ِ
َاو َل ُه الن ُ
جدَ ،ف َتن َ َ ْ َ َ ٌّ َ
اءَ ،فإِن ََّمااءَ ،أو َذنُوبا مِن م ٍ ( :Hد ُعوه وه ِري ُقوا َع َلى بول ِ ِه سج ًل مِن م ٍ
ْ ً ْ َ ْ َ َْ َ ْ َ ُ َ َ
ُب ِع ْثت ُْم ُم َي ِّس ِري َن َو َل ْم ُت ْب َع ُثوا ُم َع ِّس ِري َن)( ،)6إلى غير ذلك من أدلة كثيرة؛ ولهذا كان
(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب اإليمان ،باب يسر الدين ،حديث رقم.)5982( :
يتخولهم،
ّ (( ( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب العلم ،باب ما كان النبي H
حديث رقم.)67( :
((( أخرجه أحمد يف المسند ،حديث رقم ،)15371( :والبخاري يف األدب المفرد ،حديث
رقم ،)341( :وحسنه األلباين يف صحيح األدب المفرد ،حديث رقم ،)260( :والسلسلة
الصحيحة ،حديث رقم.)1635( :
((( أخرجه مسلم يف صحيحه ،كتاب الطالق ،باب بيان أن تخيير امرأته ال يكون طالقًا ،حديث
رقم.)2703( :
((( أخرجه أحمد يف المسند ،حديث رقم )3742( :واللفظ له ،والرتمذي يف السنن ،حديث رقم:
( ،)2488وصححه األلباين يف صحيح الرتغيب ،حديث رقم.)1744( :
(( ( ينظر :القواعد الكلية والضوابط الفقهية يف الشريعة اإلسالمية ،للدكتور محمد عثمان بشير
(ص.)187 :
85
86االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
تقصد العسر يف التدين شيئًا مرفوضًا شرعًا ولو كان ذلك بنية التقرب إلى
ّ
اهلل ،ولذلك قال العلماء( :ما من مشقة إال وجعل اهلل فيها رخصة)( ،)1ومن هنا
أصلت قاعدة( :المشقة تجلب التيسير)( ،)2فشرعت رخصة التيمم عند عدم
ّ
وجود الماء ،وجمع الصالة وقصرها يف السفر ،وجمعها يف الحضر عند وجود
االحنراف الفكري
المشقة ،وكما شرع الحج والجهاد لمن استطاع إليهما سبيالً ،ولذا عندما
أراد بعض الصحابة أن يقوم ليله يف عبادة اهلل فال ينام ،وآخر يصوم هناره فال
يفطر ،وآخر ال يريد أن يتزوج النساء ،ورابع ال يستظل بظل ،وخامس ال يأكل
اللحم ،هناهم النبي Hعن ذلك لما يرتتب عليه من مشقة ومفسدة،
قال تعالى﴿ :ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ
ﱡﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ﴾
[األعراف ،]32:مب ّينًا لهم أن زهد اإلنسان ينبغي أن يكون فيما يضره،
أو يزهد فيما ال ينفعه ،أما الزهد يف النافع فجهل وضالل لم يشرعه اهلل( )3كما
است َِع ْن بِاهَّللِ َوال َت ْع َج ْز)(،)4 (اح ِر ْ
ص َع َلى َما َينْ َف ُع َكَ ،و ْ قال النبي ْ :H
وال ينبغي أن تفهم األدلة التي تحث على أخذ الدين بقوة والتمسك به على
أهنا تتعارض مع مبدأ اليسر ،أو تدل على التعسير ،كقوله تعالى ﴿ :ﱠ ﱡ
ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ﴾ [البقرة ،]63:وقوله:
((( انظر :األشباه والنظائر للسبكي ( ،)٤٩/١والمنثور يف القواعد الفقهية للزركشي (،)١٧٤/٣
واألشباه والنظائر البن نجيم (ص،)٦٥ :
((( مجموع الفتاوى (.)512 - 511 /10
((( المصدر السابق (.)512 - 511/10
((( أخرجه مسلم يف صحيحه ،كتاب القدَ ر ،باب يف األمر بالقوة وترك العجز ،حديث رقم:
(.)4816
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 87
وحتى ما هو مقدور عليه وفيه مشقة على بعضهم يف بعض األحوال ،جعل
فيه رخصة كالصوم للمريض والمسافر ،والحج لمن ال يستطيع إليه سبيال،
والجهاد لألعمى واألعرج والمريض ،وهنالك عبادات شرعها اهلل بقدْ ر
ميسر ،هنى العباد أن يأتوا منها يف باب النوافل ما هو فوق طاقتهم ،كالوصال
ّ
يف الصوم ،وقيام الليل كله ،يف العبادة ونحوها ،وهنالك أمور فيها مشقة
وعسر لم يشرعها لعباده ،والناس يفعلوهنا من باب التقرب وقد هنى عنها،
كرتك الزواج وأكل اللحم ،وترك الجلوس يف الظل ونحوه ،وهو نوع من
الضالل والتنطع ،وأمر اهلل عباده يف عبادته أن يرفقوا بأنفسهم ،فعن هشام بن
عروة عن أبيه عن عائشة Jقالت :كَان َْت ِعن ِْدي ا ْم َر َأ ٌة مِ ْن َبنِي َأ َس ٍد َفدَ َخ َل
ول اهَّللِ َ Hف َق َالَ ( :م ْن َه ِذ ِه؟) ُق ْل ُتُ :فال َن ُة ال َتنَا ُم بِال َّل ْيلَِ ،ف ُذكِ َر َع َلي َر ُس ُ
َّ
ِ ِ مِ ْن َصالت َهاَ ،ف َق َالَ ( :م ْه َع َل ْي ُك ْم َما ُتطي ُق َ
ِ ِ
اهَّلل ال َي َم ُّل َحتَّى ون م ْن ْالَ ْع َمال َفإِ َّن َ
َت َم ُّلوا)( ،)1فمن خالل معرفة يسر هذا الدين ،وااللتزام به ونشره بين الناس،
تعليم للعباد بفضل اهلل عليهم ،ألن تكليف النفس فوق طاقتها يؤدي إلى
االنقطاع عن العمل ،أو التقصير والخلل يف واجبات وحقوق أخرى ،أو ربما
(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب الجمعة ،باب ما يكره من التشديد يف العبادة ،حديث رقم:
( ،)1083ومسلم يف صالة المسافرين وقصرها ،باب أمر من نعس قي صالته أو استعجم عليه
القرآن ،حديث رقم.)1307( :
87
88االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
ترتب على ذلك فساد يف جوارحهم ،وأجسامهم كما قال النبي :H
( َفإِن ََّك إِ َذا َف َع ْل َت َذل ِ َك َه َج َم ْت َع ْين َُكَ ،ون َِف َه ْت َن ْف ُسك) ،قال الشاطبي( :فاعلم
أن الحرج مرفوع عن المكلف لوجهين؛ أحدهما :الخوف من االنقطاع من
الطريق ،وبغض العبادة ،وكراهة التكليف ،وينتظم تحت هذا المعنى الخوف
االحنراف الفكري
من إدخال الفساد عليه يف جسمه ،أو عقله ،أو ماله ،أو حاله ،والثاين :خوف
التقصير عند مزاحمة الوظائف المتعلقة بالعبد ،المختلفة األنواع؛ مثل قيامه
على أهله وولده ،إلى تكاليف أخرى تأيت يف الطريق ،فربما كان التوغل يف
بعض األعمال شاغال عنها ،وقاطعا بالمكلف دوهنا ،وربما أراد الحمل
للطرفين على المبالغة يف االستقصاء؛ فانقطع عنهما)(.)1
ولهذا َّ
فإن ما نشاهده عند بعض الناس من التشدد والغلو بقصد التقرب
إلى اهلل تعالى نوع من الخطأ والجهل ،ومظهر من مظاهر االنحراف الفكري،
وهذا مما أغضب النبي Hحينما بلغه ورآه عند بعض أصحابه،
وهنالك من الناس من يحملون أنفسهم على العزائم ،ويرفضون الرخص
ب إلى اهلل ،كما قال النبي بمقر ٍ
التي شرعها اهلل بقصد التقرب إلى اهلل ،وما ذلك ّ
ب َأ ْن ُت ْؤ َتى ُر َخ ُص ُه ك ََما َي ْك َر ُه َأ ْن ُت ْؤ َتى َم ْع ِص َي ُت ُه)()2؛ ِ
( :Hإِ َّن َ
اهَّلل ُيح ُّ
ألن الذي شرع العزيمة شرع لعباده الرخصة رحمة وفضالً على عباده ،فما
بال أقوام يرفضون فضل اهلل.
ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﲩ
ﲪ ﲫ ﲬ﴾ [البقرة ، ]208:قال السعدي( :هذا أمر للمؤمنين أن
يدخلوا ﴿ﲡ ﲢ ﲣ﴾ أي :يف جميع شرائع الدين ،وال يرتكوا منها
شيئًا ،وأن ال يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه ،إن وافق األمر المشروع هواه فعله،
وإن خالفه تركه؛ بل الواجب أن يكون الهوى تبعًا للدين ،وأن يفعل ما يقدر
عليه من أفعال الخير ،وما يعجز عنه يلتزمه وينويه فيدركه بنيته)( ،)1وقال
تعالى﴿ :ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ
ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ
ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ﴾ [البقرة ،]85:وقد تواردت األدلة الكثيرة من
السنة النبوية التي تدعو إلى الموازنة بين كافة الحقوق والواجبات ،ومن ذلك
آخى النَّبِي َ Hب ْي َن َس ْل َم َ
ان ما رواه عون بن أبي جحيفة عن أبيه قالَ :
ُّ
ان َأ َبا الدَّ ْر َد ِاء َف َر َأى ُأ َّم الدَّ ْر َد ِاء ُم َت َب ِّذ َلةًَ ،ف َق َال َل َهاَ :ما
َو َأبِي الدَّ ْر َد ِاءَ ،ف َز َار َس ْل َم ُ
اج ٌة فِي الدُّ ْن َياَ ،ف َجا َء َأ ُبو الدَّ ْر َد ِاء ِ
وك َأ ُبو الدَّ ْر َداء َل ْي َس َل ُه َح َ ُك؟ َقا َل ْتَ :أ ُخ َ َش ْأن ِ
َف َصن ََع َل ُه َط َعا ًما َف َق َال :ك ُْلَ ،ق َالَ :فإِنِّي َصائِ ٌمَ ،ق َالَ :ما َأنَا بِآكِ ٍل َحتَّى َت ْأك َُلَ ،ق َال:
ِ َف َأك ََلَ ،ف َل َّما ك َ
ب َي ُقو ُم َف َق َال: ب َأ ُبو الدَّ ْر َداء َي ُقو ُم َق َال :ن َْمَ ،فنَا َم ُث َّم َذ َه َ َان ال َّل ْي ُل َذ َه َ
89
90االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
َان مِن ِ
آخ ِر ال َّل ْي ِل َق َالَ :س ْل َم ُ
ان ُق ْم ْال َنَ ،ف َص َّل َياَ ،ف َق َال َل ُه َس ْل َم ُ
ان: ن َْمَ ،ف َل َّما ك َ ْ
إِ َّن لِرب َك َع َلي َك ح ًّقا ،ولِنَ ْف ِس َك َع َلي َك ح ًّقا ،و ِلَ ْهلِ َك َع َلي َك ح ًّقاَ ،ف َأ ْع ِ
ط ك َُّل ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ِّ
ِذي َح ٍّق َح َّق ُهَ ،ف َأ َتى النَّبِ َّي َ Hف َذك ََر َذل ِ َك َل ُهَ ،ف َق َال النَّبِ ُّي :H
(صدَ َق َس ْل َم ُ
ان) ،وعن أبي العباس قال :سمعت عبد اهلل بن عمرو L َ
االحنراف الفكري
قال لي النبي َ ( :Hأ َل ْم ُأ ْخ َب ْر َأن ََّك َت ُقو ُم ال َّل ْي َل َو َت ُصو ُم الن ََّهار؟) ُق ْل ُت:
إِنِّي َأ ْف َع ُل َذل ِ َكَ ،ق َالَ ( :فإِن ََّك إِ َذا َف َع ْل َت َذل ِ َك َه َج َم ْت َع ْين َُكَ ،ون َِف َه ْت َن ْف ُسك،
َوإِ َّن لِنَ ْف ِس َك َح ًّقاَ ،و ِلَ ْهلِ َك َح ًّقاَ ،ف ُص ْم َو َأ ْفطِ ْر َو ُق ْم َون َْم) ،قال ابن حجر يف
ِ ِ ِ ِ
(«وإِ َّن لنَ ْفسك َع َل ْيك َح ًّقا»َ ،أ ْيُ :ت ْعط َيها َما َت ْحتَاج إِ َل ْيه َض ُر َ
ورة الشرح قولهَ :
احة ا َّلتِي َي ُقوم بِ َها َبدَ نه
الر َ
الش ْرب َو َّ ان مِ ْن ْالَكْل َو ُّ ا ْلب َش ِرية مِما َأباحه اهَّلل ل ِ ْلِنْس ِ
َ َ َّ َّ َ َ ُ
عها َع َّما ِس َوى اهَّلل َت َعا َلى؛ ِ ِ
ون َأ ْع َون َع َلى ع َبا َدة َر ّبهَ ،وم ْن ُح ُقوق النَّ ْفس َق ْط َ ل ِ َي ُك َ
«و ِلَ ْهلِك َع َل ْيك َح ًّقا»َ ،أ ْيَ :تنْ ُظر ِ
َص بِال َّت َع ُّل َقات ا ْل َق ْلبِ َّيةَ ،ق ْولهَ :
ِ ِ
َلك َّن َذل َك َي ْخت ّ
الز ْو َجةَ ،أ ْو يما ال ُبدّ َل ُه ْم مِنْ ُه مِ ْن ُأ ُمور الدُّ ْن َيا َو ْال ِخ َرةَ ،وا ْل ُم َراد بِ ْالَ ْه ِل َّ ِ
َل ُه ْم ف َ
َأ َع ّم مِ ْن َذل ِ َك مِ َّم ْن َت ْل َزم ُه َن َف َقتهَ ..ق ْولهَ « :ف ُص ْم»َ ،أ ْيَ :فإِ َذا َع َر ْفت َذل ِ َك َف ُص ْم
يهَ ..أ َّن ْالَ ْو َلى فِي ا ْل ِع َبا َدة َت ْق ِديم َتارة و َأ ْفطِر َتارة لِتَجمع بين ا ْلمص َلح َتي ِن ،وفِ ِ
َ ْ َ ْ َ ْ َ َْ َ َ ْ َ
الز َيا َدة َع َلى َما ُطبِ َع َع َل ْي ِه َي َقع َل ُه
ف ِّ اج َبات َع َلى ا ْل َمنْدُ و َباتَ ،و َأ َّن َم ْن َت َك َّل َ ا ْل َو ِ
الز َمة ا ْل ِع َبا َدة ِلَ َّن ُه َ Hم َع يه ا ْل َح ّض َع َلى ُم َ ا ْل َخ َلل فِي ا ْل َغالِب .وفِ ِ
َ
ك ََر َاهته َل ُه الت َّْش ِديد َع َلى َن ْفسه َح َّض ُه َع َلى ِال ْقتِ َصاد ك ََأ َّن ُه َق َال َل ُهَ :وال َي ْمنَعك
وق َم ْن ُذكِ َر َأ ْن ُت َض ِّيع َح ّق ا ْل ِع َبا َدة َو َتت ُْرك ا ْل َمنْدُ وب ُج ْم َلةَ ،و َلكِ ْن اِ ْشتِ َغالك بِ ُح ُق ِ
نهما)( ،)1وعن عبد اهلل بن عمرو بن العاص قال :قال لي رسول اهلل ِ
ا ْج َم ْع َب ْي َ
َ ( :Hيا َع ْبدَ اهَّللِ َأ َل ْم ُأ ْخ َب ْر َأن ََّك َت ُصو ُم الن ََّه َار َو َت ُقو ُم ال َّل ْي َل؟) َف ُق ْل ُتَ :ب َلى
ول اهَّللَِ ،ق َالَ ( :فال َت ْف َع ْلُ ،ص ْم َو َأ ْفطِ ْرَ ،و ُق ْم َون َْمَ ،فإِ َّن ل ِ َج َس ِد َك َع َل ْي َك َح ًّقا،َيا َر ُس َ
َوإِ َّن ل ِ َع ْين ِ َك َع َل ْي َك َح ًّقاَ ،وإِ َّن ل ِ َز ْو ِج َك َع َل ْي َك َح ًّقاَ ،وإِ َّن ل ِ َز ْو ِر َك َع َل ْي َك َح ًّقاَ ،وإِ َّن
بِ َح ْسبِ َك َأ ْن َت ُصو َم ك َُّل َش ْه ٍر َثال َث َة َأ َّيا ٍم َفإِ َّن َل َك بِ ُك ِّل َح َسن ٍَة َع ْش َر َأ ْم َثال ِ َهاَ ،فإِ َّن
االحنراف الفكري
ول اهَّللِ إِنِّي َأ ِجدُ ُق َّوةًَ ،ق َالَ ( :ف ُص ْم ِص َيا َم َذل ِ َك ِص َيا ُم الدَّ ْه ِر ُك ِّل ِه)ُ ،ق ْل ُتَ :يا َر ُس َ
َان ِص َيا ُم َنبِ ِّي اهَّللِ َد ُاو َد َع َل ْي ِه
الس َلم َوال َت ِز ْد َع َل ْي ِه)ُ ،ق ْل ُتَ :و َما ك َ ِ ِ
َنبِ ِّي اهَّلل َد ُاو َد َع َل ْيه َّ
ول َب ْعدَ َما َكبِ َرَ :يا َل ْيتَنِي َقبِ ْل ُت ان َع ْبدُ اهَّللِ َي ُق ُ
ف الدَّ ْه ِر)َ ،ف َك َ السالمَ ،ق َال( :نِ ْص َ َّ
ُر ْخ َص َة النَّبِ ِّي ،)1( )Hوعن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج
النبي Hقالتَ :د َخ َل ْت َع َلي ُخ َو ْي َل ُة بِن ُْت َحكِ ِ
يم ْب ِن ُأ َم َّي َة ْب ِن َح ِ
ار َث َة َّ
ول ٍ
ان ْب ِن َم ْظ ُعون َقا َل ْتَ :ف َر َأى َر ُس ُ الس َل ِم َّيةُ؛ َوكَان َْت ِعنْدَ ُع ْث َم َ ص ُّ ْب ِن ْالَ ْو َق ِ
اهَّللِ َ Hب َذا َذ َة َه ْي َئتِ َها َف َق َال لِيَ ( :يا َعائِ َش ُة َما َأ َب َّذ َه ْي َئ َة ُخ َو ْي َلةَ)َ ،قا َل ْت:
ول اهَّللِ ا ْم َر َأ ٌة ال َز ْو َج َل َهاَ ،ي ُصو ُم الن ََّه َار َو َي ُقو ُم ال َّل ْي َل َف ِه َي ك ََم ْن َف ُق ْل ُتَ :يا َر ُس َ
ول اهَّلل H
ال زوج َلهاَ ،فتَركَت َن ْفسها و َأضاعتْهاَ ،قا َلتَ :فبع َث رس ُ ِ
ََ َ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ
ان َأ َر ْغ َب ًة َع ْن ُسنَّتِي؟ َق َالَ :ف َق َال: ان ب ِن م ْظع ٍ
ون َف َجا َء ُه َف َق َالَ ( :يا ُع ْث َم ُ إِ َلى ُع ْث َم َ ْ َ ُ
بَ ،ق َالَ ( :فإِنِّي َأنَا ُم َو ُأ َص ِّليَ ،و َأ ُصو ُم ِ ال واهَّللِ يا رس َ ِ
ول اهَّللَ ،و َلك ْن ُسنَّت ََك َأ ْط ُل ُ َ َ َ ُ
ان َفإِ َّن ِلَ ْهلِ َك َع َل ْي َك َح ًّقاَ ،وإِ َّن ل ِ َض ْي ِف َك ِ ِ
َو ُأ ْفط ُرَ ،و َأنْك ُح الن َِّسا َءَ ،فا َّت ِق َ
اهَّلل َيا ُع ْث َم ُ
َع َل ْي َك َح ًّقاَ ،وإِ َّن لِنَ ْف ِس َك َع َل ْي َك َح ًّقاَ ،ف ُص ْم َو َأ ْفطِ ْرَ ،و َص ِّل َون َْم)( ،)2فهذه األدلة
(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب الصوم ،باب حق الجسم من الصوم ،حديث رقم:
(.)1839
((( أخرجه أحمد يف المسند ،حديث رقم ،)25104( :وأبو داود يف السنن ،حديث رقم:
( ،)1162وصححه األلباين يف صحيح أبي داود ،حديث رقم.)1369( :
91
92االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
توضح أن العبادة التي يحبها اهلل هي التي يجمع فيها بين الواجبات ،ويؤدي
فيها اإلنسان ما يستطيع من المندوبات ،وال ينبغي أن يكون شيء من الحقوق
على حساب شيء ،وال واجب على حساب واجب ،وال ترك الحرام على
حساب التفريط يف فعل الواجبات ،والدين هو ما شرع اهلل بشموله ،ال تخ ّير
االحنراف الفكري
بعضه وترك بعضه ،وأغلب أصحاب التدين المنحرف إذا تتبعت أحوالهم
وفرطوا يف جوانب أخرى ،وال تجد عندهم تصور ًا
تجدهم غلوا يف جوانبّ ،
شموليًا لإلسالم فكر ًا وعمالً.
(( ( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب المناقب ،باب صفة النبي ،Hحديث رقم:
(.)3295
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 93
وحسنًا وعد ً
ال ونحوه ،فماذا بعد هذا؟! والعمل صالحًا ومحسنًا وصادقًا
ونحوه ،والفرد متواضعًا حليمًا كريمًا صابر ًا عد ً
ال ونحوه ،وباب األخالق
باب واسع؛ ولكن هنالك قيم أخالقية يف إبرازها والرتكيز عليها عالج
لالنحراف الفكري ،من ذلك:
االحنراف الفكري
93
94االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
4.4التثبت فيما يسمعه اإلنسان عن فرد ،أو جماعة ،حاكمًا،
أو محكومًا ،قال تعالى﴿ :ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ
ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ﴾ [الحجرات ،]6:وقد كان منهج
(ش َكا السلف التثبت يف األمور ،مثال ذلك ما جاء عن جابر بن سمرة قالَ :
ِ
َأ ْه ُل ا ْل ُكو َفة َس ْعدً ا إِ َلى ُع َم َر َ Iف َع َز َل ُه َو ْ
اس َت ْع َم َل َع َل ْي ِه ْم َع َّم ًارا َف َش َك ْوا َحتَّى
وناق إِ َّن َه ُؤ َل ِء َي ْز ُع ُم َ َذك َُروا َأ َّن ُه ال ُي ْح ِس ُن ُي َص ِّلي َف َأ ْر َس َل إِ َل ْي ِه َف َق َالَ :يا َأ َبا إِ ْس َح َ
اقَ :أ َّما َأنَا َواهَّللِ َفإِنِّي ُكن ُْت ُأ َص ِّلي بِ ِه ْم َصال َة َأن ََّك ال ُت ْح ِس ُن ُت َص ِّليَ ،ق َال َأ ُبو إِ ْس َح َ
ول اهَّللِ Hما َأ ْخ ِرم َعنْهاُ ،أص ِّلي صال َة ا ْل ِع َش ِ
اء َف َأ ْر ُكدُ فِي ْالُو َل َي ْي ِن رس ِ
َ ُ َ َ َ َ ُ
اقَ ،ف َأ ْر َس َل َم َع ُه َر ُج ًل اك ال َّظ ُّن بِ َك َيا َأ َبا إِ ْس َح َ ف فِي ْالُ ْخ َر َي ْي ِن َق َالَ :ذ َ َو ُأ ِخ ُّ
جدً ا إِ َّل َس َأ َل َعنْ ُه َأ ْو ِر َجاال إِ َلى ا ْل ُكو َف ِة َفس َأ َل َعنْ ُه َأ ْه َل ا ْل ُكو َف ِة َو َلم َيدَ ْع مس ِ
َ ْ ْ َ
س َف َقا َم َر ُج ٌل مِن ُْه ْم ُي َق ُال َل ُه ُأ َسا َم ُة جدً ا ل ِ َبنِي َع ْب ٍ
ُون م ْعرو ًفا َحتَّى َد َخ َل مس ِ
َ ْ َو ُي ْثن َ َ ُ
الس ِر َّي ِة َوال ِ
َان ال َيس ُير بِ َّ ْب ُن َقتَا َد َة ُي ْكنَى َأ َبا َس ْعدَ َة َق َالَ :أ َّما إِ ْذ ن ََشدْ َتنَا َفإِ َّن َس ْعدً ا ك َ
ي ْق ِسم بِالس ِوي ِة وال يع ِد ُل فِي ا ْل َق ِضي ِةَ ،ق َال سعدٌ َ :أما واهَّللِ ألَد ُعو َّن بِ ٍ
ثالث :ال َّل ُه َّم ْ َ َ ْ َ َ َّ َْ َ ُ َّ َّ
َاذ ًبا َقا َم ِر َيا ًء َو ُس ْم َع ًة َف َأطِ ْل ُع ْم َر ُهَ ،و َأطِ ْل َف ْق َر ُهَ ،و َع ِّر ْض ُه َان َعبدُ َك َه َذا ك ِ
إِ ْن ك َ ْ
ُون َأ َصا َبتْنِي َد ْع َو ُة َس ْع ٍدَ ،ق َال ولَ :ش ْي ٌخ َكبِ ٌير َم ْفت ٌ َان َب ْعدُ إِ َذا ُسئِ َل َي ُق ُ بِا ْل ِفت َِنَ ،وك َ
اج َبا ُه َع َلى َع ْينَ ْي ِه مِ ْن ا ْلكِ َب ِر َوإِ َّن ُه َل َي َت َع َّر ُض
كَ :ف َأنَا ر َأ ْي ُت ُه َب ْعدُ َقدْ س َق َط َح ِ
َ َ
َعبدُ ا ْلملِ ِ
ْ َ
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 95
ل ِ ْل َج َو ِاري فِي ال ُّط ُر ِق َي ْغ ِم ُز ُه َّن)( ،)1خاصة نحن يف زمن هتدم فيه الدول وهتزم
من خالل اإلعالم ،والناس يساقون إلى الفتن بوسائل وأساليب شتى ،وقد
قال ابن القيم( :كمال العبد وصالحه يتخلف عنه من أحد جهتين :إما أن
تكون طبيعة نفسه يابسة قاسية غير ل ّينة ،وال منقادة وال قابلة لما به كمالها
االحنراف الفكري
وفالحها ،وإما أن تكون ل ّينة منقادة سلسة القياد ،لكنها غير ثابتة على ذلك بل
سريعة االنتقال عنه ،كثيرة التقلب ،فمتى رزق العبد انقياد ًا للحق وثباتًا عليه،
فقد ّ
بشر بكل خير ،وذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء)(.)2
5.5تربية الفرد على العدل يف القول والفعل ،وتجنب الظلم بكل أنواعه
فال غش وال كذب ،وال غيبة وال نميمة ،وال سب وال طعن﴿ ،ﱘ ﱙ ﱚ
ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ
ﱟ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ
�
ﱨ﴾ [األنعام ،]152:قال تعالى﴿ :ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ
ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ﴾ [األحزاب.]58:
((( أخرجه البخاري يف صحيحه ،كتاب األذان ،باب وجوب القراءة لإلمام والمأموم يف الصالة،
حديث رقم.)713( :
((( مفتاح دار السعادة (ص.)205 :
95
96االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
الفكري الذي سببه الغلو ،فعندما قال له خالد يف رواية عمرَ :يا َر ُس َ
ص ِّلي) ،فاحتمل النبي H َأ ْض ِر ُب ُعنُ َق ُهَ ،ق َال( :الَ ،ل َع َّل ُه َأ ْن َي ُك َ
ون ُي َ
أذاه؛ ألنّه يف داخل جماعة المسلمين ،ولهذا حتى الخوارج عندما شرع
اإلسالم قتالهم شرعه إذا قاتلوا وخرجوا عن الجماعة( ،ولم يك ّفرهم علي
بن أبي طالب ،وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة ،بل جعلوهم
مسلمين مع قتالهم ،ولم يقاتلهم علي Iحتى سفكوا الدم الحرام،
وأغاروا على أموال المسلمين ،فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم ال ألهنم كفار،
سب حريمهم ،ولم يغنم أموالهم)( ،)1قال اإلمام النووي يف قوله ولهذا لم ُي ِ
َ ( :Hلئِ ْن َأ ْد َر ْكت ُُه ْم َلَ ْق ُت َلن َُّه ْم َقت َْل َث ُمو َد)( :هذا تصريح بوجوب قتال
الخوارج والبغاة وهو إجماع العلماء ،قال القاضي عياض :أجمع العلماء
على أن الخوارج وأشباههم من أهل البدع والبغي متى خرجوا على اإلمام،
وخالفوا رأي الجماعة ،وشقوا العصا ،وجب قتالهم بعد إنذارهم واالعتذار
إليهم ،قال اهلل تعالى﴿ :ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ﴾ [الحجرات،]9:
لكن ال يجهز على جريحهم ،وال يتبع منهزمهم ،وال يقتل أسيرهم ،وال
تباح أموالهم ،وما لم يخرجوا عن الطاعة ،وينتصبوا للحرب ال يقاتلون؛
المسلم وإن كان منحرفًا ،وال يك ّفر وإن ك ّفر غيره؛ ألن الكفر حكم شرعي
ال يطلق جزافًا ،وأن العمل على ردهم إلى الحق ينبغي أن يكون من أعظم
األولويات ،والبد أن يتولى عالجهم من هو مؤهل للعالج بعلمه الغزير،
وسيرته الحسنة ،واحتسب األجر يف ذلك عند اهلل ،وإن توسيع الظنون بالناس
وأخذهم بدون ب ّينات ،أو استخدام أساليب غير مشروعة ال يوصل لعالج؛
ألن الخير فيما شرعه اهلل ،وهو أعلم وأرحم بعباده من أنفسهم.
97
98االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 99
النتائج والتوصيات
االحنراف الفكري
2-2االنحراف الفكري الذي سببه الغلو والتشدد أمر قديم ،ال يصح
نسبته ألهل كتاب ،أو فرقة معينة ،وهو قد ظهرت بوادره حتى يف فجر اإلسالم،
والنبي Hأول من تصدى له ّ
وحذر منه ،ووضع المعالجات الكفيلة
بدحره ،فهديه يف المعالجة هو أكمل الهدى وأحسنه.
99
100االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
َّ 4-4
إن المعالجات الفكرية التي ال تنبع من هدي الكتاب والسنة ،وفهم
سلف هذه األمة ،ال تتعدى أن تكون مس ّكنات ،سرعان ما يتكرر معها الداء
وبصورة أشد ،واستقراء المعالجات وفق هدى القرآن ونور النبوة هو هدى
كاف ،ودواء ٍ
شاف بإذن اهلل ،كما البد أن يتم العالج على يد العلماء الربانيين، ٍ
االحنراف الفكري
والدعاة المصلحين ،وممثلي الدولة العقالء الصالحين ،على أن يلتزم
الحكم عليهم ،والتعامل معهم ،ويف طريقة مجادلتهم،
بضوابط الشرع يف ُ
والعمل الجاد إلصالحهم ،ومنع خطرهم على الفرد والجماعة.
ّ 5-5
إن األصل يف منهج اإلسالم االستقامة والوسطية ،واالعتدال
والتوازن ،والناس يف تمسكهم به إما مستقيم عليه؛ وهؤالء خيار الخ ْلق
مفرط يف حدوده، ٍ ٍ
وأحبهم إلى اهلل تعالى ،وإما غال متجاوز له ،أو جاف ّ
تقصد المشقة وكالهما منحرف وعاص؛ كما أن األصل يف الدين اليسرّ ،
وأن ّ
وحث عليهّ ،
وأن السالمة يف االستقامة على ّ يف التد ّين خالف لما شرع اهلل
التزام ما شرعه اهلل لعباده.
101
102االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
•غياب الوعي بحرمة المسلم يف دمه وماله وعرضه ،وحرمة الجماعة
المسلمة يف وحدهتا ومكتسباهتا ،مما تسبب يف ضعف روح االنتماء لألمة،
والوالء للمؤمنين.
•الجهل بحقوق غير المسلمين ،والواجب تجاههم.
•إهمال ق َيم األخالق يف الرتبية والتعليم التي يعرف من خاللها الفرد
مكانته ،وواجباته ،وحقوقه يف الحياة.
•التعامل غير الشرعي يف معالجة االنحراف الفكري ،أو االستعانة
بأناس مغضوب عليهم ،وترك االستعانة -بعد اهلل تعالى -بالعلماء الصالحين
لمواجهتهم.
9-9كما توصل الباحث من خالل البحث إلى ما يراه أفضل الطرق
لعالج االنحراف الفكري ،وذلك بتعليم المفاهيم الصحيحة عن اإلسالم من
خالل مناهج التعليم ،والربامج اإلعالمية ،والدعوية ،والتزام كل من يمارس
الرتبية يف البيت ،أو المسجد ،أو المؤسسات الخاصة بذلك ،وذلك من خالل
القيام بما يلي:
أ -إبراز أهمية لزوم الكتاب والسنة ،والتمسك هبما ،وعدم التقدم
عليهما ،والخروج عن حدودهما ،منهجًا للفرد والجماعة ،والحاكم
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 103
ب -نشر الفقه السليم للكتاب والسنة على فهم السلف الصالح ،على
يد العلماء الربانيين ،مع معرفة القواعد التي ق ّعدها العلماء للوصول لفهم
مستقيمَّ ،
فإن غياب الفهم السليم للدين من أعظم أسباب الفتن والباليا.
103
104االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
هـ -تعليم وسطية اإلسالم ومنهجه القائم على التوسط يف األمور كلها،
وأنه من أصول هذا الدين العظيم ،وهو أقوى عامل من عوامل الثبات على
االحنراف الفكري
الحق ونصرته.
و -إبراز سماحة اإلسالم ويسره ،وأن األصل يف التد ّين تغليب جانب
اليسر على العسر ،وأن تقصد العسر يف األمور وذلك من خالل الزيادة على
ما شرع اهلل ،أو تحريم ما أحل اهلل من الط ّيبات ونحوها ليس مما يحبه اهلل
ويرضاه ،وأنه لن يشا ّد الدين أحد إال غلبه.
105
106االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
فإن كثير ًا من الدول ال تربز إال أهل الغناء
يرجعون إليهم فيما يشكل عليهمَّ ،
والطرب ،والعبي الكرة ،وأصحاب األموال والجاه ،و ُتع ّلق هبم القلوب ،وال
ُتظهر أهل العلم والفضل يف المكانة التي تليق هبم.
فهرس املراجع
االحنراف الفكري
1.1القرآن الكريم.
2.2األدب المفرد ألبي عبد اهلل محمد بن إسماعيل بن إبراهيم
البخاري ،ط :مكتبة الحياة ،بيروت ،بدون تاريخ.
3.3االستقامة ،ألبي العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ،تحقيق:
د .محمد رشاد سالم ،ط :مؤسسة قرطبة ،األندلس ط :2بدون تاريخ.
4.4االعتصام ،ألبي إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشاطبي ،ط:
دار المعرفة ،بيروت ،بدون تاريخ.
5.5إعالم الموقعين عن رب العالمين ،ألبي عبد اهلل محمد بن أبي بكر،
ابن قيم الجوزية ،أبو عبيدة مشهور حسن آل سليمان ،ط :دار ابن الجوزي،
الدمام ،ط1973 :م.
6.6األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،ألبي العباس تقي الدين أحمد
بن عبد الحليم بن تيمية ،ط :وزارة الشؤون اإلسالمية واألوقاف والدعوة
واإلرشاد بالمملكة العربية السعودية ،ط1423 :1هـ.
7.7البحر المحيط يف التفسير ،ألبي حيان األندلسي ،محمد بن يوسف،
طبعة جديدة بعناية زهير جعيد ،ط :دار الفكر ،بيروت 1412 ،هـ 1992 -م.
8.8تذكرة السامع والمتكلم يف أدب العالم والمتعلم ،ألبي إسحاق
إبراهيم بن أبي الفضل سعد اهلل بن جماعة ،ط :دار الكتب العلمية ،بيروت،
بدون تاريخ.
107
108االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
السعدي ،تحقيق عبد الرحمن بن معال اللويحق ،ط :مؤسسة الرسالة بيروت،
ط1423 :1هـ 2002 -م.
1111جامع البيان عن تأويل آي القرآن ،ألبي جعفر محمد بن جرير
الطربي ،تحقيق :أحمد عبد الرزاق البكر ،ومحمد عادل محمد ،ومحمد عبد
اللطيف خلف ،ومحمود مرسي عبد الحميد ،ط :دار السالم ،القاهرة ،ط:1
1425هـ 2005-م.
1212جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي يف تحصيله ،لإلمام المحدث
أبي عمر يوسف بن عبد الرب ،ط :دار الكتب العلمية ،بيروت ،بدون تاريخ.
1313الجامع ألحكام القرآن ،ألبي عبد اهلل محمد بن أحمد األنصاري
القرطبي ،تحقيق محمد إبراهيم الحنفاوي ،ومحمود حامد عثمان ،ط :دار
الحديث ،القاهرة 1423هـ 2002 -م.
1414جذور الغلو ،لعبد الرحمن بن محمد علي الهريف ،ط :دار ابن
الجوزي ،بيروت ،ط1425 :1هـ.
1515حجة النبي ،Hلمحمد ناصر الدين األلباين ،ط :المكتب
اإلسالمي ،بيروت ،ط 1405 7هـ 1985-م.
1616حقيقة اإلرهاب ،لعبد اهلل بن محمد العمرو ،ط :وزارة الشؤون
اإلسالمية واألوقاف والدعوة واإلرشاد بالمملكة العربية السعودية ،ط:1
1425هـ.
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 109
بن على بن محمد الجوزي ،ط :المكتب اإلسالمي ،بيروت ،ط1407 :4
هـ 1987 -م.
1919سلسلة األحاديث الصحيحة وشيء من فقهها ،لمحمد ناصر الدين
األلباين ،ط :المكتب اإلسالمي ،دمشق1405 ،هـ.
2020سنن الدار مي ،لإلمام أبي عبد اهلل عبد الرحمن بن هبرام الدارمي،
ط :دار الكتاب العربي ،بيروت ،ط1987 :م.
2121سنن ابن ماجة ،ألبي عبد اهلل محمد بن يزيد القزويني ،ط :دار
إحياء الرتاث العربي ،بيروت ،ط1975 :م.
2222سنن أبي داود ،ألبي داود سليمان بن األشعث األزدي ،دار الكتب
العلمية ،بيروت ،بدون تاريخ.
2323سنن الرتمذي ،ألبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة ،دار الفكر،
بيروت ،ط1983 :م.
2424سنن النسائي ،للحافظ أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي
النسائي ،ط :دار البشائر اإلسالمية ،بيروت ،ط1986 :م.
2525السيل الجرار المتدفق على حدائق األزهار ،لمحمد بن علي
الشوكاين ،تحقيق محمد إبراهيم زايد ،ط :دار الكتب العلمية ،بيروت
1405هـ.
109
110االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
2727شعب اإليمان ،ألحمد بن الحسين البيهقي ،تحقيق :محمد السيد
بسيوين ،ط :دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط1421 :1هـ 2000 -م.
2828صحيح ابن حبان برتتيب ابن بلبان ،لعلي بن بلبان الفارسي ،حققه
وخرج أحاديثه وعلق عليه شعيب األرناؤوط ،ط :مؤسسة الرسالة ،بيروت،
ط1418 :3هـ 1997 -م.
2929صحيح األدب المفرد لإلمام البخاري ،لمحمد ناصر الدين
األلباين ،ط :دار الصديق ،الجبيل ،المملكة العربية السعودية ط1425 :2
هـ 2004 -م.
3030صحيح البخاري ،لإلمام أبي عبد اهلل محمد بن إسماعيل بن
إبراهيم ،دار القلم ،بيروت ،ط1978 :م.
3131صحيح الرتغيب والرتهيب ،لمحمد ناصر الدين األلباين ،ط:
مكتبة المعارف ،الرياض ،ط 1421 :1هـ 2000 -م.
3232صحيح الجامع الصغير وزيادته ،لمحمد ناصر الدين األلباين ،ط:
المكتب اإلسالمي ،بيروت ،ط 1408 :3هـ 1988-م.
3333صحيح سنن ابن ماجة ،لمحمد ناصر الدين األلباين ،ط :دار
المعارف ،الرياض ط 1417 :1هـ 1997-م.
3434صحيح سنن أبي داود ،لمحمد ناصر الدين األلباين ،ط :دار
المعارف ،الرياض ،ط 1421 :2هـ 2000-م.
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 111
111
112االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
الصبابطي ،ط :دار الحديث ،القاهر 1424هـ
الجوز َّية ،تحقيق عصام الدين ّ
2003-م.
4646الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه
التأويل ،لجار اهلل أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري ،تحقيق وتعليق
ودراسة الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ،والشيخ علي محمد معوض ،ط:
مكتبة العبيكان ،الرياض ،ط1418 :1هـ 1998 -م.
4747لسان العرب ،لمحمد بن مكرم بن منظور األفريقي ،ط :دار صادر،
بيروت ،ط :1بدون تاريخ.
4848مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر
الهيثمي ،بتحرير الحافظين :العراقي وابن حجر ،ط :دار الفكر ،بيروت ،ط:
1408هـ 1988-م.
4949مجموع فتاوى شيخ اإلسالم أحمد ابن تيمية ،جمع وترتيب عبد
الرحمن بن محمد بن القاسم ،طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف
الشريف يف المدينة المنورة ،ط 1416 :هـ 1995-م.
5050محاسن التأويل ،لمحمد جمال الدين القاسمي ،تحقيق محمد
فؤاد عبد الباقي ،ط :دار إحياء الرتاث العربي ،بيروت 1422هـ 2002-م.
الرازي،
5151مختار الصحاح ،لإلمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر ّ
ط :مكتبة لبنان ،بيروت ،ط1987 :م.
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 113
113
114االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
الشاطبي ،تحقيق :عبد المنعم إبراهيم ،ط :مكتبة نزار مصطفى الباز ،مكة،
ط 1418 :1هـ 1997-م.
6161الموطأ ،لإلمام مالك بن أنس األصبحي ،تحقيق :خليل مأمون
شيحا ،ط :دار المعرفة ،بيروت ،ط 1420 :2هـ 1999-م.
6262نحو ثقافة إسالمية أصيلة ،للدكتور سليمان عبد اهلل األشقر ،ط:
دار النفائس ،عمان ،ط 1423 :12هـ 2002-م.
الص َّلبي ،ط:
6363الوسطية يف القرآن الكريم ،للدكتور علي محمد َّ
مكتبة الصحابة ،اإلمارات الشارقة ،ط 1422 :1هـ 2001م.
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 115
فهرس املوضوعات
االحنراف الفكري
ملخص البحث5..........................................................
المقدمة 7.................................................................
أو ً
ال :دواعي البحث 7...............................................
ثانيًا :مشكلة البحث 11.............................................
ثالثًا :أسئلة البحث 12..............................................
رابعًا :أهداف البحث12............................................
خامسًا :حدود البحث 12..........................................
سادسًا :منهج البحث وأدواته13....................................
سابعًا :الدراسات السابقة 13.......................................
ثامنًا :مصطلحات الدراسة 16......................................
تاسعًا :هيكل البحث 19............................................
المبحث األول :مفهوم االنحراف الفكري 21..............................
المبحث الثاين :بداية االنحراف الفكري وتصدي النبي ﷺ له26................
المبحث الثالث :النهي عن االنحراف الفكري 28..........................
-١األمر بلزوم االستقامة وبيان عاقبتها28......................... :
-٢التحذير من تعدي حدود اهلل وبيان عاقبته29....................:
115
116االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري
المبحث الرابع :أسباب االنحراف الفكري 39..............................
أو ً
ال :العدول عن الكتاب والسنة كمصدرين للتشريع40.............
ثانيًا :غياب الفقه السليم والتصور الصحيح لإلسالم 41............
ثالثًا :إرادة الخير دون فقه صحيح ومعرفة بمداخل الشيطان 42.....
رابعًا :الجهل بوسطية اإلسالم ويسره وسماحته 43.................
خامسًا :األخذ الجزئي للدين وعدم الموازنة44.....................
سادسًا :الزهد يف العلماء الربانيين والطعن فيهم 45.................
سابعًا :التصدر لألمر بالمعروف والنهي عن المنكر 47.............
ثامنًا :القصور والتقصير يف الرتبية49................................
تاسعًا :غياب الوعي بعواقب االنحراف الفكري 50.................
عاشر ًا :غياب الوعي بحرمة المسلم وحرمة جماعتهم 50............
الحادي عشر :الجهل بحقوق غير المسلمين والواجب تجاههم 51.
الثاين عشر :إهمال ق َيم األخالق يف الرتبية 52........................
الثالث عشر :التعامل غير الشرعي يف معالجة المنحرف فكريًا53....
االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه 117
117
118االنحراف الفكري ..مفهومه -أسبابه -عالجه
االحنراف الفكري