You are on page 1of 32

‫التحذير‬

‫من التفرق والحزبية‬

‫إعداد‬
‫عثمان بن معلم محمود بن شيخ علي‬
‫وأحمد بن حاج محمد عثمان ( أحمد إمام )‬
‫تقديم‬
‫فضيلة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري‬

‫مركز أهل الحديث في الصومال‬


‫مقديشو‬

‫‪-2-‬‬
‫‪‬‬
‫حمم ٍد أفضل الرسل وخامت النبيني وعلى آله وصحبه‬ ‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم على َّ‬
‫ومن اهتدى هبديه إىل يوم الدين‪. ‬‬ ‫َ‬
‫فإن اهلل سبحانه وتعاىل أرسل رسوله ‪ ‬باهلدى ودين احلق ليخرج الناس من الظلمات‬ ‫وبعد‪َّ … ‬‬
‫إىل النور‪ ، ‬فقام بذلك أحسن قيام ‪ ،‬حىت أخرجهم من جور األديان إىل عدل اإلسالم‪ ، ‬واسرتاحت األُمـَّة‬
‫ِ‬
‫اإلنسانية بعد دهر طويل من التعب والعناء‪ ، ‬مُثَّ مشى خلفاؤه ‪ ‬على منهاجه حىت أُق َ‬
‫يمت احلُ َّجة‬
‫ت السبيل‪ ، ‬ومل يبق للناس بعد ذلك حجة على اهلل‪. ‬‬ ‫وبِّينَ ِ‬
‫َُ‬
‫طويل حىت انقلبت األمور‪ ، ‬وجاء على منصة احلكم رجال قاموا بأعمال‬ ‫دهر ٌ‬ ‫ولكن مل ميض على ذلك ٌ‬
‫ال ُت ْعَرف يف اإلسالم‪ ، ‬وبذلك اختلطت األمور‪ ، ‬وبقيت األمـَّة حائرة يف أمرها‪، ‬‬
‫صح األمـَّة‪ ، ‬وبيَّنوا هلا احلق من الباطل‪ ، ‬والعدل من اجلور‪ ، ‬وبذلك أصبح‬ ‫أن أهل العلم قاموا بنُ ْ‬ ‫إالَّ َّ‬
‫الطريق واضحاً وإن مل ميش عليه اجلائرون‪. ‬‬
‫احلكام املسلمون‬ ‫مُثَّ حصلت تقلبات يف العامل صرفت السياسة واحلكم إىل غري املسلمني‪ ، ‬وأصبح َّ‬
‫فصل هؤالء الكفار قضاياهم حسب عقليتهم وجتارهبم‪ ، ‬ومل يكن أمامهم سبيل غري‬ ‫أذناباً هلم‪ ، ‬وقد َّ‬
‫أن كثرياً مِم َّن ينتسب إىل العلم واملعرفة أصبح يهرول خلف‬ ‫َسف له كل حليم عاقل َّ‬ ‫ذلك‪ ، ‬ولكن مِم َّا يتَأ َّ‬
‫هؤالء الكفَّار‪ِ ، ‬من أصحاب النظريات اجلديدة‪ ، ‬وبدأ يطلب عالج األُمـَّة يف أفكارهم‪ ، ‬ويلقنها تلك‬
‫األفكار على أهَّن ا هي املطلوبة يف اإلسالم‪. ‬‬
‫وبذلك أصبحت األ َُّمة أمام قضايا وجتارب مل تعرفها طوال تارخيها املاضي الطويل‪ ، ‬ومن تلك‬
‫أن هذه القضية تستحق الدراسة املتأنية‬ ‫القضايا قضية األحزاب السياسية جبوانبها املعروفة‪ ، ‬وال شك َّ‬
‫الواعية جبميع أطرافها وزواياها‪ ، ‬حىت تتبني املفسدة من املصلحة‪ ، ‬ويُعرف احلكم الشرعي الذي تقتضيه‬
‫قواعد اإلسالم‪. ‬‬
‫أن أخانا الدكتور عثمان‪ ‬بن معلم حممود‪ ‬بن شيخ علي الصومايل املتخرج يف اجلامعة‬ ‫يسرين َّ‬ ‫مِم‬
‫و َّا ُّ‬
‫اإلسالمية باملدينة النبوية‪ ، ‬والشيخ أمحد‪ ‬بن حاج حممد‪ ‬بن عثمان الصومايل املتخرج يف جامعة أ ُّم القرى‬

‫‪-3-‬‬
‫والسنَّة‪، ‬‬
‫املهمة‪ ، ‬ودرساها يف ضوء نصوص الكتاب ُ‬ ‫مبكة املكرمة مبرحلة املاجستري‪ ، ‬تناوال هذه القضية َّ‬
‫ويف ضوء األمر الواقع‪ ، ‬دراسة هادئة مفيدة‪ ، ‬حىَّت وصال إىل نتيجة واضحة‪ . ‬فبارك اهلل يف جهودمها‪، ‬‬
‫ووفقهما للمزيد‪. ‬‬
‫برفق ٍ‬
‫وتأن‪ ، ‬وأن يزودوا األُمـَّة باملزيد إن كان عندهم ما‬ ‫واملرجو من أهل العلم أن يدرسوا حبثهما ٍ‬
‫يفيدون به‪ ، ‬وأن يلتزموا باحلياد واهلدوء حىَّت يستبني السبيل‪ ، ‬وأن يقولوا ما يرضي اهلل سبحانه وتعاىل‪، ‬‬
‫وينقذ األ َُّمة مِم َّا هي فيه‪ . ‬إنـَّه ويل التوفيق‪. ‬‬

‫صفي الرحمن المباركفوري‬


‫اجلامعة اإلسالمية‬
‫املدينة النبوية‬
‫‪25/1/1418‬هـ‬

‫‪-4-‬‬
‫مقدمة‪: -‬‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره‪ ، ‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا‪َ ، ‬من يهده‬ ‫َّ‬
‫هادي له‪ ، ‬وأَ ْش َه ُد أ ْن ال إله إالَّ اهلل وحده ال شريك له وأشهد َّ‬
‫أن‬ ‫مضل له‪ ، ‬ومن ي ْ ِ‬
‫ضلل فال َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫اهلل فال َّ‬
‫حممداً عبده ورسوله‪َّ . ‬أما بعد‪: ‬‬ ‫َّ‬
‫األعمال‪ ، ‬وهي وظيفة الرسل‬ ‫ِ‬ ‫اجلاهل‪ِ ، ‬من ِ‬
‫أفضل‬ ‫ِ‬ ‫وتعليم‬
‫َ‬
‫وإرشاد الض ِّ‬
‫َّال‪، ‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫فإن الدَّعوة إىل اهلل‪، ‬‬
‫ومن اقتدى هبداهم واقتفى آثارهم ِمن أُويل األفهام‪. ‬‬ ‫الكرام عليهم السالم َ‬
‫‪‬‬ ‫قال اهلل تعاىل‪: ‬‬
‫(‪. )1‬‬ ‫‪‬‬
‫‪. )2(‬‬ ‫وقال سبحانه‪ : ‬‬
‫‪‬‬ ‫وقال تعاىل خماطباً نبيه عليه السالم‪: ‬‬
‫(‪. )3‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫وقال سبحانه‪: ‬‬
‫(‪. )4‬‬ ‫‪‬‬
‫ومِم َّا يعني على احتساب األجر يف دعوة اخللق ويبعث اهلمم على احتمال الصعاب قول الرسول‬
‫لعلي‪ ‬بن أيب طالب ‪ t‬حني أعطاه الراية يوم خيرب ‪ (( :‬انفذ على رسلك وانزل بساحتهم ثُ َّم ادعهم‪ -‬إلى‬ ‫‪ّ r‬‬
‫اإلسالم ‪ ،‬فواهلل ألَن يهدي اهلل بك رجالً واحداً خير‪ -‬لك من‪ُ -‬ح ْمر‪ -‬النَّعم‪. )) ‬‬
‫صلَنا هذا اخلري الذي نَْن َع ُم به‪، ‬‬ ‫والصرب على أذاهم لَ َما َو َ‬
‫ولوال َمن يقيمه اهلل لدعوة الناس إىل احلق َّ‬
‫َف ْلنَ ْجتَ ِهد يف إيصال هذا النور ملن حيمل األمانـة بعدنا‪. ‬‬
‫وسنَّة رسوله ‪ r‬وما كان عليه السلف‪ ، ‬ال إىل النفس‬ ‫وجيب أن تكون الدَّعوة إىل اهلل وإىل كتابه ُ‬
‫مقررات احلزب وما افرتعته عقول البشر‪. ‬‬ ‫وال إىل ّ‬
‫السنَّة ضلَّت وأضلَّت‪. ‬‬ ‫تتوخ الصواب ولزوم ُ‬ ‫يبار ْك فيها‪ ، ‬وإن مَل ّ‬
‫فالدَّعوة إذا افتقدت اإلخالص مل َ‬
‫الناس إليه من أمر‪ -‬الدين نوعان‪: ‬‬ ‫وما‪ -‬يُ ْد َعى ُ‪-‬‬
‫الصالة وإيتاء‬ ‫والعامة‪ ، ‬كالدَّعوة إىل إفراد اهلل بالعبادة وإقام َّ‬ ‫َّ‬ ‫نوع ‪ :‬يشرتك يف معرفته وإدراكه العلماء‬
‫والزنا والربا وعقوق‬ ‫حق ّ‬ ‫احملرمات الظاهرة كقتل النفوس بغري ّ‬ ‫الزكاة وصوم رمضان‪ ، ‬واجتناب َّ‬
‫الوالدين‪ ، ‬فهذا النوع جيب أن يقوم به َمن حتصل هبم الكفاية من األمـَّة‪. ‬‬

‫() سـورة اجلمعة ‪ ،‬اآليـة ‪. 2 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫فصلت ‪ ،‬اآليـة ‪. 33 :‬‬‫() سـورة ّ‬


‫‪2‬‬

‫() سـورة النحـل ‪ ،‬اآليـة ‪. 125 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سـورة يوسف ‪ ،‬اآليـة ‪. 108 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪-5-‬‬
‫وأشباه ُهم‬
‫ُ‬ ‫والنوع الثاني خيتص به العلماء حلاجته إىل االستدالل والبصر باألدلة‪ ، ‬وإذا دخل فيه َّ‬
‫العامةُ‬
‫أفسدوا‪. ‬‬
‫وقد حدث يف شأن الدَّعوة يف العصور املتأخرة أمور أوجبت االختالف وبذرت الشقاق من أمهها‬
‫وقل االحتساب ‪ ،‬فتسمع‬ ‫تقدمي غري املتأهلني للدَّعوة واإلصالح ‪ ،‬فتمحورت الدَّعوة حول أشخاصهم ‪َّ ،‬‬
‫عبارات مثل ‪ :‬مكاسب الدَّعوة ‪ ،‬وإخفاقات الدَّعوة‪ ، ‬واملقصود أمور دنيوية من مال أو جاه ورئاسة‬
‫واحتالل مناصب إن ختلَّفت أو نو ِزعوا فيها استوجب األمر النفري للدفاع عن مكاسب الدَّعوة ‪-‬‬
‫وذل املسلمون‪. ‬‬
‫زعموا ‪ -‬مهما أصيبت الدَّعوة احلقة يف مقتل وتزعزع أمن الناس ّ‬
‫احلكام يف كث ٍري من األحكام قابلهم‬ ‫ومن تلك األمور اليت أوجبت االختالف أنـَّه ملا َّفرط كثريٌ من َّ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫أُناس من الدُّعاة جعلوا ُك ّل مهّهم مصارعتهم وانتزاع السلطان من أيديهم‪ ، ‬فخرجت الدَّعوة من أن‬
‫تكون عالجاً إهلياً ألدواء اجملتمع مبا فيهم احلُ َّكام إىل شيء آخر وهو تأليب احملكومني على احلُ َّكام حىَّت‬
‫أن املطلوب من الدَّاعية أن يعرض اإلسالم على نقائه وفطرته وأن يُطَ ِّهر‬ ‫فقدوا الثقة يف الدُّعاة‪ ، ‬مع َّ‬
‫يتحجج كاره اإلسالم بأنـَّه إمَّن ا يدفع عن سلطانه‬ ‫الظن به حىت ال َّ‬ ‫األجواء من ِّ‬
‫املعكرات وما جيلب سوء ّ‬
‫السلطة‪. ‬‬
‫عُشَّاق ُّ‬
‫ومن هذا األمر األخري جنم ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬نشوء األحزاب السياسية يف اإلسالم‪ ، ‬فهل هي ضرورية‬
‫وحفظه على أُصوله األوىل ؟ أم هي عبءٌ عليه ؟‬ ‫للدفاع عن اإلسالم ِ‬
‫فمست احلاجة إىل بيان مرتكزاهتا‪، ‬‬ ‫مُثَّ ظهر مصطلح احلزبية مراداً بـه َّ‬
‫الذ ّم وترامى الناس هبا َّ‬
‫وحكمها يف اإلسالم‪ ، ‬وهل جيوز إحداث احللف يف اإلسالم ؟ وهل تتسع مجاعة املسلمني الجتاهات‬
‫متباينة ‪ ،‬أو هي مجاعة واحدة ؟‬
‫وهذه األمور األربعة هي اليت تناولتها هذه الدراسة املتواضعة اليت بني يديك‪ ، ‬لك غنمها وعلينا‬
‫حمم ٍد‬
‫ك خرياً‪ ، ‬نسأل اهلل أن يرزقنا اإلخالص يف القول والعمل‪ ، ‬وصلَّى اهلل على نبينا َّ‬ ‫غرمها ومل نألُ َ‬
‫وآله وسلَّم‪ ، ‬وسبحانك اللَّ ُه َّم وحبمدك نشهد أن ال إله إالَّ أنت نستغفرك ونتوب إليك‪. ‬‬
‫المؤلِّفـان‬
‫عثمان بن معلّم محمود بن شيخ علي‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬

‫محمد بن عثمان ( أحمد إمام )‬


‫وأحمد بن حاج َّ‬
‫‪ ‬‬ ‫‪ ‬‬

‫في‪12/1/1418 -‬هـ في المدينة النبويـة‬

‫‪-6-‬‬
‫مسألة في مرتكزات‪ -‬الحزبية‪ -‬المعاصرة‪-‬‬
‫قد َتغُُّر احلركات اإلسالمية احلزبية املعاصرة بعض طلبة العلم بربيق ألويتها املرفوعة وإعالناهتا‬
‫الزمن وحيناً‬ ‫فخها املنصوب وشراكها املعقود‪ ، ‬فيعيش حتت لوائها وظلِّها ردحاً من َّ‬ ‫املنشورة ‪ ،‬فيقع يف ِّ‬
‫بأن هذه‬ ‫من الدَّهر‪ ، ‬فيلمس واقعها املرير‪ ، ‬ويطَّلِع على أحواهلا املؤملة عن كثب‪ ، ‬فيحصل له العلم َّ‬
‫احلركات ال ختلو من هذه احملذورات اآلتية اليت هي مبثابة تنقيح املناط يف احلكم على ٍ‬
‫مجاعة َّما بأهَّن ا‬
‫ُمتَ َحِّزبـة حَتَُّزباً مذموماً‪: ‬‬
‫أوالً‪ : ‬عقد الوالء والرباء على ما مل يعقده اهلل عليه من الكينونة داخل احلزب‪ ، ‬أو تأييده وإن مل ينتظم‬
‫فيه‪. ‬‬
‫جملرد كونه مسلماً‪ ، ‬ويزاد فيه حلسن إميانه وتقواه وصحة‬ ‫أن أصل الوالء يُ ْعطَى للمسلم َّ‬ ‫مع َّ‬
‫وتعصبه‬
‫َّخص إلخالله مبقتضيات اإلميان ُّ‬ ‫منهجه‪ ، ‬وحبسب علمه باحلق ونصرته له‪ ، ‬ويُ َع َادى الش ْ‬
‫للباطل وأهله(‪. )1‬‬
‫ُخ َّوة بني‬ ‫فاملؤمن أخو املؤمن يواليه وينصره وإن تناءت الديار واختلفت األجناس ‪ .‬فاإلسالم أقام األ ُ‬
‫ني‪ ، ‬وأحكمها حبيث ال حتتاج إىل ٍ‬
‫عماد من احلزبية‪. ‬‬ ‫أساس مت ٍ‬
‫املؤمنني على ٍ‬
‫‪‬‬ ‫قال اهلل تعاىل‪: ‬‬
‫(‪. )2‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ‬أي‪ : ‬ذكورهم وإناثهم‬ ‫السعدي يف تفسريها ‪ (( :‬‬ ‫قال العالَّمة ّ‬
‫‪ ‬وهو اسم جامع ل ُك ِّل ما‬ ‫يف احملبَّة واملواالة واالنتماء والنصرة ‪‬‬ ‫‪‬‬
‫وأول َمن يدخل يف أمرهم‬ ‫عرف حسنه من العقائد احلسنة واألعمال الصاحلة واألخالق الفاضلة ‪َّ ،‬‬
‫‪ ‬وهو ُكل ما خالف املعروف وناقضه من العقائد الباطلة واألعمال اخلبيثة‬ ‫أنفسهم ‪‬‬
‫‪ ‬أي‪ : ‬ال يزالون مالزمني لطاعة اهلل ورسوله على الدوام‬ ‫واألخالق الرذيلة ‪‬‬
‫‪ ‬أي‪ : ‬يدخلهم يف رمحته ويشملهم بإحسانه‪. )3()) ‬‬ ‫‪‬‬
‫قال صفي الرمحن املباركفوري‪ (( : ‬إذا قلنا بتكوين األحزاب السياسية يف اإلسالم ‪ ،‬فاحلزب َّإما‬
‫أن جيعل اإلسالم أساس الوالء والرباء أو جيعل أمراً آخر غريه‪ ، ‬فإ ْن َج َع َل اإلسالم هو األساس َّ‬
‫فإن‬
‫اإلسالم ال حيتاج إىل إقامة حزب آخر ‪ ،‬أو تنظيم مجاعة أخرى ‪ ،‬بل هو نفسه يكفي لذلك‪ ، ‬وإن جعل‬
‫فإن هذا األمر يف معظم أحواله ال خيلو من أن يكون من أُمور اجلاهلية‬ ‫أساسهما أمراً آخر غري اإلسالم َّ‬

‫() ينظر جمموع الفتاوى (‪. )11/512‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة التوبـة ‪ ،‬اآليـة ‪. 71 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنَّان ‪. 303‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪-7-‬‬
‫أن اإلسالم قد هنى عن الدَّعوة إليها‪ ، ‬وعن‬ ‫من العنصر والقبيلة واللغة والوطن وغريها ‪ ،‬ومعلوم َّ‬
‫االنضمام حتت لوائها‪ ، ‬روى مسلم عن أيب هريرة ‪ t‬قال‪ : ‬مسعت رسول اهلل ‪ r‬يقول‪َ  (( : ‬م ْ‪-‬ن‬
‫قَاتل تحت راية عمية‪ -‬يغضب لعصبية‪ -‬أو يدعو لعصبية‪ -‬أو ينصر‪ -‬عصبية‪ -‬فقتل فقتلة جاهلية‪)) -‬‬
‫َ‬
‫(‪. )1‬‬
‫وروى البخاري عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ : ‬قال رسول اهلل ‪ (( : r‬أبغض الناس إلى اهلل‬
‫ْحد في الحرم‪ ، ‬ومبت ٍغ في اإلسالم ُسنَّة‪ -‬الجاهلية‪ ، ‬ومطلب دم امرئ مسلم بغير‪ -‬حق‬ ‫ثالثة‪ : ‬مل ِ‬
‫ُ‬
‫ليهريق‪ -‬دمـه‪.  -‬‬
‫‪)2()) ‬‬

‫نلوث به اإلسالم‪. )3()) ‬‬
‫إذن فلندع هذا األساس املننت لألحزاب‪ ، ‬وال ِّ‬
‫ثانياً‪ : ‬أخذ البيعة ‪ -‬وهي العهد بالطاعة ‪ -‬للحزب أو لزعيمه بقصد الربط بني أفراد جمموعة احلزب‬
‫وإحكام تنظيمهم ليُنطلَق هبم إىل تنفيذ أهداف احلزب‪ ، ‬فاملسلمون ال خيلو حاهلم من أمرين‪: ‬‬
‫السنَّة‪ ، ‬فال جيوز إحداث بيعة‬ ‫ُّ‬
‫‪ - 1‬أن يكون هلم إمام ثبتت واليته بإحدى الطرق املعتربة عند أهل ُ‬
‫أخرى‪ ، ‬قال رسول اهلل ‪َ  (( : r‬من بايع إماماً‪ -‬فأعطاه‪ -‬صفقة‪ -‬يده وثمرة قلبه فليطعه‪ -‬إن‬
‫استطاع‪ ، -‬فإن جاء آخر ينازعه‪ -‬فاضربوا عنق اآلخر‪ . )) -‬وقال ‪ (( : r‬إذا بويع لخليفتين‪-‬‬
‫فاقتلوا اآلخر‪ -‬منهما‪. )4()) -‬‬
‫متحزبني فال يُتَّبع أحد هذه األحزاب يف الفرقة‪ ، ‬وال يُبابع أحد املتنافسني‬ ‫‪ - 2‬أن يكونوا متفرقني ِّ‬
‫من أهل الشوكة‪ ، ‬وهي احلال اليت سأل عنها حذيفة حني قال‪ : ‬فإن مَلْ يكن هلم مجاعة وال‬
‫النيب ‪ r‬بقوله‪ (( : ‬فاعتزل‪ -‬تلك الفرق كلها‪. )) -‬‬
‫إمام ؟ فأجابه ُّ‬
‫السبُل‪، ‬‬
‫وأما َمن ال شوكة هلم وال حيصل هبم مقصود اإلمارة من إنصاف املظلومني‪ ، ‬وتأمني ُّ‬ ‫َّ‬
‫وإقامـة احلدود‪ ، ‬وإيصال احلقوق والواليات إىل أهلها‪ ، ‬فهم أبعد من أن يُبَ َايعُوا‪. ‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪َّ (( :‬‬
‫إن النيب ‪ r‬أمر بطاعة األئمة املوجودين املعلومني الذين هلم سلطان‬
‫يقدرون بـه على سياسة الناس ‪ ،‬ال بطاعة معدوم وال جمهول ‪ ،‬وال َمن ليس له سلطان وال قدرة على شيء‬
‫َّيب ‪ r‬باالجتماع واالئتالف‪ ، ‬وهنى عن الفرقة واالختالف‪ ، ‬ومل يأمر بطاعة األئمة‬
‫أصالً ‪ .‬كما أمر الن ُّ‬
‫مطلقاً‪ ، ‬بل أمر بطاعتهم يف طاعة اهلل دون معصيته‪. )5()) ‬‬
‫أن الرسول ‪ r‬بايع الناس بيعات خمتلفة يف مناسبات متعدِّدة‪ ، ‬فنحن‬‫وبعضهم يقول ‪ :‬ما دام َّ‬
‫نقتدي بـه يف ذلك‪. ‬‬

‫() صحيح مسلم (‪ )128-2/127‬كتاب اإلمارة ‪ ،‬باب وجوب مالزمة مجاعة املسلمني ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() صحيح البخاري (‪ )2/1016‬كتاب الديات ‪ ،‬باب َمن طلب دم امرئ بغري حق ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() األحزاب السياسية يف اإلسالم ‪. 47-46‬‬ ‫‪3‬‬

‫() صحيح مسلم (‪. )2/128‬‬ ‫‪4‬‬

‫السنَّة النبوية (‪. )1/115‬‬


‫() منهاج ُ‬
‫‪5‬‬

‫‪-8-‬‬
‫أن الرسول ‪ r‬مل يفتح الباب على مصراعيه‪ ، ‬فأقر بيعة‬ ‫تأملوا األحاديث السالفة لتبنَّي هلم َّ‬
‫ولو َّ‬
‫اخللفاء وهنى عن منازعتهم‪. ‬‬
‫وعمل الصحابة يدل على أهَّن م استَْب َقوا بيعة اخللفاء فقط‪ ، ‬ورأوا ما عداها ِمن خصائص‬ ‫ُ‬
‫الرسول ‪. r‬‬
‫إن الرسول ‪ r‬كان يعمل بعض األعمال اليت يقول أهل العلم ‪ :‬إن االقتداء به فيها يقتصر‬ ‫مُثَّ َّ‬
‫على أويل األمر‪ ، ‬فما مقام احلِزيِب يف األُمـَّة حىَّت يسوغ لـه زعم أنـَّه ٍ‬
‫مقتد بالنَّيِب ِّ ‪ r‬يف فعله ؟!‪. ‬‬ ‫ْ ّ‬
‫إن اخللفاء الراشدين الذين قاموا مقامـه ‪ r‬يف سياسة األُمـَّة ‪ ،‬مل يُْن َقل عنهم ُّ‬
‫التوسع يف‬ ‫بل َّ‬
‫البيعات حىت البيعة على اإلسالم‪. ‬‬
‫يقول املعلِّمي ‪ (( :‬يف الصحيحني وغريمها عن عُبادة‪ ‬بن الصامت َّ‬
‫أن النَّيِب َّ ‪ r‬بايعهم على مثل بيعة‬
‫النساء‪ ، ‬وجاء مثله عن جرير‪ ‬بن عبد اهلل‪ ، ‬وعبد اهلل‪ ‬بن عمرو‪.‬‬
‫كأن املقصود هبا ‪ -‬واهلل أعلم ‪ -‬تفسري الشهادتني وتأكيدمها‪ . ‬ولذلك ‪ -‬واهلل أعلم ‪-‬‬ ‫وهذه املبايعة َّ‬
‫ومن بعدهم مبايعة َمن يُ ْسلِم مثل املبايعة املذكورة اكتفاءً بالشهادتني‪َّ ، ‬‬
‫وبأن معنامها‬ ‫ترك أئمة الصحابة َ‬
‫وما يتعلَّق بـه من التزام األمور املذكورة قد اشتهر بني الناس‪. )1()) ‬‬
‫ُسئِ َل الشيخ ابن باز ‪ :‬بعض الطُّالَّب السلفيني يقولون‪ : ‬البـَُّد أن جنتمع على عهد وعلى بيعة ألم ٍري‬
‫لنا وإن ُكنَّا على املنهج السلفي‪ ، ‬لسنا يف اجلماعات األُخرى ؟‬
‫فأجاب الشيخ بقوله‪ (( : ‬ما حيتاج بيعة وال شيء أبداً‪ ، ‬يكفيهم ما كفى األولني‪ . ‬األولون‬
‫طلبوا العلم وتعاملوا بالرب ِمن دون بيعة ألحد‪. )2()) ‬‬
‫أن هذه اجلماعات‬ ‫سؤال حول اجلماعات‪ (( : ‬أرى َّ‬ ‫جواب له عن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وقال الشيخ ابن عثيمني يف‬
‫ألن النَّاس ما‬‫اليت جاء يف السؤال أرى أن جتتمع على كلمة واحدة بدون مبايعة‪ ، ‬بدون معاهدة‪َّ ، ‬‬
‫ألن هذه املعاهدة واملبايعة إن كانت‬ ‫داموا حتت لواء دولة وحكم وسلطان ‪ ،‬فال معاهدة وال مبايعة ‪َّ ،‬‬
‫خمالفة للنظام السائد يف الدولة‪ ، ‬فهذا يعين اخلروج على الدولة واالنفراد مبا تعاهدوا عليه‪. ‬‬
‫وإن كانت تعين التساعد فيما يهدفون إليه فهذا ال حيتاج إىل بيعة ومعاهدة‪ ، ‬بل يكفي كل‬
‫واحد من الشباب أن يدرس على شيخ يثق بعلمه وأمانته ودينه ويتوجه بتوجيهاته دون أن يكون‬
‫هناك مبايعة ومعاهدة‪ ‬؛ كما كان أسالفنا‪. ‬‬
‫اإلمام أمحد رمحه اهلل إمام وله أصحاب ومل جير بينه وبينهم معاهدة وال مبايعة ‪ .‬اإلمام الشافعي‬
‫كذلك ‪ ،‬اإلمام مالك وأبو حنيفة وسفيان الثوري وغريهم من األئمة‪ ، ‬هل أحد منهم طلب من‬

‫() كتاب العبادة ‪ ،‬ص ‪ ، 11‬وهو خمطوط مل يُطْبَع بعد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫املكرمة يف السادس من ذي احلجة‬


‫مبكة َّ‬ ‫() من ٍ‬
‫شريط بعنوان (( أسئلة أيب احلسن للشيخني ابن باز وابن العثيمني ُس ِّجل َّ‬
‫))‬ ‫‪2‬‬

‫عام ‪ 1416‬هـ ‪.‬‬


‫‪-9-‬‬
‫تالميذه وأصحابه أن يبايعوا أو يعاهدوا على أم ٍر من األمور‪ ، ‬أبداً مل نسمع هبذا ومل نعلم وال‬
‫ميكن ملدَّع أن يدَّعيه‪ ، ‬فلماذا ال نكون مثلهم‪. ‬‬
‫والرخاء والحرب‪-‬‬ ‫إنَّا ال نعلم أحداً عاهد‪ -‬أو بايع شخصاً‪ّ -‬ما‪ -‬يكون‪ -‬تحت سيطرته‪ -‬في ال ّشدَّة َّ‬
‫والسلم إالَّ الخوارج الذين يخرجون‪ -‬على أئمة المسلمين ويحصل‪ -‬بخروجهم‪ -‬ما لم تحمد‬ ‫ّ‬
‫عقباه‪.  -‬‬
‫‪)1()) ‬‬

‫نسق بعضهم كالماً فيه العبارات اآلتية‪ : ‬اهلل ربنا‪، ‬‬ ‫ولنا عربة مبا وقع يف عهد التابعني لَ َّما َّ‬
‫ومن خالفنا كانت يدنا عليه ‪َ ،‬فعُ ِرض على‬ ‫ومن كان معنا ُكنَّا و ُكنَّا‪َ ، ‬‬ ‫وحممد نبينا‪ ، ‬والقرآن إمامنا‪َ ، ‬‬ ‫َّ‬
‫مطرف‪ ‬بن عبد اهلل‪ ‬بن‬ ‫َمن باجمللس يقال ل ُك ٍّل منهم‪ : ‬هل أقررت يا فالن ؟ فوافقوا على ذلك إالَّ ّ‬
‫علي عهداً يف كتابه فلن أحدث عهداً سوى‬ ‫إن اهلل قد أخذ َّ‬ ‫ِّخري‪ ، ‬فقيل له يف ذلك‪ ، ‬فقال‪َّ : ‬‬ ‫الش ِّ‬
‫مطرفاً ‪ -‬وكانوا زهاء‬ ‫علي‪ ، ‬فرجعوا ُكلُّهم عن اإلقرار ووافقوا التابعي اجلليل ّ‬ ‫العهد الذي أخذه َّ‬
‫ثالثني رجالً(‪. )2‬‬
‫وقول بعضهم‪ : ‬إنـَّه امتنع من العهد خللل يف صيغة العهد وملا فيها من التعصب قول ال طائل حتته ‪،‬‬
‫فإن صريح عبارته تعطي أنـه ينكر مبدأ إحداث العهد‪ ، ‬ولو كان خللل يف عباراته لطلب منهم‬ ‫َّ‬
‫إصالحه حىَّت يوافق عليه‪. ‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬تعاطي أحقية الوصول إىل السلطة وشرعية البحث عنها‪. ‬‬
‫فإ ْن كان احلاكم املسلم موجوداً فاحلزب يعارضه وينافسه مبا هتيّأ له من طريق دميقراطي أو ح ّد‬
‫سيف وسنان‪. ‬‬
‫وإن انفرط ِع ْق ُد األُمـَّة فلم يكن هلم سلطان أو كان كافراً ُك ْفراً بواحاً عندنا من اهلل فيه‬
‫اخلاصة‬
‫ويسوغ لنفسه البحث عن احلكم بأساليبه َّ‬ ‫احلل والعقد ّ‬ ‫فإن احلزب ينفرد عن أهل ّ‬ ‫برهان‪َّ ، ‬‬
‫ظ األوفر‪. ‬‬ ‫لتصفو له الغنائم أو يكون له فيها احل ّ‬
‫وقد حتدَّث اخلليفة الراشد عمر‪ ‬بن اخلطَّاب ‪ t‬عن الذين يستبدُّون باألمور عند شغور منصب‬
‫وحذر املسلمني منهم على م ٍإل من مجاعة الصحابة الذين شهدوا خطبته يف بلد‬
‫اإلمامة فأنكر فعلهم َّ‬
‫والسنَّة‪ ، ‬مدينة النَّيِب ِّ ‪. r‬‬
‫العلم ُ‬
‫فقد أسند البخاري عن عبد الرمحن‪ ‬بن عوف أنَّه قال البن عباس مبىن‪ : ‬لو رأيت رجالً أتى أمري‬
‫املؤمنني اليوم فقال‪ : ‬يا أمري املؤمنني هل لك يف فالن يقول‪ : ‬لو قد مات عمر لقد بايعت فالناً‪، ‬‬
‫ِّ‬
‫فمحذرهم هؤالء الذين يريدون أن‬ ‫فغضب عمر‪ ، ‬مُثَّ قال‪ (( : ‬إيّن إن شاء اهلل لقائم العشية يف النَّاس‬

‫() من الشريط السابق ‪ ،‬ومتَّ تسجيله بعد عشرة أيام من لقاء الشيخ ابن باز ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() حلية األولياء (‪ )2/204‬ومن طريقه الذهيب يف (( سري أعالم النبالء )) (‪. )4/192‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 10 -‬‬
‫أجل خطبته إىل مرجعه إىل املدينة‪ ، ‬فختم خطبته بقوله‪َ  (( : ‬من بايَ َع رجالً ِمن‬ ‫يغصبوهم أمورهم‪ . )) ‬مُثَّ َّ‬
‫غري مشورة من املسلمني فال يبايع هو وال الذي بايعه تَغَِّر ًة أن يُقتال‪. )1()) ‬‬
‫قال ابن حجر‪ (( : ‬أي‪ : ‬حذراً من القتل‪ ، ‬وهو مصدر من أغررته تغريراً أو تغرة‪ ، ‬واملعىن‪َّ : ‬‬
‫أن َمن‬
‫وعرضهما للقتل‪. )2()) ‬‬ ‫غرر بنفسه وبصاحبه َّ‬ ‫فعل ذلك فقد ّ‬
‫‪‬‬ ‫وشأن املسلمني التشاور بينهم يف أمورهم العظيمة‪ ، ‬قال تعاىل يف وصف املؤمنني‬
‫(‪. )3‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ‬الديين والدنيوي‬ ‫قال السعدي يف تفسريها‪ (( : ‬‬
‫‪ ‬أي‪ : ‬ال يستبد أحد منهم برأيه يف أم ٍر من األمور املشرتكة بينهم‪ ، ‬وهذا ال يكون إالَّ‬ ‫‪‬‬
‫وتوادهم وحتاببهم‪. ‬‬
‫فرعاً عن اجتماعهم وتوالفهم ّ‬
‫فمن كمال عقوهلم أهَّن م إذا أرادوا أمراً من األمور اليت حتتاج إىل إعمال الفكر والرأي فيها‬
‫اجتمعوا هلا وتشاوروا وحبثوا فيها حىَّت إذا تبيَّنت هلم املصلحة انتهزوها وبادروها‪ ، ‬وذلك كالرأي يف‬
‫الغزو واجلهاد وتولية املوظَّفني إلمار ٍة أو قضاء أو غريمها‪ . ‬وكالبحث يف املسائل الدينية(‪ )4‬عموماً‪ ، ‬فإهَّن ا‬
‫من األمور املشرتكة‪ ، ‬والبحث فيها لبيان الصواب مِم َّا حيبه اهلل‪ ، ‬وهو داخل يف هذه اآليـة‪. )5()) ‬‬
‫‪،)6(‬‬ ‫وبوب البخاري يف كتاب االعتصام من صحيحه باباً يف قول اهلل تعاىل ‪ :‬‬ ‫َّ‬
‫‪.  ‬‬
‫(‪)7‬‬
‫وقوله سبحانه ‪ :‬‬
‫وقال حتته ‪ (( :‬كانت األئمة بعد النيب ‪ ‬يستشريون األمناء من أهل العلم يف األمور املباحة ليأخذوا‬
‫بأسهلها ‪ ،‬فإذا وضح الكتاب أو السنة مل يتعدوه إىل غريه ))(‪. )8‬‬
‫الفنَت واالختالف وتساعد على انتظام‬ ‫إن الشورى تعصم من ِ‬ ‫وهذا ِمن عظيم فقهه رمحه اهلل حيث َّ‬
‫شئون اخللق‪. ‬‬

‫() صحيح البخاري (‪ )149-12/148‬رقم (‪ )6830‬مع الفتح ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فتح الباري (‪. )12/155‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سـورة الشورى ‪ ،‬اآليـة ‪. 38 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() عن ميمون بن مهران قال ‪ (( :‬كان أبو بكر الصديق ‪ ‬إذا ورد عليه أمر نظر يف كتاب اهلل ‪ ،‬فإن وجد فيه ما يقضي به‬ ‫‪4‬‬

‫قضى بينهم ‪ ،‬وإن علمه من سنة رسول اهلل ‪ ‬قضى به ‪ ،‬وإن مل يعلم خرج فسأل املسلمني عن السنة ‪ ،‬فإن أعياه ذلك‬
‫دعا رؤوس املسلمني وعلماءهم واستشارهم ‪ ،‬وأن عمر بن اخلطاب ‪ ‬كان يفعل ذلك ))‪.‬‬
‫أخرجه الدارمي يف مسنده (‪ ، )1/262‬والبيهقي يف السنن الكربى‬
‫(‪. )10/114‬‬
‫() تيسري الكرمي الرمحن (‪. )706‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سـورة الشورى ‪ ،‬اآليـة ‪. 38 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() سـورة آل عمران ‪ ،‬اآليـة ‪. 159 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫() فتح الباري (‪. )13/339‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪- 11 -‬‬
‫العامة مفتوح ل ُك ِّل أحد‪ ، ‬بل هو خاص بالعلماء واألمراء مع‬ ‫أن التشاور يف األمور َّ‬ ‫وال يظنَّن ظا ّن َّ‬
‫العامة‪. ‬‬
‫يتم األمر بدوهنم من ُم َقدَّمي َّ‬ ‫استطابة نفوس َمن ال ُّ‬
‫وقد هنى النَّيِب ُّ ‪ r‬عن طلب اإلمارة‪ ، ‬فعن عبد الرمحن‪ ‬بن مسرة قال‪ : ‬قال يل رسول اهلل ‪ (( : r‬يا‬
‫ْت إليها‪ ، ‬وإن أُ ْع ِط َيت َها‪َ -‬ع ْن‬‫عبد الرحمن‪ ‬بن سمرة‪ ! -‬ال تسأل اإلمارة‪ ، ‬فإن‪ -‬أُ ْع ِط َيت َها‪ -‬عن مسألة ُوكِل َ‬
‫ت عليها‪. )1()) ‬‬ ‫غَْي ِ‪-‬ر ِم ْسأَل ٍَة أ ُِع ْن َ‬
‫وعن أيب موسى األشعري قال‪ : ‬دخلت على النَّيِب ِّ ‪ r‬أنا ورجالن من قومي‪ ، ‬فقال أحد الرجلني‪: ‬‬
‫ِّأمرنا يا رسول اهلل‪ ، ‬وقال اآلخر مثله‪ ، ‬فقال‪ (( : ‬إنَّا ال ُن َولِّي هذا َمن سأله وال َمن‪ -‬حرص عليه‪. )2()) ‬‬
‫ِ‬
‫يحت‬ ‫واستُبِ َ‬
‫أن احلرص على الوالية هو السبب يف اقتتال النَّاس عليها حىَّت ُسف َكت الدِّماء ْ‬ ‫ذكر املهلَّب َّ‬
‫وعظُ َم الفساد يف األرض بذلك(‪. )3‬‬ ‫األموال واألعراض‪َ ، ‬‬
‫‪‬‬ ‫ونيب اهلل يوسف عليه السالم مل يطلب الوالية ابتداءً‪ ، ‬لكن ملا قال له امللِك‬ ‫ُّ‬
‫َّ‬
‫‪‬‬ ‫يؤمل منه نفع عموم اخللق فقال‪: ‬‬ ‫فمكنه من أرضه وائتمنه على أسراره‪ ، ‬بنَّي له ما ّ‬ ‫‪َّ 4( ‬‬ ‫)‬

‫عليم‪ . ‬مُثَّ هو نيب‬ ‫ظ ٌ‬ ‫(‪ ،)5‬فحدَّد العمل وبنَّي السبب‪ ، ‬وهو أنـَّه حفي ٌ‬ ‫‪‬‬
‫ُّه َمة‪. ‬‬
‫وحى إليه فهو أبعد من الت ْ‬ ‫يُ َ‬
‫ف عليها فإنَّه ال ينجو‪ ، ‬ولذلك جاء يف إحدى روايات‬ ‫فَ َمن مَلْ يتَّ ِهم نفسه يف هذه األُمور وخَيَ ْ‬
‫أخونَ ُكم عندي َمن يطْلُبُهُ‪ .)6()) ‬فحكم على طالب اإلمارة‬ ‫إن َ‬ ‫حديث أيب موسى السابق قوله ‪َّ  (( : r‬‬
‫باخليانة‪ ، ‬وذكر يف احلديث اآلخر أنـَّه يوكل إليها‪. ‬‬
‫فإن قيامها غري شرعي لضرره احملقَّق جلماعة املسلمني‬ ‫فمىت ُو ِج َدت احملاذير السابقة يف مجاعة واحدة َّ‬
‫إن عاجالً أو آجالً‪. ‬‬
‫فإن تعاديها وختاصمها والتنافس بينها على الدنيا يكون‬ ‫فكيف إذا تعدَّدت اجلماعات بذلك الوصف ‪َّ ،‬‬
‫شديداً‪ ، ‬والثمرة اجملنية تكون ُمَّرة كالعلقم‪ ، ‬فحرمة قيامها تكون أظهر‪. ‬‬
‫متسك باإلسالم على أصوله األوىل ونأى بنفسه عن حمدثات األمور‪ ، ‬ومل يفتئت على‬ ‫وأمـَّا َمن َّ‬
‫حقوق مجاعة املسلمني بإحداث بيعة أو حلف أو والء وبراء يف غري حملّه أو استبداد بأمر إمارهتم‪َّ ، ‬‬
‫فإن‬
‫احلق ونفع املسلمني أمر حسن مجيل‬ ‫ما يفعله من التعاون مع أهل احلق على الرب والتقوى ونصرة دعوة ّ‬
‫وليس من احلزبية يف شيء الختالف الوسائل والغايات‪. ‬‬

‫() صحيح البخاري (‪ ، )7146‬وصحيح مسلم (‪. )2/120‬‬ ‫‪1‬‬

‫() صحيح البخاري (‪. )7149‬‬ ‫‪2‬‬

‫() فتح الباري (‪. )13/126‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سـورة يوسف ‪ ،‬اآليـة ‪. 54 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سـورة يوسف ‪ ،‬اآليـة ‪. 55 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() املسند لإلمام أمحد (‪. )4/393‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪- 12 -‬‬
‫مسألة في حكم الحزبية‪ -‬المعاصرة‪-‬‬
‫بادئ ذي بدء حيسن ذكر مفاسد احلزبية زياد ًة على ما مضى يف مبحث مرتكزات احلزبية‪ ، ‬مُثَّ نثيِّن‬
‫بإيراد أقوال العلماء يف املسألة‪. ‬‬
‫فقد عُ ِرف من مسات الفرق القدمية أهَّن م جيتمعون على عقائد فاسدة وأعمال بدعية َّ‬
‫يتعصبُو َن هلا‬
‫أقل جلرمه أالَّ يدعو اخللق‬ ‫ألن الواقع يف الباطل يكون ّ‬ ‫ويوالون ويعادون عليها‪،‬وهذا زيادة يف إمثهم‪َّ ، ‬‬
‫إليه‪ ، ‬وأالَّ يوايل ويعادي عليه‪، ‬كحال الكافر إذا كان مِم َّن يصد عن سبيل اهلل فإنـَّه يكون أشد إمثاً مِم َّن‬
‫يقتصر على كفره وال يزيد عليه‪. ‬‬
‫َف َهل سلمت احلزبيات املعاصرة من استلهام عقائد الفرق الضالَّة ؟ واجلواب أنَّك واجد فيها َمن‬
‫أسس منهاجه على مذهب الصوفية‪ ، ‬ومنهم َمن اعتمد على منهج األشاعرة‪ ، ‬ومنهم َمن قدَّم العقل‬ ‫َّ‬
‫وحترر من إمجاع السلف‪ ، ‬ومنهم َمن مل ميانع يف توحيد املعرفة واإلثبات وتوحيد القصد‬ ‫على النقل َّ‬
‫واإلرادة إالَّ أنـَّه وافق اخلوارج واملعتزلة يف بعض مسائل األمساء واألحكام فكفَّر مرتكب الكبرية على‬
‫واستحل دماء أهل القبلة َّإما مطلقاً أو مقيّداً خمالفني‬ ‫َّ‬ ‫اإلطالق‪ ، ‬أو فيما يتعلَّق مبسألة احلكم والتحاكم‪، ‬‬
‫السنَّة اجملتهدون يف هذا‬ ‫والسنَّة وما أمجع عليه سلف األُمـَّة ومشى عليه أئمة ُ‬
‫تقرر يف الكتاب ُ‬ ‫بذلك ما َّ‬
‫العصر‪. ‬‬
‫والسنَّة ‪ ،‬وهذا من عالمات أهل البدع‪. ‬‬ ‫َّ‬ ‫كما َّ‬
‫أن احلزبيات املعاصرة مل تسلم من الطعن يف أهل احلديث ُ‬
‫فإلى بعض مفاسد األحزاب‪: ‬‬
‫أوالً‪ (( : ‬الفرقة يف اإلسالم ال تكون إالَّ على أساس االختالف يف الكتاب‪ ، ‬ونتيجتها مَتَُّزق األُمـَّة إىل‬
‫‪‬‬ ‫أحزاب‪ ، ‬قال اهلل تعاىل‪: ‬‬
‫(‪. )2()) )1‬‬ ‫‪‬‬
‫ثانياً‪ : ‬قوهلم‪ : ‬ال عمل لإلسالم إالَّ حبزب‪ ، ‬إذاً فإىل أي حزب ينتمي الداعية ؟ أم يطلبون من املسلم أن‬
‫احلرية يف االنتماء إىل ما شاء من األحزاب‬ ‫مفرقاً لكلمة املسلمني‪ ، ‬وأن تكون له ِّ‬ ‫متحزباً ِّ‬
‫يكون ِّ‬
‫‪‬‬ ‫حىَّت يكونوا سواء يف املالمة واملؤاخذة كما كان يقول قوم لوط عن املؤمنني ‪:‬‬
‫(‪. )3‬‬ ‫‪‬‬

‫() سـورة البقرة ‪ ،‬اآليـة ‪. 176 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() حكم االنتماء للشيخ بكر أيب زيد (‪. )138‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سـورة النمل ‪ ،‬اآليـة ‪. 56 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 13 -‬‬
‫ثالثاً‪ : ‬اإلذن باألحزاب يف اإلسالم فيه فتح باب ال يرد بدخول أحزاب َّ‬
‫تتسمى باإلسالم‪ ، ‬وهي حرب‬
‫التف حوهلا من املسلمني ما ال حيصيهم‬
‫عليه‪ ، ‬فكم تبع أناس القاديانية والبهائية وما إليها‪ ، ‬وكم َّ‬
‫إالَّ اهلل فأخرجهم من نور اإلسالم إىل الضالل البعيد(‪. )4‬‬
‫رابعاً ‪ (( :‬التعدُّد داعية الفرقة ‪ ،‬والفرقة سبب للمنازعة ِّ‬
‫املورثة للفشل والضعف والوهن‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪ : ‬‬
‫(‪ ...)2‬فاحلزبية مظنَّة الفرقة ‪ ،‬بل مئنّةٌ هلا وللبغضاء بني أهل‬ ‫‪... ‬‬
‫‪. )4(  )3(‬‬
‫))‬
‫اإلسالم ‪ ،‬قال اهلل تعاىل ‪ :‬‬
‫وخباصة السياسية منها ‪ -‬سبباً لصرف األنظار عن األمراض احلقيقية اليت‬ ‫َّ‬ ‫خامساً‪ (( : ‬كم كانت احلزبية ‪-‬‬
‫تنخر يف جسم األُمـَّة من داخل ‪ ،‬فتفرز فيها القابلية للتخلُّف واهلزمية‪. )5()) ‬‬
‫سادساً‪ (( : -‬ومن أظهر مضارها أن تفتقد السري بالدَّعوة إىل اهلل تعاىل يف مراحلها على منهاج النبوة ‪ ،‬فهي‬
‫ال تعىن [ بـ ] ترسيخ االعتقاد‪ ، ‬وال التفقه يف الدين‪ ، ‬وال نشر لسان العرب‪ . ‬فإن قيل‪ : ‬بلى‪ ، ‬قيل‪: ‬‬
‫أرونا هذا بأدلته املادية‪ ، ‬فأين الدعاة الذين صفتهم يف هذه األحزاب‪ : ‬رسوخ االعتقاد يف التوحيد‬
‫مربزاً يف فقهه ‪ ،‬متضلِّعاً بلغة العرب ونصاعة بياهنا‬
‫خالصاً من البدع واألهواء يف القدوة ويف العمل ‪ِّ ،‬‬
‫؟‪.‬أين هؤالء ؟ وأين آثارهم العلمية والشبابية ؟ وأين معاقل العلم اليت صنعوا هبا رجاالً ؟‪. )6()) ‬‬
‫سابعاً‪ (( : ‬وكم كانت األحزاب املبنية على تصعيد النظرة السياسية اخلالية من القاعدة اإلسالمية امللتزمة سبباً‬
‫يف التسلُّط على اإلسالميني وحصدهم‪ ، ‬وتقهقر الدعوة‪ ، ‬وقهر الدعاة‪ ، ‬وكبت االنطالقة يف‬
‫الدعوة إىل اهلل تعاىل‪. )7()) ‬‬
‫ثامناً‪ (( : -‬هل يسمح احلزب بتعدُّد األحزاب يف البلدة الواحدة‪ ، ‬وتوزع انتماءات أهلها ؟ … فمن قال ‪:‬‬
‫نعم ‪ ،‬فهو جواب َمن ال يعقل وال يريد باألُمـَّة خرياً‪ . ‬وإن قال‪ : ‬ال‪ ، ‬فكيف يسمح لنفسه حبزبه‬
‫دون بقية األحزاب ؟ ‪ ...‬ليس أمامنا إالَّ لزوم مجاعة املسلمني السائرين على مدارج النبوة‪َ ، ‬من كان‬
‫على مثل ما عليه النَّيِب ُّ ‪ r‬وأصحابه ‪. )8()) ‬‬

‫() حكم االنتماء (‪. )139‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سـورة األنفال ‪ ،‬اآليـة ‪. 46 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سـورة آل عمران ‪ ،‬اآليـة ‪. 105 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() حكم االنتماء (‪. )143-142‬‬ ‫‪4‬‬

‫() املصدر السابق (‪. )150‬‬ ‫‪5‬‬

‫() حكم االنتماء (‪. )151-150‬‬ ‫‪6‬‬

‫() املصدر السابق (‪. )141‬‬ ‫‪7‬‬

‫() املصدر السابق نفسه (‪. )140‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪- 14 -‬‬
‫تاسعاً‪ (( : ‬بدعيتها ‪ ،‬ولو مل يكن من أمر احلزبية اليت تنفرد باسم أو رسم عن منهاج النبوة‪ ، ‬إالَّ أهَّن ا عمل‬
‫األول [ لكان كافياً يف املنع منها ] فليسعنا ما وسعهم‪.)1()) ‬‬ ‫الصدر َّ‬
‫مستحدث مل يُ ْع َهد يف َّ‬
‫التحزب‪: -‬‬
‫أقوال العلماء في منع ُّ‬
‫قال الطربي يف شرح حديث حذيفة الذي أورده البخاري حتت باب ((‪ ‬كيف األمر إذا مل تكن مجاعة‪)) ‬‬

‫قال‪ ... (( : ‬ويف هذا احلديث أنـَّه مىت مل يكن للناس إمام فافرتق الناس أحزاباً‪ ، ‬فال يتَّبع أحداً يف‬
‫الفرقة‪ ، ‬ويعتزل اجلميع إن استطاع ذلك‪ ، ‬خشيةً من الوقوع يف الشر‪.)2()) ‬‬
‫حيزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء‬ ‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ (( :‬وليس للمعلِّمني أن ِّ‬
‫‪‬‬ ‫الرب والتقوى كما قال تعاىل ‪:‬‬
‫‪ ،‬بل يكونون مثل اإلخوة املتعاونني على ِّ‬
‫(‪.)3‬‬ ‫‪‬‬
‫وليس ألحد منهم أن يأخذ على أحد عهداً مبوافقته على ُك ِّل ما يريده‪ ، ‬ومواالة من يواليه‪، ‬‬
‫ومعاداة من يعاديه‪ ، ‬بل من فعل هذا كان من جنس جنكز خان وأمثاله الذين جيعلون َمن وافقهم‬
‫عدواً باغي‪ ، ‬بل عليهم وعلى أتباعهم عهد اهلل ورسوله بأن يطيعوا اهلل‬ ‫ومن خالفهم ّ‬ ‫صديقاً وايل‪َ ، ‬‬
‫حرم اهلل ورسوله‪ ، ‬ويرعوا حقوق املعلِّمني كما‬ ‫وحيرموا ما َّ‬
‫ورسوله‪ ، ‬ويفعلوا ما أمر اهلل به ورسوله‪ِّ ، ‬‬
‫أمر اهلل ورسوله‪. ‬‬
‫فإن كان أستاذ أحد مظلوماً نصره‪ ، ‬وإن كان ظاملاً مل يعاونه على الظُّْلم‪ ، ‬بل مينعه منه‪. )4()) ‬‬
‫مسوغو احلزبية‬ ‫وبعد معرفة موقف شيخ اإلسالم الصريح من تلك احلزبية‪ ، ‬حيسن بنا نقل قول له يتعلَّق به ِّ‬
‫املعاصرة من بني ما يتعلَّقون بـه يف تسويغها ورؤيـة مشروعيتها‪. ‬‬
‫تتحزب‪ ، ‬أي تصري‬ ‫كالم له‪ (( : ‬وأمـَّا رأس احلزب فإنـَّه رأس الطائفة اليت َّ‬ ‫قال شيخ اإلسالم يف ٍ‬
‫حزباً‪ ، ‬فإن كانوا جمتمعني على ما أمر اهلل به ورسوله من غري زيادة وال نقصان فهم مؤمنون‪ ، ‬هلم ما‬
‫التعصب ملن دخل يف حزهبم باحلق‬ ‫هلم‪ ، ‬وعليهم ما عليهم‪ ، ‬وإن كانوا قد زادوا يف ذلك ونقصوا مثل ُّ‬
‫التفرق الذي‬ ‫احلق والباطل‪ ، ‬فهذا من ُّ‬ ‫عمن مل يدخل يف حزهبم سواء كان على ِّ‬ ‫والباطل‪ ، ‬واإلعراض َّ‬
‫فإن اهلل ورسوله أمرا باجلماعة واالئتالف‪ ، ‬وهنيا عن الفرقة واالختالف‪ ، ‬وأمرا‬ ‫ذمه اهلل تعاىل ورسوله‪َّ ، ‬‬ ‫َّ‬
‫بالتعاون على الرب والتقوى‪ ، ‬وهنيا عن التعاون على اإلمث والعدوان‪. ‬‬
‫ويف الصحيحني عن النَّيِب ِّ ‪ r‬أنـَّه قال‪َ  (( : ‬مثل‪ -‬المؤمنين في توا ّدهم‪ -‬وتراحمهم‪ -‬وتعاطفهم‪ -‬كمثل‪-‬‬
‫والسهر‪. )5()) -‬‬
‫بالح َّمى َّ‬
‫الجسد إذا اشتكى منه‪ -‬عضو‪ -‬تداعى له سائر الجسد ُ‬
‫() املصدر نفسه والصفحة ذاهتا ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فتح الباري (‪. )13/37‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سـورة املائدة ‪ ،‬اآليـة ‪. 2 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() جمموع الفتاوى (‪. )16-28/15‬‬ ‫‪4‬‬

‫() املصدر السابق (‪. )11/92‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪- 15 -‬‬
‫يسوغها الشيخ‬‫أن الرئاسة اليت ِّ‬‫واملتأمل ملقولة شيخ اإلسالم‪ ، ‬اجلامع بني أطراف كالمه يلوح له َّ‬
‫ِّ‬
‫هي رئاسة العلم‪ ، ‬وزعامة شيخ حلزبه‪ ، ‬أي تالميذه وطلبته الذين يعلمهم ويزكيهم ويربيهم على العلم‬
‫السلَف‪ ، ‬فما ِمن أحد من علماء السلف إالَّ كان له تالميذ وأتباع‬
‫والعمل كما كانت حياة أئمة َّ‬
‫يعلمهم ويربيهم وخيرجهم على يديه‪ ، ‬وهذا أمر متوارث جيالً عن جيل‪ ، ‬وقرناً بعد قرن إىل يوم الناس‬
‫هذا‪. ‬‬
‫وهي الرئاسة اليت جاءت على لسان أيب حنيفة رمحه اهلل حني قيل له‪ : ‬يف مسجد كذا حلقة‬
‫يتناظرون يف الفقه‪ ، ‬فقال‪ : ‬أهلم رأس ؟ قالوا‪ : ‬ال‪ ، ‬قال‪ : ‬ال يفقهون أبداً(‪. )1‬‬
‫السنَّة أبا عبد اهلل أمحد‪ ‬بن حنبل إبَّان‬
‫وهي أيضاً الرئاسة اليت وصف هبا أبو جعفر األنباري َإم َام أهل ُ‬
‫فتنة خلق القرآن فيما ساقه الذهيب من طريق األصم‪ : ‬حدَّثنا عباس الدوري‪ : ‬مسعت أبا جعفر األنباري‬
‫الفرات‪ ، ‬فإذا هو جالس يف اخلان‪ ، ‬فسلَّمت عليه‪، ‬‬ ‫ت‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يقول‪ : ‬لَ َّما مُح َل أمحد إىل املأمون أُخربت‪َ ، ‬ف َعَب ْر ُ‬
‫فقال‪ : ‬يا أبا جعفر تعنَّيت‪ . ‬فقلت‪ : ‬يا هذا أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك‪ ، ‬فواهلل لئن أجبت إىل‬
‫ليمتنعن خلق من الناس كثري‪. ‬‬
‫َّ‬ ‫خلق القرآن ليجينب خلق‪ ، ‬وإن أنت مل جتب‬
‫الر ُج َل إن مل يقتلك فإنَّك متوت‪ ، ‬البـَُّد من املوت‪ ، ‬فاتَّق اهلل وال جُتِب‪ ، ‬فجعل أمحد‬ ‫ومع هذا َّ‬
‫فإن َّ‬
‫علي فأعدت عليه وهو يقول‪ : ‬ما شاء اهلل(‪. )2‬‬ ‫يبكي ويقول‪ : ‬ما شاء اهلل‪ . ‬مُثَّ قال‪ : ‬يا أبا جعفر أعد َّ‬
‫وليس معىن قول شيخ اإلسالم تسويغ احلزبية وزعامتها باملفهوم املعاصر اليت تفرق بني األُمـَّة وجتعلهم‬
‫أوزاعاً وأحزاباً متناحرة متباغضة متدابرة ‪ .‬قال رسول اهلل ‪ (( : r‬ال تباغضوا وال تدابروا وكونوا عباد‪ -‬اهلل‬
‫إخواناً‪. )) ‬‬
‫للتفرق الذي ذمـَّه اهلل وهنى عنه ‪ ،‬قال‬
‫ت تلك احلزبية املشئومة ‪ .‬وهذه احلزبية مقارنة ُّ‬ ‫فإن هذه املفاسد بِْن ُ‬
‫َّ‬
‫‪‬‬ ‫‪ ،)3(‬وقال سبحانه‪: ‬‬ ‫تعاىل ‪ :‬‬
‫‪‬‬ ‫(‪ ،)4‬وقال تعاىل‪: ‬‬ ‫‪‬‬
‫(‪.)5‬‬ ‫‪‬‬
‫ف ُك ُّل َمن خرج عن مجاعة املسلمني وسوادهم بفهم أو عمل خيالف بـه ما كان عليه رسول اهلل ‪r‬‬
‫عما سبَّب‬‫فإن له نصيباً من الوعيد املذكور حىَّت ينزع َّ‬ ‫ٍ‬
‫بإحسان من سلف األُمـَّة َّ‬ ‫وأصحابه والتابعون هلم‬
‫الفرقة واالختالف‪. ‬‬

‫() جامع بيان العلم وفضله البن عبد الرب (‪. )1/555‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سري أعالم النبالء لإلمام الذهيب (‪. )11/238‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سـورة آل عمران ‪ ،‬اآليـة ‪. 103 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سـورة األنعام ‪ ،‬اآليـة ‪. 159 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سـورة الروم ‪ ،‬اآليـة ‪. 32 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪- 16 -‬‬
‫ذم البدعة وأهل االفرتاق‪ ،‬ومِم َّا قاله فيه عند‬‫وأما أبو إسحاق الشاطيب فإنـَّه بىن كتابه ((‪ ‬االعتصام‪ )) ‬على ِّ‬‫َّ‬
‫يعم اخلالف الواقع يف مسائل االجتهاد (( وإمَّن ا يراد به‬ ‫كالمه على حديث الثنتني والسبعني فرقة‪ : ‬إنـَّه ال ُّ‬
‫‪‬‬ ‫افرتاق مقيّد‪ ، ‬وإن مل يكن يف احلديث نص عليه‪ ، ‬ففي اآليات ما يدل عليه‪ : ‬قوله تعاىل‪: ‬‬
‫(‪ )1‬وقوله‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،)2(‬وما أشبه ذلك من اآليات الدَّالَّة على‬ ‫تعاىل‪ : ‬‬
‫التفرق الذي صاروا بـه شيعاً‪. ‬‬
‫ُّ‬
‫ومعىن ((‪ ‬صاروا ِشيَعاً‪ )) ‬أي‪ : ‬مجاعات‪ ، ‬بعضهم قد فارق البعض‪ ، ‬ليسوا على تآلف وال تعاضد‬
‫فإن اإلسالم واحد‪ ، ‬وأمره واحد‪ ، ‬فاقتضى أن يكون حكمه على‬ ‫وال تناصر‪ ، ‬بل على ضد ذلك‪َّ ، ‬‬
‫االئتالف التام ال على االختالف‪. ‬‬
‫‪‬‬ ‫بتفرق القلوب املشعر بالعداوة والبغضاء‪ ، ‬ولذلك قال تعاىل‬ ‫وهذه الفرقة مشعرة ُّ‬
‫أن التأليف إمَّن ا حيصل عند االئتالف على التعلُّق مبعىن واحد‪ ، ‬وأمـَّا‬ ‫(‪ )3‬فبنَّي َّ‬ ‫‪‬‬
‫التفرق‪ ، ‬وهو معىن قوله تعاىل‪ : ‬‬ ‫إذا تعلَّقت ُك ّل شيعة حببل غري ما تعلَّقت به األخرى‪ ، ‬فالبـَُّد من ُّ‬
‫(‪)5()) )4‬‬
‫‪‬‬
‫وقال الشيخ األلباين يف حديث حذيفة الذي فيه ‪ (( :‬فاعت ِزل تلك الفرق ُكلّها‪ )) ‬قال‪ (( : ‬يف هذا‬
‫يتحزب ‪ ،‬وأالَّ يتكتَّل مع أي مجاعة أو مع‬ ‫أن املسلم إذا أدرك مثل هذا الوضع ؛ فعليه حينذاك أالَّ َّ‬ ‫احلديث َّ‬
‫أي فرقة‪ ، ‬مادام أنـَّه ال توجد اجلماعة اليت عليها إمام مبايع من املسلمني‪. )6()) ‬‬
‫وسئِ َل مساحة الشيخ ابن باز ‪ :‬هل تُِقُّرون مثل الدخول يف هذه اجلماعات‪ : ‬مجاعة اإلخوان‪ ، ‬مجاعة‬ ‫ُ‬
‫التبليغ‪ ، ‬مجاعة اجلهاد‪ ، ‬أو تنصحوهنم بالبقاء على طلب العلم مع طُالَّب العلم من الدعوة السلفية ؟ فأجاب‬
‫والسنَّة والسري‬ ‫ٍ‬
‫بقوله ‪ :‬ننصحهم مجيعاً باالجتماع على كلمة واحدة وهي طلب العلم والتفقُّه يف الكتاب ُ‬
‫((‬

‫والسنَّة والسري على‬


‫السنَّة واجلماعة ‪ ،‬ننصحهم مجيعاً بأن يكون هدفهم هو اتباع الكتاب ُ‬
‫على منهج أهل ُ‬
‫السنَّة ‪ ،‬أو أتباع السلف الصاحل‪. ‬‬
‫السنَّة واجلماعة‪ ، ‬وأن يكونوا مجيعاً يُ َس ُّمون أنفسهم أهل ُ‬
‫منهج أهل ُ‬

‫() سورة الروم ‪ ،‬اآليـة ‪. 32 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة األنعام ‪ ،‬اآليـة ‪. 159 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سـورة آل عمران ‪ ،‬اآليـة ‪. 103 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سـورة األنعام ‪ ،‬اآليـة ‪. 153 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() االعتصام (‪. )2/409‬‬ ‫‪5‬‬

‫() الدَّعوة إىل اهلل لعلي احلليب األثري (‪. )98‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪- 17 -‬‬
‫التحزب لإلخوان املسلمني أو مجعية التبليغ‪ ، ‬أو كذا وكذا‪ ، ‬ال ننصح بـه‪ ، ‬هذا غلط‪ ، ‬ولكن‬
‫َّأما ُّ‬
‫السنَّة‬
‫ننصحهم بأن يكونوا كتلة واحدة ومجاعة واحدة يتواصون باحلق والصرب عليه‪ ، ‬وينتسبون ألهل ُ‬
‫واجلماعة‪. ‬‬
‫السوي الذي مينع اخلالف‪ ، ‬وإذا كانوا مجاعات على هذا الطريق ما يضر كوهنم‬
‫ّ‬ ‫هذا هو الطريق‬
‫والسنَّة يدعون‬
‫مجاعة يف إب ‪ ، ‬ومجاعة يف صنعاء ‪ ، ‬لكن كلهم على الطريقة السلفية اتِّباع الكتاب ُ‬
‫‪)) ‬‬ ‫((‪ ‬‬ ‫((‪))   ‬‬

‫تعصب‪ ، ‬هذا ال بأس بـه وإن تعدَّدت‬


‫حتزب وال ُّ‬
‫السنَّة واجلماعة من غري ُّ‬
‫إىل اهلل وينتسبون إىل أهل ُ‬
‫اجلماعات‪ ، ‬لكن يكون هدفهم واحد وطريقهم واحد‪. )1()) ‬‬
‫وسئِ َل الشيخ أيضاً‪ : ‬بعض الشباب يقول‪ : ‬حنن إذا دخلنا يف مجاعة مثل مجاعة اإلخوان‪ ، ‬أو‬ ‫ُ‬
‫صلِح األخطاء من الدَّاخل أحسن ما نكون بعيدين عنهم ندخل معهم إن طلبوا ِمنَّا بيعة‬ ‫التبليغ‪ ، ‬أو اجلهاد لنُ ْ‬
‫بايعناهم أو نرفض البيعة ولكن ندخل معهم لنصلح أخطاءهم‪ ، ‬هل تنصح بذلك ؟‬
‫للص ْلح فال بأس‪َّ ، ‬أما االنتساب إليهم ال‪ ، ‬لكن‬‫فأجاب مساحة الشيخ ابن باز بقوله ‪ (( :‬أمـَّا زيارهتم ُّ‬
‫للص ْل ِح بينهم وللدعوة إىل اخلري وتوجيههم إىل اخلري ونصيحتهم فال بأس‪ ، ‬ولكن يكونوا‬ ‫زيارهتم ُّ‬
‫السنَّة واجلماعة‪. ‬‬ ‫ِّ‬
‫مستقلني على طريق أهل ُ‬
‫والسنَّة‬
‫التعصب ‪ ،‬عليكم بالكتاب(‪ُ )2‬‬ ‫وإذا زاروا اإلخوان أو مجاعة التبليغ ونصحوهم هلل وقالوا‪ : ‬دعوا عنكم ُّ‬
‫التفرق واالختالف‪ ، ‬هذا نصيحة طيب‪.  )) ‬‬ ‫والسنَّة‪ ، ‬كونوا مع أهل اخلري‪ ، ‬دعوا ُّ‬ ‫متسكوا بالكتاب ُ‬ ‫‪َّ ،‬‬
‫وسنَّة نبيِّه ‪ r‬فيها إباحة تعدُّد اجلماعات‬ ‫ِ‬
‫وسئ َل الشيخ ابن عثيمني ‪ :‬هل هناك نصوص يف كتاب اهلل ُ‬ ‫ُ‬
‫والسنَّة ما يبيح تعدُّد اجلماعات واألحزاب ‪ ،‬بل َّ‬
‫إن يف‬ ‫اإلسالمية ؟ فأجاب بقوله‪ : ‬ليس يف الكتاب ُ‬
‫‪ ‬‬ ‫((‬

‫والسنَّة ما يَ ُذ ّم ذلك ‪ ،‬قال تعاىل‪: ‬‬


‫ُ‬ ‫الكتاب‬
‫‪ ،)3(‬وقال‬ ‫‪‬‬
‫‪. )4(‬‬ ‫تعاىل‪ : ‬‬
‫‪‬‬ ‫حث اهلل عليه يف قوله‪: ‬‬
‫أن هذه األحزاب تنايف ما أمر اهلل ‪ ،‬بل ما َّ‬ ‫شك َّ‬‫وال َّ‬
‫والتحزب حيث كان ُك ّل حزب و ُك ُّل فريق‬ ‫ُّ‬ ‫التفرق‬
‫‪ ،‬وال سيّما حينما ننظر إىل آثار هذا ُّ‬
‫(‪)5‬‬
‫‪‬‬
‫ب‬‫التحز َ‬
‫أن هذا ُّ‬ ‫والسب والتفسيق ‪ ،‬ورمبا مبا هو أعظم من ذلك‪ ، ‬لذلك فإنَّيِن أرى َّ‬ ‫ِّ‬ ‫يرمي اآلخر بالتشنيع‬
‫خطأٌ‪.)6()) ‬‬
‫املكرمة يف السادس من ذي احلجة‬
‫مبكة َّ‬ ‫() من ٍ‬
‫شريط بعنوان (( أسئلة أيب احلسن للشيخني ابن باز وابن العثيمني )) ُس ِّجل َّ‬ ‫‪1‬‬

‫عام ‪ 1416‬هـ ‪.‬‬


‫() من الشريط السالف نفسه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سـورة األنعام ‪ ،‬اآليـة ‪. 159 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سـورة الروم ‪ ،‬اآليـة ‪. 32 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سـورة املؤمنون ‪ ،‬اآليـة ‪. 52 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫األول عام ‪ 1417‬هـ ‪.‬‬ ‫() جملَّة اجلندي املسلم ‪ ،‬العدد ‪ 83‬يف ربيع َّ‬ ‫‪6‬‬

‫‪- 18 -‬‬
‫إن إنشاء أي حزب يف اإلسالم خيالفه بأمر كلي أو جبزئيات ال‬ ‫ويقول الشيخ بكر أبو زيد‪َّ  (( : ‬‬
‫جيوز‪ ، ‬ويرتتب عليه عدم جواز االنتماء إليه‪ ، ‬ولنعتزل تلك الفرق كلها‪ ، ‬وعليه فال جيوز االنصهار مع‬
‫وجه كان من وسيلة أو غايـة‪ . ‬ومعاذ اهلل أن تكون الدعوة على‬ ‫راية أخرى ختالف راية التوحيد بأي ٍ‬
‫سنن اإلسالم ِمظَلَّة يدخل حتتها أي من أهل البدع واألهواء‪ُ ، ‬فيغَض النَّظر عن بدعهم وأهوائهم على‬
‫حساب الدعوة‪. )1()) ‬‬
‫يتحمل يف داخله تنظيماً آخر حبيث‬ ‫إن اإلسالم ال َّ‬ ‫وقال الشيخ صفي الرمحن املباركفوري‪َّ  (( : ‬‬
‫ألن اإلسالم ملا قضى على مجيع‬ ‫ُسس ذلك التنظيم وقواعده أساساً للوالء والرباء‪ ... ‬وذلك َّ‬ ‫تكون أ ُ‬
‫َّ‬
‫مادة الوالء والرباء ‪ ،‬وجعل مجيع‬ ‫املواد اليت كانت أساس الوالء والرباء يف اجلاهلية‪ ، ‬وجعل اإلسالم نفسه َّ‬
‫املسلمني سواسية يف احلقوق ‪ ،‬مل يبق عنده جمال لتعدُّد اجلماعات والكتالت املتفرقة‪ ، ‬حبيث ال يكون‬
‫إلحداها حقوق وعالقات باألخرى حىت حيتاج إىل عقد التحالف بينها‪. )2()) ‬‬
‫املفرقة بني األُمـَّة ضررها أكرب من نفعها ‪ ،‬وإذا كان املسلم َمن َسلِ َم‬
‫أن احلزبية ِّ‬‫ومبا سبق يتبنَّي َّ‬
‫فإن التنظيم ذا التوجه الشمويل‬ ‫املسلمون من لسانه ويده‪ ، ‬واملؤمن َمن أمنه الناس على دمائهم وأمواهلم‪َّ ، ‬‬
‫وشن الغارات‬ ‫يعطي لنفسه احلق يف االنفراد بقرارات تؤثِّر على جمموع األُمـَّة كتدبري االنقالبات‪ِّ ، ‬‬
‫حبيث ال يشعر الناس باألمان من جانب ذلك التنظيم ويتوجسون منه الشر كل ح ٍ‬
‫ني وآن‪. ‬‬
‫((‪ ‬تنبيه على خطأ كبير‪: -‬‬
‫بعض من الذين كتبوا عن اجلماعات والفرق اإلسالمية املعاصرة للموازنة بينها ونقدها يذكرون‬
‫فإن أهل‬‫السنَّة واجلماعة ! وهذا خطأ كبري يف الفهم والتصور والبعد عن احلقيقة‪َّ ، ‬‬ ‫من أقسامها أهل ُ‬
‫السنَّة واجلماعة وأهل احلديث هم مجاعة املسلمني‪ ، ‬وليست هذه يف شكلها ومضموهنا إالَّ دعوة‬ ‫ُ‬
‫اإلسالم جبميع ما تعنيه هذه الكلمة ؛ خبالف اجلماعات األخرى‪ ، ‬فهي أحزاب وفرق‪ : ‬منها ما فيه دخل‪، ‬‬
‫ومنها ما يدعو إىل شعبة من شعب اإلسالم دون األخرى‪. ‬‬
‫إن الطائفة املنصورة والفرقة الناجية ‪ -‬مجاعة‬ ‫ٍ‬
‫مجاعات وأحزاباً‪ ، ‬بل َّ‬ ‫ومعاذ اهلل أن يكون املسلمون‬
‫والسنَّة والدعوة إليها(‪ - )3‬ما زالت ولن تزال باقية إىل أن يأيت أمر اهلل‪. )4()) ‬‬ ‫املسلمني امللتزمة بالكتاب ُّ‬

‫() حكم االنتماء ‪. 153‬‬ ‫‪1‬‬

‫() األحزاب السياسية يف اإلسالم ‪. 46-45‬‬ ‫‪2‬‬

‫()كذا يف األصل ‪،‬وله وجه برجوع الضمري إىل السنة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() حكم االنتماء ‪. 115‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪- 19 -‬‬
‫مسألة في حكم إحداث ِ‬
‫الحلْف في اإلسالم‬
‫يستدل دعاة احلزبية املعاصرة على مشروعيتها مبشروعية احللف يف اإلسالم يف نظرهم‪ ، ‬ويقيسوهنا‬
‫عليه ويوردون مثل حديث (( لقد شهدت في دار عبد اهلل ابن جدعان‪ -‬حلفاً‪ -‬هو‪ -‬أحب إلي من حمر النعم ‪،‬‬
‫ولو دعيت إليه اليوم في اإلسالم ألجبت‪. )) ‬‬
‫واجلواب عن هذا أن أئمة السلف أشبعوا الكالم يف احللف وإحداثه يف اإلسالم واستوفوا القول فيه‬
‫وهذا سياق كالم بعضهم فهاكموه‪: ‬‬
‫قال اإلمام حممد‪ ‬بن جرير الطربي ت ‪310‬هـ(‪ (( : )1‬حدثنا أبو كريب وعبدة بن عبد اهلل الصفَّار‪، ‬‬
‫قاال‪ :‬حدثنا حممد‪ ‬بن بشر‪ ،‬قال‪ : ‬حدثنا زكريا‪ ‬بن أيب زائدة‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثين سعد‪ ‬بن إبراهيم‪ ، ‬عن أبيه‪، ‬‬
‫عن جبري‪ ‬بن مطعم‪ ، ‬عن النيب ‪ r‬قال‪ (( : ‬ال‪ ‬حلف في اإلسالم‪ ، ‬وأيما حلف كان‪ -‬في الجاهلية‪ -‬فلم‬
‫يزده‪ -‬اإلسالم إال شدة‪. )) ‬‬
‫ذكر اخلرب الوارد عن رسول اهلل ‪ r‬أنه قال ‪ (( :‬لقد شهدت في دار عبد اهلل ابن جدعان حلفاً هو‪ -‬أحب‬
‫إلي من حمر النعم‪. )) ‬‬
‫حدثنا ابن محيد() قال‪ : ‬حدثنا سلمة‪ ‬بن الفضل‪ ، ‬عن ابن إسحاق‪ ، ‬عن حممد بن زيد‪ ‬بن املهاجر‪ ‬بن قنفذ‬
‫التيمي‪ ، ‬أنه مسع طلحة‪ ‬بن عبد اهلل‪ ‬بن عوف الزهري يقول‪ : ‬قال النيب ‪ (( : r‬لقد شهدت في دار عبد اهلل‪ ‬بن‬
‫جدعان حلفاً هو أحب إلي من حمر النعم‪ ، ‬ولو دعيت إليه في اإلسالم ألجبت‪ . )) ‬قالوا‪ : ‬ومن الدليل على أن‬
‫احللف الذي شهده النيب ‪ r‬حلف الفضول‪ : ‬ما حدثنا به ابن محيد‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا سلمة‪ ، ‬عن ابن إسحاق‪ ، ‬قال‪: ‬‬
‫حدثين يزيد‪ ‬بن عبد اهلل‪ ‬بن أسامة‪ ‬بن اهلاد الليثي‪ ، ‬عن حممد‪ ‬بن إبراهيم‪ ، ‬قال‪ : ‬كان بني احلسني‪ ‬بن علي‪ ، ‬وبني‬
‫الوليد‪ ‬بن عتبة‪ ‬بن أيب سفيان منازعة يف مال كان بينهما بذي املروة‪ ، ‬قال‪ : ‬فكان الوليد حتامل على احلسني‪ ‬بن علي‬
‫لتنصفن يل من حقي‪ ، ‬أو آلخذن سيفي‪ ، ‬مث ألقومن يف مسجد النيب ‪r‬‬
‫َّ‬ ‫يف حقه لسلطانه فقال له احلسني‪ : ‬أقسم باهلل‬
‫مث ألدعون حبلف الفضول‪ ، ‬فقال عبد اهلل‪ ‬بن الزبري ‪ -‬وهو عند الوليد حني قال احلسني ما قال ‪ : -‬وأنا أحلف باهلل‬
‫ألقومن معه حىت ينصف من حقه أو منوت مجيعاً‪ ، ‬فبلغت املسور‪ ‬بن خمرمة‪ ‬بن نوفل‬
‫َّ‬ ‫لئن دعا به آلخذن سيفي‪ ، ‬مث‬
‫الزهري فقال مثل ذلك‪ ، ‬وبلغت عبد الرمحن‪ ‬بن عثمان‪ ‬بن عبد اهلل التيمي فقال مثل ذلك‪ ، ‬فلما بلغ الوليد‪ ‬بن عتبة‬
‫أنصف حسينًا من حقه‪. ‬‬
‫( ‪)1‬ضعيف‪،‬لكن هذا احلديث و األحاديث بعده وردت من طرق أخرى صحيحة‪.‬‬

‫القول فيما في هذا الخبر‪ -‬من الفقه‪: -‬‬

‫() يف كتابه (( هتذيب اآلثار )) ص ‪. 19‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- 20 -‬‬
‫والذي فيه من ذلك‪ : ‬الدليل على أن كل حلف كان عقد يف اجلاهلية قبل اإلسالم‪ ، ‬أن على أهله‬
‫الوفاء به‪ ، ‬وذلك أن النيب ‪ r‬قال يف احللف الذي شهده مع أعمامه من بين هاشم‪ ، ‬وبين املطلب قبل‬
‫اإلسالم‪ (( : ‬ما أحب أن لي حمر‪ -‬النعم وأني أنكثه‪ ، )) ‬وذلك نظري األخبار الواردة عنه ‪ r‬أنه قال‪: ‬‬
‫(( ال حلف في اإلسالم ‪ ،‬وما‪ -‬كان‪ -‬من‪ -‬حلف في الجاهلية‪ -‬فلم يزده‪ -‬اإلسالم إال شدة‪. )) ‬‬
‫ذكر‪ -‬األخبار الواردة‪ -‬بذلك عنه‪: -‬‬
‫حدثنا أبو كريب ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا وكيع ‪ ،‬عن شريك ‪ ،‬عن مساك‪ ، ‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل ‪ (( : r‬ال حلف في اإلسالم ‪ ،‬وما‪ -‬كان‪ -‬في الجاهلية فلم يزده اإلسالم إال شدة‪. )) ‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا مصعب‪ ‬بن املقدام‪ ، ‬عن إسرائيل‪ ‬بن يونس‪ ، ‬عن حممد‪ ‬بن عبد‬
‫الرمحن موىل آل طلحة‪ ، ‬عن عكرمة ‪ ،‬عن ابن عباس قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ (( : r‬ال حلف في اإلسالم ‪،‬‬
‫وكل حلف كان‪ -‬في الجاهلية ‪ ،‬فلم يزده اإلسالم إال شدة‪ ، ‬وما‪ -‬يسرني أن لي حمر النعم‪ ، ‬وأني أنقض‬
‫الحلف الذي كان‪ -‬في دار الندوة‪. )) ‬‬
‫وحدثين يعقوب بن إبراهيم ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا هيثم قال ‪ :‬أخربنا مغرية ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن شعبة بن التوأم الضيب ‪،‬‬
‫عن قيس بن عاصم أنه سأل النيب ‪ r‬عن احللف ‪ ،‬قال ‪ :‬فقال ‪ (( :‬ما كان‪ -‬من حلف في الجاهلية‪ -‬فتمسكوا‬
‫به‪ ، ‬وال حلف في اإلسالم‪. )) ‬‬
‫حدثنا ابن محيد‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا جرير‪ ، ‬عن مغرية‪ ، ‬عن أبيه‪ ، ‬عن شعبة‪ ‬بن التوأم الضيب‪ ، ‬أن قيس‪ ‬بن‬
‫عاصم سأل النيب ‪ r‬عن احللف‪ ، ‬فقال‪ (( : ‬ال حلف في اإلسالم ولكن تمسكوا بحلف الجاهلية‪. )) ‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا وكيع‪ ، ‬عن داود‪ ‬بن أيب عبد اهلل‪ ،‬عن ابن جدعان ‪ ،‬عن جدته ‪ ،‬عن أم‬
‫سلمة أن رسول اهلل ‪ r‬قال‪ (( : ‬ال حلف في اإلسالم ‪ ،‬وما كان‪ -‬من حلف في الجاهلية‪ -‬لم يزده‪ -‬اإلسالم‬
‫إال شدة‪ ، )) ‬فإن قال لنا قائل‪ : ‬فإن كان األمر يف احللف يف اإلسالم كما قلت من أنه غري جائز عقده‪، ‬‬
‫فما أنت قائل فيما حدثكم به ابن محيد قال‪ : ‬حدثنا جرير‪ ، ‬عن عاصم‪ ، ‬عن أنس قال‪ : ‬حالف رسول‬
‫اهلل ‪ r‬بني املهاجرين واألنصار يف داري اليت باملدينة ؟ قيل‪ : ‬هذا أمر كان يف أول اإلسالم‪ ، ‬كان‬
‫رسول اهلل ‪ r‬آخى بني املهاجرين واألنصار‪ ، ‬وكانوا يتوارثون بذلك العقد‪ ، ‬وكانت اجلاهلية يف‬
‫‪‬‬ ‫جاهليتها تفعل ذلك ‪ ،‬فنسخ اهلل ‪ -‬تعاىل ذكره ‪ -‬ذلك بقوله ‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ )1(‬ورد املواريث إىل القرابات باألرحام واحلرمة بقوله‪: ‬‬
‫(‪ )2‬اآليتني‪ ، ‬فإن قال‪ : ‬وهل من دليل على صحة ما قلت ؟ قيل ‪ :‬حدثنا ابن بشار ‪ ،‬قال ‪:‬‬ ‫‪…‬‬
‫حدثنا حممد‪ ‬بن جعفر‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا شعبة‪ ، ‬عن أيب بشر‪ ، ‬عن سعيد‪ ‬بن جبري يف قول اهلل سبحانه‬

‫() سورة األنفال ‪ ،‬اآليـة ‪ ، 75 :‬واألحزاب ‪ ،‬اآليـة ‪. 6 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النساء ‪ ،‬اآليـة ‪. 12 - 11 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪- 21 -‬‬
‫‪ )1(‬قال ‪ :‬كان الرجل يعاقد الرجل فريثه ‪ ،‬وعاقد أبو بكر موىل‬ ‫وتعاىل‪ : ‬‬
‫فورثه‪. ‬‬
‫َّ‬
‫وحدثنا ابن محيد ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا حيىي بن واضح ‪ ،‬عن احلسني‪ ‬بن واقد ‪ ،‬عن يزيد النحوي ‪ ،‬عن عكرمة‬
‫‪ )2(‬قال‪ : ‬كان الرجل حيالف‬ ‫واحلسن البصري يف قوله‪ : ‬‬
‫‪‬‬ ‫الرجل ليس بينهما نسب ‪ ،‬فريث أحدمها اآلخر‪ ، ‬فنسخ ذلك يف األنفال فقال‪: ‬‬
‫(‪ )3‬فكان هذا هكذا إىل أن فتحت مكة‪ ، ‬فلما فتحت مكة نسخ ذلك‪ ، ‬فقال النيب‬ ‫‪‬‬
‫‪ r‬حينئذ‪ (( : ‬أوفوا بحلف الجاهلية‪ ، -‬فإنه لم يزده‪ -‬اإلسالم إال شدة‪. )) ‬‬
‫حدثنا محيد بن مسعدة الشامي ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا يزيد بن زريع‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا حسني املعلم‪ ، ‬وحدثنا‬
‫جماهد‪ ‬بن موسى‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا يزيد‪ ‬بن هارون‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا حسني‪ ، ‬وحدثين حامت‪ ‬بن بكر الضيب‪، ‬‬
‫قال‪ : ‬حدثنا عبد األعلى‪ ‬بن حسني املعلم‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا أيب‪ ، ‬عن عمرو‪ ‬بن شعيب‪ ، ‬عن أبيه‪ ، ‬عن‬
‫جده‪ ، ‬أن رسول اهلل ‪ r‬قال يف خطبة يوم فتح مكة ‪ (( :‬أوفوا بحلف الجاهلية‪ ، -‬فإنه ال يزيده اإلسالم إالَّ شدة‬
‫‪ ،‬وال تحدثوا حلفاً في اإلسالم‪. )) ‬‬
‫وحدثنا متيم‪ ‬بن املنتصر‪ ، ‬قال‪ : ‬أخربنا يزيد‪ ، ‬قال‪ : ‬أخربنا حممد‪ ‬بن إسحاق‪ ، ‬عن عمرو‪ ‬بن شعيب‪، ‬‬
‫عن أبيه‪ ، ‬عن جده‪ ، ‬قال‪ : ‬ملا دخل رسول اهلل ‪ r‬مكة عام الفتح‪ ، ‬قام خطيباً يف الناس فقال‪ (( : ‬أيها‬
‫الناس!‪ -‬ما كان‪ -‬من حلف في الجاهلية‪ ، -‬فإن اإلسالم لم يزده إال شدة‪ ، ‬وال حلف في اإلسالم‪. )) ‬‬
‫حدثنا أبو كريب‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا يونس‪ ‬بن بكري‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا حممد‪ ‬بن إسحاق‪ ، ‬عن عمرو‪ ‬بن‬
‫شعيب‪ ، ‬عن أبيه‪ ، ‬عن جده‪ ، ‬عن رسول اهلل ‪ r‬مثله‪. ‬‬
‫وحدثنا أبو كريب‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا أسد‪ ‬بن عمرو‪ ، ‬عن حممد‪ ‬بن إسحاق‪ ، ‬عن عمرو‪ ‬بن شعيب‪ ، ‬عن‬
‫أبيه‪ ، ‬عن جده‪ ، ‬عن النيب ‪ r‬مثله‪. ‬‬
‫وحدثنا أبو كريب‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا خالد‪ ‬بن خملد‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا سليمان‪ ‬بن بالل‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا عبد‬
‫الرمحن‪ ‬بن احلارث‪ ، ‬عن عمرو بن شعيب عن أبيه ‪ ،‬عن جده ‪ ،‬عن النيب ‪ r‬بنحوه‪. ‬‬
‫فإن قال لنا‪َ : ‬أوجائز يف احللف الذي أمر النيب ‪ r‬بالوفاء به من حلف اجلاهلية‪ ، ‬وقد علمت أن‬
‫القوم إمنا كانوا يتعاقدون بينهم على أن يرث بعضهم بعضاً‪ ، ‬ويكون بعضهم عوناً لبعض على من‬
‫أرادوه بظلم أو أرادهم بذلك ‪ -‬أن يوىف بشروطه اليت كانوا تعاقدوا عليها يف اجلاهلية ؟ قيل‪ : ‬إن الذي‬
‫أمر النيب ‪ r‬بالوفاء به من ذلك هو ما مل يفسخه اإلسالم ‪ ، ‬ومل يبطله حكم القرآن‪ ، ‬وهو التعاون على‬

‫() سورة النساء ‪ ،‬اآليـة ‪. 33 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النساء ‪ ،‬اآليـة ‪. 33 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة األنفال ‪ ،‬اآليـة ‪. 75 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 22 -‬‬
‫احلق‪ ، ‬والنصرة على األخذ على يد الظامل الباغي‪ ، ‬فإن قال‪ : ‬فإن هذا حق لكل مسلم على كل مسلم‬
‫فما املعىن الذي خص به يف اجلاهلية حىت وجب من أجله الوفاء به‪ ، ‬وهني عن مثله يف اإلسالم استئنافه ؟‬
‫وهل على مسلم من حرج يف معاقدة إخوان له من أهل‬
‫اإلسالم على التناصر إن بغى أحداً منهم أح ٌد بظلم أو قصده بسوء ؟ قيل‪ : ‬إن ذلك من معىن ما ذهب‬
‫إليه بعيد‪ ، ‬وإمنا معىن قول النيب ‪ (( : r‬ما كان‪ -‬من حلف في الجاهلية‪ ، -‬فتمسكوا به‪ )) ‬إمنا هو احللف‬
‫على النصرة من بعضهم لبعض يف احلق‪ ، ‬وذلك وإن كان واجباً على كل مسلم لكل مسلم‪ ، ‬فإن على‬
‫احلليف من ذلك حلليفه من وجوب حق نصرته على من بغاه بظلم دون سائر الناس غريه ما جيب‬
‫عدو له قصده‬‫للقريب على قريبه‪ ، ‬والنسيب على نسيبه‪ ، ‬دون سائر الناس غريه‪ ، ‬وإن نابته نائبة من ٍّ‬
‫بظلم … فله من استصراخه عشريته وقبيلته مبثله‪ ، ‬وذلك أن األخبار متظاهرة عن رسول اهلل ‪ r‬أنه‬
‫تعزى بعزاء الجاهلية ‪ ،‬فأ ِ‬
‫َعضُّوه‪ -‬بِ َه ِ‪-‬ن أبيه‪ ، ‬وال تَكنُوا‪ … )) ‬فنهى ‪ r‬املظلوم عن االعتزاء مبا‬ ‫قال‪ (( : ‬من‪َّ -‬‬
‫ذكرنا وأمر من ظُلم فاستصرخ على ظامله أن يقول‪ : ‬يا لَعباد اهلل! ويا لَلمسلمني ! مث أطلق له من‬
‫االستصراخ حبليفه مما هنى عن االستصراخ مبثله بنسيبه من قبيلته وعشريته‪ ، ‬فأجاز للرجل من أهل‬
‫حلف الفضول أو غريه أن يقول‪ : ‬يا حللف الفضول ! أو يا حللف املطيَّبني ! وما أشبه ذلك‪َ ، ‬أو ما‬
‫ذكرت عن عبد اهلل‪ ‬بن طلحة التيمي‪ (( : ‬ولو دعيت‪ -‬إليه اليوم‪ -‬في اإلسالم‬ ‫ُ‬ ‫تسمعه يقول يف اخلرب الذي‬
‫ألجبت‪ )1()) ‬أ ََوما ترى أن احلسني‪ ‬بن علي قال للوليد‪ ‬بن عتبة‪ : ‬أقسم باهلل لتنصفن يل من حقي أو‬
‫ألقومن يف مسجد النيب ‪ r‬مث ألدعون حبلف الفضول ؟ فذلك هو اخلصوص الذي‬ ‫َّ‬ ‫آلخذن سيفي‪ ، ‬مث‬
‫خص به احلليف باحللف الذي كان عقده يف اجلاهلية من حليفه دون سائر الناس غريه‪ . )) ‬اهـ كالم‬
‫اإلمام الطربي‪. ‬‬
‫وقال اإلمام احملدث الفقيه املفسر أبو جعفر الطحاوي ت ‪321‬هـ ‪ (( :‬قول النيب ‪ (( : r‬ال حلف في‬
‫اإلسالم )) إمنا كان منه عند فتحه مكة‪ ، ‬كما حدثنا أبو أمية‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا عبيد اهلل‪ ‬بن موسى العبسي ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬حدثنا إبراهيم بن إمساعيل ‪ ،‬عن عبد الرمحن‪ ‬بن احلارث ‪ ،‬عن عمرو بن شعيب ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جده عبد‬
‫اهلل‪ ‬بن عمرو‪ ، ‬قال‪ : ‬ملا دخل رسول اهلل ‪ r‬مكة عام الفتح قام خطيباً‪ ، ‬فقال‪ (( : ‬أيها الناس ! إنه ما‪ -‬كان‪-‬‬
‫من‪ -‬حلف في الجاهلية‪ -‬فإن اإلسالم لم يزده إال شدة وال حلف في اإلسالم )) ‪ ،‬وكما حدثنا ابن أيب‬

‫() ومعىن هذا احلديث كما يظهر يف السياق الذي ساقه فيه أبو جعفر الطربي ‪ :‬أن النصرة بسبب احللف الذي أُبرم يف اجلاهلية‬ ‫‪1‬‬

‫بني احللفاء مستمرة يف اإلسالم بينهم ‪ ،‬و أن من ُدعي إىل الوفاء به يف اإلسالم لزمته إجابة حليفه وإنصافه من ظامله تأدية‬
‫إىل احلليف حق احللف املربم يف اجلاهلية ومقتضياته ‪ ،‬وليس معناه إنشاء حلف يف اإلسالم ‪ ،‬وعقد رباط به بني املسلمني‬
‫لنفي النيب ‪ r‬احللف يف اإلسالم ‪ ،‬وهنيه عنه (( الحلف في‪ -‬اإلسالم )) (( التحدثوا حلفاً في‪ -‬اإلسالم )) بل َّ‬
‫عد اإلمام ابن‬
‫بطة العكربي احللف يف اإلسالم من البدع احملدثة كما يأيت النقل عنه ‪.‬‬
‫‪- 23 -‬‬
‫داود‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا الوهيب‪ ، ‬قال‪ : ‬حدثنا ابن إسحاق‪ ، ‬عن عمرو‪ ‬بن شعيب‪ ، ‬عن أبيه‪ ، ‬عن جده‪ ، ‬عن‬
‫رسول اهلل ‪ r‬فذكر مثله‪. ‬‬
‫فأخرب عبد اهلل‪ ‬بن عمرو أن هذا القول إمنا كان من رسول اهلل ‪ r‬يوم فتح مكة‪ ، ‬والذي كان من‬
‫رسول اهلل ‪ r‬يف املهاجرين واألنصار رضوان اهلل عليهم من املؤاخاة اليت حالف بينهم فيها كان قبل‬
‫ذلك باملدينة‪ ، ‬وكان الذي كان من النيب ‪ r‬يف خطبته يوم فتح مكة‪ ، ‬مما ذكره عبد اهلل‪ ‬بن عمرو‬
‫ناسخاً ومل يكن منه ‪ r‬بعد قوله‪ (( : ‬ال حلف في اإلسالم‪ )) ‬حلف إىل أن قبضه اهلل صلوات اهلل عليه‪)) ‬‬

‫(‪. )1‬‬
‫وقال اإلمام أبو عبد اهلل عبيد اهلل بن بطة العكربي ت ‪387‬هـ‪ : ‬ومن البدع احملدثة اليت ليس هلا أصل يف كتاب‬
‫وال سنة ‪ -‬تشبهوا فيها بأفعال اجلاهلية ‪ -‬اجتماعهم والتحالف بينهم على التعاضد والتناصر ‪ ،‬وهذا مبتدع‬
‫مكروه ‪ ،‬وكانت اجلاهلية تفعله فأذهبه اهلل ‪ ‬باإلسالم‪ ، ‬وهنى عنه على لسان نبيه ‪ ، r‬وقال النيب ‪: r‬‬
‫((‪ ‬ال حلف في اإلسالم‪ ، ‬وأيما حلف كان‪ -‬في الجاهلية‪ -‬فما زاده‪ -‬اإلسالم إالَّ تأكيداً‪. )2()) ‬‬
‫وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ (( : ‬تنازع الناس هل يشرع يف اإلسالم أن يتآخى اثنان‪ ، ‬ويتحالفا‬
‫كما فعل املهاجرون واألنصار؟ فقيل ‪ :‬إن ذلك منسوخ ملا رواه مسلم يف صحيحه عن جابر أن النيب ‪r‬‬
‫قال‪ (( : ‬ال حلف في اإلسالم وما‪ -‬كان‪ -‬من‪ -‬حلف في الجاهلية فلم يزده اإلسالم إال شدة )) وألن اهلل قد جعل‬
‫املؤمنني إخوة بنص القرآن‪ ، ‬وقال النيب ‪ (( : r‬المسلم أخو المسلم‪ ، ‬ال‪ ‬يسلمه ‪ ،‬وال يظلمه ‪ ،‬والذي‬
‫نفسي بيده ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه‪ -‬من الخير ما‪ -‬يحبه‪ -‬لنفسه‪ ، )) -‬فمن كان قائماً بواجب اإلميان‬
‫كان أخاً لكل مؤمن‪ ، ‬ووجب على كل مؤمن أن يقوم حبقوقه‪ ، ‬وإن مل جير بينهما عقد خاص‪ ‬؛ فإن‬
‫‪ ،)3(‬وقال النيب ‪ (( : r‬وددت‪ -‬أني‬ ‫اهلل ورسوله قد عقدا األخوة بينهما بقوله‪ : ‬‬
‫رأيت إخواني‪ )) ‬ومن مل يكن خارجاً عن حقوق اإلميان وجب أن يعامل مبوجب ذلك ‪ ،‬فيحمد على‬
‫حسناته ‪ ،‬ويواىل عليها ‪ ،‬وينهى عن سيئاته ‪ ،‬وجيانب عليها حبسب‬
‫اإلمكان‪ ، ‬وقد قال النيب ‪ (( : r‬انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً‪ )) -‬قلت يا رسول اهلل! أنصره مظلوماً‪،‬‬
‫فكيف أنصره ظاملاً ؟ قال ‪:‬‬
‫(( تمنعه‪ -‬من الظلم ‪ ،‬فذلك نصرك إياه )) ‪ .‬والواجب على كل مسلم أن يكون حبه وبغضه‪ ، ‬ومواالته‪، ‬‬
‫ومعاداته تابعاً ألمر اهلل ورسوله‪ ، ‬فيحب ما أحبه اهلل ورسوله‪ ، ‬ويبغض ما أبغضه اهلل ورسوله‪ ، ‬ويوايل‬
‫من يوايل اهلل ورسوله‪ ، ‬ويعادي من يعادي اهلل ورسوله‪ ، ‬ومن كان فيه ما يواىل عليه من حسنات وما‬
‫يعادى عليه من سيئات عومل مبوجب ذلك‪ ، ‬كفساق أهل امللة ؛ إذ هم مستحقون للثواب والعقاب ‪،‬‬

‫() (( شرح مشكل اآلثار )) ‪. 4/300‬‬ ‫‪1‬‬

‫() (( الشرح واإلبانة على أصول السنَّة والديانة )) ص ‪. 364‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة احلجرات ‪ ،‬اآليـة ‪. 10 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 24 -‬‬
‫واملواالة واملعاداة‪ ، ‬واحلب والبغض‪ ، ‬حبسب ما فيهم من الرِب ّ والفجور‪ ، ‬فإن‬
‫‪   ‬وهذا مذهب أهل ُ‬ ‫‪‬‬
‫(‪، )1‬‬
‫السنَّة‬
‫فإن أولئك مييلون إىل جانب‪، ‬‬‫واجلماعة‪ ، ‬خبالف اخلوارج واملعتزلة‪ ، ‬وخبالف املرجئة واجلهمية‪ ‬؛ َّ‬
‫السنَّة واجلماعة وسط‪. ‬‬
‫وهؤالء إىل جانب‪ ، ‬وأهل ُ‬
‫ومن الناس من يقول‪ : ‬تشرع تلك املؤاخاة واحملالفة‪ ، ‬وهو يناسب من يقول بالتوارث باحملالفة‪)) ‬‬

‫(‪. )2‬‬
‫قلنا‪ : ‬وهذا القول األخري مرغوب عنه لدى الشيخ حيث مل يسق له أي دليل يؤيده وينصره ‪، ‬‬
‫ويدل على بطالن القول الثاين أيضاً قول الشيخ‪ (( : ‬وهو يناسب من يقول بالتوارث باحملالفة‪ )) ‬وقد‬
‫ثبت قطعاً نسخ التوارث باحملالفة ‪ ، ‬فكذلك احملالفة اجملردة املناسبة له منسوخة أيضاً كما دلت عليه‬
‫األحاديث الصحيحة‪ ، ‬وذهب إليه األئمة فيما سقناه آنفاً‪. ‬‬
‫وهكذا تضافرت أقوال األئمة وتظاهرت يف نسخ احللف‪ ، ‬ونسخ التوارث به‪ ، ‬ومنع إحداثه يف‬
‫اإلسالم‪. ‬‬
‫((‪ ‬ومن هنا يظهر أن اإلسالم ربط املسلمني برابطة الميكن ألي تنظيم وضعي مهما حصل عليه من‬
‫القوة والدقة أن يصل إىل مثلها‪ ، ‬وأن العالقة أو األخوة اإلسالمية هي أساس الوالء والرباء يف اإلسالم‪، ‬‬
‫فاملسلم ويل املسلم سواء عرفه أومل يعرفه‪ ، ‬بل ولو كان أحدمها يف املشرق واآلخر يف املغرب‪ ، ‬وهذا‬
‫يعين أن اإلسالم ال يتحمل يف داخله تنظيماً آخر حبيث تكون أسس ذلك التنظيم وقواعده أساساً‬
‫للوالء والرباء‪ ‬؛ ألن هذا النوع من التنظيم يقتضي أن من انتظم فيه يستحق العون والنصرة‪ ، ‬واإلخاء‬
‫وغريها من احلقوق‪ ، ‬ومن مل ينتظم فيه ال يستحق تلك احلقوق‪ ، ‬مع أن اإلسالم أعطى املسلم مجيع‬
‫هذه احلقوق جملرد كونه مسلماً ال لسبب آخر‪. )3()) ‬‬

‫() سورة الزلزلة ‪ ،‬اآليتان ‪. 8-7 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() (( جمموع الفتاوى )) ‪. 35/93‬‬ ‫‪2‬‬

‫() األحزاب السياسية يف اإلسالم ‪ ،‬للشيخ صفي الرمحن املباركفوري ‪. 45‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 25 -‬‬
‫جماعة المسلمين واحدة‬
‫جعل اهلل سبحانه وتعاىل أهل احلق حزباً واحداً قدراً وشرعاً وناط به الفالح يف أنفسهم والغلبة على‬
‫‪‬‬ ‫‪ ، )1(‬وقال أيضاً ‪:‬‬ ‫أعدائهم فقال ‪ :‬‬
‫(‪. )2‬‬ ‫‪‬‬
‫وهذه الغلبة املوعودة ثابتة حلزب اهلل باحلجة والربهان يف كل صقع وآن‪ ،‬وتتبعها الغلبة بالسيف‬
‫‪‬‬ ‫والسنان إذا كانت أحواهلم مستقيمة ‪ ،‬وقاتَلوا من أمر اهلل بقتاهلم ‪ ،‬قال تعاىل‪: ‬‬
‫‪ ، )4(‬فهذه‬ ‫‪ )3(‬وقال سبحانه ‪ :‬‬
‫بشارة عظيمة ملن اتصفوا بأهنم من جند اهلل وحتلَّوا باإلميان أهنم غالبون لغريهم منصورون من رهبم نصراً‬
‫عزيزاً يتمكنون فيه من إقامة دينهم(‪. )5‬‬
‫وهذا احلزب هو املعرَّب عنه بـ ((‪ ‬اجلماعة‪ )) ‬يف حديث افرتاق هذه األمة إىل ثالث وسبعني فرقة‪ ،‬قال‬
‫‪ (( ‬ثنتان وسبعون‪ -‬في النار ‪ ،‬وواحدة في الجنة وهي الجماعة‪. )6()) ‬‬
‫ومن شواهده لفظ ((‪ ‬ما أنا عليه‪ -‬وأصحابي‪. )) ‬‬
‫وهو مدلول حديث العرباض بن سارية املرفوع ((‪ ‬فإنه من يعش‪ -‬منكم بعدي فسيرى اختالفاً‪-‬‬
‫كثيراً‪ -‬فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضٌّوا عليها‪ -‬بالنواجذ‪.)7()) ‬‬
‫وهذا احلزب حزب واحد قد فُرغ من إنشائه على يدي رسول اهلل ‪ ‬فيجب على كل مسلم ينشد‬
‫رز ه ذا احلزب وين أى بنفسه عن شق عص اه‬ ‫احلق ويس عى يف فك اك نفسه من ع ذاب اهلل أن يل زم َغ َ‬
‫شقاق داخل هذا احلزب الواحد‪. ‬‬‫حزب ٍ‬ ‫وإنشاء ِ‬
‫وكان هذا احلزب متمثالً يف جيل الصحابة ‪ ‬والتابعني هلم بإحسان‪ ، ‬وكانوا ينابذون بشدة‬
‫العلمي املنهجيّ‪ )) ‬و‬
‫ّ‬
‫أشد العداء كل من يفت يف عضد هذه اجلماعة مبفهوميها ((‪ ‬‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ويناصبون َّ‬
‫السياسي‪ )) ‬وخيرج عليها من حيث العقيدة والسلوك والسياسة‪. ‬‬
‫ّ‬
‫((‪ ‬‬

‫() سورة اجملادلة اآلية ‪. 22‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة املائدة اآلية ‪.56‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة الصافات ‪.173‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة غافر اآلية ‪.51‬‬ ‫‪4‬‬

‫() تيسري الكرمي الرمحن للسعدي ‪.655 -654‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أخرجه أبو داود (‪ 4/198‬ح ‪ )4597‬من حديث معاوية ‪ ،‬وصححه شيخ اإلسالم ابن تيمية يف جمموع الفتاوى (‪)3/345‬‬ ‫‪6‬‬

‫واأللباين يف السلسلة الصحيحة رقم (‪. )204‬‬


‫() أخرجه أمحد ( ‪ ، )128 -4/127‬وأبو داود ( ‪ 4/200‬ح ‪ ، )4607‬والرتمذي‬ ‫‪7‬‬

‫( ‪ ، )2676‬وابن ماجه ( ‪ ، )43‬وغريهم وهو حديث صحيح ‪.‬‬


‫‪- 26 -‬‬
‫ففيما يتعلق باملخالفة العقدية جند اإلنكار الشديد واحلاسم من عبد اهلل بن عمر ‪ ‬على منكري‬
‫القدر ‪ ،‬فقد روى مسلم(‪ )1‬عن حيىي بن يعمر قال‪ (( : ‬كان َ‬
‫أول من قال يف القدر بالبصرة معبد اجلهين‬
‫حاجني أو معتمرين فقلنا‪ : ‬لو لقينا أحداً من أصحاب‬‫فانطلقت أنا ومحيد بن عبد الرمحن احلمريي َّ‬
‫رسول اهلل ‪ ‬فسألناه عما يقول هؤالء يف القدر‪ُ . ‬فوفِّق لنا عبد اهلل بن عمر بن اخلطاب داخالً املسجد‬
‫إىل‪ . ‬فقلت‪:‬‬
‫فاكتنفته أنا وصاحيب‪ . ‬أحدنا عن ميينه واآلخر عن مشاله‪ . ‬فظننت أن صاحيب سيكل الكالم ّ‬
‫أبا عبد الرمحن ! إنه قد ظهر قِبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم ‪ -‬وذكر من شأهنم ‪ -‬وأهنم‬
‫ف‪ . ‬قال‪ : ‬فإذا لقيت أولئك فأخربهم أين بريء منهم‪ ، ‬وأهنم برآء‬ ‫يزعمون أن ال قدر‪ . ‬وأن األمر أُنُ ٌ‬
‫مين‪ ، ‬والذي حيلف به عبد اهلل بن عمر ! لو أن ألحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل اهلل منه حىت‬
‫يؤمن بالقدر‪. )) ‬‬
‫ومن حيث املخالفة السلوكية نرى كيف أن عبد اهلل بن مسعود شدَّد النَّكري على هؤالء الذين‬
‫أحدثوا أمناطاً يف العبادة مل تكن يف عهد رسول اهلل ‪ ‬من إحصاء األذكار وعدِّها‪ ،‬مما مل يؤمروا به‪،‬‬
‫فكان مما قال هلم يف تعنيفهم‪ (( :‬إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة حممد ‪ ‬أو مفتتحوا باب ضاللة‪. ‬‬
‫قالوا‪ :‬واهلل يا أبا عبد الرمحن ؛ ما أردنا إال اخلري‪ . ‬قال‪ : ‬وكم من مريد للخري لن يصيبه )) أخرجه‬
‫الدارمي(‪ )2‬بإسناد جيد‪. ‬‬
‫ومن حيث املخالفة السياسية جلماعة املسلمني نرى كيف أن ابن عمر هدَّد َح َش َمه وولده‬
‫باملفاصلة بينه وبينهم يف شأن خلع يزيد بن معاوية‪ ، ‬فقد روى البخاري(‪ )3‬أن ابن عمر مجع حشمه‬
‫وولده فقال‪ : ‬إين مسعت النيب ‪ ‬يقول‪ (( : ‬يُنصب لكل غادر‪ -‬لواء يوم القيامة‪ ، )) -‬وإِنَّا قد بايعنا هذا‬
‫الرجل على بيع اهلل ورسوله ‪ ، ‬وإين ال أعلم غدراً أعظم من أن يُبايَع ٌ‬
‫رجل على بيع اهلل ورسوله مث‬
‫يُنصب له القتال‪ ، ‬وإين ال أعلم أحداً خلعه وال بايع يف هذا األمر إال كانت الفيصل بيين وبينه‪. ‬‬
‫وال يعين ذم التحزب واالفرتاق أن تتشتت الطائفة املنصورة والفرقة الناجية وال جيتمع منهم اثنان كما‬
‫الرافض‬‫حيلو لبعض املتحزبني أن يصموهم به لتخذيل الناس عنهم وتشويه صورهتم وإظهارهم مبظهر َّ‬
‫للتعاون الشرعي واملفرق لكلمة املسلمني‪. ‬‬
‫فاإلسالم ال حيجر على أهل احلق أن يتعاونوا إلعزاز دين اهلل‪ ، ‬بل يوجب عليهم أن يتضافروا‬
‫لنصرة دين اهلل بكل طريق ال يتعارض مع الشرع ومصلحتة خالصة أو راجحة‪ ،‬وال يضيق عليهم يف إنشاء‬
‫املدارس واجلامعات ومجعيات النفع العام واملراكز اليت ختدم دعوهتم بشرط أن يتجنبوا مفاسد التحزب‬

‫() يف صحيحه ‪ 1/36‬ح (‪. )8‬‬ ‫‪1‬‬

‫() يف مسنده (‪. )1/287‬‬ ‫‪2‬‬

‫() يف صحيحه (‪. )6/2603‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪- 27 -‬‬
‫والتفرق من االفتئات على حقوق أهل احلل والعقد يف نصب اإلمام أو منابذته حني يُشرع ذلك‪،‬‬
‫وحتزيب اجملتمع وتوزيع والئه على األحزاب وأخذ البيعات وعهود الطاعات عليهم‪.‬‬
‫مث إن اإلسالم كما هنى عن االختالف والتفرق والتحزب وكل ما يكدر صفو ألفة املسلمني ومتاسكهم‬
‫وتعاضدهم الذي يكفل هلم وحدة صفهم الداخلي وتضافر القوى واجلهود يف التصدي للعدو اخلارجي‬
‫تفت يف عضدهم‬ ‫الغاشم = شرع هلم تشريعاً يدهلم على مكانة وحدة املسلمني وس ّد الذرائع اليت قد ّ‬
‫وتفرق مشلهم‪.‬‬
‫ِّ‬
‫سن االجتماع على إمام واحد يف اإلمامة الكربى‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف بيان ذلك‪ :‬إنه ‪ّ ‬‬
‫(( ‪ ‬‬

‫ويف اجلمعة والعيدين واالستسقاء ويف صالة اخلوف وغري ذلك مع كون إمامني يف صالة اخلوف أقرب‬
‫إىل حصول الصالة األصلية ملا يف التفريق من خوف تفرق القلوب وتشتت اهلمم ‪ ،‬مث إن حمافظة الشارع‬
‫على قاعدة االعتصام باجلماعة وصالح ذات البني وزجره عما قد يفضي إىل ض ّد ذلك يف مجيع‬
‫التصرفات ال يكاد ينضبط ‪ ،‬وكل ذلك شرعٌ لوسائل األلفة ‪ ...‬وزجر عن ذرائع الفرقة )) اهـ(‪. )1‬‬
‫ومن أمثلة ذلك أنه إذا كان املسلمون يف أم ٍر جام ٍع وأمكن اجتماع أبداهنم يف صعيد واحد ُكره هلم‬
‫تفرقها‪ ، ‬كما روى اإلمام‬ ‫يتفرقوا إال من عذر ؛ ألن ذلك أدعى الئتالف قلوهبم وأبعد عن ُّ‬
‫أن َّ‬
‫أمحد(‪ ، )2‬وأبو داود(‪ ،)3‬والنسائي(‪)4‬وغريهم واللفظ ألمحد‪ : ‬من حديث أيب ثعلبة اخلشين قال‪ : ‬كان‬
‫الناس إذ نزل رسول اهلل ‪ ‬منزالً فعسكر تفرقوا عنه يف الشعاب واألودية‪ ، ‬فقام فيهم فقال‪ (( : ‬إن تفرقكم‬
‫انضم بعضهم إىل‬‫في الشعاب واألودية إنما ذلكم من الشيطان‪ )) -‬قال‪ : ‬فكانوا بعد ذلك إذا نزلوا َّ‬
‫لعمهم أو حنو ذلك‪. ‬‬
‫بسطت عليهم كساءً َّ‬
‫َّ‬ ‫بعض حىت إنك لتقول ‪ :‬لو‬
‫وشرع هلم النيب ‪ ‬أيضاً ‪ -‬أنه إذا كان إمام الصالة مريضاً ومل يستطع أن يصلي بالناس قائماً‬
‫فصلى قاعداً – أن يصلوا بصالته قاعدين حفاظاً على الوحدة ومراعاة عدم االختالف على اإلمام‪. ‬‬
‫أخرج الشيخان من حديث عائشة قالت‪ :‬اشتكى رسول اهلل ‪ ‬فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه‬
‫‪ ،‬فصلى رسول اهلل ‪ ‬جالساً ‪ ،‬فصلّوا بصالته قياما فأشار إليهم ‪ :‬أن اجلسوا فجلسوا‪ ، ‬فلما انصرف‬
‫قال‪ (( : ‬إنما جعل اإلمام ليؤتم به ‪ ،‬فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالساً فصلوا‬
‫جلوساً‪. )5()) ‬‬

‫() بيان الدليل على بطالن التحليل ص‪ 371 :‬البن تيمية حتقيق فيحان املطريي‪ ،‬نشر مكتبة لينة يف مصر ط‪1416 ، 2‬هـ ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() يف املسند (‪. )29/237‬‬ ‫‪2‬‬

‫() يف السنن (‪. )3/41‬‬ ‫‪3‬‬

‫() يف السنن الكربى (‪. )5/269‬‬ ‫‪4‬‬

‫() صحيح البخاري كتاب األذان‪ ،‬باب إمنا جعل اإلمام ليؤمت به ‪ ( ،‬فتح الباري ‪ ، )2/173‬وصحيح مسلم ‪ 1/309‬ح (‬ ‫‪5‬‬

‫‪. )412‬‬
‫‪- 28 -‬‬
‫ومل جيز اإلس الم حني عجز اإلم ام عن الص الة قائم اً أن يتش تتوا ويتفرق وا ويص لوا أوزاع اً‬
‫ومجاعات‪. ‬‬
‫النيب ‪ ‬ملا اعتلّوا فصلّوا قعوداً والناس خلفهم‬
‫أئمة الصحابة بعد ّ‬
‫وهذا أحد األقوال يف املسألة ‪ ،‬وبه عمل ّ‬
‫قعود وإليه ذهب فقهاء أهل احلديث‪ ،‬وهو الذي تأتلف به اآلثار يف املسألة(‪. )1‬‬
‫مث إن األحزاب واجلماعات اإلسالمية دأبوا على االستماتة يف الدفاع عن تفرقهم وحتزهبم‬
‫واالستبسال يف تسويغ فعلتهم تلك عند مضايق الطرق عليهم فأصبحوا يبحثون عن شبهات يؤيدون‬
‫هبا مواقفهم وحيفظون هبا ماء وجوههم فافرتوا على السلفيني أهل احلديث أهنم أيضاً أحزاب‬
‫ومجاعات هلم مدارسهم ومعاهدهم ومجعياهتم اخلريية‪ ، ‬قالوا‪ : ‬وال حيسن من العاقل أن يعرِّي غريه مبا هو‬
‫واقع منه ومرتبع فيه‪. ‬‬
‫واحلقيقة أن احلزبيني يف شبهتهم هذه يتعامون عن حقيقة أن أهل احلديث هم االمتداد الطبيعي‬
‫جليل الصحابة والتابعني‪ ، ‬وأن تعاوهنم فيما بينهم بريء من مرتكزات احلزبية اليت سقناها يف مبحث‬
‫سابق‪. ‬‬
‫فليس وصم السلفيني بالتحزب املذموم مبغ ٍن عنهم فتيالً‪ ، ‬وما هو إالّ كما قيل‪ : ‬رمتين بدائها‬
‫اجلادة يف ذلك‪، ‬‬
‫وانسلت‪ ، ‬وإال فإن أهل احلديث هم املشهورون بالتحذير من التحزب واحلزبية وبالكتابات ّ‬
‫وتربية املسلمني على اإلسالم املص ّفى من كل شائبة‪ ، ‬واالعتصام حببل اهلل مجيعاً وترك التفرق ورعاية‬
‫حقوق الراعي والرعية‪ ، ‬كل ذلك على هدي من العلم باحلق والرمحة باخللق ونشر السنن والعقيدة‬
‫بش َعبِها ‪ ،‬كما متيزوا بتحقيق النصيحة هلل ولرسوله ولكتابه وألئمة املسلمني‬
‫السلفية بتفصيالهتا وقمع البدع ُ‬
‫وعامتهم‪ ،‬فأىن يصح رميهم بالتحزب واحلزبية واحلال ما ذكر ؟‬
‫ولتكن خامتة هذه الرسالة اهلمس يف أذن املنصفني أنه ليس املقصود من رقم هذه الرسالة وزبر‬
‫أصوات من هناب األحزاب‬‫ٍ‬ ‫أتباع ومجع‬
‫هذه اخلالصة التلذذ بنقد اآلخرين وقضاء شهوة الكالم وكسب ٍ‬
‫واجلماعات ومزامحتهم وملء اجلعبة باألتباع والتكثر هبم والدخول هبم يف معرتك السياسات وطلب‬
‫والضن هبم عن شؤم‬‫ِّ‬ ‫الكراسي‪ ، ‬ولكنه حماولة درء فتنة التشرذم والتحزب والتفرق عن شباب الدعوة‬
‫االختالف والتفرق والتحزب والفشل‪ ،‬واهلل من وراء القصد‪. ‬‬

‫النيب‬
‫() قال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف قاعدة يف االستحسان‪ ... (( 54‬وكذلك عند أمحد وغريه من فقهاء احلديث ملا أمر ّ‬
‫‪1‬‬

‫‪ ‬الناس إذا صلّى اإلمام قاعداً أن يصلّوا قعوداً أمجعني ‪ .‬مثّ ملا افتتحوا الصالة قياماً أمتّها هبم قياماً ‪ .‬عمل باحلديثني ومل‬
‫يقس على أحدمها قياساً يناقض اآلخر وجيعله منسوخاً كما فعل طائفة من الفقهاء كالشافعي واحلميدي وغريمها ‪.‬‬
‫واستدل هو وغريه بأ ّن الصحابة بعده ملا صلّوا جلوساً أمروا من خلفهم باجللوس ‪ ،‬وقد شهدوا صالته يف آخر عمره مثل‬ ‫ّ‬
‫األولني من األنصار ‪ ،‬وقد فعل ذلك يف عهد أيب بكر )) ‪ .‬وانظر القواعد‬ ‫أسيد بن حضري ‪ ،‬وهو من أفضل السابقني ّ‬
‫النورانية الفقهية ‪. 101-100‬‬
‫‪- 29 -‬‬
‫نسأل اهلل أن يرزقنا اإلخالص والصدق يف النية والقول والعمل‪. ‬‬
‫‪‬‬

‫‪- 30 -‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫تقديم الشيخ صفي الرحمن المباركفوري ‪3 ........................................‬‬
‫مقدمة المؤلَِّفين ‪7 .................................................................................‬‬
‫مسألة في مرتكزات الحزبية المعاصرة ‪11 ...........................................‬‬
‫األول ‪ :‬عقد الوالء والبراء على ما لم يعقده اهلل عليه ‪14-11‬‬
‫المرتكز ّ‬
‫المرتكز الثاني ‪ :‬أخذ البيعة – وهي العهد بالطاعة – للحزب أو لزعيمه ‪19-14‬‬
‫الحل و العقد ‪24-19‬‬
‫المرتكز الثالث ‪ :‬تعاطي أحقية الوصول إلى الحكم واالفتئات على أهل ّ‬
‫مسألة في حكم الحزبية المعاصرة ‪25 ..................................................‬‬
‫بعض مفاسد الحزبية المعاصرة ‪26 .......................................................‬‬
‫أقوال العلماء في‪ -‬منع التحزب ‪29 ........................................................‬‬
‫قول ابن جرير الطبري ‪29 ....................................................................‬‬
‫قول شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪29 ............................................................‬‬
‫قول الشاطبي أن هذه ال ُفرقة مشعرة بتفرق القلوب ‪34 .......................‬‬
‫قول العالمة األلباني ‪35 ........................................................................‬‬
‫قول العالمة ابن باز ‪35 .........................................................................‬‬
‫قول العالمة ابن عثيمين ‪37 ..................................................................‬‬
‫قول الشيخ بكر أبو زيد ‪38 .................................................................‬‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫قول الشيخ صفي الرحمن المباركفوري ‪38 ........................................‬‬
‫‪39‬‬ ‫تنبيه على خطأ حشر أهل السنة مع أهل التفرق والحزبية في صعيد واحد‬
‫مسألة في حكم إحداث الحلف في‪ -‬اإلسالم ‪41 ..................................‬‬
‫‪49-41‬‬ ‫نقل طويل من تهذيب اآلثار للطبري أورد فيه األحاديث الدالة على نسخ تحالف الجاهلية‬
‫قول أبي جعفر الطحاوي في نسخ حلف الجاهلية وبيان وجه ذلك ‪49‬‬
‫قول ابن بطة في عدِّه عقد التحالف في‪ -‬اإلسالم من البدع المحدثة التي نهى عنها ‪50 ‬‬
‫إيراد ابن تيمية قولين في المسألة وتأييده قول النسخ باألدلة والشواهد ‪51‬‬
‫توضيح المباركفوري أن اإلسالم ال يتحمل في‪ -‬داخله تنظيماً آخر ‪53‬‬
‫جماعة المسلمين واحدة ‪55 .................................................................‬‬
‫أسباب النصر على األعداء ‪55 ..............................................................‬‬
‫حقيقة حزب اهلل المعبَّر عنه بالجماعة ‪56 .............................................‬‬
‫ٍ‬
‫افتراق ‪56 ......................................‬‬ ‫ألي بادرة‬ ‫أمثلة لمواجهة الصحابة ّ‬
‫إنكار عبد اهلل بن عمر على القدرية وتبرئه منهم ‪57 ............................‬‬

‫‪- 31 -‬‬
‫‪58‬‬ ‫مما لم يؤمروا به‬
‫إنكار عبد اهلل بن مسعود على الذين أحدثوا إحصاء األذكار وع ّدها َّ‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪58‬‬ ‫تهديد عبد اهلل بن عمر أوالده بالمفاصلة إذا شاركوا في‪ -‬خلع يزيد بن معاوية‬
‫اإلسالم ال يحجر على أهل الحق التعاون على البر والتقوى ‪59 .........‬‬
‫س ّد الشارع الذرائع المؤدية إلى تفرق القلوب ‪60 ..............................‬‬
‫دفع شبهة من طعن على السلفيين بأنهم حزب من األحزاب ‪62 .........‬‬
‫إشارة إلى خاتمة الرسالة ‪63 .................................................................‬‬
‫فهرس الموضوعات ‪65 ........................................................................‬‬

‫‪‬‬

‫‪- 32 -‬‬

You might also like