Professional Documents
Culture Documents
At Tahdzir Minat Tafarruq Wal Hizbiyah Utsman Bin Mahmud Taqdim Syaikh Shofiyyurrahman Al Mubarakfuri
At Tahdzir Minat Tafarruq Wal Hizbiyah Utsman Bin Mahmud Taqdim Syaikh Shofiyyurrahman Al Mubarakfuri
إعداد
عثمان بن معلم محمود بن شيخ علي
وأحمد بن حاج محمد عثمان ( أحمد إمام )
تقديم
فضيلة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري
-2-
حمم ٍد أفضل الرسل وخامت النبيني وعلى آله وصحبه احلمد هلل رب العاملني ،والصالة والسالم على َّ
ومن اهتدى هبديه إىل يوم الدين. َ
فإن اهلل سبحانه وتعاىل أرسل رسوله باهلدى ودين احلق ليخرج الناس من الظلمات وبعدَّ …
إىل النور ، فقام بذلك أحسن قيام ،حىت أخرجهم من جور األديان إىل عدل اإلسالم ، واسرتاحت األُمـَّة
ِ
اإلنسانية بعد دهر طويل من التعب والعناء ، مُثَّ مشى خلفاؤه على منهاجه حىت أُق َ
يمت احلُ َّجة
ت السبيل ، ومل يبق للناس بعد ذلك حجة على اهلل. وبِّينَ ِ
َُ
طويل حىت انقلبت األمور ، وجاء على منصة احلكم رجال قاموا بأعمال دهر ٌ ولكن مل ميض على ذلك ٌ
ال ُت ْعَرف يف اإلسالم ، وبذلك اختلطت األمور ، وبقيت األمـَّة حائرة يف أمرها،
صح األمـَّة ، وبيَّنوا هلا احلق من الباطل ، والعدل من اجلور ، وبذلك أصبح أن أهل العلم قاموا بنُ ْ إالَّ َّ
الطريق واضحاً وإن مل ميش عليه اجلائرون.
احلكام املسلمون مُثَّ حصلت تقلبات يف العامل صرفت السياسة واحلكم إىل غري املسلمني ، وأصبح َّ
فصل هؤالء الكفار قضاياهم حسب عقليتهم وجتارهبم ، ومل يكن أمامهم سبيل غري أذناباً هلم ، وقد َّ
أن كثرياً مِم َّن ينتسب إىل العلم واملعرفة أصبح يهرول خلف َسف له كل حليم عاقل َّ ذلك ، ولكن مِم َّا يتَأ َّ
هؤالء الكفَّارِ ، من أصحاب النظريات اجلديدة ، وبدأ يطلب عالج األُمـَّة يف أفكارهم ، ويلقنها تلك
األفكار على أهَّن ا هي املطلوبة يف اإلسالم.
وبذلك أصبحت األ َُّمة أمام قضايا وجتارب مل تعرفها طوال تارخيها املاضي الطويل ، ومن تلك
أن هذه القضية تستحق الدراسة املتأنية القضايا قضية األحزاب السياسية جبوانبها املعروفة ، وال شك َّ
الواعية جبميع أطرافها وزواياها ، حىت تتبني املفسدة من املصلحة ، ويُعرف احلكم الشرعي الذي تقتضيه
قواعد اإلسالم.
أن أخانا الدكتور عثمان بن معلم حممود بن شيخ علي الصومايل املتخرج يف اجلامعة يسرين َّ مِم
و َّا ُّ
اإلسالمية باملدينة النبوية ، والشيخ أمحد بن حاج حممد بن عثمان الصومايل املتخرج يف جامعة أ ُّم القرى
-3-
والسنَّة،
املهمة ، ودرساها يف ضوء نصوص الكتاب ُ مبكة املكرمة مبرحلة املاجستري ، تناوال هذه القضية َّ
ويف ضوء األمر الواقع ، دراسة هادئة مفيدة ، حىَّت وصال إىل نتيجة واضحة . فبارك اهلل يف جهودمها،
ووفقهما للمزيد.
برفق ٍ
وتأن ، وأن يزودوا األُمـَّة باملزيد إن كان عندهم ما واملرجو من أهل العلم أن يدرسوا حبثهما ٍ
يفيدون به ، وأن يلتزموا باحلياد واهلدوء حىَّت يستبني السبيل ، وأن يقولوا ما يرضي اهلل سبحانه وتعاىل،
وينقذ األ َُّمة مِم َّا هي فيه . إنـَّه ويل التوفيق.
-4-
مقدمة: -
إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا وسيئات أعمالناَ ، من يهده َّ
هادي له ، وأَ ْش َه ُد أ ْن ال إله إالَّ اهلل وحده ال شريك له وأشهد َّ
أن مضل له ، ومن ي ْ ِ
ضلل فال َ َْ ُ اهلل فال َّ
حممداً عبده ورسولهَّ . أما بعد: َّ
األعمال ، وهي وظيفة الرسل ِ اجلاهلِ ، من ِ
أفضل ِ وتعليم
َ
وإرشاد الض ِّ
َّال، َ َّ
فإن الدَّعوة إىل اهلل،
ومن اقتدى هبداهم واقتفى آثارهم ِمن أُويل األفهام. الكرام عليهم السالم َ
قال اهلل تعاىل:
(. )1
. )2( وقال سبحانه :
وقال تعاىل خماطباً نبيه عليه السالم:
(. )3
وقال سبحانه:
(. )4
ومِم َّا يعني على احتساب األجر يف دعوة اخللق ويبعث اهلمم على احتمال الصعاب قول الرسول
لعلي بن أيب طالب tحني أعطاه الراية يوم خيرب (( :انفذ على رسلك وانزل بساحتهم ثُ َّم ادعهم -إلى ّ r
اإلسالم ،فواهلل ألَن يهدي اهلل بك رجالً واحداً خير -لك منُ -ح ْمر -النَّعم. ))
صلَنا هذا اخلري الذي نَْن َع ُم به، والصرب على أذاهم لَ َما َو َ
ولوال َمن يقيمه اهلل لدعوة الناس إىل احلق َّ
َف ْلنَ ْجتَ ِهد يف إيصال هذا النور ملن حيمل األمانـة بعدنا.
وسنَّة رسوله rوما كان عليه السلف ، ال إىل النفس وجيب أن تكون الدَّعوة إىل اهلل وإىل كتابه ُ
مقررات احلزب وما افرتعته عقول البشر. وال إىل ّ
السنَّة ضلَّت وأضلَّت. تتوخ الصواب ولزوم ُ يبار ْك فيها ، وإن مَل ّ
فالدَّعوة إذا افتقدت اإلخالص مل َ
الناس إليه من أمر -الدين نوعان: وما -يُ ْد َعى ُ-
الصالة وإيتاء والعامة ، كالدَّعوة إىل إفراد اهلل بالعبادة وإقام َّ َّ نوع :يشرتك يف معرفته وإدراكه العلماء
والزنا والربا وعقوق حق ّ احملرمات الظاهرة كقتل النفوس بغري ّ الزكاة وصوم رمضان ، واجتناب َّ
الوالدين ، فهذا النوع جيب أن يقوم به َمن حتصل هبم الكفاية من األمـَّة.
-5-
وأشباه ُهم
ُ والنوع الثاني خيتص به العلماء حلاجته إىل االستدالل والبصر باألدلة ، وإذا دخل فيه َّ
العامةُ
أفسدوا.
وقد حدث يف شأن الدَّعوة يف العصور املتأخرة أمور أوجبت االختالف وبذرت الشقاق من أمهها
وقل االحتساب ،فتسمع تقدمي غري املتأهلني للدَّعوة واإلصالح ،فتمحورت الدَّعوة حول أشخاصهم َّ ،
عبارات مثل :مكاسب الدَّعوة ،وإخفاقات الدَّعوة ، واملقصود أمور دنيوية من مال أو جاه ورئاسة
واحتالل مناصب إن ختلَّفت أو نو ِزعوا فيها استوجب األمر النفري للدفاع عن مكاسب الدَّعوة -
وذل املسلمون.
زعموا -مهما أصيبت الدَّعوة احلقة يف مقتل وتزعزع أمن الناس ّ
احلكام يف كث ٍري من األحكام قابلهم ومن تلك األمور اليت أوجبت االختالف أنـَّه ملا َّفرط كثريٌ من َّ ِ
َّ
أُناس من الدُّعاة جعلوا ُك ّل مهّهم مصارعتهم وانتزاع السلطان من أيديهم ، فخرجت الدَّعوة من أن
تكون عالجاً إهلياً ألدواء اجملتمع مبا فيهم احلُ َّكام إىل شيء آخر وهو تأليب احملكومني على احلُ َّكام حىَّت
أن املطلوب من الدَّاعية أن يعرض اإلسالم على نقائه وفطرته وأن يُطَ ِّهر فقدوا الثقة يف الدُّعاة ، مع َّ
يتحجج كاره اإلسالم بأنـَّه إمَّن ا يدفع عن سلطانه الظن به حىت ال َّ األجواء من ِّ
املعكرات وما جيلب سوء ّ
السلطة.
عُشَّاق ُّ
ومن هذا األمر األخري جنم -واهلل أعلم -نشوء األحزاب السياسية يف اإلسالم ، فهل هي ضرورية
وحفظه على أُصوله األوىل ؟ أم هي عبءٌ عليه ؟ للدفاع عن اإلسالم ِ
فمست احلاجة إىل بيان مرتكزاهتا، مُثَّ ظهر مصطلح احلزبية مراداً بـه َّ
الذ ّم وترامى الناس هبا َّ
وحكمها يف اإلسالم ، وهل جيوز إحداث احللف يف اإلسالم ؟ وهل تتسع مجاعة املسلمني الجتاهات
متباينة ،أو هي مجاعة واحدة ؟
وهذه األمور األربعة هي اليت تناولتها هذه الدراسة املتواضعة اليت بني يديك ، لك غنمها وعلينا
حمم ٍد
ك خرياً ، نسأل اهلل أن يرزقنا اإلخالص يف القول والعمل ، وصلَّى اهلل على نبينا َّ غرمها ومل نألُ َ
وآله وسلَّم ، وسبحانك اللَّ ُه َّم وحبمدك نشهد أن ال إله إالَّ أنت نستغفرك ونتوب إليك.
المؤلِّفـان
عثمان بن معلّم محمود بن شيخ علي
-6-
مسألة في مرتكزات -الحزبية -المعاصرة-
قد َتغُُّر احلركات اإلسالمية احلزبية املعاصرة بعض طلبة العلم بربيق ألويتها املرفوعة وإعالناهتا
الزمن وحيناً فخها املنصوب وشراكها املعقود ، فيعيش حتت لوائها وظلِّها ردحاً من َّ املنشورة ،فيقع يف ِّ
بأن هذه من الدَّهر ، فيلمس واقعها املرير ، ويطَّلِع على أحواهلا املؤملة عن كثب ، فيحصل له العلم َّ
احلركات ال ختلو من هذه احملذورات اآلتية اليت هي مبثابة تنقيح املناط يف احلكم على ٍ
مجاعة َّما بأهَّن ا
ُمتَ َحِّزبـة حَتَُّزباً مذموماً:
أوالً : عقد الوالء والرباء على ما مل يعقده اهلل عليه من الكينونة داخل احلزب ، أو تأييده وإن مل ينتظم
فيه.
جملرد كونه مسلماً ، ويزاد فيه حلسن إميانه وتقواه وصحة أن أصل الوالء يُ ْعطَى للمسلم َّ مع َّ
وتعصبه
َّخص إلخالله مبقتضيات اإلميان ُّ منهجه ، وحبسب علمه باحلق ونصرته له ، ويُ َع َادى الش ْ
للباطل وأهله(. )1
ُخ َّوة بني فاملؤمن أخو املؤمن يواليه وينصره وإن تناءت الديار واختلفت األجناس .فاإلسالم أقام األ ُ
ني ، وأحكمها حبيث ال حتتاج إىل ٍ
عماد من احلزبية. أساس مت ٍ
املؤمنني على ٍ
قال اهلل تعاىل:
(. )2
أي : ذكورهم وإناثهم السعدي يف تفسريها (( : قال العالَّمة ّ
وهو اسم جامع ل ُك ِّل ما يف احملبَّة واملواالة واالنتماء والنصرة
وأول َمن يدخل يف أمرهم عرف حسنه من العقائد احلسنة واألعمال الصاحلة واألخالق الفاضلة َّ ،
وهو ُكل ما خالف املعروف وناقضه من العقائد الباطلة واألعمال اخلبيثة أنفسهم
أي : ال يزالون مالزمني لطاعة اهلل ورسوله على الدوام واألخالق الرذيلة
أي : يدخلهم يف رمحته ويشملهم بإحسانه. )3())
قال صفي الرمحن املباركفوري (( : إذا قلنا بتكوين األحزاب السياسية يف اإلسالم ،فاحلزب َّإما
أن جيعل اإلسالم أساس الوالء والرباء أو جيعل أمراً آخر غريه ، فإ ْن َج َع َل اإلسالم هو األساس َّ
فإن
اإلسالم ال حيتاج إىل إقامة حزب آخر ،أو تنظيم مجاعة أخرى ،بل هو نفسه يكفي لذلك ، وإن جعل
فإن هذا األمر يف معظم أحواله ال خيلو من أن يكون من أُمور اجلاهلية أساسهما أمراً آخر غري اإلسالم َّ
-7-
أن اإلسالم قد هنى عن الدَّعوة إليها ، وعن من العنصر والقبيلة واللغة والوطن وغريها ،ومعلوم َّ
االنضمام حتت لوائها ، روى مسلم عن أيب هريرة tقال : مسعت رسول اهلل rيقولَ (( : م ْ-ن
قَاتل تحت راية عمية -يغضب لعصبية -أو يدعو لعصبية -أو ينصر -عصبية -فقتل فقتلة جاهلية)) -
َ
(. )1
وروى البخاري عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال : قال رسول اهلل (( : rأبغض الناس إلى اهلل
ْحد في الحرم ، ومبت ٍغ في اإلسالم ُسنَّة -الجاهلية ، ومطلب دم امرئ مسلم بغير -حق ثالثة : مل ِ
ُ
ليهريق -دمـه. -
)2())
نلوث به اإلسالم. )3())
إذن فلندع هذا األساس املننت لألحزاب ، وال ِّ
ثانياً : أخذ البيعة -وهي العهد بالطاعة -للحزب أو لزعيمه بقصد الربط بني أفراد جمموعة احلزب
وإحكام تنظيمهم ليُنطلَق هبم إىل تنفيذ أهداف احلزب ، فاملسلمون ال خيلو حاهلم من أمرين:
السنَّة ، فال جيوز إحداث بيعة ُّ
- 1أن يكون هلم إمام ثبتت واليته بإحدى الطرق املعتربة عند أهل ُ
أخرى ، قال رسول اهلل َ (( : rمن بايع إماماً -فأعطاه -صفقة -يده وثمرة قلبه فليطعه -إن
استطاع ، -فإن جاء آخر ينازعه -فاضربوا عنق اآلخر . )) -وقال (( : rإذا بويع لخليفتين-
فاقتلوا اآلخر -منهما. )4()) -
متحزبني فال يُتَّبع أحد هذه األحزاب يف الفرقة ، وال يُبابع أحد املتنافسني - 2أن يكونوا متفرقني ِّ
من أهل الشوكة ، وهي احلال اليت سأل عنها حذيفة حني قال : فإن مَلْ يكن هلم مجاعة وال
النيب rبقوله (( : فاعتزل -تلك الفرق كلها. )) -
إمام ؟ فأجابه ُّ
السبُل،
وأما َمن ال شوكة هلم وال حيصل هبم مقصود اإلمارة من إنصاف املظلومني ، وتأمني ُّ َّ
وإقامـة احلدود ، وإيصال احلقوق والواليات إىل أهلها ، فهم أبعد من أن يُبَ َايعُوا.
قال شيخ اإلسالم ابن تيمية َّ (( :
إن النيب rأمر بطاعة األئمة املوجودين املعلومني الذين هلم سلطان
يقدرون بـه على سياسة الناس ،ال بطاعة معدوم وال جمهول ،وال َمن ليس له سلطان وال قدرة على شيء
َّيب rباالجتماع واالئتالف ، وهنى عن الفرقة واالختالف ، ومل يأمر بطاعة األئمة
أصالً .كما أمر الن ُّ
مطلقاً ، بل أمر بطاعتهم يف طاعة اهلل دون معصيته. )5())
أن الرسول rبايع الناس بيعات خمتلفة يف مناسبات متعدِّدة ، فنحنوبعضهم يقول :ما دام َّ
نقتدي بـه يف ذلك.
() صحيح مسلم ( )128-2/127كتاب اإلمارة ،باب وجوب مالزمة مجاعة املسلمني . 1
() صحيح البخاري ( )2/1016كتاب الديات ،باب َمن طلب دم امرئ بغري حق . 2
-8-
أن الرسول rمل يفتح الباب على مصراعيه ، فأقر بيعة تأملوا األحاديث السالفة لتبنَّي هلم َّ
ولو َّ
اخللفاء وهنى عن منازعتهم.
وعمل الصحابة يدل على أهَّن م استَْب َقوا بيعة اخللفاء فقط ، ورأوا ما عداها ِمن خصائص ُ
الرسول . r
إن الرسول rكان يعمل بعض األعمال اليت يقول أهل العلم :إن االقتداء به فيها يقتصر مُثَّ َّ
على أويل األمر ، فما مقام احلِزيِب يف األُمـَّة حىَّت يسوغ لـه زعم أنـَّه ٍ
مقتد بالنَّيِب ِّ rيف فعله ؟!. ْ ّ
إن اخللفاء الراشدين الذين قاموا مقامـه rيف سياسة األُمـَّة ،مل يُْن َقل عنهم ُّ
التوسع يف بل َّ
البيعات حىت البيعة على اإلسالم.
يقول املعلِّمي (( :يف الصحيحني وغريمها عن عُبادة بن الصامت َّ
أن النَّيِب َّ rبايعهم على مثل بيعة
النساء ، وجاء مثله عن جرير بن عبد اهلل ، وعبد اهلل بن عمرو.
كأن املقصود هبا -واهلل أعلم -تفسري الشهادتني وتأكيدمها . ولذلك -واهلل أعلم - وهذه املبايعة َّ
ومن بعدهم مبايعة َمن يُ ْسلِم مثل املبايعة املذكورة اكتفاءً بالشهادتنيَّ ،
وبأن معنامها ترك أئمة الصحابة َ
وما يتعلَّق بـه من التزام األمور املذكورة قد اشتهر بني الناس. )1())
ُسئِ َل الشيخ ابن باز :بعض الطُّالَّب السلفيني يقولون : البـَُّد أن جنتمع على عهد وعلى بيعة ألم ٍري
لنا وإن ُكنَّا على املنهج السلفي ، لسنا يف اجلماعات األُخرى ؟
فأجاب الشيخ بقوله (( : ما حيتاج بيعة وال شيء أبداً ، يكفيهم ما كفى األولني . األولون
طلبوا العلم وتعاملوا بالرب ِمن دون بيعة ألحد. )2())
أن هذه اجلماعات سؤال حول اجلماعات (( : أرى َّ جواب له عن ٍ ٍ وقال الشيخ ابن عثيمني يف
ألن النَّاس مااليت جاء يف السؤال أرى أن جتتمع على كلمة واحدة بدون مبايعة ، بدون معاهدةَّ ،
ألن هذه املعاهدة واملبايعة إن كانت داموا حتت لواء دولة وحكم وسلطان ،فال معاهدة وال مبايعة َّ ،
خمالفة للنظام السائد يف الدولة ، فهذا يعين اخلروج على الدولة واالنفراد مبا تعاهدوا عليه.
وإن كانت تعين التساعد فيما يهدفون إليه فهذا ال حيتاج إىل بيعة ومعاهدة ، بل يكفي كل
واحد من الشباب أن يدرس على شيخ يثق بعلمه وأمانته ودينه ويتوجه بتوجيهاته دون أن يكون
هناك مبايعة ومعاهدة ؛ كما كان أسالفنا.
اإلمام أمحد رمحه اهلل إمام وله أصحاب ومل جير بينه وبينهم معاهدة وال مبايعة .اإلمام الشافعي
كذلك ،اإلمام مالك وأبو حنيفة وسفيان الثوري وغريهم من األئمة ، هل أحد منهم طلب من
() كتاب العبادة ،ص ، 11وهو خمطوط مل يُطْبَع بعد . 1
نسق بعضهم كالماً فيه العبارات اآلتية : اهلل ربنا، ولنا عربة مبا وقع يف عهد التابعني لَ َّما َّ
ومن خالفنا كانت يدنا عليه َ ،فعُ ِرض على ومن كان معنا ُكنَّا و ُكنَّاَ ، وحممد نبينا ، والقرآن إمامناَ ، َّ
مطرف بن عبد اهلل بن َمن باجمللس يقال ل ُك ٍّل منهم : هل أقررت يا فالن ؟ فوافقوا على ذلك إالَّ ّ
علي عهداً يف كتابه فلن أحدث عهداً سوى إن اهلل قد أخذ َّ ِّخري ، فقيل له يف ذلك ، فقالَّ : الش ِّ
مطرفاً -وكانوا زهاء علي ، فرجعوا ُكلُّهم عن اإلقرار ووافقوا التابعي اجلليل ّ العهد الذي أخذه َّ
ثالثني رجالً(. )2
وقول بعضهم : إنـَّه امتنع من العهد خللل يف صيغة العهد وملا فيها من التعصب قول ال طائل حتته ،
فإن صريح عبارته تعطي أنـه ينكر مبدأ إحداث العهد ، ولو كان خللل يف عباراته لطلب منهم َّ
إصالحه حىَّت يوافق عليه.
ثالثاً :تعاطي أحقية الوصول إىل السلطة وشرعية البحث عنها.
فإ ْن كان احلاكم املسلم موجوداً فاحلزب يعارضه وينافسه مبا هتيّأ له من طريق دميقراطي أو ح ّد
سيف وسنان.
وإن انفرط ِع ْق ُد األُمـَّة فلم يكن هلم سلطان أو كان كافراً ُك ْفراً بواحاً عندنا من اهلل فيه
اخلاصة
ويسوغ لنفسه البحث عن احلكم بأساليبه َّ احلل والعقد ّ فإن احلزب ينفرد عن أهل ّ برهانَّ ،
ظ األوفر. لتصفو له الغنائم أو يكون له فيها احل ّ
وقد حتدَّث اخلليفة الراشد عمر بن اخلطَّاب tعن الذين يستبدُّون باألمور عند شغور منصب
وحذر املسلمني منهم على م ٍإل من مجاعة الصحابة الذين شهدوا خطبته يف بلد
اإلمامة فأنكر فعلهم َّ
والسنَّة ، مدينة النَّيِب ِّ . r
العلم ُ
فقد أسند البخاري عن عبد الرمحن بن عوف أنَّه قال البن عباس مبىن : لو رأيت رجالً أتى أمري
املؤمنني اليوم فقال : يا أمري املؤمنني هل لك يف فالن يقول : لو قد مات عمر لقد بايعت فالناً،
ِّ
فمحذرهم هؤالء الذين يريدون أن فغضب عمر ، مُثَّ قال (( : إيّن إن شاء اهلل لقائم العشية يف النَّاس
() من الشريط السابق ،ومتَّ تسجيله بعد عشرة أيام من لقاء الشيخ ابن باز . 1
() حلية األولياء ( )2/204ومن طريقه الذهيب يف (( سري أعالم النبالء )) (. )4/192 2
- 10 -
أجل خطبته إىل مرجعه إىل املدينة ، فختم خطبته بقولهَ (( : من بايَ َع رجالً ِمن يغصبوهم أمورهم . )) مُثَّ َّ
غري مشورة من املسلمني فال يبايع هو وال الذي بايعه تَغَِّر ًة أن يُقتال. )1())
قال ابن حجر (( : أي : حذراً من القتل ، وهو مصدر من أغررته تغريراً أو تغرة ، واملعىنَّ :
أن َمن
وعرضهما للقتل. )2()) غرر بنفسه وبصاحبه َّ فعل ذلك فقد ّ
وشأن املسلمني التشاور بينهم يف أمورهم العظيمة ، قال تعاىل يف وصف املؤمنني
(. )3
الديين والدنيوي قال السعدي يف تفسريها (( :
أي : ال يستبد أحد منهم برأيه يف أم ٍر من األمور املشرتكة بينهم ، وهذا ال يكون إالَّ
وتوادهم وحتاببهم.
فرعاً عن اجتماعهم وتوالفهم ّ
فمن كمال عقوهلم أهَّن م إذا أرادوا أمراً من األمور اليت حتتاج إىل إعمال الفكر والرأي فيها
اجتمعوا هلا وتشاوروا وحبثوا فيها حىَّت إذا تبيَّنت هلم املصلحة انتهزوها وبادروها ، وذلك كالرأي يف
الغزو واجلهاد وتولية املوظَّفني إلمار ٍة أو قضاء أو غريمها . وكالبحث يف املسائل الدينية( )4عموماً ، فإهَّن ا
من األمور املشرتكة ، والبحث فيها لبيان الصواب مِم َّا حيبه اهلل ، وهو داخل يف هذه اآليـة. )5())
،)6( وبوب البخاري يف كتاب االعتصام من صحيحه باباً يف قول اهلل تعاىل : َّ
.
()7
وقوله سبحانه :
وقال حتته (( :كانت األئمة بعد النيب يستشريون األمناء من أهل العلم يف األمور املباحة ليأخذوا
بأسهلها ،فإذا وضح الكتاب أو السنة مل يتعدوه إىل غريه ))(. )8
الفنَت واالختالف وتساعد على انتظام إن الشورى تعصم من ِ وهذا ِمن عظيم فقهه رمحه اهلل حيث َّ
شئون اخللق.
() عن ميمون بن مهران قال (( :كان أبو بكر الصديق إذا ورد عليه أمر نظر يف كتاب اهلل ،فإن وجد فيه ما يقضي به 4
قضى بينهم ،وإن علمه من سنة رسول اهلل قضى به ،وإن مل يعلم خرج فسأل املسلمني عن السنة ،فإن أعياه ذلك
دعا رؤوس املسلمني وعلماءهم واستشارهم ،وأن عمر بن اخلطاب كان يفعل ذلك )).
أخرجه الدارمي يف مسنده ( ، )1/262والبيهقي يف السنن الكربى
(. )10/114
() تيسري الكرمي الرمحن (. )706 5
- 11 -
العامة مفتوح ل ُك ِّل أحد ، بل هو خاص بالعلماء واألمراء مع أن التشاور يف األمور َّ وال يظنَّن ظا ّن َّ
العامة.
يتم األمر بدوهنم من ُم َقدَّمي َّ استطابة نفوس َمن ال ُّ
وقد هنى النَّيِب ُّ rعن طلب اإلمارة ، فعن عبد الرمحن بن مسرة قال : قال يل رسول اهلل (( : rيا
ْت إليها ، وإن أُ ْع ِط َيت َهاَ -ع ْنعبد الرحمن بن سمرة ! -ال تسأل اإلمارة ، فإن -أُ ْع ِط َيت َها -عن مسألة ُوكِل َ
ت عليها. )1()) غَْي ِ-ر ِم ْسأَل ٍَة أ ُِع ْن َ
وعن أيب موسى األشعري قال : دخلت على النَّيِب ِّ rأنا ورجالن من قومي ، فقال أحد الرجلني:
ِّأمرنا يا رسول اهلل ، وقال اآلخر مثله ، فقال (( : إنَّا ال ُن َولِّي هذا َمن سأله وال َمن -حرص عليه. )2())
ِ
يحت واستُبِ َ
أن احلرص على الوالية هو السبب يف اقتتال النَّاس عليها حىَّت ُسف َكت الدِّماء ْ ذكر املهلَّب َّ
وعظُ َم الفساد يف األرض بذلك(. )3 األموال واألعراضَ ،
ونيب اهلل يوسف عليه السالم مل يطلب الوالية ابتداءً ، لكن ملا قال له امللِك ُّ
َّ
يؤمل منه نفع عموم اخللق فقال: فمكنه من أرضه وائتمنه على أسراره ، بنَّي له ما ّ َّ 4( )
عليم . مُثَّ هو نيب ظ ٌ ( ،)5فحدَّد العمل وبنَّي السبب ، وهو أنـَّه حفي ٌ
ُّه َمة.
وحى إليه فهو أبعد من الت ْ يُ َ
ف عليها فإنَّه ال ينجو ، ولذلك جاء يف إحدى روايات فَ َمن مَلْ يتَّ ِهم نفسه يف هذه األُمور وخَيَ ْ
أخونَ ُكم عندي َمن يطْلُبُهُ .)6()) فحكم على طالب اإلمارة إن َ حديث أيب موسى السابق قوله َّ (( : r
باخليانة ، وذكر يف احلديث اآلخر أنـَّه يوكل إليها.
فإن قيامها غري شرعي لضرره احملقَّق جلماعة املسلمني فمىت ُو ِج َدت احملاذير السابقة يف مجاعة واحدة َّ
إن عاجالً أو آجالً.
فإن تعاديها وختاصمها والتنافس بينها على الدنيا يكون فكيف إذا تعدَّدت اجلماعات بذلك الوصف َّ ،
شديداً ، والثمرة اجملنية تكون ُمَّرة كالعلقم ، فحرمة قيامها تكون أظهر.
متسك باإلسالم على أصوله األوىل ونأى بنفسه عن حمدثات األمور ، ومل يفتئت على وأمـَّا َمن َّ
حقوق مجاعة املسلمني بإحداث بيعة أو حلف أو والء وبراء يف غري حملّه أو استبداد بأمر إمارهتمَّ ،
فإن
احلق ونفع املسلمني أمر حسن مجيل ما يفعله من التعاون مع أهل احلق على الرب والتقوى ونصرة دعوة ّ
وليس من احلزبية يف شيء الختالف الوسائل والغايات.
- 12 -
مسألة في حكم الحزبية -المعاصرة-
بادئ ذي بدء حيسن ذكر مفاسد احلزبية زياد ًة على ما مضى يف مبحث مرتكزات احلزبية ، مُثَّ نثيِّن
بإيراد أقوال العلماء يف املسألة.
فقد عُ ِرف من مسات الفرق القدمية أهَّن م جيتمعون على عقائد فاسدة وأعمال بدعية َّ
يتعصبُو َن هلا
أقل جلرمه أالَّ يدعو اخللق ألن الواقع يف الباطل يكون ّ ويوالون ويعادون عليها،وهذا زيادة يف إمثهمَّ ،
إليه ، وأالَّ يوايل ويعادي عليه، كحال الكافر إذا كان مِم َّن يصد عن سبيل اهلل فإنـَّه يكون أشد إمثاً مِم َّن
يقتصر على كفره وال يزيد عليه.
َف َهل سلمت احلزبيات املعاصرة من استلهام عقائد الفرق الضالَّة ؟ واجلواب أنَّك واجد فيها َمن
أسس منهاجه على مذهب الصوفية ، ومنهم َمن اعتمد على منهج األشاعرة ، ومنهم َمن قدَّم العقل َّ
وحترر من إمجاع السلف ، ومنهم َمن مل ميانع يف توحيد املعرفة واإلثبات وتوحيد القصد على النقل َّ
واإلرادة إالَّ أنـَّه وافق اخلوارج واملعتزلة يف بعض مسائل األمساء واألحكام فكفَّر مرتكب الكبرية على
واستحل دماء أهل القبلة َّإما مطلقاً أو مقيّداً خمالفني َّ اإلطالق ، أو فيما يتعلَّق مبسألة احلكم والتحاكم،
السنَّة اجملتهدون يف هذا والسنَّة وما أمجع عليه سلف األُمـَّة ومشى عليه أئمة ُ
تقرر يف الكتاب ُ بذلك ما َّ
العصر.
والسنَّة ،وهذا من عالمات أهل البدع. َّ كما َّ
أن احلزبيات املعاصرة مل تسلم من الطعن يف أهل احلديث ُ
فإلى بعض مفاسد األحزاب:
أوالً (( : الفرقة يف اإلسالم ال تكون إالَّ على أساس االختالف يف الكتاب ، ونتيجتها مَتَُّزق األُمـَّة إىل
أحزاب ، قال اهلل تعاىل:
(. )2()) )1
ثانياً : قوهلم : ال عمل لإلسالم إالَّ حبزب ، إذاً فإىل أي حزب ينتمي الداعية ؟ أم يطلبون من املسلم أن
احلرية يف االنتماء إىل ما شاء من األحزاب مفرقاً لكلمة املسلمني ، وأن تكون له ِّ متحزباً ِّ
يكون ِّ
حىَّت يكونوا سواء يف املالمة واملؤاخذة كما كان يقول قوم لوط عن املؤمنني :
(. )3
() حكم االنتماء للشيخ بكر أيب زيد (. )138 2
- 13 -
ثالثاً : اإلذن باألحزاب يف اإلسالم فيه فتح باب ال يرد بدخول أحزاب َّ
تتسمى باإلسالم ، وهي حرب
التف حوهلا من املسلمني ما ال حيصيهم
عليه ، فكم تبع أناس القاديانية والبهائية وما إليها ، وكم َّ
إالَّ اهلل فأخرجهم من نور اإلسالم إىل الضالل البعيد(. )4
رابعاً (( :التعدُّد داعية الفرقة ،والفرقة سبب للمنازعة ِّ
املورثة للفشل والضعف والوهن ،قال اهلل تعاىل :
( ...)2فاحلزبية مظنَّة الفرقة ،بل مئنّةٌ هلا وللبغضاء بني أهل ...
. )4( )3(
))
اإلسالم ،قال اهلل تعاىل :
وخباصة السياسية منها -سبباً لصرف األنظار عن األمراض احلقيقية اليت َّ خامساً (( : كم كانت احلزبية -
تنخر يف جسم األُمـَّة من داخل ،فتفرز فيها القابلية للتخلُّف واهلزمية. )5())
سادساً (( : -ومن أظهر مضارها أن تفتقد السري بالدَّعوة إىل اهلل تعاىل يف مراحلها على منهاج النبوة ،فهي
ال تعىن [ بـ ] ترسيخ االعتقاد ، وال التفقه يف الدين ، وال نشر لسان العرب . فإن قيل : بلى ، قيل:
أرونا هذا بأدلته املادية ، فأين الدعاة الذين صفتهم يف هذه األحزاب : رسوخ االعتقاد يف التوحيد
مربزاً يف فقهه ،متضلِّعاً بلغة العرب ونصاعة بياهنا
خالصاً من البدع واألهواء يف القدوة ويف العمل ِّ ،
؟.أين هؤالء ؟ وأين آثارهم العلمية والشبابية ؟ وأين معاقل العلم اليت صنعوا هبا رجاالً ؟. )6())
سابعاً (( : وكم كانت األحزاب املبنية على تصعيد النظرة السياسية اخلالية من القاعدة اإلسالمية امللتزمة سبباً
يف التسلُّط على اإلسالميني وحصدهم ، وتقهقر الدعوة ، وقهر الدعاة ، وكبت االنطالقة يف
الدعوة إىل اهلل تعاىل. )7())
ثامناً (( : -هل يسمح احلزب بتعدُّد األحزاب يف البلدة الواحدة ، وتوزع انتماءات أهلها ؟ … فمن قال :
نعم ،فهو جواب َمن ال يعقل وال يريد باألُمـَّة خرياً . وإن قال : ال ، فكيف يسمح لنفسه حبزبه
دون بقية األحزاب ؟ ...ليس أمامنا إالَّ لزوم مجاعة املسلمني السائرين على مدارج النبوةَ ، من كان
على مثل ما عليه النَّيِب ُّ rوأصحابه . )8())
- 14 -
تاسعاً (( : بدعيتها ،ولو مل يكن من أمر احلزبية اليت تنفرد باسم أو رسم عن منهاج النبوة ، إالَّ أهَّن ا عمل
األول [ لكان كافياً يف املنع منها ] فليسعنا ما وسعهم.)1()) الصدر َّ
مستحدث مل يُ ْع َهد يف َّ
التحزب: -
أقوال العلماء في منع ُّ
قال الطربي يف شرح حديث حذيفة الذي أورده البخاري حتت باب (( كيف األمر إذا مل تكن مجاعة))
قال ... (( : ويف هذا احلديث أنـَّه مىت مل يكن للناس إمام فافرتق الناس أحزاباً ، فال يتَّبع أحداً يف
الفرقة ، ويعتزل اجلميع إن استطاع ذلك ، خشيةً من الوقوع يف الشر.)2())
حيزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغضاء وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية (( :وليس للمعلِّمني أن ِّ
الرب والتقوى كما قال تعاىل :
،بل يكونون مثل اإلخوة املتعاونني على ِّ
(.)3
وليس ألحد منهم أن يأخذ على أحد عهداً مبوافقته على ُك ِّل ما يريده ، ومواالة من يواليه،
ومعاداة من يعاديه ، بل من فعل هذا كان من جنس جنكز خان وأمثاله الذين جيعلون َمن وافقهم
عدواً باغي ، بل عليهم وعلى أتباعهم عهد اهلل ورسوله بأن يطيعوا اهلل ومن خالفهم ّ صديقاً وايلَ ،
حرم اهلل ورسوله ، ويرعوا حقوق املعلِّمني كما وحيرموا ما َّ
ورسوله ، ويفعلوا ما أمر اهلل به ورسولهِّ ،
أمر اهلل ورسوله.
فإن كان أستاذ أحد مظلوماً نصره ، وإن كان ظاملاً مل يعاونه على الظُّْلم ، بل مينعه منه. )4())
مسوغو احلزبية وبعد معرفة موقف شيخ اإلسالم الصريح من تلك احلزبية ، حيسن بنا نقل قول له يتعلَّق به ِّ
املعاصرة من بني ما يتعلَّقون بـه يف تسويغها ورؤيـة مشروعيتها.
تتحزب ، أي تصري كالم له (( : وأمـَّا رأس احلزب فإنـَّه رأس الطائفة اليت َّ قال شيخ اإلسالم يف ٍ
حزباً ، فإن كانوا جمتمعني على ما أمر اهلل به ورسوله من غري زيادة وال نقصان فهم مؤمنون ، هلم ما
التعصب ملن دخل يف حزهبم باحلق هلم ، وعليهم ما عليهم ، وإن كانوا قد زادوا يف ذلك ونقصوا مثل ُّ
التفرق الذي احلق والباطل ، فهذا من ُّ عمن مل يدخل يف حزهبم سواء كان على ِّ والباطل ، واإلعراض َّ
فإن اهلل ورسوله أمرا باجلماعة واالئتالف ، وهنيا عن الفرقة واالختالف ، وأمرا ذمه اهلل تعاىل ورسولهَّ ، َّ
بالتعاون على الرب والتقوى ، وهنيا عن التعاون على اإلمث والعدوان.
ويف الصحيحني عن النَّيِب ِّ rأنـَّه قالَ (( : مثل -المؤمنين في توا ّدهم -وتراحمهم -وتعاطفهم -كمثل-
والسهر. )5()) -
بالح َّمى َّ
الجسد إذا اشتكى منه -عضو -تداعى له سائر الجسد ُ
() املصدر نفسه والصفحة ذاهتا . 1
- 15 -
يسوغها الشيخأن الرئاسة اليت ِّواملتأمل ملقولة شيخ اإلسالم ، اجلامع بني أطراف كالمه يلوح له َّ
ِّ
هي رئاسة العلم ، وزعامة شيخ حلزبه ، أي تالميذه وطلبته الذين يعلمهم ويزكيهم ويربيهم على العلم
السلَف ، فما ِمن أحد من علماء السلف إالَّ كان له تالميذ وأتباع
والعمل كما كانت حياة أئمة َّ
يعلمهم ويربيهم وخيرجهم على يديه ، وهذا أمر متوارث جيالً عن جيل ، وقرناً بعد قرن إىل يوم الناس
هذا.
وهي الرئاسة اليت جاءت على لسان أيب حنيفة رمحه اهلل حني قيل له : يف مسجد كذا حلقة
يتناظرون يف الفقه ، فقال : أهلم رأس ؟ قالوا : ال ، قال : ال يفقهون أبداً(. )1
السنَّة أبا عبد اهلل أمحد بن حنبل إبَّان
وهي أيضاً الرئاسة اليت وصف هبا أبو جعفر األنباري َإم َام أهل ُ
فتنة خلق القرآن فيما ساقه الذهيب من طريق األصم : حدَّثنا عباس الدوري : مسعت أبا جعفر األنباري
الفرات ، فإذا هو جالس يف اخلان ، فسلَّمت عليه، ت ِ
َ يقول : لَ َّما مُح َل أمحد إىل املأمون أُخربتَ ، ف َعَب ْر ُ
فقال : يا أبا جعفر تعنَّيت . فقلت : يا هذا أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك ، فواهلل لئن أجبت إىل
ليمتنعن خلق من الناس كثري.
َّ خلق القرآن ليجينب خلق ، وإن أنت مل جتب
الر ُج َل إن مل يقتلك فإنَّك متوت ، البـَُّد من املوت ، فاتَّق اهلل وال جُتِب ، فجعل أمحد ومع هذا َّ
فإن َّ
علي فأعدت عليه وهو يقول : ما شاء اهلل(. )2 يبكي ويقول : ما شاء اهلل . مُثَّ قال : يا أبا جعفر أعد َّ
وليس معىن قول شيخ اإلسالم تسويغ احلزبية وزعامتها باملفهوم املعاصر اليت تفرق بني األُمـَّة وجتعلهم
أوزاعاً وأحزاباً متناحرة متباغضة متدابرة .قال رسول اهلل (( : rال تباغضوا وال تدابروا وكونوا عباد -اهلل
إخواناً. ))
للتفرق الذي ذمـَّه اهلل وهنى عنه ،قال
ت تلك احلزبية املشئومة .وهذه احلزبية مقارنة ُّ فإن هذه املفاسد بِْن ُ
َّ
،)3(وقال سبحانه: تعاىل :
( ،)4وقال تعاىل:
(.)5
ف ُك ُّل َمن خرج عن مجاعة املسلمني وسوادهم بفهم أو عمل خيالف بـه ما كان عليه رسول اهلل r
عما سبَّبفإن له نصيباً من الوعيد املذكور حىَّت ينزع َّ ٍ
بإحسان من سلف األُمـَّة َّ وأصحابه والتابعون هلم
الفرقة واالختالف.
() جامع بيان العلم وفضله البن عبد الرب (. )1/555 1
- 16 -
ذم البدعة وأهل االفرتاق ،ومِم َّا قاله فيه عندوأما أبو إسحاق الشاطيب فإنـَّه بىن كتابه (( االعتصام )) على َِّّ
يعم اخلالف الواقع يف مسائل االجتهاد (( وإمَّن ا يراد به كالمه على حديث الثنتني والسبعني فرقة : إنـَّه ال ُّ
افرتاق مقيّد ، وإن مل يكن يف احلديث نص عليه ، ففي اآليات ما يدل عليه : قوله تعاىل:
( )1وقوله
،)2(وما أشبه ذلك من اآليات الدَّالَّة على تعاىل :
التفرق الذي صاروا بـه شيعاً.
ُّ
ومعىن (( صاروا ِشيَعاً )) أي : مجاعات ، بعضهم قد فارق البعض ، ليسوا على تآلف وال تعاضد
فإن اإلسالم واحد ، وأمره واحد ، فاقتضى أن يكون حكمه على وال تناصر ، بل على ضد ذلكَّ ،
االئتالف التام ال على االختالف.
بتفرق القلوب املشعر بالعداوة والبغضاء ، ولذلك قال تعاىل وهذه الفرقة مشعرة ُّ
أن التأليف إمَّن ا حيصل عند االئتالف على التعلُّق مبعىن واحد ، وأمـَّا ( )3فبنَّي َّ
التفرق ، وهو معىن قوله تعاىل : إذا تعلَّقت ُك ّل شيعة حببل غري ما تعلَّقت به األخرى ، فالبـَُّد من ُّ
()5()) )4
وقال الشيخ األلباين يف حديث حذيفة الذي فيه (( :فاعت ِزل تلك الفرق ُكلّها )) قال (( : يف هذا
يتحزب ،وأالَّ يتكتَّل مع أي مجاعة أو مع أن املسلم إذا أدرك مثل هذا الوضع ؛ فعليه حينذاك أالَّ َّ احلديث َّ
أي فرقة ، مادام أنـَّه ال توجد اجلماعة اليت عليها إمام مبايع من املسلمني. )6())
وسئِ َل مساحة الشيخ ابن باز :هل تُِقُّرون مثل الدخول يف هذه اجلماعات : مجاعة اإلخوان ، مجاعة ُ
التبليغ ، مجاعة اجلهاد ، أو تنصحوهنم بالبقاء على طلب العلم مع طُالَّب العلم من الدعوة السلفية ؟ فأجاب
والسنَّة والسري ٍ
بقوله :ننصحهم مجيعاً باالجتماع على كلمة واحدة وهي طلب العلم والتفقُّه يف الكتاب ُ
((
() الدَّعوة إىل اهلل لعلي احلليب األثري (. )98 6
- 17 -
التحزب لإلخوان املسلمني أو مجعية التبليغ ، أو كذا وكذا ، ال ننصح بـه ، هذا غلط ، ولكن
َّأما ُّ
السنَّة
ننصحهم بأن يكونوا كتلة واحدة ومجاعة واحدة يتواصون باحلق والصرب عليه ، وينتسبون ألهل ُ
واجلماعة.
السوي الذي مينع اخلالف ، وإذا كانوا مجاعات على هذا الطريق ما يضر كوهنم
ّ هذا هو الطريق
والسنَّة يدعون
مجاعة يف إب ، ومجاعة يف صنعاء ، لكن كلهم على الطريقة السلفية اتِّباع الكتاب ُ
)) (( (())
األول عام 1417هـ . () جملَّة اجلندي املسلم ،العدد 83يف ربيع َّ 6
- 18 -
إن إنشاء أي حزب يف اإلسالم خيالفه بأمر كلي أو جبزئيات ال ويقول الشيخ بكر أبو زيدَّ (( :
جيوز ، ويرتتب عليه عدم جواز االنتماء إليه ، ولنعتزل تلك الفرق كلها ، وعليه فال جيوز االنصهار مع
وجه كان من وسيلة أو غايـة . ومعاذ اهلل أن تكون الدعوة على راية أخرى ختالف راية التوحيد بأي ٍ
سنن اإلسالم ِمظَلَّة يدخل حتتها أي من أهل البدع واألهواءُ ، فيغَض النَّظر عن بدعهم وأهوائهم على
حساب الدعوة. )1())
يتحمل يف داخله تنظيماً آخر حبيث إن اإلسالم ال َّ وقال الشيخ صفي الرمحن املباركفوريَّ (( :
ألن اإلسالم ملا قضى على مجيع ُسس ذلك التنظيم وقواعده أساساً للوالء والرباء ... وذلك َّ تكون أ ُ
َّ
مادة الوالء والرباء ،وجعل مجيع املواد اليت كانت أساس الوالء والرباء يف اجلاهلية ، وجعل اإلسالم نفسه َّ
املسلمني سواسية يف احلقوق ،مل يبق عنده جمال لتعدُّد اجلماعات والكتالت املتفرقة ، حبيث ال يكون
إلحداها حقوق وعالقات باألخرى حىت حيتاج إىل عقد التحالف بينها. )2())
املفرقة بني األُمـَّة ضررها أكرب من نفعها ،وإذا كان املسلم َمن َسلِ َم
أن احلزبية ِّومبا سبق يتبنَّي َّ
فإن التنظيم ذا التوجه الشمويل املسلمون من لسانه ويده ، واملؤمن َمن أمنه الناس على دمائهم وأمواهلمَّ ،
وشن الغارات يعطي لنفسه احلق يف االنفراد بقرارات تؤثِّر على جمموع األُمـَّة كتدبري االنقالباتِّ ،
حبيث ال يشعر الناس باألمان من جانب ذلك التنظيم ويتوجسون منه الشر كل ح ٍ
ني وآن.
(( تنبيه على خطأ كبير: -
بعض من الذين كتبوا عن اجلماعات والفرق اإلسالمية املعاصرة للموازنة بينها ونقدها يذكرون
فإن أهلالسنَّة واجلماعة ! وهذا خطأ كبري يف الفهم والتصور والبعد عن احلقيقةَّ ، من أقسامها أهل ُ
السنَّة واجلماعة وأهل احلديث هم مجاعة املسلمني ، وليست هذه يف شكلها ومضموهنا إالَّ دعوة ُ
اإلسالم جبميع ما تعنيه هذه الكلمة ؛ خبالف اجلماعات األخرى ، فهي أحزاب وفرق : منها ما فيه دخل،
ومنها ما يدعو إىل شعبة من شعب اإلسالم دون األخرى.
إن الطائفة املنصورة والفرقة الناجية -مجاعة ٍ
مجاعات وأحزاباً ، بل َّ ومعاذ اهلل أن يكون املسلمون
والسنَّة والدعوة إليها( - )3ما زالت ولن تزال باقية إىل أن يأيت أمر اهلل. )4()) املسلمني امللتزمة بالكتاب ُّ
- 19 -
مسألة في حكم إحداث ِ
الحلْف في اإلسالم
يستدل دعاة احلزبية املعاصرة على مشروعيتها مبشروعية احللف يف اإلسالم يف نظرهم ، ويقيسوهنا
عليه ويوردون مثل حديث (( لقد شهدت في دار عبد اهلل ابن جدعان -حلفاً -هو -أحب إلي من حمر النعم ،
ولو دعيت إليه اليوم في اإلسالم ألجبت. ))
واجلواب عن هذا أن أئمة السلف أشبعوا الكالم يف احللف وإحداثه يف اإلسالم واستوفوا القول فيه
وهذا سياق كالم بعضهم فهاكموه:
قال اإلمام حممد بن جرير الطربي ت 310هـ( (( : )1حدثنا أبو كريب وعبدة بن عبد اهلل الصفَّار،
قاال :حدثنا حممد بن بشر ،قال : حدثنا زكريا بن أيب زائدة ، قال : حدثين سعد بن إبراهيم ، عن أبيه،
عن جبري بن مطعم ، عن النيب rقال (( : ال حلف في اإلسالم ، وأيما حلف كان -في الجاهلية -فلم
يزده -اإلسالم إال شدة. ))
ذكر اخلرب الوارد عن رسول اهلل rأنه قال (( :لقد شهدت في دار عبد اهلل ابن جدعان حلفاً هو -أحب
إلي من حمر النعم. ))
حدثنا ابن محيد() قال : حدثنا سلمة بن الفضل ، عن ابن إسحاق ، عن حممد بن زيد بن املهاجر بن قنفذ
التيمي ، أنه مسع طلحة بن عبد اهلل بن عوف الزهري يقول : قال النيب (( : rلقد شهدت في دار عبد اهلل بن
جدعان حلفاً هو أحب إلي من حمر النعم ، ولو دعيت إليه في اإلسالم ألجبت . )) قالوا : ومن الدليل على أن
احللف الذي شهده النيب rحلف الفضول : ما حدثنا به ابن محيد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال:
حدثين يزيد بن عبد اهلل بن أسامة بن اهلاد الليثي ، عن حممد بن إبراهيم ، قال : كان بني احلسني بن علي ، وبني
الوليد بن عتبة بن أيب سفيان منازعة يف مال كان بينهما بذي املروة ، قال : فكان الوليد حتامل على احلسني بن علي
لتنصفن يل من حقي ، أو آلخذن سيفي ، مث ألقومن يف مسجد النيب r
َّ يف حقه لسلطانه فقال له احلسني : أقسم باهلل
مث ألدعون حبلف الفضول ، فقال عبد اهلل بن الزبري -وهو عند الوليد حني قال احلسني ما قال : -وأنا أحلف باهلل
ألقومن معه حىت ينصف من حقه أو منوت مجيعاً ، فبلغت املسور بن خمرمة بن نوفل
َّ لئن دعا به آلخذن سيفي ، مث
الزهري فقال مثل ذلك ، وبلغت عبد الرمحن بن عثمان بن عبد اهلل التيمي فقال مثل ذلك ، فلما بلغ الوليد بن عتبة
أنصف حسينًا من حقه.
( )1ضعيف،لكن هذا احلديث و األحاديث بعده وردت من طرق أخرى صحيحة.
- 20 -
والذي فيه من ذلك : الدليل على أن كل حلف كان عقد يف اجلاهلية قبل اإلسالم ، أن على أهله
الوفاء به ، وذلك أن النيب rقال يف احللف الذي شهده مع أعمامه من بين هاشم ، وبين املطلب قبل
اإلسالم (( : ما أحب أن لي حمر -النعم وأني أنكثه ، )) وذلك نظري األخبار الواردة عنه rأنه قال:
(( ال حلف في اإلسالم ،وما -كان -من -حلف في الجاهلية -فلم يزده -اإلسالم إال شدة. ))
ذكر -األخبار الواردة -بذلك عنه: -
حدثنا أبو كريب ،قال :حدثنا وكيع ،عن شريك ،عن مساك ، عن عكرمة ،عن ابن عباس قال :قال
رسول اهلل (( : rال حلف في اإلسالم ،وما -كان -في الجاهلية فلم يزده اإلسالم إال شدة. ))
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا مصعب بن املقدام ، عن إسرائيل بن يونس ، عن حممد بن عبد
الرمحن موىل آل طلحة ، عن عكرمة ،عن ابن عباس قال :قال رسول اهلل (( : rال حلف في اإلسالم ،
وكل حلف كان -في الجاهلية ،فلم يزده اإلسالم إال شدة ، وما -يسرني أن لي حمر النعم ، وأني أنقض
الحلف الذي كان -في دار الندوة. ))
وحدثين يعقوب بن إبراهيم ،قال :حدثنا هيثم قال :أخربنا مغرية ،عن أبيه ،عن شعبة بن التوأم الضيب ،
عن قيس بن عاصم أنه سأل النيب rعن احللف ،قال :فقال (( :ما كان -من حلف في الجاهلية -فتمسكوا
به ، وال حلف في اإلسالم. ))
حدثنا ابن محيد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغرية ، عن أبيه ، عن شعبة بن التوأم الضيب ، أن قيس بن
عاصم سأل النيب rعن احللف ، فقال (( : ال حلف في اإلسالم ولكن تمسكوا بحلف الجاهلية. ))
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن داود بن أيب عبد اهلل ،عن ابن جدعان ،عن جدته ،عن أم
سلمة أن رسول اهلل rقال (( : ال حلف في اإلسالم ،وما كان -من حلف في الجاهلية -لم يزده -اإلسالم
إال شدة ، )) فإن قال لنا قائل : فإن كان األمر يف احللف يف اإلسالم كما قلت من أنه غري جائز عقده،
فما أنت قائل فيما حدثكم به ابن محيد قال : حدثنا جرير ، عن عاصم ، عن أنس قال : حالف رسول
اهلل rبني املهاجرين واألنصار يف داري اليت باملدينة ؟ قيل : هذا أمر كان يف أول اإلسالم ، كان
رسول اهلل rآخى بني املهاجرين واألنصار ، وكانوا يتوارثون بذلك العقد ، وكانت اجلاهلية يف
جاهليتها تفعل ذلك ،فنسخ اهلل -تعاىل ذكره -ذلك بقوله :
)1(ورد املواريث إىل القرابات باألرحام واحلرمة بقوله:
( )2اآليتني ، فإن قال : وهل من دليل على صحة ما قلت ؟ قيل :حدثنا ابن بشار ،قال : …
حدثنا حممد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أيب بشر ، عن سعيد بن جبري يف قول اهلل سبحانه
- 21 -
)1(قال :كان الرجل يعاقد الرجل فريثه ،وعاقد أبو بكر موىل وتعاىل :
فورثه.
َّ
وحدثنا ابن محيد ،قال :حدثنا حيىي بن واضح ،عن احلسني بن واقد ،عن يزيد النحوي ،عن عكرمة
)2(قال : كان الرجل حيالف واحلسن البصري يف قوله :
الرجل ليس بينهما نسب ،فريث أحدمها اآلخر ، فنسخ ذلك يف األنفال فقال:
( )3فكان هذا هكذا إىل أن فتحت مكة ، فلما فتحت مكة نسخ ذلك ، فقال النيب
rحينئذ (( : أوفوا بحلف الجاهلية ، -فإنه لم يزده -اإلسالم إال شدة. ))
حدثنا محيد بن مسعدة الشامي ،قال :حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا حسني املعلم ، وحدثنا
جماهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : حدثنا حسني ، وحدثين حامت بن بكر الضيب،
قال : حدثنا عبد األعلى بن حسني املعلم ، قال : حدثنا أيب ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن
جده ، أن رسول اهلل rقال يف خطبة يوم فتح مكة (( :أوفوا بحلف الجاهلية ، -فإنه ال يزيده اإلسالم إالَّ شدة
،وال تحدثوا حلفاً في اإلسالم. ))
وحدثنا متيم بن املنتصر ، قال : أخربنا يزيد ، قال : أخربنا حممد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب،
عن أبيه ، عن جده ، قال : ملا دخل رسول اهلل rمكة عام الفتح ، قام خطيباً يف الناس فقال (( : أيها
الناس! -ما كان -من حلف في الجاهلية ، -فإن اإلسالم لم يزده إال شدة ، وال حلف في اإلسالم. ))
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا يونس بن بكري ، قال : حدثنا حممد بن إسحاق ، عن عمرو بن
شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن رسول اهلل rمثله.
وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أسد بن عمرو ، عن حممد بن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن
أبيه ، عن جده ، عن النيب rمثله.
وحدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا خالد بن خملد ، قال : حدثنا سليمان بن بالل ، قال : حدثنا عبد
الرمحن بن احلارث ، عن عمرو بن شعيب عن أبيه ،عن جده ،عن النيب rبنحوه.
فإن قال لناَ : أوجائز يف احللف الذي أمر النيب rبالوفاء به من حلف اجلاهلية ، وقد علمت أن
القوم إمنا كانوا يتعاقدون بينهم على أن يرث بعضهم بعضاً ، ويكون بعضهم عوناً لبعض على من
أرادوه بظلم أو أرادهم بذلك -أن يوىف بشروطه اليت كانوا تعاقدوا عليها يف اجلاهلية ؟ قيل : إن الذي
أمر النيب rبالوفاء به من ذلك هو ما مل يفسخه اإلسالم ، ومل يبطله حكم القرآن ، وهو التعاون على
- 22 -
احلق ، والنصرة على األخذ على يد الظامل الباغي ، فإن قال : فإن هذا حق لكل مسلم على كل مسلم
فما املعىن الذي خص به يف اجلاهلية حىت وجب من أجله الوفاء به ، وهني عن مثله يف اإلسالم استئنافه ؟
وهل على مسلم من حرج يف معاقدة إخوان له من أهل
اإلسالم على التناصر إن بغى أحداً منهم أح ٌد بظلم أو قصده بسوء ؟ قيل : إن ذلك من معىن ما ذهب
إليه بعيد ، وإمنا معىن قول النيب (( : rما كان -من حلف في الجاهلية ، -فتمسكوا به )) إمنا هو احللف
على النصرة من بعضهم لبعض يف احلق ، وذلك وإن كان واجباً على كل مسلم لكل مسلم ، فإن على
احلليف من ذلك حلليفه من وجوب حق نصرته على من بغاه بظلم دون سائر الناس غريه ما جيب
عدو له قصدهللقريب على قريبه ، والنسيب على نسيبه ، دون سائر الناس غريه ، وإن نابته نائبة من ٍّ
بظلم … فله من استصراخه عشريته وقبيلته مبثله ، وذلك أن األخبار متظاهرة عن رسول اهلل rأنه
تعزى بعزاء الجاهلية ،فأ ِ
َعضُّوه -بِ َه ِ-ن أبيه ، وال تَكنُوا … )) فنهى rاملظلوم عن االعتزاء مبا قال (( : منَّ -
ذكرنا وأمر من ظُلم فاستصرخ على ظامله أن يقول : يا لَعباد اهلل! ويا لَلمسلمني ! مث أطلق له من
االستصراخ حبليفه مما هنى عن االستصراخ مبثله بنسيبه من قبيلته وعشريته ، فأجاز للرجل من أهل
حلف الفضول أو غريه أن يقول : يا حللف الفضول ! أو يا حللف املطيَّبني ! وما أشبه ذلكَ ، أو ما
ذكرت عن عبد اهلل بن طلحة التيمي (( : ولو دعيت -إليه اليوم -في اإلسالم ُ تسمعه يقول يف اخلرب الذي
ألجبت )1()) أ ََوما ترى أن احلسني بن علي قال للوليد بن عتبة : أقسم باهلل لتنصفن يل من حقي أو
ألقومن يف مسجد النيب rمث ألدعون حبلف الفضول ؟ فذلك هو اخلصوص الذي َّ آلخذن سيفي ، مث
خص به احلليف باحللف الذي كان عقده يف اجلاهلية من حليفه دون سائر الناس غريه . )) اهـ كالم
اإلمام الطربي.
وقال اإلمام احملدث الفقيه املفسر أبو جعفر الطحاوي ت 321هـ (( :قول النيب (( : rال حلف في
اإلسالم )) إمنا كان منه عند فتحه مكة ، كما حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا عبيد اهلل بن موسى العبسي ،
قال :حدثنا إبراهيم بن إمساعيل ،عن عبد الرمحن بن احلارث ،عن عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن جده عبد
اهلل بن عمرو ، قال : ملا دخل رسول اهلل rمكة عام الفتح قام خطيباً ، فقال (( : أيها الناس ! إنه ما -كان-
من -حلف في الجاهلية -فإن اإلسالم لم يزده إال شدة وال حلف في اإلسالم )) ،وكما حدثنا ابن أيب
() ومعىن هذا احلديث كما يظهر يف السياق الذي ساقه فيه أبو جعفر الطربي :أن النصرة بسبب احللف الذي أُبرم يف اجلاهلية 1
بني احللفاء مستمرة يف اإلسالم بينهم ،و أن من ُدعي إىل الوفاء به يف اإلسالم لزمته إجابة حليفه وإنصافه من ظامله تأدية
إىل احلليف حق احللف املربم يف اجلاهلية ومقتضياته ،وليس معناه إنشاء حلف يف اإلسالم ،وعقد رباط به بني املسلمني
لنفي النيب rاحللف يف اإلسالم ،وهنيه عنه (( الحلف في -اإلسالم )) (( التحدثوا حلفاً في -اإلسالم )) بل َّ
عد اإلمام ابن
بطة العكربي احللف يف اإلسالم من البدع احملدثة كما يأيت النقل عنه .
- 23 -
داود ، قال : حدثنا الوهيب ، قال : حدثنا ابن إسحاق ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن
رسول اهلل rفذكر مثله.
فأخرب عبد اهلل بن عمرو أن هذا القول إمنا كان من رسول اهلل rيوم فتح مكة ، والذي كان من
رسول اهلل rيف املهاجرين واألنصار رضوان اهلل عليهم من املؤاخاة اليت حالف بينهم فيها كان قبل
ذلك باملدينة ، وكان الذي كان من النيب rيف خطبته يوم فتح مكة ، مما ذكره عبد اهلل بن عمرو
ناسخاً ومل يكن منه rبعد قوله (( : ال حلف في اإلسالم )) حلف إىل أن قبضه اهلل صلوات اهلل عليه))
(. )1
وقال اإلمام أبو عبد اهلل عبيد اهلل بن بطة العكربي ت 387هـ : ومن البدع احملدثة اليت ليس هلا أصل يف كتاب
وال سنة -تشبهوا فيها بأفعال اجلاهلية -اجتماعهم والتحالف بينهم على التعاضد والتناصر ،وهذا مبتدع
مكروه ،وكانت اجلاهلية تفعله فأذهبه اهلل باإلسالم ، وهنى عنه على لسان نبيه ، rوقال النيب : r
(( ال حلف في اإلسالم ، وأيما حلف كان -في الجاهلية -فما زاده -اإلسالم إالَّ تأكيداً. )2())
وقال شيخ اإلسالم ابن تيمية (( : تنازع الناس هل يشرع يف اإلسالم أن يتآخى اثنان ، ويتحالفا
كما فعل املهاجرون واألنصار؟ فقيل :إن ذلك منسوخ ملا رواه مسلم يف صحيحه عن جابر أن النيب r
قال (( : ال حلف في اإلسالم وما -كان -من -حلف في الجاهلية فلم يزده اإلسالم إال شدة )) وألن اهلل قد جعل
املؤمنني إخوة بنص القرآن ، وقال النيب (( : rالمسلم أخو المسلم ، ال يسلمه ،وال يظلمه ،والذي
نفسي بيده ال يؤمن أحدكم حتى يحب ألخيه -من الخير ما -يحبه -لنفسه ، )) -فمن كان قائماً بواجب اإلميان
كان أخاً لكل مؤمن ، ووجب على كل مؤمن أن يقوم حبقوقه ، وإن مل جير بينهما عقد خاص ؛ فإن
،)3(وقال النيب (( : rوددت -أني اهلل ورسوله قد عقدا األخوة بينهما بقوله :
رأيت إخواني )) ومن مل يكن خارجاً عن حقوق اإلميان وجب أن يعامل مبوجب ذلك ،فيحمد على
حسناته ،ويواىل عليها ،وينهى عن سيئاته ،وجيانب عليها حبسب
اإلمكان ، وقد قال النيب (( : rانصر أخاك ظالماً أو مظلوماً )) -قلت يا رسول اهلل! أنصره مظلوماً،
فكيف أنصره ظاملاً ؟ قال :
(( تمنعه -من الظلم ،فذلك نصرك إياه )) .والواجب على كل مسلم أن يكون حبه وبغضه ، ومواالته،
ومعاداته تابعاً ألمر اهلل ورسوله ، فيحب ما أحبه اهلل ورسوله ، ويبغض ما أبغضه اهلل ورسوله ، ويوايل
من يوايل اهلل ورسوله ، ويعادي من يعادي اهلل ورسوله ، ومن كان فيه ما يواىل عليه من حسنات وما
يعادى عليه من سيئات عومل مبوجب ذلك ، كفساق أهل امللة ؛ إذ هم مستحقون للثواب والعقاب ،
- 24 -
واملواالة واملعاداة ، واحلب والبغض ، حبسب ما فيهم من الرِب ّ والفجور ، فإن
وهذا مذهب أهل ُ
(، )1
السنَّة
فإن أولئك مييلون إىل جانب، واجلماعة ، خبالف اخلوارج واملعتزلة ، وخبالف املرجئة واجلهمية ؛ َّ
السنَّة واجلماعة وسط.
وهؤالء إىل جانب ، وأهل ُ
ومن الناس من يقول : تشرع تلك املؤاخاة واحملالفة ، وهو يناسب من يقول بالتوارث باحملالفة))
(. )2
قلنا : وهذا القول األخري مرغوب عنه لدى الشيخ حيث مل يسق له أي دليل يؤيده وينصره ،
ويدل على بطالن القول الثاين أيضاً قول الشيخ (( : وهو يناسب من يقول بالتوارث باحملالفة )) وقد
ثبت قطعاً نسخ التوارث باحملالفة ، فكذلك احملالفة اجملردة املناسبة له منسوخة أيضاً كما دلت عليه
األحاديث الصحيحة ، وذهب إليه األئمة فيما سقناه آنفاً.
وهكذا تضافرت أقوال األئمة وتظاهرت يف نسخ احللف ، ونسخ التوارث به ، ومنع إحداثه يف
اإلسالم.
(( ومن هنا يظهر أن اإلسالم ربط املسلمني برابطة الميكن ألي تنظيم وضعي مهما حصل عليه من
القوة والدقة أن يصل إىل مثلها ، وأن العالقة أو األخوة اإلسالمية هي أساس الوالء والرباء يف اإلسالم،
فاملسلم ويل املسلم سواء عرفه أومل يعرفه ، بل ولو كان أحدمها يف املشرق واآلخر يف املغرب ، وهذا
يعين أن اإلسالم ال يتحمل يف داخله تنظيماً آخر حبيث تكون أسس ذلك التنظيم وقواعده أساساً
للوالء والرباء ؛ ألن هذا النوع من التنظيم يقتضي أن من انتظم فيه يستحق العون والنصرة ، واإلخاء
وغريها من احلقوق ، ومن مل ينتظم فيه ال يستحق تلك احلقوق ، مع أن اإلسالم أعطى املسلم مجيع
هذه احلقوق جملرد كونه مسلماً ال لسبب آخر. )3())
() األحزاب السياسية يف اإلسالم ،للشيخ صفي الرمحن املباركفوري . 45 3
- 25 -
جماعة المسلمين واحدة
جعل اهلل سبحانه وتعاىل أهل احلق حزباً واحداً قدراً وشرعاً وناط به الفالح يف أنفسهم والغلبة على
، )1(وقال أيضاً : أعدائهم فقال :
(. )2
وهذه الغلبة املوعودة ثابتة حلزب اهلل باحلجة والربهان يف كل صقع وآن ،وتتبعها الغلبة بالسيف
والسنان إذا كانت أحواهلم مستقيمة ،وقاتَلوا من أمر اهلل بقتاهلم ،قال تعاىل:
، )4(فهذه )3(وقال سبحانه :
بشارة عظيمة ملن اتصفوا بأهنم من جند اهلل وحتلَّوا باإلميان أهنم غالبون لغريهم منصورون من رهبم نصراً
عزيزاً يتمكنون فيه من إقامة دينهم(. )5
وهذا احلزب هو املعرَّب عنه بـ (( اجلماعة )) يف حديث افرتاق هذه األمة إىل ثالث وسبعني فرقة ،قال
(( ثنتان وسبعون -في النار ،وواحدة في الجنة وهي الجماعة. )6())
ومن شواهده لفظ (( ما أنا عليه -وأصحابي. ))
وهو مدلول حديث العرباض بن سارية املرفوع (( فإنه من يعش -منكم بعدي فسيرى اختالفاً-
كثيراً -فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضٌّوا عليها -بالنواجذ.)7())
وهذا احلزب حزب واحد قد فُرغ من إنشائه على يدي رسول اهلل فيجب على كل مسلم ينشد
رز ه ذا احلزب وين أى بنفسه عن شق عص اه احلق ويس عى يف فك اك نفسه من ع ذاب اهلل أن يل زم َغ َ
شقاق داخل هذا احلزب الواحد. حزب ٍ وإنشاء ِ
وكان هذا احلزب متمثالً يف جيل الصحابة والتابعني هلم بإحسان ، وكانوا ينابذون بشدة
العلمي املنهجيّ )) و
ّ
أشد العداء كل من يفت يف عضد هذه اجلماعة مبفهوميها ((
ُّ َّ ويناصبون َّ
السياسي )) وخيرج عليها من حيث العقيدة والسلوك والسياسة.
ّ
((
() أخرجه أبو داود ( 4/198ح )4597من حديث معاوية ،وصححه شيخ اإلسالم ابن تيمية يف جمموع الفتاوى ()3/345 6
- 27 -
والتفرق من االفتئات على حقوق أهل احلل والعقد يف نصب اإلمام أو منابذته حني يُشرع ذلك،
وحتزيب اجملتمع وتوزيع والئه على األحزاب وأخذ البيعات وعهود الطاعات عليهم.
مث إن اإلسالم كما هنى عن االختالف والتفرق والتحزب وكل ما يكدر صفو ألفة املسلمني ومتاسكهم
وتعاضدهم الذي يكفل هلم وحدة صفهم الداخلي وتضافر القوى واجلهود يف التصدي للعدو اخلارجي
تفت يف عضدهم الغاشم = شرع هلم تشريعاً يدهلم على مكانة وحدة املسلمني وس ّد الذرائع اليت قد ّ
وتفرق مشلهم.
ِّ
سن االجتماع على إمام واحد يف اإلمامة الكربى قال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف بيان ذلك :إنه ّ
((
ويف اجلمعة والعيدين واالستسقاء ويف صالة اخلوف وغري ذلك مع كون إمامني يف صالة اخلوف أقرب
إىل حصول الصالة األصلية ملا يف التفريق من خوف تفرق القلوب وتشتت اهلمم ،مث إن حمافظة الشارع
على قاعدة االعتصام باجلماعة وصالح ذات البني وزجره عما قد يفضي إىل ض ّد ذلك يف مجيع
التصرفات ال يكاد ينضبط ،وكل ذلك شرعٌ لوسائل األلفة ...وزجر عن ذرائع الفرقة )) اهـ(. )1
ومن أمثلة ذلك أنه إذا كان املسلمون يف أم ٍر جام ٍع وأمكن اجتماع أبداهنم يف صعيد واحد ُكره هلم
تفرقها ، كما روى اإلمام يتفرقوا إال من عذر ؛ ألن ذلك أدعى الئتالف قلوهبم وأبعد عن ُّ
أن َّ
أمحد( ، )2وأبو داود( ،)3والنسائي()4وغريهم واللفظ ألمحد : من حديث أيب ثعلبة اخلشين قال : كان
الناس إذ نزل رسول اهلل منزالً فعسكر تفرقوا عنه يف الشعاب واألودية ، فقام فيهم فقال (( : إن تفرقكم
انضم بعضهم إىلفي الشعاب واألودية إنما ذلكم من الشيطان )) -قال : فكانوا بعد ذلك إذا نزلوا َّ
لعمهم أو حنو ذلك.
بسطت عليهم كساءً َّ
َّ بعض حىت إنك لتقول :لو
وشرع هلم النيب أيضاً -أنه إذا كان إمام الصالة مريضاً ومل يستطع أن يصلي بالناس قائماً
فصلى قاعداً – أن يصلوا بصالته قاعدين حفاظاً على الوحدة ومراعاة عدم االختالف على اإلمام.
أخرج الشيخان من حديث عائشة قالت :اشتكى رسول اهلل فدخل عليه ناس من أصحابه يعودونه
،فصلى رسول اهلل جالساً ،فصلّوا بصالته قياما فأشار إليهم :أن اجلسوا فجلسوا ، فلما انصرف
قال (( : إنما جعل اإلمام ليؤتم به ،فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا صلى جالساً فصلوا
جلوساً. )5())
() بيان الدليل على بطالن التحليل ص 371 :البن تيمية حتقيق فيحان املطريي ،نشر مكتبة لينة يف مصر ط1416 ، 2هـ . 1
() صحيح البخاري كتاب األذان ،باب إمنا جعل اإلمام ليؤمت به ( ،فتح الباري ، )2/173وصحيح مسلم 1/309ح ( 5
. )412
- 28 -
ومل جيز اإلس الم حني عجز اإلم ام عن الص الة قائم اً أن يتش تتوا ويتفرق وا ويص لوا أوزاع اً
ومجاعات.
النيب ملا اعتلّوا فصلّوا قعوداً والناس خلفهم
أئمة الصحابة بعد ّ
وهذا أحد األقوال يف املسألة ،وبه عمل ّ
قعود وإليه ذهب فقهاء أهل احلديث ،وهو الذي تأتلف به اآلثار يف املسألة(. )1
مث إن األحزاب واجلماعات اإلسالمية دأبوا على االستماتة يف الدفاع عن تفرقهم وحتزهبم
واالستبسال يف تسويغ فعلتهم تلك عند مضايق الطرق عليهم فأصبحوا يبحثون عن شبهات يؤيدون
هبا مواقفهم وحيفظون هبا ماء وجوههم فافرتوا على السلفيني أهل احلديث أهنم أيضاً أحزاب
ومجاعات هلم مدارسهم ومعاهدهم ومجعياهتم اخلريية ، قالوا : وال حيسن من العاقل أن يعرِّي غريه مبا هو
واقع منه ومرتبع فيه.
واحلقيقة أن احلزبيني يف شبهتهم هذه يتعامون عن حقيقة أن أهل احلديث هم االمتداد الطبيعي
جليل الصحابة والتابعني ، وأن تعاوهنم فيما بينهم بريء من مرتكزات احلزبية اليت سقناها يف مبحث
سابق.
فليس وصم السلفيني بالتحزب املذموم مبغ ٍن عنهم فتيالً ، وما هو إالّ كما قيل : رمتين بدائها
اجلادة يف ذلك،
وانسلت ، وإال فإن أهل احلديث هم املشهورون بالتحذير من التحزب واحلزبية وبالكتابات ّ
وتربية املسلمني على اإلسالم املص ّفى من كل شائبة ، واالعتصام حببل اهلل مجيعاً وترك التفرق ورعاية
حقوق الراعي والرعية ، كل ذلك على هدي من العلم باحلق والرمحة باخللق ونشر السنن والعقيدة
بش َعبِها ،كما متيزوا بتحقيق النصيحة هلل ولرسوله ولكتابه وألئمة املسلمني
السلفية بتفصيالهتا وقمع البدع ُ
وعامتهم ،فأىن يصح رميهم بالتحزب واحلزبية واحلال ما ذكر ؟
ولتكن خامتة هذه الرسالة اهلمس يف أذن املنصفني أنه ليس املقصود من رقم هذه الرسالة وزبر
أصوات من هناب األحزابٍ أتباع ومجع
هذه اخلالصة التلذذ بنقد اآلخرين وقضاء شهوة الكالم وكسب ٍ
واجلماعات ومزامحتهم وملء اجلعبة باألتباع والتكثر هبم والدخول هبم يف معرتك السياسات وطلب
والضن هبم عن شؤمِّ الكراسي ، ولكنه حماولة درء فتنة التشرذم والتحزب والتفرق عن شباب الدعوة
االختالف والتفرق والتحزب والفشل ،واهلل من وراء القصد.
النيب
() قال شيخ اإلسالم ابن تيمية يف قاعدة يف االستحسان ... (( 54وكذلك عند أمحد وغريه من فقهاء احلديث ملا أمر ّ
1
الناس إذا صلّى اإلمام قاعداً أن يصلّوا قعوداً أمجعني .مثّ ملا افتتحوا الصالة قياماً أمتّها هبم قياماً .عمل باحلديثني ومل
يقس على أحدمها قياساً يناقض اآلخر وجيعله منسوخاً كما فعل طائفة من الفقهاء كالشافعي واحلميدي وغريمها .
واستدل هو وغريه بأ ّن الصحابة بعده ملا صلّوا جلوساً أمروا من خلفهم باجللوس ،وقد شهدوا صالته يف آخر عمره مثل ّ
األولني من األنصار ،وقد فعل ذلك يف عهد أيب بكر )) .وانظر القواعد أسيد بن حضري ،وهو من أفضل السابقني ّ
النورانية الفقهية . 101-100
- 29 -
نسأل اهلل أن يرزقنا اإلخالص والصدق يف النية والقول والعمل.
- 30 -
فهرس الموضوعات
الصفحة الموضوع
تقديم الشيخ صفي الرحمن المباركفوري 3 ........................................
مقدمة المؤلَِّفين 7 .................................................................................
مسألة في مرتكزات الحزبية المعاصرة 11 ...........................................
األول :عقد الوالء والبراء على ما لم يعقده اهلل عليه 14-11
المرتكز ّ
المرتكز الثاني :أخذ البيعة – وهي العهد بالطاعة – للحزب أو لزعيمه 19-14
الحل و العقد 24-19
المرتكز الثالث :تعاطي أحقية الوصول إلى الحكم واالفتئات على أهل ّ
مسألة في حكم الحزبية المعاصرة 25 ..................................................
بعض مفاسد الحزبية المعاصرة 26 .......................................................
أقوال العلماء في -منع التحزب 29 ........................................................
قول ابن جرير الطبري 29 ....................................................................
قول شيخ اإلسالم ابن تيمية 29 ............................................................
قول الشاطبي أن هذه ال ُفرقة مشعرة بتفرق القلوب 34 .......................
قول العالمة األلباني 35 ........................................................................
قول العالمة ابن باز 35 .........................................................................
قول العالمة ابن عثيمين 37 ..................................................................
قول الشيخ بكر أبو زيد 38 .................................................................
الصفحة الموضوع
قول الشيخ صفي الرحمن المباركفوري 38 ........................................
39 تنبيه على خطأ حشر أهل السنة مع أهل التفرق والحزبية في صعيد واحد
مسألة في حكم إحداث الحلف في -اإلسالم 41 ..................................
49-41 نقل طويل من تهذيب اآلثار للطبري أورد فيه األحاديث الدالة على نسخ تحالف الجاهلية
قول أبي جعفر الطحاوي في نسخ حلف الجاهلية وبيان وجه ذلك 49
قول ابن بطة في عدِّه عقد التحالف في -اإلسالم من البدع المحدثة التي نهى عنها 50
إيراد ابن تيمية قولين في المسألة وتأييده قول النسخ باألدلة والشواهد 51
توضيح المباركفوري أن اإلسالم ال يتحمل في -داخله تنظيماً آخر 53
جماعة المسلمين واحدة 55 .................................................................
أسباب النصر على األعداء 55 ..............................................................
حقيقة حزب اهلل المعبَّر عنه بالجماعة 56 .............................................
ٍ
افتراق 56 ...................................... ألي بادرة أمثلة لمواجهة الصحابة ّ
إنكار عبد اهلل بن عمر على القدرية وتبرئه منهم 57 ............................
- 31 -
58 مما لم يؤمروا به
إنكار عبد اهلل بن مسعود على الذين أحدثوا إحصاء األذكار وع ّدها َّ
الصفحة الموضوع
58 تهديد عبد اهلل بن عمر أوالده بالمفاصلة إذا شاركوا في -خلع يزيد بن معاوية
اإلسالم ال يحجر على أهل الحق التعاون على البر والتقوى 59 .........
س ّد الشارع الذرائع المؤدية إلى تفرق القلوب 60 ..............................
دفع شبهة من طعن على السلفيين بأنهم حزب من األحزاب 62 .........
إشارة إلى خاتمة الرسالة 63 .................................................................
فهرس الموضوعات 65 ........................................................................
- 32 -