Professional Documents
Culture Documents
(دراسة معجمية)
6341هـ4163 /م
لالقتباس:
من ألفاظ القوة ومقابالتها يف القرآن الكريم (دراسة معجمية) ،عبد اجمليد حممد علي الغيلي،
6341هـ4163/م ،طبعة إلكرتونية ،منشور على موقع املؤلف :رحى احلرف.
2
الفهرس:
مقدمة4 .......................... ................................ :
الوهْن 5 ........................... ................................
املعنى اللغوي5 .............. ................................ :
املعاني اللغوية للفظ (الوهن) عند املفسرين8 .............. :
تعليق21 .................... ................................ :
التعريف االصطالحي للفظ (الوهن)21 ................... :
التحقيق يف مفهوم (الوهن)25 ............................. :
احلقل األول :القوة والضعف21 ................................. :
/6القوة 21 .................. ................................
/4الضعف12 ............... ................................ :
/4اللني11 .................. ................................ :
/3الشِّدَّة14 ................. ................................ :
احلقل الثاني :العزم الفتور 12 ...................................
/6الكسل12 ................ ................................ :
/4التثاقل12 ............... ................................ :
/4العزم14 ................. ................................ :
/3املسارعة15 ............... ................................ :
/5السعي15 ................ ................................ :
/1اإلصرار15 ............... ................................ :
/7التقدم والتأخر13 ....................................... :
احلقل الثالث :الشجاعة واجلنب 13 ..............................
/6التثبيت13 ............... ................................ :
3
مقدمة:
ال خيفى على الدارسني ضرورة النظر يف ألفاظ القرآن الكريم،
وإعادة صياغة دالالتها ومفاهيمها ،وفق استخدام القرآن الكريم،
وباإلفادة من استخدام العرب األوائل هلا ،وكذلك ما عرض
لداللتها من تطور عرب التاريخ.
وقد خصصت هذا البحث لبعض ألفاظ القوة واأللفاظ املتصلة
بها يف القرآن الكريم ،وتشمل مخسة حقول داللية :الضعف والقوة،
والفتور واجلد ،واجلنب والشجاعة ،واالختالل واإلحكام ،والعجز
واالستطاعة .وسأدرسها دراسة معجمية فحسب ،وأحقق يف كل لفظ
داللته األساس اليت تتبني من استخداماته املتعددة .وأبدأ بدراسة
لفظ الوهن ،فأدرسه دراسة حمققة ،ثم أعقب باأللفاظ املتصلة به.
ومل أستقص األلفاظ يف هذه احلقول ،إمنا مجعت ذلك حبسب
ما تيسر ،وأردت نشر ذلك ومشاركة الدارسني واملهتمني بالدراسات
القرآنية واللغوية ،وما يتصل بذلك من دراسات؛ ومل أنتظر حتى
يتيسر طبعها ،بل عزمت على نشرها على موقعي ،وأسأل اهلل أن
ينفعنا بها ،وأن ينفع بها ،وأن حيفظها من غارات الليل ،وسطوات
النهار.
عبد اجمليد حممد علي الغيلي
الرياض
وكتبته لثمانٍ بقني من صفر 6341للهجرة على صاحبها
أفضل الصالة والسالم ،املوافق 4163/64/65م
5
الوهْن
املعنى اللغوي:
يف اللغة إىل معنيني(:)4 ()6
رد ابن فارس جذر لفظ (ال َوهْن)
ضعُفَ ،والزمان (الوهْن
الضعف (تقول :وَ َهنَ الشَّيْءُ َي ِهنُ َوهْنًاَ :
واملَوهِن :ساعة متضي من الليل ،وأ ْوهَن الرجلُ :صار أو سار يف تلك
الساعة) .وبالنظر يف املعاجم اللغوية ،يتبني أنها تذكر للفظ
(الوهن) ثالثة معاني ،هي :الضعف ،والفتور( ،)4وساعة من الليل(.)3
()6
(الوَهْن) مصدر الفعل الثالثي :وَهَن يَهِن وَهْناَ( ،بزنة :وعَد يعِد وعدا) ،وفيه لغة
أخرى ،وهي :وهِن يَوْهَن وَهْناً ووَهَناً( ،بزنة :وجِل ي ْوجَل) ،ولغة ثالثة :وهُن يَوْهُن
وَهْناً ووَهَناً (بزنة :كرُم يكرُم) [انظر :البارع يف اللغة ،ألبي علي القالي ،مادة:
و هـ ن ،)644( ،والقاموس احمليط ،للفريوز آبادي ،مادة :و هـ ن،)6441( ،
ومعجم اللغة العربية املعاصرة ،ألمحد خمتار عمر ،مادة :و هـ ن.])4014/4( ،
ويف تهذيب اللغة ( )443/1عرف "الوَهْن" ،ثم قال" :والوَهَن لغةٌ فِيه" .فاالستخدام
الشائع هلذا اللفظ هو بسكون اهلاء (الوهْن) ،ولفعله( :وهَن يهِن) ،وهي القراءة
الشائعة ،وقرئ يف غري العشر بكسر اهلاء يف قوله تعاىلَ { :فمَا وَهِنُوا} [آل
عمران ،]631 :وهي قراءة األعمش واحلسن [تفسري ابن عطية ،])046/6( ،ويف
قوله تعاىل{ :وَهِنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم ،]3 :قرأها القراء بفتح اهلاء ،وقرأها
األعمش بالكسر ،وقرئت بالضم [البحر احمليط ،ألبي حيان.])441/7( ،
()4
مقاييس اللغة ،مادة :و هـ ن.)631/1( ،
()4
قال اخلليل" :الوَهْنانة :اليت فيها فتور عند القيام" [العني ،مادة :و هـ ن،])14/3( ،
سلَى عَن الْ َعمَل تنعُّماً" .ومن هذا املعنى
وقال األزهري" :الوَهْنانة من النِّساء :الكَ ْ
ما ذكره األزهري أيضاً أن العرب تقول :تَوَهَّن الطائر" :إذا ثقُل من أكل
اجليف ،فلم يقدر على النهوض" [تهذيب اللغة ،مادة :و هـ ن .])443/1( ،ومنه
قول اإلمام علي رضي اهلل عنه" :وإياك والعجلة باألمور قبل أوانها ،أو التسقّط
6
فيها عند إمكانها ،أو اللّجاجة فيها إذا تنكّرت ،أو الوهن عنها إذا
استوضحت؛ فضع كلّ أمر موضعه وأوقع كلّ عمل موقعه" [نهاية األرب يف
فنون األدب ،])44/1( ،فقوله "أو الوهن عنها إذا استوضحت" ،أي :إياك والفتور
والرتاخي عنها إذا استوضحت.
()3
قال ابن منظور" :والوَهْنُ واملَوْهِنُ :حنو من نصف الليل ،وقيل :هو بعد ساعة منه،
وقيل :هو حني يدبر الليل ،وقيل :الوهن ساعة متضي من الليل" [لسان العرب،
مادة :و هـ ن.])300/64( ،
()0
كابن فارس يف مقاييس اللغة ،واجلوهري يف الصحاح ،مادة :و هـ ن،
( ،)4460/1والقالي يف البارع يف اللغة ،مادة :و هـ ن ،)644( ،ولفظه" :والواهن
الضعيف يف قوته الذي ال بطش عنده" ،وابن األثري يف النهاية يف غريب احلديث
واألثر ،مادة :و هـ ن ،)443/0( ،وجممع اللغة العربية يف معجم ألفاظ القرآن
الكريم ،مادة :و هـ ن.)6461/4( ،
()1
العني ،مادة :و هـ ن ،)14/3( ،وتابعه األزهري يف تهذيب اللغة ،مادة :و هـ ن،
( ،)443/1وابن سيده يف احملكم ،مادة :و هـ ن ،)341/3( ،ولفظه " :الضعف
7
أو اخلُلُق"( .)7وقال الفيومي" :وهَن :ضعُف ،فهو واهن يف األمر والعمل
والبدن"(.)8
وقد فرّق بني (الوهن) و(الضعف) أبو هالل العسكري يف كتابه
الفروق اللغوية؛ بأن (الوهن) هو أن يفعل اإلنسان فعل الضعيف وهو
قوي يف نفسه ،فهو من فعل اإلنسان .أما الضعف فهو من فعل اهلل
تعاىل باإلنسان ،كما أن القوة من فعله ،تقول :خلقه اهلل ضعيفاً أو
خلقه قوياً( .)9وهذا ليس على إطالقه؛ فاملعنى املذكور يصدق على
الوهن يف األمر أو العمل ،ال (وهن اجلسم) ،كما سيأتي.
ومل حيظ هذا الفرق بعناية أصحاب املعاجم؛ فلم أجد معجماً
يف العمل واألمر وحنوه" ،وكذلك ابن منظور يف لسان العرب ،مادة :و ه ،ن،
( ،)304/64والفريوز آبادي يف القاموس احمليط ،إال أنه اقتصر على األول،
فقال" :الضعف يف العمل" ،مادة :و هـ ن ،)6441( ،وأما يف بصائر ذوي التمييز
فقد ذكر قول الراغب أيضا ،ولفظه" :الوَهْن ،والوَهَن حمركة :الضعف يف
خللُق" (.)487/0
خللْق وا ُ
العمل ،وقيل :الضعف من حيث ا َ
()7
مفردات غريب القرآن ،مادة :و هـ ن.)887( ،
()8
املصباح املنري ،مادة :و هـ ن .)173/4( ،وتابع املعاصرون الفيومي ،مع حتوير يف
اللفظ ،ففي املعجم الوسيط ،جملمع اللغة العربية" :وهَن :ضعف يف األمر والعمل
والبدن" ،مادة :و هـ ن ،)6111/4( ،ومثله معجم الرائد ،جلربان مسعود ،مادة:
و هـ ن ،) 873( ،ويف معجم اللغة العربية املعاصرة ،ألمحد خمتار عمر" :ضعف
يف األمر أو العمل أو البدن" ،مادة :و هـ ن.)4014/4( ،
()1
( .)660وقد نقل االب هنريكوس يف كتابه فرائد اللغة عن اجلزائري بأن الوهن
انكسار اجلسد باخلوف وغريه ،والضعف نقصان القوة ( .)670/6غري أن هذا
التفريق ليس للجزائري ،وإمنا للماوردي (ت 301 :هـ) ،ينظر :تفسري املاوردي،
(.)348/6
8
()61
ينظر تفسري ابن كثري ،)641/4( ،و( ،)646/4و( ،)314/4و(،)44/3
و( ،)466/0و( ،)471/1و( ،)441/1و(.)444/7
()66
ينظر ،على سبيل املثال ،تفسري الطربي ،)443/7( ،و( ،)411/7و(.)647/41
ومعاني القرآن ،للزجاج ،)371/6( ،و(.)371/6
()64
سأكتفي مبرجع واحد على كل تفسري[ ،الضعف] ينظر :تفسري الطربي
( ،)443/7و[اجلنب] ينظر :تفسري البغوي ( ،)064/6و[العجز] ينظر :تفسري
السمرقندي ( ،)431/6و[اللني والبلى] ينظر :تفسري ابن عطية (،)064/6
و[الضعف يف األبدان] ينظر :تفسري السعدي ( ،)638و[خور العزمية] ينظر:
التحرير والتنوير ،البن عاشور.)18/3( ،
9
()64
سأكتفي مبرجع واحد على كل معنى[ ،الضعف] ينظر :معاني القرآن ،للزجاج،
( ،)371/6و[العجز] ينظر :تفسري املاتريدي ،)014/4( ،و[اجلنب] ينظر :تفسري
البغوي ،)046/6( ،و[الفتور] ينظر :تفسري أبي السعود ،)10/4( ،و[الذل] ينظر:
الكشاف ،للزخمشري ،)441/3( ،و[االنكسار باخلوف] ينظر :تفسري
املاوردي ،)348/6( ،و[خور العزمية] ينظر :التحرير والتنوير ،البن عاشور،
( ،)18/3و[الشدة] و[اجلَهْد] ينظر :تفسري املاوردي.)443/3( ،
وأما [اإلبطال] فذكره ابن عطية يف تفسري قوله {ذَ ِلكُمْ وَأَنَّ اهللَ مُوهِنُ كَيْدِ
ا ْلكَافِرِينَ} [األنفال ،]68 :فقال" :ومُوهِنُ معناه :مضعفٌ مبطلٌ" (،)064/4
تابعه جممع اللغة العربية بالقاهرة يف معجم ألفاظ القرآن ،مادة :و هـ ن،
(.)6461/4
10
يف ص ( ،)638ولكنه يف ص( )611نسب الوهن إىل البدن والقلب" :ال تضعفوا
وال تكسلوا؛ فإن وَهَن القلب مستدع لوَهَن البدن" ،ويف ( )711فسر الوهن
باستيالء اخلوف ،وهو فعل قليب ،ولفظه" :ال تضعفوا عن قتال عدوكم،
ويستولي عليكم اخلوف".
ومثله الشيخ الشعراوي ،فمرة قال إن (الوهن) ضعف البدن[ ،تفسري الشعراوي،
( ،])6773/4ومرة قال إن (الوهن) حمله القلب ،وهو أول الضعف [تفسري
الشعراوي.])6811/4( ،
()46
تفسري املاتريدي.)014/4( ،
()44
نقله املاوردي يف تفسريه.)348/6( ،
()44
(.)343/6
12
تعليق:
يتبني مما تقدم ما يلي:
األول :عدم متييز اللغويني واملفسرين عموما بني دالليت
(الوهن) و(الضعف) ،بل حيملون إحداهما على األخرى.
الثاني :حفلت كتب التفسري مبعاني لغوية للفظ (الوهن)
خلت منها املعاجم اللغوية ،كالعجز ،والذل .وأيضاً معنى (اخللل)
الذي مل يرد النص عليه يف أي منهما .ويدل تعدد معاني لفظ
(الوهن) لدى املفسرين أنهم رأوا أن تعريف اللغويني له بأنه (الضعف)
غري كافٍ ،ومن ثم ذهب كل منهم مذهباً يف تفسريه.
الثالث :هناك حماوالت عديدة من املفسرين للتمييز بني
(الوهن) و(الضعف) ،ولكنهم مل يطردوا يف هذا التمييز ،وما جلأ إليه
بعضهم يف هذه اآلية إال لتعاطف اللفظني .ثم بعد ذلك يعودون إىل
تفسري (الوهن) بـ(الضعف) .كما أنهم اختلفوا اختالفاً شديداً يف
أوجه التمييز بني اللفظني ،بل وصل األمر إىل حد التعارض بني
بعض املفسرين يف هذا التمييز ،فـ(اجلنب) مثال ،فسر الزجاج به
()43
التحرير والتنوير ،)18/3( ،و(.)668/3
13
()40
تهذيب اللغة ،لألزهري ،مادة :و ه ،ن.)443/1( ،
14
()46
مطالع األنوار على صحاح اآلثار.)404/1( ،
()44
ينطبق هذا التعريف على كافة جذور لفظ الوهن الواردة يف املعاجم ،فكلها
ترجع إال انكسار حد الشيء بعد قوته .وأما معنى الزمان ،فقد أورد ابن منظور
يف اللسان أن الوهن (حنو من نصف الليل ،وقيل :هو بعد ساعة منه ،وقيل :هو
16
أما طبيعة الوهن ،فإنه انكسار حلد الشيء ،واالنكسار يفيد أنه
انتقال من اجلانب األعلى يف الصفة إىل اجلانب األدنى .فلكل صفة
جانبان ،جانب مذموم ،وجانب مستحسَن ،فمثال (القوة والضعف)،
و(اجلنب والشجاعة) ،و(اخللل واإلحكام) ،و(الفتور والعزم) ...إخل.
فاإلنسان ،مثالً ،ال يوصف بالوهن يف طفولته ،ولكنه يوصف به
يف كربه؛ ألنه ضعف بعد قوة ،وبعبارة أخرى :انكسر حد اإلنسان
بالضعف بعد أن كان قوياً ،فهذا هو الوهن ،أما يف الطفولة فلم يكن
ضعفه بعد قوة ،بل كان ضعفه ابتداء ،فال يسمى :وهْناً.
والوهن ،كما تبني من استخدام اللفظ ،يشمل أربع صفات،
الضعف بعد القوة ،والفتور بعد العزم ،واجلنب بعد الشجاعة،
واالختالل بعد اإلحكام .وقد قيدته يف التعريف بلفظ (بعد قوة)،
ولفظ (القوة) كما سيأتي يدل على :القوة اليت تقابل الضعف،
والعزم ،والشجاعة ،واإلحكام ،والقدرة .ومن ثم فالوهن انكسار يف
صفة من هذه الصفات إىل املقابل األدنى هلا .ولذلك جتد املفسرين
حني يدبر الليل ،وقيل :الوهن ساعة متضي من الليل) .ولعل الراجح يف ذلك هو
القول أن الوهن بعد ساعة من أول الليل ،أي بعد العشاء بنحو ساعة ،فهو الوقت
الذي يتم فيه انكسار بقايا أشعة الشمس ،فبزوال الشفق ودخول العشاء يتحقق
التحول التام من النهار إىل الليل ،فالوهن هو هذا الوقت ،وليس آخره أو نصفه.
ويدل على ذلك استخدام العرب للفظ يف أشعارهم للداللة على أول الوقت،
كقول املرار الفقعسي (شاعر أموي) ميدح نسوة:
ف مستور
ميشني وهْناً وبعد الوهن من خَفرٍ ...ومن حياءٍ غضيض الطَّرْ ِ
فاملرأة – يف عادات العرب –مل تكن خترج منتصف الليل أو آخره ،بل خترج أوله،
ولذلك قال :وهنا وبعد الوهن ،أي أوله وبعد ذلك بقليل.
17
()44
ينظر القراءة يف :تفسري الطربي.)311/64( ،
19
()43
مقاييس اللغة ،مادة :ق و ي.)41/0( ،
()40
أمحد خمتار عمر ،مادة :ق و ي.)484( ،
20
()41
تفسري البيضاوي.)448/4( ،
21
/4الضعف:
قال اجلوهري" :الضعف خالف القوة"( ،)47وقال الراغب:
"والضَّ ْعفُ قد يكون يف النّفس ،ويف البدن ،ويف احلال"( .)48غري أن
الشيء الضعيف ليس امللمح املميز يف داللة الضعف؛ فالضعف يف
النفس أو البدن أو احلال ميكن أن يكون وهناً أيضاً ،أو عجزاً ...إخل.
بل امللمح املميز هو كون الضعف أصالة يف الشيء أو طارئاً عليه.
()47
الصحاح ،مادة :ض ع ف .)6411/3( ،و(القوة) ،قد تستعمل مقابال للفظ
(الضعف) ،وقد تستعمل مقابال لدالالت أخرى( ،كاجلنب ،أو الفتور ،أو
اخللل ،أو العجز) ،ومن ثم تعريف (الضعف) بأنه خالف (القوة) ،من باب
التجوز ،باعتبار أن اجلنب ضعف ،وكذلك الفتور ضعف ،أو من باب التغليب؛
حيث نغلب داللة (القوة) اليت تقابل (الضعف) على الدالالت األخرى.
( )48املفردات يف غريب القرآن ،مادة :ض ع ف.)017( ،
22
وعليه ميكن تعريف الضعف أنه( :صفة أصلية أو طارئة على الشيء
تقابل القوة) ،ويرد يف القرآن الكريم باملعنيني ،فمن الضعف ابتداء
ضعِيفًا} [النساء .]48 :ومن الضعف
خلِقَ الْإِنْسَانُ َ
قوله تعاىل{ :وَ ُ
سبِيلِ اهللِ وَمَا
الطارئ قوله تعاىلَ { :فمَا َوهَنُوا ِلمَا َأصَا َبهُمْ فِي َ
الذِي خَ َلقَكُمْ
ض ُعفُوا} [آل عمران .]631 :واجتمعا يف قوله تعاىل{ :اهللُ َّ
َ
ض ْعفًا
ج َعلَ ِمنْ َب ْعدِ قُوَّةٍ َ
ض ْعفٍ قُوَّةً ثُمَّ َ
ج َعلَ ِمنْ بَ ْع ِد َ
ض ْعفٍ ثُمَّ َ
ِمنْ َ
وَشَ ْي َبةً} [الروم ،]53 :فالضعف األول هو ضعف ابتداء ،والضعف بعد
الكرب هو ضعف بعد قوة ،فهو ضعف طارئ.
/4اللني:
جتعل املعاجم العربية اللني مقابل :اخلشونة ،والصالبة،
والصعوبة ،والفظاظة ،والقسوة( .)49وال جتعله مقابل القوة.
وجاء يف بصائر ذوي التمييز" :واللِّني على وجهنيِ :لني يف
األجساد ،كلِني الشمع واحلديد وغريه؛ ولِني يف املعاني ،كلِني الطبع
ولِني القول"(.)31
()41
ينظر ،مثال :مجهرة اللغة ،البن دريد ،مادة ص ل ب ( ،)431/6ومادة :خ ش ن،
( ،)114/6وتهذيب اللغة ،لألزهري ،مادة :س ه ل ،)78/1( ،ومادة :ق س و،
( ،)681/1وتاج العروس ،للزبيدي ،مادة :ل ي ن .)640/41( ،وبتتبع استخدام
العرب للفظ اللني ،وما نصت عليه املعاجم القدمية ،فإن الغالب يف استخدام
(اللني) للمدح ال الذم.
()31
الفريوز آبادي ،)374/3( ،وانظر :املفردات يف غريب القرآن ،للراغب ،مادة :ل ي
ن.)704( ،
23
()36
تفسري ابن عطية ،)064/6( ،وانظر تفسريه أيضا.)618/4( :
()34
تفسري ابن عطية .)064/6( ،واحلديث الذي ذكره أخرجه البيهقي يف شعب
اإلميان من حديث أبي هريرة ،برقم ( ،)7770كتاب حسن اخللق ،فصل يف
لني اجلانب ،وضعفه الشيخ األلباني يف سلسلة األحاديث الضعيفة ،برقم
( .)416/61( ،)3176ومبعناه احلديث الصحيح" :حرم على النار كل هيّن ليّن
سهل قريب من الناس" ،أخرجه أمحد من حديث ابن مسعود ،برقم (،)4148
وصححه الشيخ أمحد شاكر يف تعليقه ،)14/3( ،واأللباني يف صحيح اجلامع
الصغري ،برقم (.)111/6( ،)4640
24
/3الشِّدَّة:
قال ابن فارس" :الشدة تدل على قوة يف الشيء"( ،)34وقال
الزبيدي يف تاج العروس" :الشدة :اسم من االشتداد ،وهي :الصالبة يف
اجلواهر واألعراض"( .)33وجاء يف املعجم املوسوعي أللفاظ القرآن
الكريم( ،)35أنها تستعمل مبعنى اكتمال النمو ،والتقوية ،والتقسية،
وغريها من املعاني .وقال أبو هالل العسكري يف الفرق بني الشدة
والقوة" ،الشدة يف األصل هي مبالغة يف وصف الشيء يف صالبة،
وليس هو من قبيل القدرة ،وهلذا ال يقال هلل :شديد ،والقوة من قبيل
القدرة"(.)31
والتحقيق أن الشدة( :بلوغ الصفة حدها األقصى صعوداً أو
هبوطاً) .فمثالً :شدة القوة بلوغ أقصى درجة القوة ،وشدة الضعف
()37
حيثما ورد لفظ (الشدة) ومشتقاته فإنه يقرتن بوصف يبني وجه الشدة ،سواء على
وجه التمييز ،حنو :أشد سرعةً ،أشد حباً ،أشد بأساً ،أشد قوةً ،أو على وجه
اإلضافة ،حنو :شديد العقاب ،شديد احلب ،شديد البأس ،ومنه :شدة اجلوع،
شدة احلر ،شدة البياض ،شدة احلمرة ...أو على وجه الوصف ،حنو :عذاب
شديد ،بأس شديد ...أو حبسب الصفة كما يفهم من السياق ،كقوله تعاىل:
كلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} [يوسف ،]38 :أي :شدة
ك سَبْ ٌع شِدَادٌ يَ ْأ ُ
{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْ ِد ذَلِ َ
اجلدب والقحط ،وكقوله تعاىل{ :وَبَنَيْنَا فَوْ َقكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} [النبأ،]64 :
أي :شدة البناء واإلحكام .ومنه احلديث الذي أخرجه البخاري ( )1663ومسلم
( ) 4111عن أبي هريرة ،قال :مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ،يقول:
«ليس الشديد بالصُّ َرعَة» قالوا :فالشديد أَيُّمَ هو؟ يا رسول اهلل ،قال« :الذي
ميلك نفسه عند الغضب» ،فاملعنى :ليس الشديد شديد البطش الذي يصرع
الناس ،إمنا هو شديد الصرب الذي يصرع غضبه.
26
إذن ُتمَيّز بالصفة اليت تقرتن بها ،ولذلك جند أن صفة (القوة)
تقرتن بها ،كبقية الصفات ،فكما يقال :أشد حرا ،أشد سرعة ...يقال
أيضاً :أشد قوة ،قال تعاىل{ :كَانُوا أَشَدَّ مِ ْنهُمْ قُوَّةً} [الروم،]9 :
شدِيدُ الْ ُقوَى} [النجم.]5 :
وكقوله {ع ََّل َمهُ َ
()38
-صعوداً أو يدل على االزدياد املتدرج ولفظ (اشتداد)
-يف الصفة ،والتدرج يف الصعود يكون من األدنى إىل هبوطاً
األعلى ،حنو :اشتدت قوته ،والتدرج يف اهلبوط يكون من األدنى إىل
األعلى ،حنو :اشتد ضعفه .وحنو :اشتد به الوجع ،أي :بدأ يسريا ثم
تصاعد يف شدته من األدنى إىل األعلى .واشتدت الفرس ،أي ازدادت
سرعتها ،واشتدت النار :ازداد ارتفاعها وهليبها ،واشتد النهار :ازداد
ارتفاعه شيئا فشيئا .وحنو ذلك :اشتد احلب ،واشتد البغض ،واشتد
احلر ،واشتد الربد ....إخل .فلفظ (اشتداد) يبني تدرج الصفة يف
الصعود أو اهلبوط إىل أن تصل إىل احلد األقصى ،فإذا بلغت احلد
األقصى ،استخدم لفظ (الشدة).
كرَمَادٍ
ك َفرُوا ِبر َِّبهِمْ أَ ْعمَا ُلهُمْ َ
الذِينَ َ
وقوله تعاىل{ :مَ َثلُ َّ
سبُوا َعلَى شَيْءٍ
صفٍ لَا َي ْقدِرُونَ مِمَّا كَ َ
اشْتَدَّتْ ِبهِ الرِّيحُ فِي َيوْمٍ عَا ِ
الضلَالُ ا ْل َبعِيدُ} [إبراهيم ،]68 :يبني التصاعد يف سرعة
َذ ِلكَ ُهوَ َّ
()38
هذه الداللة حلظتها من خالل استخدام العرب هلذا اللفظ ،وميكن الرجوع إىل
املعاجم وتأمل تلك األمثلة .ويف معجم اللغة العربية املعاصرة ،ألمحد خمتار
عمر ،مادة :ش د د" :)6671/4( ،اشتدَّ الضَّغطُ :قوِي وزاد ...واشتدَّ السِّعرُ :غال
وارتفع .واشتدَّ اللَّنبُ وحنوُه :أخذ يتماسك ويتجبَّن .واشتدَّ النَّهارُ :عال وارتفعت
مشسُه ...واشتدَّ يف عَدْوِه :أسرع".
27
الريح وقوتها ،وازديادها شيئا فشيئا ،فال تزال تذرو الرماد حتى ال
يبقى من الرماد شيء ،فكذلك كفرهم يُذهب أعمالَهم (الصاحلة،
اليت يظنون أنها ستنفعهم) ،شيئاً فشيئا ،حتى يأتي يوم القيامة ومل
يبق هلم شيء ينفعهم يف آخرتهم .قال ابن اجلوزي" :ومعنى اآلية :أن
كل ما يتقرب به املشركون حيبط وال ينتفعون به ،كالرماد الذي
سفته الريح فال يقدر على شيء منه ،فهم ال يقدرون مما كسبوا يف
الدنيا على شيء يف اآلخرة ،أي :ال جيدون ثوابه"(.)39
وجاء يف آية إبراهيم (اشتدت به الريح) ،ويف سورة الكهف:
السمَاءِ فَاخْ َتلَطَ
كمَاءٍ أَ ْن َزلْنَاهُ ِمنَ َّ
ضرِبْ َلهُمْ مَ َثلَ ا ْلحَيَاةِ الدُّنْيَا َ
{وَا ْ
صبَحَ هَشِيمًا َتذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اهللُ َعلَى كُلِّ شَيْءٍ
ِبهِ َنبَاتُ الْأَ ْرضِ فَ َأ ْ
ُمقْ َتدِرًا} [الكهف ،]35 :فاستخدم لفظ (تذروه الرياح) ،إذ املراد بيان
ذهاب األثر دون النظر يف تدرج ذهابه ،كما يف اآلية األوىل ،وألن لفظ
االشتداد يناسب حركة الريح وازدياد قوتها يف اليوم العاصف ،أما يف
سورة الكهف فسيقت لبيان أن زينة الدنيا تذهب بغتة فال يبقى منها
()31
زاد املسري .)011/4( ،وقال السعدي يف تفسريه" :)343( ،خيرب تعاىل عن أعمال
الكفار اليت عملوها :إما أن املراد بها األعمال اليت عملوها هلل ،بأنها يف ذهابها
وبطالنها واضمحالهلا كاضمحالل الرماد ،الذي هو أدق األشياء وأخفها ،إذا
اشتدت به الريح يف يوم عاصف شديد اهلبوب ،فإنه ال يبقى منه شيئا ،وال يقدر
منه على شيء يذهب ويضمحل ،فكذلك أعمال الكفار {ال َيقْ ِدرُونَ مِمَّا
كَسَبُوا َعلَى شَيْءٍ} وال على مثقال ذرة منه ألنه مبين على الكفر
والتكذيب{.ذَلِكَ هُوَ الضَّاللُ الْبَعِيدُ} حيث بطل سعيهم واضمحل عملهم ،وإما
أن املراد بذلك أعمال الكفار اليت عملوها ليكيدوا بها احلق ،فإنهم يسعون
ويكدحون يف ذلك ومكرهم عائد عليهم ولن يضروا اهلل ورسله وجنده وما
معهم من احلق شيئاً".
28
شيء ملن اغرت بها ،كما تذرو الرياح اهلشيم فال يبقى منه شيء ،سواء
أكانت الرياح شديدة أو غري شديدة.
والفعل من (الشدة) :شدّ الشيءَ ،يفيد التدرج شيئاً فشيئاً يف
إكساب الشيء صفة الشدة ،تقول :ش َددْتُ احلبل ،أي :بدأت بإيثاقه
شيئا فشيئا ،حتى يتم إحكامه .وقوله تعاىل{ :وَشَ َددْنَا ُملْ َكهُ} [ص:
،]41فاشتداد امللك يكون شيئاً فشيئاً ،وكان التعبري القرآني عن
ذلك بلفظ :شددنا ملكه ،ومل يقل :قويناه .وعلى ذلك حيمل قوله
ش ُددْ َعلَى ُقلُو ِبهِمْ} [يونس ،]88 :فيفيد املعنى أن اهلل ختم
تعاىل{ :وَا ْ
على قلوبهم ،وهذا اخلتم مل حيصل مرة واحدة ،ولكنه حيصل
بالتصاعد شيئاً فشيئاً ،فيبدأ اخلتم ،ثم يشتد ،وذلك مرتبط بعمل
اإلنسان ،الذي ال يزال يعمل السيئات مرةً بعد مرةٍ ،وال يزال الشدّ
على قلبه يزداد مرةً بعد مر ٍة ،ولذلك جاء يف احلديث" :تُعْ َرض الفنتُ
ت فيه نُكْ َت ٌة
على القلوب كاحلصري عُوداً عُوداً ،فأي قلب أُشْربَها نُ ِك َ
ت فيه نُكْ َت ٌة بيضاء ،حتى تصريَ على قلبني،
سوداء ،وأي قلب أَنكَرها نُ ِك َ
على أبيضَ مثلِ الصفا فال تضره فتنةٌ ما دامت السماوات واألرض،
واآلخر أسودُ ُمرْبَادًّا ،كالكوز ُمجَخِّيًا ال يعرف معروفاً ،وال ينكر
منكراً ،إال ما أشرب من هواه"( .)51فقوله (حتى يصري) ،يفيد أن النَّكْت
حيدث مرةً بعد مرةٍ ،وأن صريورة القلب بتلك الصفة مل حيدث مرة
()01
أخرجه مسلم ،من حديث أبي هريرة ،رقم ( ،)633كتاب اإلميان ،باب بيان أن
اإلسالم بدأ غريبا وسيعود غريبا .و(مُرْبَادًّا) – كما قال القاضي عياض يف
إكمال املعلم بفوائد مسلم (" :)303/6الرُّبدَةُ شيء من بياض يسري خيالطُ
السواد كلون أكثر النعام ،ومنه قيل للنعامة :رَبْداءُ" ،و(جمخياً) :منكوساً.
29
()06
تفسري أبي السعود .)600/8( ،وكذلك قولهَ { :علَيْهَا َملَا ِئكَةٌ ِغلَاظٌ شِدَادٌ}
[التحريم ،]1 :فالشدة ختتص بكمال قدرة اجلسم على الفعل املنوط به.
30
ج َعلَ مِنْ
ض ْعفٍ ثُمَّ َ
خ َلقَكُمْ مِنْ َ
الذِي َ
وأما يف قوله تعاىل{ :اهللُ َّ
خلُقُ مَا يَشَاءُ َو ُهوَ
ض ْعفًا وَشَ ْي َبةً َي ْ
ض ْعفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَ َعلَ ِمنْ َب ْعدِ قُوَّةٍ َ
َب ْعدِ َ
ا ْل َعلِيمُ ا ْل َقدِيرُ} [الروم ،]53 :فاستخدم لفظ (القوة) ،يف مقابل
(الضعف) ،إذ اآلية تبني انتقال اإلنسان من حالة الضعف إىل حالة
القوة ،فليس الغرض هنا الوصف كاآليات األخرى ،وإمنا بيان قدرة
اهلل وفعله كيف يشاء يف خلقه ،وهو العليم القدير ،فينقل اإلنسان
من ضعف إىل قوة ،ثم من قوة إىل ضعف.
31
/4التثاقل:
أما (التثاقل) فجاء فعالً يف موضع واحد ،وهو قوله تعاىل{ :يَا
()04
العني ،مادة :ك س ل .)461/0( ،وتابعه مجهور اللغويني ،ولفظه عند األزهري يف
تهذيب اللغة ،مادة :ك س ل" :)47/61( ،الكسل :التثاقل عما ال ينبغي التثاقل
عنه" ،وينظر :املفردات يف غريب القرآن ،للراغب ،مادة :ك س ل،)766( ،
وبصائر ذوي التمييز ،للفريوز آبادي.)404/3( ،
( )04مقاييس اللغة.)678/0( ،
( )03التفسري البسيط.)611/7( ،
( )00التحرير والتنوير.)441/0( ،
32
()11
الكشاف.)016/6( ،
34
/4العزم:
ويقابل هذه األلفاظ – يف القرآن الكريم :العزم ،واملسارعة،
والسعي ،واإلصرار .ويف غريه :النشاط ،واهلمة ،واجلد ،واالجتهاد.
َكلْ َعلَى اهللِ}
فالعزم ورد يف آيات ،كقوله{ :فَِإذَا َعزَمْتَ فَ َتو َّ
َتقُوا فَإِنَّ َذ ِلكَ ِمنْ عَزْمِ
ص ِبرُوا َوت َّ
[آل عمران ،]659 :وقوله{ :وَإِنْ تَ ْ
صدَقُوا اهللَ لَكَانَ
الْأُمُورِ} [آل عمران ،]681 :وقوله {فَِإذَا َعزَمَ الْأَمْرُ َف َلوْ َ
خَ ْيرًا َلهُمْ} [حممد .]46 :قال الراغب" :العزم :عقد القلب على إمضاء
األمر"( ،)16وقال الكفوي" :عزم على األمر :أراد فعله وقطع عليه ،أو جدّ
يف األمر"( .)14وقال الشوكاني" :والعزم يف األصل :قصد اإلمضاء ،أي:
فإذا قصدت إمضاء أمر فتوكل على اهلل"( ،)14وقال ابن عاشور" :والعزم
إمضاء الرأي وعدم الرتدد بعد تبيني السداد"(.)13
والعرب تقرن لفظ (الوهن) بـ(العزم) ،على أنه مقابل له ،ومنه
قول اإلمام علي" :غري نَ ِكلٍ يف َقدَمٍ ،وال واهناً يف عزم"( ،)15أي :ال يتأخر
وال ينكل بل يُقدِم ،وال يرتدد أو يرتاخى بل يعزم ،ومن مأثور العرب:
"عزم ال يشوبه وهن"(.)11
()16
املفردات يف غريب القرآن ،مادة :ع ز م.)010( ،
()14
الكليات.)101( ،
()14
فتح القدير.)03/6( ،
()13
التحرير والتنوير.)611/3( ،
()10
النهاية يف غريب احلديث واألثر ،البن األثري ،)41/3( ،و(.)443/0
()11
لباب اآلداب ،ألسامة بن منقذ.)33( ،
35
/3املسارعة:
ويستخدم القرآن الكريم لفظ (املسارعة) للداللة على اجلد
والتشمري واالجتهاد والنشاط( ،)17سواء يف اخلري ،كقوله تعاىل:
{وَسَارِعُوا ِإلَى َم ْغ ِفرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران ،]644 :وقوله{ :إ َِّنهُمْ
كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي ا ْلخَ ْيرَاتِ} [األنبياء .]99 :أم يف الشر ،كقوله
الذِي َن يُسَارِعُونَ فِي الْ ُك ْفرِ} [آل عمران،]671 :
حزُ ْنكَ َّ
تعاىلَ { :ولَا يَ ْ
كلِهِمُ
وقولهَ { :و َترَى كَثِريًا مِ ْنهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَا ْل ُعدْوَانِ وَأَ ْ
السحْتَ} [املائدة .]14 :فـ(املسارعة) هنا مقابل (التثاقل).
ُّ
/5السعي:
وكذلك لفظ (السعي) ،فهو "يستعمل للجد يف األمر ،خريا
كان أو شرّا"( ،)18كقوله {وَسَعى فِي خَرابِها} [البقرة ،]663 :وقوله:
جزِينَ} [سبأ ،]5 :وقوله{ :كان سعيهم
س َعوْا فِي آياتِنا مُعا ِ
َالذِينَ َ
{و َّ
مشكورا} [اإلسراء.]69 :
/1اإلصرار:
ويستخدم القرآن الكريم لفظ (اإلصرار) ،مبعنى العزم ،ولكنه
يستخدمه يف مقام الذم ،قال الراغب" :اإلصرار :التعقّد يف الذنب
()17
النشاط ،مبعنى :اجلد يف العمل واهلمة فيه ،قال ابن منظور ،لسان العرب ،مادة:
ن ش ط( :)364/7( ،النشاط :ضد الكسل ...،واملَنْشَط َمفْعَل من النشاط،
وهو األمر الذي تنشط له ،وختف إليه ،وتؤثر فعله).
()18
املفردات يف غريب القرآن ،للراغب ،مادة :س ع ى.)366( ،
36
/7التقدم والتأخر:
َخرَ} [املدثر.]47 :
قال تعاىلِ { :ل َمنْ شَا َء مِنْكُمْ أَنْ يَ َتقَدَّمَ أَوْ يَتَأ َّ
قال ابن عباس" :من شاء اتبع طاعة اهلل ،ومن شاء تأخر عنها"(،)76
وقال الزخمشري" :املراد بالتقدّم والتأخر :السبق إىل اخلري والتخلف
عنه"( .)74فالتقدم هو املسارعة يف طاعة اهلل ،واجلد فيها ،والتأخر هو
التثاقل عن الطاعة ،والفتور فيها .واإلنسان يوم القيامة ينبأ بهما
َخرَ} [القيامة.]64 :
معاً ،قال تعاىل{ :يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ َيوْمَ ِئذٍ ِبمَا قَدَّمَ وَأ َّ
()11
املفردات يف غريب القرآن ،مادة :ص ر ر.)386( ،
()71
الشريف اجلرجاني.)48( ،
()76
تفسري الطربي.)40/43( ،
()74
الكشاف.)103/3( ،
37
/4البأس:
وكذلك يعرب عن الشجاعة بالبأس ،كقوله تعاىل{ :قَالُوا
شدِيدٍ} [النمل ،]44 :قال أبو السعود" :أي:
حنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ َ
َن ْ
جندة وشجاعة مفرطة وبالء يف احلرب"( ،)73ومثله قولهَ { :بعَثْنَا
شدِيدٍ} [اإلسراء ،]5 :وقوله {سَ ُتدْ َعوْنَ ِإلَى
َعلَيْكُمْ ِعبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ َ
شدِيدٍ} [الفتح.]61 :
َقوْمٍ أُولِي بَأْسٍ َ
()74
تفسري ابن كثري.)43/3( ،
()73
تفسري أبي السعود.)483/1( ،
38
/4اجلنب واخلور:
خلوّار :الضعيف من كل شيء ،يُقال :رمح
قال ابن فارس" :ا َ
خوّار ،وأرض خوارة ،ومجعه :خُوْر"(" ،)75ومن اجملاز :رجل خوّار:
َ
جبان"( .)71وقال ابن منظور" :خار الرجل خَوراً :ضعف وانكسر"(.)77
فاخلور (يف الناس) ليس مطلق الضعف ،ولكنه انكسار القوة باخلوف،
وهذا قول عمر رضي اهلل عنه" :لن ختور قُوىً ما دام صاحبها يَنْزِع
وينزو" ،قال ابن األثري" :خار خيور ،إذا ضعُفت قوته ووهَتْ ،أي :لن
يضعف صاحب قوة يقدر أن يَ ْنزِع يف قوسه ،ويثب إىل ظهر دابته"(.)78
وهذا معنى اجلنب و"أصله يف القتال"( ،)79قال الراغب" :اجلنب:
ضعف القلب عمّا حيق أن يقوى عليه"( ،)81وقال الفيومي" :رجل جبان،
أي :ضعيف القلب"(.)86
وهذا ما فسر به املاوردي قوله تعاىلَ { :فمَا َوهَنُوا لِمَا َأصَا َبهُمْ
سبِيلِ اهللِ وَمَا ضَ ُعفُوا} [آل عمران ،]631 :قال" :الوهن :االنكسار
فِي َ
باخلوف ،والضعف نقصان القوة ،واالستكانة اخلضوع ،ومعناه :فلم
يهنوا باخلوف ،وال ضعفوا بنقصان القوة ،وال استكانوا باخلضوع"(،)84
()70
مقاييس اللغة ،مادة :خ و ر.)447/4( ،
()71
أساس البالغة ،للزخمشري ،مادة :خ و ر.)411/6( ،
()77
لسان العرب ،مادة :خ و ر.)414/3( ،
()78
النهاية يف غريب احلديث واألثر ،مادة :خ و ر.)87/4( ،
()71
املخصص ،البن سيده.)477/6( ،
()81
املفردات يف غريب القرآن ،مادة :ج ب ن.)681( ،
()86
املصباح املنري ،مادة :ج ب ن.)11/6( ،
()84
تفسري املاوردي.)348/6( ،
39
()83 ()84
بانكسار الوهن هنا باجلنب ،وفسره أبو السعود وفسر البغوي
()85
أن الوهن هنا جماز عن خور العزمية. اهلمة ،وقال ابن عاشور
وكلها متقاربة ،فاخلور هو انكسار القلب باخلوف ،وهذا هو اجلنب.
ومل يرد لفظ اجلنب يف القرآن الكريم ،وال لفظ اخلور ،وإمنا ورد
مبعناهما :الوهن ،كما يف اآلية ،والفشل ،وألفاظ أخرى.
وهذا احلقل الداللي يشتمل على جمموعة من األلفاظ،
منها( :)81اجلنب ،واخلور ،والرعب.
ظرُونَ
خوْفُ رَأَيْ َتهُمْ يَنْ ُ
ِحةً َعلَيْكُمْ فَِإذَا جَاءَ ا ْل َ
قال تعاىل{ :أَش َّ
خوْفُ
ِإلَ ْيكَ َتدُورُ أَعْيُ ُنهُمْ كَالَّذِي ُيغْشَى َعلَ ْيهِ ِمنَ ا ْل َموْتِ فَِإذَا َذهَبَ ا ْل َ
ِحةً َعلَى ا ْلخَ ْيرِ} [األحزاب ،]69 :قال ابن
حدَادٍ أَش َّ
س َلقُوكُمْ بِ َألْسِ َنةٍ ِ
َ
كثري(" :فإذا جاء اخلوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم
كالذي يغشى عليه من املوت) ،أي :من شدة خوفه وجزعه ،وهكذا
خوف هؤالء اجلبناء من القتال( ،فإذا ذهب اخلوف سلقوكم بألسنة
حداد) ،أي :فإذا كان األمن ،تكلموا كالما بليغا فصيحا عاليا،
وادّعوا ألنفسهم املقامات العالية يف الشجاعة والنجدة ،وهم يكذبون
يف ذلك"(.)87
()84
تفسري البغوي.)046/6( ،
()83
تفسري أبي السعود.)10/4( ،
()80
التحرير والتنوير.)668/3( ،
()81
ينظر :املخصص ،البن سيده.)478/6( ،
()87
تفسري ابن كثري.)411/1( ،
40
/3الفشل:
وقد جاءت الداللة على اجلنب بلفظ (الفشل) ،قال الفريوز
آبادي" :فشِل :كسِل وضعُف وتراخى وجبُن"( ،)88قال تعاىل{ :حَتَّى ِإذَا
شلْتُمْ َوتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَ ْمرِ} [آل عمران ،]654 :قال الطربي" :حتى إذا
فَ ِ
جبنتم وضعفتم"(.)89
/5أفئدتهم هواء:
كما جاءت الداللة عليه بصور بيانية ،منها قوله تعاىل:
{وَأَفْ ِئ َد ُتهُمْ َهوَاءٌ} [إبراهيم ،]34 :قال ابن عطية" :وحيتمل أن يكون يف
اضطراب أفئدتهم وجيشانها يف صدورهم ،وأنها جتيء وتذهب وتبلغ
على ما روي -حناجرهم ،فهي يف ذلك كاهلواء الذي هو أبداً يف
اضطراب .وعلى هاتني اجلهتني يشبه قلب اجلبان وقلب الرجل
املضطرب يف أموره باهلواء"(.)91
()88
بصائر ذوي التمييز.)614/3( ،
()81
تفسري الطربي.)481/7( ،
()11
تفسري ابن عطية ،)430/4( ،وينظر :تفسري ابن كثري.)060/3( ،
()16
املفردات يف غريب القرآن ،مادة :ق ل ب.)186( ،
41
/7حصرت صدروهم:
صلُونَ
الذِينَ يَ ِ
ومنها لفظ (حصرت صدورهم) يف قوله{ :إِلَّا َّ
صدُورُهُمْ أَنْ
صرَتْ ُ
ِإلَى َقوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْ َنهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَ ِ
طهُمْ َعلَيْكُمْ
يُقَا ِتلُوكُمْ أَوْ ُيقَا ِتلُوا َقوْ َمهُمْ َولَوْ شَاءَ اهللُ لَسَلَّ َ
َف َلقَا َتلُوكُمْ} [النساء ،]91 :قال الراغب" :ضاقت بالبخل واجلنب ،وعبّر
عنه بذلك كما عبّر عنه بضيق الصدر ،وعن ضده بالرب والسعة"(.)94
وقال الزجاج" :أي :ضيق صدورهم عن قتالكم إمنا هو لقذف اهلل
الرعب يف صدورهم"(.)93
()14
املفردات يف غريب القرآن ،للراغب ،مادة :ق ل ب.)184( ،
()14
املفردات يف غريب القرآن ،مادة :ح ص ر.)441( ،
()13
معاني القرآن.)81/4( ،
42
()10
العني ،مادة :خ ل ل.)631/3( ،
()11
احملكم ،مادة :خ ل ل.)063/3( ،
()17
ابن منظور ،مادة خ ل ل.)460/66( ،
()18
الفريوز آبادي.)001/4( ،
()11
مادة :ف ك ك.)311/4( ،
( )611تاج العروس ،مادة :ف ك ك.)411/47( ،
43
/4اإلبرام:
واالختالل يقابل :اإلحكام ،واستخدم يف القرآن الكريم لفظ
(اإلبرام) ،يف قوله تعاىل{ :أَ ْم أَ ْبرَمُوا أَ ْمرًا فَإِنَّا ُم ْبرِمُونَ} [الزخرف،]79 :
قال الزجاج" :أي :أم أحكموا عند أنفسهم أمرا من كيد أو شر فإنا
مربمون ،حمكمون جمازاتهم"( .)614ولفظ (الشد) ،يف قوله تعاىل:
{حَتَّى ِإذَا أَ ْثخَنْ ُتمُوهُمْ فَشُدُّوا ا ْلوَثَاقَ} [حممد .]3 :أي :أحكموا
الوثاق ،وشدوه شداً حمكماً ،ال ارختاء فيه.
/4التفرق والتنازع:
وقد استخدم القرآن الكريم جمموعة من األلفاظ الدالة على
ح ْبلِ
صمُوا ِب َ
اخللل (املعنوي) ،ومنها :التفرُّق ،كقوله تعاىل{ :وَاعْتَ ِ
جمِيعًا َولَا َتفَرَّقُوا} [آل عمران ،]614 :ولفظ (التنازع) ،كقوله
اهللِ َ
ص ِبرُوا إِنَّ اهللَ َمعَ
شلُوا َوتَ ْذهَبَ رِحيُكُمْ وَا ْ
تعاىلَ { :ولَا تَنَازَعُوا فَ َتفْ َ
الصَّا ِبرِينَ} [األنفال ،]31 :قال ابن كثري" :ال يتنازعوا فيما بينهم
()616
احملكم ،البن سيده ،مادة :خ ل ل.)063/3( ،
()614
القاموس احمليط ،مادة :خ ل ل.)113( ،
()614
معاني القرآن.)341/3( ،
44
/3الوهْي:
ويتصل بهذا احلقل الداللي لفظ (الوهْي) ،وورد يف قوله تعاىل:
السمَاءُ َفهِيَ يَوْمَ ِئذٍ وَاهِ َيةٌ} [احلاقة ،]61 :قال املاتريدي:
{وَانْشَقَّتِ َّ
ضهُمْ:
"أي :ضعيفة بعدما كانت تنسب إىل الصالبة" ،وقال" :قَالَ َبعْ ُ
تفرقت ،وهكذا الشيء إذا انشق تفرق وتباين ،وبه يظهر الشق.
وحيتمل أن يكون الشق كناية عن اللني؛ أي :تلني بعد صعوبتها"(،)615
وقال أبو السعود" :ضعيفة مسرتخية بعد ما كانت حمكمة"(.)611
وقال ابن عاشور" :والوهي :قريب من الوهن ،واألكثر أن الوهي
يوصف به األشياء غري العاقلة ،والوهن يوصف به الناس"( .)617وهذا
ملمح غري مميز بني الوهن والوهي؛ فالوهي أيضاً يستخدم يف وصف
الناس ،كما أن الوهن يستخدم يف وصف غري املعقوالت( ،)618بغض
النظر عن كثرة ذلك أو قلته.
وجاء يف بصائر ذوي التمييز" :وهِي يهِي :تَخرَّق وانْشَقَّ
واسْ َترْخَى رِباطُه"( ،)619فالوهي :اسرتخاء يف الشيء احملكم ناتج عن
()613
تفسري ابن كثري. .)74/3( ،
()610
تفسري املاتريدي.)670/61( ،
()611
تفسري أبي السعود.)43/1( ،
()617
التحرير والتنوير.)647/41( ،
()618
ينظر :تاج العروس ،مادة :و هـ ي.)417/31( ،
()611
الفريوز آبادي.)488/0( ،
45
()661
شرح نقائض جرير والفرزدق ،ألبي عبيدة.)846/4( ،
()666
تفسري ابن كثري.)414/8( ،
46
()664
مقاييس اللغة.)444/3( ،
()664
الفروق اللغوية.)664( ،
()663
املفردات يف غريب القرآن.)037( ،
()660
ينظر جمموع الفتاوى ،البن تيمية )468/4( ،وما بعدها ،فقد ذكر اخلالف يف
"استطاعة العبد" ،وهل تقرتن بالفعل ،أو تكون متقدمة عليه ،وقسمها
قسمني ،األوىل :استطاعة تقارن الفعل وال تسبقه ،كما يف قوله تعاىل{ :مَا
السمْعَ} [هود ،]41 :فهذه نفي مطلق لالستطاعة ،والثانية:
كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ َّ
استطاعة تسبق الفعل وتقارنه ،كقوله تعاىل{ :وَلِلَّهِ َعلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران( .]17 :فاحلج واجب على املستطيع) سواء فعل أو
مل يفعل ،قال – رمحه اهلل" :وعلى تفسري السلف واجلمهور فاملراد بعدم
االستطاعة مشقة ذلك عليهم وصعوبته على نفوسهم ،فنفوسهم ال تستطيع
إرادته؛ وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه ،وهذه حال من صده هواه ورأيه
الفاسد عن استماع كتب اهلل املنزلة واتباعها :فقد أخرب أنه ال يستطيع ذلك".
47
جزْ"(،)661
صلى اهلل عليه وسلم عن العجز ،فقال" :واسْ َت ِعنْ باهللِ وال تَعْ َ
قال أبو املظفر" :فأما قوله( :وال تعجز) فإنه ال حيسن باملؤمن أن
يعجز؛ وقد بقي يف األمر مطلع الحتيال"( .)667فالنهي عن العجز
يقتضي إمكان القدرة على الفعل ،وإال ملا نهى عما ال يطيقه اإلنسان.
اللهُمَّ إِنِّي
وكذلك كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يتعوذ منهَّ " :
ضلَعِ
جل ْبنِ ،وَ َ
خلِ وَا ُ
سلِ ،وَال ُب ْ
جزِ وَالكَ َ
حلزَنِ ،وَال َع ْ
أَعُوذُ ِبكَ ِمنَ اهلَمِّ وَا َ
الدَّ ْينِ ،وَ َغ َل َبةِ الرِّجَالِ"(.)668
والتحقيق أن العجز يقابل االستطاعة ،فالعجز هو القصور عن
فعل الشيء ،واالستطاعة :القدرة على فعل الشيء ،وعرفها الراغب
بأنها "وجود ما يصري به الفعل متأتّياً"( .)669وكل منهما (أي :العجز
واالستطاعة) قد يكون مطلقا ،وقد يكون نسبياً ،فالعجز املطلق يقابل
االستطاعة املطلقة ،والعجز النسيب يقابل االستطاعة النسبية.
فالعجز النسيب (أي مع إمكان االستطاعة) ،ورد يف القرآن
جزْتُ أَنْ
الكريم يف موضع واحد وهو قوله تعاىل{ :قَالَ يَا وَ ْيلَتَا أَ َع َ
سوْءَةَ أَخِي} [املائدة ،]46 :فهو عجز عن
أَكُونَ مِ ْثلَ َهذَا ا ْل ُغرَابِ فَأُوَارِيَ َ
استطاعة .وهذا هو الذي ورد فيه النهي عن العجز ،كما يف احلديث
السابق ،قال القاضي عياض :العجز "ترك ما جيب فعله ،والتسويف
فيه وتأخريه عن وقته"(.)641
/4االستطاعة:
ويستخدم القرآن الكريم للداللة على هذا العجز النسيب ،لفظ
(االستطاعة) منفياً ،وهي االستطاعة النسبية ،اليت ميكن أن تتأتى،
إذا تهيأت أسبابها ،كقوله تعاىل{ :أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ ُيمِلَّ ُهوَ}
ض َعفِنيَ ِمنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَا ْل ِو ْلدَانِ لَا
[البقرة{ ،]484 :إِلَّا ا ْلمُسْتَ ْ
يَسْتَطِيعُونَ حِي َلةً} [النساء ،]98:فالعجز هنا نسيب ،إذ كان بإمكان
اململ أن يتعلم كغريه ،وبإمكان املستضعفني أن يستطيعوا.
ويف مقابل ذلك ،يستخدم القرآن الكريم لفظ االستطاعة
مثبتاً ،فيقابل العجز النسيب ،كقوله{ :وَل َِّلهِ َعلَى النَّاسِ حِجُّ ا ْلبَيْتِ
سبِيلًا} [آل عمران ،]97 :وقوله{ :وَأَعِدُّوا َلهُمْ مَا
َمنِ اسْتَطَاعَ ِإلَ ْيهِ َ
صلَاحَ مَا
طعْتُمْ ِمنْ قُوَّةٍ} [األنفال ،]11 :وقوله{ :إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْ ِإ ْ
اسْتَ َ
طعْتُ} [هود .]88 :والقرآن الكريم يستخدم لفظ (االستطاعة) مع
اسْتَ َ
فعل اإلنسان ،سواء يف النفي أو اإلثبات ،كما رأيت .أما لفظ (القدرة)
فيستخدم يف اإلثبات مسندا إىل اهلل سبحانه وتعاىل ،كقوله {إِنَّ اهللَ
َعلَى كُلِّ شَيْءٍ َقدِيرٌ} [البقرة ،]41 :وال يسند إىل املخلوق إال منفيا،
()641
إكمال املعلم بفوائد مسلم.)634/8( ،
49
()646
أخرجه مسلم ،رقم ( ،)4100كتاب القدر ،باب كل شيء بقدر.
()644
إكمال املعلم بفوائد مسلم.)634/8( ،
50
وهنوا.
وأما العجز املطلق ،فهو القصور عن فعل الشيء مع عدم
االستطاعة أصالً ،ومل يستخدم يف القرآن الكريم بهذا املعنى إال
منفياً ،وجاء يف سياق نفي إعجاز البشر هلل ،كقوله تعاىل{ :وَمَا أَنْتُمْ
جزِينَ} [األنعام ،)644(]643 :أي :ال تظنوا أن اهلل غري قادر عليكم،
ِب ُم ْع ِ
فهو ينفي عن نفسه سبحانه وتعاىل العجز عن أهل األرض ،وبلفظ
آخر ينفي عن نفسه عدم القدرة عليهم .قال الطربي" :لن تعجزوا
ربّكم هربًا منه يف األرض فتفوتوه ،ألنكم حيث كنتم يف قبضته ،وهو
عليكم وعلى عقوبتكم مبعصيتكم إيّاه قادر"(.)643
وهذا العجز املطلق يقابله االستطاعة املطلقة ،إال أن القرآن
الكريم يستخدم لفظ (االستطاعة) بهذه الداللة يف سياق النفي ،أي
َالذِينَ َتدْعُونَ ِمنْ دُو ِنهِ لَا
نفيها عن املخلوق ،كقوله تعاىل{ :و َّ
صرَكُمْ} [األعراف]697 :؛ فهذه األصنام ال تقدر البتة أن
يَسْتَطِيعُونَ نَ ْ
تنصر عابديها ،وكقولهَ { :بلْ تَ ْأتِيهِمْ َبغْ َتةً فَ َت ْبهَ ُتهُمْ َفلَا يَسْتَطِيعُونَ
َدهَا} [األنبياء .]31 :أما يف سياق اإلثبات فالقرآن يستخدم لفظ
ر َّ
(القدرة) وينسبها إىل اهلل سبحانه وتعاىل ،كقوله { إِنَّ اهللَ َعلَى كُلِّ
شَيْءٍ َقدِيرٌ} [البقرة.]41 :
وبهذا يتبني أن بني العجز والوهن عموم وخصوص وجهي،
()644
ومنه قوله تعاىل{ :وَا ْعَلمُوا أ ََّنكُمْ غَيْرُ مُ ْعجِزِي اهللِ} [التوبة ،]4 :وقوله{ :وَمَا
السمَاوَاتِ وَلَا فِي الْ َأرْضِ إِنَّهُ كَانَ َعلِيمًا قَدِيرًا}
كَانَ اهللُ لِيُ ْعجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي َّ
[فاطر ،]33 :وغريها من اآليات.
()643
تفسري الطربي.)648/64( ،
51
/4املشقة:
ورد لفظ (املشقة) ،يف قوله تعاىل{ :وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ َعلَ ْيكَ}
[القصص ،]47 :قال البقاعي" :أي :أدخل عليك مشقة يف شيء من
ذلك وال غريه"( ،)645وقال البيضاوي" :واشتقاق املشقة من الشِّقّ ،فإن
ما يصعب عليك يشق عليك اعتقادك يف إطاقته ،ويوزع رأيك يف
مزاولته"( .)641وقال الراغب" :والشِّقُّ :ا ْلمَش َّ
َقةُ واالنكسار الذي يلحق
النّفس والبدن ،وذلك كاستعارة االنكسار هلا ،قال عزّ وجلّ{ :لَمْ
()640
نظم الدرر.)476/63( ،
()641
تفسري البيضاوي .)671/3( ،وينظر :تفسري أبي السعود.)61/7( ،
52
( )647املفردات يف غريب القرآن ،مادة :ش ق ق ،)301( ،وبصائر ذوي التمييز ،للفريوز
آبادي.)441/4( ،
()648
ينظر تفسري ابن عطية ،)438/3( ،وتفسري السعدي.)138( ،
()641
ينظر :تفسري الطربي.)647/41( ،
53