You are on page 1of 53

‫من ألفاظ القوة ومقابالتها‬

‫يف القرآن الكريم‬

‫(دراسة معجمية)‬

‫عبد اجمليد حممد علي الغيلي‬

‫‪6341‬هـ‪4163 /‬م‬

‫موقع رحى احلرف‬

‫لالقتباس‪:‬‬
‫من ألفاظ القوة ومقابالتها يف القرآن الكريم (دراسة معجمية)‪ ،‬عبد اجمليد حممد علي الغيلي‪،‬‬
‫‪6341‬هـ‪4163/‬م‪ ،‬طبعة إلكرتونية‪ ،‬منشور على موقع املؤلف‪ :‬رحى احلرف‪.‬‬
‫‪2‬‬

‫الفهرس‪:‬‬
‫مقدمة‪4 .......................... ................................ :‬‬
‫الوهْن ‪5 ........................... ................................‬‬
‫املعنى اللغوي‪5 .............. ................................ :‬‬
‫املعاني اللغوية للفظ (الوهن) عند املفسرين‪8 .............. :‬‬
‫تعليق‪21 .................... ................................ :‬‬
‫التعريف االصطالحي للفظ (الوهن)‪21 ................... :‬‬
‫التحقيق يف مفهوم (الوهن)‪25 ............................. :‬‬
‫احلقل األول‪ :‬القوة والضعف‪21 ................................. :‬‬
‫‪ /6‬القوة ‪21 .................. ................................‬‬
‫‪ /4‬الضعف‪12 ............... ................................ :‬‬
‫‪ /4‬اللني‪11 .................. ................................ :‬‬
‫‪ /3‬الشِّدَّة‪14 ................. ................................ :‬‬
‫احلقل الثاني‪ :‬العزم الفتور ‪12 ...................................‬‬
‫‪ /6‬الكسل‪12 ................ ................................ :‬‬
‫‪ /4‬التثاقل‪12 ............... ................................ :‬‬
‫‪ /4‬العزم‪14 ................. ................................ :‬‬
‫‪ /3‬املسارعة‪15 ............... ................................ :‬‬
‫‪ /5‬السعي‪15 ................ ................................ :‬‬
‫‪ /1‬اإلصرار‪15 ............... ................................ :‬‬
‫‪ /7‬التقدم والتأخر‪13 ....................................... :‬‬
‫احلقل الثالث‪ :‬الشجاعة واجلنب ‪13 ..............................‬‬
‫‪ /6‬التثبيت‪13 ............... ................................ :‬‬
‫‪3‬‬

‫‪ /4‬البأس‪13 ................. ................................ :‬‬


‫‪ /4‬اجلنب واخلور‪18 ......................................... :‬‬
‫‪ /3‬الفشل‪44 ................ ................................ :‬‬
‫‪ /5‬أفئدتهم هواء‪44 ......................................... :‬‬
‫‪ /1‬بلغت القلوب احلناجر‪44 ................................ :‬‬
‫‪ /7‬حصرت صدروهم‪42 ..................................... :‬‬
‫احلقل الرابع‪ :‬اإلحكام واالختالل ‪41 .............................‬‬
‫‪ /6‬اخللل‪41 ................. ................................ :‬‬
‫‪ /4‬اإلبرام‪41 ................ ................................ :‬‬
‫‪ /4‬التفرق والتنازع‪41 ....................................... :‬‬
‫‪ /3‬الوهْي‪44 ................. ................................ :‬‬
‫احلقل اخلامس‪ :‬االستطاعة والعجز ‪43 .........................‬‬
‫‪ /6‬العجز‪43 ................ ................................ :‬‬
‫‪ /4‬االستطاعة‪48 ........................................... :‬‬
‫‪ /4‬املشقة‪52 ................ ................................ :‬‬
‫خالصة لبعض الدالالت‪51 ..................................... :‬‬
‫‪4‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫ال خيفى على الدارسني ضرورة النظر يف ألفاظ القرآن الكريم‪،‬‬
‫وإعادة صياغة دالالتها ومفاهيمها‪ ،‬وفق استخدام القرآن الكريم‪،‬‬
‫وباإلفادة من استخدام العرب األوائل هلا‪ ،‬وكذلك ما عرض‬
‫لداللتها من تطور عرب التاريخ‪.‬‬
‫وقد خصصت هذا البحث لبعض ألفاظ القوة واأللفاظ املتصلة‬
‫بها يف القرآن الكريم‪ ،‬وتشمل مخسة حقول داللية‪ :‬الضعف والقوة‪،‬‬
‫والفتور واجلد‪ ،‬واجلنب والشجاعة‪ ،‬واالختالل واإلحكام‪ ،‬والعجز‬
‫واالستطاعة‪ .‬وسأدرسها دراسة معجمية فحسب‪ ،‬وأحقق يف كل لفظ‬
‫داللته األساس اليت تتبني من استخداماته املتعددة‪ .‬وأبدأ بدراسة‬
‫لفظ الوهن‪ ،‬فأدرسه دراسة حمققة‪ ،‬ثم أعقب باأللفاظ املتصلة به‪.‬‬
‫ومل أستقص األلفاظ يف هذه احلقول‪ ،‬إمنا مجعت ذلك حبسب‬
‫ما تيسر‪ ،‬وأردت نشر ذلك ومشاركة الدارسني واملهتمني بالدراسات‬
‫القرآنية واللغوية‪ ،‬وما يتصل بذلك من دراسات؛ ومل أنتظر حتى‬
‫يتيسر طبعها‪ ،‬بل عزمت على نشرها على موقعي‪ ،‬وأسأل اهلل أن‬
‫ينفعنا بها‪ ،‬وأن ينفع بها‪ ،‬وأن حيفظها من غارات الليل‪ ،‬وسطوات‬
‫النهار‪.‬‬
‫عبد اجمليد حممد علي الغيلي‬
‫الرياض‬
‫وكتبته لثمانٍ بقني من صفر ‪ 6341‬للهجرة على صاحبها‬
‫أفضل الصالة والسالم‪ ،‬املوافق ‪4163/64/65‬م‬
‫‪5‬‬

‫الوهْن‬
‫املعنى اللغوي‪:‬‬
‫يف اللغة إىل معنيني(‪:)4‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫رد ابن فارس جذر لفظ (ال َوهْن)‬
‫ضعُفَ‪ ،‬والزمان (الوهْن‬
‫الضعف (تقول‪ :‬وَ َهنَ الشَّيْءُ َي ِهنُ َوهْنًا‪َ :‬‬
‫واملَوهِن‪ :‬ساعة متضي من الليل‪ ،‬وأ ْوهَن الرجلُ‪ :‬صار أو سار يف تلك‬
‫الساعة)‪ .‬وبالنظر يف املعاجم اللغوية‪ ،‬يتبني أنها تذكر للفظ‬
‫(الوهن) ثالثة معاني‪ ،‬هي‪ :‬الضعف‪ ،‬والفتور(‪ ،)4‬وساعة من الليل(‪.)3‬‬

‫(‪)6‬‬
‫(الوَهْن) مصدر الفعل الثالثي‪ :‬وَهَن يَهِن وَهْناَ‪( ،‬بزنة‪ :‬وعَد يعِد وعدا)‪ ،‬وفيه لغة‬
‫أخرى‪ ،‬وهي‪ :‬وهِن يَوْهَن وَهْناً ووَهَناً‪( ،‬بزنة‪ :‬وجِل ي ْوجَل)‪ ،‬ولغة ثالثة‪ :‬وهُن يَوْهُن‬
‫وَهْناً ووَهَناً (بزنة‪ :‬كرُم يكرُم) [انظر‪ :‬البارع يف اللغة‪ ،‬ألبي علي القالي‪ ،‬مادة‪:‬‬
‫و هـ ن‪ ،)644( ،‬والقاموس احمليط‪ ،‬للفريوز آبادي‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪،)6441( ،‬‬
‫ومعجم اللغة العربية املعاصرة‪ ،‬ألمحد خمتار عمر‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪.])4014/4( ،‬‬
‫ويف تهذيب اللغة (‪ )443/1‬عرف "الوَهْن"‪ ،‬ثم قال‪" :‬والوَهَن لغةٌ فِيه"‪ .‬فاالستخدام‬
‫الشائع هلذا اللفظ هو بسكون اهلاء (الوهْن)‪ ،‬ولفعله‪( :‬وهَن يهِن)‪ ،‬وهي القراءة‬
‫الشائعة‪ ،‬وقرئ يف غري العشر بكسر اهلاء يف قوله تعاىل‪َ { :‬فمَا وَهِنُوا} [آل‬
‫عمران‪ ،]631 :‬وهي قراءة األعمش واحلسن [تفسري ابن عطية‪ ،])046/6( ،‬ويف‬
‫قوله تعاىل‪{ :‬وَهِنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم‪ ،]3 :‬قرأها القراء بفتح اهلاء‪ ،‬وقرأها‬
‫األعمش بالكسر‪ ،‬وقرئت بالضم [البحر احمليط‪ ،‬ألبي حيان‪.])441/7( ،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫مقاييس اللغة‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪.)631/1( ،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫قال اخلليل‪" :‬الوَهْنانة‪ :‬اليت فيها فتور عند القيام" [العني‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪،])14/3( ،‬‬
‫سلَى عَن الْ َعمَل تنعُّماً"‪ .‬ومن هذا املعنى‬
‫وقال األزهري‪" :‬الوَهْنانة من النِّساء‪ :‬الكَ ْ‬
‫ما ذكره األزهري أيضاً أن العرب تقول‪ :‬تَوَهَّن الطائر‪" :‬إذا ثقُل من أكل‬
‫اجليف‪ ،‬فلم يقدر على النهوض" [تهذيب اللغة‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪ .])443/1( ،‬ومنه‬
‫قول اإلمام علي رضي اهلل عنه‪" :‬وإياك والعجلة باألمور قبل أوانها‪ ،‬أو التسقّط‬
‫‪6‬‬

‫وهناك معنى رابع مل تنص عليه املعاجم اللغوية يف مادة (و ه ن)‪،‬‬


‫ولكنه ورد تفسرياً أللفاظ أخرى‪ ،‬وهو‪ :‬اخللل‪.‬‬
‫وبالنسبة إىل الضعف‪ ،‬فلم تفرق معاجم اللغة بني (الضعف)‬
‫و(الوهن)‪ ،‬والناظر يف تلك املعاجم جيد أن مثة مسلكني لتعريف‬
‫(الوهن)‪:‬‬
‫املسلك األول‪ :‬تعريف (الوهن) بأنه‪ :‬الضعف(‪.)5‬‬
‫واملسلك الثاني‪ :‬تعريف (الوهن) بأنه‪ :‬الضعف‪ ،‬مع تقييده‪.‬‬
‫قال اخلليل‪" :‬ال َوهْن‪ :‬الضعف يف العمل‪ ،‬ويف األشياء‪ ،‬وكذلك‬
‫يف العظم وحنوه‪ ...‬ورجلٌ واهنٌ يف األمر والعمل‪ ،‬و َموْهونٌ يف العظم‬
‫وال َبدَن"(‪ .)1‬وقال الراغب األصفهاني‪" :‬ال َو ْهنُ‪ :‬ضعف من حيث اخلَلْق‪،‬‬

‫فيها عند إمكانها‪ ،‬أو اللّجاجة فيها إذا تنكّرت‪ ،‬أو الوهن عنها إذا‬
‫استوضحت؛ فضع كلّ أمر موضعه وأوقع كلّ عمل موقعه" [نهاية األرب يف‬
‫فنون األدب‪ ،])44/1( ،‬فقوله "أو الوهن عنها إذا استوضحت"‪ ،‬أي‪ :‬إياك والفتور‬
‫والرتاخي عنها إذا استوضحت‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫قال ابن منظور‪" :‬والوَهْنُ واملَوْهِنُ‪ :‬حنو من نصف الليل‪ ،‬وقيل‪ :‬هو بعد ساعة منه‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬هو حني يدبر الليل‪ ،‬وقيل‪ :‬الوهن ساعة متضي من الليل" [لسان العرب‪،‬‬
‫مادة‪ :‬و هـ ن‪.])300/64( ،‬‬
‫(‪)0‬‬
‫كابن فارس يف مقاييس اللغة‪ ،‬واجلوهري يف الصحاح‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪،‬‬
‫(‪ ،)4460/1‬والقالي يف البارع يف اللغة‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪ ،)644( ،‬ولفظه‪" :‬والواهن‬
‫الضعيف يف قوته الذي ال بطش عنده"‪ ،‬وابن األثري يف النهاية يف غريب احلديث‬
‫واألثر‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪ ،)443/0( ،‬وجممع اللغة العربية يف معجم ألفاظ القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪.)6461/4( ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫العني‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪ ،)14/3( ،‬وتابعه األزهري يف تهذيب اللغة‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪،‬‬
‫(‪ ،)443/1‬وابن سيده يف احملكم‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪ ،)341/3( ،‬ولفظه‪ " :‬الضعف‬
‫‪7‬‬

‫أو اخلُلُق"(‪ .)7‬وقال الفيومي‪" :‬وهَن‪ :‬ضعُف‪ ،‬فهو واهن يف األمر والعمل‬
‫والبدن"(‪.)8‬‬
‫وقد فرّق بني (الوهن) و(الضعف) أبو هالل العسكري يف كتابه‬
‫الفروق اللغوية؛ بأن (الوهن) هو أن يفعل اإلنسان فعل الضعيف وهو‬
‫قوي يف نفسه‪ ،‬فهو من فعل اإلنسان‪ .‬أما الضعف فهو من فعل اهلل‬
‫تعاىل باإلنسان‪ ،‬كما أن القوة من فعله‪ ،‬تقول‪ :‬خلقه اهلل ضعيفاً أو‬
‫خلقه قوياً(‪ .)9‬وهذا ليس على إطالقه؛ فاملعنى املذكور يصدق على‬
‫الوهن يف األمر أو العمل‪ ،‬ال (وهن اجلسم)‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬
‫ومل حيظ هذا الفرق بعناية أصحاب املعاجم؛ فلم أجد معجماً‬

‫يف العمل واألمر وحنوه"‪ ،‬وكذلك ابن منظور يف لسان العرب‪ ،‬مادة‪ :‬و ه‪ ،‬ن‪،‬‬
‫(‪ ،)304/64‬والفريوز آبادي يف القاموس احمليط‪ ،‬إال أنه اقتصر على األول‪،‬‬
‫فقال‪" :‬الضعف يف العمل"‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪ ،)6441( ،‬وأما يف بصائر ذوي التمييز‬
‫فقد ذكر قول الراغب أيضا‪ ،‬ولفظه‪" :‬الوَهْن‪ ،‬والوَهَن حمركة‪ :‬الضعف يف‬
‫خللُق" (‪.)487/0‬‬
‫خللْق وا ُ‬
‫العمل‪ ،‬وقيل‪ :‬الضعف من حيث ا َ‬
‫(‪)7‬‬
‫مفردات غريب القرآن‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪.)887( ،‬‬
‫(‪)8‬‬
‫املصباح املنري‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪ .)173/4( ،‬وتابع املعاصرون الفيومي‪ ،‬مع حتوير يف‬
‫اللفظ‪ ،‬ففي املعجم الوسيط‪ ،‬جملمع اللغة العربية‪" :‬وهَن‪ :‬ضعف يف األمر والعمل‬
‫والبدن"‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪ ،)6111/4( ،‬ومثله معجم الرائد‪ ،‬جلربان مسعود‪ ،‬مادة‪:‬‬
‫و هـ ن‪ ،) 873( ،‬ويف معجم اللغة العربية املعاصرة‪ ،‬ألمحد خمتار عمر‪" :‬ضعف‬
‫يف األمر أو العمل أو البدن"‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪.)4014/4( ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫(‪ .)660‬وقد نقل االب هنريكوس يف كتابه فرائد اللغة عن اجلزائري بأن الوهن‬
‫انكسار اجلسد باخلوف وغريه‪ ،‬والضعف نقصان القوة (‪ .)670/6‬غري أن هذا‬
‫التفريق ليس للجزائري‪ ،‬وإمنا للماوردي (ت‪ 301 :‬هـ)‪ ،‬ينظر‪ :‬تفسري املاوردي‪،‬‬
‫(‪.)348/6‬‬
‫‪8‬‬

‫منها تبناه‪ ،‬أو أشار إليه‪.‬‬


‫وأما اخللل فسيأتي يف احلقل الرابع‪.‬‬

‫املعاني اللغوية للفظ (الوهن) عند املفسرين‪:‬‬


‫زخرت كتب التفسري بهذا اللفظ‪ ،‬وتعددت معانيه فيها‪ .‬وقد‬
‫اطرد بعض املفسرين يف تفسريه للفظ حيث جاء على معنى واحد‪،‬‬
‫كابن كثري‪ ،‬الذي فسره حيث ورد بـ‪ :‬الضعف(‪ .)61‬وبعض املفسرين‬
‫ختتلف تفسرياته من موطن إىل آخر‪ ،‬كالطربي‪ ،‬فقد فسره بـ‪:‬‬
‫الضعف‪ ،‬والعجز‪ ،‬والشدة‪ .‬وكالزجاج فسره بـ‪ :‬الضعف‪ ،‬والفتور(‪.)66‬‬
‫وهذا االختالف ال يفسره سياق اآلية‪ ،‬حيث جتد املفسرين خيتلفون‬
‫يف داللة لفظ الوهن يف اآلية الواحدة‪ ،‬فمثالً قوله تعاىل‪َ { :‬ولَا َتهِنُوا‬
‫حزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَ ْع َلوْنَ إِ ْن كُنْتُمْ ُمؤْمِنِنيَ} [آل عمران‪ ،]649 :‬فسر‬
‫َولَا َت ْ‬
‫الوهن بـ(‪ :)64‬الضعف‪ ،‬واجلنب‪ ،‬والعجز‪ ،‬واللني والبلى‪ ،‬والضعف يف‬
‫األبدان‪ ،‬وخور العزمية‪.‬‬

‫(‪)61‬‬
‫ينظر تفسري ابن كثري‪ ،)641/4( ،‬و(‪ ،)646/4‬و(‪ ،)314/4‬و(‪،)44/3‬‬
‫و(‪ ،)466/0‬و(‪ ،)471/1‬و(‪ ،)441/1‬و(‪.)444/7‬‬
‫(‪)66‬‬
‫ينظر‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬تفسري الطربي‪ ،)443/7( ،‬و(‪ ،)411/7‬و(‪.)647/41‬‬
‫ومعاني القرآن‪ ،‬للزجاج‪ ،)371/6( ،‬و(‪.)371/6‬‬
‫(‪)64‬‬
‫سأكتفي مبرجع واحد على كل تفسري‪[ ،‬الضعف] ينظر‪ :‬تفسري الطربي‬
‫(‪ ،)443/7‬و[اجلنب] ينظر‪ :‬تفسري البغوي (‪ ،)064/6‬و[العجز] ينظر‪ :‬تفسري‬
‫السمرقندي (‪ ،)431/6‬و[اللني والبلى] ينظر‪ :‬تفسري ابن عطية (‪،)064/6‬‬
‫و[الضعف يف األبدان] ينظر‪ :‬تفسري السعدي (‪ ،)638‬و[خور العزمية] ينظر‪:‬‬
‫التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪.)18/3( ،‬‬
‫‪9‬‬

‫وبتتبع املعاني اللغوية للفظ يف كتب التفسري وجدت أنها‬


‫عشرة معاني تقريباً‪ ،‬وبعضها متقارب الداللة‪ ،‬وهي(‪ :)64‬الضعف‪،‬‬
‫والعجز‪ ،‬واجلنب‪ ،‬والفتور (والتواني)‪ ،‬والذل‪ ،‬واالنكسار باخلوف‪ ،‬وخور‬
‫جلهْد (املشقة)‪ ،‬واإلبطال‪.‬‬
‫العزمية‪ ،‬والشدة‪ ،‬وا َ‬
‫وسأقتصر على تتبع مسالك املفسرين يف تفسريهم (الوهن)‬
‫بـ(الضعف)‪ ،‬فلهم مسلكان‪ ،‬األول‪ :‬عدم التفريق بينهما‪ ،‬وهو الغالب‪،‬‬
‫وأكتفي باإلحاالت السابقة‪ .‬واملسلك الثاني‪ :‬التفريق بينهما‪.‬‬
‫يكاد املفسرون مجيعاً يفرقون بني (الوهن) و(الضعف) يف‬
‫سبِيلِ اهللِ وَمَا ضَ ُعفُوا‬
‫تفسري قوله تعاىل‪َ { :‬فمَا َوهَنُوا ِلمَا َأصَا َبهُمْ فِي َ‬
‫وَمَا اسْتَكَانُوا} [آل عمران‪ ،]631 :‬وذلك لعطف الضعف على الوهن؛‬
‫مما يعين متايزهما‪.‬‬
‫فبعض املفسرين ميز بينهما من حيث الداللة؛‬

‫(‪)64‬‬
‫سأكتفي مبرجع واحد على كل معنى‪[ ،‬الضعف] ينظر‪ :‬معاني القرآن‪ ،‬للزجاج‪،‬‬
‫(‪ ،)371/6‬و[العجز] ينظر‪ :‬تفسري املاتريدي‪ ،)014/4( ،‬و[اجلنب] ينظر‪ :‬تفسري‬
‫البغوي‪ ،)046/6( ،‬و[الفتور] ينظر‪ :‬تفسري أبي السعود‪ ،)10/4( ،‬و[الذل] ينظر‪:‬‬
‫الكشاف‪ ،‬للزخمشري‪ ،)441/3( ،‬و[االنكسار باخلوف] ينظر‪ :‬تفسري‬
‫املاوردي‪ ،)348/6( ،‬و[خور العزمية] ينظر‪ :‬التحرير والتنوير‪ ،‬البن عاشور‪،‬‬
‫(‪ ،)18/3‬و[الشدة] و[اجلَهْد] ينظر‪ :‬تفسري املاوردي‪.)443/3( ،‬‬
‫وأما [اإلبطال] فذكره ابن عطية يف تفسري قوله {ذَ ِلكُمْ وَأَنَّ اهللَ مُوهِنُ كَيْدِ‬
‫ا ْلكَافِرِينَ} [األنفال‪ ،]68 :‬فقال‪" :‬ومُوهِنُ معناه‪ :‬مضعفٌ مبطلٌ" (‪،)064/4‬‬
‫تابعه جممع اللغة العربية بالقاهرة يف معجم ألفاظ القرآن‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ن‪،‬‬
‫(‪.)6461/4‬‬
‫‪10‬‬

‫فسر الوهن هنا بالعجز‪ ،‬والضعف مبعناه‬ ‫‪ -‬فالطربي‬


‫(‪)63‬‬

‫"وما ضعفت قواهم لقتل نبيهم"‪.‬‬


‫فسر الوهن بالفتور‪ ،‬والضعف باجلنب عن‬ ‫(‪)65‬‬
‫‪ -‬والزجاج‬
‫(‪)61‬‬
‫ففسر الوهن باجلنب‪،‬‬ ‫قتال العدو‪ ،‬وعكس البغوي‬
‫والضعف مبعناه "وما ضعفوا عن اجلهاد"‪.‬‬
‫‪ -‬وقال املاوردي‪" :‬الوهن‪ :‬االنكسار باخلوف‪ ،‬والضعف‬
‫نقصان القوة‪ ،‬واالستكانة اخلضوع‪ ،‬ومعناه‪ :‬فلم يهنوا‬
‫باخلوف‪ ،‬وال ضعفوا بنقصان القوة‪ ،‬وال استكانوا‬
‫باخلضوع"(‪.)67‬‬
‫(الوهن) بالضعف عن العمل‪،‬‬ ‫‪ -‬وفسر البقاعي‬
‫(‪)68‬‬

‫و(الضعف) على إطالقه يف العمل وغريه‪.‬‬


‫‪ -‬وقال الرازي(‪" :)69‬الوهن ضعف يلحق القلب‪ ،‬والضعف‬
‫املطلق هو اختالل القوة والقدرة باجلسم"‪ ،‬يف حني عكس‬
‫الشيخ السعدي(‪ )41‬ذلك‪ ،‬فقال أن (الوهن) وهن األبدان‪،‬‬
‫و(الضعف) ضعف القلوب‪.‬‬

‫(‪ )63‬تفسري الطربي‪.)411/7( ،‬‬


‫(‪)60‬‬
‫معاني القرآن‪.)371/6( ،‬‬
‫(‪)61‬‬
‫تفسري البغوي‪.)046/6( ،‬‬
‫(‪)67‬‬
‫تفسري املاوردي‪.)348/6( ،‬‬
‫(‪ )68‬نظم الدرر‪.)81/0( ،‬‬
‫(‪)61‬‬
‫تفسري الرازي‪.)486/1( ،‬‬
‫(‪)41‬‬
‫تفسري السعدي‪ .)606( ،‬وكذلك خص (الوهن) بالبدن يف مواطن أخرى‪ ،‬كما‬
‫‪11‬‬

‫وبعضهم فرق بينهما من حيث املتعلَّق؛‬


‫‪ -‬كاملاتريدي‪ ،‬قال‪" :‬فما وهنوا يف الدِّين‪ ،‬وما ضعفوا يف‬
‫أنفسهم"(‪.)46‬‬
‫‪ -‬وقال ابن إسحاق‪" :‬فما وهنوا بقتل نبيهم‪ ،‬وال ضعفوا عن‬
‫عدوهم‪ ،‬وال استكانوا ملا أصابهم"(‪.)44‬‬
‫‪ -‬ويف الكشاف للزخمشري‪" :‬فما وهنوا عند قتل النيب وما‬
‫ضعفوا عن اجلهاد بعده"(‪.)44‬‬
‫وأما ابن عاشور فرأى أن (الوهن) يف أصله مبعنى‪ :‬ضعف الذات‪،‬‬
‫كاجلسم‪ ،‬كما يف قوله (رَبِّ إِنِّي َو َهنَ ا ْلعَظْمُ مِنِّي) [مريم‪ ،]3 :‬ثم‬
‫استخدم جمازا للداللة على احلالة النفسية‪ ،‬مبعنى‪ :‬خور العزمية‬
‫وضعف اإلرادة‪ .‬وقال يف تفسري اآلية { َفمَا َوهَنُوا ِلمَا َأصَا َبهُمْ فِي‬
‫ض ُعفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا} [آل عمران‪" :]631 :‬ومجع بني‬
‫سبِيلِ اهللِ وَمَا َ‬
‫َ‬
‫الوهن والضعف‪ ،‬وهما متقاربان تقاربا قريبا من الرتادف؛ فالوهن قلة‬

‫يف ص (‪ ،)638‬ولكنه يف ص(‪ )611‬نسب الوهن إىل البدن والقلب‪" :‬ال تضعفوا‬
‫وال تكسلوا؛ فإن وَهَن القلب مستدع لوَهَن البدن"‪ ،‬ويف (‪ )711‬فسر الوهن‬
‫باستيالء اخلوف‪ ،‬وهو فعل قليب‪ ،‬ولفظه‪" :‬ال تضعفوا عن قتال عدوكم‪،‬‬
‫ويستولي عليكم اخلوف"‪.‬‬
‫ومثله الشيخ الشعراوي‪ ،‬فمرة قال إن (الوهن) ضعف البدن‪[ ،‬تفسري الشعراوي‪،‬‬
‫(‪ ،])6773/4‬ومرة قال إن (الوهن) حمله القلب‪ ،‬وهو أول الضعف [تفسري‬
‫الشعراوي‪.])6811/4( ،‬‬
‫(‪)46‬‬
‫تفسري املاتريدي‪.)014/4( ،‬‬
‫(‪)44‬‬
‫نقله املاوردي يف تفسريه‪.)348/6( ،‬‬
‫(‪)44‬‬
‫(‪.)343/6‬‬
‫‪12‬‬

‫القدرة على العمل‪ ،‬وعلى النهوض يف األمر‪ .‬والضّعف ضد القوة يف‬


‫البدن‪ ،‬وهما هنا جمازان‪ ،‬فاألول أقرب إىل خور العزمية‪ ،‬ودبيب اليأس‬
‫يف النفوس والفكر‪ ،‬والثاني أقرب إىل االستسالم والفشل يف‬
‫املقاومة"(‪.)43‬‬

‫تعليق‪:‬‬
‫يتبني مما تقدم ما يلي‪:‬‬
‫األول‪ :‬عدم متييز اللغويني واملفسرين عموما بني دالليت‬
‫(الوهن) و(الضعف)‪ ،‬بل حيملون إحداهما على األخرى‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬حفلت كتب التفسري مبعاني لغوية للفظ (الوهن)‬
‫خلت منها املعاجم اللغوية‪ ،‬كالعجز‪ ،‬والذل‪ .‬وأيضاً معنى (اخللل)‬
‫الذي مل يرد النص عليه يف أي منهما‪ .‬ويدل تعدد معاني لفظ‬
‫(الوهن) لدى املفسرين أنهم رأوا أن تعريف اللغويني له بأنه (الضعف)‬
‫غري كافٍ‪ ،‬ومن ثم ذهب كل منهم مذهباً يف تفسريه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬هناك حماوالت عديدة من املفسرين للتمييز بني‬
‫(الوهن) و(الضعف)‪ ،‬ولكنهم مل يطردوا يف هذا التمييز‪ ،‬وما جلأ إليه‬
‫بعضهم يف هذه اآلية إال لتعاطف اللفظني‪ .‬ثم بعد ذلك يعودون إىل‬
‫تفسري (الوهن) بـ(الضعف)‪ .‬كما أنهم اختلفوا اختالفاً شديداً يف‬
‫أوجه التمييز بني اللفظني‪ ،‬بل وصل األمر إىل حد التعارض بني‬
‫بعض املفسرين يف هذا التمييز‪ ،‬فـ(اجلنب) مثال‪ ،‬فسر الزجاج به‬

‫(‪)43‬‬
‫التحرير والتنوير‪ ،)18/3( ،‬و(‪.)668/3‬‬
‫‪13‬‬

‫(الضعف)‪ ،‬وفسر البغوي به (الوهن)‪ .‬وكذلك رأى الرازي أن‬


‫(الوهن) ضعف القلب‪ ،‬و(الضعف) للبدن‪ ،‬يف حني رأى السعدي عكس‬
‫ذلك‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬الناظر يف أوجه متييز لفظ (الوهن) بداللة خاصة‪،‬‬
‫جيد أنها ال تتفق مع سائر استخدامات اللفظ‪ ،‬وقد سبق بيان ذلك‬
‫يف متييز أبي هالل العسكري‪ ،‬وكذلك من خص لفظ (الوهن)‬
‫بالضعف يف البدن أو القلب‪ ،‬فإنه ال يُسَلَّم له ذلك؛ فـ(الوهن) يف‬
‫القرآن الكريم والسنة النبوية استُخدم مع اجلسم‪ ،‬ومع القلب‪ ،‬ومع‬
‫العمل‪.‬‬
‫ومن ثم تظل هناك حاجة ملحة إىل إجياد داللة دقيقة للفظ‬
‫(الوهن)‪ ،‬مبنية على املالمح املميزة للمفهوم‪ ،‬حبيث تشمل كافة‬
‫استخداماته‪ ،‬وتنظمها يف سلك واحد‪ ،‬وتبني الفروق بينه وبني غريه‬
‫من املفاهيم‪ .‬وهو ما أتناوله بعد إيراد التعريف االصطالحي للفظ‪.‬‬

‫التعريف االصطالحي للفظ (الوهن)‪:‬‬


‫غلب االستخدام املصطلحي للفظ (الوهن) يف الطب‬
‫والتشريح؛ فالـ(الواهن) "عِرقٌ مُستبطن حبل العاتقِ إىل الكتف"‪،‬‬
‫ويطلق على املرض الذي يصيب ذلك املوضع‪ :‬واهنة(‪ .)45‬وأطلق‬
‫األطباء العرب قدميا مصطلح (الوهن) على حالة هي أقل من خلع‬
‫خللْع‪ ،‬هو خروج العظم عن موضعه خروجا‬
‫املفصل‪ ،‬قال ابن سينا‪" :‬ا َ‬
‫تاما‪ ،‬فإن مل خيرج تاما فهو‪ :‬الوَثْي‪ ،‬وإذا كانَ أَذىً مل ُيحَرك العظم‬

‫(‪)40‬‬
‫تهذيب اللغة‪ ،‬لألزهري‪ ،‬مادة‪ :‬و ه‪ ،‬ن‪.)443/1( ،‬‬
‫‪14‬‬

‫لكنه رضّ مَا يُحيط به فهو الوهن"(‪.)41‬‬


‫واليوم كثر استخدام اللفظ مصطلحاً‪ ،‬يف علوم عديدة‪،‬‬
‫فالبنك السعودي للمصطلحات أورد مصطلح (وهن)‪ ،‬يف أكثر من‬
‫حقل من حقول العلم‪ ،‬وأشهرها استخدامه يف الطب‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫وهن الرحم‪ ،‬ووهن الصوت‪ ،‬ووهن البصر‪ ،‬والوهن العضلي‪ ،‬والوهن‬
‫العصيب‪ ،‬والوهن النفسي‪ .)47(...‬ومنه (وهن العظم) وبعضهم يسميه‪:‬‬
‫(هشاشة العظام)‪ .‬ومنه‪ :‬الوهن املعدني "الضعف التدرجيي للمعدن‬
‫نتيجة كثرة االستخدام‪ ،‬فيسبب تصدعه‪ ،‬ويف النهاية يعجز املعدن‬
‫عن محل الثقل الطبيعي"(‪.)48‬‬
‫وبالنظر يف كتب احلديث‪ ،‬جند أنهم يستخدمون لفظ‬
‫(الوهن) كثرياً‪ ،‬فهو أقرب إىل االستخدام املصطلحي منه إىل‬
‫االستخدام اللغوي‪ .‬ومن ذلك قول اإلمام مسلم يف املقدمة(‪" :)49‬وهي‬
‫أسانيد‪ ...‬ال نعلمهم وهّنوا منها شيئاً قط"‪ ،‬وقال‪" :‬فإذا كانت العلة‬
‫عند من وصفنا قوله من قبل يف فساد احلديث وتوهينه‪ ،"...‬وقول أبي‬
‫داوود يف رسالته إىل أهل مكة‪" :‬وما كان يف كتابي من حديث فيه‬
‫َوهْن شديد بينته ومنه ما ال يصح سنده"(‪ ،)41‬وقال ابن قرقول‪" :‬وقول‬

‫(‪ )41‬القانون يف الطب‪.)430/4( ،‬‬


‫معجم‬ ‫وانظر‪:‬‬ ‫‪.http://basm.kacst.edu.sa/default.aspx‬‬ ‫(باسم)‪،‬‬ ‫(‪)47‬‬

‫مصطلحات الطب النفسي‪ ،‬د‪ .‬لطفي الشربيين‪ ،64( ،‬و‪ ،641‬و‪.)630‬‬


‫(‪ )48‬ينظر‪ :‬املوسوعة العربية العاملية‪ ،‬النسخة اإللكرتونية‪ ،‬مدخل‪ :‬الوهن املعدني‪.‬‬
‫(‪)41‬‬
‫(‪.)43 ،44/6‬‬
‫(‪)41‬‬
‫ينظر‪ :‬مقدمة ابن الصالح‪.)41( ،‬‬
‫‪15‬‬

‫حلدِيثِ) أي‪ :‬تضعيفه"(‪ .)46‬فاحملدثون يستخدمون‬


‫مسلم‪َ ( :‬ت ْوهِنيِ ا َ‬
‫اللفظ لتوهني املنت‪ ،‬أو لتوهني اإلسناد‪.‬‬

‫التحقيق يف مفهوم (الوهن)‪:‬‬


‫من املعاني اللغوية السابقة يتبني أن داللة (الوهن) تلتقي مع‬
‫ألفاظ أخرى يف داللتها العامة‪ ،‬وهي‪ :‬الضعف‪ ،‬واخللل‪ ،‬والفتور‪... ،‬‬
‫اخل‪ .‬فثمة معنى يشرتك فيه لفظ (الوهن) مع تلك األلفاظ‪ ،‬وهذا‬
‫ما محل اللغويني واملفسرين على تفسري (الوهن) بأحد تلك املعاني‪.‬‬
‫ومن املهم عند تعريف لفظٍ ما بيان املالمح املميزة للمفهوم‪،‬‬
‫حبيث يتميز اللفظ عن األلفاظ األخرى املشرتكة معه يف حقله‬
‫الداللي‪ ،‬وتنسلك سائر استخدامات اللفظ يف هذا التعريف‪.‬‬
‫وبتحليل استخدام لفظ (الوهن)‪ ،‬سواء يف القرآن الكريم‪ ،‬أو يف‬
‫السنة النبوية‪ ،‬أو يف شواهد العرب‪ ،‬ميكن القول أن داللته هي‪:‬‬
‫(انكسارُ حدّ الشيء‪ ،‬بعد قوةٍ متحققةٍ أو ُممْكِنة‪ ،‬مما يؤدي إىل‬
‫عجزه)‬
‫هذا التعريف املذكور يشتمل على أربعة عناصر‪ ،‬األول‪:‬‬
‫(طبيعة الوهن)‪ ،‬والثاني‪( :‬صفة الوهن)‪ ،‬والثالث‪( :‬الشيء الواهن)‪،‬‬
‫والرابع‪( :‬أثر الوهن)‪ .‬وفيما يلي إيضاح هلذه العناصر(‪:)44‬‬

‫(‪)46‬‬
‫مطالع األنوار على صحاح اآلثار‪.)404/1( ،‬‬
‫(‪)44‬‬
‫ينطبق هذا التعريف على كافة جذور لفظ الوهن الواردة يف املعاجم‪ ،‬فكلها‬
‫ترجع إال انكسار حد الشيء بعد قوته‪ .‬وأما معنى الزمان‪ ،‬فقد أورد ابن منظور‬
‫يف اللسان أن الوهن (حنو من نصف الليل‪ ،‬وقيل‪ :‬هو بعد ساعة منه‪ ،‬وقيل‪ :‬هو‬
‫‪16‬‬

‫أما طبيعة الوهن‪ ،‬فإنه انكسار حلد الشيء‪ ،‬واالنكسار يفيد أنه‬
‫انتقال من اجلانب األعلى يف الصفة إىل اجلانب األدنى‪ .‬فلكل صفة‬
‫جانبان‪ ،‬جانب مذموم‪ ،‬وجانب مستحسَن‪ ،‬فمثال (القوة والضعف)‪،‬‬
‫و(اجلنب والشجاعة)‪ ،‬و(اخللل واإلحكام)‪ ،‬و(الفتور والعزم)‪ ...‬إخل‪.‬‬
‫فاإلنسان‪ ،‬مثالً‪ ،‬ال يوصف بالوهن يف طفولته‪ ،‬ولكنه يوصف به‬
‫يف كربه؛ ألنه ضعف بعد قوة‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ :‬انكسر حد اإلنسان‬
‫بالضعف بعد أن كان قوياً‪ ،‬فهذا هو الوهن‪ ،‬أما يف الطفولة فلم يكن‬
‫ضعفه بعد قوة‪ ،‬بل كان ضعفه ابتداء‪ ،‬فال يسمى‪ :‬وهْناً‪.‬‬
‫والوهن‪ ،‬كما تبني من استخدام اللفظ‪ ،‬يشمل أربع صفات‪،‬‬
‫الضعف بعد القوة‪ ،‬والفتور بعد العزم‪ ،‬واجلنب بعد الشجاعة‪،‬‬
‫واالختالل بعد اإلحكام‪ .‬وقد قيدته يف التعريف بلفظ (بعد قوة)‪،‬‬
‫ولفظ (القوة) كما سيأتي يدل على‪ :‬القوة اليت تقابل الضعف‪،‬‬
‫والعزم‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬واإلحكام‪ ،‬والقدرة‪ .‬ومن ثم فالوهن انكسار يف‬
‫صفة من هذه الصفات إىل املقابل األدنى هلا‪ .‬ولذلك جتد املفسرين‬

‫حني يدبر الليل‪ ،‬وقيل‪ :‬الوهن ساعة متضي من الليل)‪ .‬ولعل الراجح يف ذلك هو‬
‫القول أن الوهن بعد ساعة من أول الليل‪ ،‬أي بعد العشاء بنحو ساعة‪ ،‬فهو الوقت‬
‫الذي يتم فيه انكسار بقايا أشعة الشمس‪ ،‬فبزوال الشفق ودخول العشاء يتحقق‬
‫التحول التام من النهار إىل الليل‪ ،‬فالوهن هو هذا الوقت‪ ،‬وليس آخره أو نصفه‪.‬‬
‫ويدل على ذلك استخدام العرب للفظ يف أشعارهم للداللة على أول الوقت‪،‬‬
‫كقول املرار الفقعسي (شاعر أموي) ميدح نسوة‪:‬‬
‫ف مستور‬
‫ميشني وهْناً وبعد الوهن من خَفرٍ ‪ ...‬ومن حياءٍ غضيض الطَّرْ ِ‬
‫فاملرأة – يف عادات العرب –مل تكن خترج منتصف الليل أو آخره‪ ،‬بل خترج أوله‪،‬‬
‫ولذلك قال‪ :‬وهنا وبعد الوهن‪ ،‬أي أوله وبعد ذلك بقليل‪.‬‬
‫‪17‬‬

‫يذكرون تلك املعاني املتعددة للفظ‪ ،‬حيث جيدون السياق يدل‬


‫عليها‪ ،‬فعرّفوا (الوهن) بأنه‪ :‬الضعف‪ ،‬والفتور‪ ،‬واجلنب‪ ...‬وهذا يدل‬
‫على أن مثة صلة بني داللة (الوهن) وتلك املعاني‪ ،‬والصلة هي داللة‬
‫(انكسار احلد)‪ ،‬وهو أن ينتقل الشيء الواهن من اجلانب املستحسَن‬
‫يف الصفة إىل اجلانب املذموم‪ ،‬على وجه االنكسار‪.‬‬
‫والقوة قد تكون متحققة يف الشيء قبل وهنه‪ ،‬فينكسر حده من‬
‫بعد قوة متحققة فيه‪ ،‬كمن جبُن بعد شجاعة‪ ،‬أو فتَر بعد عزم‪ ،‬وقد‬
‫تكون القوة ممكنة‪ ،‬كالضعف مع إمكان القوة‪ ،‬أو الفتور مع إمكان‬
‫الفعل‪.‬‬
‫والشيء الواهن عُبِّر عنه بلفظ (الشيء)‪ ،‬فهو ال يقتصر على‬
‫جسم أو قلب‪ ،‬وال عمل أو رأي‪ ،‬بل قد يكون جسم اإلنسان‪ ،‬أو قلبه‪ ،‬وقد‬
‫يكون العمل‪ ،‬أو غري ذلك‪ .‬فالشيء الواهن إما ذات (حنو‪ :‬وهن املعدن‪،‬‬
‫وهن العظم‪ ،)...‬أو معنى (حنو‪ :‬وهن األمر‪ ،‬وهن الرأي‪ ...‬ويدخل فيه‪:‬‬
‫وهن القلب)‪ .‬ويف القرآن الكريم له ثالثة أنواع‪ :‬وهن اجلسم‪ ،‬ووهن‬
‫القلب‪ ،‬ووهن العمل‪.‬‬
‫وأثر الوهن هو العجز‪ ،‬سواء أحسياً كان العجز (كعجز‬
‫العظم الواهن عن محل اجلسم)‪ ،‬أم معنوياً (كعجز قلب اجلبان عن‬
‫اإلقدام‪ ،‬وعجز َمنْ تفرق أمرهم عن مواجهة أعدائهم‪ ،‬ومن ثم يرضون‬
‫بالذل واهلوان)‪ .‬وسواء أحقيقياً كان العجز (فيعجز الشيء الواهن‬
‫عن أداء وظيفته اليت كان يؤديها‪ ،‬كعجز من انكسرت رجله عن‬
‫املشي)‪ ،‬أم حكمياً (فيعجز الشيء الواهن عن أداء وظيفته اليت كان‬
‫من املمكن أن يؤديها‪ ،‬كعجز اجلبان عن القتال‪ ،‬فهو يعتقد أنه‬
‫‪18‬‬

‫عاجز؛ مما يؤثر يف أفعاله‪ ،‬بالرغم من إمكان إقدامه)‪ .‬والعجز درجات‪،‬‬


‫فقد يكون يسرياً وقد يكون شديداً‪ ،‬فأوله حصول املشقة‪ ،‬وآخره العجز‬
‫التام عن الفعل‪ .‬وسيأتي يف املبحث الرابع‪.‬‬
‫ولذلك عند تفسري معنى (الوهن) فإننا نسأل ثالثة أسئلة‪،‬‬
‫األول‪ :‬ما الشيء الواهن؟ والثاني‪ :‬ما صفة الوهن (اليت انتقل إليها‪،‬‬
‫واليت انتقل منها)؟ والثالث‪ :‬ما أثر الوهن؟‬
‫***‬
‫أما "التوهني" فهو إحداث الوهن يف الشيء‪ ،‬فيصبح شيئا‬
‫موهوناً‪ ،‬وميكن تعريفه بأنه "كَسْر حدّ الشيء‪ ،‬بعد قوته‪ ،‬إلعجازه"‪.‬‬
‫فالتوهني يفيد أن مثة فاعالً يقوم بتوهني غريه‪ ،‬بكسر حده بعد قوة‪،‬‬
‫فيضعفه بعد أن كان قوياً‪ ،‬ويثبطه بعد أن كان عازماً‪ ،‬ويرعبه بعد‬
‫شجاعة‪ ،‬وينقضه بعد إبرام‪ ،‬وأثر ذلك أن يلحق العجز بالشيء‬
‫املوهون‪.‬‬
‫ويقال‪( :‬أوهن)‪ ،‬أو‪َ ( :‬وهّن) وبهما قرئ يف السبع قوله تعاىل(‪:)44‬‬
‫{ َذلِكُمْ وَأَنَّ اهللَ مُو ِهنُ كَ ْي ِد الْكَا ِفرِينَ} [األنفال‪ .]68 :‬قرئ‪( :‬مُو ِهنُ)‬
‫من‪ :‬أوهن فهو مُوهِن‪ ،‬وقرئ‪ُ ( :‬موَهِّن) من‪ :‬وَهّن فهو ُموَهِّن‪ .‬وحنو‪:‬‬
‫وهّن الشيخُ احلديثَ (أي‪ :‬عدّه واهناً‪ ،‬فكأنه قال إنه ليس قوياً كما‬
‫يُظن بل ضعيف‪ ،‬ومنه‪ :‬وهّن رأيَه‪ ،‬أي‪ :‬عدّه واهناً)‪ ...‬إخل‪.‬‬

‫(‪)44‬‬
‫ينظر القراءة يف‪ :‬تفسري الطربي‪.)311/64( ،‬‬
‫‪19‬‬

‫احلقل األول‪ :‬القوة والضعف‪:‬‬


‫‪ /6‬القوة‬
‫قال ابن فارس‪" :‬القوة تدل على الشدة‪ ،‬وهي خالف الضعف‪،‬‬
‫والقوي‪ :‬خالف الضعيف‪ ...‬ورجل شديد القُوى أي شديد أسر‬
‫اخللق"(‪.)43‬‬
‫(‪)45‬‬
‫أن القوة يف‬ ‫ويف املعجم املوسوعي أللفاظ القرآن الكريم‬
‫القرآن الكريم تستعمل خبمسة معاني‪ ،‬األول‪ :‬الشدة والبطش‪،‬‬
‫كقوله تعاىل‪َ { :‬منْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت‪ ،]65 :‬والثاني‪ :‬األنصار‬
‫واألعوان‪ ،‬كقوله تعاىل‪َ { :‬نحْنُ أُولُو قُوَّةٍ} [النمل‪ ،]44 :‬والثالث‪ :‬اجلد‬
‫خذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ ِبقُوَّةٍ} [البقرة‪،]14 :‬‬
‫واالجتهاد‪ ،‬كقوله تعاىل‪ُ { :‬‬
‫طعْتُمْ ِمنْ قُوَّةٍ}‬
‫والرابع‪ :‬السالح‪ ،‬كقوله‪{ :‬وَأَعِدُّوا َلهُمْ مَا اسْتَ َ‬
‫[األنفال‪ ،]11 :‬واخلامس‪ :‬القدرة والطاقة‪ ،‬كقوله‪َ { :‬لوْ أَنَّ ِلي بِكُمْ‬
‫قُوَّةً} [هود‪.]81 :‬‬
‫ومثة ملحوظات على ما سبق‪:‬‬
‫شدِيدٍ} [النمل‪:‬‬
‫حنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ َ‬
‫بالنسبة إىل قوله { َن ْ‬
‫‪ ،]44‬قال البيضاوي‪(" :‬أُولُوا قُوَّةٍ) باألجساد والعدد‪( .‬وَأُولُوا بَأْسٍ‬
‫شدِيدٍ) جندة وشجاعة"‪ ،‬فيحمل املعنى على الشدة‪ ،‬دون احلاجة إىل‬
‫َ‬
‫ختصيص املعنى باألنصار واألعوان‪.‬‬

‫(‪)43‬‬
‫مقاييس اللغة‪ ،‬مادة‪ :‬ق و ي‪.)41/0( ،‬‬
‫(‪)40‬‬
‫أمحد خمتار عمر‪ ،‬مادة‪ :‬ق و ي‪.)484( ،‬‬
‫‪20‬‬

‫وهناك معنى آخر مل يذكره صاحب املعجم‪ ،‬وهو‪ :‬اإلحكام‪،‬‬


‫كقوله تعاىل‪َ { :‬ولَا تَكُونُوا كَالَّتِي َنقَضَتْ َغ ْز َلهَا ِمنْ َب ْعدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا}‬
‫[النحل‪ ،]94 :‬قال البيضاوي‪" :‬أي نقضت غزهلا من بعد إبرام‬
‫وإحكام"(‪.)41‬‬
‫كما أن هنالك فرقاً بني القوة اليت تقابل الضعف‪ ،‬والقوة‬
‫اليت تقابل الشجاعة والبأس‪ ،‬وكان األوىل ختصيص معنى لكل‬
‫منهما‪ ،‬وعدم دجمهما يف املعنى األول‪ ،‬فمن القوة اليت تقابل الضعف‬
‫ض ْعفٍ قُوَّةً‬
‫ض ْعفٍ ثُمَّ جَ َعلَ ِمنْ َب ْعدِ َ‬
‫الذِي خَ َلقَكُمْ ِمنْ َ‬
‫قوله تعاىل‪{ :‬اهللُ َّ‬
‫ض ْعفًا وَشَ ْي َبةً} [الروم‪ ،]53 :‬وقوله‪{ :‬وَآتَيْنَاهُ مِنَ‬
‫ج َعلَ ِمنْ َب ْعدِ قُوَّةٍ َ‬
‫ثُمَّ َ‬
‫ص َبةِ أُولِي ا ْلقُوَّةِ} [القصص‪ .]71 :‬ومن‬
‫حهُ لَتَنُوءُ بِا ْلعُ ْ‬
‫الْكُنُوزِ مَا إِنَّ َمفَا ِت َ‬
‫القوة اليت تقابل الشجاعة قوله تعاىل‪{ :‬كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً}‬
‫[التوبة‪.]19 :‬‬
‫وعليه فيكون للقوة ستة معاني‪ ،‬هي‪ )6( :‬الشدة (مبعنى‪ :‬شدة‬
‫القوة‪ ،‬فهي خالف الضعف)‪ ،‬و(‪ )4‬البطش (مبعنى الشجاعة‪ ،‬و(‪)4‬‬
‫اجلد [كما ذكرها يف املعجم]‪ ،‬و(‪ )3‬اإلحكام‪ ،‬و(‪ )5‬القدرة والطاقة‬
‫[كما ذكرها يف املعجم]‪ ،‬و(‪ )1‬القوة الوسيلية‪ ،‬وهي الوسائل اليت‬
‫تستخدم يف القوة‪ ،‬كالسالح وغريه من وسائل القوة‪.‬‬
‫فاملعنى األول (الشدة) يقابل (الضعف) واملعنى الثاني‬
‫(البطش) يقابل (اجلنب)‪ ،‬واملعنى الثالث‪( :‬اجلد واالجتهاد) يقابل‬
‫(الفتور)‪ ،‬واملعنى الرابع‪( :‬اإلحكام) يقابل (اخللل)‪ ،‬واملعنى اخلامس‪:‬‬

‫(‪)41‬‬
‫تفسري البيضاوي‪.)448/4( ،‬‬
‫‪21‬‬

‫(القدرة والطاقة) يقابل (العجز)‪.‬‬


‫وعليه فلفظ (القوة) هو املقابل التام للفظ (الوهن)‪ ،‬فالوهن‬
‫كما تبني يتصل خبمسة حقول داللية‪ ،‬هي‪ :‬الضعف‪ ،‬والفتور‪،‬‬
‫واجلنب‪ ،‬واخللل‪ ،‬والعجز‪ .‬فالقوة‪ :‬شدة‪ ،‬وجد‪ ،‬وشجاعة‪ ،‬وإحكام‪،‬‬
‫واستطاعة‪ .‬والوهن‪ :‬ضعف‪ ،‬وفتور‪ ،‬وجنب‪ ،‬وخلل‪ ،‬وعجز‪.‬‬
‫وميكن تعريف القوة بأنه (صفة يف الشيء‪ ،‬متنحه القدرة على‬
‫األداء)‪ ،‬فهذه الصفة‪ ،‬كما بينت‪ ،‬قد تكون‪ :‬الشدة أو العزم أو‬
‫الشجاعة أو اإلحكام أو االستطاعة‪.‬‬

‫‪ /4‬الضعف‪:‬‬
‫قال اجلوهري‪" :‬الضعف خالف القوة"(‪ ،)47‬وقال الراغب‪:‬‬
‫"والضَّ ْعفُ قد يكون يف النّفس‪ ،‬ويف البدن‪ ،‬ويف احلال"(‪ .)48‬غري أن‬
‫الشيء الضعيف ليس امللمح املميز يف داللة الضعف؛ فالضعف يف‬
‫النفس أو البدن أو احلال ميكن أن يكون وهناً أيضاً‪ ،‬أو عجزاً‪ ...‬إخل‪.‬‬
‫بل امللمح املميز هو كون الضعف أصالة يف الشيء أو طارئاً عليه‪.‬‬

‫(‪)47‬‬
‫الصحاح‪ ،‬مادة‪ :‬ض ع ف‪ .)6411/3( ،‬و(القوة)‪ ،‬قد تستعمل مقابال للفظ‬
‫(الضعف)‪ ،‬وقد تستعمل مقابال لدالالت أخرى‪( ،‬كاجلنب‪ ،‬أو الفتور‪ ،‬أو‬
‫اخللل‪ ،‬أو العجز)‪ ،‬ومن ثم تعريف (الضعف) بأنه خالف (القوة)‪ ،‬من باب‬
‫التجوز‪ ،‬باعتبار أن اجلنب ضعف‪ ،‬وكذلك الفتور ضعف‪ ،‬أو من باب التغليب؛‬
‫حيث نغلب داللة (القوة) اليت تقابل (الضعف) على الدالالت األخرى‪.‬‬
‫(‪ )48‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مادة‪ :‬ض ع ف‪.)017( ،‬‬
‫‪22‬‬

‫وعليه ميكن تعريف الضعف أنه‪( :‬صفة أصلية أو طارئة على الشيء‬
‫تقابل القوة)‪ ،‬ويرد يف القرآن الكريم باملعنيني‪ ،‬فمن الضعف ابتداء‬
‫ضعِيفًا} [النساء‪ .]48 :‬ومن الضعف‬
‫خلِقَ الْإِنْسَانُ َ‬
‫قوله تعاىل‪{ :‬وَ ُ‬
‫سبِيلِ اهللِ وَمَا‬
‫الطارئ قوله تعاىل‪َ { :‬فمَا َوهَنُوا ِلمَا َأصَا َبهُمْ فِي َ‬
‫الذِي خَ َلقَكُمْ‬
‫ض ُعفُوا} [آل عمران‪ .]631 :‬واجتمعا يف قوله تعاىل‪{ :‬اهللُ َّ‬
‫َ‬
‫ض ْعفًا‬
‫ج َعلَ ِمنْ َب ْعدِ قُوَّةٍ َ‬
‫ض ْعفٍ قُوَّةً ثُمَّ َ‬
‫ج َعلَ ِمنْ بَ ْع ِد َ‬
‫ض ْعفٍ ثُمَّ َ‬
‫ِمنْ َ‬
‫وَشَ ْي َبةً} [الروم‪ ،]53 :‬فالضعف األول هو ضعف ابتداء‪ ،‬والضعف بعد‬
‫الكرب هو ضعف بعد قوة‪ ،‬فهو ضعف طارئ‪.‬‬

‫‪ /4‬اللني‪:‬‬
‫جتعل املعاجم العربية اللني مقابل‪ :‬اخلشونة‪ ،‬والصالبة‪،‬‬
‫والصعوبة‪ ،‬والفظاظة‪ ،‬والقسوة(‪ .)49‬وال جتعله مقابل القوة‪.‬‬
‫وجاء يف بصائر ذوي التمييز‪" :‬واللِّني على وجهني‪ِ :‬لني يف‬
‫األجساد‪ ،‬كلِني الشمع واحلديد وغريه؛ ولِني يف املعاني‪ ،‬كلِني الطبع‬
‫ولِني القول"(‪.)31‬‬

‫(‪)41‬‬
‫ينظر‪ ،‬مثال‪ :‬مجهرة اللغة‪ ،‬البن دريد‪ ،‬مادة ص ل ب (‪ ،)431/6‬ومادة‪ :‬خ ش ن‪،‬‬
‫(‪ ،)114/6‬وتهذيب اللغة‪ ،‬لألزهري‪ ،‬مادة‪ :‬س ه ل‪ ،)78/1( ،‬ومادة‪ :‬ق س و‪،‬‬
‫(‪ ،)681/1‬وتاج العروس‪ ،‬للزبيدي‪ ،‬مادة‪ :‬ل ي ن‪ .)640/41( ،‬وبتتبع استخدام‬
‫العرب للفظ اللني‪ ،‬وما نصت عليه املعاجم القدمية‪ ،‬فإن الغالب يف استخدام‬
‫(اللني) للمدح ال الذم‪.‬‬
‫(‪)31‬‬
‫الفريوز آبادي‪ ،)374/3( ،‬وانظر‪ :‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬للراغب‪ ،‬مادة‪ :‬ل ي‬
‫ن‪.)704( ،‬‬
‫‪23‬‬

‫والتحقيق أن يقال‪ :‬اللني يف األجساد يقابل الصالبة‪ ،‬واللني يف‬


‫املعاني يقابل الفظاظة‪ .‬ومن ثم فاللني ال يقابل القوة‪،‬‬
‫وقد فسر ابن عطية الوهن باللني‪ ،‬فقال‪" :‬والوهن‪ :‬الضعف‬
‫واللني والبلى‪ ،‬ومنه‪{ :‬وَ َهنَ ا ْلعَظْمُ مِنِّي} [مريم‪ .)36("]3 :‬إال أن مثة‬
‫اختالفا بني داللة (اللني) و(الوهن)‪ ،‬فالوهن يقابل القوة‪ .‬وابن عطية‬
‫نفسه قال بعد ذلك‪" :‬ومن كرم اخلُلُق أال يهِن اإلنسان يف حربه‬
‫وخصامه‪ ،‬وال يلني إذا كان حمقا‪ ،‬وأن يتقصّى مجيع قدرته وال‬
‫يضرع ولو مات‪ ،‬وإمنا حيسن اللني يف السلم والرضى‪ ،‬ومنه احلديث‪:‬‬
‫(املؤمن هيّن ليّن)" (‪ .)34‬ومن ثم حيسن اللني يف خلق املسلم‪ ،‬وال حيمد‬
‫ح َمةٍ مِنَ اهللِ لِنْتَ لَهُمْ َولَوْ كُنْتَ فَظًّا‬
‫الوهن فيه‪ ،‬قال تعاىل‪َ { :‬ف ِبمَا َر ْ‬
‫ح ْو ِلكَ} [آل عمران‪ ،]659 :‬فقابل يف اآلية‬
‫َغلِيظَ ا ْل َقلْبِ لَا ْنفَضُّوا ِمنْ َ‬
‫بني اللني والفظاظة‪ .‬وقال‪َ { :‬فقُولَا َلهُ َق ْولًا لَيِّنًا} [طه‪ ،]33 :‬فلني‬
‫القول حممدة‪ ،‬خبالف الوهن فيه‪ .‬ومدح املؤمنني بلني قلوبهم فقال‪:‬‬
‫كرِ اهللِ} [الزمر‪ ،]44 :‬أما وهن‬
‫جلُو ُدهُمْ وَ ُقلُو ُبهُمْ ِإلَى ذِ ْ‬
‫{ثُمَّ َتلِنيُ ُ‬
‫القلب فهو مذموم‪.‬‬

‫(‪)36‬‬
‫تفسري ابن عطية‪ ،)064/6( ،‬وانظر تفسريه أيضا‪.)618/4( :‬‬
‫(‪)34‬‬
‫تفسري ابن عطية‪ .)064/6( ،‬واحلديث الذي ذكره أخرجه البيهقي يف شعب‬
‫اإلميان من حديث أبي هريرة‪ ،‬برقم (‪ ،)7770‬كتاب حسن اخللق‪ ،‬فصل يف‬
‫لني اجلانب‪ ،‬وضعفه الشيخ األلباني يف سلسلة األحاديث الضعيفة‪ ،‬برقم‬
‫(‪ .)416/61( ،)3176‬ومبعناه احلديث الصحيح‪" :‬حرم على النار كل هيّن ليّن‬
‫سهل قريب من الناس"‪ ،‬أخرجه أمحد من حديث ابن مسعود‪ ،‬برقم (‪،)4148‬‬
‫وصححه الشيخ أمحد شاكر يف تعليقه‪ ،)14/3( ،‬واأللباني يف صحيح اجلامع‬
‫الصغري‪ ،‬برقم (‪.)111/6( ،)4640‬‬
‫‪24‬‬

‫فاللني (صفة يف الشيء‪ ،‬تدل على اكتسابه السهولة والنعومة‬


‫والطراوة)‪ ،‬فهو انتقال من اجلانب املذموم يف الصفة إىل اجلانب‬
‫املمدوح‪ ،‬وخيتص ذلك بالصفات الدالة على السهولة والنعومة‬
‫والطراوة (كاالنتقال من اخلشونة أو الصالبة يف األجساد إىل اللني‪،‬‬
‫أو االنتقال من الفظاظة أو القساوة يف املعاني إىل اللني)‪.‬‬

‫‪ /3‬الشِّدَّة‪:‬‬
‫قال ابن فارس‪" :‬الشدة تدل على قوة يف الشيء"(‪ ،)34‬وقال‬
‫الزبيدي يف تاج العروس‪" :‬الشدة‪ :‬اسم من االشتداد‪ ،‬وهي‪ :‬الصالبة يف‬
‫اجلواهر واألعراض"(‪ .)33‬وجاء يف املعجم املوسوعي أللفاظ القرآن‬
‫الكريم(‪ ،)35‬أنها تستعمل مبعنى اكتمال النمو‪ ،‬والتقوية‪ ،‬والتقسية‪،‬‬
‫وغريها من املعاني‪ .‬وقال أبو هالل العسكري يف الفرق بني الشدة‬
‫والقوة‪" ،‬الشدة يف األصل هي مبالغة يف وصف الشيء يف صالبة‪،‬‬
‫وليس هو من قبيل القدرة‪ ،‬وهلذا ال يقال هلل‪ :‬شديد‪ ،‬والقوة من قبيل‬
‫القدرة"(‪.)31‬‬
‫والتحقيق أن الشدة‪( :‬بلوغ الصفة حدها األقصى صعوداً أو‬
‫هبوطاً)‪ .‬فمثالً‪ :‬شدة القوة بلوغ أقصى درجة القوة‪ ،‬وشدة الضعف‬

‫(‪ )34‬مقاييس اللغة‪ ،‬البن فارس‪ ،‬مادة‪ :‬ش د د‪.)671/4( ،‬‬


‫(‪ )33‬مادة‪ :‬ش د د‪.)441/8( ،‬‬
‫(‪ )30‬أمحد خمتار عمر‪ ،‬مادة‪ :‬ش د د‪.)403( ،‬‬
‫(‪)31‬‬
‫الفروق اللغوية‪.)617( ،‬‬
‫‪25‬‬

‫بلوغ أقصى درجة الضعف‪ .‬فاقرتنت الشدة بالقوة ومقابلها الضعف‪،‬‬


‫ويف كلتيهما دلت على بلوغ احلد األقصى‪ ،‬إال أن بلوغ ذلك احلد‬
‫مع (القوة) ميثل صعوداً من األدنى إىل األعلى‪ ،‬ومع (الضعف) ميثل‬
‫هبوطاً من األعلى إىل األدنى‪ .‬وهكذا تقول‪ :‬شدة احلب وشدة البغض‪،‬‬
‫وشدة احلر وشدة الربد‪ ،‬وشدة الشجاعة وشدة اجلنب‪ ...‬إخل‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالشدة صفة مُتَمِّمة‪ ،‬تُستخدم لتحديد درجة صفة‬
‫أخرى‪ ،‬فهي تتمم داللة غريها‪ ،‬فال تتضح داللتها إال باقرتانها بصفة‬
‫أخرى‪ ،‬خبالف صفة الشجاعة مثالً‪ ،‬فهي صفة تامّة‪ ،‬مبعنى أن‬
‫داللتها تتضح دون اقرتانها بصفة أخرى‪ ،‬ومن الصفات التامة‪ :‬القوة‪،‬‬
‫والضعف‪ ،‬والعجز‪ ،‬واجلنب‪ ...‬اخل‪ ،‬فتقول‪ :‬فالن قوي‪ ،‬أو ضعيف‪ ،‬أو‬
‫شجاع‪ ،‬أو جبان‪ ...‬وال تقول فالن شديد‪ ،‬إال ببيان وجه الشدة(‪،)37‬‬
‫فتقول‪ :‬شديد اجلمال‪ ،‬أو شديد التأثر‪ ،‬أو شديد القوة‪...‬اخل‪ .‬فالشدة‬

‫(‪)37‬‬
‫حيثما ورد لفظ (الشدة) ومشتقاته فإنه يقرتن بوصف يبني وجه الشدة‪ ،‬سواء على‬
‫وجه التمييز‪ ،‬حنو‪ :‬أشد سرعةً‪ ،‬أشد حباً‪ ،‬أشد بأساً‪ ،‬أشد قوةً‪ ،‬أو على وجه‬
‫اإلضافة‪ ،‬حنو‪ :‬شديد العقاب‪ ،‬شديد احلب‪ ،‬شديد البأس‪ ،‬ومنه‪ :‬شدة اجلوع‪،‬‬
‫شدة احلر‪ ،‬شدة البياض‪ ،‬شدة احلمرة‪ ...‬أو على وجه الوصف‪ ،‬حنو‪ :‬عذاب‬
‫شديد‪ ،‬بأس شديد‪ ...‬أو حبسب الصفة كما يفهم من السياق‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬
‫كلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ} [يوسف‪ ،]38 :‬أي‪ :‬شدة‬
‫ك سَبْ ٌع شِدَادٌ يَ ْأ ُ‬
‫{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْ ِد ذَلِ َ‬
‫اجلدب والقحط‪ ،‬وكقوله تعاىل‪{ :‬وَبَنَيْنَا فَوْ َقكُمْ سَبْعًا شِدَادًا} [النبأ‪،]64 :‬‬
‫أي‪ :‬شدة البناء واإلحكام‪ .‬ومنه احلديث الذي أخرجه البخاري (‪ )1663‬ومسلم‬
‫(‪ ) 4111‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬مسعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫«ليس الشديد بالصُّ َرعَة» قالوا‪ :‬فالشديد أَيُّمَ هو؟ يا رسول اهلل‪ ،‬قال‪« :‬الذي‬
‫ميلك نفسه عند الغضب»‪ ،‬فاملعنى‪ :‬ليس الشديد شديد البطش الذي يصرع‬
‫الناس‪ ،‬إمنا هو شديد الصرب الذي يصرع غضبه‪.‬‬
‫‪26‬‬

‫إذن ُتمَيّز بالصفة اليت تقرتن بها‪ ،‬ولذلك جند أن صفة (القوة)‬
‫تقرتن بها‪ ،‬كبقية الصفات‪ ،‬فكما يقال‪ :‬أشد حرا‪ ،‬أشد سرعة‪ ...‬يقال‬
‫أيضاً‪ :‬أشد قوة‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬كَانُوا أَشَدَّ مِ ْنهُمْ قُوَّةً} [الروم‪،]9 :‬‬
‫شدِيدُ الْ ُقوَى} [النجم‪.]5 :‬‬
‫وكقوله {ع ََّل َمهُ َ‬
‫(‪)38‬‬
‫‪ -‬صعوداً أو‬ ‫يدل على االزدياد املتدرج‬ ‫ولفظ (اشتداد)‬
‫‪ -‬يف الصفة‪ ،‬والتدرج يف الصعود يكون من األدنى إىل‬ ‫هبوطاً‬
‫األعلى‪ ،‬حنو‪ :‬اشتدت قوته‪ ،‬والتدرج يف اهلبوط يكون من األدنى إىل‬
‫األعلى‪ ،‬حنو‪ :‬اشتد ضعفه‪ .‬وحنو‪ :‬اشتد به الوجع‪ ،‬أي‪ :‬بدأ يسريا ثم‬
‫تصاعد يف شدته من األدنى إىل األعلى‪ .‬واشتدت الفرس‪ ،‬أي ازدادت‬
‫سرعتها‪ ،‬واشتدت النار‪ :‬ازداد ارتفاعها وهليبها‪ ،‬واشتد النهار‪ :‬ازداد‬
‫ارتفاعه شيئا فشيئا‪ .‬وحنو ذلك‪ :‬اشتد احلب‪ ،‬واشتد البغض‪ ،‬واشتد‬
‫احلر‪ ،‬واشتد الربد‪ ....‬إخل‪ .‬فلفظ (اشتداد) يبني تدرج الصفة يف‬
‫الصعود أو اهلبوط إىل أن تصل إىل احلد األقصى‪ ،‬فإذا بلغت احلد‬
‫األقصى‪ ،‬استخدم لفظ (الشدة)‪.‬‬
‫كرَمَادٍ‬
‫ك َفرُوا ِبر َِّبهِمْ أَ ْعمَا ُلهُمْ َ‬
‫الذِينَ َ‬
‫وقوله تعاىل‪{ :‬مَ َثلُ َّ‬
‫سبُوا َعلَى شَيْءٍ‬
‫صفٍ لَا َي ْقدِرُونَ مِمَّا كَ َ‬
‫اشْتَدَّتْ ِبهِ الرِّيحُ فِي َيوْمٍ عَا ِ‬
‫الضلَالُ ا ْل َبعِيدُ} [إبراهيم‪ ،]68 :‬يبني التصاعد يف سرعة‬
‫َذ ِلكَ ُهوَ َّ‬

‫(‪)38‬‬
‫هذه الداللة حلظتها من خالل استخدام العرب هلذا اللفظ‪ ،‬وميكن الرجوع إىل‬
‫املعاجم وتأمل تلك األمثلة‪ .‬ويف معجم اللغة العربية املعاصرة‪ ،‬ألمحد خمتار‬
‫عمر‪ ،‬مادة‪ :‬ش د د‪" :)6671/4( ،‬اشتدَّ الضَّغطُ‪ :‬قوِي وزاد‪ ...‬واشتدَّ السِّعرُ‪ :‬غال‬
‫وارتفع‪ .‬واشتدَّ اللَّنبُ وحنوُه‪ :‬أخذ يتماسك ويتجبَّن‪ .‬واشتدَّ النَّهارُ‪ :‬عال وارتفعت‬
‫مشسُه‪ ...‬واشتدَّ يف عَدْوِه‪ :‬أسرع"‪.‬‬
‫‪27‬‬

‫الريح وقوتها‪ ،‬وازديادها شيئا فشيئا‪ ،‬فال تزال تذرو الرماد حتى ال‬
‫يبقى من الرماد شيء‪ ،‬فكذلك كفرهم يُذهب أعمالَهم (الصاحلة‪،‬‬
‫اليت يظنون أنها ستنفعهم)‪ ،‬شيئاً فشيئا‪ ،‬حتى يأتي يوم القيامة ومل‬
‫يبق هلم شيء ينفعهم يف آخرتهم‪ .‬قال ابن اجلوزي‪" :‬ومعنى اآلية‪ :‬أن‬
‫كل ما يتقرب به املشركون حيبط وال ينتفعون به‪ ،‬كالرماد الذي‬
‫سفته الريح فال يقدر على شيء منه‪ ،‬فهم ال يقدرون مما كسبوا يف‬
‫الدنيا على شيء يف اآلخرة‪ ،‬أي‪ :‬ال جيدون ثوابه"(‪.)39‬‬
‫وجاء يف آية إبراهيم (اشتدت به الريح)‪ ،‬ويف سورة الكهف‪:‬‬
‫السمَاءِ فَاخْ َتلَطَ‬
‫كمَاءٍ أَ ْن َزلْنَاهُ ِمنَ َّ‬
‫ضرِبْ َلهُمْ مَ َثلَ ا ْلحَيَاةِ الدُّنْيَا َ‬
‫{وَا ْ‬
‫صبَحَ هَشِيمًا َتذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اهللُ َعلَى كُلِّ شَيْءٍ‬
‫ِبهِ َنبَاتُ الْأَ ْرضِ فَ َأ ْ‬
‫ُمقْ َتدِرًا} [الكهف‪ ،]35 :‬فاستخدم لفظ (تذروه الرياح)‪ ،‬إذ املراد بيان‬
‫ذهاب األثر دون النظر يف تدرج ذهابه‪ ،‬كما يف اآلية األوىل‪ ،‬وألن لفظ‬
‫االشتداد يناسب حركة الريح وازدياد قوتها يف اليوم العاصف‪ ،‬أما يف‬
‫سورة الكهف فسيقت لبيان أن زينة الدنيا تذهب بغتة فال يبقى منها‬

‫(‪)31‬‬
‫زاد املسري‪ .)011/4( ،‬وقال السعدي يف تفسريه‪" :)343( ،‬خيرب تعاىل عن أعمال‬
‫الكفار اليت عملوها‪ :‬إما أن املراد بها األعمال اليت عملوها هلل‪ ،‬بأنها يف ذهابها‬
‫وبطالنها واضمحالهلا كاضمحالل الرماد‪ ،‬الذي هو أدق األشياء وأخفها‪ ،‬إذا‬
‫اشتدت به الريح يف يوم عاصف شديد اهلبوب‪ ،‬فإنه ال يبقى منه شيئا‪ ،‬وال يقدر‬
‫منه على شيء يذهب ويضمحل‪ ،‬فكذلك أعمال الكفار {ال َيقْ ِدرُونَ مِمَّا‬
‫كَسَبُوا َعلَى شَيْءٍ} وال على مثقال ذرة منه ألنه مبين على الكفر‬
‫والتكذيب‪{.‬ذَلِكَ هُوَ الضَّاللُ الْبَعِيدُ} حيث بطل سعيهم واضمحل عملهم‪ ،‬وإما‬
‫أن املراد بذلك أعمال الكفار اليت عملوها ليكيدوا بها احلق‪ ،‬فإنهم يسعون‬
‫ويكدحون يف ذلك ومكرهم عائد عليهم ولن يضروا اهلل ورسله وجنده وما‬
‫معهم من احلق شيئاً"‪.‬‬
‫‪28‬‬

‫شيء ملن اغرت بها‪ ،‬كما تذرو الرياح اهلشيم فال يبقى منه شيء‪ ،‬سواء‬
‫أكانت الرياح شديدة أو غري شديدة‪.‬‬
‫والفعل من (الشدة)‪ :‬شدّ الشيءَ‪ ،‬يفيد التدرج شيئاً فشيئاً يف‬
‫إكساب الشيء صفة الشدة‪ ،‬تقول‪ :‬ش َددْتُ احلبل‪ ،‬أي‪ :‬بدأت بإيثاقه‬
‫شيئا فشيئا‪ ،‬حتى يتم إحكامه‪ .‬وقوله تعاىل‪{ :‬وَشَ َددْنَا ُملْ َكهُ} [ص‪:‬‬
‫‪ ،]41‬فاشتداد امللك يكون شيئاً فشيئاً‪ ،‬وكان التعبري القرآني عن‬
‫ذلك بلفظ‪ :‬شددنا ملكه‪ ،‬ومل يقل‪ :‬قويناه‪ .‬وعلى ذلك حيمل قوله‬
‫ش ُددْ َعلَى ُقلُو ِبهِمْ} [يونس‪ ،]88 :‬فيفيد املعنى أن اهلل ختم‬
‫تعاىل‪{ :‬وَا ْ‬
‫على قلوبهم‪ ،‬وهذا اخلتم مل حيصل مرة واحدة‪ ،‬ولكنه حيصل‬
‫بالتصاعد شيئاً فشيئاً‪ ،‬فيبدأ اخلتم‪ ،‬ثم يشتد‪ ،‬وذلك مرتبط بعمل‬
‫اإلنسان‪ ،‬الذي ال يزال يعمل السيئات مرةً بعد مرةٍ‪ ،‬وال يزال الشدّ‬
‫على قلبه يزداد مرةً بعد مر ٍة‪ ،‬ولذلك جاء يف احلديث‪" :‬تُعْ َرض الفنتُ‬
‫ت فيه نُكْ َت ٌة‬
‫على القلوب كاحلصري عُوداً عُوداً‪ ،‬فأي قلب أُشْربَها نُ ِك َ‬
‫ت فيه نُكْ َت ٌة بيضاء‪ ،‬حتى تصريَ على قلبني‪،‬‬
‫سوداء‪ ،‬وأي قلب أَنكَرها نُ ِك َ‬
‫على أبيضَ مثلِ الصفا فال تضره فتنةٌ ما دامت السماوات واألرض‪،‬‬
‫واآلخر أسودُ ُمرْبَادًّا‪ ،‬كالكوز ُمجَخِّيًا ال يعرف معروفاً‪ ،‬وال ينكر‬
‫منكراً‪ ،‬إال ما أشرب من هواه"(‪ .)51‬فقوله (حتى يصري)‪ ،‬يفيد أن النَّكْت‬
‫حيدث مرةً بعد مرةٍ‪ ،‬وأن صريورة القلب بتلك الصفة مل حيدث مرة‬

‫(‪)01‬‬
‫أخرجه مسلم‪ ،‬من حديث أبي هريرة‪ ،‬رقم (‪ ،)633‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب بيان أن‬
‫اإلسالم بدأ غريبا وسيعود غريبا‪ .‬و(مُرْبَادًّا) – كما قال القاضي عياض يف‬
‫إكمال املعلم بفوائد مسلم (‪" :)303/6‬الرُّبدَةُ شيء من بياض يسري خيالطُ‬
‫السواد كلون أكثر النعام‪ ،‬ومنه قيل للنعامة‪ :‬رَبْداءُ"‪ ،‬و(جمخياً)‪ :‬منكوساً‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫واحدة‪ ،‬بل ازداد شيئا فشيئا‪.‬‬


‫ويستخدم القرآن الكريم لفظ (الشدة) مع اجلسم‪ ،‬كقوله‬
‫س َرهُمْ} [اإلنسان‪ ،]48 :‬وقال تعاىل‪:‬‬
‫ش َددْنَا أَ ْ‬
‫خ َلقْنَاهُمْ وَ َ‬
‫حنُ َ‬
‫تعاىل‪َ { :‬ن ْ‬
‫ُم لِتَكُونُوا شُيُوخًا} [غافر‪ ،]17 :‬وقال‪:‬‬
‫{ثُمَّ لِ َت ْب ُلغُوا أَشُدَّكُمْ ث َّ‬
‫خ َلقْنَا} [الصافات‪ ،]66 :‬فاستخدم‬
‫خلْقًا أَمْ َمنْ َ‬
‫{فَاسْ َتفْ ِتهِمْ َأهُمْ أَشَدُّ َ‬
‫لفظ (الشدة) للتعبري عن اكتمال منو اجلسم‪ ،‬واكتسابه القوة‬
‫الالزمة ألداء وظائفه دون نقصان‪ .‬واإلنسان خلق ضعيفاً ثم اشتد‬
‫جسمه فأصبح شديدا (شددنا أسرهم)‪( ،‬بلغ أشده)‪ ،‬فثمة تدرج يف‬
‫اشتداد اجلسم‪ ،‬حتى يبلغ أشده‪ ،‬أي‪ :‬أقصى درجة من النمو‬
‫واالكتمال ميكن للجسم أن يبلغها‪ ،‬ثم بعدها يبدأ زوال تلك الشدة‬
‫شيئاً فشيئاً‪ ،‬وهذا هو الوهن‪.‬‬
‫شدِيدُ ا ْل ُقوَى} [النجم‪ ،]5 :‬فأضاف‬
‫وكذلك قوله‪{ :‬ع ََّل َمهُ َ‬
‫لفظ (شديد) إىل (القوى)‪ ،‬والقُ َوى مجع قوة‪ ،‬وشديد القوى جربيل‬
‫عليه السالم‪ ،‬فالشدة هنا ختتص بكمال قدرة اجلسم على الفعل‬
‫املنوط به‪ ،‬قال أبو السعود‪" :‬وناهيك دليالً على شدة قوته أنه قلع‬
‫قرى قوم لوط من املاء األسود الذي هو حتت الثرى ومحلها على‬
‫جناحه ورفعها إىل السماء ثم قلبها‪ ،‬وصاح بثمود صيحة فأصبحوا‬
‫جامثني‪ ،‬وكان هبوطه على األنبياء وصعوده يف أسرع من رجعة‬
‫الطرف"(‪.)56‬‬

‫(‪)06‬‬
‫تفسري أبي السعود‪ .)600/8( ،‬وكذلك قوله‪َ { :‬علَيْهَا َملَا ِئكَةٌ ِغلَاظٌ شِدَادٌ}‬
‫[التحريم‪ ،]1 :‬فالشدة ختتص بكمال قدرة اجلسم على الفعل املنوط به‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫ج َعلَ مِنْ‬
‫ض ْعفٍ ثُمَّ َ‬
‫خ َلقَكُمْ مِنْ َ‬
‫الذِي َ‬
‫وأما يف قوله تعاىل‪{ :‬اهللُ َّ‬
‫خلُقُ مَا يَشَاءُ َو ُهوَ‬
‫ض ْعفًا وَشَ ْي َبةً َي ْ‬
‫ض ْعفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَ َعلَ ِمنْ َب ْعدِ قُوَّةٍ َ‬
‫َب ْعدِ َ‬
‫ا ْل َعلِيمُ ا ْل َقدِيرُ} [الروم‪ ،]53 :‬فاستخدم لفظ (القوة)‪ ،‬يف مقابل‬
‫(الضعف)‪ ،‬إذ اآلية تبني انتقال اإلنسان من حالة الضعف إىل حالة‬
‫القوة‪ ،‬فليس الغرض هنا الوصف كاآليات األخرى‪ ،‬وإمنا بيان قدرة‬
‫اهلل وفعله كيف يشاء يف خلقه‪ ،‬وهو العليم القدير‪ ،‬فينقل اإلنسان‬
‫من ضعف إىل قوة‪ ،‬ثم من قوة إىل ضعف‪.‬‬
‫‪31‬‬

‫احلقل الثاني‪ :‬العزم الفتور‬


‫‪ /6‬الكسل‪:‬‬
‫قال اخلليل‪" :‬الكسل‪ :‬التثاقل عما ال ينبغي"(‪ ،)54‬وقال ابن‬
‫فارس‪" :‬الكسل أصلٌ يدل على التثاقل عن الشيء والقعود عن‬
‫إمتامه"(‪.)54‬‬
‫وقد جاء لفظ الكسل يف القرآن الكريم امساً جمموعاً‪ ،‬يف‬
‫الصلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء‪:‬‬
‫موضعني‪ ،‬قوله‪{ :‬وَِإذَا قَامُوا ِإلَى َّ‬
‫الصلَاةَ إِلَّا َوهُمْ كُسَالَى} [التوبة‪ .]53 :‬قال‬
‫‪ ،]634‬وقوله‪َ { :‬ولَا يَ ْأتُونَ َّ‬
‫الواحدي‪" :‬أي‪ :‬متثاقلني متباطئني"(‪ ،)53‬وقال ابن عاشور‪" :‬الكسل‪:‬‬
‫الفتور يف األفعال لسآمة أو كراهية‪ ،‬والكسل يف الصالة مؤذن بقلة‬
‫اكرتاث املصلي بها وزهده يف فعلها‪ ،‬فلذلك كان من شيم‬
‫املنافقني"(‪.)55‬‬

‫‪ /4‬التثاقل‪:‬‬
‫أما (التثاقل) فجاء فعالً يف موضع واحد‪ ،‬وهو قوله تعاىل‪{ :‬يَا‬

‫(‪)04‬‬
‫العني‪ ،‬مادة‪ :‬ك س ل‪ .)461/0( ،‬وتابعه مجهور اللغويني‪ ،‬ولفظه عند األزهري يف‬
‫تهذيب اللغة‪ ،‬مادة‪ :‬ك س ل‪" :)47/61( ،‬الكسل‪ :‬التثاقل عما ال ينبغي التثاقل‬
‫عنه"‪ ،‬وينظر‪ :‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬للراغب‪ ،‬مادة‪ :‬ك س ل‪،)766( ،‬‬
‫وبصائر ذوي التمييز‪ ،‬للفريوز آبادي‪.)404/3( ،‬‬
‫(‪ )04‬مقاييس اللغة‪.)678/0( ،‬‬
‫(‪ )03‬التفسري البسيط‪.)611/7( ،‬‬
‫(‪ )00‬التحرير والتنوير‪.)441/0( ،‬‬
‫‪32‬‬

‫سبِيلِ اهللِ اثَّا َقلْتُمْ ِإلَى‬


‫الذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ ِإذَا قِيلَ لَكُمُ ا ْن ِفرُوا فِي َ‬
‫َيهَا َّ‬
‫أ ُّ‬
‫الْأَ ْرضِ} [التوبة‪ .]48 :‬قال الزخمشري‪" :‬أي‪ :‬تباطأمت وتقاعستم‪،‬‬
‫وضُمِّن معنى امليل واإلخالد فعُدّى بـ(إىل)‪ ،‬واملعنى‪ :‬ملتم إىل الدنيا‬
‫خ َلدَ ِإلَى الْأَرْضِ‬
‫وشهواتها وكرهتم مشاقّ السفر ومتاعبه‪ ،‬وحنوه‪{ :‬أَ ْ‬
‫َات َبعَ َهوَاهُ}"(‪ ،)51‬وقال ابن عطية‪" :‬عبارة عن ختلفهم ونكوهلم‬
‫و َّ‬
‫وتركهم الغزو لسكنى ديارهم والتزام خنلهم وظالهلم"(‪ .)57‬وقال ابن‬
‫عاشور‪ " :‬التثاقل‪ :‬تكلف الثقل‪ ،‬أي إظهار أنه ثقيل ال يستطيع‬
‫النهوض‪ .‬والثقل حالة يف اجلسم تقتضي شدة تطلبه للنزول إىل‬
‫أسفل‪ ،‬وعسر انتقاله‪ ،‬وهو مستعمل هنا يف البطء جمازا مرسال‪ ،‬وفيه‬
‫تعريض بأن بطأهم ليس عن عجز‪ ،‬ولكنه عن تعلق باإلقامة يف‬
‫بالدهم وأمواهلم‪.)58("...‬‬
‫فالقرآن الكريم استخدم لفظ (كساىل) امساً جمموعاً مرتني‪،‬‬
‫وكالهما يف ذم تكاسل املنافقني عن الصالة‪ ،‬أما التثاقل فورد فعالً‪،‬‬
‫واستخدمه يف عتاب املؤمنني‪ ،‬وتنفريهم عن التثاقل‪.‬‬
‫وهذا احلقل الداللي يشتمل على ألفاظ‪ ،‬منها(‪ :)59‬التواني‪،‬‬
‫والتهاون‪ ،‬والفتور‪ ،‬والكسل‪ ،‬والتثاقل‪ ،‬والتباطؤ‪ ،‬والرتاخي‪ ،‬واخللود‬
‫إىل الدعة‪ ،‬والقعود عن اجلهاد‪ ،‬والتخلف عنه‪ .‬وكل هذه األفعال‬
‫تثقل القلب أوالً ثم تسري يف اجلسم‪ ،‬فتظهر آثارها فيه‪ .‬ولذلك‬

‫(‪ )01‬الكشاف‪.)476/4( ،‬‬


‫(‪)07‬‬
‫تفسري ابن عطية‪.)43/4( ،‬‬
‫(‪)08‬‬
‫التحرير والتنوير‪.)617/61( ،‬‬
‫(‪)01‬‬
‫ينظر‪ :‬املخصص‪ ،‬البن سيده‪.)443/4( ،‬‬
‫‪33‬‬

‫فهذه األفعال مجيعها من مظاهر الوهن‪.‬‬


‫وجاء يف القرآن الكريم من هذه األلفاظ‪( :‬الكسل)‪ ،‬و(التثاقل)‪،‬‬
‫كرِي}‬
‫وقد قدمت أدلتهما‪ ،‬والتواني يف قوله تعاىل‪َ { :‬ولَا تَنِيَا فِي ذِ ْ‬
‫[طه‪ ،]34 :‬والتباطؤ‪ ،‬يف قوله‪ { :‬وَإِنَّ مِنْكُمْ َل َمنْ لَ ُيبَطِّئَنَّ} [النساء‪،]74 :‬‬
‫[قال أبو السعود يف تفسريه (‪ :)411/4‬أي ليتثاقلن وليتخلفن عن‬
‫اجلهاد‪ ...‬أو ليبطئن غريه ويثبطنه]‪ .‬واخللود إىل الدعة يف قوله‪:‬‬
‫َاتبَعَ َهوَاهُ} [األعراف‪ ،]671 :‬وقد يسند فعل‬
‫خ َلدَ ِإلَى الْأَ ْرضِ و َّ‬
‫{أَ ْ‬
‫الرتاخي إىل الرضا أو الفرح أو كراهية اجلهاد‪ ،‬كقوله عن‬
‫خوَا ِلفِ} [التوبة‪ ،]87 :‬وقوله‪َ { :‬ف ِرحَ‬
‫املنافقني‪َ { :‬رضُوا بِأَنْ يَكُونُوا َمعَ ا ْل َ‬
‫ك ِرهُوا أَنْ ُيجَا ِهدُوا بِأَ ْموَا ِلهِمْ‬
‫خلَافَ رَسُولِ اهللِ وَ َ‬
‫ا ْل ُمخ ََّلفُونَ بِ َم ْق َعدِهِمْ ِ‬
‫سبِيلِ اهللِ وَقَالُوا لَا تَ ْن ِفرُوا فِي ا ْلحَرِّ} [التوبة‪ ،]86 :‬وقوله‪:‬‬
‫سهِمْ فِي َ‬
‫وَأَ ْنفُ ِ‬
‫{إِنَّكُمْ َرضِيتُمْ بِا ْل ُقعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَا ْق ُعدُوا َمعَ ا ْلخَا ِلفِنيَ} [التوبة‪.]84 :‬‬
‫ومفهوم (الوهن) يشملها‪ ،‬من حيث إنه اتصاف بصفة الفتور‬
‫وأخواتها‪ ،‬مع إمكان االتصاف بالعزم واجلد‪ ،‬فهذا هو الوهن‪ .‬وعليه‬
‫السلْمِ وَأَنْتُمُ‬
‫حيمل قوله تعاىل‪ :‬وقوله‪َ { :‬فلَا َتهِنُوا َو َتدْعُوا ِإلَى َّ‬
‫الْأَ ْع َلوْنَ} [حممد‪ ،]45 :‬أي‪ :‬ال ختلدوا إىل الدعة فتطلبوا املساملة‪.‬‬
‫وقوله تعاىل‪َ { :‬ولَا َتهِنُوا فِي ابْ ِتغَاءِ ا ْل َقوْمِ} [النساء‪ ،]613 :‬أي‪ :‬ال‬
‫تتوانوا وال تفرتوا يف ابتغائهم‪ ،‬بل جدوا وحتلوا بالعزم‪ ،‬وانهضوا إىل‬
‫طلبهم‪ .‬قال الزخمشري‪" :‬وال تهنوا وال تضعفوا وال تتوانوا يف ابتغاء‬
‫القوم يف طلب الكفار بالقتال والتعرض به هلم"(‪.)11‬‬

‫(‪)11‬‬
‫الكشاف‪.)016/6( ،‬‬
‫‪34‬‬

‫‪ /4‬العزم‪:‬‬
‫ويقابل هذه األلفاظ – يف القرآن الكريم‪ :‬العزم‪ ،‬واملسارعة‪،‬‬
‫والسعي‪ ،‬واإلصرار‪ .‬ويف غريه‪ :‬النشاط‪ ،‬واهلمة‪ ،‬واجلد‪ ،‬واالجتهاد‪.‬‬
‫َكلْ َعلَى اهللِ}‬
‫فالعزم ورد يف آيات‪ ،‬كقوله‪{ :‬فَِإذَا َعزَمْتَ فَ َتو َّ‬
‫َتقُوا فَإِنَّ َذ ِلكَ ِمنْ عَزْمِ‬
‫ص ِبرُوا َوت َّ‬
‫[آل عمران‪ ،]659 :‬وقوله‪{ :‬وَإِنْ تَ ْ‬
‫صدَقُوا اهللَ لَكَانَ‬
‫الْأُمُورِ} [آل عمران‪ ،]681 :‬وقوله {فَِإذَا َعزَمَ الْأَمْرُ َف َلوْ َ‬
‫خَ ْيرًا َلهُمْ} [حممد‪ .]46 :‬قال الراغب‪" :‬العزم‪ :‬عقد القلب على إمضاء‬
‫األمر"(‪ ،)16‬وقال الكفوي‪" :‬عزم على األمر‪ :‬أراد فعله وقطع عليه‪ ،‬أو جدّ‬
‫يف األمر"(‪ .)14‬وقال الشوكاني‪" :‬والعزم يف األصل‪ :‬قصد اإلمضاء‪ ،‬أي‪:‬‬
‫فإذا قصدت إمضاء أمر فتوكل على اهلل"(‪ ،)14‬وقال ابن عاشور‪" :‬والعزم‬
‫إمضاء الرأي وعدم الرتدد بعد تبيني السداد"(‪.)13‬‬
‫والعرب تقرن لفظ (الوهن) بـ(العزم)‪ ،‬على أنه مقابل له‪ ،‬ومنه‬
‫قول اإلمام علي‪" :‬غري نَ ِكلٍ يف َقدَمٍ‪ ،‬وال واهناً يف عزم"(‪ ،)15‬أي‪ :‬ال يتأخر‬
‫وال ينكل بل يُقدِم‪ ،‬وال يرتدد أو يرتاخى بل يعزم‪ ،‬ومن مأثور العرب‪:‬‬
‫"عزم ال يشوبه وهن"(‪.)11‬‬

‫(‪)16‬‬
‫املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مادة‪ :‬ع ز م‪.)010( ،‬‬
‫(‪)14‬‬
‫الكليات‪.)101( ،‬‬
‫(‪)14‬‬
‫فتح القدير‪.)03/6( ،‬‬
‫(‪)13‬‬
‫التحرير والتنوير‪.)611/3( ،‬‬
‫(‪)10‬‬
‫النهاية يف غريب احلديث واألثر‪ ،‬البن األثري‪ ،)41/3( ،‬و(‪.)443/0‬‬
‫(‪)11‬‬
‫لباب اآلداب‪ ،‬ألسامة بن منقذ‪.)33( ،‬‬
‫‪35‬‬

‫‪ /3‬املسارعة‪:‬‬
‫ويستخدم القرآن الكريم لفظ (املسارعة) للداللة على اجلد‬
‫والتشمري واالجتهاد والنشاط(‪ ،)17‬سواء يف اخلري‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬
‫{وَسَارِعُوا ِإلَى َم ْغ ِفرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران‪ ،]644 :‬وقوله‪{ :‬إ َِّنهُمْ‬
‫كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي ا ْلخَ ْيرَاتِ} [األنبياء‪ .]99 :‬أم يف الشر‪ ،‬كقوله‬
‫الذِي َن يُسَارِعُونَ فِي الْ ُك ْفرِ} [آل عمران‪،]671 :‬‬
‫حزُ ْنكَ َّ‬
‫تعاىل‪َ { :‬ولَا يَ ْ‬
‫كلِهِمُ‬
‫وقوله‪َ { :‬و َترَى كَثِريًا مِ ْنهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَا ْل ُعدْوَانِ وَأَ ْ‬
‫السحْتَ} [املائدة‪ .]14 :‬فـ(املسارعة) هنا مقابل (التثاقل)‪.‬‬
‫ُّ‬

‫‪ /5‬السعي‪:‬‬
‫وكذلك لفظ (السعي)‪ ،‬فهو "يستعمل للجد يف األمر‪ ،‬خريا‬
‫كان أو شرّا"(‪ ،)18‬كقوله {وَسَعى فِي خَرابِها} [البقرة‪ ،]663 :‬وقوله‪:‬‬
‫جزِينَ} [سبأ‪ ،]5 :‬وقوله‪{ :‬كان سعيهم‬
‫س َعوْا فِي آياتِنا مُعا ِ‬
‫َالذِينَ َ‬
‫{و َّ‬
‫مشكورا} [اإلسراء‪.]69 :‬‬

‫‪ /1‬اإلصرار‪:‬‬
‫ويستخدم القرآن الكريم لفظ (اإلصرار)‪ ،‬مبعنى العزم‪ ،‬ولكنه‬
‫يستخدمه يف مقام الذم‪ ،‬قال الراغب‪" :‬اإلصرار‪ :‬التعقّد يف الذنب‬

‫(‪)17‬‬
‫النشاط‪ ،‬مبعنى‪ :‬اجلد يف العمل واهلمة فيه‪ ،‬قال ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة‪:‬‬
‫ن ش ط‪( :)364/7( ،‬النشاط‪ :‬ضد الكسل‪ ...،‬واملَنْشَط َمفْعَل من النشاط‪،‬‬
‫وهو األمر الذي تنشط له‪ ،‬وختف إليه‪ ،‬وتؤثر فعله)‪.‬‬
‫(‪)18‬‬
‫املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬للراغب‪ ،‬مادة‪ :‬س ع ى‪.)366( ،‬‬
‫‪36‬‬

‫والتشدد فيه‪ ،‬واالمتناع من اإلقالع عنه"(‪ ،)19‬ويف التعريفات‪" :‬اإلصرار‪:‬‬


‫اإلقامة على الذنب والعزم على فعل مثله"(‪ .)71‬ومن ذلك قوله تعاىل‪:‬‬
‫{وَكَانُوا يُصِرُّونَ َعلَى ا ْلحِنْثِ ا ْلعَظِيمِ} [الواقعة‪ ،]31 :‬وقوله‪{ :‬وَلَمْ‬
‫يُصِرُّوا َعلَى مَا َف َعلُوا} [آل عمران‪.]645 :‬‬

‫‪ /7‬التقدم والتأخر‪:‬‬
‫َخرَ} [املدثر‪.]47 :‬‬
‫قال تعاىل‪ِ { :‬ل َمنْ شَا َء مِنْكُمْ أَنْ يَ َتقَدَّمَ أَوْ يَتَأ َّ‬
‫قال ابن عباس‪" :‬من شاء اتبع طاعة اهلل‪ ،‬ومن شاء تأخر عنها"(‪،)76‬‬
‫وقال الزخمشري‪" :‬املراد بالتقدّم والتأخر‪ :‬السبق إىل اخلري والتخلف‬
‫عنه"(‪ .)74‬فالتقدم هو املسارعة يف طاعة اهلل‪ ،‬واجلد فيها‪ ،‬والتأخر هو‬
‫التثاقل عن الطاعة‪ ،‬والفتور فيها‪ .‬واإلنسان يوم القيامة ينبأ بهما‬
‫َخرَ} [القيامة‪.]64 :‬‬
‫معاً‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ َيوْمَ ِئذٍ ِبمَا قَدَّمَ وَأ َّ‬

‫(‪)11‬‬
‫املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مادة‪ :‬ص ر ر‪.)386( ،‬‬
‫(‪)71‬‬
‫الشريف اجلرجاني‪.)48( ،‬‬
‫(‪)76‬‬
‫تفسري الطربي‪.)40/43( ،‬‬
‫(‪)74‬‬
‫الكشاف‪.)103/3( ،‬‬
‫‪37‬‬

‫احلقل الثالث‪ :‬الشجاعة واجلنب‬


‫‪ /6‬التثبيت‪:‬‬
‫ومل يرد لفظ (الشجاعة) يف القرآن الكريم‪ ،‬ويستخدم القرآن‬
‫للداللة عليه لفظ (الربط على القلب)‪ ،‬و(التثبيت)‪ ،‬كقوله تعاىل‪:‬‬
‫{ َولِ َيرْبِطَ َعلَى ُقلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ ِبهِ الْأَ ْقدَامَ} [األنفال‪ ،]66 :‬قال ابن‬
‫كثري‪(" :‬ولريبط على قلوبكم) أي‪ :‬بالصرب واإلقدام على جمالدة‬
‫األعداء‪ ،‬وهو شجاعة الباطن‪( ،‬ويثبت به األقدام) وهو شجاعة‬
‫الظاهر"(‪ .)74‬وكقوله تعاىل‪َ { :‬ولَمَّا َبرَزُوا ِلجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا‬
‫صرْنَا َعلَى ا ْل َقوْمِ الْكَا ِفرِينَ}‬
‫ص ْبرًا وَثَبِّتْ أَ ْقدَامَنَا وَانْ ُ‬
‫أَ ْف ِرغْ َعلَيْنَا َ‬
‫الذِينَ آمَنُوا إِذا َلقِيتُمْ فِ َئةً فَا ْثبُتُوا}‬
‫َيهَا َّ‬
‫[البقرة‪ ،]451 :‬وقوله‪{ :‬يا أ ُّ‬
‫صرْكُمْ‬
‫اللهَ يَنْ ُ‬
‫صرُوا َّ‬
‫الذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْ ُ‬
‫َيهَا َّ‬
‫[األنفال‪ ،]35 :‬وقوله‪{ :‬يا أ ُّ‬
‫وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ} [حممد‪.]7 :‬‬

‫‪ /4‬البأس‪:‬‬
‫وكذلك يعرب عن الشجاعة بالبأس‪ ،‬كقوله تعاىل‪{ :‬قَالُوا‬
‫شدِيدٍ} [النمل‪ ،]44 :‬قال أبو السعود‪" :‬أي‪:‬‬
‫حنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ َ‬
‫َن ْ‬
‫جندة وشجاعة مفرطة وبالء يف احلرب"(‪ ،)73‬ومثله قوله‪َ { :‬بعَثْنَا‬
‫شدِيدٍ} [اإلسراء‪ ،]5 :‬وقوله {سَ ُتدْ َعوْنَ ِإلَى‬
‫َعلَيْكُمْ ِعبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ َ‬
‫شدِيدٍ} [الفتح‪.]61 :‬‬
‫َقوْمٍ أُولِي بَأْسٍ َ‬

‫(‪)74‬‬
‫تفسري ابن كثري‪.)43/3( ،‬‬
‫(‪)73‬‬
‫تفسري أبي السعود‪.)483/1( ،‬‬
‫‪38‬‬

‫‪ /4‬اجلنب واخلور‪:‬‬
‫خلوّار‪ :‬الضعيف من كل شيء‪ ،‬يُقال‪ :‬رمح‬
‫قال ابن فارس‪" :‬ا َ‬
‫خوّار‪ ،‬وأرض خوارة‪ ،‬ومجعه‪ :‬خُوْر"(‪" ،)75‬ومن اجملاز‪ :‬رجل خوّار‪:‬‬
‫َ‬
‫جبان"(‪ .)71‬وقال ابن منظور‪" :‬خار الرجل خَوراً‪ :‬ضعف وانكسر"(‪.)77‬‬
‫فاخلور (يف الناس) ليس مطلق الضعف‪ ،‬ولكنه انكسار القوة باخلوف‪،‬‬
‫وهذا قول عمر رضي اهلل عنه‪" :‬لن ختور قُوىً ما دام صاحبها يَنْزِع‬
‫وينزو"‪ ،‬قال ابن األثري‪" :‬خار خيور‪ ،‬إذا ضعُفت قوته ووهَتْ‪ ،‬أي‪ :‬لن‬
‫يضعف صاحب قوة يقدر أن يَ ْنزِع يف قوسه‪ ،‬ويثب إىل ظهر دابته"(‪.)78‬‬
‫وهذا معنى اجلنب و"أصله يف القتال"(‪ ،)79‬قال الراغب‪" :‬اجلنب‪:‬‬
‫ضعف القلب عمّا حيق أن يقوى عليه"(‪ ،)81‬وقال الفيومي‪" :‬رجل جبان‪،‬‬
‫أي‪ :‬ضعيف القلب"(‪.)86‬‬
‫وهذا ما فسر به املاوردي قوله تعاىل‪َ { :‬فمَا َوهَنُوا لِمَا َأصَا َبهُمْ‬
‫سبِيلِ اهللِ وَمَا ضَ ُعفُوا} [آل عمران‪ ،]631 :‬قال‪" :‬الوهن‪ :‬االنكسار‬
‫فِي َ‬
‫باخلوف‪ ،‬والضعف نقصان القوة‪ ،‬واالستكانة اخلضوع‪ ،‬ومعناه‪ :‬فلم‬
‫يهنوا باخلوف‪ ،‬وال ضعفوا بنقصان القوة‪ ،‬وال استكانوا باخلضوع"(‪،)84‬‬

‫(‪)70‬‬
‫مقاييس اللغة‪ ،‬مادة‪ :‬خ و ر‪.)447/4( ،‬‬
‫(‪)71‬‬
‫أساس البالغة‪ ،‬للزخمشري‪ ،‬مادة‪ :‬خ و ر‪.)411/6( ،‬‬
‫(‪)77‬‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة‪ :‬خ و ر‪.)414/3( ،‬‬
‫(‪)78‬‬
‫النهاية يف غريب احلديث واألثر‪ ،‬مادة‪ :‬خ و ر‪.)87/4( ،‬‬
‫(‪)71‬‬
‫املخصص‪ ،‬البن سيده‪.)477/6( ،‬‬
‫(‪)81‬‬
‫املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مادة‪ :‬ج ب ن‪.)681( ،‬‬
‫(‪)86‬‬
‫املصباح املنري‪ ،‬مادة‪ :‬ج ب ن‪.)11/6( ،‬‬
‫(‪)84‬‬
‫تفسري املاوردي‪.)348/6( ،‬‬
‫‪39‬‬

‫(‪)83‬‬ ‫(‪)84‬‬
‫بانكسار‬ ‫الوهن هنا باجلنب‪ ،‬وفسره أبو السعود‬ ‫وفسر البغوي‬
‫(‪)85‬‬
‫أن الوهن هنا جماز عن خور العزمية‪.‬‬ ‫اهلمة‪ ،‬وقال ابن عاشور‬
‫وكلها متقاربة‪ ،‬فاخلور هو انكسار القلب باخلوف‪ ،‬وهذا هو اجلنب‪.‬‬
‫ومل يرد لفظ اجلنب يف القرآن الكريم‪ ،‬وال لفظ اخلور‪ ،‬وإمنا ورد‬
‫مبعناهما‪ :‬الوهن‪ ،‬كما يف اآلية‪ ،‬والفشل‪ ،‬وألفاظ أخرى‪.‬‬
‫وهذا احلقل الداللي يشتمل على جمموعة من األلفاظ‪،‬‬
‫منها(‪ :)81‬اجلنب‪ ،‬واخلور‪ ،‬والرعب‪.‬‬
‫ظرُونَ‬
‫خوْفُ رَأَيْ َتهُمْ يَنْ ُ‬
‫ِحةً َعلَيْكُمْ فَِإذَا جَاءَ ا ْل َ‬
‫قال تعاىل‪{ :‬أَش َّ‬
‫خوْفُ‬
‫ِإلَ ْيكَ َتدُورُ أَعْيُ ُنهُمْ كَالَّذِي ُيغْشَى َعلَ ْيهِ ِمنَ ا ْل َموْتِ فَِإذَا َذهَبَ ا ْل َ‬
‫ِحةً َعلَى ا ْلخَ ْيرِ} [األحزاب‪ ،]69 :‬قال ابن‬
‫حدَادٍ أَش َّ‬
‫س َلقُوكُمْ بِ َألْسِ َنةٍ ِ‬
‫َ‬
‫كثري‪(" :‬فإذا جاء اخلوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم‬
‫كالذي يغشى عليه من املوت)‪ ،‬أي‪ :‬من شدة خوفه وجزعه‪ ،‬وهكذا‬
‫خوف هؤالء اجلبناء من القتال‪( ،‬فإذا ذهب اخلوف سلقوكم بألسنة‬
‫حداد)‪ ،‬أي‪ :‬فإذا كان األمن‪ ،‬تكلموا كالما بليغا فصيحا عاليا‪،‬‬
‫وادّعوا ألنفسهم املقامات العالية يف الشجاعة والنجدة‪ ،‬وهم يكذبون‬
‫يف ذلك"(‪.)87‬‬

‫(‪)84‬‬
‫تفسري البغوي‪.)046/6( ،‬‬
‫(‪)83‬‬
‫تفسري أبي السعود‪.)10/4( ،‬‬
‫(‪)80‬‬
‫التحرير والتنوير‪.)668/3( ،‬‬
‫(‪)81‬‬
‫ينظر‪ :‬املخصص‪ ،‬البن سيده‪.)478/6( ،‬‬
‫(‪)87‬‬
‫تفسري ابن كثري‪.)411/1( ،‬‬
‫‪40‬‬

‫‪ /3‬الفشل‪:‬‬
‫وقد جاءت الداللة على اجلنب بلفظ (الفشل)‪ ،‬قال الفريوز‬
‫آبادي‪" :‬فشِل‪ :‬كسِل وضعُف وتراخى وجبُن"(‪ ،)88‬قال تعاىل‪{ :‬حَتَّى ِإذَا‬
‫شلْتُمْ َوتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَ ْمرِ} [آل عمران‪ ،]654 :‬قال الطربي‪" :‬حتى إذا‬
‫فَ ِ‬
‫جبنتم وضعفتم"(‪.)89‬‬

‫‪ /5‬أفئدتهم هواء‪:‬‬
‫كما جاءت الداللة عليه بصور بيانية‪ ،‬منها قوله تعاىل‪:‬‬
‫{وَأَفْ ِئ َد ُتهُمْ َهوَاءٌ} [إبراهيم‪ ،]34 :‬قال ابن عطية‪" :‬وحيتمل أن يكون يف‬
‫اضطراب أفئدتهم وجيشانها يف صدورهم‪ ،‬وأنها جتيء وتذهب وتبلغ‬
‫على ما روي ‪ -‬حناجرهم‪ ،‬فهي يف ذلك كاهلواء الذي هو أبداً يف‬
‫اضطراب‪ .‬وعلى هاتني اجلهتني يشبه قلب اجلبان وقلب الرجل‬
‫املضطرب يف أموره باهلواء"(‪.)91‬‬

‫‪ /1‬بلغت القلوب احلناجر‪:‬‬


‫جرَ} [األحزاب‪:‬‬
‫وكذلك قوله تعاىل‪{ :‬وَ َب َلغَتِ ا ْلقُلُوبُ ا ْلحَنَا ِ‬
‫‪ .]61‬قال الراغب‪" :‬ويعبّر بالقلب عن املعاني اليت ختتصّ به من الرّوح‬
‫والعلم والشّجاعة وغري ذلك"(‪ ،)96‬وقوله تعاىل‪َ { :‬ولِتَ ْ‬
‫طمَئِنَّ ِبهِ‬
‫ُقلُوبُكُمْ} [األنفال‪" ،]61 :‬أي‪ :‬تثبت به شجاعتكم ويزول خوفكم‪ ،‬وعلى‬

‫(‪)88‬‬
‫بصائر ذوي التمييز‪.)614/3( ،‬‬
‫(‪)81‬‬
‫تفسري الطربي‪.)481/7( ،‬‬
‫(‪)11‬‬
‫تفسري ابن عطية‪ ،)430/4( ،‬وينظر‪ :‬تفسري ابن كثري‪.)060/3( ،‬‬
‫(‪)16‬‬
‫املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مادة‪ :‬ق ل ب‪.)186( ،‬‬
‫‪41‬‬

‫عكسه‪{ :‬وَ َقذَفَ فِي ُقلُو ِبهِمُ الرُّعْبَ} [احلشر‪.)94("]4 :‬‬

‫‪ /7‬حصرت صدروهم‪:‬‬
‫صلُونَ‬
‫الذِينَ يَ ِ‬
‫ومنها لفظ (حصرت صدورهم) يف قوله‪{ :‬إِلَّا َّ‬
‫صدُورُهُمْ أَنْ‬
‫صرَتْ ُ‬
‫ِإلَى َقوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْ َنهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَ ِ‬
‫طهُمْ َعلَيْكُمْ‬
‫يُقَا ِتلُوكُمْ أَوْ ُيقَا ِتلُوا َقوْ َمهُمْ َولَوْ شَاءَ اهللُ لَسَلَّ َ‬
‫َف َلقَا َتلُوكُمْ} [النساء‪ ،]91 :‬قال الراغب‪" :‬ضاقت بالبخل واجلنب‪ ،‬وعبّر‬
‫عنه بذلك كما عبّر عنه بضيق الصدر‪ ،‬وعن ضده بالرب والسعة"(‪.)94‬‬
‫وقال الزجاج‪" :‬أي‪ :‬ضيق صدورهم عن قتالكم إمنا هو لقذف اهلل‬
‫الرعب يف صدورهم"(‪.)93‬‬

‫(‪)14‬‬
‫املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬للراغب‪ ،‬مادة‪ :‬ق ل ب‪.)184( ،‬‬
‫(‪)14‬‬
‫املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مادة‪ :‬ح ص ر‪.)441( ،‬‬
‫(‪)13‬‬
‫معاني القرآن‪.)81/4( ،‬‬
‫‪42‬‬

‫احلقل الرابع‪ :‬اإلحكام واالختالل‬


‫‪ /6‬اخللل‪:‬‬
‫خل َللَ يف‬
‫خللَل‪ :‬مُ ْن َفرَج ما بني كل شيئني‪ ...‬وا َ‬
‫قال اخلليل‪" :‬ا َ‬
‫احلرب ويف األمر كالوهن"(‪ ،)95‬وقال ابن سيده‪" :‬وا َ‬
‫خللَل‪ :‬ال َو ْهنُ يف‬
‫خ َللٌ‪ ،‬أَي‬
‫ربم وال أُحكِم‪ .‬وَفِي رَأْيه َ‬
‫األمر‪ ،‬كأنه ترك منه موضع مل يُ َ‬
‫انتشار وتفرق"(‪ .)91‬ويف لسان العرب‪" :‬وقول املقدام‪ :‬مَا َهذَا بأَول مَا‬
‫خ َللْتم بِي‪ ،‬أَي‪ :‬أَوهنتموني َولَم تُعينوني‪ .‬وأَمر ُمخْتَلٌّ‪ :‬واهِن"(‪ .)97‬ويف‬
‫أَ ْ‬
‫خللَل‪ :‬الفرجة بني الشيئني‪ ،‬ومجعه خِالل‪،‬‬
‫بصائر ذوي التمييز‪" :‬ا َ‬
‫خبلَل‬
‫كخلل الدار والسحاب‪ ..‬واخللل يف األمر‪ ،‬كال َوهْن‪ ،‬تشبيها له َ‬
‫الديار"(‪.)98‬‬
‫وحتت هذا املعنى ترد ألفاظ‪ :‬االنفكاك‪ ،‬واالنفساخ‪ ،‬واالرختاء‪،‬‬
‫وحنوها‪ .‬جاء يف النهاية البن األثري‪(" ،‬انفكت قدمه)‪ :‬االنفكاك‪ :‬ضرب‬
‫من الوَهْن واخلَلْع‪ ،‬وهي أن تنفك بعض أجزائها عن بعض"(‪ .)99‬وقال‬
‫الزبيدي‪" :‬والفكّ يف اليد‪ :‬دون الكسر‪ ،‬وهو انفراج املنكب عن مفصله‬
‫اسرتخاء وضعفا"(‪.)611‬‬

‫(‪)10‬‬
‫العني‪ ،‬مادة‪ :‬خ ل ل‪.)631/3( ،‬‬
‫(‪)11‬‬
‫احملكم‪ ،‬مادة‪ :‬خ ل ل‪.)063/3( ،‬‬
‫(‪)17‬‬
‫ابن منظور‪ ،‬مادة خ ل ل‪.)460/66( ،‬‬
‫(‪)18‬‬
‫الفريوز آبادي‪.)001/4( ،‬‬
‫(‪)11‬‬
‫مادة‪ :‬ف ك ك‪.)311/4( ،‬‬
‫(‪ )611‬تاج العروس‪ ،‬مادة‪ :‬ف ك ك‪.)411/47( ،‬‬
‫‪43‬‬

‫فاخللل قد يكون حسياً‪ ،‬فيدل على االنفراج واالنفكاك‬


‫واالرختاء‪ ،‬وقد يكون معنوياً‪ ،‬فيدل على التفرق‪ ،‬ومنه قوهلم‪" :‬يف رأيه‬
‫خلل‪ ،‬أي انتشار وتفرق‪ ..‬وأمر ُمخْ َتلّ‪ :‬واهن"(‪ .)616‬وقال الفريوز آبادي‪:‬‬
‫"أمرٌ ُمخْ َتلّ‪ :‬واهٍ‪ ...‬واختلّ‪ :‬نقص و ُهزِل"(‪.)614‬‬

‫‪ /4‬اإلبرام‪:‬‬
‫واالختالل يقابل‪ :‬اإلحكام‪ ،‬واستخدم يف القرآن الكريم لفظ‬
‫(اإلبرام)‪ ،‬يف قوله تعاىل‪{ :‬أَ ْم أَ ْبرَمُوا أَ ْمرًا فَإِنَّا ُم ْبرِمُونَ} [الزخرف‪،]79 :‬‬
‫قال الزجاج‪" :‬أي‪ :‬أم أحكموا عند أنفسهم أمرا من كيد أو شر فإنا‬
‫مربمون‪ ،‬حمكمون جمازاتهم"(‪ .)614‬ولفظ (الشد)‪ ،‬يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫{حَتَّى ِإذَا أَ ْثخَنْ ُتمُوهُمْ فَشُدُّوا ا ْلوَثَاقَ} [حممد‪ .]3 :‬أي‪ :‬أحكموا‬
‫الوثاق‪ ،‬وشدوه شداً حمكماً‪ ،‬ال ارختاء فيه‪.‬‬

‫‪ /4‬التفرق والتنازع‪:‬‬
‫وقد استخدم القرآن الكريم جمموعة من األلفاظ الدالة على‬
‫ح ْبلِ‬
‫صمُوا ِب َ‬
‫اخللل (املعنوي)‪ ،‬ومنها‪ :‬التفرُّق‪ ،‬كقوله تعاىل‪{ :‬وَاعْتَ ِ‬
‫جمِيعًا َولَا َتفَرَّقُوا} [آل عمران‪ ،]614 :‬ولفظ (التنازع)‪ ،‬كقوله‬
‫اهللِ َ‬
‫ص ِبرُوا إِنَّ اهللَ َمعَ‬
‫شلُوا َوتَ ْذهَبَ رِحيُكُمْ وَا ْ‬
‫تعاىل‪َ { :‬ولَا تَنَازَعُوا فَ َتفْ َ‬
‫الصَّا ِبرِينَ} [األنفال‪ ،]31 :‬قال ابن كثري‪" :‬ال يتنازعوا فيما بينهم‬

‫(‪)616‬‬
‫احملكم‪ ،‬البن سيده‪ ،‬مادة‪ :‬خ ل ل‪.)063/3( ،‬‬
‫(‪)614‬‬
‫القاموس احمليط‪ ،‬مادة‪ :‬خ ل ل‪.)113( ،‬‬
‫(‪)614‬‬
‫معاني القرآن‪.)341/3( ،‬‬
‫‪44‬‬

‫فيختلفوا فيكون سببا لتخاذهلم وفشلهم"(‪.)613‬‬

‫‪ /3‬الوهْي‪:‬‬
‫ويتصل بهذا احلقل الداللي لفظ (الوهْي)‪ ،‬وورد يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫السمَاءُ َفهِيَ يَوْمَ ِئذٍ وَاهِ َيةٌ} [احلاقة‪ ،]61 :‬قال املاتريدي‪:‬‬
‫{وَانْشَقَّتِ َّ‬
‫ضهُمْ‪:‬‬
‫"أي‪ :‬ضعيفة بعدما كانت تنسب إىل الصالبة"‪ ،‬وقال‪" :‬قَالَ َبعْ ُ‬
‫تفرقت‪ ،‬وهكذا الشيء إذا انشق تفرق وتباين‪ ،‬وبه يظهر الشق‪.‬‬
‫وحيتمل أن يكون الشق كناية عن اللني؛ أي‪ :‬تلني بعد صعوبتها"(‪،)615‬‬
‫وقال أبو السعود‪" :‬ضعيفة مسرتخية بعد ما كانت حمكمة"(‪.)611‬‬
‫وقال ابن عاشور‪" :‬والوهي‪ :‬قريب من الوهن‪ ،‬واألكثر أن الوهي‬
‫يوصف به األشياء غري العاقلة‪ ،‬والوهن يوصف به الناس"(‪ .)617‬وهذا‬
‫ملمح غري مميز بني الوهن والوهي؛ فالوهي أيضاً يستخدم يف وصف‬
‫الناس‪ ،‬كما أن الوهن يستخدم يف وصف غري املعقوالت(‪ ،)618‬بغض‬
‫النظر عن كثرة ذلك أو قلته‪.‬‬
‫وجاء يف بصائر ذوي التمييز‪" :‬وهِي يهِي‪ :‬تَخرَّق وانْشَقَّ‬
‫واسْ َترْخَى رِباطُه"(‪ ،)619‬فالوهي‪ :‬اسرتخاء يف الشيء احملكم ناتج عن‬

‫(‪)613‬‬
‫تفسري ابن كثري‪. .)74/3( ،‬‬
‫(‪)610‬‬
‫تفسري املاتريدي‪.)670/61( ،‬‬
‫(‪)611‬‬
‫تفسري أبي السعود‪.)43/1( ،‬‬
‫(‪)617‬‬
‫التحرير والتنوير‪.)647/41( ،‬‬
‫(‪)618‬‬
‫ينظر‪ :‬تاج العروس‪ ،‬مادة‪ :‬و هـ ي‪.)417/31( ،‬‬
‫(‪)611‬‬
‫الفريوز آبادي‪.)488/0( ،‬‬
‫‪45‬‬

‫تشققه‪ ،‬وهلذا يقولون‪ :‬رقع الوهْي‪ .‬قال جرير يذم الفرزدق(‪:)661‬‬


‫ني بعدما ‪ ..‬وهبْتَ‪ ،‬فلم يوجد ل َوهْيك راقعُ‬
‫نَ ِدمْتَ على يوم السِّباقَ ْ‬

‫فالقرآن الكريم يبني أن السماء ستنشق فتصبح واهية‪ ،‬ف َوهْيها‪:‬‬


‫اسرتخاء بعد إحكام‪ ،‬بسبب تشققها‪ .‬وهي السماء اليت كانت‬
‫شدَادًا} [النبأ‪:‬‬
‫سبْعًا ِ‬
‫حمكمة غاية اإلحكام‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬وَبَنَيْنَا َفوْقَكُمْ َ‬
‫‪ ،]64‬قال ابن كثري‪" :‬يعين‪ :‬السموات السبع‪ ،‬يف اتساعها وارتفاعها‬
‫وإحكامها وإتقانها"(‪.)666‬‬
‫فامللمح املميز يف داللة (الوهي) أنه يستخدم وصفاً ملا اسرتخى‬
‫بعد إحكام‪ ،‬و(الوهن) يشرتك معه يف هذه الداللة‪ ،‬ويفرتقان يف كون‬
‫داللة (الوهي) تقتصر على أن اسرتخاءه ناتج عن تشقق‪ ،‬ولذلك‬
‫نقول‪ :‬وهِي الثوب‪ ،‬وال نقول‪ :‬وهَن الثوب‪ ،‬فـ(الوهْي) أخصّ من‬
‫(الوهن)‪ .‬أما الوهن‪ ،‬فيطلق على أي انتقال من جانب حممود يف‬
‫الصفة إىل جانبها املذموم‪ ،‬فهو هنا‪ :‬انتقل من اإلحكام إىل‬
‫االسرتخاء‪ ،‬ثم بعد ذلك ينفرد (الوهن) بالداللة على‪ :‬الفتور بعد‬
‫عزم‪ ،‬واجلنب بعد إقدام‪ ،‬والضعف بعد شدة‪.‬‬

‫(‪)661‬‬
‫شرح نقائض جرير والفرزدق‪ ،‬ألبي عبيدة‪.)846/4( ،‬‬
‫(‪)666‬‬
‫تفسري ابن كثري‪.)414/8( ،‬‬
‫‪46‬‬

‫احلقل اخلامس‪ :‬االستطاعة والعجز‬


‫‪ /6‬العجز‪:‬‬
‫جزُ‪ :‬أصل يدل على معنيني‪ ،‬أحدهما‪:‬‬
‫قال ابن فارس‪" :‬وال َع ْ‬
‫الضعف‪ ،‬والثاني‪ :‬مؤخرة الشيء"(‪ ،)664‬وقال أبو هالل العسكري‪:‬‬
‫"والعجز يضاد القدرة"(‪ .)664‬وقال الراغب األصفهاني‪" :‬العجز‪ :‬أصله‬
‫التأخر عن الشيء‪ ،‬وحصوله عند عجُز األمر‪ ،‬أي‪ :‬مؤخره‪ .‬وصار يف‬
‫التّعارف امسا للقصور عن فعل الشيء‪ ،‬وهو ضدّ القدرة"(‪.)663‬‬
‫وتعريف الراغب تعريف دالّ‪ ،‬فالعجز ليس جمرد الضعف‪،‬‬
‫ولكنه قصور عن فعل الشيء‪ ،‬إال أنه ال يطلق القول بأن العجز يضاد‬
‫القدرة(‪ ،)665‬فقد يكون العجز مع وجود القدرة‪ ،‬ولذلك نهى رسول اهلل‬

‫(‪)664‬‬
‫مقاييس اللغة‪.)444/3( ،‬‬
‫(‪)664‬‬
‫الفروق اللغوية‪.)664( ،‬‬
‫(‪)663‬‬
‫املفردات يف غريب القرآن‪.)037( ،‬‬
‫(‪)660‬‬
‫ينظر جمموع الفتاوى‪ ،‬البن تيمية‪ )468/4( ،‬وما بعدها‪ ،‬فقد ذكر اخلالف يف‬
‫"استطاعة العبد"‪ ،‬وهل تقرتن بالفعل‪ ،‬أو تكون متقدمة عليه‪ ،‬وقسمها‬
‫قسمني‪ ،‬األوىل‪ :‬استطاعة تقارن الفعل وال تسبقه‪ ،‬كما يف قوله تعاىل‪{ :‬مَا‬
‫السمْعَ} [هود‪ ،]41 :‬فهذه نفي مطلق لالستطاعة‪ ،‬والثانية‪:‬‬
‫كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ َّ‬
‫استطاعة تسبق الفعل وتقارنه‪ ،‬كقوله تعاىل‪{ :‬وَلِلَّهِ َعلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ‬
‫اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران‪( .]17 :‬فاحلج واجب على املستطيع) سواء فعل أو‬
‫مل يفعل‪ ،‬قال – رمحه اهلل‪" :‬وعلى تفسري السلف واجلمهور فاملراد بعدم‬
‫االستطاعة مشقة ذلك عليهم وصعوبته على نفوسهم‪ ،‬فنفوسهم ال تستطيع‬
‫إرادته؛ وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه‪ ،‬وهذه حال من صده هواه ورأيه‬
‫الفاسد عن استماع كتب اهلل املنزلة واتباعها‪ :‬فقد أخرب أنه ال يستطيع ذلك"‪.‬‬
‫‪47‬‬

‫جزْ"(‪،)661‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم عن العجز‪ ،‬فقال‪" :‬واسْ َت ِعنْ باهللِ وال تَعْ َ‬
‫قال أبو املظفر‪" :‬فأما قوله‪( :‬وال تعجز) فإنه ال حيسن باملؤمن أن‬
‫يعجز؛ وقد بقي يف األمر مطلع الحتيال"(‪ .)667‬فالنهي عن العجز‬
‫يقتضي إمكان القدرة على الفعل‪ ،‬وإال ملا نهى عما ال يطيقه اإلنسان‪.‬‬
‫اللهُمَّ إِنِّي‬
‫وكذلك كان رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يتعوذ منه‪َّ " :‬‬
‫ضلَعِ‬
‫جل ْبنِ‪ ،‬وَ َ‬
‫خلِ وَا ُ‬
‫سلِ‪ ،‬وَال ُب ْ‬
‫جزِ وَالكَ َ‬
‫حلزَنِ‪ ،‬وَال َع ْ‬
‫أَعُوذُ ِبكَ ِمنَ اهلَمِّ وَا َ‬
‫الدَّ ْينِ‪ ،‬وَ َغ َل َبةِ الرِّجَالِ"(‪.)668‬‬
‫والتحقيق أن العجز يقابل االستطاعة‪ ،‬فالعجز هو القصور عن‬
‫فعل الشيء‪ ،‬واالستطاعة‪ :‬القدرة على فعل الشيء‪ ،‬وعرفها الراغب‬
‫بأنها "وجود ما يصري به الفعل متأتّياً"(‪ .)669‬وكل منهما (أي‪ :‬العجز‬
‫واالستطاعة) قد يكون مطلقا‪ ،‬وقد يكون نسبياً‪ ،‬فالعجز املطلق يقابل‬
‫االستطاعة املطلقة‪ ،‬والعجز النسيب يقابل االستطاعة النسبية‪.‬‬
‫فالعجز النسيب (أي مع إمكان االستطاعة)‪ ،‬ورد يف القرآن‬

‫وقال يف جمموع الفتاوى‪ :)44/61( ،‬العجز ‪ -‬الذي هو ضد الكَيس ‪ -‬هو التفريط‬


‫فيما يؤمر بفعله‪ ،‬فهو ينايف االستطاعة الثانية‪ ،‬وهي اليت يتعلق بها األمر والنهي‪.‬‬
‫[بتصرف]‪.‬‬
‫(‪)661‬‬
‫أخرجه مسلم‪ ،‬رقم (‪ ،)4113‬كتاب‪ :‬القدر‪ ،‬باب‪ :‬يف األمر بالقوة وترك العجز‬
‫واالستعانة باهلل‪.‬‬
‫(‪)667‬‬
‫اإلفصاح عن معاني الصحاح‪.)33/8( ،‬‬
‫(‪)668‬‬
‫أخرجه البخاري من حديث أنس بن مالك‪ ،‬رقم (‪ ،)1414‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب‬
‫التعوذ من غلبة الرجال‪ .‬ومسلم‪ ،‬رقم (‪ ،)4711‬كتاب الذكر والدعاء‪ ،‬باب‬
‫التعوذ من العجز والكسل‪ .‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫(‪)661‬‬
‫املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مادة‪ :‬ط و ع‪.)041( ،‬‬
‫‪48‬‬

‫جزْتُ أَنْ‬
‫الكريم يف موضع واحد وهو قوله تعاىل‪{ :‬قَالَ يَا وَ ْيلَتَا أَ َع َ‬
‫سوْءَةَ أَخِي} [املائدة‪ ،]46 :‬فهو عجز عن‬
‫أَكُونَ مِ ْثلَ َهذَا ا ْل ُغرَابِ فَأُوَارِيَ َ‬
‫استطاعة‪ .‬وهذا هو الذي ورد فيه النهي عن العجز‪ ،‬كما يف احلديث‬
‫السابق‪ ،‬قال القاضي عياض‪ :‬العجز "ترك ما جيب فعله‪ ،‬والتسويف‬
‫فيه وتأخريه عن وقته"(‪.)641‬‬

‫‪ /4‬االستطاعة‪:‬‬
‫ويستخدم القرآن الكريم للداللة على هذا العجز النسيب‪ ،‬لفظ‬
‫(االستطاعة) منفياً‪ ،‬وهي االستطاعة النسبية‪ ،‬اليت ميكن أن تتأتى‪،‬‬
‫إذا تهيأت أسبابها‪ ،‬كقوله تعاىل‪{ :‬أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ ُيمِلَّ ُهوَ}‬
‫ض َعفِنيَ ِمنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَا ْل ِو ْلدَانِ لَا‬
‫[البقرة‪{ ،]484 :‬إِلَّا ا ْلمُسْتَ ْ‬
‫يَسْتَطِيعُونَ حِي َلةً} [النساء ‪ ،]98:‬فالعجز هنا نسيب‪ ،‬إذ كان بإمكان‬
‫اململ أن يتعلم كغريه‪ ،‬وبإمكان املستضعفني أن يستطيعوا‪.‬‬
‫ويف مقابل ذلك‪ ،‬يستخدم القرآن الكريم لفظ االستطاعة‬
‫مثبتاً‪ ،‬فيقابل العجز النسيب‪ ،‬كقوله‪{ :‬وَل َِّلهِ َعلَى النَّاسِ حِجُّ ا ْلبَيْتِ‬
‫سبِيلًا} [آل عمران‪ ،]97 :‬وقوله‪{ :‬وَأَعِدُّوا َلهُمْ مَا‬
‫َمنِ اسْتَطَاعَ ِإلَ ْيهِ َ‬
‫صلَاحَ مَا‬
‫طعْتُمْ ِمنْ قُوَّةٍ} [األنفال‪ ،]11 :‬وقوله‪{ :‬إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْ ِإ ْ‬
‫اسْتَ َ‬
‫طعْتُ} [هود‪ .]88 :‬والقرآن الكريم يستخدم لفظ (االستطاعة) مع‬
‫اسْتَ َ‬
‫فعل اإلنسان‪ ،‬سواء يف النفي أو اإلثبات‪ ،‬كما رأيت‪ .‬أما لفظ (القدرة)‬
‫فيستخدم يف اإلثبات مسندا إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬كقوله {إِنَّ اهللَ‬
‫َعلَى كُلِّ شَيْءٍ َقدِيرٌ} [البقرة‪ ،]41 :‬وال يسند إىل املخلوق إال منفيا‪،‬‬

‫(‪)641‬‬
‫إكمال املعلم بفوائد مسلم‪.)634/8( ،‬‬
‫‪49‬‬

‫سبُوا َعلَى شَيْءٍ} [إبراهيم‪.]68 :‬‬


‫كقوله‪{ :‬لَا َي ْقدِرُونَ مِمَّا كَ َ‬
‫وهذا العجز هو الذي يقابل (الكَيْس)‪ ،‬ومل يرد لفظ (الكيس)‬
‫يف القرآن الكريم‪ ،‬وورد اللفظان يف قوله صلى اهلل عليه وسلم(‪:)646‬‬
‫جزِ"‪ ،‬قال‬
‫جزِ وَالْكَيْسِ‪ ،‬أَوِ الْكَيْسِ وَا ْل َع ْ‬
‫"كُلُّ شَيْءٍ ِب َقدَرٍ‪ ،‬حَتَّى ا ْل َع ْ‬
‫القاضي عياض(‪" :)644‬والكَيْس ضد العجز‪ ،‬وهو النشاط واحلذق‬
‫باألمور" ‪ .‬فالكيس هو الفطنة واحلذق بالشيء‪ ،‬وهو املراد بالنفي يف‬
‫ض َعفِنيَ ِمنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَا ْل ِو ْلدَانِ لَا‬
‫قوله تعاىل‪{ :‬إِلَّا ا ْلمُسْتَ ْ‬
‫يَسْتَطِيعُونَ حِي َلةً} [النساء ‪ ،]98:‬فنفي االستطاعة عنهم‪ ،‬مبعنى نفي‬
‫الكيس عنهم‪.‬‬
‫اإلطاقة‪:‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالوهن يلتقي مع العجز النسيب‪ ،‬ويقابل (االستطاعة)‬
‫بهذا املعنى‪ ،‬وأفعال االستطاعة األخرى‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬اإلطاقة‪ ،‬كما يف‬
‫طعَامُ مِسْكِنيٍ} [البقرة‪:‬‬
‫الذِينَ يُطِيقُو َنهُ ِفدْ َيةٌ َ‬
‫قوله تعاىل‪{ :‬وَ َعلَى َّ‬
‫‪ ،]683‬فمن مل يفعل الشيء وهو يستطيع فعله أو يطيقه فهو واهن‪،‬‬
‫الذِينَ‬
‫قال تعاىل‪{ :‬قَالُوا لَا طَا َقةَ لَنَا الْ َيوْمَ ِبجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ َّ‬
‫يَظُنُّونَ أ ََّنهُمْ ُملَاقُو اهللِ كَمْ ِمنْ فِ َئةٍ َقلِي َلةٍ َغ َلبَتْ فِ َئةً كَثِريَةً بِِإذْنِ اهللِ‬
‫وَاهللُ َمعَ الصَّا ِبرِينَ} [البقرة‪ ،]439 :‬فالفئة الواهنة ادعت أنها ال تطيق‬
‫مواجهة جالوت‪ ،‬فردت عليها الفئة املؤمنة مبينة هلا أن ذلك وهن‪،‬‬
‫وعليهم أن يؤمنوا باهلل ويصربوا‪ ،‬فهم يطيقون املواجهة ولكنهم‬

‫(‪)646‬‬
‫أخرجه مسلم‪ ،‬رقم (‪ ،)4100‬كتاب القدر‪ ،‬باب كل شيء بقدر‪.‬‬
‫(‪)644‬‬
‫إكمال املعلم بفوائد مسلم‪.)634/8( ،‬‬
‫‪50‬‬

‫وهنوا‪.‬‬
‫وأما العجز املطلق‪ ،‬فهو القصور عن فعل الشيء مع عدم‬
‫االستطاعة أصالً‪ ،‬ومل يستخدم يف القرآن الكريم بهذا املعنى إال‬
‫منفياً‪ ،‬وجاء يف سياق نفي إعجاز البشر هلل‪ ،‬كقوله تعاىل‪{ :‬وَمَا أَنْتُمْ‬
‫جزِينَ} [األنعام‪ ،)644(]643 :‬أي‪ :‬ال تظنوا أن اهلل غري قادر عليكم‪،‬‬
‫ِب ُم ْع ِ‬
‫فهو ينفي عن نفسه سبحانه وتعاىل العجز عن أهل األرض‪ ،‬وبلفظ‬
‫آخر ينفي عن نفسه عدم القدرة عليهم‪ .‬قال الطربي‪" :‬لن تعجزوا‬
‫ربّكم هربًا منه يف األرض فتفوتوه‪ ،‬ألنكم حيث كنتم يف قبضته‪ ،‬وهو‬
‫عليكم وعلى عقوبتكم مبعصيتكم إيّاه قادر"(‪.)643‬‬
‫وهذا العجز املطلق يقابله االستطاعة املطلقة‪ ،‬إال أن القرآن‬
‫الكريم يستخدم لفظ (االستطاعة) بهذه الداللة يف سياق النفي‪ ،‬أي‬
‫َالذِينَ َتدْعُونَ ِمنْ دُو ِنهِ لَا‬
‫نفيها عن املخلوق‪ ،‬كقوله تعاىل‪{ :‬و َّ‬
‫صرَكُمْ} [األعراف‪]697 :‬؛ فهذه األصنام ال تقدر البتة أن‬
‫يَسْتَطِيعُونَ نَ ْ‬
‫تنصر عابديها‪ ،‬وكقوله‪َ { :‬بلْ تَ ْأتِيهِمْ َبغْ َتةً فَ َت ْبهَ ُتهُمْ َفلَا يَسْتَطِيعُونَ‬
‫َدهَا} [األنبياء‪ .]31 :‬أما يف سياق اإلثبات فالقرآن يستخدم لفظ‬
‫ر َّ‬
‫(القدرة) وينسبها إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬كقوله { إِنَّ اهللَ َعلَى كُلِّ‬
‫شَيْءٍ َقدِيرٌ} [البقرة‪.]41 :‬‬
‫وبهذا يتبني أن بني العجز والوهن عموم وخصوص وجهي‪،‬‬

‫(‪)644‬‬
‫ومنه قوله تعاىل‪{ :‬وَا ْعَلمُوا أ ََّنكُمْ غَيْرُ مُ ْعجِزِي اهللِ} [التوبة‪ ،]4 :‬وقوله‪{ :‬وَمَا‬
‫السمَاوَاتِ وَلَا فِي الْ َأرْضِ إِنَّهُ كَانَ َعلِيمًا قَدِيرًا}‬
‫كَانَ اهللُ لِيُ ْعجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي َّ‬
‫[فاطر‪ ،]33 :‬وغريها من اآليات‪.‬‬
‫(‪)643‬‬
‫تفسري الطربي‪.)648/64( ،‬‬
‫‪51‬‬

‫فيجتمعان يف العجز النسيب‪ ،‬الذي يكون عجزاً عن استطاعة (أي مع‬


‫إمكان االستطاعة) فهو عجز ووهن‪ ،‬كما جيتمعان يف العجز الذي‬
‫يكون بعد قدرة‪ ،‬وأما إذا كان عن عدم قدرة أصالً فيوصف بالعجز وال‬
‫يوصف بالوهن‪ .‬فمثالً‪ :‬الشخص املعاق عن املشي خلقة‪ ،‬يوصف‬
‫بالعجز عن املشي‪ ،‬وال يوصف بالوهن‪ .‬أما من كان قادراً على املشي‬
‫ثم حدثت له إعاقة فيوصف بأنه‪ :‬واهن أو عاجز‪ ،‬ومن ذلك إطالق‬
‫لفظ (العجوز) على الكبري يف السن الذي صار جسمه يؤوده ويثقله‬
‫عن القيام مبهامه‪ ،‬فهو عجز بعد قدرة‪.‬‬
‫كما أن (العجز) هو أثر الوهن‪ ،‬فالواهن يعجز عن أداء‬
‫وظيفته‪ ،‬فمثالً‪َ :‬وهْن العظم يضعفه‪ ،‬ومن ثم يؤدي به إىل العجز عن‬
‫حتمل اجلسم‪.‬‬

‫‪ /4‬املشقة‪:‬‬
‫ورد لفظ (املشقة)‪ ،‬يف قوله تعاىل‪{ :‬وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ َعلَ ْيكَ}‬
‫[القصص‪ ،]47 :‬قال البقاعي‪" :‬أي‪ :‬أدخل عليك مشقة يف شيء من‬
‫ذلك وال غريه"(‪ ،)645‬وقال البيضاوي‪" :‬واشتقاق املشقة من الشِّقّ‪ ،‬فإن‬
‫ما يصعب عليك يشق عليك اعتقادك يف إطاقته‪ ،‬ويوزع رأيك يف‬
‫مزاولته"(‪ .)641‬وقال الراغب‪" :‬والشِّقُّ‪ :‬ا ْلمَش َّ‬
‫َقةُ واالنكسار الذي يلحق‬
‫النّفس والبدن‪ ،‬وذلك كاستعارة االنكسار هلا‪ ،‬قال عزّ وجلّ‪{ :‬لَمْ‬

‫(‪)640‬‬
‫نظم الدرر‪.)476/63( ،‬‬
‫(‪)641‬‬
‫تفسري البيضاوي‪ .)671/3( ،‬وينظر‪ :‬تفسري أبي السعود‪.)61/7( ،‬‬
‫‪52‬‬

‫تَكُونُوا با ِلغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} [النحل‪.)647("]7 :‬‬


‫( ‪)648‬‬
‫يف قوله‬ ‫وقد فسر بعض املفسرين لفظ الوهن باملشقة‬
‫ُمهُ َوهْنًا َعلَى َو ْهنٍ} [لقمان‪ .]63 :‬وحنو من ذلك من‬
‫ح َملَ ْتهُ أ ُّ‬
‫تعاىل‪َ { :‬‬
‫جلهْد)‪ ،‬أو (الشدة) (‪ .)649‬إال أن الوهن يف اآلية يعين‪:‬‬
‫فسره بلفظ (ا َ‬
‫الضعف الذي يصيب األم احلامل بعد القوة؛ مما يؤدي إىل إنهاك‬
‫جسدها‪ ،‬فتصيبها مشقة وجهد‪ ،‬وتالقي شدة يف أداء أعماهلا‪ .‬فاملشقة‬
‫(أو اجلهد) هو أثر من آثار الوهن‪ .‬فالعظم الواهن جيد مشقة يف‬
‫القيام بوظيفته‪ ،‬وقد تؤدي به هذه املشقة إىل العجز التام‪.‬‬
‫ومن ثم يتبني أن املشقة هي أول آثار الوهن‪ ،‬ثم العجز‪ .‬وسواء‬
‫يف ذلك أكان الشيء الواهن ذاتاً أو معنى‪ ،‬فاجلسم الواهن يشق‬
‫عليه العمل‪ ،‬وكذلك القلب الواهن جيد مشقة يف النهوض إىل‬
‫الشيء‪ ،‬ولذلك يؤثر يف اجلسم فيصيبه الفتور والكسل‪.‬‬

‫(‪ )647‬املفردات يف غريب القرآن‪ ،‬مادة‪ :‬ش ق ق‪ ،)301( ،‬وبصائر ذوي التمييز‪ ،‬للفريوز‬
‫آبادي‪.)441/4( ،‬‬
‫(‪)648‬‬
‫ينظر تفسري ابن عطية‪ ،)438/3( ،‬وتفسري السعدي‪.)138( ،‬‬
‫(‪)641‬‬
‫ينظر‪ :‬تفسري الطربي‪.)647/41( ،‬‬
‫‪53‬‬

‫خالصة لبعض الدالالت‪:‬‬


‫القوة‪ :‬صفة يف الشيء‪ ،‬متنحه القدرة على األداء‪.‬‬
‫الوهن‪ :‬انكسارُ حدّ الشيء‪ ،‬بعد قوةٍ متحققةٍ أو ُممْكِنة‪ ،‬مما‬
‫يؤدي إىل عجزه‪.‬‬
‫الضعف‪ :‬صفة أصلية أو طارئة على الشيء تقابل القوة‪.‬‬
‫الشدة‪ :‬بلوغ الصفة حدها األقصى صعوداً أو هبوطاً‪.‬‬
‫اللني‪ :‬صفة يف الشيء‪ ،‬تدل على اكتسابه السهولة والنعومة‬
‫والطراوة‪.‬‬

You might also like